بيان تحرير الوسيله

اشارة

نام كتاب: بيان تحرير الوسيلة( الحج)( احمدى زنجانى)

نويسنده: احمدى زنجانى، زين العابدين

تاريخ وفات مؤلف: 1368 ه. ش

موضوع: فقه استدلالى

زبان: عربى

تعداد جلد: 1

ناشر: موسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى( ره)

مكان چاپ: تهران

سال چاپ: 1429 ه. ق

نوبت چاپ: اول

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

مقدّمة الناشر

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

إنّ «تحرير الوسيلة» هو خير وسيلة يبتغيها المكلّف في سيره وسلوكه، وهو أوثقها عُرىً، وأصلحها منهاجاً؛ لِما امتاز به من سداد في تحديد الموقف العملي، وإصابة في تشخيص الوظائف المُلقاة على عاتق المكلّفين، وذلك على ضوء الدليلين: الاجتهادي والفقاهتي، النابعين من الكتاب والسنّة. ناهيك عن جمعه للمسائل العملية، ونأيه عن المسائل ذات الصبغة النظرية التي لا تمسّ إلى واقعنا المُعاش بصلة.

ولئن كتب الشهيد الأوّل قدّس اللَّه نفسه الزكيّة كتاب «اللّمعة الدمشقيّة» وهو سجين، فإنّ إمامنا العظيم نوّر اللَّه ضريحه قد أ لّف هذا الكتاب حينما كان منفيّاً في مدينة بورسا التركيّة من قبل الطاغوت الغاشم، ولم يكن بحوزته إلّا «وسيلة النجاة» و «العروة الوثقى» و «وسائل الشيعة».

نعم، لم تكن بيده المباركة إلّاهذه الكتب الثلاثة، ولكنّ نفسه العلوية لو لم تكن خزانة للعلوم الحقّة، وفؤاده مهبطاً للإلهام والتحديث، لامتنع وجود هذا السِفر الخالد في تلك الظروف العصيبة.

ونظراً إلى أهمّية هذا الكتاب، وضرورة نشره على مختلف المستويات

ص: 6

والأصعدة؛ لذا فقد أخذت مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره على عاتقها نشر شروح وتعاليق العلماء المحقّقين على «تحرير الوسيلة» ومن نفقتها الخاصّة.

ويعدّ الكتاب الذي بين يديك، واحداً من هذه السلسلة الضخمة التي تروم مؤسّستنا طبعها، وهو شرح كتاب الحجّ من «التحرير»، تأليف آية اللَّه زين العابدين أحمدي زنجاني دام بقائه.

نسأل اللَّه تعالى أن يوفّقه وإيّانا وأن يختم لنا جميعاً بالحسنى إنّه سميع الدعاء.

مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره

فرع قم المقدّسة

ص: 7

وجوب الحجّ

كتاب الحجّ

اشارة

وهو من أركان الدين، وتركه من الكبائر. وهو واجب على كلّ من استجمع الشرائط الآتية.

قال علي عليه السلام في «النهج»: «والحجّ تقربةً للدين».(1)

دليل وجوب الحجّ

اشارة

بيانه- قال السيّد الخوئي في «معتمد العروة»: «لا ريب في أنّ الحجّ من أهمّ الواجبات الإلهية، ومن أركان الدين، وممّا بني عليه الإسلام، وفي روايات كثيرة ذكرها الخاصّة والعامّة: «إنّ الإسلام بني على خمس ومنها الحجّ»،(2) وصّرح الكتاب العزيز بتشريعه ووجوبه فقال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(3). والمستفاد من الأدلّة


1- نهج البلاغة: 512، الحكمة 252 ..
2- راجع: وسائل الشيعة 1: 13، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 1؛ صحيح البخاري 1: 67، الباب 2، الحديث 7 و 5: 347، الباب 230، الحديث 944؛ صحيح مسلم 1: 63، كتاب الإيمان، الباب 1، الحديث 1 ..
3- آل عمران( 3): 97 ..

ص: 8

وجوبه على جميع الناس، من الرجال والنساء والخناثي من دون اختصاص له بطائفة دون اخرى....

وقد يستدلّ على كفر منكر الحجّ بما يستفاد من ذيل آية الحجّ من قوله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ؛ بدعوى أنّ من أنكر وجوب الحجّ كان كمن كفر؛ فإنّ التعبير عن الترك بالكفر يدلّ على أنّ منكره كافر.

وفيه: أنّ الظاهر من قوله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ أنّ من كفر بأسبابه وكان كفره منشأ لترك الحجّ؛ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ لا أنّ إنكار الحجّ يوجب الكفر، فإنّ الذي يكفر يترك الحجّ طبعاً؛ لأنّه لا يعتقد به، ونظير ذلك قوله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ(1)، فإنّ عدم صلاتهم وعدم إيتائهم الزكاة لأجل كفرهم وتكذيبهم يوم القيامة، ولا تدلّ الآيات على أنّ ترك الصلاة موجب للكفر، بل الكفر وتكذيب يوم القيامة منشأ لترك الصلاة وعدم أداء الزكاة، فلا تدلّ الآية على أنّ منكر الحجّ كافر، مضافاً إلى أنّه فسّر الكفر بالترك في صحيح معاوية بن عمّار: «وعن قوله عزّ وجلّ: وَمَنْ كَفَرَ يعني من ترك».(2)

على أنّه يمكن أن يقال: إنّ المراد بالكفر في المقام الكفران المقابل للشكر؛ فإنّ الكفر له إطلاقان:

أحدهما: الكفر المقابل للإيمان.


1- المدّثّر( 74): 42- 46 ..
2- وسائل الشيعة 11: 31، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 7، الحديث 2 ..

ص: 9

ثانيهما: الكفران مقابل شكر النعمة، ولا يبعد أن يكون المراد به هنا هو (مسألة 1): لا يجب الحجّ طول العمر في أصل الشرع إلّامرّة واحدة، ووجوبه مع تحقّق شرائطه فوري؛ بمعنى وجوب المبادرة إليه في العام الأوّل من الاستطاعة، ولا يجوز تأخيره، وإن تركه فيه ففي الثاني وهكذا.

الكفران وترك الشكر بترك طاعته تعالى؛ كما في قوله تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(1)؛ يعني إمّا أن يشكر ويهتدي بالسبيل... وإمّا أن يكفر بالنعمة ولا يهتدي السبيل.... ولا يشكر ما أنعم اللَّه عليه....

وبالجملة: لم يظهر من شي ء من الأدلّة كفر منكر الحجّ؛ بحيث يترتّب عليه أحكام الكافر بمجرّد إنكاره من دون أن يستلزم ذلك تكذيب النبي صلى الله عليه و آله و سلم».(2)

وجوب الحجّ في العمر مرّة واحدة

بيانه- قال السيّد الخوئي في «المعتمد»: «ويدلّ على ذلك- مضافاً إلى الإجماع والتسالم بين المسلمين- السيرة القطعية المستمرّة، ولم ينقل الخلاف من أحد عدا الصدوق في «العلل»؛ فإنّه بعد ما نقل خبر محمّد بن سنان الدالّ على وجوب الحجّ مرّة واحدة. قال: «جاء هذا الحديث هكذا والذي أعتمده وافتي به: أنّ الحجّ على أهل الجدة في كلّ عام فريضة».(3) وما ذكره قدس سره شاذّ


1- الإنسان( 76): 3 ..
2- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 3- 6 ..
3- علل الشرائع: 404- 405؛ وسائل الشيعة 11: 20، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 3، ذيل الحديث 3 ..

ص: 10

مخالف لما تقدّم من الإجماع والسيرة بل الضرورة، على أنّه لو كان واجباً بأكثر من مرّة واحدة في العمر لظهر وبان، وكيف يخفى وجوبه على المسلمين، مع أنّه من أركان الدين وممّا بني عليه الإسلام.

وتدلّ على عدم وجوبه بأكثر من مرّة واحدة عدّة من الروايات؛ فيها الصحيحة وغيرها:

منها: صحيحة البرقي في حديث «وكلّفهم حجّة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك»(1).

ومنها: رواية الفضل بن شاذان «إنّما امروا بحجّة واحدة لا أكثر من ذلك؛ لأنّ اللَّه وضع الفرائض...»(2) وبإزائها روايات اخر تدلّ على وجوب الحجّ أكثر من مرّة بل كلّ عام على المستطيع:

ومنها: ما رواه الشيخ في الصحيح، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: «إنّ اللَّه عزّ وجلّ فرض الحجّ على أهل الجدّة في كلّ عام وذلك قول اللَّه تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ».(3)

وقد حملها الشيخ(4) على الاستحباب؛ جمعاً بينها وبين ما تقدّم من الروايات الدالّة على الوجوب مرّة واحدة في تمام العمر.(5)

قوله قدس سره: «ووجوبه» مع تحقّق شرائطه فوري...».


1- وسائل الشيعة 11: 19، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 3، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 11: 19، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 3، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 11: 16، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 2، الحديث 1 ..
4- راجع: تهذيب الأحكام 5: 16/ 48 ..
5- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 6- 8 ..

ص: 11

فورية وجوب الحجّ

قال السيّد الخوئي في «معتمد العروة»: «لأنّ المكلّف إذا كان واجداً للشرائط وتنجّز التكليف عليه، فلا بدّ له من تفريغ ذمّته فوراً ولا عذر له في التأخير مع احتمال الفوت فلا بدّ له من تفريغ الذمّة.

وأمّا جواز التأخير في بعض الموقّتات؛ كتأخير الصلاة عن أوّل وقتها، أو تأخير القضاء وعدم وجوب المبادرة إليها، فإنّما هو لأجل حصول الاطمينان والوثوق غالباً ببقائه، والتمكّن من إتيان الواجب في آخر الوقت؛ حيث إنّ الوقت قصير يحصل الوثوق والاطمينان غالباً للمكلّفين ببقائهم، بخلاف زمان الحجّ؛ فإنّ الفصل طويل جدّاً، وكيف يحصل الوثوق بالبقاء مع هذه الحوادث والعوارض والطوارئ ولذا نلتزم بالفورية في الصلاة أيضاً فيما لو لم يطمئنّ بالتمكّن من الإتيان بها في آخر الوقت أو في أثنائه، ويجب عليه المبادرة إليها في أوّل الوقت.

وبالجملة: يكفينا حكم العقل بوجوب المبادرة وبعدم جواز تأخيره عن عام الاستطاعة».(1)


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 9- 10 ..

ص: 12

(مسألة 2): لو توقّف إدراكه على مقدّمات بعد حصول الاستطاعة من السفر وتهيئة أسبابه، وجب تحصيلها على وجه يدركه في ذلك العام. ولو تعدّدت الرفقة، وتمكّن من المسير بنحو يدركه مع كلّ منهم، فهو بالتخيير، والأولى اختيار أوثقهم سلامة وإدراكاً، ولو وجدت واحدة ولم يكن له محذور في الخروج معها، لا يجوز التأخير إلّامع الوثوق بحصول اخرى.

اعتبار وجود الراحلة في الاستطاعة

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «لا يخفى: أنّ مقتضى حكم العقل اعتبار القدرة والتمكّن في الحجّ، كسائر التكاليف والواجبات الإلهية، والآية الكريمة أيضاً تدلّ على ذلك، ولا تزيد على حكم العقل؛ فإنّ الاستطاعة المذكورة فيها هي القدرة والتمكّن، فالآية إرشاد إلى ما حكم به العقل، ويكون الحجّ بمقتضى العقل والآية المباركة واجباً عند التمكّن والقدرة. نعم يرتفع وجوبه فيما إذا كان حرجيّاً؛ لأنّه منفي في الشريعة المقدّسة، كسائر الواجبات الشرعية.

والحاصل: لو كنّا نحن والعقل والآية الشريفة، لكان حال الحجّ حال بقيّة الواجبات الإلهية؛ من اعتبار القدرة فيه وارتفاع وجوبه عند الحرج».(1)

وقال في «الحدائق»: «من الشروط المتقدّمة: الاستطاعة إجماعاً؛ نصّاً وفتوى، وفسّرها الأصحاب بالزاد والراحلة في من يفتقر إلى قطع المسافة؛ قال العلّامة قدس سره في «المنتهى»: «اتّفق علماؤنا على أنّ الزاد والراحلة شرطان في الوجوب، فمن فقدهما أو أحدهما مع بعد مسافته، لم يجب عليه الحجّ وإن


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 59- 60 ..

ص: 13

تمكّن من المشي، وبه قال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير والشافعي وأبو حنيفة»، ثمّ قال صاحب «الحدائق»: «وعندي فيه إشكال؛ حيث إنّ الآية قد دلّت على أنّ شرط الوجوب الاستطاعة. والاستطاعة لغة وعرفاً القدرة، وتخصيصها بالزاد والراحلة يحتاج إلى دليل واضح».(1)

وقال في «معتمد العروة»: «فالاستطاعة المعتبرة في الحجّ أخصّ ممّا يقتضيه العقل والآية؛ حيث فسّرت الاستطاعة في جملة من الروايات بالزاد والراحلة، ومن ثمّ وقع الخلاف في الاستطاعة المفسّرة في الروايات، فذهب جماعة من المتأخّرين إلى أنّ اشتراط الزاد والراحلة مختصّ بصورة الاحتياج إليهما، ولو كان قادراً على المشي من دون مشقّة؛ خصوصاً إذا كانت المسافة قريبة فلا يعتبر وجود الراحلة فالاستطاعة المذكورة في الروايات اريد بها المعنى اللغوي، وتخصيصها بالزاد والراحلة مطلقاً لا وجه له....

وذهب القدماء وجماعة من المتأخّرين إلى أنّهما معتبران مطلقاً، حتّى في حقّ من كان متمكّناً من المشي وقادراً عليه من دون مشقّة؛ خصوصاً إذا كانت المسافة بعيدة، فلو حجّ ماشياً من دون وجود الراحلة لا يجزي حجّه عن حجّة الإسلام».(2)

وعن «المهذّب البارع»: «ولو استطاع فمنعه كبر، أو مرض، أو عدوّ ففي وجوب الاستنابة قولان: المروي أنّه يستنيب، ولو زال العذر حجّ ثانياً، ولو مات مع العذر اجزأته النيابة، ذهب الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «الخلاف» إلى وجوب الاستنابة فإن زال العذر بعد ذلك حجّ بنفسه، وهو


1- الحدائق الناضرة 14: 80- 82 ..
2- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 60 ..

ص: 14

مذهب التقي والقاضي وأبي علي، وذهب ابن إدريس إلى عدم وجوب القضاء، واختاره المصنّف والعلّامة؛ لأنّه عبادة بدنية، فسقط مع العجز، ولا تصحّ النيابة فيها، كالصلاة؛ لأنّ الوجوب مشروط بالاستطاعة وإذا سقط عنه لم يجب الاستنابة، واستند الفريقان إلى الروايات».(1)

دليل النافين- كما يظهر من «المختلف»-: «ما رواه محمّد بن يحيى الخثعمي في الصحيح قال سأل حفص الكناسي أبا عبداللَّه عليه السلام وأنا عنده عن قول اللَّه عزّ وجلّ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني بذلك قال: «من كان صحيحاً في بدنه مخلّى سربه له زاد وراحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ».(2) دلّ بمفهومه على أنّ فاقد الصحّة ليس بمستطيع.

احتجّ الشيخ بما رواه معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إنّ علياً عليه السلام رأى شيخاً لم يحجّ قطّ ولم يطق الحجّ من كبره فأمره أن يجهّز رجلًا فيحجّ عنه»(3)... إلى أن قال العلّامة رحمه الله أنّها حكاية حال لا عموم لها، فلعلّ الشيخ الذي رآه علي عليه السلام وأمره بالتجهيز، كان قد وجب عليه الحجّ سلّمنا؛ لكن لا نسلّم أنّ أمره كان على الوجوب. وبالجملة فحكاية الحال قد عرفت أنّها غير عامّة».(4)

وقال في «رياض المسائل»: الشرط السادس: وهو التمكّن من المسير، ويدخل فيه الصحّة من المرض المانع من الركوب، والسفر، وإمكان الركوب،


1- المهذّب البارع 2: 120 ..
2- وسائل الشيعة 11: 34، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 8، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 11: 63، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 24، الحديث 1 ..
4- مختلف الشيعة 4: 39- 40 ..

ص: 15

وتخلية السرب بفتح السين المهملة وإسكان الراء؛ أي الطريق وسِعة الوقت، مع أنّ في «المنتهى»: إجماعنا عليه، بل عن «المعتبر»: أنّ عليه إجماع العلماء، ويدلّ عليه وعلى أكثر الشروط المتقدّمة، بل كلّها عدم صدق الاستطاعة في العرف بدونها غالباً.

ونحو الصحيح: «من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تحجف به، أو مرض لا يطيق فيه الحجّ، أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً، أو نصرانياً»(1).(2)

وفي «الروضة»: «يجب على المستطيع على الفور؛ بإجماع الفرقة المحقّة وتأخيره كبيرة موبقة، والمراد بالفورية وجوب المبادرة إليه في أوّل عام الاستطاعة مع الإمكان، وإلّا ففيما يليه وهكذا، ولو توقّف على مقدّمات؛ من سفر وغيره وجب الفور بها؛ على وجه يدركه كذلك، ولو تعدّدت الرفقة في العام الواحد وجب السير مع اولاها، فإن أخّر عنها وأدركه مع التالية وإلّا كان كمؤخّره عمداً في استقراره، مرّة واحدة بأصل الشرع وقد يجب بالنذر وشبهه؛ من العهد واليمين والاستئجار والإفساد فيتعدّد بحسب وجود السبب».(3)

وقال في «معتمد العروة»: «إذا تعدّدت الرفقة وكانوا موافقين في الخروج زماناً وتمكّن من المسير مع كلّ منهم، اختار بحكم العقل من يثق بوصوله وإدراكه للحجّ معه، وليس له اختيار من لا يثق بوصوله وإدراكه للحجّ، وإذا اختلفت الرفقة في الوثوق لا يجب عليه اختيار الأوثق سلامة وإدراكاً؛ لأنّ


1- وسائل الشيعة 11: 29، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 7 ..
2- رياض المسائل 6: 35- 36 ..
3- الروضة البهيّة 2: 161- 162 ..

ص: 16

الميزان هو الوثوق والاطمينان بالوصول والإدراك ولا يحكم العقل بأزيد من ذلك.

نعم، الإنسان بحسب جبلّته وطبعه يختار الأوثق والأكثر اطميناناً؛ خصوصاً في الامور الخطيرة.

وبالجملة: لا دليل شرعاً على لزوم الأخذ بالأوثق سلامة، بل له أن يختار من يثق به ولو كان دون الأوّل في الوثوق... وقد تقدّم عن الشهيد الثاني في «الروضة» وجوب الخروج مع الرفقة الاولى مطلقاً ولو كانت الرفقة الثانية أوثق إدراكاً؛ لأنّ التأخير تفريط في أداء الواجب فيجب الخروج مع الرفقة الاولى.

وعن السيّد في «المدارك»: جواز التأخير إلى الاخرى بمجرّد احتمال الإدراك ولو لم يثق به لعدم ما يدلّ على فورية المسير مع الاولى.(1)

وعن الشهيد في «الدروس»: أنّه لا يجوز التأخير إلّامع الوثوق فإذا وثق بالإدراك بالمسير مع اللاحق يجوز له التأخير وإلّا فلا.(2) وهذا هو الصحيح....

وهل يكفي الظنّ بالوصول في جواز التأخير إلى القافلة اللاحقة؟ الظاهر لا؛ لأنّ الظنّ لعدم حجّيته ليس بمعذّر، وإذا تنجّز عليه الواجب يجب عليه الخروج عن عهدته، فلا بدّ أن يسلك طريقاً يطمئنّ به، أو يثق بإدراكه الواجب، ومجرّد الظنّ بالإدراك لا يجوّز له التأخير إلى القافلة اللاحقة.

هذا كلّه في الحكم التكليفي من حيث الجواز والوجوب بالنسبة إلى الخروج مع الرفقة.

وأمّا بالنسبة إلى الحكم الوضعي واستقرار الحجّ، فقد ذكر المصنّف قدس سره: «أ نّه


1- مدارك الأحكام 7: 18 ..
2- الدروس الشرعية 1: 314 ..

ص: 17

لو لم يخرج مع الاولى مع تعدّد الرفقة، أو مع وحدتها ثمّ اتّفق عدم إدراك الحجّ بسبب التأخير استقرّ عليه الحجّ»(1)؛ لأنّه كان متمكّناً من المسير والخروج مع الاولى ولم يخرج، وموضوع استقرار الحجّ هو التمكّن من السير مع القافلة، فإذا فاته وجب عليه الحجّ في العام القابل....

نعم، لو وجب عليه الحجّ وتنجّز التكليف وأهمل حتّى فاته الحجّ وجب عليه الحجّ في القابل؛ لأنّ الإهمال والتفويت العمدي يوجبان الاستقرار، وقد أخذ المحقّق رحمه الله عنوان الإهمال موضوعاً للاستقرار(2) فمطلق الترك وعدم الإدراك لا عن اختيار لا يوجبان الاستقرار».(3)


1- العروة الوثقى 4: 344، المسألة 2 ..
2- شرائع الإسلام 1: 227 ..
3- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 11- 14 ..

ص: 18

شرائط وجوب الحجّ

وهي امور:

أحدها: الكمال بالبلوغ والعقل، فلا يجب على الصبيّ وإن كان مراهقاً، ولا على المجنون وإن كان أدوارياً؛ إن لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الأعمال مع مقدّماتها غير الحاصلة، ولو حجّ الصبيّ المميّز صحّ لكن لم يجز عن حجّة الإسلام، وإن كان واجداً لجميع الشرائط عدا البلوغ. والأقوى عدم اشتراط صحّة حجّه بإذن الوليّ؛ وإن وجب الاستئذان في بعض الصور.

اشتراط البلوغ والعقل في الحجّ

بيانه- قال السيّد الخوئي في «معتمد العروة»: «لا ريب في اعتبار البلوغ والعقل في التكاليف والأحكام الشرعية، ويدلّ عليه حديث جري القلم(1) وأنّ أوّل ما خلق اللَّه العقل وبه يثيب وبه يعاقب.(2) ويدلّ عليه أيضاً جملة من


1- وسائل الشيعة 1: 42، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 12 ..
2- وسائل الشيعة 1: 39، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 3، الحديث 1 ..

ص: 19

الروايات الدالّة على أنّ حجّ الصبيّ لا يجزئ عن حجّة الإسلام: منها: رواية شهاب في حديث قال: سألته عن ابن عشر سنين يحجّ، قال: «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم وكذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت»....(1) والرواية ضعيفة بسهل بن زياد.

والعمدة صحيحة إسحاق بن عمّار، عن ابن عشر سنين يحجّ قال: «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم وكذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت»(2)، فإنّ المستفاد من هذه الروايات أنّ حجّة الإسلام وفريضة الإسلام لا تصدق على حجّ الصبيّ، وهذه الفريضة باقية عليه، وإذا بلغ يجب عليه أداؤها».(3)

وعن «المختصر النافع»: فلا تجب على الصبيّ ولا على المجنون، ويصحّ الإحرام من الصبيّ المميّز وبالصبيّ الغير المميّز، وكذا يصحّ بالمجنون، ولو حجّ بهما لم يجزئهما عن الفرض، ويصحّ الحجّ من العبد مع إذن المولى، لكن لا يجزئه عن الفرض إلّاأن يدرك أحد الموقفين معتقاً.(4)

وفي «الحدائق»: الصبيّ إذا كان مميّزاً صحّ إحرامه إذا كان بإذن وليّه، وإلّا أحرم به الوليّ، وكذا المجنون؛ بمعنى جعلهما محرمين؛ سواء كان هو محلّاً أو محرماً.

ومن الأخبار في ذلك: ما رواه الصدوق في «الفقيه» في الصحيح عن زرارة


1- وسائل الشيعة 11: 45، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 12، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 11: 44، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 12، الحديث 1 ..
3- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 15 ..
4- المختصر النافع: 75 ..

ص: 20

عن أحدهما عليهما السلام قال: «إذا حجّ الرجل بابنه وهو صغير، فإنّه يأمره أن يلبّي ويفرض الحجّ، فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه ويطاف به ويصلّي عنه»، قلت:

ليس لهم ما يذبحون، قال: «يذبح عن الصغار ويصوم الكبار ويتّقى عليهم ما يتّقى على المحرم من الثياب والطيب، فإن قتل صيداً فعلى أبيه».(1)

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمّار في الصحيح قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مرّ ثمّ يصنع بهم ما يصنع بالمحرم يطاف بهم ويسعى بهم ويرمى عنهم ومن لم يجد منهم هدياً فليصم عنه وليّه».(2)... إلى أن قال: ويستفاد من هذه الأخبار أنّ الوليّ يأمر الصبيّ بالتلبية ونحوها من الأفعال، كالطواف والرمي والذبح ونحو ذلك، فإن لم يحسن ناب عنه الوليّ، أو من يأمره، ويلبسه ثوبي الإحرام، ويجنّبه ما يجب اجتنابه على المحرم، والجميع ممّا لا خلاف فيه، وأمّا الصلاة فإنّه يصلّي عنه كما تضمّنته صحيحة زرارة.

واحتمل في «الدروس» أمره بالإتيان بصورة الصلاة أيضاً، كالطواف، وهو ضعيف وإن نفى عنه البأس في «المدارك»، وإذا طاف به فالأحوط أن يكونا متطهّرين، واكتفى الشهيد في «الدروس» بطهارة الوليّ.

وهذه الروايات ونحوها وإن اختصّت بالصبيان إلّاأنّ الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- لم يفرّقوا في هذه الأحكام بين الصبيّ والصبيّة وهو جيّد؛ فإنّ أكثر الأحكام في جميع أبواب الفقه إنّما خرجت في الرجال، مع أنّه لا خلاف في إجرائها في النساء ولا إشكال.(3)


1- وسائل الشيعة 11: 288، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 17، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 11: 287، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 17، الحديث 3 ..
3- الحدائق الناضرة 14: 63- 65 ..

ص: 21

وقال السيّد الخوئي في «معتمد العروة»: «إنّ المستفاد من الروايات أنّ الحجّ له حقائق مختلفة؛ فإنّ الحجّ الذي يأتي به الصبيّ تختلف حقيقته مع حجّة الإسلام الثابتة على البالغين، وهذا بخلاف الصلاة؛ لما ذكر في محلّه أنّ الصبيّ لو صلّى في أوّل الوقت ثمّ بلغ في أثنائه لا تجب عليه إعادة الصلاة؛ لأنّ المفروض أنّ صلاته صحيحة، وما دلّ على لزوم إتيان الصلاة منصرف عمّن صلّى صلاة صحيحة. ولا دليل على المغايرة بين الصلاة المندوبة والواجبة، ولا يجب عليه إلّاإتيان صلاة واحدة وقد أتى بها، بل ما ذكر ليس من باب الإجزاء، حتّى يقال: بأنّ إجزاء الأمر الندبي عن الواجب خلاف الأصل، بل ما صلّاه الصبيّ حقيقته متّحدة مع الصلاة الواجبة الثابتة على البالغين؛ فإنّ الصلاة حقيقة واحدة.

غاية الأمر: أنّها تجب على جماعة، كالبالغين وتستحبّ لجماعة آخرين، كغير البالغين، وهذا بخلاف الحجّ، فإنّ الروايات تكشف عن اختلاف حقيقته ومغايرتها، فإجزاء أحدهما عن الآخر يحتاج إلى دليل ولا دليل، بل الدليل على العكس... والظاهر أنّ النصوص الآمرة بالصلاة والصوم، كقولهم عليهم السلام: «فمرّوا صبيانكم بالصلاة»(1) تدلّ على المشروعية في حقّه؛ لأنّ الأمر بالأمر بشي ء أمر بذلك الشي ء، كما ثبت في علم الاصول....

بعد الفراغ عن استحباب الحجّ للصبيّ، وقع الكلام في أنّه هل يتوقّف حجّه على إذن الوليّ أو لا؟ المشهور أنّه مشروط بإذنه، ويستدلّ لهم بوجهين:

الأوّل: أنّها عبادة توقيفية متلقّاة من الشرع ومخالف للأصل، فيجب الاقتصار


1- وسائل الشيعة 4: 18، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 3، الحديث 5 ..

ص: 22

فيه على المتيقّن.

وفيه: أنّ الأمر وإن كان كذلك، ولكن يكفي في مشروعيته ورجحانه إطلاق ما تقدّم من الروايات الدالّة على استحبابه ورجحانه وصحّته له.

الثاني: أنّ بعض أحكام الحجّ مستتبع للتصرّف في المال، فلا بدّ له من إذن الوليّ، كالكفّارات وثمن الهدي.

وفيه أوّلًا: يمكن أن يقال بعدم ثبوت الكفّارات عليه؛ لأنّ عمد الصبيّ وخطأه واحد، وإتيانه ببعض المحرّمات لا يوجب الكفّارات.

وثانياً: لو سلّمنا ثبوت الكفّارة؛ وأ نّه لا فرق في ثبوتها بفعل البالغ والصبيّ، فإن أمكن الاستيذان من الوليّ فهو وإلّا، فيدخل في العاجز، ومجرّد ذلك لا يوجب سقوط الحجّ وتوقّفه على إذن الوليّ، بل يمكن الالتزام بأ نّه يأتي بالكفّارة بعد البلوغ، وكذا ثمن الهدي إن أمكن الاستيذان من الوليّ فهو، وإلّا فيكون عاجزاً عن الهدي، فالأقوى عدم اشتراط إذن الوليّ....

ذكر الأصحاب أنّه أي المجنون كالصبيّ في استحباب الإحجاج ولا دليل عليه؛ فإنّ الأحكام الشرعية؛ واجبة كانت، أو مستحبّة غير متوجّهة إلى المجنون أصلًا؛ فإنّه كالبهائم، وإلحاق المجنون بالصبيّ يشبه القياس، مع أنّه قياس مع الفارق ولا بأس بالإحجاج به رجاءً».(1)

قال في «الحدائق»: «ثانيها: الحرّية؛ فلا يجب على المملوك وإن أذن له سيّده، ولو أذن له صحّ، إلّاأنّه لا يجزئه عن حجّ الإسلام لو اعتق، أمّا أنّه لا يجب عليه وإن أذن له سيّده، فقال في «المعتبر»: «إنّ عليه إجماع العلماء»....(2) وأمّا أنّه إذا حجّ بإذن مولاه؛ فإنّه يصحّ حجّه، ولكن لا يجزئه عن


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 16- 23 ..
2- المعتبر 2: 749 ..

ص: 23

حجّة الإسلام لو اعتق، فقال في «المنتهى»: «إنّه قول كلّ من يحفظ عنه العلم»(1) وتدلّ عليه الأخبار المتكاثرة:

ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: «المملوك إذا حجّ ثمّ اعتق فإنّ عليه إعادة الحجّ»....(2)

وروى في «قرب الإسناد» عن عبداللَّه بن الحسن، عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن المملوك الموسر أذن له مولاه في الحجّ هل له أجر؟ قال: «نعم، فإن اعتق أعاد الحجّ»(3) وغير ذلك من الروايات،... وتنقيح الكلام في هذا المقام يتوقّف على رسم مسائل:

الاولى: لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- في أنّه لو أدرك الموقفين، أو الثاني منهما معتقاً أجزأه عن حجّة الإسلام، حكاه العلّامة في «المنتهى»، وتدلّ عليه الأخبار:

منها: ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام مملوك اعتق يوم عرفة قال: «إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ».(4)

ومنها: رواية اخرى عنه قال: «... إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ، وإن فاته الموقفان فقد فاته الحجّ، ويتمّ حجّه، ويستأنف حجّة الإسلام فيما بعد».(5)


1- منتخب المطلب 10:. 64.
2- وسائل الشيعة 11: 49، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 16، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 11: 51، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 16، الحديث 10 ..
4- وسائل الشيعة 11: 52، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 17، الحديث 2 ..
5- وسائل الشيعة 11: 53، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 17، الحديث 5 ..

ص: 24

الثانية: لو أذن السيّد لعبده في الحجّ لم يجب عليه، لكن لو تلبّس به بعد الإذن وجب كغيره من أفراد الحجّ المندوب، وهل يجوز للسيّد الرجوع في الإذن بعد التلبّس؟ ظاهر الأصحاب العدم، وإنّما يجوز له قبل التلبّس، أمّا بعده فحيث تعلّق الوجوب بالعبد فليس له ذلك.

بقي الكلام في أنّه لو رجع قبل التلبّس ولكن لم يعلم العبد إلّابعده، فقيل:

بأ نّه يجب الاستمرار؛ لدخوله دخولًا مشروعاً، فكان رجوع المولى كرجوع الموكّل قبل التصرّف ولم يعلم الوكيل.

وقال الشيخ: إنّه يصحّ إحرامه، وللسيّد أن يحلّله.(1) قال في «المدارك»:

«وضعفه ظاهر؛ لأنّ صحّة الإحرام إنّما هو لبطلان رجوع المولى، فكان كما لو لم يرجع، والإحرام ليس من العبادات الجائزة. وإنّما يجوز الخروج منه في مواضع مخصوصة ولم يثبت أنّ هذا منها».(2)

ثمّ قال صاحب «الحدائق»: «والمسألة وإن كانت خالية من النصّ على الخصوص، إلّاأنّ ما ذكره السيّد السند قدس سره في «المدارك» هو الأوفق بالاصول الشرعية والقواعد المرعية.

الثالثة: اختلف الأصحاب في ما لو جنى العبد في إحرامه بما يلزمه به الدم، كاللباس، والطيب، وحلق الشعر، وقتل الصيد، فقال الشيخ قدس سره في «المبسوط»:

«يلزم العبد؛ لأنّ فعل ذلك بدون إذن مولاه ويسقط الدم؛ لأنّه عاجز، ففرضه الصيام، ولسيّده منعه منه؛ لأنّه فعل موجبه بدون إذن مولاه».(3) ونقل عن الشيخ


1- المبسوط 1: 327 ..
2- مدارك الأحكام 7: 31 ..
3- المبسوط 1: 328 ..

ص: 25

المفيد: على السيّد الفداء في الصيد،(1) وقال المحقّق في «المعتبر» بعد نقل كلام الشيخ المذكور: «وليس ما ذكره الشيخ بجيّد؛ لأنّه وإن جنى بغير إذنه؛ فإنّ جنايته من توابع إذنه في الحجّ فتلزمه جنايته»،(2) ثمّ استدلّ بذلك بما رواه حريز عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «المملوك كلّما أصاب الصيد وهو محرم، في إحرامه فهو على السيّد إذا أذن له في الإحرام»....(3) ولا يعارض هذا الحديث ما رواه سعد بن عبداللَّه عن محمّد بن الحسن عن محمّد بن الحسين، عن عبدالرحمن بن أبي نجران قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن عبد أصاب صيداً، وهو محرم هل على مولاه شي ء من الفداء؟ فقال: «لا شي ء على مولاه»؛(4) لأنّ هذا الخبر ليس فيه أنّه كان قد أذن له في الإحرام، أو لم يأذن له، وإذا لم يكن ذلك في ظاهره حملناه على من أحرم من غير إذن مولاه، فلا يلزمه حينئذٍ شي ء على ما تضمّنه الخبر....

وربما حملت الصحيحة الاولى على الاستحباب، والثانية على نفي الوجوب. ولا يخفى: ما في هذه المحامل من البعد مع تدافعها. والمسألة لا تخلو من شوب التردّد والإشكال.

الرابعة: إذا أفسد العبد حجّه المأذون فيه وجب عليه إتمامه ثمّ القضاء


1- المقنعة: 439 ..
2- المعتبر 2: 751 ..
3- وسائل الشيعة 11: 104، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الصيد، الباب 56، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 11: 105، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الصيد، الباب 56، الحديث 3 ..

ص: 26

والبدنة، كالحرّ... بقي أنّه هل يجب على السيّد تمكينه من القضاء أم لا؟ قيل بالأوّل؛ لأنّ إذنه في الحجّ إذن في مقتضياته، ومن جملتها القضاء لمّا أفسده، وقيل بالثاني؛ لأنّه إنّما أذن له في الحجّ لا في إفساده، والإفساد ليس من لوازم الحجّ ليلزم من الإذن في الحجّ الإذن فيه، بل الأمر إنّما هو على العكس؛ لأنّه من منافياته؛ لأنّ المأذون فيه أمر موجب للثواب، والإفساد أمر موجب للعقاب....

واستشكله في «المدارك»: «بأنّ الإذن لم يتناول الحجّ ثانياً، وإن قلنا: إنّه الفرض؛ لأنّها إنّما تعلّقت بالأوّل خاصّة، ثمّ قال: والمسألة محلّ تردّد، وإن كان القول بعدم وجوب التمكين لا يخلو من قوّة»(1) انتهى....

وكيف كان: فالمسألة هنا أيضاً لخلوّها من الدليل محلّ توقّف.

ثمّ إنّه لو أعتقه المولى في الحجّ الفاسد، فإن كان قبل الوقوف بالمشعر أتمّ حجّه وقضى في القابل وأجزأه عن حجّة الإسلام، كما في الحرّ؛ سواء قلنا إنّ الإكمال عقوبة وإنّ حجّة الإسلام هي الثانية، أم قلنا بالعكس، وإن كان بعد فوات الموقفين كان عليه إتمام الحجّ والقضاء، ولا يجزئه عن حجّة الإسلام، بل تجب عليه مع الاستطاعة.

قالوا: ويجب عليه تقديمها على حجّة القضاء؛ للنصّ والإجماع على فوريتها، فلو بدأ بالقضاء قال الشيخ: «انعقد عن حجّة الإسلام وكان القضاء في ذمّته وإن قلنا لا يجزئ عن واحدة منهما كان قويّاً.(2) وهو متّجه بناءً على القول:

بأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ، وإلّا فالمتّجه الصحّة، وإن أثم بتأخير حجّة الإسلام.

الخامسة: قالوا: لو أحرم العبد بإذن مولاه، ثمّ باعه صحّ البيع إجماعاً؛ لأنّ


1- مدارك الأحكام 7: 32 ..
2- المبسوط 1: 328 ..

ص: 27

(مسألة 10): لا يشترط وجود الزاد والراحلة عنده عيناً، بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلها من المال؛ نقداً كان أو غيره من العروض.

الإحرام لا يمنع التسليم، فلا يمنع صحّة البيع، ثمّ إن كان المشتري عالماً بذلك، فلا خيار، وإلّا ثبت الخيار على الفور، إلّامع قصر الزمان؛ بحيث لا يفوته شي ء من المنافع.

السادسة: قالوا: لا فرق في المملوك بين القنّ والمكاتب المطلق الذي لم يؤدّ والمشروط وامّ الولد والمبعّض. نعم، لو تهايا المبعّض مع المولى ووسعت نوبته الحجّ وانتفى الخطر والضرر، كان له الحجّ ندباً بغير إذن السيّد كما يجوز له غيره من الأعمال»(1) واللَّه العالم.

لا يعتبر وجود الزاد والراحلة عيناً

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «فإنّ بعض الروايات وإن ذكر فيه الزاد والراحلة بخصوصهما، ومقتضى الجمود على ذلك هو الاقتصار بوجودهما عيناً، وعدم الاكتفاء بوجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما، فإنّ ذلك من تحصيل الاستطاعة وهو غير واجب، ولكن يظهر من جملة اخرى من النصوص عدم الفرق بين وجود الزاد والراحلة عيناً ووجود بدلهما وقيمتهما،... ففي صحيحة الحلبي: «إذا قدر الرجل على ما يحجّ به»(2) وما يحجّ به أعمّ من عين الزاد والراحلة وقيمتهما لصدق عنوان ما يحجّ به على ذلك جميعاً».(3)


1- الحدائق الناضرة 14: 70- 80 ..
2- وسائل الشيعة 11: 26، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 6، الحديث 3 ..
3- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 66- 67 ..

ص: 28

(مسألة 11): المراد من الزاد والراحلة ما هو المحتاج إليه في السفر بحسب حاله قوّة وضعفاً وشرفاً وضِعة، ولا يكفي ما هو دون ذلك، وكلّ ذلك موكول إلى العرف. ولو تكلّف بالحجّ مع عدم ذلك لا يكفي عن حجّة الإسلام. كما أ نّه لو كان كسوباً قادراً على تحصيلهما في الطريق لا يجب ولا يكفي عنها.

قال في «الحدائق»: «المشهور في كلام الأصحاب أنّه لو لم يكن له زاد ولا راحلة، لكنّه واجد للثمن فإنّه يجب عليه شراؤهما وإن زاد عن ثمن المثل.

وقيل: إنّه متى زادت قيمة الزاد والراحلة عن ثمن المثل لم يجب الحجّ، ونقله في «المدارك». وكذا الفاضل الخراساني عن الشيخ في «المبسوط».

أقول: لا ريب أنّ الشيخ في «المبسوط» وإن صرّح بذلك، لكنّه إنّما صرّح به بالنسبة إلى الزاد خاصّة دون الراحلة، ولكن حيث كان ذلك لازماً له في الراحلة ألزموه به، فنقلوه خلافه فيهما....

والمفهوم من هذا الكلام ظاهراً أنّ حكمه بسقوط الحجّ مع زيادة قيمة الزاد، إنّما هو من حيث التضرّر بالزيادة، وربّما يفهم أيضاً من سياق الكلام إلى آخره التعليل بالرجوع إلى العادة، وأنّ إطلاق الشراء إنّما ينصرف إلى القيمة المعتادة».(1)

المراد بالزاد المعتبر في الاستطاعة

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «الزاد من الطعام والماء بل وعلف الدابّة ونحو ذلك من الحوائج إن كانت موجودة في كلّ منزل ينزله في الطريق، فلا


1- الحدائق الناضرة 14: 87- 88 ..

ص: 29

يجب الحمل، وإن لم تكن موجودة في الطريق، واحتاج إلى الحمل، كالسفر في البرّ والبحر، فذهب جماعة إلى عدم وجوب الحمل؛ لأنّه من تحصيل الاستطاعة، ويسقط وجوب الحجّ حينئذٍ، وذهب آخرون إلى وجوب الحمل، إلّا إذا كان حرجيّاً زائداً على ما يقتضيه الحجّ. وهذا القول هو الصحيح؛ لصدق أنّ له زاداً على ما إذا تمكّن من حمله، وإن لم يكن موجوداً في الطريق ولا يختصّ بوجوده في الطريق، بل عليه أن يحمله، ولو بأن يستأجر دابّة لحمله.

والحاصل لو استطاع أن يحمل الزاد، ولو بأن يحمّله الدابّة وجب عليه ذلك، ومجرّد عدم وجدان الزاد في الطريق لا يوجب سقوط الحجّ.

اختلف الأصحاب في اعتبار الراحلة من حيث الضعة والشرف، فذهب جماعة إلى مراعاة شأن المكلّف وحاله ضعة وشرفاً بالنسبة إلى الراحلة، وذهب آخرون إلى عدم اعتبار ذلك، واستدلّ الأوّل بنفي الحرج، فإنّ الدليل وإن كان مطلقاً من هذه الجهة، إلّاأنّ قاعدة نفي الحرج حاكمة على الإطلاقات.

وربما يشكل التمسّك بنفي الحرج من جهة أنّ مقتضى حكومة نفي الحرج هو نفي الوجوب لا نفي المشروعية والكلام في الثاني، وعليه لو تحمل الحرج يحكم بصحّة حجّه وإجزائه عن حجّ الإسلام، فعدم الإجزاء يحتاج إلى الدليل، ولا دليل.

والحاصل: أنّ أقصى ما تدلّ عليه قاعدة نفي الحرج، هو نفي الوجوب لا نفي المشروعية، فلو تحمل الحرج، فمقتضى القاعدة هو الحكم بالصحّة والإجزاء، إذ لا منافاة بين كون الشي ء غير واجب في الشريعة وبين الحكم بالإجزاء بمقتضى الجمع بين أدلّة نفي الحرج والإطلاقات....

وممّا يدلّ على اعتبار اليسار في حجّة الإسلام وعدم وجوبه عند العسر

ص: 30

والحرج موثّق أبي بصير: «من مات وهو صحيح موسر لم يحجّ فهو ممّن قال اللَّه عزّ وجلّ: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمى(1)..».(2) فإنّ المستفاد منه أنّه لو كان معسراً لا يشمله قوله تعالى: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمى.

نعم، وردت روايات اخر في إتيان الحجّ وإن كان عسراً وحرجياً، كصحيحة أبي بصير: «من عرض عليه الحجّ ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحجّ»(3)... والمستفاد من الصحيحة بعد إلغاء خصوصية المورد وجوب الحجّ مطلقاً ولو على حمار أجدع، إلّاأنّها مطلقة من حيث المبذول له؛ بمعنى: أنّ المستفاد من إطلاق الصحيحة وجوب الحجّ على كلّ مكلّف، ولو على حمار أجدع يناسب شأنه أم لا؛ فإنّ المكلّفين يختلف شأنهم وحالهم من حيث الشرف والضعة، فيقيّد إطلاق ذلك بأدلّة نفي الحرج؛ فإنّها حاكمة على الأدلّة، فمقتضى الجمع بين الأدلّة وجوب الحجّ، ولو على حمار أجدع فيما إذا لم يستلزم الحرج ولم يكن منافياً لشأنه ولم يستلزم مهانة وذلّة.(4)

قوله قدس سره: «لو كان كسوباً قادراً على تحصيلهما في الطريق لا يجب ولا يكفي عنها».

قال في «معتمد العروة»: «ذهب بعضهم إلى أنّه لو لم يجد الزاد بالفعل ولكن كان كسوباً يتمكّن من الاكتساب في الطريق لكلّ يوم قدر ما يكفيه كالحلّاق وجب عليه الحجّ لصدق الاستطاعة، ولكنّ الظاهر عدم الوجوب؛ لأنّ العبرة في


1- طه( 20): 124 ..
2- وسائل الشيعة 11: 27، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 6، الحديث 7 ..
3- وسائل الشيعة 11: 42، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 10، الحديث 7 ..
4- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 66- 70 ..

ص: 31

(مسألة 12): لا يعتبر الاستطاعة من بلده ووطنه، فلو استطاع العراقي أو الإيراني وهو في الشام أو الحجاز، وجب وإن لم يستطع من وطنه، بل لو مشى إلى قبل الميقات متسكّعاً أو لحاجة وكان هناك جامعاً لشرائط الحجّ وجب، ويكفي عن حجّة الإسلام، بل لو أحرم متسكّعاً فاستطاع، وكان أمامه ميقات آخر يمكن القول بوجوبه وإن لا يخلو من إشكال.

التمكّن من الزاد بالوجدان الفعلي والاستطاعة إنّما تصدق في صورة التمكّن من الزاد فعلًا أو قيمة، والتمكّن من الاكتساب في الطريق من قبيل تحصيل الاستطاعة، ويصدق عليه أنّه ليس له زاد؛ فإنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «له زاد وراحلة»(1) أن يكون مستولياً عليهما بالفعل بملك ونحوه ولا يصدق الاستيلاء على الزاد بالفعل بمجرّد التمكّن من اكتساب الزاد في الطريق»(2) واللَّه العالم.

اعتبار الاستطاعة عن مكانه لا من بلده

بيانه- قال في «الحدائق»: الظاهر أنّه يكفي في الاستطاعة حصولها حيثما اتّفق، فلو كان المكلّف في غير بلده، وحصلت له الاستطاعة على وجه يسافر للحجّ، ويرجع إلى بلده، وجب عليه، ولا يشترط حصولها من البلد، وحينئذٍ، فما ذكره شيخنا الشهيد الثاني قدس سره: من أنّ من أقام في غير بلده إنّما يجب عليه الحجّ إذا كان مستطيعاً من بلده، إلّاأن تكون إقامته في الثانية على وجه الدوام، أو مع انتقال الفرض، كالمجاور بمكّة بعد السنتين ممّا لم نقف له على دليل، بل


1- وسائل الشيعة 11: 35، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 8، الحديث 7 ..
2- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 70 ..

ص: 32

(مسألة 13): لو وُجد مركب كسيّارة أو طيّارة، ولم يوجد شريك للركوب، فإن لم يتمكّن من اجرته لم يجب عليه، وإلّا وجب إلّاأن يكون حرجياً عليه. وكذا الحال في غلاء الأسعار في تلك السنة، أو عدم وجود الزاد والراحلة إلّابالزيادة عن ثمن المثل، أو توقّف السير على بيع أملاكه بأقلّ منه.

ظاهر ما رواه الصدوق عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام الرجل يمرّ مجتازاً يريد اليمن أو غيرها من البلدان وطريقه بمكّة، فيدرك الناس وهم يخرجون إلى الحجّ، فيخرج معهم إلى المشاهد أيجزئه ذلك عن حجّة الإسلام؟

قال: «نعم».(1) ينافي ما ذكره. ويؤيّده عموم النصوص وصدق الاستطاعة بذلك(2) انتهى كلامه رفع مقامه.

ومحصّل ذلك أنّه لم يقيّد الاستطاعة، أو من له زاد وراحلة في النصوص بحصول ذلك في بلده؛ إذ لا خصوصية لبلد دون بلد، ولا دليل على لزوم حصول الاستطاعة من بلده بل اللازم إتيان الحجّ والمناسك عن استطاعة، فلو ذهب إلى بلد آخر، بل إلى المدينة المنوّرة وقبل أن يصل إلى الميقات حصلت له الاستطاعة وجب عليه الحجّ. وبالجملة: لا كلام في وجوب الحجّ إذا استطاع قبل الميقات، واللَّه العالم.

إذا توقف الحجّ على خسارة مال

بيانه- قال في «الجواهر»: «فما عن «التذكرة»- من أنّه إن لم يجد شريكاً


1- وسائل الشيعة 11: 58، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 22، الحديث 2 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 87 ..

ص: 33

وتمكّن من المحمل بتمامه احتمل الوجوب للاستطاعة والعدم؛ لأنّ بذل المال خسران لا مقابل له وظاهره التوقّف- في غير محلّه. نعم، لو تعذّر الشريك وتعذّر الركوب بدونه سقط الفرض لعدم الاستطاعة، وإن لم يكفه المحمل، اعتبر في حقّه الكنيسة كذلك، فإن تعذّرت سقط الفرض، هذا كلّه مع مراعاة الحاجة للضعف، أو الحرّ، أو البرد، أو نحوها، أمّا الشرف والضعة، ففي اعتبارهما البحث السابق واللَّه أعلم....

نعم، عن «التذكرة» إن كانت الزيادة عن ثمن المثل تجحف بماله لم يجب الشراء على إشكال، كشراء الماء للوضوء،(1) بل عن الشهيد الثاني والمحقّق الثاني تقييده أيضاً بعدم الإجحاف، ولعلّ المراد أنّ وجوب مقدّمة الواجب مقيّد بما إذا لم يستلزم ضرراً لا يتحمّل وقبحاً يعسر التكليف به؛ لأنّه أحد الأدلّة التي قد يعارضه ويرجّح عليه، كما هنا؛ فإنّ ذلك- كما لا يخفى على من لاحظ كلمات الأصحاب في غير المقام- ليرجّح على الخطابات فضلًا عن التبعية، ولذا تسقط الصلاة من قيام إلى القعود مثلًا والوضوء إلى التيمّم، ولا فرق في الضرر الذي لا يتحمّل مثله بين المالي منه والبدني، فتأمّل جيّداً؛ فإنّه نافع في غير المقام».(2)

وفي «العروة الوثقى»: «إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة ولم يوجد سقط الوجوب ولو وجد ولم يوجد شريك للشقّ الآخر فإن لم يتمكّن من اجرة الشقّين سقط أيضاً، وإن تمكّن، فالظاهر الوجوب لصدق الاستطاعة...».(3)


1- تذكرة الفقهاء 7: 52- 54 ..
2- جواهر الكلام 17: 257 ..
3- العروة الوثقى 4: 366 ..

ص: 34

قال في «معتمد العروة»: «لعدم حصول الاستطاعة حسب حاله وشأنه وكذا لو وجد ولم يوجد شريك للشقّ الآخر ولا مال له لُاجرة الشقّين وكذا لو كان له وكان بذله للشقّ الآخر حرجياً وإجحافاً بالنسبة إليه ومضرّاً بحاله ففي جميع هذه الصور يسقط وجوب الحجّ لعدم حصول الاستطاعة.

وقع الكلام فيما إذا كان بذل المال لُاجرة الشقّ الآخر ضرراً عليه، ولكن لا يصل إلى حدّ الحرج، فهل يجب بذل المال الزائد بإزاء الشقّ الآخر؟ وهل يجب عليه تحمّل الضرر الزائد أم لا؟ عن العلّامة التوقّف فيه. وذهب في المتن إلى الوجوب لصدق الاستطاعة، وقد يقال: بأنّ بذل المال بازاء العدل الآخر ضرر عليه، فهو مرفوع؛ لحديث لا ضرر.

واجيب: بأنّ الحجّ تكليف ضرري، وحديث لا ضرر لا يجري في الأحكام الضررية ولا نظر له إليها، وإنّما يجري في الأحكام التي لها فردان: ضرري وغير ضرري والحديث يرفع الضرري. وأمّا إذا كان متمحّضاً في الضرر، فلا يجري فيه حديث لا ضرر. وأدلّة وجوب الحجّ على المستطيع، لمّا كانت متضمّنة للضرر وصرف المال تكون أخصّ من نفي الضرر، فأدلّة وجوب الحجّ مخصّصة لنفي الضرر. وبالجملة: أدلّة نفي الضرر لا نظر لها إلى الأحكام الضررية، كالزكاة والخمس والجهاد والحجّ، ويجب تحمّل الضرر في هذه الموارد ما لم يصل إلى حدّ الحرج والإجحاف.

وفيه: أنّ الحجّ وإن كان ضررياً ولكنّ المجعول من الضرر ما يقتضيه طبعه، ممّا يحتاج إليه المسافر إلى الحجّ، وأمّا الزائد على ما يقتضيه طبع الحجّ، فهو ضرر آخر أجنبيّ عن الضرر اللازم من طبع الحجّ والمرفوع بحديث لا ضرر، إنّما هو الضرر الزائد عمّا يقتضيه طبع الواجب، والذي لا يرتفع بلا ضرر إنّما هو

ص: 35

(مسألة 14): يعتبر في وجوب الحجّ وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده، أو إلى ما أراد التوقّف فيه بشرط أن لا تكون نفقة العود إليه أزيد من العود إلى وطنه إلّا إذا ألجأته الضرورة إلى السكنى فيه.

الضرر اللازم منه ممّا يقتضيه طبعه».(1)

قوله قدس سره: «وكذا الحال في غلاء الأسعار في تلك السنة...».

قال في «معتمد العروة»: «قد ظهر حال هذه المسألة ممّا ذكرنا في المسألة السابقة؛ فإنّ غلاء أعسار ما يحتاج إليه، أو الشراء بأزيد من ثمن المثل والقيمة المتعارفة وبيع أملاكه بأقلّ من ثمن المثل ونحو ذلك؛ ولو لم يستلزم الحرج والإجحاف يوجب سقوط وجوب الحجّ؛ لأنّ الضرر الزائد على المقدار المتعارف منفي بلا ضرر، إلّاإذا كان الضرر يسيراً، فإنّه لا عبرة به»(2) واللَّه العالم.

اعتبار نفقة العود في الاستطاعة

بيانه- قال العلّامة قدس سره في «المنتهى»: «الخامس لو كان وحيداً اعتبر نفقته لذهابه وعوده، وللشافعي في اعتبار نفقة العود هنا وجهان: أحدهما اعتبارها للمشقّة الحاصلة بالمقام في غير وطنه وهو الذي اخترناه. والثاني عدمه، لتساوي البلاد بالنسبة إليه والأوّل أصحّ».(3) انتهى.


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 72- 73 ..
2- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 74 ..
3- منتهى المطلب 10: 84 ..

ص: 36

ظاهره اعتبار نفقة الإياب وإن كان وحيداً ليس له أهل ولا عشيرة يأوي إليها وعلى هذا النحو إطلاق كلام جملة من الأصحاب وعلّله بعضهم بما علّله به الشافعي هنا في أحد قوليه من المشقّة الحاصلة بالمقام في غير وطنه وظاهر السيّد السند في «المدارك»(1) ومثله الفاضل الخراساني في «الذخيرة»،(2) المناقشة في ذلك: بأنّ الحجّة المذكورة مقصورة على صورة المشقّة فعند عدمها كما إذا كان وحيداً غير متعلّق ببعض البلاد دون بعض، أو كان له وطن لا يريد العود إليه لم يبعد عدم اعتبار العود في حقّه؛ نظراً إلى عموم الآية والأخبار، فلا تعتبر نفقة العود في حقّه حينئذٍ.

قال صاحب «الحدائق»: «أقول: والمسألة لا تخلو من توقّف فإنّه وإن كان الظاهر من إطلاق الآية والأخبار هو حصول ما يوجب الوصول من الزاد والراحلة، إلّاأنّ الإطلاق إنّما يحمل على الأفراد الغالبة المتكثّرة، ولا ريب أنّ الغالب على الناس في جميع الأدوار والأمصار أنّهم متى سافروا لغرض من الأغراض رجعوا بعد قضائه إلى أوطانهم أو غيرها لأغراض تتجدّد سواء كان لهم أهل وعشيرة أم لا أو مسكن أم لا وحينئذٍ فمجرّد كونه وحيداً لا عشيرة له ولا أهل لا يوجب خروجه من هذا الحكم بأن يجب عليه الحجّ بمجرّد حصول نفقة الذهاب خاصّة وكذا راحلة الذهاب خاصّة، ويكلّف الإقامة بمكّة إن لم يكن عليه مشقّة. نعم، لو كان في نيّته وقصده من خروجه هو التوطّن في تلك البلاد، فما ذكروه من عدم اعتبار نفقة الإياب متّجه، وإلّا فلا؛ جرياً


1- مدارك الأحكام 7: 40- 41 ..
2- ذخيرة المعاد 3: 559 ..

ص: 37

على ما هو الغالب الشائع المتكرّر».(1)

وفي «معتمد العروة»: «إذا لم يكن له نفقة العودة وكان متمكّناً من الذهاب فقط، فإن كان بقائه في مكّة المكرّمة حرجياً، فلا ريب في عدم وجوب الذهاب، وأمّا إذا لم يكن بقائه في مكّة حرجياً، ويتمكّن من أن يعيش هناك، كما يعيش في بلده لعدم وجود علاقة له بوطنه، فلا يعتبر تمكّنه من نفقة العود، بل تكفي نفقة الذهاب، ويجب عليه الحجّ؛ لأنّه مستطيع من الحجّ والسفر إلى البيت، ولا دليل على اعتبار التمكّن من نفقة العود في هذه الصورة، وأمّا إذا لم يرد الرجوع إلى بلده الذي سافر منه، بل أراد الرجوع إلى بلد آخر، كمن يسافر من العراق إلى مكّة، ويريد العود إلى خراسان، أو الشام، فهل يعتبر التمكّن من نفقة العود إلى ذلك البلد الذي يريد الذهاب إليه أم لا؟

فصّل في المتن بين ما إذا كان ذلك البلد الذي يريد المقام فيه أبعد من وطنه الذي سافر منه، كخراسان وبين ما لم يكن أبعد، كالشام، ففي الصورة الاولى اكتفى بمقدار العود إلى وطنه، وفي الصورة الثانية اعتبر مقدار العود إلى البلد الذي يريد أن يقيم فيه»(2) واللَّه العالم.


1- الحدائق الناضرة 14: 86 ..
2- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 74- 75 ..

ص: 38

(مسألة 15): يعتبر في وجوبه وجدان نفقة الذهاب والإياب؛ زائداً عمّا يحتاج إليه في ضروريات معاشه، فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله، ولا ثياب تجمّله، ولا أثاث بيته، ولا آلات صناعته، ولا فرس ركوبه أو سيّارة ركوبه، ولا سائر ما يحتاج إليه بحسب حاله وزيّه وشرفه، بل ولا كتبه العلمية المحتاج إليها في تحصيل العلم؛ سواء كانت من العلوم الدينية، أو من العلوم المباحة المحتاج إليها في معاشه وغيره، ولا يعتبر في شي ء منها الحاجة الفعلية، ولو فرض وجود المذكورات- أو شي ء منها- بيده من غير طريق الملك- كالوقف ونحوه- وجب بيعها للحجّ بشرط كون ذلك غير منافٍ لشأنه، ولم يكن المذكورات في معرض الزوال.

(مسألة 16): لو لم يكن المذكورات زائدة على شأنه عيناً لا قيمة يجب تبديلها وصرف قيمتها في مؤونة الحجّ أو تتميمها؛ بشرط عدم كونه حرجاً ونقصاً ومهانة عليه، وكانت الزيادة بمقدار المؤونة أو متمّمة لها ولو كانت قليلة.

ما يستثنى ممّا يجب بيعه للحجّ

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «قد عرفت أنّ العبرة في الاستطاعة بوجود الزاد والراحلة عيناً، أو ثمناً، وأ نّه يكفي في تحقّقها وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما؛ سواء كان من النقود، أو الأملاك، فالميزان وجود ما يحجّ به. نعم، يستثنى من ذلك ما يحتاج إليه الإنسان في معاشه ومعاش عياله؛ من الدار والأثاث والثياب والفرش والأواني وفرس ركوبه وغير ذلك، ممّا ذكر في المتن، ممّا يحتاج إليه بحيث لو باع أحد هذه الامور وصرف ثمنه في الحجّ وقع في الحرج، فالعبرة في جميع ذلك بالحرج، فإذا كان فقدان شي ء من ذلك موجباً

ص: 39

للحرج لا يجب بيعه وتبديله بالزاد والراحلة؛ لأنّ دليل نفي الحرج حاكم على جميع الأدلّة، ويرفع الإلزام بالفعل أو الترك، فكلّ شي ء إذا كان فقده موجباً لوقوعه في الحرج، لا يجب بيعه وصرفه في الحجّ؛ لاستلزام التكليف بصرف ذلك في الحجّ الحرج والعسر، ومن ذلك الكتب مطلقاً؛ دينية كانت أو غيرها، ككتب الطبّ ونحو ذلك، ممّا يحتاج إليه في معاشه؛ بحيث لو باعها وبدّلها بما يحجّ به لوقع في الحرج، فلا وجه لاختصاص الاستثناء بالكتب الدينية. ومنه الفرس المعدّ لركوبه في حوائجه وأغراضه، فإن كان بيع الفرس أو فقدانه مستلزماً لوقوع الشخص في الحرج والمشقّة يسقط وجوب الحجّ ولا يجب بيعه....

لو كان له دار مملوكة ولكن يمكنه السكنى في الدار الموقوفة، فهل يجب عليه بيع المملوكة وصرف ثمنه في الحجّ أم لا؟ وجهان:

أحدهما: عدم وجوب البيع، لأنّ الدار محلّ الحاجة وممّا يمكن الاحتياج إليه والأصل عدم وجوب البيع.

ثانيهما: وجوب البيع وصرف ثمنه في الحجّ أو تتميمه لمصارف الحجّ وذلك لصدق الاستطاعة حينئذٍ إذا لم تكن السكنى في الدار الموقوفة منافية لشأنه ولم يكن عليه حرج في ذلك فلا حاجة إلى الدار المملوكة حينئذٍ لسدّ حاجته بالوقف فلا حرج في بيع المملوك، وعليه لا مجال للرجوع إلى أصالة عدم وجوب البيع. وقد استثنى من ذلك ما إذا لم تكن الدار الموقوفة موجودة بالفعل وأمكنه تحصيلها والسكنى فيها لم يجب عليه بيع المملوكة لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة، بل ذلك من تحصيل الاستطاعة وهو غير واجب.

والحاصل: فرّق في المتن بين ما إذا كان بيده دار موقوفة يسكن فيها مثلًا وكان

ص: 40

له دار مملوكة أيضاً، وبين ما إذا لم تكن الدار الموقوفة موجودة بالفعل، ولم تكن تحت اختياره فعلًا ولكن يمكنه تحصيلها والسكنى فيها فاختار وجوب البيع في الصورة الاولى لصدق الاستطاعة وعدم الوجوب في الصورة الثانية؛ لأنّ تحصيل الدار الموقوفة لأجل السكنى فيها من قبيل تحصيل الاستطاعة وهو غير واجب.

ولكن الظاهر عدم الفرق بين الصورتين لصدق الاستطاعة في الصورة الثانية أيضاً؛ لأنّ المراد بالاستطاعة- كما عرفت غير مرّة- وجود ما يحجّ به عنده وهو حاصل في المقام، والذي يمنع عن صرفه في الحجّ للعسر والحرج، والمفروض أنّه لا حرج عليه في صرفه في الحجّ بعد قدرته على تحصيل الدار الموقوفة، كما لو فرضنا أنّه وحيد لا عائلة له، وليس ذلك من تحصيل الاستطاعة حتّى يقال بعدم وجوبه، فإنّ المفروض أنّ عنده ما يحجّ به بالفعل ويتمكّن من ترك البيت والسكنى في المدرسة بدون استلزام مهانة عليه، وإنّما يحصّل أمراً آخر يسدّ به حاجته به ومثله يجري في سائر الأشياء من الأثاث، كالفرش والكتب....

والحاصل: تحصيل الاستطاعة وإن لم يكن واجباً قطعاً، ولكنّ المقام ليس من باب تحصيل الاستطاعة، بل الاستطاعة بالزاد والراحلة قيمة حاصلة بالفعل، فلا بدّ من النظر إلى أنّ صرفها في الحجّ يوجب الحرج، فلا يجب، وإلّا فهو واجب لصدق الاستطاعة».(1)


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 76- 80 ..

ص: 41

(مسألة 17): لو لم يكن عنده من أعيان ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه وتكسّبه، وكان عنده من النقود ونحوها ما يمكن شراؤها، يجوز صرفها في ذلك؛ من غير فرق بين كون النقد عنده ابتداءً، أو بالبيع بقصد التبديل أو لا بقصده، بل لو صرفها في الحجّ ففي كفاية حجّه عن حجّة الإسلام إشكال بل منع. ولو كان عنده ما يكفيه للحجّ ونازعته نفسه للنكاح، جاز صرفه فيه بشرط كونه ضرورياً بالنسبة إليه؛ إمّا لكون تركه مشقّة عليه، أو موجباً لضرر أو موجباً للخوف في وقوع الحرام، أو كان تركه نقصاً ومهانة عليه. ولو كانت عنده زوجة ولا يحتاج إليها، وأمكنه طلاقها وصرف نفقتها في الحجّ، لا يجب ولا يستطيع.

لو كان لديه قيمة المستثنيات لا أعيانها

بيانه- قال في «معتمد العروة»: قد تقدّم جملة من المستثنيات التي ممّا يحتاج إليه في معاشه وحياته وأ نّه لا يجب بيعها وصرف ثمنها في الحجّ؛ لاستلزام ذلك العسر والحرج هذا بالنسبة إلى الأعيان الموجودة. وهكذا بالنسبة إلى النقود، فلو كان عنده مقدار من النقود ولم يكن عنده دار ودار الأمر بين صرف النقود في الحجّ وبين أن يشتري بها داراً لسكناه فلو كانت الدار ممّا يحتاج إليه؛ بحيث لو صرف النقود في الحجّ وترك شراء الدار لوقع في الحرج لا يجب عليه الحجّ، بل يجوز له شراء الدار لسدّ حاجته وضرورته.

وبعبارة اخرى: استثناء ما يحتاج إليه لا يختصّ بالأعيان الخارجية، بل يشمل ثمنها أيضاً، فإن كانت الدار المملوكة ممّا يحتاج إليه؛ بحيث لو باعها وقع

ص: 42

في الحرج لا يجب عليه بيعها وصرف ثمنها في الحجّ. وكذا من كان له مقدار من المال يكفي لشراء الدار؛ بحيث لو لم يشتر به داراً لوقع في الحرج جاز له شراء الدار ولا يجب عليه صرف المال في الحجّ. وكذا لو باع داره بقصد التبديل إلى دار اخرى، أو إلى ما يحتاج إليه في حياته لا يجب عليه صرف الثمن في الحجّ، بل يجوز له شراء ما يحتاج إليه بدلًا عن الدار التي باعها.

والحاصل: لا يجب عليه الحجّ في هذه الموارد الثلاثة:

الأوّل: إذا كان ما عنده ممّا يحتاج إليه عيناً.

الثاني: ما إذا كان ممّا يحتاج إليه نقداً.

الثالث: ما إذا كان له كلا الأمرين كما إذا كان له دار وباعها بقصد التبديل، فإنّه قبل البيع له العين وبعده له النقد بالفعل قبل التبديل.

وفي جميع هذه الصور لا يجب عليه الحجّ؛ إذ لا يجب صرف المال في الحجّ؛ لاستلزامه الحرج على الفرض.(1)

وقال في «الحدائق»: «التاسعة قد صرّح جملة من الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- بأ نّه لو كان ذا مال تحصل به الاستطاعة فنازعته نفسه إلى النكاح لم يجز صرفه في النكاح وإن شقّ عليه وحصل له العنت، بل الواجب صرفه في الحجّ لأنّ الحجّ مع الاستطاعة واجب والنكاح مندوب والمندوب لا يعارض الواجب. قال العلّامة في «التذكرة» لو احتاج إلى النكاح وخاف على نفسه العنت قدّم الحجّ لأنّه واجب والنكاح تطوّع ويلزمه الصبر. وبنحو ذلك صرّح المحقّق في «الشرائع» والعلّامة في «الإرشاد» فإنّهما صرّحا بوجوب تقديم الحجّ وإن شقّ عليه ترك النكاح. وصرّح العلّامة في «المنتهى» بتقديم النكاح لو


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 82 ..

ص: 43

خاف من تركه المشقّة العظيمة لحصول الضرر. ونحوه الشهيد في «الدروس» أيضاً، ولا يبعد تقييد كلام الموجبين لتقديم الحجّ بذلك أيضاً وإن صرّحوا بوجوب تقديمه وإن حصلت المشقّة بترك النكاح بحمل ذلك على مشقّة لا يترتّب عليها الضرر».(1)

وقال في «معتمد العروة»: فإنّ الميزان في سقوط الحجّ أن يكون الإلزام به حرجياً، وإن كان إيقاع النفس في الحرج والمشقّة غير محرّم؛ لحكومة دليل نفي الحرج على الحجّ. وأمّا بالنسبة إلى الوقوع في الزنا، فليس الأمر كذلك، لأنّ مجرّد العلم بالوقوع في الزنا، ليس مجوّزاً لترك الحجّ؛ لعدم استناده إلى الحجّ، وإنّما يرتكبه بسوء اختياره، واللازم عليه تركه، ولا ينافي ذلك كونه مكلّفاً بإتيان الحجّ.

وبعبارة اخرى: يلزم عليه أمران: ترك الزنا والحجّ، ومجرّد العلم بإتيان الزنا اختياراً لا يوجب سقوط الحجّ، بل يجب عليه الحجّ كما يحرم عليه الزنا....

وبالجملة: العلم بارتكاب المحرّم اختياراً لا يوجب سقوط الحجّ.(2)

قوله قدس سره: «ولو كانت عنده زوجة ولا يحتاج إليها وأمكنه طلاقها وصرف نفقتها في الحجّ لا يجب ولا يستطيع» فيكون طلاقها لصرف مقدار نفقتها في الحجّ من باب تحصيل الاستطاعة وهو غير واجب.


1- الحدائق الناضرة 14: 107 ..
2- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 84 ..

ص: 44

(مسألة 18): لو لم يكن عنده ما يحجّ به، ولكن كان له دين على شخص بمقدار مؤونته أو تتميمها، يجب اقتضاؤه إن كان حالّاً؛ ولو بالرجوع إلى حاكم الجور مع فقد حاكم الشرع أو عدم بسط يده. نعم، لو كان الاقتضاء حرجياً أو المديون معسراً لم يجب، وكذا لو لم يمكن إثبات الدين. ولو كان مؤجّلًا والمديون باذلًا يجب أخذه وصرفه فيه، ولا يجب في هذه الصورة مطالبته وإن علم بأدائه لو طالبه. ولو كان غير مستطيع وأمكنه الاقتراض للحجّ والأداء بعده بسهولة، لم يجب ولا يكفي عن حجّة الإسلام. وكذا لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحجّ فعلًا، أو مال حاضر كذلك، أو دين مؤجّل لا يبذله المديون قبل أجله، لا يجب الاستقراض والصرف في الحجّ، بل كفايته على فرضه عن حجّة الإسلام مشكل بل ممنوع.

من كان له دين بمقدار الاستطاعة وتمكّن من استيفائه

بيانه- قال في «الجواهر»: ولو كان له دين حالّ، وهو قادر على اقتضائه بنفسه أو وكيله، ولو بواسطة حاكم الشرع، بل وحاكم الجور مع عدم الضرر في وجه، بل ومعه في آخر وجب عليه؛ لأنّه مستطيع بذلك وإن كان قد يقوى في النظر عدمها مع التوقّف على حاكم الجور؛ للنهي عن الركون إليه والاستعانة به وإن حملناه على الكراهة مع التوقّف عليه؛ ترجيحاً لما دلّ على الجواز بالمعنى الشامل للوجوب من دليل المقدّمة وغيره. ومثله لا يتحقّق به الاستطاعة بعد فرض أنّ الجواز المزبور كان بعد ملاحظة المعارضة بين ما دلّ على المنع وما دلّ على خلافه من المقدّمة وغيرها فتأمّل جيّداً فإنّه دقيق نافع، ومقتضاه حينئذٍ أنّ من ترك الاستعانة بالظالم على تحصيل ماله المتوقّف

ص: 45

استطاعة الحجّ عليه لم يثبت في ذمّته حجّة الإسلام.(1)

وفي «معتمد العروة»: «إذا لم يكن له مال خارجي يكفيه للحجّ ولكن كان له دين على شخص آخر يفي للحجّ ففي حصول الاستطاعة وعدمه بذلك تفصيل يتوقّف على بيان صور المسألة:

الاولى: ما إذا كان الدين حالّاً وكان المديون باذلًا فاللازم مطالبته واقتضاؤه وصرفه في الحجّ لصدق الاستطاعة بذلك، لعدم اختصاص عنوان الاستطاعة بالعين الخارجية، بل يشمل ملكية ذمّة الغير أيضاً؛ لأنّ الميزان في الاستطاعة المعتبرة- كما عرفت غير مرّة- هو التمكّن من الزاد والراحلة ولو قيمة وبدلًا ووجود ما يحجّ به عنده وكلّ ذلك صادق في المقام.

الصورة الثانية: ما إذا كان الدين حالّاً ولكنّ المديون غير باذل؛ لمماطلته، أو كان غير معترف به وأمكن إجباره بإعانة متسلّط أو إثباته بالرجوع إلى الحاكم حتّى حاكم الجور- بناءً على جواز الرجوع إليه إذا توقّف إثبات الحقّ واستيفاؤه عليه- فهل يجب الرجوع إلى الحاكم لإجباره وانقاذ حقّه منه أم لا؟

اختار المصنّف الوجوب، لأنّ الواجب واجب مطلق فتجب مقدّمته وهو الصحيح لأنّ المفروض صدق الاستطاعة وأنّ له المال ويتمكّن من التصرّف فيه وصرفه في الحجّ ولو بمقدّمة كالرجوع إلى متسلّط أو الحاكم لإنقاذ ماله وحقّه منه. وهذا نظير ما إذا كان له مال مدفون في الأرض، أو كان محروزاً في الصندوق وتوقّف التصرّف فيه على حفر الأرض وفتح الصندوق بعلاج ونحوه فإنّه لا ريب في الوجوب، فإنّ القدرة التكوينية إذا كانت متوقّفة على مقدّمات لا يوجب ذلك سقوط الواجب، بل يجب عقلًا تحصيل المقدّمات. نعم، لا بدّ أن


1- جواهر الكلام 17: 258 ..

ص: 46

لا يكون فيه حرج وكلفة زائدة وإلّا فيسقط لأجل الحرج.

الصورة الثالثة: ما إذا كان الدين مؤجّلًا ولكنّ المديون يبذله لو طالبه قبل الأجل فالظاهر أيضاً هو الوجوب لصدق الاستطاعة وأنّ له ما يحجّ به بالفعل وهو متمكّن من صرفه فيه ولو بالمطالبة، ومجرّد توقّف التصرّف على المطالبة لا يوجب عدم صدق الاستطاعة فإنّ ذلك كالموجود في الصندوق المحتاج فتحه إلى العلاج أو المدفون في الأرض المحتاج إخراجه إلى الحفر ونحوه فإنّ مقدّمة الواجب المطلق واجبة بحكم العقل. نعم، لو فرض أنّه لو طالبه لا يبذل لا يجب عليه الحجّ كما لا يجب عليه المطالبة والسؤال.

الصورة الرابعة: ما لو شكّ في البذل له لو طالبه أنّ الظاهر عدم الوجوب وهو الصحيح لأنّه يشكّ في الاستطاعة وهو مساوق للشكّ في التكليف ومقتضى الأصل البراءة....

الخامسة: ما إذا كان المديون معسراً أو مماطلًا لا يمكن إجباره أو منكراً للدين ولم يمكن إثباته فقد حكم في المتن بعدم الوجوب في جميع هذه الصور لعدم كونه مستطيعاً».(1)

قوله قدس سره «ولو كان غير مستطيع وأمكنه الاقتراض للحجّ والأداء بعده بسهولة لم يجب...».

أقول: قال في «معتمد العروة»: في هذه المسألة فرعان:

الأوّل: أنّه لا يجب الاقتراض للحجّ إذا لم يكن له مال بقدر ما يحجّ به، وإن كان متمكّناً من أدائه بسهولة وبغير مشقّة؛ لأنّه تحصيل للاستطاعة، وهو غير واجب، ومجرّد التمكّن من وفائه لا يوجب صدق الاستطاعة بالفعل. نعم، لو


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 85- 87 ..

ص: 47

استقرض يجب عليه الحجّ؛ لأنّه استطاع وصار واجداً للزاد والراحلة؛ بناءً على أنّ الدين بنفسه لا يمنع عن الاستطاعة.

وبعبارة اخرى: إيجاد الموضوع غير واجب عليه، ولكن لو أوجده يترتّب عليه حكمه؛ لفعلية الحكم بوجود موضوعه، كما أنّه لا يجب الاستيهاب قطعاً، ولكن لو استوهب يجب؛ لأنّه يكون واجداً ومستطيعاً بالفعل.

الثاني: أنّه إذا كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحجّ فعلًا، أو مال حاضر لا راغب في شرائه، أو دين مؤجّل لا يبذله المديون قبل الأجل، وتمكّن من الاستقراض والصرف في الحجّ، ثمّ أدائه بعد ذلك، ففي وجوب الاستقراض وعدمه، وجهان: اختار المصنّف رحمه الله عدم وجوب الاستقراض لعدم صدق الاستطاعة حينئذٍ؛ فإنّ الموضوع في الروايات من كان له زاد وراحلة، ومن كان عنده ما يحجّ به، وإذا فرض أنّ المال الغائب لا يمكن صرفه في الحجّ، أو إذا لم يوجد له مشتر، فليس عنده زاد وراحلة، ولا عنده ما يحجّ به، ويكون الاستقراض حينئذٍ تحصيلًا.

نعم، إذا أمكن بيع الدين المؤجّل بالنقد فعلًا، كما هو المتعارف، أو بيع الغائب بلا ضرر عليه وجب الاستقراض أو البيع؛ لصدق الاستطاعة حينئذٍ؛ لما عرفت من أنّ الاستطاعة لا تختصّ بالزاد والراحلة عيناً، بل يكفي وجودهما قيمة وبدلًا، فلا بدّ من التفصيل بين ما لا يتمكّن من تبديله وصرفه في الحجّ، وبين ما يتمكّن فيجب الاستقراض في الثاني، دون الأوّل؛ لأنّ العبرة بتحقّق ما يحجّ به عنده عيناً أو قيمة وبدلًا، حتّى بالاستقراض، فوجوب الاستقراض مطلقاً كما في المتن محلّ منع»(1) واللَّه العالم.


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 88 ..

ص: 48

(مسألة 19): لو كان عنده ما يكفيه للحجّ وكان عليه دين؛ فإن كان مؤجّلًا وكان مطمئنّاً بتمكّنه من أدائه زمان حلوله مع صرف ما عنده وجب، بل لا يبعد وجوبه مع التعجيل ورضا دائنه بالتأخير مع الوثوق بإمكان الأداء عند المطالبة، وفي غير هاتين الصورتين لا يجب. ولا فرق في الدين بين حصوله قبل الاستطاعة أو بعدها؛ بأن تلف مال الغير على وجه الضمان عنده بعدها. وإن كان عليه خمس أو زكاة، وكان عنده ما يكفيه للحجّ لو لا هما، فحالهما حال الدين مع المطالبة، فلا يكون مستطيعاً. والدين المؤجّل بأجل طويل جدّاً كخمسين سنة، وما هو مبنيّ على المسامحة وعدم الأخذ رأساً، وما هو مبنيّ على الإبراء مع الاطمئنان بذلك، لم يمنع عن الاستطاعة.

التزاحم بين الحجّ وأداء الدين

بيانه- قال في «معتمد العروة»: إذا كان عليه دين وكان له مال لا يفي إلّا للدين أو الحجّ، فهل يقدّم الحجّ أو الدين؟ فقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب جماعة منهم، كالمحقّق والعلّامة والشهيد إلى أنّ الدين مطلقاً بجميع أقسامه يمنع من وجوب الحجّ؛ سواء كان الدين حالّاً- مع المطالبة وعدمها- أو مؤجّلًا، وسواء كان واثقاً من الأداء بعد الحجّ أم لا.

ويستدلّ لهم بأنّ الموضوع في وجوب الحجّ هو الموسر، ومن كان مديوناً ليس بموسر. وفي الصحيح(1): «من مات وهو صحيح موسر لم يحجّ فهو ممّن


1- وسائل الشيعة 11: 27، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 6، الحديث 7 .. 86) ( 1) طه( 20).: 124.

ص: 49

قال اللَّه تعالى: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمى(86)...».

وفيه: أنّ اليسار المأخوذ في موضوع الحجّ مقابل العسر، ومن يتمكّن من أداء دينه بعد الحجّ بسهولة ومن دون مشقّة فهو موسر. وبعبارة اخرى: من كان متمكّناً من أداء الدين وترك الحجّ، فهو ممّن ترك الحجّ وهو موسر، ومجرّد اشتغال الذمّة بالدين لا يمنع من صدق اليسار، ومنهم من ذهب- كالسيّد في «المدارك»- إلى: أنّ المانع عن وجوب الحجّ هو الدين الحالّ المطالب به، وأمّا غير الحالّ أو غير المطالب به فغير مانع لتحقّق الاستطاعة المقتضية للوجوب....

وذهب صاحب «المستند» إلى التخيير في بعض الصور وتقديم الحجّ في بعضها الآخر، وحاصل ما ذكره أنّ كلّاً من أداء الدين والحجّ واجب، وهو مطالب بامتثال الأمرين؛ لأنّهما واجبان في عرض واحد، وحيث لا يتمكّن من الجمع بينهما يقع التزاحم بين الأمرين، فلا بدّ من إعمال قواعد باب التزاحم، هذا إذا كان الدين حالّاً مطالباً، وأمّا إذا كان مؤجّلًا فلا تزاحم في البين أصلًا ويجب الحجّ بلا إشكال؛ سواء كان واثقاً بالأداء بعد الحجّ أم لا؛ لأنّ وجوب الحجّ فعلي ولا يزاحمه واجب آخر، وإنّما يتحقّق التزاحم فيما إذا كان الدين حالّاً واللازم حينئذٍ- بعد عدم الترجيح- التخيير بينهما في صورة المطالبة أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب والعود، وأمّا في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير، أو التأجيل مع سعة الأجل للحجّ والعود يقدّم الحجّ؛ إذ لا مزاحم له بالفعل ويكون خطاب الحجّ خالياً عن المعارض.(1)


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 89- 91 ..

ص: 50

قوله قدس سره: «فلا يكون مستطيعاً».

قال في «معتمد العروة»: «لعدم الفرق بين الدين الشخصي وغيره كالجهة فيجب عليه صرف المال فيهما وبالصرف تزول الاستطاعة، كما هو الحال في سائر الديون، كما عرفت. هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمّته.

وأمّا إذا كانا في عين ماله، فلا ريب في تقديمهما على الحجّ؛ لعدم صدق الاستطاعة حينئذٍ، ولكن عدم الاستطاعة غير مستند إلى وجوب الأداء وحرمة التصرّف، وإنّما يستند إلى عدم وجدان المال للحجّ وعدم الموضوع له، فإنّه ليس بمالك للزاد والراحلة؛ لأنّ المال ملك لشخص آخر على الفرض فالموضوع منفي، ولذا لو عزل الزكاة لم يجب عليه الأداء فعلًا، ويجوز له التأخير، ومع ذلك لا يجب عليه الحجّ، فتبيّن أنّ عدم وجوب الحجّ غير مستند إلى الحكم التكليفي، كوجوب الأداء وحرمة التصرّف، بل هو مستند إلى عدم تحقّق الموضوع».(1)

قال في «الجواهر»: «ولو كان له مال، وعليه دين حالّ بقدره- خمس أو زكاة أو كفّارة أو نذر أو لآدمي- لم يجب الحجّ؛ لعدم الاستطاعة باعتبار سبق وجوب الوفاء بما عنده على وجوب الحجّ، إلّاأن يفضل عن دينه ما يقوم بالحجّ، فيجب حينئذٍ؛ لصدقها، بل في «المنتهى» و «القواعد» و «الدروس»:

سواء كان الدين حالّاً، أو مؤجّلًا معلّلًا له في الأوّل: بأ نّه غير مستطيع مع الحلول، والضرر متوجّه عليه مع التأجيل فيسقط الفرض...».(2)

قوله قدس سره: «والدين المؤجّل بأجل طويل كخمسين سنة...» ما ذكره وإن كان


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 97- 98 ..
2- جواهر الكلام 17: 258 ..

ص: 51

(مسألة 20): لو شكّ في أنّ ماله وصل إلى حدّ الاستطاعة، أو علم مقداره وشكّ في مقدار مصرف الحجّ وأ نّه يكفيه، يجب عليه الفحص على الأحوط.

صحيحاً، وقد يتحقّق التزاحم وكان الدين أهمّ فيمنع من الحجّ، وإلّا فلا، كما لو علم بعدم تمكّنه من أداء الدين، ولو بعد خمسين سنة لو حجّ فعلًا، أو يحتمل أنّ الزوجة تطالبه بالمهر، كما قد يحتمل عدم وفاء من وعده بالإبراء. وبالجملة:

العبرة بالتزاحم وعدمه، لا بطول المدّة وقلّتها.

عدم وجوب الفحص عند الشكّ في الاستطاعة

بيانه- قال في «معتمد العروة الوثقى»: «الشكّ في الاستطاعة يتصوّر على وجهين:

الأوّل: ما إذا شكّ في وجدانه لمقدار مصارف الحجّ؛ بمعنى أنّه يعلم أنّ مصارف الحجّ خمس مئة دينار مثلًا، ولكن لا يعلم بلوغ ماله هذا المقدار.

الثاني: ما إذا علم مقدار نفقة المال ولكن لا يعلم مقدار نفقة الحجّ، فيشكّ في أنّ ما عنده يكفيه للحجّ أم لا.

ذكر المصنّف رحمه الله: أنّ الأحوط لزوم الفحص في الصورتين حتّى يكشف الأمر، وتقدّم نظير ذلك في باب الزكاة عند ما يشكّ في بلوغ النصاب وعدمه، وهكذا في الخمس عند الشكّ في مقدار المؤونة. ولا يخفى: أنّ الشبهة في المقام موضوعية، ويجري فيها الأصل العقلي والنقلي، والفحص يحتاج إلى دليل، بل في جملة من الموارد يجري استصحاب عدم الزيادة وعدم بلوغ المال النصاب.

ولكن شيخنا الاستاذ وجماعة ذهبوا إلى وجوب الفحص؛ بدعوى أنّ أمثال ذلك من الفحص لا يعدّ من الفحص عرفاً، كالمراجعة إلى دفتر الحساب، أو

ص: 52

(مسألة 21): لو كان ما بيده بمقدار الحجّ، وله مال لو كان باقياً يكفيه في رواج أمره بعد العود وشكّ في بقائه، فالظاهر وجوب الحجّ؛ كان المال حاضراً عنده أو غائباً.

كالنظر إلى الافق لتبيّن الفجر ونحو ذلك، ولا مجال للرجوع إلى الأصل في أمثال ذلك.

وفيه: أنّه لا يهمّنا صدق عنوان الفحص وعدمه؛ وذلك لأنّ الحكم لم يعلّق على عنوان الفحص، ولم يؤخذ الفحص في حكم من الأحكام حتّى يقال: بأنّ هذا المقدار من الفحص ليس بفحص عرفاً، أو هو فحص عرفاً، وإنّما المهمّ صدق عنوان العالم والجاهل ولا واسطة بينهما فإن كان عالماً لا يجري في حقّه الأصل بخلاف ما إذا كان جاهلًا.

نعم، إنّما يجب الفحص في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي، والشبهات الحكمية، وفيما إذا ثبت وجوبه بدليل خاصّ في الشبهات الموضوعية.

وبالجملة: متى صدق عنوان الجاهل لا يجب عليه الفحص، ويجوز له الرجوع إلى الأصل، حتّى في مثل مراجعة الدفتر والنظر إلى الفجر؛ لإطلاق أدلّة الاصول...»(1) واللَّه العالم.

الشكّ في بقاء الاستطاعة إلى زمان العود

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «إذا كان له ما يحجّ به، ذهاباً وإياباً، من الزاد والراحلة، وكان له مال لإمرار معاشه ورواج أمره بعد العود والرجوع،


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 99- 100 ..

ص: 53

لكن لا يعلم بقاؤه ويحتمل تلفه ذكر قدس سره: أنّه لا يسقط وجوب الحجّ، بمجرّد احتمال تلف المال الذي يحتاج إليه في العود؛ لاستصحاب بقاء المال وعدم تلفه.

والأمر كما ذكره من عدم سقوط الحجّ، لكن لا لما ذكره من التعليل بالاستصحاب؛ فإنّ التعليل عليل، والأصل مثبت؛ لأنّ مجرى الاستصحاب لا بدّ من أن يكون حكماً شرعياً، أو موضوعاً ذا حكم شرعي، وبقاء المال إلى زمان العود ليس بحكم شرعي، ولا بموضوع لذي حكم شرعي، فإنّ الموضوع للحكم الشرعي هو الرجوع إلى الكفاية، واستصحاب بقاء المال إلى زمان العود لا يثبت هذا الموضوع إلّاعلى الأصل المثبت، بل الوجه في وجوب الحجّ وعدم سقوطه إطلاق الروايات الدالّة على تحقّق الاستطاعة بالزاد والراحلة، والمفروض وجود الزاد والراحلة عنده، وتحقّق الاستطاعة بالمعنى الشرعي المفسّر في النصوص، ولم يؤخذ الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة في شي ء من الأدلّة... ومجرّد احتمال الوقوع في الحرج لا ينافي صدق الاستطاعة بالفعل ولا يوجب سقوط الحجّ، بل لا بدّ من إحرازه في سقوط الحجّ، وهذا نظير احتمال سرقة أمواله في طريق الحجّ؛ فإنّ مجرّد الاحتمال لا أثر له في سقوط الحجّ».(1)


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 101- 102 ..

ص: 54

(مسألة 22): لو كان عنده ما يكفيه للحجّ، فإن لم يتمكّن من المسير؛ لأجل عدم الصحّة في البدن أو عدم تخلية السرب، فالأقوى جواز التصرّف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة، وإن كان لأجل عدم تهيئة الأسباب أو فقدان الرفقة، فلا يجوز مع احتمال الحصول، فضلًا عن العلم به، وكذا لا يجوز التصرّف قبل مجي ء وقت الحجّ، فلو تصرّف استقرّ عليه لو فرض رفع العذر فيما بعد في الفرض الأوّل، وبقاء الشرائط في الثاني، والظاهر جواز التصرّف لو لم يتمكّن في هذا العام وإن علم بتمكّنه في العام القابل، فلا يجب إبقاء المال إلى السنين القابلة.

التصرّف في المال المستلزم لفقدان الاستطاعة

بيانه- قال في «الحدائق»: «ومن الشروط: إمكان السفر، وهو يشتمل على الصحّة وتخلية السرب والاستمساك على الراحلة وسعة الوقت لقطع المسافة، وحينئذٍ، فالكلام يقع في مقامات ثلاثة: الأوّل: أنّه لا خلاف نصّاً وفتوى في أنّ المريض الذي يتضرّر بالركوب على القتب أو في المحمل- إن وسعته الاستطاعة- لا يجب عليه الحجّ.

ويدلّ على ذلك- مضافاً إلى ما دلّ على نفي المشقّة والحرج في التكليف آيةً وروايةً- صحيحة ذريح عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق به الحجّ، أو سلطان يمنعه، فليمت يهودياً أو نصرانياً»(1).


1- وسائل الشيعة 11: 29، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 7، الحديث 1 ..

ص: 55

وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال اللَّه تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: هذه لمن كان عنده مال وصحّة...»(1).

وصحيحة هشام بن حكم وفيها: «ومن كان صحيحاً في بدنه مخلّى سربه له زاد وراحلة».(2)

وأمّا المريض مرضاً لا يتضرّر بالسفر، فإنّه كالصحيح في طريق الوجوب عليه، ولو احتاج في سفره إلى الدواء فهو كالزاد، وكذا يسقط التكليف مع عدم الاستمساك على الراحلة، كالمعضوب، ومقطوع اليدين والرجلين غالباً؛ لعين ما تقدّم من الأدلّة.

بقي الكلام في أنّه هل تجب الاستنابة متى حصلت الاستطاعة، وعرض المانع، من مرض ونحوه من الأعذار، أم لا؟ قولان: أوّلهما: للشيخ وأبي الصلاح وابن البرّاج وابن الجنيد وغيرهم. والثاني: لابن إدريس، واختاره العلّامة في «المختلف»، والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلّقة بهذه المسألة روايات:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «وإن كان موسراً وحال بينه وبين الحجّ مرض، أو حصر، أو أمر يعذره اللَّه تعالى فيه، فإنّ عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له».(3)

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام يقول: لو


1- وسائل الشيعة 11: 25، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 6، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 11: 35، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 8، الحديث 7 ..
3- وسائل الشيعة 11: 63، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 24، الحديث 2 ..

ص: 56

أنّ رجلًا أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم، فلم يستطع الخروج، فليجهّز رجلًا من ماله، ثمّ ليبعثه مكانه».(1) وغير ذلك من الروايات، وهذه الروايات كلّها ظاهر الدلالة على القول المشهور، فيكون هو المعتمد المنصور، ومن ذلك يظهر أنّ هذا الشرط إنّما هو شرط في وجوب الحجّ البدني لا الوجوب المالي لوجوبه بهذه الأخبار مع عدم التمكّن من الحجّ بنفسه.

احتجّ العلّامة قدس سره في «المختلف»: بأصالة البراءة، وبأنّ الاستطاعة شرط، وهي مفقودة فيسقط الوجوب، قضية للشرط.

وبصحيحة محمّد بن يحيى الخثعمي قال: سأل حفص الكناسي أبا عبداللَّه عليه السلام وأنا عنده عن قول اللَّه عزّ وجلّ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني بذلك؟ قال: «من كان صحيحاً في بدنه، مخلّى سربه، له زاد وراحلة، فهو ممّن يستطيع الحجّ»(2) قال: دلّ بمفهومه على أنّ فاقد الصحّة ليس بمستطيع.(3)

واجيب عن ذلك: بأنّ الأصل يرتفع بالدليل، وقد تقدّم، والاستطاعة شرط في وجوب الحجّ مباشرة.

وظاهر إطلاق هذه الأخبار هو وجوب الاستنابة مطلقاً؛ سواء كان المرض والعذر مرجوّ الزوال، أم لا، وظاهر الأصحاب الاتّفاق- كما نقله في «المنتهى»(4)- على أنّه لو رجا البرء لم تجب الاستنابة، فيختصّ وجوب


1- وسائل الشيعة 11: 64، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 24، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 11: 34، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 8، الحديث 4 ..
3- مختلف الشيعة 4: 39 ..
4- منتهى المطلب 10: 93- 94 ..

ص: 57

الاستنابة عندهم بالمرض غير مرجوّ الزوال، وأمّا ما كان مرجوّ الزوال، فقالوا فيه بالاستحباب.

قال في «المدارك»: «وإنّما تجب الاستنابة مع اليأس من البرء، فلو رجا البرء لم تجب عليه الاستنابة إجماعاً، قاله في «المنتهى»؛ تمسّكاً بمقتضى الأصل السالم من معارضة الأخبار المتقدّمة؛ إذ المتبادر منها تعلّق الوجوب بمن حصل له اليأس من زوال المانع، والتفاتاً إلى أنّه لو وجبت الاستنابة مع المرض مطلقاً، لم يتحقّق اعتبار التمكّن من المسير في حقّ أحد من المكلّفين، إلّاأن يقال: إنّ اعتبار ذلك، إنّما هو في الوجوب البدني خاصّة وهو بعيد».(1)

بقي الكلام هنا في فوائد تتعلّق بالمقام:

الاولى: ظاهر الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- الاتّفاق على أنّه لو تقدّمت الاستطاعة على حصول العذر وجبت الاستنابة قولًا واحداً، وقد صرّح بذلك جملة منهم صريحاً....

الثانية: حيث إنّ الأصحاب صرّحوا باستحباب الاستنابة لمن يرجو زوال العذر، فرّعوا عليه أنّه لو حصل اليأس بعد رجاء البرء، وقد استناب أوّلًا، فإنّه تجب عليه الاستنابة ثانياً، مع بقاء الاستطاعة، قال العلّامة في «التذكرة»- بعد أن صرّح في صدر المسألة بأنّ المريض إذا كان مرضه يرجى زواله ونحوه من ذوي الأعذار يستحبّ له الاستنابة- ما لفظه: «فلو استناب من يرجو القدرة على الحجّ بنفسه، ثمّ صار مأيوساً من برئه، فعليه أن يحجّ عن نفسه مرّة اخرى؛ لأ نّه استناب في حال لا تجوز الاستنابة فيها، فأشبه الصحيح، قال الشيخ قدس سره:


1- مدارك الأحكام 7: 56 ..

ص: 58

ولأنّ تلك الحجّة كانت عن ماله وهذه عن بدنه»(1) انتهى....

ومن أنّ ظاهر الأخبار وجوب الاستنابة مطلقاً أنّه لو استناب أوّلًا، فقد أدّى الواجب ولا يجب ثانياً ومثل ذلك يأتي في حالة الموت، فإنّه إذا استناب أوّلًا، فلا شي ء عليه، وإلّا وجب القضاء عنه، وأمّا ما ذكروه من الاستحباب، فلا شي ء مطلقاً.

الثالثة: قد صرّح الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم-: بأنّ الممنوع لعذر لا يرجى زواله لو استناب فإن استمر المانع حتّى مات، فلا قضاء، وإن زال ذلك المانع وجب الحجّ عليه بنفسه، مع بقاء الاستطاعة، ولا خلاف بينهم في شي ء من ذلك في ما أعلم....

الرابعة: قالوا: لو لم يجد الممنوع مالًا لم تجب عليه الاستنابة قطعاً، وكذا لو وجد المال ولم يجد من يستأجره، فإنّه يسقط إلى العام المقبل، ولو وجد من يستأجره بأكثر من اجرة المثل وجب مع المكنة ولو لم يكن له مال ووجد من يعطيه المال لأداء الحجّ لم يجب عليه قبوله؛ لأنّ الاستنابة إنّما تجب على الموسر، على ما تضمّنته الأخبار المتقدّمة، ولا يقاس على الصحيح إذا بذل له الزاد والراحلة؛ حيث وجب عليه الحجّ بذلك؛ لاختصاصه بالنصّ وبطلان القياس، وهو جيّد موافق للقواعد الشرعية.

الخامسة: قال في «الدروس»: «ولو وجب عليه الحجّ بإفساد أو نذر، فهو كحجّة الإسلام بل أقوى». وكتب في الحاشية في بيان وجه القوّة «لأنّ سبب الحجّ هنا المكلّف ولمّا امتنع فعله بنفسه صرف إلى ماله بخلاف حجّة الإسلام


1- تذكرة الفقهاء 7: 72 ..

ص: 59

فإنّ سببها من اللَّه»(1) انتهى.

وفي «المنتهى» قال: «وعندي في ذلك تردّد».(2) والظاهر هو أنّ مورد نصوص الاستنابة حجّة الإسلام، والتعدّي إلى غيرها قياس محض.

وأمّا ما ذكره في «الدروس»، فلا يخفى ما فيه؛ فإنّ العبادات توقيفية، لا بّد في ثبوتها من النصوص، وهذه التعليلات العليلة لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية، ولهذا قال السيّد في «المدارك» بعد نقل ذلك عنه: «وهو غير واضح في النذر، بل ولا الإفساد أيضاً، إن قلنا أنّ الثانية عقوبة؛ لأنّ الحكم بوجوب الاستنابة على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على مورد النصّ، وهو حجّ الإسلام، والنذر والإفساد إنّما اقتضيا وجوب الحجّ مباشرة وقد سقط بالتعذّر»(3) انتهى، وهو جيّد.

السادسة: ظاهر صحيحة الحلبي ومثلها رواية علي بن أبي حمزة(4) تناول المانع الموجب للاستنابة لما لو كان خلقياً أو عارضاً، وإن كان أكثر أخبار المسألة إنّما تضمّن ذكر العارض خاصّة، وعلى هذا، فلو كان لا يستمسك خلقة، فإنّه تجب عليه الاستنابة، وظاهر كلام الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- في هذه المسألة العموم أيضاً، بل صرّح العلّامة في «المنتهى» بذلك، فقال: «ولو كان المرض لا يرجى برؤه، أو كان العذر لا يزول، كالإقعاد، وضعف البدن خلقة، وغير ذلك من الأعذار اللازمة أو كبر السن وما أشبهه، قال الشيخ: وجب عليه


1- الدروس الشرعية 1: 313 ..
2- منتهى المطلب 10: 99 ..
3- مدارك الأحكام 7: 57- 58 ..
4- وسائل الشيعة 11: 63، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 24، الحديث 2 و 7 ..

ص: 60

أن يحجّ عنه رجلًا؛ لما تقدّم من الأحاديث...».(1)

وظاهر المحقّق في «الشرائع» الخلاف في ذلك حيث اختار أنّ من لا يستمسك خلقة يسقط الفرض عن نفسه وماله... وشيخنا الشهيد الثاني في «المسالك» لمّا اختار القول المشهور احتجّ على ذلك: بعدم العلم بالقائل بالفرق بين الخلقي والعارضي، ثمّ ذكر رواية علي بن أبي حمزة.(2) واعترضه سبطه في «المدارك»، فقال بعد نقل ذلك: «وهو احتجاج ضعيف؛ فإنّ إحداث القول في المسألة لا يتوقّف على وجود القائل، إذا لم ينعقد الإجماع على خلافه، والرواية لا تنهض حجّة؛ لأنّ راويها علي بن أبي حمزة، وقال النجاشي: إنّه كان أحد عمد الواقفية»،(3) انتهى. وهو جيّد بناءً على اصولهم المشتركة بين المورد والمورد عليه.

السابعة: المستفاد من ظاهر عبائرهم: أنّه لو تكلّف الممنوع بأحد الأعذار المتقدّمة الحجّ لم يجزئه عن حجّة الإسلام؛ لعدم تحقّق الاستطاعة التي هي شرط الوجوب، فكان كما لو تكلّفه الفقير. وبذلك صرّح في «التذكرة»، حيث قال بعد ذكر الشرائط التي ذكرناها: «منها: ما هو شرط في الصحّة والوجوب، وهو العقل؛ لعدم الوجوب على المجنون وعدم الصحّة منه، ومنها: ما هو شرط في الصحّة دون الوجوب، وهو الإسلام... إلى أن قال: ومنها: ما هو شرط في الوجوب دون الصحّة، وهو البلوغ والحرّية والاستطاعة وإمكان السير؛ لأنّ الصبيّ والمملوك ومن ليس معه زاد ولا راحلة وليس بمخلّى السرب ولا يمكنه


1- منتهى المطلب 10: 94 ..
2- مسالك الأفهام 2: 139- 140 ..
3- مدارك الأحكام 7: 59- 60 ..

ص: 61

المسير لو تكلّفوا الحجّ لصحّ منهم وإن لم يكن واجباً عليهم ولا يجزئهم عن حجّة الإسلام»،(1) انتهى كلامه رفع مقامه.(2)

قال في «معتمد العروة»: «لا ينبغي الريب في عدم جواز تعجيز نفسه بعد وجوب الحجّ بشرائطه وحدوده، وإن كان الواجب متأخّراً؛ لأنّ الميزان في عدم جواز تعجيز النفس عن إتيان الواجب، وعدم جواز تفويت الملاك هو تنجيز الوجوب وفعليته، وإن كان زمان الواجب متأخّراً... وإنّما الكلام في مبدأ هذا الوجوب، فقد ذكر جماعة: أنّ مبدأه خروج الرفقة، فلا يجوز له تعجيز نفسه عند خروج الرفقة ويجوز قبله، وإن كان متمكّناً من المسير وذكر المصنّف قدس سره:

أنّ مبدأه هو التمكّن من المسير ولا عبرة بخروج الرفقة، فلا يجوز له تعجيز نفسه بالتمكّن من المسير، ولو كان خروج الرفقة متأخّراً، وذهب بعضهم إلى أنّ العبرة بأشهر الحجّ؛ لأنّ التكليف في هذه الأشهر منجّز، ولا يجوز تفويت الاستطاعة فيها. والظاهر أنّه لا دليل على شي ء من ذلك، بل مقتضى الآية الكريمة والروايات المفسّرة للاستطاعة تنجّز الوجوب بحصول الزاد والراحلة، وما يحجّ به وتخلية السرب وصحّة البدن؛ بحيث لا يكون الحجّ حرجياً، من دون فرق في حصول ذلك بين أشهر الحجّ وخروج الرفقة والتمكّن من المسير، ومتى حصلت الاستطاعة بالمعنى المتقدّم تنجّز الوجوب عليه في أيّ وقت كان، وأشهر الحجّ؛ إنّما هي ظرف الواجب، لا أنّها ظرف الوجوب، فلو فرضنا أنّه صحيح المزاج، والطريق مفتوح وعنده ما يحجّ به من الزاد والراحلة يجب عليه الحجّ من أوّل حصول الاستطاعة؛ فإنّ الواجب تعليقي بمعنى كون الوجوب


1- تذكرة الفقهاء 7: 92- 95 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 126- 137 ..

ص: 62

(مسألة 23): إن كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو مع غيره، وتمكّن من التصرّف فيه ولو بالتوكيل يكون مستطيعاً وإلّا فلا، فلو تلف في الصورة الاولى بعد مُضيّ الموسم أو كان التلف بتقصير منه ولو قبل أوان خروج الرفقة، استقرّ عليه الحجّ على الأقوى. وكذا الحال لو مات مورّثه وهو في بلد آخر.

فعلياً والواجب استقبالياً، فلا يجوز له التفويت، ولو كان قبل أشهر الحجّ أو قبل خروج الرفقة، ولذا لو فرضنا أنّه لا يتمكّن من المسير في شهر شوّال؛ لبعد المسافة وعدم الوصول إلى الحجّ، لو سافر في شهر شوّال، كما في الأزمنة السابقة بالنسبة إلى بعض البلاد وكان متمكّناً من المسير في شهر رجب، ويمكنه الوصول يجب عليه الحجّ، وليس له تركه معتذراً بأ نّه في شهر شوّال لا يتمكّن من المسير؛ لبعد الطريق»(1) واللَّه العالم.

حصول الاستطاعة بالمال الغائب

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «لأنّ العبرة في الاستطاعة بالتمكّن من التصرّف في المال فلو كان المال غائباً وتمكّن من التصرّف فيه ببيع أو إجارة أو الاقتراض ثمّ الأداء منه يكون مستطيعاً ويستقرّ عليه الحجّ؛ لأنّ الميزان أن يكون عنده ما يحجّ به، سواء كان المال حاضراً أو غائباً، ولو تلف المال في هذه الصورة ولم يحجّ فقد استقرّ عليه الحجّ وعليه الإتيان ولو متسكّعاً.

وأمّا إذا لم يكن متمكّناً من التصرّف فيه فلا يكون مستطيعاً؛ لأنّ العبرة- كما


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 102- 104 ..

ص: 63

(مسألة 24): لو وصل ماله بقدر الاستطاعة وكان جاهلًا به أو غافلًا عن وجوب الحجّ عليه، ثمّ تذكّر بعد تلفه بتقصير منه ولو قبل أوان خروج الرفقة، أو تلف ولو بلا تقصير منه بعد مضيّ الموسم، استقرّ عليه مع حصول سائر الشرائط حال وجوده.

عرفت- بالتمكّن من التصرّف ولا يجدي مجرّد الملكية، فالمحقّق للاستطاعة هو التمكّن من التصرّف.... ومن هنا يظهر أنّه لا فرق بين الحضور والغياب إذا لم يكن متمكّناً من التصرّف، فلو كان المال حاضراً وموجوداً في الصندوق الحديدي بحيث لا يمكن فتحه وأخذ المال منه لا يكون مستطيعاً وكذا لو مات مورّثه في بلده وانتقل المال إلى الوارث ولكن توقّف التصرّف فيه على إثبات نسبه وإثبات الوراثة وأمثال ذلك من المقدّمات وأنّ الاستطاعة لا تتحقّق بمجرّد الملكية وإنّما تتحقّق بالتمكّن من التصرّف».(1)

إذا كان مستطيعاً مع جهله بالاستطاعة

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «الظاهر هو التفصيل بين ما إذا كانت الغفلة عن وجوب الحجّ مستندة إلى تقصير منه كترك التعلّم، وبين ما إذا كانت غير مستندة إلى التقصير ككثرة الاشتغال والابتلاء الموجبة للغفلة، فإن كانت الغفلة مستندة إلى تقصير منه، فالأمر كما ذكره في المتن، وإن كانت غير مستندة إلى التقصير، فلا يجب عليه الحجّ واقعاً؛ لأنّ حديث الرفع(2) في حقّه رفع واقعي،


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 106- 107 ..
2- وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1 ..

ص: 64

وقد ذكرنا في محلّه أنّ حديث الرفع بالنسبة إلى غير «ما لا يعلمون» رفع واقعي، وفي الحقيقة تخصيص في الأدلّة الأوّلية، والحكم غير ثابت في حقّه واقعاً.

ففي فرض الغفلة لا يجب عليه الحجّ؛ لعدم ثبوته في حقّه، وفي فرض الالتفات، وإن أمكن تكليفه بالحجّ، لكنّ المفروض أنّه لا مال له بالفعل، ففي هذه الصورة الحقّ مع المحقّق القمي رحمه الله من عدم الوجوب.

وكذلك يفصّل في مورد الجهل بوصول المال إلى حدّ الاستطاعة بين الجهل البسيط والمركّب، فإن كان الجهل جهلًا بسيطاً، فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه؛ لأنّ الحكم بعدم الوجوب في فرض الجهل حكم ظاهري، لا ينافي وجوب الحجّ واستقراره عليه واقعاً، فإذا انكشف وتبيّن الخلاف يجب عليه إتيان الحجّ؛ لاستقراره عليه؛ لأنّ العلم بالاستطاعة لم يؤخذ في الموضوع، وإنّما الموضوع وجود ما يحجّ به واقعاً، والجاهل بالجهل البسيط يتمكّن من إتيان الحجّ ولو احتياطاً، فلا مانع من توجّه التكليف إليه واقعاً.

وأمّا في مورد الجهل المركّب، فلا يتوجّه إليه التكليف واقعاً؛ لعدم تمكّنه من الامتثال، ولو على نحو الاحتياط؛ فإنّ من كان جازماً بالعدم ومعتقداً عدم الاستطاعة لا يمكن إثبات الحكم في حقّه؛ فإنّ الأحكام، وإن كانت مشتركة بين العالم والجاهل، ولكن بالجهل البسيط الذي يتمكّن من الامتثال، لا الجهل المركّب والجزم بالعدم الذي لا يتمكّن من الامتثال أبداً، فهو كالغفلة، ففي هذه الصورة الحقّ مع المحقّق القمي أيضاً.

وبالجملة: ما ذكره المحقّق القمي من عدم وجوب الحجّ، إنّما يصحّ فيما إذا كانت الغفلة غير مستندة إلى التقصير، وفيما إذا كان الجهل جهلًا مركّباً، وأمّا إذا

ص: 65

(مسألة 25): لو اعتقد أنّه غير مستطيع فحجّ ندباً، فإن أمكن فيه الاشتباه في التطبيق صحّ وأجزأ عن حجّة الإسلام، لكن حصوله مع العلم والالتفات بالحكم والموضوع مشكل، وإن قصد الأمر الندبي على وجه التقييد لم يجز عنه، وفي صحّة حجّه تأمّل. وكذا لو علم باستطاعته ثمّ غفل عنها. ولو تخيَّل عدم فوريته فقصد الندب لا يجزي، وفي صحّته تأمّل.

كانت الغفلة مستندة إلى التقصير، أو كان الجهل بسيطاً، فالحقّ مع المصنّف رحمة اللَّه ورضوانه عليه»(1) انتهى.

حكم الحجّ ندباً باعتقاد عدم الاستطاعة

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «الظاهر هو الإجزاء مطلقاً، وليس المقام من موارد التقييد، وإنّما هو من موارد التخلّف في الداعي وذلك لأنّ التقييد إنّما يتصوّر في الامور الكلّية التي لها سعة، وقابلة التقسيم إلى الأنواع، والأصناف، كالصلاة؛ حيث إنّ لها أنواعاً، وأصنافاً، كصلاة الفجر، ونافلتها، ونحو ذلك من الأقسام، وأمّا الأمر الخارجي الجزئي الذي لا يقبل التقسيم، فلا يتصوّر فيه التقييد.

نظير ذلك ما ذكروه من التفصيل في باب الائتمام بزيد فبان أنّه عمرو، وقلنا هناك: إنّ ذلك غير قابل للتقييد، لأنّ الائتمام قد تعلّق بهذا الشخص المعيّن، ولا سعة فيه حتّى يتصوّر فيه التقييد والتضييق، وهكذا الأمر في المقام، فإنّ الأمر بالحجّ المتوجّه إليه في هذه السنة، أمر شخصي ثابت في ذمّته، وليس فيه سعة


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 107- 108 ..

ص: 66

يتضيّق ويتقيّد، والثابت في ذمّته ليس إلّاحجّة الإسلام، وقد أتى بها؛ فإنّ حجّة الإسلام ليس إلّاصدور هذه الأعمال من البالغ الحرّ المستطيع الواجد لجميع الشرائط، والمفروض حصولها، فالصادر منه هو حجّة الإسلام، وإن كان جاهلًا به، ولا يعتبر قصد هذا العنوان في صحّة الحجّ. غاية ما في الباب تخيّل جواز الترك وعدم الوجوب، ومجرّد تخيّل الجواز غير ضائر في صحّة العمل، كما لو فرضنا أنّه صام في شهر رمضان ندباً بنيّة القربة، وكان جاهلًا بوجوب الصوم فيه، فإنّه لا ريب في الاكتفاء به وعدم وجوب القضاء عليه، بل لو فرضنا أنّه لو علم بالوجوب لم يأت به في هذه السنة، ويؤخّره؛ لغرض من الأغراض، نلتزم بالصحّة أيضاً؛ لأنّه من باب تخلّف الداعي، وليس من التقييد بشي ء.

وبالجملة: التقييد إنّما يتصوّر في الامور الموسّعة الكلّية، وأمّا الامور الشخصية فلا يتحقّق فيها التقييد نظير الأفعال الخارجية الحقيقية، كالأكل، فإنّ الأكل يتحقّق على كلّ تقدير، ولا معنى للتقييد فيه. هذا كلّه فيما إذا اعتقد أنّه غير مستطيع، فحجّ ندباً أو علم باستطاعته، ثمّ غفل عن ذلك.

وأمّا لو علم بالوجوب، وتخيّل عدم فوريته، فحجّ ندباً، فذكر رحمه الله أنّه لا يجزئ؛ لأنّه يرجع إلى التقييد، والأمر كما ذكره... ولكن ما حجّ به صحيح في نفسه، إلّاأنّه لا يجزئ عن حجّة الإسلام؛ لأنّ الأمر الفعلي لم يقصد، وإنّما قصد الأمر الندبي المترتّب على مخالفة الأمر الفعلي»(1) فتأمّل واللَّه العالم.


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 109- 110 ..

ص: 67

(مسألة 26): لا يكفي في وجوب الحجّ الملك المتزلزل، كما لو صالحه شخص بشرط الخيار إلى مدّة معيّنة، إلّاإذا كان واثقاً بعدم فسخه، لكن لو فرض فسخه يكشف عن عدم استطاعته.

(مسألة 27): لو تلفت بعد تمام الأعمال مؤونة عوده إلى وطنه؛ أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه؛ بناء على اعتبار الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة، لا يجزيه عن حجّة الإسلام، فضلًا عمّا لو تلف قبل تمامها، سيّما إذا لم يكن له مؤونة الإتمام.

حصول الاستطاعة بالملكية المتزلزلة

بيانه- إنّ الأقوى عدم الاكتفاء بالملكية المتزلزلة في تحقّق الاستطاعة، فلا يجب الحجّ بحصول الملكية المتزلزلة، إلّامع الوثوق بعدم زوالها؛ لأنّ الملكية المتزلزلة في معرض الزوال، فلا تثبت بها الاستطاعة.

حكم تلف مؤونة العود بعد تمام الأعمال

بيانه- قال في «المسالك»: «اعلم أنّ الاستطاعة فيمن يفتقر إلى قطع المسافة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل: الاستطاعة إلى الذهاب إلى الحجّ مستمرّة إلى أن يفرغ من أفعاله، وهي شرط بإجماع المسلمين.

الثانى: استمرارها إلى أن يرجع إلى وطنه، وهي شرط بإجماع الإمامية، وللعامّة في ذلك اختلاف.

الثالث: الرجوع- مع ذلك- إلى كفاية وهو المبحوث عنه هنا، فذهب

ص: 68

أكثر المتقدّمين- وادّعى عليه الشيخ الإجماع ونقله المرتضى عن الأكثر- اعتبار الرجوع إلى كفاية؛ عملًا بأصالة البراءة، وبرواية أبي الربيع الشامي عن الصادق عليه السلام(1) والأصحّ عدم اعتبارها وهو المشهور بين المتأخّرين لتحقّق الاستطاعة التي هي الشرط في الآية والأخبار، والرواية لا دلالة فيها على مطلوبهم، بل ظاهرها اعتبار المؤونة ذاهباً وعائداً ومؤونة عياله كذلك.

إذا تقرّر ذلك، فنقول: ما المراد بالكفاية عند القائل به؟ ليس في كلامهم تصريح بشي ء، فيمكن أن يكون مؤونة السنة قوّة أو فعلًا؛ لأنّها الكفاية والغنى الشرعيان، ويمكن اعتبار ما فيه الكفاية عادة؛ بحيث لا يحوجه صرف المال في الحجّ إلى سؤال الناس، كما يشعر به رواية أبي الربيع.

والمراد ب «الصناعة» في قول المصنّف: «من صناعة أو حرفة»، الملكة التي يقتدر بها على أفعال لا تحصل بدون التمرّن عليها، واستفادتها من مرشد غالباً، كالخياطة وب «الحرفة» ما يكتسب به؛ ممّا لا يفتقر إلى ذلك، كالحطب والحشيش والكنس»(2) انتهى كلامه رفع مقامه.

محصّله: أنّ مقتضى الروايات الدالّة على اعتبار الاستطاعة بقائها إلى تمام الأعمال؛ لأنّ الحجّ عبارة عن مجموع هذه الأعمال، ولا بدّ من اقترانها بالاستطاعة، فلو تلف المال قبل أن يتمّ الأعمال؛ سواء كان قبل الشروع فيها أو في الأثناء، كشف عن عدم الاستطاعة، واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 11: 37، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 9، الحديث 1 ..
2- مسالك الأفهام 2: 149- 150 ..

ص: 69

(مسألة 28): لو حصلت الاستطاعة بالإباحة اللازمة وجب الحجّ، ولو اوصي له بما يكفيه له فلا يجب عليه بمجرّد موت الموصي، كما لا يجب عليه القبول.

حصول الاستطاعة بالوصيّة التمليكية

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «لصدق الاستطاعة بذلك، هذا بناءً على أنّ الوصيّة التمليكية إيقاع لا عقد، ولا حاجة إلى القبول من الموصى له- كما هو الحقّ- فالأمر واضح؛ لأنّه بمجرّد موت الموصي يصدق على الموصى له أنّه مستطيع. نعم، له الردّ لأنّ التمليك القهري مخالف لسلطنته وذلك يقتضي سلطنته على الردّ لا على احتياجها إلى القبول، ويؤيّد أو يدلّ على أنّها إيقاع انتقال القبول والردّ إلى ورثة الموصى له، ولو كانت عقداً، لاحتاجت إلى قبول نفس الموصى له، ولا ينتقل القبول إلى الوارث، وكان مقتضى القاعدة بطلان الوصيّة، حينئذٍ.

وبالجملة: بمجرّد الوصيّة التمليكية تحصل الاستطاعة، وليس له الردّ؛ لأنّه إزالة الاستطاعة وتفويت لها، هذا كلّه بناءً على أنّ الوصيّة من الإيقاعات لا من العقود.

وأمّا بناءً على أنّها من العقود وتحتاج إلى القبول، فلم يظهر لنا الوجه في صدق الاستطاعة بمجرّد الوصيّة؛ لأنّه ما لم يتحقّق القبول لم يكن واجداً للزاد والراحلة، وإن كان قادراً على التحصيل بواسطة القبول، والمفروض أنّ الحجّ واجب على الواجد بالفعل، لا على من كان قادراً على الإيجاد والتحصيل،

ص: 70

(مسألة 29): لو نذر قبل حصول الاستطاعة زيارة أبي عبداللَّه الحسين عليه السلام- مثلًا- في كلّ عَرَفة فاستطاع يجب عليه الحجّ بلا إشكال، وكذا الحال لو نذر أو عاهد- مثلًا- بما يضادّ الحجّ. ولو زاحم الحجّ واجب أو استلزمه فعل حرام، يلاحظ الأهمّ عند الشارع الأقدس.

وإلزامه بالقبول من تحصيل القدرة الذي لا يجب، نظير الهبة فإنّه قبل القبول غير واجد للمال، وإلزامه بقبولها تحصيل القدرة، وهو غير واجب»(1) واللَّه العالم.

تزاحم الحجّ مع النذر

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

الأوّل: في تزاحم الحجّ والنذر، فقد نسب إلى معظم الأصحاب، بل إلى المشهور تقديم النذر على الحجّ، فيما إذا نذر قبل حصول الاستطاعة عملًا راجحاً لا يجتمع مع الحجّ، كما إذا نذر زيارة الحسين عليه السلام في كلّ عرفة، وكذا لو نذر إن جاء مسافره أن يعطي الفقير كذا مقداراً من المال، فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد حصول المعلّق عليه ومجي ء المسافر، وكذا إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يصرف مقداراً من المال في تعزية الحسين عليه السلام، أو الزيارة، أو في أمر خيري آخر، والمفروض أنّ المال لا يكفي للنذر والحجّ معاً، فقد ذكروا: أنّ هذا كلّه مانع عن تعلّق وجوب الحجّ به ويقدّم النذر؛ لأنّ وجوب الوفاء بالنذر يزيل الاستطاعة، ويرفعها، ويصبح عاجزاً عن إتيان الحجّ؛ فإنّ العجز الشرعي


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 115- 116 ..

ص: 71

كالعقلي في المنع من الوجوب، ويكون معذوراً في ترك الحجّ؛ لأنّه مأمور بالوفاء بالنذر، فيكون ترك الحجّ حينئذٍ سائغاً....

نعم، يتحقّق التزاحم بين الحجّ وواجب آخر فيما إذا لم يتمكّن من الجمع بينهما كأداء الدين، إلّاأنّه في خصوص المقام لا تصل النوبة إلى التزاحم؛ لأنّ الوفاء بالنذر ليس واجباً ابتدائياً، نظير وجوب الصلاة والصوم ونحوهما من الواجبات الإلهية، وإنّما هو واجب إمضائي، بمعنى أنّه إلزام من اللَّه تعالى بما التزم المكلّف به على نفسه كالعقود، فإنّها إلزام من المكلّف على نفسه، واللَّه تعالى ألزمه بهذا الالتزام وأمره بالوفاء به... ولا ينعقد النذر، وإن كان العمل في نفسه راجحاً، وعلى ذلك، فصرف المال في التعزية، أو الصدقة وإن كان راجحاً في نفسه، ولكنّه إذا استلزم ترك الحجّ يكون غير مشروع؛ لأنّه تفويت للاستطاعة، وتعجيز للنفس عن إتيان الحجّ، وكذلك زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة، وإن كانت راجحة في نفسها، ولكنّها إذا كانت ملازمة لترك الواجب كالحجّ لا يمكن إضافتها إلى اللَّه تعالى؛ فإنّ نذر زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة في الحقيقة يرجع إلى نذر ترك الحجّ، نظير نذر قرائة القرآن من أوّل طلوع الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس بحيث تفوت عنه صلاة الفجر، أو ينذر سجدة طويلة تستغرق في جميع الوقت؛ بحيث يفوت عنه الصلاة المكتوبة في الوقت.

والحاصل: أنّه لا بدّ في انعقاد النذر من قابلية إضافة العمل المنذور إلى اللَّه تعالى، مضافاً إلى الرجحان الثابت في نفسه، فإذا استلزم العمل ترك واجب أو إتيان محرّم لا يمكن إضافته إلى اللَّه تعالى، فدليل وجوب الوفاء بالنذر من أصله قاصر لا يشمل أمثال هذه الموارد؛ لأنّه ليس من باب التكاليف الابتدائية، بل

ص: 72

إنّما هو من باب الإمضاء والإلزام بما التزم المكلّف على نفسه، فلا بدّ أن يكون ما التزم به قابلًا للالتزام والاستناد إلى اللَّه تعالى، وإلّا فلا ينعقد النذر وينحلّ، كما إذا نذر صوم يوم الذي يجي ء مسافره فيه، فصادف يوم العيد، ولا ريب في انحلال النذر في هذه الموارد، والمقام من قبيل ذلك، فلا تصل النوبة إلى التزاحم، فضلًا عن أن يرفع النذر موضوع الاستطاعة.

فتحصّل من جميع ما تقدّم: أنّ النذر لا يزاحم الحجّ؛ لأنّ وجوبه مطلق غير مشروط بشي ء غير الاستطاعة المفسّرة في النصوص، والقدرة الشرعية المصطلحة غير مأخوذة فيه، بخلاف النذر؛ فإنّه مشروط بأن لا يكون محلّلًا للحرام ومحرّماً للحلال....

المقام الثاني: فيما إذا تزاحم الحجّ مع واجب مطلق فوري، كما إذا كان عليه واجب مطلق قبل حصول الاستطاعة، ولم يمكن الجمع بينه وبين الحجّ، ثمّ حصلت الاستطاعة، يقدّم ذلك الواجب، وإن لم يكن أهمّ من الحجّ؛ لأنّ العذر الشرعي كالعقلي في المنع من الوجوب، وأمّا لو حصلت الاستطاعة أوّلًا، ثمّ حصل واجب فوري آخر، لا يمكن الجمع بينهما يكون من باب المزاحمة، فيقدّم الأهمّ منهما»(1) واللَّه العالم.


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 117- 123 ..

ص: 73

(مسألة 30): لو لم يكن له زاد وراحلة، ولكن قيل له: «حجّ وعليَّ نفقتك ونفقة عيالك»، أو قال: «حجّ بهذا المال»، وكان كافياً لذهابه وإيابه ولعياله، وجب عليه؛ من غير فرق بين تمليكه للحجّ أو إباحته له، ولا بين بذل العين أو الثمن، ولا بين وجوب البذل وعدمه، ولا بين كون الباذل واحداً أو متعدّداً. نعم، يعتبر الوثوق بعدم رجوع الباذل. ولو كان عنده بعض النفقة فبذل له البقيّة وجب أيضاً. ولو لم يبذل تمام النفقة أو نفقة عياله لم يجب. ولا يمنع الدين من وجوبه.

ولو كان حالّاً والدائن مطالباً، وهو متمكّن من أدائه لو لم يحجّ، ففي كونه مانعاً وجهان، ولا يشترط الرجوع إلى الكفاية فيه. نعم، يعتبر أن لا يكون الحجّ موجباً لاختلال امور معاشه فيما يأتي؛ لأجل غيبته.

الاستطاعة البذلية

بيانه- قال في «الجواهر»: لو بذل له زاد وراحلة ونفقة له؛ بأن استصحب في الحجّ وأعطى نفقة لعياله، إن كانوا، أو قيل له: حجّ وعليّ نفقتك ذهاباً وإياباً ونفقة عيالك، أو لك هذا تحجّ به وهذا نفقة عيالك أو أبذل لك استطاعتك للحجّ، أو نفقتك للحجّ وللإياب ولعيالك، أو لك هذا لتحجّ بما يكفيك منه وتنفق بالباقي على عيالك، ونحو ذلك وجب عليه الحجّ من حيث الاستطاعة، إجماعاً محكياً، في «الخلاف» و «الغنية» وظاهر «التذكرة» و «المنتهى» وغيرهما، إن لم يكن محصّلًا، وهو الحجّة بعد النصوص المستفيضة، أو المتواترة، ففي صحيح محمّد بن مسلم قلت لأبي جعفر عليه السلام- في حديث-: فإن عرض عليه الحجّ فاستحيي قال: «هو ممّن يستطيع الحجّ ولم يستحيي؟! ولو على حمار أجدع

ص: 74

أبتر»(1)... إلى أن قال: إلى غير ذلك من النصوص المروية في الكتب الأربع (الأربعة) وغيرها... إلى أن قال: وكيف كان فظاهرها- كمعاقد أكثر الإجماعات- تحقّق الوجوب بمجرّد البذل، من غير فرق بين كونه على وجه التمليك، أم لا، ولا بين كونه واجباً بنذر وشبهه، أم لا، ولا بين كون الباذل موثوقاً به، أم لا، ولا بين بذل عين الزاد والراحلة وبين أثمانهما، ولكن عن ابن إدريس: اعتبار التمليك في الوجوب، ومرجعه إلى عدم الوجوب بالبذل؛ بناءً على عدم وجوب القبول المقتضي للتمليك؛ لأنّه اكتساب، فلا يجب، ومن هنا في «المختلف» بعد أن حكى ذلك عنه قال: «إنّ فتاوى أصحابنا خالية عنه، وكذا الروايات، بل لو وهب المال لم يجب القبول»، قلت: اللهمّ إلّاأن يلتزم وجوب القبول في خصوص المقام، وكذا الكلام فيما ذكره في «التذكرة»، فإنّه بعد أن حكى كلامه قال: التحقيق هنا أنّ البحث هنا في أمرين:

الأوّل: هل يجب على الباذل بالبذل الشي ء المبذول أم لا؟ فإن قلنا بالوجوب أمكن وجوب الحجّ على المبذول له، لكن في ايجاب المبذول بالبذل، إشكال:

أقربه عدم الوجوب، وإن قلنا بعدم وجوبه، ففي ايجاب الحجّ، إشكال: أقربه العدم؛ لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب»، بل هو أوضح في رجوعه إلى عدم الوجوب بالبذل، بل هو غير قابل لما ذكرناه من الاحتمال، وحينئذٍ يكون مخالفاً للنصّ والفتوى ومعاقد الإجماعات.

بل وكذا ما في «الدروس» قال: «ويكفي البذل في الوجوب مع التمليك، أو الوثوق به، وهل يستقرّ الوجوب بمجرّد البذل من غير قبول؟ إشكال؛ من ظاهر النقل، وعدم وجوب تحصيل الشرط، ولو حجّ كذلك، أو في نفقة غيره


1- وسائل الشيعة 11: 39، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 10، الحديث 1 ..

ص: 75

أجزأ بخلاف ما لو تسكّع، فإنّه لا يجزئ عندنا، وفيه دلالة على أنّ الإجزاء فرع الوجوب، فيقوى الوجوب بمجرّد البذل؛ لتحقّق الإجزاء، إلّاأن يقال:

الوجوب هنا لقبول البذل، ولو وهبه زاداً أو راحلة، لم يجب عليه القبول، وفي الفرق نظر.

وابن إدريس قال: لا يجب الحجّ بالبذل، حتّى يملّكه المبذول وجنح إليه الفاضل»، بل في حاشيته في الهامش على قوله: «وهل» إلى آخره كتب في آخرها أنّها منه: «فيه تنبيه على قاعدتين: إحداهما: إجزاء حجّ من حجّ بمجرّد البذل. ثانيتهما: عدم إجزاء حجّ من حجّ متسكّعاً، ولا فرق بينهما معقولًا سوى أنّ المتسكّع حجّ لا مع الوجوب، والمبذول له حجّ مع الوجوب، فيلزم من ذلك أنّ الإجزاء لا ينفكّ عن سبق الوجوب ولمّا كان الإجزاء حاصلًا مع البذل، دلّ على سبق الوجوب الإجزاء، وذلك يستلزم الوجوب بمجرّد البذل، فانتفى الإشكال في الاستقرار بمجرّد البذل من غير قبول قولًا».(1)

وقال في «معتمد العروة»: ويمكن أن يستدلّ لكفاية الاستطاعة البذلية بنفس الآية الشريفة: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا؛ فإنّ الظاهر منها كفاية مطلق الاستطاعة والقدرة إلّاأنّ الروايات فسّرتها بأ نّها ليست هي القدرة الفعلية، بل هي قدرة خاصّة، كالتمكّن من الزاد والراحلة، مع تخلية السرب وصحّة البدن، فإطلاق الآية يشمل الاستطاعة البذلية؛ لصدق الاستطاعة المفسّرة على البذل أيضاً.

وربّما يناقش في الاستدلال بالآية: بأنّ الاستطاعة المذكورة فيها، وإن كانت في نفسها صادقة على البذل، ولكنّ الروايات فسّرتها بملكية الزاد والراحلة؛


1- جواهر الكلام 17: 261- 264 ..

ص: 76

لظهور اللام في قوله عليه السلام: «له زاد وراحلة»،(1) في الملكية، وبعض الروايات وإن كان مطلقاً، ولكن وجب تقييدها بما دلّ على الملكية، فلا تشمل البذل وإباحة الزاد والراحلة.

وفيه أوّلًا: ما عرفت من أنّه لا موجب لحمل المطلق على المقيّد، وتقييد إطلاق ما يحجّ به بالملكية؛ لعدم التنافي بين حصول الاستطاعة بالملكية وحصولها بالإباحة والبذل، كما يقتضيه إطلاق قوله «ما يحجّ به»، أو «عنده ما يحجّ» وإنّما يحمل المطلق على المقيّد؛ للتنافي بينهما، كما إذا وردا في متعلّقات الأحكام بعد إحراز وحدة المطلوب، وأمّا مجرّد المخالفة في الموضوع من حيث السعة والضيق؛ فلا يوجب التقييد، فلا منافاة بين حصول الاستطاعة بالملك وحصولها بالإباحة والبذل.

وثانياً: أنّ الروايات المفسّرة للآية مختلفة، ففي بعضها عبّر بمن له زاد وراحلة الظاهر في الملكية وفي بعضها ورد: «ما يحجّ به» أو «عنده ما يحجّ به» أو «يجد ما يحجّ به» الظاهر في الأعمّ من الملك والإباحة فيقع التعارض في الروايات المفسّرة والمرجع إطلاق الآية والقدر المتيقّن في الخروج عن إطلاقها من لا مال له ولا بذل له وهذا ممّن لا يجب عليه الحجّ قطعاً وإن كان قادراً عليه بالقدرة العقلية ويبقى الباقي وهو من ابيح له المال للحجّ مشمولًا للآية.

وثالثاً: أنّ حرف «اللام» لا تدلّ على الملكية. وإنّما تدلّ على الاختصاص وهو أعمّ من الملكية كما في قوله تعالى: لِلَّهِ اْلأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.(2) وبالجملة: نفس الآية الشريفة متكفّلة لوجوب الحجّ بالبذل والروايات


1- وسائل الشيعة 11: 34، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 8، الحديث 4 ..
2- الروم( 30): 4 ..

ص: 77

(مسألة 31): لو وهبه ما يكفيه للحجّ لأن يحجّ وجب عليه القبول على الأقوى، وكذا لو وهبه وخيّره بين أن يحجّ أو لا. وأمّا لو لم يذكر الحجّ بوجه فالظاهر عدم وجوبه. ولو وقف شخص لمن يحجّ، أو أوصى، أو نذر كذلك، فبذل المتصدّي الشرعي وجب، وكذا لو أوصى له بما يكفيه بشرط أن يحجّ فيجب بعد موته، ولو أعطاه خُمساً أو زكاة وشرط عليه الحجّ لغا الشرط ولم يجب.

نعم، لو أعطاه من سهم سبيل اللَّه ليحجّ لا يجوز صرفه في غيره، ولكن لا يجب عليه القبول، ولا يكون من الاستطاعة المالية ولا البذلية، ولو استطاع بعد ذلك وجب عليه الحجّ.

لا تخالف ذلك، خصوصاً صحيحة معاوية بن عمّار(1) الظاهرة، بل الصريحة في كفاية البذل على وجه الإباحة فلا ينبغي الريب في ثبوت الاستطاعة بالبذل والإباحة».(2)

حكم هبة المال للحجّ

بيانه- قال في «الجواهر»: «ولو وهب له مال لم يجب عليه قبوله من غير فرق بين الهبة مطلقاً ولخصوص الحجّ، وبين هبة نفس الزاد والراحلة وأثمانهما، فما في «الدروس»- من النظر في الفرق بين الهبة والبذل بل في «المدارك» وغيرها الجزم بعدم الفرق- واضح الضعف كوضوح الفرق بينهما بما عرفت، لا لأنّ البذل يفيد التمليك بلا قبول بخلاف الهبة، إذ هو كما ترى واضح المنع


1- وسائل الشيعة 11: 40، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 10، الحديث 2 ..
2- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 127- 129 ..

ص: 78

كوضوح فساد الإيراد عليه بأنّ الهبة قربة إلى اللَّه تعالى لا يعتبر في تملّكها القبول، وإنّما التحقيق ما سمعت ولا ينافيه ما قدّمناه في صور البذل التي لم يدخل فيها ما نحن فيه ممّا اريد منه التملّك بعقد الهبة فصدر منه الإيجاب بقصد الإنشاء الذي لا يؤثّر أثراً حتّى يتعقّبه القبول وبدونه يكون فاسداً لا يجوز التصرّف فيه فتأمّل جيّداً»(1) انتهى.

قال الشهيد الثاني قدس سره في شرحه على متن المذكور: «لأنّ قبول الهبة نوع من الاكتساب وهو غير واجب للحجّ؛ لأنّ وجوبه مشروط بوجود الاستطاعة، فلا يجب تحصيل شرطه بخلاف الواجب المطلق، ومن هنا ظهر الفرق بين البذل والهبة، فإنّ البذل يكفي فيه نفس الإيقاع في حصول القدرة والتمكّن، فيجب بمجرّده ويظهر من «الدروس»: أنّ من حجّ في نفقة غيره أجزأه عن حجّة الإسلام بغير خلاف بخلاف ما لو تسكّع. وفيه دلالة على الوجوب بمجرّد البذل لأنّ الإجزاء فرع الوجوب».(2)

وفي «معتمد العروة» قال: «لو وهب له المال ليحجّ به وجب عليه القبول؛ لإطلاق دليل البذل وصدق العرض على ذلك، ولا يختصّ العرض بالبذل والإباحة، ولو ملّكه مالًا وخيّره بين الحجّ وغيره، كزيارة الرضا عليه السلام ذكر المصنّف رحمه الله أنّه يجب عليه القبول كالأوّل، وأمّا لو وهبه ولم يذكر الحجّ لا تعييناً ولا تخييراً، فلا يجب القبول.

أقول: ما ذكره من عدم وجوب القبول في الهبة المطلقة صحيح؛ لأنّ الاستطاعة تحصل بأحد الأمرين: إمّا أن يكون له مال يكفيه للحجّ أو يبذل له


1- جواهر الكلام 17: 268 ..
2- مسالك الأفهام 2: 134 ..

ص: 79

ذلك، وشي ء من الأمرين غير صادق في المقام، والقبول تحصيل للاستطاعة وهو غير واجب».(1)

قوله قدس سره: «ولو وقف شخص...».

قال في «معتمد العروة»: «قد عرفت أنّ الاستطاعة تتحقّق بأحد أمرين: إمّا بالاستطاعة المالية وإمّا بالبذلية فلو وقف شخص لمن يحجّ أو أوصى بمال لمن يحجّ أو نذر كذلك وبذل المتولّي أو الوصيّ المال يصدق عنوان الاستطاعة وإن لم يكن الباذل مالكاً فإنّ إطلاق أخبار العرض والبذل يشمل المقام ولا تختصّ بما إذا كان الباذل مالكاً، وكذلك يصدق عنوان الاستطاعة بالبذلية فيما لو أوصى له بما يكفيه للحجّ بشرط أن يحجّ فيجب عليه الحجّ بعد موت الموصي».(2)

قوله قدس سره: «من سهم سبيل اللَّه...» قال في «معتمد العروة»: يقع الكلام في مقامين: أحدهما: في حصول الاستطاعة ووجوب الحجّ فيما إذا أعطاه من الزكاة أو الخمس بعنوان الفقر وشرط عليه الحجّ.

ثانيهما: فيما إذا أعطاه الزكاة من سهم سبيل اللَّه ليحجّ بها.

أمّا الأوّل، فالظاهر عدم صحّة الشرط. ويتوقّف بيان ذلك على توضيح معنى الشرط إلى أن قال: الأوّل: تعليق المنشأ بأمر متوقّع الحصول كتعليق البيع على مجي ء مسافره أو نزول المطر؛ بمعنى أنّ المنشأ ليس هو التمليك على الإطلاق، بل حصّة خاصّة منه وهو التمليك على تقدير مجي ء المسافر مثلًا، وهذا هو التعليق الذي أجمعوا على بطلانه في جميع العقود والإيقاعات إلّاالوصيّة والتدبير.


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 133 ..
2- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 134 ..

ص: 80

والثاني: أن يعلّق المنشأ على الالتزام بشي ء لا على نفس ذلك الشي ء، كتعليق البيع على التزام المشتري بعمل، كالخياطة مثلًا، فالالتزام بها هو المعلّق عليه، لا نفس الخياطة، ولا بأس بهذا التعليق؛ لأنّه تعليق على أمر حاصل معلوم الوجود، فالالتزام من المشتري متحقّق على الفرض، فيكون نظير التعليق بكون هذا اليوم يوم الجمعة، مع العلم بأ نّه يوم الجمعة، وأمثال ذلك من الامور الحاصلة المعلومة، والفرق بينه وبين الأوّل أنّه في الأوّل يعلّق المنشأ على أمر خارجي متوقّع الحصول وفي الثاني يعلّق المنشأ على الالتزام بأمر خارجي، والالتزام من المشتري حاصل بالفعل، ولا مانع من الشرط على نحو الثاني بل يجب الوفاء به عملًا بأدلّة وجوب الوفاء بالشرط كقوله عليه السلام «المؤمنون عند شروطهم»(1) وهذا جارٍ في جميع العقود.(2)

الإهداء إلى سيّدنا وحجّة عصرنا ووليّ أمرنا أرواحنا له الفداء.


1- وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4 ..
2- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 134- 135 ..

ص: 81

ما وجب بالنذر والعهد واليمين

القول: في الحجّ بالنذر والعهد واليمين

اشارة

(مسألة 1): يشترط في انعقادها البلوغ والعقل والقصد والاختيار، فلا تنعقد من الصبيّ وإن بلغ عشراً وإن صحّت العبادات منه، ولا من المجنون والغافل والساهي والسكران والمكره، والأقوى صحّتها من الكافر المقرّ باللَّه تعالى، بل وممّن يحتمل وجوده تعالى ويقصد القربة رجاءً فيما يعتبر قصدها.

يشترط في انعقادها الشرائط العامّة

بيانه- قال في «الحدائق»: «لا خلاف في أنّه يشترط في انعقاد النذر وشبهه- من اليمين والعهد- التكليف، فلا يصحّ من الصبيّ، وإن كان مراهقاً، ولا المجنون المطبق، أو في حال الجنون لو كان غير مطبق؛ لحديث رفع القلم(1) ونحو ذلك السكران والمغمى عليه والساهي والغافل....

قال في «المدارك»: ويدلّ عليه- مضافاً إلى عموم ما دلّ على الحجر عليه- صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم:


1- وسائل الشيعة 28: 23، كتاب الحدود، أبواب مقدّمات الحدود، الباب 8، الحديث 2 ..

ص: 82

لا يمين لولد مع والده ولا لمملوك مع مولاه ولا للمرأة مع زوجها»(1) وغير ذلك من الأخبار».(2)

وقال في «معتمد العروة»: «لا يخفى أنّ اعتبار هذه الامور من الواضحات أمّا اعتبار القصد، فلأنّ النذر وأخويه هو الالتزام بشي ء للَّه تعالى، وهو تابع للقصد، وإلّا لا يتحقّق الالتزام فما يصدر من الساهي والنائم والسكران والخاطي لا عبرة به، وكذا يعتبر البلوغ والعقل، فلا عبرة بما يصدر من الصبيّ والمجنون؛ للنصوص الدالّة على أنّ الصبيّ لا يؤخذ بأفعاله ولحديث رفع القلم عنهما، وكذا يعتبر الاختيار ولا ينعقد من المكره؛ لأنّ الإكراه يرفع الحكم المتعلّق به الإكراه.

إنّما الكلام في انعقاد ذلك من الكافر فقد نسب إلى المشهور صحّة اليمين الصادرة منه وبطلان النذر. وقال بعضهم بالبطلان مطلقاً، وآخرون بالصحّة مطلقاً، ومنهم المصنّف قدس سره (قال: والأقوى صحّتها من الكافر المقرّ باللَّه) وجميع ذلك مبنيّ على تكليف الكافر بالفروع كما هو المشهور، وأمّا بناءً على اختصاص الأحكام بالمسلمين وعدم تكليف الكافر بها، فلا مجال لهذا الاختلاف كما هو واضح. ثمّ إنّه لو قلنا بتكليف الكافر بالفروع كما عليه المشهور، فقد يقال: بعدم انعقاد النذر من الكفّار لاعتبار التقرّب في النذر؛ لأنّه بنفسه قربي وعبادي ولا تتحقّق القربة من الكافر.

وفيه: أنّه لا دليل على كون النذر قربياً بل يظهر من بعض الروايات أنّه مكروه....(3)


1- وسائل الشيعة 23: 217، كتاب الأيمان، الباب 11، الحديث 2 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 196؛ راجع: مدارك الأحكام 7: 94 ..
3- وسائل الشيعة 23: 303، كتاب النذر، الباب 6، الحديث 1 ..

ص: 83

(مسألة 2): يعتبر في انعقاد يمين الزوجة والولد إذن الزوج والوالد، ولا تكفي الإجازة بعده، ولا يبعد عدم الفرق بين فعل واجب أو ترك حرام وغيرهما، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط فيهما بل لا يترك. ويعتبر إذن الزوج في انعقاد نذر الزوجة. وأمّا نذر الولد فالظاهر عدم اعتبار إذن والده فيه. كما أنّ انعقاد العهد لا يتوقّف على إذن أحد على الأقوى. والأقوى شمول الزوجة للمنقطعة، وعدم شمول الولد لولد الولد. ولا فرق في الولد بين الذكر والانثى. ولا تلحق الامّ بالأب، ولا الكافر بالمسلم.

وبالجملة: لا دليل على كون النذر أمراً عبادياً قربياً نظير الصلاة والصيام ونحوهما من الأفعال العبادية وإذا لم يكن عبادياً، فلا مانع من صدوره من الكافر. وأمّا متعلّقه فلا دليل أيضاً على كونه قربياً... كإعطاء الدرهم الفقير، فإنّه يمكن إيقاعه على وجه العبادة والقربة، فلو أعطى الدرهم للفقير ولم يقصد به القربة فقد وفى بنذره؛ لأنّ الأمر بالوفاء توصّلي».(1)

اعتبار إذن الوالد والزوج في انعقاد يمين الولد والزوجة

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «ذكر جماعة أنّه لا ينعقد اليمين من الولد مع والده إلّابإذنه، وكذا الزوجة مع زوجها والمملوك مع مولاه. واعتبروا إذنهم في انعقاد اليمين إمّا خصوص إذن السابق أو الأعم منه ومن اللاحق... ومنشأ الاختلاف ما يستفاد من صحيح منصور بن حازم(2) المسبوق ذكره لكنّ المنساق


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 294- 295 ..
2- وسائل الشيعة 23: 217، كتاب الأيمان، الباب 11، الحديث 2 ..

ص: 84

والمنصرف من الصحيح المذكور أنّه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج. ولازمه جواز حلّهم له وعدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به ولا يستفاد منه عدم الانعقاد من الأوّل».(1)

قال صاحب «الحدائق»: «أقول: و ممّا ورد بهذا المضمون أيضاً ما رواه ثقة الإسلام في «الكافي» عن عبداللَّه بن ميمون القدّاح، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا يمين للولد مع والده ولا للمرأة مع زوجها ولا للمملوك مع سيّده»(2). وما رواه في «الفقيه» عن منصور بن حازم في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لا رضاع بعد فطام ولا وصال في صيام ولا يتم بعد احتلام ولا صمت يوماً إلى الليل ولا تعرّب بعد الهجرة ولا هجرة بعد الفتح ولا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك ولا يمين لولد مع والده ولا لمملوك مع مولاه ولا للمرأة مع زوجها ولا نذر في معصية ولا يمين في قطيعة»(3)... إلى أن قال:

أقول: ومورد هذه الأخبار كلّها إنّما هو اليمين وظاهر الأصحاب- كما عرفت من كلام «المدارك»- الاستدلال بهذه الروايات على حكم النذر أيضاً. وفيه ما لا يخفى.

نعم، قد روى الحميري في كتاب «قرب الإسناد» عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول ليس على المملوك نذر إلّاأن يأذن له سيّده»(4) وبذلك يتمّ الاستدلال على الحكم المذكور.


1- المعتمدفي شرح العروةالوثقى 26: 297 ..
2- وسائل الشيعة 23: 216، كتاب النذر، الباب 10، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 23: 217، كتاب النذر، الباب 11، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 23: 316، كتاب النذر، الباب 15، الحديث 2 ..

ص: 85

وظاهر الأصحاب أيضاً الاتّفاق على أنّه لا يصحّ نذر المرأة إلّابإذن بعلها.

قال في «المدارك»- بعد أن نقل نحو ذلك-: يمكن المناقشة في توقّف نذر الزوجة على إذن الزوج؛ لأنّ الروايات إنّما تضمّنت توقّف اليمين على ذلك والنذر خلاف اليمين.

أقول: فيه أنّ هذا يرد عليه في نذر العبد أيضاً، فإنّه لا يعتمد في ذلك إلّاعلى حديث اليمين كما عرفت، والنذر غير اليمين. وتحقيق البحث في المقام يقتضي بسطاً من الكلام تنكشف به غياهب الإبهام وتزول به الشكوك والأوهام.

فنقول: المشهور بين الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- اشتراط إذن الزوج والمولى في انعقاد نذر الزوجة والمملوك وألحق بهما العلّامة في بعض كتبه والشهيد في «الدروس» الولد وأ نّه يتوقّف نذره على إذن الأب أيضاً، وقد صرّح جملة من متأخّري المتأخّرين بأ نّهم لم يقفوا لهم على نصّ يدلّ على ذلك، وربما علّل ذلك بوجود النصّ في اليمين وانسحاب الحكم في النذر؛ لمشاركته اليمين في بعض الأحكام، وهو ضعيف لا يلتفت إليه، فإنّه وإن كان قد ورد في اليمين من النصوص المتقدمة أنّه لا يمين لأحد من الثلاثة المذكورين إلّا بإذن الوالد والزوج والمولى إلّاأنّ إلحاق النذر به قياس لا يجري على مذهبنا».(1)

نعم، قد يطلق في عدّة من الروايات اليمين على النذر ولكنّ الإطلاق أعمّ من الحقيقة والمتفاهم عرفاً تغاير اليمين والنذر وثبوت الحكم في الأعمّ يحتاج إلى الدليل ومجرّد الإطلاق في بعض الموارد لا أثر له. واللَّه العالم.


1- الحدائق الناضرة 14: 196- 198 ..

ص: 86

(مسألة 3): لو نذر الحجّ من مكان معيّن فحجّ من غيره لم تبرأ ذمّته، ولو عيّنه في سنة فحجّ فيها من غير ما عيّنه وجبت عليه الكفّارة. ولو نذر أن يحجّ حجّة الإسلام من بلد كذا، فحجّ من غيره صحّ، ووجبت الكفّارة. ولو نذر أن يحجّ في سنة معيّنة لم يجز التأخير، فلو أخّر مع التمكّن عصى وعليه القضاء والكفّارة. ولو لم يقيّده بزمان جاز التأخير إلى ظنّ الفوت، ولو مات بعد تمكّنه يُقضى عنه من أصل التركة على الأقوى، ولو نذر ولم يتمكّن من أدائه حتّى مات لم يجب القضاء عنه، ولو نذر معلّقاً على أمر ولم يتحقّق المعلّق عليه حتّى مات لم يجب القضاء عنه. نعم، لو نذر الإحجاج معلّقاً على شرط، فمات قبل حصوله، وحصل بعد موته مع تمكّنه قبله، فالظاهر وجوب القضاء عنه، كما أنّه لو نذر إحجاج شخص في سنة معيّنة فخالف مع تمكّنه وجب عليه القضاء والكفّارة، وإن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة، وكذا لو نذر إحجاجه مطلقاً، أو معلّقاً على شرط وقد حصل وتمكّن منه وترك حتّى مات.

نذر الحجّ من مكان معيّن

بيانه- قال في «الحدائق»: «إذا نذر الحجّ فإمّا أن ينذره مطلقاً غير مقيّد بسنة أو مقيّداً فإن نذره مطلقاً فالمقطوع به في كلام الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- أ نّه يجوز له التأخير إلى أن يتضيّق وقته بظنّ الوفاة، وإن استحبّ له المبادرة والتعجيل، فإن مضى زمان يمكنه الإتيان به فيه ولم يفعله حتّى مات وجب أن يقضى عنه؛ لأنّه قد وجب عليه بالنذر واستقرّ بمضيّ زمان التمكّن، أمّا لو منعه مانع عن الفورية، فإنّه يصبر حتّى يزول المانع فإن مات قبل زمان المانع

ص: 87

لم يجب القضاء عنه، لفوات شرط الوجوب وهو القدرة والتمكّن. وإن نذره مقيّداً بسنة مخصوصة، فأخلّ مع القدرة وجب القضاء والكفّارة في ما قطع به الأصحاب أيضاً، وإن منعه مانع من مرض أو عدوّ لم يجب القضاء؛ لعدم الاستقرار في الذمّة وتمسّكاً بأصالة العدم حتّى يقوم دليل الوجوب.

قيل: ولا يخفى أنّ طروّ المانع من فعل المنذور في وقته لا يقتضي بطلان النذر؛ لوقوعه صحيحاً ابتداءً، وإن سقط الواجب بالعجز عنه، وهذا بخلاف نذر غير المقدور ابتداءً كالطيران ونحوه، فإنّ النذر يقع فاسداً من أصله كما هو واضح.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الخلاف هنا قد وقع في القضاء في الصورتين المذكورتين هل يجب أم لا؟ المقطوع به في كلام الأصحاب الأوّل وظاهر السيّد السند في «المدارك» الثاني.

ثمّ إنّه على تقدير الوجوب هل هو من الأصل أو من الثلث؟ المشهور الأوّل وقيل بالثاني، قال السيّد السند في «المدارك»- بعد قول المصنّف قدس سره: «ولو تمكّن من أدائه ثمّ مات قضي عنه من أصل تركته»- ما هذا لفظه: «وأمّا وجوب قضائه من أصل التركة إذا مات بعد التمكّن من الحجّ فمقطوع به في كلام أكثر الأصحاب، واستدلّوا عليه بأ نّه واجب مالى ثابت في الذمّة، فيجب قضاؤه من أصل ماله، كحجّ الإسلام وهو استدلال ضعيف أمّا أوّلًا: فلأنّ النذر إنّما اقتضى وجوب الأداء، والقضاء يحتاج إلى أمر جديد كما في حجّ الإسلام وبدونه يكون منفياً بالأصل السالم من المعارض، وأمّا ثانياً: فلمنع كون الحجّ واجباً مالياً؛ لأ نّه عبارة عن المناسك المخصوصة وليس بذل المال داخلًا في ماهيته ولا من ضرورياته. وتوقّفه عليه في بعض الصور كتوقّف الصلاة عليه في بعض الوجوه، كما إذا احتاج إلى شراء الماء أو استئجار المكان أو الساتر ونحو ذلك مع القطع

ص: 88

بعدم وجوب قضائها من التركة، وذهب جمع من الأصحاب إلى وجوب قضاء الحجّ المنذور من الثلث، ومستنده غير واضح أيضاً. وبالجملة: فالنذر إنّما تعلّق بفعل الحجّ مباشرة وإيجاب قضائه من الأصل أو الثلث يتوقّف على الدليل».

انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول: أمّا ما ذكره قدس سره من ضعف الوجه الأوّل، فيمكن المناقشة فيه بأنّ قوله:

«إنّ النذر إنّما اقتضى وجوب الأداء والقضاء يحتاج إلى أمر جديد»، مردود بأ نّه لا ريب أنّ النذر قد اقتضى شغل الذمّة اليقيني بالمنذور واستقرار وجوبه بعد مضيّ زمان التمكّن منه، والظاهر بقاء الاشتغال والتعلّق بالذمّة حتّى يحصل الإتيان بالفعل من المكلّف أو نائبه وتخرج الأخبار الواردة في حجّ الإسلام شاهداً على ذلك؛ فإنّه بعد استقرار حجّ الإسلام في الذمّة واشتغالها به لا يزول ذلك إلّابالإتيان به في الحياة أو بعد الموت، وقولهم: أنّ القضاء يحتاج إلى أمر جديد، الظاهر أنّه ليس على إطلاقه بل ذلك مخصوص بالواجبات الموقّته؛ فإنّ توجّه الأمر بالإتيان بالفعل في ذلك الوقت لا يتناول ما بعده ممّا خرج عنه الذي هو القضاء، بل لا بدّ في إيجاب القضاء في الصورة المذكورة من أمر على حدة وما نحن فيه ليس كذلك، فإنّ مقتضى النذر اشتغال الذمّة بالمنذور مطلقاً، وليس في الأخبار ما يدلّ على اختصاص الخطاب حال الحياة ليكون القضاء بعد الموت يحتاج إلى أمر جديد، وإنّما إطلاق الاستقرار واشتغال الذمّة اقتضى بقاء ذلك إلى أن تحصل البراءة بالإتيان بالفعل.

وأمّا ما ذكره أخيراً- من أنّ النذر إنّما تعلّق بفعل الحجّ مباشرة- فيمكن الجواب عنه أيضاً بأنّ النذر اقتضى هنا شيئين:

أحدهما: اشتغال الذمّة بذلك الفعل المنذور كما قدّمنا.

ص: 89

(مسألة 4): لو نذر المستطيع أن يحجّ حجّة الإسلام انعقد، ويكفيه إتيانها، ولو تركها حتّى مات وجب القضاء عنه والكفّارة من تركته، ولو نذرها غير المستطيع انعقد، ويجب عليه تحصيل الاستطاعة إلّاأن يكون نذره الحجّ بعد الاستطاعة.

والآخر: مباشرة الناذر للإتيان بالفعل. والثاني قد امتنع بالموت فيبقى الأوّل على حاله حتّى يحصل موجب البراءة منه وهذا الحكم عامّ في جميع أفراد النذور ولا ريب أنّه الأوفق بالاحتياط بالدين... إلى أن قال:

وأمّا ما ذكره قدس سره من الوجه الثاني وهو منع كون الحجّ واجباً مالياً فتحقيق الكلام فيه أنّه لا ريب أنّ ما ذكروه من الفرق بين الواجب المالي والواجب البدني من إخراج الأوّل من الأصل والثاني مع الوصيّة به من الثلث، فلم أقف فيه على مستند من النصوص وإن كان مشهوراً في كلامهم ومتداولًا على رؤوس أقلامهم.

قال شيخنا الشهيد الثاني في «المسالك» في هذه المسألة: «وتعتبر الاجرة من أصل التركة كحجّ الإسلام لأنّه واجب مالي وإن كان مشوباً بالبدني»(1) واللَّه العالم.

نذر حجّة الإسلام مع الاستطاعة

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «لتأكّد الواجبات الأصلية بتعلّق النذر بها، نظير اشتراط إتيان الواجب أو ترك الحرام في ضمن عقد لازم، فإنّه لا ريب في صحّة هذا الاشتراط وانعقاده، فإذا أتى بحجّ الإسلام فقد أتى بالوظيفتين وإذا ترك يجب القضاء من الأصل وأمّا كفّارة الحنث فإن تمّ إجماع على الخروج من الأصل، فهو وإلّا، فلا وجه لخروجها لا من الأصل ولا من الثلث؛ لأنّها من


1- الحدائق الناضرة 14: 203- 207 ..

ص: 90

(مسألة 5): لا يعتبر في الحجّ النذري الاستطاعة الشرعية، بل يجب مع القدرة العقلية إلّاإذا كان حرجياً أو موجباً لضرر نفسي أو عِرضي أو مالي إذا لزم منه الحرج.

جملة الواجبات التي تسقط بموت صاحبها، كما عرفت، وأمّا نذر حجّ الإسلام في حال عدم الاستطاعة، فيتصوّر على وجهين:

أحدهما: التعليق على تقدير الاستطاعة بمعنى أن يكون مراده من النذر إتيان الحجّ بعد الاستطاعة، والأمر فيه واضح؛ لوجوب الحجّ بعد حصول الاستطاعة أصالة ونذراً.

ثانيهما: نذر الحجّ من دون التعليق على الاستطاعة، وحينئذٍ يجب عليه تحصيل الاستطاعة والقدرة؛ مقدّمة لأداء النذر والوفاء به من باب وجوب تحصيل المقدّمة للواجب وإن كان تحصيل الاستطاعة لأداء حجّ الإسلام غير واجب؛ لأنّه إنّما يجب فيما إذا حصل التمكّن بنفسه ولا يجب تحصيل القدرة له»(1) واللَّه العالم بالصواب.

عدم اعتبار الاستطاعة في الحجّ نذري

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «الحجّ النذري حاله حال سائر الواجبات الإلهية المقيّدة بالقدرة العقلية، ويجب الإتيان به متى حصلت القدرة عقلًا، ولم يكن في البين ضرر وحرج، كما هو الشأن في جميع الواجبات. نعم، يعتبر فيه زائداً على بقيّة الواجبات أن لا يكون محرّماً للحلال ومحلّلًا للحرام، كما أنّه في


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 340- 341 ..

ص: 91

(مسألة 6): لو نذر حجّاً غير حجّة الإسلام في عامها وهو مستطيع انعقد، لكن تُقدّم حجّة الإسلام، ولو زالت الاستطاعة يجب عليه الحجّ النذري، ولو تركهما لا يبعد وجوب الكفّارة. ولو نذر حجّاً في حال عدمها ثمّ استطاع، يقدّم حجّة الإسلام ولو كان نذره مضيّقاً. وكذا لو نذر إتيانه فوراً ففوراً تقدّم حجّة الإسلام، ويأتي به في العام القابل، ولو نذر حجّاً من غير تقييد، وكان مستطيعاً أو حصل الاستطاعة بعده، ولم يكن انصراف، فالأقرب كفاية حجّ واحد عنهما مع قصدهما، لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط في صورة عدم قصد التعميم لحجّة الإسلام؛ بإتيان كلّ واحد مستقلًاّ مقدّماً لحجّة الإسلام.

خصوص حجّ الإسلام يعتبر أمر زائد على القدرة العقلية، وهي قدرة خاصّة المعبّر عنها اصطلاحاً بالقدرة الشرعية المفسّرة في الروايات بامور خاصّة.

وبعبارة اخرى: اعتبار القدرة الشرعية بالمعنى المذكور إنّما يختصّ بحجّ الإسلام، وأمّا غير ذلك من موارد الحجّ الواجب، فلا دليل على اشتراطه بها، فما عن «الدروس» من اعتبار القدرة الشرعية حتّى في الحجّ النذري لا وجه له أصلًا ولم يعلم صحّة الانتساب إليه والعبارة المحكيّة عنه غير ظاهرة فيما نسب إليه فراجع»(1) واللَّه العالم.

من نذر وهو مستطيع حجّاً غير حجّة الإسلام في عامه

بيانه- قال في «المختصر النافع» مسائل: «الاولى: إذا نذر غير حجّة الإسلام لم يتداخلا، ولو نذر حجّاً مطلقاً، قيل: يجزئ إن حجّ بنيّة النذر عن حجّة


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 341 ..

ص: 92

الإسلام، ولا تجزئ حجّة الإسلام عن النذر، وقيل: لا تجزئ إحداهما عن الاخرى، وهو أشبه».(1) وفي شرحه «المهذّب البارع» قال: قال- طاب ثراه-:

«إذا نذر غير حجّة الإسلام لم يتداخلا ولو نذر حجّاً مطلقاً، قيل: يجزئ إن حجّ بنيّة النذر عن حجّة الإسلام ولا تجزئ حجّة الإسلام عن النذر، وقيل: لا تجزئ إحداهما عن الاخرى، وهو أشبه. أقول: القول الأوّل: وهو الاكتفاء بالحجّ الواحد عن النذر وحجّة الإسلام، إذا حجّ بنيّة النذر قول الشيخ في «النهاية» ومستنده رواية رفاعة عن أبي عبداللَّه عليه السلام،(2) والقول الثاني، وهو عدم الإجزاء، بل لا بدّ من حجّتين قوله في «الجمل» و «المبسوط» و «الخلاف» ووجهه: أنّهما فرضان اختلف سببهما، فلم يجزأ أحدهما عن الآخر».(3)

وقال في «الجواهر»: «نعم، لو كان مستطيعاً لها ونذر غيرها في عامه لغى، إلّا أن يقصد الفعل إن زالت الاستطاعة فزالت، بل في «المدارك» احتمال الصحّة، لو خلى عن القصد حملًا للنذر على الوجه الصحيح، أمّا لو أطلق في نذره أو قيّده في سنة غير سنة الاستطاعة، صحّ وقدّم حجّة الإسلام، ولو كان نذره حال عدم الاستطاعة وجب الإتيان بالنذر مع القدرة، وإن لم تحصل الاستطاعة الشرعية، كما في غيره من الواجبات؛ إذ هي شرط في وجوب حجّ الإسلام؛ للدليل دون غيره، لكن في «الدروس»: «والظاهر أنّ استطاعة النذر شرعية لا عقلية، فلو نذر الحجّ، ثمّ استطاع صرف ذلك إلى النذر، فإن أهمل واستمرّت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت حجّة الإسلام أيضاً»، وظاهر الأصحاب


1- المختصر النافع: 76 ..
2- وسائل الشيعة 11: 70، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 27، الحديث 2 ..
3- المهذّب البارع 2: 125- 126 ..

ص: 93

تقديم حجّة الإسلام مطلقاً، وصرف الاستطاعة بعد النذر إليها، إلّاأن يعيّن سنة للنذر، فيصرف الاستطاعة فيها إلى الحجّ النذر.

وأشكله في «المدارك» بأنّ الاستطاعة بهذا المعنى إنّما ثبت اعتبارها في حجّ الإسلام وغيره من الواجبات يراعى فيه التمكّن من الفعل خاصّة، وبأنّ النذر المطلق موسّع وحجّة الإسلام مضيّقة، والمضيّق مقدّم على الموسّع، وحينئذٍ، فلو اتّفق حصول الاستطاعة قبل الإتيان بالحجّ المنذور قدّمت حجّة الإسلام إن كان النذر مطلقاً، أو مقيّداً بما يزيد عن تلك السنة أو بمغايرها؛ لأنّ وجوبها على الفور بخلاف المنذورة على هذا الوجه، وإلّا قدّم النذر؛ لعدم تحقّق الاستطاعة في تلك السنة؛ لأنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي، وحينئذٍ فيراعى في وجوب حجّ الإسلام بقاء الاستطاعة إلى السنة الثانية- إلى أن قال- وإن أطلق في النذر أي لم يعيّن حجّة الإسلام ولا غيرها، قيل- والقائل الشيخ في محكيّ «النهاية» و «الاقتصاد» و «التهذيب»-: تداخلا، وأجزأت حجّة واحدة عنهما؛ لصحيح رفاعة سأل الصادق عليه السلام عن رجل نذر أن يمشى إلى بيت اللَّه الحرام هل يجزيه ذلك عن حجّة الإسلام؟ قال: «نعم»،(1) ونحوه صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام،(2) ولعلّه لذلك كان المحكيّ عن «النهاية» أنّه إن حجّ ونوى النذر أجزأ عن حجّة الإسلام وإن نوى حجّة الإسلام لم يجزئ عن النذر.

مضافاً إلى ما قيل: من أنّ العام لمّا كان عام حجّ الإسلام انصرفت النيّة إليه وإن نوى النذر بخلاف حجّ النذر، فلا دليل على انصراف نيّة غيره إليه، إلّا أن يتعيّن في عامه، ولكن فيه: أنّ الصحيحين إنّما يدلّان على أنّ نذر المشي


1- وسائل الشيعة 11: 70، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 27، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 11: 70، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 27، الحديث 1 ..

ص: 94

وهو لا يستلزم نذر حجّ فيمشي إليه للطواف والصلاة وغيرهما، فكأ نّهما سألا أنّ هذا المشي إذا تعقّبه حجّ الإسلام، هل يجزئ أم لا بدّ له من المشي ثانياً؟

والظاهر أنّه يجزئ، أو سألا أنّه حجّة الإسلام فينوي بحجّه المنذور دون حجّة الإسلام.

ومن هنا قيل- والقائل المشهور-: لا تجزئ إحداهما عن الاخرى، بل عن «الناصريات»: الإجماع عليه، وهو الأشبه باصول المذهب وقواعده التي منها: قاعدة تعدّد المسبّب بتعدّد السبب المبنيّ عليها كثير من مسائل الفقه في الكفّارات وغيرها وإن قلنا إنّ أسباب الشرع معرّفات، ومن الغريب ما وقع من بعض متأخّري المتأخّرين حتّى سيّد «المدارك» من هدم هذه القاعدة ودعوى صدق الامتثال بواحد في جميع مواردها لكن يهوّن الخطب اختلال طريقتهم في كثير من المسائل واللَّه العالم والهادي»(1) انتهى كلامه رضوان اللَّه عليه بأسره.

قال في «معتمد العروة»: «لو نذر حجّاً غير حجّة الإسلام في عام الاستطاعة، فتارة يكون نذره مقيّداً بزوال الاستطاعة؛ بمعنى أنّه ينذر حجّاً آخر مغايراً لحجّ الإسلام، فلا ريب في صحّة النذر، ويجب الوفاء إذا زالت الاستطاعة؛ لتحقّق موضوعه، فوجوب الوفاء بالنذر يدور مدار وجود الاستطاعة وعدمها... وبعبارة اخرى: المتحقّق في الخارج مقدور له واقعاً، ويكفي في صحّة النذر أن يكون متعلّقة مقدوراً في ظرفه، ولم يكن مستلزماً لترك الواجب أو فعل الحرام، وإن كان الناذر حين النذر لا يعلم بذلك، هذا كلّه إذا زالت الاستطاعة.


1- جواهر الكلام 17: 346- 348 ..

ص: 95

(مسألة 7): يجوز الإتيان بالحجّ المندوب قبل الحجّ النذري الموسّع، ولو خالف في المضيّق وأتى بالمستحبّ صحّ وعليه الكفّارة.

(مسألة 8): لو علم أنّ على الميّت حجّاً، ولم يعلم أنّه حجّة الإسلام أو حجّ النذر، وجب قضاؤه عنه من غير تعيين ولا كفّارة عليه. ولو تردّد ما عليه بين ما بالنذر أو الحلف مع الكفّارة وجبت الكفّارة أيضاً. ويكفي الاقتصار على إطعام عشرة مساكين، والأحوط الستّين.

وأمّا إذا لم تزل وكانت باقية يظهر من المتن بطلان النذر. والصحيح أن يقال: إنّ هذا النذر على إطلاقه لا ينعقد؛ لأنّه يستلزم ترك الواجب»(1) واللَّه العالم.

بيانه- لعدم الدليل على المنع، وإنّما قام الدليل على المنع من التطوّع بالصوم لمن كان عليه الصوم الواجب وقد وقع الكلام في المتطوّع بالصلاة لمن كان عليه الفريضة والأظهر وقوعه، واللَّه الهادي.

العلم الإجمالي باشتغال ذمّة الميّت

بيانه- قال في «معتمد العروة»: «إذا قلنا بعدم وجوب قضاء الحجّ النذري- كما هو المختار- لا يجب القضاء عنه أصلًا؛ إذ لا نعلم باشتغال ذمّته على كلّ تقدير، فالعلم الإجمالي غير منجّز، وأمّا بناءً على وجوب قضاء الحجّ النذري- كما اختاره المصنّف قدس سره وغيره- فالقضاء عنه متعيّن؛ لثبوت القضاء عليه على كلّ تقدير فيتنجّز بالعلم الإجمالي وأمّا الكفّارة فلا؛ لعدم العلم


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 342 ..

ص: 96

بكون الفائت حجّاً نذرياً؛ فإنّ الكفّارة إنّما تترتّب على حنث النذر، وهو غير ثابت....

ولو تردّد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف، فإن لم نعلم بالمخالفة العمدية واحتملنا المعذورية، فلا شي ء عليه؛ لأنّ الكفّارة، إنّما تثبت بالمخالفة العمدية وإحراز الحنث. وأمّا إذا علم بالترك عمداً، وأنّ تركه كان عن تقصير، فإن قلنا بخروج الواجبات المالية من أصل المال، فتخرج الكفّارة من الأصل وإلّا فلا.

ثمّ إنّه بناء على اتّحاد الكفّارتين وعدم المغايرة- كما هو الأظهر- تخرج كفّارة واحدة من التركة؛ بناءً على عدم سقوط الواجبات المالية بعد الموت، وأمّا بناءً على مغايرة كفّارة النذر لكفّارة الحلف، فقد ذكر في المتن أنّه لا بدّ من الاحتياط؛ لأنّ الشكّ حينئذٍ من المتباينين، ومقتضى القاعدة هو الاشتغال، إلّا أنّه يكفي إطعام ستّين مسكيناً؛ لأنّ فيه إطعام العشرة الذي هو كفّارة الحلف»،(1) واللَّه هو الهادي.


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 358- 359 ..

ص: 97

(مسألة 9): لو نذر المشي في الحجّ انعقد حتّى في مورد أفضلية الركوب.

ولو نذر الحجّ راكباً انعقد ووجب حتّى لو نذر في مورد يكون المشي أفضل، وكذا لو نذر المشي في بعض الطريق، وكذا لو نذر الحجّ حافياً. ويشترط في انعقاده تمكّن الناذر وعدم تضرّره بهما وعدم كونهما حرجيين، فلا ينعقد مع أحدها لو كان في الابتداء، ويسقط الوجوب لو عرض في الأثناء، ومبدأ المشي أو الحفاء تابع للتعيين ولو انصرافاً، ومنتهاه رمي الجمار مع عدم التعيين.

لو نذر الحجّ ماشياً

بيانه- قال في «المختصر النافع»: «الثانية: إذا نذر أن يحجّ ماشياً وجب، ويقوم في مواضع العبور، فإن ركب طريقه قضى ماشياً، وإن ركب بعضاً قضى، ومشى ما ركب، وقيل: يقضي ماشياً؛ لإخلاله بالصفة، ولو عجز قيل: يركب ويسوق بدنة، وقيل: ولا يسوق بدنة، وقيل: إن كان مطلقاً توقّع المكنة، وإن كان معيّناً بسنة يسقط؛ لعجزه».(1)

وفي شرحه «المهذّب البارع» أقول: «البحث هنا في مسائل: الاولى: لو نذر الحجّ ماشياً هل ينعقد وصفه؛ بمعنى أنّه يجب عليه كذلك، ولا يجوز له الحجّ راكباً؟ يبنى على مسألة: هي أنّ المشي أفضل في الحجّ أم الركوب؟ قيل: فيه ثلاثة أقوال: الأوّل: المشي أفضل؛ لوجوه:


1- المختصر النافع: 76 ..

ص: 98

أ- أنّه أشقّ، وقال عليه السلام: «أجرك على قدر نصبك»(1).(2)

ب- روى رفاعة بن موسى عن أبي عبداللَّه عليه السلام رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللَّه قال: «فليمش».(3)

ج- فعل الحسن بن علي عليهما السلام وسيّد العابدين(4) والكاظم عليهما السلام(5) ومواظبتهم عليه ويساق معهم المحامل والجمال.

قال المصنّف في «المعتبر»: «وعليه اتّفاق العلماء».

الثاني: الركوب أفضل؛ لوجوه:

أ- اشتماله على زيادة صرف المال في الحجّ، والدرهم فيه بألف ألف درهم في غيره.

ب- عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه سئل عن الحجّ، ماشياً أفضل أو راكباً؟ فقال:

«بل راكباً، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم حجّ راكباً».(6)

ج- ما روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أنّه أمر اخت عقبة بن عامر أن تركب.(7)

د- روي أنّ الصادق عليه السلام سئل: الركوب أفضل أم المشي، فقال: «الركوب أفضل؛ لأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ركب».(8)


1- المستدرك على الصحيحين 1: 471 ..
2- في مجمع البحرين 4: 315: النصب هو التعب. منه حفظه اللَّه).
3- وسائل الشيعة 11: 86، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 34، الحديث 1 ..
4- راجع: وسائل الشيعة 11: 78، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 32 ..
5- راجع: وسائل الشيعة 14: 317، كتاب الحجّ، أبواب العمرة، الباب 10، الحديث 1 ..
6- وسائل الشيعة 11: 82، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 33، الحديث 4 ..
7- وسائل الشيعة 11: 86، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 34، الحديث 4 ..
8- وسائل الشيعة 11: 81، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 33، الحديث 1 ..

ص: 99

الثالث: التفصيل وهو أفضلية المشي مع عدم الضعف عن القيام بالفرائض ومعه الركوب أفضل، وعليه الشيخ رحمه الله والعلّامة في «القواعد» قال: «السابعة:

المشي للمستطيع أفضل من الركوب مع عدم الضعف» وارتضاه ابنه فخر المحقّقين في «إيضاح القواعد» وهو المعتمد.

والجواب عن الأوّل: أنّ البدن أفضل من المال، فإنفاق الفضل منه، وهو القوّة الناهضة بالمشي أفضل من إنفاق فضل المال ولما فيه من التواضع وإعظام المزور ولقوله عليه السلام: «ما تقرب إلى اللَّه بشي ء أفضل المشي إلى بيت اللَّه على القدمين».(1)

وعن الثاني: أنّها حكاية حال فلا تعمّ، وليدلّ على الجواز. وهو بعينه الجواب عن الثالث والرابع، فلعلّه عليه السلام علم منها العجز وروي عنه عليه السلام أيّ شي ء أحبّ إليك نمشي أو نركب فقال: «تركبون أحبّ إليّ فإنّ ذلك أقوى على الدعاء والعبادة».(2)

الثانية: إذا مرّ بمعبر هل يجب أن يقوم فيه أو يجوز له جلوس؟ قيل: بالأوّل؛ لاشتمال المشي على أمرين؛ القيام والحركة فلا يسقط أحدهما بتعذّر الآخر، ولرواية السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام: «إنّ علياً عليه السلام سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت فمرّ بالمعبر، قال فليقم في المعبر حتّى يجوز».(3) وظاهر الأمر الوجوب، وهو اختيار الشيخ رحمه الله، وقيل بالثاني؛ لانصراف نذر المشي إلى ما يتحصّل فيه حقيقة المشي عادة وهو هنا ساقط عادة


1- وسائل الشيعة 11: 79، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 32، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 11: 83، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 33، الحديث 5 ..
3- وسائل الشيعة 11: 92، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 37، الحديث 1 ..

ص: 100

فهو مستثنى وهو اختيار المصنّف قدس سره والعلّامة.

الثالثة: لو ركب ناذر المشي مختاراً فإن كان معيّناً بسنة كفّر؛ لخلف النذر ولا قضاء عليه وهو ظاهر العلّامة في «الإرشاد» و «القواعد» و «التحرير»، والشهيد أوجب القضاء، وهو الذي صدّر به المصنّف في «المعتبر»، وفي آخر البحث: يمكن إجزاء الحجّ، وإن وجبت الكفّارة، وإن كان مطلقاً وجب القضاء، وإن ركب بعض الطريق ومشى بعضه، قال الشيخان والقاضي: يقضي ويمشي ما ركب ويركب ما مشى ليحصل منهما حجّة ملفّقة ماشياً ولا استبعاد فيه؛ فإنّ الماشي لو عرض له قصد موضع معيّن فذهب إليه راكباً. ثمّ عاد إلى الموضع الذي فارقه أوّلًا، ثمّ أكمل مشيه إلى نهاية نسكه أجزأه ذلك، فكذا هنا.

وقال أكثر الأصحاب: يقضي ماشياً؛ لإخلاله بالصفة المشترطة في نذره إن كان النذر مطلقاً وإن كان معيّناً وجبت الكفّارة، ولا قضاء، وأجابوا عمّا قاله الشيخ: بالفرق بين ما ذكره وبين صورة النزاع؛ فإنّ الأوّل في حجّة واحدة ويصدق أنّه مشى الكلّ بخلاف موضع النزاع، وعليه المصنّف والعلّامة.

الرابعة: لو عجز عن المشي، قيل: فيه ثلاثة أقوال:

أ- أنّه يركب ويسوق بدنة وجوباً، وهو قول الشيخ في «الخلاف»؛ لرواية الحلبي.(1)

ب- يركب ويسوق بدنة ندباً، وهو قول المفيد، وعليه الأكثر واختاره المصنّف والعلّامة في «القواعد»؛ للأصل ولرواية عنبسة بن مصعب.(2)


1- وسائل الشيعة 11: 86، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 34، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 11: 87، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 34، الحديث 6 ..

ص: 101

ج- إن كان النذر معيّناً بسنة سقط؛ لعجزه، وإن كان مطلقاً توقّع المكنة من وجود الصفة؛ أي من حصول القدرة على المشي، وهو قول ابن إدريس واختاره العلّامة في «الإرشاد»»(1) انتهى.

وفي «الحدائق»: «لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- في أنّ من نذر الحجّ ماشياً انعقد نذره، ووجب عليه الوفاء به، وتدلّ عليه العمومات المقتضية لانعقاد النذور، وهو عبادة راجحة، وقد ورد في جملة من الأخبار «ما عبد اللَّه بشي ء أشدّ ولا أفضل من المشي إلى بيته».(2) وقد ورد روايات مستفيضة ما يدلّ على مشروعيته وانعقاده ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر عليه السلام: وأ نّه سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى مكّة حافياً فقال: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم خرج حافياً فنظر إلى امرأة تمشي بين الإبل، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: يا عقبة انطلق إلى اختك فمرها فتركب، فإنّ اللَّه غنيّ عن مشيها وحفائها قال: فركبت»،(3) فإنّها محمولة على عدم جواز نذر الحفاء مضافاً إلى المشي؛ لما فيه من المشقّة الظاهرة ولا يلزم من ذلك عدم انعقاد نذر المشي.

وقال العلّامة في «القواعد»: لو نذر الحجّ ماشياً، وقلنا المشي أفضل انعقد الوصف، وإلّا فلا. وقال ولده في «الإيضاح»: «إذا نذر الحجّ ماشياً انعقد أصل النذر إجماعاً، وهل يلزم القيد مع القدرة؟ فيه قولان مبنيّان على أنّ المشي


1- المهذّب البارع 2: 127- 131 ..
2- وسائل الشيعة 11: 78، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 32 ..
3- وسائل الشيعة 11: 86، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 34، الحديث 4 ..

ص: 102

أفضل من الركوب أو الركوب أفضل من المشي».

قال في «المدارك» بعد نقل ذلك عنهما: «وهذا غير سديد؛ فإنّ المنذور وهو الحجّ على هذا الوجه لا ريب في رجحانه، وإن كان غيره أرجح منه، وذلك كاف في انعقاد نذره؛ إذ لا يعتبر في المنذور كونه أفضل من جميع ما عداه وهو جيّد».(1)

وقال في «معتمد العروة»: «في هذه المسألة أمران:

الأوّل: إذا نذر المشي في الحجّ الواجب أو المستحبّ انعقد؛ لأنّ المشي في الحجّ محبوب وراجح في نفسه، لجملة من الأخبار، وقد حجّ الحسن عليه السلام ماشياً مراراً وتساق معه الرحال والمحامل،(2) وإن كان الركوب في بعض الموارد أفضل من جهات اخر، فإنّ المعتبر في النذر أن يكون متعلّقه راجحاً في نفسه وإن كان غيره أفضل وأرجح منه؛ فإنّ أرجحية غيره لا توجب زوال الرجحان عن المشي في حدّ نفسه.

الثاني: أن ينذر الحجّ ماشياً مطلقاً، فإنّه ينعقد أيضاً، ولو فرضنا أنّ المشي في الحجّ غير راجح أصلًا؛ لأنّ متعلّق النذر ليس هو المشي ليلاحظ رجحانه، وإنّما المتعلّق حصّة خاصّة من الحجّ، وهي راجحة في نفسها، وإن كان وجود غيرها أرجح، نظير ما إذا نذر أن يصلّي ركعتين في غرفته، فإنّه ينعقد، وإن كان إتيان الصلاة في الغرفة من حيث هو لا رجحان فيه أصلًا، إلّاأنّه لا ريب في أنّ إيقاع الصلاة في أيّ مكان راجح في نفسه، وإن كان إتيانها في المسجد أو الحرم أفضل.

وبالجملة: لا بدّ من ملاحظة الرجحان في متعلّق النذر بنفسه ولا يعتبر كونه


1- الحدائق الناضرة 14: 223 ..
2- وسائل الشيعة 11: 83، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 33، الحديث 6 ..

ص: 103

أفضل من غيره، ولذا لو نذر زيارة مسلم بن عقيل عليه السلام ينعقد وإن كان زيارة الحسين عليه السلام أفضل بكثير، وكذا لو نذر أن يعطي درهماً لشخص ينعقد، وإن كان إعطائه لشخص آخر أفضل؛ لفقره ونسبه وحسبه.

والحاصل: لا يعتبر في انعقاد النذر رجحان متعلّقه بملاحظة جميع خصوصياته، بل يكفي رجحان أصل المنذور وإن كان غيره أفضل... وقد يتعلّق النذر بالحجّ راكباً، ولا ريب في صحّته وانعقاده، وإن لم يكن الحجّ راكباً أرجح من جميع الجهات، فلا يجوز المشي حينئذٍ وإن كان أفضل؛ لما عرفت من كفاية رجحان المقيّد دون قيده وكفاية رجحان ما في متعلّقه، وقد يتعلّق بالركوب في حجّه، فإن لم يكن الركوب في مورد راجحاً لم ينعقد؛ لتعلّق النذر بخصوصية غير راجحة، كما لو نذر أن يصلّي صلاة الفجر دائماً في البيت. نعم، لو تعلّق النذر بالطبيعي وكان راجحاً ينعقد وإن وجد في ضمن خصوصية غير راجحة، كما لو نذر أن يصلّي ركعتين في غرفته. وبالجملة: لا بدّ من ملاحظة المتعلّق، فإنّه إذا كان راجحاً ينعقد النذر، وإن كان غيره أفضل، وإن لم يكن راجحاً لا ينعقد، وكذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ كلّ يوم، أو فرسخين، أو نذر أن يمشي يوماً دون يوم.

والحاصل: لا فرق في انعقاد النذر وصحّته، بين تعلّقه بالمشي في الحجّ إذا كان المشي راجحاً في نفسه، وبين تعلّقه بالحجّ ماشياً.

وأمّا نذر الحفاء في الحجّ، فلا ريب في انعقاده؛ لأنّه من مصاديق المشي الراجح».(1)

قوله رحمه الله «ويشترط في انعقاده تمكّن الناذر وعدم تضرّره بهما وعدم كونهما


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 361- 363 ..

ص: 104

حرجيّين، فلا ينعقد مع أحدها لو كان في الابتداء، ويسقط الوجوب لو عرض في الأثناء...».

قال في «معتمد العروة»: مقتضى دليل نفي الحرج نفي اللزوم؛ لأنّ اللزوم هو الذي يؤدّي إلى الحرج، وأمّا المحبوبية والمطلوبية فباقية، فلا مانع من الانعقاد.

وفيه: أنّ الكلام في نفي الحرج، وأ نّه من باب الرخصة لا العزيمة، إنّما يبحث عنه في موارد الأحكام الشرعية إذا طرأها الحرج، كما إذا توضّأ أو اغتسل بالوضوء أو الغسل الحرجيّين، فقد وقع الكلام في صحّته وبطلانه، واختاروا الصحّة؛ بدعوى أنّ المنفيّ هو الوجوب، وأمّا أصل المطلوبية والرجحان، فباقٍ على حاله؛ لأنّ ذلك ممّا يقتضيه الامتنان، ولكن قد ذكرنا غير مرّة أنّ الأحكام الشرعية بسائط ولا تنحلّ إلى حكمين، فإذا ارتفع الوجوب يرتفع الحكم كلّية، وضمّ نفي الحرج إلى دليل الحكم لا يقتضي بقاء المطلوبية والرجحان، على أنّ ما ذكروه لا يفيد المقام؛ لأنّ مقتضى شمول الرفع له ارتفاع وجوب الوفاء بالنذر ولازمه عدم انعقاد النذر، مع أنّهم ملتزمون بانعقاد النذر في مورد الحرج، ومعنى انعقاده وجوب الوفاء به، فلا فرق بين كون الحرج على نحو الرخصة أو العزيمة؛ فإنّ مقتضى الرفع على كلّ تقدير منهما عدم وجوب الوفاء بالنذر وعدم انعقاده، فابتناء المقام على أنّ النفي في الحرج من باب الرخصة لا العزيمة ممّا لا محصّل له أصلًا.(1)


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 366- 367 ..

ص: 105

(مسألة 10): لا يجوز لمن نذره ماشياً أو المشي في حجّه أن يركب البحر ونحوه. ولو اضطرّ إليه لمانع في سائر الطرق سقط. ولو كان كذلك من الأوّل لم ينعقد. ولو كان في طريقه نهر أو شطّ لا يمكن العبور إلّابالمركب، يجب أن يقوم فيه على الأقوى.

حكم من نذر الحجّ ماشياً

بيانه- قال في «الجواهر»: «وكيف كان ففي المتن والقواعد وغيرهما: أنّه يقوم في مواضع المضطرّ إليها، كالسفينة ونحوها،(1) بل في «الحدائق»: المشهور من غير خلاف ينقل أنّه يقوم في السفينة إن اضطرّ إلى العبور فيها والمستند في ذلك رواية السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام: «أنّ علياً- صلوات اللَّه عليه- سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت، فمرّ في المعبر. قال: فليقم في المعبر حتّى يجوز».(2)

قال في «المدارك» نقلًا عن «المعتبر»: «وهل هو على الوجوب؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنّ المشي يجمع بين القيام والحركة، فإذا فات أحدهما تعيّن الآخر، والأقرب أنّه على الاستحباب؛ لأنّ نذر المشي ينصرف إلى ما يصلح المشي فيه، فيكون موضع العبور مستثنى بالعادة، ثمّ قال: وما قرّبه رحمه الله جيّد، بل يمكن المناقشة في استحباب القيام أيضاً؛ لضعف مستنده».(3)


1- جواهر الكلام 17: 351 ..
2- وسائل الشيعة 11: 92، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 37، الحديث 1 ..
3- الحدائق الناضرة 14: 227 ..

ص: 106

(مسألة 11): لو نذر الحجّ ماشياً فلا يكفي عنه الحجّ راكباً، فمع كونه موسّعاً يأتي به، ومع كونه مضيّقاً يجب الكفّارة لو خالف دون القضاء. ولو نذر المشي في حجّ معيّن وأتى به راكباً صحّ وعليه الكفّارة دون القضاء، ولو ركب بعضاً دون بعض فبحكم ركوب الكلّ.

وأورد عليه صاحب «العروة»(1) وغيره بضعف الخبر؛ ولكن يقال: إنّ الخبر معتبر؛ لأنّ السكوني موثّق، وإن كان عاميّاً، وكذلك النوفلي؛ لأنّه من رجال كامل الزيارات، فلا بأس بالعمل بالخبر تعبّداً، خصوصاً مع عدم إعراض الأصحاب عنه، فما ذهب إليه المشهور هو الأقوى.

وفي «الجواهر»: «ولو اضطرّ إلى ركوب البحر من بلده إلى مكّة سقط القيام قطعاً؛ للحرج والخروج عن لفظ النصّ والفتوى، لكن في «كشف اللثام» أنّه يمكن القول به إن أمكن الإرساء عند الإعياء ونحوه ركوبه أو ركوب نهر أيّاماً، ولو تعارض العبور في سفينة وجسر تعيّن الثاني إذا لم يحصل مانع يسقط معه التكليف».(2)

بيانه- قال في «الجواهر»: «فإن ركب ناذر المشي المتمكّن منه جميع طريقه قضى مع فرض تعيّن السنة بالنذر، بل يكفّر عن النذر، وإلّا أعاد؛ لعدم صدق امتثاله، بل في «المدارك»: أنّه يستفاد من ذلك فساد الحجّ؛ لعدم وقوعه عن المنذور؛ للمخالفة، ولا غيره؛ لعدم النيّة، لكن في «كشف اللثام» أنّه احتمل في


1- العروة الوثقى 4: 527 ..
2- جواهر الكلام 17: 351 ..

ص: 107

«المعتبر» و «المنتهى» و «التحرير» و «المختلف»: سقوط قضاء المعيّن؛ لأنّ المشي ليس من أجزاء الحجّ ولا صفاته ولا شروطه، وقد أتى به، وإنّما عليه لإخلاله بالمشي الكفّارة، بل لعلّه الظاهر من أيمان «القواعد» و «التحرير» و «الإرشاد»، بل في «الكشف»: هو قويّ، إلّاأن يجعل المشي في عقد النذر شرطاً».(1)

وقال في «الحدائق»: «قد صرّح الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- بأ نّه لو ركب طريقه وجب عليه القضاء ومرادهم بالقضاء الإعادة؛ أعمّ من أن يكون بمعناه المتعارف أم لا، وذلك؛ أنّه إن كانت سنة النذر معيّنة، فالقضاء بمعناه المتعارف، ويلزمه مع ذلك كفّارة خلف النذر، وإن كانت سنة مطلقة، فالقضاء بمعنى الفعل ثانياً، ولا كفّارة؛ لبقاء الوقت، قالوا: وإنّما وجب عليه إعادة الحجّ ثانياً؛ لإخلاله بالصفة المشروطة وتوقّف الامتثال على الإتيان بها، ويستفاد من حكمهم بوجوب الإعادة كون المأتيّ به فاسداً، والظاهر أنّ وجهه من حيث عدم موافقته للمنذور، فلا يقع عن النذر؛ لعدم المطابقة، ولا عن غيره؛ لانتفاء النيّة، كما هو المفروض، واحتمل المحقّق في «المعتبر» الصحّة، وإجزائه عن المنذور، وإن وجبت الكفّارة بالإخلال بالمشي، قال: لأنّ الإخلال بالمشي ليس مؤثّراً في الحجّ، ولا هو من صفاته بحيث يبطل بفواته، بل غايته أنّه أخلّ بالمشي المنذور، فإن كان مع القدرة وجبت عليه كفّارة خلف النذر.

قال في «المدارك» بعد نقله ذلك عنه: «وهو إنّما يتوجّه إذا كان المنذور الحجّ والمشي غير مقيّد أحدهما بالآخر، والمفهوم من نذر الحجّ ماشياً خلاف ذلك»، انتهى. وهو جيّد ويؤيّده أنّه لو تمّ ما ذكره للزم جريانه في جميع النذور المقيّدة بزمان أو مكان، كأن يصلّي ركعتين في زمان مخصوص أو مكان مخصوص،


1- جواهر الكلام 17: 351- 352 ..

ص: 108

فإنّه تصحّ الصلاة على غير الوجه المذكور وإن لزمت الكفّارة وهو لا يقول به ولم أقف في هذه المسألة على نصّ يدلّ على أحكامها المذكورة، إلّاما نقلناه مطابق لمقتضى قواعد النذر، مع أوفقيته بالاحتياط(1)، انتهى كلامه رفع مقامه.

قال في «معتمد العروة»: «وإنّه لو نذر المشي، فخالف وحجّ راكباً يجب عليه إتيان الحجّ ماشياً في السنين المقبلة، ولا يجزئ ما حجّه راكباً عن الحجّ ماشياً، وأمّا عدم الكفّارة، فلعدم الحنث؛ لأنّ المفروض عدم تقييد الحجّ بسنة خاصّة.

نعم، لو أخّره إلى أن عجز عن الإتيان يجب عليه الكفّارة لتحقّق الحنث حينئذٍ.

وأمّا إذا كان المنذور الحجّ ماشياً في سنة معيّنة، فخالف وأتى به راكباً ذكر رحمه الله: أنّه يجب عليه القضاء والكفّارة،(2) أمّا الكفّارة فللحنث، وأمّا وجوب القضاء فمبنيّ على وجوب قضاء الحجّ المنذور».(3)

قوله قدس سره: «ولو نذر المشي في حجّ معيّن وأتى به راكباً صحّ وعليه الكفّارة دون القضاء».

قال في «معتمد العروة»: إذا كان المنذور المشي في حجّ معيّن، كالحجّ النيابي أو الحجّ الاستحبابي، فخالف وحجّ راكباً وجبت الكفّارة؛ لحصول الحنث، وأمّا القضاء فغير واجب؛ لفوات محلّ النذر وسقوط الحجّ المعيّن بالإتيان به، فلا موضوع للقضاء والتدارك.(4)

قوله قدس سره: «ولو ركب بعضاً دون بعض، فبحكم ركوب الكلّ».


1- الحدائق الناضرة 14: 228- 229 ..
2- العروة الوثقى 4: 528 ..
3- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 371 ..
4- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 371 ..

ص: 109

(مسألة 12): لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره يجب عليه الحجّ راكباً مطلقاً؛ سواء كان مقيّداً بسنة أم لا، مع اليأس عن التمكّن بعدها أم لا. نعم، لا يُترك الاحتياط بالإعادة في صورة الإطلاق؛ مع عدم اليأس من المكنة، وكون العجز قبل الشروع في الذهاب إذا حصلت المكنة بعد ذلك، والأحوط المشي بالمقدار الميسور، بل لا يخلو من قوّة. وهل الموانع الاخر كالمرض أو خوفه أو عدوّ أو نحو ذلك بحكم العجز أو لا؟ وجهان، ولا يبعد التفصيل بين المرض ونحو العدوّ؛ باختيار الأوّل في الأوّل والثاني في الثاني.

ويكون آثماً إذا كان النذر مقيّداً بسنة خاصّة، ويجب عليه القضاء والكفّارة على ما تقدّم، وأمّا إذا كان النذر مطلقاً من حيث الزمان، فيجب عليه الإتيان ماشياً في السنين الآتية، ولا يكتفى بما أتى به ملفّقاً من المشي والركوب.

إذا نذر الحجّ ماشياً فعجز عن المشي

بيانه- لو عجز عن المشي، فلا خلاف في جواز الركوب؛ لأنّ الوجوب يسقط بالعجز؛ لإناطة التكليف بالوسع ورفع الحرج والمشقّة في الدين؛ لقوله سبحانه: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ(1) يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ(2) ويدلّ عليه من الأخبار حسنة عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: عثرت، فانقطع ظفري، فجعلت على أصبعي مرارة، فكيف


1- الحجّ( 22): 78 ..
2- البقرة( 2): 185 ..

ص: 110

أصنع بالوضوء؟ «يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللَّه عزّ وجلّ قال اللَّه تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه».(1) وغير ذلك من الروايات أنّ في المسألة أقوالًا أربعة: أحدها: وجوب الكفّارة مطلقاً، وثانيها:

سقوطها مطلقاً، وثالثها: هو التفصيل بكون النذر مطلقاً، فيتوقّع المكنة، وإن كان معيّناً سقط الفرض؛ ورابعها: مثل سابقه في صورة الإطلاق، إلّاأنّه يفارقه في صورة التعيين، فيقول بوجوب الركوب، فذهب الشيخ وجمع من الأصحاب إلى الوجوب، واستدلّوا على ذلك بصحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام:

رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللَّه الحرام وعجز عن المشي قال: «فليركب وليسق بدنة فإنّ ذلك يجزئ عنه إذا عرف اللَّه منه الجهد».(2) وصحيحة ذريح المحاربي قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل حلف ليحجن ماشياً، فعجز عن ذلك، فلم يطقه، قال: «فليركب وليسق الهدي».(3)

وقال الشيخ المفيد قدس سره في «المقنعة»: «وإذا جعل الرجل على نفسه المشي إلى بيت اللَّه، فعجز عنه فليركب ولا شي ء عليه»،(4) وهو ظاهر في عدم وجوب السياق، وهو اختيار ابن الجنيد على ما نقل عنه وابن إدريس على ما ذكره في «المختلف» والمحقّق.

واستدلّوا عليه بأصالة البراءة وصحيحة رفاعة بن موسى عليه السلام قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللَّه قال: «فليمش» قلت:


1- وسائل الشيعة 1: 464، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 11: 86، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 34، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 11: 86، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 34، الحديث 2 ..
4- المقنعة: 441 ..

ص: 111

فإنّه تعب قال: «فإذا تعب ركب».(1)

ورواية عنبسة بن مصعب قال: نذرت في ابن لي إن عافاه اللَّه أن أحجّ ماشياً، فمشيت حتّى بلغت العقبة، فاشتكيت، فركبت، ثمّ وجدت راحة، فمشيت، فسألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن ذلك، فقال: «إنّي احب إن كنت موسراً أن تذبح بقرة» فقلت: معي نفقة، ولو شئت أن أذبح لفعلت وعليّ دين. فقال: «إنّى احبّ إن كنت موسراً أن تذبح بقراً» فقلت: أشي ء واجب أفعله؟ قال: «لا من جعل للَّه شيئاً فبلغ جهده، فليس عليه شي ء».(2)

قال في «المدارك» بعد نقل ذلك: «ويتوجّه عليه أنّ الرواية الاولى لا تنافي وجوب السياق؛ لأنّ عدم ذكره لا يعارض ما دلّ على الوجوب، والرواية الثانية ضعيفة السند؛ لأنّ راويها واقفي ناووسي، ثمّ نقل عن ابن إدريس القول بأ نّه:

«إن كان النذر مطلقاً وجب على الناذر توقّع المكنة من الصفة وإن كان مقيّداً بسنة معيّنة سقط الفرض؛ لعجزه عنه»(3) وهذا قول ثالث في المسألة.

ونقل العلّامة في «المختلف» عن ابن إدريس موافقة الشيخ المفيد، ثمّ اختار فيه أنّه إن كان النذر معيّناً بسنة، فعجز عن المشي ركب، ولا شي ء عليه، وإن كان مطلقاً توقّع المكنة.(4)

وأمّا على ما يقتضيه الروايات، فهي مختلفة، منها: ما دلّ على وجوب الحجّ راكباً مع سياق بدنة أو الهدي، كصحيح الحلبي وصحيح ذريح المحاربي. ومنها:


1- وسائل الشيعة 11: 86، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 34، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 23: 308، كتاب النذر، الباب 8، الحديث 5 ..
3- مدارك الأحكام 7: 107 ..
4- مختلف الشيعة 4: 385؛ وراجع: الحدائق الناضرة 14: 232- 234 ..

ص: 112

ما دلّ على وجوب الحجّ راكباً بلا سياق ولا هدي، كصحيح رفاعة. ومنها:

صحيح محمّد بن مسلم. ومنها: صحيح آخر بمضمونه.(1)

وقال في «معتمد العروة»: «وبالجملة: الظهور اللفظي بلغ ما بلغ من القوّة قابل للتقييد، نظير قوله عليه السلام: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال:

الطعام والشراب والارتماس في الماء».(2) مع ورود التقييد على ذلك بسائر المفطرات، فمقتضى القاعدة هو الالتزام بالتقييد، والعمل بالصحيحين، ولا إجماع على الخلاف. هذا كلّه، مع قطع النظر عن رواية عنبسة.

وأمّا بالنظر إليها، فالقول الثاني هو الأقوى؛ لظهور الرواية في الاستحباب وعدم وجوب السياق لقوله: «إنّى احبّ إن كنت موسراً أن تذبح بقرة»، والرواية معتبرة؛ لأنّ الشيخ رواها في كتاب النذر بطريق صحيح(3) وعنبسة ثقة؛ لكونه من رجال كامل الزيارات، فلا بدّ من حمل الصحيحين على الاستحباب؛ لصراحة الرواية في الاستحباب.

ثمّ أنّه لا فرق في ذلك بين العجز عن المشي في الأثناء أو حدوثه من الأوّل، ومن غير فرق بين أن يكون العجز قبل الدخول في الإحرام أو بعده، ومن غير فرق بين كون النذر مطلقاً أو مقيّداً بسنة معيّنة، وكان اليأس حاصلًا بالفعل؛ لإطلاق النصوص... نعم، لو علم بالعجز من الأوّل، ولم يكن راجياً أصلًا؛


1- وسائل الشيعة 11: 88، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 35، الحديث 9 و 11 ..
2- وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1 ..
3- تهذيب الأحكام 8: 313/ 1163 ..

ص: 113

للتمكّن من المشي فلا ريب في بطلان النذر؛ لعدم إمكان الالتزام على نفسه بشي ء غير مقدور؛ فإنّ النذر هو الالتزام بشي ء للَّه ولا بدّ أن يكون متعلّقه مقدوراً أو متوقّع القدرة. وأمّا إذا كان غير مقدور بالمرّة، فلا يصحّ الالتزام به.

ثمّ إنّ المصنّف رحمه الله احتاط بالإعادة فيما إذا كان النذر مطلقاً ولم يكن مأيوساً من المكنة، بل كان يرجو التمكّن من المشي وكان ذلك قبل الشروع في الذهاب والسفر إلى آخره.

أقول: الاحتياط في محلّه، بل لا مقتضي للإجزاء، فيجب عليه الحجّ ماشياً في السنة التي تمكّن منه؛ لعدم شمول الروايات الدالّة على الإجزاء والانتقال إلى الحجّ راكباً لهذه الصورة وانصرافها عنها؛ وذلك لأنّ موضوع الروايات هو العجز عن المشي وعدم الاستطاعة منه، وهو غير حاصل في المقام؛ لأنّ المنذور على الفرض مطلق وغير مقيّد بسنة معيّنة، والمفروض أنّه قد حصل له التمكّن في السنة الآتية، ولم يكن اليأس عن المشي حاصلًا له في هذه السنة، بل كان يرجو زوال العذر ويتوقّع المكنة من المشي فلا موجب للإجزاء أصلًا.(1)

قوله قدس سره: «وهل الموانع الاخر، كالمرض أو خوفه أو عدوّ أو نحو ذلك بحكم العجز أو لا؟ وجهان، ولا يبعد التفصيل بين المرض ونحو العدوّ باختيار الأوّل في الأوّل والثاني في الثاني».

قال السيّد الخوئي: «الروايات الواردة في المقام مختلفة، ففي بعضها ذكر عنوان التعب، كما في صحيح رفاعة، وهذا العنوان لا يشمل العدوّ في الطريق، أو الحرّ، أو البرد الشديدين ونحو ذلك من الموانع، وذكر في بعضها الآخر عنوان العجز وعدم الاستطاعة، كما في صحيح الحلبي وابن مسلم المتقدّمين، وهذا


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 379- 382 ..

ص: 114

العنوان يشمل عدم التمكّن من المشي من أيّ سبب كان؛ سواء كان لضعف في بدنه، أو كسر، أو جرح، أو وجع يمنعه من المشي، وإن كان قويّاً في بدنه ولا يتعب من نفسه، وإنّما يعجز عنه؛ لأسباب خارجية، كالجرح والكسر ونحو ذلك؛ للصدق العرفي في جميع هذه الموارد، وكذا يشمل ما إذا لم يتمكّن من المشي، لوجود بحر، أو نهر في الطريق لا يمكنه العبور منه، أو وجود مانع آخر في الأرض، كالشوك أو الحرّ الشديد بحيث يمنع من وضع قدمه على الأرض.

نعم، لو فرض أنّ المرض لا يمنعه من المشي، وإنّما يبطأ برأه أو يحدث له مرض آخر بسبب المشي، وإلّا، فهو متمكّن من المشي بالفعل، وكذا لو لم يتمكّن من المشي، لخوف العدوّ في الطريق، فلا يصدق عنوان العجز، أو التعب، أو عدم الطاقة المأخوذ في النصوص على هذه الموارد، ولا أقلّ من الشكّ في صدقه. نعم، معتبرة عنبسة تشمل جميع هذه الموارد؛ لقوله عليه السلام: «فبلغ جهده»، فإنّ المستفاد من ذلك أنّ الميزان بلوغ هذا المقدار من الجهد، فيشمل جميع الموانع عن المشي، فنلتزم بسقوط وجوب المشي خاصّة وبقاء أصل وجوب الحجّ المنذور، وبالجملة لا مانع من شمول بعض الروايات الدالّة على عدم سقوط الحجّ بالمرّة؛ لجميع هذه الموارد»،(1) واللَّه العالم.


1- المعتمد في شرح العروة الوثقى 26: 384 ..

ص: 115

النيابة في الحجّ

القول: في النيابة

اشارة

وهي تصحّ عن الميّت مطلقاً، وعن الحيّ في المندوب وبعض صور الواجب.

(مسألة 1): يشترط في النائب امور:

الأوّل: البلوغ على الأحوط؛ من غير فرق بين الإجاري والتبرّعي بإذن الوليّ أو لا، وفي صحّتها في المندوب تأمّل.

الثاني: العقل، فلا تصحّ من المجنون ولو أدوارياً في دور جنونه، ولا بأس بنيابة السفيه.

الثالث: الإيمان.

الرابع: الوثوق بإتيانه، وأمّا بعد إحراز ذلك فلا يعتبر الوثوق بإتيانه صحيحاً، فلو علم بإتيانه وشكّ في أنّه يأتي به صحيحاً، صحّت الاستنابة ولو قبل العمل على الظاهر، والأحوط اعتبار الوثوق بالصحّة في هذه الصورة.

الخامس: معرفته بأفعال الحجّ وأحكامه ولو بإرشاد معلّم حال كلّ عمل.

السادس: عدم اشتغال ذمّته بحجّ واجب عليه في ذلك العام كما مرّ.

السابع: أن لا يكون معذوراً في ترك بعض الأعمال. والاكتفاء بتبرّعه أيضاً مشكل.

ص: 116

شرائط النائب في الحجّ

بيانه- لا خلاف بين المسلمين في أصل مشروعيتها، بل لعلّه من ضروريات الدين. نعم، فيها شرائط منها: ما يتعلّق بالنائب، وهي امور:

الأوّل: البلوغ؛ فلا يجوز عن الصبيّ غير المميّز، وفي المميّز قولان، وظاهر الأكثر المنع؛ قال صاحب الحدائق: «وعلّله في «المعتبر»: بأنّ حجّ الصبيّ إنّما هو تمريني والحكم بصحّته بالنسبة إلى ما يراد من تمرينه، لا لأنّه يقع مؤثّراً في الثواب،(1) وهو غير جيّد؛ لما قدّمنا في كتاب الصوم من أنّ عبادة الصبيّ شرعية يستحقّ عليها الثواب؛ لأنّها مرادة للشارع. نعم، الوجه في المنع من نيابته أوّلًا:

إنّما هو عدم الدليل في المقام؛ لأنّ العبادات بأيّ كيفية، وعلى أيّ نحو موقوفة على التوقيف، ولم يرد في المقام نصّ بجواز نيابته، وثانياً: أنّه لعلمه برفع القلم عنه وعدم مؤاخذته بما يصدر منه، فلا يمكن الوثوق بإخباره.

وقيل بالجواز؛ لأنّه قادر على الاستقلال بالحجّ، وهو ضعيف؛ لما عرفت، ونقل في «المدارك» عن بعض مشايخه- ولعلّه المولى المحقّق الأردبيلي، كما يشير إليه كثيراً بذلك- جواز نيابته مع الوثوق بإخباره. ثمّ قال: «وليس ببعيد من الصواب»(2) انتهى. وفيه توقّف».(3)

وفي «الجواهر»: «لكن لا يقع منه بعنوان النيابة عن الغير المخاطب بالفعل


1- المعتبر 2: 766 ..
2- مدارك الأحكام 7: 113 ..
3- الحدائق الناضرة 14: 238- 239 ..

ص: 117

لنفسه وجوباً أو ندباً، وأوضح من ذلك لو قيل بأنّ التمرين فيه نحو تمرين الحيوانات على بعض الأعمال؛ فإنّه لا مشروعية لفعله من حيث نفسه أصلًا، وإنّما يستحبّ للوليّ تمرينه وأمره بذلك، بل ربّما قيل بعدمها مطلقاً؛ بناءً على الشرعية التي هي على نحو شرعية الندب للمكلّف باعتبار الشكّ في تناول إطلاقات النيابة لمثله، فيبقى حينئذٍ على مقتضى أصل «عدم الجواز الموافق» لقوله تعالى: لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعى(1) وإن كان هو كماترى؛ لوضوح منع الشكّ، فتأمّل جيّداً».(2)

الثاني: كمال العقل؛ فلا تجوز نيابة المجنون لانغمار عقله بالمرض المانع من النية والقصد، ولو كان ممّن يعتريه الجنون أدواراً، فلا مانع من نيابته، إذا حصل الوثوق بتمكّنه من العمل المستأجر عليه، وإلّا، فلا.

الثالث: الإيمان؛ قال في «الحدائق»: «وفي اشتراط الإيمان في النائب قولان: ظاهر أكثر المتأخّرين حيث حكموا بإسلام المخالفين صحّة نيابتهم فلا يشترط الإيمان عندهم. قال العلّامة في «التذكرة»: «أمّا المخالف، فيجوز أن ينوب عن المؤمن، ويجزئ عن المنوب إذا لم يخلّ بركن؛ لأنّها تجزئ عنه، ولا تجب عليه الإعادة، لو استبصر، فدلّ ذلك على أنّ عبادته معتبرة في نظر الشرع يستحقّ بها الثواب، إذا رجع إلى الإيمان، إلّاالزكاة؛ لأنّه دفعها إلى غير مستحقّها، ويدلّ على ذلك ما رواه بريد بن معاوية العجلي،(3) ثمّ ساق الرواية»، وقيل بالعدم، وهو الحق، وإليه مال في «المدارك»، وقد تقدّم تحقيق المسألة،


1- النجم( 53): 39 ..
2- جواهر الكلام 17: 361- 362 ..
3- وسائل الشيعة 9: 216، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 3، الحديث 1 ..

ص: 118

ودلالة جملة من الأخبار على بطلان عبادة المخالف، وإن أتى بها على الوجه المشترط عند أهل الإيمان، فضلًا عن أهل نحلته، وأنّ سقوط القضاء عنه بعد الرجوع إلى الإيمان أنّما هو تفضّل من اللَّه عزّ وجلّ لا لصحّة عبادته كما توهّمه قدس سره».(1)

الرابع: الوثوق بإتيانه؛ وفي «الحدائق» أيضاً: «قال في «المدارك»: واكتفى بعض الأصحاب فيه بكونه ممّن يظنّ صدقه ويجعل الوثوق بإخباره وهو حسن،(2) انتهى.

التحقيق هنا أن يقال: أنّ الناس على أقسام ثلاثة: ظاهر العدالة وظاهر الفسق ومجهول الحال. أمّا الأوّل: فلا ريب في جواز نيابته، وأمّا الثاني: فالظاهر عدم جواز نيابته؛ لأنّ الحكم بالصحّة مبنيّ على خبره وخبره غير مقبول بالآية والرواية، وأمّا الثالث: فهذا هو الذي ينبغي أن يجعل محلّ الخلاف، وهذا هو الذي ينبغي أن يحمل عليه كلام بعض الأصحاب الذي نقله واستحسنه من أنّه متى كان ممّن يظنّ صدقه ويحصل الوثوق بإخباره جازت نيابته... وبما ذكرنا يظهر لك ما في كلام شيخنا الشهيد قدس سره في «الدروس» حيث قال: العدالة شرط في الاستنابة عن الميّت وليست شرطاً في صحّة النيابة، فلو حجّ الفاسق عن غيره أجزأ وفي قبول إخباره بذلك تردّد أظهره القبول؛ لظاهر حال المسلم، ومن عموم قوله تعالى: فتبيّنوا(3)، قال في «المدارك» بعد نقل ذلك عنه ونعم ما قال: «ويتوجّه عليه:


1- الحدائق الناضرة 14: 240 ..
2- مدارك الأحكام 7: 109 ..
3- الدروس الشرعية 1: 320 ..

ص: 119

أوّلًا: أنّ ما استدلّ به على القبول من ظاهر حال المسلم لا يعارض الآية الشريفة المتضمّنة لوجوب التثبّت عند خبر الفاسق.

وثانياً: أنّه لا وجه للمنع من استنابة الفاسق، إلّاعدم قبول إخباره، فمتى حكم بقبول إخباره انتفى المانع من جواز الاستنابة(1)»(2) فتأمّل جيّداً.

الخامس: معرفته بأحكام الحجّ وأفعاله؛

وذكر بعض الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- أنّ من جملة الشروط أيضاً:

قدرة الأجير على العمل ومعرفته أحكام الحجّ واكتفى الشهيد رحمه الله في «الدروس» بحجّه مع مرشد عدل.(3)

ومن شرائط النيابة في الواجب أيضاً: موت المنوب عنه أو عجزه، أمّا الحجّ المستحب، فلا يشترط فيه ذلك إجماعاً، بل تجوز النيابة عن الحيّ، وفيه فضل كثير، قال الشهيد في «الدروس»: وقد احصي في عام واحد خمس مئة وخمسون رجلًا يحجّون عن علي بن يقطين صاحب الكاظم عليه السلام وأقلّهم سبع مئة دينار وأكثرهم عشرة آلاف دينار.(4)

السادس: خلوّ ذمّته عن حجّ واجب عليه بالأصالة أو بالنذر أو الاستئجار أو الفساد؛ قال صاحب الحدائق: «فلو وجب عليه الحجّ بسبب أحد هذه الامور لم يجز له أن ينوب عن غيره، إلّابعد أداء ما في ذمّته كما صرّح به العلّامة في «التذكرة»،(5) ومثله في غيرها.


1- مدارك الأحكام 7: 109 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 242- 243 ..
3- الدروس الشرعية 1: 320 ..
4- الدروس الشرعية 1: 319 ..
5- تذكرة الفقهاء 7: 112 ..

ص: 120

والأظهر أن يقال: إنّه إنّما يجب خلوّ ذمّة النائب عن الحجّ الواجب إذا كان مخاطباً في ذلك العام على الفور وحصل التمكّن منه. أمّا لو كان واجباً موسّعاً، أو في عام بعد ذلك، كمن نذره كذلك، أو استؤجر له، فإنّه لا مانع من صحّة نيابته قبله، وكذا لو وجب عليه في ذلك العام، وعجز عنه، ولو مشياً؛ حيث لا يشترط فيه الاستطاعة، كالمستقرّ من حجّ الإسلام، فإنّه يجوز له الاستنابة في ذلك العام لسقوط الوجوب فيه بالعجز، وإن كان ثابتاً في الذمّة، ولكن ينبغي أن يراعى في جواز الاستنابة ضيق الوقت بحيث لا يحتمل تجدّد الاستطاعة، أو القدرة عادة....

ومن الأخبار الواردة في المقام: ما رواه ثقة الإسلام في «الكافي» في الصحيح عن سعد بن أبي خلف قال سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميّت قال: «نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه فإن كان ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتّى يحجّ من ماله».(1) الحديث وغير ذلك من الروايات».(2)


1- الكافي 4: 305/ 2؛ وسائل الشيعة 11: 172، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 5، الحديث 1 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 240- 241 ..

ص: 121

(مسألة 2): يشترط في المنوب عنه الإسلام، فلا يصحّ من الكافر. نعم، لو فرض انتفاعه به بنحو إهداء الثواب، فلا يبعد جواز الاستئجار لذلك. ولو مات مستطيعاً لا يجب على وارثه المسلم الاستئجار عنه. ويشترط كونه ميّتاً أو حيّاً عاجزاً في الحجّ الواجب. ولا يشترط فيه البلوغ والعقل، فلو استقرّ على المجنون حال إفاقته ثمّ مات مجنوناً يجب الاستئجار عنه، ولا المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الذكورة والانوثة، وتصحّ استنابة الصرورة؛ رجلًا كان أو امرأة عن رجل أو امرأة.

اعتبار الإسلام في المنوب عنه

بيانه- قال في «الجواهر»: «لا تجوز نيابة المسلم عن الكافر لما عرفت من عدم انتفاع الكافر من ذلك واختصاص جزائه في الآخرة بالخزي والعقاب، والنهي عن الاستغفار له(1) والموادّة لمن حادّ اللَّه تعالى،(2) واحتمال انتفاعه بالتخفيف عنه ونحوه يدفعه لزوم الثواب الذي هو دخول الجنّة ونحوه، لصحّة العمل ولو من حيث الوعد بذلك لا التخفيف ونحوه، مع إمكان قابليته له أيضاً في عالم الآخرة، كما يؤمي إليه نصوص تعجيل جزاء بعض أعماله في الدنيا التي هي جنّته،(3) وما في بعض النصوص- من انتفاع الميّت بما يفعل عنه من الخير، حتّى أنّه يكون مسخوطاً فيغفر له، أو يكون مضيّقاً عليه


1- التوبة( 9): 81 و 85 ..
2- مجادلة( 58): 22 ..
3- بحار الأنوار 67: 233/ 48 و 242/ 77 ..

ص: 122

فيوسّع عليه-(1) في غيره من المؤمنين.

نعم، في بعضها أنّه إن كان ناصباً نفعه ذلك بالتخفيف عنه(2) إلّاأنّه مع اشتماله على الناصب معارض بغيره، ممّا دلّ كتاباً وسنّة على عدم نفعه؛ أي المخالف وأ نّه ما له في الآخرة من نصيب،(3) وأ نّه يجعل اللَّه أعماله هباءً منثوراً،(4) وأ نّهم أشدّ من الكفّار ناراً، وكذا احتمال كون الحجّ عنه مع فرض استطاعته له وتقصيره فيه من الواجبات المالية؛ لأنّه كالدّين، فيتعلّق بماله بعد موته، ويؤدّى عنه وإن لم ينتفع به، كالزكاة والخمس، فينوي القربة مباشر الفعل؛ من حيث مباشرته، نحو ما سمعته في الزكاة مدفوع بمنع كون الحجّ كذلك، وإن ورد فيه أ نّه كالدين، وقلنا بخروجه من أصل المال، لكنّه في سياق غير ذلك».(5)

وفي «الحدائق»: «ومنها: الإسلام، فلا تصحّ نيابة الكافر؛ لأنّه عاجز عن نيّة القربة التي هي شرط في صحّة العمل المستأجر عليه، قالوا: وكذا هذا الشرط في المنوب عنه، فليس للمسلم أن يحجّ عن الكافر؛ لقوله عزّ وجلّ: مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِى قُرْبى(6) ولأ نّه في الآخرة مستحقّ للخزي والعقاب لا للأجر والثواب وهما من لوازم صحّة الفعل».(7)


1- وسائل الشيعة 2: 443، كتاب الطهارة، أبواب الاحتضار، الباب 28 ..
2- وسائل الشيعة 8: 278، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 8 ..
3- الشورى( 42): 20 ..
4- الفرقان( 25): 23 ..
5- جواهر الكلام 17: 357- 358 ..
6- التوبة( 9): 113 ..
7- الحدائق الناضرة 14: 239 ..

ص: 123

وفيه أيضاً: «نعم، قد ذكر الشيخان- رضوان اللَّه عليهما- وأتباعهما جواز النيابة عن الأب خاصّة متى كان مخالفاً؛ لصحيحة وهب بن عبد ربّه المروية في «الكافي» قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: أيحجّ الرجل عن الناصب؟ فقال: «لا»، قلت: فإن كان أبي؟ قال: «إن كان أباك فنعم».(1) ورواه الصدوق مثله إلّاأنّ فيه إن كان أباك فحجّ عنه.(2)

ومنع ابن إدريس من جواز النيابة عن الأب(3) أيضاً، ومال العلّامة في «المختلف» إلى جواز النيابة عن المخالف مطلقاً، قريباً كان أو بعيداً، ومنع من النيابة عن الناصب مطلقاً قال: ونعني بالناصب من يظهر العداوة لأهل البيت عليهم السلام، كالخوارج ومن ماثلهم، أباً كان أو غير أب،(4) ... ونحوه ما قدّمنا نقله من «التذكرة» وقال في «الدروس»: «الأقرب اختصاص المنع بالناصب»، ويستثنى الأب.(5)

وقال العلّامة في «المختلف»- بعد اختياره القول الذي ذكرناه-: «لنا على الحكم الأوّل أنّ المنوب ممّن تصحّ منه العبادة مباشرة، فتصحّ منه العبادة منه تسبيباً؛ لأنّ الفعل ممّا تدخله النيابة، ولأنّ عباداته تقع صحيحة، ولهذا لا تجب عليه إعادتها إلّاالزكاة مع استقامته فيصحّ الحجّ عنه. وأمّا الناصب، فلأ نّه لما جحد ما علم ثبوته من الدّين ضرورة حكم بكفره، فلا تصحّ النيابة عنه... إلى أن قال: فنقول: المراد بالناصب إن كان هو المخالف مطلقاً ثبت ما قاله الشيخ، وإن


1- الكافي 4: 309/ 1؛ وسائل الشيعة 11: 192، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 20، الحديث 1 ..
2- الفقيه 2: 262/ 1273 ..
3- السرائر 1: 632 ..
4- مختلف الشيعة 4: 329، المسألة 271 ..
5- الدروس الشرعية 1: 319 ..

ص: 124

كان هو المعلن بالعدواة والشنآن لم يبق فرق بين الأب وغيره، ولو قيل بقول الشيخ كان قويّاً(1) انتهى».(2)

قوله قدس سره: «ولا المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الذكورة والانوثة...».

أقول: من غير فرق في ذلك بين الرجل والمرأة على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، فيجوز أن تحجّ المرأة عن الرجل والمرأة وبالعكس؛ لإطلاق دليل النيابة وخصوص الامرأة.

قال الصادق عليه السلام في صحيح رفاعة: المرأة تحجّ عن أخيها واختها وقال:

تحجّ عن أبيها(3) وسأله معاوية بن عمّار أيضاً عن الرجل يحجّ عن المرأة والمرأة تحجّ عن الرجل. فقال: «لا بأس»(4) إلى غير ذلك؛ خلافاً لما عن «النهاية» و «التهذيب» و «المبسوط» و «المهذب» من عدم جواز حجّ المرأة الصرورة عن غيرها، و «الاستبصار» من عدم جوازه عن الرجال، ولعلّ الأوّل لخبر سليمان بن جعفر سألت الرضا عليه السلام عن امرأة صرورة حجّت عن امرأة صرورة قال: «لا ينبغي»(5) بناءً على إرادة الحرمة منه كما في «الحدائق»(6) والثاني لخبر شحّام عن الصادق عليه السلام سمعته يقول: «يحجّ الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة ولا تحجّ المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة»،(7) وخبر


1- مختلف الشيعة 4: 329، المسألة 271 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 244- 245 ..
3- وسائل الشيعة 11: 177، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 8، الحديث 5 ..
4- وسائل الشيعة 11: 176، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 8، الحديث 2 ..
5- وسائل الشيعة 11: 179، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 9، الحديث 3 ..
6- الحدائق الناضرة 14: 253 ..
7- وسائل الشيعة 11: 178، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 9، الحديث 1 ..

ص: 125

(مسألة 3): يشترط في صحّة الحجّ النيابي قصد النيابة وتعيين المنوب عنه في النيّة ولو إجمالًا، لا ذكر اسمه وإن كان مستحبّاً في جميع المواطن والمواقف.

وتصحّ النيابة بالجُعالة كما تصحّ بالإجارة والتبرّع.

مصادف سألت أبا عبداللَّه عليه السلام: أتحجّ المرأة عن الرجل؟ قال: «نعم، إذا كانت فقيهة مسلمة وكانت قد حجّت ربّ امرأة خير من رجل».(1)

وموثّق عبيد بن زرارة قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: الرجل الصرورة يوصي أن يحجّ عنه هل تجزئ عنه امرأة؟ قال: «لا»، كيف تجزئ امرأة وشهادته شهادتان؟ قال: «إنّما ينبغي أن تحجّ المرأة عن المرأة والرجل عن الرجل» وقال: «لا بأس أن يحجّ الرجل عن المرأة».(2) وفيه: منع إرادة الحرمة من «لا ينبغي» خصوصاً في المقام الذي قد عرفت قوّة دليله من النصوص المنجبرة بالعمل على وجه يقصر غيرها عن معارضتها سنداً ودلالة فالمتّجه حينئذٍ حمله على الكراهة؛ لمكان كونها صرورة واللَّه العالم بعواقب الامور.

يعتبر في النيابة قصدها وتعيين المنوب عنه

بيانه- قال في الحدائق: «المقطوع به في كلام الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- أنّه لا بدّ من تعيين المنوب عنه قصداً في موضع يفتقر إلى النيّة؛ لتوقّف حقيقة النيابة على ذلك ولا يجب التلفّظ باللسان؛ لخروجه عن معنى النيّة وإن


1- وسائل الشيعة 11: 177، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 8، الحديث 7 ..
2- وسائل الشيعة 11: 179، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 9، الحديث 2 ..

ص: 126

اعتقده الجهّال نيّة.

ويدلّ على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن البزنطي قال: سأل رجل أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الرجل يحجّ عن الرجل يسمّيه باسمه؟ قال: «اللَّه لا يخفى عليه خافية»(1)».(2)

وقال في «الجواهر»: «ويستحبّ أن يذكر النائب من ينوب عنه باسمه في المواطن، وعند كلّ فعل من افعال الحجّ والعمرة، خصوصاً عند ذبح الأضحية؛ لصحيح ابن مسلم سأل أبا جعفر عليه السلام ما يجب على الذي يحجّ عن الرجل؟ قال: «يسمّيه في المواطن والمواقف».(3) والمراد منه تأكّد الندب، لعدم الوجوب اتّفاقاً محكياً في «كشف اللثام» إن لم يكن محصّلًا.

وتقدّم في صحيح البزنطي وخبر مثنّى بن عبد السلام عن الصادق عليه السلام في الرجل يحجّ عن الإنسان بذكره في جميع المواطن كلّها؟ فقال: «إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل اللَّه يعلم أنّه قد حجّ عنه ولكن يذكره عند الأضحية إذا ذبحها»(4) بل لا يبعد عدم وجوب نيّة أصل النيابة في الحجّ والعمرة إلّاعند الإحرام لهما، فلا يجب تجديدها عند الطواف والوقوف والسعي وغيرها من الأفعال، وإن أوجبنا نيّة القربة فيها، إلّاأنّها مع ذلك أجزأ للحجّ أو العمرة التي فرض نيّة النيابة في ابتدائهما، فتكفي حينئذٍ في كلّ مركّب بل لا يبعد الاجتزاء بها في حجّ التمتّع عند إحرام العمرة خاصّة فلا تجدّد عند إحرام الحجّ حينئذٍ فضلًا عن أفعاله وأفعال العمرة التي أدخلها اللَّه في حجّ التمتّع وجعلها من أجزائه،


1- وسائل الشيعة 11: 188، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 16، الحديث 5 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 250 ..
3- وسائل الشيعة 11: 187، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 16، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 11: 188، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 16، الحديث 4 ..

ص: 127

(مسألة 5): لو مات الأجير بعد الإحرام ودخول الحرم، يستحقّ تمام الاجرة إن كان أجيراً على تفريغ الذمّة كيف كان، وبالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيراً على نفس الأعمال المخصوصة ولم تكن المقدّمات داخلة في الإجارة، ولم يستحقّ شيئاً حينئذٍ إذا مات قبل الإحرام. وأمّا الإحرام فمع عدم الاستثناء داخل في العمل المستأجر عليه، والذهاب إلى مكّة بعد الإحرام وإلى منى وعرفات غير داخل فيه، ولا يستحقّ به شيئاً، ولو كان المشي والمقدّمات داخلًا في الإجارة، فيستحقّ بالنسبة إليه مطلقاً ولو كان مطلوباً من باب المقدّمة. هذا مع التصريح بكيفية الإجارة، ومع الإطلاق كذلك أيضاً. كما أنّه معه يستحقّ تمام الاجرة لو أتى بالمصداق الصحيح العرفي؛ ولو كان فيه نقص ممّا لا يضرّ بالاسم. نعم، لو كان النقص شيئاً يجب قضاؤه فالظاهر أنّه عليه لا على المستأجر.

هذا ولكنّ الاحتياط في جميع ذلك لا ينبغي تركه».(1)

قوله قدس سره: «وتصحّ النيابة بالجُعالة كما تصحّ بالإجارة والتبرّع».

قال العلّامة في «القواعد»: «لو عقد بعقد بصيغة الجعالة، ك «من حجّ عنّي، فله كذا» صحّ وليس للأجير زيادة، ولو قال: «حجّ عنّي بما شئت» فله اجرة المثل، ولو قال: «حجّ عنّي أو اعتمر بمئة» صحّ جعالة».(2)

حكم موت النائب قبل الإتيان النسك

بيانه- قال في «الحدائق»: «قد صرّح الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- بأنّ


1- جواهر الكلام 17: 395- 396 ..
2- قواعد الأحكام 1: 413 ..

ص: 128

من استؤجر ومات في الطريق، فإن أحرم ودخل الحرم فقد أجزأت عمّن حجّ عنه واستحقّ الاجرة كملًا، ولو مات قبل ذلك ولو بعد الإحرام لم يجز عند الأكثر، قالوا: ويجب على الأجير إعادة ما قابل المتخلّف من الطريق ذاهباً وآئباً.

وهذا الكلام ينحلّ إلى مسألتين يجب تحقيق كلّ منهما على حدة:

الاولى: أنّ النائب إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم، فقد أجزأت حجّته عمّن حجّ عنه بلا خلاف، وإنّما الخلاف فيما إذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم، فذهب الشيخ في «الخلاف» وابن إدريس إلى أنّ حكمه كالأوّل من غير فرق، ولم نقف لهم على دليل، كما تقدّمت الإشارة إليها في المسألة الاولى من المسائل الملحقة بالشروط. وأمّا ما ذكره الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- فاحتجّ عليه في «المدارك» بالإجماع وبرواية بريد ورواية ضريس المتقدّمتين(1) ثمّ قال لا يقال: إنّ الروايتين مختصّتان بمن حجّ عن نفسه فلا يتناولان حجّ النائب؛ لأنّه إذا ثبت ذلك في حقّ الحاجّ ثبت في نائبه؛ لأنّ فعله، كفعل المنوب عنه(2) انتهى. ولا يخفى ما فيه من الوهن، وهل هو إلّامصادرة؟ مع أنّه لا يخرج عن القياس. ويأتي مقتضى كلامه هنا من أنّه يجب أن يكون فعله كفعله أنّ الحاجّ من استطاع في بلده ووجب عليه من بلده، فإذا مات يجب أن يحجّ عنه النائب من البلد؛ لأنّ فعله كفعله، وهو لا يقول به، بل يوجب الاستئجار من الميقات.


1- وسائل الشيعة 11: 68، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 26، الحديث 1 و 2 ..
2- مدارك الأحكام 7: 118 ..

ص: 129

وبالجملة، فكلامه هنا في البطلان أوضح من أن يحتاج إلى البيان».(1)

وقال في «الجواهر»: «وكيف كان من استؤجر مثلًا ومات في الطريق، فإن أحرم ودخل الحرم، فقد اجزأت عمّن حجّ عنه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه؛ لما سمعته سابقاً من الخبرين الذين وإن كان موردهما الحجّ عن نفسه، إلّاأنّ الظاهر ولو بمعونة فهم الأصحاب كون ذلك كيفية خاصّة في الحجّ نفسه؛ سواء كان عن نفسه أو عن الغير وسواء كان واجباً بالنذر أو غيره، فالمناقشة في ذلك من بعض متأخّري المتأخّرين في غير محلّها».(2)

وقال في «الحدائق»: المسألة الثانية: «قد صرّح الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- بأنّ النائب إذا مات قبل الإحرام ودخول الحرم وجب أن يعاد من الاجرة ما قابل المتخلّف من الطريق ذاهباً وعائداً، وقد صرّح العلّامة وغيره بأنّ النائب إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم استحقّ جميع الاجرة؛ لأنّه فعل ما أبرء ذمّة المنوب عنه، فكان كما لو أكمل الحجّ».(3)

قال في «المدارك» بعد نقل ذلك: «وكلا الحكمين يحتاج إلى التقييد، أمّا الثاني: فلأ نّه إنّما يتمّ إذا تعلّق الاستئجار بالحجّ المبرئ للذمّة، أمّا لو تعلّق بالأفعال المخصوصة لم يتوجّه استحقاقه لجميع الاجرة، وإن كان ما أتى به مبرءاً للذمّة؛ لعدم الإتيان بالفعل المستأجر عليه، وأمّا الأوّل: فلأ نّه إنّما يستقيم إذا تعلّق الاستئجار بمجموع الحجّ مع الذهاب والإياب، وهو غير متعيّن؛ لأنّ الحجّ اسم للمناسك المخصوصة والذهاب والعود خارجان عن حقيقته، وإنّما


1- الحدائق الناضرة 14: 254 ..
2- جواهر الكلام 17: 366 ..
3- راجع: منتهى المطلب 13: 122؛ مسالك الأفهام 2: 169 ..

ص: 130

كان الإتيان به متوقّفاً على الذهاب، لكن يجوز الاستئجار عليهما؛ لأنّهما عملان محلّلان مقصودان»(1) انتهى».(2)

وفي «وسائل الشيعة»: أنّ من وجب عليه الحجّ فمات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عنه، وإن مات قبل ذلك وجب أن تقضى حجّة الإسلام عنه من أصل المال، ولا يجب قضاء التطوّع؛ قال محمّد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن ضريس عن أبي جعفر عليه السلام قال في رجل خرج حاجّاً حجّة الإسلام فمات في الطريق فقال: «إن مات في الحرم فقد اجزأت عنه حجّة الإسلام وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجّة الإسلام».(3) وعن محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد في «المقنعة» مرسلًا قال: قال الصادق عليه السلام: «من خرج حاجّاً فمات في الطريق فإنّه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة فإن مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحجّ وليقض عنه وليّه».(4)

وفي «الجواهر»: «فلا إشكال في المسألة من هذه الجهة، كما أنّه لا إشكال في عدم استحقاق المستأجر ردّ ما قابل المتخلّف من الاجرة بعد الإجماع المحكيّ عن جماعة على ذلك ونفي الخلاف عن آخر بل نسبه بعضهم إلى دلالة النصوص أيضاً... وعلى كلّ حالٍ فلا إشكال، بل ينبغي القطع بعدم التوزيع مع التصريح بإرادة نفس العمل على وجه لا يستحقّ الأجير على مقدّمات العمل


1- مدارك الأحكام 7: 119 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 260- 261 ..
3- وسائل الشيعة 11: 68، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 26، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 11: 69، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 26، الحديث 4 ..

ص: 131

(مسألة 6): لو مات قبل الإحرام تنفسخ الإجارة؛ إن كانت للحجّ في سنة معيّنة مباشرة، أو الأعمّ مع عدم إمكان إتيانه في هذه السنة. ولو كانت مطلقة، أو الأعمّ من المباشرة في هذه السنة، ويمكن الإحجاج فيها، يجب الإحجاج من تركته، وليس هو مستحقّاً لشي ء على التقديرين لو كانت الإجارة على نفس الأعمال فيما فعل.

شيئاً إذا فرض صحّة نحو ذلك.

وإنّما الإشكال فيما لو أطلق الإجارة على الحجّ، فهل يدخل فيها قطع المسافة ذهاباً وإياباً على وجه يقتضي التوزيع والتقسيط أو لا يدخل؟ وإنّما يراد نفس العمل فلا يستحقّ المقدّمات حينئذٍ شيئاً، نعم، يختصّ التوزيع على فعل بعض العمل، كما لو أحرم مثلًا ومات قبل دخول الحرم. خيرة جماعة منهم الأوّل وآخرين الثاني.

والتحقيق أنّ المقدّمات ملحوظة، لكن في زيادة قيمة العمل نحو ملاحظة الأوصاف في المبيع لا جهة التوزيع في الاجرة والثمن، فإذا فرض وقوع بعض العمل لوحظت قيمة ذلك البعض على وجه يحتاج إلى تلك المقدّمة، فالتوزيع حينئذٍ بهذا المعنى في محلّه، وأمّا لو فرض وقوع المقدّمات خاصّة، فقد يتجّه استحقاق أجرة المثل فيها؛ لاحترام عمل المسلم الذي لم يقصد التبرّع به، بل وقع مقدّمة للوفاء بالعمل المستأجر عليه».(1)

بيانه- قال في «المدارك»: «أنّ النائب إذا مات قبل الإحرام أو دخول الحرم وجب أن يعاد من الاجرة ما قابل المتخلّف من الطريق ذاهباً وعائداً، وصرّح


1- جواهر الكلام 17: 367- 370 ..

ص: 132

العلّامة وغيره بأنّ النائب إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم، استحقّ جميع الاجرة؛ لأنّه فعل ما أبرء ذمّة المنوب عنه، فكان كما لو أكمل الحجّ، وهو الظاهر من عبارة المصنّف؛ حيث خصّ الإعادة بما إذا حصل الموت قبل دخول الحرم، وكلا الحكمين محتاج إلى التقييد. أمّا الثاني، فلأ نّه، إنّما يتمّ إذا تعلّق الاستئجار بالحجّ المبرء للذمّة، أمّا لو تعلّق بالأفعال المخصوصة لم يتوجّه استحقاقه لجميع الاجرة، وإن كان ما أتى به مبرئاً للذمّة؛ لعدم الإتيان بالفعل المستأجر عليه، وأمّا الأوّل فلأ نّه، إنّما يستقيم إذا تعلّق الاستئجار بمجموع الحجّ مع الذهاب والإياب، وهو غير متعيّن؛ لأنّ الحجّ اسم للمناسك المخصوصة، والذهاب والعود خارجان عن حقيقته، وإنّما كان الإتيان به موقوفاً على الذهاب، ولكن يجوز الاستئجار عليهما وعلى أحدهما؛ لأنّهما عملان محلّلان مقصودان.

وكيف كان، فمتى أتى الأجير ببعض ما استؤجر عليه استحقّ من الاجرة بتلك النسبة إلى المجموع، وعلى هذا، فإن تعلّق الاستئجار بالحجّ خاصّة لم يستحقّ الأجير مع موته قبل الإحرام شيئاً من الاجرة، لخروجه عن العمل المستأجر عليه، وإن كان من مقدّماته؛ لأنّ الاجرة إنّما توزع على أجزاء العمل المستأجر عليه، لا على ما يتوقّف عليه من الأفعال الخارجة عنه، ولو مات بعد الإحرام استحقّ بنسبة ما فعل إلى الجملة، ولو تعلّق الاستئجار بقطع المسافة ذاهباً وعائداً أو الحجّ وزّعت الاجرة على الجميع واستحقّ الأجير مع الإتيان بالبعض بنسبة ما عمل ولو استؤجر على قطع المسافة ذاهباً والحجّ وزّعت الاجرة عليهما خاصّة، وذلك كلّه واضح موافق للقواعد المقرّرة.

ومتى مات الأجير قبل إكمال العمل المستأجر عليه، أو ما يقوم مقامه بطلت الإجارة إن كان المطلوب عمل الأجير بنفسه، كما هو المتعارف في أجير الحجّ

ص: 133

(مسألة 7): يجب في الإجارة تعيين نوع الحجّ فيما إذا كان التخيير بين الأنواع، كالمستحبّي والمنذور المطلق مثلًا، ولا يجوز على الأحوط العدول إلى غيره وإن كان أفضل إلّاإذا أذن المستأجر، ولو كان ما عليه نوعاً خاصّاً لا ينفع الإذن بالعدول. ولو عدل مع الإذن يستحقّ الاجرة المسمّاة في الصورة الاولى، واجرة مثل عمله في الثانية إن كان العدول بأمره. ولو عدل في الصورة الاولى بدون الرضا صحّ عن المنوب عنه، والأحوط التخلّص بالتصالح في وجه الإجارة إذا كان التعيين على وجه القيدية، ولو كان على وجه الشرطية فيستحقّ إلّاإذا فسخ المستأجر الإجارة، فيستحقّ اجرة المثل لا المسمّاة.

والصلاة ورجع الحال إلى ما كان عليه، فإن كانت الحجّة عن ميّت تعلّق بماله وكلّف بها وصيّه أو الحاكم أو بعض ثقات المؤمنين، وإن كانت عن حيّ عاجز تعلّق الوجوب به، ولو كانت الإجارة مطلقة، بأن كان المطلوب تحصيل العمل المستأجر عليه بنفسه أو بغيره لم يبطل بالموت، ووجب على وصيّه أن يستأجر من ماله من يحجّ عن المستأجر من موضع الموت خاصّة، إلّاأن يكون بعد الإحرام، فيجب من الميقات».(1)

لزوم تعيين نوع الحجّ المستأجر عليه

بيانه- قال في «المدارك»: «أنّ أنواع الحجّ ثلاثة: تمتّع وإفراد وقران، ومقتضى قواعد الإجارة أنّه يعتبر في صحّة الإجارة على الحجّ تعيين النوع الذي يريده المستأجر؛ لاختلافها في الكيفية والأحكام، وإنّ الأجير متى شرط


1- مدارك الأحكام 7: 119- 120 ..

ص: 134

عليه نوع معيّن وجب عليه الإتيان به؛ لأنّ الإجارة إنّما تعلّق الإجارة بذلك المعيّن، فلا يكون الآتى بغيره آتياً بما استؤجر عليه سواء كان أفضل ممّا استؤجر عليه، أم لا.

ويؤيّد ذلك ما رواه الشيخ في الحسن، عن الحسن بن محبوب، عن علي- والظاهر أنّه ابن رئاب-: في رجل أعطى رجلًا دراهم يحجّ بها حجّة مفردة قال: «ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ لا يخالف صاحب الدراهم».(1)

ورواية التي أشار إليها المصنّف قدس سره رواها الشيخ عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام: في رجل أعطى رجلًا دراهم يحجّ عنه حجّة مفردة أيجوز له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ قال: «نعم، إنّما خالف إلى الفضل»(2) وهي ضعيفة السند؛ باشتراك الراوي بين الثقة والضعيف، وبمضمونها أفتى الشيخ وجماعة»(3) فاعلم.

وقال في «الحدائق»: «أنّ الشيخ رضى الله عنه في جملة من كتبه قد صرّح بأ نّه لو استأجره للتمتّع فقرن أو أفرد، لم يجزئ عنه ولو استأجره للإفراد، فتمتّع أجزأه، وفي «المبسوط»: ولو استأجره للقران فتمتّع أجزأه.

وقال ابن إدريس: «هكذا رواية أصحابنا وفتياهم». وتحقيق ذلك أنّ من كان فرضه التمتّع، فحجّ عنه قارناً أو مفرداً، فإنّه لا يجزئه، ومن كان فرضه القران أو الإفراد فحجّ عنه متمتّعاً، فإنّه لا يجزأه، إلّاأن يكون المستنيب قد حجّ حجّة


1- تهذيب الأحكام 5: 415/ 1449؛ وسائل الشيعة 11: 182، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 12، الحديث 2 ..
2- تهذيب الأحكام 5: 415/ 1447؛ وسائل الشيعة 11: 182، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 12، الحديث 1 ..
3- مدارك الأحكام 7: 120- 121 ..

ص: 135

الإسلام، فحينئذٍ يصحّ إطلاق القول والعمل بالرواية، ويدلّ على هذا التحرير قولهم؛ لأنّه يعدل إلى الأفضل، فلو لم يكن المستنيب قد حجّ حجّة الإسلام بحسب حاله وفرضه وتكليفه؛ لما كان التمتّع أفضل... ولا يخفى على المتأمّل بعين الإنصاف رواية أبي بصير في هذه المسألة أقوى وأثبت من رواية علي بن رئاب.

أمّا أوّلًا: فلأنّ في طريق رواية علي الهيثم بن أبي مسروق النهدي والمنقول عن النجاشي في وصفه أنّه قريب الأمر وعن الكشي عن حمدويه أنّه قال لأبي مسروق: ابن يقال له: الهيثم، سمعت أصحابي يذكرونهما كلاهما فاضلان، وهو قد طعن في مواضع من شرحه في رواية النهدي المذكور، وكتب في حواشيه على الخلاصة ما صورته: «هذا مدح لا يعتدّ به حتّى يدخله في الحسن».

وأمّا ثانياً: فلأنّ الرواية مقطوعة غير مستندة إلى إمام مع ما في علي المروي عنه هذا الحكم من تعدّد الاحتمال، وإن استظهر كونه ابن رئاب، إلّاأنّه غير متعيّن ولا متيقّن، فكيف يعتمدها ويعدّها في الحسن....

وأمّا ثالثاً: فإنّ رواية علي هذه لم يروها إلّاالشيخ في «التهذيب» ورواية أبي بصير قد رواها المشايخ الثلاثة بأسانيدهم الصحيحة إلى أبي بصير... والمستفاد من تتبّع الأخبار جلالة الرجل المذكور عند الأئمّة عليهم السلام، ولهذا أنّ الفاضل الخراساني يعدّ حديثه في الصحيح حيثما ذكره... قال في «المدارك»: ومتى جاز العدول استحقّ الأجير تمام الاجرة، ومع عدمه يقع الفعل عن المنوب عنه، ولا يستحقّ الأجير شيئاً، وقد صرّح بذلك جماعة منهم المحقّق في «المعتبر»، فقال: والذى يناسب مذهبنا أنّ المستأجر إذا لم يعلم منه التخيير، وعلم منه إرادة التعيين يكون الأجير متبرّعاً بفعل ذلك النوع ويكون للمنوب عنه بنيّة النائب ولا

ص: 136

(مسألة 8): لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق وإن كان في الحجّ البلدي، لكن لو عيّن لا يجوز العدول عنه إلّامع إحراز أنّه لا غرض له في الخصوصية، وإنّما ذكرها على المتعارف وهو راضٍ به، فحينئذٍ لو عدل يستحقّ تمام الاجرة، وكذا لو أسقط حقّ التعيين بعد العقد. ولو كان الطريق المعيّن معتبراً في الإجارة فعدل عنه، صحّ الحجّ عن المنوب عنه، وبرئت ذمّته إذا لم يكن ما عليه مقيّداً بخصوصية الطريق المعيّن، ولا يستحقّ الأجير شيئاً لو كان اعتباره على وجه القيدية؛ بمعنى أنّ الحجّ المتقيّد بالطريق الخاصّ كان مورداً للإجارة، ويستحقّ من المسمّى بالنسبة، ويسقط منه بمقدار المخالفة؛ إذا كان الطريق معتبراً في الإجارة على وجه الجزئية.

يستحقّ أجراً، كما لو عمل في ماله عملًا بغير إذنه، أمّا في الحال التي يعلم أنّ قصد المستأجر تحصيل الأجر، لا حجّاً معيّناً، فإنّه يستحقّ الأجر؛ لأنّه معلوم من قصده، فكان كالمنطوق» انتهى.(1)

تعيين الطريق في الحجّ المستأجر عليه

بيانه- قال في «الحدائق»: «ما لو شرط عليه الحجّ على طريق مخصوص، فهل يجوز له المخالفة أم لا؟ أقوال:

أحدها: جواز العدول مطلقاً، وهو المنقول عن الشيخ والمفيد في «المقنعة»، وظاهر الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» والعلّامة في «الإرشاد».

وثانيها: أنّه لا يجوز له العدول مع تعلّق الغرض بتلك الطريقة المعيّنة، وهو


1- الحدائق الناضرة 14: 266- 269 ..

ص: 137

اختيار المحقّق في «الشرائع»، بل الظاهر أنّه المشهور بين المتأخّرين.

وثالثها: أنّه لا يجوز العدول، إلّامع العلم بانتفاء الغرض، قال في «المدارك»- بعد نقل القول الأوّل عن الشيخ في جملة من كتبه والمفيد في «المقنعة»-:

«والأصحّ ما ذهب إليه المحقّق من عدم جواز العدول مع تعلّق الغرض بذلك الطريق المعيّن، بل الأظهر عدم جواز العدول إلّامع العلم بانتفاء الغرض في ذلك الطريق، وأ نّه هو وغيره سواء عند المستأجر، ومع ذلك، فالأولى وجوب الوفاء بالشرط مطلقاً».(1)

استدلّ الشيخ قدس سره على ما ذهب إليه بما رواه في الصحيح عن حريز بن عبداللَّه قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل أعطى رجلًا حجّة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة قال: «لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه».(2) وروى الصدوق هذه الرواية في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن حريز، عن أبي عبداللَّه عليه السلام... الحديث. وفيه: «لا بأس إذا قضى جميع مناسكه فقد تمّ حجّه»،(3) والرواية كما ترى صحيحة ظاهرة، بل صريحة في ما ادّعاه، ولا معارض لها في الباب، إلّامخالفة قواعد الإجارة، فلهذا اضطربوا في الجواب عنها، قال في «المدارك»- بعد نقلها؛ دليلًا للشيخ: وهي لا تدلّ صريحاً على جواز المخالفة؛ لاحتمال أن يكون قوله من الكوفة صفة ل «رجل» لا صلة ل «يحجّ»»،(4) ولا يخفى ما فيه


1- مدارك الأحكام 7: 123 ..
2- وسائل الشيعة 11: 181، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 11، الحديث 1 ..
3- الفقيه 2: 261/ 1271 ..
4- مدارك الأحكام 7: 123 ..

ص: 138

من التعسّف والبعد الذي لا يخفى على المنصف.

قال في «الذخيرة»: «والرواية غير مصرّحة بالدلالة على مدّعاه؛ لجواز أن يكون قوله: من الكوفة متعلّقاً بقوله: أعطى لا بقوله: يحجّ عنه(1) وهو أشدّ تعسّفاً وبعداً، وبذلك اعترف قائله فقال على إثر كلامه المذكور: «لكنّ الأظهر تعلّقه به»، ثمّ نقل احتمال صاحب «المدارك»، واعترف بأ نّه بعيد.(2)

وفي «الجواهر»: «وفي محكيّ «النهاية» و «المهذّب» و «السرائر»: جواز العدول من طريق استؤجر ليحجّ عنه، وعن الجامع نفي البأس عنه، إلّاأنّ الجميع كماترى، ولا ظهور في الصحيح المزبور في جواز المخالفة حتّى مع الغرض، وإنّما دلّ على صحّة الحجّ وأنّ هذه المخالفة لا تفسده، وهو المراد بنفي البأس، وذلك غير محلّ البحث، بل في «كشف اللثام» ظاهره عدم تعلّق الغرض بالطريق. وفي محكيّ «التذكرة»: الأقرب أنّ الرواية إنّما تضمّنت مساواة الطريقين إذا كان الإحرام من ميقات واحد.

وأمّا اختلاف الميقاتين، فالأقرب المنع، والاختلاف قرباً وبعداً، واختلاف الأغراض، وتفاوت الأجر بسبب تفاوتهما، بل في «المدارك» و «كشف اللثام»:

احتمال أنّ الكوفة صفة لرجل لا صلة ليحجّ، بل لعلّ المتّجه للعموم المذكور عدم جواز العدول، إلّامع العلم بانتفاء الغرض، بل في «المدارك»: «الأولى وجوب الوفاء بالشرط مطلقاً» وإن كان قد يناقش بأنّ المراد بعدم الغرض الكناية عن عدم إرادة الإلزام بما ذكر من الشرط، وإنّما المراد هو أو غيره، فهو


1- ذخيرة المعاد 3: 569 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 269- 271 ..

ص: 139

كالإجارة المطلقة التي لم يذكر فيها اشتراط طريق، ولا ريب في تخيير الأجير، حينئذٍ، كما أنّه لا إشكال، بل ولا خلاف في صحّة الحجّ من حيث أنّه حجّ على غير طريق المشترط، وإن استلزم الإحرام من غير ميقاته، بل حتّى لو كان ابتداء الطريق المشترط من ميقات مخصوص، إنّما الكلام في صحّته من حيث الإجارة، وقد قطع المصنّف وغيره على ما اعترف به في «المدارك» بصحّته كذلك؛ لأنّه بعض العمل المستأجر عليه، وقد امتثل بفعله، ولكن أشكله فيها بأنّ المستأجر عليه الحجّ المخصوص، وهو الواقع عقيب قطع المسافة المعيّنة، ولم يحصل الإتيان به...».(1)

وفي «المسالك» في شرح كلام صاحب «الشرائع»: ولو شرط الحجّ على طريق معيّن لم يجز العدول، إن تعلّق بذلك غرض، وقيل يجوز مطلقاً... قال الشهيد: مستند الجواز رواية حريز عن الصادق عليه السلام: والتفصيل أقوى، والرواية لا تنافيه، ولا فرق في الغرض بين كونه دينياً، كمشقّة الطريق وبُعدها، فإنّهما يوجبان زيادة الثواب بسبب زيادة المشقّة، وبعد الإحرام ومروره على مشاهد مشرّفة، كالمدينة إذا شرط عليه زيارتها كلّما وردها، ونحو ذلك، أو دنيوياً، كتجارة. ويرجع في ذلك إلى قرائن الأحوال، وعلى تقدير العدول، فالأقوى صحّة الحجّ مطلقاً؛ لأنّه داخل على كلّ حال، فهو بعض ما استؤجر عليه، ثمّ إن ظهر بين الطريقين تفاوت ردّ من الاجرة ما قابله إن كان نقصه وإن كان زاده استحقّ الجميع وطريق معرفته أن ينظر اجرة المثل لكلّ منهما وينسب التفاوت إلى اجرة المشترط، ويؤخذ من المسمّى بتلك النسبة، كذا فصلّه جماعة، واستقرب في «التذكرة» مع المخالفة فيما تعلّق به الغرض الرجوع إلى اجرة المثل وفساد المسمّى، ويشكل كلّ واحد من القولين.


1- جواهر الكلام 17: 374- 375 ..

ص: 140

(مسألة 9): لو آجر نفسه للحجّ المباشري عن شخص في سنة معيّنة، ثمّ آجر عن آخر فيها مباشرة، بطلت الثانية، ولو لم يشترط فيهما أو في إحداهما المباشرة صحّتا، وكذا مع توسعتهما أو توسعة إحداهما أو إطلاقهما أو إطلاق إحداهما لو لم يكن انصراف منهما إلى التعجيل، ولو اقترنت الإجارتان في وقت واحد بطلتا مع التقييد بزمان واحد ومع قيد المباشرة فيهما.

أمّا الأوّل: فلأنّ الطريق التي استؤجر لسلوكها، وجعل لها حصة من الاجرة، لم يفعل منه شيئاً، والذي فعله من السلوك غير مستأجر عليه، فإدخاله في التقدير، وتقسيط الاجرة عليه غير واضح.

وأمّا الثاني: فلأنّ الحجّ مستأجر عليه على التقديرين؛ لأنّه بعض الجملة المعيّنة، بل هو الركن الأعظم والغرض الأقصى منه وقد فعله، وذلك يقتضي أنّه يستحقّ حصّة من المسمّى، لا اجرة المثل سواء تعلّق الغرض مع ذلك بالطريق أم لا، وحينئذٍ، فالقول بثبوت ما يخصّه من المسمّى خاصّة أوجه إن لم يقع الإجماع على خلافه، وإلّا فقول الجماعة عملًا بالرواية الصحيحة بحسب الإمكان»،(1) واللَّه العالم.

صور تعدّد الإجارة للحجّ في سنة واحدة

بيانه- قال في «الجواهر»: «وإذا استؤجر لمباشرة حجّة في سنة معيّنة لم يجز أن يؤجر نفسه لمباشرة اخرى في تلك السنة قطعاً؛ لعدم القدرة على التسليم؛ فتبطل الثانية، حينئذٍ، ولو فرض اقترانهما بطلتا معاً، بل قد يقال: بكون


1- مسالك الأفهام 2: 172- 173 ..

ص: 141

الحكم كذلك، مع عدم اعتبار المباشرة، فإنّه وإن تمكّن من الإتيان بهما بالاستنابة لكن يعتبر في الإجارة تمكّن الأجير من العمل بنفسه، فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن على إرادة الاستنابة، ففي الفرض لا يجوز الإجارة الثانية للحجّ في تلك السنة، وإن كان المراد بها أو بالاولى أو بهما ما يعمّ الاستنابة.

ولكن قد ذكرنا في كتاب الإجارة احتمال الصحّة، ولو كانت الإجارة الاولى مطلقة، فعن الشيخ إطلاق عدم جواز الإجارة لُاخرى حتّى يأتي بالاولى، وقال المصنّف والفاضل في محكيّ «المنتهى»: يمكن أن يقال بالجواز إن كان لسنة غير الاولى بل عن «المعتبر»: الجزم به، وهو كذلك؛ لإطلاق الأدلّة السالمة عن المعارض، بل في «المدارك»: يحتمل قويّاً جواز الاستئجار للسنة الاولى، إذا كانت الإجارة موسّعة إمّا مع تنصيص الموجر على ذلك، أو القول بعدم اقتضاء الإطلاق التعجيل. قال: «ونقل عن شيخنا الشهيد في بعض تحقيقاته أنّه حكم باقتضاء الإطلاق في كلّ الإجارات التعجيل، فيجب المبادرة بالعمل بحسب الإمكان، ومستنده غير واضح، وهو كذلك أيضاً؛ بناءً على الأصحّ من عدم اقتضاء الأمر الفور، والفرض عدم ظهور في الإجارة بكون قصد المستأجر ذلك، بل إن لم يكن إجماع، فهو في الحجّ كذلك، وإن صرّح باقتضاء الإطلاق التعجيل فيه جماعة.

اللهمّ إلّاأن يفرض اقتضاء التعارف فيه ذلك، ثمّ على تقدير التعجيل المزبور، فالظاهر صحّة الإجارة الثانية المطلقة، مع فرض علم المستأجر الثاني بالإجارة الاولى؛ ضرورة كون المراد به التعجيل بحسب الإمكان، أمّا مع عدم علمه، فالظاهر أنّ له الخيار مع احتمال البطلان، وعن «المنتهى»: القطع بالجواز، مع

ص: 142

إطلاق الإجارتين، وفي «كشف اللثام»، وكأ نّه لدلالة سبق الاولى على تأخير الثانية....

نعم، تنفسخ الإجارة بفوات الزمان الذي عيّن للحجّ فيها؛ سواء كان بتفريط أو لا، خلافاً لأحد وجهي الشافعية؛ بناءً على كونه كتأخير الدين عن محلّه، وله وجه، مع فرض كون التعيين المزبور بعنوان الشرطية، ولكن يثبت الخيار حينئذٍ، ولو قدّمه عن السنة المعيّنة، فعن «التذكرة»: «الأقرب الجواز؛ لأنّه زاد خيراً»، وهو المحكيّ عن الشافعي. وفي «المدارك»: «في الصحّة وجهان: أقربهما ذلك مع العلم بانتفاء الغرض في التعيين». وفيه أنّه يرجع إلى عدم ارادة التعيين من الذكر في العقد، وحينئذٍ لا إشكال في الإجزاء، إنّما الكلام فيما اعتبر فيه التعيين، ولا ريب في عدم الاجتزاء به عن الإجارة، إلّاإذا كان بعنوان الشرطية، لا للتشخيص للعمل».(1) واللَّه العالم.

وفي «الحدائق»: «قد صرّح جملة من الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم-: بأ نّه إذا استؤجر لحجّة لم يجز له أن يؤجر نفسه لُاخرى حتىّ يأتي بالاولى وفصّل آخرون: بأ نّه إذا استؤجر الأجير للحجّ عن غيره، فإمّا أن يعيّن له السنة أم لا، فمع التعيين لا يصحّ له أن يؤجر نفسه للحجّ عن آخر في تلك السنة قطعاً؛ لاستحقاق الأوّل منافعه في تلك السنة؛ لأجل الحجّ، فلا يجوز صرفها إلى غيره، ويجوز أن يستأجر لسنة اخرى غيرها؛ لعدم المنافاة بين الإجارتين، لكن يعتبر في صحّة الإجارة الثانية إذا تعلّقت بسنة متأخّرة عن السنة الاولى كون الحجّ غير واجب فوري، أو تعذّر التعجيل... وأنت خبير بأنّ ما بنوا عليه المسألة هنا من اقتضاء الإطلاق للتعجيل غير واضح المستند، وقد احتجّ المحقّق


1- جواهر الكلام 17: 377- 379 ..

ص: 143

(مسألة 11): لو صدّ الأجير أو احصر كان حكمه كالحاجّ عن نفسه فيما عليه من الأعمال، وتنفسخ الإجارة مع كونها مقيّدة بتلك السنة، ويبقى الحجّ على ذمّته مع الإطلاق، وللمستأجر خيار التخلّف إذا كان اعتبارها على وجه الاشتراط في ضمن العقد، ولا يجزي عن المنوب عنه ولو كان ذلك بعد الإحرام ودخول الحرم، ولو ضمن المؤجر الحجّ في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته، ويستحقّ الاجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال على التفصيل المتقدّم.

الأردبيلي في شرح «الإرشاد» على صحّة هذه الدعوى بأنّ الحجّ فوري، وأنّ مطلق الحجّ يقتضي اتّصال زمان مدّة يستأجر له بزمان العقد، وهذا يقتضي عدم التأخير عن العام الأوّل، ثمّ قال: ولعلّه لا خلاف فيه... وما أطالوا به من الاحتمالات والمناقشات والتفريعات كلّه تطويل بغير طائل فإنّ ما ذكرناه هو مدلول الأخبار التي هي المعتمد في الإيراد والإصدار».(1) واللَّه العالم.

صدّ الأجير أو إحصاره

بيانه- قال في «مجمع البحرين»: المراد بالمصدود من صدّه المشركون، ومنعوه من الحجّ، من أحصره المرض منعه، من السفر أو من حاجة يريدها، ومنه رجل أحصر من الحجّ أي منع بمرض ونحوه، والإحصار عند الإمامية يختصّ بالمرض والصدّ بالعدوّ وما ماثله، وإن اشترك الجميع بالمنع من بلوغ المراد. الحصر الحبس والمنع والحصير السجن والمحبس.(2)


1- الحدائق الناضرة 14: 271- 287 ..
2- مجمع البحرين 1: 523 ..

ص: 144

وقال في «المهذّب البارع» قال طاب ثراه: ولو صدّ قبل الإكمال استعيد من الاجرة بنسبة المتخلّف، ولا يلزم إجابته لو ضمن الحجّ على الأشبه.

أقول: قال الشيخان: إذا صدّ الأجير عن بعض الطريق، كان عليه ممّا أخذ بقدر نصيب ما بقي من الطريق التي تؤدّي فيها الحجّ إلّاأن يضمن العود؛ لأداء ما وجب، وقال المصنّف: لا يجب على المستأجر الإجابة؛ لأنّ العقد تناول إيقاع الحجّ في زمان معيّن ولم يتناول غيره، إلّاأن يتفق الموجر والمستأجر على ذلك.

وفي هذا التعليل على إطلاقه نظر؛ لأنّه خاصّ بما إذا كان العقد واقعاً على سنة بعينها، وحصل له الصدّ فيها وموضع النزاع أعمّ من ذلك، وإن كان الإطلاق يقتضي التعجيل، فلا يقال في التعليل: أنّ العقد تناول إيقاع الحجّ في عام معيّن؛ فإنّه معنى التعيين، ولو لم يحجّ في العام الذي صدّ فيه لم تنفسخ الإجارة، إذا كان العقد مطلقاً، وموضوع البحث أعمّ فالتعليل غير مطابق لموضوع المسألة، بل هو منطبق على تعيين سنة الإيقاع، وليس هو موضوع النزاع.

وحقّق العلّامة رحمه الله، فقال: إن كانت الإجارة في الذمّة وجب على الأجير الإتيان بها مرّة ثانية، ولم يكن للمستأجر فسخ الإجارة وكانت الاجرة بكمالها للأجير. وإن كانت معينّة، فله أن يعود عليه بالمتخلّف، ولا يجب على المستأجر الإجابة في قضاء الحجّ ثانياً، بل له فسخ العقد واستئجار غيره، إلّاأن يجيبه إلى ذلك، هكذا قال في تذكرته.

وفيه نظر من وجهين:

أ) قوله: «إن كانت الإجارة في الذمّة وجب على الأجير الإتيان بها مرّة ثانية». فيه إبهام، والتحقيق أن يقال: الصدّ قبل التلبّس بالإحرام أو بعده، فإن

ص: 145

كان بعده كان له من الاجرة بنسبة ما فعل ولا يجب عليه الحجّ ثانياً. أمّا الأوّل فلأ نّه عمل عملًا محترماً غير متبرّع به فيستدعي عوضاً، وأمّا الثاني فلتعيينها بالشروع فيها، وإن كان قبله، فمذهب العلّامة إلزام الأجير بالحجّ ثانياً، وبقاء العقد على حاله، وإطلاق الأصحاب يقتضي أنّ له بنسبة ما فعل، قال في «الشرائع»: «ولو صدّ قبل الإحرام ودخول الحرم، استعيد الاجرة بنسبة المتخلّف، ولو ضمن الحجّ في المستقبل لم يلزم إجابته وقيل: يلزم»، فجعلها مسألة الخلاف، وقال الشهيد: «إذا أحلّ بالحجّ في المطلقة؛ لعذر يتخيّر كلّ من الموجر والمستأجر في الفسخ في وجه قويّ، ولا لعذر يتخيّر المستأجر خاصّة»، وإطلاق الأصحاب أنّه يملك من الاجرة بنسبة ما عمل في باب الصدّ، وهو يتناول ما قبل الإحرام وبعده والمطلقة والمعيّنة.

ب) قوله: وإن كانت معيّنة لا يجب على المستأجر الإجابة في قضاء الحجّ ثانياً، بل له فسخ العقد وعلى هذا التقدير ينفسخ العقد في نفس الأمر ولا يتوقّف على فسخه.

فالحاصل: أنّ في المسألة ثلاثة أقوال:

أ- وجوب الإجابة قاله الشيخان،

ب- عدمه مطلقاً، قاله المصنّف،

ج- التفصيل الذي قاله العلّامة»(1) انتهى كلامه رفع مقامه.

وفي «الجواهر»: ولو احصر أو صدّ الأجير على الذهاب إلى الحجّ وفعله في سنة معيّنة قبل الإحرام ودخول الحرم استعيد من الاجرة بنسبة المتخلّف بلا إشكال، بل ولا خلاف، إذا لم يضمن الحجّ من قابل؛ لانفساخ العقد واحترام


1- المهذّب البارع 2: 135- 137 ..

ص: 146

ما وقع من العمل وما بقي، فيستحقّ كلّ منهما ما يخصّه من المسمّى، كما في غير المقام، ممّا استؤجر عليه من الأعمال، بل لو ضمن الأجير الحجّ في المستقبل لم يلزم المستأجر إجابته؛ للأصل وغيره خلافاً لما قيل من أنّه يلزم إجابته؛ لوضوح ضعفه، وإن نسب إلى ظاهر «المقنعة» و «النهاية» و «المهذّب»، بل ربّما قيل: إنّه ظاهر «المبسوط» و «السرائر» وغيرهما، ولذا حمله غير واحد على إرادة ما إذا رضي المستأجر بضمان الأجير؛ بمعنى استئجاره ثانياً بالمتخلّف من الاجرة، ولو معاطاة، فإنّه حينئذٍ لا إشكال فيه، كما لا إشكال في استحقاق الحجّ عليه سنة اخرى، لو فرض إطلاق الإجارة؛ ضرورة عدم انفساخها بتعذّر أحد أفرادها، بل الظاهر عدم الخيار لأحدهما في ذلك؛ للأصل وغيره، خلافاً لما عن الشهيد من أنّه يملكانه في وجه قويّ، إلّا أنّه كماترى.

أمّا لو صدّ بعد الإحرام ودخول الحرم أو بعد الإحرام فإنّه وإن كان الحكم فيه كالأوّل أيضاً من انفساخ الإجارة والرجوع بما قابل المتخلّف في المختار، إلّاأنّ فيه خلافاً، فإنّ المحكيّ عن «الخلاف» أنّ الإحصار بعد الإحرام كالموت بعده؛ في خروج الأجير عن العهدة وعدم وجوب ردّ شي ء عليه، وإن كان لا يخفى ضعفه؛ لعدم الدليل والاتّفاق عدم الإجزاء إذا حجّ عن نفسه، فكيف أجزأ عن غيره.

واختصاص نصّ الإجزاء بالموت، فحمله عليه قياس، لكنّه قدس سره نظمه مع الموت في سلك، واستدلّ عليه بإجماع الفرقة، مع أنّ الحكم فيما نحن فيه منصوص لهم لا يختلفون فيه، ومن هنا قال في «كشف اللثام»: «ظنّي أنّ ذكر الإحصار من سهو قلمه الشريف أو قلم غيره. وعلى كلّ حال، فيمكن

ص: 147

(مسألة 12): ثوبا الإحرام وثمن الهدي على الأجير إلّامع الشرط، وكذا لو أتى بموجب كفّارة فهو من ماله.

أن يكون تقييد المصنّف بذلك إشارة إلى هذا الخلاف لا لاختياره الإجزاء كما ظنّ...».

وكيف كان: فمتى انفسخت الإجارة وكان الاستئجار واجباً استأجر من موضع الصدّ مع الإمكان، إلّاأن يكون بين الميقات ومكّة فمن الميقات لوجوب إن شاء الإحرام منه،(1) واللَّه العالم.

ضمان الأجير الكفّارات

بيانه- قال في «الجواهر»: «كلّما يلزم النائب من كفّارة في الجناية الإحرام والهدي في التمتّع والقران ففي ماله دون المنوب عنه، بلا خلاف أجده بيننا، كما اعترف به بعضهم، بل عن «الغنية» الإجماع عليه في الكفّارة، مضافاً إلى أنّ ذلك عقوبة على فعل صدر منه، فهو كما لو قتل نفساً أو أتلف مالًا لأحد وإلى دخول الهدي في العمل المستأجر عليه، وهو واضح»(2) انتهى.


1- جواهر الكلام 17: 379- 381 ..
2- جواهر الكلام 17: 389 ..

ص: 148

(مسألة 13): إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل؛ بمعنى الحلول في مقابل الأجل، لا بمعنى الفورية بشرط عدم انصراف إليها، فحينئذٍ حالها حال البيع، فيجوز للمستأجر المطالبة، وتجب المبادرة معها. كما أنّ إطلاقها يقتضي المباشرة، فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلّامع الإذن.

اقتضاء إطلاق الإجارة التعجيل

بيانه- قال في «الجواهر»: «وإذا أطلق الإجارة اقتضى التعجيل ما لم يشترط الأجل، كما عن «المبسوط» و «السرائر» و «الجامع» و «القواعد»، بل عن الشهيد تعميم ذلك لكلّ إجارة مطلقة، وإن قيل: إنّ دليله غير واضح، إلّاعلى القول باقتضاء إطلاق الأمر المبادرة، الذي قد علم فساده في محلّه بل في «كشف اللثام» منع جريان ذلك هنا وإن سلّم هناك... بل في «كشف اللثام» أنّه ليس للمستأجر الفسخ أيضاً، إلّاعلى ما احتمله الشهيد، وكان ذلك كلّه بناءً على أنّ وجوب التعجيل تعبّدي مستفاد من دليل مستقلّ، لا أنّه مستفاد من إطلاق العقد على وجه يقتضي الانفساخ أو التسلّط على الفسخ، إلّاأنّ ذلك كماترى؛ إذ لم نعثر على دليل صالح لذلك.

ومن هنا يمكن تنزيل عبارة المصنّف وغيره على إرادة اقتضاء الإطلاق الحلول، بمعنى كون الأعمال كالأموال، فكما أنّ إطلاق العقد المقتضي لإثبات مال في الذمّة ينزّل على ذلك، فكذلك عقد الإجارة المقتضي لإثبات عمل في الذمّة، فالمراد حينئذٍ، أن يتسلّط المستأجر على مطالبته في الحال، وليس للأجير التأخير؛ تمسّكاً بإطلاق العقد المنزّل على الحلول على حسب عقد البيع

ص: 149

(مسألة 14): لو قصرت الاجرة لا يجب على المستأجر إتمامها، كما أنّها لو زادت ليس له الاسترداد.

وشبهه، وحينئذٍ، فالعبارة هنا نحو عباراتهم هناك، لا أنّ المراد بيان خصوصية للحجّ. نعم، يجب التعجيل مع طلب ذي الحقّ صريحاً أو قيام شاهد حال على إرادته ذلك، فتأمّل جيّداً.

وعلى كلّ حال فلا إشكال في عدم استحقاق التعجيل مع اشتراط الأجل، فإنّه يصحّ عندنا العامين والأزيد، خلافاً للشافعي، إلّافي الواجب المضيّق مع إمكان استئجار من يبادر إليه، فإنّه لا يجوز التأجيل حينئذٍ، كما هو واضح»،(1) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الجواهر»: «وإذا استؤجر، فقصرت الاجرة عن نفقة الحجّ لم يلزم المستأجر الإتمام؛ للأصل السالم عن المعارض، وكذا لو فضل عن النفقة لم يرجع عليه بالفاضل؛ لذلك أيضاً، ولأنّ من كان عليه الخسران كان له الجبران من غير فرق في ذلك بين أن يكون قد قبض الاجرة أو لا، فيطالب بها جميعها أو بعضها مع عدم القبض، ويجب على المستأجر الدفع إليه وكان تعرّض المصنّف وغيره لذلك مع وضوحه وعدم الخلاف فيه بيننا، نصّاً وفتوى؛ لتعرّض النصوص له وللتنبيه على خلاف أبي حنيفة المبنيّ على ما زعمه من بطلان الإجارة، فلا يجب حينئذٍ، على المستأجر الدفع للأجير، نعم، عن «النهاية» و «المبسوط» و «المنتهى»: استحباب الإتمام في الأوّل؛ لكونه من المعاونة على البرّ والتقوى، و «التذكرة» و «المنتهى» و «التحرير» وغيرها: استحباب الردّ في الثاني تحقيقاً


1- جواهر الكلام 17: 392- 393 ..

ص: 150

للإخلاص في العبادة، بل عن «المقنعة»: أنّه قد جاءت رواية أنّه «إن فضل ممّا أخذه فإنّه يردّه إن كانت نفقته واسعة وإن كان قتّر على نفسه لم يردّه»،(1) ثمّ قال: وعلى الأوّل العمل، وهو أفقه ولعلّه أشار بذلك إلى خبر مسمع قال للصادق عليه السلام: أعطيت الرجل دراهم يحجّ بها عنّي ففضل منها شي ء فلم يردّه عليّ، فقال: «هو له؛ لعلّه ضيّق على نفسه في النفقة».(2)

إلّا أنّه- كما ترى- ضعيف الدلالة على ذلك، خصوصاً مع ملاحظة خبر محمّد بن عبداللَّه القمي قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل يعطي الحجّة يحجّ بها فوسّع على نفسه فيفضل منها أيردّها عليه قال: «لا، هو له».(3) هذا.

وفي «كشف اللثام»: «أ نّه إن شرطا في العقد الإكمال أو الردّ لزم»، وفيه: أنّه يمكن منع صحّة مثل هذا الشرط في عقد الإجارة؛ للجهالة، كما هو واضح، والأمر سهل».(4)


1- المقنعة: 442 ..
2- وسائل الشيعة 11: 179، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 10، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 11: 180، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 10، الحديث 2 ..
4- جواهر الكلام 17: 381- 382 ..

ص: 151

(مسألة 15): يملك الأجير الاجرة بالعقد، لكن لا يجب تسليمها إلّابعد العمل؛ لو لم يشترط التعجيل، ولم تكن قرينة على إرادته؛ من انصراف أو غيره كشاهد حال ونحوه. ولا فرق في عدم وجوبه بين أن تكون عيناً أو ديناً، ولو كانت عيناً فنماؤها للأجير. ولا يجوز للوصيّ والوكيل التسليم قبله إلّابإذن من الموصي أو الموكّل، ولو فعلا كانا ضامنين على تقدير عدم العمل من المؤجر أو كون عمله باطلًا. ولا يجوز للوكيل اشتراط التعجيل بدون إذن الموكّل، وللوصيّ اشتراطه إذا تعذّر بغير ذلك، ولا ضمان عليه مع التسليم إذا تعذّر. ولو لم يقدر الأجير على العمل كان للمستأجر خيار الفسخ، ولو بقي على هذا الحال حتّى انقضى الوقت فالظاهر انفساخ العقد، ولو كان المتعارف تسليمها أو تسليم مقدار منها قبل الخروج، يستحقّ الأجير مطالبتها على المتعارف في صورة الإطلاق، ويجوز للوكيل والوصيّ دفع ذلك من غير ضمان.

زمان ملكية الاجرة

بيانه- قال في «الحدائق»: «قد صرّح الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم-: بأنّ الأجير يستحقّ الاجرة بالعقد ويملكها؛ لأنّ ذلك مقتضى صحّة المعاوضة، فلو كانت عيناً، فزادت بعد العقد أو نمت، فهما للأجير، إلّاأنّه لا يجب تسليمها، إلّا بعد العمل، كما هو المقرّر في باب الإجارة، وعلى هذا، فليس للوصيّ التسليم قبله، ولو سلّم كان ضامناً إلّامع الإذن من الموصي المستفاد من نصّه على ذلك أو اطّراد العادة؛ لأنّ ما جرت به العادة يكون كالمنطوق به، ولو توقّف عمل الأجير وإتيانه بالفعل على دفع الاجرة إليه، ولم يدفعها الوصيّ.

فقد استقرب الشهيد في «الدروس» جواز فسخه؛ للضرر اللازم من اشتغال

ص: 152

الذمّة بما استؤجر عليه، مع عدم تمكّنه منه، ويحتمل عدمه، فينتظر وقت الإمكان؛ لأنّ التسلّط على فسخ العقد اللازم يتوقّف على الدليل، ومثل هذا الضرر لم يثبت كونه مسوّغاً، نعم، لو علم عدم التمكّن مطلقاً تعيّن القول بجواز الفسخ أقول: ما ذكروه- من أنّه ليس للوصيّ التسليم قبل العمل، ولو سلّم كان ضامناً- لا يخلو عندي هنا من إشكال، وإن كان هذا من جملة القواعد المسلّمة بينهم في باب الإجارة مطلقاً، وذلك؛ فإنّه قد تقدّم في المسألة الاولى من مسائل هذا المقصد نقل جملة من الأخبار الدالّة على أنّ: من أخذ حجّة عن ميّت فمات ولم يحجّ ولم يخلّف شيئاً ولم يمكنه الحجّ أنّه إن كان له حجّ عند اللَّه أثبته اللَّه للميّت وإلّا كتب للميّت بفضله وكرمه عزّ وجلّ ثواب الحجّ. وهذا لا يجامع الحكم بضمان الوصيّ بتسليم الاجرة.. وبالجملة، فإنّ الرجوع على الوصيّ بعد ما عرفت لا يخلو من نظر».(1)

وقال في «الجواهر»: فلا خلاف في أنّه يستحقّها- أي الاجرة- الأجير بالعقد؛ بمعنى ملكه لها؛ لأنّه مقتضى العقد، فلو فرض كونها عيناً ونمت كان النماء له، نعم، إذا لم يكن ثمّ تعارف ولا قرينة لم يجب تسليمها، إلّابعد العمل، كما أوضحنا الكلام فيه في محلّه، بل لو فرض كون المستأجر وصيّاً أو وكيلًا ودفع مع فرض عدم القرينة على الإذن له في ذلك، كان ضامناً؛ لكونه تفريطاً، هذا.

ولكن في «الدروس»: «إذا توقّف حجّ الأجير على دفع الاجرة ولم يدفعها المستأجر، فالأقرب أنّ له الفسخ». وهو كماترى، إذا كان مراده المفروض الذي لا ريب في كون المتّجه فيه انتظار وقت الإمكان.

نعم، لو علم عدم التمكّن مطلقاً اتّجه القول بجواز الفسخ لهما؛ للضرر، وعلى


1- الحدائق الناضرة 14: 292- 294 ..

ص: 153

(مسألة 16): لا يجوز استئجار من ضاق وقته عن إتمام الحجّ تمتّعاً وكانت وظيفته العدول إلى الإفراد عمّن عليه حجّ التمتّع، ولو استأجره في سعة الوقت ثمّ اتّفق الضيق فالأقوى وجوب العدول، والأحوط عدم إجزائه عن المنوب عنه.

كلّ حال، إنّما يستحقّ الاجرة المسمّاة، إذا جاء بالعمل المستأجر عليه فإن خالف ما شرط عليه ممّا هو معيّن للعمل المراد لم يستحقّها قطعاً، لكن قيل والقائل الشيخ في المحكيّ من مبسوطه: «كان له اجرة المثل»، وهو كما ترى، ولذا قال المصنّف: والوجه أنّه لا اجرة له؛ ضرورة كونه من المتبرّع، بل يمكن عدم خلاف الشيخ؛ لأنّه إنّما قال في «المبسوط»: «فإن تعدّى الواجب ردّ إلى اجرة المثل»، ويجوز أن يريد من استؤجر على الحجّ واشترط عليه طريق مخصوص ونحوه على وجه لا يقتضي تشخيص العمل، فخالف ردّ إلى اجرة المثل في المشروط، وأمّا الشرط الذي خالف فيه، فلا اجرة له. نعم، يبقى عليه ما قيل: من أنّ المتّجه على هذا التقدير مراعاة التوزيع، لا الرجوع إلى اجرة المثل، وإن كان فيه ما عرفت سابقاً، فتأمّل جيّداً».(1) واللَّه العالم للصواب.

استئجار من ضاق وقته

بيانه- قال في «الحدائق»: لا خلاف ولا إشكال في أنّ من كان فرضه التمتّع، فإنّه لا يجوز له العدول اختياراً إلى غيره وإنّما يجوز له مع الاضطرار بلا خلاف، كضيق الوقت عن الإتيان بأفعال العمرة قبل الوقوف أو حصول


1- جواهر الكلام 17: 397- 398 ..

ص: 154

الحيض... نعم، إنّه وقع الخلاف في حدّ الضيق الموجب للعدول، وكذا وقع الخلاف في الحائض والكلام هنا يقع في مقامين:

الأوّل: في تحقيق حدّ الضيق الموجب للعدول، فقال الشيخ المفيد قدس سره: من دخل مكّة يوم التروية وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، فأدرك ذلك قبل مغيب الشمس أدرك المتعة، فإذا غابت الشمس قبل أن يفعل ذلك، فلا متعة له، فليقم على إحرامه ويجعلها حجّة مفردة، وقال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه القمي قدس سره: الحائض إذا طهرت يوم التروية قبل زوال الشمس فقد أدركت متعتها وإن طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها فتجعلها حجّة مفردة. قيل:

وهو منقول عن المفيد أيضاً.... وقال الشيخ في «النهاية»: فإذا دخل مكّة يوم عرفة جاز له أن يتحلّل أيضاً ما بينه وبين زوال الشمس، فإذا زالت الشمس، فقد فاتته العمرة، وكانت حجّة مفردة. وإلى هذا القول ذهب ابن الجنيد وابن حمزة وابن البرّاج والسيّد السند في «المدارك» وقال ابن إدريس: تبقى المتعة ما لم يفت اضطراري عرفة واستقرب العلّامة في «المختلف» اعتبار اختياري عرفة وقوّاه في «الدروس».

هذا ما حضرني في المسألة من أقوال أصحابنا- رضوان اللَّه عليهم- وأمّا الأخبار(1) فهي مختلفة غاية الاختلاف...(2).

المقام الثاني: المشهور بين الأصحاب أنّ الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلّل وإنشاء ثمّ قال صاحب «الحدائق»: «الإحرام بالحجّ؛ لضيق الوقت، فإنّهما تبقيان على إحرامهما وتنقلان حجّهما إلى الإفراد.


1- راجع: وسائل الشيعة 11: 291- 296، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 20 و 21 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 327- 329 ..

ص: 155

(مسألة 17): يجوز التبرّع عن الميّت في الحجّ الواجب مطلقاً والمندوب، بل يجوز التبرّع عنه بالمندوب وإن كان عليه الواجب حتّى قبل الاستئجار له، وكذا يجوز الاستئجار عنه في المندوب مطلقاً. وقد مرّ حكم الحيّ في الواجب. وأمّا المندوب فيجوز التبرّع عنه- كما يجوز الاستئجار له- حتّى إذا كان عليه حجّ واجب لا يتمكّن من أدائه فعلًا، بل مع تمكّنه أيضاً، فجواز الاستئجار للمندوب قبل أداء الواجب إذا لم يخلّ بالواجب لا يخلو من قوّة، كما أنّ الأقوى صحّة التبرّع عنه.

وظاهر العلّامة في «المنتهى» دعوى الإجماع على ذلك؛ حيث قال: إذا دخلت المرأة مكّة متمتّعة طافت وسعت وقصرت ثمّ أحرمت بالحجّ، كما يفعل الرجل سواء فإن حاضت قبل الطواف لم يكن لها أن تطوف بالبيت إجماعاً؛ لأنّ الطواف صلاة، ولأ نّها ممنوعة من الدخول إلى المسجد، وتنتظر إلى وقت الوقوف بالموقفين، فإن طهرت وتمكّنت من الطواف والسعي والتقصير وإنشاء الإحرام بالحجّ وإدراك عرفة صحّ لها التمتّع وإن لم تدرك ذلك وضاق عليها الوقت واستمرّ بها الحيض إلى وقت الوقوف بطلت متعتها وصارت حجّتها مفردة ذهب إليه علماؤنا أجمع،(1) واللَّه العالم.

حكم التبرّع بالحجّ عن الميّت

بيانه- قال في «الحدائق»: «الظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- في أنّه لو تبرّع إنسان بالحجّ عن غيره بعد موته، فإنّه يكون مجزئاً


1- الحدائق الناضرة 14: 340- 341 ..

ص: 156

عنه وتبرء ذمّته به، وظاهرهم أنّه لا فرق في ذلك بين أن يخلف الميّت ما يحجّ به عنه أم لا، ولا في المتبرّع بين أن يكون وليّاً أو غيره.

ويدلّ على ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ في «التهذيب» في الصحيح عن عبداللَّه بن مسكان عن عمّار بن عمير قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام بلغني عنك إنّك قلت: لو أنّ رجلًا مات ولم يحجّ حجّة الإسلام فحجّ عنه بعض أهله اجزأ ذلك عنه، فقال: «نعم، أشهد بها على أبي أنّه حدّثني أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أتاه رجل فقال: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إنّ أبي مات ولم يحجّ، فقال له رسول اللَّه: حجّ عنه فإنّ ذلك يجزئ عنه»(1)... واستدلّ على ذلك أيضاً بصحيحة رفاعة قال:

سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل يموت ولم يحجّ حجّة الإسلام ولم يوص بها أ تقضى عنه؟ قال: «نعم».(2)

ومثلها رواية اخرى له أيضاً. قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الرجل والمرأة يموتان ولم يحجّا أيقضى عنهما حجّة الإسلام عنهما قال: «نعم».(3)

والظاهر عندي منهما، إنّما هو القضاء من ماله، كما ورد جملة من الأخبار: «إنّ من مات وفي ذمّته حجّة الإسلام ولم يوص بها، فإنّها تخرج من أصل ماله»....(4) وربّما ظهر من تخصيص الإجزاء بالتبرّع عن الميّت عدم إجزاء التبرّع عن الحيّ، وهو كذلك متى كان متمكّناً من الإتيان بالحجّ، أمّا مع العجز


1- تهذيب الأحكام 5: 404/ 1407؛ وسائل الشيعة 11: 77، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 31، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 11: 73، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 28، الحديث 6 ..
3- وسائل الشيعة 11: 73، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 28، الحديث 7 ..
4- وسائل الشيعة 11: 71، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 28 ..

ص: 157

عنه المسوّغ للاستنابة، كما تقدّم، فإشكال ينشأ من أنّه كالميّت؛ لأنّ الذمّة تبرأ بالعوض، فكذا بدونه، ولأنّ الواجب الحجّ عنه وقد حصل، فيمكن الإجزاء، ومن أنّ براءة ذمّة المكلّف بفعل الغير تتوقّف على الدليل، وهو منتف هنا، فيرجع العدم، هذا كلّه في الحجّ الواجب، وأمّا في الحجّ المندوب، فيجوز التبرّع عن الحيّ والميّت إجماعاً نصّاً وفتوى.

ومن الأخبار في ذلك صحيحة حمّاد بن عثمان قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «إنّ الصلاة والصوم والصدقة والحجّ والعمرة وكلّ عمل صالح ينفع الميّت حتّى أنّ الميّت ليكون في ضيق، فيوسّع عليه، ويقال هذا بعمل ابنك فلان أو بعمل أخيك فلان أخوه في الدّين».(1)

وموثّق إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: سألته عن الرجل يحجّ، فيجعل حجّته وعمرته أو بعض طوافه لبعض أهله وهو عنه غائب ببلد آخر.

قال: فقلت: فينقص ذلك من أجره قال: «لا هي له ولصاحبه وله أجر سوى ذلك بما وصل» قلت: وهو ميّت هل يدخل ذلك عليه؟ قال: «نعم، حتّى يكون مسخوطاً عليه، فيغفر له، أو يكون مضيّقاً عليه فيوسّع عليه» قلت: فيعلم هو في مكانه أنّ عمل ذلك لحقه، قال: «نعم»، قلت: وإن كان ناصباً ينفعه ذلك، قال: «نعم، يخفّف عنه».(2)... وأمّا جواز النيابة مع الحضور والعذر فتدلّ عليه أخبار عديدة.

منها: صحيحة حبيب الخثعمي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «وأمر رسول


1- وسائل الشيعة 8: 280، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 15 ..
2- وسائل الشيعة 11: 197، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 25، الحديث 5 ..

ص: 158

(مسألة 18): لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد في الحجّ الواجب، إلّاإذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة، كما إذا نذر كلّ منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحجّ، ويجوز في المندوب كما يجوز بعنوان إهداء الثواب.

اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أن يطاف عن المبطون والكسير».(1) وتمام تحقيق المسألة يأتي في محلّه إن شاء اللَّه تعالى».(2)

نيابة شخص عن اثنين في عام واحد

بيانه- قال في «الجواهر»: «ولا يصحّ أن ينوب نائب واحد عن اثنين في حجّ واجب لعام واحد بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه؛ لعدم ثبوت مشروعية ذلك، بل الثابت خلافه، فلو وقع الحجّ كذلك بطل؛ لامتناعه لهما؛ لعدم قابليته للتوزيع ولا لواحد بخصوصه؛ لعدم الترجيح ولا له؛ لعدم نيّته له، فليس حينئذٍ إلّاالبطلان، نعم، الظاهر صحّة التشريك في الحجّ المندوب؛ بمعنى نيابته عنهما مثلًا، فضلًا عن إهداء الثواب لهما، بل لو نذر جماعة الاشتراك في حجّ، استنابوا فيه، كما أنّه يجوز للشخصين فصاعداً استئجار رجل واحد للحجّ عنهما ندباً؛ ضرورة كونه كاستئجار الواحد له على الحجّ عن أبيه وأخيه مثلًا، نعم، لو كان قد استأجره شخص للحجّ عنه ندباً مثلًا، لم يجز له أن يؤجر نفسه لآخر على ذلك؛ لاستحقاق الأوّل له، وأمّا لو كان استئجاره


1- وسائل الشيعة 13: 394، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 48، الحديث 5 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 287- 292 ..

ص: 159

لإدخاله في نيّة الحجّ لم يكن بأس في استئجاره ثانياً؛ لإدخاله معهم في النيّة، كما هو واضح».(1)

وفي «الحدائق»: فاعلم أنّه لو استأجره اثنان لإيقاع الحجّ في عام واحد صحّ السابق منهما دون الآخر؛ لاستحقاق الأوّل منافعه في تلك السنة للحجّ كما قدّمنا بيانه، وإن لم يتحقّق سابق بأن اقترنا في عقد واحد، واشتبه السابق بطلا معاً؛ لامتناع وقوعها عنهما؛ لأنّ الحجّة الواحدة لا تكون عن اثنين ولا لأحدهما؛ لامتناع الترجيح من غير مرجّح، هذا في الحجّ الواجب.

أمّا المندوب فقد دلّت الأخبار على أنّه يجوز الاشتراك فيه، وإذا جاز ذلك جازت الاستنابة فيه على هذا الوجه. كذا ذكره جمع من الأصحاب. والأظهر تخصيص جواز الاستنابة في المستحبّ على وجه التشريك بما إذا اريد إيقاع الفعل عنهما معاً ليشتركا في ثوابه، أمّا لو اريد من النيابة فعل الحجّ عن كلّ واحد منهما، فهو كالحجّ الواجب، كما نبّه عليه في «المسالك».

ومن الأخبار الدالّة على جواز التشريك في الحجّ المستحبّ صحيحة معاوية بن عمّار أو حسنته عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلت: اشرك أبوي في حجّتي؟ قال: «نعم»، قال: اشرك إخوتي في حجّتي؟ قال: «نعم، إنّ اللَّه عزّ وجلّ جاعل لك حجّاً ولهم حجّاً ولك أجر لصلتك إيّاهم»...(2). وفي رواية محمّد بن الحسن عن أبي الحسن عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لو أشركت ألفاً في حجّتك لكان لكلّ واحد حجّة من غير أن تنقص حجّتك شيئاً»(3) إلى غير ذلك من الأخبار، وقد


1- جواهر الكلام 17: 393 ..
2- وسائل الشيعة 11: 202، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 28، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 11: 202، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 28، الحديث 4 ..

ص: 160

(مسألة 19): يجوز أن ينوب جماعة عن الميّت أو الحيّ في عام واحد في الحجّ المندوب تبرّعاً أو بالإجارة، بل يجوز ذلك في الحجّ الواجب أيضاً، كما إذا كان على الميّت حجّان مختلفان نوعاً كحجّة الإسلام والنذر، أو متّحدان نوعاً كحجّتين للنذر. وأمّا استنابة الحجّ النذري للحيّ المعذور فمحلّ إشكال كما مرّ. وكذا يجوز إن كان أحدهما واجباً والآخر مستحبّاً، بل يجوز استئجار أجيرين لحجّ واجب واحد كحجّة الإسلام في عام واحد، فيصحّ قصد الوجوب من كلّ منهما ولو كان أحدهما أسبق شروعاً، لكنّهما يراعيان التقارن في الختم.

يتّفق ذلك في الواجب أيضاً كما نذر جماعة الاستنابة بالاشتراك في حجّ يستنيبوا فيه كذلك، واللَّه العالم».(1)

نيابة جماعة عن شخص واحد

بيانه- قال في «الجواهر»: «ومن وجب عليه حجّان مختلفان، كحجّة الإسلام والنذر أو غيرهما، ومنعه عارض جاز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد، بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل عن «الخلاف» الإجماع عليه- خلافاً لبعض الشافعية- لأنّهما فعلان متباينان غير مترتّبين، بل المندوبان والمختلفان كذلك أيضاً، بل الظاهر صحّة الحجّين وإن تقدّم إحرام حجّة غير حجّة الإسلام ولو المندوبة؛ لوقوعهما في عام واحد، وإنّما يبطل المندوب أو المنذور أو ينصرف إلى الفرض، إذا أخلّ بالواجب، خلافاً للمحكيّ عن أحمد فصرف السابق إلى حجّة الإسلام وإن نوى الندب أو النذر، بل ربّما نسب ذلك إلى قضية


1- الحدائق الناضرة 14: 275- 276 ..

ص: 161

كلام الشيخ، إلّاأنّه في غير محلّه؛ لنصّه على العدم هنا، كما قيل.

نعم، عن الشهيد احتمال وجوب تقديم حجّة الإسلام؛ بناءً على وجوب ذلك على الحاجّ عن نفسه، مع أنّه لا يخفى ما فيه أيضاً، ثمّ إنّه على الانصراف، فهل له المسمّى، كما عن الشهيد أنّه الأقرب؛ لإتيانه بما استؤجر له والقلب من فعل الشارع، بل قال: وحينئذٍ تنفسخ إجارة الآخر، أو لا يستحقّ شيئاً؛ لأنّه غير المستأجر عليه، وإن أبرئ ذمّة المستأجر عن حجّة الإسلام، لكن ذلك بقلب من الشارع لا منه كي يستحقّ عوضه، خصوصاً إذا تعمّد التقدّم على إحرام نائب حجّة الإسلام. والأمر سهل بعد البناء على عدم الانصراف، كما عرفت، بل الظاهر ذلك حتّى لو بطل حجّ نائب الإسلام أو لم يحجّ»(1) انتهى.

قال صاحب «المدارك» في شرحه على «الشرائع»: «هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل ظاهر العلّامة رحمه الله في «التذكرة» أنّه موضع وفاق بين علمائنا، ووجهه واضح؛ فإنّ غاية ما يستفاد من الأخبار وجوب الحجّين المختلفين مع العذر لا وجوب تقديم أحدهما على الآخر ولا ينافي ذلك وجوب تقديم حجّ الإسلام على المنوب عنه أو حجّ النذر على بعض الوجوه؛ لأنّ وجوب التقديم إنّما كان لتضييق أحد الواجبين وعدم إمكان الجمع بينهما في عام واحد، لا لوجوب الترتيب بينهما...»(2) واللَّه العالم.


1- جواهر الكلام 17: 394 ..
2- مدارك الأحكام 7: 137 ..

ص: 162

في الوصيّة بالحجّ

القول: في الوصيّة بالحجّ

اشارة

(مسألة 1): لو أوصى بالحجّ اخرج من الأصل لو كان واجباً، إلّاأن يصرّح بخروجه من الثلث فاخرج منه، فإن لم يف اخرج الزائد من الأصل. ولا فرق في الخروج من الأصل بين حجّة الإسلام والحجّ النذري والإفسادي، واخرج من الثلث لو كان ندبياً. ولو لم يعلم كونه واجباً أو مندوباً فمع قيام قرينة أو تحقّق انصراف فهو، وإلّا فيخرج من الثلث، إلّاأن يعلم وجوبه عليه سابقاً وشكّ في أدائه فمن الأصل.

الكلام في إخراج الحجّ الموصى به

بيانه- قال صاحب «الحدائق»: «قد صرّح الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- بأ نّه لو أوصى للحجّ بقدر معيّن، فإن كان الحجّ واجباً أخرج اجرة المثل من الأصل، وما زاد- إن كان في ذلك المقدار زيادة- من الثلث، كما هو شأن الوصايا، وإن كان الحجّ ندباً، فالجميع من الثلث».(1)


1- الحدائق الناضرة 14: 301 ..

ص: 163

وقال الشيخ في «الخلاف»: «من استقرّ عليه وجوب الحجّ، فلم يفعل ومات وجب أن يحجّ عنه من صلب ماله مثل الدين ولم يسقط بوفاته، وهذا إذا أخلف مالًا، فإن لم يخلف مالًا كان وليّه بالخيار في القضاء عنه، وبه قال الشافعي وعطاء وطاووس، وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط بوفاته؛ بمعنى أنّه لا يفعل عنه بعد وفاته وحسابه على اللَّه يلقاه والحجّ في ذمّته، وإن كان أوصى حجّ عنه من ثلثه ويكون تطوّعاً لا يسقط الفرض به عنه وهكذا يقول في الزكاة والكفّارات وجزاء الصيد كلّها تسقط بوفاته ولا تفعل عنه بوجه. دليلنا: إجماع الفرقة والأخبار التي ذكرناها في الكتاب الكبير، ويدلّ عليه خبر الخثعمية(1) أيضاً».(2) وقال في «الحدائق» ما ملخّصه: «وما ذكروه في الواجب أمّا في حجّة الإسلام فلا إشكال فيه، وأمّا في غيره؛ من النذر وشبهه، فهو مبنيّ على الخلاف وإن كان المشهور عندهم أنّه كحجّ الإسلام من الأصل. وممّا يدلّ على أنّ حجّ الإسلام من الأصل والمندوب من الثلث... وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل مات وأوصى أن يحجّ عنه قال: «إن كان صرورة فمن جميع المال وإن كان تطوّعاً فمن ثلثه».(3) وغير ذلك من الأخبار، وهذه الأخبار وما جرى مجراها، إنّما دلّت على الوصيّة بالحجّ من غير الوصيّة بقدر معيّن له، والظاهر أنّ التعيين يرجع فيه إلى اجرة المثل، كما فهمه الأصحاب، فيكون المخرج من الأصل والثلث هو اجرة المثل، وحينئذٍ، فيكون


1- وسائل الشيعة 27: 53، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 6، الحديث 38؛ صحيح البخاري 2: 155 ..
2- الخلاف 2: 253 ..
3- وسائل الشيعة 11: 66، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 25، الحديث 1 ..

ص: 164

الزائد عليها مع التعيين يخرج من الثلث. ولبعض الأصحاب في المسألة تفصيل حسن لا بأس بذكره قال: من أوصى بالحجّ فإمّا أن يعيّن الأجير والاجرة معاً أو لا يعيّنهما أو يعيّن الأجير دون الاجرة أو بالعكس، ثمّ إمّا أن يكون الحجّ واجباً أو مندوباً فالصور ثمان:

الاولى: أن يعيّن الأجير والاجرة معاً ويكون الحجّ واجباً، فيجب اتّباع ما عيّنه الموصي ثمّ إن كانت الاجرة المعيّنة مقدار اجرة المثل أو أقلّ نفذت من الأصل، وإن زادت كانت اجرة المثل من الأصل والزيادة من الثلث، إن لم يجز الورثة، ولو امتنع الموصى له من الحجّ بطلت الوصيّة واستؤجر غيره بأقلّ ما يوجد من يحجّ به عنه....

الثانية: الصورة بحالها والحجّ مندوب فيجب إخراج الوصيّة من الثلث إلّامع الإجازة، فتنفذ من الأصل، ولو امتنع الموصى له من الحجّ، فالظاهر سقوطه؛ لأنّ الوصيّة إنّما تعلّقت بذلك المعيّن، فلا تتناول غيره. نعم، لو علم تعلّق غرض الموصي بالحجّ مطلقاً وجب إخراجه؛ لأنّ الوصيّة على هذا التقدير في قوّة شيئين، فلا يبطل أحدهما بفوات الآخر....

الثالثة: أن يعيّن الأجير خاصّة والحجّ واجب، فيجب استئجاره بأقل اجرة يوجد من يحجّ بها عنه، واحتمل الشهيد في «الدروس»: وجوب إعطائه اجرة مثله إن اتّسع الثلث، وهو حسن، بل لا يبعد وجوب إجابته إلى ما طلب مطلقاً مع اتّساع الثلث تنفيذاً للوصيّة بحسب الإمكان، فيكون الزائد عن الأقلّ محسوباً من الثلث، إلّامع الإجازة، ولو امتنع الموصى له من الحجّ وجب استئجار غيره بمهما أمكن....

الرابعة: الصورة بحالها والحجّ مندوب، والكلام فيه كما سبق من احتساب

ص: 165

(مسألة 2): يكفي الميقاتي؛ سواء كان الموصى به واجباً أو مندوباً، لكنّ الأوّل من الأصل والثاني من الثلث، ولو أوصى بالبلدية فالزائد على اجرة الميقاتية من الثلث في الأوّل، وتمامها منه في الثاني.

الاجرة كلّها من الثلث، فلو امتنع الموصى له من القبول سقطت الوصيّة، إلّاإذا علم تعلّق غرض الموصي بالحجّ مطلقاً، كما بينّاه.

الخامسة: أن يعيّن الاجرة خاصّة والحجّ واجب فإن كانت مساوية لُاجرة المثل صرفها الوارث إلى من شاء ممّن يقوم بالحجّ وكذا إن نقصت وإن كان أزيد كان ما يساوي اجرة المثل من الأصل والزائد من الثلث.

السادسة: الصورة بحالها والحجّ مندوب، وحكمها معلوم ممّا سبق، من احتساب الاجرة كلّها من الثلث إلّامع الإجازة.

السابعة: أن لا يعيّن الأجير ولا الاجرة والحجّ واجب، فالحجّ عنه من أصل المال بأقلّ ما يجد من يحجّ به عنه أقول: قد عرفت ما في ذلك من الإشكال، ومقتضى إطلاق كلام «التذكرة» هو اجرة المثل.

الثامنة: الصورة بحالها والحجّ مندوب والاجرة من الثلث، إلّامع الإجازة، كما تقدّم»، انتهى.(1)

بيانه- قال في «الجواهر»: «إذا أوصى أن يحجّ عنه ولم يعيّن الاجرة، انصرف ذلك إلى اجرة المثل، فنازلًا؛ لكونه كالتوكيل في ذلك، وتخرج من الأصل، إذا كانت واجبة إسلامية؛ لما عرفته سابقاً، من كونها كالدّين، وإنّما الخلاف في كونها من البلد أو الميقات، وقد عرفت الحال فيه، كما عرفت الحال


1- الحدائق الناضرة 14: 301- 306 ..

ص: 166

في الواجبة غير الإسلامية بالنسبة إلى الخروج من الأصل أو الثلث والبلد والميقات.

نعم، لا إشكال، بل ولا خلاف في خروجها من الثلث، إذا كانت ندباً، كغيرها من الوصايا، ولو فرض توقّف وجودها على بذل الثلث كملًا، وكان زائداً على اجرة المثل، ففي بذله لذلك، إشكال؛ من إمكان تنفيذ الوصيّة، ومن مراعاة الاحتياط في جانب الوارث الذي دلّ الكتاب والسنّة على انتقال المال إليه بموت مورّثه عدا ما أوصى به، وقد فرض انصرافه في المقام إلى اجرة المثل، فلا يضايق بالزائد، بل ينتظر إلى وقت الإمكان».(1)

وفي «شرح اللمعة»: «والوصيّة بالحجّ مطلقاً من غير تعيين مال ينصرف إلى اجرة المثل، وهو ما يبذل غالباً للفعل المخصوص لمن استجمع شرائط النيابة في أقلّ مراتبها، ويحتمل اعتبار الأوسط، هذا إذا لم يوجد من يأخذ أقلّ منها، وإلّا اقتصر عليه ولا يجب تكلّف تحصيله ويعتبر ذلك من البلد أو الميقات على الخلاف»،(2) واللَّه العالم.


1- جواهر الكلام 17: 396 ..
2- الروضة البهيّة 1: 461 ..

ص: 167

(مسألة 3): لو لم يعيّن الاجرة فاللازم على الوصيّ- مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم- الاقتصار على اجرة المثل. نعم، لغير القاصر أن يؤدّي لها من سهمه بما شاء. ولو كان هناك من يرضى بالأقلّ منها، وجب على الوصيّ استئجاره مع الشرط المذكور، ويجب الفحص عنه على الأحوط مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم، بل وجوبه لا يخلو من قوّة، خصوصاً مع الظنّ بوجوده. نعم، الظاهر عدم وجوب الفحص البليغ. ولو وجد متبرّع عنه يجوز الاكتفاء به؛ بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار، بل هو الأحوط مع وجود قاصر في الورثة، فإن أتى به صحيحاً كفى، وإلّا وجب الاستئجار. ولو لم يوجد من يرضى باجرة المثل، فالظاهر وجوب دفع الأزيد لو كان الحجّ واجباً، ولا يجوز التأخير إلى العام القابل؛ ولو مع العلم بوجود من يرضى باجرة المثل أو الأقلّ.

وكذا لو أوصى بالمبادرة في الحجّ المندوب. ولو عيّن المُوصيّ مقداراً للُاجرة، تعيّن وخرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على اجرة المِثل، وإلّا فالزيادة من الثلث، وفي المندوب كلّه من الثلث، فلو لم يكف ما عيّنه للحجّ فالواجب التتميم من الأصل في الحجّ الواجب، وفي المندوب تفصيل.

إذا أوصى بالحجّ ولم يعيّن الاجرة

بيانه- قال في «المدارك»: «أمّا انصراف الاجرة مع عدم التعيين إلى اجرة المثل، فواضح؛ لأنّ الواجب العمل بالوصيّة مع الاحتياط للوارث، فيكون ما جرت به العادة كالمنطوق به، وهو المراد من اجرة المثل، ولو وجد من يأخذ أقلّ من اجرة المثل اتّفاقاً وجب الاقتصار عليه؛ احتياطاً للوارث.

ص: 168

وأمّا خروج الواجب، وهو حجّ الإسلام من الأصل والمندوب من الثلث، فيدلّ عليه صريحاً ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه سأله عن رجل مات فأوصى أن يحجّ عنه، قال: «إن كان صرورة فمن جميع المال وإن كان تطوّعاً فمن ثلثه»(1) وأنّ الواجب الحجّ من الميقات إلّا مع إرادة خلافه، ويعلم باللفظ الدال عليه أو القرائن المفيدة له، وفي خروج المنذور من الأصل، أو الثلث قولان: فذهب جمع من الأصحاب- منهم ابن إدريس والمحقّق ومن تأخّر عنه- إلى وجوب الإخراج من الأصل أيضاً، كحجّ الإسلام».(2)

قال صاحب «المدارك» أيضاً: «لم نقف في ذلك على رواية سوى رواية ضريس(3) الذي أوردها المصنّف قدس سره وقد بيّنا فيما سبق أنّ الحجّ ليس واجباً ماليّاً، بل هو واجب بدني، وإن توقّف على المال مع الحاجة إليه، كما تتوقّف الصلاة عليه كذلك، وإنّما وجب قضاء حجّ الإسلام بالنصوص الصحيحة المستفيضة، وإلحاق حجّ النذر به يتوقّف على الدليل.

وقال الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «التهذيب»: يجب إخراج المنذورة من الثلث، واحتجّ عليه في «التهذيب»(4) بما رواه في الصحيح عن ضريس بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل عليه حجّة الإسلام ونذر في شكر ليحجّنّ رجلًا فمات الرجل الذي نذر قبل أن يحجّ حجّة الإسلام وقبل أن يفي للَّه


1- وسائل الشيعة 11: 66، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 25، الحديث 1 ..
2- مدارك الأحكام 7: 141 ..
3- وسائل الشيعة 11: 74، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 29، الحديث 1 ..
4- تهذيب الأحكام 5: 406/ 1413 ..

ص: 169

بنذره. فقال: «إن ترك مالًا حجّ عنه حجّة الإسلام من جميع المال واخرج من ثلثه ما يحجّ به رجلًا لنذره وقد وفى بالنذر، وإن لم يترك مالًا إلّابقدر حجّة الإسلام ممّا ترك وحجّ عنه وليّه النذر فإنّما هو دين عليه».(1)

وأجاب عنها في «المختلف»(2) ... فقال: «والكلام معه يقع في المقامين:

الأوّل: إيجاب الاستئجار عن المتمكّن إذا مات في أوّل ما وجب عليه بعد خروجه والمعتمد عدمه.

لنا: أنّه قد امتثل ما امر به فلم يجب القضاء عنه والفرض سقط بالموت.

الثاني: أنّه يجب أن يقضي عنه وليّه لو لم يخلّف مالًا، وهو أشدّ إشكالًا من الأوّل؛ فإنّ الأصل براءة الذمّة ولأنّ الأصل لم يجب عليه الحجّ».(3)

قوله قدس سره: «ولو وجد متبرّع عنه يجوز الاكتفاء به؛ بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار... في الحجّ المندوب».

أقول: قال في «الحدائق»: الظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- في أنّه لو تبرّع إنسان بالحجّ عن غيره بعد موته، فإنّه يكون مجزئاً عنه وتبرء ذمّته وظاهرهم أنّه لا فرق في ذلك بين أن يخلف الميّت ما يحجّ به عنه أم لا، ولا في المتبرّع بين أن يكون وليّاً أو غيره.(4)

وفي «الرياض»: «ولو حجّ عن ميّت تبرّعاً جاز وبرئ الميّت إذا كان الحجّ عليه واجباً إجماعاً، كما في صريح عبارة جماعة، وظاهر آخرين، وللصحاح


1- وسائل الشيعة 11: 74، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 29، الحديث 1 ..
2- مدارك الأحكام 7: 153 ..
3- مختلف الشيعة 4: 48 ..
4- الحدائق الناضرة 14: 287 ..

ص: 170

المستفيضة وغيرها من «المعتبرة»... ويلحق الحيّ بالميّت إذا كان الحجّ تطوّعاً إجماعاً على الظاهر المصرّح به في عبائر وللنصوص المعتبرة المستفيضة القريبة من التواتر».(1)

ويدلّ على ذلك موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: سألته عن الرجل، فيجعل حجّته وعمرته أو بعض طوافه لبعض أهله وهو عنه غائب ببلد آخر قال: فقلت: فينقص ذلك من أجره؟ قال: «لا، هي له ولصاحبه وله أجر سوى ذلك بما وصل». قلت: وهو ميّت هل يدخل ذلك عليه؟ قال: «نعم، حتّى يكون مسخوطاً عليه فيغفر له أو يكون مضيّقاً عليه فيوسّع عليه» قلت: فيعلم هو في مكانه إن عمل ذلك لحقّه؟ قال: «نعم»، قلت: وإن كان ناصباً ينفعه ذلك؟

قال: «نعم، يخفّف عنه»(2) وغير ذلك من الأخبار.

قوله رحمه الله: «لو كان الحجّ واجباً ولا يجوز التأخير إلى العام القابل...».

قال الشيخ في «الخلاف»: الحجّ وجوبه على الفور دون التراخي، وبه قال مالك وأبو يوسف والمزني وليس لأبي حنيفة فيه نصّ. وقال أصحابه: يجي ء على قوله أنّه على الفور، وقال الشافعي: وجوبه على التراخي- ومعناه أنّه بالخيار إن شاء قدّم وإن شاء أخّر والتقديم أفضل- وبه قال الأوزاعي والثوري ومحمّد. دليلنا إجماع الفرقة؛ فإنّهم لا يختلفون، وأيضاً طريق الاحتياط تقتضيه، وأيضاً فقد ثبت أنه مأمور به والأمر عندنا يقتضي الفور؛ على ما بيّنّاه في اصول الفقه. وروي عن ابن عباس: أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «من أراد الحجّ فليعجّل، فقد أمر بتعجيله». وأيضاً روى أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن


1- رياض المسائل 6: 111- 112 ..
2- وسائل الشيعة 11: 197، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 25، الحديث 5 ..

ص: 171

علي عليه السلام أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى الحجّ ولم يحجّ فلا عليه أن يموت يهوديّاً أو نصرانياً، فتوعّده على التأخير فلولا أنّه يقتضي الفور لم يتوعّده على تأخيره».(1) فتأمّل جيّداً.

قوله قدس سره: «ولو عيّن الموصي مقداراً للُاجرة تعيّن وخرج من الأصل في الواجب وإن لم يزد على اجرة المثل وإلّا، فالزيادة من الثلث...».

قال في «الإيضاح»: «إذا كان الحجّ واجباً ولم يرد المعيّن عن اجرة المثل اخرج من الأصل، فإن قبل به النائب المعين تعيّن، وإلّا استؤجر غيره، وإن زاد عن اجرة المثل، فإن خرجت الزيادة من الثلث، أو أجاز الوارث وقبل المعيّن، فلا بحث، وإن لم يقبل المعيّن يحتمل استئجار غيره بالمعيّن؛ لأ نّه أوصى بشيئين: أحدهما: صرف هذا القدر في الحجّ. والثاني: استئجار الشخص المعيّن، ويجب العمل بالوصيّة ما أمكن ومراعاة الثلث أو الإجازة، فمع تعذّر أحدهما لا يسقط الميسور بالمعسور، ويحتمل باجرة المثل؛ لأنّه إنّما أوصى بالزيادة للمعيّن، فإذا ردّه رجع ميراثاً، كما إذا اوصى له شي ء، فردّه؛ لأنّ الغرض الذاتي هو الحجّ وإن لم يخرج من الثلث ولم يجز الورثة اخرج ما يحتمله والبحث كما تقدّم إذا كان الحجّ مندوباً اخرجت الوصيّة من الثلث مع عدم الإجازة، فإن لم تخرج ممّا تحمله، فإن قبل المعيّن تعيّن، وإلّا صرف في غيره والبحث في الزيادة عن اجرة المثل، كما تقدّم، فمنشأ الاحتمالين تعارض العمومين، وقد حقّق في الاصول، والأقوى عندي الثاني، وهو اجرة المثل».(2)


1- الخلاف 2: 257 ..
2- إيضاح الفوائد 1: 282 ..

ص: 172

(مسألة 4): يجب الاقتصار على استئجار أقلّ الناس اجرة مع عدم رضا الورثة أو وجود القاصر فيهم. والأحوط لكبار الورثة أن يستأجروا ما يناسب حال الميّت شرفاً.

بيانه- قال في «المدارك»: «أن يعيّن الأجير خاصّة والحجّ واجب، فيجب استئجاره بأقلّ اجرة يوجد من يحجّ بها عنه واحتمل الشهيد في «الدروس»:

وجوب إعطائه اجرة مثله إن اتّسع الثلث، وهو حسن، بل لا يبعد وجوب إجابته إلى ما طلب مطلقاً مع اتّساع الثلث؛ تنفيذاً للوصيّة بحسب الإمكان، فيكون الزائد عن الأقلّ محسوباً من الثلث إلّامع الإجازة، ولو امتنع الموصى له من الحجّ وجب استئجار غيره بمهما أمكن».(1)

قال في «الحدائق»- بعد ذكر هذه العبارة-: «ما ذكره هنا من وجوب استئجاره بأقلّ اجرة يوجد من يحجّ بها قد نقله في «الدروس» عن «المبسوط».

ونحوه قال العلّامة في «المنتهى»؛ حيث قال: «وإن عيّن الأجير دون الاجرة، فقال: أحجّوا عني فلاناً ولم يذكر مبلغ الاجرة، فإنّه يحجّ عنه بأقلّ ما يوجد من يحجّ عنه» إلّاأنّ الظاهر من عبارة «التذكرة» هنا هو أنّ الواجب الاستئجار باجرة المثل، حيث قال: إذا أوصى أن يحجّ عنه، فإمّا أن يكون الحجّ واجباً أو مندوباً، فإن كان واجباً، فلا يخلو إمّا أن يعيّن قدراً أو لا، فإن عيّن، فإن كان بقدر اجرة المثل اخرجت من الأصل، وإن زادت عن اجرة المثل اخرجت اجرة المثل من الأصل، والباقي من الثلث وإن لم يعيّن اخرجت اجرة المثل من أصل المال، وهو ظاهر في كون المخرج في هذه الصورة هو اجرة المثل لا أقلّ اجرة


1- مدارك الأحكام 7: 149 ..

ص: 173

(مسألة 5): لو أوصى وعيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن، ولو لم يعيّن كفى حجّ واحد إلّامع قيام قرينة على إرادته التكرار، ولو أوصى بالثلث ولم يعيّن إلّاالحجّ لا يبعد لزوم صرفه في الحجّ، ولو أوصى بتكرار الحجّ كفى مرّتان إلّا أن تقوم قرينة على الأزيد. ولو أوصى في الحجّ الواجب وعيّن أجيراً معيّناً تعيّن، فإن كان لا يقبل إلّابأزيد من اجرة المثل خرجت الزيادة من الثلث إن أمكن، وإلّا بطلت الوصيّة واستؤجر غيره باجرة المثل، إلّاأن يأذن الورثة، وكذا في نظائر المسألة. ولو أوصى في المستحبّ خرج من الثلث، فإن لم يقبل إلّا بالزيادة منه بطلت، فحينئذٍ إن كانت وصيّة بنحو تعدّد المطلوب يُستأجر غيره منه، وإلّا بطلت.

يوجد من يحجّ بها وعلى هذا، فإنّما يرجع إلى الثلث في ما زاد على اجرة المثل لا ما زاد عن الأقلّ، كما ذكروه.

وما ذكروه من التخصيص بهذا الأقلّ لم يوردوا عليه دليلًا ولم يذكروا له وجهاً وكأ نّهم لحظوا في ذلك رعاية جانب الوارث... على أنّهم قد صرّحوا بأ نّه إذا أوصى أن يحجّ عنه ولم يعيّن الاجرة انصرف ذلك إلى اجرة المثل وتخرج من الأصل والفرق بين المسألتين غير واضح»،(1) واللَّه العالم بالصواب.

حكم تعيين الاجرة لسنين وعدم وفائها

بيانه- قال في «المدارك»: «أمّا وجوب الاقتصار على المرّة إذا لم يعلم منه إرادة التكرار، فظاهر؛ لتحقّق الامتثال بذلك، وأمّا وجوب الحجّ عنه إلى


1- الحدائق الناضرة 14: 304- 305 ..

ص: 174

أن يستوفى الثلث إذا علم منه إرادة التكرار، فلأنّ الوصيّة لا تنفذ إلّافي الثلث إذا لم يجز الوارث.

ويؤيّده رواية محمّد بن الحسين بن أبي خالد قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أوصى أن يحجّ عنه مبهماً فقال: «يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شي ء».(1) ولا يخفى: أنّ ذلك إنّما يتمّ إذا علم منه إرادة التكرار على هذا الوجه وإلّا اكتفى بالمرّتين؛ لتحقّق التكرار بذلك، كما يكتفي المرّة مع الإطلاق، ولو كان في الحجّ الموصى به حجّ الإسلام لم يحتسب من الثلث، بل يخرج من الأصل أوّلًا، ثمّ يكرّر الحجّ بقدر الثلث»(2) انتهى كلامه رفع مقامه.

وفي رواية اخرى عن محمّد بن الحسن أنّه قال لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك، قد اضطررت إلى مسألتك، فقال: «هات»، فقلت: سعد بن سعد أوصى «حجّوا عنّي» مبهماً ولم يسمّ شيئاً ولا يدري كيف ذلك؟ فقال: «يحجّ عنه ما دام له مال»(3) والظاهر من قول السائل: «مبهماً» يعني أنّه لم يعيّن المرّات فكان إرادة التكرار معلومة عند الوصيّ وإنّما استشكل في المقدار.

قال صاحب «الحدائق»: «لا يبعد أن يقال: إنّ الظاهر من إطلاق هذه الأخبار أنّه بمجرّد هذا القول المحتمل لأن يراد منه حجّة واحدة أو اثنتان أو عشر أو نحو ذلك يجب الحجّ عنه حتّى يفنى ثلثه، ولأنّ يقين البرائة من تنفيذ الوصيّة لا يحصل إلّابذلك وهذا هو الأنسب بقول السائل: «مبهماً» وحينئذٍ فلا معنى لقولهم: فإن لم يعلم منه إرادة التكرار اقتصر على المرّة بل


1- وسائل الشيعة 11: 171، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 4، الحديث 2 ..
2- مدارك الأحكام 7: 143 ..
3- وسائل الشيعة 11: 171، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 4، الحديث 1 ..

ص: 175

الأظهر أن يقال: فإن علم منه عدم إرادة التكرار اقتصر على المرّة. وبالجملة فإنّ جميع ما ذكروه تقييد للنصّ المذكور وإطلاقه أعمّ من ذلك كما عرفت واللَّه العالم».(1)

وقال في «العروة الوثقى»: «لو أوصى بالحجّ وعيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن وإن لم يعيّن كفى حجّ واحد إلّاأن يعلم أنّه أراد التكرار، وعليه يحمل ما ورد في الأخبار من أنّه يحجّ عنه ما دام له مال كما في خبرين أو ما بقي من ثلثه شي ء كما في ثالث بعد حمل الأولين على الأخير من إرادة الثلث من لفظ المال، فما عن الشيخ وجماعة من وجوب التكرار ما دام الثلث باقياً ضعيف، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من الأخبار أنّه يجب الحجّ مادام يمكن الإتيان به ببقاء شي ء من الثلث بعد العمل بوصايا اخر، وعلى فرض ظهورها في إرادة التكرار، ولو مع عدم العلم بإرادته، لا بدّ من طرحها؛ لإعراض المشهور عنها، فلا ينبغي الإشكال في كفاية حجّ واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار. نعم، لو أوصى بإخراج الثلث، ولم يذكر إلّاالحجّ يمكن أن يقال:

بوجوب صرف تمامه في الحجّ، وكذا لو لم يذكر إلّاالمظالم، أو إلّاالزكاة، أو إلّا الخمس، ولو أوصى أن يحجّ عنه مكرّراً كفى مرّتان؛ لصدق التكرار معه»،(2) واللَّه العالم.


1- الحدائق الناضرة 14: 299 ..
2- العروة الوثقى 4: 578 ..

ص: 176

(مسألة 6): لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحجّ سنين معيّنة، وعيّن لكلّ سنة مقداراً معيّناً، واتّفق عدم كفاية ذلك المقدار لكلّ سنة، صُرف نصيب سنتين في سنة، أو ثلاث سنين في سنتين- مثلًا- وهكذا، ولو فَضُل من السنين فَضلة لا تفي بحجّة ولو من الميقات، فالأوجه صرفها في وجوه البرّ. ولو كان الموصى به الحجّ من البلد، ودار الأمر بين جعل اجرة سنتين- مثلًا- لسنة وبين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكلّ سنة يتعيّن الأوّل. هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحجّ بذلك المقدار على وجه التقييد، وإلّا فتبطل الوصيّة إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير، أو كانت مقيّدة بسنين معيّنة.

إذا أوصى بالحجّ ولم يعيّن العدد

بيانه- قال صاحب «الحدائق»: «لو أوصى أن يحجّ عنه سنين متعدّدة أو لكلّ سنة منها بمال معيّن، إمّا مفصّلًا، كمئة درهم، أو مجملًا، كغلّة بستان، فقصر ذلك عن اجرة الحجّ، فظاهر الأصحاب- من غير خلاف يعرف- أنّه يجمع ما زاد على سنة بما تكمل به الاجرة التي يحجّ بها، ثمّ يحجّ عنه لسنة، وهكذا.

واستدلّوا عليه بأنّ القدر المعيّن قد انتقل بالوصيّة عن ملك الورثة، ووجب صرفه في ما عيّنه الموصي بقدر الإمكان، ولا طريق إلى إخراجه بهذا الوجه، فيتعيّن.

أقول: والأظهر هو الاستدلال بالنصوص؛ فإنّ الاعتماد على مثل هذه التخريجات، سيّما مع وجود النصّ مجازفة ظاهرة، وإن كانت هذه طريقتهم؛ زعماً منهم أنّ هذا دليل عقلي وهو مقدّم على النقلي، وفيه ما حقّقناه في غير

ص: 177

موضع من مؤلّفاتنا، ولا سيّما في مقدّمات الكتاب.

واستدلّ في «المدارك» على ذلك بما رواه الكليني قدس سره عن إبراهيم بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام أنّ مولاك علي بن مهزيار أوصى أن يحجّ عنه من ضيعة صير ربعها لك في كلّ سنة حجّة بعشرين ديناراً، وأ نّه منذ انقطع طريق البصرة تضاعف المؤن على الناس فليس يكتفون بعشرين ديناراً وكذلك أوصى عدّة من مواليك في حجّهم، فكتب عليه السلام: «تجعل ثلاث حجج حجّتين إن شاء اللَّه تعالى».(1)

وعن إبراهيم قال: كتب إليه علي بن محمّد الحضيني أنّ ابن عمّي أوصى أن يحجّ عنه بخمسة عشر ديناراً في كلّ سنة، فليس يكفي، فما تأمر بذلك؟

فكتب عليه السلام: «تجعل حجّتين حجّة إنّ اللَّه تعالى عالم بذلك».(2)

ثمّ قال: في الروايتين ضعف من حيث السند أمّا الوجه الأوّل فلا بأس به، وإن أمكن المناقشة فيه بأنّ انتقال القدر المعيّن بالوصيّة إنّما يتحقّق مع إمكان صرفه فيها، ولهذا وقع الخلاف في أنّه إذا قصر المال الموصى به عن الحجّ هل يصرف في وجوه البرّ أو يعود ميراثاً؟ فيمكن إجراء مثل ذلك هنا لتعذّر صرف القدر الموصى به في الوصيّة. والمسألة محلّ تردّد وإن كان المصير إلى ما ذكره الأصحاب لا يخلو من قوّة، انتهى.

أقول: فيه أوّلًا: أنّ الروايتين، وإن كانتا ضعيفتين، إلّاأنّ الحكم اتّفاقي بين الأصحاب، كما صرّح به في صدر كلامه؛ حيث قال: وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، وهو في غير موضع من شرحه قد وافقهم على جبر الخبر


1- وسائل الشيعة 11: 170، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 3، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 11: 170، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 3، الحديث 1 ..

ص: 178

الضعيف بالاتّفاق على العمل بمضمونه.

وثانياً: أنّ الخبرين، وإن كانا ضعيفين بناءً على نقله لهما من «الكافي»، إلّا أنّهما في «من لا يحضره الفقيه» صحيحان، فإنّه رواهما فيه عن إبراهيم بن مهزيار وطريقه إليه في المشيخة أبوه عن الحميري عنه، وهو في أعلى مراتب الصحّة.

وثالثاً: أنّ ما ذكره- من أنّه يمكن المناقشة في الوجه الأوّل بأنّ انتقال القدر المعيّن بالوصيّة ينتقل عن الموصي إنّما يتحقّق مع إمكان صرفه فيها- وهم محض نشأ من عدم إعطاء التأمّل حقّه في الأخبار المتعلّقة بهذه المسألة؛ فإنّ المفهوم منها على وجه لا يعتريه الشكّ والإنكار، هو ما ذكره جلّ علمائنا الأبرار- رفع اللَّه اقدارهم في دار القرار- من أنّه بالوصيّة ينتقل عن الموصي، ولا يعود إلى ورثته، ومع عدم إمكانه في المصرف الموصى به يرجع إلى المصرف في أبواب البرّ، كما سيأتي تحقيق ذلك، وبذلك يظهر لك ما في كلامه قدس سره من قوله:

ولهذا وقع الخلاف في أنّه إذا قصر المال الموصى به... فإنّ هذا الخلاف بعد دلالة النصوص على التصدّق- كما سيظهر لك إن شاء اللَّه تعالى- مساهلة وجزاف، فإنّ الخلاف مع عدم الدليل، بل قيام الدليل على العدم، إنّما هو اعتساف وأيّ اعتساف».(1)


1- الحدائق الناضرة 14: 296- 298 ..

ص: 179

(مسألة 7): لو أوصى وعيّن الاجرة في مقدار، فإن كان واجباً ولم يزد على اجرة المثل، أو زاد وكفى ثلثه بالزيادة، أو أجاز الورثة، تعيّن، وإلّا بطلت ويرجع إلى اجرة المثل. وإن كان مندوباً فكذلك مع وفاء الثلث به، وإلّا فبقدر وفائه إذا كان التعيين لا على وجه التقييد، وإن لم يف به حتّى من الميقات ولم يأذن الورثة أو كان على وجه التقييد بطلت.

(مسألة 8): لو عيّن للحجّ اجرة لا يرغب فيها أحد ولو للميقاتي، وكان الحجّ مستحبّاً بطلت الوصيّة إن لم يرج وجود راغب فيها، وتُصرف في وجوه البرّ، إلّاإذا علم كونه على وجه التقييد فترجع إلى الوارث؛ من غير فرق في الصورتين بين التعذّر الطارئ وغيره، ومن غير فرق بين ما لو أوصى بالثلث وعيّن له مصارف وغيره.

إذا عيّن اجرة لا يرغب فيها راغب

بيانه- قال في «الحدائق»: المشهور بين الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- أنّه لو قصر ما عيّنه اجرة للحجّ عن ذلك؛ بحيث لا يرغب فيه أجير أصلًا، فإنّه يصرف في وجوه البرّ. وقيل: يعود ميراثاً، واستدلّ في «المنتهى» على القول المشهور بعد أن قطع به: «بأنّ هذا القدر من المال قد خرج عن ملك الورثة بالوصيّة النافذة، ولا يمكن صرفه في الطاعة التي عيّنها الموصي، فيصرف إلى غيرها من الطاعات؛ لدخولها في الوصيّة ضمناً»، واعترضه في «المدارك» بأ نّه يتوجّه عليه أوّلًا: منع خروجه عن ملك الوارث بالوصيّة؛ لأنّ ذلك إنّما يتحقّق مع إمكان صرفه فيها، والمفروض امتناعه، ومتى ثبت الامتناع المذكور كشف

ص: 180

عن عدم خروجه عن ملك الوارث.

وثانياً: أنّ الوصيّة إنّما تعلّقت بطاعة مخصوصة، وقد تعذّرت، وغيرها لم يدلّ عليه لفظ الموصي نطقاً ولا فحوى، فلا معنى لوجوب صرف الوصيّة إليه...

ومن هنا يظهر قوّة القول بعوده ميراثاً، وفصّل المحقّق الشيخ علي قدس سره في هذه المسألة، فقال: إن كان قصوره حصل ابتداءً؛ بحيث لم يمكن صرفه في الحجّ في وقت ماكان ميراثاً وإن كان ممكناً ثمّ طرء القصور بعد ذلك؛ لطروء زيادة الاجرة ونحوه، فإنّه لا يعود ميراثاً؛ لصحّة الوصيّة ابتداءً، فخرج بالموت عن الوارث، فلا يعود إليه إلّابدليل، ولم يثبت، غاية الأمر: أنّه قد تعذّر صرفه في الوجه المعيّن، فيصرف في وجوه البرّ، كما في المجهول المالك، ولعلّ الحكم بعوده ميراثاً مطلقاً أقرب انتهى».(1)

وقال في «العروة»: إذا عيّن للحجّ اجرة لا يرغب فيها أحد وكان الحجّ مستحبّاً بطلت إذا لم يرج وجود راغب فيها فحينئذٍ، فهل ترجع ميراثاً أو تصرف في وجوه البرّ أو يفصّل بين ما إذا كان كذلك من الأوّل فترجع ميراثاً أو كان الراغب موجوداً ثمّ طرء التعذّر؟ وجوه، والأقوى هو الصرف في وجوه البرّ، لا لقاعدة الميسور، بدعوى: أنّ الفصل إذا تعذّر يبقى الجنس؛ لأنّها قاعدة شرعية، وإنّما تجري في الأحكام الشرعية المجعولة للشارع ولا مسرح لها في مجعولات الناس، كما أشرنا إليه سابقاً، مع أنّ الجنس لا يعدّ ميسوراً للنوع، فمحلّها المركّبات الخارجية إذا تعذّر بعض أجزائها، ولو كانت ارتباطية، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي في أمثال المقام إرادة عمل ينفعه، وإنّما عيّن عملًا خاصّاً؛ لكونه أنفع في نظره من غيره، فيكون تعيينه لمثل الحجّ على وجه تعدّد


1- الحدائق الناضرة 14: 306 ..

ص: 181

المطلوب، وإن لم يكن متذكّراً لذلك حين الوصيّة».(1)

وقال استاذنا الأعظم آية اللَّه العظمى البروجردي- رضوان اللَّه تعالى عليه-:

«وجوب صرف ما تعذّر مصرفه من الوصايا والأوقاف وشبههما في وجوه البرّ ثابت من الأخبار الكثيرة الواردة في هذه الأبواب، ولا حاجة إلى إحراز تعدّد المطلوب بحسب قصد الموصي وغيره. نعم، منشأ هذا الحكم ظاهراً هو رعاية ما هو المرتكز في أعماق أذهانهم من تعدّد المطلوب، ولو بحسب النوع».(2) انتهى كلامه رفع مقامه.

وأيضاً قال في «العروة»: «نعم، لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللبّ أيضاً يكون الحكم فيه الرجوع إلى الورثة، ولا فرق في الصورتين بين كون التعذّر طارياً أو من الأوّل، ويؤيّد ما ذكرنا ما ورد من الأخبار في نظائر المقام، بل يدلّ عليه خبر علي بن سويد عن الصادق عليه السلام قال: قلت: مات رجل فأوصى بتركته أن أحجّ بها عنه فنظرت في ذلك، فلم تكفّ للحجّ، فسألت من عندنا من الفقهاء، فقالوا: تصدّق بها فقال عليه السلام: «ما صنعت؟» قلت: تصدّقت بها، فقال عليه السلام: «ضمنت إلّاأن لا تكون تبلغ أن يحجّ بها من مكّة، فإن كانت تبلغ أن يحجّ بها من مكّة فأنت ضامن».(3)

ويظهر ممّا ذكرنا حال سائر الموارد التي تبطل الوصيّة بجهة من الجهات، هذا في غير ما إذا أوصى بالثلث، وعيّن له مصارف، وتعذّر بعضها، وأمّا


1- العروة الوثقى 4: 582 ..
2- العروة الوثقى 4: 584، الهامش ..
3- وسائل الشيعة 19: 349، كتاب الوصايا، الباب 37، الحديث 2، لكن الرواية عن علي بن مزيد لا علي بن سرير ..

ص: 182

فيه، فالأمر أوضح؛ لأنّه بتعيينه الثلث لنفسه أخرجه عن ملك الوارث بذلك، فلا يعود إليه».(1)

وقال في «الحدائق» في مقام الاستدلال على المسألة: «ومنها: ما رواه المشايخ الثلاثة- رضوان اللَّه عليهم- عن علي بن مزيد صاحب السابري قال:

أوصى إليّ رجل بتركته وأمرني أن أحجّ بها عنه فنظرت في ذلك فإذا شي ء يسير لا يكفي للحجّ، فسألت أبا حنيفة وفقهاء أهل الكوفة، فقالوا: تصدّق بها عنه فلمّا حججت لقيت عبداللَّه بن الحسن في الطواف، فسألته وقلت له: إنّ رجلًا من مواليكم من أهل الكوفة مات وأوصى بتركته إليّ وأمرني أن أحجّ بها عنه، فنظرت في ذلك، فلم يكف للحجّ، فسألت من قبلنا من الفقهاء فقالوا: تصدّق بها، فتصدّقت بها، فما تقول؟ فقال لي: هذا جعفر بن محمّد في الحجر فآته واسأله، قال: فدخلت الحجر فاذا أبو عبداللَّه عليه السلام تحت الميزاب مقبل بوجهه إلى البيت يدعو، ثمّ التفت إليّ فرآني، فقال: «ما حاجتك؟» فقلت: جعلت فداك إنّي رجل من أهل الكوفة من مواليكم، فقال: «دع ذا عنك حاجتك»، قلت، رجل مات وأوصى إليّ بتركته أن أحجّ بها عنه، فنظرت في ذلك، فلم يكف للحجّ، فسألت من عندنا من الفقهاء، فقالوا: تصدّق بها، فقال: «ما صنعت؟» قلت:

تصدّقت بها، فقال: «ضمنت إلّاأن لا يكون يبلغ أن يحجّ به من مكّة، فإن كان لا يبلغ أن يحجّ به من مكّة فليس عليك ضمان وإن كان يبلغ أن يحجّ به من مكّة فأنت ضامن».(2) وما رواه المشايخ الثلاثة- رضوان اللَّه عليهم- عن محمّد بن الريّان قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن إنسان أوصى بوصيّة فلم


1- العروة الوثقى 4: 584 ..
2- مستدرك الوسائل 8: 64، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 2، الحديث 1 ..

ص: 183

(مسألة 9): لو أوصى بأن يحجّ عنه ماشياً أو حافياً أو مع مركوب خاصّ صحّ، واعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبياً، وخروج الزائد عن اجرة الحجّ الميقاتي، وكذا التفاوت بين المذكورات والحجّ المتعارف إن كان واجباً، ولو كان عليه حجّ نذري ماشياً ونحوه، خرج من أصل التركة أوصى به أم لا.

ولو كان نذره مقيّداً بالمباشرة فالظاهر عدم وجوب الاستئجار إلّاإذا احرز تعدّد المطلوب.

يحفظ الوصيّ إلّاباباً واحداً منها، كيف يصنع في الباقي؟ فوقّع: «الأبواب الباقية اجعلها في البرّ».(1)

والظاهر أنّ المتقدّمين إنّما ذكروا هذه المسألة استناداً إلى هذه الأخبار ولكن حيث لم تصل للمتأخّرين تكلّفوا هذه التعليلات العليلة»، واللَّه العالم.(2)

بيانه- قد تقدّم الكلام فيه في النذر، فلا احتاج في عوده وفي قول صاحب العروة في «العروة». «نعم، لو كان نذره مقيّداً بالمشي ببدنه»....


1- وسائل الشيعة 19: 393، كتاب الوصايا، الباب 61، الحديث 1 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 307- 309 ..

ص: 184

(مسألة 15): لو كان عند شخص وديعة، ومات صاحبها وكان عليه حجّة الإسلام، وعلم أو ظنّ أنّ الورثة لا يؤدّون عنه إن ردّها إليهم، وجب عليه أن يحجّ بها عنه، وإن زادت عن اجرة الحجّ ردّ الزيادة إليهم، والأحوط الاستئذان من الحاكم مع الإمكان، والظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شي ء، وكذا عدم الاختصاص بحجّ الودعي بنفسه. وفي إلحاق غير حجّة الإسلام بها من أقسام الحجّ الواجب أو سائر الواجبات مثل الزكاة ونحوها إشكال. وكذا في إلحاق غير الوديعة كالعين المستأجرة والعارية ونحوهما، فالأحوط إرجاع الأمر إلى الحاكم وعدم استبداده به. وكذا الحال لو كان الوارث منكراً أو ممتنعاً وأمكن إثباته عند الحاكم أو أمكن إجباره، فيرجع في الجميع إلى الحاكم ولا يستبدّ به.

حكم من كان عنده وديعة ومات صاحبها وعليه حجّة الإسلام

بيانه- قال في «المهذّب البارع»: «قال طاب ثراه: لو حصل بيد إنسان مال لميّت، وعليه حجّة مستقرّة وعلم أنّ الورثة لا يؤدّون جاز أن يقتطع قدر اجرة الحجّ.

أقول: الأصل في هذه المسألة صحيحة بريد بن معاوية العجلي عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن رجل استودعني مالًا فهلك، وليس لولده شي ء ولم يحجّ حجّة الإسلام قال: «حجّ عنه وما فضل فأعطهم».(1)

إذا عرفت هذا فإنّما يجوز بشروط:

أ- علمه أنّ الورثة لا يؤدّون ويكفي في هذا العلم غالب الظن.


1- وسائل الشيعة 11: 183، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 13، الحديث 1 ..

ص: 185

ب- أمنه من توجّه الضرر عليه أو على غيره.

ج- أن لا يتمكّن من الحاكم، فإن تمكّن من الحاكم بأن يشهد له عدلان بذلك أو غير ذلك من الأسباب بثبوت الحجّ في ذمّته وامتناع الورثة من الاستئجار فلا يستقلّ بالاستئجار من دون الشرط.

فروع

أ ذهب بعض إلى وجوب استيذان الحاكم وأطلق الباقون.

ب- لو تعدّد الودعي وعلم بعض ببعض توزّعوا الاجرة مع احتمال جعله فرض كفاية.

ج- الاستئجار هنا من بلد الميّت أو من أقرب الأماكن كغيره.

د- يجوز أن يحجّ بنفسه وهو ظاهر الرواية ويجوز الاستئجار والجعالة، وهي أولى إن اتّفقت.

ه- لو حجّ بنفسه، الظاهر أنّه يأخذ اجرة المثل؛ لحصول الإذن من الشرع على عمل لم يتبرّع به فيستدعي الرجوع بقيمته وهي اجرة مثله والأحوط الرجوع بأقلّ الأمرين من اجرة المثل ومن المؤونة.

و- لو لم يعلم الجماعة بعضهم ببعض، وحجّوا قدّم السابق بالإحرام، وهل يغرم الباقون مع الاجتهاد؟ تردّد الشهيد وجزم به فخر المحقّقين؛ لأنّه مال الغير وقد تصرّف فيه بغير إذنه، والأقوى عدم الضمان إن كان بإذن الحاكم، وإلّا ضمن، وحينئذٍ هل يضمن الحاكم للورثة في بيت المال؟ يحتمله قويّاً؛ لظهور الخطأ وعدمه؛ للأصل. ولو اتّفق إحرامهم دفعة سقط عن كلّ واحد منهم ما يختصّه من الاجرة الموزّعة. ولو علموا بعد الإحرام اقرع بينهم وتحلّل من لم تخرجه القرعة، فإن كان هو الودعي فلا شي ء له عن العمل السابق، وإن كان

ص: 186

نائباً عنه فإن كان على وجه الجعالة فلا شي ء؛ لأنّ المانع شرعي ويحتمل استحقاقه؛ لتحقّق العذر من جهة الجاعل وكونه لمصلحته فهو كرجوعه، وإن كان على وجه الاجرة استحقّ عليه بنسبة ما عمل قطعاً، وهل يضمنه الودعي أو يكون من التركة؟ الأقرب الأوّل لبراءة الميّت بغير حجّة.

ز- هل يطّرد الحكم في غير حجّة الإسلام كالمنذورة وكالعمرة؟ الظاهر ذلك، قال الشهيد: بل وفي قضاء الدين.

ح- هل يطّرد الحكم في غير الوديعة كالمضاربة والدين وفاضل الرهن والأمانة الشرعية؟ قال الشهيد: نعم وفي الغصب، ومنع فخر المحقّقين دخول الغاصب وعبارة المصنّف في النافع يعطي العموم والأولى اشتراط التوبة في الغاصب على القول بدخوله.

ط- هل هذا الأمر المستودع على سبيل الوجوب أو لا؟ الأقرب الأوّل؛ لأنّه الأصل في إطلاق الأمر، أو من باب الحسبة، فلو لم يفعل، وسلّم إلى الورثة، فلم يحجّوا عنه ضمن.

ي- لو غلب على ظنّه أنّهم يخرجون، فسلّم إليهم، فلم يخرجوا لم يضمن؛ لأ نّه مخاطب بما في ظنّه.

يا- لو عرف إخراج بعضهم وعدم الرضا من الباقين وجب إعلام المخرج واستيذانه؛ لأنّه أحقّ بالولاية إلّامع خوف الضرر أو خوف أدائه إلى علم الباقين وحصول مفسدة فيه منه...».(1)

وقال في «العروة»: «لو كان عند شخص وديعة ومات صاحبها وكان عليه حجّة الإسلام وعلم أو ظنّ أنّ الورثة لا يؤدّون عنه إن ردّها إليهم جاز بل وجب


1- المهذّب البارع 2: 138- 141 ..

ص: 187

أن يحجّ بها عنه، وإن زادت عن اجرة الحجّ ردّ الزيادة إليهم؛ لصحيحة بريد عن رجل استودعني مالًا فهلك وليس لوارثه شي ء ولم يحجّ حجّة الإسلام قال عليه السلام: «حجّ عنه وما فضل فأعطهم».(1) وهي وإن كانت مطلقة إلّاأنّ الأصحاب قيّدوها بما إذا علم أو ظنّ بعدم تأديتهم لو دفعها إليهم ومقتضى إطلاقها عدم الحاجة إلى الاستيذان من الحاكم الشرعي ودعوى أنّ ذلك للإذن من الإمام كماترى؛ لأنّ الظاهر من كلام الإمام بيان الحكم الشرعي ففي مورد الصحيحة لا حاجة إلى الإذن من الحاكم والظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شي ء، وكذا عدم الاختصاص بحجّ الودعي بنفسه؛ لانفهام الأعمّ من ذلك منها وهل يلحق بحجّة الإسلام غيرها من أقسام الحجّ الواجب أو غير الحجّ من سائر ما يجب عليه مثل الخمس والزكاة والمظالم والكفارات والدّين أو لا؟ وكذا هل يلحق بالوديعة غيرها مثل العارية والعين المستأجر والمغصوبة والدّين في ذمّته أو لا؟ وجهان، قد يقال بالثاني؛ لأنّ الحكم على خلاف القاعدة إذا قلنا: إنّ التركة مع الدين ينتقل إلى الوارث، وإن كانوا مكلّفين بأداء الدين ومحجورين عن التصرّف قبله، بل وكذا على القول ببقائها معه على حكم مال الميّت؛ لأنّ أمر الوفاء إليهم، فلعلّهم أرادوا الوفاء من غير هذا المال أو أرادوا أن يباشروا العمل الذي على الميّت بأنفسهم، والأقوى مع العلم بأنّ الورثة لا يؤدّون، بل مع الظنّ القويّ أيضاً جواز الصرف فيما عليه، لا لما ذكره في المستند؛ من أنّ وفاء ما على الميّت من الدين أو نحوه واجب كفائي على كلّ من قدر على ذلك، وأولوية الورثة بالتركة إنّما هي ما دامت موجودة، وأمّا إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتّى تكون


1- وسائل الشيعة 11: 183، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 13، الحديث 1 ..

ص: 188

الورثة أولى به؛ إذ هذه الدعوى فاسدة جدّاً، بل لإمكان فهم المثال من الصحيحة، أو دعوى تنقيح المناط، أو أنّ المال إذا كان بحكم مال الميّت فيجب صرفه عليه ولا يجوز دفعه إلى من لا يصرفه، بل وكذا على القول بالانتقال إلى الورثة؛ حيث أنّه يجب صرفه في دينه، فمن باب الحسبة يجب على من عنده صرفه عليه ويضمن لو دفعه إلى الوارث؛ لتفويته على الميّت. نعم، يجب الاستيذان من الحاكم؛ لأنّه وليّ من لا وليّ له، ويكفي الإذن الإجمالي، فلا يحتاج إلى إثبات وجوب ذلك الواجب عليه، كما قد يتخيل. نعم، لو لم يعلم ولم يظنّ عدم تأدية الوارث يجب الدفع إليه، بل لو كان الوارث منكراً أو ممتنعاً وأمكن إثبات ذلك عند الحاكم أو أمكن إجباره عليه لم يجز لمن عنده أن يصرفه بنفسه»(1) انتهى كلامه رفع مقامه.

وقال في «الجواهر»: «وبالجملة ليس للأصحاب كلام منقّح في جميع أطراف المسألة، وقد ذكرنا في الوصايا طرفاً منه، ثمّ إنّ مورد الرواية الوديعة، ولكن الحق بها غيرها من الحقوق المالية حتّى الغصب والدين، ولعلّه لأنّ مبنى ما ورد في الوديعة الحسبة التي لا فرق فيها بين الجميع، إلّاأنّ اعتبار إذن الحاكم هنا أقوى من الأوّل، خصوصاً في الدين الذي لا يتعيّن إلّابقبض من هو له أو من يقوم مقامه، ومن هنا يتّجه ما عن بعضهم أيضاً؛ من إلحاق غير حجّة الإسلام بها، بل إلحاق غير الحجّ من الحقوق المالية، كالخمس والزكاة والديون ونحوها به في الحكم المزبور، خلافاً لبعضهم، بل قد يتّجه ما صرّح به من الضمان بالدفع إلى الوارث للتمكّن من منعه مع عدم الأداء منه»،(2) واللَّه العالم.


1- العروة الوثقى 4: 591- 594 ..
2- جواهر الكلام 17: 403- 404 ..

ص: 189

(مسألة 17): يجوز لمن أعطاه رجل مالًا لاستئجار الحجّ، أن يحجّ بنفسه ما لم يعلم أنّه أراد الاستئجار من الغير ولو بظهور لفظه في ذلك، ومع الظهور لا يجوز التخلّف إلّامع الاطمئنان بالخلاف، بل الأحوط عدم مباشرته إلّا مع العلم بأنّ مراد المعطي حصول الحجّ في الخارج، وإذا عيّن شخصاً تعيّن إلّا إذا علم عدم أهليته، وأنّ المعطي مشتبه في ذلك، أو أنّ ذكره من باب أحد الأفراد.

بيانه- قال في «الحدائق»: إنّ الاستئجار ضربان: أحدهما: استئجار عين الشخص؛ بأن يقول الموجر: آجرتك نفسي لأحجّ عنك، أو عن ميّتك بنفسي بكذا وكذا. وثانيهما: إلزام نفسه بالعمل بأن يستأجره ليحصل له الحجّ، إمّا بنفسه، أو بغيره، وقال العلّامة في «المنتهى»: الإجارة على الحجّ على ضربين:

معيّنة وفي الذمّة فالمعيّنة أن يقول: استأجرتك لتحجّ عنّي هكذا بكذا فهاهنا يتعيّن على الأجير فعلها مباشرة، ولا يجوز له أن يستنيب غيره؛ لأنّ الإجارة وقعت على فعله بنفسه، ولو قال: على أن تحجّ عنّي بنفسك كان تأكيداً؛ لأنّ إضافة الفعل إليه في الصورة الاولى تكفي في ذلك، ولو استأجر النائب غيره لم تنعقد الاجرة، وأمّا التي في الذمّة بأن يستأجره ليحصل له حجّة، فيقول:

استأجرتك لتحصل لي حجّة، ويكون قصده تحصيل النيابة مطلقاً؛ سواء كانت الحجّة الصادرة عنه من الأجير، أو من غيره، فإنّ هذا صحيح، ويجوز للأجير أن يستنيب فيها؛ لأنّه كالمأذون له في فعل ما استؤجر فيه لغيره، وكان كما لو صرّح له بالاستنابة.

أقول: وينبغي أن يحمل على هذا القسم الثاني ما رواه الشيخ عن عثمان بن

ص: 190

عيسى عن الصادق عليه السلام قال: قلت له: ما تقول في رجل يعطى الحجّة فيدفعها إلى غيره؟ قال: «لا بأس»(1)... وبعض الأصحاب حمله على الإذن لفهمه منه الحمل على الصورة الاولى، والأظهر ما ذكرناه واللَّه العالم.(2)


1- وسائل الشيعة 11: 184، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 14، الحديث 1 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 309- 410 ..

ص: 191

أقسام العمرة

القول: في أقسام العمرة

اشارة

(مسألة 1): تنقسم العمرة كالحجّ إلى واجب أصلي وعرضي ومندوب، فتجب بأصل الشرع على كلّ مكلّف بالشرائط المعتبرة في الحجّ مرّة في العمر. وهي واجبة فوراً كالحجّ، ولا يشترط في وجوبها استطاعة الحجّ، بل تكفي استطاعتها فيه وإن لم يتحقّق استطاعته، كما أنّ العكس كذلك، فلو استطاع للحجّ دونها وجب دونها.

وجوب العمرة بأصل الشرع

بيانه- قال في «العروة»: «تنقسم العمرة كالحجّ إلى واجب أصلي وعرضي ومندوب، فتجب بأصل الشرع على كلّ مكلّف بالشرائط المعتبرة في الحجّ في العمر مرّة بالكتاب والسنة والإجماع، ففي صحيحة زرارة(1): «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ، فإنّ اللَّه تعالى يقول: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّه».(2)


1- وسائل الشيعة 11: 9، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 1، الحديث 5 ..
2- البقرة( 2): 196 ..

ص: 192

وفي صحيحة الفضيل في قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ قال عليه السلام: «هما، مفروضان».(1) ووجوبها بعد تحقّق الشرائط فوري كالحجّ، ولا يشترط في وجوبها استطاعة الحجّ، بل تكفي استطاعتها في وجوبها، وإن لم تتحقّق استطاعة الحجّ، كما أنّ العكس كذلك، فلو استطاع للحجّ دونها وجب دونها، والقول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كلّ منهما، وأ نّهما مرتبطان ضعيف، كالقول باستقلال الحجّ في الوجوب دون العمرة».(2)

وقال في «رياض المسائل»: «ومن شروطه النيّة، وأن يقع في أشهر الحجّ بلا خلاف بين الأصحاب أجده وبه صرّح في «الذخيرة» معرباً عن دعوى إجماعهم عليه، كما هو أيضاً ظاهر جماعة، بل فيها، وفي «المدارك» عن «المعتبر»: أنّ عليه اتّفاق العلماء كافّة؛ للعمومات كتاباً وسنّة وخصوص نحو الصحيح في قول اللَّه عزّ وجلّ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ؛(3)... «وهو شوّال وذو القعدة وذو الحجّة».(4)

وفي «المنتهى»: «وغيره خلافاً لأبي حنيفة وأحمد والثوري، فأجازوا الإحرام به قبلها، وأن يعقد إحرامه من الميقات، وهو أحد الستّة الآتية، وما في حكمها، ومن دويرة أهله إن كانت أقرب من الميقات إلى عرفات... ولا خلاف في هذا الشرط أيضاً على الظاهر المصرّح به في كلام جماعة وعن «التذكرة»:


1- وسائل الشيعة 11: 8، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 1، الحديث 3 ..
2- العروة الوثقى 4: 597 ..
3- البقرة( 2): 197 ..
4- وسائل الشيعة 11: 271، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 11، الحديث 2 ..

ص: 193

الإجماع على أنّ أهل مكّة يحرمون من منزلهم، وفي «الذخيرة»: أنّه المعروف (مسألة 2): تُجزي العمرة المتمتّع بها عن العمرة المفردة، وهل تجب على من وظيفته حجّ التمتّع إذا استطاع لها ولم يكن مستطيعاً للحجّ؟ المشهور عدمه، وهو الأقوى، وعلى هذا لا تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة؛ وإن كان مستطيعاً لها، وهو في مكّة، وكذا لا تجب على من تمكّن منها ولم يتمكّن من الحجّ لمانع، لكن الأحوط الإتيان بها.

من مذهب الأصحاب، وسيأتي من الأخبار ما يدلّ عليه»(1) انتهى كلامه رفع مقامه.

بيانه- قال في «العروة»: «تجزئ العمرة التمتّع بها عن العمرة المفردة بالإجماع والأخبار، وهل على من وظيفته حجّ التمتّع إذا استطاع لها ولم يكن مستطيعاً للحجّ؟ المشهور عدمه، بل أرسله بعضهم إرسال المسلمات، وهو الأقوى...».(2)


1- رياض المسائل 6: 148 ..
2- العروة الوثقى 4: 598 ..

ص: 194

(مسألة 3): قد تجب العمرة بالنذر والحلف والعهد والشرط في ضمن العقد والإجارة والإفساد؛ وإن كان إطلاق الوجوب عليها في غير الأخير مسامحة على ما هو التحقيق. وتجب أيضاً لدخول مكّة بمعنى حرمته بدونها، فإنّه لا يجوز دخولها إلّامحرماً إلّافي بعض الموارد: منها: من يكون مقتضى شغله الدخول والخروج كراراً، كالحطّاب والحشّاش، وأمّا استثناء مطلق من يتكرّر منه فمشكل. ومنها: غير ذلك كالمريض والمبطون ممّا ذُكر في محلّه، وما عدا ذلك مندوب. ويستحبّ تكرارها كالحجّ، واختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين، والأحوط فيما دون الشهر الإتيان بها رجاءً.

وجوب العمرة بالنذر وشبهه

بيانه- قال في «المهذّب البارع»: «وهي واجبة في العمر، على كلّ مكلّف بالشرائط المعتبرة في الحجّ. وقد تجب بالنذر وشبهه وبالاستئجار والإفساد والفوات وبدخول مكّة عدا من يتكرّر والمريض. وأفعالها ثمانية: النيّة والإحرام والطواف وركعتاه والسعي وطواف النساء وركعتاه والتقصير أو الحلق وتصحّ في جميع أيّام السنة وأفضلها رجب ومن أحرم بها في أشهر الحجّ ودخل مكّة....

قال طاب ثراه: ويصحّ الإتباع إذا كان بين العمرتين شهر، وقيل: عشرة أيّام، وقيل لا يكون في السنة إلّاعمرة واحدة، ولم يقدّر علم الهدي بينهما حدّاً.

أقول: في المسألة أربعة أقوال حكاها المصنّف:

فالأوّل: قول الشيخ في «النهاية» والتقي وابن حمزة، واختاره المصنّف والعلّامة في «المختلف»؛ لأنّ هذه أحكام متلقّاة من الشارع، فيجب المصير إلى

ص: 195

ما وقع عليه الاتّفاق، ولصحيحة معاوية ويونس بن يعقوب.(1)

والثاني: قوله في «الخلاف»، وبه قال القاضي وأبو علي؛ لرواية علي بن حمزة.(2)

الثالث: قول الحسن؛ لصحيحتي الزرارة والحلبي عن الصادق والباقر عليهما السلام: «لا يكون في السنة عمرتان».(3)

الرابع: قول السيّد وابن إدريس؛ لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما» ولم يفصّل».(4)

وقال في «السرائر»، باب كيفية الإحرام: «واختلف أصحابنا في أقلّ ما يكون بين العمرتين إلى أن قال: وقال بعضهم لا أوقّت وقتاً ولا أجعل بينهما مدّة ويصحّ في كلّ يوم عمرة وهذا القول يقوى في نفسي...».(5)

وقال في «شرح اللمعة»: «خاتمة: تجب العمرة على المستطيع إليها سبيلًا بشروط الحجّ وإن استطاع إليها خاصّة إلّاأن تكون عمرة تمتّع، فيشترط في وجوبها الاستطاعة لهما معاً؛ لارتباط كلّ منهما بالآخر، وتجب أيضاً بأسبابه الموجبة له لو اتّفقت لها كالنذر وشبهه والاستئجار والإفساد وتزيد عنه بفوات الحجّ بعد الإحرام ويشتركان أيضاً في وجوب أحدهما تخييراً لدخول المكّة لغير المتكرّر والداخل لقتال والداخل عقيب إحلال من إحرام ولمّا يمض ...».(6)


1- تهذيب الأحكام 5: 434/ 1507 و 1509 ..
2- تهذيب الأحكام 5: 434/ 1508 ..
3- تهذيب الأحكام 5: 435/ 1511 و 1512 ..
4- المهذّب البارع 2: 222- 224 ..
5- السرائر 1: 540 ..
6- الروضة البهيّة 1: 584 ..

ص: 196

أقسام الحجّ

القول: في أقسام الحجّ

اشارة

وهي ثلاثة: تمتّع وقران وإفراد، والأوّل فرض من كان بعيداً عن مكّة، والآخران فرض من كان حاضراً؛ أي غير بعيد. وحدّ البعد ثمانية وأربعون ميلًا من كلّ جانب على الأقوى من مكّة. ومن كان على نفس الحدّ فالظاهر أنّ وظيفته التمتّع، ولو شكّ في أنّ منزله في الحدّ أو الخارج وجب عليه الفحص، ومع عدم تمكّنه يراعي الاحتياط. ثمّ إنّ ما مرّ إنّما هو بالنسبة إلى حجّة الإسلام.

وأمّا الحجّ النذري وشبهه فله نذر أيّ قسم شاء، وكذا حال شقيقيه. وأمّا الإفسادي فتابع لما أفسده.

بيانه- قال في «الجواهر»: «وهي ثلاثة: تمتّع وقران وإفراد بلا خلاف أجده فيه بين علماء الإسلام، بل إجماعهم بقسميه عليه، مضافاً إلى النصوص المتواترة فيه أو القطعية، بل قيل: إنّه من الضروريات ولكن عن عمر متواتراً أنّه قال: «متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أنا محرّمهما ومعاقب عليهما:

متعة النساء ومتعة الحجّ»(1) وظاهره عدم مشروعية المتعة في الحجّ أصلًا؛ بمعنى


1- السنن الكبرى، البيهقي 7: 206 ..

ص: 197

بقاء الحجّ عنده كما كان قبل نزول التمتّع ما بين إفراد وقران، وقد أخبره بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في المروي متواتراً عنه في حجّة الوداع(1)....

وأمّا حجّ التمتّع فصورته المتّفق عليها في الجملة على الإجمال: أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ ويتوصّل بها إليه من قولهم: حبل ماتع أي طويل ومتع النهار طال وارتفع أو المنتفع بها بالتحلّل بينها وبين الحجّ».(2)

قوله رحمه الله: «وحدّ البعد ثمانية وأربعون ميلًا من كلّ جانب على الأقوى من مكّة».

قال في «المهذّب البارع»: «وحدّه: من بعد عنها بثمانية وأربعين ميلًا من كلّ جانب أقول: مختار المصنّف هو مذهب الشيخين في «المقنعة» و «النهاية» و «التهذيب» والصدوق واختاره العلّامة في «المختلف» و «التذكرة»، وجزم به الشهيد، وبه تشهد الروايات، وما حكاه من تحديده باثني عشر ميلًا، وهو مذهب الشيخ في «الجمل» و «المبسوط» و «الاقتصاد». واختاره التقي وابن إدريس وهو مذهب العلّامة في «القواعد» و «الإرشاد» قال الشهيد: ولا نعلم مستنده».(3)

وقال في «العروة الوثقى»: «والقول بأنّ حدّه اثنا عشر ميلًا من كلّ جانب، كما عليه جماعة ضعيف، لا دليل عليه إلّاالأصل، فإنّ مقتضى جملة من


1- راجع: وسائل الشيعة 11: 213، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 2، الحديث 4 ..
2- جواهر الكلام 18: 2- 3 ..
3- المهذّب البارع 2: 144 ..

ص: 198

الأخبار وجوب التمتّع على كلّ أحد، والقدر المتيقّن الخارج منها من كان دون الحدّ المذكور، وهو مقطوع بما مرّ، أو دعوى أنّ الحاضر مقابل للمسافر، والسفر أربعة فراسخ، وهو كماترى، أو دعوى أنّ الحاضر المعلّق عليه وجوب غير التمتّع أمر عرفي، والعرف لا يساعد على أزيد من اثني عشر ميلًا، وهذا أيضاً كماترى، كما أنّ دعوى أنّ المراد من ثمانية وأربعين التوزيع على الجهات الأربع، فيكون من كلّ جهة اثني عشر ميلًا منافية لظاهر تلك الأخبار وأمّا صحيحة حريز الدالّة على أنّ حد البعد ثمانية عشر ميلًا فلا عامل بها كما لا عامل بصحيحة حمّاد بن عثمان والحلبي الدالّتين على أنّ الحاضر من كان دون المواقيت إلى مكّة، وهل يعتبر الحدّ المذكور من مكّة أو من المسجد؟ وجهان:

أقربهما: الأوّل، ومن كان على نفس الحدّ، فالظاهر أنّ وظيفته التمتّع؛ لتعليق حكم الإفراد والقران على ما دون الحدّ، ولو شكّ في كون منزله في الحدّ، أو خارجه وجب عليه الفحص، ومع عدم تمكّنه يراعي الاحتياط، وإن كان لا يبعد القول: بأ نّه يجري عليه حكم الخارج، فيجب عليه التمتّع؛ لأنّ غيره معلّق على عنوان الحاضر، وهو مشكوك، فيكون كما لو شكّ في أنّ المسافة ثمانية فراسخ، أو لا، فإنّه يصلّي تماماً؛ لأنّ القصر معلّق على السفر، وهو مشكوك، ثمّ ما ذكر إنّما هو بالنسبة إلى حجّة الإسلام؛ حيث لا يجزئ للبعيد إلّاالتمتّع، ولا للحاضر إلّاالإفراد أو القران، وأمّا بالنسبة إلى الحجّ الندبي، فيجوز لكلّ من البعيد والحاضر كلّ من الأقسام الثلاثة بلا إشكال، وإن كان الأفضل اختيار التمتّع وكذا بالنسبة إلى الواجب غير حجّة الإسلام، كالحجّ النذرى وغيره، قال العلّامة البروجردي قدس سره لا يخلو من إشكال وليس هذا نظير الشكّ في مسافة القصر، فإنّ موضوع وجوب الإتمام، وهو عدم المسافرة إلى ثمانية

ص: 199

(مسألة 1): من كان له وطنان؛ أحدهما دون الحدّ، والآخر خارجه أو فيه، لزمه فرض أغلبهما، لكن بشرط عدم إقامة سنتين بمكّة، فإن تساويا فإن كان مستطيعاً من كلّ منهما تخيّر بين الوظيفتين؛ وإن كان الأفضل اختيار التمتّع، وإن كان مستطيعاً من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة.

فراسخ مستصحب هناك بخلافه هنا حينئذٍ ظاهر.(1)

أقول: والمعتمد هو القول الأوّل ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول اللَّه تعالى في كتابه ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟(2) قال: «يعني: أهل مكّة ليس عليهم متعة كلّ من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلًا ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكّة فهو ممّن دخل في هذه الآية، وكلّ من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة»،(3) واللَّه العالم.

حكم ذي الوطنين بالنسبة إلى نوع الحجّ

بيانه- قال في «الحدائق»: «لو كان له منزلان بمكّة وغيرها من البلدان البعيدة فإن تساوت الإقامة فيهما تخيّر وإلّا أخذ بفرض الأغلب. واحتجّوا على الحكم الأوّل بأ نّه مع التساوي لا يكون حكم أحدهما أرجح من الآخر فيتحقّق التخيير وعلى الثاني بأ نّه إنّما لزمه فرض أغلبهما؛ لأنّ مع غلبة أحدهما يضعف جانب الآخر فيسقط اعتباره...، فيدلّ صحيحة زرارة الدالّة على أنّ من له أهل بمكّة


1- العروة الوثقى 4: 600 ..
2- البقرة( 2): 195 ..
3- وسائل الشيعة 11: 259، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 6، الحديث 3 ..

ص: 200

وأهل بالعراق، فإنّه ينظر إلى ما هو الغالب عليه من الإقامة في أيّهما فهو من أهله.

وأيضاً التخيير بالنسبة إلى متساوي الإقامة فالظاهر أنّه لا إشكال فيه؛ لأنّه لا يجوز أن يأخذ أحدهما بخصوصه بغير دليل ولا مرجّح ولا يجوز إلغاؤهما معاً الموجب لسقوط الفرضين فلم يبق إلّاالأخذ بهما معاً على جهة التخيير وفي الترجيح بالغلبة.

قال في «المدارك»: «يجب تقييد هذا الحكم بما إذا لم تكن إقامته في مكّة سنتين متواليتين؛ فإنّه حينئذٍ يلزمه حكم أهل مكّة، وإن كانت إقامته في النائي أكثر؛ لما تقدّم من أنّ إقامة السنتين توجب انتقال حكم النائي الذي ليس له بمكّة مسكن أصلًا، فمن له مسكن أولى».(1)

وقائل أن يقول: إنّ هاهنا عمومين تعارضا أحدهما: ما دلّ على أنّ ذا المنزلين متى غلبت عليه الإقامة في أحدهما وجب عليه الأخذ بفرضه؛ أعم من أن يكون أقام بمكّة سنتين أو لم يقم، فلو فرضنا أنّه في كلّ مرّة يقيم في المنزل الآفاقي خمس سنين، وفي المنزل المكّي سنتين أو ثلاثاً؛ فإنّه يجب عليه فرض الآفاقي بمقتضى الخبر المذكور، وإن كان أقام بمكّة سنتين.

وثانيهما: ما دلّ على أنّ المقيم بمكّة سنتين ينتقل فرضه إلى أهل مكّة؛ أعمّ من أن يكون له منزل ناء، أم لا، زادت إقامته أم لا، وتخصيص أحد العمومين بالآخر يحتاج إلى دليل، وما ادّعاه من الأولوية في حيّز المنع».(2)

قوله قدس سره: «فإنّ تساويا فإنّ كان... الأفضل اختيار التمتّع».

قال في «الجواهر»: «فإن تساويا واستطاع من كلّ منهما كان له الحجّ بأيّ


1- مدارك الأحكام 7: 211 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 429- 430 ..

ص: 201

الأنواع شاء؛ بلا خلاف أجده فيه أيضاً؛ سواء كان في أحدهما أو في غيرهما؛ لعدم المرجّح حينئذٍ، ولاندراجه في إطلاق ما دلّ على وجوب الحجّ بعد خروجه عن المقيّدين، ولو لظهورهما في غير ذي المنزلين، بل لو سلّم اندراجه فيهما كان المتّجه التخيير أيضاً بعد العلم بانتفاء وجوب الجمع عليه في سنتين، كالعلم بعدم سقوط الحجّ عنه، لكن مع ذلك كلّه، والأولى له اختيار التمتّع؛ لاستفاضة النصوص بل تواترها في الأمر به، على وجه يقتضي رجحانه على غيره، أو أنّه الأصل في أنواع الحجّ... فالأولى له التمتّع، بل على القول بجوازه لأهل مكّة هو الأحوط. هذا كلّه مع الاستطاعة من كلّ منهما، ولو كان في غيرهما، أمّا لو استطاع في أحدهما لزمه فرضه كما في «كشف اللثام»؛ لعموم الآية والأخبار. وعن بعض الحواشي حصر التخيير فيما لو استطاع في غيرهما وفيه ما لا يخفى».(1)

وقال في «شرح اللمعة»: «ولو كان له منزلان بمكّة أو ما في حكمها، وبالآفاق الموجبة للتمتّع وغلبت إقامته في الآفاق تمتّع، وإن غلبت بمكّة أو ما في حكمها قرن أو أفرد، ولو تساويا في الإقامة تخيّر في الأنواع الثلاث هذا إذا لم يحصل من إقامته بمكّة ما يوجب انتقال حكمه، كما لو أقام بمنزله الآفاقي ثلاث سنين وبمكّة سنتين متواليتين وحصلت الاستطاعة فيها؛ فإنّه حينئذٍ يلزمه حكم مكّة وإن كانت إقامته في الآفاق أكثر، ولا فرق في الإقامة بين ما وقع منها حال التكليف وغيره ولا بين أتمّ الصلاة فيها وغيره، ولا بين الاختيارية والاضطرارية، ولا بين المنزل المملوك عيناً ومنفعة والمغصوب، ولا بين أن يكون بين المنزلين مسافة القصر وعدمه؛ لإطلاق النصّ في ذلك كلّه، ومسافة


1- جواهر الكلام 18: 94 ..

ص: 202

(مسألة 2): من كان من أهل مكّة وخرج إلى بعض الأمصار ثمّ رجع إليها، فالأحوط أن يأتي بفرض المكّي، بل لا يخلو من قوّة.

السفر إلى كلّ منهما لا يحتسب عليهما. ومتى حكم باللحوق بأحد المنزلين اعتبرت الاستطاعة منه ولو اشتبه الأغلب منه تمتّع».(1)

وظيفة المكّي إذا بَعُد عنها

بيانه- كما أنّ الآفاقي لا ينقلب فرضه إلى الإفراد والقران ما لم ينو للإقامة الدائمية بمكّة ومضيّ سنتين، كذلك لا ينقلب فرض من كان من أهل مكّة إلى التمتّع حتّى ينو الإقامة في الآفاق دائماً وتمضي عليه سنتان يعني لو هاجر مكّة إلى غيرها من الآفاق لكن استطاعته كانت في زمن كونه بمكّة فالواجب عليه هو فرض أهل مكّة.

وقال في «رياض المسائل» ما ملخّصه: «والمكّي إذا بعد ثمّ حجّ على ميقات من المواقيت الخمسة التي للآفاق أحرم منه وجوباً بغير خلاف ظاهر، مصرّح به في جملة من العبائر، ومن النصوص ما يدلّ عليه وليس في العبارة وما ضاهاها دلالة على تعيين النوع الذي يحرم به من الميقات، والظاهر أنّه فرضه واختلف في جواز التمتّع له... بل إذا أراد حجّة الإسلام خرج إلى ميقاته فأحرم منه للتمتّع وجوباً بلا خلاف أجده، بل قيل: إجماعاً فتوى ونصّاً، وإن اختلفا في تعيين الميقات الذي يخرج إليه أنّه هل هو ميقات أهله كما هو ظاهر العبارة «الخلاف» و «المقنعة» و «الكافي» و «الجامع» و «المعتبر» و «المنتهى»


1- الروضة البهيّة 1: 474 ..

ص: 203

و «التذكرة»... أو أيّ ميقات كان كما يقتضيه إطلاق «الشرائع» و «القواعد» و «النهاية» و «المبسوط» و «المقنع» كما حكي. وصرّح به شيخنا الشهيد الثاني؛ للمرسل: «ليس له أن يحرم من مكّة لكن يخرج إلى الوقت...» الخبر(1) مؤيّداً بعدم خلاف في أنّ من مرّ على ميقات أحرم منه وإن لم يكن من أهله، أو أدنى الحلّ كما عن الحلبي؛ للصحيح وغيره قال: «من أين؟». قلت: يخرجون من الحرم.(2) وفي الجميع نظر».(3)

وقال في «الحدائق»: «واحتمل السيّد السند قدس سره الاكتفاء بالخروج إلى أدنى الحلّ مطلقاً، واستحسنه في الكفاية، ونقل عن المحقّق الأردبيلي أنّه استظهره أيضاً، ونقل بعض فضلاء متأخّري المتأخّرين أنّه قول الحلبي. وحينئذٍ فقد تلخّص أنّ في المسألة أقوالًا ثلاثة:

الأوّل: القول بوجوب الخروج إلى ميقات أهل بلده.

الثاني: الخروج إلى أيّ ميقات أراد من غير تعيين؛ الثالث: الاكتفاء بالخروج إلى أدنى الحلّ.

واستدلّ للقول الأوّل برواية سماعة عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن المجاور أله أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟ قال: «نعم، يخرج إلى مهلّ أرضه فيلبّي إن شاء».(4)

ويمكن الاستدلال عليه بالأخبار الدالّة على أنّ من دخل مكّة ناسياً للإحرام


1- وسائل الشيعة 11: 269، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 9، الحديث 9 ..
2- وسائل الشيعة 11: 266، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 9، الحديث 3 ..
3- رياض المسائل 6: 166- 168 ..
4- وسائل الشيعة 11: 337، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 19، الحديث 1 ..

ص: 204

أو جاهلًا به فإنّه يجب عليه الخروج إلى ميقات أهل أرضه: مثل صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل ترك الإحرام حتّى دخل الحرم قال: «يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه، فإن خشي أن يفوته الحجّ، فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج»(1)... وغير ذلك من الأخبار.

وجه التقريب فيها: أنّها قد اشتركت في الدلالة على أنّ هؤلاء يجب عليهم الرجوع إلى ميقات أهل بلادهم، وما ذاك إلّامن حيث أنّ الواجب على الآفاقي الخروج إلى مهلّ أهل افقه، والظاهر أنّ خصوصية الجهل والنسيان غير معتبرة وإن وقع السؤال عن ذلك...

وأمّا ما استدلّ به للقول الثالث- وهو الاكتفاء بأدنى الحلّ- من صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام لأهل مكّة أن يتمتّعوا؟ فقال: «لا، ليس لأهل مكّة أن يتمتّعوا»، قال: قلت: فالقاطنون بها قال: «إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكّة، فإذا أقاموا شهراً، فإنّ لهم أن يتمتّعوا»، قلت: من أين؟ قال: «يخرجون من الحرم»، قلت: من أين يهلّون بالحجّ؟ فقال: «من مكّة نحواً ممّا يقول الناس»(2) ونظيره رواية حمّاد(3) فيجب حمله على تعذّر الرجوع إلى الميقات هنا.

ونظيره أيضاً ما ورد في الناسي والجاهل اللذين لا خلاف بينهم في وجوب رجوعهما إلى الميقات كما دلّت عليه الأخبار المتقدّمة؛ من أنّهما يحرمان من


1- وسائل الشيعة 11: 330، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 14، الحديث 7 ..
2- وسائل الشيعة 11: 266، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 9، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 11: 268، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 9، الحديث 7 ..

ص: 205

موضعهما أو من أدنى الحلّ».(1)

وقال في «الرياض»: «وأمّا وجوب الخروج إلى مهلّ الأرض فالأصل عدمه بعد ما عرفت من ضعف دليله، وإن كان الأحوط للاتّفاق على جوازه، ولو تعذّر الخروج إليه خرج إلى أدنى الحلّ، فأحرم منه كغيره، ولو تعذّر أحرم من مكّة بلا خلاف أجده فيهما»(2) واللَّه هو العالم.


1- الحدائق الناضرة 14: 412- 415 ..
2- رياض المسائل 6: 170 ..

ص: 206

(مسألة 3): الآفاقي إذا صار مقيماً في مكّة، فإن كان ذلك بعد استطاعته ووجوب التمتّع عليه فلا إشكال في بقاء حكمه؛ سواء كانت إقامته بقصد التوطّن أو المجاورة ولو بأزيد من سنتين. وأمّا لو لم يكن مستطيعاً ثمّ استطاع بعد إقامته في مكّة، فينقلب فرضه إلى فرض المكّي بعد الدخول في السنة الثالثة، لكن بشرط أن تكون الإقامة بقصد المجاورة. وأمّا لو كان بقصد التوطّن فينقلب بعد قصده من الأوّل، وفي صورة الانقلاب يلحقه حكم المكّي بالنسبة إلى الاستطاعة أيضاً، فتكفي في وجوبه استطاعته منها، ولا يشترط فيه حصولها من بلده. ولو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكّة قبل مضيّ السنتين، لكن بشرط وقوع الحجّ على فرض المبادرة إليه قبل تجاوز السنتين، فالظاهر أنّه كما لو حصلت في بلده، فيجب عليه التمتّع ولو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد. وأمّا المكّي إذا خرج إلى سائر الأمصار مجاوراً لها، فلا يلحقه حكمها في تعيّن التمتّع عليه إلّاإذا توطّن وحصلت الاستطاعة بعده، فيتعيّن عليه التمتّع ولو في السنة الاولى.

وظيفة المقيم بمكّة

بيانه- قال في «الحدائق»: «تنبيهات: الأوّل: إطلاق النصّ وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بين كونها بنيّة الدوام أو المفارقة؛ فإنّ الحكم تعلّق في النصوص في بعض على الإقامة وفي بعض على المجاورة وفي بعض على القطون، وهي حاصلة على جميع التقادير، وربّما قيل:

إنّ الحكم مخصوص بالمجاورة بغير نيّة الإقامة، وأمّا لو كان بنيتها انتقل فرضه من أوّل سنة، وإطلاق النصّ يدفعه.

ص: 207

الثاني: قال في «المدارك»: «ذكر الشارح وغيره أنّ انتقال الفرض إنّما يتحقّق إذا تجدّدت الاستطاعة بعد الإقامة المقتضية للانتقال، فلو كانت سابقة لم ينتقل الفرض وإن طالت المدّة لاستقرار الأوّل. ثمّ قال: وفي استفادته من الأخبار نظر» وهو جيّد، فإنّ المفهوم من الأخبار المتقدّمة هو انتقال حكمه من التمتّع إلى قسيميه بعد السنتين مطلقاً؛ تجدّدت الاستطاعة أو كانت سابقة.

ولو انعكس الفرض؛ بأن أقام المكّي في الآفاق لم ينتقل فرضه بذلك إلّامع نيّة الدوام وصدق خروجه عن حاضري مكّة عرفاً، واحتمل بعض الأصحاب إلحاقه بالمقيم في مكّة في انتقال الفرض بإقامة السنتين وهو قياس محض».(1)

وقال في «الجواهر»: «ولو أقام من فرضه التمتّع وقد وجب عليه بمكّة أو حواليها، ممّا هو دون الحدّ المزبور سنة أو سنتين أو أزيد من ذلك، ولو بقصد الدوام لم ينتقل فرضه الذي قد خوطب به، بلا خلاف أجده فيه نصّاً وفتوى، بل لعلّه إجماعي، بل قيل: إنّه كذلك؛ للأصل وغيره فما في «المدارك»- من التأمّل فيه- في غير محلّه، وكذا لا خلاف أيضاً نصّاً وفتوى في عدم انتقاله عن فرض النائي بمجرّد المجاورة وإن لم يكن قد وجب عليه سابقاً، بل لعلّه إجماعي أيضاً، وكان عليه حينئذٍ الخروج إلى الميقات إذا أراد حجّة الإسلام ولو لم يتمكّن من ذلك خرج إلى خارج الحرم، فإن تعذّر أحرم من موضعه، إنّما الكلام في تعيين ميقاته الذي يحرم منه، فعن الشيخ وأبي الصلاح ويحيى بن سعيد والمصنّف في «النافع» والفاضل في جملة من كتبه أنّه ميقات أهل أرضه؛ لاندراجه فيما دلّ على حكمهم».(2)


1- الحدائق الناضرة 14: 429 ..
2- جواهر الكلام 18: 82 ..

ص: 208

وقال في «رياض المسائل»: «ولو انعكس الفرض فأقام المكي في الآفاق لم ينتقل فرضه، ولو أقام سنتين فصاعداً؛ عملًا بالأصل، مع اختصاص النصّ بالانتقال، مع إقامتها بصورة العكس، وحرمة القياس. نعم، لو أقام بنيّة الدوام اتّجه انتقال فرضه إلى التمتّع مطلقاً؛ لصدق النائي عليه حينئذٍ حقيقة عرفاً، بل ولغة، مع خلوّه عن المعارض».(1)

الثالث: المفهوم من الأخبار، وبه صرّح الأصحاب: أنّ المجاور بمكّة متى انتقل حكمه إليهم أو أراد الحجّ مستحبّاً مفرداً من مكّة وإن كان من أهل الآفاق أ نّه يخرج إلى خارج الحرم، مثل الجعرانه والحديبية ونحوهما فيهلّ منه بالحجّ، وأنّ الصرورة منهم يهلّ بالحجّ من أوّل الشهر وهذا الميقات أيضاً ميقات لمن أراد الاعتمار عمرة مفردة.

فروى الصدوق رحمه الله في «الفقيه»: «واعتمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ثلاث عمر متفرّقات كلّها في ذي القعدة: عمرة أهلّ فيها من عسفان، وهي عمرة الحديبية، وعمرة القضاء أحرم فيها من الجحفة، وعمرة أهلّ فيها من الجعرانة، وهي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين».(2)


1- رياض المسائل 6: 173 ..
2- الفقيه 2: 275/ 1341؛ وسائل الشيعة 11: 341، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 22، الحديث 2 ..

ص: 209

إجمال صورة حجّ التمتّع

القول: في صورة حجّ التمتّع إجمالًا

اشارة

وهي أن يحرم في أشهر الحجّ من إحدى المواقيت بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ، ثمّ يدخل مكّة المعظّمة فيطوف بالبيت سبعاً، ويصلّي عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة سبعاً، ثمّ يطوف للنساء احتياطاً سبعاً ثمّ ركعتين له، وإن كان الأقوى عدم وجوب طواف النساء وصلاته، ثمّ يقصّر فيحلّ عليه كلّ ما حرم عليه بالإحرام. وهذه صورة عمرة التمتّع التي هي أحد جزأي حجّه. ثمّ يُنشئ إحراماً للحجّ من مكّة المعظّمة في وقت يعلم أنّه يدرك الوقوف بعرفة، والأفضل إيقاعه يوم التروية بعد صلاة الظهر، ثمّ يخرج إلى عرفات فيقف بها من زوال يوم عرفة إلى غروبه، ثمّ يفيض منها ويمضي إلى المشعر فيبيت فيه، ويقف به بعد طلوع الفجر من يوم النحر إلى طلوع الشمس منه، ثمّ يمضي إلى منى لأعمال يوم النحر، فيرمي جمرة العقبة، ثمّ ينحر أو يذبح هديه، ثمّ يحلق إن كان صرورة على الأحوط، ويتخيّر غيره بينه وبين التقصير، ويتعيّن على النساء التقصير، فيحلّ بعد التقصير من كلّ شي ء إلّاالنساء والطيب.

والأحوط اجتناب الصيد أيضاً، وإن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام، نعم يحرم عليه لحرمة الحرم. ثمّ يأتي إلى مكّة ليومه إن شاء، فيطوف

ص: 210

طواف الحجّ ويصلّي ركعتيه ويسعى سعيه، فيحلّ له الطيب، ثمّ يطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه فتحلّ له النساء. ثمّ يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي التشريق، وهي الحادية عشرة والثانية عشرة والثالث عشرة، وبيتوتة الثالث عشرة إنّما هي في بعض الصور كما يأتي. ويرمي في أيّامها الجمار الثلاث، ولو شاء لا يأتي إلى مكّة ليومه، بل يقيم بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر، ومثله يوم الثاني عشر، ثمّ ينفر بعد الزوال لو كان قد اتّقى النساء والصيد، وإن أقام إلى النفر الثاني- وهو الثالثة عشر- ولو قبل الزوال لكن بعد الرمي، جاز أيضاً. ثمّ عاد إلى مكّة للطوافين والسعي، والأصحّ الاجتزاء بالطواف والسعي تمام ذي الحجّة، والأفضل الأحوط أن يمضي إلى مكّة يوم النحر، بل لا ينبغي التأخير لغده، فضلًا عن أيّام التشريق إلّالعذر.

صورة حجّ التمتّع

بيانه- هذه قاعدة الشيخ البهائي عليه الرحمة والغفران:

اطرست للعمرة اجعل نهج أو وارنحط رس طرمر لحجّ(1)

فالألف: الإحرام من الميقات، والطاء: الطواف، والراء: ركعتا الطواف، والسين: السعي بين الصفا والمروة، والتاء: التقصير، والألف: الإحرام من مكّة، والواو الأوّل: الوقوف بعرفات، والثاني: الوقوف بالمشعر، والألف: الإفاضة من المشعر إلى المنى، والراء: رمي جمرة العقبة، والنون: النحر، والحاء: الحلق، والطاء: طواف الحجّ، والراء: ركعتا الطواف، والسين: السعي بين الصفا والمروة،


1- انظر: مجمع البحرين 4: 167.

ص: 211

والطاء: طواف النساء، والراء: ركعتا الطواف، والميم: المبيت بمنى، والراء: رمي الجمار الثلاث.

قال في «شرح اللمعة»: «في أنواع الحجّ، وهي ثلاثة: تمتّع وأصله التلذّذ سمّي هذا النوع به؛ لما يتخلّل بين عمرته وحجّه من التحلّل الموجب لجواز الانتفاع والتلذّذ بما كان قد حرّمه الإحرام، مع ارتباط عمرته بحجّه حتّى أنّهما كالشي ء الواحد شرعاً، فإذا حصل بينهما ذلك فكأ نّه حصل في الحجّ».(1)

وقال في «الجواهر»: «أمّا حجّ التمتّع فصورته المتّفق عليها في الجملة على الإجمال أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ ويتوصل بها إليه...

يكفي فيها قصد عمرة هذا النوع من الحجّ، ثمّ يدخل مكّة فيطوف لها سبعاً بالبيت ويصلّي ركعتيه بالمقام، ثمّ يسعى لها بين الصفا والمروة سبعاً ويقصّر».(2)

وقال السيّد علم الهدى قدس سره في «الانتصار»: «وممّا انفردت به الإمامية القول:

بأنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ هو فرض اللَّه تعالى على كلّ من نأى عن المسجد الحرام لا يجزيه مع التمكّن سواه، وصفته: أن يحرم من الميقات بالعمرة، فإذا وصل إلى مكّة طاف بالبيت سبعاً، وسعى بين الصفا والمروة سبعاً، ثمّ أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه، فإذا كان يوم التروية عند زوال الشمس أحرم بالحجّ من المسجد الحرام، وعليه دم المتعة، وإن عدم الهدي، وكان واجداً لثمنه تركه عند من يثق به من أهل مكّة حتّى يذبح عنه طول ذي الحجّة، فإن لم يتمكّن من ذلك أخّره إلى أيّام النحر من العام القابل، ومن لم يجد الهدي ولا ثمنه كان عليه صوم عشرة أيّام؛ قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، فمن فاته ذلك صام ثلاثة


1- الروضة البهيّة 1: 465 ..
2- جواهر الكلام 18: 3 ..

ص: 212

أيّام من أيّام التشريق وباقي العشرة إذا عاد إلى أهله، وخالف باقي الفقهاء في ذلك كلّه إلّاأنّهم اختلفوا في الأفضل من ضروب الحجّ، فقال أبو حنيفة وزفر:

القران أفضل من التمتّع والإفراد، وقال أبو يوسف: التمتّع بمنزلة القران، وهو قول ابن حيّ وكرّه الثوري أن يقال: بعضها أفضل من بعض وقال مالك والأوزاعي:

الإفراد أفضل وللشافعي قولان: أحدهما: أنّ الإفراد أفضل، والآخر: أنّ التمتّع أفضل، وهو قول أحمد بن حنبل وأصحاب الحديث. دليلنا الإجماع المتردّد.

ويمكن أن يستدلّ على وجوب التمتّع بأنّ الدليل قد دلّ على وجوب الوقوف بالمشعر، وأ نّه مجزئ في تمام الحجّ عن الوقوف بعرفة إذا فات، وكلّ من قال بذلك أوجب التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فالقول بوجوب أحدهما دون الآخر خروج عن إجماع المسلمين، ويمكن أن يستدلّ على ذلك بقوله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ،(1) وأمره تعالى على الوجوب والفور، فلا يخلو من أن يأتي بهما على الفور؛ بأن يبدء بالحجّ ويثنّي بالعمرة، أو يبدء بالعمرة ويثنّي بالحجّ، أو يحرم بالحجّ والعمرة معاً، والأوّل يفسد بأنّ أحداً من الامّة لا يوجب على من أحرم بالحجّ مفرداً أن يأتي عقيبه بلا فصل بالعمرة، والقسم الأخير باطل؛ لأنّ عندنا أنّه لا يجوز أن يجمع في إحرام واحد بين الحجّ والعمرة، كما لا يجمع في إحرام واحد بين حجّتين أو عمرتين، فلم يبق إلّاوجوب القسم الأخير، وهو التمتّع الذي ذهبنا إليه؛ فإن قيل: قد نهى عن هذه المتعة مع متعة النساء عمر بن الخطّاب وأمسكت الامة عنه راضية بقوله قلنا: نهي من ليس بمعصوم عن الفعل لا يدلّ على قبحه...، فإنّ الفقهاء والمحصّلين من مخالفينا حملوا نهي عمر عن هذه المتعة على وجه الاستحباب لا على الحظر، وقالوا في كتبهم المعروفة


1- البقرة( 2): 196 ..

ص: 213

المخصوصة بأحكام القرآن: أنّ نهي عمر يحتمل أن يكون لوجوه.

منها: أنّه أراد أن يكون الحجّ في أشهره المخصوصة به والعمرة في غير تلك الشهور.

ومنها: أنّه أحبّ عمارة البيت وأن يكثر زوّاره في غير الموسم،

ومنها: أنّه أراد إدخال الرفق على أهل الحرم بدخول الناس إليهم، فرووا في تقوية هذه المعاني أخباراً موجودة في كتبهم لا معنى للتطويل بذكرها....

وأمّا التأويل الأوّل فيبطله قوله: أنا أنهى عنهما واعاقب عليهما وتشدّده في ذلك وتوعّده يقتضي أن لا يكون القول خرج مخرج الاستحباب على أنّ نهيه عن متعة النساء كان مقروناً بنهيه عن متعة الحجّ استحباباً فالمتعة الاخرى كذلك».(1)

وقال في «الجواهر» أيضاً: «وستعرف أنّ أركان العمرة من هذه: الإحرام والطواف والسعي، وأمّا التلبية ففيها خلاف كمعروفية الخلاف في النيّة أنّها شرط أو ركن، ثمّ ينشئ إحراماً للحجّ من مكّة إلّامع النسيان وتعذّر الرجوع يوم التروية؛ الثامن من ذي الحجّة الذي أمر اللَّه فيه إبراهيم عليه السلام أن يروي من الماء على الأفضل، وإلّا بقدر ما يعلم أنّه يدرك الوقوف بعرفات، ثمّ يأتي عرفات يوم عرفة فيقف بها من الزوال إلى الغروب مع الاختيار، ثمّ يفيض ويمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه ويقف به مع الاختيار بعد طلوع الفجر، ثمّ يفيض إلى منى، فيحلق بها يوم النحر ويذبح هديه أو ينحر، إلّاإذا فقده ويأكل منه ويرمي جمرة العقبة مراعياً للترتيب بينها؛ فيرمي أوّلًا ثمّ يذبح أو ينحر، ثمّ يحلق أو يقصّر، أو يمرّ الموسى على رأسه إن لم يكن عليه شعر، ثمّ يمضي، لكن في المتن هنا «إن


1- الانتصار: 238- 241 ..

ص: 214

شاء أتى مكّة ليومه أو لغده»؛ لعذر أو مطلقاً على الخلاف الآتي، فيطوف طواف الحجّ ويصلّي ركعتيه ويسعى سعيه ويطوف طواف النساء ويصلي ركعتين ويأتي تأخير الذبح أو الحلق عن الطواف والسعي، ضرورة أو نسياناً، وتقديم الطواف والسعي على الوقوفين ضرورة، ثمّ عاد إلى منى لرمي ما تخلّف عليه من الجمار، فيبيت بها ليالي التشريق وهي ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويرمي مع الاختيار في أيّامها الجمار الثلاث، ولمن اتّقى النساء والصيد في إحرامه، كما ستعرف إن شاء اللَّه أنّ ينفر في الثاني عشر، فيسقط عنه رمي الثالث والمبيت ليلته كما أشار إليه المصنّف بقوله: «وإن شاء أقام بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر، ومثله يوم الثاني عشر ثمّ ينفر بعد الزوال وإن أقام إلى النفر الثاني»، وهو الثالث عشر ولو قبل لزوال لكن بعد الرمي جاز أيضاً، وعاد إلى مكّة للطوافين والسعي.

وفي «المدارك» حكمه بجواز الإقامة بمنى أيّام التشريق قبل الطوافين والسعي منافٍ لما سيذكره في محلّه، من عدم جواز تأخير ذلك عن غده يوم النحر، وكأ نّه رجوع عن الفتوى، وربّما جمع بين الكلامين بحمله على الجواز هنا على معنى الإجزاء، وهو لا ينافي حصول الإثم بالتأخير وهو مقطوع بفساده، والأصحّ ما اختاره المصنّف هنا من جواز تأخير ذلك إلى انقضاء أيّام التشريق؛ للأخبار الكثيرة الدالّة عليه، وسيجي ء الكلام في ذلك مفصّلًا.

وقد تبع في ذلك جدّه قال: جواز الإقامة بمنى أيّام التشريق قبل الطوافين والسعي للمتمتّع وغيره هو أصحّ القولين، وبه أخبار صحيحة، وما ورد منها- ممّا ظاهره النهي عن التأخير- محمول على الكراهة؛ جمعاً بينها، وعلى هذا القول يجوز تأخيرهما طول ذي الحجّة، وربّما قيل: بجواز تأخير المتمتّع عن يوم

ص: 215

(مسألة 1): يشترط في حجّ التمتّع امور:

أحدها: النيّة، أي قصد الإتيان بهذا النوع من الحجّ حين الشروع في إحرام العمرة، فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردّد في نيّته بينه وبين غيره لم يصحّ.

النحر إلى الغد خاصّة، وجمع الشيخ بين الأخبار بحمل أخبار التأخير على غير المتمتّع وأخبار النهي عليه، وما قدّمناه أجود.

واعلم: أنّه سيأتي في كلام المصنّف اختيار المنع عن الغد من غير إشارة إلى خلاف وهنا اختار الجواز كذلك... كما تعرف أنّ أركان الحجّ من هذه: الإحرام والوقوفان وطواف الحجّ وسعيه؛ بمعنى البطلان بترك أحدها عمداً، بل الوقوفين ولو سهواً؛ إذ قد عرفت أنّ المراد هنا الذكر على الإجمال»(1) انتهى.

شروط حجّ التمتّع

بيانه- وشروطه؛ أي حجّ التمتّع؛ سواء كان مندوباً أو واجباً امور: أحدها:

النيّة التي قد عرفت اعتبارها في كلّ عبادة؛ مندوباً كان أو واجباً، إلّاأنّه قيل:

المراد بها نيّة الإحرام كما في «الدروس»، ووجه تخصيصه أنّه الركن الأعظم باستمراره ومصاحبته لأكثر الأفعال وكثرة أحكامه، بل هو في الحقيقة عبارة عن النيّة لأنّ توطين النفس على ترك المحرمات لا يخرج عنها.

وقال في «الجواهر»: «وفيه أن ذكرها فيه حينئذٍ مغنٍ عنه هنا، على أنّه لا فرق بينه وبين باقي أفعال الحجّ والعمرة في اعتبار النيّة فيها، فلا معنى لتخصيص الإحرام من بينها بذلك، وإن قيل: إنّ الوجه في ذلك كونه معظم الأفعال وكثير


1- جواهر الكلام 18: 3- 5 ..

ص: 216

الأحكام، لكنّه كماترى، ولعلّه لذا كان الأولى إرادة نيّة حجّ التمتّع بجملته، بل في «المدارك» عن الشارح: أنّ ظاهر الأصحاب وصريح سلّار ذلك، وإن كان المحكيّ عن الآخر أنّه قال: «نيّة الخروج إلى مكّة»، بل في «كشف اللثام» عنه أ نّه قدّمها على الدعاء للخروج من المنزل وركوب الراحلة والمسير، إلّاأنّ الظاهر منه إرادة نيّة النوع المخصوص من الحجّ، ولكن أشكله هو وغيره باقتضائه الجمع بين هذه النيّة والنية لكلّ فعل من أفعال الحجّ على حدة، ولا دليل عليه، بل الأخبار خالية عن ذلك، قلت: يمكن أن يكون مستنده صحيح زرارة سألت أبا جعفر عليه السلام عن الذي يلي المفرد للحجّ في الفضل، فقال: «المتعة»، فقلت: وما المتعة؟ فقال: «يهلّ بالحجّ في أشهر الحجّ، فإذا طاف بالبيت وصلّى الركعتين خلف المقام وسعى بين الصفا والمروة قصّر وأحلّ، وإذا كان يوم التروية أهلّ بالحجّ»(1) إلى آخره، ولا داعي إلى حمله على إرادة العمرة من الحجّ، مضافاً إلى الأمر به جملة، والأمر بكلّ منها على وجه يظهر منه إرادة اعتبار النيّة المستقلّة، وأ نّه لا تكفي فيه النيّة الاولى ولا تنافي بين وجوب نيّة الإجمال ونية التفصيل، ولعلّ هذا أولى ممّا في «كشف اللثام» من أنّ المراد: النيّة لكلّ من العمرة والحجّ وكلّ من أفعالهما المتفرّقة؛ من الإحرام والطواف والسعي ونحوها، كما يأتي تفصيلها في مواضعها، لا نيّة الإحرام وحده كما في «الدروس» وفي «الدروس»: «والمراد بالنية نيّة الإحرام»، ويظهر من سلّار أنّها نيّة الخروج إلى مكّة...».(2)

وقال في «الحدائق»: «قد صرّح جمع من الأصحاب بأ نّه يشترط في حجّ


1- وسائل الشيعة 11: 255، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 5، الحديث 3 ..
2- جواهر الكلام 18: 11 ..

ص: 217

ثانيها: أن يكون مجموع عمرته وحجّه في أشهر الحجّ، فلو أتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له أن يتمتّع بها، وأشهر الحجّ: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة بتمامه على الأصحّ.

التمتّع شروط أربعة: الأوّل: النيّة إلّاأنّه قد اضطرب كلامهم في المعنى المراد من هذه النيّة هنا، قال شيخنا الشهيد الثاني قدس سره في «المسالك»: «قد تكرّر ذكر النيّة هنا في كلامهم، وظاهرهم أنّ المراد بها نيّة الحجّ بجملته»، وفي وجوبها كذلك نظر. ويمكن أن يريدوا بها نيّة الإحرام، وهو حسن، إلّاأنّه كالمستغنى عنه؛ فإنّه من جملة الأفعال، وكما تجب النيّة له تجب لغيره، ولم يتعرّضوا لها في غيره على الخصوص، ولعلّ للإحرام مزية على غيره باستمراره وكثرة أحكامه وشدّة التكليف به، وقد صرّح في «الدروس» بأنّ المراد بها نيّة الإحرام، ويظهر من سلّار في الرسالة: «أنّ المراد بها نيّة الخروج»... وكيف كان فإنّ هذا البحث مفروغ عنه عندنا فإنّ النيّة من الامور الجبلية في كلّ فعل يأتي به العاقل المكلّف عبادة كان أو غيرها»(1) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الجواهر»: «والثاني: وقوعه في أشهر الحجّ بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى قول الصادق عليه السلام في خبر عمر بن يزيد: «ليس يكون متعة إلّافي أشهر الحجّ»(2) وغيره، فلا يصح وقوع بعض عمرته في غيرها فضلًا عنه، وهي على الأصحّ: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة كما عن الشيخين في الأركان و «النهاية» وابني الجنيد وإدريس والقاضي في شرح


1- الحدائق الناضرة 14: 351 ..
2- وسائل الشيعة 11: 284، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 15، الحديث 1 ..

ص: 218

الجمل؛ لظاهر الأشهر في الآية(1) وصحيح معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام(2) وحسن زرارة عن الباقر عليه السلام(3) وإجزاء الهدي وبدله طول ذي الحجّة، بل الطواف والسعي كما ستعرف».(4)

وفي «المختصر النافع»: «ووقوعه في أشهر الحجّ؛ وهي شوال وذو القعدة وذو الحجّة، وقيل: وعشر من ذى الحجّة، وقيل: تسعة، وحاصل الخلاف إن شاء الحجّ في الزمان الذي يعلم إدراك المناسك فيه وما زاد يصحّ أن يقع فيه بعض أفعال الحجّ».(5) وقال في شرحه «المهذّب البارع»: «أقول: في تحديد أشهر الحجّ ستّة أقوال حكى المصنّف منها ثلاثة، والرابع منها: قبل طلوع فجر النحر، والخامس: طلوع شمس النحر، والسادس: ثمان من ذي الحجّة.

فالأوّل: مذهب الشيخ في «النهاية»، وبه قال أبو علي، وهو رواية زرارة ومعاوية بن عمّار في الحسن والصحيح عن الصادق والباقر عليهما السلام، واختاره المصنّف والعلّامة.

والثاني: قول السيّد والحسن.

والثالث: قوله في «الجمل» و «الاقتصاد»، وهو مذهب القاضي.

والرابع: قوله في «الخلاف» و «المبسوط»، وهو مذهب ابن حمزة.

والخامس: قول ابن إدريس.

والسادس: قول التقيّ.


1- البقرة( 2): 193 ..
2- وسائل الشيعة 11: 271، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 11، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 11: 272، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 11، الحديث 5 ..
4- جواهر الكلام 18: 12 ..
5- المختصر النافع: 79 ..

ص: 219

والتحقيق: أنّ النزاع لفظي؛ لأنّه لا خلاف بينهم في وجوب إيقاع الموقفين في وقتهما، وإجزاء بعض أفعال الحجّ- كالذبح والطوافين- في طول ذي الحجّة، فكأنّ القائل بالأوّل أراد الزمان الذي يصحّ فيه إيقاع أفعال الحجّ، وبالثاني ذلك مع صحّة بعض أفعال الحجّ كصوم بدل الهدي، فإنّه يجوز من أوّل العشر ولا يجوز قبله».(1)

وقال في «الحدائق»: ثمّ إنّه قد اختلف الأصحاب وغيرهم في أشهر الحجّ، فقال الشيخ في «النهاية»: هي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة، وبه قال ابن الجنيد، ورواه الصدوق في كتاب «من لا يحضره الفقيه»، ونقل عن المرتضى وسلّار وابن عقيل- رضوان اللَّه عليهم- أنّها شوّال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجّة، وعن الشيخ في «الجمل» وابن البرّاج: وتسعة من ذي الحجّة، وعن الشيخ في «الخلاف» و «المبسوط» إلى طلوع الفجر من يوم النحر، وقال ابن إدريس: «إلى طلوع الشمس من يوم النحر».

قال العلّامة في «المنتهى»: «وليس يتعلّق بهذا الاختلاف حكم، وقال في «المختلف»: «التحقيق أنّ هذا نزاع لفظي، فإنّهم إن أرادوا بأشهر الحجّ ما يفوت الحجّ بفواته فليس كمال ذي الحجّة من أشهره؛ لما يأتي من فوات الحجّ دونه على ما يأتي تحقيقه، وإن أرادوا بها ما يقع فيه أفعال الحجّ فهي ثلاثة كملًا؛ لأنّ باقي المناسك تقع في كمال ذي الحجّة، فقد ظهر أنّ النزاع لفظي»، وقريب منه ما قال في «التذكرة»، وولده في الإيضاح، واستحسنه من تأخّر عنه وهو كذلك؛ إذ لا خلاف في فوات وقت الإنشاء بعدم التمكّن من إدراك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر كما أنّه لا خلاف في وقوع بعض أفعال الحجّ كالطوافين


1- المهذّب البارع 2: 146- 148 ..

ص: 220

ثالثها: أن يكون الحجّ والعمرة في سنة واحدة، فلو أتى بالعمرة في سنة وبالحجّ في الاخرى، لم يصحّ ولم يُجزِ عن حجّ التمتّع؛ سواء أقام في مكّة إلى العام القابل أم لا، وسواء أحلّ من إحرام عمرته، أو بقي عليه إلى العام القابل.

والسعي والرمي في ذي الحجّة بأسره.

وبذلك يظهر أنّ هذا الخلاف لا يترتّب عليه حكم، وأنّ النزاع في هذه المسألة يرجع إلى تفسير هذا اللفظ الوارد في الآية وهو قوله عزّ وجلّ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ.(1) والأظهر بالنظر إلى القواعد إطلاقه على الثلاثة التي هي أقلّ الجمع، وهو يرجع إلى القول الأوّل».(2)

وقال في «الجواهر»: «وكيف كان فالظاهر لفظية الاختلاف في ذلك، كما اعترف به غير واحد؛ للاتّفاق على أنّ الإحرام بالحجّ لا يتأتّى بعد عاشر ذي الحجّة، وكذا عمرة التمتّع، وعلى إجزاء الهدي وبدله طول ذي الحجّة وأفعال أيّام منى ولياليها. نعم، في «الدروس» أنّ الخلاف فيها لعلّه مبنيّ على الخلاف الآتي في وقت فوات المتعة، وفيه: أنّه لا يتمّ في بعضها، واللَّه العالم».(3)

بيانه- ثالثها: أن يأتي بالحجّ والعمرة في سنة واحدة بلا خلاف فيه بين العلماء كما اعترف به في «المدارك» وهو الحجّة إن تمّ إجماعاً.

وقال في «الحدائق»: «الثالث: أن يأتي بالحجّ والعمرة في عام واحد، وهو


1- البقرة( 2): 196 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 354- 355 ..
3- جواهر الكلام 18: 13 ..

ص: 221

ممّا لا خلاف فيه بينهم وتدلّ عليه جملة من الأخبار:

منها: ما تكاثر نقله من قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «ودخلت العمرة في الحجّ هكذا وشبك بين أصابعه».(1)

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن على المشهور عن حمّاد بن عيسى عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من دخل مكّة متمتّعاً في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتّى يقضى الحجّ، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرماً ودخل ملبّياً بالحجّ، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع إلى مكّة رجع محرماً ولم يقرب البيت حتّى يخرج مع الناس إلى منى»....(2)

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: من أين افترق المتمتّع والمعتمر؟ فقال: «إنّ المتمتّع مرتبط بالحجّ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء. وقد اعتمر الحسين عليه السلام في ذي الحجّة ثمّ راح يوم التروية إلى العراق والناس يروحون إلى منى».(3) وغير ذلك من الأخبار.

وما ربّما يقال: من أنّ علماء العامّة لا يحرمون حجّ للتمتّع فمسلّم، لكنّ المعلوم من أقوال عمر وأخبارهم المرويّة عنه هو التحريم، ولكن من تأخّر من علمائهم- لشناعة الأمر بمخالفة الكتاب العزيز- خصّوا تحريمه بالعدول من الإفراد إلى التمتّع، والأخبار المشار إليها لا تساعده، بل هي ما بين صريح أو


1- وسائل الشيعة 11: 236، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 2، الحديث 33 ..
2- وسائل الشيعة 11: 302، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 22، الحديث 6 ..
3- وسائل الشيعة 14: 311، كتاب الحجّ، أبواب العمرة، الباب 7، الحديث 3 ..

ص: 222

ظاهر في التحريم مطلقاً، كما حقّقناه في كتابنا «سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد».(1)

وقال في «الجواهر»: «إذ الظاهر كون المراد بيان خطئهم في ذلك الذي مآله إلى كون حجّ التمتّع حجّ إفراد وعمرة كذلك بزعمهم؛ لحصول التحلّل بينهما، فإنّ الحجّ إذا كان مرتبطاً بالعمرة على وجه لا يجوز له الاقتصار على العمرة لا تكون العمرة مفردة ولا الحجّ، فما في «كشف اللثام»- بعد أن ذكر الاستدلال بذلك وزاد ما رواه في «المعتبر» عن سعيد بن مسيّب «كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يعتمرون في أشهر الحجّ فإذا لم يحجّوا في عامهم ذلك لم يهدوا» قال:

ودلالة الجميع ظاهرة الضعف ولكن ظاهر «التذكرة» الاتّفاق عليه- لا يخلو من نظر، خصوصاً بالنسبة إلى بعضها الذي هو كالصريح في أنّ عمرة التمتّع مع حجّه في تلك السنة كالعمل الواحد، بل ظاهرها أنّه لا يجوز له الاقتصار على العمرة وجعلها مفردة بعد أن دخل متمتّعاً بها، فإنّه بذلك يكون مرتبطاً ومحتسباً بحجّ تلك السنة معها إلّامع الضرورة، كما اعترف به في «المدارك» حاكياً له عن صريح الشيخ وجمع من الأصحاب... على أنّ مقتضى قوله صلى الله عليه و آله و سلم «دخلت العمرة في الحجّ» كون حكمها حكم الحجّ، فكما لا يجوز البقاء على إحرام الحجّ إلى القابل فكذا العمرة واللَّه العالم.(2)


1- الحدائق الناضرة 14: 356- 359 ..
2- جواهر الكلام 18: 15- 17 ..

ص: 223

رابعها: أن يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار، وأمّا عمرته فمحلّ إحرامها المواقيت الآتية، وأفضل مواضعها المسجد، وأفضل مواضعه مقام إبراهيم عليه السلام أو حجر إسماعيل عليه السلام. ولو تعذّر الإحرام من مكّة أحرم ممّا يتمكّن.

ولو أحرم من غيرها اختياراً متعمّداً بطل إحرامه، ولو لم يتداركه بطل حجّه، ولا يكفيه العود إليها من غير تجديد، بل يجب أن يجدّده فيها؛ لأنّ إحرامه من غيرها كالعدم. ولو أحرم من غيرها جهلًا أو نسياناً وجب العود إليها والتجديد مع الإمكان، ومع عدمه جدّده في مكانه.

بيانه- قال في «الجواهر»: «أن يحرم بالحجّ له من بطن مكّة مع الاختيار والتذكّر بلا خلاف أجده فيه نصّاً وفتوى، بل في «كشف اللثام» الإجماع عليه».(1)

وقال في «الحدائق»: «أن يحرم بالحجّ من بطن مكّة: وأفضله المسجد، وأفضله المقام أو الحجر. وقد أجمع علماؤنا كافّة على أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة، وأفضل مكّة المسجد اتّفاقاً، وأفضل المسجد مقام إبراهيم أو الحجر، كما يدلّ عليه قوله عليه السلام في صحيفة معاوية بن عمّار: «إذا كان يوم التروية إن شاء اللَّه تعالى فاغتسل، ثمّ ألبس ثوبيك، وأدخل المسجد حافياً وعليك السكينة والوقار، ثمّ صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام أو في الحجر، ثمّ اقعد حتّى تزول الشمس فصلّ المكتوبة، ثمّ قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، فأحرم بالحجّ»(2) وعلى هذا فلا يجزئ الإحرام


1- جواهر الكلام 18: 17 ..
2- وسائل الشيعة 12: 408، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 52، الحديث 1 ..

ص: 224

بحجّ التمتّع من غير مكّة، ولو دخل مكّة بإحرامه، بل لا بدّ من استئنافه منها، كما هو المعروف من مذهب الأصحاب، وبه قطع في «المعتبر» من غير نقل خلاف.

واستنده العلّامة في «التذكرة» و «المنتهى» إلى علمائنا مؤذناً بدعوى الإجماع عليه، وربّما أشعرت عبارة «الشرائع» بوقوع الخلاف في ذلك، إلّاأنّ شيخنا الشهيد الثاني قدس سره في «المسالك» نقل عن شارح تردّدات الكتاب أنّه أنكر ذلك، ونقل عن شيخه أنّ المحقّق قدس سره قد يشير في كتابه إلى خلاف الجمهور، أو إلى ما يختاره من غير أن يكون خلافه مذهباً لأحد من الأصحاب، فيظنّ أنّ فيه خلافاً.

وكيف كان فالخلاف في هذه المسألة إن تحقّق فهو ضعيف لا يلتفت إليه؛ لأنّ الإحرام بحجّ التمتّع من غير مكّة خلاف ما دلّت عليه الأخبار، فيكون فاسداً؛ إذ مجرّد المرور على الميقات لا يكفي ما لم يجدّد الإحرام منه؛ لأنّ الإحرام غير منعقد، فيكون مروره من الميقات جارياً مجرى مرور المحلّ به.

بقي الكلام في ما لو تعذّر الاستئناف من مكّة، فقد صرّح جملة من الأصحاب بأ نّه يستأنف حيث أمكن ولو بعرفة إن لم يتعمّد ذلك؛ بمعنى أنّه إن تعمّد الإحرام من غير مكّة مع إمكان الإحرام منها فإنّه يبطل إحرامه، وإن أحرم من غيرها جهلًا أو نسياناً فإنّه يجب عليه أن يستأنفه حيث أمكن ولو بعرفة.

أمّا الحكم الأوّل، وهو بطلان الإحرام مع تعمّد ذلك فلعدم تحقّق الامتثال المقتضي لبقاء المكلّف تحت العهدة، وأمّا الثاني، وهو التجديد مع الجهل والنسيان فلصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل

ص: 225

نسي الإحرام بالحجّ فذكر وهو بعرفات، ما حاله؟ قال: «يقول: اللهمّ على كتابك وسنة نبيّك، فقد تمّ إحرامه»(1) ونقل في «المختلف» عن الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» أنّه اجزأه إحرامه وصحّ حجّه، ولا دم عليه؛ سواء أحرم من الحلّ أو الحرم....

قال شيخنا الشهيد في «الدروس»: ولو تعذّر إحرامه من مكّة بحجّه أحرم من حيث يمكن ولو من عرفة إن لم يتعمّد، وإلّا بطل حجّه ولا يسقط عنه دم التمتّع ولو أحرم من ميقات المتعة. وفي «المبسوط» إذا أحرم المتمتّع من مكّة ومضى إلى الميقات ومنه إلى عرفات صحّ، واعتدّ بالإحرام من الميقات، ولا يلزمه دم، وعنى به دم التمتّع. وهو يشعر بأ نّه لو أنشأ الإحرام من الميقات لا دم عليه بطريق الأولى».(2)

وقال في «الجواهر»: «وعن الصدوق التخيير بينه- أي المقام- وبين الحجر،... لكن فيه اشتراكهما في الفضل بالنسبة إلى سائر الأماكن لا ينافي الأفضلية المزبورة المستفادة من الأمر به خاصّة في خبر عمر بن يزيد(3) ومن تعدّد الرواية به، ومن موافقة الأمر به في الآية(4) باتّخاذه مصلّى.

نعم، عن «الكافي» و «الغنية» و «الجامع» و «النافع» وشرحه و «التحرير» و «المنتهى» و «التذكرة» و «الدروس» التخيير بينه وبين تحت الميزاب في الأفضلية، وفي «كشف اللثام»: «وكأنّ المعنى واحد» واقتصر في محكيّ


1- وسائل الشيعة 11: 338، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 20، الحديث 3 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 359- 361 ..
3- وسائل الشيعة 11: 341، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 22، الحديث 1 ..
4- البقرة( 2): 125 ..

ص: 226

خامسها: أن يكون مجموع العمرة والحجّ من واحد وعن واحد، فلو استؤجر اثنان لحجّ التمتّع عن ميّت أحدهما لعمرته والآخر لحجّه لم يجز عنه. وكذا لو حجّ شخص وجعل عمرته عن شخص وحجّه عن آخر لم يصحّ.

«الإرشاد» و «التلخيص» و «التبصرة»: «على فضل تحت الميزاب» ولم يذكر المقام، ولم نعثر له على شاهد يقتضي فضله على المقام، والأمر في ذلك سهل بعد عدم تعيّن شي ء منهما قطعاً؛ لما عرفت، مضافاً إلى الأصل، وخصوص خبر يونس بن يعقوب سأل الصادق عليه السلام من أيّ المساجد احرم يوم التروية؟ فقال: «من أيّ مسجد شئت».(1) وفي «كشف اللثام»: «وكأ نّه إجماع» وإن أوهم خلافه بعض العبارات واللَّه العالم».(2)

قال السيّد قدس سره في «العروة»: «لكنّه محلّ تأمّل، بل وربّما يظهر من خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام صحّة الثاني؛ حيث قال: سألته عن رجل يحجّ عن أبيه أيتمتّع؟ قال: «نعم، المتعة له والحجّ عن أبيه»(3) قال العلّامة البروجردي رحمه الله في حاشيته على «العروة»: «لا وجه للتأمّل بعد عدم ظهور عامل بالخبر».(4) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 11: 340، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 21، الحديث 3 ..
2- جواهر الكلام 18: 18 ..
3- وسائل الشيعة 11: 201، كتاب الحجّ، أبواب النيابة، الباب 27، الحديث 1 ..
4- العروة الوثقى 4: 616 ..

ص: 227

(مسألة 2): الأحوط أن لا يخرج من مكّة بعد الإحلال عن عمرة التمتّع بلا حاجة، ولو عرضته حاجة فالأحوط أن يحرم للحجّ من مكّة ويخرج لحاجته، ويرجع محرماً لأعمال الحجّ، لكن لو خرج من غير حاجة ومن غير إحرام، ثمّ رجع وأحرم وحجّ، صحّ حجّه.

خروج المتمتّع من مكّة

بيانه- قال في «الحدائق»: «الأشهر الأظهر أنّه لا يجوز للمتمتّع بعد الإتيان بعمرته الخروج من مكّة على وجه يفتقر إلى استئناف إحرام، بل إمّا أن يخرج محرماً بالحجّ وإمّا أن يعود قبل شهر، فإن انتفى الأمران جدّد عمرة وهي عمرة التمتّع».(1)

وقال السيّد في «العروة»: «المشهور أنّه لا يجوز الخروج من مكّة بعد الإحلال من عمرة التمتّع قبل أن يأتي بالحجّ، وأ نّه إذا أراد ذلك عليه أن يحرم بالحجّ فيخرج محرماً به، وإن خرج محلّاً ورجع بعد شهر فعليه أن يحرم بالعمرة؛ وذلك لجملة من الأخبار الناهية للخروج، والدالّة على أنّه مرتهن ومحتبس بالحجّ، والدالّة على أنّه لو أراد الخروج خرج ملبّياً بالحجّ، والدالّة على أنّه لو خرج محلّاً، فإن رجع في شهره ودخل محلّاً، وإن رجع في غير شهره دخل محرماً، والأقوى عدم حرمة الخروج وجوازه محلّاً؛ حملًا للأخبار على الكراهة، كما عن ابن إدريس وجماعة اخرى بقرينة التعبير بلا أحبّ في بعض الأخبار».


1- الحدائق الناضرة 14: 362 ..

ص: 228

وقال سيّدنا العلّامة البروجردي- رضوان اللَّه تعالى عليه- في حاشيته على «العروة»: «بل الأقوى حرمته إلّاأن يحرم للحجّ ثمّ يخرج إلى ما يعلم عدم فوات الحجّ معه».(1)

وقال في «الحدائق»: «ونقل عن ابن إدريس أنّه لا يحرم ذلك، بل يكره؛ لأ نّه لا دليل على حظر الخروج من مكّة بعد الإحلال من العمرة. وهو ظاهر العلّامة في «المنتهى»؛ حيث قال: يكره للمتمتّع بالعمرة أن يخرج من مكّة قبل أن يقضي مناسكه كلّها إلّالضرورة إلى آخره، وبمثل ذلك صرّح في «التذكرة» أيضاً، وممّا يدلّ على القول الأوّل الأخبار الكثيرة، ومنها صحيحة حمّاد بن عيسى عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من دخل مكّة متمتّعاً في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتّى يقضي الحجّ، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرماً ودخل ملبّياً بالحجّ، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع إلى مكّة رجع محرماً ولم يقرب البيت حتّى يخرج مع الناس إلى منى على إحرامه...».(2)

وفي الحسن عن حفص بن البختري، عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في رجل قضى متعته وعرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها، قال: «فليغتسل للإحرام وليهلّ بالحجّ وليمض في حاجته، فإن لم يقدر على الرجوع إلى مكّة مضى إلى عرفات».(3)

وفي الحسن عن الحلبي، قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الرجل يتمتّع بالعمرة


1- العروة الوثقى 4: 617 ..
2- وسائل الشيعة 11: 302، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 22، الحديث 6 ..
3- وسائل الشيعة 11: 302، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 22، الحديث 4 ..

ص: 229

إلى الحجّ يريد الخروج إلى الطائف، قال: «يهلّ بالحج من مكّة، وما أحبّ أن يخرج منها إلّامحرماً، ولا يتجاوز الطائف إنّها قريبة من مكّة».(1)

وقال في كتاب الفقه الرضوي: فإن أراد المتمتّع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع، فليس له ذلك؛ لأنّه مرتبط بالحجّ حتّى يقضيه إلّاأن يعلم أنّه لا يفوته الحجّ، فإن علم وخرج ثمّ رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل مكّة محلّاً، وإن رجع في غير ذلك الشهر دخلها محرماً».(2)

وفي «الجواهر»: ولا يجوز للمتمتّع الخروج من مكّة حتّى يأتي بالحجّ، وفاقاً للمشهور على ما في «المدارك»؛ لأنّه صار مرتبطاً به، كما سمعت المعتبرة المستفيضة به، إلّاعلى وجه لا يفتقر إلى تجديد عمرة؛ بأن يخرج محرماً بالحجّ باقياً على إحرامه حتّى يحصل الحجّ منه... لكن فيه أنّ المرسل الأخير يقتضي الجواز ولو بعد شهر، لكن يعود بعمرة جديدة، على أنّ هذه النصوص غير جامعة لشرائط الحجّية، ولا شهرة محقّقة جابرة لها، بل لم نعرف ذلك إلّاللمصنّف والفاضل، بل في «كشف اللثام» أنّه أطلق المنع في «الوسيلة» و «المهذب» و «الإصباح» وموضع من «النهاية» و «المبسوط»، واستثنى ابن حمزة الاضطرار وإن قال الشهيد: «لعلّهم أرادوا بالخروج المحوج إلى عمرة اخرى»، كما قاله في «المبسوط»، أو الخروج لا بنيّة العود، لكن فيه: أنّه لا داعي إلى ذلك، بل يمكن أن يكون لحرمة الخروج مطلقاً عندهم، وعلى كلّ حال فالمتّجه الاقتصار في الخروج على الضرورة، وأن لا يخرج معها إلّامحرماً؛ لإطلاق النصوص المزبورة»(3) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 11: 303، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 22، الحديث 7 ..
2- الحدائق الناضرة 14: 362- 363 ..
3- جواهر الكلام 18: 24- 26 ..

ص: 230

(مسألة 3): وقت الإحرام للحجّ موسّع، فيجوز التأخير إلى وقت يدرك وقوف الاختياري من عرفة، ولا يجوز التأخير عنه، ويستحبّ الإحرام يوم التروية، بل هو أحوط.

بيانه- قال في «المهذّب البارع»: «تذنيب واختلف في آخر وقت العمرة المتمتّع بها على أربعة أقوال:

ألف- أقوال زوال الشمس يوم التروية، قاله الفقيه: في المرأة إذا لم تطهر حتّى تزول الشمس يوم التروية.

ب- غروب شمس التروية، قاله التقيّ: للمختار وللمضطرّ إلى أن يبقى من الزمان ما يدرك عرفة في آخر وقتها، وفي صحيحة العيص توقيت المتعة بغروب شمس التروية،(1) وهو مذهب الصدوق والمفيد.

ج- زوال شمس عرفة، قاله في «النهاية»، وهو في صحيحة جميل: «له المتعة إلى زوال عرفة وله الحجّ إلى زوال النحر».(2)

د- ظاهر كلام ابن إدريس امتداده ما لم يفت اضطراري عرفة، وفي صحيحة زرارة اشتراط اختياريها،(3) وهو الأصحّ.(4)


1- وسائل الشيعة 11: 294، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 20، الحديث 10 ..
2- وسائل الشيعة 11: 295، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 20، الحديث 15 ..
3- وسائل الشيعة 11: 298، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 21، الحديث 7 ..
4- المهذّب البارع 2: 149 ..

ص: 231

(مسألة 4): لو نسي الإحرام وخرج إلى عرفات، وجب الرجوع للإحرام من مكّة، ولو لم يتمكّن لضيق وقت أو عذر أحرم من موضعه، ولو لم يتذكّر إلى تمام الأعمال صحّ حجّه. والجاهل بالحكم في حكم الناسي. ولو تعمّد ترك الإحرام إلى زمان فوت الوقوف بعرفة والمشعر بطل حجّه.

لو ترك الإحرام ناسياً

بيانه- قال في «الرياض»: «ولو أحرم بحجّ التمتّع اختياراً من غير مكّة لم يجزيه ويستأنفه بها لتوقّف الواجب عليه، ولا يكفي دخولها محرماً، بل لا بدّ من الاستئناف منها على المعروف من مذهب الأصحاب، كما في «المسالك» و «الذخيرة» وغيرهما، وفيهما أسندهما الفاضل في «التذكرة» و «المنتهى» إلى علمائنا، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه، وعبارة «الشرائع» تشعر بوجود الخلاف، ولعلّه من الجمهور كما قيل، وعلى تقدير كونه منّا فهو ضعيف، ولو نسي الإحرام منها وتعذّر العود ولو بضيق الوقت أحرم من موضعه، ولو كان بعرفة على ما صرّح به جماعة؛ للصحيح: عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكره وهو بعرفات ما حاله؟ قال: «يقول: اللهمّ على كتابك وسنّة نبيّك فقد تمّ إحرامه»،(1) ومورده النسيان خاصّة، كما في العبارة.

وألحق به جماعة الجهل، ولعلّه لما قيل من تظافر الأخبار بكونه عذراً. ولا فرق في ذلك بين ما لو ترك الإحرام من أصله أو تركه من مكّة مع إتيانه به من غيرها، خلافاً للشيخ، فاجتزأ بالإحرام من غيرها مع تعذّر العود إليها في


1- وسائل الشيعة 11: 330، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 14، الحديث 8 ..

ص: 232

(مسألة 5): لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل إلى غيره من القسمين الأخيرين اختياراً. نعم، لو ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ، جاز له نقل النيّة إلى الإفراد، ويأتي بالعمرة بعد الحجّ. وحدّ ضيق الوقت خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة على الأصحّ. والظاهر عموم الحكم بالنسبة إلى الحجّ المندوب، فلو نوى التمتّع ندباً، وضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحجّ، جاز له العدول إلى الإفراد، والأقوى عدم وجوب العمرة عليه.

«المبسوط» و «الخلاف»، وتبعه بعض متأخّري الأصحاب. قال: للأصل، ومساواة ما فعله لما يستأنف في الكون من غير مكّة، وفي العذر؛ لأنّ النسيان عذر، قال: وهو خيرة «التذكرة»، وفيهما ماترى، فإنّ الأصل معارض بالقاعدة الموجبة للاستيناف تحصيلًا للبراءة اليقينيّة، وتاليه قياس؛ لأنّ المصحّح للإحرام المستأنف هو الإجماع على الصحّة معه، وليس النسيان مصحّحاً له حتّى يتعدّى به إلى غيره، وإنّما هو مع العذر عذر في عدم وجوب العود، وهو لا يوجب الاجتزاء مع العذر بالإحرام معه حيثما وقع، بل يجب الرجوع فيه إلى الدليل، وليس هنا سوى الاتّفاق، ولم ينعقد إلّاالإحرام المستأنف، وأمّا السابق فلا دليل عليه فتأمّل جدّاً».(1)

عدول المتمتّع إلى القِران والإفراد

بيانه- قال في «الجواهر»: «ولو دخل بعمرة إلى مكّة وخشي ضيق الوقت جاز له نقل النيّة إلى الإفراد وكان عليه عمرة مفردة بلا خلاف أجده فيه، بل لعلّ


1- رياض المسائل 6: 133- 135 ..

ص: 233

الإجماع بقسميه عليه، وإنّما الخلاف في حدّ الضيق، ففي «القواعد» وعن الحلبيين وابني إدريس وسعيد: يحصل التمتّع بإدراك مناسك العمرة وتجديد إحرام الحجّ وإن كان بعد زوال الشمس يوم عرفة إذا علم إدراك الوقوف بها، وحينئذٍ فحدّ الضيق خوف فوات اختياري الركن من وقوف عرفة، ولعلّه يرجع إليه ما عن «المبسوط» و «النهاية» و «الوسيلة» و «المهذّب» من الفوات بزوال الشمس من يوم عرفة قبل إتمام العمرة، بناءً على تعذّر الوصول غالباً إلى عرفة بعد هذا الوقت؛ لمضيّ الناس عنه، لا أنّ المراد حتّى إذا تمكّن وأدرك مسمّى الوقوف بعد الزوال.

وعن علي بن بابويه والمفيد: أنّ حدّ فوات السعة زوال الشمس من يوم التروية، وعن «المقنع» و «المقنعة»: أنّه غروب الشمس منه قبل الطواف والسعي، وفي «الدروس» عن الحلبي أنّه قال: وقت طواف العمرة إلى غروب الشمس يوم التروية للمختار والمضطرّ إلى أن يبقى ما يدرك عرفة آخر وقتها، وعن ظاهر ابن إدريس ومحتمل أبي الصلاح في حجّة الإسلام ونحوها ممّا تعيّن فيها المتعة لم يجز العدول ما لم يخف فوات اضطراري عرفة والأصل في هذا الاختلاف اختلاف النصوص إلّاأنّ الكثير منها ينطبق على الأوّل،(1) فراجع في «الجواهر».

وقال في «رياض المسائل»: «ولو دخل مكّة بمتعة وخشي ضيق الوقت عن إدراك الوقوفين جاز نقلها إلى الإفراد، ويعتمر عمرة مفردة بعده بلاخلاف فيه على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر، وعن «المعتبر» الاتّفاق عليه وهو الحجّة، مضافاً إلى النصوص المستفيضة، ولكن اختلفت في حدّ الضيق، ولأجله اختلف أقوال الطائفة؛ فبين محدّد له بزوال الشمس يوم التروية قبل الإحلال من


1- جواهر الكلام 18: 29 ..

ص: 234

العمرة، كالمفيد في نقله، وله الصحيح، ومحدّد له بغروبها يوم التروية، كالصدوق في «المقنع» والمفيد في «المقنعة»، وبه أخبار كثيرة تضمّنت الصحيح وغيره، ومحدّد له بزوالها من يوم العرفة، كالشيخ والقاضي وابن حمزة في «المبسوط» و «النهاية» و «المهذّب» و «الوسيلة» ولهم الصحيح، وعلّله الشيخ في كتابي الأخبار بأ نّه لا يدرك الموقفين بعده،(1) كما في المعتبرة التي تضمّنت الصحيح وغيره، ومحدّد له بخوف فوت الوقوف مطلقاً؛ من غير تحديد له بزمان حتّى لو لم يخف منه لم يجز العدول ولو كان بعد زوال الشمس من يوم عرفة، كما عن الحلبيين وابن إدريس وسعيد، وعليه الفاضل، ولعلّه الأقوى؛ للأصل، وصدق الامتثال، وخصوص النصوص.

منها: لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يخف فوت الموقفين(2) والنصوص المحدّدة مع تعارض بعضها مع بعض يمكن تنزيلها على اختلاف إمكان وصول الحاجّ إلى عرفات يومئذٍ كما صرّح به بعض المحدّثين من المتأخّرين قال: «وظنّي أنّ هذا أولى من التنزيل الذي ارتكبه الشيخ في «التهذيب» وإن تلقّاه جملة من المتأخّرين بالقبول؛ لتضمّنه بعض القيود الذي لا يفهم منها طرّاً ويحكى عن الخال العلّامة المجلسي- طاب ثراه- على الظاهر حمل أكثرها على الإتّقاء وذلك لأنّ في التخلّف عن المضيّ مع الناس إلى عرفات مظنّة الاطلاع عليه بحجّ التمتّع الذي ينكره الجمهور، حتّى أنّ التقيّة إذا رفعت من الناس كان مناطاً لفوات الموقفين» انتهى. وهو جيّد، ثمّ على المختار، هل العبرة بخوف فوت اضطراري عرفة، كما عن ظاهر الحلّي


1- تهذيب الأحكام 5: 170؛ الاستبصار 2: 249 ..
2- وسائل الشيعة 11: 292، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 20، الحديث 5 ..

ص: 235

(مسألة 7): الحائض أو النفساء إذا ضاق وقتها عن الطهر وإتمام العمرة، يجب عليها العدول إلى الإفراد والإتمام ثمّ الإتيان بعمرة بعد الحجّ. ولو دخل مكّة من غير إحرام لعذر وضاق الوقت أحرم لحجّ الإفراد، وأتى بعد الحجّ بعمرة مفردة، وصحّ وكفى عن حجّة الإسلام.

ومحتمل الحلبي أو اختياريها، كما عن «الغنية» و «المختلف» و «الدروس»؟

وجهان، أجودهما الثاني، للصحيح عن الرجل يكون في يوم عرفة بينه وبين مكّة ثلاثة أميال، وهو متمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فقال: «يقطع التلبية ويهلّ بالحجّ بالتلبية إذا صلّى الفجر، ويمضي إلى عرفات فيقف مع الناس، ويقضي جميع المناسك ويقيم بمكّة حتّى يعتمر عمرة المحرم، ولا شي ء عليه»،(1) وقريب منه جملة من المعتبرة... والمرسل كالموثّق بناءً على أنّ ظاهرها إدراكهم بمنى قبل المضي إلى عرفات فتدبّر. واحتمال أن يكون المراد إدراكهم بمنى يوم العيد؛ بأن يدرك اضطراريّ المشعر، مع بعده مخالف للإجماع على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر، إلّاأن يحمل على إدراك الاضطراريين، لكنّه بعيد لا يظهر من الأخبار»(2) انتهى.

بيانه- قال في «الحدائق»: «المشهور بين الأصحاب أنّ الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلّل، وإنشاء الإحرام بالحجّ لضيق الوقت، فإنّهما تبقيان على إحرامهما وتنقلان حجّهما إلى الإفراد».(3)


1- وسائل الشيعة 11: 298، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 21، الحديث 7 ..
2- رياض المسائل 6: 135- 138 ..
3- الحدائق الناضرة 14: 340 ..

ص: 236

وقال في «الرياض»: «الحائض والنفساء لو منعهما عذرهما عن التحلّل، وانشاء الإحرام بالحجّ لضيق الوقت عن التربّص إلى الطهر يعدلان إلى الإفراد على المشهور، كما في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة، بل في ظاهر «المدارك» وغيره الاتّفاق على جوازه، وفيهما وفي غيرهما الإجماع عليه عن «المعتبر» و «التذكرة» و «المنتهى» وبه صرّح في «الخلاف»، وهو الحجّة، مضافاً إلى المعتبرة.

منها: الصحيح عن المرأة تدخل متمتعّة فتحيض قبل أن تحلّ متى تذهب متعتها؟ فقال: «كان أبو جعفر عليه السلام يقول: زوال الشمس من يوم التروية»،(1) إلى غير ذلك من الأخبار.(2)

وقال في «الحدائق»: «وظاهر العلّامة في «المنتهى» دعوى الإجماع على ذلك، حيث قال: «إذا دخلت المرأة مكّة متمتّعة طافت وسعت وقصّرت ثمّ أحرمت بالحجّ كما يفعل الرجل سواء فإن حاضت قبل الطواف لم يكن لها أن تطوف بالبيت إجماعاً؛ لأنّ الطواف صلاة، ولأ نّها ممنوعة من الدخول إلى المسجد، وتنتظر إلى وقت الوقوف بالموقفين، فإن طهرت وتمكّنت من الطواف والسعي والتقصير وإنشاء الإحرام بالحجّ وإدراك عرفة صحّ لها التمتّع، وإن لم تدرك ذلك، وضاق عليها الوقت، واستمرّ بها الحيض إلى وقت الوقوف بطلت متعتها، وصارت حجّتها مفردة، ذهب إليه علماؤنا أجمع».

ونقل في «المدارك» عن الشهيد في «الدروس»: أنّه حكى عن علي بن


1- وسائل الشيعة 11: 300، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 21، الحديث 14 ..
2- رياض المسائل 6: 138 ..

ص: 237

بابويه وأبي الصلاح وابن الجنيد قولًا بأ نّها مع ضيق الوقت تسعى، ثمّ تحرم بالحجّ، وتقضي طواف العمرة مع طواف الحجّ... ويدلّ على ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن العلاء بن صبيح، وعبدالرحمان بن الحجّاج، وعلي بن رئاب، وعبداللَّه بن صالح كلّهم يروونه عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «المرأة المتمتّعة إذا قدّمت مكّة ثمّ حاضت تقيم ما بينها وبين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة، وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت ثمّ سعت بين الصفا والمروة ثمّ خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ثمّ طافت طوافاً للحجّ ثمّ خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شي ء يحلّ منه المحرم، إلّافراش زوجها، فإذا طافت اسبوعاً آخر حلّ لها فراش زوجها».(1)

وما رواه في «الكافي» عن عجلان أيضاً أنّه سمع أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «إذا اعتمرت المرأة ثمّ اعتلّت قبل أن تطوف قدّمت السعي وشهدت المناسك، فإذا طهرت وانصرفت من الحجّ قضت طواف العمرة وطواف الحجّ وطواف النساء ثمّ أحلّت من كلّ شي ء»...(2)

قال في «المدارك» بعد نقل صحيحة العلاء بن صبيح وعبدالرحمان بن الحجّاج وعلي بن رئاب المتقدّمة: «والجواب أنّه بعد تسليم السند والدلالة يجب الجمع بينها وبين الروايات السابقة المتضمّنة للعدول إلى الإفراد بالتخيير بين الأمرين»... ذهب إلى الأوّل جماعة من القدماء وجمع من المتأخّرين، وأكثر الأصحاب أوجبوا النقل إلى حجّ الإفراد وتأتي بعد ذلك بعمرة مفردة، وذهب جمع من الأصحاب إلى القول بالتخيير، ولا يخلو من قوة وظنّى رجحان


1- وسائل الشيعة 13: 448، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 84، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 449، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 84، الحديث 3 ..

ص: 238

(مسألة 8): صورة حجّ الإفراد كحجّ التمتّع إلّافي شي ء واحد، وهو أنّ الهدي واجب في حجّ التمتّع ومستحبّ في الإفراد.

هذا القول مع أفضلية التمتّع، وفيه قول آخر بالتفصيل كما ذكره الصدوق قدس سره بأ نّهما متى كانتا عند الإحرام طاهرتين تمتّعتا وإلّا أفردتا»،(1) انتهى كلامه.

وقال في «الرياض»: «وهذه الأدلّة معارضة بأقوى منها سنداً واشتهاراً، فلتحمل على ما إذا طافت أربعة أشواط قبل الحيض جمعاً، وهو أولى من الجمع بين الأخبار بالتخيير؛ لفقد التكافؤ المشترط فيه، مع ندرة القائل به؛ إذ لم يحك إلّاعن الإسكافي، ثمّ على تقدير صحّته فلا ريب أنّ العدول أولى؛ لاتّفاق الأخبار على جوازه على هذا التقدير هذا...»،(2) واللَّه العالم بالصواب.

الفرق بين الإفراد والتمتّع

الفرق بين الإفراد والتمتّع

بيانه- قال في «المختلف»: قال الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف»: «المكّي إذا تمتّع لم يكن عليه هدي، وفيه نظر: لنا: عموم قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ.(3) احتجّ الشيخ بقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛(4) معناه: أنّ الهدي لا يلزم إلّالمن لم يكن أهله


1- الحدائق الناضرة 14: 341- 347 ..
2- رياض المسائل 6: 140- 141 ..
3- البقرة( 2): 196 ..
4- البقرة( 2): 196 ..

ص: 239

حاضري المسجد الحرام، ويجب أن يكون قوله: ذَلِكَ راجعاً إلى الهدي لا إلى التمتّع؛ لأنّه يجري مجرى قول القائل: «من دخل داري فله درهم، ذلك لمن لم يكن غاصباً» في أنّ ذَلِكَ يرجع إلى الجزاء دون الشرط، ثمّ قال: ولو قلنا: إنّه راجع إليهما، وقلنا: إنّه لا يصحّ منهم التمتّع أصلًا لكان قويّاً.

والجواب: رجوع الضمير إلى الأبعد أولى؛ لما عرف من أنّ النحاة فصّلوا بين الرجوع إلى القريب والبعيد والأبعد في الإشارة، فقالوا: في الأوّل «ذا» وفي الثاني «ذاك» وفي الثالث «ذلك»، مع أنّ الأئمّة عليهم السلام استدلّوا على أنّ أهل مكّة ليس لهم متعة؛ لقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، والحجّة في قولهم عليهم السلام».(1)

وقال في «مسالك» شهيد الثاني قدس سره: «قوله: «ويسقط الهدي عن القارن والمفرد وجوباً» المراد أنّه لا يجب عليهما هدي؛ لاختصاصه بالمتمتّع؛ لا أنّه كان واجباً فسقط بفعلهما والتقييد بالوجوب يخرج هدي القارن، فإنّه مستحبّ للقارن، وأمّا الأضحية فإنّها وإن كانت مستحبّة لهما لكنّها لا تدخل في مسمّى الهدي، ولا يحتاج إلى الاحتراز عنها».(2)


1- مختلف الشيعة 4: 57- 58، المسألة 18 ..
2- مسالك الأفهام 2: 210 ..

ص: 240

(مسألة 9): صورة العمرة المفردة كعمرة التمتّع إلّافي امور:

أحدها: أنّ في عمرة التمتّع يتعيّن التقصير ولا يجوز الحلق، وفي العمرة المفردة تخيّر بينهما.

ثانيها: أنّه لا يكون في عُمرة التمتّع طواف النساء وإن كان أحوط، وفي العمرة المفردة يجب طواف النساء.

ثالثها: ميقات عمرة التمتّع أحد المواقيت الآتية، وميقات العمرة المفردة أدنى الحلّ وإن جاز فيها الإحرام من تلك المواقيت.

الفرق بين العمرتين

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «معنى العمرة لغة: الزيارة بوجه العموم، وشرعاً: زيارة بيت اللَّه الحرام بنحو خاصّ. أقسامها: تنقسم العمرة إلى عمرة مستقلة عن الحجّ، ووقتها طوال أيّام السنة بالاتّفاق، وأفضل أوقاتها عند الإمامية شهر رجب، وعند غيرهم شهر رمضان، وإلى منضّمة إلى الحجّ؛ بحيث يأتي بها الناسك أوّلًا، ثمّ يأتي بأعمال الحجّ في سفرة واحدة، كما يفعل حجّاج الأقطار البعيدة عن مكّة المكرّمة، ووقتها أشهر الحجّ وهي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة بالاتّفاق، على خلاف بين الفقهاء في ذي الحجّة، هل هو بكامله من أشهر الحجّ أو الثلث الأوّل منه؟ ولو أتى بالعمرة منضّمة إلى الحجّ سقط وجوب المفردة عند من قال بوجوبها.

الفرق بين العمرتين: فرّق السيّد الخوئي بين العمرة المفردة وعمرة التمتّع بامور:

1- إنّ طواف النساء- يأتي معناه- واجب في العمرة المفردة ولا يجب في

ص: 241

عمرة التمتّع. وقال بعضهم: لا يشرع فيها.

2- إنّ وقت عمرة التمتّع يبتدئ من أوّل شوّال إلى اليوم التاسع من ذي الحجّة، أمّا العمرة المفردة فوقتها طوال أيّام السنة.

3- أنّ المعتمر بعمرة التمتّع يحلّ بالتقصير فقط. أمّا المعتمر بعمرة مفردة فهو مخيّر بين التقصير والحلق، ويأتي التوضيح.

4- أنّ عمرة التمتّع والحجّ يقعان في سنة واحدة وليس كذلك في العمرة المفردة...

حكمها: قال الحنفية والمالكية: العمرة سنّة مؤكّدة وليست فرضاً، وقال الشافعية والحنابلة وكثير من الإمامية: بل هي فرض على من استطاع إليها سبيلًا؛ لقوله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ(1) وتقع مستحبّة لغير المستطيع.

أفعالها: جاء في كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة»: «يجب للعمرة ما يجب للحجّ وكذلك يسنّ لها ما يسنّ له... ولكنّها تخالفه في امور: منها: أنّه ليس لها وقت معيّن ولا تفوت، وليس فيها وقوف بعرفة، ولا نزول بمزدلفة، ولا رمي جمار».

وجاء في كتاب «الجواهر» للإمامية: «الواجب من أفعال الحجّ 12: الإحرام، والوقوف بعرفات، والوقوف بالمشعر، ونزول منى، والرمي، والذبح، والحلق بها، والتقصير، والطواف، وركعتاه، والسعي وطواف النساء، وركعتاه...».

وواجب أفعال العمرة المفردة ثمانية: النيّة، والإحرام، والطواف، وركعتاه، والسعي، والتقصير، وطواف النساء، وركعتاه، من هذا يتبيّن معنا اتّفاق الجميع على أعمال الحجّ تزيد عن العمرة بالوقوف وما يستدعيه من الأعمال إلّاأنّ


1- البقرة( 2): 196 ..

ص: 242

الإمامية أوجبوا على المعتمر بعمرة مفردة أن يطوف ثانية طواف كما أنّ مالكاً خالف الجميع بقوله: «لا يجب الحلق أو التقصير في العمرة المفردة».

فرعان:

الفرع الأوّل: أنّ وجوب العمرة المفردة لا يرتبط بالاستطاعة للحجّ، فلو استطاع لها خاصّة كما لو فرض أنّ شخصاً تمكّن من الذهاب إلى مكّة في غير أيّام الحجّ ولا يستطيع الذهاب إليها في أيّامه وجبت عليه العمرة دون الحجّ، وإن مات قبل أدائها خرجت من تركته.

وكذا لو فرض أنّه استطاع الحجّ الإفرادي دون العمرة وجب؛ لأنّ كلًا منهما نسك مستقلّ برأسه هذا بالقياس إلى العمرة المفردة أمّا العمرة التمتّع...، فيتوقّف وجوبها على وجوب الحجّ؛ لأنّها داخلة فيه.

الفرع الثاني: قال الإمامية: لا يجوز لمن أراد دخول مكّة أن يتجاوز الميقات ولا دخول حرمها إلّامحرماً بنسك، إلّاإذا تكرّر الدخول والخروج في ضمن شهر».(1)


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 200- 203 ..

ص: 243

المواقيت

القول: في المواقيت

اشارة

وهي المواضع التي عُيّنت للإحرام، وهي خمسة لعمرة الحجّ:

الأوّل: ذو الحليفة، وهو ميقات أهل المدينة ومن يمرّ على طريقهم، والأحوط الاقتصار على نفس مسجد الشجرة، لا عنده في الخارج، بل لا يخلو من وجه.

ميقات أهل المدينة ومَن يمرّ عليهم

بيانه- قال في «الحدائق»: «القول في المواقيت، وهي جمع ميقات، قال الجوهري: «الميقات: الوقت المضروب للفعل والموضع، يقال: هذا ميقات أهل الشام للموضع الذي يحرمون منه»، ونحوه عبارة «القاموس».

وظاهر هذا الكلام أنّ إطلاقه على المعنيين المذكورين على جهة الحقيقة، وهو خلاف ما صرّح به غيره. قال في «النهاية» الأثيرية: «قد تكرّر ذكر التوقيت والميقات في الحديث والتوقيت والتاقيت أن يجعل للشي ء وقت يختصّ به، وهو بيان مقدار المدّة، يقال: وقّت الشي ء يوقته ووقته يقته إذا بيّن حدّه، ثمّ اتّسع فيه، فاطلق على المكان، فقيل للموضع ميقات، وهو مفعال منه. وأصله موقات، فقلبت الواو ياء لكسرة الميم». وقال الفيومي في كتاب «المصباح المنير» أيضاً:

ص: 244

«الوقت مقدار من الزمان مفروض لأمر ما، وكلّ شي ء قدّرت له حيناً فقد وقّته توقيتاً، وكذلك ما قدّرت له غاية، والجمع أوقات، والميقات الوقت والجمع مواقيت. وقد استعير الوقت للمكان. ومنه مواقيت الحجّ لمواضع الإحرام»، انتهى».(1)

قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «لا بدّ للعمرة والحجّ بشتّى أنواعه من الإحرام، وهو ركن من أركانهما عند الإمامية، وواجب عند غيرهم واتّفقوا قولًا واحداً على أنّ ميقات أهل المدينة الذين يبدؤون إحرامهم منه مسجد الشجرة ويسمّى ذو الحليفة، وميقات أهل الشام ومصر والمغرب الجحفة(2) وميقات أهل العراق العقيق ولأهل اليمن ومن عبر على طريقهم يلملم».(3)

وقال في «الجواهر»: «ولأهل المدينة مسجد الشجرة كما في «النافع» و «القواعد» ومحكيّ «الجامع» و «المقنعة» و «الناصريات» و «جمل العلم والعمل» و «الكافي» و «الإشارة»، وفيها أنّه ذو الحليفة، بل عن «الناصريات» الإجماع على ذلك، وعن «المعتبر» و «المهذّب» وكتب الشيخ والصدوق والقاضي وسلّار وابني إدريس وزهرة و «التذكرة» و «المنتهى» و «التحرير»: أنّ ميقاتهم ذو الحليفة، وأ نّه مسجد الشجرة كما في حسن الحلبي،(4) بل عن ابن زهرة منهم الإجماع على ذلك... نعم، في «الدروس»: «أ نّه ذو الحليفة وأفضله


1- الحدائق الناضرة 14: 435 ..
2- المراد بأهل الشام السوريون واللبنانيون والفلسطينيون والاردنيون، وقد تغيرت الطرق عما كانت وقال السيّد الحكيم: أنّ المسافر بالطائرة لا يجب عليه الإحرام إذا مرّ فوق الميقات وإذا هبط في جدّة أحرم من الحديبية وله أن يحرم عن جدّة مع النذر ..
3- الفقه على المذاهب الخمسة: 208 ..
4- وسائل الشيعة 11: 308، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 1، الحديث 3 ..

ص: 245

(مسألة 1): الأقوى عدم جواز التأخير اختياراً إلى الجحفة، وهي ميقات أهل الشام. نعم، يجوز مع الضرورة لمرض أو ضعف أو غيرهما من الأعذار.

مسجد الشجرة، والأحوط الإحرام منه»، بل عن الكركي: «أنّ جواز الإحرام من الموضع المسمّى بذي الحليفة وإن كان خارجاً من المسجد لا يكاد يدفع، ولعلّه لإطلاق أكثر النصوص»،(1) واللَّه العالم.

تأخير الإحرام إلى الجحفة

بيانه- قال في «الجواهر»: «وعند الضرورة- التي هي المرض والضعف- الجحفة كما صرّح به غير واحد، بل لا أجد في جوازه معها خلافاً... يدلّ عليه النصوص كخبر أبي بكر الحضرمي عن الصادق عليه السلام: «إنّي خرجت بأهلي ماشياً، فلم اهلّ حتّى أتيت الجحفة، وقد كنت شاكياً، فجعل أهل المدينة يسألون منّي فيقولون: لقيناه، وعليه ثيابه، وهم لا يعلمون قد رخّص رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة».(2) وخبر أبي بصير عنه عليه السلام أيضاً قلت: خصال عابها عليك أهل مكّة، قال: «وما هي؟» قلت: قالوا: أحرم من الجحفة، ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أحرم من الشجرة. فقال: «الجحفة أحد الموقفين، وأخذت بأدناهما وكنت عليلًا»(3) وصحيح الحلبي عنه عليه السلام: من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: «من الجحفة، ولا يجاوز الجحفة إلّا


1- جواهر الكلام 18: 107 ..
2- وسائل الشيعة 11: 317، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 6، الحديث 5 ..
3- وسائل الشيعة 11: 317، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 6، الحديث 4 ..

ص: 246

محرماً»،(1) بل قد يظهر من الخبرين المزبورين جوازه اختياراً كما عن ظاهر الجعفى وابن حمزة، بل هو مقتضى إطلاق نفي البأس عن الإحرام منها في صحيح آخر.(2) وكونها ميقاتاً لأهل المدينة في خبر آخر(3) أيضاً، إلّاأنّ الذي يقتضيه الجمع بين ذلك وبين ما يفهم منه الرخصة في خبر أبي بكر الحضرمي، بل وقوله عليه السلام في خبر أبي بصير «وكنت عليلًا» المؤيّدين بفتوى المعظم هو اختصاص ذلك بالحال المزبور الموافق لقاعدة الاحتياط، بل يقوى الظنّ بإرادة بيان أصل مشروعية الإحرام منها، وأ نّها أحد المواقيت في الجملة في النصوص المزبورة فلا معارضة. نعم، قد يقال بالتخيير في الحال المزبور بين تأخير الإحرام إليها وبين الإحرام من المسجد، مع فعل ما يضطرّ إليه والفداء عنه».(4)

وقال في «المسالك»: «وفي بعض الأخبار إطلاق جواز التأخير من مسجد الشجرة إلى الجحفة من غير تقييد بالضرورة، وهو محمول عليها أو على معنى الإجزاء الذي ذكرناه»،(5) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 11: 316، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 6، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 11: 316، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 6، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 11: 309، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 1، الحديث 5 ..
4- جواهر الكلام 18: 110 ..
5- مسالك الأفهام 2: 215 ..

ص: 247

(مسألة 2): الجنب والحائض والنفساء جاز لهم الإحرام حال العبور عن المسجد إذا لم يستلزم الوقوف فيه، بل وجب عليهم حينئذٍ، ولو لم يمكن لهم بلا وقوف، فالجنب مع فقد الماء أو العذر عن استعماله، يتيمّم للدخول والإحرام في المسجد، وكذا الحائض والنفساء بعد نقائهما، وأمّا قبل نقائهما، فإن لم يمكن لهما الصبر إلى حال النقاء فالأحوط لهما الإحرام خارج المسجد عنده وتجديده في الجحفة أو محاذاتها.

إحرام الجنب والحائض والنفساء

بيانه- قال في «الجواهر»: «فلو كان المحرم جنباً أو حائضاً فقد صرّح جملة من الأصحاب بالإحرام به مجتازين، فإن تعذّر الاجتياز أحرما من خارجه، ولعلّه لأنّ ذلك ليس من أفراد الضرورة التي يسوغ معها تأخير الإحرام إلى الجحفة؛ لأنّها المشقّة لمرض أو ضعف كما ستعرف، كما أنّ قول الصادق عليه السلام في خبر يونس: «ولا تدخل المسجد وتهلّ بالحجّ بغير صلاة»(1) الوارد في كيفية إحرام الحائض يراد منه عدم اللبث به للإحرام، نعم، قد يقال بمشروعية التيمّم حينئذٍ للجنب والحائض بعد انقطاع دمها وتعذّر الغسل مع فرض تعيّن الإحرام منه؛ لعموم ما دلّ على قيام الصعيد مقام الماء».(2)

وجاء في «مستمسك العروة» للسيّد الحكيم: أنّ عموم بدلية التراب عن الماء، وأ نّه يكفي عشر سنين، وأنّ التراب أحد الطهورين، وأنّ ربّ الماء


1- وسائل الشيعة 12: 399، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 48، الحديث 2 ..
2- جواهر الكلام 18: 109 ..

ص: 248

الثاني: العقيق، وهو ميقات أهل نجد والعراق ومن يمرّ عليه من غيرهم، وأوّله المسلخ، ووسطه غمرة، وآخره ذات عرق، والأقوى جواز الإحرام من جميع مواضعه اختياراً، والأفضل من المسلخ ثمّ من غمرة، ولو اقتضت التقيّة عدم الإحرام من أوّله والتأخير إلى ذات عرق، فالأحوط التأخير، بل عدم الجواز لا يخلو من وجه.

والصعيد واحد، ونحوها كافٍ في ثبوت بدلية التراب في المقام ونحوه».(1)

وقال في «العروة»: «إذا كان جنباً ولم يكن عنده ماء جاز له أن يحرم خارج المسجد، والأحوط أن يتيمّم للدخول والإحرام. ويتعيّن ذلك على القول بتعيّن المسجد. وكذا الحائض إذا لم يكن لها ماء بعد نقائها»(2) انتهى.

ثمّ قال في «الجواهر»: «ولعلّ مراد القائل بالإحرام من خارج مع فرض تعذّر أصل الدخول فيه لغير حدث الجنابة مثلًا كما أنّه قد يقال بوجوب تأخير الإحرام مع فرض سعة الوقت إلى حين الطهارة؛ تحصيلًا للإحرام من ميقاته، اللهمّ إلّاأن يقال: بعدم وجوب الإحرام من نفس المسجد، وإنّما الواجب منه أو ممّا يحاذيه لا دونه ولا متجاوزاً عنه»(3) واللَّه العالم.

ميقات أهل نجد والعراق ومن يمرّ عليه

بيانه- والعقيق وادٍ طويل يزيد بريدين(4) لأهل العراق، ومن يمرّ عليه من غيرهم إجماعاً ونصّاً. وهو في اللغة كلّ واد عقّه السيل؛ أي شقّه، فانهره


1- مستمسك العروة الوثقى 11: 335 ..
2- العروة الوثقى 4: 632 ..
3- جواهر الكلام 18: 109 ..
4- بريد وزان أمير أربعة فراسخ، اثنا عشر ميلًا. منه دام ظلّه).

ص: 249

ووسّعه. وسمّى به أربعة أودية في بلاد العرب أحدها الميقات، وهو وادي يندفق سيله في غوري تهامة، كما عن «تهذيب اللغة» قد صرّح الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- بأنّ العقيق في الأخبار أوّله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق.

قال في «الجواهر»: والمشهور أنّ أفضله المسلخ، وهو أوّله كما في خبري أبي بصير: أحدهما: عن الصادق عليه السلام والآخر: عن أحدهما عليهما السلام(1) وهو بالسين والحاء المهملتين واحد المسالح؛ وهي المواضع العالية أو بالخاء المعجمة. وهو موضع النزع لأنّه ينزع فيه الثياب للإحرام فتكون التسمية حينئذٍ متأخّرة عن وضعه ميقاتاً. ودليل الأفضلية الأخبار والإجماع كما في «كشف اللثام»(2) لكن ستسمع من النصوص ما يقتضي كون أوّله ما دون المسلخ بستّة أميال. وفي النصوص أنّ أوّله أفضل. ولعلّ الاحتياط في التأخير هذا المقدار جمعاً بين النصوص والاحتمالات وتحصيلًا ليقين البراءة».(3) وقال صاحب «الحدائق»: وإلى ما ذكرناه يشير كلام ابن إدريس في سرائره حيث قال: ووقّت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لأهل كلّ صقع ولمن حجّ على طريقهم ميقاتاً، فوقّت لأهل العراق العقيق، فمن أيّ جهاته وبقاعه أحرم ينعقد الإحرام منها، إلّاأنّ له ثلاثة أوقات: أوّلها: المسلخ، يقال بفتح الميم وبكسرها، وهو أوّله، وهو أفضلها عند ارتفاع التقيّة وأوسطها غمرة، وهي تلي المسلخ في الفضل مع ارتفاع التقيّة، وآخرها ذات عرق، وهي أدونها في الفضل إلّاعند التقيّة والشناعة والخوف،


1- وسائل الشيعة 11: 312، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 2، الحديث 5 و 7 ..
2- كشف اللثام 5: 206 ..
3- جواهر الكلام 18: 104 ..

ص: 250

فذات العرق هي أفضلها في هذه الحال ولا يتجاوز ذات عرق إلّامحرماً على حال»(1)....

ثمّ اعلم أنّ صاحب «التنقيح» ضبط المسلح بالسين والحاء المهملتين قال:

وهو واحد المسالح وهو المواضع العالية(2) ونقل شيخنا الشهيد الثاني عن بعض الفقهاء: أنّه ضبطه بالخاء المعجمة من السلخ. وهو النزاع لأنّه تنزع فيه الثياب للإحرام.(3) ومقتضى ذلك تأخّر التسمية عن وضعة ميقاتاً».(4)

وقال صاحب «الجواهر»: ويليه في الفضل (غمرة) بالغين المعجمة والراء المهملة والميم الساكنة منهل من مناهل مكّة، وهو فصل ما بين نجد وتهامة كما عن الأزهري وعن فخر الإسلام أنّها سمّيت بها لزحمة الناس فيها.

وعلى كلّ حال، فلم أجد في النصوص ما يقتضي كونها تلي المسلخ في الفضل، بل ستسمع في النصوص ما يقتضي خروجها عن العقيق، وإن كان المعروف بين الأصحاب أنّها أوسطه. نعم، في «كشف اللثام» يمكن حمل صحيح عمر بن يزيد(5) وخبر أبي بصير(6) عن أحدهما عليهما السلام الآتيين على شدّة كراهية تأخير الإحرام عن غمرة والأمر سهل. وآخره ذات عرق جبل صغير، أو قليل من الماء، أو قرية خربت.

ويجوز الإحرام من جميع مواضعه اختياراً كما هو ظاهر النصّ والفتوى، بل


1- السرائر 1: 528 ..
2- ذخيرة المعاد 3: 575 ..
3- الروضة البهيّة 1: 482 ..
4- الحدائق الناضرة 14: 442 ..
5- وسائل الشيعة 11: 309، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 1، الحديث 6 ..
6- وسائل الشيعة 11: 312، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 2، الحديث 5 ..

ص: 251

عن «الناصرية» و «الخلاف» و «الغنية» الإجماع عليه، قال الصادق عليه السلام في مرسل الصدوق قدس سره: «وقّت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لأهل العراق العقيق، وأوّله المسلخ، ووسطه غمرة، وآخره ذات عرق، وأوّله أفضل»،(1) ونحوه عن كتاب فقه الرضا عليه السلام. وقال أيضاً في خبر أبي بصير: «حدّ العقيق أوّله المسلخ، وآخره ذات عرق»(2)... ولكن عن ظاهر الصدوقين والشيخ في «النهاية» عدم جواز الإحرام من ذات عرق منه إلّالتقيّة أو مرض. ولعلّه للجمع بين ما سمعته وبين صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «وقّت رسول اللَّه لأهل المشرق العقيق نحواً من بريد ما بين بريد البعث إلى غمرة» الحديث وغير ذلك من الأخبار.(3)

وقال في «الحدائق»: ونقل العلّامة عن سعيد بن جبير أنّه رأى رجلًا يريد أن يحرم بذات عرق، فأخذ بيده حتّى أخرجه من البيوت، وقطع به الوادي، فأتى به المقابر فقال: هذه ذات عرق الأولى. والظاهر الاكتفاء في معرفة ذلك بسؤال الناس الخبيرين بذلك، لما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «يجزئك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس والأعراب عن ذلك(4)».».(5)


1- وسائل الشيعة 11: 314، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 3، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 11: 313، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 2، الحديث 7 ..
3- جواهر الكلام 18: 105 ..
4- وسائل الشيعة 11: 315، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 1 ..
5- الحدائق الناضرة 14: 443 ..

ص: 252

الثالث: الجُحفة، وهي لأهل الشام ومصر ومغرب ومن يمرّ عليها من غيرهم.

ميقات أهل الشام ومصر ومغرب ومن يمرّ عليها

بيانه- وإنّما سمّيت جحفة لإجحاف السيل بها وبأهلها، قال في «المجمع»:

«جحف: في الحديث «وقّت لأهل الشام الجحفة» بضم جيم هي مكان بين مكّة والمدينة محاذية لذي الحليفة من الجانب الشامي قريب من رابغ بين بدر وخليص سمّيت بذلك لأنّ السيل اجتحف بأهلها أي ذهب بهم، وكان اسمها قبل ذلك مهيعة». وقال في «معجم البلدان» ما ملخّصه: «كانت قرية كبيرة على طريق المدينة من مكّة على أربع مراحل وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمرّوا على المدينة وبينها وبين غدير خم ميلان».(1)

قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «وكما اتّفقوا على أنّ هذه المواقيت لأهل الجهات المذكورة فقد اتّفقوا أيضاً على أنّها مواقيت لكلّ من يمرّ بها ممّن يريد الحجّ وإن لم يكن من أهل تلك الجهات، فإذا حجّ الشامي من المدينة فجاز على ذي الحليفة أحرم منه، وإن حجّ من اليمن، فميقاته يلملم، ومن العراق فالعقيق، وهكذا. ومن لم يمرّ بهذه المواقيت فميقاته المكان الذي يحاذي أحدها ...

ومواقيت المعتمر بعمرة مفردة عند الإمامية هي مواقيت الحجّ بالذات».(2)

وقال في «الجواهر»: «ثمّ لا يخفى عليك أنّ الاختصاص بالضرورة مع المرور على الميقات الأوّل وإلّا فلو عدل عن طريقه ولو من المدينة في الابتداء


1- مجمع البحرين 1: 346؛ معجم البلدان 2: 111 ..
2- الفقه على المذاهب الخمسة: 208 ..

ص: 253

الرابع: يلملم، وهو لأهل يمن ومن يمرّ عليه.

جاز وأحرم منها اختياراً؛ لأنّها أحد الوقتين. وما في خبر إبراهيم بن عبدالحميد سأل الكاظم عليه السلام: عن قوم قدموا المدينة فخاف أكثرهم البرد وكثرة الأيام وأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق، فيحرموا منها، فقال: «لا وهو مغضب من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّامن المدينة»(1) محمول على ضرب من الكراهة، بل الظاهر جواز الإحرام منها أيضاً لو أخّر عنه بعد المرور عليه إلى ميقات آخر اختياراً وإن أثم بذلك؛ للنهي عن مجاوزة الميقات بلا إحرام من غير علّة وفاقاً لصريح جماعة؛ لصدق الإحرام من الميقات الذي هو وقت لكلّ من يمرّ عليه وإن كان آثماً بعدم إحرامه أوّلًا عند المرور على الأوّل، إلّاأنّ ذلك لا يخرجه عن صدق اسم المرور على الثاني، مضافاً إلى إطلاق نفي البأس عن الإحرام منه. وتقييد الحكم التكليفي لا يقتضي تقييد الحكم الوضعي المستفاد من ظاهر النصوص. ومن هنا قال بعض الناس: إنّه ينبغي القطع بذلك. فما وقع من بعض المتأخّرين من احتمال عدم المشروعية له، بل ظاهر آخر الميل إلى العدم في غير محلّه»،(2) واللَّه العالم.

ميقات أهل يمن ومن يمرّ عليه

بيانه- قال في «الجواهر»: «لأهل اليمن جبل أو وادٍ يقال: يلملم وألمْلَم ويَرَمْرَم وهو على مرحلتين من مكّة»(3) وألملم وهو جبل من جبال تهامة.


1- وسائل الشيعة 11: 318، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 1 ..
2- جواهر الكلام 18: 112 ..
3- جواهر الكلام 18: 113 ..

ص: 254

الخامس: قرن المنازل، وهو لأهل الطائف ومن يمرّ عليه.

ميقات أهل الطائف ومن يمرّ عليه

بيانه- قال في «شرح اللمعة»: «قرن المنازل بفتح القاف فسكون الراء، وفي «الصحاح» بفتحهما وأنّ اويساً منها وخطّؤوه فيهما، فإنّ اويساً يمنيّ منسوب إلى قَرَن- بالتحريك- بطن من مراد وقَرن جبل صغير ميقات للطائف».(1)

وقال في «الجواهر»: «ولأهل الطائف قرن المنازل بفتح القاف وسكون الراء المهملة خلافاً للمحكيّ عن الجوهري، ففتحها، وزعم أنّ اويس القرني منسوب إليه. وفي «كشف اللثام»: «اتّفق العلماء على تغليطه فيهما وأنّ اويس من بني قرن بطن من مراد بخلاف ما نحن فيه، فإنّه جبل مشرف على عرفات على مرحلتين من مكّة، ويقال له قرن الثعالب وقرن بلا إضافة»، وعن بعض أنّ قرن الثعالب غيره وأ نّه جبل مشرف على أسفل منى، بينه وبين مسجدها ألف وخمس مئة ذراع. والأمر في ذلك سهل بعد معلومية المكان المخصوص لدى المتردّدين.

وفي بعض رواياتنا(2) وروايات العامّة(3) أنّه وقت أيضاً لأهل نجد، إلّاأنّ المعروف في نصوصنا أنّ وقتهم العقيق، ويجوز أن يكون لنجد طريقان، فلا تنافي حينئذٍ، والأمر سهل»(4) انتهى كلامه رفع مقامه.


1- الروضة البهية 1: 482 ..
2- وسائل الشيعة 11: 309 كتاب الحج آبواب المواقيت الباب 1 الحديث 6 ..
3- السنن الكبرى البيهقي 5.: 29.
4- جواهر الكلام 18: 113 ..

ص: 255

(مسألة 3): تثبت تلك المواقيت مع فقد العلم بالبيّنة الشرعية أو الشياع الموجب للاطمئنان، ومع فقدهما بقول أهل الاطّلاع مع حصول الظنّ، فضلًا عن الوثوق، فلو أراد الإحرام من المسلخ- مثلًا- ولم يثبت كون المحلّ الكذائي ذلك لا بدّ من التأخير حتّى يتيقّن الدخول في الميقات.

(مسألة 4): من لم يمرّ على أحد المواقيت جاز له الإحرام من محاذاة أحدها.

ولو كان في الطريق ميقاتان يجب الإحرام من محاذاة أبعدهما إلى مكّة على الأحوط، والأولى تجديد الإحرام في الآخر.

بيانه- قال في «الجواهر»: «ثمّ لا يخفى عليك وجوب حصول العلم أو ما يقوم مقامه شرعاً في معرفة الوقت الذي وقّته رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، لكن ذكر غير واحد من الأصحاب هنا الاكتفاء في معرفة هذه المواقيت بالشياع المفيد للظنّ الغالب، ولعلّه لصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «يجزيك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس والأعراب عن ذلك»(1)»،(2) واللَّه العالم.

محاذاة أحد المواقيت

بيانه- قال في «الحدائق»: «قد صرّح جملة من الأصحاب بأنّ من حجّ على طريق لا يفضى إلى أحد المواقيت المتقدّمة فإنّه يحرم إذا غلب على ظنّه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكّة، وصرّح آخرون بأ نّه يحرم عند محاذاة أحد المواقيت، وهو ظاهر في التخيير بين الإحرام من محاذاة أيّها شاء، وظاهر العلّامة في


1- وسائل الشيعة 11: 315، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 1 ..
2- جواهر الكلام 18: 107 ..

ص: 256

«المنتهى» اعتبار الميقات الذي هو أقرب إلى طريقه، ثمّ قال: «والأولى أن يكون إحرامه بحذو الأبعد من المواقيت من مكّة، وحكم بأ نّه إذا كان بين ميقاتين متساويين في القرب إليه تخيّر في الإحرام من أيّهما شاء». ونحو ذلك في «التذكرة» أيضاً.

وكيف كان فاعلم أنّي لم أقف في هذه المسألة إلّاعلى صحيحة عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من أقام بالمدينة شهراً، وهو يريد الحجّ، ثمّ بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة التي يأخذونه، فليكن إحرامه من مسيرة ستّة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء»(1)... وأنت خبير بأنّ مورد الرواية مسجد الشجرة، فحمل سائر المواقيت عليها لا يخلو من الإشكال؛ سيّما مع معارضتها برواية إبراهيم بن عبد الحميد(2) المتقدّمة الدالّة على من دخل المدينة، فليس له أن يحرم، إلّامن ميقات أهل المدينة المتأيّدة بمرسلة الكليني(3) المذكورة، وكأ نّهم بنوا على عدم ظهور الخصوصية لهذا الميقات، الذي هو عبارة عن تنقيح المناط، وهو محتمل، إلّاأنّ الاحتياط يقتضي المرور على الميقات، وعدم التجاوز عنه على حال...

وقيل: إنّه يحرم من أدنى الحلّ، ونقله في «المدارك» عن العلّامة في «القواعد» وولده في الشرح، ثمّ قال: وهو حسن؛ لأصالة البراءة من وجوب الزائد، وردّ بأنّ ثبوت التكليف يقتضي اليقين بتحصيل البراءة، والمسألة عندي محلّ توقّف؛ لعدم النصّ الكاشف عن حكمها.


1- وسائل الشيعة 11: 317، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 7، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 11: 318، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 11: 318، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 7، الحديث 2 ..

ص: 257

فروع: الأوّل: قال العلّامة في «المنتهى»: «لو لم يعرف حذو الميقات المقارب لطريقه احتاط، وأحرم من بعد؛ بحيث يتيقّن أنّه لم يجاوز الميقات إلّا محرماً». واستشكله في «المدارك»: «بأ نّه كما يمتنع تأخير الإحرام عن الميقات كذا يمتنع تقديمه عليه وتجديد الإحرام في كلّ موضع يحتمل فيه المحاذاة مشكل؛ لأنّه تكليف شاقّ لا يمكن إيجابه بغير دليل».

أقول: لا ريب أنّ ما ذكره من تجديد الإحرام في كلّ موضع يحتمل المحاذاة جيّد لو ثبت أصل الحكم؛ فإنّ يقين البراءة متوقّف عليه، والاحتياط بالإتيان بما يتوقّف عليه يقين البراءة في مقام اشتباه الحكم واجب، ودعوى المشقّة غير مسلّم، ولا مسموع.

الثاني: قال في «المنتهى» أيضاً: «لا يلزمه الإحرام حتّى يعلم أنّه قد حاذاه أو يغلب على ظنّه ذلك؛ لأنّ الأصل عدم وجوبه، فلا يجب بالشكّ».

أقول: لا يخفى أنّ ظاهر هذا الكلام لا يلائم ما ذهبوا إليه من وجوب الإحرام بظنّ المحاذاة؛ لأنّ أصالة عدم الوجوب كما تنفي الوجوب مع الشكّ تنفيه مع الظنّ أيضاً.

الثالث: قال في «المدارك»: «لو أحرم كذلك بالظنّ ثمّ تبيّنت الموافقة أو استمرّ الاشتباه أجزأ ولو تبيّن تقدّمه قبل تجاوز محل المحاذاة أعاده ولو كان بعد التجاوز أو تبيّن تأخّره عن محاذاة الميقات، ففي الإعادة وجهان: من المخالفة ومن تعبّده بظنّه المقتضي للإجزاء» انتهى.

أقول: وهو جيّد، لو ثبت أصل دليل المسألة، إلّاأنّه لا يلائم ما اختاره سابقاً؛ من الإحرام من أدنى الحلّ؛ فإنّ هذا إنّما يتفرّع على المحاذاة، كما لا يخفى، ثمّ لا يخفى أنّ ما علّل به الإعادة في الصورة الأخيرة- من المخالفة-

ص: 258

الظاهر ضعفه لما ذكر من أنّه متعبّد بظنّه. والمخالفة واقعاً غير معتبرة؛ إذ التكليف إنّما هو بما يظهر في نظر المكلّف فلا تضرّ المخالفة الواقعية؛ إلّاأنّ أصل المسألة- كما عرفت آنفاً- خالٍ من الدليل.

الرابع: المشهور بين الأصحاب أنّ من حجّ من البحر يلزمه الإحرام إذا غلب على ظنّه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكّة. وقال ابن إدريس: «وميقات أهل مصر، ومن صعد البحر جدّة». وردّه جملة من تأخّر عنه بعدم الوقوف له على دليل. نعم، إن كانت محاذية لأقرب المواقيت صحّ الإحرام منها لذلك لا لخصوصيتها. وأمّا أهل مصر ومن سلك طريقهم فميقاتهم الجحفة، كما يشير إليه بعض الأخبار السابقة، فخلافه غير ملتفت إليه.

السادسة: قد صرّح الأصحاب بأنّ كلّ من حجّ على ميقات لزمه الإحرام منه؛ بمعنى أنّ هذه المواقيت المتقدّمة لأهلها ولمن يمرّ بها من غير أهلها مريداً للحجّ أو العمرة، فلو حجّ الشامي على طريق المدينة أو العراقي وجب عليه الإحرام من ذي الحليفة، وهذا الحكم مجمع عليه بينهم، كما يفهم من «المنتهى»... ولا فرق في وجوب الإحرام من هذه المواقيت المذكورة على الداخل إلى مكّة بين أن يكون حاجّاً أو معتمراً، حجّ إفراد أو قران أو عمرة تمتّع أو إفراد. أمّا حجّ التمتّع فميقاته مكّة(1)...».

وفي «الجواهر»: «ولو لم يعرف حذو الميقات لا علماً ولا ظنّاً، فعن «المنتهى» و «التحرير»: «احتاط وأحرم من بعد؛ بحيث يتيقّن أنّه لم يجاوز الميقات، إلّامحرماً»، وأشكل بأ نّه: كما يمتنع تأخير الإحرام عن الميقات، كذا يمتنع تقديمه عليه، وتجديد الإحرام في كلّ مكان يحتمل فيه المحاذاة مشكل؛


1- الحدائق الناضرة 14: 451- 455 ..

ص: 259

(مسألة 5): المراد من المحاذاة: أن يصل في طريقه إلى مكّة إلى موضع يكون الميقات على يمينه أو يساره بخطّ مستقيم؛ بحيث لو جاوز منه يتمايل الميقات إلى الخلف. والميزان هو المحاذاة العرفية لا العقلية الدقّية. ويشكل الاكتفاء بالمحاذاة من فوق، كالحاصل لمن ركب الطائرة لو فرض إمكان الإحرام مع حفظ المحاذاة فيها، فلا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء بها.

لأ نّه تكليف شاقّ لا يمكن إيجابه بغير دليل، ويدفع: بأنّ ذلك لا ينافي كونه طريق احتياط عليه، بل قد لا ينافيه على الوجوب أيضاً؛ بناءً على أنّ النيّة هي الداعي؛ إذ لا مشقّة في استمرارها في أماكن الاحتمال فتأمّل جيّداً.(1)

المراد من المحاذاة

بيانه- قال في «العروة»: «التاسع: محاذاة أحد المواقيت الخمسة وهي ميقات من لم يمرّ على أحدها، والدليل عليه صحيحتا عبداللَّه بن سنان(2). ولا يضرّ اختصاصهما بمحاذاة مسجد الشجرة بعد فهم المثالية منهما وعدم القول بالفصل، ومقتضاهما محاذاة أبعد الميقاتين إلى مكّة إذا كان في طريق يحاذي اثنين، فلا وجه للقول بكفاية أقربهما إلى مكّة، وتتحقّق المحاذاة بأن يصل في طريقه إلى مكّة إلى موضع يكون بينه وبين مكّة باب...(3) ثمّ إنّ المدار على


1- جواهر الكلام 18: 118 ..
2- وسائل الشيعة 11: 317، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 7، الحديث 1 و 3 ..
3- لعلّ المراد من كلمة« باب» مقدار ومسافة تجوز، وقد يقرّر ضابط المحاذاة بأن تكون مكّة على جبهة المستقبل لها والميقات على يمينه أو شماله بالخطّ المستقيم وإن كان لا يبعد كفاية الصدق العرفي، هو أوسع من ذلك كلّه وهي بين ذلك الميقات ومكّة بالخطّ المستقيم وبوجه آخر؛ أن يكون الخطّ من موقفه إلى الميقات أقصر الخطوط في ذلك الطريق ..

ص: 260

صدق المحاذاة عرفاً، فلا يكفي إذا كان بعيداً عنه فيعتبر فيه المسامتة، كما لا يخفى. واللازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن، وإلّا فالظنّ الحاصل من قول أهل الخبرة، ومع عدمه أيضاً، فاللازم الذهاب إلى الميقات أو الإحرام من أوّل موضع احتماله، واستمرار النية والتلبية إلى آخر مواضعه. ولا يضرّ احتمال كون الإحرام قبل الميقات حينئذٍ مع أنّه لا يجوز؛ لأنّه لا بأس به إذا كان بعنوان الاحتياط. ولا يجوز إجراء أصالة عدم الوصول إلى المحاذاة أو أصالة عدم وجوب الإحرام؛ لأنّهما لا يثبتان كون ما بعد ذلك محاذاةً، والمفروض لزوم كون إنشاء الإحرام من المحاذاة. ويجوز لمثل هذا الشخص أن ينذر الإحرام قبل الميقات، فيحرم في أوّل موضع الاحتمال أو قبله على ما سيأتي من جواز ذلك مع النذر. والأحوط في صورة الظن أيضاً عدم الاكتفاء به، وإعمال أحد هذه الامور وإن كان الأقوى الاكتفاء، بل الأحوط عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع إمكان الذهاب إلى الميقات، لكنّ الأقوى ما ذكرنا من جوازه مطلقاً. ثمّ إن أحرم في موضع الظنّ بالمحاذاة، ولم يتبيّن الخلاف، فلا إشكال، وإن تبيّن بعد ذلك كونه قبل المحاذاة ولم يتجاوزه أعاد الإحرام، وإن تبيّن كونه قبله، وقد تجاوز أو تبيّن كونه بعده فإن أمكن العود والتجديد تعيّن، وإلّا فيكفي في الصورة الثانية، ويجدّد في الاولى في مكانه، والأولى التجديد مطلقاً ولا فرق في جواز الإحرام في المحاذاة بين البرّ والبحر.

ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا يتصوّر طريق لا يمرّ على ميقات ولا يكون مجاذياً

ص: 261

لواحد منها؛ إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب».(1) قال الاستاذ العلّامة البروجردي- على حاشيته على «العروة»: «ليس كذلك فإنّ ذا الحليفة والجحفة كليهما في شمال الحرم على خطّ واحد تقريباً وقرن المنازل في المشرق منه والعقيق بين الشمال والمشرق فتبقى يلملم وحدها لثلاثة أرباع الدورة المحيطة بالحرم وبينهما وبين قرن المنازل أكثر من ثلاثة أثمان الدورة ومنها إلى الجحفة قريب من ذلك»(2) انتهى كلامه رحمه الله.

ثمّ قال صاحب «العروة»: «فلا بدّ من محاذاة واحد منها، ولو فرض إمكان ذلك، فاللازم الإحرام من أدنى الحلّ وعن بعضهم أنّه يحرم من موضع يكون بينه وبين مكّة بقدر ما بينها وبين أقرب المواقيت إليها وهو مرحلتان؛ لأنّه لا يجوز لأحد قطعه إلّامحرماً. وفيه: أنّه لا دليل عليه، لكنّ الأحوط الإحرام منه وتجديده في أدنى الحلّ»،(3) انتهى واللَّه العالم.


1- العروة الوثقى 4: 635- 639 ..
2- العروة الوثقى 4: 639، الهامش 2 ..
3- العروة الوثقى 4: 639 ..

ص: 262

(مسألة 7): ما ذكرنا من المواقيت هي ميقات عمرة الحجّ، وهنا مواقيت اخر:

الأوّل: مكّة المعظّمة، وهي لحجّ التمتّع.

الثاني: دويرة الأهل؛ أي المنزل، وهي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكّة بل لأهل مكّة، وكذا المجاور الذي انتقل فرضه إلى فرض أهل مكّة؛ وإن كان الأحوط إحرامه من الجعرانة، فإنّهم يحرمون بحجّ الإفراد والقران من مكّة.

والظاهر أنّ الإحرام من المنزل للمذكورين من باب الرخصة، وإلّا فيجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت.

الثالث: أدنى الحلّ، وهو لكلّ عمرة مفردة؛ سواء كانت بعد حجّ القران أو الإفراد أم لا، والأفضل أن يكون من الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم، وهو أقرب من غيره إلى مكّة.

بيانه- قال في «الحدائق»: «ولا فرق في وجوب الإحرام من هذه المواقيت المذكورة على الداخل إلى مكّة بين أن يكون حاجّاً أو معتمراً حجّ إفراد أو قران أو عمرة تمتّع أو إفراد.

أمّا حجّ التمتّع فميقاته مكّة. وأمّا العمرة المفردة بعد حجّي القران والإفراد، فميقاتها أدنى الحلّ ويدلّ عليه أخبار: منها: ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن عمر بن يزيد عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهما».(1) قال ابن إدريس في «السرائر»:

الحديبية اسم بئر، وهو خارج الحرم، يقال: الحديبية بالتخفيف والتشديد،


1- وسائل الشيعة 11: 341، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 22، الحديث 1 ..

ص: 263

وسألت ابن العصار الفوهي فقال: أهل اللغة يقولونها بالتخفيف وأصحاب الحديث بالتشديد وخطّه عندي بذلك وكان إمام اللغة ببغداد»، انتهى.

وقال بعض الفضلاء بعد ذكر الجعرانة ما صورته: «بفتح الجيم وكسر العين وفتح الراء المشدّدة. هكذا سمعنا من بعض مشايخنا. والصحيح ما قاله نفطويه في تأريخه قال: كان الشافعي يقول: الحديبية بالتخفيف، ويقول أيضاً: الجعرانة بكسر الجيم وسكون العين، وهو أعلم بهذين الموضعين. وقال ابن إدريس:

وجدتهما كذلك بخطّ من أثق به. وقال ابن دريد في الجمهرة الجعرانة: بكسر الجيم والعين وفتح الراء وتشديدها» انتهى.

وفي كتاب «مجمع البحرين»: «وفي الحديث أنّه نزل الجعرانة. هي بتسكين العين والتخفيف. وقد تكسر وتشدّد الراء موضع بين مكّة والطائف على سبعة أميال من مكّة، وهي أحد حدود الحرم، وميقات للإحرام سميّت باسم ريطة بنت سعد وكانت تلقّب بالجعرانة. وهي التي أشار إليها بقوله تعالى: كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا(1) وعن ابن المدائني: العراقيون يثقّلون الجعرانة والحديبية والحجازيون يخفّفونهما»، انتهى.

وقال فيه أيضاً: «وقد تكرّر في الحديث ذكر الحديبية بالتخفيف عند الأكثر وهي بئر بقرب مكّة على طريق جدّة دون مرحلة ثمّ اطلق على الموضع، ويقال: نصفه في الحلّ ونصفه في الحرم انتهى».

وبالجملة، فإنّ الميقات هو أدنى الحلّ، والأفضل أن يكون من هذه المواضع:

الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم، وهو- على ما في كتاب «مجمع البحرين»-:

موضع قريب من مكّة وهو أقرب أطراف الحلّ إلى مكّة ويقال: بينه وبين مكّة


1- النحل( 16): 92 ..

ص: 264

أربعة أميال ويعرف مسجد عائشة. انتهى. وفي بعض الحواشي أنّ التنعيم مسجد زين العابدين عليه السلام ومسجد أمير المؤمنين عليه السلام ومسجد عائشة».(1)

وقال في «الجواهر»: «وتجرّد الصبيان من فخّ، وهو بئر معروف على فرسخ من مكّة. وما عن «القاموس»- من أنّه موضع بمكّة دفن فيه ابن عمر- يمكن إرجاعه إلى ذلك نحو ما عن «النهاية» الأثيرية من أنّه موضع عند مكّة. وعن «السرائر»: أنّه موضع على رأس فرسخ من مكّة قتل فيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام: يعني حسين بن على بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام».

وعلى كلّ حال، فدليله صحيح ابن الحرّ سألت أبا عبداللَّه عليه السلام: عن الصبيان من أين نجردّهم؟ فقال: «كان أبي يجرّدهم من فخّ».(2)

ونحوه صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام.(3)

إنّما الكلام في أنّ ذلك كناية عن جواز إحرامهم منه، كما صرّح به بعضهم، بل ربّما نسب إلى الأكثر، بل في «الرياض»: يظهر من آخر عدم الخلاف فيه، أو أنّ إحرامهم من الميقات، ولكن رخّص لهم في لبس المخيط إلى فخّ، فيجرّدون منه، كما عن «السرائر» والمقداد والكركي، قولان أقواهما الثاني؛ لعموم نصوص المواقيت والنهي عن تأخير الإحرام عنها... وليس في الخبرين إلّا التجريد الذي لا ينافي ذلك على أنّ فخّ إنّما هو على طريق المدينة، أمّا لو كان غيره فلا رخصة لهم في تجاوز الميقات بلا إحرام الذي صرّح في


1- الحدائق الناضرة 14: 455 ..
2- وسائل الشيعة 11: 336، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 18، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 11: 336، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 18، الحديث 1 ..

ص: 265

النصّ(1) بأنّ الإحرام من غيره كالصلاة أربعاً في السفر. واحتمال حمل أدنى الحلّ من سائر الطرق على فخّ الذي هو أدناه في طريقها، بل قيل: إنّه يعطيه كلام «التذكرة» واضح الضعف... وأمّا الصحيح عن الصادق عليه السلام: «قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مرّ ثمّ يصنع بهم ما يصنع بالمحرم ويطاف بهم ويسعى بهم».(2)

فقد استدلّ به بعضهم على المختار بناءً على أنّ بطن مرّ غير خارج عن الميقات، لكن في «الرياض» أنّه على خلافه أظهر، ولعلّه خروج بطن مرّ عن الميقات، ثمّ قال: والمسألة قويّة الإشكال.

وحيث إنّ المستفاد من جماعة عدم إشكال في جواز الإحرام بهم من الميقات، بل وأفضليته وأنّ التأخير إلى فخّ إنّما هو على سبيل الجواز كان الإحرام بهم من الميقات أولى وأحوط.

قلت: مضافاً إلى معلومية كون الحكمة في التأخير إلى فخّ ضعف الأطفال عن البرد والحرّ ونحوهما، وستعرف أنّه متى كان ذلك في المكلّف أحرم من الميقات وجاز له اللبس للضرورة، فالمتّجه حينئذٍ هنا ذلك أيضاً».(3)

وقال في «الحدائق»: «تخصيص التأخير إلى فخّ بمن كان على طريق المدينة، فلو حجّ بهم على غيرها وجب الإحرام بهم من الميقات البتّة. وبذلك صرّح العلّامة في «القواعد» فقال: «ويجرّد الصبيان من فخّ إن حجّوا على طريق المدينة، وإلّا فمن موضع الإحرام»، قالوا: وفخّ بئر على نحو فرسخ من مكّة».(4)


1- وسائل الشيعة 11: 323، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 11، الحديث 3 و 5 ..
2- تهذيب الأحكام 5: 409/ 1423 ..
3- جواهر الكلام 18: 119- 121 ..
4- الحدائق الناضرة 14: 458 ..

ص: 266

كيفية الإحرام

القول: في كيفية الإحرام

اشارة

الواجبات وقت الإحرام ثلاثة:

الأوّل: القصد، لا بمعنى قصد الإحرام، بل بمعنى قصد أحد النسك، فإذا قصد العمرة- مثلًا- ولبّى صار مُحرِماً ويترتّب عليه أحكامه. وأمّا قصد الإحرام فلا يعقل أن يكون محقّقاً لعنوانه، فلو لم يقصد أحد النسك لم يتحقّق إحرامه؛ سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل، ويبطل نسكه أيضاً إذا كان الترك عن عمد، وأمّا مع السهو والجهل فلا يبطل، ويجب عليه تجديد الإحرام من الميقات إن أمكن، وإلّا فمن حيث أمكن على التفصيل المتقدّم.

اعتبار التعيين في نيّة الإحرام

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «لا مجال للكلام في النيّة؛ إذ لا عمل إرادي بلا نيّة بمعنى الباعث على العمل، فهي في الحقيقة من الضروريات؛ لذا قال بعض العلماء: لو كلّفنا بعمل بلا نيّة لكان تكليفاً بغير المقدور، إذن ينبغي صرف الكلام إلى أنّ الناسك هل يصير محرماً بمجرّد نيّة

ص: 267

الإحرام أو لا بدّ من إضافة شي ء آخر معها؟ هذا مع العلم بأ نّه لو أحرم ذاهلًا أو عابثاً بدون نيّة يكون إحرامه باطلًا قال الحنفية: لا يصير شارعاً في الإحرام بمجرّد النيّة ما لم يأت بالتلبية. وقال الشافعية والإمامية والحنابلة: ينعقد الإحرام بمجرّد النيّة. وقال الإمامية: يجب أن تكون النيّة مقارنة للشروع بالإحرام. ولا يكفي حصولها في أثنائه، وأن يعيّن جهة الإحرام من أنّه لحجّ أو عمرة وأنّ الحجّ تمتّع أو قران أو إفراد، وأ نّه عن نفسه أو نيابة عن غيره وأ نّه حجّة إسلام أو غيرها. ولو نوى من غير تعيين وأوكله إلى ما بعد ذلك بطل.

وجاء في كتاب «المغني» للحنابلة ما خلاصته: يستحبّ أن يعيّن ما أحرم به، وبهذا قال مالك، وقال الشافعي في أحد قوليه: الإطلاق أولى... فإن أطلق الإحرام، فنوى الإحرام بنسك، ولم يعيّن حجّاً، ولا عمرة صحّ، وصار محرماً...

وله بعد ذلك صرفه إلى أيّ الإنساك شاء. واتّفقوا على أنّه لو نوى بإحرامه ما أحرم به فلان صحّ إذا كانت النيّة المذكورة معيّنة».(1)

وقال في «الحدائق»: «قد صرّح جمع من الأصحاب بأ نّه يشترط في حجّ التمتّع شروط أربعة:

الأوّل: النيّة إلّاأنّه قد اضطرب كلامهم في المعنى المراد من هذه النيّة هنا، قال الشهيد الثاني قدس سره في «المسالك»: «قد تكرّر ذكر النيّة هنا في كلامهم وظاهرهم أنّ المراد بها نيّة الحجّ بجملته، وفي وجوبها كذلك نظر، ويمكن أن يريدوا بها نيّة الإحرام، وهو حسن، إلّاأنّه كالمستغنى عنه، فإنّه من جملة الأفعال، وكما تجب النيّة له تجب لغيره، ولم يتعرّضوا لها في غيره على الخصوص، ولعلّ للإحرام مزية على غيره باستمراره وكثرة أحكامه وشدّة التكليف به، وقد صرّح في «الدروس» بأنّ المراد بها نيّة الإحرام ويظهر من


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 214 ..

ص: 268

(مسألة 1): يعتبر في النيّة القربة والخلوص كما في سائر العبادات، فمع فقدهما أو فقد أحدهما يبطل إحرامه، ويجب أن تكون مقارنة للشروع فيه، فلا يكفي حصولها في الأثناء، فلو تركها وجب تجديدها.

سلّار في الرسالة أنّ المراد بها نيّة الخروج»....

ونقل في «المختلف» عن الشيخ في «المبسوط» أنّه قال: «شروط التمتّع ستّة إلى أن قال: السادس: النيّة وهي شرط في التمتّع، والأفضل أن تكون مقارنة للإحرام، فإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلّل»، ثمّ قال في «المختلف»:

«وفيه نظر؛ فإنّ الأولى إبطال ما لم يقع بنيّة فوات الشرط»... وكيف كان فإنّ هذا البحث مفروغ عنه عندنا؛ لما عرفت في مقدّمات الكتاب فإنّ النيّة من الامور الجبليّة في كلّ فعل يأتي به العاقل المكلّف؛ عبادة كان أو غيرها».(1)

وقال في «الجواهر»: «ثمّ لا يخفى أنّ الحكم ببطلان الإحرام بفوات نيّته؛ عمداً أو جهلًا أو سهواً لا يقتضى بطلان الحجّ بفواته. نعم، ظاهر العبارة وغيرها عدم كون الإحرام هو النيّة ضرورة مغايرة النيّة للمنويّ»،(2) واللَّه العالم.

اعتبار القصد والقربة في نيّة الإحرام

بيانه- قال في «شرح اللمعة»: «ويجب فيه النيّة المشتملة على مشخّصاته من كونه إحرام حجّ، أو عمرة تمتّع، أو غيره، إسلامي أو منذور، أو غيرهما. كلّ ذلك مع القربة التي هي غاية الفعل المتعبّد به»(3) وهو الملكة الباعثة على فعل


1- الحدائق الناضرة 14: 352 ..
2- جواهر الكلام 18: 206 ..
3- الروضة البهيّة 1: 487 ..

ص: 269

الطاعات طلباً لمرضاة الحقّ تعالى لا للشوق إلى الجنّة حتّى تكون عبادته عبادة التجّار ولا للخوف عن النار حتّى تكون عبادته عبادة العبيد وعلى الاجتناب عن المعاصي للفرار عن سخطه تعالى لا للحياء عن المخلوق أو لغير ذلك.

وقال في «الجواهر»: «فقد ذكر غير واحد أنّها هي أن يقصد بقلبه إلى امور أربعة: ما يحرم به من حجّ أو عمرة متقرّباً إلى اللَّه شأنه، ونوعه من تمتّع أو قران أو إفراد، وصفته من وجوب أو ندب، وما يحرم له من حجّة الإسلام أو غيرها، ولكن قد عرفت في كتاب الطهارة والصلاة حقيقة النيّة، وأ نّها الداعي، وأ نّه لا يجب فيها أزيد من قصد القربة؛ بمعنى امتثال الأمر، والتعيين مع التعدّد في المأمور به. ومنه يعلم ما في «المسالك» من أنّه لا ريب في اعتبار إحضار الفعل الموصوف بالصفات الأربعة بالبال؛ ليتحقّق القصد إليه، بل ويعلم أيضاً أنّه لا شي ء من الأربعة بداخل في النيّة، وإنّما هي مشخّصات المنوي؛ إذ النيّة عبارة عن القصد وهو شي ء واحد لا يقع التعدّد في معروضه ويحتاج إلى التعيين حينئذٍ لتوقّف الامتثال عليه كما حقّقناه».(1)

وقال في «الرياض»: «وأمّا الكيفية فتشتمل على الواجب والندب، فالواجب ثلاثة: الأوّل: النيّة وهو أن يقصد بقلبه إلى إيقاع المنوي مع مشخّصاته الأربعة؛ من الجنس؛ من الحجّ أو العمرة، والنوع؛ من التمتّع أو غيره القران والإفراد، والصفة من واجب أو غيره، وحجّة الإسلام أو غيرها متقرّباً إلى اللَّه تعالى كما في كلّ عبادة. ولا خلاف ولا إشكال في اعتبار القربة، وكذا في الباقي حيث يتوقّف عليه التعيين؛ لتوقّف الامتثال عليه مطلقاً... فالمعتبر النيّة أي المنوي كما في بعض الصحاح المتقدّمة مضافاً إلى أنّ النيّة أمر قلبي، فلا اعتبار بالنطق،


1- جواهر الكلام 18: 200 ..

ص: 270

(مسألة 3): لا يعتبر في الإحرام قصد ترك المحرّمات؛ لا تفصيلًا ولا إجمالًا، بل لو عزم على ارتكاب بعض المحرّمات لم يضرّ بإحرامه. نعم، قصد ارتكاب ما يُبطل الحجّ من المحرّمات لا يجتمع مع قصد الحجّ.

فيصحّ الإحرام بمجرّد النيّة ولو من دونه. وعليه يدلّ نحو الصحيح: إنّي اريد التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فكيف أقول؟ فقال: «تقول: اللهمّ إنّي اريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيك وإن شئت أضمرت الذي تريد»(1)».(2)

وقال في «العروة»: «يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه، فلا يكفي حصولها في الأثناء، فلو تركها وجب تجديده، ولا وجه لما قيل: من أنّ الإحرام تروك، وهي لا تفتقر إلى النيّة، والقدر المسلّم من الإجماع على اعتبارها إنّما هو في الجملة ولو قبل التحلّل؛ إذ نمنع أوّلًا كونه تروكاً، فإنّ التلبية ولبس الثوبين من الأفعال، وثانياً اعتبارها فيه على حدّ اعتبارها في سائر العبادات؛ في كون اللازم تحقّقها حين الشروع فيها»،(3) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «العروة»: «لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم في ترك محرّماته، بل المعتبر العزم على تركها مستمرّاً فلو لم يعزم من الأوّل على استمرار الترك بطل، وأمّا لو عزم على ذلك ولم يستمرّ عزمه؛ بأن نوى بعد تحقّق الإحرام عدمه أو إتيان شي ء منها لم يبطل، فلا يعتبر فيه استدامة النيّة كما في


1- وسائل الشيعة 12: 342، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 17، الحديث 1 ..
2- رياض المسائل 6: 235 ..
3- العروة الوثقى 4: 655 ..

ص: 271

(مسألة 4): لو نسي ما عيّنه من حجّ أو عمرة، فإن اختصّت الصحّة واقعاً بأحدهما تجدّد النيّة لما يصحّ فيقع صحيحاً، ولو جاز العدول من أحدهما إلى الآخر يعدل فيصحّ، ولو صحّ كلاهما، ولا يجوز العدول، يعمل على قواعد العلم الإجمالي مع الإمكان وعدم الحرج، وإلّا فبحسب إمكانه بلا حرج.

الصوم. والفرق أنّ التروك في الصوم معتبرة بخلاف الإحرام؛ فإنّها فيه واجبة تكليفية».(1)

حكم نسيان ما عيّنه في النيّة

بيانه- قال في «الجواهر»: «ولو نسي بماذا أحرم كان مخيّراً بين الحجّ والعمرة إذا لم يلزمه أحدهما، وإلّا صرف إليه، كما صرّح به الفاضل والشهيدان وغيرهم؛ لأنّه كان له الإحرام بأيّهما شاء إذا لم يتعيّن عليه أحدهما، فله صرف إحرامه إلى أيّهما شاء؛ لعدم الرجحان، وعدم جواز الإحلال بدون النسك، إلّاإذا صدّ أو احصر ولا جمع بين النسكين في إحرام. أمّا إذا تعيّن عليه أحدهما صرف إليه؛ لأنّ الظاهر من حال المكلّف الإتيان بما هو فرضه خصوصاً مع العزم المتقدّم على الإتيان الواجب.

وفيه: أنّ التخيير في الابتداء لا يقتضي ثبوته بعد التعيين؛ ضرورة تغيّر الموضوع المانع من جريان الاستصحاب، وكذا عدم الرجحان، وعدم جواز الإحلال بدون النسك. ودعوى اقتضاء العقل التخيير؛ لإجمال المكلّف به، وعدم طريق إلى امتثاله يدفعها أنّ المتّجه حينئذٍ ارتفاع الخطاب به، فيبطل، لا التخيير.


1- العروة الوثقى 4: 657 ..

ص: 272

ولو فرض توقّف التحليل على اختيار أحدهما ليحصل به الطواف المقتضي للتحليل، وإلّا كان محرماً أبداً، فهو ليس من التخيير على نحو الابتداء؛ ضرورة عدم تحقّق خطاب به، بل هو طريق لتحليله وافق أو خالف، كما أنّه لا دليل على اعتبار الظهور المزبور مع تعيّن أحدهما وأصالة الصحّة لا تقتضي التشخيص في وجه....

وعن الشيخ في «الخلاف» يجعله عمرة؛ لأنّه إن كان متمتّعاً فقد وافق وإن كان غيره، فالعدول منه إلى غيره جائز، قال: «وإذا أحرم بالعمرة لا يمكنه أن يجعلها حجّة مع القدرة على أفعال العمرة، فلهذا قلنا: يجعلها عمرة على كلّ حال». وعن «المنتهى» و «التحرير»: «أ نّه حسن»، وهو المحكيّ عن أحمد، وعن الشافعي في القديم يتحرّى؛ لأنّه اشتباه في شرط العبادة، كالإناء بين المشتبهين. ولا يخفى عليك ما في الأصل وفرعه.

نعم، ما ذكره الشيخ قويّ، بناءً على أنّ له ذلك على كلّ حال، وإنّ حكم العدول يشمله، وإلّا كان المتّجه البطلان بمعنى سقوط الخطاب بعد عدم الطريق إلى امتثاله ولو بالاحتياط بفعل كلّ محتمل؛ فإنّه وإن كان ليس هذا جمعاً بين النسكين، بل هو مقدّمة ليقين البراءة، إلّاأنّ فعل أحدهما يقتضي التحليل؛ لاشتماله على الطواف، ولعلّ مرادهم بالتخيير هذا المعنى، لا أنّ خطابه ينقلب إلى التخيير، كما في الابتداء، ومن ذلك يعلم لك الحال فيما ذكروه من الفروع في المقام.

منها: لو تجدّد الشكّ بعد الطواف، ففي «التذكرة» و «التحرير»: «جعلها عمرة متمتّعاً بها»، وفي «الدروس»: «هو حسن إن لم يتعيّن عليه غيره، وإلّا صرف إليه».

ومنها: لو شكّ هل أحرم بهما أو بأحدهما معيّناً انصرف إلى ما عليه إن كان

ص: 273

(مسألة 5): لو نوى: كحجّ فلان، فإن علم أنّ حجّه لماذا صحّ، وإلّا فالأوجه البطلان.

معيّناً، وإلّا تخيّر بينهما، ولزمه أحدهما، وإن كان الأصل البراءة، وكان الإحرام بهما فاسداً؛ فإنّ الأصل الصحّة، وكذا لو شكّ هل أحرم بهما أو بأحدهما، مبهماً أو معيّناً، أمّا إذا علم أنّه إمّا أحرم بهما أو بأحدهما مبهماً، فهو باطل، بناءً على اشتراط التعيين، وعن «المبسوط»: إن شكّ هل أحرم بهما أو بأحدهما؟ فعل أيّهما شاء. وهو أعمّ على مختاره من أحدهما معيناً ومبهماً فتأمّل جيداً فإنّ المقام غير منقّح في كلامهم»،(1) واللَّه العالم.

بيانه- قد صرّح الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم-: بأ نّه لو قال: كإحرام فلان، وكان عالماً بما أحرم صحّ؛ لحصول النيّة المعتبرة، وأمّا لو كان جاهلًا، فإن حصل العلم قبل الطواف قيل: الأصح صحّته.

وقال في «الجواهر» ما ملخّصه: ولو قال ناوياً: «احرم كإحرام فلان»، وكان عالماً حين النيّة بماذا أحرم صحّ بلا خلاف ولا إشكال؛ لوجود المقتضي من النية والتعيين وعدم المانع. وإن كان جاهلًا، قيل- والقائل الشيخ والفاضل في محكيّ «المنتهى» و «التذكرة»- يصحّ: بناءً على أنّ الإبهام لا يبطله، فضلًا عن مثل الفرض، فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام(2) لما أحرم من اليمن كذلك ولم يكن عالماً بما أحرم به النبي صلى الله عليه و آله و سلم وانكشف الحال له قبل الطواف».(3)


1- جواهر الكلام 18: 213- 215 ..
2- وسائل الشيعة 11: 235، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 2، الحديث 32 ..
3- جواهر الكلام 18: 210- 212 ..

ص: 274

وقال في «الحدائق»: «وإن استمرّ الاشتباه لموت أو غيبة، قال الشيخ: يتمتّع احتياطاً للحجّ والعمرة؛ لأنّه إن كان متمتّعاً، فقد وافق، وإن كان غيره، فالعدول عنه جائز. وردّ بأنّ العدول إنّما يسوغ في حجّ الإفراد خاصّة إذا لم يكن متعيّناً عليه. ونقل في «المسالك» قولًا بالبطلان في الصورة المذكورة، قال: «وهو أحوط»، قال في «التذكرة»: «ولو بان أنّ فلاناً لم يحرم انعقد مطلقاً وكان له صرفه إلى أيّ نسك شاء، وكذا لو لم يعلم هل أحرم فلان أم لا؟؛ لإصالة عدم إحرامه» قال في «المدارك»: «وهو حسن».

وقال في «الجواهر»: «ولكن على كلّ حال قول المصنّف «وإن كان جاهلًا قيل: «يتمتّع احتياطاً» ليس بجيّد؛ لما عرفت من أنّ القول مع استمرار الاشتباه لا مطلقاً، ولو بان أنّ فلاناً لم يحرم انعقد مطلقاً، وكان مخيّراً بين الحجّ والعمرة، كما عن الشيخ والفاضل التصريح به، ولو لم يعلم هل أحرم أم لا؛ كان بحكم من لم يحرم. ولو طاف قبل التعيّن لم يعتدّ بطوافه؛ لأنّه لم يطف في حجّ أو عمرة.

ولا يخفى عليك ما في الجميع بعد فرض أنّ دليل الصحّة في المفروض ما وقع من علي عليه السلام؛ ضرورة كون المتّجه حينئذٍ الاقتصار عليه فيما خالف قاعدة وجوب التعيين ولا ريب في عدم تناوله لأمثال ذلك».(1)

وقال في «الحدائق»: «ففيه: أنّ افتخاره عليه السلام بذلك ينافي القول بالعموم، كما ادّعوه، وإن خرجوا عنه في ذلك لم يتمّ لهم الاستدلال به. وبذلك يظهر لك ما في الفروع التي فرّعوها في المسألة من الاختلال، بل مع صحّة الاستدلال بالخبر- كما ادّعوه- لا تخلو أيضاً من الإشكال، ولا سيّما ما استحسنه في «المدارك» من كلام «التذكرة»، فإنّي لا أعرف له وجه حسن مع بناء العبادات على التوقيف.


1- جواهر الكلام 18: 212 ..

ص: 275

(مسألة 6): لو وجب عليه نوع من الحجّ أو العمرة بالأصل فنوى غيره بطل، ولو كان عليه ما وجب بالنذر وشبهه فلا يبطل لو نوى غيره، ولو نوى نوعاً ونطق بغيره كان المدار ما نوى، ولو كان في أثناء نوع وشكّ في أنّه نواه أو نوى غيره بنى على أنّه نواه.

وما ردّ به كلام «الخلاف» في سابق هذه المسألة كما قدّمنا نقله عنه جارٍ هنا أيضاً».(1)

وقال العلّامة في «المختلف»: «وهذا الكلام كلّه عندي مشكل؛ لأنّ الواجب عليه تعيين أحد النسكين، وإنّما يتميّز أحدهما عن الآخر بالنيّة ونمنع كون علي عليه السلام لم يعلم بإهلال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم حين أهلّ».(2)

لو نوى غير ما وجب عليه

بيانه- قال في «الجواهر» مع توضيح منّا: ولو نوى نوعاً، ونطق بغيره عمداً أو سهواً عمل على نيته بلا خلاف، بل ولا إشكال؛ ضرورة كون المدار في الأعمال على النيّات، بل في بعض النصوص السابقة التصريح بذلك، مضافاً إلى خبر علي بن جعفر المروي عن «قرب الإسناد»: سأل أخاه عن رجل أحرم قبل التروية، فأراد الإحرام بالحجّ يوم التروية فأخطأ فذكر العمرة، فقال عليه السلام: «ليس عليه شي ء، فليعتدّ بالإحرام بالحجّ».(3) ولو لم ينطق بشي ء صحّت وصحّ


1- الحدائق الناضرة 15: 35 ..
2- مختلف الشيعة 4: 51 ..
3- وسائل الشيعة 12: 354، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 22، الحديث 8 ..

ص: 276

الإحرام ولم يكن عليه شي ء كما نصّ عليه نحو صحيح حمّاد بن عثمان عن الصادق عليه السلام قال: قلت له: إنّي اريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ فكيف أقول؟ قال: «تقول: اللهمّ إنّي اريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك، وإن شئت أضمرت الذي تريد»،(1) ومحمّد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل لبّى بحجّة وعمرة وليس يريد الحجّ؟ قال: «ليس بشي ء ولا ينبغي له أن يفعل».(2) ولو أخلّ بالنية أي لم يأت بها أصلًا عمداً أو سهواً لم يصحّ إحرامه بلا خلاف فيه، كما في «المدارك»؛ لكونها جزءاً منه أو شرطاً فيه، ففواتها على كلّ حال مخلّ به، ولا يشكل ذلك بعدم اعتبار النيّة في الإحرام بناءً على أنّه جزء من النسك الذي يكفي نيّته عن نيّة خصوص الإحرام؛ ضرورة بناء الحكم هنا على اعتبار النيّة فيه، وإن قلنا بجزئيته، كما عرفت الكلام فيه، أو على أنّ المراد فوات نيّة النسك نفسه الذي يبطل معه الإحرام، وإن كان هو خلاف ظاهر الأصحاب أو صريحهم من اعتبار نيّة الإحرام بخصوصه كباقي أجزاء الحجّ، ولا يكفي نيّة العمرة أو الحجّ عن نيّته له، فالأولى حينئذٍ الجمع بين نيّة النسك وبين التفصيل للأجزاء، ولا تكفي الاولى عن الثانية.

نعم، يمكن الاكتفاء بالعكس، مع فرض الإتيان بالأجزاء على أنّها أجزاء النسك المخصوص والأولى الجمع، ثمّ لا يخفى أنّ الحكم ببطلان الإحرام بفوات نيّته عمداً أو جهلًا أو سهواً لا يقتضي بطلان الحجّ بفواته، كما عرفت


1- وسائل الشيعة 12: 342، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 17، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 343، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 17، الحديث 4 ..

ص: 277

الكلام فيه مفصّلًا في مسألة نسيان الإحرام أصلًا أو تركه جهلًا فضلًا عن نيته الثاني من الواجبات: التلبيات الأربع، وصورتها على الأصحّ أن يقول: «لَبَّيكَ اللّهُمّ لَبَّيك، لَبَّيكَ لا شَريكَ لَكَ لَبَّيك»، فلو اكتفى بذلك كان مُحرِماً وصحّ إحرامه، والأحوط الأولى أن يقول عقيب ما تقدّم: «إنَّ الحمدَ والنِّعمَةَ لَكَ وَالمُلك لا شَريكَ لَكَ لَبَّيك»، وأحوط منه أن يقول بعد ذلك: «لَبَّيكَ اللّهُمّ لَبَّيك، إنَّ الحمدَ والنِّعمَةَ لَكَ وَالمُلك، لا شَريكَ لَكَ لَبَّيك».

خاصّة. نعم، ظاهر العبارة وغيرها عدم كون الإحرام هو النيّة؛ ضرورة مغايرة النيّة للمنويّ، وقد تقدّم الكلام فيه سابقاً(1) واللَّه العالم.

كيفية التلبية في الإحرام

بيانه- قال في «العروة»: «الثاني من واجبات الإحرام: التلبيات الأربع.

والقول بوجوب الخمس أو الستّ ضعيف، بل ادّعى جماعة الإجماع على عدم وجوب الأزيد من الأربع. واختلفوا في صورتها على أقوال: أحدها: أن يقول:

لبّيك اللهمّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك.

الثاني: أن يقول بعد العبارة المذكورة: إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

الثالث: أن يقول: لبّيك اللهمّ لبّيك لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك.

الرابع: كالثالث إلّاأنّه يقول: إنّ الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبّيك بتقديم لفظ «والملك» على لفظ «لك». والأقوى هو القول الأوّل كما هو صريح


1- جواهر الكلام 18: 205- 207 ..

ص: 278

صحيحة معاوية بن عمّار(1) والزوائد مستحبّة.

والأولى التكرار بالإتيان بكلّ من الصور المذكورة، بل يستحبّ أن يقول- كما في صحيحة معاوية بن عمّار-:

لبّيك اللهمّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك، لبّيك ذا المعارج لبّيك لبّيك لبّيك... ولبّيك مصدر منصوب بفعل مقدّر؛ أي البّ لك إلباباً بعد إلباب أو لبّاً بعد لبّ؛ أى إقامة بعد إقامة من لبّ بالمكان أو ألبّ، أي أقام، والأولى كونه من لبّ.

وعلى هذا فأصله لبيّن لك، فحذف اللام وأضيف إلى الكاف، فحذف النون، وحاصل معناه إجابتين لك. وربّما يحتمل أن يكون من لبّ بمعنى واجه، يقال:

داري تلبّ دارك؛ أي تواجهها، فمعناه مواجهتي وقصدي لك، وأمّا احتمال كونه من لبّ الشي ء؛ أي خالصه فيكون بمعنى إخلاصي لك فبعيد، كما أنّ القول بأ نّه كلمة مفردة نظير «على» «ولدى»، فاضيف إلى الكاف، فقلبت ألفه ياءً لا وجه له؛ لأنّ «على» «ولدى» إذا اضيفا إلى الظاهر يقال فيهما بالألف ك «على» زيد» «ولدى زيد»، وليس لبّي كذلك، فإنّه يقال فيه: «لبّي زيد» بالياء».(2)


1- وسائل الشيعة 12: 382، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 40، الحديث 2 ..
2- العروة الوثقى 4: 663- 665 ..

ص: 279

(مسألة 8): يجب الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على القواعد العربية، فلا يجزي الملحون مع التمكّن من الصحيح ولو بالتلقين أو التصحيح، ومع عدم تمكّنه فالأحوط الجمع بين إتيانها بأيّ نحو أمكنه وترجمتها بلغته، والأولى الاستنابة مع ذلك. ولا تصحّ الترجمة مع التمكّن من الأصل.

والأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه، والأولى الاستنابة مع ذلك، ويُلبّى عن الصبيّ غير المميّز.

بيانه- قال في «الجواهر»: «عن «التذكرة» و «المنتهى»؛ «أ نّها لا تجوز بغير العربية مع القدرة»، خلافاً لأبي حنيفة، فأجازها بغيرها كتكبيرة الصلاة، بل وإطلاق «التحرير» عدم الجواز بغير العربية المعلوم تقييده بالقدرة، وعن ابن سعيد: «من لم يتأتّ له التلبية لبّى عنه غيره، وهو يشمل الأخرس والأعجمي.

ولو تعذّر على الأعجمي التلبية». قال الشهيد: «ففي ترجمتها نظر. وروي أنّ غيره يلبّي عنه».(1) وفي «كشف اللثام»(2) ولا يبعد عندي وجوب الأمرين، فالترجمة؛ لكونها كإشارة الأخرس وأوضع والنيابة لمثل ما عرفت... ويحتمل الاستنابة عملًا بخبر زرارة.(3)

وقال في «الجواهر»: «أ نّه لا ينعقد إحرام المتمتّع والمفرد إلّابالتلبية أو بالإشارة للأخرس مع عقد قلبه بها، كما هو المشهور؛ لقول أبي عبداللَّه عليه السلام في خبر السكوني المنجبر بالعمل: «إنّ علياً عليه السلام قال: تلبية الأخرس وتشهّده


1- جواهر الكلام 18: 224 ..
2- كشف اللثام 5: 270 ..
3- وسائل الشيعة 12: 381، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 39، الحديث 2 ..

ص: 280

وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بأصبعه».(1)

ولعلّ عدم ذكر عقد القلب فيه- كما عن الأكثر- للاكتفاء عنه بالإشارة بالأصبع التي لا يتحقّق مسمّاها بدونه، بل الظاهر كون المراد منه بيان أنّها منه على حسب ما يبرز غيرها من مقاصده كما أوضحناه في كتاب الصلاة».(2)

وقال في «المختلف»: «المشهور أنّ الأخرس يلبّي بتحريك لسانه وإشارته بالإصبع، وبه قال ابن الجنيد، فإنّه قال: والأخرس يجزيه تحريك لسانه مع عجزه عن النطق مع عقده ايّاها بقلبه، ثمّ قال: ويلبّى عن الصبيّ والأخرس وعن المغمى عليه، وهذا الكلام يشعر بعدم وجوب التلبية عليه وأ نّه يجزيه النيابة، والأقرب الأوّل.

لنا: أنّه متمكّن من الإتيان بها على الهيئة الواجبة عليه مباشرة، فلا يجوز له الاستنابة فيها.

وما رواه السكوني عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ علياً عليه السلام قال: تلبية الأخرس وتشهّده وقرائته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه».(3)

وقال في «الجواهر»: «ضرورة إمكان دعوى القطع بكون المراد من النصّ والفتوى اجتزاء الأخرس بالإشارة- كما في غير المقام- من غير حاجة إلى استنابة؛ لأنّ إشارته قائمة مقام النطق من غيره، كما هو واضح. نعم، قد يقال بمشروعية النيابة إذا فرض خرسه على وجه يتعذّر عليه الإشارة؛ لعدم فهم معناها بالصمم ونحوه؛ إذ هو حينئذٍ كالصبيّ ونحوه ممّن لا تحصل منه الإشارة».(4)


1- وسائل الشيعة 12: 381، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 39، الحديث 1 ..
2- جواهر الكلام 18: 223 ..
3- مختلف الشيعة 4: 83، المسألة 44 ..
4- جواهر الكلام 18: 24 ..

ص: 281

وقال في «الحدائق»: «ولا ريب أنّ طريق الاحتياط الجمع بين الأمرين؛ ليحصل يقين براءة الذمّة من التكليف المعلوم ثبوته. والظاهر أنّ مراد الأصحاب بعقد القلب بها؛ يعني تصوّرها إجمالًا الكناية عن النيّة والقصد إلى التلبية».(1)

قوله قدس سره: «ويلبّي عن الصبيّ غير المميّز».

قال العلّامة في «القواعد»: وللوليّ أن يحرم عن الذي لا يميّز ويحضره المواقف. وكلّما يتمكّن الصبيّ من فعله فعله، وغيره على وليّه أن ينوبه فيه.

ويستحبّ له ترك الحصى في كفّ غير المميّز ثمّ يرمي الوليّ، ولوازم المحظورات والهدي على الوليّ إلّاالقضاء لو جامع في الفرج قبل الوقوف فإنّ الوجوب عليه دون الوليّ. ولا يصحّ في الصبا، بل بعد بلوغه وأداء حجّة الإسلام مع وجوبها.

ويجب أن يذبح عن الصبيّ المتمتّع الصغير، ويجوز أمر الكبير بالصيام، فإن لم يوجد هدي ولا قدر الصبيّ على الصوم وجب على الوليّ الصوم عنه. والوليّ هو وليّ المال. وقيل للُامّ ولاية الإحرام بالطفل والنفقة الزائدة على الوليّ».(2)

وقال ابنه في «الإيضاح»: «الخلاف إنّما هو في ولاية الامّ بالنسبة إلى الإحرام بالطفل خاصّة، فأثبتها الشيخ والمصنّف في «المختلف»؛ لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم لمّا مرّ برويبة وهو حاجّ قامت إليه امرأة ومعها صبيّ لها، فقالت: يا رسول اللَّه أيحجّ عن مثل هذا؟ فقال: «نعم، ولك أجره».(3) والأجر يستتبع وقوع الفعل من الفاعل اختياراً على جهة التقرّب، فإضافة الأجر إليها يدلّ على جواز فعلها به.


1- الحدائق الناضرة 15: 65 ..
2- قواعد الأحكام 1: 402- 403 ..
3- وسائل الشيعة 11: 54، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 20، الحديث 1 ..

ص: 282

(مسألة 9): لا ينعقد إحرام عمرة التمتّع وحجّه، ولا إحرام حجّ الإفراد، ولا إحرام العمرة المفردة، إلّابالتلبية. وأمّا في حجّ القِران فيتخيّر بينها وبين الإشعار أو التقليد، والإشعار مختصّ بالبدن، والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع الهدي. والأولى في البُدن الجمع بين الإشعار والتقليد. فينعقد إحرام حجّ القران بأحد هذه الامور الثلاثة، لكن الأحوط مع اختيار الإشعار والتقليد ضمّ التلبية أيضاً، والأحوط وجوب التلبية على القارن وإن لم يتوقّف انعقاد إحرامه عليها، فهي واجبة عليه في نفسها على الأحوط.

وقال ابن إدريس: «لا ولاية لها لا في المال ولا في النكاح، فينتفي هنا.

والأقوى ما اختاره ابن إدريس»(1) هذا كلّه عن العلّامة وابنه فخر المحقّقين- قدس سرّهما-.

التلبيات في حجّ القران

بيانه- قال في «الانتصار»: «وممّا انفردت به الإمامية القول بوجوب التلبية وعندهم أنّ الإحرام لا ينعقد إلّابها؛ لأنّ أبا حنيفة وإن وافق في وجوب التلبية، فعنده أنّ الإحرام ينعقد بغيرها من تقليد الهدي وسوقه مع نيّة الإحرام. وقال مالك والشافعي: التلبية ليست بواجبة ويصحّ الدخول في الإحرام بمجرّد النيّة.

دليلنا: الإجماع المتردّد؛ لأنّه إذا لبّى دخل في الإحرام، وانعقد بلا خلاف، وليس كذلك إذا لم يلبّ. ويمكن الاستدلال على ذلك بأنّ فرض الحجّ مجمل في القرآن، وفعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم إذا ورد في مورد البيان كان واجباً؛ لأنّ بيان


1- إيضاح الفوائد 1: 264 ..

ص: 283

الشي ء في حكم وجوبه. وقد روى الناس كلّهم أنّ النبي لبّى لمّا أحرم(1) فيجب بذلك وجوب التلبية ويقوى ذلك بما يروونه عنه صلى الله عليه و آله و سلم من قوله: «خذوا عنّي مناسككم»(2) ورووا عنه صلى الله عليه و آله و سلم(3) قال: «أتاني جبرئيل عليه السلام، فقال: مر أصحابك بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنّها من شعار الحجّ».(4)

وقال في «الجواهر»: «لا خلاف في أنّه لا ينعقد الإحرام لمتمتّع بعمرة أو حجّة ولا لمفرد معتمر ولا حاجّ إلّابها، بل الإجماع محصّلًا ومحكياً في «الانتصار» و «الغنية» و «الخلاف» و «الجواهر» و «التذكرة» و «المنتهى» وغيرها- على ما حكي عن بعضها- عليه بمعنى عدم الإثم والكفّارة في ارتكاب المحرّمات عليه قبلها.

قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمّار: «لا بأس أن يصلّي الرجل في مسجد الشجرة ويقول الذي يريد أن يقوله ولا يلبّي ثمّ يخرج فيصيب من الصيد وغيره فليس عليه شي ء»(5) وغير ذلك من الأخبار.... وكيف كان، فلا إشكال في ظهور النصوص في عدم اعتبار مقارنة النيّة للتلبية الذي هو مقتضى الأصل أيضاً، كما هو مفروغ عنه في محلّه... وفي الروضة: «كثير منهم لم يعتبر المقارنة بينهما مطلقاً والنصوص خالية من اعتبارها، بل بعضها صريح في


1- صحيح البخاري 2: 147؛ صحيح مسلم 4: 7؛ سنن ابن ماجة 2: 974؛ سنن أبي داود 1: 407؛ سنن الترمذي 2: 161 ..
2- صحيح مسلم 4: 79؛ سنن أبي داود 1: 439؛ سنن النسائي 1: 270؛ السنن الكبرى، البيهقي 5: 116 ..
3- صحيح مسلم 2: 943؛ سنن أبي داود 2: 201؛ سنن النسائي 5: 270 ..
4- الانتصار: 253 ..
5- وسائل الشيعة 12: 333، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 14، الحديث 1 ..

ص: 284

عدمها». إلى غير ذلك من كلماتهم المتضمّنة للاعتراف بظهور النصّ والفتوى في عدم اعتبارها، احتمال إرادة تأخير النيّة أيضاً من النصوص ويكون الألفاظ الفاظ العزم على الإحرام دون نيته في غاية البعد، بل كاد يكون بعضها صريحاً في خلافه... ومن الغريب أنّ بعض المحدّثين مال إلى وجوب تأخير التلبية إلى البيداء في هذا الميقات عملًا بالأوامر المزبورة ولم أعرفه قولًا لأحد، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه مضافاً إلى بعض النصوص المصرّحة بالتلبية من المسجد... وعلى كلّ حال فما في «اللمعة» و «التنقيح» ومحكيّ «السرائر» وغيرها- من اعتبار المقارنة نحوها في تكبيرة الإحرام للصلاة، بل حكي عن ابني حمزة وسعيد وإن كنّا لم نتحقّقه لقول الأوّل منهما: «إذا نوى ولم يلبّ أو لبّى ولم ينو لم يصحّ الإحرام» والثاني: «أ نّه يصير محرماً بالنية والتلبية وما قام مقامها» وليس في شي ء منهما اعتبار المقارنة- واضح الضعف، وإن استدلّ له بقاعدة الشغل المعلوم فسادها في محلّها... وإن أكثر فيها بعض الكلام على أنّ ذلك واضح الثمرة بناءً على أنّ النيّة هي الإخطار أمّا بناءً على الداعي- كما هو التحقيق- فلا ثمرة غالباً؛ ضرورة عدم انفكاكه عن التلبية المقصود بها عقد الإحرام... هذا كلّه في المتمتّع والمفرد، وأمّا القارن فهو بالخيار إن شاء عقد إحرامه بها، وإن شاء قلّد أو أشعر على الأظهر الأشهر بل المشهور؛ للمعتبرة المستفيضة منها: قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمّار:(1) «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية والاشعار والتقليد، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم».(2)


1- وسائل الشيعة 11: 279، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 12، الحديث 20 ..
2- جواهر الكلام 18: 215- 225 ..

ص: 285

أقول: معنى الإشعار أن يشقّ الجانب الأيمن من سنام البدنة أي الناقة والتقليد أن يجعل في عنق الهدي نعلًا بالية ليعرف بها أنّه هدي.

وقال في كتاب «الفقه على المذاهب الخمسة»: «اتّفقوا على أنّ التلبية مشروعة في الإحرام واختلفوا في حكمها من حيث الوجوب والندب وفي وقتها، قال الشافعية والحنابلة: إنّها سنّة ويستحبّ اتّصالها بالإحرام ولو نوى الإحرام بدون تلبية صحّ، وقال الإمامية والحنفية والمالكية: التلبية واجبة، ثمّ اختلفوا في التفاصيل، فقال الحنفية: إنّ التلبية أو ما يقوم مقامها كالتسبيح وسوق الهدي شرط من شروط الإحرام.

وقال المالكية: لا يبطل الإحرام بالفاصل الطويل بين التلبية وبين الإحرام ولا بتركها كلّية وإنّما يلزم التارك دم؛ أي يضحي.

وقال الإمامية: لا ينعقد إحرام حجّ التمتّع ولا حجّ الإفراد ولا عمرتهما والعمرة المفردة إلّابالتلبية. ولا بدّ من تكرارها أربع مرات. أمّا من يريد حجّ القران فيتخيّر بين التلبية وبين الإشعار أو التقليد والإشعار عندهم مختصّ بالبدن والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع الهدي».(1)

وقال في «الجواهر»: «وكيف كان، ففي «القواعد» وغيرها: وبأيّهما؛ أي التلبية أو الإشعار والتقليد بدأ كان الآخر مستحبّاً، ولكن قد اعترف غير واحد بعدم العثور على نصّ له. وفيما حضرني من نسخة «المدارك»: ولعلّ إطلاق الأمر بكفاية كلّ من الثلاثة كاف في ذلك. وفيه: أنّه لا يقتضي استحباب الآخر، ولعلّ الاولى الاستدلال بعد التسامح بما دلّ(2) على أنّ التلبية شعار المحرم،


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 215 ..
2- وسائل الشيعة 11: 14، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 1، الحديث 19 ..

ص: 286

وأ نّها هي التي أجاب بها نداء إبراهيم عليه السلام في أصلاب الرجال وأرحام النساء».(1)

وفي «المختلف»: «لا خلاف عندنا في وجوب التلبيات الأربع، ولكنّ الخلاف في أنّها ركن أم لا، فللشيخ قولان: أحدهما: أنّها ليست ركناً ذهب إليه في «المبسوط» و «الجمل»، وقال في «النهاية»: «من ترك التلبية متعمّداً فلا حجّ له»، فجعلها ركناً. وبالأوّل قال السيّد المرتضى وابن حمزة وابن البرّاج. وبالثاني قال سلّار وابن إدريس وأبو الصلاح والأقرب الأوّل.

لنا: أنّه مع الإخلال بالتلبية لم يأت بالمأمور به على وجهه، فيبقى في عهدة التكليف، ولأ نّه ذكر واجب في عبادة افتتحت به فكان ركناً كالتكبير للصلاة.

ولما رواه معاوية بن عمّار في الصحيح عن الصادق عليه السلام: «فإذا فعل شيئاً من الثلاثة؛ يعني التلبيات والإشعار والتقليد فقد أحرم». وتعليق الحكم على الوصف يقتضي عدمه عند عدمه والإخلال بالإحرام عمداً مبطل إجماعاً. احتجّ الآخرون بأنّ الأصل صحّة الحجّ. والجواب المنع لأنّه لم يأت بالمأمور به على وجهه»(2) انتهى كلامه رفع مقامه.


1- جواهر الكلام 18: 226 ..
2- مختلف الشيعة 4: 85، المسألة 46 ..

ص: 287

(مسألة 10): لو نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها، وإن لم يتمكّن يأتي فيه التفصيل المتقدّم في نسيان الإحرام على الأحوط لو لم يكن الأقوى، ولو أتى قبل التلبية بما يوجب الكفّارة للمُحرم لم تجب عليه؛ لعدم انعقاده إلّابها.

(مسألة 11): الواجب من التلبية مرّة واحدة. نعم، يستحبّ الإكثار بها وتكرارها ما استطاع، خصوصاً في دبر كلّ فريضة أو نافلة، وعند صعود شَرَفٍ أو هبوط وادٍ، وفي آخر الليل، وعند اليقظة، وعند الركوب، وعند الزوال، وعند ملاقاة راكب، وفي الأسحار.

حكم نسيان التلبية

بيانه- وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها، لأنّه لم يأت بالعبادة على وجهها، فيبقى في عهدة المكلّف، والذي يقتضيه اصول المذهب أنّه لا يجزيه ويجب عليه العود ولو لم يتمكّن العود إلى الميقات لم يجب؛ لأنّ الإنسان في معرض السهو والنسيان وتكليفه بالعود مشقّة عظيمة، فلو أوجبناه لزم التكليف بالحرج، وهو منفيّ بالأصل.

قوله قدس سره: «ولو أتى قبل التلبية بما يوجب الكفارة للمحرم لم تجب عليه لعدم انعقاده إلّابها»، وقد تقدّم حكمه آنفاً بما لا مزيد عليه.

استحباب إكثار التلبية والجهر بها

بيانه- قال في «المختلف»: «والمشهور أنّ الجهر بها مستحبّ للرجال، وقال الشيخ في «التهذيب»: الإجهار بالتلبية واجب مع القدرة والإمكان.

ص: 288

وفي «الخلاف»: التلبية فريضة، ورفع الصوت بها سنّة ولم أجد من ذكر كونها فرضاً، ثمّ استدلّ على وجوبها بالإجماع من الفرقة والأخبار والاحتياط، وبما رواه خلّاد بن سائب عن أبيه أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «أتاني جبرئيل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية بالإهلال»(1) وظاهر الأمر الوجوب.... وقال ابن إدريس: والجهر بها على الرجال مندوب على الأظهر من أقوال أصحابنا. وقال بعضهم: الجهر بها واجب. والأقرب الاستحباب.

لنا: الأصل عدم الوجوب».(2)

والواجب من التلبية مرّة واحدة. نعم، يستحبّ إكثارها وتكريرها ما استطاع، خصوصاً في دبر كلّ صلاة فريضة أو نافلة وعند صعود شرف أو هبوط وادٍ وعند المنام وعند اليقظة وعند الركوب وعند النزول وعند ملاقات راكب وفي الأسحار، وفي بعض الأخبار: «من لبّى في إحرامه سبعين مرّة إيماناً واحتساباً أشهد اللَّه له ألف ألف ملك براءة من النار وبراءة من النفاق».(3)

وقال في «المسالك»: «ويستحبّ رفع الصوت بالتلبية للرجال؛ أي في الحالة التي يستحبّ فيها الجهر. ولا يستحبّ ذلك للمرأة، بل يستحبّ لها السرّ مطلقاً، ولو جهرت حيث لا يسمعها الأجنبي جاز. وكذا الخنثى».(4)

ويستحبّ الجهر بها خصوصاً في المواضع المذكورة للرجال دون النساء،


1- الخلاف 2: 292؛ السنن الكبرى، البيهقي 5: 42 ..
2- مختلف الشيعة 4: 81- 82، المسألة 43 ..
3- وسائل الشيعة 12: 386، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 41، الحديث 1 ..
4- مسالك الأفهام 2: 244 ..

ص: 289

ففي المرسل: «أنّ التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية»(1) وفي المرفوعة: لمّا أحرم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: «مر أصحابك بالعجّ والثجّ فالعجّ رفع الصوت بالتلبية والثجّ نحر البدن».(2)

احتجّ الموجبون: بأنّ الأمر ورد بالجهر والأمر للوجوب.

والجواب: المنع من الكبرى، وفي «الوسائل» عن فضالة وصفوان وابن أبي عمير جميعاً عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث قال: «التلبية أن تقول: لبّيك اللهمّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك لبّيك ذا المعارج لبّيك لبّيك... تقول ذلك في دبر كلّ صلاة مكتوبة ونافلة وحين ينهض بك بعيرك وإذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك وبالأسحار وأكثر ما استطعت واجهر بها وإن تركت بعض التلبية، فلا يضرّك غير أنّ تمامها أفضل. واعلم أنّه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كنّ في أوّل الكلام وهي الفريضة وهي التوحيد وبها لبّى المرسلون، وأكثر من ذي المعارج؛ فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يكثر منها، وأوّل من لبّى إبراهيم عليه السلام قال: إنّ اللَّه عزّ وجلّ يدعوكم إلى أن تحجّوا بيته فأجابوه بالتلبية ولم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلّا أجاب التلبية».(3)


1- وسائل الشيعة 12: 379، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 37، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 12: 378، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 37، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 12: 382، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 40، الحديث 2 ..

ص: 290

(مسألة 12): المعتمر عمرة التمتّع يقطع تلبيته عند مشاهدة بيوت مكّة، والأحوط قطعها عند مشاهدة بيوتها في الزمن الذي يعتمر فيه إن وسع البلد.

والمعتمر عمرة مفردة يقطعها عند دخول الحرم لو جاء من خارجه، وعند مشاهدة الكعبة إن كان خرج من مكّة لإحرامها. والحاجّ بأيّ نوع من الحجّ يقطعها عند زوال يوم عرفة. والأحوط أنّ القطع على سبيل الوجوب.

قطع التلبية

بيانه- قوله: «يقطع تلبيته عند مشاهدة بيوت مكّة».

أقول: حدّ ذلك عقبة المدنيين إن دخلها من أعلاها وعقبة ذي طوى إن دخلها من أسفلها ونقل الشيخ الإجماع على أنّ المتمتّع يقطعها وجوباً عند مشاهدة مكّة.

قال في «المختلف»: «قال ابن إدريس: «يستحبّ للمتمتّع تكرار التلبية إلى أن يشاهد بيوت مكّة، فإذا شاهدها قطع التلبية التي كان مندوباً إلى تكرارها؛ فإن كان حاجّاً قادماً على طريق المدينة قطع التلبية إذا بلغ عقبة المدنيين وإن كان على طريق العراق قطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي طوى. هذا إذا كان متمتّعاً، فإذا كان قارناً أو مفرداً، فلا يقطع التلبية إلّاعند الزوال يوم عرفة».

وقال شيخنا المفيد في «المقنعة»: «فإذا عاين بيوت مكّة قطع التلبية وحدّ بيوت مكّة: عقبة المدنيين، وإن كان قاصداً إليها من طريق المدينة فإنّه يقطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي طوى، قال: والأوّل أظهر، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في مصباحه وسلّار في رسالته قال: وهو الصحيح.

ص: 291

وقال السيّد المرتضى: «إن كان قصده إلى مكّة على طريق المدينة قطع التلبية إذا عاين بيوت مكّة عند عقبة المدنيين، وإن كان قصده إليها على طريق العراق قطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي طوى، وقال ابن أبي عقيل: والمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إذا نظر إلى بيوت مكّة قطع التلبية وحدّ بيوت مكّة: عقبة المدنيين والأبطح».(1)

وقال الشيخ: «الوجه في الجمع بين هذه الأخبار أن تحمل رواية المدنيين على من جاء من طريق المدينة خاصّة، فإنّه يقطع التلبية عند عقبة المدنيين، والرواية التي قال فيها أنّه يقطع عند ذي طوى على من جاء من طريق العراق والرواية التي تضمّنت عند النظر إلى الكعبة على من يكون قد خرج من مكّة وعلى هذا الوجه لا تنافي بينهما ولا تضادّ».(2) انتهى كلامه رفع مقامه.


1- مختلف الشيعة 4: 86، المسألة 47 ..
2- الاستبصار 2: 177 ..

ص: 292

(مسألة 13): الظاهر أنّه لا يلزم في تكرار التلبية أن يكون بالصورة المعتبرة في انعقاد الإحرام، بل يكفي أن يقول: «لَبَّيكَ اللّهُمّ لَبَّيك» بل لا يبعد كفاية لفظة «لَبَّيكَ».

(مسألة 14): لو شكّ بعد التلبية أنّه أتى بها صحيحة أم لا، بنى على الصحّة، ولو أتى بالنيّة ولبس الثوبين وشكّ في إتيان التلبية، بنى على العدم ما دام في الميقات، وأمّا بعد الخروج فالظاهر هو البناء على الإتيان، خصوصاً إذا تلبّس ببعض الأعمال المتأخّرة.

(مسألة 15): إذا أتى بما يوجب الكفّارة، وشكّ في أنّه كان بعد التلبية حتّى تجب عليه، أو قبلها، لم تجب عليه؛ من غير فرق بين مجهولي التأريخ، أو كون تأريخ أحدهما مجهولًا.

قال في «العروة»: «إذا أتى بما يوجب الكفّارة وشكّ في أنّه كان بعد التلبية حتّى تجب عليه، أو قبلها فإن كانا مجهولي التأريخ أو كان تأريخ التلبية مجهولًا لم تجب عليه الكفّارة وإن كان تأريخ إتيان الموجب مجهولًا، فيحتمل أن يقال بوجوبها؛ لأصالة التأخير، لكنّ الأقوى عدمه؛ لأنّ الأصل لا يثبت كونه بعد التلبية».(1)


1- العروة الوثقى 4: 671 ..

ص: 293

الثالث من الواجبات: لبس الثوبين بعد التجرّد عمّا يحرُم على المُحرِم لبسه؛ يتّزر بأحدهما ويتردّى بالآخر، والأقوى عدم كون لبسهما شرطاً في تحقّق الإحرام، بل واجباً تعبّدياً. والظاهر عدم اعتبار كيفية خاصّة في لبسهما، فيجوز الاتّزار بأحدهما كيف شاء، والارتداء بالآخر، أو التوشّح به، أو غير ذلك من الهيئات، لكن الأحوط لبسهما على الطريق المألوف. وكذا الأحوط عدم عقد الثوبين ولو بعضهما ببعض، وعدم غرزهما بإبرة ونحوها، لكن الأقوى جواز ذلك كلّه ما لم يخرج عن كونهما رداءً وإزاراً. نعم، لا يترك الاحتياط بعدم عقد الإزار على عنقه. ويكفي فيهما المسمّى وإن كان الأولى بل الأحوط كون الإزار ممّا يستر السرّة والركبة، والرداء ممّا يستر المنكبين.

لبس الثوبين في الإحرام

بيانه- قال في «الجواهر»: «لبس ثوبي الإحرام وهما واجبان بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في «المنتهى» و «المدارك»، بل في «التحرير» الإجماع على ذلك، بل قصر الشيخ وبنو حمزة والبرّاج وزهرة وسعيد الإحرام في ثوب على الضرورة، بل عن القاضي منهم التصريح بعدم جواز الإحرام في ثوب إلّا لضرورة... فما في «كشف اللثام»- من أنّ لبس الثوبين إن كان على وجوبه إجماع كان هو الدليل، وإلّا فالأخبار التي ظفرت بها لا تصلح مستنداً له، مع أنّ الأصل العدم.

وكلام «التحرير» و «المنتهى» يحتمل الاتّفاق على حرمة ما يخالفهما والتمسّك بالتأسّي أيضاً ضعيف؛ فإنّ اللبس من العادات إلى أن يثبت كونه من

ص: 294

العبادات. وفيه الكلام- لا يخفى عليك ما فيه. نعم، في «الدروس»- بعد أن أوجب لبس الثوبين فيه- قال: ولو كان الثوب طويلًا فاتّزر ببعضه وارتدى بالباقي أو توشّح أجزأ. وفيه:- مضافاً إلى منافاته لما ذكره أوّلًا- عدم صدق لبس الثوبين عليه، اللهمّ إلّاأن يراد بهما الكناية عن تغطية المنكبين وما بين السرّة إلى الركبة وهو لا يخلو من وجه وإن كان أولى والأحوط التعدّد والأمر في ذلك سهل....

وأمّا كيفية لبسهما فظاهر الأصحاب الاتّفاق على الاتّزار بأحدهما كيف شاء بل صرّح في «الدروس» بجواز عقده بخلاف الرداء، لكن في خبر أبي سعيد الأعرج عن الصادق عليه السلام: «نهى عن عقده في عنقه»،(1) وكذا خبر علي بن جعفر المروي عن كتاب مسائله وعن «قرب الإسناد» للحميري عن أخيه عليه السلام قال: «المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته، ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده»(2)...

وأمّا الثاني: فعن جماعة أن يتردى به؛ أي يلقيه على عاتقيه جميعاً ويسترهما به وعن بعض يتوشّح به وعن آخرين أو يتوشّح به؛ أي يدخل طرفه تحت أبطه الأيمن ويلقيه على عاتقه الأيسر كالتوشّح بالسيف على ما عن الأزهري وغيره بل صرّح غير واحد منهم بأ نّه نحو ما يفعله المحرم إلّاأنّ الظاهر عدم وجوب شي ء من الهيئتين؛ للأصل....

نعم، صرّح في «الدروس» بعدم عقده الرداء كالمحكيّ عن الفاضل وغيره بخلاف الإزار ولعلّه لموثّق سعيد الأعرج: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن المحرم


1- وسائل الشيعة 12: 502، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 53، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 503، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 53، الحديث 5 ..

ص: 295

يعقد رداءه في عنقه قال: «لا» وأمّا الإزار فلا بأس به؛ للأصل، وقول أبي جعفر عليه السلام في خبر القداح: «إنّ علياً عليه السلام كان لا يرى بأساً بعقد الثوب إذا قصر ثمّ يصلّي فيه وإن كان محرماً».(1) لكن قد سمعت في مكاتبة الحميري، فالأولى تركه بما أمكن أيضاً.

وعلى كلّ حال، فقد ذكر غير واحد أنّه يعتبر في الإزار ستر ما بين الركبة والسرّة، وفي الرداء كونه ممّا يستر المنكبين، بل في «الرياض» نفي الإشكال عن ذلك بإبدال الستر في الثاني بالوضع وفيه: أنّه لا دليل على ذلك، بل مقتضى الأصل وإطلاق النصّ خلافه وقوله عليه السلام في خبر الاحتجاج: «فإنّ السنّة»(2) إلى آخره ظاهر في الندب، ولعلّه لذا قال في «المدارك»: «ويمكن الرجوع فيه إلى العرف ولعلّه الأقوى هذا».(3)

وقال في «الحدائق»: وتحقيق القول في المقام يتوقّف على بيان مسائل:

الأوّل: ظاهر الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- الاتّفاق على أنّه يتّزر بأحد الثوبين، وأمّا الآخر فهل يتردّى به أو يتخيّر بين أن يتردّى به أو يتوشّح قولان، وبالأوّل صرّح العلّامة في «المنتهى» و «التذكرة».

وبالثاني الشهيدان في «الدروس» و «المسالك» و «الروضة» وقبلهما الشيخان في «المقنعة» و «المبسوط» والتوشّح تغطية أحد المنكبين والارتداء تغطيتهما معاً، وبه صرّح في «المسالك» و «الروضة» وذكر ابن حمزة في «الوسيلة»: «أ نّه لا بدّ في الإزار من كونه ساتراً لما بين السرّة والركبة». وبذلك صرّح في


1- وسائل الشيعة 12: 502، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 53، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 12: 503، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 53، الحديث 3 ..
3- جواهر الكلام 18: 232- 239 ..

ص: 296

«المسالك» أيضاً، والذي صرّح به أهل اللغة في معنى التوشّح هو أنّه عبارة عن إدخال الثوب تحت اليد اليمنى وإلقاء طرفيه على المنكب الأيسر، قال في المغرب: «توشّح الرجل وهو أن يدخل ثوبه يده اليمنى ويلقيه على منكبه الأيسر، كما يفعل المحرم، وكذلك الرجل يتوشّح بحمائل سيفه، فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى، فتكون اليمنى مكشوفة»، وقال في كتاب «المصباح المنير»: «وتوشّح بثوبه وهو أن يدخله تحت أبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر، كما يفعله المحرم...».

والمستفاد من الأخبار: أنّ الثوبين أحدهما الإزار والآخر رداء، ومن الظاهر أنّ الذي جرت به العادة في لبسهما هو شدّ الإزار من السرّة ووضع الرداء على المنكبين، والظاهر أنّه في حال الإحرام كذلك أيضاً، فالقول بالتوشّح بالرداء، كما ذكروه لا أعرف له وجهاً، ومجرّد ذكر أهل اللغة في بيان التوشّح أنّه كما يفعل المحرم لا يصلح دليلًا؛ إذ لعلّه مخصوص بمذهب المخالفين المصرّحين بذلك. وقال في «المدارك»: «ويعتبر في الإزار ستر ما بين السرّة والركبة، وفي الرداء كونه ممّا يستر المنكبين، ويمكن الرجوع فيه إلى العرف، ولا يعتبر فيه كيفية مخصوصة. وبالجملة فالواجب حمل إطلاق الأخبار على ما جرت به العادة من لبس الثوبين المذكورين وبه يظهر قوّة القول الأوّل».(1)


1- الحدائق الناضرة 15: 79- 81 ..

ص: 297

(مسألة 16): الأحوط عدم الاكتفاء بثوب طويل يتّزر ببعضه ويرتدي بالباقي إلّا في حال الضرورة، ومع رفعها في أثناء العمل لبس الثوبين. وكذا الأحوط كون اللبس قبل النيّة والتلبية، فلو قدّمهما عليه أعادهما بعده، والأحوط النيّة وقصد التقرّب في اللبس. وأمّا التجرّد عن اللباس فلا يعتبر فيه النيّة؛ وإن كان الأحوط والأولى الاعتبار.

بيانه- قال في «الدروس»: ولو كان الثوب طويلًا، فاتّزر ببعضه وارتدى بالباقي أو توشّح أجزأ.(1)

وقال صاحب «الجواهر»: وفيه:- مضافاً إلى منافاته لما ذكره أوّلًا- عدم صدق لبس الثوبين عليه، اللهمّ إلّاأن يراد بهما الكناية عن تغطية المنكبين وما بين السرّة إلى الركبة، وهو لا يخلو من وجه وإن كان الأولى والأحوط التعدّد، والأمر في ذلك سهل. إنّما الكلام في اعتبار ذلك في صحّة الإحرام وعدمه قال في «الدروس»: «وهل اللبس من شرائط الصحّة حتّى لو أحرم عارياً أو لابساً مخيطاً لم ينعقد؟ نظر وظاهر الأصحاب انعقاده حيث قالوا: لو أحرم وعليه قميص نزعه ولا يشقّه. ولو لبسه بعد الإحرام وجب شقّه وإخراجه من تحت كما هو مروي، وظاهر ابن الجنيد اشتراط التجرّد».

وفي «كشف اللثام» «قلت: كلامهم هذا قد يدلّ على عدم الانعقاد، فإنّ الشقّ والإخراج من تحت للتحرّز عن ستر الرأس، فلعلّهم لم يوجبوه أوّلًا لعدم الانعقاد». نعم، الأصل عدم اشتراط الانعقاد به، وقد يفهم من خبري عبدالصمد بن بشر وخالد بن محمّد الأصم الفارقين بين جاهل الحكم وعالمه إذا لبسه قبل


1- الدروس الشرعية 1: 344 ..

ص: 298

التلبية وقال أبو علي: «وليس ينعقد الإحرام إلّامن الميقات بعد الغسل والتجرّد والصلاة». وفي «المدارك»: «ولو أخلّ باللبس ابتداءً فقد ذكر جمع من الأصحاب أنّه لا يبطل إحرامه وإن أثم وهو حسن».

ونحوه عن الكركي وثاني الشهيدين ولعلّه الأقوى، بل لا أجد فيه خلافاً صريحاً إلّامن الإسكافي ولا ريب في ضعفه فإنّ الأمر باللبس بعد إطلاق ما دلّ على حصول الإحرام بالنية والتلبية لا يدلّ على أزيد من الإثم كالنهي في صحيح معاوية عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «لا تلبس وأنت تريد الإحرام ثوباً تزره ولا تدرعه ولا تلبس سراويل، إلّاأن لا يكون لك إزار، ولا الخفّين، إلّاأن لا يكون لك نعلان»(1) مضافاً إلى صحيح معاوية بن عمّار وغير واحد عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في رجل أحرم وعليه قميصه فقال: «ينزعه ولا يشقّه وإن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه وأحرجه ممّا يلى رجليه».(2) وغير ذلك من الأخبار.

وعلى كلّ حال، فلا إشكال في ظهور الأوّل منها وغيره في صحّة الإحرام؛ ضرورة أنّه لو كان مثل ذلك مانعاً لانعقاده كما سمعت احتماله من الأصبهاني، بل مال إليه بعض المحدّثين لوجب تجديد النيّة والتلبية. والنصّ والفتوى كادا يكونان صريحين في خلافه، والحسن الآخر محمول على ضرب من الندب، وإلّا لما أمره بالشقّ للقميص والإخراج من تحت القدمين، بل ينبغي الجزم به في صورة الجهل؛ لخبر خالد بن محمّد الأصم قال: دخل رجل المسجد الحرام وهو محرم فدخل في الطواف، وعليه قميص وكساء فأقبل الناس عليه يشقّون قميصه وكان صلباً، فرآه أبو عبداللَّه عليه السلام وهم يعالجون قميصه يشقّونه، فقال له: «كيف


1- وسائل الشيعة 12: 473، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 35، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 12: 488، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 45، الحديث 2 ..

ص: 299

صنعت؟» فقال: أحرمت هكذا في قميصي وكسائي. فقال: «انزعه من رأسك ليس ينزع هذا من رجليه إنّما جهل فأتاه غير ذلك» فسأله فقال: ما تقول في رجل أحرم في قميصه؟ قال: «ينزعه من رأسه».(1) وخبر عبدالصمد بن بشر عنه عليه السلام أيضاً قال: جاء رجل يلبّي حتّى دخل المسجد الحرام وهو يلبّي وعليه قميصه، فوثب إليه الناس من أصحاب أبي حنيفة، فقالوا: شقّ قميصك وأخرجه من رجليك، فإنّه عليك بدنة وعليك الحجّ من قابل وحجّك فاسد، فطلع أبو عبداللَّه عليه السلام، فقام على باب المسجد، فكبّر واستقبل الكعبة، فدنا الرجل من أبي عبداللَّه عليه السلام وهو ينتف شعره ويضرب وجهه، فقال: «اسكن يا عبداللَّه»، فلمّا كلّمه وكان الرجل أعجمياً، فقال أبو عبداللَّه عليه السلام: «ما تقول؟» قال: كنت رجلًا أعمل بيدي، فاجتمعت لي نفقة فجئت أحجّ لم أسأل أحداً عن شي ء، فأفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي وأنزعه من قبل رجلي وأنّ حجّي فاسد وأنّ عليّ بدنة، فقال له: «متى لبست قميصك أبعد ما لبّيت أم قبل؟» قال: قبل أن البّي قال: «فأخرجه من رأسك، فإنّه ليس عليك بدنة وليس عليك الحجّ من قابل أيّ رجل ركب أمراً بجهالة، فلا شي ء عليه طف بالبيت سبعاً وصلّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام واسع بين الصفا والمروة وقصّر من شعرك، فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهلّ بالحجّ واصنع كما يصنع الناس»(2) وربّما فهم منهما خصوصاً الأخير عدم الانعقاد مع عدم الجهل إلّاأنّه لا دلالة فيهما، بل إطلاق الصحيح الأوّل يقتضي خلافه»(3) وفيه المسألة الآتية لا يحتاج إلى ذكرها واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 12: 489، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 45، الحديث 4 ..
2- وسائل الشيعة 12: 488، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 45، الحديث 3 ..
3- جواهر الكلام 18: 233- 236 ..

ص: 300

(مسألة 18): لا تجب استدامة لبس الثوبين، بل يجوز تبديلهما ونزعهما لإزالة الوسخ أو للتطهير، بل الظاهر جواز التجرّد منهما في الجملة.

بيانه- قال في «الجواهر»: «ويجوز له أن يبدلّ ثياب إحرامه؛ للأصل ولقول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي أو صحيحه: «لا بأس بأن يحوّل المحرم ثيابه» قلت: إذا أصابها شي ء؟ قال: «نعم، وإن احتلم بها فليغسلها؟».(1)

وفي خبره الآخر عنه عليه السلام أيضاً: سألته عن المحرم يحوّل ثيابه فقال: «نعم»، وسألته يغسلها إن أصابها شي ء قال: «نعم، وإذا احتلم فيها فليغسلها»(2) وقوله عليه السلام أيضاً في حسن معاوية: «لا بأس بأن يغيّر المحرم ثيابه ولكن إذا دخل مكّة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما وكره أن يبيعهما».(3)

وبحمل الأمر فيه على الندب كما عن ظاهر المتأخّرين، قال المصنّف وغيره: فإذا أراد الطواف، فالأفضل أن يطوف فيهما. وإن قيل: قد يوهم الوجوب عبارة الشيخ وجماعة ولا ريب في أنّه أحوط وإن كان الأوّل أقوى».(4)

وقال في «الحدائق»: «الظاهر لا خلاف في أنّه يجوز تعدّد الثياب وإبدالها إلّا أنّه إذا أراد الطواف، فالأفضل أن يطوف في ثوبيه اللذين أحرم فيهما، ويدلّ على الحكم الأوّل ما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن الحلبي قال: سألت عن


1- وسائل الشيعة 12: 477، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 38، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 12: 477، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 38، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 12: 363، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 31، الحديث 1 ..
4- جواهر الكلام 18: 245 ..

ص: 301

(مسألة 19): لابأس بلبس الزيادة على الثوبين مع حفظ الشرائط ولو اختياراً.

المحرم يتردّى بالثوبين قال: «نعم، والثلاثة إن شاء يتّقى بها الحرّ والبرد».(1) وعلى الثاني والثالث ما رواه الصدوق في الصحيح والكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا بأس بأن يغيّر المحرم ثيابه ولكن إذا دخل مكّة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما وكره أن يبيعهما»، قال الصدوق: وقد رويت رخصة في بيعهما(2) ويدلّ على الحكم الثاني زيادة على الرواية المذكورة ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام- في حديث- قال: «ولا بأس أن يحوّل المحرم ثيابه».(3)

بيانه- وروى الشيخ عن الحلبي قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الثوبين يرتدي بهما المحرم قال: «نعم، والثلاثة يتّقي بها الحرّ والبرد» وسألته عن المحرم يحوّل ثيابه فقال: «نعم»، وسألته يغسلها إن أصابها شي ء قال: «نعم، وإذا احتلم فيها فليغسلها».(4)


1- وسائل الشيعة 12: 362، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 30، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 363، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 31، الحديث 2 ..
3- الحدائق الناضرة 15: 90 ..
4- تهذيب الأحكام 5: 70/ 230 ..

ص: 302

(مسألة 20): يشترط في الثوبين أن يكونا ممّا تصحّ الصلاة فيهما، فلا يجوز في الحرير وغير المأكول والمغصوب والمتنجّس بنجاسة غير معفوّة في الصلاة، بل الأحوط للنساء أيضاً أن لا يكون ثوب إحرامهنّ من حرير خالص، بل الأحوط لهنّ عدم لبسه إلى آخر الإحرام.

بيانه- قال في «الروضة»: «فلا يجوزان من جلد وصوف وشعر ووبر ما لا يؤكل لحمه ولا من جلد المأكول مع عدم التذكية ولا في الحرير للرجال ولا في الشاف مطلقاً ولا في النجس غير المعفوّ عنها في الصلاة. ويعتبر كونهما غير مخيطين ولا ما أشبه المخيط كالمحيط من اللبد والدرع المنسوج كذلك والمعقود».(1)

وقال في «الحدائق»: «قد صرّح الأصحاب بأ نّه لا يجوز الإحرام في ما لا يجوز لبسه في الصلاة. ومقتضى ذلك عدم جوازه في الحرير المحض والنجس بنجاسة غير معفوّ عنها في الصلاة، وما يحكي الصورة، وجلد غير المأكول.

ويمكن أن يستدلّ على ذلك بمفهوم قوله عليه السلام في صحيحة حريز: «كلّ ثوب تصلّى فيه فلا بأس أن تحرم فيه».(2) فإنّ كلّاً من الأشياء المعدودة ممّا في الصلاة فيه البأس، بل ربّما يفهم من الرواية المذكورة عدم الإحرام في الجلد وإن كان من مأكول اللحم؛ لعدم صدق الثوب عليه عرفاً، وإطلاق كلام الأصحاب يقتضي عدم الإحرام في ما يحكي العورة إزاراً كان أو رداءً.

وجزم الشهيد في «الدروس» بالمنع من الإزار الحاكي وجعل ذلك في الرداء


1- الروضة البهيّة 1: 488 ..
2- وسائل الشيعة 12: 359، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 27، الحديث 1 ..

ص: 303

أحوط، والأقرب عدم اعتباره فيه؛ حيث إنّه تجوز الصلاة فيه، وإن كان حاكياً، ويدلّ على وجوب الطهارة في الثوبين زيادة على ما تقدّم ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن المحرم تصيب ثوبه الجنابة قال: «لا يلبسه حتّى يغسله وإحرامه تامّ».(1)

قال في «المدارك»: ومقتضى الرواية عدم جواز لبس النجس حال الإحرام مطلقاً، ويمكن حمله على ابتداء اللبس؛ إذ من المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن، إلّاأن يقال بوجوب إزالتها عن البدن أيضاً للإحرام، ولم أقف على مصرّح به وإن كان الاحتياط يقتضي ذلك. انتهى. وهو جيّد...

اختلف الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- في جواز إحرام النساء في الحرير المحض، فنقل عن الشيخ المفيد في كتاب أحكام النساء وابن إدريس وجمع من الأصحاب الجواز، وهو المشهور بين المتأخّرين، وإليه مال في «المدارك» و «الذخيرة» وعن الشيخ وابن الجنيد القول بالمنع. وبه صرّح الشيخ المفيد في «المقنعة» والشهيد في «الدروس».

واستدلّ على القول الأوّل بصحيحة يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: المرأة تلبس القميص تزره عليها وتلبس الحرير والخزّ والديباج؟

فقال: «نعم، لا بأس به».(2) وصحيحة حريز المتقدّمة الدالّة على أنّ كلّ ثوب يصلّى فيه. فلا بأس أن يحرم فيه، والحرير ممّا يجوز للنساء الصلاة فيه... والذي يدلّ على المنع صريحاً صحيحة العيص بن القاسم قال: وقال أبو عبداللَّه عليه السلام: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير


1- وسائل الشيعة 12: 476، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 37، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 366، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 33، الحديث 1 ..

ص: 304

والقفازين وكره النقاب».(1)

وما رواه الكليني عن داود بن الحصين عن أبي عيينة قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن ما يحلّ للمرأة أن تلبس وهي محرمة؟ قال: «الثياب كلّها ما خلا القفازين والبرقع والحرير». قال: تلبس الخزّ قال: «نعم»، قلت: فإن سداه ابريسم وهو حرير قال: «ما لم يكن حريراً خالصاً فلا بأس»(2)... وفي الموثّق عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «النساء تلبسن الحرير والديباج إلّافي الإحرام»،(3)... وقد ساعدنا السيّد السند في «المدارك» على ما ذكرناه في الأخبار المصرّحة بالكراهة. فقال بعد احتمال الجمع بين الأخبار بحمل النهي على الكراهة والاستدلال بصحيحة الحلبي ما لفظه: «لكن في حمل الكراهة الواقعة في الروايات على المعنى المتعارف نظر...» وهو إشارة إلى ما ذكرناه من استعمال الكراهة في التحريم استعمالًا شايعاً.

وحينئذٍ فيرجع الكلام إلى الروايات المتقدّمة والنظر في الترجيح بينها، فإنّ الروايات الاولى ممّا استدلّ بها على الجواز، والروايات الأخيرة ظاهرة في التحريم. وهو الأظهر عندي في المسألة.

أمّا أوّلًا فلأنّ روايات التحريم أكثر فترجّح بالكثرة.

وأمّا ثانياً فبحمل صحيحة يعقوب بن شعيب- التي هي أظهر ما استدلّ به لهذا القول وعليها اقتصر في «المدارك»- على الحرير الغير المحض»(4) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 12: 368، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 33، الحديث 9 ..
2- وسائل الشيعة 12: 367، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 33، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلي، الباب 16، الحديث 3 ..
4- الحدائق الناضرة 15: 81- 87 ..

ص: 305

(مسألة 21): لا يجوز الإحرام في إزار رقيق؛ بحيث يرى الجسم من ورائه، والأولى أن لا يكون الرداء أيضاً كذلك.

(مسألة 23): الأحوط تطهير ثوبي الإحرام أو تبديلهما إذا تنجّسا بنجاسة غير معفوّة؛ سواء كان في أثناء الأعمال أم لا، والأحوط المبادرة إلى تطهير البدن أيضاً حال الإحرام، ومع عدم التطهير لا يبطل إحرامه ولا تكون عليه كفّارة.

بيانه- قال في «الحدائق»: «وإطلاق كلام الأصحاب يقتضي عدم الإحرام فيما يحكي العورة إزاراً كان أو رداءً وجزم الشهيد في «الدروس» بالمنع من الإزار الحاكي وجعل اعتبار ذلك في الرداء أحوط. والأقرب عدم اعتباره فيه؛ حيث أنّه تجوز الصلاة فيه وإن كان حاكياً».(1)

بيانه- قال في «الجواهر»: «اعتبر عدم نجاسته بغير المعفوّ عنه كما صرّح به في «الدروس» و «المسالك» وغيرهما مؤيّداً بما في حسن معاوية بن عمّار وصحيحه أيضاً: سأله عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة قال: «لا يلبسه حتّى يغسله وإحرامه تامّ»(2) بل في «كشف اللثام»: ولنحو هذين الخبرين نصّ ابن حمزة على عدم جواز الإحرام في الثوب النجس. وفي «المبسوط»: «ولا ينبغي إلّا في ثياب طاهرة نظيفة». وفي «النهاية»: «ولا يحرم إلّافي ثياب طاهرة نظيفة». ونحوه «السرائر» وغيرها ممّا تأخّر عنها، ولكن فيه أنّهما يدلّان على عدم جواز لبس النجس حال الإحرام مطلقاً إلّاأنّه قال في «المدارك»: «ويمكن


1- الحدائق الناضرة 15: 81 ..
2- وسائل الشيعة 12: 476، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 37، الحديث 1 ..

ص: 306

حمله على ابتداء اللبس؛ إذ من المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن، (مسألة 24): الأحوط أن لا يكون الثوب من الجلود؛ وإن لا يبعد جوازه إن صدق عليه الثوب. كما لا يجب أن يكون منسوجاً، فيصحّ في مثل اللبد مع صدق الثوب.

إلّا أن يقال: بوجوب إزالتها عن البدن أيضاً للإحرام. ولم أقف على مصرّح به وإن كان الاحتياط يقتضي ذلك»، وفيه: أنّه غير قابل لإرادة حال الابتداء خاصّة منه. نعم، هو دالّ عليها ولو بدعوى ظهوره في اعتبار طهارتهما حال الإحرام ابتداءً واستدامةً، فيقتصر على الأوّل؛ لاعتضاده بالفتاوى دون غيره الباقي على حكم الأصل مؤيّداً ذلك بحسن معاوية بن عمّار أو صحيحه عن أبي عبداللَّه عليه السلام: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه وغيرها التي أحرم فيها؟ قال: «لا بأس بذلك إن كانت طاهرة»(1) بناءً على إرادة الجمع من المقارنة فيه فيتمّ التأييد به على الوجه المزبور. نعم، لا يبطل الإحرام وإن أثم كغيره ممّا يعتبر فيهما؛ لما عرفته من عدم شرطية أصل اللبس فيه فضلًا عن صفات الملبوس»(2) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الجواهر» بتوضيح منّا: قد صرّح الأصحاب بأ نّه لا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبس جنسه في الصلاة كالثوب المنسوج كلّاً أو بعضاً من شعر ما لا يؤكل لحمه فضلًا عن جلده الذي هو ليس بثوب عرفاً، فلا يصحّ في المأكول منه فضلًا عن غيره. ويمكن أن يستدلّ على ذلك بمفهوم قوله عليه السلام في صحيحة حريز: «كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه»(3) بناءً على إرادة


1- وسائل الشيعة 12: 363، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 30، الحديث 2 ..
2- جواهر الكلام 18: 240 ..
3- وسائل الشيعة 12: 359، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 27، الحديث 1 ..

ص: 307

(مسألة 25): لو اضطرّ إلى لبس القباء أو القميص لبرد ونحوه جاز لبسهما، لكن يجب أن يقلب القباء ذيلًا وصدراً، وتردّى به ولم يلبسه، بل الأحوط أن يقلبه بطناً وظهراً، ويجب أيضاً أن لا يلبس القميص وتردّى به. نعم، لو لم يرفع الاضطرار إلّابلبسهما جاز.

المنع من البأس في مفهومه، ولو بقرينة من الفتاوى، بل عن الكفاية أنّه المعروف بين الأصحاب، بل في المفاتيح يشترط فيهما كونهما ممّا تجوز به الصلاة بلا خلاف، بل ربّما استظهر ذلك من «المنتهى» وغيره ممّن عادته نقل الخلاف، بل وبقرينة ما دلّ على رجحانية دوام لبسهما والتكفن بهما والطواف بهما، ونحو ذلك ممّا يدلّ على قابليتهما للصلاة التي لا ينفكّ المكلّف عنها فضلًا عن الطواف وصلاته»(1) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الحدائق»: «الظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- في جواز لبس السراويل إذا لم يكن له إزار وجواز لبس القباء إذا لم يكن له رداء إلّاأنّ كلامهم في الثاني لا يخلو من اشتباه، وقد وقع الخلاف في موضعين أحدهما أنّه هل يكون جواز لبس القباء عند فقد ثوبي الإحرام معاً، أو فقد الرداء خاصّة؟ ظاهر المحقّق في «الشرائع» و «النافع» الأوّل؛ حيث قال في الأوّل: «وإذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام وكان معه قباء جاز لبسه مقلوباً، ويجعل ذيله على كتفيه». وقال في الثاني: ويجوز لبس القباء مع عدمهما مقلوباً. وبذلك صرّح الشيخ في «النهاية» أيضاً؛ حيث قال: «فإذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام وكان معه قباء فليلبسه مقلوباً ولا يدخل يديه في يدي


1- جواهر الكلام 18: 239 ..

ص: 308

القباء». ونحوها عبارته في «المبسوط» أيضاً. وبه صرّح ابن إدريس في «السرائر». وربّما أشعر تصريح هؤلاء بذلك بشهرة ذلك عند المتقدّمين عليهم، مع أنّه لم ينقل ذلك إلّاعن المحقّق في عبارتيه المتقدّمتين.

وبالثاني صرّح الشهيدان في «اللمعة» و «الدروس» و «المسالك» قال في «المسالك»- بعد نقل عبارة «الشرائع» المذكورة-: وتعليق الحكم بذلك على فقد الثوبين يشعر بأنّ واجد أحدهما لا يجوز له لبسه. والظاهر جوازه مع أحدهما خاصّة خصوصاً الرداء. وخصّه في «الدروس» بفقده وجعل السراويل بدلًا عن الإزار». انتهى.

وعبائر جملة من الأصحاب هنا مجملة مثل عبارة العلّامة في «المنتهى»؛ حيث قال: «ولا يجوز له لبس القباء بالإجماع؛ لأنّه مخيط فإن لم يجد ثوباً جاز له أن يلبسه مقلوباً ولا يدخل يديه في يدي القباء، ونحوها عبارته في «التذكرة». والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلّقة بالمقام منه صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «يلبس المحرم الخفّين إذا لم يجد نعلين وإن يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباء بعد أن ينكسه»(1).(2)

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: في المحرم يلبس الخفّ إذا لم يكن له نعل قال: «نعم، ولكن يشقّ ظهر القدم ويلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء ويقلب ظهره لباطنه».(3)


1- وسائل الشيعة 12: 486، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 44، الحديث 2 ..
2- النعل له أسفل وليس له كعب وجوانب ولا ما يستر ظهر القدمين والخفّ حذاء تامّ في كعبه وجوانبه كما هو المتعارف المألوف ويسمّى كندرة أو صباط وما إلى ذاك ..
3- الفقيه 2: 218/ 997 ..

ص: 309

وفي «الكافي» عن مثنّى الخيّاط عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من اضطرّ إلى ثوب وهو محرم وليس معه إلّاقباء فلينكسه وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه» قال: وفي رواية اخرى: «يقلب ظهره بطنه إذا لم يجد غيره»(1) وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في رجل هلكت نعلاه ولم يقدر على نعلين قال: «له أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ إلى ذلك وليشقّه عن ظهر القدم وإن لبس الطيلسان فلا يزره عليه وإن اضطرّ إلى قباء من برد ولا يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً ولا يدخل يديه في يدي القباء».(2) وأنت خبير بأنّ ظاهر صحيحتي عمر بن يزيد ومحمّد بن مسلم الدلالة على ما ذكره الشهيدان.(3)

وفي «جامع المقاصد» عن الكركي قدس سره: «ويلبس القباء منكوساً لو فقدهما المراد بكونه منكوساً كون ذيله على الكتفين كما فسّره في رواية البزنطي وفي اخرى أنّه يقلبه. وفيها ما يدلّ على أنّ المراد جعل باطنه ظاهره ولا يخرج يديه من كمّيه. وكلّ من التفسيرين معتبر على الأصحّ. ولو أخرج يديه من كمّيه لزمته كفّارة لبس المخيط حينئذٍ لا قبله لتحقّق النهي حينئذٍ».(4)

وفي كتاب «الفقه على المذاهب الخمسة»: «اتّفقوا على أنّ الرجل المحرم لا يجوز له أن يلبس مخيطاً ولا ثوباً يزرره ولا قميصاً ولا سراويل ولا أن يغطّي رأسه ووجهه. وقال الشافعي وأحمد: يجوز له أن يغطّي وجهه. ولا يجوز له


1- وسائل الشيعة 12: 486، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 44، الحديث 3 و 4 ..
2- الكافي 4: 346/ 1 ..
3- الحدائق الناضرة 15: 91- 93 ..
4- جامع المقاصد 3: 168 ..

ص: 310

أن يلبس الخفّين إلّاإذا لم يجد نعلًا، فيلبس الخفّين بعد أن يقطع أسفل من الكعبين. وأمّا المرأة فتغطّي رأسها وتكشف وجهها إلّامع خوف نظر الرجال إليها بريبة. ولا يجوز لها أن تلبس القفّاز؛ أى الكفوف ولها أن تلبس الحرير والخفّين.

وقال أبو حنيفة: يجوز لها لبس القفاز.

وجاء في كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة» بعنوان ما يطلب من مريد الإحرام قبل أن يشرع فيه قال الحنفية: ومن ذلك لبس إزار ورداء والإزار هو ما يستتر به من سرّته إلى ركبته والرداء هو ما يكون على الظهر والصدر والكتفين، وهو مستحبّ. وقال المالكية: يندب أن يلبس إزاراً ورداءً ونعلين. ولو لبس غير الرداء والإزار ممّا ليس مخيطاً ولا محيطاً فلا يضرّ، والمحيط هو الثوب الذي يحيط بالعضو. وقال الحنابلة: يسنّ له قبل إحرامه لبس إزار ورداء أبيضين نظيفين جديدين ونعلين. وقال الشافعية: ومن ذلك أن يلبس إزاراً ورداءً أبيضين جديدين، وإلّا فمغسولين.

وقال الإمامية: إنّ الإزار والرداء واجبان وإنّه يستحبّ أن يكونا من القطن الأبيض، ويجوز للمحرم أن يلبس أكثر من ثوبين على شريطة أن لا يكون مخيطاً. كما يجوز له أن يبدّل ثياب الإحرام، ولكنّ الأفضل عندهم أن يطوف بالثوبين الذين أحرم بهما، واشترطوا في لباس المحرم كلّ ما اشترطوه في لباس المصلّي من الطهارة وعدم كونه حريراً للرجال أو جلداً من غير مأكول اللحم، بل قال جماعة: لا يجوز أن يكون من نوع الجلد إطلاقاً، ومهما يكن فإنّ الخلاف في لبس المحرم بسيط جدّاً. ويكفي للتدليل على ذلك أنّ كلّ ما هو مجزٍ عند الإمامية مجزٍ أيضاً عند الأربعة».(1) انتهى.


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 216- 217 ..

ص: 311

تروك الإحرام

القول: في تروك الإحرام

اشارة

والمحرّمات منه امور:

الأوّل: صيد البرّ اصطياداً وأكلًا- ولو صاده محلّ- وإشارة ودلالة وإغلاقاً وذبحاً وفرخاً وبيضة، فلو ذبحه كان ميتة على المشهور، وهو أحوط. والطيور حتّى الجراد بحكم الصيد البرّي. والأحوط ترك قتل الزنبور والنحل إن لم يقصدا إيذاءه، وفي الصيد أحكام كثيرة تركناها لعدم الابتلاء بها.

الصيد البرّي

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «اتّفقوا قولًا واحداً على تحريم التعرّض لصيد البرّ بالقتل أو الذبح أو الدلالة عليه أو الإشارة إليه. ولذا يحرم التعرّض لبيضه وأفراخه، أمّا صيد البحر فجائز ولا فدية فيه لقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً(1)- وتحريم الصيد في الحرم يشمل المحلّ والمحرم على السواء.


1- المائدة( 5): 99 ..

ص: 312

أمّا خارج الحرم فيجوز للمحلّ دون المحرم... واتّفقوا على أنّ للمحرم أن يقتل الحدأة- نوع من الطير- والغراب والفأرة والعقرب. وزاد جماعة الكلب العقور وكلّ مؤذٍ. ولو ذبح المحرم الصيد يصير ميتة.

ويحرم أكله على جميع الناس- وقال الشافعية والإمامية: الصيد البرّي إن كان له مثل أهلي في الشكل والصورة كالبقر الوحشي تخيّر القاتل بين أن يخرج مثله من النعم فيذبحه ويتصدّق به وبين أن يقوّم المثل بدراهم يشتري بها طعاماً ثمّ تصدّق بالطعام على المساكين لكلّ مسكين مدّان أي 1600 غرام على وجه التقريب وبين أن يصوم عن كلّ مدّين يوماً. وبهذا قال المالكية إلّاأنّهم قالوا:

يقوّم نفس الصيد لا مثله. وقال الحنفية: يضمن الصيد بالقيمة سواء أكان له مثل أم لم يكن ومتى قوّمه تخيّر القاتل بين أن يشتري بالثمن المماثل من النعم، ويخرجه وبين أن يشتري طعاماً ويتصدّق به وبين أن يصوم عن كلّ مدّ يوماً....

مستند الجميع إلى الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَاتَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ.(1) ومعنى قوله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ أن يحكم اثنان من أهل العدالة بأنّ هذا الحيوان الأهلي هو مثل الحيوان الوحشي المقتول. ومعنى قوله: هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أنّه إذا أتى مكّة ذبح المماثل الأهلي وتصدّق به. وجاء في كتاب «الشرائع» للإمامية: «أنّ كلّ محرم أكل أو لبس ما لا يحلّ أكله أو لبسه فعليه شاة» إن فعل ذلك عامداً لا ناسياً أو جاهلًا.


1- المائدة( 5): 98 ..

ص: 313

واتّفق الإمامية والشافعية على أنّ الكفّارة تسقط عن الجاهل والناسي إلّافي الصيد، فإنّ الكفّارة تجب فيه حتّى ولو وقع سهواً.(1)

وفي «الفقه على المذاهب الخمسة» أيضاً: «جاء في كتاب «اللمعة» للإمامية:

لا يجوز للمحرم قتل هوامّ الجسد كالقمّل والقراد ونقله. وقال السيّد الحكيم في «المستمسك»: «يجوز قتل البقّ والبرغوث ليدفعه عن نفسه، أمّا نحن فلا نشكّ أبداً في جواز إزالة كلّ مؤذٍ وإن توقّف على القتل جاز». ومن «الطريف» ما نقل عن ابن عبّاس أنّه سئل عن محرم رأى قمّلة على جسده فألقى بها على الأرض ثمّ خشي أن يكون ذلك غير جائز فطلبها ليردّها إلى مكانها فلم يجدها، فقال ابن عبّاس: تلك ضالة لا تبتغي.

وجاء في كتاب «المغني»: «ولا يتفلى المحرم؛ لأنّ التفلي عبارة عن إزالة القمّل، وهو ممنوع منه،... فإن خالف وتفلى وقتل قمّلًا فلا فدية فيه أي عند الحنابلة، وقال الحنفية: يطعم شيئاً، وقال مالك: جفنة من طعام».(2)

وعن «الجواهر»»: «متروكات الإحرام، وهي إمّا محرّمات أو مكروهات، فالمحرّمات عند المصنّف هنا عشرون شيئاً. وفي «الدروس»: ثلاثة وعشرون وفي «الإرشاد»: ثمانية عشر وفي «النافع» و «التبصرة»: أربعة عشرة، ولكلّ وجه تعرفه إن شاء اللَّه، مصيد البرّ كما في بعض النسخ منها نسخة ثاني الشهيدين وفي اخرى «صيد» بمعنى المصيد؛ لقوله: اصطياداً وأكلًا ولو صاده محلّ وإشارة ودلالة لصائده المحلّ والمحرم وإن ضمنّاه معاً في الثاني على ما في «المسالك»، بخلاف العكس، فإنّه يضمنه المحرم وإن دلّ عليه المحلّ، لكنه


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 225- 226 ..
2- الفقه على المذاهب الخمسة: 224- 225 ..

ص: 314

يأثم، بناءً على أنّه من الإعانة على الإثم، وعلى كلّ حال لا يجوز الدلالة، بل مطلق الإعانة، ولو بإعارة السلاح أو مناولته، بل في «المنتهى» نسبة تحريمها إلى العلماء وإغلاقاً عليه حتّى يموت أو يصيده غيره وذبحاً بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن «المنتهى»: «أ نّه قول كلّ من يحفظ عنه العلم»، وإن كان المحكيّ عن الثوري وإسحاق الخلاف في الثاني، وعن الشافعي وأبي حنيفة الخلاف في أكل ما صاده المحلّ وذبحه من دون أمر ولا دلالة ولا إعانة إلّاأنّ خلاف مثل هؤلاء غير قادح وحينئذٍ فهو الحجّة بعد قوله تعالى: لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وقوله: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً الدالّ على حرمة اصطياده وأكله، بل يمكن إرادة مطلق المدخلية في صيده ولو بمعونة ما سمعته من الإجماع.

وقول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي: «لا تستحلنّ شيئاً من الصيد وأنت حرام ولا أنت حلال في الحرم ولا تدلّ عليه محلّاً ولا محرماً فيصطاده ولا تشر إليه فيستحلّ من أجلك فإنّ فيه الفداء لمن تعمّده»؛(1) ضرورة كونه تعليلًا شاملًا لمطلق المدخلية في اصطياده وفي صحيح منصور بن حازم: «المحرم لا يدلّ على الصيد فإن دلّ عليه فقتل فعليه الفداء».(2)

وقال أيضاً في خبر عمر بن يزيد: «واجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه ولا تأكل ما صاده غيرك ولا تشر إليه فيصيده غيرك»(3)... وغير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى القطع بمضمونها إن لم تكن متواترة اصطلاحاً.


1- وسائل الشيعة 12: 415، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 1، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 416، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 1، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 12: 416، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 1، الحديث 5 ..

ص: 315

نعم، الظاهر اختصاص الحكم بما هو المنساق من النصّ والفتوى من كون الإشارة والدلالة مسبّبة للصيد، فلا تحرم دلالة من يرى الصيد؛ بحيث لا يفيده ذلك شيئاً، ولا دلالة من لا يريد الصيد كما صرّح به غير واحد؛ للأصل وغيره، بل قد يمنع كون مثله من الدلالة التي هي على ما قيل أعمّ من الإشارة باعتبار تحقّقها بالكتابة وغيرها... وكيف كان لو ذبحه؛ أي المحرم كان ميتة حراماً على المحلّ والمحرم كما صرّح به الشيخ والحلّي والقاضي ويحيى بن سعيد والفاضلان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل هو المشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف فيه بعض من عادته نقله وإن ضعف، بل في «المنتهى» وعن «التذكرة» الإجماع عليه، بل هو المراد أيضاً ممّا في «النهاية» و «المبسوط» و «التهذيب» و «الوسيلة» و «الجواهر» على ما حكي عن بعضها أنّه كالميتة، بل في الأخير الإجماع عليه أيضاً.

كلّ ذلك مضافاً إلى خبر وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام: «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال والحرام وهو كالميتة وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أو حرام»(1) وخبر إسحاق عن جعفر عليه السلام أيضاً: «أنّ علياً عليه السلام كان يقول: إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محلّ ولا محرم وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محلّ ولا محرم»(2) المنجبرين بما عرفت المؤيّدين بأخبار الأمر بدفنه»،(3) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 12: 432، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 10، الحديث 4 ..
2- وسائل الشيعة 12: 432، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 10، الحديث 5 ..
3- جواهر الكلام 18: 285- 289 ..

ص: 316

الثاني: النساء وطءاً وتقبيلًا ولمساً ونظراً بشهوة، بل كلّ لذّة وتمتّع منها.

مجامعة النساء

بيانه- قال في «الحدائق»: «إطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الموطوءة بين الزوجة الدائمة والمتمتّع بها والأمة، ولا بين الوطء في القبل والدبر، وبه صرّح جملة من متأخّري المتأخّرين... ونقل عن الشيخ في «المبسوط» أنّه أوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة، وعبارته التي نقلها في «المختلف» لا تساعد على ذلك فإنّه قدس سره قال في «النهاية»- على ما نقله في «المختلف»-: «إن كان جماعه في الفرج قبل الوقوف كان عليه بدنة والحجّ من قابل»، وأطلق. وقال في «المبسوط»: «إن جامع المرأة في الفرج قبلًا كان أو دبراً قبل الوقوف بالمشعر عامداً سواء كان قبل الوقوف بعرفة أو بعده فسد حجّه ووجب عليه المضيّ فيه والحجّ من قابل وبدنة وإن كان الجماع في ما دون كان عليه بدنة لا غير»، وعبارته هذه صريحة في جعل الدبر من الفرج.

وقال في «الخلاف»: «إذا وطء في الفرج فسد حجّه وإن وطء في ما دونه لم يفسد حجّه، وإن أنزل». ثمّ قال: «ومن أصحابنا من قال: إتيان البهيمة واللواط بالرجال والنساء؛ بإتيانها في دبرها كلّ ذلك يتعلّق به فساد الحجّ، وبه قال الشافعي، ومنهم من قال: لا يتعلّق الفساد إلّابالوطء في القبل من المرأة، واستدلّ على الأوّل بالاحتياط وعلى الثاني بالبراءة».

وقال ابن البرّاج: «إذا جامع في الفرج أو في ما دونه متعمّداً قبل الوقوف بالمزدلفة فسد حجّه». قال في «المختلف»- بعد نقل ذلك عنه-: «فإن جعل الفرج عبارة عن القبل وما دونه عبارة عن الدبر صحّ كلامه، وإلّا فلا».

ص: 317

ثمّ قال: «وابن إدريس فصّل كالشيخ في «المبسوط» وباقي علمائنا أطلقوا كالشيخ في «النهاية». ثمّ قال: والأقرب عندي أنّه لا فرق بين القبل والدبر؛ سواء كان بامرأة أو بغلام... واحتجّ الآخرون بما رواه معاوية بن عمّار في الصحيح قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل وقع على أهله في ما دون الفرج قال: «عليه بدنة وليس عليه الحجّ من قابل»(1)....

بقي الكلام في هذه الرواية من حيث تضمّنها للوقوع على أهله في ما دون الفرج فربّما يتوهّم منها اختصاص الفرج بالقبل كما هو أحد القولين في المسألة فيمكن أن يخصّص بها إطلاق الروايات الاخرى. وممّا أيّدها بعض الأخبار في باب غسل الجنابة في مسألة الجماع في الدبر، والجواب عن ذلك أن يقال: إنّ المفهوم من كلام أهل اللغة أنّ الفرج يطلق على الموضعين لا اختصاص له بالقبل. قال ابن الأثير في «النهاية» وفي حديث أبي جعفر الأنصاري «فملأت ما بين فروجي»(2) جمع فرج وهو ما بين الرجلين يقال للفرس: ملأ فرجه وفروجه إذا عدا وأسرع، وبه سمّى فرج المرأة والرجل لأنّهما بين الرجلين»، انتهى.

وقال في «القاموس»: «والفرج العورة»، وقال الفيومي في كتاب «المصباح المنير»: «والفرج من الإنسان يطلق على القبل والدبر؛ لأنّ كلّ واحد منهما منفرج؛ أي منفتح وأكثر استعماله في العرف في القبل وقد ورد في حديث الاستنجاء: «اللهمّ حصّن فرجى»(3) وحينئذٍ فيجب حمل الصحيحة المذكورة


1- وسائل الشيعة 13: 119، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 7، الحديث 1 ..
2- بحار الأنوار 32: 522 ..
3- وسائل الشيعة 1: 401، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 16، الحديث 1 ..

ص: 318

على الوقوع في ما عدا القبل والدبر من البدن مثل أن يكون بين الأليتين من دون إيقاب أو التفخيذ للمرأة كما يشير إليه قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار الاخرى: وقد سأله عن المحرم يقع على أهله قال: «إن كان أفضى إليها فعليه بدنة»،(1) الحديث؛ يعنى جامع وأولج في قبل أو دبر وإن لم يكن أفضى فعليه بدنة؛ يعنى مع الإنزال أو مطلقاً».(2)

وقال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «اتّفقوا على أنّه لا يجوز للمحرم أن يجامع زوجته أو يستمتع بها بشتّى أنواع الاستمتاع، وإذا جامع قبل التحليل فسد حجّه، ولكن عليه المضي في حجّه وإتمامه، ثمّ القضاء في العام القادم على أن يفرّق بين الزوجين في حجّ وجوباً عند الإمامية والمالكية والحنابلة، وندباً عند الشافعية والحنفية....

وقال الإمامية والمالكية والشافعية والحنابلة: تلزمه بدنة بالإضافة إلى فساد حجّه، وقال الحنفية: بل شاة واتّفقوا على أنّه إذا جامع بعد التحليل الأوّل فلا يفسد حجّه ولا قضاء ولكن عليه بدنة عند الإمامية والحنفية والشافعي في أحد قوليه «إذا رمى الجمرة وحلق يحلّ للمحرم أشياء ممّا كانت محرّمة عليه كلبس المخيط ونحوه وهذا هو الحلّ الأوّل ولكن لم تحلّ له النساء والطيب وإذا طاف الطواف الأخير حلّ له كلّ شي ء حتّى النساء وهذا هو الحلّ الثاني».

أمّا مالك فقال: تلزمه شاة.... وإذا كانت المرأة مطاوعة فسد حجّها وعليها أن تكفّر ببدنة وأن تقضي في العامّ القادم، وإذا كانت مكرهة لم يكن عليها شي ء


1- وسائل الشيعة 13: 119، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 16، الحديث 2 ..
2- الحدائق الناضرة 15: 362- 366 ..

ص: 319

وعلى الزوج أن يكفّر ببدنتين أحدهما عنه والثانية عنها، وإذا كانت محلّة وهو محرم فلا يتعلّق بها شي ء ولا يجب عليها كفّارة ولا على الرجل بسببها. وإذا قبّل زوجته ولم ينزل فلا يفسد حجّه بالاتّفاق وقال الأربعة: عليه دم؛ أي يكفّر ولو بشاة.

وقال صاحب «التذكرة»- من الإمامية: إن قبّلها بشهوة فجزور وإلّا فشاة- أمّا إذا أنزل فقال المالكية: يفسد حجّه وأجمع البقية على صحّة حجّه وتجب عليه كفّارة وبدنة عند الحنابلة وجماعة من الإمامية وشاة عند الشافعية والحنفية. وإذا نظر إلى أجنبيّة فأمنى لم يفسد حجّه وعليه بدنة عند الإمامية والشافعي وأبي حنيفة وأحمد؛ لأنّه إنزال من دون مباشرة، ولكن الإمامية قالوا:

عليه بدنة إن كان موسراً وإن كان متوسّطاً فبقرة وإن كان معسراً فشاة.

وقال مالك: إن ردّد النظر حتّى أجنب فسد حجّه وعليه القضاء وقال صاحب «التذكرة»: عليه أن يكفّر ببدنة.(1)

قوله قدس سره: «تقبيلًا بشهوة». قال في «الجواهر»: «كما هو صريح بعض وظاهر آخر لقول الصادق عليه السلام في حسن أبي سيّار: «يا أبا سيّار أنّ حال المحرم ضيقة إن قبّل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة وإن قبّل امرأته على شهوة فامنى فعليه جزور وإن مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فليس عليه شي ء»(2) بناءً على اقتضاء ذلك الحرمة خبر حسين بن حمّاد سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن المحرم يقبّل امّه قال: «لا بأس به هذه قبلة رحمة»(3)...


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 219- 220 ..
2- وسائل الشيعة 12: 435، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 13، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 13: 140، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 19، الحديث 5 ..

ص: 320

واختصاص النصوص بقبلة امرأته. وإن كان الظاهر إرادة الأعمّ منها ومن الأجنبية كما هو مقتضى الفتاوى هذا... نعم، الظاهر تقييد جواز قبلة المحارم بما إذا كان لا عن شهوة لكونه أشدّ حرمة ولفحوى التعليل المزبور».

قوله قدس سره: «ولمساً بشهوة» وقال أيضاً في «الجواهر»: «لقول الصادق عليه السلام في حسن أبي سيّار الذي تقدّم آنفاً وإن مسّ امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة فحوى ما دلّ من النصوص على حرمة المس والحمل إذا كان بشهوة لا بدونها وإن حملها أو مسّها بشهوة فامنى أو لم يمن أو أمذى أو لم يمذ فعليه دم شاة يهريقه وإن حملها أو مسّها بغير شهوة فليس عليه شي ء أمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ وغير ذلك من النصوص حتّى نصوص الدعاء عند التهيّؤ للإحرام المشتملة على تحريم الاستمتاع عليه بالنساء»(1) انتهى.

قوله قدس سره: «نظراً بشهوة». قال في «الجواهر»: «كما صرّح به غير واحد وإن قيل خلا كتب الشيخ والأكثر عن تحريمه مطلقاً؛ لما سمعته من كون المستفاد حرمة الالتذاذ بالنساء من النصوص، بل ربّما استدلّ عليه بحسن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم قال: «لا شي ء لكن ليغتسل ويستغفر ربّه وإن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شي ء عليه وإن حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم». وقال: في المحرم ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتّى ينزل قال: «عليه بدنة».(2) وخبر أبي سيّار السابق وفيه أنّه إنّما يدلّ على حرمة النظر بشهوة حتّى


1- جواهر الكلام 18: 303- 305 ..
2- وسائل الشيعة 13: 135، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 17، الحديث 1 ..

ص: 321

ينزل أو يمذي لا مطلقاً».

(مسألة 1): لو جامع في إحرام عمرة التمتّع- قبلًا أو دبراً بالانثى أو الذكر- عن علم وعمد، فالظاهر عدم بطلان عمرته، وعليه الكفّارة، لكن الأحوط إتمام العمل واستئنافه لو وقع ذلك قبل السعي، ولو ضاق الوقت حجّ إفراداً وأتى بعده بعمرة مفردة، وأحوط من ذلك إعادة الحجّ من قابل، ولو ارتكبه بعد السعي فعليه الكفّارة فقط، وهي على الأحوط بدنة من غير فرق بين الغنيّ والفقير.

بيانه- قال في «الحدائق»: «قد صرّح جملة من الأصحاب بأنّ من جامع في إحرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته وعليه البدنة والقضاء وظاهر العلّامة في «المنتهى» أنّه موضع وفاق، ونقل في «المختلف» عن الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» أنّه قال: «من جامع امرأته وهو محرم بعمرة مبتولة قبل أن يفرغ من مناسكها فقد بطلت عمرته وكان عليه بدنة والمقام بمكّة إلى الشهر الداخل إلى أن يقضي عمرته ثمّ ينصرف إن شاء، وعن ابن أبي عقيل أنّه قال: وإذا جامع الرجل في عمرته بعد أن طاف بها وسعى قبل أن يقصّر فعليه بدنة وعمرته تامّة، فأمّا إذا جامع في عمرته قبل أن يطوف لها ويسعى فلم أحفظ عن الأئمّة عليهم السلام شيئاً اعرّفكم به فوقفت عند ذلك ورددت الأمر إليهم عليهم السلام... والوجه أنّه إن جامع قبل السعي في العمرة فسدت عمرته سواء كان عمرة التمتّع أو العمرة المفردة وعليه بدنة والإتيان بها أمّا كون القضاء في الشهر الداخل فسيأتي بحثه»....

وما رواه في «الكافي» في الصحيح إلى أحمد بن أبي علي عن أبي جعفر عليه السلام: في رجل اعتمر عمرة مفردة ووطء أهله وهو محرم قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه قال: «عليه بدنة لفساد عمرته وعليه أن يقيم بمكّة حتّى

ص: 322

يدخل شهر آخر فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم منه ثمّ يعتمر».(1) وهذه الروايات- كماترى- ظاهرة الدلالة فيما ذكره الشيخ من اختصاص الحكم المذكور بالعمرة المفردة، وظاهر كلام الأصحاب العموم لما لو كانت عمرة تمتّع أو مفردة، بل صرّح بذلك العلّامة في «المختلف» كما عرفت وغيره. ولم أقف له على دليل.

قال في «المدارك»: «وربّما أشعرت به صحيحة معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن متمتّع وقع على امرأته ولم يقصّر قال: «ينحر جزوراً وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً وإن كان جاهلًا فلا شي ء عليه»(2) فإنّ الخوف من تطرّق الفساد إلى الحجّ بالوقاع بعد السعي وقبل التقصير ربّما اقتضى تحقّق الفساد بوقوع ذلك قبل السعي. انتهى. وفيه تأمّل.

فوائد: الاولى: اعلم أنّ الشيخ وأكثر الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- لم يتعرّضوا بوجوب إتمام العمرة الفاسدة كما صرّحوا به في الحجّ وقطع العلّامة في «القواعد» والشهيدان بالوجوب ومستنده غير ظاهر، فإنّ أخبار المسألة المذكورة خالية منه، بل ظاهرها العدم؛ لتصريحها بفساد العمرة. لا يقال: إنّ الحجّ مع كونه فاسداً- كما صرّحوا به- يجب إتمامه، فالحكم بالفساد لا ينافي وجوب الإتمام. قلنا: إنّ وصف الحجّ بالفساد إنّما وقع في كلامهم لا في الأخبار كما قدّمنا الإشارة إليه، بل ظاهر الأخبار إنّما هو صحّته ووجوب إتمامه وما


1- وسائل الشيعة 13: 129، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 12، الحديث 4 ..
2- وسائل الشيعة 13: 130، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 13، الحديث 4 ..

ص: 323

أوقعه فيه من الجماع منجبر بالبدنة والإعادة من قابل.

الثانية: أنّه على تقدير القول بوجوب الإكمال، فهل يجب إكمال الحجّ لو كانت العمرة الفاسدة عمرة تمتّع حتّى لو كان الوقت واسعاً واستأنف العمرة وأتى بالحجّ لم يكف؟ وجهان واستوجهه شيخنا الشهيد الثاني وجوب إكمالهما ثمّ قضائهما؛ لما بينهما من الارتباط. وردّه سبطه في «المدارك» بأ نّه ضعيف قال: «لأنّ الارتباط إنّما ثبت بين الصحيح منهما لا الفاسد» وهو جيّد.

الثالثة: لو كان الجماع في العمرة بعد السعي وقبل التقصير لم تفسد العمرة وإن وجبت البدنة وظاهر جملة من الأصحاب شمول هذا الحكم لعمرة التمتّع والمفردة، والمروي في الأخبار الأوّل، ومنها: صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة.

ومنها: صحيحة الحلبي أو حسنته قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت ثمّ بالصفا والمروة وقد تمتّع ثمّ عجّل فقبّل امرأته قبل أن يقصّر من رأسه فقال: «عليه جزور أو بقرة»(1) إلى غير ذلك... ولم نقف في شي ء من الأخبار على مثل ذلك في العمرة المفردة فما ذكروه- رضوان اللَّه عليهم- من العموم لا أعرف له دليلًا.

الرابعة: اعلم أنّ العلّامة في «القواعد» قال: «ولو جامع في إحرام العمرة المفردة أو المتمتّع بها على إشكال قبل السعي عامداً عالماً بالتحريم بطلت عمرته ووجب إكمالها وقضاءها وبدنة».


1- وسائل الشيعة 13: 131، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 13، الحديث 5 ..

ص: 324

وظاهر هذه العبارة حصول الإشكال في إلحاق عمرة التمتّع بالعمرة المفردة في هذا الحكم ووجهه ظاهر ممّا قدّمناه من الأخبار الدالّة على أنّ هذا الحكم في العمرة المفردة كما ذكره الشيخ لا مطلقاً كما هو المشهور عندهم، إلّا أنّه نقل عن الشيخ فخر الدين في شرحه على الكتاب في بيان الإشكال:

أنّ الإشكال إنّما هو في فساد الحجّ بعدها لا في فساد العمرة قال: «ومنشأ الإشكال من دخول العمرة في الحجّ ومن انفراد الحج بالإحرام، ونسب ذلك إلى تقرير والده قال في «المدارك»: «ولا يخفى ضعف الإشكال على هذا التوجيه؛ لأنّ حجّ التمتّع لا يعقل صحّته مع فساد العمرة المتقدّمة عليه» انتهى.

وهو جيّد...

وظاهر العلّامة قدس سره في كتبه اتّحاد العمرتين في الحكم المذكور، كما تقدّم، وكذا غيره من الأصحاب، ولذا قال المحقّق الثاني في شرحه على الكتاب بعد ذكر العبارة: «لا يظهر لهذا الإشكال موضع؛ لأنّ وجوب الأحكام المذكورة مشترك بين عمرة الإفراد والتمتّع وإنّما الذي هو محلّ النظر وجوب إتمامها وإتمام الحجّ ووجوب قضائهما بناءً على أنّ عمرة التمتّع لا تنفرد عن حجّه والشروع فيها شروع فيه والأصح وجوب الأمرين معاً» انتهى وفيه ما عرفت»،(1) واللَّه العالم.


1- الحدائق الناضرة 15: 387- 392 ..

ص: 325

(مسألة 2): لو ارتكب ذلك في إحرام الحجّ عالماً عامداً بطل حجّه إن كان قبل وقوف عرفات بلا إشكال. وإن كان بعده وقبل الوقوف بالمشعر فكذلك على الأقوى. فيجب عليه في الصورتين إتمام العمل والحجّ من قابل، وعليه الكفّارة، وهي بدنة. ولو كان ذلك بعد الوقوف بالمشعر، فإن كان قبل تجاوز النصف من طواف النساء، صحّ حجّه وعليه الكفّارة، وإن كان بعد تجاوزه عنه صحّ ولا كفّارة على الأصحّ.

بيانه- قال السيّد المرتضى قدس سره في «الانتصار»: «وممّا انفردت به الإمامية:

القول بأنّ من وطء عامداً في الفرج قبل الوقوف بالمشعر فعليه بدنة والحجّ من قابل ويجري عندهم مجرى من وطء قبل الوقوف بعرفة وإن وطء بعد الوقوف بالمشعر لم يفسد حجّه وكان عليه بدنة وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك؛ لأنّ أبا حنيفة وأصحابه يقولون: إنّه إن وطء قبل الوقوف بالمشعر لم يفسد حجّه والشافعي يقول: إنّه يفسد غير أنّه يقول: فإن وطء بعد وقوفه بالمشعر وقبل التحليل الأوّل يفسد أيضاً حجّه ونحن لا نقول ذلك، فالانفراد بما ذكرناه صحيح، ودليلنا على ما ذهبنا إليه بعد الإجماع المتردّد: أنّه قد ثبت وجوب الوقوف بالمشعر، وأ نّه ينوب في تمام الحجّ عن الوقوف بعرفة عمّن لا يدركه، وكلّ من قال بذلك أوجب بالجماع قبله فساد الحجّ ولم يفسده بالجماع بعده، فالتفرقة بين الأمرين خلاف إجماع الامّة فإن اعترضوا بما يروونه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «من وقف بعرفة فقد تمّ حجّه»،(1) وفي خبر آخر: «الحجّ عرفة».(2) فالجواب


1- السنن الكبرى، البيهقي 5: 116 ..
2- سنن ابن ماجة 2: 103؛ سنن الترمذي 5: 416؛ سنن النسائي 5: 256 ..

ص: 326

أنّ هذه أخبار آحاد وهي معارضة بما رويتموه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّه قال لعروة بن مضرس بالمزدلفة: «من وقف معنا هذا الموقف وصلّى معنا هذه الصلاة وقد كان قبل ذلك وقف بعرفة ساعة من الليل أو نهاراً، فقد تمّ حجّه»،(1) فشرط في تمام الحجّ الوقوف بالموقفين، ويمكن حمل الخبرين اللذين رووهما على أنّ معظم الحجّ عرفة ومعنى تمّ حجّه قارب التمام، وهذا نظير قوله عليه السلام: «إذا رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة فقد تمّت صلاته»(2) فالتفرقة بين الأمرين خلاف إجماع الإمامية.

وقال في «المختلف»: «قال المفيد: إذا سعى بين الصفا والمروة ستّة أشواط، وظنّ أنّها سبعة، فقصّر وجامع لزمه دم بقرة ويسعى شوطاً آخر، فإن لم يجامع النساء سعى شوطاً ولا شي ء عليه، وقال الشيخ في «النهاية» في باب كفّارات الإحرام: «ومتى طاف من طواف الزيارة شيئاً، ثمّ واقع أهله قبل أن يتمّه كان عليه بدنة وإعادة الطواف، وإن كان قد تمّ الطواف وسعى من سعيه شيئاً، ثمّ جامع كان عليه الكفارة، ويبنى على ما سعى، وإن كان قد انصرف من السعي ظنّاً منه أنّه يتمّه، ثمّ جامع لم يلزمه الكفارة وكان عليه تمام السعي»، وكذا قال في «المبسوط» وزاد: «لأنّ هذا في حكم الناسي»، وقال في باب السعي: «من سعى أقلّ من سبع مرّات ناسياً وانصرف، ثمّ ذكر أنّه نقصه منه شيئاً رجع فتمّ ما نقص منه، فإن لم يعلم كم نقص منه وجب عليه إعادة السعي، وإن كان قد واقع أهله قبل إتمامه السعي وجب عليه


1- سنن النسائي 5: 263؛ السنن الكبرى، البيهقي 5: 116 ..
2- الانتصار: 243- 244 ..

ص: 327

دم بقرة، وكذلك إن قصّر أو قلّم أظفاره كان عليه دم بقرة وإتمام ما نقص من السعي»...، قال الشيخ: «إذا طاف من طواف النساء شيئاً بعد قضاء مناسكه، ثمّ جامع، فإن كان قد طاف منه أكثر من النصف بنى عليه بعد الغسل ولم يلزمه الكفّارة، وإن كان أقلّ من النصف كان عليه الكفارة وإعادة الطواف»، قال ابن إدريس: «أمّا اعتبار النصف في صحّة الطواف والبناء عليه فيمن يصحّ وأمّا سقوط الكفارة ففيه نظر؛ لأنّ الإجماع حاصل على أنّ من جامع قبل طواف النساء وجبت الكفارة وهذا جامع قبل طواف النساء. والاحتياط يقتضي إيجاب الكفارة.

والشيخ قدس سره عوّل على رواية حمران بن أعين(1) ثمّ قال: وإن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثمّ خرج فغشي فقد أفسد حجّه وعليه بدنة ويغتسل ثمّ يعود فيطوف اسبوعاً؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة، ولأ نّه مع تجاوز النصف يكون قد أتى بالأكثر، فيكون حكمه حكم من أتى بالجميع قال العلّامة رحمه الله وقول الشيخ عندي هو المعتمد إلى آخره».(2) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 13: 126، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 11، الحديث 1 ..
2- مختلف الشيعة 4: 176- 178، المسألة 134 و 135 ..

ص: 328

الثالث: إيقاع العقد لنفسه أو لغيره ولو كان محلًاّ، وشهادة العقد وإقامتها عليه على الأحوط ولو تحمّلها محلًاّ؛ وإن لا يبعد جوازها، ولو عقد لنفسه في حال الإحرام حرمت عليه دائماً مع علمه بالحكم، ولو جهله فالعقد باطل، لكن لا تحرم عليه دائماً، والأحوط ذلك، سيّما مع المقاربة.

عقد النكاح

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: قال الإمامية والشافعية والمالكية والحنابلة: لا يجوز للمحرم أن يعقد الزواج لنفسه ولا لغيره ولا أن يوكّل فيه، ولو فعل لم ينعقد. وقال الإمامية: وكذا لا يجوز له أن يشهد عليه.

وقال أبو حنيفة: بل يجوز عقد الزواج ويقع صحيحاً، وقال الحنفية والمالكية والشافعية والإمامية: يجوز للمحرم مراجعة زوجته المطلّقة في عدّتها. وقال الحنابلة: لا يجوز، وقال الإمامية: إذا أجرى المحرم عقد الزواج وهو عالم بالتحريم حرمت عليه المرأة أبداً بمجرّد العقد وإن لم يدخل. أمّا إذا كان جاهلًا بالتحريم فلا تحرم عليه وإن دخل».(1)

قال السيّد في «الانتصار»: «وممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ من تزوّج امرأة وهو محرم عالماً بأنّ ذلك محرّم عليه بطل نكاحه ولم تحلّ له المرأة أبداً، وهذا لم يوافق فيه أحد من الفقهاء، ولأنّ الشافعي ومالك وإن أبطلا نكاح المحرم، وجوّز ذلك أبو حنيفة، فإنّهما لا يقولان: إنّه إذا فعل ذلك على بعض الوجوه حرمت عليه المرأة أبداً.


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 218 ..

ص: 329

دليلنا: الإجماع المتردّد.

ويمكن أن نقول: الشافعي ومالك الموافقين لنا في تحريم نكاح المحرم إذا ثبت فساد نكاح المحرم باتّفاق بيننا وثبت أنّ ما صحّ فساده أو صحّته في أحكام الشريعة لا يجوز تغيير أحواله باجتهاد أو استفتاء مجتهد؛ لأنّ الدليل قد دلّ عندنا على فساد الاجتهاد الذي يعنونه في الشريعة، فلم يبق إلّاأنّ الفاسد يكون أبداً كذلك، والصحيح يكون على كلّ حال كذلك وإذا ثبت هذه الجملة وجدنا كلّ من قال من الامّة أنّ نكاح المحرم أو إنكاحه فاسد على كلّ وجه ومن كلّ أحد يذهب إلى ما فصّلناه من أنّه إذا فعل ذلك عالماً بطل نكاحه ولم تحلّ له المرأة أبداً؛ لأنّ احداً من الامّة لم يفرّق بين الموضعين والفرق بينهما خروج عن إجماع الامّة فإن عارضونا بما يروونه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم «أ نّه نكح ميمونة وهو محرم»؛(1) فإنّه خبر واحد وتعارضه أخبار كثيرة رووها «أ نّه تزوّجها وهو حلال».(2) وقيل: يمكن أن يتناول خبر ميمونة عن ابن عبّاس رضى الله عنه كان يرى أنّ من قلّد الهدي كان محرماً فلمّا رآه قلّد الهدي اعتقد أنّه محرم وأيضاً فيحتمل أن يكون أراد أنّه تزوّجها في الشهر الحرام والعرب تسمّي من كان في الشهر الحرام بأ نّه محرم. واستشهدوا بقول الشاعر:

قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً جهراً(3)

قوله رحمه الله و «إقامتها». لقوله تعالى: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا(4)


1- سنن النسائي 5: 191؛ السنن الكبرى، البيهقي 5: 66 ..
2- السنن الكبرى، البيهقي 5: 66 و 7: 210 ..
3- الانتصار: 246- 247 ..
4- البقرة( 2): 282 ..

ص: 330

ينشأ من إطلاق الأصحاب منع الشهادة عليه، ولأ نّه إخبار لا إنشاء والإخبار إذا كان صدقاً ولم يشتمل على ضرر لم يجز تحريمه، ولأ نّه أولى بالإباحة من الرجعة؛ فإنّ الرجعة إيجاد النكاح في الخارج والشهادة إيجاد ذهني وإثبات حكمي، فإذا جاز الوجود الخارجي فالوجود الذهني والثبوت الحكمي أولى ولأنّ تركها مظنّة للزنا والضرر على الغير، فيكون من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك واجب قال المصنّف في الدرس: المقصود من كلام الأصحاب تحريم إقامة الشهادة على عقد وقع بين محرم ومحلّ أو بين محرمين.

وفي قواعد العلّامة رحمه الله: ويقدّم إنكار إيقاع العقد حال الإحرام على ادّعائه فإن كان المنكر المرأة، فالأقرب وجوب المهر كملًا، ويلزمها توابع الزوجية وبالعكس ليس لها المطالبة مع عدم القبض ولا له المطالبة معه. ولو وكّل محرم محلًا، فأوقع العقد فيه بطل وبعده يصحّ ويجوز الرجعة المرجعية وشراء الإماء، وإن قصد التسرّي ومفارقة النساء، ويكره للمحرم الخطبة، وإن كانت المرأة محرمة، والرجل محلّاً، فالحكم كما تقدّم.

قال ابنه- رضوان اللَّه تعالى عليه- في شرحه «إيضاح الفواعد» على أبيه:

«أقول: إذا ادّعى الزوج وقوع العقد حالة الإحرام فانكرت المرأة، فالقول قولها مع اليمين وعدم البيّنة، فإذا حلفت هل يجب لها كلّ المهر أو نصفه؟ اختار شيخنا وجوب الكلّ؛ لوجود المقتضي وهو العقد، وهو الأقوى عندي، وذهب الشيخ والمفيد إلى وجوب النصف وسقوط النصف؛ لأنّه حرم عليه نكاحها باعترافها قبل الدخول، فيجب نصف المهر، كالطلاق.

ومبنى هذه المسألة أنّ المهر هل يجب بالعقد، وإنّما يشطر بالطلاق كاختيار

ص: 331

شيخنا أو به أو بالفسخ قبل الدخول، كاختيار الشيخ أو يجب النصف بالعقد والنصف الآخر بالدخول أو الموت، كاختيار المفيد؟ فمع الثاني والثالث يجب النصف، وعلى الأوّل يجب الكلّ، واحتجّ الشيخ بأنّ الأصل براءة الذمّة، وفيه نظر؛ لأنّ الأصل إنّما يكون حجّة إذا لم يثبت خلافه. والزوج قد ثبت في ذمّته المهر، فلا يصحّ الاستدلال بأصل البراءة هنا، وأمّا على قول المفيد فيصحّ الاستدلال بأصل البراءة هنا».(1)

وقال في «الحدائق»: «قد صرّح جملة من الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- بأ نّه لو عقد محرم أو محلّ لمحرم على امرأة فدخل المحرم بها فعلى كلّ واحد منهما كفّارة واحترزوا بقيد الدخول عمّا لم يدخل، فإنّه ليس إلّاالإثم؛ للأصل، وعدم النصّ على ما سواه، ولم أقف في هذه المسألة، إلّاعلى رواية سماعة، وهي ما رواه الشيخ عنه في الموثّق عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوّج محرماً وهو يعلم أنّه لا يحلّ له» قلت: فإن فعل فدخل بها المحرم، قال: «إن كانا عالمين، فإنّ على كلّ واحد منهما بدنة وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة وإن لم تكن محرمة فلا شي ء عليها إلّاأن تكون قد علمت أنّ الذي تزوّجها محرم، فإن كانت علمت ثمّ تزوّجته فعليها بدنة»(2) ومقتضى الرواية لزوم البدنة للمرأة المحلّة مع العلم بإحرام الزوج وبه أفتى الشيخ وجماعة من الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- وقال في «الدروس»: «لو عقد لمحرم على امرأة فدخل فعلى كلّ واحد كفّارة وإن كان بعاقد محلّاً ولو كانت المرأة محلّة فلا شي ء عليها» انتهى.


1- إيضاح الفوائد 1: 292- 293 ..
2- وسائل الشيعة 12: 438، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 14، الحديث 10 ..

ص: 332

وظاهره عدم الكفّارة علمت أو لم تعلم، وفيه طرح للرواية في أحد الحكمين والعمل بها في الحكم الآخر والفرض أنّه ليس غيرها في المسألة وهو تحكّم....

وأمّا ما ذكره في «المدارك»- من أنّ المطابق للُاصول هو إطراح الرواية المذكورة لنصّ الشيخ على أنّ راويها وهو سماعة واقفي، فلا تعويل على روايته، فإنّ الظاهر أنّ منشأه من حيث إيجاب البدنة على العاقد المحلّ والمرأة المحلّة العالمة كما تضمّنته الرواية، وأنّ مقتضى الاصول بزعمه ترتّب الإثم خاصّة دون الكفّارة، والمشهور بالنسبة إلى الأوّل وبه جزم العلّامة في جملة من كتبه والشهيد في «الدروس» وغيرهما هو وجوب البدنة ونسبه المحقّق في «الشرائع» إلى الرواية المذكورة إيذاناً بالتوقّف فيه.

وفي «المنتهى»: «وفي سماعة قول وعندي في هذه الرواية توقّف»، وهو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في «المسالك» أيضاً، وأمّا بالنسبة إلى الثاني فكذلك، وقد عرفت ما في كلام «الدروس» من المخالفة قال في «المسالك»: «وذهب جماعة إلى عدم وجوب شي ء على المحلّ مطلقاً؛ سوى الإثم للأصل وضعف المستند أو بحمله على الاستحباب». والتحقيق أنّ الرواية لا معارض لها من الأخبار في المقام فإطراحها بمجرّد ذلك ومع تسليم ما ذكروه فتخصيص العامّ وتقييد المطلق شائع في الأحكام،(1) واللَّه العالم.


1- الحدائق الناضرة 15: 397- 399 ..

ص: 333

(مسألة 6): تجوز الخطبة في حال الإحرام، والأحوط تركها. ويجوز الرجوع في الطلاق الرجعي.

بيانه- قال في «الجواهر»: «وتكره للمحرم الخطبة كما في «القواعد» ومحكيّ «المبسوط» و «الوسيلة» للنهي عنه في النبوي: «لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يشهد ولا يخطب»(1) والمرسل السابق المحمول عليها بعد القصور من إثبات الحرمة مؤيّداً بأ نّها تدعو إلى المحرم كالصرف الداعي إلى الربا فما عن ظاهر أبي علي من الحرمة واضح الضعف، بل الظاهر عدم الفرق في الكراهة بين كونها لنفسه أو لغيره من المحلّين؛ لإطلاق الخبرين هذا، فلا إشكال ولا خلاف في أنّه يجوز للمحرم حال إحرامه مراجعة المطلّقة الرجعية المحرمة فضلًا عن غيرها وشراء الإماء في حال الإحرام بلا خلاف كما عن «التذكرة» و «المنتهى» الاعتراف به، بل ولا إشكال بعد عدم تناول النهي المزبور لمثله، فيبقى على الأصل والعموم الذي منه قوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ(2) من غير فرق بين المطلّقة تبرّعاً والتي رجعت ببذلها، مضافاً إلى خبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام: «المحرم يطلّق ولا يتزوّج»(3) وخبر حمّاد بن عثمان عنه أيضاً:

سألته عن المحرم يطلّق قال: «نعم»،(4) وصحيح سعد بن سعد عن أبي الحسن


1- صحيح مسلم 4: 136؛ السنن الكبرى، البيهقي 5: 65، لكن ليس في شي ء من المصادر« ولا يشهد» ..
2- البقرة( 2): 228 ..
3- وسائل الشيعة 12: 441، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 17، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 12: 442، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 17، الحديث 2 ..

ص: 334

(مسألة 7): لو عقد محلًاّ على امرأة محرمة فالأحوط ترك الوقاع ونحوه، ومفارقتها بطلاق. ولو كان عالماً بالحكم طلّقها، ولا ينكحها أبداً.

الرضا عليه السلام: سألته عن المحرم يشتري الجواري ويبيع قال: «نعم»(1) وغيره... بل الظاهر صحّة الشراء وان قصد المباشرة حاله حين الإحرام، وإن أثم بالقصد المزبور، لكنّه لا يقتضي فساد العقد وإن احتمله في «التذكرة»؛ لحرمة الغرض الذي وقع العقد له كمن اشترى العنب لاتّخاذه خمراً، لكن فيه أنّه إن تمّ ففيما إذا شرط ذلك في متن العقد لا في الفرض الذي لم يكن الشراء منهياً عنه بخصوصه ولا علّة في المحرم؛ أعني المباشرة، فلا يكون تحريمها مستلزماً لتحريمه، كما هو واضح، ويجوز له مفارقة النساء بالطلاق والفسخ أو غيرهما بلا خلاف ولا إشكال؛ للأصل ومحكيّ الإجماع».(2)

بيانه- قال في «الجواهر»: «والظاهر ثبوت الأحكام المزبورة للمرأة المحرمة، كالرجل؛ ضرورة عدم كونه من خواصّ الرجل، بل لا يبعد إرادة الجنس من المحرم في نحو قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا ينكح ولا ينكح».(3)

قال في «المنتهى»: «لا يجوز للمحرم أن يزوّج ولا يتزوّج ولا يكون وليّاً في النكاح ولا وكيلًا فيه؛ سواء كان رجلًا أو امرأة، وذهب إليه علمائنا أجمع، وبه قال علي عليه السلام.

وفي «القواعد» وكشفها ولو كانت المرأة محرمة والرجل محلّاً، فالحكم كما


1- وسائل الشيعة 12: 441، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 16، الحديث 1 ..
2- جواهر الكلام 18: 316 ..
3- تهذيب الأحكام 5: 330/ 1136 ..

ص: 335

(مسألة 8): لو عقد لمحرم فدخل بها فمع علمهم بالحكم فعلى كلّ واحد منهم كفّارة، وهي بدنة، ولو لم يدخل بها فلا كفّارة على واحد منهم. ولا فرق فيما ذكر بين كون العاقد والمرأة محلّين أو محرمين، ولو علم بعضهم الحكم دون بعض يكفّر العالم عن نفسه دون الجاهل.

تقدّم من حرمة نكاحها وتلذّذها بزوجها؛ تقبيلًا أو لمساً أو نظراً أو تمكيناً له من وطئها وكراهة خطبتها وجواز رجعتها وشرائها ومفارقتها، بل في الأخير الاتّفاق على ذلك، مضافاً إلى عموم الأدلّة الصالح لتناول مثل ذلك، أمّا غيره فالعمدة فيه الإجماع المزبور، وما يستفاد من الأدلّة؛ من حرمة الاستمتاع للمحرم رجلًا وامرأة وحرمة مباشرة عقد النكاح له ولغيره، وإلّا فقاعدة الاشتراك لا تأتي في مثل ما ورد من النهي عن تقبيل الرجل امرأته ولا دليله شامل للمرأة، فليس حينئذٍ إلّاما عرفت، فيثبت عدم جواز تقبيلها لزوجها مثلًا وهي محرمة».(1) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «شرح اللمعة»: «ولو عقد المحرم أو المحلّ لمحرم على امرأة فدخل، فعلى كلّ منهما؛ أي من العاقد والمحرم المعقود له بدنة والحكم بذلك مشهور، بل كثير منهم لا ينقل فيه خلافاً، ومستنده رواية سماعة.(2) وموضع الشكّ وجوبها على العاقد المحلّ وتضمّنت أيضاً وجوب الكفّارة على المرأة المحلّة مع علمها بإحرام الزوج، وفيه إشكال، لكن هنا قطع المصنّف في


1- جواهر الكلام 18: 317 ..
2- وسائل الشيعة 13: 142، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 21، الحديث 1 ..

ص: 336

الرابع: الاستمناء بيده أو غيرها بأيّة وسيلة؛ فإن أمنى فعليه بدنة، والأحوط بطلان ما يوجب الجماع بطلانه على نحو ما مرّ.

«الدروس» بعدم الوجوب عليها وفي الفرق نظر.

وذهب جماعة إلى عدم وجوب شي ء على المحلّ فيهما سوى الإثم؛ استناداً إلى الأصل وضعف مستند الوجوب، أو بحمله على الاستحباب والعمل بالمشهور أحوط. نعم، لو كان الثلاثة محرمين وجبت على الجميع، ولو كان العاقد والمرأة محرمين خاصّة وجبت الكفّارة على المرأة مع الدخول، والعلم بسببه لا بسبب العقد، وفي وجوبها على العاقد الإشكال وكذا الزوج».(1)

الاستمناء

بيانه- قال في «الحدائق»: «الظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- في وجوب البدنة بالاستمناء وهو استدعاء المنيّ وطلبه بالعبث بذكره- بيده أو ملاعبة غيره- مع حصوله وإنّما الخلاف في كونه مفسداً للحجّ؛ إذا وقع قبل المشعر ووجوب القضاء به، فذهب الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» إلى ذلك، ونقله في «المختلف» أيضاً عن ابن البرّاج وابن حمزة، إلّا أنّ المنقول عن الشيخ إنّما هو التعبير بأنّ: «من عبث بذكره حتّى أمنى كان حكمه حكم من جامع على السواء في اعتبار ذلك قبل الوقوف بالمشعر في أنّه يلزمه الحجّ من قابل، وإن كان بعد ذلك لم يكن عليه غير الكفّارة شي ء» انتهى.

ونقل عن أبي الصلاح: أنّ في الاستمناء بدنة قال: «وكذا ابن إدريس دون


1- الروضة البهيّة 1: 573 ..

ص: 337

الفساد. ونقل ابن إدريس هذا القول الذي ذهب إليه عن الشيخ في «الخلاف» و «الاستبصار».

واختار في «المختلف» الأوّل، واستدلّ عليه بما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار في الموثّق عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى قال: «أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم: بدنة والحجّ من قابل».(1)

وصحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعبث بأهله وهو محرم حتّى يمني من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما؟ قال: «عليهما جميعاً الكفّارة مثل ما على الذي يجامع».(2)

وبموثّقة إسحاق استدلّ أيضاً الشيخ في «التهذيب».

وأجاب عنها في «المدارك»: بأ نّها قاصرة. ومن حيث السند بأنّ راويها وهو إسحاق بن عمّار فطحي ومن حيث المتن بأ نّها لا تدلّ على ترتّب البدنة والقضاء على مطلق الاستمناء، بل على هذا الفعل المخصوص.... وأجاب أيضاً في «المدارك» عن استدلال العلّامة بصحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج بأ نّه لا دلالة لهذه الرواية على وجوب القضاء بوجه... وظاهر «الدروس» الميل إلى العمل بالرواية المذكورة، حيث قال: وروى إسحاق بن عمّار المتقدّمة الحجّ ثانياً إذا أمنى بعبثه بالذكر ولم نقف على معارض لها(3) انتهى.


1- وسائل الشيعة 13: 132، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 15، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 131، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 14، الحديث 1 ..
3- الحدائق الناضرة 15: 393- 395 ..

ص: 338

الخامس: الطيب بأنواعه حتّى الكافور؛ صبغاً وإطلاءً وبخوراً على بدنه أو لباسه، ولا يجوز لبس ما فيه رائحته، ولا أكلُ ما فيه الطيب كالزعفران والأقوى عدم حرمة الزنجبيل والدارصيني، والأحوط الاجتناب.

وقال في «شرح اللمعة»: «ولو أمنى بالاستمناء أو بغيره من الأسباب التي تصدر عنه فبدنة؛ وهل يفسد به الحجّ مع تعمّده والعلم بتحريمه؟ قيل: نعم، وهو المروي من غير معارض. وينبغي تقييده بموضع يفسده الجماع ويستثنى من الأسباب التي عمّمها ما تقدّم من المواضع التي لا توجب البدنة بالإمناء وهي كثيرة».(1)

استعمال الطيب

بيانه- قال في «المهذّب البارع»: «قال طاب ثراه: والطيب وقيل: لا يحرم إلّا أربعة المسك والعنبر والزعفران والورس. وأضاف في الخلاف العود والكافور أقول: للشيخ في الطيب ثلاثة أقوال:

أ- إنّه الأربعة المحكية أوّلًا، وهو قوله في «التهذيب».

ب- إنّه ستّة بإضافة الكافور والعود إليها، وهو قوله في «الخلاف» و «النهاية» وبه قال ابن حمزة.

ج- انّه يحرم على العموم، وهو قوله في «المبسوط» و «الاقتصاد» وبه قال الحسن والسيّد والمفيد وتلميذه والتقي وابن إدريس والصدوق في «المقنع» واختاره المصنّف والعلّامة.


1- الروضة البهيّة 1: 573 ..

ص: 339

تنبيه

الطيب ما تطيب رائحته ويتّخذ الشمّ كالمسك والعنبر والعود، والمناط أن يكون معظم الغرض منه التطيّب أو يظهر فيه هذا الغرض كدهن البنفسج والورد والزعفران والورس بفتح الواو وسكون الراء، وهو نبت أحمر قاني يوجد على قشور شجر ينحت منها ويجتمع وهو يشبه الزعفران المسحوق يجلب من اليمن طيب الريح.

إذا عرفت هذا فما طابت ريحه وقصد شمّه إمّا نبات أو غيره، والثاني كالمسك والعنبر والأوّل ينقسم خمسة أقسام:

أ ما لا ينبت للطيب ولا يتّخذ منه كنبات الصحراء من الشيح والقيصوم والخزامي والإذخر والدار صيني والمصطكي والزنجبيل والسّعد. وهذا كلّه لا يتعلق به كفّارة، وقال أبو علي: هو مباح ما لم يعتمد إليه ويحتدّ به بنفسه.

والمعتمد الأوّل؛ لصحيحة معاوية به عمّار عن الصادق عليه السلام قال: «لا بأس أن تشمّ الإذخر والقيصوم والخزامي والشيح وأشباهه وأنت محرم».(1)

ب- ما ينبته الآدميون كالتفّاح والاترج والسفرجل والنارنج والليمو وهذا كلّه ليس بمحرّم ولا يتعلّق به كفّارة إجماعاً وكذا العصفر والحنّاء لما رواه عمّار عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن المحرم أيأكل الاترج؟ قال: «نعم»، قلت: فإنّ رائحته طيّبة فقال: «إنّ الاترج طعام ليس هو من الطيب».(2)

وسأل عبداللَّه بن سنان عن الصادق عليه السلام عن الحنّاء فقال: «إنّ المحرم ليمسّه


1- وسائل الشيعة 12: 453، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 25، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 455، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 26، الحديث 2 ..

ص: 340

ويداوي به بعيره وما هو بطيب وما به بأس».(1)

ج- ما ينبته الآدميون للطيب لكن لا يتّخذ منه طيب كالريحان الفارسي والمرزنجوش والنرجس والبرم.

قال الشيخ رحمه الله فهذا لا يتعلّق به كفّارة ويكره استعماله، وبه قال ابن إدريس وهو ظاهر العلّامة في «التذكرة» ومنع منه المفيد وهو مذهب العلّامة في «المختلف»....

د- ما يقصد شمّه ويتّخذ منه الطيب كالياسمين والورد والنيلوفر قال العلّامة:

«والظاهر أنّ هذا يحرم شمّه ويحسب فيه الفدية» قال المصنّف في «الشرائع»:

«ولا بأس بالفواكه كالأترج والتفّاح والرياحين كالورد النيلوفر».

ه- وما يطلب للطيب وهو المقصود منه غالباً يحرم شمّه ويجب به الفدية وإن استعمل في الصبغ والتداوي كالزعفران والورس وما يطلب للأكل والتداوي غالباً لا تحرم كالقرنفل والجوزة.

قال العلّامة: «والسنبل وفيه نظر؛ إذ الغالب اتّخاذ السنبل للطيب، والأكل نادر وكذا سائر الأبازير الطيبة كالزنجبيل والدارصيني، وكذا ما يطلب للصبغ لا يحرم وإن طابت ريحه كالعصفر لما رووه: «أنّ أزواج النبي صلى الله عليه و آله و سلم كنّ يحرمن في العصفرات»(2) انتهى كلامه.


1- وسائل الشيعة 12: 451، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 23، الحديث 1 ..
2- المهذّب البارع 2: 174- 178 ..

ص: 341

(مسألة 11): لا يجب الاجتناب عن الفواكه الطيّبة الريح، كالتفّاح والاترجّ أكلًا واستشماماً؛ وإن كان الأحوط ترك استشمامه.

بيانه- قال في «الحدائق»: قسّم العلّامة النبات الطيب تبعاً للشيخ قدس سره إلى ثلاثة أقسام: الأوّل ما لا ينبت للطيب ولا يتّخذ منه كنبات الصحراء من الشيح والقيصوم والخزامي والأذخر والدارجينى والمصطكي والزنجبيل والسعد وحبق الماء والفواكح كالتفاح والسفرجل والنارنج والاترج قال: وهذا كلّه ليس بمحرّم ولا تتعلّق به كفّارة إجماعاً وكذا ما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر.

الثاني: ما ينبته الآدميون للطيب ولا يتّخذ منه طيب كالريحان الفارسي والمرزنجوش والنرجس والبرم. قال الشيخ فهذا لا تتعلّق به كفّارة ويكره استعماله.

الثالث: ما يقصد به شمّه ويتّخذ منه الطيب كالياسمين والورد والنيلوفر.

والظاهر أنّه يحرم شمّه وتجب فيه الفدية،... «والذي وقفت عليه من الأخبار الجارية في هذا المضمار ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «لا بأس أن تشمّ الأذخر والقيصوم والخزامي والشيح وأشباهه وأنت محرم».(1) ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمّار مثله.

وروى الكليني في الصحيح عن علي بن مهزيار قال: سألت ابن أبي عمير عن التفّاح والاترج والنبق وما طاب ريحه قال: «تمسك عن شمّه


1- وسائل الشيعة 12: 453، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 25، الحديث 1 ..

ص: 342

وتأكله»(1) ورواه في «الفقيه» مثله.

وفي «الكافي» عن عمّار بن موسى في الموثّق عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال:

سألته عن المحرم يأكل الأترج قال: «نعم»، قلت: له رائحة طيبة قال: «الاترج طعام ليس هو من الطيب».(2)

وما رواه الكليني قدس سره في الصحيح عن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن الحناء فقال: «إنّ المحرم ليمسّه ويداوي به بغيره وما هو بطيب وما به بأس»(3) ورواه الصدوق بإسناده عن عبداللَّه بن سنان مثله.

وما رواه الكليني في الصحيح عن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا تمسّ ريحاناً وأنت محرم ولا شيئاً فيه زعفران ولا تطعم طعاماً فيه زعفران».(4)

وظاهر المحدّث الخبير الشيخ محمّد بن حسن الحرّ العاملي في «الوسائل» تقييد جواز أكل الفواكه بالحاجة إليه وأ نّه يمسك على أنفه. والظاهر أنّ منشأ ما يظهر من الشيخ في «التهذيب» من تحريم شمّ التفّاح وأ نّه إذا أكله عند الحاجة أمسك على أنفه، مستدلًا عليه برواية ابن أبي عمير(5).

وأجاب عن رواية عمّار بأ نّه عليه السلام أباح أكله، ولم يقل: إنّه يجوز له شمّه، والخبر الأوّل مفصّل فالعمل به أولى. وفيه: أنّ الروايات قد صرّحت بجواز أكل هذه الأشياء وما أشبهها مطلقاً، فالتقييد بالحاجة كما ادّعياه يحتاج إلى دليل،


1- وسائل الشيعة 12: 455، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 26، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 455، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 26، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 12: 451، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 23، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 12: 443، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 18، الحديث 3 ..
5- وسائل الشيعة 12: 443، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 18، الحديث 5 ..

ص: 343

(مسألة 12): يستثنى ما يستشمّ من العطر في سوق العطّارين بين الصفا والمروة، فيجوز ذلك.

وموثّقة عمّار صرّحت مع جواز أكله بأ نّه طعام ليس بطيب ومقتضاه عدم وجوب الإمساك عن شمّه ويعضده تجويز أكله، فإنّ الظاهر من روايات الطيب ترتّب التحريم أكلًا وشمّاً على ما يدخل تحت الطيب للمحرم وأ نّهما متلازمان، فكلّ ما حرم شمّه حرم أكله وبالعكس، كما لا يخفى، وبالجملة فالمختار هو الجواز كما ذكره الشيخ والعلّامة وغيرهما».(1)

بيانه- قال في «الجواهر»: «وحسن الحلبي: «المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة ولا يمسك على أنفه من الريح الخبيثة»(2) ونحوه في صحيح هشام مع زيادة: «لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا والمروة من ريح العطّارين ولا يمسك على أنفه»(3).(4)

وفي «الحدائق»: «قال في صحيحة هشام بن الحكم، كما تقدّم، فإنّه إذا جاز الشمّ الرائحة الطيبة بين الصفا والمروة من ريح العطّارين فريح خلوق الكعبة أولى بالجواز، والخلوق كصبور ضرب من الطيب، كما ذكره في «الصحاح» و «القاموس».

وفي «النهاية» الأثيرية: «الخلوق طيب معروف مركّب يتّخذ من الزعفران


1- الحدائق الناضرة 15: 410- 413 ..
2- وسائل الشيعة 12: 452، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 24، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 12: 448، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 20، الحديث 1 ..
4- جواهر الكلام 18: 318- 319 ..

ص: 344

(مسألة 13): لو اضطرّ إلى لبس ما فيه الطيب أو أكله أو شربه يجب إمساك أنفه. ولا يجوز إمساك أنفه من الرائحة الخبيثة. نعم، يجوز الفرار منها والتنحّي عنها.

وغيره؛ من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة».

بقي الكلام في ما لو طيبت الكعبة الخلوق المذكور، وبالجواز صرّح جمع من الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- منهم: الشيخ والعلّامة وقال في «الدروس»: قال الشيخ: لو دخل الكعبة وهي تجمر أو تطيب لم يكره له الشمّ. وبمثل ذلك صرّح العلّامة وظاهر «المدارك» الميل إليه، واستدلّ عليه بفحوى صحيحة هشام بن حكم وهو غير بعيد وإن نسبه في الذخيرة إلى أنّه ضعيف والاحتياط العدم».

انتهى.

بيانه- لو اضطرّ المحرم إلى لبس الطيب أو أكل ما فيه طيب قبض على أنفه وجوباً؛ لأنّ الإضطرار إلى أحدهما لا يبيح الآخر مع حرمة الجميع، فيقتصر على الضرورة إلّاأن يعسر ويشقّ القبض على الأنف؛ فإنّه يجوز له الشمّ أيضاً.

أمّا جواز الأكل فدليل إباحته أنّ الضرورات تبيح المحظورات كما هو مسلّم بينهم في جميع الأحكام وأمّا وجوب الإمساك مع الإمكان فتدلّ عليه روايات.

منها: صحيحة الحلبي ومحمّد بن مسلم عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة ولا يمسك على أنفه من الريح الخبيثة»، ونحوها جملة من الأخبار.

ص: 345

وأمّا عدم وجوب مع المشقّة والحرج بذلك فيدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر وكانت عرضت له ريح في وجهه من علّة إصابته وهو محرم قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام أنّ الطبيب الذي يعالجني وصف لي سعوطاً فيه مسك فقال: «استعط به».(1)

وعن إسماعيل في الصحيح عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن السعوط للمحرم وفيه طيب فقال: «لا بأس».(2) وهو محمول على الضرورة كما تقدّم في سابقه، وعلى ذلك حمله الشيخ رحمه الله ولو استهلك الطيب في المأكول أو الممسوس؛ بحيث زالت أوصافه عن ريحه وطعمه ولونه، فالظاهر أنّه لا يحرم مباشرته وأكله، وبذلك صرّح العلّامة في «التذكرة» ويعضده ما رواه عمران الحلبي في الصحيح: يكون به الجرح فيتداوي بدواء فيه زعفران قال: «إن كان الغالب على الدواء فلا وإن كانت الأدوية الغالبة عليه فلا بأس».(3)

والظاهر أنّ الاعتبار بالرائحة خاصّة دون سائر الأوصاف للنهي عن التلذّذ بالرائحة الطيبة.

بقي الكلام في أنّ ظاهر هذه الرواية ينافي ما تقدّم من روايات إسماعيل بن جابر، ويمكن الجمع إمّا بتخصيص إطلاق تلك الروايات بما دلّت عليه هذه الرواية من التفصيل، والظاهر بعده أو حمل هذه الرواية على عدم الضرورة التامّة ولعلّه الأقرب، واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 12: 447، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 19، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 447، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 19، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 12: 527، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 69، الحديث 3 ..

ص: 346

(مسألة 14): لا بأس ببيع الطيب وشرائه والنظر إليه، لكن يجب الاحتراز عن استشمامه.

بيانه- قال في «الجواهر»: «لا إشكال في جواز اجتياز المحرم في موضع يباع فيه الطيب مثلًا، أو يجلس عند متطيّب إذا لم يكتسب جسده ولا ثوبه من ريحه وكان قابضاً على أنفه، كما صرّح به غير واحد؛ للأصل بعد عدم صدق عنوان النهي من المسّ والأكل والاستعمال وفي صحيح ابن بزيع: «رأيت أبا الحسن عليه السلام كشف بين يديه طيب لينظر إليه وهو محرم فأمسك بيده على أنفه من رائحته»(1) وحينئذٍ فلا بأس ببيعه وشرائه وغيرهما؛ ممّا لا يندرج في عنوان النهي. نعم، يجب الامتناع عن شمّه بقبض الأنف ونحوه لحرمة ذلك عليه.

وللخبر المزبور المعتضد بالأمر في النصوص السابقة عن الرائحة الطيبة خلافاً للمحكيّ عن ظاهر «المبسوط» و «الاستبصار» و «السرائر» و «الجامع» فلا يجب؛ للأصل بعد منع اندراج إصابة الرائحة في الطريق في موضوع النهي بخلاف الشمّ والمباشرة والأكل المؤدّين له ولما سمعته، من خبر هشام بن حكم: «لا بأس بالريح الطيبة» إلى آخره، وهو كماترى؛ ضرورة انقطاع الأصل بما عرفت واختصاص الخبر المزبور في المكان المخصوص؛ للضرورة أو غيرها، بل لعلّ تعمّد الاجتياز في الطريق المزبور مثلًا كالمباشرة والتناول وغيرهما المؤدّى إلى الشمّ. هذا كلّه في الرائحة الطيّبة.

أمّا الرائحة الكريهة فالمشهور حرمة إمساك الأنف عن شمّها، بل عن ابن


1- وسائل الشيعة 12: 442، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 18، الحديث 1 ..

ص: 347

(مسألة 15): كفّارة استعمال الطيب شاة على الأحوط، ولو تكرّر منه الاستعمال فإن تخلّل بين الاستعمالين، الكفّارة تكرّرت، وإلّا فإن تكرّر في أوقات مختلفة فالأحوط الكفّارة، وإن تكرّر في وقت واحد لا يبعد كفاية الكفّارة الواحدة.

زهرة نفي الخلاف فيه؛ للنهي عنه فيما سمعته من النصوص المعتبرة التي منها:

صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام: «المحرم إذا مرّ على جيفة فلا يمسك على أنفه»(1) فلا وجه للمناقشة باحتمال نفي الوجوب في مقابل ريحة الطيّب بعد ما سمعته من نفي الخلاف والشهرة»،(2) واللَّه العالم.

بيانه- وفي «الفقه على المذاهب الخمسة»: «اتّفقوا على أنّ كلّ محرم رجلًا كان أو امرأة يحرم عليه الطيب؛ شمّاً وتطيّباً وأكلًا وأنّ المحرم إذا مات لا يجوز تغسيله ولا تحنيطه بالكافور ولا بغيره من أنواع تطيب. وإذا تطيب المحرم ناسياً أو جاهلًا قال الإمامية والشافعية: لا كفّارة عليه، وقال الحنفية والمالكية: عليه فدية وعن أحمد روايتان. وإذا اضطرّ إلى استعمال الطيب لمرض جاز له ذلك ولا فدية عليه. وقال الإمامية: لو استعمل الطيب عامداً كان عليه شاة، سواء استعمله صبغاً أو أكلًا. ولا بأس بخلوق الكعبة ولو كان فيه زعفران، وكذا الفواكه والرياحين».(3)

ولو تكرّرت الاستعمال تكرّرت الكفّارة؛ أي تعدّدت الكفّارة أن تغايرت


1- وسائل الشيعة 12: 453، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 24، الحديث 3 ..
2- جواهر الكلام 18: 331 ..
3- الفقه على المذاهب الخمسة: 220 ..

ص: 348

السادس: لبس المخيط للرجال، كالقميص والسراويل والقباء وأشباهها، بل لا يجوز لبس ما يُشبه بالمخيط، كالقميص المنسوج والمصنوع من اللَبَد، والأحوط الاجتناب من المخيط ولو كان قليلًا كالقلنسوة والتكّة. نعم، يستثنى من المخيط شدّ الهميان المخيط الذي فيه النقود.

الوقت وإلّا فلا. فالمراد من تغايره اختلافه عرفاً. قال في «التحرير»: «كان تطيب مرّة غدوة ومرّة اخرى عشية وجبت فديتان». مستند ذلك صدق التعدّد العرفي فالمرجع في التعدّد إلى العرف وهو ظاهر الوجه وأيضاً تكرّرت وإن تخلّلت الكفّارة بين الاستعمالين، واللَّه هو العالم.

لبس المخيط للرجال

بيانه- قال في «الجواهر»: «بلا خلاف أجده فيه كما عن «الغنية» و «المنتهى» و «التحرير» و «التنقيح» و «المفاتيح» وغيرها على ما حكي عن بعضها، بل عن «التذكرة» وموضع آخر من «المنتهى» إجماع العلماء كافّة عليه».(1)

وفي «المهذّب البارع» قال: قال طاب ثراه- ولبس المخيط للرجال وفي النساء قولان. أقول: ذهب الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» إلى المنع وهو ظاهر الحسن نظراً إلى عموم تحريم المخيط على المحرم وذهب أكثر الأصحاب وابن إدريس إلى الجواز وهو اختيار المصنّف والعلّامة وادّعى عليه الإجماع في «التذكرة». احتجّوا بأ نّهنّ عورة وإنّما يحصل الستر لهنّ بلبس المخيط.

ولصحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السلام قال: قلت: المرأة تلبس القميص


1- جواهر الكلام 18: 335 ..

ص: 349

تزره عليها وتلبس الخزّ والحرير والديباج؟ قال: «نعم، لا بأس به»(1) وفي صحيحة عيص عن الصادق عليه السلام قال: «المرأة المحرمة تلبس ما شائت من الثياب»(2) ولصحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السلام قال: «المرأة تلبس القميص...» قال طاب ثراه: ولا بأس بالغلالة للحائض تتقي بها على القولين.

أقول: الغلالة ثوب قصير تلبسه الحائض تحت ثيابها صوناً لها عن التلوّث بالدم وإصابة النجاسة ويجوز لها لبسه على القولين؛ أي على القول بتحريم المخيط وإباحته لدعاء الضرورة إليه؛ لأنّ توقى النجاسة وبقائه على حكم الطهارة دفعاً لتكليف غسله يناسب حكمة الشارع الناشئة من قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.(3) وقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «بعثت بالحنيفة السمحة»(4) وقال الصادق عليه السلام: «تلبس المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة»(5).(6)

وفي «الفقه على المذاهب الخمسة»: اتّفقوا على أنّ الرجل المحرم ممنوع من لبس المخيط والمحيط أيضاً كالعمامة والطربوش ونحوه. وأجازوه للمرأة إلّا القفّاز.(7) وثوباً مسه طيب. وقال الإمامية: لو لبس المخيط ناسياً أو جاهلًا فلا


1- وسائل الشيعة 12: 366، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 33، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 368، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 33، الحديث 9 ..
3- البقرة( 2): 185 ..
4- وسائل الشيعة 8: 116، كتاب الصلاة، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة، الباب 14، الحديث 1 ..
5- وسائل الشيعة 12: 502، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 52، الحديث 1 ..
6- المهذّب البارع 2: 178- 179 ..
7- قفز في اللغة« مجمع البحرين» في حديث المرأة المحرمة ولا تلبس القفّازين القفّازبالضم والتشديد شي ء يعمل لليدين ويحشى بقطن ويكون له إزار تزر على الساعد تلبسه المرأة من نساء العرب تتوقّى به من البرد وهما قفازان ..

ص: 350

شي ء عليه ومن لبسه عن قصد ليتّقي الحرّ أو البرد فعليه شاة. وأيضاً قالوا: لا يجوز لبس الخاتم للزينة ويجوز لغيرها كما أنّه لا يجوز للمرأة لبس الحلي للزينة.(1)

قال في «الجواهر»: «نعم، قد يشكّ في اندراج ما يستعمل لكفّ نزول الريح في الأنبثيين من المخيط المسمّى في الفارسية ب «بادفتخ» من حيث عدم كونه من اللباس المعتاد المخيط الذي هو نحو الأشياء المزبورة، بل لعلّ إلحاقه بالهميان المشدود على الوسط والمنطقة وعصابة الفروج أولى من إلحاقه بالخفّين. فالأقوى جوازه اختياراً والأحوط تركه....

وفي «المدارك» ألحق الأصحاب بالمخيط ما أشبهه كالدرع المنسوج وجبة اللبد والملصق بعضه ببعض. وقال في «التذكرة»: «وقد ألحق أهل العلم بما نصّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم ما في معناه فالجبّة والدراعة وشبههما ملحق بالقميص والتبان والران وشبههما ملحق بالسراويل والقلنسوة وشبههما مساوٍ للبرنس والساعدان والقفّازان وشبههما مساو للخفّين. قال: «إذا عرفت هذا فيحرم لبس الثياب المخيطة وغيرها إذا شابهما كالدرع المنسوج والمعقود كجبّة والملصق بعضه ببعض حملًا على المخيط لمشابهة في المعنى من الترفة والتنعم». وفي «المدارك» وغيرها أنّ الأجود الاستدلال عليه بالنصوص المزبورة المتناولة باطلاقها لهذا النوع إذ ليس فيها المخيط حتّى يكون إلحاق غيره به خروجاً عن المنصوص وهو جيد إلى آخره»،(2) واللَّه العالم.


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 223 ..
2- جواهر الكلام 18: 337- 338 ..

ص: 351

(مسألة 16): لو احتاج إلى شدّ فتقه بالمخيط جاز، لكن الأحوط الكفّارة، ولو اضطرّ إلى لبس المخيط- كالقباء ونحوه- جاز وعليه الكفّارة.

بيانه- ومن اضطرّ إلى لبس ثوب يحرم عليه لبسه مع الاختيار جاز له لبسه وعليه دم شاة. والحكم بذلك مقطوع به في كلامهم كما نقله غير واحد. والأصل فيه صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن ضروب من الثياب مختلفة يلبسها المحرم إذا احتاج ما عليه، قال: «لكلّ صنف منها فداء».(1)

الظاهر أنّ المراد بتعدّد الصنف كالعمامة والقباء والقميص والسراويل، فإنّ كلًا منها صنف من أصناف اللباس، فلو تعدّد القباء مثلًا فليس عليه إلّافداء واحد.

وما رواه ثقة الإسلام- نوّر اللَّه مرقده- في الصحيح عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لا ينبغى له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلًا فليس عليه شي ء ومن فعله متعمّداً فعليه دم شاة».(2) وغير ذلك من الأخبار.


1- وسائل الشيعة 13: 159، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 9، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 157، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 8، الحديث 1 ..

ص: 352

(مسألة 17): يجوز للنساء لبس المخيط بأيّ نحو كان. نعم، لا يجوز لهنّ لبس القفّازين.

(مسألة 18): كفّارة لبس المخيط شاة، فلو لبس المتعدّد ففي كلّ واحد شاة، ولو جعل بعض الألبسة في بعض ولبس الجميع دفعة واحدة، فالأحوط الكفّارة لكلّ واحد منها، ولو اضطرّ إلى لبس المتعدّد جاز ولم تسقط الكفّارة.

بيانه- لو لبس ثياباً كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد، ولو كان في مرّات متعدّدة وجب عليه لكلّ ثوب دم؛ لأنّ لبس كلّ ثوب يغاير لبس الثوب الآخر فيقتضى كلّ واحد منها مقتضاه من غير تداخل. ثمّ استدلّ العلّامة بصحيحة محمّد بن مسلم المذكورة ثمّ قال: لو لبس قميصاً وعمامة وخفّين وسراويل وجب عليه لكلّ واحد فدية؛ لأنّ الأصل عدم التداخل. ونقل عن الشيخ في «التهذيب» أنّه قال: وإذا لبس ثياباً كثيرة فعليه لكلّ واحد منها فداء وهو على إطلاقه مشكل، والوجه هو الذي ما ذكر من التفصيل المستفاد من الصحيحة المذكورة، ثمّ إنّه لا فرق عند الأصحاب في وجوب الكفّارة بين اللبس ابتداءً واستدامة كما لو لبسه ناسياً أو جاهلًا، ثمّ ذكر أو علم فإنّه يجب عليه نزعه على الفور ولا فدية عليه ولو تركه والحال كذلك وجبت عليه الفدية، طال الزمان أو قصر، والواجب نزعه من أسفله بأن يشقّه ويخرجه من رجليه وعلّله في «المنتهى» بأ نّه لو نزعه من رأسه لغطاه وتغطية الرأس حرام، واللَّه العالم.

ص: 353

السابع: الاكتحال بالسواد إن كان فيه الزينة وإن لم يقصدها. ولا يترك الاحتياط بالاجتناب عن مطلق الكحل الذي فيه الزينة، ولو كان فيه الطيب فالأقوى حرمته.

الاكتحال بالسواد

بيانه- قال في «المدارك»: «والاكتحال بالسواد على قول الشيخ رحمه الله في «النهاية» و «المبسوط» والمفيد وسلّار وابن إدريس وابن الجنيد. وقال الشيخ في «الخلاف»: أنّه مكروه. والأصحّ التحريم لورود النهي عنه في أخبار كثيرة كصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلّامن علّة».(1)

وصحيحة حريز عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا يكتحل المرأة المحرمة بالسواد أنّ السواد زينة».(2) ومقتضى التعليل تحريمه وإن لم يقصد به الزينة لأ نّه حينئذٍ جعل العلة فيه حصول الزينة به لا قصدها، قال في «المنتهى»:

«يجوز الاكتحال بما عدا الأسود من أنواع الاكتحال إلّاما فيه طيب بلا خلاف سوق العبارة يقتضي عدم تحقّق الخلاف في ذلك». وبه صرّح في «التذكرة» وقال: «أجمع علماؤنا على أنّه لا يجوز للمحرم أن يكتحل بكحل فيه طيب سواء كان رجلًا أو امرأة.

ويدلّ على التحريم مضافاً إلى العمومات المانعة من استعمال الطيب روايات.


1- وسائل الشيعة 12: 468، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 33، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 12: 469، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 33، الحديث 4 ..

ص: 354

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا بأس أن يكتحل وهو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأمّا للزينة فلا».(1) وصحيحة عبداللَّه بن سنان قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «يكتحل المحرم إن هو رمد بكحل ليس فيه زعفران».(2) ورواية أبان عمّن أخبره عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال:

«إذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا طيب».(3) وحكى العلّامة في «المختلف» عن ابن البرّاج أنّه جعل الاكتحال بما فيه طيب مكروهاً، واحتيج فيه بالأصل. وأجاب عنه بالروايات، وهو كذلك، والفدية هنا فدية الطيب.

وفي «الحدائق»: «الاكتحال بالسواد وما فيه طيب فالمشهور فيه القول بالتحريم، وهو قول الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» والشيخ المفيد وسلّار وابن إدريس وغيرهم. وقال في «الخلاف»: أنّه مكروه.

وقال أبو جعفر بن بابويه في «المقنع»: ولا بأس أن يكتحل بالكحل الأسود للزينة. وقال ابن الجنيد: ولا تكتحل المرأة بالإثمد. وفي اللغة «مجمع البحرين»: الإثمد بكسر الهمزة والميم حجر يكتحل به ويقال: أنّه معرب ومعادنه بالمشرق.

وفي «الفقه على المذاهب الخمسة»: جاء في كتاب «التذكرة»: أجمع علماؤنا أي الإمامية على أنّه لا يجوز الاكتحال بالسواد ولا يكحل فيه طيب سواء كان المحرم رجلًا أم امرأة. ويجوز فيما عدا ذلك. وجاء في كتاب «المغني»: الكحل


1- وسائل الشيعة 12: 468، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 33، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 469، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 33، الحديث 5 ..
3- وسائل الشيعة 12: 470، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 33، الحديث 9 ..

ص: 355

بالإثمد مكروه ولا فدية فيه لا أعلم في ذلك خلافاً؛ أمّا الكحل بغير الإثمد فلا كراهة فيه ما لم يكن فيه طيب. وهذه الأخبار ما بين ما هو ظاهر في المنع من حيث قصد الزينة به كما ذكره الصدوق في «المقنع» وما بين ما هو ظاهر في المنع مطلقاً، معلّلًا في بعضها بلزوم حصول الزينة منه وإن لم يقصدها كما هو قول المشهور.

ويشير إلى ما قلناه ما في صحيحتي حريز بما يحصل منه الزينة وإن لم يقصده المكتحل وأمّا إذا قصدها فلا إشكال في التحريم ولا تنافي بين هذه الأخبار وحينئذٍ فتخصيص الصدوق التحريم بقصد الزينة لبس في محلّه؛ لأنّ فيه لهذه الأخبار الباقية. وبذلك يظهر قوّة قول المشهور. هذا كلّه في الرجل والمرأة مع الاختيار، أمّا لو دعت الضرورة إليه فالظاهر أنّه لا خلاف ولا إشكال في الجواز.

وفي «المهذّب البارع» قال: «أقول: البحث هنا مسائل:

الأوّل: الاكتحال بالسواد وفيه قولان، التحريم قاله في «النهاية» و «المبسوط» وبه قال المفيد وتلميذه وابن إدريس والعلّامة في «المختلف» و «الإرشاد».

والكراهة قاله في «الخلاف» و «الاقتصاد».

تمسّك الأوّلون بصحيحة معاوية بن عمّار وزرارة عن الصادق عليه السلام وتمسّك الآخرون بالأصل وهو اجتهاد في مقابلة النصّ فيكون مردوداً».(1)


1- المهذّب البارع 2: 182 ..

ص: 356

الثامن: النظر في المرآة؛ من غير فرق بين الرجل والمرأة، وليس فيه الكفّارة، لكن يستحبّ بعد النظر أن يُلبّي. والأحوط الاجتناب عن النظر في المرآة ولو لم يكن للتزيين.

النظر في المرآة

بيانه- قال في «المدارك»: «قوله رحمه الله: وكذا النظر في المرآة على الأشهر، المشار إليه بذا هو التحريم على الرجل والمرأة، وقد اختلف الأصحاب في هذه المسألة، فذهب الأكثر إلى التحريم وقال الشيخ في «الخلاف»: أنّه مكروه والأصحّ التحريم؛ لصحيحة حمّاد عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا تنظر في المرآة وأنت محرم فإنّه من الزينة»(1) وصحيحة حريز عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «لا تنظر في المرآة وأنت محرم لأنّه من الزينة»(2) وفي «الفقه على المذاهب الخمسة»:

«لا يجوز للمحرم أن ينظر في المرآة وإذا فعل فلا فدية عليه بالاتّفاق ولا مانع من النظر في الماء. وفي «الحدائق»: فالقول بالتحريم فيه هو المشهور أيضاً.

وقال الشيخ في «الخلاف»: فذهب إلى أنّه مكروه والأصحّ التحريم، فذكر الروايتان المذكورتان في «المدارك» ثمّ قال: وهذان الخبران جاريان على ما قدّمناه في الأخبار السابقة فإنّ الأوّل منهما دلّ على النهي من النظر مطلقاً معلّلًا بترتّب الزينة على النظر وإن لم يقصدها الناظر، والثاني دلّ على النظر لأجل الزينة ولا منافاة بينهما بل أحدهما مؤكّد للآخر، وبه يظهر أنّ الأخبار المتقدّمة


1- وسائل الشيعة 12: 472، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 34، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 472، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 34، الحديث 3 ..

ص: 357

التاسع: لبس ما يستر جميع ظهر القدم؛ كالخُفّ والجورب وغيرهما، ويختصّ ذلك بالرجال، ولا يحرم على النساء، وليس في لبس ما ذكر كفّارة، ولو احتاج إلى لبسه فالأحوط شقّ ظهره.

لا منافاة بينها لتحتاج إلى الجمع بما ذكره ذلك الفاضل- رضوان اللَّه تعالى عليه-.

وفي «المهذّب البارع» قال النظر في المرآة وفيه قولان؛ التحريم ذكره في «النهاية» و «المبسوط» وبه قال التقي والعلّامة وابن إدريس والكراهية ذكره في «الخلاف» وبه قال القاضي وابن حمزة والمصنّف.

احتجّ الأوّلون بصحيحة حمّاد عن الصادق عليه السلام قال: «لا تنظر المرأة المحرمة في المرآة»(1) وتمسّك الآخرون بالأصل وهو معارض بالاحتياط ومردود بما قلناه»،(2) واللَّه العالم.

لبس الخفّ والجورب

بيانه- قد صرّح العلّامة في «المنتهى» و «التذكرة» وغيره بأ نّه لا يجوز للمحرم لبس الخفّين ولا ما يستر ظهر القدم اختياراً ويجوز اضطراراً وهو ممّا لا خلاف فيه بينهم كما ذكره العلّامة في الكتابين المذكورين، وقال: ولا نعلم فيه خلافاً. وفي «المدارك» في قوله قدس سره «ولبس الخفّين» إلى آخره قال: هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، واستدلّوا عليه في صحيحة معاوية بن عمّار: «ولا تلبس سراويل إلّاأن لا يكون لك إزار ولا خفّين إلّاأن لا يكون لك


1- وسائل الشيعة 12: 472، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، البلاب 34، الحديث 2 ..
2- المهذّب البارع 2: 181- 183 ..

ص: 358

نعل».(1) وصحيحة الحلبي: «وأيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ إلى ذلك والجوربين يلبسهما إذا اضطرّ إلى لبسهما»(2) وفي صحيحة رفاعة أنّه: سأل أبا عبداللَّه عليه السلام عن المحرم يلبس الخفّين والجوربين قال: «إذا اضطرّ إليهما».(3)

وهذه الروايات كما ترى إنّما يدلّ على تحريم الخفّين والجوربين خاصّة.

وغاية ما يمكن أن يلحق ما أشبههما أمّا ستره بما لا يسمّى فليس بمحرم قطعاً كما صرّح به الشهيدان، والأصحّ اختصاص التحريم بما كان ساتراً بظهر القدم بأجمعه دون ساتر البعض بل يمكن اختصاصه بساتر الجميع إذا كان له ساق كما في الخفّ والجورب، وما قيل: من أنّ كلّ جزء من الظهر ليس أولى من غيره بتحريم الستر ولو لم يعمّ التحريم لزم الترجيح من غير مرجّح ففساده واضح؛ لأنّ الترجيح من غير مرجّح إنّما يلزم من تحريم ستر جزء بعينه من غير دليل.

وأمّا تحريم ستر الجميع دون البعض فلا استحالة فيه بوجه. ومن هنا يظهر عدم وجوب تخفيف الشراك والشبع إلى قدر يندفع به الحاجة، وهذا الحكم مختصّ بالرجل لاختصاص الروايات المانعة به فلا يحرم على المرأة لبس الخفّ اختياراً كما صرّح به في «الدروس». والظاهر المتبادر من هذه الروايات هو اختصاص التحريم بما يلزم منه ستر ظهر القدم كلّاً دون بعضه، بل احتمل في «المدارك» اختصاصه بساتر الجميع إذا كان له ساق كما في الخفّ والجورب.

بقي الكلام في أنّه متى اضطرّ إلى لبسه، فهل يجب شقّه أم لا؟ فقال الشيخ


1- وسائل الشيعة 12: 500، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 51، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 500، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 51، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 12: 501، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 51، الحديث 4 ..

ص: 359

وأتباعه بالوجوب؛ لرواية محمّد بن مسلم المتقدّمة ورواية أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام في رجل هلكت نعلاه ولم يقدر على نعلين، قال له: «أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ إلى ذلك ويشقّه عن ظهر القدم...»(1) الحديث وقال ابن إدريس وجمع من الأصحاب منهم المحقّق: لا يجب شقّ الخفّين؛ للأصل وإطلاق الأمر بلبس الخفّين مع عدم النعلين في الأخبار المتقدّمة. ولو كان الشقّ واجباً لذكر في مقام البيان.

وفيه: أنّ غاية هذه الأخبار أن تكون مطلقة في ذلك، وهي لا تنافي الأخبار المقيّدة؛ لأنّ المقيّد يحكم على المطلق كما هو القاعدة المسلّمة بينهم، ثمّ إنّه قد اختلف كلامهم أيضاً في كيفية ذلك، فقال الشيخ في «المبسوط»: يشقّ ظهر قدميهما، وقال في «الخلاف»: إنّه يقطعهما حتّى يكونا أسفل من الكعبين، وقال ابن الجنيد: ولا يلبس المحرم الخفّين إذا لم يجد نعلين حتّى يقطعهما إلى أسفل الكعبين، وقال ابن حمزة: إنّه يشقّ ظاهر القدمين وإن قطع الساقين كان أفضل.

والذي دلّ عليه الخبران المتقدّمان شقّ القدم خاصّة. نعم، ورد القطع إلى الكعبين في روايات العامّة حيث رووا عنه صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال: فإن لم يجد نعلين فليلبس خفّين وليقطعهما حتّى يكونا إلى الكعبين، ولا يبعد أن يكون من ذكر القطع من أصحابنا إنّما تبع فيه العامّة؛ حيث إنّه لا مستند له في أخبارنا أو لعلّه وصل إليهم ولم يصل إلينا. ولذا قال صاحب المدارك في «المدارك»: والاحتياط يقتضي الجمع بين القطع كذلك وشقّ ظهر القدم والظاهر اختصاص الحكم المذكور بالرجل؛ لأنّه مورد الروايات دون المرأة، واستظهره شيخنا الشهيد في «الدروس»، واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 12: 501، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 51، الحديث 3 ..

ص: 360

العاشر: الفسوق، ولا يختصّ بالكذب، بل يشمل السباب والمفاخرة أيضاً.

وليس في الفسوق كفّارة، بل يجب التوبة عنه. ويستحبّ الكفّارة بشي ء، والأحسن ذبح بقرة.

الفسوق

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «الفسوق والجدال، قال اللَّه تعالى: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِ(1) ومعنى الرفث الجماع ومعنى الفسوق الكذب وقيل: السباب وقيل: المعاصي ومهما يكن فهو محرّم على الحاجّ وغير الحاجّ ولكنّه يتأكّد في حقّه أكثر من سواه ومعنى الجدال المجادلة. وروى الإمامية عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّه قول الرجل لغيره لا واللَّه وبلى واللَّه كذا»،(2) وهذا أدنى مراتب الجدال. وقال الإمامية: إذا كذب مرّة فعليه شاة ومرّتين فبقرة وثلاثاً فبدنة وإذا حلف صادقاً فلا شي ء عليه إلّاإذا تكرّر الحلف ثلاث مرّات فعليه شاة».(3)

وفي «الحدائق»: «الفسوق والجدال: والبحث هنا يقع في موضعين: الأوّل:

في الفسوق وقد أجمع العلماء كافّة على تحريمه في الحجّ وغيره والأصل فيه بالنسبة إلى الحجّ قوله عزّ وجلّ: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِ والحجّ يتحقّق بالتلبّس بإحرامه، بل بإحرام عمرة التمتّع لدخولها


1- البقرة( 2): 197 ..
2- وسائل الشيعة 12: 465، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 32، الحديث 3 ..
3- الفقه على المذاهب الخمسة: 223- 224 ..

ص: 361

في الحجّ. وقد اختلف الأصحاب في تفسير الفسوق.

فقال الشيخ: الفسوق هو الكذب، وكذا قال الشيخ علي بن بابويه وابنه في «المقنع» وابن الجنيد: إنّه الكذب والسباب، وكذا قال السيّد المرتضى رضى الله عنه.

وقال ابن أبي عقيل: إنّه الكذب واللفظ القبيح. وقال ابن البرّاج: إنّه الكذب على اللَّه تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه و آله و سلم وعلى الأئمّة عليهم السلام والمشهور الأوّل وهو المعتمد.

ويدلّ عليه ما رواه في «الكافي» و «التهذيب» في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «إذا أحرمت فعليك بتقوى اللَّه تعالى وذكر اللَّه وقلّة الكلام إلّابخير فإنّ تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلّامن خير كما قال اللَّه عزّ وجلّ فإنّ اللَّه يقول: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِ(1) فالرفث الجماع والفسوق الكذب والسباب والجدال قول الرجل لا واللَّه وبلى واللَّه».(2)

وزاد في «الكافي»: واعلم أنّ الرجل إذا حلف ثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه ويتصدّق به وإذا حلف يميناً واحدة كاذبة ويتصدّق به وقال: اتّق المفاخرة وعليك بورع يحجزك عن معاصي اللَّه تعالى، فإنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ(3) قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «من التفث أن تتكلّم في إحرامك بكلام قبيح فإذا دخلت مكّة وطفت بالبيت وتكلّمت بكلام طيّب فكان ذلك كفّارة لذلك» قال: وسألته عن الرجل يقول: لا لعمري وبلى لعمري قال: «وليس هذا


1- البقرة( 2): 197 ..
2- وسائل الشيعة 12: 463، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 32، الحديث 1 ..
3- الحجّ( 22): 27 ..

ص: 362

من الجدال إنّما الجدال لا واللَّه». وبلى واللَّه ورواه الصدوق من قوله عليه السلام: «اتّق المفاخرة إلى قوله وكان ذلك كفّارة لذلك».(1)

وما رواه الشيخ في «التهذيب» في الصحيح عن علي بن جعفر قال: «قال:

سألت أخي موسى عليه السلام من الرفث والفسوق والجدال ما هو؟ وما على من فعله؟ فقال: الرفث جماع النساء والفسوق الكذب والمفاخرة، والجدال قول الرجل لا واللَّه وبلى واللَّه»(2) وغير ذلك من الأخبار.

بقي الكلام بالنسبة إلى الكفّارة وظاهر الأصحاب أنّه لا كفّارة في الفسوق سوى الاستغفار، قال في «المنتهى»: والفسوق هو الكذب على ما قلناه.

ولا شي ء فيه عملًا بالأصل السالم عن معارضة نصّ يخالفه أو غيره من الأدلّة.

ويدلّ عليه ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمّد بن مسلم والحلبي جميعاً قالا له: أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال: «لم يجعل اللَّه عزّ وجلّ له حدّاً يستغفر اللَّه ويلبّي»(3) وصاحب «الذخيرة» حمل الكفّارة على الاستحباب كما هي الطريقة المعهودة في جميع الأبواب، واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 12: 465- 466، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 32، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 12: 465، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 32، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 13: 148، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 3، الحديث 2 ..

ص: 363

الحادي عشر: الجدال، وهو قول: «لا واللَّه» و «بلى واللَّه»، وكلّ ما هو مرادف لذلك في أيّ لغة كان؛ إذا كان في مقام إثبات أمر أو نفيه. ولو كان القسم بلفظ الجلالة أو مرادفه فهو جدال، والأحوط إلحاق سائر أسماء اللَّه تعالى- كالرحمان والرحيم وخالق السماوات ونحوها- بالجلالة. وأمّا القسم بغيره تعالى من المقدّسات فلا يلحق بالجدال.

الجدال

بيانه- في الجدال وهو قول: «لا واللَّه» و «بلى واللَّه» كما تقدّم في جملة من الأخبار، وظاهر المشهور بين الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- حصره في هذا القول. وقيل: يتعدّى إلى كلّ ما يسمّى يميناً واختاره الشهيد في «الدروس».

والظاهر أنّ مستنده ما تقدّم في صحيحة معاوية بن عمّار من قوله عليه السلام: «واعلم أنّ الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاءً في مقام واحد وهو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه ويتصدّق به»(1) ونحوها رواية أبي بصير.(2) وفيه: أنّه لا منافاة بين الحصر في اللفظ المذكور وبين هذا الإطلاق؛ لإمكان حمل الإطلاق عليه والجمع بينهما بحمل المطلق على المقيّد كما هي القاعدة المتّفق عليها عندهم.

وهل الجدال مجموع هذين اللفظين أعني: «لا واللَّه وبلى واللَّه»؟ قولان، قال في «المدارك»: أظهرهما الثاني وهو خيرة «المنتهى». ولعلّ وجه الأظهرية أنّ


1- وسائل الشيعة 13: 146، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 1، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 13: 146، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 1، الحديث 4 ..

ص: 364

مجموع هذين اللفظين يتضمّن نفياً وإثباتاً وهو ممّا لا يكاد يقع في مقام واحد، بل المتبادر الشايع إنّما هو استعمال «بلى واللَّه» في مقام الإثبات «ولا واللَّه» في مقام النفي، فيكون أيّهما أتى به في مقامه جدالًا.

وقال في «الجواهر»: «نعم، لا يعتبر لفظ لا وبلى نحو قوله عليه السلام: «إنّما الطلاق أنت طالق»(1) فإنّ صيغة القسم هو قول واللَّه وأمّا لا وبلى فهو المقسوم عليه فلا يعتبر خصوص اللفظين في مؤدّاه ولو بشهادة الصحيح المزبور، بل يكفي الفارسية ونحوها فيه وإن لم تكف في لفظ الجلالة فتأمّل جيّداً، بل قد يشكل ما عن ظاهر «الدروس» و «المنتهى» و «التذكرة» من العموم لما يكون خصومة وغيره بعدم صدق الجدال بدونها، بل لعلّ قوله: «لا واللَّه» و «بلى واللَّه» إشارة إلى ذلك، فإنّ المراد النفي من واحد والإثبات من آخر. ومن هنا جزم في «الدروس» بأ نّه لا كفّارة في اللغو من ذلك؛ لأنّه كالساهي. ثمّ إنّ الظاهر عدم اعتبار وقوع الأمرين في تحقّق الجدال، فيكفي أحدهما، وفاقاً لجماعة منهم الفاضل الأصبهاني حاكياً له عن «المنتهى» و «التذكرة»، بل قال: وبه قطع في «التحرير». ولعلّه للصدق عرفاً بعد معلومية إرادة ما ذكرناه منهما، لا أنّ قولهما معاً من الواحد أو من الاثنين معتبر في الجدال، فتلخّص ممّا ذكرنا كون الجدال الحلف باللَّه بالصيغة المخصوصة لا مطلق اليمين ولا غيرها، ولا مطلق الحلف باللَّه وإن لم يكن بالصيغة المزبورة».(2) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 22: 42، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته، الباب 16، الحديث 4 ..
2- جواهر الكلام 18: 363 ..

ص: 365

(مسألة 24): لو كان في الجدال صادقاً فليس عليه كفّارة إذا كرّر مرّتين، وفي الثالث كفّارة وهي شاة. ولو كان كاذباً فالأحوط التكفير في المرّة بشاة، وفي المرّتين ببقرة، وفي ثلاث مرّات ببدنة، بل لا يخلو من قوّة.

بيانه- فاعلم أنّ المشهور بين الأصحاب أنّ الجدال كاذباً في المرّة منه شاة والمرّتين بقرة والثلاث بدنة وصادقاً في الثلاث منه شاة ولا شي ء فيما دونها، وانطباق الروايات على ما ذكر من هذا التفصيل مشكل. واستدلّ العلّامة في «المنتهى» على ذلك بالنسبة إلى الجدال كذباً بالرواية قال- عطّر اللَّه مرقده- بعد ذكر التفصيل الذي نقلناه عنهم: واختلاف المراتب في الكفّارة بإزاء اختلاف الذنب.

ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إذا حلف ثلاثة أيمان وهو صادق...».(1) ثمّ ساق الرواية السادسة، ثمّ الرواية الثانية ثمّ السابعة. وجعل هذه الروايات الثلاث مستنداً للأحكام الثلاثة في الجدال كذباً. واستدلّ على وجوب الشاة في المرّة بالرواية السادسة. واستدلّ على وجوب البقرة في المرّتين كذباً بالرواية الثانية، وعلى وجوب البدنة في الثلاث بالرواية السابعة.

والظاهر أنّ المستند في هذا التفصيل الذي اشتهر بين الأصحاب إنّما هو كتاب «الفقه الرضوي» فإنّه صريح الدلالة واضح المقالة في الاستدلال لا تعتريه شبهة الشكّ ولا الاحتمال في هذا المجال؛ حيث قال عليه السلام: «واتّق في إحرامك


1- وسائل الشيعة 13: 147، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 1، الحديث 7 ..

ص: 366

الكذب واليمين الكاذبة والصادقة وهو الجدال الذي نهى اللَّه تعالى عنه.

والجدال قول الرجل: لا واللَّه وبلى واللَّه فإن جادلت مرّة أو مرّتين وأنت صادق فلا شي ء عليك وإن جادلت ثلاثاً وأنت صادق فعليك دم شاة وإن جادلت مرّة وأنت كاذب فعليك دم شاة وإن جادلت مرّتين كاذباً فعليك دم بقرة وإن جادلت ثلاثاً وأنت كاذب فعليك بدنة»(1) انتهى.

والظاهر أنّ هذه العبارة هي مستند المتقدّمين في الحكم المذكور دون هذه الأخبار المختلفة المضطربة، ولكن لمّا لم يصل ذلك إلى المتأخّرين تكلّفوا الاستدلال عليه بهذه الروايات، وقد عرفت ما في ذلك. والصدوق في «الفقيه» قد نقل هذه العبارة بعينها عن أبيه في رسالته إليه فقال: «وقال أبي رضى الله عنه في رسالته إليّ: اتّق في إحرامك الكذب واليمين الكاذبة والصادقة وهو الجدال والجدال قول الرجل: لا واللَّه إلى آخر ما قدّمناه كلمة كلمة وحرفاً حرفاً وهو ظاهر في تأييد ما قدّمناه من اعتماد الشيخ المذكور على الكتاب زيادة على الأخبار الواصلة إليه وشدّة وثوقه به زيادة عليها وما ذلك إلّا لمزيد علمه وقطعه بثبوت الكتاب عنه عليه السلام؛ بحيث لا تعتريه فيه الشكوك والأوهام».


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 217 ..

ص: 367

(مسألة 26): لو جادل صادقاً زائداً على ثلاث مرّات فعليه شاة. نعم، لو كفّر بعد الثلاث ثمّ جادل ثلاثاً فما فوقها يجب عليه كفّارة اخرى. ولو جادل كاذباً عشر مرّات أو أزيد فالكفّارة بدنة. نعم، لو كفّر بعد الثلاثة أو أزيد ثمّ جادل تكرّرت على الترتيب المتقدّم.

(مسألة 27): يجوز في مقام الضرورة لإثبات حقّ أو إبطال باطل القسم بالجلالة وغيرها.

بيانه- بناءً على التفصيل المشهور إنّما تجب البقرة في المرّتين إذا لم يكفّر عن الاولى بالشاة وكذا الثلاث بالبدنة إذا لم يكفّر عن الثنتين بالبقرة. والضابط ترتّب الكفّارة على العدد المذكور، فعلى المرّة الواحدة شاة وعلى الثنتين بقرة وعلى الثلاث بدنة وفي الجدال صادقاً لو زاد على الثلاث ولم يكفّر فالظاهر شاة واحدة عن الجميع، ومع تخلّله فلكلّ ثلاث شاة.

بيانه- ولو اضطرّ المحرم إلى اليمين لإثبات حقّ أو نفي باطل فالظاهر أنّه لا كفّارة، كما ذكره جملة من الأصحاب؛ عملًا بالأخبار الدالّة على جوازها والأمر بها هذا، وظاهر الحديث ما رواه في «الكافي» و «من لا يحضره الفقيه» في الصحيح عن عبداللَّه بن مسكان عن أبي بصير قال: سألته عن المحرم يريد أن يعمل فيقول له صاحبه: واللَّه لا تعمله فيقول له صاحبه واللَّه لا تعمله فيقول: واللَّه لأعملنه فيخالفه مراراً أيلزمه ما يلزم صاحب الجدال؟ قال: «لا إنّما أراد بهذا إكرام أخيه إنّما ذلك ما كان للَّه فيه معصية»، يعني أنّ الجدال المحرّم إنّما هو ما كان على معصية اللَّه تعالى.

قال في «المنتهى» بعد ذكر خبر المذكور: وهذا الحديث يدلّ على أنّ مطلق

ص: 368

الثاني عشر: قتل هوامّ الجسد من القملة والبرغوث ونحوهما، وكذا هوامّ جسد سائر الحيوانات. ولا يجوز إلقاؤها من الجسد ولا نقلها من مكانها إلى محلّ تسقط منه، بل الأحوط عدم نقلها إلى محلّ يكون معرض السقوط، بل الأحوط الأولى أن لا ينقلها إلى مكان يكون الأوّل أحفظ منه. ولا يبعد عدم الكفّارة في قتلها، لكن الأحوط الصدقة بكفّ من الطعام.

الجدال لا يوجب عقوبة، بل ما يتضمّن الحلف على معصية اللَّه تعالى، والظاهر حصول المعصية بذلك، وإن كان ما لم يكن الغرض المترتّب عليه أمراً دينياً مثل إكرام أخيه في الخبر المذكور، فلا ينافي ما دلّ على وجوب الكفّارة في الجدال صادقاً ثلاثاً، وقد روى في «الكافي» عن أبي عبداللَّه عليه السلام: أنّه قال لسدير: «يا سدير من حلف باللَّه كاذباً ومن حلف باللَّه صادقاً أثم، إنّ اللَّه تعالى يقول: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ(1)».(2) انتهى.

قتل هوامّ الجسد

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «جاء في كتاب «اللمعة» للإمامية: لا يجوز للمحرم قتل هوامّ الجسد كالقمّل والقراد ويجوز نقله، وقال السيّد الحكيم في «المنسك»: يجوز قتل البقّ والبرغوث ليدفعه عن نفسه أمّا نحن فلا نشكّ أبداً في جواز إزالة كلّ مؤذٍ وإن توقّف على القتل جاز ومن الطريف ما نقل عن ابن عبّاس أنّه سئل عن محرم رأى قمّلة على جسده فألقى


1- البقرة( 2): 224 ..
2- وسائل الشيعة 23: 198، كتاب الأيمان، الباب 1، الحديث 6 ..

ص: 369

بها على الأرض ثمّ خشي أن يكون ذلك غير جائز فطلبها ليردّها إلى مكانها فلم يجدها، فقال ابن عبّاس: تلك ضالّة لا تبتغي. وجاء في كتاب «المغني»: ولا يتفلّى المحرم؛ لأنّ التفلّي عبارة عن إزالة القمّل وهو ممنوع، فإن خالف وتفلّ وقتل قمّلًا فلا فدية فيه؛ أي عند الحنابلة وقال الحنفية: يطعم شيئاً وقال مالك:

حفنة من طعام»(1) انتهى.

وفي «المدارك»: «وقتل هوامّ الجسد إلى آخره الهوامّ بالتشديد جمع هامّة وهي الدابّة، قاله في «القاموس». وهذا الحكم؛ أعني تحريم قتل هوامّ الجسد من القمّل والبراغيث والصئبان على المحرم؛ سواء كان على الثوب أو الجسد هو المشهور بين الأصحاب، ونقل عن الشيخ في «المبسوط» وابن حمزة أنّهما جوّزا قتل ذلك على البدن.

احتجّ القائلون بالتحريم مطلقاً على ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن المحرم ينزع القمّلة عن جسده فيلقيها فقال: «يطعم مكانها طعاماً»(2) وعن حمّاد بن عيسى قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن المحرم يبين القمّلة من جسده فيلقيها فقال: «تطعم مكانها طعاماً».(3) وعن حسين بن أبي العلاء عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «المحرم لا ينزع القمّل من جسده ولا من ثوبه متعمّداً وإن قتل شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً؛ قبضة


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 224- 225 ..
2- وسائل الشيعة 13: 168، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 15، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 13: 168، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 15، الحديث 1 ..

ص: 370

بيده»(1) وهذه الروايات إنّما تدلّ على تحريم قتل القمّلة خاصّة والأجود الاستدلال على تحريم قتل الجميع بما رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إذا أحرمت فاتّق قتل الدوابّ كلّها؛ إلّاالأفعي والعقرب والفأرة»(2) وما رواها ابن بابويه في الصحيح عن زرارة قال: سألته عن المحرم هل يحكّ رأسه أو يغتسل بالماء؟ فقال: «يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابّة»(3) ودابّة الرأس يتناول القمّل وغيره».(4)

وقال في «الجواهر»: «فلا خلاف ولا إشكال في أنّه يجوز نقله؛ أي هوامّ الجسد؛ من القمّل ونحوه من مكان إلى آخر من جسده؛ مساوٍ للأوّل أو أحرز منه؛ للأصل وقول الصادق عليه السلام في الصحيح: «المحرم يلقي عنه الدوابّ كلّها إلّا القمّلة، فإنّها من جسده، فإذا أراد أن يحوّله من مكان إلى مكان، فلا يضرّه»(5) بل مقتضى إطلاقه عدم اشتراط كون المنقول إليه كالمنقول عنه أو أحرز كما صرّح به بعضهم وإن كان هو أحوط.

نعم، قد يقال باعتبار تحويله إلى مكان غير معرض فيه للسقوط؛ لأنّه في معنى الإلقاء واللَّه العالم»(6) انتهى.

وقال أيضاً: نعم، يقوى عدم كون البرغوث منها، خلافاً لبعضهم، وعن


1- وسائل الشيعة 13: 168، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 15، الحديث 3 ..
2- الكافي 4: 363/ 2 ..
3- وسائل الشيعة 12: 534، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 73، الحديث 4 ..
4- مدارك الأحكام 7: 342- 344 ..
5- وسائل الشيعة 12: 540، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 78، الحديث 5 ..
6- جواهر الكلام 18: 368- 369 ..

ص: 371

القاضي حرمة قتله والبقّ وما أشبه ذلك إذا كان في الحرم، وجوّزه في غيره، وعن ابن زهرة يحرم عليه أن يقتل شيئاً من الجراد والزنابير مع الاختيار، فأمّا البقّ والبراغيث فلا بأس أن يقتل في غير الحرم، ولعلّ الأقوى حلّ قتله مع قصده إيّاه أو إيذائه له؛ كما دلّ عليه خبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام سألته عن المحرم يقتل البقّة والبرغوث إذا أراده قال: «نعم».(1)

والصحيح المروي عن آخر «السرائر»: عن المحرم يقتل البقّة والبرغوث إذا آذاه قال: «نعم»(2) أمّا إذا لم يؤذه فالأحوط- إن لم يكن أقوى- عدم قتله.

وأنت خبير بما فيه إلّاأنّ الاحتياط يقتضيه والمسألة لا تخلو من نوع إشكال؛ فإنّ الروايات الأخيرة، وإن كانت على خلاف ما هو المشهور بين الأصحاب إلّاأنّها مخالفة لمذهب العامّة، والروايات الاولى موافقة لهم إلّاأنّ الحكم بها بين أصحابنا مشهور والقائل بخلافها نادر»،(3) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 12: 542، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 79، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 12: 540، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 78، الحديث 7 ..
3- جواهر الكلام 18: 368 ..

ص: 372

الثالث عشر: لبس الخاتم للزينة، فلو كان للاستحباب أو الخاصّية فيه- لا للزينة- لا إشكال فيه. والأحوط ترك استعمال الحنّاء للزينة، بل لو كان فيه الزينة فالأحوط تركه وإن لم يقصدها، بل الحرمة في الصورتين لا تخلو من وجه، ولو استعمله قبل الإحرام للزينة أو لغيرها، لا إشكال فيه ولو بقي أثره حال الإحرام. وليس في لبس الخاتم واستعمال الحنّاء كفّارة وإن فعل حراماً.

التزيّن

بيانه- لا يجوز لبس الخاتم للزينة ويجوز لغيرها، كما أنّه لا يجوز للمرأة لبس الحلي للزينة قال الحنابلة: يجوز للمحرم الاختضاب بالحناء؛ ذكراً أو انثى في أيّ جزء من بدنه ما عدا الرأس وقال الشافعية: يجوز ما عدا اليدين والرجلين وقال الحنفية: لا يجوز الاختضاب للمحرم بحال؛ رجلًا كان أو امرأة.

والمشهور عند الإمامية أنّ الخضاب مكروه وليس بمحرّم وفي «مختصر النافع» قال: ولبس الخاتم للزينة ولبس المرأة ما لم تعتده من الحلي.

وفي «المهذّب البارع» قال: الثالثة: لبس الخاتم للزينة قال بتحريمه في «المبسوط» وعليه ابن إدريس وبكراهته قال في «الجمل». الرابعة: لبس المرأة ما لم تعتده من الحلي. حرّمه في «المبسوط» وكرّهه في غيره. وفي «المدارك»:

«أمّا تحريم لبس الخاتم للزينة فاستدلّ عليه برواية مسمع عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: وسألته أيلبس المحرم الخاتم؟ قال: «لا يلبسه للزينة»(1) وفي الطريق


1- وسائل الشيعة 12: 490، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 46، الحديث 4 ..

ص: 373

ضعف لكن مقتضى قوله عليه السلام في صحيحة حريز: «لا تنظر في المرآة وأنت محرم لأنّه من الزينة ولا يكتحل المرأة المحرمة بالسواد أنّ السواد زينة»(1) تحرم كلّما يتحقّق به الزينة. وأمّا جواز لبسه للسنة فيدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن إسماعيل قال: «رأيت العبد الصالح وهو محرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة»،(2) وفي الحسن عن ابن أبي نصر عن نجيح عن أبي الحسن عليه السلام قال: «لا بأس بلبس الخاتم للمحرم»،(3) وهو محمول على لبسه للسنّة، جمعاً بين الروايات»(4) انتهى.

قال في «الجواهر»: ويحرم لبس الخاتم للزينة كما قطع به الأكثر على ما في «كشف اللثام»، بل في «الذخيرة» في شرح قوله في «الإرشاد»: ولبس الخاتم للزينة لا للسنّة قال: لا أعرف خلافاً بين الأصحاب في الحكمين المذكورين لخبر مسمع قال: «لا يلبسه للزينة»، المنجبر بما عرفت والمعتضد بالتعليل في صحيحي حمّاد وحريز المتقدّمين سابقاً في الاكتحال بالسواد والنظر في المرآة.

نعم، لا خلاف أجده في أنّه يجوز لغير الزينة كالسنّة ونحوها؛ للأصل والمفهوم السابق وإطلاق قول أبي الحسن عليه السلام في خبر نجيح بل في صحيح ابن بزيع عن العبد الصالح عليه السلام المتقدّمين الذي ينبغي حمله على غير الزينة وعلى كلّ حال، فلا ريب في أنّ ذلك أولى من احتمال الجمع بين النصوص بالكراهة


1- الكافي 4: 356/ 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 490، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 46، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 12: 490، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 49، الحديث 1 ..
4- مدارك الأحكام 7: 345- 346 ..

ص: 374

كما هو خيرة المصنّف في «النافع»، بل هو المحكيّ عن «الجامع» أيضاً من وجوه: منها: الموافقة للشهرة بين الأصحاب وفي «الذخيرة»: الظاهر أنّ المرجع في التفرقة بين ما كان للسنّة أو للزينة إلى القصد كما قاله جماعة من الأصحاب؛ إذ ليس هاهنا هيئة تختصّ بإحداهما دون الاخرى. ونحوه في «المسالك» وحاشية الكركي ولا بأس به ولا ينافي ذلك تعليل الكحل المقتضي حرمة كلّ زينة وإن لم تكن مقصودة بعد تخصيصه بالمفروض؛ لقوّة دلالته وانجباره بفتوى الأصحاب....

ولبس المرأة الحلي ولو المعتاد للزينة كما صرّح به غير واحد، بل لعلّه المشهور بل في «المدارك»، نفي الإشكال فيه. ويدلّ عليه مضافاً إلى ما سبق قوله عليه السلام في محمّد بن مسلم: «المحرمة تلبس الحلي كلّه إلّاحلياً مشهوراً للزينة»(1) لكن مقتضى الرواية اختصاص الرواية بالمشهور منه؛ أي الظاهر أنّ التزيين إنّما يتحقّق به غالباً وأمّا تحريم ما لم تعتدّ لبسه من الحلي وإن لم يكن بقصد الزينة فيمكن أن يستدلّ بمفهومية قوله عليه السلام في صحيحة حريز: «إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم ينزع عنها»(2) وقول المصنّف في غير المعتاد على الاولى يشعر بعدم جزمه بتحريمه وكان وجهه عدم دلالة النصوص عليه صريحاً وتعميم الإباحة في رواية ابن مسلم لكلّ حلي المشهور للزينة. وكيف كان فلا بأس بما كان معتاداً لها ولم تقصد به الزينة بلا خلاف أجده فيه بل «كشف اللثام» اتّفاق عليه.

وفي صحيح ابن الحجّاج سألت أبا الحسن عليه السلام: عن المرأة يكون عليها الحلي والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب والورق تحرم فيه وهو عليها


1- وسائل الشيعة 12: 497، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 49، الحديث 4 ..
2- وسائل الشيعة 12: 498، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 49، الحديث 9 ..

ص: 375

الخامس عشر: التدهين وإن لم يكن فيه طِيب، بل لا يجوز التدهين بالمطيّب قبل الإحرام لو بقي طيبه إلى حين الإحرام، ولا بأس بالتدهين مع الاضطرار، ولا بأكل الدهن إن لم يكن فيه طيب، ولو كان في الدهن طيب فكفّارته شاة حتّى للمضطرّ به، وإلّا فلا شي ء عليه.

وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها انتزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله قال: «تحرم فيه وتلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها ومسيرها»(1) لكن يدلّ على أنّه يحرم عليها إظهاره لزوجها كما هو صريح الفاضل وظاهر المحكيّ عن الشيخ والحلي وعلى كلّ حال الحاصل حرمة إحداث الزينة لها حال الإحرام وحرمة إظهار ما كانت متزيّنة به قبل الإحرام للرجال في مركبها ومسيرها، وربّما يرجع إلى ذلك ما في «اللمعة» قال: والتختّم للزينة ولبس المرأة ما لم تعتده من الحلي وإظهار المعتاد منه للزوج فتأمّل جيّداً فإنّ المسألة في غاية التشويش في كلامهم»،(2) واللَّه العالم.

التدهين

بيانه- قال في «الحدائق»: «في الأدهان وينبغي أن يعلم أنّ الأدهان على قسمين: مطيّبة وغير مطيّبة فأمّا القسم الأوّل فالظاهر أنّه لا خلاف في تحريمه على المحرم إلّاما ينقل عن الشيخ في «الجمل» من القول بالكراهة، وهو ضعيف.

وقال العلّامة في «المنتهى»: إنّه قول عامّة أهل العلم وتجب فيه الفدية إجماعاً.


1- وسائل الشيعة 12: 496، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 49، الحديث 1 ..
2- جواهر الكلام 18: 372- 374 ..

ص: 376

وهل يحرم استعماله قبل الإحرام إذا علم بقاء رائحته إلى وقت الإحرام أم لا؟ قولان، والمشهور التحريم، ونقل عن ابن حمزة القول بالكراهة والظاهر الأوّل؛ للنهي عنه في عدة روايات منها. ما رواه في «الكافي» في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبداللَّه قال: «لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر من أجل أنّ رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم. وأدهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتّى تحلّ».(1)

وما رواه الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» وثقة الإسلام في «الكافي» عن علي بن أبي حمزة قال: سألته عن الرجل يدهن بدهن فيه طيب وهو يريد أن يحرم فقال: «لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر تبقى رائحته في رأسك بعد ما تحرم وأدهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم قبل الغسل وبعده فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتّى تحلّ».(2) وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: الرجل يدهن بأيّ دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس قبل أن يغتسل للإحرام، قال: «ولا تجمر ثوباً لإحرامك».(3)

أقول: وهذه الأخبار كما تدلّ على تحريم الاستعمال قبل الإحرام إذا كانت تبقى رائحته إلى وقت الإحرام تدلّ على التحريم في الإحرام بطريق أولى».(4)


1- وسائل الشيعة 12: 458، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 29، الحديث 1 ..
2- الكافي 4: 239/ 1؛ الفقيه 2: 202/ 921 ..
3- وسائل الشيعة 12: 460، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 30، الحديث 1 ..
4- الحدائق الناضرة 15: 500- 502 ..

ص: 377

وفي «الجواهر»: «واستعمال دهن فيه طيب فإنّه محرّم بعد الإحرام بلا خلاف ولا إشكال، بل في «المنتهى»: أجمع علماؤنا على أنّه يحرم الإدهان في حال الإحرام بالأدهان الطيّبة كدهن الورد والبان والزيبق وهو قول عامّة أهل العلم وتجب له الفدية إجماعاً. ويمكن حمل كلام المصنّف وغيره على إرادة الإدهان ممّا ذكروه من الاستعمال؛ خصوصاً بعد اقتصار النصوص هنا على الإدهان، فيبقى الشمّ حينئذٍ خارجاً عن البحث هنا، وحينئذٍ فالبحث فيه على ما عرفت سابقاً من عموم الطيب وخصوصه، ويحتمل خروج الإدهان كما أشرنا إليه سابقاً ولعلّ الأوّل أولى. وعلى كلّ حال فلا إشكال كما لا خلاف في حرمة الإدهان به بعده، بل أو قبله إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام كما في «القواعد» ومحكيّ «النهاية» و «السرائر» بل في «المدارك» نسبته إلى الأكثر.(1)

وعبارة صاحب «المدارك» قدس سره: «أمّا تحريم استعمال الأدهان الطيّبة كدهن الورد والبنفسج والبان في حال الإحرام. فقال في «المنتهى»: إنّه قول عامّة أهل العلم ويجب به الفدية إجماعاً، وأمّا تحريم استعمالها قبل الإحرام إذا كانت رائحته يبقى إلى وقت الإحرام فهو قول الأكثر. وجعله ابن حمزة مكروهاً والأصحّ التحريم، لورود النهي عنه في عدّة روايات كحسنة الحلبي وعلي بن حمزة ومقتضى الروايتين جواز الدهن بغير المطيّب قبل الإحرام، ونقل عليه في «التذكرة» الإجماع وإطلاق النصّ وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين ما يبقى أثره إلى حال الإحرام وغيره.

واحتمل بعض الأصحاب تحريم الإدهان بما يبقى أثره بعد الإحرام؛ قياساً على المطيّب وهو بعيد.


1- جواهر الكلام 18: 374- 375 ..

ص: 378

ولا يخفى أنّ تحريم الإدهان بالمطيّب قبل الإحرام، إنّما يتحقّق مع وجود الإحرام وتضيق وقته وإلّا لم تكن الإدهان محرّماً، وإن حرم إنشاء الإحرام قبل زوال أثره كما هو واضح وقوله: وكذا ما ليس بطيب إلى آخره اختلف الأصحاب في جواز الإدهان بغير الأدهان الطيّبة كالشيرج والسمن والزيت اختياراً فمنعه الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» وجمع من الأصحاب وصوّغه المفيد وسلّار وابن عقيل وأبو الصلاح، والمعتمد الأوّل في رواية معاوية بن عمّار وفي حسنة الحلبي المتقدّمتين.

احتجّ المجوّزون بأصالة الإباحة وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن محرم تشقّقت يداه: فقال: «يدهنهما بزيت أو سمن أو إهالة»(1) وغيره من الرواية. والجواب إمّا عن الأصل فبأ نّه إنّما يصار إليه مع انتفاء ما يدلّ على خلافه وإمّا عن الروايتين فالقول بالموجب فإنّ الضرورة مبيحة لاستعماله إجماعاً إلى آخره»،(2) واللَّه العالم.

وقال في «الحدائق»: «احتجّ من ذهب إلى الجواز بالأصل والأخبار منها: ما رواه الصحيح عن محمّد بن مسلم وكذا الصدوق عنه عن أحدهما عليهما السلام قال:

سألته عن محرم تشقّقت يداه قال: فقال: «يدهنهما بزيت أو بسمن أو إهالة».(3) وما رواه الكليني في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إن خرج بالرجل منكم الخراج أو الدمل فليربطه وليتداو بزيت أو سمن».(4)


1- وسائل الشيعة 12: 462، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 31، الحديث 2 ..
2- مدارك الأحكام 7: 348 ..
3- وسائل الشيعة 12: 462، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 31، الحديث 2 ..
4- وسائل الشيعة 12: 462، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 31، الحديث 1 ..

ص: 379

واجيب عن الأصل بما تقدّم من الروايات، وأمّا الخبران المذكوران وما في معناهما فإنّ موردهما جواز الإدهان عند الضرورة وهو ليس من محلّ النزاع في شي ء، بل هو ممّا لا خلاف فيه.

وبذلك يظهر أنّ المعتمد هو القول الأوّل، ثمّ إنّ ظاهر جملة من الأصحاب أنّ وجوب الكفّارة إنّما هو في الإدهان بالدهن المطيّب قال ابن إدريس تجب به الكفّارة؛ سواء كان مختاراً أو مضطرّاً. وقال في غير المطيّب لا تجب به كفّارة بل الإثم فليستغفر اللَّه وقوى في «المختلف» وجوب الكفّارة في المطيّب دون غيره، وأمّا أكل غير المطيّب فإنّه سائغ مطلقاً.(1)

قوله في «المدارك»: «أمّا المطيّب فقال في «المنتهى»: إنّه يجب الفدية باستعماله ولو اضطرّ إليه؛ لصحيحة معاوية بن عمّار: في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج قال: «إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين وإن كان تعمّداً فعليه دم شاة يهريقه»...(2) وبالجملة فالاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكروه ولعلّ اتّفاقهم أوّلًا وآخراً باعتضاده بهذه الرواية كافٍ في الحكم المذكور»(3) انتهى.


1- الحدائق الناضرة 15: 504 ..
2- وسائل الشيعة 13: 151، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 4، الحديث 5 ..
3- الحدائق الناضرة 15: 503- 505 ..

ص: 380

السادس عشر: إزالة الشعر كثيره وقليله حتّى شعرة واحدة عن الرأس واللحية وسائر البدن بحلق أو نتف أو غيرهما؛ بأيّ نحو كان ولو باستعمال النورة؛ سواء كانت الإزالة عن نفسه أو غيره ولو كان محلًاّ.

إزالة الشعر عن البدن

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «اتّفقوا على عدم جواز قصّ الأظافر والشعر وحلقه؛ سواء كان على الرأس أم على البدن وإن خالف فعليه كفّارة».(1)

قال في «الحدائق»: «إزالة الشعر وتحقيق الكلام فيه يتوقّف على بسطه في مسائل: الاولى: الظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- في أنّه يحرم على المحرم إزالة الشعر من رأسه ولحيته وسائر بدنه بحلق أو نتف أو غيرهما مع الاختيار. ونقل عليه في «التذكرة» و «المنتهى» إجماع العلماء.

ويدلّ عليه بالنسبة إلى الحلق قوله عزّ وجلّ: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ(2).(3) وقال في «الجواهر»: «وإزالة الشعر قليلة وكثيرة حتّى الشعرة ونصفها عن الرأس أو اللحية أو الإبط أو غيرها بالحلق أو القصّ أو النتف أو النورة أو غيرها بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في «التذكرة»


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 221 ..
2- البقرة( 2): 196 ..
3- الحدائق الناضرة 15: 511 ..

ص: 381

و «المنتهى» إجماع العلماء مضافاً إلى كون بعض أفراده ترفها. وإلى قوله تعالى آية: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ وإلى مفهوم قوله تعالى أيضاً: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ.(1) وفي «الحدائق»: «ويدلّ عليه وعلى غيره الأخبار ومنها: صحيحة زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلًا فلا شي ء عليه ومن فعله متعمّداً فعليه».(2) وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلًا فليس عليه شي ء ومن فعله متعمّداً فعليه دم شاة»(3) وعليه يدلّ من الروايات.

الثانية: الظاهر أنّه لا خلاف في جوازه مع الضرورة وإن كانت وجبت الفدية.

ويدلّ على الجواز الأصل ونفي الحرج وقوله عزّ وجلّ: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ.(4) وقال في «الجواهر»: نعم، مع الضرورة من أذية قمّل أو قروح أو صداع أو حرّ وغير ذلك لا إثم بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى


1- جواهر الكلام 18: 377 ..
2- وسائل الشيعة 13: 159، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 10، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 13: 157، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 7، الحديث 1 ..
4- الحدائق الناضرة 15: 511- 512 ..

ص: 382

الأصل وعموم أدلّتها وإلى نفي العسر والحرج والضرر والضرار وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «مرّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم على كعب بن عجرة الأنصاري والقمّل يتناثر من رأسه، فقال: أتؤذيك هوامّك قال: نعم، قال: فأنزلت هذه الآية: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ فأمره رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بحلق رأسه وجعل عليه الصيام ثلاثة أيّام والصدقة على ستّة مساكين لكلّ مسكين مدّان والنسك شاة وقال أبو عبداللَّه عليه السلام: «وكلّ شي ء في القرآن (أو) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء وكلّ شي ء في القرآن فإن لم يجد كذا فعليه كذا فالأوّل بالخيار»(1) أي هو المختار وما بعده عوض عنه مع عدم إمكانه إلى غير ذلك من النصوص... لكن في «المنتهى»: لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمّل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق إجماعاً؛ للآية وللأحاديث السابقة.

ثمّ ينظر فإن كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر فلا فدية عليه، كما لو نبت في عينيه أو نزل شعر حاجبه؛ بحيث يمنعه الأبصار؛ لأنّ الشعر أضرّ به، فكان له إزالة ضرره، كالصيد إذا صال عليه وإن كان الأذى من غير الشعر، لكن لا يتمكّن من إزالة الأذى إلّابحلق الشعر كالقمّل والقروح برأسه والصداع من الحرّ بكثرة الشعر وجبت الفدية؛ لأنّه قطع الشعر لإزالة ضرره، فصار كما لو أكل الصيد للمخمصة. لا يقال: القمّل من ضرر الشعر والحرّ سببه كثرة الشعر، فكان الضرر منه أيضاً؛ لأنّا نقول: ليس القمّل من الشعر، وإنّما لا يمكنه القيام إلّابالرأس ذي


1- وسائل الشيعة 13: 165، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 14، الحديث 1 ..

ص: 383

الشعر، فهو محلّه لا سبب. وكذلك الحرّ من الزمان؛ لأنّ الشعر يوجد في البرد ولا يتأذّى به، فقد ظهر أنّ الأذى في هذين النوعين ليسا من الشعر. وفي «الدروس»: لو نبت في عينه شعراً أو طال حاجبه فغطّى عينه، فأزاله فلا فدية، ولو تأذّى بكثرة الشعر في الحرّ فأزاله فدى، والفرق لحوق الضرر من الشعر في الأوّل ومن الزمان في الثاني وفي إزالته لدفع القمّل الفدية؛ لأنّه محلّ الموذي لا مؤذٍ. وفي «كشف اللثام» بعد أن ذكر جواز الإزالة للضرورة. قال: ولكن لا يسقط بشي ء من ذلك الفدية؛ للنصوص إلّافي الشعر النابت في العين والحاجب الذي طال فغطّى العين. واعترضه في «المدارك»- بعد نقل كلام الأخير- بأ نّه غير واضح قال: والمتّجه لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض أو الأذى الحاصل في الرأس مطلقاً؛ لإطلاق الآية الشريفة دون ما عدا ذلك؛ لأنّ الضرورة مسوّغة لإزالته والفدية منتفية بالأصل. ونوقش بأنّ مورد الأخبار الموجبة لجواز الحلق مع الضرورة، إنّما هو التضرّر بالقمّل أو بالصداع، كما في الروايات. وعليه يحمل إطلاق الآية ويبقى ما عداه خارجاً عن محلّ البحث.

وبالجملة فالفدية إنّما هو في موضع رفع الأذى بأحد هذه الأشياء، وأمّا ما يستلزم تركه الضرر الموجب للعمى مثلًا أو عدم الأبصار أو نحو ذلك من الأمراض فالظاهر أنّه لا فدية فيه؛ لعدم الدليل. وبنحو ما ذكره العلّامة هنا صرّح في «الدروس» أيضاً وهو جيّد، ومناقشة السيّد قدس سره ضعيفة».(1)

قال في «الحدائق»: الثالثة: لا خلاف في أنّ الفدية في إزالة الشعر بأيّ الوجوه المتقدّمة؛ عمداً كان أو لضرورة واجبة وإن اختلفت مقاديرها، قال في


1- جواهر الكلام 18: 378- 380 ..

ص: 384

«المنتهى»: لا فرق بين شعر الرأس وبين شعر سائر البدن في وجوب الفدية وإن اختلف مقاديرها على ما يأتي، ذهب إليه علمائنا.

ثمّ إنّ ظاهر عبارات جملة من الأصحاب أنّ التخيير بين الأفراد الثلاثة مترتّب على حلق الشعر مطلقاً من الرأس أو البدن، وتأمّل فيه بعض الأفاضل ظاهر رواية عمر بن يزيد العموم إلّاأنّ موردها حالة الضرورة دون الاختيار.

بقي الكلام في الصدقة التي هي أحد أفراد الكفّارة المخيّرة وقد صرّح جمع من الأصحاب بأ نّها على عشرة مساكين لكلّ مدّ، وقال الشيخ: من حلق رأسه لأذى فعليه دم شاة أو صيام ثلاثة أو يتصدّق على ستّة مساكين لكلّ مسكين مدّ من طعام، وقد روي عشرة وهو الأحوط. ونحوه قال الشيخ المفيد إلّاأنّه لم يذكره رواية العشرة بل جعل الإطعام لستّة مساكين لكلّ مسكين مدّ، وبه قال ابن إدريس. وقال ابن الجنيد: أو إطعام ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع وهو الذي رواه الصدوق في «المقنع» وبه قال ابن أبي عقيل، واختاره في «المختلف» وجمع الشيخ بين صحيحة حريز وما دلّت عليه من الستّة والمدّين ورواية عمر بن يزيد وما دلّت عليه من العشرة والشبع لكلّ واحد بالتخيير بين الأمرين وهو جيّد...

الرابعة: قال في «المنتهى» إذا نبت الشعر في عينه أو نزل شعر حاجبه فغطى عينه جاز له قطع النابت في عينه وقصّ المسترسل والوجه أنّه لا فدية عليه؛ لأ نّه لو تركه لأضرّ بعينه ومنعه من الأبصار كما لو صال عليه فقتله؛ فإنّه لا فدية عليه ثمّ قال قدس سره: لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمّل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق إجماعاً؛ للآية والأحاديث السابقة، ثمّ ينظر فإن كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر فلا فدية عليه، كما لو نبت في عينه أو نزل شعر

ص: 385

حاجبه؛ بحيث يمنعه من الأبصار؛ لأنّ الشعر أضرّ به فكان له إزالة ضرره، كالصيد إذا صال عليه، وإن كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكّن من إزالة الأذى إلّابحلق الشعر كالقمّل والقروح برأسه والصداع من الحرّ بكثرة الشعر وجبت الفدية؛ لأنّه قطع الشعر لإزالة الضرر عنه فصار كما لو أكل الصيد للمخمصة.

لا يقال: القمّل من ضرر الشعر والحرّ سببه كثرة الشعر فكان الضرر منه أيضاً.

لأ نّا نقول: ليس القمّل من الشعر، وإنّما لا يمكنه المقام إلّابالرأس ذي الشعر فهو محلّ لا سبب وكذلك الحرّ بين الزمان؛ لأنّ الشعر يوجد في البرد ولا يتأذّى به فقد ظهر أنّ الأذى في هذين النوعين ليسا من الشعر، انتهى.

واعترضه في «المدارك» بعد نقل الكلام الأخير بأ نّه واضح. قال: والمتّجه لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض أو الأذى الحاصل في الرأس مطلقاً؛ لإطلاق الآية الشريفة دون ما عدا ذلك؛ لأنّ الضرورة مسوغة لإزالته والفدية منتفية بالأصل. أقول: لا ريب أنّ مورد الأخبار الموجبة لجواز الحلق مع الضرورة إنّما هو التضرّر بالقمّل أو بالصداع، كما في روايات المحصر. وعليه يحمل إطلاق الآية ويبقى ما عداه خارجاً عن محلّ البحث.

وبالجملة: فالفدية إنّما هو في موضع رفع الأذى بأحد هذه الأشياء ما يستلزم تركه الضرر الموجب للعمى مثلًا أو عدم الأبصار أو نحو ذلك من الأمراض، فالظاهر أنّه لا فدية فيه لعدم الدليل....

الخامسة: قال في «الدروس»: الأقرب أنّه لا شي ء على الناسي والجاهل وأوجب الفاضل الكفّارة على الناسي في الحلق والقلم؛ لأنّ الإتلاف يتساوى فيه العمد والخطأ كالمال وهو بعيد؛ لصحيح زرارة عن الباقر عليه السلام: «من حلق

ص: 386

رأسه أو نتف إبطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلًا فلا شي ء عليه»(1) ونقل الشيخ:

الإجماع على عدم وجوب الفدية على الناسي. والقياس عندنا باطل وخصوصاً مع معارضة النصّ انتهى وهو جيّد.

السادسة: لو مسّ لحيته أو رأسه فسقط منه شي ء فالواجب كفّ من طعام.

والحكم ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، كما هو ظاهر «المنتهى» و «التذكرة».

ونقل عن ابن حمزة التصدّق بكفّين. وقال الصدوق في «المقنع»: بكف أو كفّين من طعام، وقال سلّار: وإن أسقط بفعله شيئاً من شعره فعليه كفّ من طعام. ومن أسقط كثيراً من شعره فعليه دم شاة، وأطلق ولم يذكر التفصيل بين الوضوء وغيره. وكذا قال السيّد المرتضى. وقال ابن البرّاج: إذا مسّ رأسه أو لحيته لغير طهارة فسقط شي ء من شعرهما بذلك فعليه كفّ من طعام وإن كان مسّهما للطهارة لم يكن عليه شي ء، وقد ذكر أنّه إن سقط في حال وضوئه كان عليه كفّ من طعام وإن كان كثيراً فدم شاة.

وأمّا الروايات الواردة في المقام.

فمنها: ما رواه الشيخ والصدوق عن معاوية بن عمّار في الصحيح قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: المحرم يعبث بلحيته فتسقط منها الشعرة والثنتان قال: «يطعم شيئاً»(2) قال الصدوق: وفي خبر آخر مدّاً من طعام أو كفّين(3) وعن هشام بن


1- وسائل الشيعة 13: 159، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 10، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 171، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 16، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 11: 171، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 16، الحديث 3 ..

ص: 387

سالم في الصحيح قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته وهو محرم فيسقط شي ء من الشعر فليتصدّق بكفّ من طعام أو كفّ من سويق».(1)

ورواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن هشام مثله إلّاأنّه قال: «وبكفّ من كعك أو سويق».(2) وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إن نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئاً فعليه أن يطعم مسكيناً في يده».(3)

وفي رواية اخرى قال: «يطعم كفّاً أو كفّين» وعن الحسن بن هارون قال:

قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: إنّى أولع بلحيتي وأنا محرم فتسقط الشعرات قال: «إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمراً وتصدّق به فإنّ تمرة خير من شعرة».(4) أقول: وقضية ضمّ هذه الأخبار مطلقها إلى مقيّدها الاكتفاء بالكفّ من الطعام أو السويق أو التمر والمدّ أفضل»،(5) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 13: 171، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 16، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 13: 171، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 16، الحديث 5 ..
3- وسائل الشيعة 13: 173، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 16، الحديث 9 ..
4- وسائل الشيعة 13: 171، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 16، الحديث 4 ..
5- الحدائق الناضرة 15: 512- 518 ..

ص: 388

السابع عشر: تغطية الرجل رأسه بكلّ ما يغطّيه؛ حتّى الحشيش والحنّاء والطين ونحوها على الأحوط فيها، بل الأحوط أن لا يضع على رأسه شيئاً يغطّي به رأسه. وفي حكم الرأس بعضه، والاذُن من الرأس ظاهراً فلا يجوز تغطيته.

ويستثنى من الحكم عصام القربة وعصابة الرأس للصداع.

ستر الرأس للرجل

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «اتّفقوا على أنّ المحرم لا يجوز له أن يغطّي رأسه اختياراً وقال المالكية والإمامية: وأيضاً لا يجوز له أن يرتمس في الماء؛ بحيث يعلو فوق رأسه ويجوز أن يغسل رأسه ويفيض عليه الماء بالاتّفاق إلّاالمالكية؛ فإنّهم قالوا: لا يجوز للمحرم إزالة الوسخ بالغسل إلّااليدين.

ولو غطّى رأسه ناسياً قال الإمامية والشافعية: لا شي ء عليه. وقال الحنفية: عليه الفدية. واتّفقوا ما عدا الشافعية على أن الرجل المحرم يحرم عليه أن يستظلّ في حال السير، فلا يجوز له ركوب السيّارة أو الطيّارة وما إليهما إن كان لها سقف، أمّا إذا كان ماشياً فيجوز له أن يمرّ تحت الظلّ عابراً. ونقل صاحب «التذكرة» عن أبي حنيفة عدم جواز الاستظلال حال السير ولو اضطرّ إلى الاستظلال وهو مسافر؛ لمرض أو حرّ أو برد جاز، وعليه كفّارة عند الإمامية، واتّفقوا على أنّ المحرم أن يستظلّ بالسقف والحائط والشجرة والخيمة وما إلى ذاك في حال الاستقرار وعدم السير، وقال الإمامية: يجوز للمرأة أن تستظلّ وهي سائرة.(1)

وفي «المدارك» قال: «هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، بل قال في


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 222- 223 ..

ص: 389

«التذكرة» يحرم على الرجل حالة الإحرام تغطية رأسه اختياراً بإجماع العلماء، ويدلّ عليه روايات.

منها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:

المحرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال: «نعم، ولا يخمّر رأسه».(1)

في الصحيح عن حريز قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن محرم غطّى رأسه ناسياً قال: «يلقي القناع عن رأسه ويلبّي ولا شي ء عليه».(2)

وتنقيح المسألة يتمّ ببيان امور:

الأوّل: صرّح العلّامة وغيره بأ نّه لا فرق في التحريم بين أن يغطّي رأسه بالمعتاد كالعمامة والقلنسوة أو بغيره حتّى الطين والحناء وحمل متاع يستره وهو غير واضح؛ لأنّ النهي في الروايات المعتبرة تخمير الرأس ووضع القناع عليه والستر بالثوب لا مطلق الستر، مع أنّ النهي لو تعلّق به لوجب حمله على ما هو المتعارف منه وهو الستر بالمعتاد إلّاأنّ المصير إلى ما ذكروه أحوط.

قال في «التذكرة»: ولو توسّد بوسادة فلا بأس، وكذا لو توسّد بعمامة مكورة، لأنّ المتوسّد يطلق عليه عرفاً أنّه مكشوف الرأس وهو حسن.

الثاني: لو ستر رأسه بيده أو ببعض أعضائه فالأظهر جوازه، كما اختاره العلّامة في «المنتهى» واستشكله في «التحرير»، وجعله في «الدروس» تركه أولى، ويدلّ عليه الجواز- مضافاً إلى الأصل وعدم صدق الستر ووجوب مسح الرأس في الوضوء المقتضي لستره باليد في الجملة- ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ


1- وسائل الشيعة 12: 506، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 54، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 12: 505، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 54، الحديث 3 ..

ص: 390

الشمس ولا بأس أن يستر بعض جسده ببعض».(1)

الثالث: ذكر جمع من الأصحاب: أنّ المراد بالرأس هنا منابت الشعر خاصّة، حقيقة وحكماً، وظاهرهم خروج الاذنين منه وصرّح الشارح قدس سره واستوجه العلّامة رحمه الله في «التحرير» تحريم سترهما وهو متّجه، لما رواه الكليني في الصحيح، عن عبدالرحمان والظاهر أنّه ابن الحجّاج- قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المحرم يجد البرد في إذنيه يغطّيهما قال: «لا».(2)

الرابع: قال في «المنتهى»: يحرم تغطية بعض الرأس كما يحرم تغطيته؛ لأنّ النهي عن إدخال الستر في الوجود يستلزم النهي عن إدخال أبعاضه وهو جيّد لو ثبت ما ذكره، لكنه غير ثابت.

والأجود الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللَّه بن سنان قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول لأبي: «وشكى إليه حرّ الشمس وهو محرم وهو يتأذّى به» وقال: ترى أن أستتر بطرف ثوبي قال: «لا بأس بذلك ما لم يصب رأسك»(3) فإنّ إطلاق النهي عن إصابة الثوب الرأس يقتضى ذلك.

ويستثنى من ذلك وضع عصام القربة على الرأس يحملها فإنّه جائز وإن تحقّق ستر البعض؛ لصحيحة محمّد بن مسلم أنّه: سأل أبا عبداللَّه عليه السلام من المحرم يضع عصام القربة على الرأس إذا استسقى فقال: «نعم»،(4) ولا يتقيّد ذلك بالضرورة؛ لإطلاق النصّ. وتجوز العصابة للصداع. لصحيحة معاوية بن وهب


1- وسائل الشيعة 12: 524، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 67، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 12: 505، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 55، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 12: 525، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 67، الحديث 4 ..
4- وسائل الشيعة 12: 508، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 57، الحديث 1 ..

ص: 391

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا بأس بأن يعصب المحرم رأسه من الصداع»(1) واستدلّ عليه في «المنتهى» أيضاً بأ نّه غير ساتر لجميع العضو فكان سائغاً كستر النعل وهو منافٍ لما ذكره أوّلًا من أنّ ستر البعض كستر الكلّ.

الخامس: اختلف الأصحاب في جواز تغطية المحرم وجهه، فذهب الأكثر إلى الجواز، بل قال في «التذكرة» أنّه قول علمائنا أجمع، ومنعه ابن أبي عقيل وجعل كفّارته إطعام مسكين في يده، وقال الشيخ في «التهذيب»: فأمّا تغطية الوجه فيجوز مع الاختيار غير أنّه يلزمه الكفّارة».(2)

وفي «الجواهر»: «وتغطية الرجل الرأس بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن «التذكرة» و «المنتهى» إجماع العلماء عليه، بل النصوص فيه مستفيضة حدّ الاستفاضة إن لم تكن متواترة.... إلى أن قال: نعم، لا بأس بعصام القربة اختياراً كما صرّح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافاً... وكذا عصابة الصداع؛ لقول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية: «لا بأس أن يعصب المحرم رأسه من الصداع» ونحوه حسن يعقوب بن شعيب، بل في «كشف اللثام» عمل بهما؛ أي صحيحي العصابتين الأصحاب. ففي «المقنع» تجويز عصابة القربة، وفي «التهذيب» و «النهاية» و «المبسوط» و «السرائر» و «الجامع» و «التذكرة» و «التحرير» و «المنتهى» تجويز التعصيب لحاجة، وأطلق ابن حمزة التعصيب، وإن كان قد يناقش بعدم دليل على التعميم المزبور، بل ظاهر قوله عليه السلام: «لا بأس ما لم يصب رأسك» خلافه إلّاأن يدّعى ذلك في خصوص التعصيب ولكن إن لم يصل إلى حدّ الضرورة فيه منع واضح».(3)


1- وسائل الشيعة 12: 507، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 56، الحديث 1 ..
2- مدارك الأحكام 7: 353- 356 ..
3- جواهر الكلام 18: 382- 383 ..

ص: 392

(مسألة 31): لا يجوز ارتماسه في الماء ولا غيره من المائعات، بل لا يجوز ارتماس بعض رأسه حتّى اذنه فيما يغطّيه. ولا يجوز تغطية رأسه عند النوم، فلو فعل غفلة أو نسياناً أزاله فوراً، ويستحبّ التلبية حينئذٍ بل هي الأحوط. نعم، لا بأس بوضع الرأس عند النوم على المخدّة ونحوها، ولا بأس بتغطية وجهه مطلقاً.

بيانه- قال في «الجواهر»: «وفي معناه؛ أي التغطية الارتماس بالماء بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه؛ لقول الصادق عليه السلام في صحيح حريز: «لا يرتمس المحرم في الماء»،(1) وفي صحيح ابن سنان: «لا تمسّ الريحان وأنت محرم ولا تمسّ شيئاً فيه زعفران ولا تأكل طعاماً فيه زعفران ولا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك»(2) وغيرهما من النصوص، بل قد يستفاد من الصحيح الأخير أنّ المراد هنا بالارتماس إدخال الرأس في الماء، بل لا فرق بينه وبين غيره من المائعات بعد أن كان المانع التغطية، بل مقتضى ذلك أنّه لا يجوز رمس بعض رأسه حينئذٍ فضلًا عن جميعه.

نعم، لا إشكال ولا خلاف في جواز غسل رأسه بإفاضة الماء عليه، بل عن «التذكرة» الإجماع عليه؛ لأنّه ليس تغطية ولا في معناها، ولقول الصادق عليه السلام في صحيح حريز: «إذا اغتسل المحرم من الجنابة صبّ على رأسه الماء»(3).(4)


1- وسائل الشيعة 12: 508 كتاب الحج ابواب تروك الاحرام الباب 58 الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 12: 536 كتاب الحج ابواب تروك الاحرام الباب 58 الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 12: 536 كتاب الحج ابواب تروك الاحرام الباب 58 الحديث 2 ..
4- جواهر الكلام 18: 386- 387 ..

ص: 393

وقال في «الحدائق»: «ظاهر الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- الاتّفاق على عدم جواز الارتماس في الماء على وجه يعلو الماء رأسه قالوا: لأنّه في حكم تغطية الرأس. ويدلّ عليه جملة من الأخبار... والمنع إنّما تعلّق بالارتماس فلا بأس بالصبّ على الرأس وأن يفيض عليه الماء في غسل وغيره.

والظاهر أنّه لا خلاف فيه».(1)

وقال في «المدارك»: «قوله: وفي معناه؛ أي تغطية الرأس الارتماس بالماء:

الحكم مجمع عليه بين الأصحاب أيضاً، ويدلّ عليه روايات كثيرة كصحيحة حريز عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: لا يرتمس المحرم في الماء ويستفاد من هذه الرواية أنّ المراد بالارتماس إدخال الرأس في الماء. قال في «التذكرة»: ويجوز للمحرم أن يغسل رأسه ويفيض عليه الماء إجماعاً؛ لأنّه لا يطلق عليه اسم التغطية، وليس هو في معناها كالارتماس ويدلّ عليه صحيحة حريز عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إذا اغتسل المحرم عن الجنابة صبّ على رأسه الماء ويميز الشعر بأنامله بعضه من بعض».(2) وروى ابن بابويه في الصحيح عن أبان عن زرارة قال: سألته عن المحرم هل يحكّ رأسه أو يغتسل بالماء فقال: «يحكّ ما لم يتعمد قتل دابّة ولا بأس بأن يغتسل بالماء ويصبّ على رأسه أو ما لم يكن ملبّداً فإن كان ملبّداً فلا يقتضي على رأسه الماء إلّامن احتلام».(3)

وفي اللغة «مجمع البحرين»: وتلبيد الشعر أن يجعل فيه شي ء من صمغ أو خطمي وغيره عند الإحرام لئلّا يشعث ويقمل اتّقاء على الشعر. قال في


1- الحدائق الناضرة 15: 498- 500 ..
2- وسائل الشيعة 12: 536، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 75، الحديث 2 ..
3- الفقيه 2: 230/ 1092 ..

ص: 394

«النهاية»: وإنّما يلبد من يطول مكثه في الإحرام فلا إشكال في اقتضاء النصوص والفتاوى حرمة تغطية المحرم رأسه حتّى عند النوم، فما في خبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «في المحرم له أن يغطّى رأسه ووجهه إذا أراد أن ينام»(1) مطرح أو محمول على حال التضرّر بالتكشّف.

وكيف كان: لو غطّى رأسه ناسياً ألقى الغطاء واجباً بلا خلاف ولا إشكال من حرمة الابتداء والاستدامة وجدّد التلبية استحباباً لصحيح حريز، وصحيح الحلبي سأل الصادق عليه السلام عن المحرم يغطي رأسه نائماً أو ناسياً فقال: «يلبي»(2) إلّا أنّهما كما ترى مقتضاهما الوجوب الذي به ينقطع الأصل، ولكن في «المدارك»: «أمّا وجوب إلقاء الغطاء عند الذكر فلا ريب فيه؛ لأنّ استدامة التغطية محرّمة كابتداءها، وأمّا استحباب التلبية فعلّل بأنّ التغطية تنافي الإحرام فاستحبّ تجديد ما ينعقد به وهو التلبية، ويدلّ على الحكمين. ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن محرم غطّى رأسه ناسياً قال: «يلقي القناع عن رأسه ويلبّي ولا شي ء عليه»،(3) ويدلّ على استحباب التلبية أيضاً ما رواه ابن بابويه رضى الله عنه عنه في الصحيح عن الحلبي أنّه سأل أبا عبداللَّه عليه السلام عن المحرم يغطّي رأسه ناسياً أو نائماً فقال: «يلبّي إذا ذكر» ومقتضى الروايتين وجوب التلبية وحملتا على الاستحباب؛ لعدم القائل بالوجوب ولا يخفى ما فيه.


1- وسائل الشيعة 12: 507، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 56، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 12: 506، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 55، الحديث 6 ..
3- وسائل الشيعة 12: 505، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 55، الحديث 3 ..

ص: 395

(مسألة 32): كفّارة تغطية الرأس بأيّ نحو شاة، والأحوط ذلك في تغطية بعضه، والأحوط تكرّرها في تكرّر التغطية؛ وإن لا يبعد عدم وجوبه حتّى إذا تخلّلت الكفّارة؛ وإن كان الاحتياط مطلوباً فيه جدّاً.

بيانه- ظاهر الأصحاب القطع بوجوب شاة متى غطّى رأسه بثوب أو طيّنه بطين أو ارتمس في الماء أو حمل ما يستره، وظاهر العلّامة في «المنتهى» و «التذكرة» أنّه إجماع ولعلّه الحجّة، والأصحاب حتّى العلّامة في «المنتهى» ذكروا الحكم ولم ينقلوا عليه دليلًا وكان مستندهم إنّما هو الإجماع إلّاأنّه قد روى الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «المحرم إذا غطّى وجهه فليطعم مسكيناً في يده»(1) وظاهر هذه الرواية أنّ الواجب في تغطية الرأس عمداً إعطاء مسكين لأنّه مع النسيان لا شي ء فيه.

ثمّ إنّه على تقدير كون الفدية شاة أو إطعام مسكين، فهل تتكرّر بتكرر الفعل؟

قولان واستقرب الشهيد التعدّد مع الاختيار دون الاضطرار، وحكم الشهيد الثاني بعدم التعدّد مع الاضطرار، وكذا مع الاختيار إذا اتّحد المجلس واستوجه التعدّد مع اختلافه ولا أعرف لشي ء من هذه الأقوال مستنداً سيّما مع كون أصل المسألة خالياً من الدليل على ما يدّعونه وقضية الأصل تقتضي العدم مطلقاً.

وبالجملة: ولأنّ المنهي عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس ووضع القناع عليه والستر بالثوب لا مطلق الستر مع أنّ النهي لو تعلّق به لوجب حمله على ما هو المتعارف منه وهو الستر بالمعتاد، ثمّ نقل عن «التذكرة»: أنّه لو توسّد بوسادة فلا بأس وكذلك لو توسّد بعمارة مكورة؛ لأنّ المتوسّد يطلق عليه عرفاً


1- وسائل الشيعة 12: 505، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 55، الحديث 4 ..

ص: 396

الثامن عشر: تغطية المرأة وجهها بنقاب وبرقع ونحوهما حتّى المروحة، والأحوط عدم التغطية بما لا يتعارف كالحشيش والطين. وبعض الوجه في حكم تمامه. نعم، يجوز وضع يديها على وجهها، ولا مانع من وضعه على المخدّة ونحوها للنوم.

أ نّه مكشوف الرأس، ثمّ قال: وهو حسن لو استلزم التوسّد التغطية للزم منه تحريم النوم عليه مضطجعاً؛ إذ لا بدّ من وقوع جزء من رأسه على الأرض أو غيرها ممّا يجعله تحت رأسه وهو باطل قطعاً.

قال في «الحدائق الناضرة»: قد صرّح جملة من الأصحاب بأنّ الرأس هنا عبارة عن منابت الشعر خاصّة؛ حقيقة أو حكماً وظاهرهم خروج الاذنين منه.(1) انتهى.

ستر الوجه للنساء

بيانه- قال في «المدارك»: أجمع الأصحاب على أنّ إحرام المرأة في وجهها فلا يجوز له تغطية، بل قال في «المنتهى»: إنّه قول علماء الأمصار، والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم «إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها»(2) فلا يجوز له تغطية.

وفي «الجواهر»: فلا يجوز لها تغطيته بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في «المنتهى»: أنّه قول علماء الأمصار وهو الحجّة بعد ما سمعت من أنّ إحرامها في وجهها. وفي حسن الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام: مرّ


1- الحدائق الناضرة 15: 494 ..
2- مستدرك الوسائل 9: 224، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 38، الحديث 3 ..

ص: 397

أبو جعفر عليه السلام بإمرأة متنقّبة وهي محرمة فقال: «أحرمي واسفري وأرخي ثوبك من فوق رأسك فإنّك إن تنقّبت لم يتغيّر لونك» فقال له رجل: إلى أين ترخيه فقال: «تغطي عينها» قلت: يبلغ فمها قال: «نعم»،(1) وفي الحسن عن عبداللَّه بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: «المحرمة لا تنقبت لأنّ إحرام المرأة في وجهها»،(2) وغير ذلك من الروايات. وذكر جمع من الأصحاب أنّه لا فرق في التحريم بين أن تغطّيه بثوب وغيره وهو مشكل، وينبغى القطع بجواز وضع اليد عليه وجواز نومها على وجهها لعدم تناول الأخبار المانعة لذلك وفي خبر أبي عيينة: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام ما يحل للمرأة أن تلبس من الثياب وهي محرمة قال: «الثياب كلّها ما خلا القفّازين والبرقع والحرير»(3) كخبر ابن أبي العلاء، عن أبي العلاء، عن أبي عبداللَّه عليه السلام «أ نّه كره للمحرمة البرقع والقفّازين»(4) بناءً على إرادة الحرمة من الكراهة، مثل ما في صحيح العيص عنه عليه السلام أيضاً: أنّه كره النقاب وقال: «تسدّل الثوب على وجهها» قلت: حدّ ذلك إلى أين؟ قال: «إلى طرف الأنف قدر ما تبصر»(5) إلى غير ذلك من النصوص المستفاد من أوّلها.

وغيره ما ذكره غير واحد من الأصحاب من عدم الفرق في التحريم بين أن تغطّيه بثوب وغيره، نحو ما سمعته في رأس الرجل؛ ضرورة اتّحاد الوجه معه بالنسبة إلى ذلك، لكن في «المدارك»؛ هو مشكل نحو ما سمعته منه هناك وقد عرفت ما


1- وسائل الشيعة 12: 494، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 48، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 12: 493، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 48، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 12: 367، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 33، الحديث 3 ..
4- وسائل الشيعة 12: 367، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 33، الحديث 6 ..
5- وسائل الشيعة 12: 493، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 48، الحديث 2 ..

ص: 398

(مسألة 34): يجب ستر الرأس عليها للصلاة، ووجب ستر مقدار من أطراف الوجه مقدّمة، لكن إذا فرغت من الصلاة يجب رفعه عن وجهها فوراً.

فيه. نعم، يجوز له وضع اليدين، كما يجوز لها نومها عليه نحو ما سمعته في الرجل بالنسبة إلى رأسه، وقول الصادق عليه السلام في خبر سماعة: «ولا تستر بيدها من الشمس»(1) محمول على ضرب من الكراهة وكذا لا فرق في حرمة التغطية بين الكلّ والبعض؛ لما سمعته في الرأس والصحيح المنع من النقاب، بل يجب عليها كشف بعض الرأس مقدّمة لكشف الوجه كما يجب على الرجل كشف بعض الوجه مقدّمة للرأس.

بيانه- قال في «المسالك»: لا فرق في وجهها بين جميعه وبعضه كرأس الرجل وفي جواز وضع اليدين عليه ما مرّ في الرأس وفي جواز نومها على وجهها نظر؛ من عدم تسميته ستراً عرفاً كالرأس ومن استثناء الرأس. لضرورة النوم الطبيعي بخلاف الوجه. وقد اجتمع في المرأة فعلان واجبان متنافيان في الحدود وهما الوجه فإنّه يجب كشفه والرأس فإنّه يجب ستره ولا مفصل محسوس بينهما مقدّمة الواجب متعارضة فيهما، والظاهر أنّ حقّ الرأس مقدّم لأنّ الستر أحوط من الكشف ولأنّ حقّ الصلاة أسبق.

وقال في «الجواهر»: «نعم، لو تعارض ذلك في المرأة في الصلاة ففي «المنتهى» و «التذكرة» و «الدروس» قدّمت ستر الرأس لا لما في «المدارك» من التمسّك بالعمومات المتضمّنة لوجوب ستره السالمة عمّا يصلح للتخصيص؛ ضرورة إمكان معارضته بمثله، بل لترجيحه بما قيل من أنّ الستر أحوط من


1- وسائل الشيعة 12: 368، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 33، الحديث 7 ..

ص: 399

(مسألة 35): يجوز إسدال الثوب وإرساله من رأسها إلى وجهها إلى أنفها، بل إلى نحرها للستر عن الأجنبيّ، والأولى الأحوط أن تُسدله بوجه لا يلصق بوجهها ولو بأخذه بيدها.

الكشف؛ لكونها عورة ولأنّ المقصود إظهار شعار الإحرام بكشف الوجه بما تسمّى به مكشوفة، وهو حاصل مع ستر جزء يسير منه وإن أمكن المناقشة فيه أيضاً بتعارض الاحتياط بالنسبة إلى الصلاة والإحرام، وكونها عورة في النظر لا مدخلية له في ذلك، وكما يصدق أنّها مكشوفة الوجه مع ستر الجزء اليسير منه يصدق أنّها مستورة الرأس مع كشف الجزء اليسير منه، فالمتّجه حينئذٍ التخيير إن لم ترجح الصلاة بكونها أهمّ وأسبق حقّاً ونحو ذلك.(1)

بيانه- قال في «المسالك»: «فيجوز لها أن تسدّل ثوباً على وجهها فوق رأسها إلى طرف أنفها وهو موضع وفاق، ورواه حريز في الصحيح عن الصادق عليه السلام. ولا فرق أن تفعل ذلك لحاجة؛ من حرّ أو برد أو ستر عن غير محرم وغيرها، وهل تجب عليها مجافاته عن وجهها بخشبة وشبهها؟ قيل: نعم، لتحريم الستر واندفاع الضرورة بذلك فتصير حينئذٍ كتظليل نازلًا والنصّ مطلق وإطلاق الإذن فيه الذي لا يكاد يسلم من إصابة البشرة مع وجوب البيان في وقت الحاجة يؤذن بعدم وجوبه، ثمّ على تقدير وجوب مجافاته عن البشرة لا وجه لاختصاصه بالوصول إلى الأنف؛ لعدم تحقّق الستر بذلك والخنثى المشكل يتخيّر بإحدى الوظيفتين فيغطّي الرأس أو الوجه ولو جمع بينهما كفّر»،(2) انتهى.


1- جواهر الكلام 18: 391 ..
2- مسالك الأفهام 2: 264 ..

ص: 400

وقال في «الجواهر»: ولو سدّلت قناعها على رأسها إلى طرف أنفها جاز بلا خلاف أجده كما عن «المنتهى» الاعتراف به، بل في «المدارك» نسبته إلى إجماع الأصحاب وغيرهم، نحو ما عن «التذكرة» من أنّه جائز عند علمائنا أجمع، وهو قول عامّة أهل العلم بل قد يجب بناءً على وجوب ستر الوجه عليها من الأجانب وانحصر فيه، بل في «كشف اللثام» بعد أن أوجبه للستر قال: أمّا جواز السدل، بل وجوبه فمع الإجماع لأنّها عورة يلزمها الستر من الرجال الأجانب، وللأخبار كقول الصادق عليه السلام لسماعة: «إن مرّ بها رجل استترت منه بثوبها»(1) وإن كان هو منافياً للخلاف المعروف في كتاب النكاح في جواز النظر إلى وجه الأجنبية، بل ربما كان المشهور الجواز وإن كان الأصحّ خلافه.

وكيف كان: فلا إشكال في جواز السدل هنا؛ لما عرفت ولما سمعته من صحيح زرارة والعيص، مضافاً إلى قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية: «تسدّل المرأة ثوبها على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة»،(2) وفي صحيح زرارة: «المحرمة تسدّل ثوبها إلى نحرها»،(3) وفي صحيح حريز: «المحرمة تسدّل الثوب على وجهها إلى الذقن»(4) وفي المرسل عن عائشة: «كان الركبان يمرّون بنا ونحن محرمات مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فإذا جاؤونا سدلت إحدانا


1- وسائل الشيعة 12: 495، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 48، الحديث 10 ..
2- وسائل الشيعة 12: 495، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 48، الحديث 8 ..
3- وسائل الشيعة 12: 495، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 48، الحديث 7 ..
4- وسائل الشيعة 12: 495، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 48، الحديث 6 ..

ص: 401

جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزنا كشفنا»(1) إلى غير ذلك من النصوص التاسع عشر: التظليل فوق الرأس للرجال دون النساء، فيجوز لهنّ بأيّة كيفية، وكذا جاز للأطفال. ولا فرق في التظليل بين كونه في المحمل المغطّى فوقه بما يوجبه، أو في السيّارة والقطار والطائرة والسفينة ونحوها المسقّفة بما يوجبه.

والأحوط عدم الاستظلال بما لا يكون فوق رأسه، كالسير على جنب المحمل أو الجلوس عند جدار السفينة والاستظلال بهما؛ وإن كان الجواز لا يخلو من قوّة.

المستفاد من بعضها جوازه إلى النحر الذي هو الموافق للستر بل مقتضى إطلاقها كالمتن. ونحوه جوازه اختياراً بدون غرض الستر ونحوه، بل مقتضاهما جوازه مماسّاً للوجه؛ خصوصاً مع ملاحظة غلبة ذلك مع عدم إشارة في شي ء منها إلى التحرّز منه مع أنّها في مقام البيان، ولعلّه لذا كان خيرة الفاضل في «المنتهى» ذلك وتبعه غير واحد ممّن تأخّر عنه؛ خلافاً للمحكيّ عن «المبسوط» و «الجامع» من عدم الجواز، فلا بدّ أن تمنعه بيدها أو خشبة من أن يباشر وجهها واختاره في «القواعد» بل في «الدروس» أنّه المشهور»، واللَّه العالم.

التظليل للرجال

بيانه- قال في «الجواهر»: «وتظليل الرجل المحرم عليه سائراً بأن يجلس في محمل أو قبّة أو كنيسة أو عمارية مظلّلة أو نحو ذلك على المشهور نقلًا في «الدروس» وغيرها وتحصيلًا، بل عن «الانتصار»، قال: «مسألة وممّا يظنّ انفراد الإمامية ولهم فيه موافق القول بأنّ المحرم لا يجوز له أن يستظلّ في محمله من الشمس إلّاعن ضرورة، وذهبوا إلى أنّه يفدي ذلك إذا فعله بدم».

وفي «الفقه على المذاهب الخمسة» قال: «اتّفقوا ما عدا الشافعية على أنّ


1- السنن الكبرى، البيهقي 5: 48 ..

ص: 402

الرجل المحرم يحرم عليه أن يستظلّ في حال السير فلا يجوز له ركوب سيّارة أو طيّارة وما إليهما إن كان له سقف، أمّا إذا كان ماشياً فيجوز له أن يمرّ تحت الظلّ عابراً ولو اضطرّ إلى الاستظلال وهو مسافر لمرض أو حرّ أو برد جاز وعليه كفّارة عند الإمامية. واتّفقوا على أنّ المحرم أن يستظلّ بالسقف والحائط والشجرة والخيمة وما إلى ذاك في حال الاستقرار وعدم السير. وقال الإمامية:

يجوز للمرأة أن تستظلّ وهي سائرة».

وفي «الجواهر» و «الخلاف» و «المنتهى» و «التذكرة»: الإجماع عليه، بل لعلّه كذلك إذ لم يحك الخلاف فيه إلّاعن الإسكافي، مع أنّ عبارته ليست بتلك الصراحة قال: يستحبّ للمحرم أن لا يظلّل على نفسه؛ لأنّ السنّة بذلك جرت، فإن لحقه عنت أو خاف من ذلك، فقد روي عن أهل بيت عليهم السلام جوازه.

وروي أيضاً أنّه يفتدي عن كلّ يوم بمدّ وروي في ذلك أجمع دم وروي لإحرام المتعة دم ولإحرام الحجّ دم آخر، ويمكن أن يريد بالمستحبّ ما لا ينافي الواجب وإن كان يشهد له- مضافاً إلى الأصل- صحيح الحلبي سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن المحرم يركب في القبّة قال: «ما يعجبني ذلك إلّاأن يكون مريضاً»،(1) وصحيح علي بن جعفر سألت أخي عليه السلام: «أظلّل وأنا محرم فقال:

نعم، وعليك الكفّارة قال: فرأيت علياً إذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفّارة الظلّ»،(2) وصحيح جميل عنه عليه السلام أيضاً: «لا بأس بالظلال للنساء وقد رخّص فيه للرجال».(3) إلّاأنّ الأصل مقطوع بما عرفت وتعرف، والأوّل غير صريح في


1- وسائل الشيعة 12: 516، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 64، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 13: 97، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الصيد، الباب 49، الحديث 6 ..
3- وسائل الشيعة 12: 518، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 64، الحديث 10 ..

ص: 403

الجواز وكما أنّ الثاني يحتمل الضرورة التي هي في الثالث أظهر بقرينة لفظ الرخصة، مضافاً إلى موافقتها للعامّة وإلى قصورها عن معارضة المعتبرة المستفيضة بما سمعت كصحيح ابن المغيرة قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام: أظلّل وأنا محرم قال: «لا»، قلت: فاظلّل واكفّر قال: «لا»، قلت: فإن مرضت قال: «ظلّل وكفّر» ثمّ قال: «أما علمت أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: ما من حاجّ يضحي ملبّياً حتّى تغيب الشمس إلّاغابت ذنوبه منها».(1)

وصحيح هشام بن سالم سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن المحرم يركب في الكنيسة فقال: «لا وهو للنساء جائز»(2) وصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام سألته عن المحرم يركب القبّة فقال: «لا»، قلت: فالمرأة المحرمة قال: «نعم»،(3) وغير ذلك من النصوص. وفي «المسالك» يتحقّق التظليل بكون ما يوجب الظلّ فوق رأسه كالمحمل فلا يقدح فيه المشي في ظلّ المحمل، ونحوه عند ميل الشمس إلى جانبه وإن كان قد يطلق عليه التظليل لغة وإنّما يحرم حالة الركوب فلو مشى تحت الظلّ كما مرّ تحت المحمل جاز وأراد بالمحرم الذكر فلا يحرم على المرأة، ويدخل في العبارة الصبيّ ولا بدّ من إخراجه وأ نّه هنا كالمرأة رواه حريز عن الصادق عليه السلام قال: «لا بأس بالقبّة على النساء والصبيان وهم محرمون»(4) ولا يقال: إنّه خارج من حيث إنّ الكلام على المحرّمات وهي لا يتحقّق في حقّه


1- وسائل الشيعة 12: 516، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 64، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 12: 516، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 64، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 12: 515، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 64، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 12: 519، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 65، الحديث 1 ..

ص: 404

لعدم التكليف؛ لأنّ ذلك يوجب خروجه من جميع ما تقدّم وليس كذلك؛ فإنّ هذه التروك معتبرة في حقّه أيضاً تمريناً وإنّما خرج هنا بالنصّ الخاصّ وإنّما يحرم الظلال مع الاختيار فلو اضطرّ إليه لمرض ونحوه جاز ووجب الفداء ويتحقّق الفداء ويتحقّق الضرورة بحصول مشقّة شديدة في تركه لا يتحمّل عادة»، انتهى كلامه رفع مقامه.

وفي «المدارك» قوله: «وتظليل المحرم...»: «هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل قال في «التذكرة»: يحرم على المحرم الاستظلال حالة السير فلا يجوز له الركوب في المحمل وما في معناه كالهودج والكنيسة والعمارية وأشباه ذلك عند علمائنا أجمع، ونحوه قال في «المنتهى» ونقل عن ابن الجنيد: أنّه جعل ترك التظليل مستحبّاً والمعتمد الأوّل، وبه روايات مستفيضة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام. فيجوز للمحرم حالة النزول الاستظلال بالسقف والشجرة والخباء والخيمة؛ لضرورة وغيره ضرورة عند العلماء كافّة، قاله في «التذكرة». ويدلّ عليه- مضافاً إلى الأصل- ما رواه الشيخ في الصحيح عن جعفر بن المثنّى عن أبي الحسن عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يركب راحلته فلا يستظلّ عليها ويؤذيه الشمس فيستر بعض جسده وربّما ستر وجهه بيده وإذا نزل استظلّ بالخباء وبالبيت والجدار».(1)

ويجوز للمحرم أن يمشي تحت الظلال كما نصّ عليه الشيخ وغيره. هذا كله في التظليل عليه بالقبّة، ونحوها ممّا يكون على رأسه أمّا الاستتار سائراً بالثوب ونحوه عن الشمس مثلًا على وجه لا يكون على رأسه، فعن «الخلاف» و «المنتهى» جوازه بلا خلاف، بل في الأخير نسبته إلى جميع أهل العلم قال:

وإذا نزل جاز أن يستظلّ بالسقف والحائط والشجرة والخباء والخيمة، فإن نزل


1- وسائل الشيعة 12: 520، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 66، الحديث 1 ..

ص: 405

تحت شجرة طرح عليها ثوباً يستتر به وإن يمشى تحت الظلال وأن يستظلّ بثوب ينصبه إذا كان سائراً ونازلًا، لكن لا يجعله فوق رأسه سائراً خاصّة؛ ضرورة أو غير ضرورة عند جميع أهل العلم. وعن ابن زهرة يحرم عليه أن يستظلّ وهو سائر؛ بحيث يكون الظلال فوق رأسه وتبعه غير واحد ممّن تأخّر، ولعلّه للأصل بعد كون المورد في أكثر النصوص الجلوس في القبّة والكنيسة والمحمل ونحوها ممّا لا يشمل الفرض».

وفي «المدارك» قوله: «ولو اضطرّ إلى آخره»: المراد بالضرورة المشقّة اللازمة من تركه، إمّا بواسطة الحرّ أو البرد أو المطر، ويدلّ على جواز التظليل والحال هذه- مضافاً إلى ما سبق- صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال:

سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمع فأمره أن يفدي شاة يذبحها بمنى.(1) وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا عليه السلام:

المحرم يظلّل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضرّان به قال: «نعم»، قلت: كم الفداء قال: «شاة».(2)

وقال في «الجواهر»: نعم، لو اضطرّ لم يحرم بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه وهو الحجّة، مضافاً إلى ما سمعته من النصوص التي يظهر من بعضها عدم الاكتفاء فيها بمطلق الأذية من حرّ أو برد ما لم تصل إلى حدّ لا يتحمّل مثلها على وجه يسقط التكليف معها، قال زرارة، سألت أبا عبداللَّه عليه السلام


1- وسائل الشيعة 13: 155، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 6، الحديث 6 ..
2- وسائل الشيعة 13: 155، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 6، الحديث 5 ..

ص: 406

عن المحرم أيتغطّى؟ فقال: «أمّا من الحرّ أو البرد فلا»(1) ولعلّه لذا كان المحكيّ عن الشيخين، وكذا ابن إدريس اعتبار الضرر العظيم، بناءً على إرادة ما يسقط معه التكليف من العظيم، كما في غير المقام؛ إذ لا دليل على اعتبار أزيد منه، كما أ نّه لا دليل على الاكتفاء بالأقلّ منه بعد انسياق النصوص إلى ما ذكرنا واجتماعها عليه، وحينئذٍ فإطلاق بعض النصوص الاكتفاء بمطلق الأذية كصحيح سعد بن سعد السابق(2) وصحيح ابن بزيع المتقدّم ذكرها وغير ذلك من الروايات محمول على ما ذكرنا؛ خصوصاً بعد استصحاب عدم الجواز الذي لا يكفي في ارتفاعه التزام الكفّارة مع عدم الضرورة كما هو مقتضى إطلاق النصّ والفتوى...

هذا كلّه في التظليل عليه بالقبّة ونحوها ممّا يكون على رأسه، أمّا الاستتار سائراً بالثوب ونحوه عن الشمس مثلًا، على وجه لا يكون على رأسه فعن «الخلاف» و «المنتهى» جوازه بلا خلاف، بل في الأخير نسبته إلى جميع أهل العلم، قال: وإذا نزل جاز أن يستظلّ بالسقف والحائط والشجرة والخباء والخيمة، فإن نزل تحت شجرة طرح عليها ثوباً يستتر به، وإن يمشي تحت الظلال، وإن يستظلّ بثوب ينصبه إذا كان سائراً ونازلًا لكن لا يجعله فوق رأسه سائراً خاصّة؛ لضرورة أو غير ضرورة عند جميع أهل العلم»، انتهى موضع الحاجة.


1- وسائل الشيعة 12: 519، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 64، الحديث 14 ..
2- وسائل الشيعة 13: 155، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 6، الحديث 4 ..

ص: 407

العشرون: إخراج الدم من بدنه ولو بنحو الخدش أو المسواك. وأمّا إخراجه من بدن غيره- كقلع ضِرسه أو حجامته- فلا بأس به، كما لا بأس بإخراجه من بدنه عند الحاجة والضرورة. ولا كفّارة في الإدماء ولو لغير ضرورة.

إخراج الدم من البدن

بيانه- قال في «الجواهر»: «ويحرم على المحرم إخراج الدم في الجملة إلّا عند الضرورة، كما في «المقنعة» و «جمل العلم والعمل» و «النهاية» و «المبسوط» و «الاستبصار» و «التهذيب» و «الاقتصاد» و «الكافي» و «الغنية» و «المراسم» و «السرائر» و «المهذّب» و «الجامع» على ما حكي عن بعضها».(1)

وقال في «الحدائق»: «في إخراج الدم، وقد اختلف الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- في ذلك. ويجب أن يعلم أوّلًا أنّ أصل الخلاف في المسألة بين المتقدّمين إنّما هو في الحجامة كما نقل العلّامة في «المختلف» حيث قال:

«للشيخ في الحجامة قولان: أحدهما: التحريم إلّامع الحاجة وبه قال شيخنا المفيد والسيّد المرتضى وسلّار وابن البرّاج وأبو الصلاح وابن إدريس. وهو الظاهر من كلام ابن بابويه وابن الجنيد.

والثاني: أنّه مكروه ذكره في «الخلاف» وبه قال ابن حمزة، ثمّ قال: الأقرب الأوّل وجملة من المتأخّرين وقد أجروا الخلاف أيضاً في إخراج الدم ولو بحكّ جلده أو بالسواك أو نحو ذلك». وبذلك يظهر لك أنّ ما ذكره في «المدارك» بعد ذكر المصنّف إخراج الدم بهذه الوجوه بقوله: «القول بالتحريم في الجميع للشيخ


1- جواهر الكلام 18: 407 ..

ص: 408

في «النهاية» والمفيد في «المقنعة» والمرتضى وابن إدريس»، ثمّ نقل القول بالكراهة عن الشيخ وجمع من الأصحاب... ويدلّ على القول الأوّل ما رواه في «الكافي» في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن المحرم يحتجم قال: «لا إلّاأن لا يجد بدّاً، فليحتجم ولا يحلق مكان المحاجم»....(1)

وما رواه الشيخ عن الحسن الصيقل عن أبي عبداللَّه عليه السلام: عن المحرم يحتجم قال: «لا إلّاأن يخاف التلف ولا يستطيع الصلاة وقال: إذا أذاه الدم فلا بأس به ويحتجم ولا يحلق الشعر»(2)... وغير ذلك من الأخبار، وأمّا ما يدلّ على القول الثاني فصحيحة حريز عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر».(3) قال في «الفقيه»: واحتجم الحسن بن علي عليهما السلام وهو محرم(4) وصحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: المحرم يستاك؟ قال: «نعم»، قلت فإن أدمى يستاك؟ قال: «نعم، هو من السنّة»(5)...

وغير ذلك من الأخبار.

وبهذه الأخبار أخذ صاحب «المدارك» ومثله صاحب «الذخيرة» وجمع بينها وبين الأخبار المتقدّمة بحمل النهي في الأخبار المتقدّمة على الكراهة. وأنت خبير بما فيه... على أنّه إنّما يتمّ القول بالكراهة لو لم يمكن هنا وجه آخر


1- وسائل الشيعة 12: 512، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 62، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 12: 513، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 62، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 12: 513، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 62، الحديث 5 ..
4- الفقيه 2: 222/ 1034؛ وسائل الشيعة 12: 514، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 62، الحديث 7 ..
5- وسائل الشيعة 12: 532، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 71، الحديث 4 ..

ص: 409

للجمع بين الأخبار المذكورة مع أنّه ليس كذلك، فإنّ الظاهر في الجمع إنّما هو حمل هذه الأخبار على الضرورة، فإنّ هذه الأخبار مطلقة والأخبار الاول مفصّلة بين الأخبار، فيحرم. والقاعدة تقتضي حمل المجمل على المفصّل، فالقول بالكراهة كما صار إليه ضعيف. وأمّا ما اعتضد به من رواية يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن المحرم يحتجم قال: «لا أحبّه»،(1) قال:

لفظ «لا أحبّه» ظاهر في الكراهة. ففيه: أنّ لفظ «لا أحبّه» وإن كان في العرف كما ذكره إلّاأنّه في الأخبار قد استعمل بمعنى التحريم كثيراً. وقد حقّقنا سابقاً أنّ هذا من جملة الألفاظ المتشابهة في الأخبار التي لا يجوز حملها على أحد المعنيين إلّابالقرينة».(2)

وفي «المسالك» قال: «الأصحّ تحريم إخراج الدم مطلقاً وإن كان بحكّ الجسد والسواك، وهل يجب به كفّارة؟ نقل عن بعض الأصحاب وجوب شاة ومستنده غير واضح. وأصالة البراءة يقتضي عدم الوجوب ولا إشكال في جوازه عند الضرورة كبطّ الجرح وشقّ الدمل والحجامة عند الحاجة إليها، ولا فدية إجماعاً نقله في «التذكرة»».(3)

قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «اتّفقوا على جواز الحجامة للضرورة وأجازها الأربعة لغير ضرورة إذا لم تستدع إزالة الشعر. واختلف فقهاء الإمامية فيما بينهم، فمنهم من أجازها ومنهم من منعها».(4)


1- وسائل الشيعة 12: 513، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 62، الحديث 4 ..
2- الحدائق الناضرة 15: 523- 527 ..
3- مسالك الأفهام 2: 265 ..
4- الفقه على المذاهب الخمسة: 224 ..

ص: 410

الحادي والعشرون: قلم الأظفار وقصّها- كلًاّ أو بعضاً- من اليد أو الرجل؛ من غير فرق بين آلاته كالمقراضين والمدية ونحوهما، والأحوط عدم إزالته ولو بالضرس ونحوه، بل الأحوط عدم قصّ الظفر من اليد الزائدة أو الإصبع الزائدة؛ وإن لا يبعد الجواز لو علم أنّهما زائدان.

تقليم الأظفار

بيانه- قال في «الجواهر»: «يحرم عليه قصّ الأظفار بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في «المنتهى» و «التذكرة» نسبته إلى علماء الأمصار وهو الحجّة».(1)

وقال في «المسالك»: «قصّ الأظفار قطعها بالمقصّ- بكسر الميم وفتح القاف- وهو المقراض. والحكم هنا ليس مقصوراً على قطعها به، بل مطلق الإزالة حتّى الكسر. ولا فرق في ذلك بين الجزء والكلّ كالشعر، فلو أزال بعض الظفر تعلّق به ما يتعلّق بجميعه، ولو انكسر ظفره فهل يجوز إزالته؟ قال بعض الأصحاب: لا، فإن فعل أطعم مسكيناً. وفي «التذكرة» ادّعى الإجماع على جواز إزالته وتوقّف في الفدية، من أصالة البراءة ومشابهته للصيد الصائل، ومن الرواية الصحيحة عن الصادق عليه السلام حين سأله معاوية بن عمّار: عن المحرم يطول أظفاره إلى أن يكسر بعضها، فيؤذيه: «فليقصّها وليطعم مكان كلّ ظفر مدّاً من طعام»،(2) فالعمل بالرواية متعيّن وهي رافعة لأصالة البراءة والقياس على


1- جواهر الكلام 18: 411 ..
2- وسائل الشيعة 12: 538، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 77، الحديث 1 ..

ص: 411

(مسألة 41): الكفّارة في كلّ ظفر من اليد أو الرجل مُدّ من الطعام ما لم يبلغ في كلّ منهما العشرة، فلو قصّ تسعة أظفار من كلّ منهما فعليه لكلّ واحد مُدّ.

(مسألة 42): الكفّارة لقصّ جميع أظفار اليد شاة، ولقصّ جميع أظفار الرجل شاة. نعم، لو قصّهما في مجلس واحد فللمجموع شاة، إلّامع تخلّل الكفّارة بين قصّ الأوّل والثاني فعليه شاتان، ولو قصّ جميع أظفار إحداهما وبعض الاخرى فللجميع شاة، وللبعض لكلّ ظفر مُدّ، ولو قصّ جميع إحداهما في مجلس أو مجلسين، وجميع الاخرى في مجلس آخر أو مجلسين آخرين، فعليه شاتان، ولو قصّ جميع أظفار يده في مجالس عديدة فعليه شاة، وكذا في قصّ ظفر الرجل.

الصيد. هذا كلّه إذا أزال المنكسر خاصّة فلو أضاف إليه شيئاً من الباقي تبعاً أو استقلالًا ضمن»،(1) انتهى كلامه رفع مقامه.

بيانه- قال في «الحدائق»: المشهور بين الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- أنّ في تقليم كلّ ظفر مدّاً من طعام، فإنّ قلّم أظفار يديه جميعاً كان عليه دم شاة، وكذا في أظفار رجليه، فإن قلّم أظفار يديه ورجليه فدمان إن تعدّد المجلس.

وإن اتّحد فدم واحد، ونقله في «المختلف» عن الشيخين والسيّد المرتضى والصدوق وابن البرّاج وسلّار وابن إدريس. وعن ابن عقيل: أنّ من انكسر ظفره وهو محرم فلا يقصّه، فإن فعل فعليه أن يطعم مسكيناً في يده. وقال ابن الجنيد:

من قصّ ظفراً كان عليه مدّاً أو قيمته، وفي الظفرين مدّان أو قيمتهما، وإن قصّ خمسة أظافير من يد واحدة أو زاد على ذلك كان عليه دم إن كان في مجلس


1- مسالك الأفهام 2: 266 ..

ص: 412

واحد، فإن فرّق بين يديه ورجليه كان عليه ليديه دم ورجليه دم. وعن أبي الصلاح: في قصّ ظفر كفّ من طعام، وفي أظفار إحدى يديه صاع، وفي أظفار كلتيهما دم شاة وكذلك حكم أظفار رجليه، وإن قصّ أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد فعليه دم واحد....

ومن أخبار المسألة ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن ابن مهزيار عن أبي بصير قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل قلّم ظفراً من أظافيره وهو محرم، قال: «عليه مدّ من طعام حتّى يبلغ عشرة، فإن قلّم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة» قلت: فإن قلّم أظافير يديه ورجليه جميعاً، فقال: «إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم، وإن كان فعله متفرّقاً في مجلسين فعليه دمان»،(1) وروى الشيخ هذه الرواية في «التهذيب» وفيها قال: «عليه في كلّ ظفر قيمة مدّ من طعام حتّى يبلغ...».(2) وما رواه الشيخ عن الحلبي: أنّه سأله عن محرم قلّم أظافيره قال: «عليه مدّ في كلّ إصبع فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فإنّ عليه دم شاة».(3)

قال في «المدارك»: «وبمضمون هاتين الروايتين أفتى الأصحاب إلّامن شذّ ويؤيّدهما صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ثمّ نقل الصحيحة المذكورة في صدر الروايات، ثمّ نقل قول ابن الجنيد وقول أبي الصلاح المتقدّمين، ثمّ قال:


1- وسائل الشيعة 13: 162، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 12، الحديث 1 ..
2- تهذيب الأحكام 5: 332/ 1141 ..
3- وسائل الشيعة 13: 162، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 12، الحديث 2 ..

ص: 413

«ولم نقف لهذين القولين على مستند».

ومنها: ما رواه في «الكافي» في الموثّق عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إذا قلّم المحرم أظفار يديه ورجليه في مكان واحد فعليه دم واحد وإن كانتا متفرّقتين فعليه دمان»(1) وهذا الخبر أيضاً ممّا يدلّ على القول المشهور بالنسبة إلى اتّحاد الشاة وتعدّدها.

ومنها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في المحرم ينسي فيقلّم ظفراً من أظافيره قال: «يتصدّق بكفّ من الطعام» قلت: اثنين قال: «كفّين» قلت: فثلاثة قال: «ثلاثة أكفّ، كلّ ظفر كفّ حتّى تصير خمسة، فإذا قلّم خمسة فعليه دم واحد؛ خمسة كان أو عشرة أو ما كان»(2) وهذه الرواية حملها جملة من الأصحاب على الاستحباب؛ لما دلّ على عدم الكفّارة في صورة النسيان من صحيحة زرارة المتقدمة في صدر الروايات وغيرها».(3)


1- وسائل الشيعة 13: 164، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 12، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 13: 163، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 12، الحديث 3 ..
3- الحدائق الناضرة 15: 540- 542 ..

ص: 414

الثاني والعشرون: قلع الضرس ولو لم يدم على الأحوط. وفيه شاة على الأحوط.

قلع الضرس

بيانه- واعلم أنّ الخلاف في المسألة بالتحريم والكراهة إنّما هو عند عدم الضرورة وإلّا فمعها لا خلاف في الجواز، ويؤيّده ما رواه الصدوق عن الحسن الصيقل: أنّه سأل أبا عبداللَّه عليه السلام عن المحرم يؤذيه ضرسه أيقلعه؟ فقال: «نعم، لا بأس به».(1)

ونقل في «المدارك» عن ابن الجنيد والصدوق أنّه لا بأس بقلع الضرس مع الحاجة ولم يوجبا شيئاً. ونقل عن الشيخ: أنّ في قلع الضرس شاة؛ استناداً إلى ما رواه في «التهذيب» عن محمّد بن عيسى عن عدّة من أصحابنا عن رجل من أهل خراسان «أنّ مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شي ء: محرم قلع ضرسه فكتب: يهريق دماً».(2)

وفيه: مع إرساله أنّ المكتوب إليه غير معلوم. والاستناد إلى ما هذا شأنه وإثبات حكم شرعي به مشكل(3) والاحتياط لا يترك.


1- الفقيه 2: 348 ..
2- وسائل الشيعة 13: 176، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 19، الحديث 1 ..
3- الحدائق الناضرة 15: 527 ..

ص: 415

الثالث والعشرون: قلع الشجر والحشيش النابتين في الحرم وقطعهما.

ويستثنى منه موارد: الأوّل: ما نبت في داره ومنزله بعد ما صارت داره ومنزله، فإن غرسه وأنبته بنفسه جاز قلعهما وقطعهما، وإن لم يغرس الشجر بنفسه فالأحوط الترك وإن كان الأقوى الجواز، ولا يترك الاحتياط في الحشيش إن لم ينبته بنفسه، ولو اشترى داراً فيها شجر وحشيش فلا يجوز له قطعهما.

الثاني: شجر الفواكه والنخيل؛ سواء أنبته اللَّه تعالى أو الآدمي. الثالث: الإذخِر وهو حشيش.

قلع الشجر

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «قطع ما في الحرم من أشجار ونبات فقد اتّفقوا على عدم جواز قطع أو قلع ما أنبته اللَّه دون توسّط آدمي...

فقال الشافعي: لا فرق في عدم الجواز بين النوعين وتجب الفدية في الجميع وفي الشجرة العظيمة بقرة وفيما دونها شاة. وقال مالك: يأثم بالقطع ولا شي ء عليه؛ سواء أكان المقطوع ممّا أنبته اللَّه أو بتوسّط الآدمي. وقال الإمامية والحنفية والحنابلة: يجوز قطع ما أنبته الآدمي ولا شي ء فيه، أمّا ما أنبته اللَّه ففيه كفّارة وهي عند الإمامية بقرة في قطع الشجرة الكبيرة وفي الصغيرة شاة، وقال الحنفية: يؤخذ بقيمته هدي. واتّفقوا على أنّه ليس في قطع اليابس شي ء شجراً كان أو حشيشاً».(1)

وقال في «الجواهر»: «ويحرم على المحرم وغيره قطع الشجر والحشيش من


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 221 ..

ص: 416

الحرم الذي هو بريد في بريد(1) بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه وفي «المنتهى» وعن «التذكرة» نسبته إلى علماء الأمصار. وهو الحجّة بعد المعتبرة المستفيضة كصحيح حريز وحسنته عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «كلّ شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين، إلّاما أنبته أنت أو غرسته»،(2) وصحيح معاوية: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحلّ، فقال: «حرم فرعها لمكان أصلها»، قلت: فإن أصلها في الحلّ وفرعها في الحرم، قال: «حرم أصلها لمكان فرعها وكلّ شي ء ينبت في الحرم فلا يجوز قلعه على وجه»(3) ومنه يعلم حرمة النابت في غير الحرم إذا كان فرعه فيه كما صرّح به بعضهم وإن لم يعدّ أنّه من نبات الحرم.

وحسن سليمان بن خالد: سألته عليه السلام أيضاً عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكّة قال: «عليه ثمنه يتصدّق به ولا ينزع من شجر مكّة شيئاً إلّاالنخل وشجر الفواكه»(4)... والذي يظهر ولو بقرينة الفتاوى وغيرهما من النصوص إرادة القطع والقلع للنبات والشجر إلّاأن ينبت في ملكه، فإنّه يجوز حينئذٍ قطعه، بل قلعه كما صرّح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافاً محقّقاً لو كا نفي داره أو منزله، لخبر حمّاد بن عثمان أو قويّه عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال: «إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها وإن


1- البريد في اللغة بالفتح على فعيل أربعة فراسخ اثنا عشر ميلًا وروي فرسخين ستّةأميال والمشهور الذي عليه العمل خلافه. مجمع البحرين 1: 181 ..
2- وسائل الشيعة 12: 553، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 86، الحديث 4 ..
3- تهذيب الأحكام 5: 379/ 1321 ..
4- وسائل الشيعة 13: 174، كتاب الحجّ، أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الباب 18، الحديث 2 ..

ص: 417

كانت نبتت في منزله، وهو له فليقلعها».(1)

قال في «الحدائق»: قال في «المدارك»: ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش للأصل ولأ نّه ميّت فلم تبق له حرمة... وقال في كتاب «مجمع البحرين» في ما أوّله الخاء المعجمة: لا يختلى خلاها بضم الخاء وفتح اللام؛ أي لا يجزّ نبتها الرقيق ولا يقطع ما دام رطباً... وظاهر هذا الكلام إطلاق الخلى أ نّما هو ما دام رطباً وإذا يبس يسمّى حشيشاً وحينئذٍ فالحشيش هو اليابس...

وبالجملة وفي هذا المقام فوائد:

الاولى: يستفاد من صحيحة سليمان بن خالد وموثقته ومرسلة عبدالكريم(2) استثناء النخل وشجر الفواكه من هذا الحكم. والظاهر أنّه لا خلاف فيه وهو من جملة ما استثناه الأصحاب سواء أنبته اللَّه تعالى أو الآدمي؛ لإطلاق النصّ وظاهر «المنتهى» أنّه اتّفاقي لكن المذكور في كلامهم شجر الفواكه....

والثانية: الأذخر وظاهر «المنتهى» و «التذكرة» الإجماع على جواز قطعه وهو من جملة الأربعة المستثناة عندهم....

والثالثة: قد دلّت صحيحة حريز وهي الاولى من الأخبار المتقدّمة على استثناء ما أنبته الإنسان أو غرسه من البقول والزروع والرياحين والشجر، ولم يذكره الأصحاب من جملة الأربعة التي صرّحوا باستثنائها، والرواية المذكورة صريحة في استثنائه فلا بأس باستثنائه.

الرابعة: قد دلّت موثّقة زرارة(3) على استثناء عودي الناضح وهما عودا


1- وسائل الشيعة 12: 554، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 87، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 12: 556، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 87، الحديث 9 ..
3- وسائل الشيعة 12: 555، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 87، الحديث 4 ..

ص: 418

المحالة في جملة الأربعة التي استثناها الأصحاب والمحالة بفتح الميم: البكرة العظيمة التي يستقى بها... ويدلّ على ذلك أيضاً ما رواه الشيخ بسند فيه إرسال عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «رخّص رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في قطع عودي المحالة، وهي البكرة يستقى بها من شجر الحرم والأذخر».(1)

الخامسة: قد استثنى الأصحاب أيضاً في جملة الأربعة التي ذكروها ينبت في ملك الإنسان واستدلّوا على ذلك بما رواه حمّاد بن عثمان في القويّ عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في الشجرة التي يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال: «إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها وإن كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها»... وغير ذلك من الروايات.

والمستفاد من هذه الروايات أنّه إن سبق الملك للأرض على نبت الشجرة جاز قلعها وإلّا فلا.

وقال في «المدارك»: واعلم أنّ قطع شجر الحرم كما يحرم على المحرم يحرم على المحلّ أيضاً كما صرّح به الأصحاب ودلّت عليه النصوص وحينئذٍ فكان المناسب أن لا يجعل ذلك من تروك الإحرام بل يجعل مسألة برأسها كما فعل في «الدروس»»،(2) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 12: 555، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 87، الحديث 5 ..
2- الحدائق الناضرة 15: 535- 537 ..

ص: 419

الرابع والعشرون: لبس السلاح على الأحوط، كالسيف والخنجر والطبنجة ونحوها ممّا هو آلات الحرب إلّالضرورة. ويُكره حمل السلاح إذا لم يلبسه إن كان ظاهراً، والأحوط الترك.

حمل السلاح

بيانه- قال في «الجواهر»: «ويحرم عليه أيضاً لبس السلاح لغير ضرورة على المشهور، كما في «كشف اللثام» وغيره؛ لصحيح ابن سنان: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام أيحمل السلاح المحرم؟ فقال: «إذا خاف المحرم عدوّاً أو سرقاً فليلبس السلاح»(1)... وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «لا بأس أن يحرم الرجل وعليه السلاح إذا خاف العدوّ»(2)، بل في صحيح الحلبي عنه عليه السلام أيضاً:

«المحرم إذا خاف العدوّ فلبس السلاح فلا كفّارة عليه»(3) وظاهره ثبوتها عليه إذا لبسه مع عدم الخوف إلّاأنّه لم نجد قائلًا به كما اعترف به غير واحد. اللهمّ إلّا أن يحمل على ما يغطّي الرأس كالمغفر أو يحيط بالبدن كالدرع ولكن حرمتهما حينئذٍ لذلك لا لكونهما من السلاح الذي قد يشكّ في شموله لهما وإن كانت هي مع الترس من لامة الحرب».(4)


1- وسائل الشيعة 12: 504، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 54، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 12: 504، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 54، الحديث 1 و 4 ..
3- وسائل الشيعة 12: 504، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 54، الحديث 1 و 4 ..
4- جواهر الكلام 18: 412- 417 ..

ص: 420

قال صاحب «المدارك» بعد نقل هذا الخبر: «وأجاب عنه في «المنتهى» بأنّ هذا الاحتجاج مأخوذ من دليل الخطاب وهو ضعيف عندنا وهو غير جيّد؛ لأنّ هذا المفهوم مفهوم شرط وهو حجّة عنده وعند أكثر المحقّقين، لكن يتوجّه عليه أنّ المفهوم إنّما يعتبر إذا لم يظهر للتعليق وجه سوى نفي الحكم عمّا عدا محلّ الشرط وهنا ليس كذلك؛ إذ لا يبعد أن يكون التعليق باعتبار عدم الاحتياج إلى لبس السلاح عند انتفاء الخوف. وأيضاً فإنّ مقتضى الرواية الثانية لزوم الكفّارة بلبس السلاح مع انتفاء الخوف ولا نعلم به قائلًا، ويمكن تأويلها بحمل السلاح على ما لا يجوز لبسه للمحرم كالدرع والبيضة. ومعه يسقط الاحتجاج بها رأساً.

وبالجملة فالخروج عن مقتضى الأصل بمثل هاتين الروايتين مشكل. والقول بالكراهة متّجه إلّاأنّ الاحتياط يقتضي اجتناب ذلك مع انتفاء الحاجة إليه أمّا مع الحاجة فيجوز إجماعاً»،(1) انتهى كلامه رفع مقامه.


1- مدارك الأحكام 7: 373 ..

ص: 421

الطواف

القول: في الطواف

اشارة

الطواف: أوّل واجبات العمرة، وهو عبارة عن سبعة أشواط حول الكعبة المعظّمة بتفصيل وشرائط آتية، وهو ركن يبطل العمرة بتركه عمداً إلى وقت فوته؛ سواء كان عالماً بالحكم أو جاهلًا. ووقت فوته ما إذا ضاق الوقت عن إتيانه وإتيان سائر أعمال العمرة وإدراك الوقوف بعرفات.

جزئية الطواف للحجّ والعمرة

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «الطواف ركن من أركان العمرة وكذا طواف الإفاضة؛ فإنّه ركن التمتّع والإفراد والقران وقدّمنا أنّ الإحرام هو أوّل عمل يجب أن يبتدأ به الناسك؛ سواء كان معتمراً بعمرة مفردة أو حاجّاً بحجّ تمتّع أو إفراد أو قران.

بقي أن نعرف ما هو العمل الثاني الذي يعقب الإحرام مباشرة؟ هل هو الطواف أو الوقوف أو غيره؟

الجواب: يختلف ذلك باختلاف صفة الناسك وقصده من الإحرام فإن كان قد أحرم للعمرة فعليه أن يثني بالطواف لا بغيره؛ سواء كان مريداً العمرة المفردة أم

ص: 422

عمرة التمتّع، فالطواف بالقياس إلى المعتمر هو العمل الثاني بالاتّفاق. أمّا إذا أراد بإحرامه الحجّ فقط كمن قصد حجّ الإفراد أو حجّ التمتّع بعد أن أنهى أعمال العمرة؛ فإنّه يثني بعد الإحرام بالوقوف في عرفات يأتي التفصيل. وبتعبير ثانٍ:

إنّ من دخل مكّة معتمراً فقط أو حاجّاً حجّ التمتّع ابتدأ أوّلًا وقبل كلّ شي ء بالطواف ثمّ السعي ثمّ التقصير وبعد ذلك ينشئ إحراماً جديداً إن كان متمتّعاً. أمّا غيره فلا يجب عليه الطواف مباشرة بعد الإحرام، بل يؤخّره إلى ما بعد الوقوف والنزول من منى يأتي التفصيل».(1)

قال السيّد المرتضى قدس سره في «الانتصار»: «مسألة: وممّا انفردت به الإمامية القول: بأنّ من طاف طواف الزيارة فقد تحلّل من كلّ شي ء كان به محرماً إلّا النساء، فليس له وطؤهنّ إلّابطواف آخر متى فعله حلّلن له وهو الذي يسمّونه طواف النساء. وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فإذا قيل: هذا هو طواف الصدر، وعند أبي حنيفة أنّه واجب ومن تركه لغير عذر كان عليه دم وللشافعي في أحد قوليه مذهب يوافق به أبا حنيفة في أنّه واجب. قلنا: من أوجب طواف الصدر وهو طواف الوداع، فإنّه لا يقول: إنّ النساء يحلّلن به، بل يقول: إنّ النساء حلّلن بطواف الزيادة فانفرادنا بذلك صحيح.

والحجّة لنا الإجماع المتردّد لأنّه لا خلاف في أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم فعله وقد روي عنه عليه السلام: «خذوا عنّي مناسككم»(2) وروي عنه صلى الله عليه و آله و سلم أيضاً أنّه قال: «من حجّ هذا البيت فليكن آخر عهده الطواف»(3) وظاهر الأمر الوجوب، فإن قالوا:


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 228 ..
2- سنن النسائي 5: 270؛ السنن الكبرى، البيهقي 5: 125 ..
3- سنن أبي داود 1: 445 ..

ص: 423

لو كان هذا الطواف واجباً لأثّر في التحلّل قلنا: يؤثّر عندنا في التحلّل على ما شرحناه وإنّما يلزم هذا الكلام أبا حنيفة. وكذلك إن قالوا: كان يجب أن يلزم المكّي؛ لأنّه يلزم عند المكّي إذا أراد التحليل وإتيان النساء».(1)

وفي كتاب «الفقه في المذاهب الخمسة» قال: طواف الزيارة. ويسمّى طواف الإفاضة أيضاً وهذا الطواف يأتي به الحاجّ بعد أن يقضي مناسكه بمنى من رمي جمرة العقبة والذبح والحلق أو التقصير، فإنّه يرجع إلى مكّة ويطوف وسمّي هذا الطواف طواف الزيارة؛ لأنّه ترك منى وزار البيت من أجله وسمّي طواف الإفاضة؛ لأنّه أفاض؛ أي رجع من منى إلى مكّة ويسمّى أيضاً طواف الحجّ؛ لأ نّه ركن من أركانه بالاتّفاق. وبالإتمام هذا الطواف يحلّ كلّ شي ء كان محرماً على الحاج حتّى النساء عند غير الإمامية.

أمّا الإمامية فإنّهم قالوا: لا تحلّ له النساء حتّى يسعى بعده بين الصفا والمروة ويطوف طوافاً ثانياً ومن هنا سمّوه طواف النساء ويتّضح أكثر عمّا قريب.

طواف الوداع. وهو آخر ما يفعله الحاجّ عند إرادة السفر من مكّة وقال الحنفية والحنابلة بوجوبه ولكن إذا تركه الحاجّ يلزمه دم فقط؛ أي يضحي. وقال المالكية هو مستحبّ ولا شي ء على من يتركه وللشافعي قولان.(2)

وقال في «شرح اللمعة»: كلّ طواف واجب ركن يبطل النسك بتركه عمداً كغيره من الأركان إلّاطواف النساء والجاهل عامد ولا يبطل بتركه نسياناً، لكن يجب تداركه، فيعود إليه وجوباً مع المكنة، ولو من بلده ومع التعذّر. والظاهر أنّ المراد به المشقّة الكثيرة وفاقاً للدروس ويحتمل إرادة العجز عنه مطلقاً يستنيب


1- الانتصار: 255 ..
2- الفقه على المذاهب الخمسة: 229 ..

ص: 424

(مسألة 1): الأحوط لمن أبطل عمرته عمداً، الإتيان بحجّ الإفراد وبعده بالعمرة والحجّ من قابل.

فيه ويتحقّق البطلان بتركه عمداً وجهلًا بخروج ذي الحجّة قبل فعله إن كان طواف الحجّ مطلقاً وفي عمرة التمتّع بضيق وقت الوقوف.(1)

وقال في «الحدائق»: «المفهوم من كلام الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- أنّ تمام ذي الحجّة وقت الطواف والسعي وأ نّه يصحّ الإتيان بهما في تلك المدة وإن أثم بالتأخير. وعلى هذا فلا يتحقّق ترك الطواف الموجب لبطلان الحجّ إلّا بخروج الشهر وأمّا في عمرة التمتّع فبضيق الوقت عن التلبّس بالحجّ ولما يفعله؛ بمعنى لو أتى به فاته الموقفان»(2) انتهى.

بيانه- قوله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ(3) فأمر بالحجّ والعمرة ولكلّ واحد منهما أفعال مخصوصة فمن ادّعى دخول أحدهما في الآخر فعليه الدليل.

وقال في كتاب «الخلاف»: أفعال العمرة لا تدخل في أفعال الحجّ عندنا ومتى فرغ من أفعال العمرة بكمالها حصل محلّاً فإذا أحرم بعد ذلك بالحجّ أتى بأفعال الحجّ على وجهها ويكون متمتّعاً وإن أحرم بالحجّ قبل استيفاء أفعال العمرة بطلت عمرته وكانت حجّته مفردة... وقال بمثل ما قلناه- من أنّ أفعال العمرة لا تدخل في أفعال الحجّ- في الصحابة على عليه السلام وابن مسعود، وفي التابعين الشعبي والنخعي، وفي الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه. ولأبي حنيفة تفصيل قال: من


1- الروضة البهيّة 1: 506 ..
2- الحدائق الناضرة 16: 165 ..
3- البقرة( 2): 196 ..

ص: 425

(مسألة 2): لو ترك الطواف سهواً يجب الإتيان به في أيّ وقت أمكنه، وإن رجع إلى محلّه وأمكنه الرجوع بلا مشقّة وجب، وإلّا استناب لإتيانه.

شرط القران تقديم العمرة على الحجّ ويدخل مكّة ويطوف ويسعى للعمرة ويقيم على إحرامه حتّى يكمل أفعال الحجّ ثمّ يحلّ منها فإن ترك الطواف للعمرة قبل الوقوف انتقضت عمرته وصار مفرداً بالحجّ وعليه قضاء العمرة. دليلنا إجماع الفرقة فإنّهم لا يختلفون في التفصيل الذي ذكرناه وقد أوردنا أخبارهم في شرح ذلك في الكتاب المقدّم ذكره.(1)

حكم ترك الطواف

بيانه- قال في «الحدائق»: «من كلام الأصحاب أنّهم صرّحوا بأنّ تارك الطواف نسياناً يجب عليه قضاؤه ولو بعد المناسك وإن تعذّر العود استناب.

وقال في «المدارك» بعد أن ذكر أنّ هذا مذهب الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم-:

لا أعلم فيه مخالفاً، ولم أقف لهم في هذا التفصيل على مستند، والذي وقفت عليه في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتّى قدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع؟ قال: «يبعث بهدي إن كان تركه في حجّ بعث به في حجّ وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه».(2) وإطلاق الرواية يقتضي جواز الاستنابة للناسي إذا لم يذكر حتّى قدم


1- الخلاف 2: 332 ..
2- وسائل الشيعة 13: 405، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 58، الحديث 1 ..

ص: 426

بلاده مطلقاً وأ نّه لا فرق في ذلك بين طواف العمرة وطواف الحجّ وطواف النساء إلى أن قال بعد البحث في المسألة: وقد ظهر من ذلك أنّ الأظهر وجوب الإتيان بالطواف المنسيّ وجواز الاستنابة فيه إذا شقّ العود أو مطلقاً كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر، انتهى.

أقول: أمّا ذكره قدس سره من أنّ التفصيل المذكور مذهب الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- لا يعلم فيه مخالفاً. ففيه أنّه قد نقل في البحث بعد هذا الكلام بيسير خلاف الشيخ قدس سره في «التهذيب» وأ نّه قال: ومن نسي طواف الحجّ حتّى يرجع إلى أهله فإنّ عليه بدنة وأنّ عليه إعادة الحجّ. وهو المستفاد من كلامه في «الاستبصار» أيضاً. وهو صريح كماترى. لهذا حمل الشيخ صحيحة علي بن جعفر المذكورة في «التهذيب» على طواف النساء قال: لأنّ الاستنابة لا تجوز في طواف الحجّ... وإلى ما ذكره الشيخ هنا مال المحقّق الشيخ حسن في «المنتقى» وادّعى أنّه مذهب الشيخين فكيف يتمّ ما ذكره من اتّفاق الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- على هذا التفصيل في طواف الحجّ متى تركه نسياناً؟

وأمّا ما ذكره من أنّ العمل بإطلاق صحيحة علي بن جعفر في أنّ من نسي طواف الحجّ أو العمرة أو طواف النساء، فله الاستنابة فيه وإن أمكنه العود، فإنّ فيه أنّ الروايات قد تكاثرت بهذا التفصيل في الناسي لطواف النساء وأ نّه لا يجوز له الاستنابة إلّامع تعذّر الرجوع وإذا ثبت ذلك في طواف النساء، ففي طواف الحجّ والعمرة بطريق أولى من أنّ طواف النساء خارج من الحجّ وطواف الحجّ من جملة أجزائه فهو أولى بوجوب الرجوع إليه مع الإمكان وكذا طواف العمرة».(1)


1- الحدائق الناضرة 16: 166- 168 ..

ص: 427

(مسألة 3): لو لم يقدر على الطواف لمرض ونحوه، فإن أمكن أن يُطاف به- ولو بحمله على سرير- وجب، ويجب مراعاة ما هو معتبر فيه بقدر الإمكان، وإلّا تجب الاستنابة عنه.

وقال في «الجواهر»: «وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنّه لو تعذّر العود عليه أو شقّ استناب فيه، بل عن «الخلاف» و «الغنية» الإجماع عليه للحرج، بل في «المدارك»: إنّ إطلاق الرواية يقتضي جواز الاستنابة للناسي إذا لم يذكر حتّى قدم بلاده مطلقاً نحو ما في «كشف اللثام» والخبر يعطي أنّ العود إلى بلاده يكفيه عذراً، ولكنّ الأصحاب اعتبر العذر احتياطاً. قلت: لعلّه لأنّ الأصل المباشرة وما قيل من أنّ المنساق من إطلاق الخبر المزبور ما هو الغالب من حصول التعذّر أو التعسّر بعد الوصول إلى بلاده مضافاً إلى فحوى ما تقدّم من وجوب صلاة ركعتيه بنفسه لو نسيهما، بل وفحوى ما تسمعه في طواف النساء من اشتراطها بالتعذّر أو التعسّر إن قلنا به. وعلى كلّ حال فالمراد بعدم القدرة ما عرفت من التعذّر أو التعسّر واحتمل الشهيد إرادة استطاعة الحجّ ولا ريب في ضعفه»(1) انتهى كلامه رفع مقامه.

بيانه- قال في «الحدائق»: «المريض لا يسقط عنه الطواف، بل يطاف به إن أمكن وإلّا طيف عنه ويدلّ على الحكم الأوّل.... وروى في «من لا يحضره الفقيه» عن أبي بصير: «أنّ أبا عبداللَّه عليه السلام مرض فأمر غلمانه أن يحملوه ويطوفوا به فأمرهم أن يخطوا برجله الأرض حتّى تمسّ الأرض قدماه في الطواف».(2)


1- جواهر الكلام 19: 377 ..
2- وسائل الشيعة 13: 392، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 47، الحديث 10 ..

ص: 428

وروى في «التهذيب» في الصحيح عن صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل المريض يقدّم مكّة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت ولا يأتي بين الصفا والمروة قال: «يطاف به محمولًا يخطو الأرض برجليه حتّى تمسّ الأرض قدميه في الطواف ثمّ يوقف به في أصل الصفا والمروة إذا كان معتلّاً».(1) وعن حريز في الصحيح عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يطاف به ويرمى عنه قال: فقال: «نعم، إذا كان لا يستطيع».(2) ويدلّ على الحكم الثاني: ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال: «المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما»،(3) وفي الصحيح عن حريز عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه»،(4) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال:

«المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما الجمار».(5)

وبالجملة: فالطواف عنه دائر مدار عدم إمكان الطواف به بعد التربّص لبُرءه إن لم يضق الوقت عن ذلك وعدم إمكان الطواف به إمّا لكونه لا يستمسك طهارته أو كونه مغلوباً عليه أو نحو ذلك ولا يجوز الطواف عن الغير بغير علّة مع حضوره ويدلّ عليه ما رواه في «الكافي» في الصحيح أو الحسن عن إسماعيل


1- وسائل الشيعة 13: 389، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 47، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 13: 389، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 47، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 13: 393، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 49، الحديث 3 ..
4- وسائل الشيعة 13: 393، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 49، الحديث 1 ..
5- وسائل الشيعة 13: 393، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 49، الحديث 3 ..

ص: 429

بن عبدالخالق(1) قال: كنت إلى جنب أبي عبداللَّه عليه السلام وعنده ابنه (مسألة 4): لو سعى قبل الطواف فالأحوط إعادته بعده. ولو قدّم الصلاة عليه يجب إعادتها بعده.

عبداللَّه أو ابنه الذي يليه فقال له رجل: أصلحك اللَّه يطوف الرجل عن الرجل وهو مقيم بمكّة ليس به علّة؟ فقال: «لا لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني فلاناً فطاف عنّي...».(2)

وقد ورد في بعض الروايات الطواف الكسير وهو محمول على من يستمسك طهارته ولا يشق عليه ذلك وبذلك يندفع التنافي بين الأخبار واللَّه العالم.

ترتّب السعي على الطواف

بيانه- قال في «الحدائق»: «الظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- في وجوب ترتّب السعي على الطواف فلو قدّمه عليه وجب إعادتهما لوقوعهما على خلاف الترتيب الشرعي ويجب إرجاع كلّ واحد منهما إلى محلّه. ويدلّ على ذلك الأخبار الدالّة على أنّه بعد الفراغ من الطواف وركعتيه يبادر إلى الخروج إلى الصفا والمروة. وأمّا ما يدلّ على الإبطال مع الإخلال بالترتيب فمنه ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن منصور بن حازم قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة قال: «يرجع فيطوف بالبيت ثمّ يستأنف السعي» قلت: إنّ ذلك قد فاته؟ قال: «عليه دم ألا ترى أنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك».(3)


1- وسائل الشيعة 13: 397، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 51، الحديث 1 ..
2- الحدائق الناضرة 16: 243- 245 ..
3- وسائل الشيعة 13: 413، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 63، الحديث 1 ..

ص: 430

وما رواه في «الكافي» عن منصور بن حازم في الصحيح قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت قال: «يطوف بالبيت ثمّ يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما»(1)... ويدلّ عليه زيادة على الروايات الدالّة على ترتيب المناسك وأنّ مرتبة طواف النساء التأخّر عن السعي خصوص ما رواه في «الكافي» عن أحمد بن محمّد عمّن ذكره قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك فذاك متمتّع زار البيت فطاف طواف الحجّ ثمّ طاف طواف النساء ثمّ سعى قال: «لا يكون السعي إلّامن قبل طواف النساء» فقلت: أفعليه شي ء؟ فقال: «لا يكون السعي إلّاقبل طواف النساء».(2)

وأمّا ما رواه المشايخ الثلاثة- نوّر اللَّه تعالى مراقدهم- في الموثّق عن سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته عن رجل طاف طواف الحجّ وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة قال: «لا يضرّه يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجّه».(3) فقد حمله الشيخ قدس سره على الناسي ولهذا صرّح جملة من الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- بأنّ من قدّم طواف النساء على السعي ساهياً لم تجب عليه الإعادة، قال في «المنتهى»: ولا يجوز تقديم طواف النساء على السعي متعمّداً، فلو فعل ذلك كان عليه إعادة طواف النساء وإن كان ناسياً لم يكن عليه شي ء، ثمّ استدلّ بمرسلة أحمد بن


1- وسائل الشيعة 13: 413، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 63، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 13: 417، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 65، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 13: 418، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 65، الحديث 2 ..

ص: 431

محمّد المذكورة ثمّ نقل موثّقة سماعة ونقل جواب الشيخ قدس سره عنهما بما ذكرناه.

وبالجملة فالظاهر أنّ الحكم لا خلاف ولا إشكال فيه».(1)

وقال في «الجواهر»: «لو دخل في السعي فذكر أنّه لم يتمّ طوافه رجع فأتمّ طوافه إن كان تجاوز النصف ثمّ تمّم السعي تجاوز نصفه أم لا وإن لم تكن قد تجاوز النصف استأنف الطواف كما عن «المبسوط» و «السرائر» و «الجامع» ثمّ استأنف السعي كما في «القواعد» ومحكيّ «المبسوط» وعن «النهاية» و «السرائر» و «التذكرة» و «التحرير» و «المنتهى» إتمام السعي على التقديرين، بل قيل: هو ظاهر «التهذيب» والمصنّف في كتابيه. وعلى كلّ حال لم أعثر هنا على نصّ بالخصوص في التفصيل المزبور. ولعلّه يكفي فيه ما عرفت من التعليل وغيره ممّا يحكم به على إطلاق موثّق إسحاق بن عمّار: سأل الصادق عليه السلام عن رجل طاف بالبيت ثمّ خرج إلى الصفا فطاف به ثمّ ذكر أنّه قد بقي عليه من طوافه شي ء فأمره «أن يرجع إلى البيت فيتمّ ما بقي من طوافه ثمّ يرجع إلى الصفا فيتمّ ما بقي»، قال: فإنّه طاف بالصفا وترك البيت قال: «يرجع إلى البيت فيطوف به ثمّ يستقبل طواف الصفا» قال: فما الفرق بين هذين؟ فقال عليه السلام: «لأ نّه دخل في شي ء من الطواف وهذا لم يدخل في شي ء منه»،(2) إن لم نقل بظهور «شي ء» في السؤال في الأقلّ من النصف بل قد يقال: إنّ دليل استئناف حينئذٍ إذا كان دون النصف أنّه بحكم من لم يدخل في شي ء من الطواف باعتبار وجوب استئنافه عليه كالتارك له أصلًا وكان ترك ذكر ركعتي الطواف اتّكالًا على معلومية تبعيتهما، لكن في «النافع» ومحكيّ «النهاية» و «التهذيب» و «التحرير» و «التذكرة» و «المنتهى» إطلاق إتمام الطواف ولعلّه لإطلاق الخبر المزبور عرفت


1- الحدائق الناضرة 16: 292 ..
2- وسائل الشيعة 13: 413، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 63، الحديث 3 ..

ص: 432

الحال فيه، إلّاأنّه مع ذلك كلّه لا ينبغي ترك الاحتياط فيه.(1)

وقال في «المدارك»: «ما اختاره المصنّف رحمه الله من الفرق بين تجاوز النصف وعدمه أحد القولين في المسألة ولم أقف على مستنده وأطلق الشيخ في «التهذيب» والمصنّف في «النافع» والعلّامة في جملة من كتبه الرجوع وإتمام الطواف من غير فرق بين تجاوز النصف وعدمه، واستدلّ عليه في «التهذيب» بما رواه في الموثّق عن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: رجل طاف بالبيت ثمّ خرج إلى الصفا فطاف بين الصفا والمروة فبينما هو يطوف إذ ذكر أنّه ترك بعض طوافه بالبيت، قال: «يرجع إلى البيت فيتمّ طوافه ثمّ يرجع إلى الصفا فيتمّ ما بقي»(2) ومقتضى الرواية عدم وجوب إعادة ركعتي الطواف والبناء على السعي مطلقاً وإن لم يتجاوز النصف، لكن قصورها من حيث السند يمنع من العمل بها وينبغي القطع بإتمام الطواف إذا كان الإخلال بشوط واحد، كما يدلّ عليه صحيحتا الحلبي(3) والحسن بن عطية.(4) وإنّما يحصل التردّد في الزائد ولعلّ الاستيناف أولى»(5) انتهى كلامه.

قال في «الحدائق»: «قد تقدّم أنّه لو ذكر في أثناء السعي نقصاناً من طوافه فإنّه يرجع ويتمّ طوافه، ثمّ يبني على ما سعى ويتمّ سعيه.... وأمّا لو ذكر في أثناء السعي أنّه لم يصلّ ركعتي الطواف قطع السعي وأتى بهما ثمّ أتمّ سعيه من حيث


1- جواهر الكلام 19: 335 ..
2- وسائل الشيعة 13: 358، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 32، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 13: 361، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 33، الحديث 9 ..
4- وسائل الشيعة 13: 357، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 32، الحديث 1 ..
5- مدارك الأحكام 8: 157 ..

ص: 433

قطع. ويدلّ على ذلك صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن رجل يطوف بالبيت ثمّ ينسى أن يصلي الركعتين حتّى يسعى بين الصفا والمروة خمسة أشواط أو أقلّ من ذلك، قال: «ينصرف حتّى يصلّي الركعتين ثمّ يأتي مكانه الذي كان فيه فيتمّ سعيه».(1) وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال: في رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتّى طاف بين الصفا والمروة ثمّ ذكر، قال: «يعلم ذلك المكان ثمّ يعود فيصلّي الركعتين ثمّ يعود إلى مكانه»(2)... وروى الكليني قدس سره في الصحيح أو الحسن عن حمّاد بن عيسى عمّن ذكره عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال: في رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتّى طاف بين الصفا والمروة قال: «يعلم ذلك الموضع ثمّ يعود فيصلّي الركعتين ثمّ يعود إلى مكانه».(3) وفي «المسالك»: إنّ الأصحاب لم يتعرّضوا لذكره، والذي يقتضيه الأصل أنّه يجب عليه العود مع الإمكان ومع التعذّر يصلّيهما حيث أمكن. وقال سبطه في «المدارك» بعد أن حكى عنه لا ريب أنّ مقتضى الأصل وجوب العود مع الإمكان، وإنّما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذّر أو بقائهما في الذمّة إلى أن يحصل التمكّن منهما في محلّهما، وكذا الإشكال في صحّة الأفعال المتأخّرة عنهما من صدق الإتيان بها ومن عدم وقوعها على الوجه المأمور به»،(4) وتبعه في «الرياض».


1- وسائل الشيعة 13: 438، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 77، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 13: 438، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 77، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 13: 438، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 77، الحديث 4 ..
4- الحدائق الناضرة 16: 291 ..

ص: 434

وقال في «الجواهر»: «قد يقال: بأنّ الأدلّة المزبورة خصوصاً الآية وما اشتمل على الاستدلال بها من النصوص إنّما تدلّ على وجوبهما بعد الطواف لا اشتراط صحّته بهما، ولذا كان له تركهما في الطواف المندوب ولم يؤمر بإعادة السعي وغيره من الأفعال لناسيهما والجاهل بهما، فليس حينئذٍ في عدم فعلهما بعد الطواف عمداً إلّاالإثم ووجوب القضاء- كما ذكره ثاني الشهيدين- لا بطلان ما تعقّبهما من الأفعال، وجعلهما في المتن من لوازم الطواف أعمّ من ذلك»، واللَّه العالم.(1)


1- جواهر الكلام 19: 307 ..

ص: 435

واجبات الطواف

القول: في واجبات الطواف

اشارة

وهي قسمان: الأوّل في شرائطه، وهي امور:

الأوّل: النيّة بالشرائط المتقدّمة في الإحرام.

شرائط الطواف

بيانه- قال في «اللمعة»: «وواجبه النيّة المشتملة على قصده في النسك المعيّن من حجّ أو عمرة إسلامي أو غيره تمتّع أو أحد قسيميه والوجه على ما مرّ».(1)

قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «لا بدّ من تعيين النيّة للطواف بالذات عند الإمامية والحنابلة. وقال المالكية والشافعية والحنفية: تكفي نيّة الحجّ بوجه العموم ولا يشترط نيّة الطواف بالخصوص. وتقدّم أنّ النيّة بمعنى الداعي والباعث لا تقبل النزاع والجدال؛ لأنّها من الامور القهرية».(2)


1- الروضة البهيّة 1: 500 ..
2- الفقه على المذاهب الخمسة: 232 ..

ص: 436

الثاني: الطهارة من الأكبر والأصغر، فلا يصحّ من الجنب والحائض ومن كان مُحدثاً بالأصغر؛ من غير فرق بين العالم والجاهل والناسي.

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «الشروط: قال الشافعية والمالكية والحنابلة: يشترط في الطواف الطهارة من الحدث والخبث فلا يصحّ من الجنب ولا من الحائض والنفساء ولا مع ترك. ويشترط أيضاً ستر العورة تماماً كما هي الحال في الصلاة... ويرى الحنفية: أنّ الطهارة من الحدث ليست شرطاً وإنّما هي واجب يجبر بدم؛ فلو كان محدثاً حدثاً أصغر وطاف صحّ طوافه ولزمه شاة وإن طاف جنباً وحائضاً صحّ ولزمه بدنة ويعيده ما دام في مكّة وجاء في كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة»: أمّا طهارة الثوب والبدن والمكان فسنّة مؤكّدة عند الحنفية حتّى لو طاف وعليه ثوب كلّه نجس فلا جزاء عليه.

وقال الإمامية: الطهارة من الحدث والخبث شرط في الطواف الواجب. وكذلك يشترط ستر العورة بثوب طاهر غير مغصوب وأن لا يكون من غير مأكول اللحم ولا من الحرير ولا الذهب، كما هي الحال في الصلاة، بل تشدّد بعضهم في أمر الطواف أكثر من الصلاة، حيث قال بالعفو عن الدم إذا كان بمقدار الدرهم في الصلاة وعدم العفو عنه في الطواف وبعدم جواز لبس الحرير والذهب للنساء، وقالوا أيضاً؛ أي الإمامية: يشترط في الطائف الختان فلا يصحّ الطواف من الأغلف رجلًا أو صبيّاً».(1)

وقال في «الجواهر»: «في المقدّمات وهي واجبة ومندوبة، فالواجبات الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر في الطواف الواجب بلا خلاف أجده، بل


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 231 ..

ص: 437

الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية: «لا بأس أن تقضى المناسك كلّها على غير وضوء إلّاالطواف بالبيت والوضوء أفضل»،(1) وصحيح علي عن أخيه عليه السلام: سألته عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر وهو في الطواف قال: «يقطع طوافه ولا يعتدّ بشي ء ممّا طاف».

وسألته عن رجل طاف ثمّ ذكر أنّه على غير وضوء، فقال: «يقطع طوافه ولا يعتدّ به»،(2) وصحيح ابن مسلم: سألت أحدهما عليهما السلام عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على ظهر قال: «يتوضّأ ويعيد طوافه وإن كان تطوّعاً توضّأ وصلّى ركعتين».(3)

نعم، ظاهر الأخير عدم وجوبها في المندوب، كما هو أحد القولين في المسألة، بل أظهرهما لذلك والأصل، وصحيح حريز عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في رجل طاف تطوّعاً وصلّى ركعتين وهو على غير وضوء قال: «يعيد الركعتين ولا يعيد الطواف»(4) وغير ذلك من الروايات... بل الظاهر عدم اشتراطه بالطهارة من الأكبر الذي يحرم مطلقاً الكون في المسجد معه فضلًا عن اللبث، لكن لو طاف ناسياً مثلًا صحّ طوافه للأصل بعد امتناع تكليف الغافل، ولعلّه المراد من محكيّ «التهذيب» من طاف على غير وضوء أو طاف جنباً فإن كان طوافه طواف الفريضة فليعده وإن كان طواف السنّة توضّأ أو اغتسل فصلّى ركعتين وليس عليه إعادة الطواف»،(5) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 13: 374، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 38، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 375، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 38، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 13: 374، كتاتب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 38، الحديث 3 ..
4- وسائل الشيعة 13: 376، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 38، الحديث 7 ..
5- جواهر الكلام 19: 269 ..

ص: 438

(مسألة 1): لو عرضه في أثنائه الحدث الأصغر، فإن كان بعد إتمام الشوط الرابع توضّأ وأتى بالبقيّة وصحّ، وإن كان قبله فالأحوط الإتمام مع الوضوء والإعادة. ولو عرضه الأكبر وجب الخروج من المسجد فوراً، وأعاد الطواف بعد الغسل لو لم يتمّ أربعة أشواط، وإلّا أتمّه.

بيانه- قال في «المسالك»: «أي يعتبر في جميع ذلك مجاوزة النصف وهو بلوغ الأربعة فإن بلغها بنى بعد زوال العذر وإلّا استأنف، وكذا القول لو قطعه لصلاة فريضة دخل وقتها أو نافلة خاف فوت وقتها، وللمصنّف في «النافع» قول بجواز قطعه لصلاة الفريضة وإن لم يبلغ النصف ويبني وكذا لصلاة الوتر وهو ضعيف، ولا يجوز قطعه لغير الأسباب المذكورة وحيث يقطعه يجب أن يحفظ موضعه؛ ليكمل منه بعد العود حذراً منه من الزيادة والنقصان. ولو شكّ أخذ بالاحتياط كما مرّ مع احتمال البطلان.

واحترز المصنّف بطواف الفريضة عن طواف النافلة، فإنّه يبني فيه إذا قطعه لذلك مطلقاً. ولو كان القطع لا لعذر قبل بلوغ النصف استأنف مطلقاً. وكذا لو أحدث في طواف الفريضة؛ أي يبني مع بلوغ الأربعة بعد الطهارة ومثله ما لو عرض له نجاسة أزالها وعاد إليه. ويجب الاقتصار على قدر الحاجة عرفاً. ولا يجب التخفيف زيادة على المعتاد، ولو زاد عن قدر الحاجة فكالقطع بغير عذر»،(1) واللَّه العالم.


1- مسالك الأفهام 2: 341 ..

ص: 439

(مسألة 2): لو كان له عذر عن المائية يتيمّم بدلًا عن الوضوء أو الغسل، والأحوط مع رجاء ارتفاع العذر الصبر إلى ضيق الوقت.

بيانه- قال في «شرح اللمعة»: «القول في الطواف: ويشترط فيه رفع الحدث. مقتضاه عدم صحّته من المستحاضة والمتيمّم لعدم إمكان رفعه في حقّهما وإن استباحا العبادة بالطهارة. وفي «الدروس»: أنّ الأصح الاجتزاء بطهارة المستحاضة والمتيمّم مع تعذّر المائية، وهو المعتمد. والحكم مختصّ بالواجب أمّا المندوب فالأقوى عدم اشتراطه بالطهارة وإن كان أكمل. وبه صرّح المصنّف في غير الكتاب»،(1) أي في غير «اللمعة» من سائر كتبه.

وقال في «الجواهر»: «فقد عرفت في كتاب الطهارة أنّ كلّما تبيحه الطهارة المائية تبيحه الطهارة الترابية، لكن عن فخر المحقّقين عن والده: أنّه لا يرى إجزاء التيمّم فيه بدلًا عن الغسل، بل في «المدارك»: إنّه ذهب فخر المحقّقين إلى عدم إباحة التيمّم للجنب الدخول في المسجدين ولا اللبث فيما عداهما من المساجد، ومقتضاه عدم استباحة الطواف به، قلت: هو كذلك، لكن لا صراحة فيه ببطلان الطواف به مع النسيان ونحوه ممّا لا نهي معه من حيث الكون، وعلى كلّ حال، فلا ريب في ضعفه؛ لما تقدّم سابقاً في محلّه من النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات على إباحة الترابية ما تبيحه المائية من غير فرق بين الحدث الأكبر والأصغر الذي حكي الإجماع على إجزائه فيه كإجزاء طهارة المستحاضة فيه أيضاً بلا خلاف أجده؛ لقول الصادق عليه السلام في مرسل يونس: «المستحاضة تطوف بالبيت وتصلّي ولا تدخل


1- الروضة البهيّة 1: 499 ..

ص: 440

الكعبة»(1) وغيره من النصوص التي ذكرناها في محلّها.

نعم، في «كشف اللثام»: تقدّم أنّ المبطون يطاف عنه والأصحاب قاطعون به، ولعلّ الفارق النصّ وإلّا كان المتّجه الجواز فيه كالمستحاضة والمسلوس وغيرهما من ذوي الطهارة الاضطرارية، هذا. وفي «اللمعة» اعتبار رفع الحدث فيه، واستظهر منها في الروضة عدم إجزاء الطهارة الاضطرارية ولكن يمكن منعه عليه؛ بأن يريد من رفع الحدث ما يشمل ذلك ولو حكماً»،(2) انتهى.

وقال في «الحدائق»: «وهل يستباح بالتيمم مع عدم الماء أم لا؟ قال في «المدارك»: المعروف من مذهب الأصحاب استباحة الطواف بالطهارة الترابية كما يستباح بالمائية، ويدلّ عليه عموم قوله عليه السلام في صحيحة جميل: «إنّ اللَّه تعالى جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً»،(3) وفي صحيحة محمّد بن مسلم: «وهو بمنزلة الماء».(4) وذهب فخر المحقّقين إلى أنّ التيمّم لا يبيح للجنب الدخول في المسجدين ولا اللبث في ما عداهما من المساجد، ومقتضاه عدم استباحة الطواف به أيضاً، وهو ضعيف. وقد تقدّم الكلام في ذلك في كتاب الطهارة. انتهى. وهو جيّد، إلّاأنّه مناف لما قدّمه في كتاب الطهارة لقوله ثمّة في مسألة التيمّم للخروج من المسجدين حيث قال: فإنّا لم نقف على ما يقتضي اشتراط عدم الماء في جواز التيمّم لغير الصلاة»،(5) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 13: 462، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 91، الحديث 2 ..
2- جواهر الكلام 19: 270 ..
3- وسائل الشيعة 1: 133، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 3: 379، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 20، الحديث 3، لكنّ الراوي حمّاد بن عثمان ..
5- الحدائق الناضرة 16: 86 ..

ص: 441

(مسألة 3): لو شكّ في أثناء الطواف أنّه كان على وضوء، فإن كان بعد تمام الشوط الرابع توضّأ وأتمّ طوافه وصحّ، وإلّا فالأحوط الإتمام ثمّ الإعادة. ولو شكّ في أثنائه في أنّه اغتسل من الأكبر، يجب الخروج فوراً، فإن أتمّ الشوط الرابع فشكّ أتمّ الطواف بعد الغسل وصحّ، والأحوط الإعادة، وإن عرضه الشكّ قبله أعاد الطواف بعد الغسل، ولو شكّ بعد الطواف لا يعتني به، ويأتي بالطهور للأعمال اللاحقة.

بيانه- قال في «الجواهر»: «ولو ذكر في الواجب عدم الطهارة من الحدث استأنف معها. ولا استئناف في المندوب إلّالصلاته، بناءً على ما عرفت بلا خلاف في شي ء من ذلك ولا إشكال. وإن شكّ في الطهارة في أثناء الطواف وكان محدثاً قبله استأنفه مع الطهارة؛ لقاعدة اقتضاء الشكّ في الشرط الشكّ في المشروط، بل هو محدث شرعاً والصحّة في الصلاة لو قلنا بها لدليل خاصّ وإلّا فأصالة الصحّة في بعض العمل لا تقتضي الحكم بوجودها في البعض الباقي منه والفرض توقّف صحّة بعضه على الأخير.

نعم، لو شكّ بعد الفراغ لم يلتفت إليه كالصلاة من دون فرق بين أجزائها وشرائطها. نعم، قد يقال في مثل الطواف بالطهارة لما بقي من أشواطه والبناء على الأوّل المحكوم بصحّته لأصلها؛ إذ هو باعتبار جواز ذلك فيه يكون كالعصر والظهر اللذين لا يلتفت إلى الشكّ في أثنائهما بعد تمام الاولى؛ لأصالة الصحّة وإن وجب الوضوء للعصر، ولكن لم أجد من احتمله في المقام، بل في محكيّ «التحرير» و «المنتهى» و «التذكرة» التصريح بما ذكرناه أوّلًا.

نعم، في «كشف اللثام»: الوجه أنّه إن شكّ في الطهارة بعد يقين الحدث فهو

ص: 442

محدث يبطل طوافه شكّ قبله أو بعده أو فيه وإن شكّ في نقضها بعد يقينها فهو متطهّر يصحّ طوافه مطلقاً، وإن تيقّن الحدث والطهارة وشكّ في المتأخّر ففيه ما مرّ في كتاب الطهارة ولا يفترق الحال في شي ء من الفروض بين الكون في الأثناء وبعده، وليس ذلك من الشكّ في شي ء من الأفعال وفيه ما لا يخفى بعد ما عرفت»،(1) انتهى كلامه رفع مقامه.

وفي «المدارك»: «وأنّ الأصحّ ما اختاره المصنّف من عدم توقّف الطواف المندوب على الطهارة وأمّا صلاة الطواف فيستوي واجبها ومندوبها في اشتراط الطهارة إجماعاً.

فرع: قال في «التذكرة»: لو شكّ في الطهارة فإن كان في أثناء الطواف تطهّر واستأنف؛ لأنّه شكّ في العبادة قبل فراغها، فيعيد كالصلاة. ولو شكّ بعد الفراغ لم يستأنف. هذا كلامه قدس سره، وهو غير جيّد. ولا مطابق للُاصول المقرّرة، والحقّ أنّ الشكّ في الطهارة إن كان بعد يقين الحدث وجب عليه الإعادة مطلقاً؛ للحكم بكونه محدثاً شرعاً وإن كان الشكّ في الطهارة؛ بمعنى الشكّ في بقائها للشكّ في وقوع الحدث بعد يقين الطهارة لم تجب عليه الإعادة كذلك لكونه متطهّراً شرعاً»،(2) واللَّه العالم.

وقال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «وجاء في كتاب «فتح القدير» للحنفية من ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها فعليه شاة ومن ترك أربعة بقي محرماً أبداً حتّى يطوفها؛ لأنّ المتروك أكثر فصار كأ نّه لم يطف أصلًا.

وقال الإمامية: إذا انتهى من الأشواط ثمّ شكّ هل أوقعها صحيحة على الوجه


1- جواهر الكلام 19: 273 ..
2- مدارك الأحكام 8: 141 ..

ص: 443

المطلوب شرعاً بدون زيادة ونقصان أو أنّه زاد أو نقص فلا أثر لشكّه، بل يبني على الصحّة والتمام ويمضي ولا شي ء عليه، وإذا لم يكن الشكّ بعد الفراغ ينظر فإن كان قد أحرز السبعة على كلّ حال كما لو شكّ بين السبعة والثمانية بنى على الصحّة ومضى. وأمّا إذا لم يحرز وتيقّن أنّ السبعة متحقّقة كما لو شكّ بين الستّة والسبعة أو الخمسة والستّة فما دون يبطل الطواف من الأساس وعليه أن يعيد والأفضل أن يتمّ ثمّ يستأنف.

هذا في الطواف الواجب، أمّا في المستحبّ فإنّه يبني على الأقلّ دائماً ويتمّ إن كان أحد طرفي الشكّ ما دون السبعة بدون فرق بين أن يكون الشكّ في الأثناء أو عند انتهاء الشوط الأخير. أمّا غير الإمامية فالقاعدة عندهم هي البناء على الأقلّ أخذاً بالقدر المتيقّن كما هي الحال في الشكّ في عدد ركعات الصلاة هذا هو الطواف بواجباته ومستحبّاته وأحكامه وهو نوع واحد تماماً كالركوع والسجود واجباً كان أو مستحبّاً جزءاً من عمرة مفردة أو عمرة تمتّع أو حجّ قران أو إفراد أو طواف زيارة أو نساء أو قدوم أو وداع... والتفصيل في الفصول الآتية»،(1) انتهى.


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 238 ..

ص: 444

الثالث: طهارة البدن واللباس، والأحوط الاجتناب عمّا هو المعفوّ عنه في الصلاة، كالدم الأقلّ من الدرهم، وما لا تتمّ فيه الصلاة حتّى الخاتم. وأمّا دم القروح والجروح فإن كان في تطهيره حرج عليه لا يجب. والأحوط تأخير الطواف مع رجاء إمكان التطهير بلا حرج؛ بشرط أن لا يضيق الوقت. كما أنّ الأحوط تطهير اللباس أو تعويضه مع الإمكان.

بيانه- قال في «الحدائق» مع توضيح منّا: طهارة البدن والثوب وهو واجب على الأشهر وبه صرّح الشيخ قدس سره فقال: لا يجوز أن يطوف وفي ثوبه شي ء من النجاسة، وبه قال ابن زهرة وابن إدريس والمحقّق والعلّامة وغيرهم، وظاهر كلامهم أنّه لا فرق بين كون النجاسة ممّا يعفى عنها أم لا، بل صرّح الشيخ بذلك على ما نقله في «المختلف» فقال: لا فرق بين الدم وغيره؛ سواء كان الدم دون الدرهم أو أزيد، وبهذا التعميم صرّح ابن إدريس أيضاً، وهو ظاهر المحقّق في «الشرائع» والعلّامة في «المنتهى». وقال ابن الجنيد: لو طاف في ثوب إحرامه وقد أصابه دم لا تحلّ له الصلاة فيه كره ذلك له، ويجزئه إذا نزعه عند صلاته.

وجعل ابن حمزة الطواف في الثوب النجس مكروهاً. وكذا إذا أصاب بدنه نجاسة، ونقل في «المدارك» عن بعض الأصحاب أنّه ذهب إلى العفو هنا عمّا يعفى عنه في الصلاة. ويدلّ على القول المشهور ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف قال: «ينظر الموضع الذي رأى فيه فيعرفه ثمّ يخرج فيغسله ثمّ يعود فيتمّ طوافه»،(1) وما رواه الصدوق في «الفقيه» في الموثّق عن يونس بن يعقوب أيضاً


1- وسائل الشيعة 13: 399، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 52، الحديث 2 ..

ص: 445

قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: رأيت في ثوبي شيئاً من دم وأنا أطوف قال: «فاعرف الموضع ثمّ اخرج فاغسله ثمّ عدّ فابن على طوافك»(1) إلّاأنّ بإزائهما صحيحة البزنطي عن بعض أصحابه عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلت له: رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله، فطاف في ثوبه، فقال: «أجزأه الطواف فيه ثمّ ينزعه ويصلي في ثوب طاهر».(2)

قال في «المدارك» بعد ذكر رواية يونس بن يعقوب: والطعن فيهما بضعف السند ثمّ ذكر مرسلة البزنطي ما لفظه: ولا يضرّ إرسالها؛ لأنّها مطابقة لمقتضى الأصل وسالمة عمّا يصلح للمعارضة. ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن الجنيد وابن حمزة، إلّاأن الأولى اجتناب ما لم يعف عنه في الصلاة، والأحوط اجتناب الجميع كما ذكره ابن إدريس.(3)

وقال في «الجواهر»: «وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن ولو ندباً كما عن الأكثر، بل عن «الغنية» الإجماع عليه؛ للنبوي «الطواف بالبيت صلاة».(4)

وخبر يونس بن يعقوب سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف قال: «ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثمّ يخرج فيغسله ثمّ يعود فيتمّ طوافه»، بل لا إشكال في الاشتراط بناءً على تحريم إدخال النجاسة وإن لم تسر واستلزام الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه إلّاأن لا يعلم بالنجاسة عند الطواف وإن كان لنسيانه لها فيصحّ حينئذٍ بناءً على مدرك


1- وسائل الشيعة 13: 399، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 52، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 399، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 52، الحديث 3 ..
3- الحدائق الناضرة 16: 86 ..
4- مستدرك الوسائل 9: 410، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 38، الحديث 2 ..

ص: 446

الاشتراك ذلك لا الأوّل الذي مقتضاه مساواة حكمه للصلاة، لكن عن ابن الجنيد كراهته مع النجاسة في ثوبه أو بدنه، ومال إليه في «المدارك» للأصل وضعف الخبرين المزبورين ومنع حرمة إدخال النجاسة غير المتعدّية والهاتكة حرمة المسجد.

ولمرسل البزنطي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قلت له: رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله وطاف في ثوبه، فقال: «أجزءه الطواف فيه ثمّ ينزعه ويصلّي في ثوب طاهر»(1) ولكنّ الأقوى الأوّل للخبرين السابقين الذين عمل بهما من لا يعمل إلّابالقطعيات المنجبرين بما عرفت الذين ينقطع بهما الأصل المزبور ويقصر عن معارضتهما المرسل المذكور، بل عن «التذكرة» و «المنتهى» و «التحرير» وظاهر غيرها: عدم العفو عمّا يعفى عنه في الصلاة؛ لعموم خبر يونس الذي لا يخصّ بالنبوي المزبور بعد عدم انجباره بالنسبة إلى ذلك وعدم انصراف مثله في وجه التشبيه، هذا. وفي «الدروس»:

ويجب قبله؛ أي الطواف أربعة أشياء: إزالة النجاسة عن الثياب والبدن، وفي العفو عمّا يعفى عنه في الصلاة نظر وقطع ابن إدريس بعدمه. والتوقّف فيه لا وجه له....

ثمّ قال: وقد وجدت عبارة «الدروس» منقولة خالية عن ذلك، والظاهر أنّها هي الصحيحة. وعلى كلّ حال فالتحقيق عدم العفو في الأقلّ من الدرهم من الدم وفيما لا تتمّ الصلاة به ولذا صرّح الفاضل ببطلانه في الخاتم النجس.

أمّا دم القروح والجروح فالظاهر العفو للجرح وغيره واللَّه العالم».(2)


1- وسائل الشيعة 13: 399، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 52، الحديث 3 ..
2- جواهر الكلام 19: 271 ..

ص: 447

(مسألة 4): لو علم بعد الطواف بنجاسة ثوبه أو بدنه حاله فالأصحّ صحّة طوافه، ولو شكّ في طهارتهما قبل الطواف جاز الطواف بهما وصحّ، إلّامع العلم بالنجاسة والشكّ في التطهير.

بيانه- قال في «المدارك»: «أنّ من لم يعلم بالنجاسة حتّى فرغ من طوافه كان طوافه صحيحاً وهو مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً؛ لتحقّق الامتثال بفعل المأمور به وارتفاع النهي مع الجهل، فينتفي الفساد ولا ينافي ذلك وجوب إعادة الجاهل في الصلاة مع أنّا قد بيّنّا هناك أنّ الأصحّ عدم الإعادة مطلقاً...

والأظهر إلحاق ناسي النجاسة بالجاهل كما اختاره في «المنتهى»، بل ويمكن إلحاق جاهل الحكم به أيضاً؛ لارتفاع النهي المقتضي للفساد في الجميع(1) والأحوط الإعادة.

قوله: «ولو شكّ في طهارتهما جاز الطواف بهما وصحّ إلّامع العلم بالنجاسة والشكّ في التطهير».

نعم، في «كشف اللثام»: «الوجه أنّه إن شكّ في الطهارة بعد يقين الحدث فهو محدث يبطل طوافه شكّ قبله أو بعده أو فيه وإن شكّ في نقضها بعد يقينها فهو متطهّر يصحّ طوافه مطلقاً».(2)


1- مدارك الأحكام 8: 144 ..
2- كشف اللثام 5: 411 ..

ص: 448

(مسألة 5): لو عرضته نجاسة في أثناء الطواف أتمّه بعد التطهير وصحّ. وكذا لو رأى نجاسة واحتمل عروضها في الحال، ولو علم أنّها كانت من أوّل الطواف فالأحوط الإتمام بعد التطهير ثمّ الإعادة، سيّما إذا طال زمان التطهير، فالأحوط حينئذٍ الإتيان بصلاة الطواف بعد الإتمام ثمّ إعادة الطواف والصلاة، ولا فرق في ذلك الاحتياط بين إتمام الشوط الرابع وعدمه.

بيانه- قال في «المدارك»: «أنّ من لم يعلم بالنجاسة، ثمّ علم في أثناء الطواف وجب عليه إزالة النجاسة وإتمام الطواف، وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين أن يتوقّف الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف وعدمه، ولا بين أن يقع العلم بعد إكمال أربعة أشواط أو قبل ذلك، والوجه فيه تحقّق الامتثال بالفعل المتقدّم وأصالة عدم وجوب الإعادة. ويؤيّده ما رواه ابن بابويه في الموثّق عن يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل يرى في ثوبه الدم، وهو في الطواف قال: «ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم، فيعرفه ثمّ يخرج فيغسله ثمّ يعود فيتمّ طوافه».(1)

وفي الصحيح عن حمّاد بن عثمان عن حبيب بن مظاهر قال: فابتدأت في طواف الفريضة وطفت شوطاً، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلته ثمّ جئت فابتدأت الطواف فذكرت ذلك لأبي عبداللَّه عليه السلام فقال: «بئس ما صنعت كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت أما أنّه ليس عليك شي ء».(2) وجزم الشهيدان بوجوب الاستيناف إن تتوقّفت الإزالة على فعل يستدعي قطع


1- وسائل الشيعة 13: 399، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 52، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 13: 379، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 41، الحديث 2 ..

ص: 449

الرابع: أن يكون مختوناً، وهو شرط في الرجال لا النساء، والأحوط مراعاته في الأطفال، فلو أحرم الطفل الأغلف بأمر وليّه أو أحرمه وليّه، صحّ إحرامه ولم يصحّ طوافه على الأحوط، فلو أحرم بإحرام الحجّ حرم عليه النساء على الأحوط، وتحلّ بطواف النساء مختوناً أو الاستنابة له للطواف، ولو تولّد الطفل مختوناً صحّ طوافه.

الطواف... والحكم في المسألتين واحد وهو مع تسليم الحكم في الأصل لا يخرج عن القياس ولو قيل بوجوب الاستيناف مطلقاً مع الإخلال بالموالاة الواجبة بدليل التأسّي وغيره أمكن لقصور الروايتين المتضمّنتين للبناء من حيث السند والاحتياط يقتضي البناء والإكمال ثمّ الاستيناف مطلقاً»،(1) انتهى كلامه رفع مقامه.

بيانه- قال في «الجواهر»: «يشترط في صحّته واجباً كان أو مندوباً أن يكون الرجل مختوناً بلا خلاف أجده فيه، بل عن الحلبي أنّ إجماع آل محمّد- صلوات اللَّه عليهم- عليه مضافاً إلى قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية: «الأغلف لا يطوف بالبيت ولا بأس أن تطوف المرأة»،(2) وفي صحيح حريز وإبراهيم بن عمر: «لا بأس أن تطوف المرأة غير مخفوضة وأمّا الرجل فلا يطوفنّ إلّاوهو مختون»،(3) وخبر إبراهيم بن ميمون عنه عليه السلام أيضاً في رجل أسلم، فيريد أن يختن، وقد حضر الحجّ أيحجّ قبل أن يختن؟


1- مدارك الأحكلام 8: 145 ..
2- وسائل الشيعة 13: 270، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف، الباب 33، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 13: 271، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف، الباب 33، الحديث 3 ..

ص: 450

قال: «لا يحجّ حتّى يختن»(1) وغير ذلك.

فما في «المدارك» من أنّه نقل عن ابن إدريس التوقّف في ذلك واضح الضعف مع أنّا لم نتحقّقه، كما أنّ عدم ذكر كثير له على ما في «كشف اللثام» ليس خلافاً محقّقاً. وعلى كلّ حال فلا يعتبر في المرأة بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه؛ للأصل وما سمعته من النصوص. أمّا الخنثى المشكل فالمتّجه- بناءً على الأعمّية- عدم الوجوب؛ للأصل، والوجوب على القول بأ نّها اسم للصحيح؛ تحصيلًا ليقين الخروج عن العهدة إلّاعلى القول بجريان الأصل فيها على هذا التقدير أيضاً، بل قد يظهر من المصنّف وغيره عدم اعتباره في الصبيّ، قيل: للأصل بعد عدم توجّه النهي إليه وحينئذٍ، فأن أحرم وطاف أغلف لم تحرم النساء عليه بعد البلوغ، ولكن قد يقال: إنّ النهي وإن لم يتوجّه إليه إلّاأنّ الحكم الوضعي المستفاد منه ثابت عليه؛ خصوصاً بعد صحيح معاوية السابق، هذا.

وفي «القواعد» وغيرها اعتبار التمكّن، وحينئذٍ فلو تعذّر ولو لضيق الوقت سقط، ولعلّه لاشتراط التكليف بالتمكّن كمن لم يتمكّن من الطهارة مع عموم أدلّة وجوب الحجّ والعمرة وفي «كشف اللثام» المناقشة بأ نّه يجوز أن يكون كالمبطون في وجوب الاستنابة.

قلت: لعلّ المتّجه فيه سقوط الحجّ عنه في ذلك العام لفوات المشروط بفوات شرطه، بل لعلّ خبر إبراهيم بن ميمون لا يخلو من إشعار بذلك، وإن كان هو غير نصّ في أنّه غير متمكّن من الختان لضيق الوقت، وأنّ عليه تأخير الحجّ عن عامه لذلك، فإنّ الوقت إنّما يضيق غالباً عن الاختنان مع الاندمال فأوجب عليه السلام


1- تهذيب الأحكام 5: 126/ 412 ..

ص: 451

أن يختن ثمّ يحجّ وإن لم يندمل. نعم، قد يقال إنّ الشرطية مستفادة من النهي المشروط بالتمكّن، فيدور حينئذٍ مداره.

وفيه- مع إمكان منع تقييد الحكم الوضعي المستفاد من الأمر والنهي بالتكليفي كما في غيره من الشرائط، ولذا قلنا بالاشتراط في الصبيّ-: أنّه لا يقتضي السقوط بضيق الوقت؛ ضرورة حصول التمكّن ولو في غير العام، فتأمّل جيّداً».(1)

وقال في «الحدائق»: «إذا كان ذكراً أن يكون مختوناً، وهو مقطوع به في كلام الأصحاب، وموضع وفاق كما يظهر من «المنتهى»، ويدلّ عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «الأغلف لا يطوف بالبيت ولا بأس أن تطوف المرأة»(2)... وغير ذلك من النصوص الواردة في ذلك.

ونقل عن ابن إدريس أنّه توقّف في هذا الحكم، وهو ضعيف وإن كان جيّداً على اصوله الغير الأصيلة، وجزم شيخنا الشهيد الثاني في «المسالك» بأنّ الختان إنّما يعتبر مع الإمكان، ولو تعذّر ولو بضيق الوقت سقط، وقال سبطه في «المدارك» بعد نقل ذلك: ويحتمل قويّاً اشتراطه مطلقاً كما في الطهارة بالنسبة إلى الصلاة... قال في «المسالك»- بعد نقل قول المصنّف «وأن يكون مختوناً ولا يعتبر في المرأة»: ومقتضى إخراج المرأة بعد اعتباره في مطلق الطائف استواء الرجل والصبيّ والخنثى في ذلك، وفائدته في الصبيّ مع عدم التكليف في حقّه بالختان كونه شرطاً في صحّته كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة في حقّه.


1- جواهر الكلام 19: 274 ..
2- وسائل الشيعة 13: 270، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف، الباب 33، الحديث 1 ..

ص: 452

وفي «الدروس» عكس العبارة، فجعل الختان شرطاً في الرجل المتمكّن خاصّة، فيخرج منه الصبيّ والخنثى كما خرجت المرأة، والأخبار خالية عن غير الرجل والمرأة، ولعلّ مختار الكتاب هو الأقوى قال سبطه في «المدارك»: ومقتضى إخراج المرأة من هذا الحكم بعد اعتباره في مطلق الطائف استواء الرجل والصبيّ والخنثى في ذلك، والرواية الاولى متناولة للجميع، فما ذكره الشارح من أنّ الأخبار خالية من غير الرجل والمرأة غير واضح، انتهى.

أقول: أشار بالرواية الاولى إلى صحيحة معاوية بن عمّار المشتملة على الأغلف الشامل بإطلاقه للأفراد المذكورة. ولا يخفى: أنّ الرجل في اللغة يطلق على البالغ وغيره، ففي «الصحاح»: هو الذكر من الناس، وفي «القاموس»:

الرجل بالضمّ معروف، وإنّما هو لمن شبّ واحتلم أو هو رجل ساعة يولد، وحينئذٍ فيمكن حمل الرجل في هذه الأخبار على ما هو أعمّ، فتكون دالّة على دخول الصبيّ أيضاً في الحكم المذكور. بقي الكلام في الخنثى ودخولها في صحيحة معاوية بن عمّار باعتبار الأغلف لا يخلو من بعد؛ لما عرفت في غير مقام من أنّ الإطلاق إنّما ينصرف إلى الأفراد الشائعة المتكثّرة دون الأفراد النادرة الوقوع... وإطلاق صحيحة معاوية يقيّد بباقي الأخبار، وكون الرجل يطلق على ما يشمل الصبيّ وإن صرّح به في «الصحاح»، إلّاأنّ عبارة «القاموس» تدلّ على بعده والعرف يساعده فإنّه يطلق على البالغ، قال في كتاب «مجمع البحرين»- بعد نقل عبارتي «الصحاح» و «القاموس»-: وفي كتب كثير من المحقّقين تقييده بالبالغ، وهو أقرب ويؤيّده العرف».(1)


1- الحدائق الناضرة 16: 89- 92 ..

ص: 453

الخامس: ستر العورة، فلو طاف بلا ستر بطل طوافه. وتعتبر في الساتر الإباحة فلا يصحّ مع المغصوب، بل لا يصحّ على الأحوط مع غصبية غيره من سائر لباسه.

بيانه- قال في «شرح اللمعة»: «وستر العورة التي يجب سترها في الصلاة ويختلف بحسب حال الطائف في الذكورة والانوثة».(1)

وقال في «الجواهر»: «ثمّ إنّ الفاضل في «القواعد» والمحكيّ من جملة من كتبه أوجب فيه ستر العورة كما عن «الخلاف» و «الغنية» و «الإصباح»، ولعلّه لأ نّه صلاة ولقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا يحجّ بعد العام مشرك ولا عريان»(2) لكن في «المختلف» وللمانع أن يمنع ذلك وهذه الرواية غير مسندة من طرقنا، فلا حجّة فيها، وفيه: على ما في «كشف اللثام» أنّ الخبر الثاني يقرب من التواتر من طريقنا وطريق العامّة، روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن محمّد بن الفضل عن الرضا عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ رسول اللَّه أمرني عن اللَّه تعالى أن لا يطوف بالبيت عريان ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العامّ».(3)

وروى فرات في تفسيره معنعناً عن ابن عباس في قوله تعالى وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ اْلأَكْبَرِ(4) المؤذّن عن اللَّه ورسوله صلى الله عليه و آله و سلم علي بن


1- الروضة البهيّة 1: 500 ..
2- وسائل الشيعة 13: 400، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 53، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 13: 400، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 53، الحديث 2 ..
4- التوبة( 9): 3 ..

ص: 454

أبي طالب عليه السلام، إذن بأربع كلمات: أن لا يدخل المسجد إلّامؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه و آله و سلم أجل، فأجله إلى مدّته ولكم أن تسيحوا في الأرض أربعة أشهر(1) وغير ذلك من الأخبار الكثيرة...

ولكن قد يمنع دلالة ذلك على اعتبار الستر فيه للرجل والمرأة على حسب اعتباره في الصلاة؛ ضرورة أعمّية النهي عن العراء منه كما هو واضح، ولعلّه لذلك تركه المصنّف وغيره. اللهمّ إلّاأن يقال: إنّ المراد من العراء في هذه النصوص ستر العورة للإجماع في الظاهر على صحّة طواف الرجل عارياً مع ستر العورة ولا ريب في أنّه أحوط.(2)

وقال في «الحدائق»: «ستر العورة وهو واجب في الفريضة وشرط في صحّة الندب، كما في الصلاة واستدلّ عليه العلّامة في «المنتهى» بقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «الطواف بالبيت صلاة»(3) وقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «ولا يحجّ بعد العام مشرك ولا عريان» ويظهر من العلّامة في «المختلف» التوقّف في ذلك، حيث أنّه عزّى الاشتراط إلى الشيخ وابن زهرة، واحتجّ لهما بالرواية الاولى من روايتي «المنتهى»، ثمّ قال: ولمانع أن يمنع ذلك: وهذه الرواية غير مستندة من طرقنا فلا حجّة فيها، قال في «المدارك» بعد نقل ذلك عنه: وهو جيّد، والمسألة محلّ تردّد، والواجب التمسّك بمقتضى الأصل إلى أن يثبت دليل الاشتراط وإن كان التأسّي والاحتياط يقتضيه انتهى....

وهذه الأخبار على كثرتها لمّا لم تكن من أخبار الكتب الأربعة المشهورة


1- تفسير فرات الكوفي: 158؛ بحار الأنوار 36: 138 ..
2- جواهر الكلام 19: 275- 278 ..
3- مستدرك الوسائل 9: 410، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 38، الحديث 2 ..

ص: 455

القسم الثاني: ما عُدّ جزءاً لحقيقته، ولكن بعضها من قبيل الشرط، والأمر سهل.

وهي امور:

الأوّل: الابتداء بالحجر الأسود، وهو يحصل بالشروع من الحجر الأسود من أوّله أو وسطه أو آخره.

خفيت عليهم وظنّ جملة منهم خلوّ المسألة من المستند، كما سمعت من كلام «المختلف» و «المدارك»،(1) واللَّه العالم.

واجبات الطواف

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «أن يبدأ بالحجر الأسود؛ بحيث يكون أوّل جزء من بدنه بإزاء أوّل جزء من الحجر حال الابتداء ثمّ يأخذ بالحركة على اليسار وأن يختم به؛ بحيث يحاذيه في آخر شوط كما ابتدأ أوّلًا؛ لتكمل الأشواط السبعة دون أن ينقص أو يزيد خطوة، فما دونها. وخوفاً من الزيادة أو النقصان وجب البدء من أوّل الحجر؛ لأنّه إن بدأ من وسطه لا تؤمن الزيادة أو النقصان. وإن بدأ من آخره لم يكن الابتداء من الحجر... الواجب البدء بالحجر والختم به ومعنى هذا كما يظهر من عبارة «الجواهر» الاكتفاء بتحقّق الصدق عرفاً وقول السيّد الحكيم في «المنسك» يشعر بذلك حيث جاء فيه:

عليه- أي على الطائف- أن يبتدأ بقليل ممّا قبل الحجر ناوياً ما يجب عليه في الواقع فإذا طاف كذلك فقد علم بأ نّه ابتدأ بالحجر وختم به.

وأن يجعل البيت على يساره، قال السيّد الحكيم: يكفي في تحقّقه الصدق


1- الحدائق الناضرة 16: 92- 95 ..

ص: 456

عرفاً ولا يضرّ الانحراف اليسير ما دام الصدق العرفي متحقّقاً. وقال السيّد الخوئي: الظاهر أنّ العبرة بالصدق العرفي.

وأن يدخل حجر إسماعيل في الطواف؛ أي يطوف حوله دون أن يدخل فيه. ويكون على يساره، فإذا طاف بينه وبين البيت، فجعله على يمينه بطل الطواف.

وأن يكون بجميع بدنه خارجاً عن البيت لأنّ اللَّه سبحانه قال: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ(1) أي حوله لا فيه تقول مررت بزيد، ولا تقول مررت في زيد، فلو مشى على حائطه أو القدر الباقي من أساس الجدار بعد عمارته بطل الطواف. والمراد بالبيت العتيق الكعبة شرّفها اللَّه تعالى.

وأن يكون طوافه بين البيت والصخرة التي هي مقام إبراهيم؛ أي الحجر الذي وقف عليه حين بنى البيت.

وأن يتمّ سبعة أشواط بلا زيادة أو نقصان وبديهة أنّ تشخيص هذه الأماكن يحتاج إلى عارف خبير يحدّدها ويدلّ عليها. ومتى انتهى من طوافه وجب أن يصلّي ركعتين خلف مقام إبراهيم وإن كان زحام وإن لم يمكن فحيال المقام فإن لم يكن فحيث أمكن من المسجد ولا يجوز أن يباشر بطواف ثانٍ إلّابعد صلاة الركعتين ولو نسيهما وجب عليه الرجوع والإتيان بهما فإن تعذّر عليه الرجوع قضاهما حيث كان هذا إذا كان الطواف وإن كان مستحبّاً يصليهما حيث شاء.

وبهذا تبيّن أنّ فقهاء المذاهب جميعاً متّفقون على الابتداء من الحجر الأسود والختم به وجعل البيت على يسار الطائف؛ بحيث يقع خارج البيت وأنّ الأشواط سبعة وأنّ استلام الحجر والركن مستحبّ.


1- الحجّ( 22): 29 ..

ص: 457

الثاني: الختم به، ويجب الختم في كلّ شوط بما ابتدأ منه، ويتمّ الشوط به. وهذان الشرطان يحصلان بالشروع من جزء منه، والدور سبعة أشواط، والختم بما بدأ منه، ولا يجب بل لا يجوز ما فعله بعض أهل الوسوسة وبعض الجهّال ممّا يوجب الوهن على المذهب الحقّ، بل لو فعله ففي صحّة طوافه إشكال.

وأ نّهم قد اختلفوا في الموالاة وعدم الفاصل بين الأشواط، فأوجبها المالكية والإمامية والحنابلة، وقال الشافعية والحنفية: هي سنّة، فلو فرّق تفريقاً كثيراً بغير عذر لا يبطل ويبني على طوافه. وأيضاً قال أبو حنيفة: إذا أتى بأربعة أشواط ثمّ ترك فإن كان بمكّة لزمه إتمام الطواف وإن كان قد خرج منها جبرها بدم. واختلفوا أيضاً في وجوب المشي على الطائف فأوجبه الحنفية والحنابلة والمالكية، وقال الشافعية وجماعة من الإمامية: لا يجب ويجوز الركوب اختياراً. وأيضاً اختلفوا في صلاة ركعتين بعد الطواف، فقال المالكية والحنفية والإمامية بوجوبهما، وهما تماماً كصلاة الصبح. وذهب الشافعية والحنابلة إلى الاستحباب».(1)

بيانه- قال في «الجواهر»: «البدأة بالحجر الأسود والختم به بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منهما مستفيض كالنصوص- مضافاً إلى التأسّي به صلى الله عليه و آله و سلم خصوصاً بعد قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «خذوا عنّي مناسككم»(2)- منها قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية: «من اختصر في الحجر في الطواف


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 234- 236 ..
2- عوالي اللئالي 1: 215/ 73 ..

ص: 458

فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود»(1) وما عن الشيخ في «الاقتصاد»- من التعبير بلا ينبغي- محمول على إرادة الوجوب قطعاً، وحينئذٍ فلو ابتدأ الطائف بغيره ممّا قبله أو بعده، ففي «القواعد»: لم يعتدّ بذلك الشوط».(2)

وقال في «الحدائق»: «وثانيها وثالثها: الابتداء بالحجر والختم به، وهو موضع اتّفاق بين العلماء.

والأصل فيه ما رواه الكليني قدس سره في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود» ورواه الصدوق قدس سره إلى قوله: «من الحجر الأسود»(3) ولم يذكر الانتهاء إلى الحجر الأسود.

والسيّد السند قدس سره في «المدارك» قد أسند الرواية بتمامها إلى الشيخين المذكورين، واستدلّ بها على الحكم. وهي على رواية الصدوق قدس سره قاصرة عن إفادة المدّعى بتمامه كما ذكرناه... وغير ذلك من الأخبار. والمشهور بين المتأخّرين- والظاهر أنّ أوّلهم العلّامة قدس سره وتبعه من تأخّر عنه- في كيفية الابتداء بالحجر الأسود جعل أوّل جزء من الحجر محاذياً لأوّل جزء من مقاديم البدن؛ بحيث يمرّ عليه بجميع بدنه بعد النيّة علماً أو ظنّاً، قال في «المدارك»- بعد نقل ذلك عنهم-: وهو أحوط، لكن في تعيّنه نظر؛ لصدق الابتداء بالحجر عرفاً بدون ذلك ولخلوّ الأخبار من هذا التكليف مع استفاضتها في هذا الباب واشتمالها


1- وسائل الشيعة 13: 357، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 31، الحديث 3 ..
2- جواهر الكلام 19: 287 ..
3- الفقيه 2: 249/ 1198 ..

ص: 459

الثالث: الطواف على اليسار؛ بأن تكون الكعبة المعظّمة حال الطواف على يساره، ولا يجب أن يكون البيت في تمام الحالات محاذياً حقيقة للكتف، فلو انحرف قليلًا حين الوصول إلى حجر إسماعيل عليه السلام صحّ وإن تمايل البيت إلى خلفه، ولكن كان الدور على المتعارف، وكذا لو كان ذلك عند العبور عن زوايا البيت، فإنّه لا إشكال فيه بعد كون الدور على النحو المتعارف ممّا فعله سائر المسلمين.

على تفاصيل مسائل الحجّ الواجبة والمندوبة، بل ربّما ظهر من طواف النبي صلى الله عليه و آله و سلم على ناقته(1) خلاف ذلك، انتهى.

وهو جيّد إلّاأنّ قوله أوّلًا وهو أحوط لا وجه له، بل هو إلى الوسواس أقرب منه إلى الاحتياط؛ لما ذكره من الوجوه المذكورة، ولا سيّما حديث طوافه صلى الله عليه و آله و سلم على ناقته كما في رواية محمّد بن مسلم: «واستلم الحجر بمحجّنه»(2) معتضداً ذلك بأصالة العدم. وبالجملة: فإنّا لا نعرف لهم دليلًا سوى ما يدّعونه من الاحتياط. والاحتياط إنّما يكون في مقام اختلاف الأدلّة لا مجرّد القول من غير دليل بل ظهور الدليل في خلافه... والظاهر الاكتفاء بجوازه بنيّة أنّ ما زاد على الشوط لا يكون جزءاً من الطواف»(3) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «شرح اللمعة»: «ثمّ يأخذ في الحركة على اليسار عقيب النيّة، ولو جعله على يساره ابتداءً جاز مع عدم التقيّة، وإلّا فلا والنصوص


1- وسائل الشيعة 13: 441، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 81، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 442، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 81، الحديث 2 ..
3- الحدائق الناضرة 16: 100 ..

ص: 460

مصرّحة باستحباب الاستقبال وكذا جمع من الأصحاب والختم به؛ بأن يحاذيه في آخر شوطه كما ابتدأ أوّلًا؛ ليكمل الشوط من غير زيادة ولا نقصان وجعل البيت على يساره حال الطواف، فلو استقبله بوجهه أو ظهره، أو جعله على يمينه ولو في خطوة منه بطل».(1)

وقال في «الجواهر»: «أن يطوف على يساره بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى التأسّي إلى أن قال: وعلى كلّ حال فلو جعله على يمينه أو استقبله بوجهه أو استدبره جهلًا أو سهواً أو عمداً لم يصحّ عندنا، فما عن أبي حنيفة من أنّه إن جعله على يمينه أعاده إن أقام بمكّة، وإلّا جبره بدم، بل أصحاب الشافعي لم يرد عنه نصّ في استدباره، والذي يجي ء على مذهبه الإجزاء، بل عنهم أيضاً في وجه الإجزاء إن استقبله أو مرّ القهقرى نحو الباب قول بغير علم. نعم، لا يقدح في جعله على اليسار الانحراف إلى جهة اليمين قطعاً»(2) انتهى.

وقال في «الحدائق»: «أن يطوف على يساره حال الطواف، فلو استقبله بوجهه أو استدبره أو جعله على يمينه في حال الطواف ولو في خطوة بطل طوافه، ووجب عليه الإعادة، واستدلّ عليه في «المنتهى» بأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم طاف كذلك، وقال: «خذوا عنّي مناسككم».(3) ومرجع استدلاله قدس سره إلى التأسّي، وبذلك صرّح في «المفاتيح» تبعاً للقوم، فقال في تعداد واجبات الطواف:

وأن يجعل البيت على يساره بلا خلاف؛ للتأسّي مع أنّهم قد صرّحوا في


1- الروضة البهيّة 1: 500 ..
2- جواهر الكلام 19: 291- 292 ..
3- عوالي اللئالي 1: 215/ 73 ..

ص: 461

الاصول بأنّ التأسّي لا يصلح أن يكون دليلًا للوجوب؛ لأنّ فعلهم عليهم السلام كذلك أعمّ من الوجوب والاستحباب وكانوا ملازمين على المستحبّات كالواجبات.

وأكثر أصحابنا ذكروا الحكم ولم يذكروا عليه دليلًا ولا ناقشوا في عدم الدليل كما في «المدارك»، مع ما علم من عادته من ذكر الأدلّة ومناقشته في الحكم مع عدم وجود الدليل، وكان ذلك مسلّم بينهم للاتّفاق على الحكم المذكور.

والذي وقفت عليه من الأخبار ممّا يفهم منه ذلك وإن لم يكن على جهة التصريح ما رواه في «الكافي» في الصحيح عن عبداللَّه بن سنان قال، قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «إذا كنت في الطواف السابع فأت المتعوّذ وهو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب، فقل اللهمّ...- إلى أن قال-: ثمّ استلم الركن ثمّ ائت الحجر فاختم به».(1)

وعن معاوية بن عمّار في الصحيح قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخّر الكعبة- وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل- فابسط يديك على البيت...- إلى أن قال-: ثمّ ائت الحجر الأسود»،(2) وغير ذلك من الأخبار والتقريب في هذه الأخبار أنّ استحباب الوقوف في هذه الأماكن الثلاثة في الشوط السابع واستلامه على هذا الترتيب لا يتمّ إلّامع جعل البيت على اليسار في حال الطواف كما لا يخفى».(3)


1- وسائل الشيعة 13: 344، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 26، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 345، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 26، الحديث 4 ..
3- الحدائق الناضرة 16: 102 ..

ص: 462

الرابع: إدخال حجر إسماعيل عليه السلام في الطواف، فيطوف خارجه عند الطواف حول البيت، فلو طاف من داخله أو على جداره بطل طوافه وتجب الإعادة، ولو فعله عمداً فحكمه حكم من أبطل الطواف عمداً كما مرّ، ولو كان سهواً فحكمه حكم إبطال الطواف سهواً. ولو تخلّف في بعض الأشواط فالأحوط إعادة الشوط، والظاهر عدم لزوم إعادة الطواف وإن كانت أحوط.

بيانه- قال في «الجواهر»: «ومنها أن يدخل الحِجر في الطواف بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منهما مستفيض كالنصوص، قال الحلبي في الصحيح: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحجر فكيف يصنع؟ قال: «يعيد الطواف الواحد».(1) ورواه الشيخ: يعيد ذلك الشوط».(2)

وقال في «رياض المسائل»: «وإدخال الحجر، أي حجر إسماعيل عليه السلام في الطواف بالإجماع كما في «الغنية» وغيرها، وعن «الخلاف». والصحاح منها- زيادة على ما مرّ-: الصحيح: قلت رجل طاف بالبيت، فاختصر شوطاً واحداً في الحجر، قال: «يعيد ذلك الشوط». والصحيح: في الرجل يطوف بالبيت فيختصر في الحجر، قال: «يقضي ما اختصر من طوافه».(3) قيل: وزاد في «التذكرة» و «المنتهى» أنّه من البيت فلو مشى فيه لم يكن طاف بالبيت. وفي «التذكرة»: إنّ قريشاً لمّا بنت البيت قصرت الأموال الطيبة والهدايا والنذور عن


1- وسائل الشيعة 13: 356، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 31، الحديث 1 ..
2- جواهر الكلام 19: 292 ..
3- وسائل الشيعة 13: 356، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 31، الحديث 1 و 2 ..

ص: 463

عمارته، فتركوا من جانب الحجر بعض البيت قال: روت عائشة أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «ستّة أذرع من الحجر من البيت».(1)

وحكى في موضع عن الشافعي أنّ ستّة أذرع منه من البيت وعن بعض أصحابه أنّ ستّة أذرع أو سبعة منه من البيت... وفي «المنتهى»: أنّ جميعه من البيت وفي «الدروس»: أنّه المشهور وجميع ذلك يخالف الصحيح وفيه بعد أن سئل عنه: عن البيت هو أو فيه شي ء من البيت؟ فقال: «لا ولا قلامة ظفر ولكن إسماعيل عليه السلام دفن امّه فيه فكره أن يوطأ فجعل عليه حجراً وفيه قبور أنبياء».(2)

أقول: وبمعناه أخبار اخر. وعلى الجملة فلو مشى على حائطه أو طاف بينه وبين البيت لم يصحّ شوطه الذي فعل فيه ذلك ووجب عليه الإعادة. وهل الواجب إعادة ذلك الشوط خاصّة أو إعادة الطواف رأساً؟ الأصحّ الأوّل، وفاقاً لجمع؛ للصحيح المتقدّم قريباً. ولا ينافيه الصحيح المتقدّم سابقاً: «من اختصر في الحجر في الطواف فليعد طوافه»؛ لاحتمال التقييد بالشوط الذي وقع فيه الخلل أو الاختصار في جميع الأشواط ولا يكفي إتمام الشوط من موضع سلوك الحجر، بل تجب البدأة من الحجر الأسود للأمر به فيما مرّ من الصحيح، مضافاً إلى أنّه المتبادر من إعادة الشوط»(3) انتهى.

وقال في «شرح اللمعة»: «وإدخال الحجر في الطواف للتأسّي والأمر به، لا لكونه من البيت، بل قد روي أنّه ليس منه، أو أنّ بعضه منه، وأمّا الخروج عن


1- صحيح مسلم 2: 969؛ السنن الكبرى، البيهقي 5: 89 ..
2- وسائل الشيعة 13: 353، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 30، الحديث 1 ..
3- رياض المسائل 6: 534 ..

ص: 464

شي ء آخر خارج الحجر فلا يعتبر إجماعاً وخروجه لجميع بدنه عن البيت، فلو أدخل يده في بابه حالته، أو مشى على شاذروانه ولو خطوة أو مسّ حائطه من جهته ماشياً بطل، فلو أراد مسّه وقف حالته؛ لئلّا يقطع جزءاً من الطواف غير خارج عنه».(1)

قال في «الحدائق»: «أن يدخل الحجر في الطواف وهو ممّا لا خلاف فيه من الأصحاب ويدلّ عليه جملة من الأخبار: منها: ما رواه في «الكافي» في الصحيح أو الحسن وفي «من لا يحضره الفقيه» في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من اختصر في الحجر في الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود»،(2) وزاد في «الكافي» «إلى الحجر الأسود»(3)... وغير ذلك من الأخبار. وربّما ظهر من هذه الأخبار ونحوها أنّ الحجر من البيت ونقل في «الدروس»: أنّ المشهور كونه من البيت ولعلّ مستندهم هذه الأخبار، وإلّا فإنّا لم نقف على خبر يدلّ على ذلك، بل إنّما يدلّ جملة من الأخبار على خلافه»،(4) واللَّه العالم.


1- الروضة البهيّة 1: 501 ..
2- وسائل الشيعة 13: 357، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 31، الحديث 3 ..
3- الكافي 4: 419/ 2 ..
4- الحدائق الناضرة 16: 104 ..

ص: 465

الخامس: أن يكون الطواف بين البيت ومقام إبراهيم عليه السلام، ومقدار الفصل بينهما في سائر الجوانب، فلا يزيد عنه. وقالوا: إنّ الفصل بينهما ستّة وعشرون ذراعاً ونصف ذراع، فلا بدّ أن لا يكون الطواف في جميع الأطراف زائداً على هذا المقدار.

بيانه- قال في «الجواهر»: «ومنها أن يكون بين البيت والمقام؛ الذي هو لغة موضع قدم القائم، والمراد به هنا مقام إبراهيم عليه السلام؛ أي الحجر الذي وقف عليه لبناء البيت كما عن ابن أجير أو للأذان بالحجّ كما عن غيره، بل عن العلوي وابن جماعة أنّه لمّا أمر بالنداء وأقام على المقام تطاول حتّى كان كأطول جبل على ظهر الأرض فنادى أو لما عن ابن عبّاس من أنّه لمّا جاء بطلب ابنه إسماعيل فلم يجده، قالت له زوجته: أنزل فأبى: فقالت: دعني أغسل رأسك فأتته بحجر فوضع رجله عليه وهو راكب فغسلت شقّه ثمّ رفعته وقد غابت رجله فيه فوضعته تحت شقّ الآخر وغسلته فغابت رجله الثانية فيه فجعله اللَّه من الشعائر.... وعلى كلّ حال فلا خلاف معتدّ به أجده في وجوب كون الطواف بينه وبين البيت بل عن «الغنية» الإجماع عليه».(1)

وقال في «رياض المسائل»: «وأن يكون طوافه بين المقام والبيت مراعياً قدر بينهما من جميع الجهات مطلقاً على المشهور، بل قيل: كاد أن يكون إجماعاً، وفي «الغنية» الإجماع صريحاً؛ للخبر: عن حدّ الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفاً بالبيت، قال: «كان الناس على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يطوفون بالبيت والمقام وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت فكان


1- جواهر الكلام 19: 295 ..

ص: 466

الحدّ موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف والحد قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين نواحي البيت فمن طاف وتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفاً بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد؛ لأنّه طاف في غير حدّ ولا طواف له».(1) وفي سنده جهالة وإضمار إلّاأنّه لا محيص عنه لانجباره بالشهرة ونقل الإجماع، خلافاً للإسكافي فجوّزه خارج المقام مع الضرورة للموثّق كالصحيح: عن الطواف خلف المقام قال: «ما أحبّ ذلك وما أرى به بأساً فلا تفعله إلّاأن لا تجد منه بُدّا».(2) قيل: وقد يظهر من «المختلف» و «التذكرة» و «المنتهى» الميل إليه وفي دلالة الرواية عليه مناقشة، بل ظاهرها على الجواز مطلقاً ولكن مع الكراهة وإنّما ترتفع بالضرورة. ورواها الصدوق وظاهره الإفتاء بها فيكون قولًا آخر في المسألة»(3) انتهى كلامه رفع مقامه.

قال في «الحدائق»: «وبالجملة فإنّ ظاهر كلام الأكثر هو تحريم الخروج عن الحدّ المتقدّم مطلقاً؛ عملًا برواية محمّد بن مسلم المتقدّمة والمنقول عن ابن الجنيد هو جواز الخروج مع الضرورة وظاهر صحيحة الحلبي- وهو ظاهر الصدوق قدس سره- هو جواز الخروج على كراهة إلّامع الضرورة. فالضرورة على قول ابن الجنيد موجبة لزوال التحريم، وعلى ظاهر الرواية وظاهر الصدوق موجبة لزوال الكراهة، والجمع بين الخبرين بما تقدّم قد عرفت ما فيه، وظاهر العلّامة في «المنتهى» و «المختلف» حمل صحيحة الحلبي على الضرورة كما هو


1- وسائل الشيعة 13: 350، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 28، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 351، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 28، الحديث 2 ..
3- رياض المسائل 6: 536 ..

ص: 467

السابع: أن يكون طوافه سبعة أشواط.

(مسألة 14): لو قصد الإتيان زائداً عليها أو ناقصاً عنها بطل طوافه ولو أتمّه سبعاً، والأحوط إلحاق الجاهل بالحكم بل الساهي والغافل بالعامد في وجوب الإعادة.

مذهب ابن الجنيد، وفيه ما عرفت، والمسألة لا تخلو من شوب الإشكال»(1) والاحتياط لا يخفى.

بيانه- وأن يطوف سبعاً بالإجماع كما في كلام جماعة والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة القريبة من التواتر، بل لعلّها متواترة وقال في «شرح اللمعة»: وإكمال السبع من الحجر إليه شوط وعدم الزيادة عليها فيبطل إن تعمّده ولو خطوة، ولو زاد سهواً فإن لم يكمل الشوط الثامن تعيّن القطع، فإن زاد فكالمتعمّد، وإن بلغه تخيّر بين القطع وإكمال اسبوعين، فيكون الثاني مستحبّاً، ويقدّم صلاة الفريضة على السعي ويؤخّر صلاة النافلة(2) ولو زاد سهواً أكمل اسبوعين على الأشهر الأظهر كما في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، وأكثرها وإن عمّت صورة العمد لكنّها مخصّصة بالسهو، مضافاً إلى الصحيح: «من طاف بالبيت فوهم حتّى يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطاً ثمّ ليصلّ ركعتين».(3)

وفي «المختلف»: «لو زاد على السبع شوطاً ناسياً قال الشيخ: أضاف إليها


1- الحدائق الناضرة 16: 111 ..
2- الروضة البهيّة 1: 502 ..
3- وسائل الشيعة 13: 364، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 34، الحديث 5 ..

ص: 468

ستّة أشواط اخر وصلّى معها أربع ركعات يصلّي ركعتين منها عند الفراغ من الطواف لطواف الفريضة ويمضي إلى الصفا ويسعى فإذا فرغ عاد فصلّى ركعتين اخريين، وبه قال علي بن بابويه وابن البرّاج وابن الجنيد... وأطلق الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» ذلك، ولم يذكر أيّ الطوافين هو الواجب، وابن إدريس لم يذكر الزيادة، بل قال: إذا ذكر في الشوط الثامن أنّه طاف سبعاً قطع الطواف، وإن لم يذكر حتّى تجوزه فلا شي ء عليه، وكان طوافه صحيحاً. وقال شيخنا علي بن بابويه: واعلم أنّ الفريضة هي الطواف الثاني والركعتين الاوليين لطواف الفريضة والركعتين الاخريين، والطواف الأوّل تطوّع... والصدوق في كتاب «من لا يحضره الفقيه» قال: وروي عن أبي أيّوب، قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف الفريضة قال: «فليضمّ إليها ستّاً، ثمّ يصلّى أربع ركعات».(1) قال: وفي خبر آخر: «أنّ الفريضة هي الطواف الثاني، والركعتان الاوليان لطواف الفريضة، والركعتان الاخريان والطواف الأوّل تطوّع».(2)

وعندي في ذلك إشكال؛ لأنّ مع الزيادة سهواً إن بطل الأوّل وجب عليه إضافة الستّ، وفيه بعد، وإن لم يبطل فقد خرج عن العهدة. وكيف يتحقّق بعد ذلك اعتقاد أنّ الستّ هي الواجبة مع الشوط الزائد بعد حصول البراءة بالأوّل؟ وهذا إنّما يتأتّى على مذهب من يعتقد إبطال الأوّل فيجب عليه الزيادة»،(3) انتهى كلامه.

وقال في «الجواهر»: «الاولى الزيادة عمداً على سبع في الطواف الواجب


1- وسائل الشيعة 13: 367، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 34، الحديث 13 ..
2- وسائل الشيعة 13: 367، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 34، الحديث 14 ..
3- مختلف الشيعة 4: 205- 207 ..

ص: 469

محظورة ومبطلة على الأظهر كما عن «الوسيلة» و «الاقتصاد» و «الجمل والعقود» و «المهذب»، بل في «المدارك»: أنّه المعروف من مذهب الأصحاب، وفي «كشف اللثام»: أنّه المشهور وهو كذلك مع نيّته في الابتداء على وجه الإدخال في الكيفية؛ ضرورة كونه حينئذٍ ناوياً لما يأمر به الشارع، فهو كمن نوى صوم الوصال مثلًا، بل في «كشف اللثام»: وكذا لو نواها في الأثناء؛ لأنّه لم يستدم النيّة الصحيحة ولا حكمها، وفيه: أنّ ذلك غير منافٍ لاستدامة النيّة على سبع وإن نوى الزيادة عليها، وأمّا إذا تعمّد فعلها من غير إدخال لذلك في النيّة في الابتداء أو في الأثناء فإن تعمّد فعلها لا من هذا الطواف، ففي «كشف اللثام» عدم البطلان ظاهر؛ لأنّها حينئذٍ فعل خارج وقع لغواً أو جزء من طواف آخر، وإن تعمّدها من هذا الطواف فظاهر ما سمعته من المشهور البطلان؛ لأنّه كزيادة ركعة في الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه و آله و سلم الطواف بالبيت صلاة، وقول أبي الحسن عليه السلام في خبر عبداللَّه بن محمّد: «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها فعليك الإعادة وكذلك السعي»(1) ولخروجه عن الهيئة التي فعلها النبي صلى الله عليه و آله و سلم مع وجوب التأسّي وقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «خذوا عنّي مناسككم».(2)

ولخبر أبي بصير سأل الصادق عليه السلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط قال: «يعيد حتّى يستتمه».(3) ولكن نوقش بكون الأوّل قياساً محضاً، على أنّه ليس


1- وسائل الشيعة 13: 366، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 34، الحديث 11 ..
2- عوالي اللئالي 1: 215/ 73 ..
3- تهذيب الأحكام 5: 111/ 361؛ وسائل الشيعة 13: 363، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 34، الحديث 1 ..

ص: 470

كزيادة ركعة في الصلاة، بل مثل فعلها بعد الفراغ ومنع خروجه عن الهيئة المعهودة؛ ضرورة كون الزيادة إنّما لحقتها من بعد وعدم فعله لها لا يقتضي التحريم، فضلًا عن البطلان؛ للأصل وغيره، ولو سلّم فأقصاه أنّه تشريع محرّم خارج عن العبادة، وبالطعن في سند الخبرين المحتملين لنية الزيادة أوّل الطواف أو أثناءه بناءً على ما سمعته من «كشف اللثام»، بل قد يحتمل الثاني منهما إرادة إتمام طواف آخر كما يشعر به قوله عليه السلام: يستتمه على أنّه إنّما يدلّ على تحريم زيادة الشوط كلّ ذلك، مضافاً إلى الأصل وإطلاق صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: سأله عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط، قال: «يضيف إليها ستّاً»(1) ونحوه غيره.

ولكن قد يدفع جميع ذلك بظهور الخبرين المنجبرين بما سمعت، بل يؤيّد إرادة إعادة ذلك الطواف من قوله عليه السلام «يستتمّه»... ضرورة اقتضاء ما سمعت البطلان على تقدير الجهل والعمد، بل لعلّ إطلاق نحو عبارة المتن يقتضي ذلك أيضاً كالخبرين الذين مقتضاهما البطلان حتّى في الزيادة المتأخّرة عن الإكمال نحو العالم، بل في «المسالك» التصريح بأنّ الجاهل هنا كالعالم، ثمّ إنّ ظاهر الخبرين والفتاوى إعادة الطواف من رأس لا الشوط خاصّة وهو كذلك كما صرّح به غير واحد»،(2) واللَّه هو العالم.


1- وسائل الشيعة 13: 365، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 34، الحديث 8 ..
2- جواهر الكلام 19: 308 ..

ص: 471

(مسألة 16): لو نقص من طوافه سهواً، فإن جاوز النصف فالأقوى وجوب إتمامه إلّاأن يتخلّل الفعل الكثير، فحينئذٍ الأحوط الإتمام والإعادة، وإن لم يجاوزه أعاد الطواف، لكن الأحوط الإتمام والإعادة.

بيانه- قال في «الجواهر»: «من نقص من طوافه- ولو عمداً- في فريضة شوطاً أو أقلّ أو أزيد أتمّه؛ لصدق الامتثال إن كان في المطاف ولم يفعل المنافي... وإن انصرف عن المطاف أو حصل المنافي من حدث ونحوه وكان النقصان سهواً فإن جاوز النصف أي طاف أربعة أشواط كما فسّره به في «المسالك» وحاشية الكركي، بل جعلا المراد بالمجاوز ذلك، وربّما يشهد له ما تسمعه من خبر إسحاق بن عمّار(1) الذي به يقيّد إطلاق غيره، وعلى كلّ حال فمتى كان كذلك رجع فأتمّ ولو عاد إلى أهله أمر من يطوف عنه ما بقي عليه.

وإن كان دون ذلك؛ أي من النصف أو قبل تمام الأربع استأنف مع الإمكان، وإلّا استناب كما في «النافع» و «القواعد» وغيرهما ومحكيّ «المقنعة» و «المراسم» و «المبسوط» و «الكافي» و «الغنية» و «الوسيلة» و «السرائر» و «الجامع».

نعم، ليس في الأوّل كالمتن التصريح بالنسيان كما أنّه ليس فيهما أيضاً اعتبار الأربعة أشواط، بل اقتصرا على الأكثر من النصف والأقلّ، بخلاف الأربعة المتأخّرة التي صرّح فيها بذلك، بل يمكن إرجاع غيرها إليها وصرّح فيها أيضاً كالمتن ومحكيّ «المبسوط» بالاستنابة إذا رجع إلى أهله.

وعلى كلّ حال فالتفصيل المزبور هو المشهور، بل في «الرياض»: لا يكاد يظهر فيه الخلاف إلّامن جمع ممّن تأخّر؛ حيث قالوا: لم نظفر بمستند لهذا


1- وسائل الشيعة 13: 386، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 45، الحديث 2 ..

ص: 472

التفصيل، بل الموجود في محكيّ «التهذيب» و «التحرير» و «التذكرة» و «المنتهى»: أنّ من طاف ستّة أشواط وانصرف فليضف إليها ولا شي ء عليه، فإن لم يذكر حتّى يرجع إلى أهله استناب وإن ذكر في السعي أنّه طاف بالبيت أقلّ من سبعة فليقطع السعي وليتمّ الطواف ثمّ ليرجع فليتمّ السعي كما تسمع الخبر الدالّ عليه.

أمّا الأوّل: فالصحيح عن الحسن بن عطية: سأله سليمان بن خالد وأنا معه عن رجل طاف بالبيت ستّة أشواط فقال أبو عبداللَّه عليه السلام: «وكيف طاف ستّة أشواط؟» قال: استقبل الحجر وقال: «اللَّه أكبر وعقد واحداً» فقال أبو عبداللَّه عليه السلام: «يطوف شوطاً»، فقال سليمان: فإن فاته ذلك حتّى أتى أهله قال: «يأمر من يطوف عنه»(1)... ظاهر الخبر كالفتاوى عدم الفرق في الاستنابة بين من تمكّن من الرجوع والقضاء بنفسه وغيره ومثله فيمن نسي الطواف رأساً حتّى رجع إلى أهله».(2)

وقال في «الحدائق»: «المشهور بين الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- أنّه لو نقص عدد طوافه أو قطعه لدخول البيت أو لحاجة أو لمرض أو لحدث أو دخل في السعي، فذكر أنّه لم يتمّ طوافه، فإن تجاوز النصف رجع، فأتمّ، ولو عاد إلى أهله استناب، ولو كان دون النصف استأنف.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع: الأوّل: في من نقص عدد طوافه، والمشهور بين الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- هو ما قدّمناه من أنّه إن تجاوز النصف رجع وأتمّ، ولو عاد إلى أهله استناب، ولو كان دونه استأنف....


1- وسائل الشيعة 13: 357، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 32، الحديث 1 ..
2- جواهر الكلام 19: 326 ..

ص: 473

(مسألة 18): لو زاد على سبعة سهواً، فإن كان الزائد أقلّ من شوط قطع وصحّ طوافه. ولو كان شوطاً أو أزيد فالأحوط إتمامه سبعة أشواط بقصد القربة؛ من غير تعيين الاستحباب أو الوجوب، وصلّى ركعتين قبل السعي، وجعلهما للفريضة من غير تعيين للطواف الأوّل أو الثاني، وصلّى ركعتين بعد السعي لغير الفريضة.

وما ذكروه من الأخبار- كما ترى- لا إشعار فيها بما ذكروه من التفصيل، والمنقول من الشيخ قدس سره في «التهذيب» أنّه قال: ومن طاف بالبيت ستّة أشواط وانصرف فليضف إليها شوطاً آخر، ولا شي ء عليه فإن لم يذكر حتّى يرجع إلى أهله أمر من يطوف عنه، وهو ظاهر في البناء مع الإخلال بالشرط الواحد كما هو المذكور في صحيحة الحسن بن العطية المذكورة وربّما أشعر التخصيص بذكر الشوط الواحد أنّ حكم ما زاد عليه خلاف ذلك»(1) فتدبّر.

بيانه- لو زاد على السبعة سهواً إذا لم يذكر حتّى بلغ الحجر؛ بأن أكمل شوطاً فصاعداً، فلو ذكر قبل ذلك قطع وجوباً، ولو زاد حينئذٍ بطل، وفي صورة الإكمال يعتبر النيّة للُاسبوع الثاني من الآن ويكون النيّة بالنسبة إلى ما مضى كنية العدول في الصلاة بالنسبة إلى تأثيرها فيما سبق، ويحتمل ضعيفاً الاكتفاء للباقي خاصّة، وأضعف منه الاكتفاء بالنية الاولى نظير ما ورد من أنّ «من زاد في صلاته ركعة وقد قعد عقيب الرابعة بقدر التشهّد يضمّ إليها اخرى وتكون صلاة منفردة».(2) وفي المشبّه به نظر والأولى ما ذكره المصنّف قدس سره إلى آخره.


1- الحدائق الناضرة 16: 212 ..
2- وسائل الشيعة 8: 187، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19 ..

ص: 474

(مسألة 21): لو حدث عذر بين طوافه من مرض أو حدث بلا اختيار، فإن كان بعد تمام الشوط الرابع أتمّه بعد رفع العذر وصحّ، وإلّا أعاده.

بيانه- يجري فيه التفصيل المزبور، ولخبر إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام المروي في «الكافي» في رجل طاف طواف الفريضة، ثمّ اعتلّ علّة لا يقدر معها على إتمام الطواف قال: «إن كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط وقد تمّ طوافه وإن كان قد طاف ثلاثة أشواط ولا يقدر على الطواف، فإنّ هذا ممّا غلب اللَّه تعالى عليه فلا بأس أن يؤخّر الطواف يوماً أو يومين، فإن خلته العلّة عاد فطاف اسبوعاً وإن طالت علّته أمر من يطوف عنه اسبوعاً ويصلّي هو ركعتين ويسعى عنه وقد خرج من إحرامه».(1)

وما رواه في «الكافي» عن الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إذا طاف الرجل بالبيت أشواطاً ثمّ اشتكى أعاد الطواف؛ يعني الفريضة»(2) أنّها معارضة بما رواه الكليني عن إسحاق بن عمّار.

فغاية ما يلزم أنّ رواية الحلبي هنا مطلقة بالنسبة إلى ترتّب الإعادة على الأشواط التي هي أعمّ من تجاوز النصف وعدمه والواجب تقييد هذا الإطلاق برواية إسحاق بن عمّار وما دلّت عليه من التفصيل، وحينئذٍ فهذان الخبران ظاهران فيما ذكره الأصحاب من التفصيل فلا إشكال في هذه الصورة.


1- الكافي 4: 414/ 5؛ وسائل الشيعة 13: 386، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 45، الحديث 2 ..
2- الكافي 4: 414/ 4؛ وسائل الشيعة 13: 386، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 45، الحديث 1 ..

ص: 475

قال في «المدارك»- بعد الاستدلال على ما ذكره المصنّف من التفصيل برواية إسحاق بن عمّار وإنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- ما صورته-: «ويتوجّه على هذه الرواية أوّلًا: الطعن بأنّ من جملة رجالها اللؤلؤي، ونقل الشيخ عن ابن بابويه أنّه ضعّفه وأنّ راويها وهو إسحاق بن عمّار قيل: إنّه فطحي.

وثانياً: أنّها معارضة بما رواه الكليني في الحسن عن الحلبي ثمّ ساق الرواية الاولى، ثمّ قال: والمسألة محلّ تردّد ولعلّ الأولى الاستئناف مطلقاً»(1) انتهى.

لو دخل في السعي، فذكر أنّه لم يتمّ طوافه فالمشهور أنّه إن تجاوز النصف رجع فأتمّ طوافه، ثمّ أتمّ سعيه، وقال صاحب «الحدائق»: ولم أقف لهذا التفصيل في هذه المسألة على مستند، وأطلق الشيخ قدس سره على ما نقل عنه، والمحقّق في «النافع»، والعلّامة في «المنتهى»، وجملة من كتبه: إتمام الطواف من غير فرق بين تجاوز النصف وعدمه، واستدلّوا على ذلك بموثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة في الموضع الأوّل ومقتضاها البناء مطلقاً وإن لم يتجاوز النصف، وممّا يؤكّد ذلك ما اشتملت عليه- زيادة على ما قدّمناه- منها حيث قال: قلت:

فإنّه بدأ بالصفا والمروة قبل أن يبدأ بالبيت فقال: «يأتي البيت فيطوف به ثمّ يستأنف طوافه بين الصفا والمروة» قلت: فما الفرق بين هذين؟ قال: «لأنّ هذا قد دخل في شي ء من الطواف»(2)... وهذا بحمد اللَّه سبحانه ظاهر واللَّه العالم.(3) انتهى.


1- مدارك الأحكام 8: 154 ..
2- وسائل الشيعة 13: 413، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 63، الحديث 3 ..
3- الحدائق الناضرة 16: 223 ..

ص: 476

(مسألة 22): لو شكّ بعد الطواف والانصراف في زيادة الأشواط، لا يعتني به وبنى على الصحّة، ولو شكّ في النقيصة فكذلك على إشكال، فلا يترك الاحتياط.

ولو شكّ بعده في صحّته من جهة الشكّ في أنّه طاف مع فقد شرط أو وجود مانع، بنى على الصحّة حتّى إذا حدث قبل الانصراف بعد حفظ السبعة بلا نقيصة وزيادة.

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «وقال الإمامية: إذا انتهى من الأشواط ثمّ شكّ هل أوقعها صحيحة على الوجه المطلوب شرعاً بدون زيادة ونقصان أو لو أنّه زاد أو نقص؟ فلا أثر لشكّه، بل يبني على الصحّة والتمام ويمضي ولا شي ء عليه. وإذا لم يكن الشكّ بعد الفراغ ينظر، فإن كان قد أحرز السبعة على كلّ حال كما لو شكّ بين السبعة والثمانية بنى على الصحّة ومضى.

أمّا إذا لم يحرز ويتيقّن أنّ السبعة متحقّقة كما لو شكّ بين الستّة والسبعة، أو الخمسة والستّة فما دون، يبطل الطواف من الأساس وعليه أن يعيد والأفضل أن يتمّ ثمّ يستأنف هذا في الطواف الواجب، وأمّا في المستحبّ فإنّه يبني على الأقلّ دائماً ويتمّ إن كان أحد طرفي الشكّ ما دون السبعة بدون فرق بين أن يكون الشك في الأثناء أو عند انتهاء الشوط الأخير.

أمّا غير الإمامية فالقاعدة عندهم هي البناء على الأقلّ أخذاً بالقدر المتيقّن كما هي الحال في الشكّ في عدد ركعات الصلاة هذا هو الطواف بواجباته ومستحبّاته وأحكامه وهو نوع واحد تماماً كالركوع والسجود واجباً كان أو مستحبّاً جزءاً من عمرة مفردة أو عمرة تمتّع أو حجّ قران أو إفراد أو طواف زيارة أو نساء...».(1)


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 238 ..

ص: 477

وقال في «شرح اللمعة»: «ولو شكّ في العدد أي عدد الأشواط بعده؛ أي فراغه منه لم يلتفت مطلقاً، وفي الأثناء يبطل إن شكّ في النقيصة كأن شكّ بين كونه تامّاً أو ناقصاً أو في عدد الأشواط مع تحقّقه عدم الإكمال، ويبني على الأقل إن شكّ في الزيادة على السبع إذا تحقّق إكمالها، إن كان على الركن، ولو كان قبله بطل أيضاً مطلقاً كالنقصان؛ لتردّده بين محذورين: الإكمال المحتمل للزيادة عمداً، والقطع المحتمل للنقيصة وإنّما اقتصر عليه بدون القيد؛ لرجوعه إلى الشكّ في النقصان وأمّا نفل الطواف فيبني فيه على الأقلّ مطلقاً؛ سواء شكّ في الزيادة أم النقصان، وسواء بلغ الركن أم لا، هذا هو الأفضل، ولو بنى على الأكثر حيث لا يستلزم الزيادة جاز أيضاً كالصلاة».(1)

وقال في «الجواهر»: «وإن كان الشكّ في النقصان كمن شكّ قبل الركن أنّه السابع أو الثامن، أو شكّ بين الستّة والسبعة أو ما دونهما اجتمع معها احتمال الثمانية، فما فوقها أو لا، كان عند الركن أو لا، فمتى كان كذلك استأنف في الفريضة كما في «المقنع» و «النهاية» و «المبسوط» و «السرائر» و «الجامع» و «الغنية» و «المهذب» و «الجمل والعقود» و «التهذيب» و «النافع» و «القواعد» وغيرها على ما حكي عن بعضها، ولذا نسبه في «المدارك» إلى المشهور، بل في محكيّ «الغنية» الإجماع وهو الحجّة بعد المعتبرة المستفيضة التي منها: صحيح منصور بن حازم السابق ونحوه ومنها: خبر أبي بصير: سأل الصادق عليه السلام عن رجل شكّ في طواف الفريضة قال: «يعيد كلّما شكّ».(2) ومنها: خبره الآخر.


1- الروضة البهيّة 1: 503 ..
2- وسائل الشيعة 13: 362، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 33، الحديث 12 ..

ص: 478

قال: قلت له: رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة أم ثمانية قال: «يعيد طوافه حتّى يحفظه»(1)... وخبر أحمد بن عمر المرهبي: سأل أبا الحسن الثاني عليه السلام عن رجل شكّ في طوافه فلم يدر أستّة طاف أم سبعة فقال: «إن كان في فريضة أعاد كلّ ما شكّ فيه وإن كان نافلة بنى على ما هو أقل»(2)... إلى غير ذلك من النصوص المنجبر ضعف بعضها بما سمعت من الشهرة والإجماع المحكيّ والتعاضد وغير ذلك، لكن مع ذلك كلّه حكى الفاضل عن المفيد أنّه قال: من طاف بالبيت فلم يدر أستّاً طاف أو سبعاً فليطف طوافاً آخر ليستيقن أنّه طاف سبعاً وفهم منه البناء على الأقلّ على أنّ مراده بطواف آخر شوط آخر.

وحكاه عن علي بن بابويه والحلبي وأبي علي واختاره بعض متأخّري المتأخّرين؛ ولأصلي البراءة وعدم الزيادة وصحيح منصور بن حازم: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل طاف الفريضة فلم يدر أستّة طاف أو سبعة قال: «فليعد طوافه» قلت: ففاته، فقال: «ما أرى عليه شيئاً والإعادة أحبّ إلىّ وأفضل»(3)....

وفيه: أنّ الأصل مقطوع بما عرفت، كما أنّ المراد بالصحيح الأوّل ما سمعت من الشكّ بعد الفراغ لا في أثنائه، وإلّا كان مخالفاً للإجماع على الظاهر، واحتمال الصحيح الثاني النافلة، بل والشكّ بعد الانصراف، بل قد يحتمل قوله «قد طفت» الإعادة على معنى: فعلت الأمرين؛ الإكمال والإعادة، والثالث النافلة أيضاً والشكّ بعد الانصراف والبناء على اليقين؛ بمعنى أنّه حين انصرف


1- وسائل الشيعة 13: 362، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 33، الحديث 11 ..
2- وسائل الشيعة 13: 360، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 33، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 13: 361، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 33، الحديث 8 ..

ص: 479

أقرب إلى اليقين ممّا بعده فلا يلتفت إلى الشكّ بعده وارادة الإعادة؛ أي يأتي بطواف تيقّن عدده، كلّ ذلك لقصورها عن المعارضة من وجوه. ومن الغريب ما عن بعضهم من حمل أخبار المشهور على الندب؛ لقوله عليه السلام في الصحيح الأوّل: «ما أرى عليه شيئاً»؛ إذ لو كانت واجبة لكان عليه شي ء، بل قوله عليه السلام: «والإعادة أحب إليّ وأفضل» صريح في ذلك؛ إذ قد عرفت أنّ التدبّر في الصحيح المزبور وما شابهه يقتضي كون المراد من السؤال فيه الشكّ بعد الفراغ، وإلّا كان ظاهراً في وجوب الإعادة، فإن لم يفعل وقد فاته الأمر للرجوع إلى اهله ونحوه، فلا شي ء عليه، والإعادة أفضل، ولعلّه لذا قال في «المدارك» بعد تمام الكلام في المسألة: وكيف كان فينبغي القطع بعدم وجوب العود لاستدراك الطواف مع عدم الاستئناف كما دلّت عليه الأخبار الكثيرة. وتبعه عليه المجلسي قال: ثمّ إنّه على تقدير وجوب الإعادة فالظاهر من الأدلّة أنّ ذلك مع الإمكان وعدم الخروج من مكّة والمشقّة في العود لا مطلقاً ولا استبعاد في ذلك. ولكن لا يخفى عليك ما فيه؛ ضرورة كون المتّجه حينئذٍ جريان حكم تارك الطواف عليه؛ لأنّ الفرض فساد ما وقع منه بالشكّ في أثنائه كما أنّ المتّجه ذلك أيضاً على القول الثاني إذا لم يبين على الأقلّ، بل بنى على الأكثر وأتمّ الطواف، بل يمكن دعوى الإجماع على خلاف ما ذكراه، ومن هنا قلنا يجب حمل الصحيح ونحوه على كون الشكّ بعد الفراغ، وإن أبيت فالطرح وايكال علمه إليهم عليهم السلام خير من ذلك؛ لرجحان تلك الأدلّة من وجوه واللَّه العالم».(1)

وأيضاً قال في «الجواهر»: «وعلى كلّ حال فقد ظهر لك أنّه في الفرض المزبور يبني على الأقلّ في النافلة بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل


1- جواهر الكلام 19: 380- 383 ..

ص: 480

الإجماع عليه؛ لما سمعته من النصوص الظاهر أكثرها كالفتاوى في حصر المشروعية في ذلك، لكن عن الفاضل وثاني الشهيدين جواز البناء على الأكثر؛ حيث لا يستلزم الزيادة كالصلاة للتشبيه بها، وللمرسل(1) المتقدّم الآمر بالبناء على ما شاء، والتعبير بالجواز في الموثّق(2) السابق، إلّاأنّ ذلك كلّه كما ترى لا يجترى به على الخروج عمّا هو كالمتّفق عليه نصاً وفتوى من ظهور تعيّن البناء على الأقلّ الذي هو أحوط مع ذلك أيضاً واللَّه العالم».(3)

وقال في «الحدائق»: «لو شكّ في عدد الطواف فهاهنا صور: الأولى: أن يشكّ في عدده بعد الانصراف منه والظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- في أنّه لا يلتفت عليه ويدلّ عليه مضافاً إلى الأصل عموم قوله عليه السلام في صحيح زرارة «إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء».(4)

الثانية: أن يكون في الأثناء ويكون الشكّ في الزيادة والظاهر أنّه لا خلاف في أنّه يقطع طوافه ولا شي ء عليه وعلّله في «المنتهى» بأ نّه متيقّن الإتيان بالسبع ويشكّ في الزائد والأصل عدمه، انتهى. والأظهر الاستدلال عليه بما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن الحلبى(5)... قال في «المسالك» إنّما يقطع مع شكّ الزيادة إذا كان على منتهى الشوط، وأمّا لو كان في أثنائه بطل طوافه


1- وسائل الشيعة 13: 360، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 33، الحديث 6 ..
2- وسائل الشيعة 13: 360، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 33، الحديث 7 ..
3- جواهر الكلام 19: 383 ..
4- وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1 ..
5- وسائل الشيعة 13: 368، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 35، الحديث 1 ..

ص: 481

لتردّده بين محذورين، الإكمال المحتمل للزيادة عمداً والقطع المحتمل للنقيصة انتهى.

قال في «المدارك» بعد نقل ذلك عنه: ويتوجّه عليه منع احتمال تأثير الزيادة كما سيجى ء في مسألة الشكّ في النقصان انتهى....

الثالثة: أن يكون الشكّ في الأثناء أيضاً، ولكن في النقصان، والمشهور أنّه يستأنف في الفريضة قال في «المختلف»: اختلف الشيخان في حكم الشكّ في نقصان الطواف قال الشيخ قدس سره: لو شكّ في طواف الفريضة هل طاف ستّة أو سبعة؟ فإن انصرف لم يلتفت وإن كان في حال الطواف وجب عليه الإعادة وكذلك لو شكّ في ما نقص عن الستّة.

وقال المفيد قدس سره: من طاف بالبيت فلم يدر ستّاً طاف أم سبعاً فليطف طوافاً آخر ليستيقن أنّه طاف سبعاً. واختار الأوّل ابن البرّاج وبه قال الصدوق قدس سره في كتاب «المقنع» و «من لا يحضره الفقيه» وابن إدريس وبالثاني قال الشيخ علي بن بابويه في رسالته وأبو الصلاح وهو قول ابن الجنيد أيضاً فإنّه قال: وإذا شكّ في إتمام طوافه تمّمه حتّى يخرج منه على يقين وسواء كان شكّه في شوط أو بعضه وإن تجاوز الطواف إلى الصلاة وإلى السعي ثمّ شكّ فلا شي ء عليه وإن كان في طواف الفريضة كان الاحتياط خروجه منه على يقين من غير زيادة ولا نقصان وإن كان في النافلة بنى على الأقلّ، ثمّ قال قدس سره في «المختلف»: والمعتمد الأوّل، ثمّ ساق الكلام في الاستدلال عليه. أقول: والمعتمد عندي هو القول الأوّل والسيّد السند في «المدارك» قد اختار القول الثاني وهو مذهب الشيخ المفيد والشيخ علي بن الحسين بن بابويه...»(1) وهو العالم.


1- الحدائق الناضرة 16: 229- 233 ..

ص: 482

صلاة الطواف

القول: في صلاة الطواف

اشارة

(مسألة 1): يجب بعد الطواف صلاة ركعتين له، وتجب المبادرة إليها بعده على الأحوط. وكيفيتها كصلاة الصبح، ويجوز فيهما الإتيان بكلّ سورة إلّا العزائم، ويستحبّ في الاولى «التوحيد» وفي الثانية «الجحد». وجاز الإجهار بالقراءة والإخفات.

بيانه- قال في «الحدائق»: «يجب أن يعلم أنّ من لوازم الطواف صلاة ركعتين وجوباً إن كان واجباً، واستحباباً إن كان مستحبّاً، وهو المعروف من مذهب الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- إلّاأنّ الشيخ نقل في «الخلاف» عن بعض أصحابنا القول باستحبابهما في الطواف الواجب، وهو ضعيف بالآية والروايات؛ لقوله عزّ وجلّ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى(1) والأمر للوجوب بلا خلاف في القرآن العزيز إلّامع قيام قرينة على خلافه».(2)

وقال في «الجواهر»: وهما واجبتان في الطواف الواجب على المشهور بين


1- البقرة( 2): 125 ..
2- الحدائق الناضرة 16: 134 ..

ص: 483

الأصحاب نقلًا وتحصيلًا شهرة عظيمة، بل عن «الخلاف» نسبته إلى عامّة أهل العلم وإن حكى فيه عن الشافعي قولًا بعدم الوجوب ناسباً له إلى قوم من أصحابنا، لكن لا نعرفهم، بل في «الرياض» عنه الإجماع، مع أنّ فيه وفي «السرائر» نقل قول بالاستحباب، وفي «التذكرة» نسبته إلى شاذّ كالمحكيّ عن ابن إدريس للتأسّي به صلى الله عليه و آله و سلم فإنّه صلّاهما وتلا قوله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، بل قيل: إنّها نزلت عليه حين فعلهما ومنه مع غيره من النصوص المشتملة على وجوب عود الناس لهما إلى المقام والصلاة فيه وذكر الآية دليلًا عليه يظهر وجه دلالة الآية على ذلك، مضافاً إلى الإجماع على عدم وجوب غيرهما فيه وللأمر بقضائهما مع فواتهما المحمول على الوجوب المقتضي لوجوب الأداء؛ لقول الصادق عليه السلام في حسن معاوية أو صحيحه: «وإذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم عليه السلام وصلّ ركعتين واجعله أماماً واقرأ في الاولى منهما سورة التوحيد وفي الثانية قل يا أيّها الكافرون ثمّ تشهّد وأحمد اللَّه واثن عليه وصلّ على النبي صلى الله عليه و آله و سلم واسئله أن يتقبّل منك وهاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره أن تصلّيهما في أيّ الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها ولا تؤخّرهما ساعة تطوف وتفرغ فصلّهما»،(1) وغيره من النصوص، بل في «كشف اللثام» نسبة ذلك إلى الأخبار الكثيرة جدّاً، ولعلّه يريد ما تسمعه منها إن شاء اللَّه في وجوب كونهما في المقام وفي قضائهما وغير ذلك....

ثمّ لا يخفى عليك دلالة الحسن المزبور على استحباب قرائة التوحيد في الاولى منهما والجحد في الثانية، بل في «المختلف» أنّه المشهور، وبه صرّح في «التذكرة» و «التحرير» بل الأوّل منهما أنّه رواه العامّة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم. نعم، في


1- وسائل الشيعة 13: 423، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 71، الحديث 3 ..

ص: 484

الثاني منهما ك «الدروس» أنّه روي العكس إلّاأنّا لم نتحقّقه وإن حكى القول به في «المختلف» عن الشيخ في «النهاية» في باب القراءة دون باب الطواف الذي صرّح فيه بما سمعت، ولا ريب في أنّه الأولى؛ حملًا لإطلاق بعض النصوص على الحسن المزبور لاستحباب الدعاء بعدهما، كما أشار إليه في «الدروس» قال: والدعاء بالمأثور أو بما سنح واللَّه العالم.(1)

قال في «الحدائق»: ونقل في «المختلف» عن الشيخ علي بن بابويه أنّه قال:

لا يجوز أن تصلّي ركعتي الطواف الحجّ والعمرة إلّاخلف المقام حيث هو الساعة ولا بأس أنّ تصلّي ركعتي طواف النساء وغيره حيث شئت من المسجد الحرام قال: وكذا جوّز ابنه في «المقنع» صلاة ركعتى النساء في جميع المسجد الحرام ونقل عن أبي الصلاح أنّه قال: يجب على كلّ من طاف بالبيت بعد فراغه من اسبوعه أن يصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ويجوز تأديتهما في غير المقام من المسجد الحرام....

والروايات دالّة بإطلاقها على وجوب صلاة الركعتين عند المقام في كلّ طواف واجب؛ لحجّ كان أو عمرة أو طواف النساء... وأمّا ما ذكره أبو الصباح فلم أقف له على مستند مع ظهور الأخبار في ردّه. وأمّا ما يدلّ على أنّ صلاة النافلة حيث شاء من المسجد فهو ما رواه ثقة الإسلام في «الكافي» عن زرارة(2) عن أحدهما عليهما السلام قال: «لا ينبغي أن تصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّاعند مقام إبراهيم عليه السلام وأمّا التطوّع فحيث شئت من المسجد»(3) واللَّه العالم.


1- جواهر الكلام 19: 300- 302 ..
2- وسائل الشيعة 13: 426، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 73، الحديث 1 ..
3- الحدائق الناضرة 16: 135 ..

ص: 485

وقال العلّامة الطباطبائي في منظومته:

فريضة الطواف ركعتان بعد طواف الفرض تفرضان

في نسك ولو بأخذ قد وجب أو التزام للطواف المستحبّ

وما بمندوب الطواف سبقاندب وشذّ من لندب أطلقا

عند المقام الفرض ليس إلّاذلك للمختار من مصلّى

وخلفه أحوط والتقدّم عليه في الفرض اتّفاقاً يحرم

وليتحرّ القرب في الزحام من المقام ما سوى الأمام

وجاز في الندب جميع المسجدحتّى الذي زيد به في الأجود

ومقتضى التحقيق في الأخباروجوبها في الفرض بالبدار

فأخّر الفريضة اليوميه عنها كذا الآنية الوقتية

في سعة الوقت وإلّا قدّم كلّاً عليها آخذاً بالألزم

وإن تقارن آية فوريةكانا على التخيير بالسوية

وإن تعاقبا فالأولويةلكلّ ما اختصّ بالأوليّة(1)


1- الدرّة النجفية: 183.

ص: 486

(مسألة 2): الشكّ في عدد الركعات موجب للبطلان، ولا يبعد اعتبار الظنّ فيه. وهذه الصلاة كسائر الفرائض في الأحكام.

الشكّ في عدد الركعات

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «الشكّ في عدد الركعات قال الشافعية والمالكية والحنابلة: إذا شكّ في عدد الركعات فلا يدري كم ركعة صلّى يبني على المتيقّن وهو الأقلّ ويأتي بما يتمّ الصلاة، وقال الحنفية: إذا كان شكّه في الصلاة لأوّل مرّة في حياته أعاد الصلاة من أوّلها، وإن كان قد سبق له إن شكّ في صلاته من قبل تأمّل وفكّر مليّاً وعمل بغلبة ظنّه فإن بقي على الشكّ أخذ باليقين.

وقال الإمامية: إذا كان الشكّ في الثنائية كصلاة الصبح وصلاة المسافر والجمعة والعيدين والكسوف أو في صلاة المغرب أو في الاوليين من العشاء والظهرين إن كان الأمر كذلك فالصلاة باطلة يجب استئنافها من الأوّل».(1)

المشهور أنّه إذا شكّ في عدد الركعتين الاوليين من الرباعية وغيرها أعاد.

وما رواه الفضل بن عبدالملك في الصحيح قال: قال لى: «إذا لم تحفظ الركعتين الاوليين فأعد صلاتك»،(2) وفي الصحيح عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت رجل لا يدري أواحدة صلّى أم اثنتين قال:


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 118 ..
2- وسائل الشيعة 8: 190، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 13 ..

ص: 487

«يعيد»(1) وغير ذلك من الأخبار. وقال علي بن بابويه: إذا شككت في الركعة الاولى والثانية فأعد صلاتك فإن شككت مرة اخرى فيهما وكان أكثر وهمك إلى الثانية فابن عليها وجعلها ثانية والذي ذهب إليه الشيخان وابن أبي عقيل والسيّد المرتضى وباقي الأصحاب إعادة الصلاة؛ سواء كان الشكّ أوّل مرّة أو ثاني مرّة.

وقال في «مصباح الفقيه»: «من شكّ في العدد الواجبة الثنائية أعاد كالصبح وصلاة السفر وصلاة العيدين إذا كانت فريضة والكسوف على المشهور، بل عن «المعتبر» و «التذكرة» و «المنتهى» نسبته إلى علمائنا واستثنى في الأخير ابن بابويه فحكي عنه التخيير بين البناء على الأقل والإعادة. وفي «الحدائق» نفي الخلاف فيه بين الأصحاب وخطّأ من نسب الخلاف إلى ابن بابويه، فقال بعد أن نقل عن «المنتهى» نسبته إلى علمائنا أجمع إلّاابن بابويه ما لفظه: قد اشتهر في كلام الأصحاب من العلّامة فمن دونه نقل الخلاف عن ابن بابويه في مواضع من الشكوك مع أنّه لا أصل له، وهو من أعجب العجائب عند ذوي الألباب والسبب في ذلك هو تقليد المتأخّر للمتقدّم من غير مراجعته كلام ابن بابويه، والنظر فيه بعين التأمّل والتحقيق كما يظهر لك فيما نشرحه لك من البيان الرشيق. ومن جملتها هذا الموضع فإنّ كلامه جارٍ على ماجرى عليه الأصحاب ودلّت عليه الأخبار في هذا الباب.

ثمّ نقل عنه في «الفقيه» و «المقنع» ما يظهر منه موافقة المشهور وكيف كان فيدلّ على المشهور مضافاً إلى الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة جملة من الأخبار»،(2) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 8: 186، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 6 ..
2- مصباح الفقيه، كتاب الصلاة 2: 553( ط. ق) ..

ص: 488

(مسألة 3): يجب أن تكون الصلاة عند مقام إبراهيم عليه السلام، والأحوط وجوباً كونها خلفه، وكلّما قرب إليه أفضل، لكن لا بحيث يزاحم الناس، ولو تعذّر الخلف للازدحام أتى عنده من اليمين أو اليسار، ولو لم يمكنه أن يصلّي عنده يختار الأقرب من الجانبين والخلف، ومع التساوي يختار الخلف، ولو كان الطرفان أقرب من الخلف- لكن خرج الجميع عن صدق كونها عنده- لا يبعد الاكتفاء بالخلف، لكن الأحوط إتيان صلاة اخرى في أحد الجانبين مع رعاية الأقربية، والأحوط إعادة الصلاة مع الإمكان خلف المقام لو تمكّن بعدها إلى أن يضيق وقت السعي.

مكان صلاة الطواف

بيانه- قال في «الحدائق»: «المشهور في كلام الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- أنّه يصلّي ركعتي الطواف الواجب في المقام، ولو منعه زحام أو غيره صلّى خلفه أو إلى أحد جانبيه، وهذا الكلام بحسب ظاهره لا يخلو من الإشكال، ولم أر من تنبّه له ونبّه عليه إلّاشيخنا الشهيد الثاني في «المسالك» حيث قال: الأصل في المقام أنّه العمود من الصخر الذي كان إبراهيم عليه السلام يقف عليه حين بنائه البيت وأثر قدميه فيه إلى الآن... ثمّ بعد ذلك بنوا حوله بناء وأطلقوا اسم المقام على ذلك البناء بسبب المجاورة حتّى صار إطلاقه على البناء كأ نّه حقيقة عرفية... إذا تقرّر ذلك فنقول: قد عرفت أنّ المقام بالمعنى الأوّل لا يصلح ظرفاً مكانياً للصلاة على جهة الحقيقة لعدم إمكان الصلاة فيه وإنّما تصلح خلفه أو إلى أحد جانبيه.

وأمّا المقام بالمعنى الثاني فيمكن الصلاة فيه وفي أحد جانبيه وخلفه. فقول

ص: 489

المصنّف: «يجب أن يصلّي في المقام» إن أراد بالمعنى الأوّل أشكل من جهة جعله ظرفاً مكانياً ومن جهة قوله: ولا يجوز في غيره؛ فإنّ الصلاة خلفه أو عن أحد جانبيه جائزة بل معيّنة ومن جهة قوله: فإن منعه زحام صلّى وراءه أو إلى أحد جانبيه، فإنّ الصلاة في هذين جائزة مع الزحام وغيره ولو حملت الصلاة فيه على الصلاة حوله مجازاً تسمية له باسمه بسبب المجاورة كان المقصود بالذات من الكلام الصلاة خلفه أو إلى أحد الجانبين مع الاختيار، فيشكل شرطه بعد ذلك جواز الصلاة فيهما بالاضطرار. اللهمّ إلّاأن يتكلّف لقوله خلفه أو إلى أحد جانبيه بما زاد عمّا حوله ممّا يقاربه عرفاً وتصحّ الصلاة إليه اختياراً؛ بأن يجعل ذلك كلّه عبارة عن المقام مجازاً، وما خرج عن ذلك من المسجد الذي يناسب الخلف أو أحد الجانبين يكون محلّاً للصلاة مع الاضطرار والزحام، إلّا أنّ هذا معنى بعيد وتكلّف زائد.

وإن أراد المقام بالمعنى الثاني؛ وهو البناء المحيط بالصخرة المخصوصة صحّ قوله: «أن يصلّي في المقام» ولكن يشكل بالأمرين الآخرين فإنّ الصلاة في غيره أيضاً جائزة اختياراً وهو ما جاوره من أحد جانبيه وخلفه ممّا لا يخرج عن قرب الصخرة عرفاً، ولا يشترط فيه الزحام، بل هو الواقع لجميع الناس في أكثر الأعصر وفي إرادة البناء فساد آخر وهو أنّ المقام- كيف اطلق- يجب كون الصلاة خلفه أو عن أحد جانبيه صحّ من غير اعتبار أن يكون عن جانب الصخرة وهذا لا يصحّ؛ لأنّ المعتبر في ذلك إنّما هو بالصخرة لا بالبناء، فإنّه هو مقام إبراهيم عليه السلام وموضع الشرف وموضع إطلاق الشارع.

وأيضاً قوله: «حيث هو الآن» احتراز عن محلّه قديماً كما تقدّم والمقام المنقول هو الصخرة لا البناء كما لا يخفى، وهذا الإجمال أو القصور في المعنى

ص: 490

مشترك بين أكثر عبارات الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- وإن تفاوتت في ذلك ولقد كان الأولى أن يقول يجب أن يصلّي خلف المقام أو إلى أحد جانبيه فإن منعه زحام جاز التباعد عنه مع مراعات الجانبين والوراء، انتهى كلامه زيد مقامه. وهو جيّد وإنّما نقلناه بطوله لحسنه وجودة محصوله.

فاعلم أنّ المستفاد من كلام الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- هو تخصيص الصلاة إلى أحد الجانبين بالزحام وخيّروا بينه وبين الخلف كما نقله عنهم وظاهر كلام الشيخ قدس سره- على ما نقله في «المنتهى»- ترتّب الصلاة في أحد الجانبين على عدم الإمكان خلفه، والمرويّ في الأخبار الكثيرة هو الصلاة خلفه سيّما مرسلة صفوان وقوله عليه السلام فيها: «ليس لأحد أن يصلّي ركعتي الطواف الفريضة إلّا خلف المقام».(1) وفي جملة من الأخبار: الصلاة عند المقام والظاهر حمل إطلاقها على ما ذكر في غيرها من الخلف، وفيها إشارة إلى القرب وعدم التباعد بحيث تصدق العندية بذلك.

ولم أقف على رواية تدلّ على أحد الجانبين إلّاما رواه في «الكافي» في الصحيح أو الحسن عن الحسين بن عثمان قال: «رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام يصلّي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريباً من ظلال المسجد».(2)

ورواه الشيخ قدس سره في «التهذيب» بسند فيه أحمد بن هلال المذموم وزاد في آخر الخبر: «لكثرة الناس».(3) وهو على رواية الشيخ قدس سره ظاهر الدلالة على ما هو المذكور في كلام الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- من التخصيص بالضرورة


1- وسائل الشيعة 13: 296، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 1، الحديث 10 ..
2- وسائل الشيعة 13: 433، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 75، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 13: 433، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 75، الحديث 1 ..

ص: 491

(مسألة 4): لو نسي الصلاة أتى بها أينما تذكّر عند المقام، ولو تذكّر بين السعي رجع وصلّى ثمّ أتمّ السعي من حيث قطعه وصحّ، ولو تذكّر بعد الأعمال المترتّبة عليها لا تجب إعادتها بعدها، ولو تذكّر في محلّ يشقّ عليه الرجوع إلى المسجد الحرام صلّى في مكانه ولو كان بلداً آخر، ولا يجب الرجوع إلى الحرم ولو كان سهلًا. والجاهل بالحكم بحكم الناسي في جميع الأحكام.

وعلى تقدير رواية «الكافي» ينبغي تقييده بذلك أيضاً للأخبار الكثيرة الدالّة على التخصيص بخلف المقام ولا سيّما مرسلة صفوان المذكورة»،(1) انتهى كلامه رفع مقامه.

نسيان صلاة الطواف

بيانه- قال في «الجواهر»: «ولو نسيهما وجب عليه الرجوع بلا خلاف أجده فيه إلّاما يحكى عن الصدوق من الميل إلى صلاتهما حيث يذكر، بل في «كشف اللثام» الإجماع عليه كما هو الظاهر ولعلّه كذلك؛ لأصالة عدم السقوط مع التمكّن من الإتيان بالمأمور به على وجهه وصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سئل عن رجل طاف طواف الفريضة ولم يصلّ الركعتين حتّى طاف بين الصفا والمروة، ثمّ طاف طواف النساء ولم يصلّ أيضاً لذلك الطواف حتّى ذكر وهو بالأبطح قال: «يرجع إلى المقام فيصلّي ركعتين».(2) وخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبداللَّه عليه السلام في رجل طاف طواف الفريضة ولم يصلّ الركعتين حتّى


1- الحدائق الناضرة 16: 138- 141 ..
2- وسائل الشيعة 13: 428، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 74، الحديث 5 ..

ص: 492

طاف بين الصفا والمروة، ثمّ طاف طواف النساء، فلم يصلّ الركعتين حتّى ذكر بالأبطح يصلّي أربع ركعات، قال: «يرجع فيصلّي عند المقام أربعاً»(1)... أو غيرها من النصوص.

نعم، لو شقّ عليه الرجوع فضلًا عمّا لو تعذّر قضاهما حيث ذكر كما في «القواعد» و «النافع» ومحكيّ «التهذيب» و «الاستبصار» ولعلّه المراد من التعذّر في محكيّ «النهاية» و «المبسوط» و «السرائر» و «المهذّب» و «الجامع»؛ لقاعدة الحرج واليسر المشار إليها في صحيح أبي بصير: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام وقد قال اللَّه تعالى: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى حتّى ارتحل قال: «إن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه ولا آمره أن يرجع ولكن يصلي حيث يذكر»،(2) المحمول عليه خبر أبي الصباح سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام في طواف الحجّ أو العمرة فقال: «إن كان في البلد صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام فإنّ اللَّه تعالى يقول وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وإن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع»(3)، بل وحسن معاوية قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام:

رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام فلم يذكر حتّى ارتحل من مكّة قال:

فليصلّهما حيث ذكر وإن ذكرهما وهو في البلد فلا يبرج حتّى يقضيهما(4)... إلى أن قال: وخبر هاشم بن مثنّى قال: نسيت أن اصلّي الركعتين للطواف خلف


1- وسائل الشيعة 13: 428، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 74، الحديث 6 ..
2- وسائل الشيعة 13: 430، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 74، الحديث 10 ..
3- وسائل الشيعة 13: 431، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 74، الحديث 16 ..
4- وسائل الشيعة 13: 432، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 74، الحديث 18 ..

ص: 493

المقام حتّى انتهيت إلى منى، فرجعت إلى مكّة فصلّيتهما، ثمّ عدت إلى منى، فذكرنا ذلك لأبي عبداللَّه عليه السلام فقال: «أفلا صلّاهما حيث ذكر».(1)

وربما حمل على المندوب، وخبر حنان بن سدير قال: زرت فنسيت ركعتي الطواف فأتيت أبا عبداللَّه عليه السلام، وهو بقرن الثعالب فسألته، فقال: «صلّ في مكانك»،(2) ولعلّه له وسابقه وغيرهما حكى عن الصدوق الميل إلى قضائهما حيث يذكر مطلقاً، لكنّه منافٍ لما سمعته من النصّ والفتوى، فالأولى الجمع بما عرفت... فما عن بعض من قارب عصرنا- من الميل إلى جواز قضائهما حيث ذكر مطلقاً؛ تمسّكاً بما سمعت من النصوص- في غير محلّه، ومنه يعلم النظر فيما في «الدروس» من أنّه لو نسي الركعتين رجع إلى المقام، فإن تعذّر فحيث شاء من الحرم، فإن تعذّر فحيث أمكن من البقاع؛ ضرورة عدم موافق له على هذا التفصيل، ولا دليل كما اعترف به بعضهم. وفي «التحرير» جواز الاستنابة فيهما إن خرج وشقّ عليه الرجوع، وكذا في «التذكرة» إن صلّاهما في غير المقام ناسياً ثمّ لم يتمكنّ من الرجوع ولعلّه لجواز الاستنابة فيهما تبعاً للطواف فكذا بدونه.

ولصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبداللَّه عليه السلام في من نسي ركعتي الطواف حتّى ارتحل من مكّة قال: «إن كان قد مضى قليلًا فليرجع فليصلّهما أو يأمر بعض الناس فليصلّهما عنه»(3)... إلى أن قال: وخبر محمّد بن مسلم سأل


1- تهذيب الأحكام 5: 139/ 460؛ وسائل الشيعة 13: 429، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 74، الحديث 9 ..
2- وسائل الشيعة 13: 430، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 74، الحديث 11 ..
3- وسائل الشيعة 13: 427، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 74، الحديث 1 ..

ص: 494

أحدهما عليهما السلام عمّن نسي أن يصلّي الركعتين فقال: «يصلّي عنه»،(1) لكنّ الجميع- كماترى- لا تقييد في شي ء منها بما ذكره كالمحكيّ عن ظاهر «المبسوط» من الاستنابة إذا خرج مع تعمّد الترك. ويحتمل في خبري ابني يزيد ومسلم منها إرادة ما ذكره المصنّف والفاضل والشيخ وبنو حمزة وإدريس وسعيد، من أنّه لو مات ولم يصلّهما قضاهما الوليّ عنه، مضافاً إلى عموم ما دلّ على قضائه الصلاة الفائتة عنه، بل هما أولى بذلك باعتبار مشروعية النيابة فيهما في حياة المنوب عنه ولو تبعاً للطواف، بل قد يظهر من خبر ابن يزيد منهما جواز قضاء غير الوليّ مع وجوده ولا بأس به، وإن كان الأحوط خلافه.

ولو ترك معهما الطواف ففي «المسالك»: في وجوبهما حينئذٍ عليه ويستنيب في الطواف أو يستنيب عليهما معاً من ماله وجهان، ولعلّ وجوبهما عليه مطلقاً أقوى؛ لعموم قضاء ما فاته من الصلاة الواجبة، أمّا الطواف فلا يجب عليه قضاؤه عنه وإن كان بحكم الصلاة قلت: ستسمع فيما يأتي عند تعرّض المصنّف لمسألة نسيان الطواف من النصوص ما ينافي ذلك.

والجاهل كالناسي في الحكم المذكور، لقول أحدهما عليهما السلام في صحيح جميل: «إنّ الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام بمنزلة الناسي»(2) مضافاً إلى إطلاق بعض النصوص....

أمّا العامد ففي «المسالك»: إنّ الأصحاب لم يتعرّضوا لذكره، والذي يقتضيه الأصل أنّه يجب عليه العود مع الإمكان، ومع التعذّر يصلّيهما حيث أمكن. وفي


1- وسائل الشيعة 13: 428، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 74، الحديث 4 ..
2- وسائل الشيعة 13: 428، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 74، الحديث 3 ..

ص: 495

«المدارك» بعد أن حكى ذلك عنه قال: لا ريب أنّ مقتضى الأصل وجود العود مع الإمكان، وإنّما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذّر، أو بقائهما في الذمّة إلى أن يحصل التمكّن منهما في محلّهما، وكذا الإشكال في صحّة الأفعال المتأخّرة عنهما من صدق الإتيان بهما، ومن عدم وقوعهما على الوجه المأمور به وتبعه في «الرياض»، قلت: قد يقال يتناول صحيح الجاهل الشامل للمقصّر الذي هو كالعامد، كما أنّه قد يقال بأنّ الأدلّة المزبورة، خصوصاً الآية وما اشتمل على الاستدلال بها من النصوص إنّما تدلّ على وجوبهما بعد الطواف لا اشتراط صحّته بهما، ولذا كان له تركهما في الطواف المندوب، ولم يؤمر بإعادة السعي وغيره من الأفعال لناسيهما والجاهل بهما، فليس حينئذٍ من عدم فعلهما بعد الطواف عمداً إلّاالإثم ووجوب القضاء كما ذكره ثاني الشهيدين لا بطلان ما تعقّبهما من الأفعال وجعلهما من لوازم الطواف أعمّ من ذلك واللَّه العالم،(1) انتهى كلامه رفع مقامه.

وقال في «الحدائق»: قد صرّح جملة من الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- بأ نّه لو نسي ركعتي الطواف وجب عليه الرجوع إلّاأن يشقّ عليه، فيقضيهما حيث ذكر. وفي «الدروس» بعد تعذّر الرجوع إلى المقام فحيث شاء من الحرم، فإن تعذّر فحيث أمكن من البقاع. ونقل عن «المبسوط» وجوب الاستنابة، وتبعه الفاضل، وذكر فيه روايات كثيرة، ثمّ قال: أقول: والمستفاد من أكثر هذه الأخبار هو جواز الصلاة حيث ذكر متى شقّ عليه الرجوع كما هو المشهور بين الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- والمستفاد من صحيحة عمر بن يزيد المتقدّم نقلها عن كتاب «من لا يحضره الفقيه» وصحيحة محمّد بن مسلم ورواية ابن مسكان أنّه يوكّل من يصلّي عنه والظاهر أنّها المستند لمن قال


1- جواهر الكلام 19: 303- 308 ..

ص: 496

بوجوب الاستنابة، إلّاأنّ المنقول عن الشيخ هو وجوب الاستنابة إذا شقّ عليه الرجوع كما نقله في «المدارك». وظاهر صحيحة عمر بن يزيد هو التخيير بين الرجوع والاستنابة في موضع يمكن فيه الرجوع وهي لا تنطبق على مذهبه.

والروايتان الأخيرتان مطلقتان لا تصريح فيهما بالاستنابة مع تعذّر الرجوع فلعلّ إطلاقهما محمول على صحيحة عمر بن يزيد المذكورة وبذلك يعظم الإشكال في المسألة بناءً على كلام الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم-.

وربّما يؤيّد التخيير في مقام إمكان الرجوع روايات منى؛ حيث إنّ بعضها تضمن الرجوع إلى المقام وبعضها الصلاة في منى فيجمع بينهما بالتخيير بين الأمرين ويكون ذلك لما دلّت عليه صحيحة عمر بن يزيد المذكورة.

وبالجملة: فإنّ الوجه الذي تجتمع عليه هذه الروايات هو أنّ من لم يمكنه الرجوع فإنّه يصلّي حيث ذكر. ومن أمكنه تخيّر بين الرجوع والاستنابة والحكم الأوّل لا إشكال فيه بالنسبة إلى الأخبار. وأمّا الثاني فالتقريب فيه حمل إطلاق روايتي محمّد بن مسلم وابن مسكان على صحيحة عمر بن يزيد وحمل روايات منى على التخيير وبه يزول الإشكال في هذا المجال وإن لم يقل به أحد من علمائنا الأبدال. والشيخ قدس سره قد جمع في «التهذيب» بين روايات منى بحمل الصلاة في منى على ما إذا شقّ عليه العود. وفيه أنّ رواية هشام بن مثنّى الثانية صريحة في أنّه عاد إلى مكّة وصلّاهما في المقام ومع ذلك لمّا أخبر الإمام عليه السلام قال: «ألا صلّاهما حيث ذكره» فكيف يتمّ ما ذكره.(1) واللَّه العالم.

نعم ما قاله العلّامة الطباطبائي في منظومته.

ومن أخلّ ناسياً حتّى ارتحل وشقّ أن يعود صلّى حيث حلّ

(مسألة 5): لو مات وكان عليه صلاة الطواف يجب على ولده الأكبر القضاء.

أو استناب للصلاة في المحلّ ومثله من كان عن جهل أخلّ

ويرجع العالم إن تمكّناوليستنب إن فقد التمكّنا

ويلزم التعيين فيها للسبب ونوعه من واجب أو مستحبّ

كذلك الأداء والقضاءإن ثبتا وفيهما خفاء

وسنّ في اوليهما التوحيدوالجحد في الاخرى وذا أكيد

وأخّر التوحيد في «النهاية»وربّما اسند للرواية

ولم أجد للسرّ والإجهارنصابها فأنت بالخيار

وادع عقيب الفرض بالمأثورمن الدعاء الموجز المشهور(2)

قضاء صلاة الطواف عن الميّت

بيانه- قال في «الحدائق»: «قد صرّح الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- بأ نّه لو مات ولم يأت بهما وجب قضاؤهما على وليّه، والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتّى خرج من مكّة فعليه أن يقضي أو يقضي عنه وليّه أو رجل من المسلمين»(3) ولم أقف على ما سواها وهي مع عدم التصريح فيها بالموت كما هو موضع المسألة قد دلّت على التخيير بين الوليّ وغيره من المسلمين والذي يظهر من الرواية هو كونها من عداد صحيحة محمّد


1- الدرّة النجفية: 184.
2- الدرّة النجفية: 184.
3- وسائل الشيعة 13: 431، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 74، الحديث 13 ..

ص: 497

ص: 498

بن مسلم ورواية ابن مسكان المتقدّمتين في الدلالة على أنّ من نسي ركعتي الطواف، فإنّه يصلّي عنه.

غاية الأمر: أنّ هذه تضمّنت قضاء الوليّ مخيّراً بينه وبين غيره وذكر الوليّ فيها لا يستلزم الموت كما هو ما فهموه من الخبر، بل ربّما كان في التخيير بين قضائه وقضاء الأجنبي إشارة إلى الحياة كما لا يخفى، وبالجملة فإنّ الرواية قاصرة عن إفادة المدّعى وقال في «المسالك» بعد قول المصنّف:

ولو مات قضاهما الوليّ. هذا إن تركهما الميّت خاصّة، ولو ترك معهما الطواف ففي وجوبهما حينئذٍ ويستنيب في الطواف أم يستنيب عليهما معاً من ماله وجهان ولعلّ وجوبهما عليه مطلقاً أقوى؛ لعموم قضاء ما فاته من الصلوات الواجبة.

أمّا الطواف فلا يجب عليه قضاؤه عنه قطعاً، وإن كان بحكم الصلاة واعترضه سبطه في «المدارك» بأنّ ما ذهب إليه من وجوب قضاء الركعتين مطلقاً متّجه، أمّا قطعه بعدم وجوب قضاء الطواف فمنظور فيه؛ لما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: رجل نسي طواف النساء حتّى دخل أهله فقال: «لا تحل له النساء حتّى يزور البيت وقال: يأمر من يقضي عنه إن لم يحجّ، فإن توفّى قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره»(1) وهذه الرواية وإن كانت مخصوصة بطواف النساء، لكن متى وجب قضاؤه وجب قضاء طواف العمرة والحجّ بطريق أولى انتهى.... ونقول أنّه متى ترك الطواف فلا تصحّ منه الصلاة وحدها، بل يجب عليه الطواف أوّلًا ثمّ الصلاة فتدبّر»،(2) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 13: 407، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 58، الحديث 6 ..
2- الحدائق الناضرة 16: 147 ..

ص: 499

السعي بين الصفا والمروة

القول: في السعي

اشارة

(مسألة 1): يجب بعد ركعتي الطواف السعي بين الصفا والمروة، ويجب أن يكون سبعة أشواط؛ من الصفا إلى المروة شوط، ومنها إليه شوط آخر. ويجب البدأة بالصفا والختم بالمروة، ولو عكس بطل، وتجب الإعادة أينما تذكّر ولو بين السعي.

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: اتّفقوا على أنّ مرتبة السعي تأتي بعد الطواف، وبعد ركعتيه عند من أوجبهما وأنّ من سعى قبل أن يطوف فعليه أن يرجع، فيطوف ثمّ يسعى. ولم أر من أوجب الموالاة بين الطواف والسعي بحيث يبتدئ بالسعي بعد الطواف مباشرة. قال السيّد الحكيم: لا تجب المبادرة إلى السعي بعد الفراغ من الطواف وصلاته، ولكن لا يجوز التأخير إلى الغد اختياراً. وقال السيّد الخوئي قدس سره: عليه أن يؤخّر السعي عن الطواف وصلاته بمقدار يعتدّ به من غير ضرورة ولا يجوز التأخير إلى الغد مع الاختيار. وما ذهب إليه السيّدان هو الحقّ الذي دلّت عليه الأحاديث الصحيحة؛ خلافاً لظاهر «الشرائع». وجاء في «منسك» السيّد الحكيم: لا تعتبر الموالاة في أشواط

ص: 500

السعي، فيجوز الفصل بينهما والقطع ثمّ البناء على ما سبق ولو كان بعد شوط واحد.(1)

وقال في «المدارك»: والبداءة بالصفا... هذا قول العلماء كافّة والنصوص الواردة مستفيضة. منها: صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة ولو عكس بأن بدأ بالمروة أعاد عامداً كان أو ناسياً أو جاهلًا بعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ولما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال: «من بدأه بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا قبل المروة».(2)

وأن يسعى سبعاً... هذا قول علمائنا أجمع حكاه في «المنتهى» ويدلّ عليه روايات كثيرة منها:

ما رواه الكليني في الحسن عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال: «فطف بينهما سبعة أشواط يبدأ بالصفا وتختم بالمروة»(3) وهو قول كافّة أهل العلم من الخاصّة والعامّة، ويدلّ على ذلك الأخبار الدالّة على من بدأ بالمروة أعاد عامداً كان أو ناسياً أو جاهلًا وما ذلك إلّالعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه ومن الأخبار في ذلك: عن علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: «يعيد ألا ترى أنّه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء».(4) وعن علي الصائغ قال: سئل أبو عبداللَّه عليه السلام وأنا حاضر عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال: «يعيد ألا ترى أنّه


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 240 ..
2- وسائل الشيعة 13: 487، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 10، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 13: 481، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 6، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 13: 488، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 10، الحديث 4 ..

ص: 501

لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثمّ يعيد على شماله».(1)

قوله قدس سره: «ويجب أن يكون سبعة أشواط من الصفا إلى المروة شوط ومنها إليه شوط آخر».

أن يسعى سبعاً بحسب ذهابه شوطاً وعوده آخر وهو قول علمائنا أجمع كما ذكره في «المنتهى» بل قول كافّة أهل العلم إلّامن شذّ منهم كما نقله في «المنتهى».

واتّفقوا على أنّ عدد الأشواط سبعة وأنّ على الساعي أن يبتدئ بالصفا ويختم بالمروة وأن يعود من المروة إلى الصفا ويحسب الذهاب شوطاً مستقلًا وكذا الإياب ويتحصّل من هذه العملية أربعة أشواط ذهاباً من الصفا إلى المروة وثلاثة إياباً من المروة إلى الصفا وبالتالي يكون الابتداء بالأوّل من الصفا والختام بالسابع في المروة.

واتّفقوا أيضاً على لزوم السعي بين الصفا والمروة، واختلفوا في ركنيته، فقال الإمامية والشافعية والمالكية: هو ركن. وقال أبو حنيفة: وليس ركناً. نقل صاحب «الميزان» عن أبي حنيفة أنّه لا حرج في العكس فللساعي أن يبدأ بالمروة ويختم بالصفا.

وقال في «الحدائق»: السعي ركن، فمن تركه عامداً بطل حجّه وهو مجمع عليه بين علمائنا كما حكاه في «التذكرة» و «المنتهى»، ويدلّ عليه جملة من الأخبار، فأمّا ما يدلّ على وجوبه وفرضه فهو ما رواه في «الكافي» في الحسن عن الحسن بن على الصيرفي عن بعض أصحابنا قال: سئل أبو عبداللَّه عليه السلام عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أو سنة؟ فقال: «فريضة» قلت: أو ليس إنّما قال


1- وسائل الشيعة 13: 488، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 10، الحديث 5 ..

ص: 502

اللَّه عزّ وجلّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا قال: «كان ذلك في عمرة القضاء إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام عن الصفا والمروة فتشاغل رجل وترك السعى حتّى انقضت الأيّام واعيدت الأصنام فجاؤوا إليه فقالوا يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إنّ فلاناً لم يسع بين الصفا والمروة وقد اعيدت الأصنام فانزل اللَّه عزّ وجلّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا أى وعليهما الأصنام».(1)

قال في «الوافي»: بيان: يعني شرط على المشركين أن يرفعوا أصنامهم التي كانت على الصفا والمروة حتّى تنقضي أيّام المناسك ثمّ يعيدوها فتشاغل رجل من المسلمين عن السعي ففاته السعي حتّى انقضت الأيّام واعيدت الأصنام فزعم المسلمون عدم جواز السعي حال كون الأصنام على الصفا والمروة وعن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث قال: «السعي بين الصفا فريضة».(2)

وروى الصدوق قدس سره في الصحيح عن زرارة عن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث قصر الصلاة قال عليه السلام: «أو ليس قال اللَّه عزّ وجلّ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا(3) ألا ترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض لأنّ اللَّه عزّ وجلّ قد ذكره في كتابه وصنعه نبيه صلى الله عليه و آله و سلم».(4)


1- وسائل الشيعة 13، 468، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 1، الحديث 6 ..
2- وسائل الشيعة 13: 467، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 1، الحديث 1 ..
3- البقرة( 2): 158 ..
4- وسائل الشيعة 13: 469، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 1، الحديث 7 ..

ص: 503

وأمّا ما يدلّ على بطلان الحجّ بتركه عمداً فهو ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام في رجل ترك السعي متعمّداً قال عليه السلام: «عليه الحجّ من قابل».(1) وفي الصحيح أيضاً عنه قال:

قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «من ترك السعي متعمداً فعليه الحجّ من قابل».(2)

وعنه أيضاً في الصحيح عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث أنّه قال في رجل ترك السعي متعمّداً قال: «لا حجّ له»(3) وإطلاق النصّ وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الوجوب والإبطال بين كون السعي في الحجّ أو العمرة، هذا ما لو تركه عامداً. أمّا لو كان ناسياً وجب عليه الإتيان به بعد الذكر فإن خرج عاد إليه وإن تعذّر استناب فيه أمّا وجوب الإتيان به بعد الذكر والعود إليه مع الإمكان فظاهر؛ لتوقّف الامتثال والخروج عن عهدة الخطاب عليه.

ويدلّ عليه أيضاً ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلت فرجل نسي السعي بين الصفا والمروة. قال: «يعيد السعي». قلت: فاته ذلك حتّى خرج. قال: «يرجع فيعيد السعي أنّ هذا ليس كرمي الجمار إنّ الرمي سنّة والسعي بين الصفا والمروة فريضة»(4) وأمّا الاستنابة فيه فلما رواه الشيخ قدس سره في «التهذيب» عن الشحام عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتّى يرجع إلى أهله


1- وسائل الشيعة 13: 484، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 7، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 484، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 7، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 13: 484، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 7، الحديث 3 ..
4- وسائل الشيعة 13: 485، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 8، الحديث 1 ..

ص: 504

فقال: «يطاف عنه»،(1) واللَّه العالم.

(مسألة 2): يجب على الأحوط أن يكون الابتداء بالسعي من أوّل جزء من الصفا، فلو صعد إلى بعض الدرج في الجبل وشرع كفى، ويجب الختم بأوّل جزء من المروة، وكفى الصعود إلى بعض الدرج. ويجوز السعي ماشياً وراكباً، والأفضل المشي.

مبدأ السعي ومنتهاه

بيانه- قال في «الجواهر»: «أن يخرج من الباب المحاذي للحجر بلا خلاف أجده فيه كما عن «المنتهى» و «التذكرة» الاعتراف به أيضاً تأسّياً بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم.

قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم حين فرغ من طوافه وركعتيه قال: ابدأوا بما بدأ اللَّه عزّ وجلّ به من إتيان الصفا، إنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ قال أبو عبداللَّه عليه السلام: ثمّ اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتّى تقطع الوادي وعليك السكينة والوقار»(2)....

ومنها: أن يصعد الصفا للتأسّي والنصوص والإجماع إلّاممّن أوجبه إلى حيث يرى الكعبة من بابه والظاهر أنّه من غيرنا فإنّه عن «الخلاف» والقاضي وغيرهما الإجماع على عدم الوجوب.

وفي محكيّ «التذكرة» و «المنتهى»: إجماع أهل العلم على عدم وجوب الصعود إلّامن شذّ ممّن لا يعتدّ به، ولكن في «الدروس»: والاحتياط الترقّي إلى الدرج ويكفي الرابعة، وعلى كلّ حال فلا إشكال في ندبه.


1- وسائل الشيعة 13: 486، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 8، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 13: 475، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 3، الحديث 2 ..

ص: 505

قال الصادق عليه السلام في حسن معاوية: «فاصعد على الصفا حتّى تنظر إلى البيت»(1) ويكفي فيه كما في «المسالك» و «كشف اللثام» وغيرهما الصعود على الدرجة الرابعة التي قيل: إنّها كانت تحت التراب، فظهرت الآن حيث أزالوا التراب، ولعلّهم إنّما كانوا جعلوا التراب، تيسّراً للنظر إلى الكعبة على المشاة وللصعود على الركبان، ولعلّه لمّا كانت الدرجات الأربع مخفية في التراب ظنّ في «المدارك» أنّ النظر إلى الكعبة لا يتوقّف على الصعود، وأنّ معنى الخبر استحباب كلّ من الصعود والنظر. قال: والظاهر أنّ المراد بقوله عليه السلام فاصعد إلى آخره الأمر بالصعود والنظر واستقبال الركن لا الصعود إلى أن يرى البيت؛ لأنّ رؤية البيت لا تتوقّف على الصعود....

وبما ذكرناه أفتى الشيخ في «النهاية» فقال: إذا صعد على الصفا نظر إلى البيت واستقبل الركن الذي فيه الحجر وحمد اللَّه تعالى... وكيف كان، فظاهر المصنّف وغيره إطلاق استحباب الصعود إلّاأنّ الفاضل خصّه بالرجال، ولعلّه لما سمعته من خصوص صحيح ابن الحجّاج(2) ومناسبة عدمه لهنّ من حيث الستر»،(3) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 13: 476، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 4، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 498، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 17، الحديث 1 ..
3- جواهر الكلام 19: 413 ..

ص: 506

(مسألة 3): لا يعتبر الطهارة من الحدث ولا الخبث ولا ستر العورة في السعي؛ وإن كان الأحوط الطهارة من الحدث.

الطهارة والستر في السعي

بيانه- قال في «الحدائق»: «الطهارة: واستحبابها هو الأشهر الأظهر واستنده في «المنتهى» إلى علمائنا مؤذناً بدعوى الإجماع عليه بل قال: وهو قول عامّة أهل العلم. ونقل عن ابن عقيل أنّه قال لا يجوز الطواف والسعي بين الصفا والمروة إلّابطهارة. ويدلّ على القول المشهور أصالة البراءة ممّا لم يقم على وجوبه دليل.

وما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا بأس أن تقضى المناسك كلّها على غير وضوء إلّاالطواف فإنّ فيه صلاة والوضوء أفضل على كلّ حال».(1)

وفي الصحيح عن رفاعة بن موسى قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: أشهد شيئاً من المناسك وأنا على غير وضوء قال: «نعم، إلّاالطواف بالبيت فإنّ فيه صلاة».(2)

وعن زيد الشحام عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء فقال: «لا بأس».(3)


1- وسائل الشيعة 13: 493، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 15، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 493، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 15، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 13: 494، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 15، الحديث 4 ..

ص: 507

وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت ثمّ حاضت قبل أن تسعى قال: «تسعى» وسألته عن امرأة طافت بين الصفا والمروة فحاضت بينهما قال: «تتمّ سعيها».(1)

وما رواه الصدوق قدس سره في الحسن عن صفوان عن يحيى الأزرق: الرجل يسعى بين الصفا والمروة ثلاثة أشواط أو أربعة ثمّ يبول أيتمّ سعيه بغير وضوء؟

قال: «لا بأس ولو أتم نسكه بوضوء كان أحبّ إليّ».(2) ويدلّ على ما ذهب إليه ابن أبي عقيل ما رواه الكليني قدس سره في الموثّق عن ابن فضال قال: قال أبو الحسن عليه السلام: «لا تطوف ولا تسعى إلّاعلى وضوء».(3) وعن الحلبي في الصحيح قال سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن المرأة تطوف بين الصفا والمروة وهي حائض قال: «لا إنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ».(4)

وروى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه عليه السلام قال وسألته عن الرجل يصلح أن يقضى شيئاً من المناسك وهو على غير وضوء قال: «لا يصلح إلّاعلى وضوء»(5).(6)

وقال في «الجواهر»: «الطهارة من الأحداث وفاقاً للمشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل في محكيّ «المنتهى» نسبته إلى علمائنا مشعراً به، بل هي كذلك؛ إذ لم يحك الخلاف فيه، إلّامن العماني. وبعد نقله الأخبار المذكورة


1- وسائل الشيعة 13: 494، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 15، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 13: 494، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 15، الحديث 6 ..
3- وسائل الشيعة 13: 495، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 15، الحديث 7 ..
4- وسائل الشيعة 13: 494، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 15، الحديث 3 ..
5- وسائل الشيعة 13: 495، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 15، الحديث 8 ..
6- الحدائق الناضرة 16: 256- 285 ..

ص: 508

(مسألة 4): يجب أن يكون السعي بعد الطواف وصلاته، فلو قدّمه على الطواف أعاده بعده ولو لم يكن عن عمد وعلم.

قال: وغير ذلك ممّا هو معتضد بالأصل وبالشهرة العظيمة وغير ذلك ممّا لا إشكال في قصور المعارض بالنسبة إليه فيجب حمله على ضرب من الكراهة، بل صرّح جماعة باستحباب الطهارة من الخبث فيه وإن كان لم يحضرني الآن ما يشهد له سوى مناسبة التعظيم وكون الحكم ندبياً يكتفي في مثله بنحو ذلك».(1) وصاحب «الحدائق» بعد نقله الأخبار المعارضة، قال: والجواب الحمل على الاستحباب كما تضمّنته جملة من الأخبار المتقدّمة، واللَّه العالم.

محلّ السعي

بيانه- قال في «الجواهر»: «لا يجوز تقديم السعي على الطواف لا في عمرة ولا حجّ اختياراً بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، بل الإجماع بقسميه عليه، بل يمكن دعوى القطع به بملاحظة النصوص المشتملة على بيان الحجّ قولًا وفعلًا، مضافاً إلى صحيح منصور بن حازم: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت، فقال: «يطوف بالبيت ثمّ يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما»،(2) بل صرّح الفاضل والشهيد وغيرهما بأ نّه لو عكس عمداً أو جهلًا أو سهواً أعاد سعيه؛ للأصل بل الاصول وترك الاستفصال في الصحيح المزبور، مضافاً إلى غيره من النصوص.


1- جواهر الكلام 19: 410 ..
2- وسائل الشيعة 13: 413، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 63، الحديث 2 ..

ص: 509

(مسألة 5): يجب أن يكون السعي من الطريق المتعارف، فلا يجوز الانحراف الفاحش. نعم، يجوز من الطبقة الفوقانية أو التحتانية لو فرض حدوثها؛ بشرط أن تكون بين الجبلين؛ لا فوقهما أو تحتهما. والأحوط اختيار الطريق المتعارف قبل إحداث الطبقتين.

نعم، لو لم يمكنه الإعادة استناب كما سمعت. وعلى كلّ حال فكما لا يجوز تقديم السعي على الطواف لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي اختياراً بلا خلاف أجده فيه أيضاً، كما اعترف به غير واحد؛ للنصوص المتضمّنة لكيفية الحجّ فعلًا وقولًا، وخصوص مرسل أحمد بن محمّد، قلت لأبي الحسن عليه السلام:

جعلت فداك متمتّع زار البيت فطاف طواف الحجّ ثمّ طاف طواف النساء ثمّ سعى فقال: «لا يكون سعي إلّاقبل طواف النساء»(1) وغيره. وحينئذٍ فإن قدّمه عمداً طاف ثمّ أعاد السعي حتّى يكون آتياً بالمأمور به على وجهه. نعم، لو قدّمه ساهياً أجزأه كما عرفت الكلام فيه وفي تقديمه أيضاً للضرورة والخوف من الحيض، فلاحظ وتأمّل»،(2) واللَّه العالم.

اعتبار السعي من الطريق المتعارف

بيانه- قال السيدّ الحكيم قدس سره في «منسكه»: يجب أن يستقبل المقصد في ذهابه وإيابه بوجهه فإذا عرض عن المقصد بوجهه أو مشى القهقرى أو عرضاً لم يجزئ ولا بأس بالالتفات مع بقاء مقاديم البدن على حاله. ومعنى قوله هذا أنّ


1- وسائل الشيعة 13: 417، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 65، الحديث 1 ..
2- جواهر الكلام 19: 446 ..

ص: 510

(مسألة 6): يعتبر عند السعي إلى المروة أو إلى الصفا الاستقبال إليهما، فلا يجوز المشي على الخلف أو أحد الجانبين، لكن يجوز الميل بصفحة وجهه إلى أحد الجانبين أو إلى الخلف. كما يجوز الجلوس والنوم على الصفا أو المَروة أو بينهما قبل تمام السعي ولو بلا عذر.

عليك وأنت تسعى أن تتّجه بكلّ بدنك إلى المروة وأنت ذاهب وإلى الصفا وأنت آئب ولا يجوز لك أن تسير مجانباً وكتفك إلى الأمام كما تفعل عند الزحام ولك أن تلتفت بوجهك خاصّة دون بدنك حال السير.

وقال السيّد الخوئي في «منسكه»: ما يقرب من هذا، وهذه عبارته بالحرف:

«ويجب استقبال المروة عند الذهاب، كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع، فلو استدبر المروة عند الذهاب أو استدبر الصفا عند الرجوع لم يجزئه، ولا بأس بالالتفات إلى اليمين أو اليسار أو الخلف عند الذهاب والإياب».

اعتبار استقبال المروة والصفا

بيانه- قال في «الجواهر»: «ولا بأس أن يجلس في خلال السعي للراحة على الصفا أو المروة بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، وبينهما على المشهور؛ للأصل وصحيح الحلبي سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟ قال: «نعم، إن شاء جلس على الصفا وإن شاء جلس على المروة وبينهما فليجلس».(1)

وصحيح ابن رئاب قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام الرجل يعيى في الطواف أله


1- وسائل الشيعة 13: 501، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 20، الحديث 1 ..

ص: 511

(مسألة 7): يجوز تأخير السعي عن الطواف وصلاته للاستراحة وتخفيف الحرّ بلا عذر حتّى إلى الليل، والأحوط عدم التأخير إلى الليل، ولا يجوز التأخير إلى الغد بلا عذر.

أن يستريح؟ قال: «نعم، يستريح ثمّ يقوم فيبني على طوافه في فريضة وغيرها ويفعل ذلك في سعيه وجميع مناسكه»(1) وعن الحلبيين أنّهما منعا من الجلوس بين الصفا والمروة، إلّامع الإعياء، ولعلّه لقول الصادق عليه السلام في صحيح عبدالرحمان: «لا تجلس بين الصفا والمروة إلّامن جهد»(2) المحمول على الكراهة، بعد قصوره عن معارضة غيره من وجوه: منها: ما قيل من اعتضاده بعموم ما دلّ على جواز السعي راكباً، فإنّه ملازم للجلوس غالباً وهو عامّ لحالتي الاختيار والاضطرار إجماعاً... كلّ ذلك مع بناء الاستدلال بالصحيح على إرادة بلوغ منتهى الطاقة من الجهد، ويمكن منعه واللَّه العالم».(3)

بيانه- المشهور بين الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- أنّه لا يجوز تأخير السعي عن الطواف إلى الغد، وقال المحقّق قدس سره: يجوز تأخيره إلى الغد ولا يجوز عن الغد، والأظهر القول المشهور، ويدلّ عليه ما رواه المشايخ الثلاثة عن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقدّم مكّة حاجّاً وقد اشتدّ عليه الحرّ فيطوف بالكعبة ويؤخّر السعي إلى أن يبرد فقال: «لا بأس به،


1- وسائل الشيعة 13: 388، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 46، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 502، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 20، الحديث 4 ..
3- جواهر الكلام 19: 428 ..

ص: 512

وربّما فعلته»(1) وزاد في «التهذيب» قال: وربّما رأيته يؤخّر السعي إلى الليل.

وقال في «من لا يحضره الفقيه»: وفي حديث آخر: ويؤخّره إلى الليل. وما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخّر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال: «لا».(2)

وما رواه في «الكافي» عن العلاء بن رزين في الصحيح قال: سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخّر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال: «لا».(3)

وأمّا ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخّر الطواف بين الصفا والمروة، قال: «نعم»،(4) فيجب حمل إطلاقه على ما تقدّم في الأخبار من التأخير ساعة أو ساعتين أو للاستراحة إلى الليل، وأمّا ما ذهب إليه المحقّق فلم نقف له على مستند، إلّاأنّ شيخنا الشهيد قدس سره في «الدروس» قال: نقل ذلك عن المحقّق، وهو مروي، ولعلّ الرواية وصلت إليه ولم تصل إلينا. وفي «المسالك» قال: «قوله- أي قول المحقّق رحمه الله- من طاف كان بالخيار في تأخير السعي إلى الغد ثمّ لا يجوز مع القدرة» أي لا يجوز تأخيره عن الغد اختياراً فيأثم لو أخّره ويجزئ والأصحّ عدم جواز تأخيره إلى الغد أيضاً؛ للنصّ.

نعم، يجوز تأخيره ساعة أو ساعتين للراحة ونحوها كما ورد في الأخبار واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 13: 410، كتاب الحجّ، أبوب الطواف، الباب 60، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 411، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 60، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 13: 411، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 60، الحديث 3 ..
4- وسائل الشيعة 13: 411، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 60، الحديث 2 ..

ص: 513

(مسألة 8): السعي عبادة يجب فيه ما يعتبر فيها؛ من القصد وخلوصه، وهو ركن، وحكم تركه عمداً أو سهواً حكم ترك الطواف كما مرّ.

حكم ترك السعي

بيانه- السعي يجب فيه النيّة بلا خلاف ولا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه على حسب ما سمعته في الطواف وغيره من الأفعال من كونها الداعي، ولا يجب فيها نيّة الوجه ولا غيره عدا القربة والتعيين لنوعه من كونه سعي حجّ الإسلام أو غيره من عمرة الإسلام أو غيرها وإن كان الأحوط اشتمالها مع ذلك على تصوّر معنى السعي المتضمّن للذهاب من الصفا إلى المروة والعود وهكذا سبعاً، والوجه واستحضار مقارنتها لأوّله مستداماً حكمها إلى آخره إن أتى به متّصلًا إلى آخره.

فإن فصل. ففي «كشف اللثام» كالطواف عندي أنّه يجدّدها ثانياً فيما بعده.

وفيه: أنّه لا دليل عليه، بل إطلاق الأدلّة على خلافه، فيكفي بنيّة إتمام العمل السابق، بل قد يقال بكفاية تمامه وإن غفل عن الاولى حين الشروع ثمّ تنبّه بعد ذلك ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط واللَّه العالم.

ص: 514

(مسألة 9): لو زاد فيه سهواً شوطاً أو أزيد صحّ سعيه، والأولى قطعه من حيث تذكّر وإن لا يبعد جواز تتميمه سبعاً. ولو نقصه وجب الإتمام أينما تذكّر، ولو رجع إلى بلده وأمكنه الرجوع بلامشقّة وجب، ولو لم يمكنه أو كان شاقّاً استناب.

ولو أتى ببعض الشوط الأوّل وسها ولم يأتِ بالسعي فالأحوط الاستئناف.

حكم الزيادة السهوية في السعي

بيانه- قال في «الجواهر»: «ولا يبطل بالزيادة سهواً بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، وهو الحجّة بعد الأصل والنصوص، فيتخيّر حينئذٍ بين إهدار الشوط الزائد فما زاد والبناء على السبعة، وبين الإكمال اسبوعين كما سمعته في الطواف، جمعاً بين الأمر بهما في النصوص، ففي صحيح ابن الحجّاج عن أبي إبراهيم عليه السلام في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه؟ فقال: «إن كان خطأ طرح واحداً واعتدّ بسبعة».(1) وصحيح جميل بن دراج قال حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطاً فسألنا أبا عبداللَّه عليه السلام عن ذلك فقال: «لا بأس سبعة لك وسبعة تطرح»(2) وغير ذلك من الأخبار....

وفي صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «أنّ في كتاب علي عليه السلام: إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستّاً وكذا إذا استيقن أنّه سعى ثمانية أضاف إليها ستّاً».(3) ومن هنا جمع الأصحاب


1- وسائل الشيعة 13: 491، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 13، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 13: 492، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 13، الحديث 5 ..
3- وسائل الشيعة 13: 366، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 34، الحديث 1 ..

ص: 515

بينها بالتخيير. وما عن ابن زهرة من الاقتصار على الثاني منهما ليس خلافاً، خصوصاً بعد الحكم بجوازه وكونه مندوباً، فإنّه يجوز القطع قطعاً».(1)

وفي «الحدائق»: «أمّا لو كانت سهواً فقد ذكر الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- أنّه يتخيّر بين إلغاء الزائد والاعتبار بالسبعة وبين إكمال الاسبوعين، فيكون الثاني مستحبّاً.

أمّا الأوّل فيدلّ عليه ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي إبراهيم عليه السلام عن رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه؟ فقال: «إن كان خطأ طرح واحداً واعتدّ بسبعة»(2)...

وأمّا الثاني فتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّم ذكره ثمّ قال:

أقول: والظاهر أنّ هذه الرواية هي التي أشار إليها في «الفقيه»، وظاهره بناءً على قاعدته المذكورة في صدر كتابه القول بالتخيير، كما هو المذكور في كلام الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- حيث لم يتعرّض للطعن في إحدى الروايتين، إلّاأنّ صحيحة محمّد بن مسلم المذكورة لا تخلو من إشكال، أمّا أوّلًا: فلأنّ السعي ليس مثل الطواف والصلاة عبادة مستقلّة؛ تقع مستحبّة وواجبة ليكون الثاني نافلة، فإنّا لم نقف في غير هذا الخبر على ما يدلّ على وقوعه مستحبّاً، قال في «المدارك»: ولا يشرع استحباب السعي إلّاهنا، ولا يشرع ابتداء مطلقاً.

وأمّا ثانياً: فمع تسليم وقوعه مستحبّاً فإنّ اللازم من الطواف ثمانية كون الابتداء بالثامن من المروة، فكيف يجوز أن يعتدّ به ويبني عليه سعياً مستأنفاً


1- جواهر الكلام 19: 432 ..
2- الفقيه 2: 415/ 2850 ..

ص: 516

مع اتّفاق الأخبار وكلمة الأصحاب على وجوب الابتداء في السعي من الصفا، وأ نّه لو بدأ من المروة وجب عليه الإعادة عامداً كان أو ساهياً كما تقدّم.

وبالجملة فالظاهر بناءً على ما ذكرناه هو العمل بالأخبار الاولة من طرح الزائد والاعتداد بالسبعة الاولة، وأمّا العمل بهذا الخبر فمشكل كما عرفت».(1)

وفي «الرياض»: إذا استيقن أنّه طاف بين الصفا والمروة ثمانية فليضف إليها ستّاً وجمع بينها أكثر الأصحاب بالتخيير بين الأمرين خلافاً لابن زهرة، فاقتصر على الثاني. والأولى والأحوط الاقتصار على الأوّل كما هو ظاهر المتن؛ لكثرة ما دلّ عليه من الأخبار وصراحتها وعدم ترتّب إشكال عليها بخلاف الثاني، وأنّ الصحيح الدالّ عليه مع وحدته واحتماله ما سيأتي ممّا يخرجه عمّا نحن فيه يتطرّق إليه الإشكال لو ابقي على ظاهره من كون ابتداء الأشواط الثمانية من الصفا والختم بها أنّ الاسبوع الثاني المنضمّة إلى الاولى يكون مبدؤها المروة دون الصفا قد مرّ الحكم بفسادها مطلقاً ولو نسياناً أو جهلًا إلى آخره.

وبالجملة قال في «الجواهر»: «وظاهر صحيحي جميل وهشام السابقين إلحاق الجاهل بالناسي في الحكم بالصحّة مع الزيادة، ولعلّه ظاهر غيرهما أيضاً، وقد عمل بهما غيرهما غير واحد من الأصحاب كالكركي وثاني الشهيدين وغيرهما، بل لعلّه ظاهر أوّل الشهيدين أيضاً، بل لم أجد لهما رادّاً فالمتّجه العمل بهما واللَّه العالم».(2)


1- الحدائق الناضرة 16: 280- 282 ..
2- جواهر الكلام 19: 437 ..

ص: 517

(مسألة 10): لو أحلّ في عمرة التمتّع قبل تمام السعي سهواً- بتخيّل الإتمام- وجامع زوجته، يجب عليه إتمام السعي، والكفّارة بذبح بقرة على الأحوط، بل لو قصّر قبل تمام السعي سهواً وفعل ذلك فالأحوط الإتمام والكفّارة، والأحوط إلحاق السعي في غير عمرة التمتّع به فيها في الصورتين.

حكم من ظنّ إتمام السعي

بيانه- قال في «الجواهر»: «ولو كان متمتّعاً بالعمرة وظنّ أنّه أتمّ السعي، فأحلّ وواقع النساء ثمّ ذكر ما نقص من سعيه، كان عليه دم بقرة على رواية عبداللَّه بن مسكان ويتمّ النقصان قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستّة أشواط وهو يظنّ أنّها سبعة فذكر بعد ما أحلّ وواقع النساء أ نّه إنّما طاف ستّة أشواط فقال: «عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطاً آخر».(1)

وعن الشيخين وابني إدريس وسعيد وجماعة منهم الفاضل في جملة من كتبه العمل بها، وكذا قيل- والقائل الشيخ وجمع من الأصحاب على ما في «المدارك»-: لو قلم أظفاره أو قصّ شعره؛ لصحيح بن يسار السابق. الذي ليس فيه إلّاتقليم الأظفار ولذا اقتصر عليه في محكيّ «التبصرة» وعن «التهذيب» و «النهاية» التعبير بقوله قصّر وقلم أظفاره ويمكن إرادته منهما معنى واحداً وعن «المبسوط» التعبير بقوله قصّر أو قلم أظفاره ونحوه الفاضل في محكيّ «التذكرة» و «التحرير» وكذا «الإرشاد»، بل في «القواعد»، لكن قال: أو قصّر شعره كالمتن هنا إلّاأنّ خبر الأوّل ضعيف وإطلاقه منافٍ لما دلّ على وجوب


1- وسائل الشيعة 13: 493، كتاب الحجّ، أبواب السعي، الباب 14، الحديث 2 ..

ص: 518

(مسألة 11): لو شكّ في عدد الأشواط بعد التقصير يمضي ويبني على الصحّة. وكذا لو شكّ في الزيادة بعد الفراغ عن العمل. ولو شكّ في النقيصة بعد الفراغ والانصراف ففي البناء على الصحّة إشكال، فالأحوط إتمام ما احتمل من النقص. ولو شكّ بعد الفراغ أو بعد كلّ شوط في صحّة ما فعل بنى على الصحّة.

وكذا لو شكّ في صحّة جزء من الشوط بعد المضيّ.

البدنة على من جامع قبل طواف النساء متذكّراً، قيل: ومن هنا قيّد المصنّف والفاضل الحكم بعمرة التمتّع كالمحكيّ عن «النزهة» وابن إدريس في الكفّارات... إلى أن قال: فالمتّجه بناءً على العمل بالخبر المزبور وجوب البقرة بالجماع قبل السعي بظنّ الإتمام من هذه الحيثية ولا أقلّ من الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة. نعم، ينبغي الاقتصار على الستّة بظنّ أنّها سبعة لا غير ذلك وإن كان يوهمه إطلاق المصنّف واللَّه العالم».(1)

بيانه- إذا شكّ في عدد الأشواط أو في صحّتها بعد أن انتهى وفرغ من السعي بنى على الصحّة ولا شي ء عليه وعلّله صاحب «الجواهر» بأ نّه شكّ بعد الفراغ للحرج والأخبار. وإذا كان الشكّ في عدد الأشواط قبل إكمالها.

قال صاحب «الجواهر»: لا خلاف، بل لا إشكال في البطلان؛ لتردّده بين محذوري الزيادة والنقصان وكلّ منهما مبطل وأصالة الشغل المحتاجة إلى يقين الفراغ الذي لا دليل على حصوله بالاعتماد على أصالة الأقلّ، بل الدليل على خلافه، كما تقدّم في خبر سعيد بن يسار.

نعم، لو تيقّن أنّه أتمّ سبعة ولكن شكّ في الزائد على وجه لا ينافي البدءة


1- جواهر الكلام 19: 440- 443 ..

ص: 519

(مسألة 12): لو شكّ وهو في المروة بين السبع والزيادة كالتسع- مثلًا- بنى على الصحّة. ولو شكّ في أثناء الشوط أنّه السبع أو الستّ- مثلًا- بطل سعيه، وكذا في أشباهه من احتمال النقيصة. وكذا لو شكّ في أنّ ما بيده سبع أو أكثر قبل تمام الدور.

بالصفا، كما لو شكّ بينها وبين التسعة وهو على المروة صحّ لأصالة عدم الزيادة، وأمّا لو تيقّن النقص، ولكن لا يدري ما نقص أو شكّ بينه وبين الإكمال، فالمتّجه الفساد؛ لما عرفت واحتمال البناء على الأقلّ فيهما لم أجد به قائلًا وإن احتمله بعض الناس، بل ادّعى احتمال الصحيح المزبور له، ولكنه في غير محلّه واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «وإذا شكّ أنّه ابتدأ من الصفا فيكون صحيحاً أو من غيره، فيكون فاسداً. ينظر، فإن كان شاكّاً في العدد أيضاً لا يدري كم أتى من الأشواط بطل السعي، وإن كان ضابطاً للعدد وشكّ في الابتداء فقط، فإن كان الشوط الذي في يده مزوّجاً، كما لو كان ثانياً أو رابعاً أو سادساً، وكان على الصفا أو متّجهاً إليه صحّ السعي؛ لأنّه يعلم. والحال هذه أنّ الابتداء كان من الصفا، وكذلك إذا كان الشوط مفرداً، كما لو كان ثالثاً أو خامساً أو سابعاً، وكان على المروة أو متّجهاً إليها، ولو انعكس الأمر؛ بحيث كان الشوط مفرداً وهو على المروة أو متّجهاً إليها ولو انعكس الأمر بحيث كان الشوط مفرداً وهو على الصفا أو مزوّجاً وهو على المروة بطل السعي ووجب الاستئناف. وعند بقيّة المذاهب أنّ من شكّ في عدد الأشواط أخذ بالأقلّ كالصلاة.

ص: 520

وقال أبو حنيفة: لو ترك السعي بالمروة لا يبطل الحجّ؛ لأنّه ليس ركناً ويجبر الترك بدم».(1)

وفي «الجواهر»: «ومن تيقّن عدد الأشواط وشكّ فيما به بدأ- في ابتداء الأمر قبل الالتفات إلى حاله- فإن كان في المزدوج؛ أي الاثنين أو الأربعة أو الستّة وهو على الصفا أو متوجّه إليه فقد صحّ سعيه- لمعلم- بأ نّه حينئذٍ بدأ به؛ ضرورة عدم كونه اثنين أو أربعة أو ستّة إلّامع البدأة بالصفا، وإلّا لم يكن كذلك، وإن كان على المروة أو متوجّهاً إليها وعلم بالأزواج- أي الاثنين أو الأربعة أو الستّة- أعاد سعيه؛ لأنّه لا يكون كذلك إلّامع البدأة بالمروة التي قد عرفت البطلان به عمداً أو سهواً في ابتداء الطواف وينعكس الحكم مع انعكاس الفرض بأنّ الأفراد واحداً أو ثلاثة أو خمسة أو سبعة، وهو على الصفا أعاد سعيه؛ ضرورة أنّه لا يكون كذلك إلّامع الابتداء بالمروة الذي قد عرفت البطلان به، وإن علمه وهو على المروة صحّ سعيه؛ لعدم كونه كذلك إلّامع الابتداء بالصفا كما هو واضح.

وبه صرّح في «النافع» قال: ومن تيقّن عدد الأشواط وشكّ فيما بدأ به، فإن كان في الفرد على الصفا أعاد، ولو كان على المروة لم يعد، وبالعكس لو كان سعيه زوجاً. لكن في حاشية الكركي على الكتاب: المراد بانعكاس الفرض بأن تيقّن ما بدأ به وشكّ في العدد. والمراد بانعكاس الحكم البطلان إن كان على الصفا والصحّة إن كان على المروة، وذلك فيما إذا شكّ في الزيادة وعدمها فإنّه إذا على المروة يقطع ولا شي ء عليه؛ لأنّ الأصل عدم الزائد، وإن كان على الصفا لم تتحقّق البراءة ولا يجوز الإكمال حذراً من الزيادة، فتجب الإعادة.


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 244 ..

ص: 521

(مسألة 13): لو شكّ بعد التقصير في إتيان السعي بنى على الإتيان، ولو شكّ بعد اليوم الذي أتى بالطواف في إتيان السعي، لا يبعد البناء عليه أيضاً، لكن الأحوط الإتيان به إن شكّ قبل التقصير.

وفيه من البعد ما لا يخفى: على أنّه إنّما يتمّ إذا وقع الشكّ بعد إكمال وموضوع المسألة أعمّ، مع أنّ حكم الشكّ في العدد قد ذكره المصنّف بعد هذه المسألة بغير فصل، فلا وجه لحمل العبارة عليه»(1) انتهى كلامه رفع مقامه واللَّه العالم.

بيانه- فلا إعادة كسائر العبادات بلا خلاف؛ لاشتراك العلّة أعني الحرج المنفيّ في الشريعة، وقوله كلّما شككت فيه ممّا مضى، فامضه عدم إمكان حمله على الشكّ في الأثناء؛ لوجوب التدارك فيه، أمّا بالاستيناف أو إتيان آخر إلى آخره واللَّه العالم.


1- جواهر الكلام 19: 437 ..

ص: 522

التقصير

القول: في التقصير

اشارة

(مسألة 1): يجب بعد السعي التقصير؛ أي قصّ مقدار من الظفر أو شعر الرأس أو الشارب أو اللحية. والأولى الأحوط عدم الاكتفاء بقصّ الظفر، ولا يكفي حلق الرأس، فضلًا عن اللحية.

بيانه- وقال الإمامية: يتخيّر المقصّر بين أن يأخذ من شعر الرأس أو الشارب أو يقصّ الظفر واتّفقوا على أنّ التقصير نسك واجب وليس بركن، وقال السيّد الحكيم هو كالتسليم في الصلاة؛ لأنّ به يتحلّل المحرم من إحرامه كما يتحلّل المصلّي بالتسليم من الصلاة.

قال الإمامية: إذا سعى المعتمر بعمرة التمتّع تعيّن عليه التقصير ولا يجوز له الحلق ومتى قصّر حلّ له ما حرّم عليه وإذا حلق فعليه أن يكفّر بشاة، أمّا إذا كان معتمراً بعمرة مفردة فهو مخيّر بين الحلق والتقصير؛ سواء كان معه هدي أم لم يكن.(1)

لا خلاف في أنّه يجب على المعتمر المتمتّع بعد السعي التقصير. وبه يحلّ من


1- راجع: الفقه على المذاهب الخمسة: 245 ..

ص: 523

كلّ شي ء إلّاالصيد. وكيف كان يلزم فيها التقصير الذي هو أحد المناسك فيها عندنا على وجه يكون تركه نقصاً فيها، بل في «المنتهى» إجماع علمائنا عليه وإن حصل الإحلال له منها، خلافاً للشافعي في أحد قوليه، فجعله إطلاق محظور كالطيب واللباس، ولا ريب في فساده عندنا بعد ما سمعت من الإجماع بقسميه عليه.

والنصوص التي منها خبر عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «طواف المتمتّع أن يطوف بالكعبة ويسعى بين الصفا والمروة ويقصّر من شعره فإذا فعل ذلك فقد أحلّ»(1) إلى غير ذلك معتبرة المستفيضة التي مقتضاها كإطلاق الأكثر الاجتزاء بتحقّق مسمّاه بإزالة الشعر أو الظفر بحديد أو نتف أو قرض بالسنّ أو نحو ذلك، بل في «المنتهى» وعن «التحرير» و «التذكرة» أدنى التقصير أن يقصّ شيئاً من شعر رأسه وأقلّه ثلاث شعرات ناسباً له في الأوّل إلى اختيار علمائنا وإن كان هو إن لم يتمّ الإجماع المزبور محلّ نظر للشكّ في تحقّق مسمّاه بذلك، وإليه يرجع ما عن «المبسوط» من اشتراط كون المقطوع جماعة من الشعر، وإن حكى عن «جمل العلم والعمل»: قصّر من شعر رأسه ومن حاجبه و «الفقيه»: قصّر من شعر رأسك من جوانبه ومن حاجبيك ومن لحيتك وخذ من شاربك وقلّم أظفارك وأبق منها لحجّك.

وقيل: وكذا «المقنع» إلّاأنّه ترك فيه اللحية و «الهداية» و «المصباح» و «مختصره» إلّاأنّه ترك فيها الحاجب، لكن لعلّهم عبّروا بذلك، تبعاً لما سمعته من قول الصادق عليه السلام لا أنّ مرادهم الوجوب. نعم، ظاهر «القواعد» ومحكيّ «الجمل والعقود» و «السرائر» و «التبصرة»: الاجتزاء ببعض الأظفار أو الشعر من


1- وسائل الشيعة 13: 505، كتاب الحجّ، أبواب التقصير، الباب 1، الحديث 2 ..

ص: 524

اللحية أو الرأس أو الشارب أو الحاجب أو غيرها، وعن «النهاية» و «التحرير» و «الإرشاد» الاقتصار على شعر الرأس واللحية.

وعن المفيد زيادة الحاجب أو الاقتصار عليه وعلى شعر الرأس وعن الحلبي وابن سعيد زيادة الشارب وفي «التهذيب» و «المنتهى» ومحكيّ «التذكرة»: أدنى التقصير أن يقرض أظفاره ويجزّ من شعره شيئاً يسيراً وعن «الوسيلة»: أدناه أن يقصّ شيئاً من شعر رأسه أو يقصّ أظفاره والأصلع يأخذ من شعر اللحية أو الشارب أو يقصّ الأظفار، ونحوه عن «المبسوط» و «السرائر» إلّاأنّ فيهما الحاجب مكان الشارب، وليس في «المبسوط» قصّ الأظفار لغير الأصلع، ولكنّ الظاهر أنّ ذلك كلّه ليس خلافاً في المسألة، وإنّما هو ذكر بعض أفراده ليتحقّق به المسمّى.

وقال في «الحدائق»: «والمعروف من مذهب الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- أنّه يجزئ مسمّى التقصير. قال في «المنتهى»: وأدنى التقصير أن يقصّ شيئاً من شعره ولو كان يسيراً، وأقلّه ثلاث شعرات؛ لأنّ الامتثال يحصل به فيكون مجزئاً، ولما رواه الشيخ قدس سره في الحسن عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: سألته عن متمتّع قرض أظفاره وأخذ من شعره بمشقص قال: «لا بأس»(1) هذا اختيار علمائنا ثمّ نقل اختلاف العامّة.

وقال في الكتاب المذكور: لو قصّ الشعر بأيّ شي ء كان أجزأه وكذا لو نتفه أو أزاله بالنورة؛ لأنّ القصد الإزالة والأمر ورد مطلقاً، فيجزئ كلّ ما يتناوله الإطلاق، ولو قصّ من أظفاره أجزأ؛ لأنّه نوع من التقصير، فيتناوله المطلق، فيكون مجزئاً، وكذا لو أخذ من شاربه أو حاجبيه أو لحيته أجزأه انتهى.


1- وسائل الشيعة 13: 507، كتاب الحجّ، أبواب التقصير، الباب 2، الحديث 1 ..

ص: 525

أقول: وممّا يدلّ على ذلك وأ نّه لا يتوقّف على الآلة المعهودة، بل يكفي كيف اتّفق، ما تقدّم في صحيحة جميل وحفص بن البختري... وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «تقصّر المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الأنملة»،(1) وما رواه الشيخ قدس سره عن محمّد الحلبي قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن امرأة متمتّعة عاجلها زوجها قبل أن تقصّر فلمّا تخوفت أن يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منها بأسنانها وقرضت بأظافيرها هل عليها شي ء؟ قال: «لا، ليس كلّ أحد يجد المقاريض».(2)

ومن ذلك يعلم أنّ ما اشتمل صحيح معاوية بن عمّار وصحيح محمّد بن إسماعيل من الأخذ من تلك المواضع المتعدّدة فمحمول على الفضل والاستحباب، وبذلك أيضاً صرّح الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم-».(3)

قوله قدس سره: «ولا يكفي حلق الرأس فضلًا عن اللحية».

وفي «الحدائق»: «المشهور بين الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- أنّه يلزم التقصير في العمرة، ولا يجوز حلق الرأس، ولو حلقه فعليه دم. ذهب إليه الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» وابن البراج وابن إدريس والمحقّق والعلّامة والشيخ الشهيد وغيرهم، قال في «الدروس»: والأصحّ تحريمه ولو بعد التقصير، وذهب الشيخ في «الخلاف» إلى أنّه يجوز الحلق، والتقصير أفضل، قال في «المختلف» بعد نقل قول «الخلاف»: وكان يذهب إليه والدي رحمه الله.

والأصحّ قول المشهور، ويدلّ عليه ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن معاوية


1- وسائل الشيعة 13: 508، كتاب الحجّ، أبواب التقصير، الباب 3، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 13: 509، كتاب الحجّ، أبواب التقصير، الباب 3، الحديث 4 ..
3- الحدائق الناضرة 16: 297 ..

ص: 526

بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث قال: «وليس في المتعة إلّاالتقصير»(1) وعن أبي بصير قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه قال: «عليه دم يهريقه فإذا كان يوم النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق»(2) وروى الصدوق قدس سره في الصحيح عن جميل بن دراج وأ نّه سأل أبا عبداللَّه عليه السلام عن متمتّع حلق رأسه بمكّة قال: «إن كان جاهلًا فليس عليه شي ء وإن تعمّد ذلك في أوّل شهور الحجّ بثلاثين يوماً فليس عليه شي ء وإن تعمّد بعد الثلاثين يوماً التي يوفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دماً يهريقه»(3)....

وبالجملة: فإنّ ما ذهب إليه في «الخلاف» لا أعرف له وجهاً بعد ورود الأمر بالتقصير وعدم ورود ما ينافيه، والعبادات مبنيّة على التوقيف من الشارع، فالقول به من غير دليل ضعيف البتّة. وأضعف منه ما يظهر من العلّامة في «المنتهى» حيث إنّ ظاهره فيه اختيار القول بالتحريم ووجوب التقصير ومع ذلك صرّح بأ نّه لو حلق أجزأه وسقط الدم وكيف يجزئه ما لم يقم عليه دليل، بل الدليل على خلافه واضح السبيل حيث إنّ الشارع رتّب على فعله الدم.

وقال الشهيد: ولو حلق بعض رأسه أجزأ عن التقصير ولا تحريم فيه. ولو حلق الجميع احتمل الإجزاء؛ لحصوله بالشروع وعند التقصير يحلّ له جميع ما يحلّ للمحلّ حتّى الوقاع؛ للنصّ على جوازه قولًا وفعلًا.

أقول: ما ذكره قدس سره من الاحتمال المذكور ليس ببعيد لكن ينبغي تقييده بما إذا نوى من أوّل الأمر التقصير خاصّة، ثمّ بعد حصول التقصير وحصول الإحلال به


1- وسائل الشيعة 13: 510، كتاب الحجّ، أبواب التقصير، الباب 4، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 13: 510، كتاب الحجّ، أبواب التقصير، الباب 4، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 13: 510، كتاب الحجّ، أبواب التقصير، الباب 4، الحديث 5 ..

ص: 527

(مسألة 3): لو ترك التقصير عمداً وأحرم بالحجّ بطلت عمرته، والظاهر صيرورة حجّه إفراداً، والأحوط بعد إتمام حجّه أن يأتي بعمرة مفردة وحجّ من قابل. ولو نسي التقصير إلى أن أحرم بالحجّ صحّت عمرته، ويستحبّ الفدية بشاة، بل هي أحوط.

حلق الباقي، أمّا لو نوى حلق الجميع من أوّل الأمر فالظاهر عدم الإجزاء؛ لأنّ المفهوم من الأخبار أنّ العبادات صحّة وبطلاناً وزيادة ونقصاناً تابعة للقصود والنيات، والروايات قد وردت بأنّ الحلق مقابل للتقصير وأحدهما غير الآخر، فإذا نوى الحلق من أوّل الأمر وحلق رأسه، والحال أنّ فرضه شرعاً إنّما هو التقصير، والحلق غير جائز له، فمن المعلوم أنّ ما أتى به غير مجزٍ، بل موجب للكفّارة كما دلّت عليه الأخبار المتقدّمة»،(1) واللَّه العالم.

ترك التقصير

بيانه- لو ترك التقصير عمداً حتّى أهلّ بالحجّ بطلت متعته وصارت حجّته مبتولة كما عن الشيخ وابني حمزة وسعيد والفاضل في «المختلف» و «الإرشاد» و «التحرير» و «التذكرة» و «المنتهى»، بل في «الدروس» أنّه المشهور؛ لقول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير: «المتمتّع إذا طاف وسعى ثمّ لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر وليس له متعة»،(2) وخبر محمّد بن سنان عن العلاء بن الفضيل قال سألته عليه السلام عن رجل متمتّع طاف ثمّ أهلّ بالحجّ قبل أن يقصر قال:


1- الحدائق الناضرة 16: 299- 301 ..
2- وسائل الشيعة 12: 412، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 54، الحديث 5 ..

ص: 528

«بطلت متعته وهي حجّة مبتولة»(1) والمناقشة في السند مع وصف أوّلهما بالصحّة في «المنتهى» مدفوعة بالانجبار، فما عن ابن إدريس- من بطلان الثاني لأ نّه لم يتحلّل من عمرته مع الإجماع على عدم جواز إدخال الحجّ على العمرة قبل إتمام مناسكها والتقصير من مناسكها عندنا فهو حجّ منهيّ عنه فيفسد خصوصاً وقد نوى المتعة دون الإفراد- واضح الفساد، بناءً على اصولنا من العمل بمثل الخبرين المزبورين الذين لا وجه لاحتمال اختصاصهما بمن نوى العدول بعد إطلاقهما أو ظهورهما في عدمه، فمن الغريب موافقة الفاضل والشهيد له على ذلك في محكيّ «التلخيص» و «الدروس» مع مخالفتهما له في أصله الذي هو عدم العمل بأخبار الآحاد وإن صحّت.

قوله رحمه الله: «ولو نسي التقصير إلى أن أحرم بالحجّ صحّت عمرته ويستحب الفدية بشاة بل هي أحوط».

بيانه- ولو تركت التقصير حتّى أهلّ بالحجّ سهواً صحّت متعته بلا خلاف أجده فيه؛ لصحيح معاوية أو حسنته سأل الصادق عليه السلام عن رجل أهلّ بالعمرة ونسي أن يقصّر حتّى دخل في الحجّ قال: «يستغفر اللَّه ولا شي ء عليه وتمّت عمرته».(2) بل ظاهره عدم دم عليه أيضاً كما في «القواعد» والمحكيّ عن سلّار وابن إدريس وهو مقتضى الأصل لكن سأل إسحاق بن عمّار أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يتمتّع فينسى أن يقصر حتّى يهلّ بالحجّ فقال: «عليه دم يهريقه».(3) بل عن الشيخ وبني زهرة والبرّاج وحمزة العمل به، ولا ريب في أنّه أحوط إن


1- وسائل الشيعة 12: 412، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 54، الحديث 4 ..
2- وسائل الشيعة 12: 411، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 54، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 12: 412، كتاب الحجّ، أبواب الإحرام، الباب 54، الحديث 6 ..

ص: 529

(مسألة 4): يحلّ بعد التقصير كلّ ما حرم عليه بالإحرام حتّى النساء.

لم يكن أقوى؛ لقاعدة التخصيص التي هي أولى من الحمل على الندب إن لم يكن المراد من نفي الشي ء في الأوّل العقاب، بل ينبغي أن يكون شاة كما عن «الغنية» و «المهذب» والإشارة بما سمعته مكرّراً من الانصراف والاحتياط وعن ابن حمزة إدراجه فيما فيه دم مطلق والأوّل أحوط إن لم يكن أقوى.(1)

يتّفق هذا مع فتوى السيّدين الحكيم والخوئي، ولكنّ السيّد الحكيم فرّق بين الناسي والجاهل فعذّر الناسي ولم يعذّر الجاهل، بل ألحقه بالعامد وهو الحقّ؛ لأنّ الجاهل قاصر بخلاف الناسي، واللَّه العالم.

بيانه- المشهور بين الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم-، بل ادّعي العلّامة في «المنتهى»: «أ نّه لا يعرف فيه خلافاً» هو عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتّع، ونقل عن الشهيد في «الدروس» عن بعض الأصحاب قولًا بأنّ في المتمتّع بها طواف النساء. وهو مع جهل قائله مردود بالأخبار المستفيضة الدالّة على أنّه متى قصّر حلّ له كلّ شي ء.

ومنها: ما رواه في «الكافي» في الصحيح عن الحلبي وصفوان عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت وسعيان بين الصفا والمروة وعليه إذا قدم مكّة طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام وسعى بين الصفا والمروة ثمّ يقصر وقد أحلّ هذا العمرة وعليه للحجّ طوافان وسعى بين الصفا والمروة...»(2) وغير ذلك من الأخبار.


1- جواهر الكلام 20: 456 ..
2- وسائل الشيعة 11: 220، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 2، الحديث 8 ..

ص: 530

نعم، روى الشيخ عن سليمان المروزى عن «الفقيه» عليه السلام قال: «إذا حجّ الرجل فدخل مكّة متمتّعاً فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام وسعى بين الصفا والمروة وقصر فقد حلّ له كلّ شي ء ما خلا النساء لأنّ عليه لتحلّه النساء طوافاً وصلاة».(1)

وهو لضعف سنده قاصر عن معارضة الأخبار المستفيضة الصحيحة الصريحة ممّا قدّمناه، وحمله الشيخ على طواف الحجّ وهو غير بعيد؛ لأنّه ليس الخبر صريحاً ولا ظاهراً في أنّ طوافه وسعيه كان للعمرة واللَّه العالم.(2)


1- تهذيب الأحكام 5: 162/ 544؛ وسائل الشيعة 13: 444، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 82، الحديث 7 ..
2- راجع: الحدائق الناضرة 16: 305 ..

ص: 531

الوقوف بعرفات

القول: في الوقوف بعرفات

اشارة

(مسألة 1): يجب بعد العمرة الإحرام بالحجّ والوقوف بعرفات بقصد القربة كسائر العبادات، والأحوط كونه من زوال يوم عرفة إلى الغروب الشرعي.

ولا يبعد جواز التأخير بعد الزوال بمقدار صلاة الظهرين إذا جمع بينهما، والأحوط عدم التأخير، ولا يجوز التأخير إلى العصر.

وجوب الوقوف مع قصد القربة

بيانه- قال في «الرياض»: «فالواجب فيها النيّة المشتملة على قصد الفعل المخصوص متقرّباً خاصّة على الأظهر على ما مرّ في الطهارة، أو مع الوجوب كما في «التحرير» و «المنتهى»، أو مع الكون لحجّ التمتّع أو غيره، حجّ الإسلام أو غيره كما في «التذكرة»، وهما أحوط، وعنها وعن «السرائر»: الإجماع على وجوبها عندنا، خلافاً للعامّة فلم يوجبوها، والأدلّة العامّة عليهم حجّة. وقيل ووقتها بعد الزوال؛ سواء وجب الوقوف منه إلى الغروب أو كفى المسمّى».(1)


1- رياض المسائل 6: 361 ..

ص: 532

وقال في «الحدائق»: «اختلف الأصحاب رضوان اللَّه عليهم- بعد اتّفاقهم على استحباب الإحرام، أو وجوبه يوم التروية عند الزوال- في أفضلية الصلاة المكتوبة في المسجد ووقوع الإحرام في دبرها، أو تأخيرها إلى منى.

فقال الشيخ في «النهاية» و «المبسوط»: وإذا أراد أن يحرم للحجّ فليكن ذلك عند زوال الشمس بعد أن يصلي الفرضين في مكّة، وذهب الشيخ المفيد والسيّد المرتضى إلى تأخير الفرضين إلى منى، ونقل في «المختلف» عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه أنّه قال: وإذا كان يوم التروية فاغتسل وألبس ثياب إحرامك وآت المسجد حافياً، وعليك السكينة والوقار وصلّ عند المقام الظهر والعصر، واعقد إحرامك في دبر العصر، وإن شئت في دبر الظهر بالحجّ مفرداً، وقال ابن الجنيد: الأفضل أن يكون عقيب صلاة العصر المجموعة إلى الظهر ويصلّي ركعتين عند المقام أو في الحجر، وإن صلّى ستّ ركعات للإحرام كان أفضل، وإن صلّى فريضة الظهر ثمّ أحرم في دبرها كان افضل، وظاهر هذه العبارات لا فرق في ذلك بين الإمام وغيره...

وقال الشيخ في «التهذيب»: إنّ الخروج بعد الصلاة مختصّ بمن عدا الإمام من الناس، فأمّا الإمام نفسه فلا يجوز له أن يصلّي الظهر والعصر يوم التروية إلّا بمنى، وحمل العلّامة في «المنتهى» عبارته بعدم الجواز على شدّة الاستحباب، وإلى هذا القول ذهب أكثر المتأخّرين، والظاهر أنّه المشهور عندهم، واختار في «المدارك» التخيير لغير الإمام بين الخروج قبل الصلاة أو بعدها، وأمّا الإمام فيستحبّ له التقدّم والخروج قبل الزوال وإيقاع الفرضين في منى وهو جيّد وعليه تجتمع الأخبار،... والمراد بالإمام هنا هو من يجعله الخليفة والياً على الموسم لا الإمام حقيقة وإن كان منتحلًا، ويدلّ على ذلك ما رواه في «الكافي»

ص: 533

(مسألة 2): المراد بالوقوف مطلق الكون في ذلك المكان الشريف؛ من غير فرق بين الركوب وغيره، والمشي وعدمه. نعم، لو كان في تمام الوقت نائماً أو مغمى عليه بطل وقوفه.

عن حفص المؤذّن قال: حجّ إسماعيل بن علي بالناس سنّة أربعين ومئة فسقط أبو عبداللَّه عليه السلام عن بغلته، فوقف عليه إسماعيل، فقال له أبو عبداللَّه عليه السلام: «سر فإنّ الإمام لا يقف»(1)»(2) واللَّه العالم.

معنى الوقوف

بيانه- وقال في «شرح اللمعة»: «ثمّ الوقوف بمعنى الكون بعرفة من زوال التاسع إلى غروب الشمس مقروناً بالنيّة المشتملة على قصد الفعل المخصوص متقرّباً بعد تحقّق الزوال بغير فصل، والركن من ذلك أمر كلّى وهو جزء من مجموع الوقت بعد النيّة ولو سائراً، والواجب الكلّ، وحدّ عرفة من بطن عرنة- بضمّ العين المهملة وبفتح الراء والنون- وثويّة بفتح المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء المثناة- من تحت المفتوحة ونمرة- بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء- وهي بطن عرنة فكان يستغني عن التحديد بها إلى الأراك- بفتح الهمزة- إلى ذي المجاز.

وقال في «الجواهر» وهو سوق كانت على فرسخ من عرفة بناحية كبكب-


1- وسائل الشيعة 13: 525، كتاب الحجّ، أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة، الباب 5، الحديث 1 ..
2- الحدائق الناضرة 16: 350- 354 ..

ص: 534

ويقال: موضع عند عرفات ويقال: بمنى كان يقام به سوق من أسواق العرب في الجاهلية- وهذه المذكورات حدود لا محدود فلا يصحّ الوقوف بها- أي ليست هذه من نفس عرفة بل خارجة عنها، فلا يصحّ للحاج الوقوف بها- وقوف أي الكون بها قاعداً وراكباً بل واقفاً وهو الأصل في إطلاق الوقوف على الكون إطلاقاً لأفضل أفراده عليه- يعني يطلقون لفظ الوقوف على الكون بعرفات لكونه أفضل أفراد الكون-.

نعم، في «كشف اللثام»: الإشكال في الركوب ونحوه لخروجه عن معنى الوقوف لغة وعرفاً ونصوص الكون والإتيان لا تصلح لصرفه إلى المجاز، وفيه: أنّه لا يحتاج إلى الصرف وإنّما هو أحد الأفراد بقرينة الفتوى وغيرها الكون بها إلى الغروب بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منهما مستفيض أو متواتر، قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية: «إنّ المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فأفاض بعد غروب الشمس».(1)

وفي الموثق: متى نفيض من عرفات؟ فقال: «إذا ذهبت الحمرة من هاهنا وأشار بيده وإلى المشرق وإلى مطلع الشمس».(2) ومنه يعلم أنّ المراد بالغروب هو الذي قد عرفت الحال فيه في كتاب الصلاة، واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 13: 556، كتاب الحجّ، أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة، الباب 22، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 557، كتاب الحجّ، أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة، الباب 22، الحديث 2 ..

ص: 535

(مسألة 4): لو نفر عمداً من عرفات قبل الغروب الشرعي، وخرج من حدودها ولم يرجع، فعليه الكفّارة ببدنة يذبحها للَّه في أيّ مكان شاء، والأحوط الأولى أن يكون في مكّة، ولو لم يتمكّن من البدنة صام ثمانية عشر يوماً، والأحوط الأولى أن يكون على ولاء. ولو نفر سهواً وتذكّر بعده يجب الرجوع، ولو لم يرجع أثم ولا كفّارة عليه وإن كان أحوط. والجاهل بالحكم كالناسي. ولو لم يتذكّر حتّى خرج الوقت فلا شي ء عليه.

حكم من عاد قبل الغروب

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «وقال الإمامية: إذا خرج من عرفة قبل الزوال عامداً فعليه أن يعود إليها، وإن عاد فلا شي ء عليه وإلّا كفّر ببدنة فإن عجز صام ثمانية عشر يوماً بالتوالي، وإن خرج سهواً ولم يتذكّر حتّى فات الوقت فلا شي ء عليه على شريطة أن يدرك الوقوف بالمشعر في وقته، وإن تذكّر قبل فوات الوقت رجع مع الإمكان، وإن لم يرجع والحال هذه فعليه بدنة.

وقال المالكية: من وقف بعرفة بعد الزوال وخرج منها قبل الغروب فعليه أن يحجّ في السنة القادمة إلّاأن يرجع إلى عرفة قبل الفجر، وقال جمهور العلماء:

بل حجّه صحيح. وجاء في كتاب «الفقه المصور على مذهب الشافعي» إذا ترك الوقوف لنسيان وجب عليه أن يقلب حجّه عمرة، ثمّ يأتي بما بقي عليه من أعمال الحجّ بالفراغ من أعماله، ويجب عليه إعادة الحجّ فوراً في السنّة القادمة، وتستحبّ لمن يقف بعرفة الطهارة الكاملة واستقبال والإكثار من الاستغفار

ص: 536

والدعاء مع الخشوع والخضوع وحضور القلب.

وقال في «شرح اللمعة»: ولو أفاض من عرفة قبل الغروب عامداً ولم يعد فبدنة- بفتح الباء والدال مفردة جمعها بدن بضم الباء وسكون الدال وإنّما سمّيت ببدنة لعظم بدنها- فإن عجز صام ثمانية عشر يوماً سفراً أو حضراً متتابعة وغير متتابعة في أصحّ القولين.

وفي «الدروس» أوجب فيها المتابعة هنا وجعلها في الصوم أحوط، وهو أولى، ولو عاد قبل الغروب فالأقوى سقوطها- سقوط البدنة وبدلها وهو الصوم ثمانية عشر- وان أثم ولو كان ناسياً أو جاهلًا فلا شي ء عليه إن لم يعلم بالحكم قبل الغروب وإلّا وجب العود مع الإمكان فإن أخلّ به- بالعود بعد أن علم بالحكم- فهو عامد- فتجب عليه البدنة أو بدلها وهو الصوم ثمانية عشر-. وأمّا العود بعد الغروب فلا أثر له»، انتهى كلامه رفع مقامه.

وقال في «الجواهر»: «إن كان عامداً فلا ريب في إثمه مع عدم عوده من دون فساد لحجّه، بل الإجماع بقسميه عليه جبره ببدنة فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بلا خلاف أجده في أصل الجبر، بل في «المنتهى» أنّه قول عامّة أهل العلم إلّا من مالك، فقال: لا حجّ له ولا نعرف أحداً من أهل الأمصار قال بقوله: وأمّا كونه بدنة فهو المشهور شهرة كانت تكون إجماعاً.

بل عن «الغنية» دعواه؛ لخبر مسمع(1) وصحيح ضريس عن أبي جعفر عليه السلام سألته عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغيب الشمس، قال: «عليه بدنة بنحرها يوم النحر فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في الطريق أو


1- وسائل الشيعة 13: 558، كتاب الحجّ، أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة، الباب 23، الحديث 1 ..

ص: 537

في أهله»(1)... إلى أن قال: خلافاً للصدوقين فشاة. ولم نقف لهما على مستند وإن نسبه في محكيّ «الجامع» إلى رواية، وعن «الخلاف»: أنّ عليه دماً للإجماع والاحتياط....

ولو عاد قبل الغروب لم يلزمه شي ء كما عن الشيخ وأبني حمزة وإدريس؛ للأصل ولأ نّه لو لم يقف إلّاهذا الزمان لم يكن عليه شي ء، فهو حينئذٍ كمن تجاوز الميقات غير محرم ثمّ عاد إليه فأحرم، لكن عن «النزهة»: أنّ سقوط الكفّارة بعد ثبوتها يفتقر إلى دليل وليس، وفي «كشف اللثام»: وهو متّجه.

وفيه: منع الثبوت بعد ظهور الدليل في غير العائد. نعم، لا يجدي العود بعد الغروب عندنا، خلافاً للشافعي إذا عاد قبل خروج وقت الوقوف، وهل يلحق الجاهل المقصّر بالعامد وجهان هذا، وظاهر الخبر المزبور صحّة الصوم في السفر وإن كان واجباً كما تقدّم الكلام فيه. وفي اعتبار التوالي فيه الذي اختاره في «الدروس» في كتاب الصوم هذا.

وفي «الدروس»: أنّ رابع الواجبات السلامة من الجنون والإغماء والسكر والنوم في جزء من الوقت، فلو استوعب بطل واجتزاء الشيخ بوقوف النائم، فكأ نّه بنى على الاجتزاء بنيّة الإحرام، فيكون كنوم الصائم، وأنكره الحلبيون، ويتفرّع عليه من وقف بها ولا يعلمها، فعلى قوله يجزئ، قلت: قد عرفت سابقاً في أوّل كتاب الحجّ اعتبار العقل.

نعم، لا وجه للجزم بالبطلان مع الاستيعاب وإن أدرك الاضطراري أو اختياري المشعر، اللهمّ إلّاأن يريد بطلان الوقوف لا الحجّ كما أنّه لا وجه له؛ لما حكاه


1- وسائل الشيعة 13: 558، كتاب الحجّ، أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة، الباب 23، الحديث 3 ..

ص: 538

(مسألة 6): لو ترك الوقوف بعرفات من الزوال إلى الغروب لعذر- كالنسيان وضيق الوقت ونحوهما- كفى له إدراك مقدار من ليلة العيد ولو كان قليلًا، وهو الوقت الاضطراري للعرفات. ولو ترك الاضطراري عمداً وبلا عذر فالظاهر بطلان حجّه وإن أدرك المشعر. ولو ترك الاختياري والاضطراري لعذر، كفى في صحّة حجّه إدراك الوقوف الاختياري بالمشعر الحرام كما يأتي.

عن الشيخ من الاجتزاء بوقوف النائم مع فقده النيّة التي قد عرفت اعتبارها.

ولو أفاض قبل الغروب جاهلًا أو ناسياً فلا شي ء عليه بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن ظاهر «المنتهى» و «التذكرة» أنّه موضع وفاق بين العلماء، مضافاً إلى الأصل وإلى أولويته بعدم الفساد من حال العمد الذي ستعرف النصّ والفتوى على عدمه فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، وإلى الأصل أيضاً...

وإلى قول الصادق عليه السلام في صحيح مسمع في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: «إن كان جاهلًا فلا شي ء عليه وإن كان متعمداً فعليه بدنة»...

وفي «المسالك» إن أخلّ به كان كالعامد في لزوم الدم وإن كان لا يخلو من نظر باعتبار الشكّ في حصول عنوانه وعلى كلّ حال، فلو عاد لم يلزمه شي ء قطعاً».(1)

الوقوف الاضطراري

بيانه- «الفقه على المذاهب الخمسة»: قال الإمامية: للوقوف وقتان اختياري واضطراري، والأوّل من زوال التاسع إلى غروب الشمس منه، والثاني إلى فجر اليوم العاشر، فمن تمكّن أن يقف من زوال التاسع إلى غروب شمسه مستوعباً


1- جواهر الكلام 19: 28- 30 ..

ص: 539

هذا الوقت بكامله وجب عليه ذلك، ولكنّ الركن منه مسمّى الوقوف فقط والباقي واجب غير ركن، ولازم ذلك أنّ من ترك الوقوف كلّية فسد حجّه؛ لأنّه ترك ركناً، أمّا لو وقف يسيراً فإنّه يترك واجباً غير ركن وعليه يصحّ حجّه وإذا لم يتمكن من الوقوف في تمام الوقت الاختياري لعذر من الأعذار المشروعة أجزأه قليل من الوقوف ليلة العيد، وقال الشافعية والمالكية والحنابلة: يكفي الحضور ولو لحظة.

وفي «المسالك» قوله: «ووقت الاضطرار إلى طلوع الفجر من يوم النحر»:

الواجب من هذا الوقوف الأمر الكلّى وهو مسمّى الركن بها فيه، ولا يجب الاستيعاب إجماعاً؛ لاستلزامه فوات وقت الوقوف بالمشعر اختياراً غالباً، وهذه الليلة أيضاً وقت اضطراري الوقوف بالمشعر، بل فيه شائبة من الوقوف الاختيارى؛ لجواز الإفاضة قبل الفجر للمرأة والراعي ونحوهما إذا عرف أنّه يدرك المشعر- المراد بالمعرفة هنا الظنّ الغالب المستند إلى قرائن الأحوال كما يدلّ عليه قوله: ولو غلب على ظنّه الفوات اقتصر على إدراك المشعر- ولو تردّد في إدراك المشعر احتمل تقديم الوجوب الحاضر، فيرجع إلى عرفة وتقديم المشعر؛ لأنّه اختياري وفي تركه تعرّض لفوات الاختيار بين الموجب لفوات الحجّ، ولعلّه أقوى».

وقال في «الجواهر»: «من تركه نسياناً تداركه ما دام وقته الاختياري أو الاضطراري باقياً ولو فاته ذلك؛ أي الوقوف بعرفة بقسميه اجتزأ بالوقوف بالمشعر بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منه في أعلى درجات الاستفاضة، بل عن «الانتصار» و «المنتهى» زيادة الإجماع المركّب، فإنّ من أوجب الوقوف بالمشعر أجمع على الاجتزاء

ص: 540

باختياريه إذا فات الوقوف بعرفات لعذر».

قوله قدس سره في «الانتصار» مسألة- وممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ من فاته الوقوف بعرفة وأدرك الوقوف بالمشعر الحرام يوم النحر فقد أدرك الحجّ وخالف باقي الفقهاء، والحجّة لنا بعد الإجماع المتقدّم إنّا قد دلّلنا على وجوب الوقوف بالمشعر الحرام، وكلّ من قال من الامّة كلّها بوجوب ذلك قال: إنّ الوقوف به إذا فات الوقوف بعرفة يتمّ معه الحجّ والتفرقة بين المسألتين خلاف إجماع المسلمين، انتهى كلامه رفع مقامه.

وفي خبر الحلبي قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات فقال: «إن كان في مهلّ حتىّ يأتي بعرفات في ليلته فيقف بها ثمّ يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجّه حتّى يأتي عرفات وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإنّ اللَّه تعالى أعذر لعبده وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحجّ من قابل»(1)... إلى غير ذلك من النصوص التي لا تصريح فيها بخصوص الناسي وإن كان هو مندرجاً في مفهوم التعليل بأنّ اللَّه أعذر لعبده، بل وفي قوله أدرك ونحوه.

بل في «المدارك»: أنّه يمكن الاستدلال بذلك على عذر الجاهل أيضاً كما هو اختيار الشهيد في «الدروس»، ويدلّ عليه عموم قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحجّ».(2)


1- وسائل الشيعة 14: 36، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 22، الحديث 2 ..
2- مستدرك الوسائل 10: 61، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 19، الحديث 1 ..

ص: 541

وقول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمّار: «من أدرك جمعاً فقد أدرك الحجّ»(1) وفيه: أنّ ذلك يشمل العامد أيضاً نحو قوله عليه السلام: «من أدرك من الوقت فقد أدرك الوقت كلّه» اللهمّ إلّاأن يلتزم ذلك إن لم يكن إجماع عليه، والتحقيق اعتبار قيد العذر مع ذلك بنسيان أو غيره، ولعلّ الجهل مع عدم التقصير منه أيضاً، بل معه إذا كان في أصل تعلّم الأحكام الشرعية هذا، وبالغ في «الحدائق» في إنكار كون النسيان عذراً؛ لأنّه من الشيطان، بخلاف الجاهل الذي استفاضت النصوص بمعذوريته ولا سيّما في باب الحجّ عموماً وخصوصاً، وفيه ما لا يخفى ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه واللَّه العالم».(2)


1- وسائل الشيعة 14: 45، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 25، الحديث 2 ..
2- جواهر الكلام 19: 33- 35 ..

ص: 542

الوقوف بالمشعر

القول: في الوقوف بالمشعر الحرام

يجب الوقوف بالمشعر من طلوع الفجر من يوم العيد إلى طلوع الشمس، وهو عبادة يجب فيه النيّة بشرائطها، والأحوط وجوب الوقوف فيه بالنيّة الخالصة ليلة العيد بعد الإفاضة من عرفات إلى طلوع الفجر، ثمّ ينوي الوقوف بين الطلوعين.

ويستحبّ الإفاضة من المشعر قبل طلوع الشمس بنحو لا يتجاوز عن وادي محسّر، ولو جاوزه عصى ولا كفّارة عليه، والأحوط الإفاضة بنحو لا يصل قبل طلوع الشمس إلى وادي محسّر. والركن هو الوقوف بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بمقدار صدق مسمّى الوقوف ولو دقيقة أو دقيقتين فلو ترك الوقوف بين الطلوعين مطلقاً بطل حجّه بتفصيل يأتي.

بيانه- الوقوف بالمشعر المسمّى بمزدلفة- بكسر اللام- وجمع- بإسكان الميم- وهو واحد المشاعر التي هي مواضع المناسك والمشعر الحرام أحدها- وكسر الميم فيه- لغة وفي «القاموس»: المشعر الحرام- وبكسر ميمه- المزدلفة، وعليه بناء اليوم ويقال للمزدلفة: جمع لاجتماع الناس بها.

وقال في كتاب «مجمع البحرين» بعد ذكر قوله عزّ وجلّ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ

ص: 543

عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ(1) هو جبل بآخر مزدلفة واسمه قزح ويسمّى جمعاً ومزدلفة ومشعر الحرام، والظاهر أنّه تبع في ذلك صاحب «المصباح المنير» فإنّه يقتفي أثره غالباً حيث قال في الكتاب المذكور: والمشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة واسمه قزح وميمه مفتوحة على المشهور وبعضهم يكسرها على التشبيه باسم الآلة، وهذا القول هو الذي أشار إليه في «القاموس» ونسب قائله إلى الوهم.

وروى ابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «في حديث إبراهيم عليه السلام: وأنّ جبرئيل انتهى به إلى الموقف وأقام به حتّى غربت الشمس ثمّ أفاض به فقال: يا إبراهيم ازدلف إلى المشعر الحرام فسمّيت مزدلفة». الحديث.(2)

وفي «مجمع البحرين»: المزدلفة- بضم الميم وسكون المعجمة وفتح المهملة وكسر اللام- اسم فاعل من الازدلاف وهو التقدم تقول: ازدلف القوم إذا تقدّموا وهي موضع يتقدّم الناس فيه إلى منى وقيل: لأنّه يتقرّب فيها إلى اللَّه أو لمجي ء الناس إليها في زلف من الليل أو من الازدلاف الاجتماع لاجتماع الناس فيها أو لازدلاف آدم إلى حواء واجتماعه معها ولذا تسمّى جمعاً.

وفي حديث معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام: «إنّما سمّيت مزدلفة لأنّهم ازدلفوا إليها من عرفات».(3)

قال السيّد- رضوان اللَّه تعالى عليه-: «مسألة وممّا انفردت به الإمامية القول


1- البقرة( 2): 197 ..
2- وسائل الشيعة 14: 11، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 4، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 14: 11، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 4، الحديث 5 ..

ص: 544

بوجوب الوقوف بالمشعر الحرام وإنّه ركن من أركان الحجّ جار مجرى الوقوف بعرفة في الوجوب وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يوجبه واحد منهم، دليلنا:

بعد الإجماع المتردّد قوله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ والأمر على الوجوب، ولا يجوز أن يوجب ذكر اللَّه تعالى فيه إلّا وقد أوجب الكون فيه ولأنّ كلّ من أوجب الذكر فيه أوجب الوقوف فإن قالوا نحمل ذلك على الندب قلنا هو خلاف الظاهر ويحتاج إلى دلالة، وأيضاً فإنّ من وقف في المشعر وأدّى سائر أركان الحجّ سقط الحجّ عن ذمته بلا خلاف، وليس كذلك إذا لم يقف به.

فإن قيل: هذه الآية تدلّ على وجوب وأنتم لا توجبونه وإنّما توجبون الوقوف مثل عرفة، قلنا: لا يمتنع أن نقول بوجوب الذكر بظاهر هذه الآية وبعد فإنّ الآية تقتضي وجوب الكون في المكان المخصوص والذكر جميعاً وإذا دلّ الدليل على أنّ الذكر مستحب غير واجب أخرجناه عن الظاهر وبقي الآخر يتناوله الظاهر، وتقدير الكلام فإذا افضتم من عرفات فكونوا بالمشعر الحرام واذكروا اللَّه تعالى فيه.

فإن قيل: الكون في المكان يتبع الذكر في وجوب أو استحباب لأنّه إنّما يراد له من أجله فإذا ثبت أنّ الذكر مستحب فكذلك الكون، قلنا: لا نسلّم أنّ الكون في ذلك المكان تابع الذكر لأنّ الكون عبادة مفردة عن الذكر والذكر عبادة اخرى وإحداهما لا تتّبع الاخرى كما لا يتّبع الذكر للَّه سبحانه وتعالى في عرفات الكون في ذلك المكان والوقوف به لأنّ الذكر مستحب والوقوف بعرفات واجب بلا خلاف، على أنّ الذكر إن لم يكن واجباً فشكر اللَّه تعالى على نعمه واجب على كلّ حال، وقد أمر اللَّه عزّ وجلّ بأن نشكره عند المشعر الحرام

ص: 545

فيجب أن يكون الكون بالمشعر الحرام واجباً كما أنّ القول إذا أمرنا بإيقاعه عنده واجب.

فإن قيل ما أنكرتم أن يكون المشعر ليس بمحل الشكر وإن كان محلّاً للذكر وإن عطف الشكر على الذكر قلنا: الظاهر بخلاف ذلك لأنّ عطف الشكر على الذكر يقتضي تساوي حكمهما في المحلّ وغيره وجرى ذلك مجرى قول القائل إضرب زيداً في الدار وقيّده في أنّ الدار محل للفعلين معاً»،(1) انتهى كلامه.

الوقوف بالمزدلفة هو الفعل الذي يأتي بعد الوقوف بعرفة إجماعاً واتّفقوا على أنّ الحاجّ يتوجّه من عرفة إلى المزدلفة وفيها المشعر الحرام المراد بقوله تعالى فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ.

وقال في «شرح اللمعة»: «ثمّ يفيض؛ أي ينصرف، وأصله الاندفاع بكثرة، أطلق على الخروج من عرفة لما يتّفق فيه من اندفاع الجمع الكثير منه كإفاضة الماء، وهو متعدٍّ لا لازم؛ أي يفيض نفسه بعد غروب الشمس المعلوم بذهاب الحمرة المشرقية؛ بحيث لا يقطع حدود عرفة حتّى تغرب إلى المشعر الحرام، مقتصداً متوسّطاً في سيره داعياً إذا بلغ الكثيب الأحمر عن يمين الطريق بقوله: «اللهمّ ارحم موقفي وزد في عملي وسلّم لي ديني وتقبّل مناسكي. اللهمّ لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه ابداً ما أبقيتني».

ثمّ يقف به؛ أي يكون بالمشعر ليلًا إلى طلوع الشمس والواجب الكون، واقفاً كان أم نائماً أم غيرهما من الأحوال بالنيّة عند وصوله، والأولى تجديدها بعد


1- الانتصار: 233، المسألة 119 ..

ص: 546

طلوع الفجر؛ لتغاير الواجبين، فإنّ الواجب الركني منه اختيار المسمّى فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس والباقي واجب لا غير».(1)

وقال في «الجواهر»: «وأمّا الكيفية فالواجب النيّة على حسب ما عرفته في غيره، والمراد أنّه يجب النيّة في الوقوف بالمشعر، ولا تجزئ النيّة عند الإحرام كما عساه يظهر من المحكيّ عن الشيخ، فإنّه وإن كان أحد أفعال الحجّ الذي قد فرض نيّة عقد الإحرام فيه، إلّاأنّ ظاهر النصّ والفتوى- بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل هو كذلك- كونه نسكاً مستقلّاً بالنسبة إلى اعتبار النيّة فيه، ولا مانع من كون جزئيته على هذا الوجه.

وربّما يظهر من بعض النصوص الآتية حصول الوقوف الواجب بالصلاة في الموقف أو الدعاء وإن لم يعلم أنّه الموقف ولم ينو الوقوف، ولكن قد يقال بصحّة الحجّ مع ذلك وإن فات الوقوف بخصوصه؛ لفوات نيّته؛ فتأمّل جيّداً.

وكيف كان: فحدّه؛ أي المشعر ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في «المنتهى»، بل في «المدارك» هو مجمع عليه بين الأصحاب، وفي صحيح معاوية: «حدّ المشعر الحرام المأزمين إلى الحياض إلى وادي المحسّر»؛(2) أي من المأزمين وغير ذلك من النصوص والمأزمان- بكسر الزاء وبالهمزة ويجوز التخفيف بالقلب ألفاً- الجبلان بين عرفات والمشعر.

وعن الجوهري: المأزم كلّ ضيق بين جبلين، ومنه سمّي الموضع الذي بين جمع وعرفة مأزمين. وفي «القاموس»: المأزم ويقال: المأزمان مضيق بين جمع


1- الروضة البهيّة 1: 520 ..
2- وسائل الشيعة 14: 17، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 8، الحديث 1 ..

ص: 547

وعرفه وآخر بين مكّة ومنى وظاهرهما أنّ المأزم اسم لموضع مخصوص وإن كان بلفظ التثنية.

وكيف كان، فلا يجزئ أن يقف بغير المشعر اختياراً أو اضطراراً بلا خلاف ولا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه.

نعم، يجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل؛ أي المأزمين كما عن «الفقيه» و «الجامع» و «المنتهى» و «التذكرة»، بل لا أجد فيه خلافاً، بل في «المدارك» هو مقطوع به في كلام الأصحاب، بل عن «الغنية» الإجماع عليه، وفي موثّق سماعة قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام إذا كثر الناس بجمع كيف يصنعون قال: «يرتفعون إلى المأزمين»(1) كان المصنّف وغيره فهموا منه نحو ما سمعته في جبل عرفة الذي صرّحوا بكراهة الصعود عليه من غير ضرورة.

ومن هنا قال في «الدروس»: ويكره الوقوف على الجبل إلّالضرورة، وحرّمه القاضي، ولعلّ تخصيصه القاضي لتصريحه في المحكيّ عنه بوجوب أن لا يرتفع إليه إلّالضرورة، وكذا عن ابن زهرة بخلاف غيرهم الذين عبّروا بنحو ما في المتن الذي يمكن إرادة المعنى الأخصّ من الجواز فيه، بمعنى أنّه لا كراهة مع الضرورة بخلاف غير حال الضرورة، فإنّه مكروه، ولكن فيه أنّه منافٍ لما هو كالصريح من النصوص السابقة، من خروج المأزمين عن المشعر الذي يجب الوقوف فيه ويمكن أن يريد الشهيد بالجبل- بل في «كشف اللثام» أنّه الظاهر- غير المأزمين وإنّما هو جبل في خلال المشعر لا من حدوده»(2) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 14: 19، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 9، الحديث 1 ..
2- جواهر الكلام 19: 65 ..

ص: 548

(مسألة 1): يجوز الإفاضة من المشعر ليلة العيد بعد وقوف مقدار منها للضعفاء كالنساء والأطفال والشيوخ، ومن له عذر كالخوف والمرض، ولمن ينفر بهم ويُراقبهم ويُمرّضهم. والأحوط الذي لا يترك أن لا ينفروا قبل نصف الليل.

فلا يجب على هذه الطوائف الوقوف بين الطلوعين.

بيانه- قال في «شرح اللمعة»: «ويجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة والخائف، بل كلّ مضطرّ كالراعي والمريض والصبيّ مطلقاً ورفيق المرأة من غير جبر، ولا يخفى أنّ ذلك مع نيّة الوقوف ليلًا كما نبّه عليه بإيجابه النيّة له عند وصوله».

وقال في «الجواهر»: «وعلى كلّ حال فلا خلاف في أنّه تجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة ومن يخاف على نفسه من الرجال من غير جبران كما اعترف به بعضهم، بل في «المدارك» هو مجمع عليه بين الأصحاب، بل في محكيّ «المنتهى»: يجوز للخائف والنساء ولغيرهم من أصحاب الأعذار ومن له ضرورة الإفاضة قبل طلوع الفجر من المزدلفة، وهو قول كلّ من يحفظ عنه العلم.

وقال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمّار المشتمل على صفة حجّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «ثمّ أفاض وأمر الناس بالدعة حتّى إذا انتهى إلى المزدلفة، وهي المشعر الحرام، فصلّى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ثمّ أقام فصلّى فيها الفجر وعجل ضعفاء بني هاشم بالليل وأمرهم أن لا يرموا الجمرة جمرة العقبة حتّى تطلع الشمس».(1)


1- وسائل الشيعة 11: 216، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 2، الحديث 4 ..

ص: 549

وفي صحيح سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: جعلت فداك معنا نساء فافيض بهنّ بليل قال: «نعم، تريد أن تصنع كما صنع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم» قال قلت: نعم، قال: «أفض بهنّ بليل ولا تفض بهنّ حتّى تقف بهنّ بجمع ثمّ أفض بهنّ حتّى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة فإن لم يكن عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهنّ أو يقصّرن من أظفارهنّ ثمّ يمضين إلى مكّة في وجوههنّ ويطفن بالبيت ويسعين بين الصفا والمروة ثمّ يرجعن إلى البيت فيطفن اسبوعاً ثمّ يرجعن إلى منى وقد فرغن من حجّهنّ» وقال «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أرسل معهنّ اسامة»(1)... إلى غير ذلك من النصوص الدالّة على الخائف وغيره، بل قد يظهر منها استثناء من يمضي مع النساء والخائف، فإنّه عذر في الجملة كما سمعته في خبر سعيد....

نعم، ينبغي للمعذورين أن لا يفيضوا إلّابعد انتصاف الليل، كما أنّه لا بدّ لهم من الوقوف ولو قليلًا كما نصّ عليه في بعض الأخبار، بل لعلّ النسيان من العذر أيضاً....

نعم، لو تمكّن من الرجوع لتحصيل الوقوف بعد طلوع الفجر وجب، بل يمكن ذلك في كلّ ذي عذر بعد دعوى عدم انصراف الأدلّة المزبورة لمن ارتفع عذره على وجه يدرك الواجب الذي هو الوقوف بعد الفجر، فتأمّل».(2)


1- وسائل الشيعة 14: 28، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 17، الحديث 2 ..
2- جواهر الكلام 19: 78 ..

ص: 550

(مسألة 4): قد ظهر ممّا مرّ أنّ لوقوف المشعر ثلاثة أوقات: وقتاً اختيارياً، وهو بين الطلوعين، ووقتين اضطراريين: أحدهما ليلة العيد لمن له عذر، والثاني من طلوع الشمس من يوم العيد إلى الزوال كذلك. وأنّ لوقوف عرفات وقتاً اختيارياً هو من زوال يوم عرفة إلى الغروب الشرعي، واضطرارياً هو ليلة العيد للمعذور. فحينئذٍ بملاحظة إدراك أحد الموقفين أو كليهما- اختياراً أو اضطرارياً، فرداً وتركيباً، عمداً أو جهلًا أو نسياناً- أقسامٌ كثيرة، نذكر ما هو مورد الابتلاء:

الأوّل: إدراك اختياريّهما، فلا إشكال في صحّة حجّه من هذه الناحية.

الثاني: عدم إدراك الاختياري والاضطراري منهما، فلا إشكال في بطلانه؛ عمداً كان أو جهلًا أو نسياناً، فيجب عليه الإتيان بعمرة مفردة مع إحرامه الذي للحجّ، والأولى قصد العدول إليها، والأحوط لمن كان معه الهدي أن يذبحه. ولو كان عدم الإدراك من غير تقصير لا يجب عليه الحجّ، إلّامع حصول شرائط الاستطاعة في القابل. وإن كان عن تقصير يستقرّ عليه الحجّ، ويجب من قابل ولو لم يحصل شرائطها.

الثالث: درك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر النهاري، فإن ترك اختياري المشعر عمداً بطل، وإلّا صحّ.

الرابع: درك اختياري المشعر مع اضطراري عرفة، فإن ترك اختياري عرفة عمداً بطل وإلّا صحّ.

الخامس: درك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي، فإن ترك اختياري المشعر بعذر صحّ، وإلّا بطل على الأحوط.

السادس: درك اضطراري عرفة واضطراري المشعر الليلي، فإن كان صاحب

ص: 551

عذر؛ وترك اختياري عرفة عن غير عمد، صحّ على الأقوى. وغير المعذور إن ترك اختياري عرفة عمداً بطل حجّه، وإن ترك اختياري المشعر عمداً فكذلك على الأحوط، كما أنّ الأحوط ذلك في غير العمد أيضاً.

السابع: درك اضطراري عرفة واضطراري المشعر اليومي، فإن ترك أحد الاختياريين متعمّداً بطل، وإلّا فلا يبعد الصحّة وإن كان الأحوط الحجّ من قابل لو استطاع فيه.

الثامن: درك اختياري عرفة فقط، فإن ترك المشعر متعمّداً بطل حجّه، وإلّا فكذلك على الأحوط.

التاسع: درك اضطراري عرفة فقط، فالحجّ باطل.

العاشر: درك اختياري المشعر فقط، فصحّ حجّه إن لم يترك اختياري عرفة متعمّداً، وإلّا بطل.

الحادي عشر: درك اضطراري المشعر النهاري فقط، فبطل حجّه.

الثاني عشر: درك اضطراريّه الليلي فقط، فإن كان من اولي الأعذار، ولم يترك وقوف عرفة متعمّداً، صحّ على الأقوى، وإلّا بطل.

بيانه- قال في «شرح اللمعة»: «كلّ من الموقفين ركن- وهو مسمّى الوقوف في كلّ منهما يبطل الحجّ بتركه عمداً، ولا يبطل بتركه سهواً، كما هو حكم أركان الحجّ أجمع. نعم، لو سهى عنهما معاً بطل، وهذا الحكم مختص بالوقوفين ولكلّ من الموقفين اختياري واضطراري، فاختياري عرفة ما بين الزوال والغروب، واختياري المشعر ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، واضطراري عرفة ليلة النحر من الغروب إلى الفجر، واضطراري المشعر من طلوع شمسه إلى زواله،

ص: 552

وله اضطراري آخر أقوى منه، لأنّه مشوب بالاختياري، وهو اضطراري ليلة النحر، ووجه شوبه اجتزاء المرأة به اختياراً والمضطرّ والمتعمّد مطلقاً مع جبره بشاة، والاضطراري المحض ليس كذلك، والواجب من الوقوف الاختياري الكلّ ومن الاضطراري الكلّي كالركن من الاختياري.

وأقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختياري والاضطراري ثمانية: أربعة مفردة؛ وهي كلّ من الاختياريين والاضطراريين وأربعة مركّبة؛ وهي الاختياريان والاضطراريان واختياري عرفة مع اضطراري المشعر وعكسه. وكلّ أقسامه يجزئ في الجملة لا مطلقاً، فإنّ العامد يبطل حجّه بفوات كلّ واحد من الاختياريين إلّاالاضطراري الواحد، فإنّه لا يجزئ مطلقاً على المشهور.

والأقوى إجزاء اضطراري المشعر وحده؛ لصحيحة عبداللَّه بن مسكان عن الكاظم عليه السلام.(1) أمّا اضطرارية السابق فمجزئ مطلقاً كما عرفت ولم يستثنه هنا؛ لأ نّه جعله من قسم الاختياري؛ حيث خصّ الاضطراري بما بعد طلوع الشمس، ونبّه على حكمه أيضاً بقوله: ولو أفاض قبل الفجر عامداً فشاة وناسياً لا شي ء عليه. وفي إلحاق الجاهل بالعامد كما في نظائره أو الناسي قولان وكذا في ترك أحد الوقوفين، هذا كلّه في «شرح اللمعة» فانظر حتّى يتبين لك الحقّ.


1- وسائل الشيعة 14: 41، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 23، الحديث 13، لكن رواها عن الصادق عليه السلام لا عن الكاظم عليه السلام ..

ص: 553

واجبات منى

القول: في واجبات منى

اشارة

وهي ثلاثة:

الأوّل: رمي جمرة العقبة بالحصى؛ والمعتبر صدق عنوانها، فلا يصحّ بالرمل ولا بالحجارة ولا بالخزف ونحوها. ويشترط فيها أن تكون من الحرم، فلا تجزي من خارجه، وأن تكون بِكراً لم يُرمَ بها ولو في السنين السابقة، وأن تكون مباحة، فلا يجوز بالمغصوب، ولا بما حازها غيره بغير إذنه. ويستحبّ أن تكون من المشعر.

الأوّل: رمي جمرة العقبة

بيانه- وأن تكون الحصاة حجراً، فلا يكفي الرمي بالملح والحديد والنحاس والخشب والخزف وما إلى ذاك عند الجميع، ما عدا أبا حنيفة، فإنّه قال: يجزئ كلّ ما كان من جنس الأرض خزفاً أو طيناً أو حجراً.

قال السيّد قدس سره في «الانتصار»: «وبما ظنّ انفراد الإمامية وهو مذهب الشافعي القول بأن رمي الجمار لا يجوز إلّابالأحجار خاصّة دون غيرها من الأجسام.

وقال أبو حنيفة: يجوز بكلّ شي ء من جنس الأرض كالزرنيخ والنورة والكحل،

ص: 554

فأمّا الذهب والفضة والخشب فلا يجوز، وقال أهل الظاهر يجوز بكلّ شي ء.

دليلنا: الإجماع المتردّد وطريقة الاحتياط واليقين؛ لأنّه لا خلاف في إجزاء الرمي بالحجر وليس كذلك غيره.

ويجوز أن نعارض مخالفينا في هذه المسألة بما يروونه عن الفضيل بن عباس أنّه قال: لمّا أفاض رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من عرفة وهبط وادي محسّر قال: «يا أيّها الناس عليكم بحصى الخذف»(1) والأمر على الوجوب، وتفرقة أبي حنيفة بين الذهب والفضة والخشب وبين الزرنيخ والكحل باطلة؛ لأنّ الكحل وإن كان مستحيلًا من جوهر الأرض فإنّ استحالته قد سلبته إطلاق اسم الأرض عليه فإذا جاز الرمي به وان لم يسمّ أرضاً لأنّه من جوهر الأرض فإنّ الخشب كلّه والذهب والفضة مستحيل من جوهر الأرض.

مسألة: وممّا انفردت الإمامية، القول بوجوب الخذف بحصى الجمار وهو أن يضع الرامي الحصاة على إبهام يده اليمنى ويدفعها بظفر الوسطى ولم يراع ذلك أحد من الفقهاء، والذي يدلّ على ما قلناه إجماع الطائفة ولأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم في أكثر الروايات أمر بالخذف والخذف كيفية في الرمي مخالفة لغيرها.

وفي «المهذّب البارع»: «قد جاء خذف الحصا في الحديث. والمشهور في تفسيره أن تضع الحصاة على بطن إبهام يدك اليمنى وتدفعها بظفر السبابة وهو من باب ضرب، وفي الصحاح: الخذف بالحصى الرمي بها بالأصبع.

وفي رواية البزنطي عن الكاظم عليه السلام: «تخذفن خذفاً وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبابة».(2) وفي «المصباح»: خذفت الحصاة خذفاً رميتها


1- سنن النسائي 5: 258 ..
2- وسائل الشيعة 14: 61، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 7، الحديث 1 ..

ص: 555

بطرفي الإبهام والسبابة.

وقال في «شرح اللمعة»: «القول في مناسك منى جمع منسك، وأصله موضع النسك وهو العبادة، ثمّ أطلق اسم المحلّ على الحالّ فلو عبّر بالنسك كان هو الحقيقة. ومنى- بكسر الميم والقصر- اسم مذكّر منصرف قاله الجوهري. وجوّز غيره تأنيثه سمّي به المكان المخصوص؛ لقول جبرائيل عليه السلام فيه لإبراهيم عليه السلام: «تمنّ على ربّك ما شئت».(1) ومناسكها يوم النحر ثلاثة؛ وهي رمي جمرة العقبة التي هي أقرب الجمرات الثلاث إلى مكّة».

وقال في «الحدائق»: الأظهر الأشهر وجوب الرمي، وظاهر العلّامة في المنتهى و «التذكرة» أنّه لا خلاف فيه. قال في «المنتهى»: إذا ثبت هذا فإنّ رمي هذه الجمرة بمنى يوم النحر ولا نعلم فيه خلافاً مع أنّه في «المختلف» قد نقل جملة من الأقوال المختلفة في ذلك فنقل عن الشيخ في «الجمل» أنّه ذهب إلى أنّ الرمي مسنون. قال: وكذا قال ابن البرّاج، والمشهور الوجوب. وعن الشيخ المفيد، قال: وفرض الحجّ الإحرام والتلبية والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة وشهادة الموقفين وبعد ذلك سنن بعضها أوكد من بعض وهو يشعر بالاستحباب أيضاً.

وقال: لمّا عدّ فرائض الحجّ في كتابي «النهاية» و «المبسوط» لم يذكر الرمي، وقال ابن إدريس: وهل رمي الجمار واجب أو مسنون؟ لا خلاف بين أصحابنا في كونه واجباً، ولا أظنّ أحداً من المسلمين يخالف فيه وقد يشتبه على بعض أصحابنا ويعتقد أنّه مسنون غير واجب لما يجده من كلام بعض المصنّفين،


1- بحار الأنوار 6: 97 ..

ص: 556

وعبارة موهمة في كتبه يقلّد المسطور بغير فكر ولا نظر، وهذا غاية الخطاء وضدّ الصواب، فإنّ شيخنا رحمه الله قال في «الجمل»: والرمي مسنون فظنّ من يقف على هذه العبارة أنّه مندوب، وإنّما أراد الشيخ بقوله: مسنون أنّ فرضه عرف من جهة السنة لأنّ القرآن لا يدلّ على ذلك ثمّ أطال في الاستدلال.

قال: أقول: لا يخفى عليك بعد ملاحظة ما سمعت من الأقوال بعد ما تكلّفه ابن إدريس من هذه الاحتمال ولو لم يكن ثمّة إلّاعبارة الشيخ في «الجمل» التي ذكره لأمكن ما ذكره من التأويل، إلّاأنّ كلمات الشيخ وغيره متكثّرة، ولهذا قال شيخنا الشهيد في «الدروس»: ذهب الشيخ والقاضي وهو ظاهر المفيد وابن الجنيد إلى استحباب الرمي، وقال ابن إدريس: لا خلاف عندنا في وجوبه ولا يظنّ أحداً من المسلمين يخالف فيه وكلام الشيخ أنّه سنّة محمول على ثبوته بالسنة.

وقال المحقّق: لا يجب قضاؤه في القابل لو فات مع قوله بوجوب أدائه والأصحّ وجوب الأداء والقضاء، انتهى.

وقال شيخنا الأمين الإسلام الطبرسي- طاب ثراه- في كتاب «مجمع البيان»: وأركان أفعال الحجّ: النيّة، والإحرام، والوقوف بعرفة، والوقوف بالمشعر، وطواف الزيارة، والسعي بين الصفا والمروة، وأمّا الفرائض التي ليست بأركان فالتلبية، وركعتا الطواف له. وأمّا المسنونات من أفعال الحجّ فمذكورة في الكتب المصنّفة فيه. وأركان فرائض العمرة: النيّة، والإحرام، وطواف الزيارة، والسعي، وأمّا ما ليس بركن من فرائضها فالتلبية، وركعتا الطواف، وطواف النساء وركعتا طواف له، انتهى.

وظاهره بل صريحه كما ترى أنّ ما عدا هذه المعدودة من المسنونات والمستحبات فما يدلّ على وجوب الرمي هنا قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن

ص: 557

عمّار أو حسنته: «ثمّ ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها...»(1) وغير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وبعد نقله الأخبار قال: وبذلك يظهر أنّ القول بالاستحباب بعد ورود هذه الأخبار ممّا لا يلتفت إليه ولا يعرج في مقام التحقيق عليه»، واللَّه العالم.

وأن تكون أبكاراً؛ أي لم يرم بها الجمار رمياً صحيحاً بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل عن «الخلاف» و «الغنية» و «الجواهر» الإجماع عليه.

وفي «الفقه على المذاهب الخمسة» قال: «أن تكون الحصى أبكاراً؛ أي لم يرم بها من قبل صرّح بذلك الحنابلة، وقال الإمامية: يستحبّ أن تكون الحصاة بقدر رأس الأنملة وإن خرشاً أي من الحصيات فتشتمل كلّ واحدة على ألوان مختلفة لا سوداً ولا بيضاً ولا حمراً. وقال غيرهم: يستحب أن تكون بقدر حبّة الباقلاء أي الفول.

وقال الإمامية: يستحب للحاجّ أن يؤدّى جميع أفعاله وهو مستقبل القبلة إلّا جمرة العقبة يوم العيد فيستحبّ له أن يكون مستدبراً؛ لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم رماها كذلك. وقال غيرهم: بل يستحبّ الاستقبال حتّى في هذه الحال ويستحبّ أن يكون حال الرمي راجلًا، ويجوز راكباً وأن لا يبعد عن الجمرة أكثر من عشرة أذرع وأن يكون الرمي باليد اليمنى، وأن يدعوا بالمأثور وغيره ومن المأثور: «اللهمّ اجعله حجّاً مبروراً وذنباً مغفوراً. اللهمّ إنّ هذه حصياتي فاحصهنّ لي وارفعهنّ في عملي اللَّه أكبر. اللهمّ ادحر الشيطان عنّي».

شروط الرمي:

1. النيّة صرّح الإمامية بذلك؛


1- وسائل الشيعة 14: 58، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 3، الحديث 1 ..

ص: 558

(مسألة 1): وقت الرمي من طلوع الشمس من يوم العيد إلى غروبه، ولو نسي جاز إلى اليوم الثالث عشر، ولو لم يتذكّر إلى بعده فالأحوط الرمي من قابل ولو بالاستنابة.

2. أن يكون الرمي بسبع حصى بالاتّفاق؛

3. أن يكون الرمي حصاة فحصاة بانفراد ولا يكفي اثنتين أو أكثر دفعة واحدة بالاتّفاق؛

4. أن تصل الحصاة إلى الجمرة؛ أي الهدف المعلوم بالاتّفاق؛

5. أن يكون وصولها بتوسّط الرمي فلا يكفي أن يطرحها طرحاً عند الإمامية والشافعية؛ ويجوز ذلك عند الحنابلة والحنفية؛

6. أن تكون الحصاة حجراً؛ فلا يكفي الرمي بالملح والحديد والنحاس والخشب والخزف وما إلى ذاك عند الجميع ما عدا أبا حنيفة فإنّه قال: يجزئ كلّ ما كان من جنس الأرض خزفاً أو طيناً أو حجراً؛

7. أن تكون الحصاة أبكاراً؛ أي لم يرم بها قبل. انتهى.

بيانه- اتّفقوا على أنّ من رمى جمرة العقبة في الوقت المتخلّل بين طلوع الشمس وغيابها من اليوم العاشر أجزأ وكفى، واختلفوا فيما لو رماها قبل هذا الوقت أو بعده. قال المالكية والحنفية والحنابلة والإمامية: لا يجوز رمي جمرة العقبة قبل الفجر العقبة فإذا رماها من غير عذر أعاد وأجازوا التقدم لعذر كالعجز والمرض والخوف. وقال الشافعية: لا بأس بالتقديم؛ لأنّ الوقت المذكور للاستحباب لا للوجوب. أمّا لو أخّرها حتّى غابت الشمس من يوم النحر فقال مالك: إن رماها في الليل أو في الغد فعليه دم. وقال الشافعية: لا شي ء عليه إن

ص: 559

(مسألة 2): يجب في رمي الجمار امور:

الأوّل: النيّة الخالصة للَّه تعالى كسائر العبادات.

الثاني: إلقاؤها بما يسمّى رمياً، فلو وضعها بيده على المرمى لم يجز.

الثالث: أن يكون الإلقاء بيده، فلا يجزي لو كان برجله. والأحوط أن لا يكون الرمي بآلة- كالمقلاع- وإن لا يبعد الجواز.

الرابع: وصول الحصاة إلى المرمى، فلا يُحسب ما لا تصل.

الخامس: أن يكون وصولها برميه، فلو رمى ناقصاً فأتمّه حركة غيره من حيوان أو إنسان لم يجز. نعم، لو رمى فأصابت حجراً أو نحوه وارتفعت منه ووصلت المرمى صحّ.

السادس: أن يكون العدد سبعة.

السابع: أن يتلاحق الحصيات، فلو رمى دفعة لا يُحسب إلّاواحدة ولو وصلت على المرمى متعاقبة، كما أنّه لو رماها متعاقبة صحّ وإن وصلت دفعة.

رماها ليلًا أو في الغد. وقال الإمامية: وقت رمي هذه الجمرة يمتدّ من طلوع الشمس إلى غروبها، فإذا نسي قضى في الغد، فإذا نسى ففي اليوم الثاني عشر، وإن لم يتذكّر ففي الثالث عشر، وإن استمرّ النسيان حتّى خرج من مكّة قضاه في العام القادم بنفسه، ولو استناب من يقضى عنه.

بيانه- 1- قال في «الجواهر»: «فالواجب فيه شرعاً أو شرطاً النيّة، التي عرفت مكرّراً اعتبارها في كلّ مأمور به، وكيفيتها وإن قال في «المسالك» هنا:

يعتبر اشتمالها على تعيين الفعل ووجهه في كونه في حجّ الإسلام أو غيره والقربة والمقارنة لُاولى الرمي والاستدامة حكماً، والأولى التعرّض للأداء، فإنّه

ص: 560

ممّا يقع على وجهين الأداء والقضاء، وعلى هذا لو تداركه بعد فواته نوى القضاء، وهل يجب التعرّض للعدد؟ يحتمله؛ لأنّ الرمي في الجملة يقع بأعداد مختلفة كما ناسي الإكمال، ووجه العدم أنّه لا يقع على وجهين إلّاإذا اجتمعا، ولا ريب أنّه أولى كالأداء، ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه في النيّة، وأ نّه لا يجب فيها غير القربة والتعيين مع الاشتراك، بل يكفي في نحو المقام إيقاعه بقصد الجزئية للحجّ الذي نواه سابقاً مع القربة من غير حاجة إلى أمر آخر،....

وإلقاؤها بما يسمّى رمياً بلا خلاف أجده، بل ولا إشكال لما سمعته من الأمر به المتوقّف صدق امتثاله على تحقّق مسمّاه، فلا يجزئ الوضع ونحوه؛ ممّا لا يسمّى رمياً قطعاً، بل إجماعاً بقسميه خلافاً للعامة، بل لا يجزئ المشكوك، فضلًا عن المقطوع به».(1)

2- وقال في «شرح اللمعة»: «بما يسمّى رمياً، فلو وضعها أو طرحها من غير رمي لم يجز؛ لأنّ الواجب صدق اسمه. وفي «الدروس» نسب ذلك إلى قول، وهو يدلّ على تمريضه بما يسمّى حجراً، فلا يجزئ الرمي بغيره ولو بخروجه عنه بالاستحالة، ولا فرق فيه بين الصغير والكبير، ولا بين الطاهر والنجس، ولا بين المتصل بغيره كفصّ الخاتم لو كان حجراً حرمياً وغيره».

وفي «الحدائق» إيصالها بما يسمّى رمياً، فلو وضعها وضعاً من غير رمي لم يجزه؛ لقوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار أو حسنته المتقدّمة: «ثمّ ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها»،(2) والأمر للوجوب


1- جواهر الكلام 19: 103 ..
2- وسائل الشيعة 14: 58، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 3، الحديث 1 ..

ص: 561

والامتثال إنّما يحصل بإيجاد الماهية التي تعلّق بها الأمر، ولا ريب أنّ الوضع بالكفّ وطرحها لا يدخل تحت الرمي، فلا يكون مجزئاً. وقال العلّامة في «المنتهى»: ويجب إيصال كلّ حصاة إلى الجمرة بما يسمّى رمياً بفعله فلو وضعها بكفّه في المرميّ لم يجزه وهو قول العلماء، ثمّ استدلّ عليه بالأمر بالرمي في حديث معاوية المذكور وحديث آخر من طريق الجمهور، وقال أصحاب الرأي يجزئه؛ لأنّه يسمّى رمياً.

والحاصل: أنّ الخلاف وقع باعتبار الخلاف في صدق الاسم، فإن سمّى رمياً أجزأ وإلّا لم يجز إجماعاً، انتهى.

لا يخفى: أنّ الظاهر من كلام أهل اللغة أنّ الطرح بمعنى الرمي، قال في «القاموس»: طرحه كمنعه رماه وأبعده. قال أحمد بن محمّد الفيومي في كتاب «المصباح المنير»: طرحته طرحاً من باب تقع رميت به ومن هنا قيل: يجوز أن يعدّى بالباء فيقال: طرحت به لأن الفعل إذا تضمّن معنى فعل جاز أن يعمل عمله وطرحت الرداء على عاتقي ألقيته عليه، انتهى.

3- إصابة الجمرة بها بفعله، وهو ممّا لا خلاف فيه بين كافّة العلماء ويدلّ عليه قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار: «إن رميت بحصاة فوقعت في محمل فاعد مكانها وإن أصابت إنساناً أو جملًا ثمّ وقعت على الجمار أجزأك»(1) قال في «الدروس»: والجمرة اسم لموضع الرمي وهو البناء أو موضعه ممّا يجتمع من الحصى، وقيل: هو مجتمع الحصى لا السائل منه، وصرّح علي بن بابويه بانّه الأرض، انتهى.


1- وسائل الشيعة 14: 61، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 6، الحديث 1 ..

ص: 562

وقال في «المدارك»: وينبغي القطع بإصابة البناء مع وجوده لأنّه المعروف الآن من لفظ الجمرة ولعدم تيقّن الخروج عن العهدة بدونه أمّا مع زواله فالظاهر الاكتفاء بإصابة موضعه، انتهى.

وهو جيّد فلو وقعت على الأرض ثمّ وثبت إلى الجمرة بواسطة صدم الأرض أو المحمل أو نحو ذلك أجزأت كما مرّ في صحيحة معاوية بن عمّار.

والوجه فيه ظاهر؛ لأنّه مستند إلى رميه وكذا لو وقعت على ما هو أعلى من الجمرة ثمّ استرسلت إليها، ولو شكّ في الإصابة أعاد؛ لعدم تحقّق الامتثال الموجب للبقاء تحت عهدة التكليف إذا شكّ في أنّه أصاب الهدف أو لا، بنى على عدم الإصابة وإذا شكّ في العدد، بنى على الأقل؛ لأنّ الأصل عدم الزيادة، وبالتالي فإنّ جمرة العقبة أوّل منسك يؤدّيه الحاجّ من مناسك منى في يوم العيد ثمّ يذبح أو يحلق أو يقصّر، ثمّ يمضي إلى مكّة؛ لأجل الطواف في هذا اليوم بالذات ولا جمرة غير هذه يوم العيد وإلى الكلام عن الهدي في الفصل التالي.

4- العدد وهو سبع حصيات، وعليه اتّفاق العامّة والخاصّة وفي «رياض المسائل»: والعدد وهو سبع حصيات للتأسّي والنصوص وإجماع علماء الإسلام كما في ظاهر «المنتهى» وصريح غيره».

وقال في «الجواهر»: «ومن الواجب أيضاً العدد وهو سبع حصيات بلا خلاف أجده فيه، بل عن «المنتهى» إجماع المسلمين وفي «الحدائق»: العدد وهو سبع حصيات وعليه اتّفاق الخاصّة والعامّة، ثمّ قال: ويدلّ عليه رواية أبي بصير قال قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: ذهبت أرمي فإذا في يدي ستّ حصيات فقال: «خذ واحدة من تحت رجليك».(1) واستدلّ على ذلك برواية عبدالأعلى عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلت له: رجل رمى الجمرة بستّ حصيات فوقعت واحدة في


1- وسائل الشيعة 14: 269، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 7، الحديث 2 ..

ص: 563

الحصى قال: «يعيدها إن شاء من ساعته وإن شاء من الغد إذا أراد الرمي ولا يأخذ من حصى الجمار»(1) وفي الدلالة تأمّل؛ لاحتمال أنّ تلك الواحدة التي وقعت من الستّ فلا يتمّ الاستدلال، وقال في كتاب «الفقه الرضوي»: وارم جمرة العقبة في يوم النحر بسبع حصيات وهو صريح في المطلوب.

وما رواه في «الكافي» و «من لا يحضره الفقيه» في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام وأ نّه قال: في رجل أخذ إحدى وعشرين حصاة فرمى بها فزاد واحدة فلم يدر من أيتهنّ نقصت قال: «فليرجع فليرم كلّ واحدة بحصاة» قال: وقال: في رجل رمى الاولى بأربع والأخيرتين بسبع قال: «يعود فيرمي الاولى بثلاث وقد فرغ...».(2)

5- أن يرميها متفرّقة متلاحقة، فلو رمى بها دفعة لم يجزه؛ لأنّ المروي من فعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم والأئمة عليهم السلام إنّما هو الأوّل، وهي عبادة مبنية على التوقيف، فلا يجزئ ما عدا ذلك، وبذلك صرّح جملة من الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- قال في «المنتهى»: ورمى كلّ حصاة بانفرادها ولو رمى الحصيات دفعة لم يجزئ لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم رمى متفرّقات وقال: «خذوا عنّي مناسككم».(3) وفي «الدروس»: أنّها تحسب واحدة. وفيه إشكال قال: والمعتبر تلاحق الرمي لا الإصابة، فلو أصابت المتلاحقة دفعة أجزأت، ولو رمى بها دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجز وفي الإجزاء في الاولى أيضاً إشكال، وبالجملة فالواجب الوقوف على الكيفية المنصوصة المعلومة من فعلهم عليهم السلام؛ إذ لا مستند في أصل


1- وسائل الشيعة 14: 269، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 7، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 14: 268، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 7، الحديث 1 ..
3- عوالي اللئالي 1: 215/ 73 ..

ص: 564

(مسألة 4): لا يعتبر في الحصى الطهارة، ولا في الرامي الطهارة من الحدث أو الخبث.

المسألة إلّاذلك كما عرفت، والذي دلّت عليه الأخبار ونقل من فعلهم عليهم السلام هو الرمي واحدة بعد واحدة.

وفي «رياض المسائل» قال: «ويعتبر تلاحق الحصيات، فلو رمى بها دفعة فالمحسوب واحدة والمعتبر تلاحق الرمي لا الإصابة، فلو أصابت المتلاحقة دفعة أجزأت، ولو رمى بها دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجزه»، واللَّه العالم.

بيانه- وقال في «الحدائق»: «للرمي مستحبّات، منها: الطهارة على الأشهر الأظهر، ونقل عن الشيخ المفيد والمرتضى وابن الجنيد أنّه لا يجوز الرمي إلّا على طهر، ويدلّ على المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث قال: «ويستحبّ أن ترمى الجمار على طهر».(1) وعن أبي غسّان حميد بن مسعود قال سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رمي الجمار على غير طهر قال: «الجمار عندنا مثل الصفا والمروة حيطان إن طفت بينهما على غير طهر لم يضرّك والطهر أحبّ إليّ فلا تدعه وأنت قادر عليه».(2)

وأمّا ما رواه الكليني في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال أبا جعفر عليه السلام عن الجمار: «لا ترم الجمار إلّاوأنت على طهر».(3) وما رواه عبداللَّه بن جعفر


1- وسائل الشيعة 14: 56، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 2، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 14: 57، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 2، الحديث 5 ..
3- وسائل الشيعة 14: 56، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 2، الحديث 1 ..

ص: 565

الحميري في كتاب «قرب الإسناد» عن علي بن الفضل الواسطي عن أبا الحسن عليه السلام قال: «لا ترم الجمار إلّاوأنت طاهر»،(1) فحملهما الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- على الاستحباب كما هو صريح صحيح معاوية بن عمّار ولعلّ من ذهب إلى الوجوب استند إلى ظاهر هذين الخبرين إلّاأنّ وجه الجمع بينهما وبين غيرهما ممّا يقتضي الحمل على ما ذكروه»، انتهى.

وقال في «شرح اللمعة»: «والطهارة من الحدث حالة الرمي في المشهور جمعاً بين صحيحة محمّد بن مسلم الدالّة على النهي عنه بدونها، ورواية أبي غسّان بجوازه على غير طهر، كذا علّله المصنّف وغيره وفيه نظر؛ لأن المجوّزة مجهولة الراوي، فكيف يأوّل الصحيح لأجلها، ومن ثمّ ذهب جماعة من الأصحاب منهم المفيد والمرتضى إلى اشتراطها والدليل معهم، ويمكن أن يريد طهارة الحصى، فإنّه مستحبّ أيضاً.

وقيل بوجوبه، وإنّما كان الأوّل أرجح؛ لأنّ سياق أوصاف الحصى أن يقول:

الطاهرة لينتظم مع ما سبق منها ولو اريد الأعمّ منها كان أولى».(2) فتأمّل جيّداً حتّى يتبيّن لك الحقّ.


1- وسائل الشيعة 14: 57، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 2، الحديث 6 ..
2- الروضة البهيّة 1: 527 ..

ص: 566

(مسألة 5): يستناب في الرمي عن غير المتمكّن كالأطفال والمرضى والمُغمى عليهم، ويستحبّ حمل المريض مع الإمكان عند المرمى ويُرمى عنده، بل هو أحوط، ولو صحّ المريض أو أفاق المُغمى عليه بعد تمامية الرمي من النائب، لا تجب الإعادة، ولو كان ذلك في الأثناء استأنف من رأس، وكفاية ما رماه النائب محلّ إشكال.

بيانه- ويجوز أن يرمى عن المعذور كالمريض وإن لم يكن مأيوساً من برئه، وعن الصبيّ الغير المميّز والمغمى عليه بلاخلاف عرفه الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

وفي «الحدائق» أنّ المريض يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه. قال: لا يطيق ذلك قال يترك في منزله ويرمى عنه وحمل الحمل فيه على الاستحباب قيل وفي «المبسوط» لا بدّ من إذنه إذا كان عقله ثابتاً.

وعن «المنتهى» و «السرائر» استحباب استيذان النائب عن غير مغمى عليه، قال في «المنتهى»: إن زال عقله قبل الإذن جاز له أن يرمى عنه عندنا عملًا بالعمومات.

وفي «الدروس» لو اغمي عليه قبل الاستنابة وخيف فوت فالأقرب رمي الوليّ عنه فإن تعذّر فبعض المؤمنين لرواية رفاعة عن الصادق عليه السلام: «يرمى عن مغمى عليه» قلت: فقه المسألة أنّ المعذور تجب عليه الاستنابة وهو واضح ولكن إن رمي عنه بدون إذنه فالظاهر الإجزاء؛ لإطلاق الأخبار والفتاوى وعدم اعتباره في المغمى عليه وأجزاء الحجّ عن الميّت تبرعاً من غير استنابة ويستحبّ الاستيذان إغناءً له عن الاستنابة الواجبة عليه وإبراء الذمّة منها، انتهى.

ص: 567

وهو حسن ولو زال العذر والوقت باق لم يجب عليه فعله لسقوطه عنه بفعل النائب بمقتضى إطلاق النصّ والفتوى؛ لأنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء، ولو استناب المعذور ثمّ اغمي عليه قبل الرمي لم ينعزل كما ينعزل الوكيل وفاقاً للأكثر لأنّه إنّما جازت النيابة لعجزه لا للتوكيل، ولذا جازت بدون إذنه والإغماء زيادة في العجز»، واللَّه العالم.

وفي «المدارك» قال: قوله: «ويجوز أن يرمى عن المعذور كالمريض» يدلّ على ذلك روايات منها: ما رواه الكليني قدس سره في الحسن عن معاوية وعبدالرحمان بن الحجّاج، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «الكسير والمبطون يرمى عنهما». قال: «والصبيان يرمى عنهم».(1) وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن المريض يرمى عنه الجمار قال: «نعم، يحمل على الجمرة ويرمى عنه»(2) ولا يشترط في استنابة اليأس من البرء عملًا بالإطلاق، ولو زال العذر بعد فعل نائبه لم يجب الإعادة وإن كان في الوقت لأنّ الامتثال يقتضي الإجزاء، ولو اغمي على المريض بعد الاستنابة لم ينعزل النائب قطعاً للأصل وإطلاق الخبر.

واستشكله بعض المتأخّرين بأنّ الإغماء يوجب زوال الوكالة فتزول النيابة وهو ضعيف لأنّ إلحاق هذه الاستنابة بالوكالة في هذا الحكم لا يخرج عن القياس مع أنّا نمنع ثبوت الحكم في الأصل إن لم يكن إجماعياً على وجه لا يجوز مخالفته لانتفاء الدليل عليه ولو اغمي على المريض قبل الاستنابة وخيف فوت الوقت رمى عنه بعض المؤمنين، كما يدلّ عليه صحيحة رفاعة بن موسى


1- وسائل الشيعة 14: 75، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 17، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 14: 75، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 17، الحديث 4 ..

ص: 568

(مسألة 6): من كان معذوراً في الرمي يوم العيد جاز له الرمي في الليل.

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل اغمي عليه فقال: «يرمى عنه الجمار»(1) وربّما ظهر من الرواية وجوب الرمي عنه كفاية.

ويستفاد من موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدمة استحباب حمل المريض إلى الجمرة ثمّ الرمي عنه، وروى إسحاق بن عمّار أيضاً عن أبي الحسن عليه السلام قال:

سألته عن المريض يرمى عنه الجمار قال: «يحمل إلى الجمار ويرمى عنه» قلت: فإنّه لا يطيق ذلك قال: «يترك في منزله يرمى عنه»،(2) واللَّه العالم.

بيانه- لا يجوز الرمي ليلًا مع انتفاء العذر، وأمّا جوازه مع العذر فيدلّ عليه روايات.

منها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللَّه بن سنان قال: «لا بأس بأن يرمى الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل».(3)

وفي الموثّق عن سماعة بن مهران عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «رخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلًا».(4)

وما رواه الكليني في الحسن عن زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال في الخائف: «لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل ويضحي بالليل ويفيض بالليل»(5) وغير ذلك من الأخبار.


1- وسائل الشيعة 14: 76، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 17، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 14: 75، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 17، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 14: 71، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 14، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 14: 71، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 14، الحديث 2 ..
5- وسائل الشيعة 14: 70، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 14، الحديث 4 ..

ص: 569

(مسألة 7): يجوز الرمي ماشياً وراكباً، والأوّل أفضل.

والظاهر أنّ المراد بالرمي ليلًا رمي جمرات كلّ يوم في ليلته ولو لم يتمكّن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة؛ لأنّه أولى من الترك أو التأخير وربّما كان في إطلاق بعض الروايات المتقدّمة دلالة عليه واللَّه العالم.

بيانه- والرمي ماشياً وراكباً على ما ذكره الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- وقد اختلف هنا كلام الشيخ، فقال في كتاب «النهاية»: لا بأس أن يرمي الإنسان راكباً وإن رمى ماشياً كان أفضل. و وقال في «المبسوط» لما ذكر رمي جمرة العقبة: يجوز أن يرميها راكباً وماشياً والركوب أفضل؛ لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم رماها راكباً، وهو اختيار ابن إدريس على ما نقله في «المختلف». قال في «المدارك» بعد نقل عبارة «المبسوط» واحتجاجه بأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم رماها راكباً ما صورته: ولم أقف على رواية تتضمن ذلك من طريق الأصحاب. وفيه ما سيظهر لك من ورود الرواية بذلك إلّاأنّه لم يقف عليها والذي يدلّ بذلك من الأخبار بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل رمى الجمار وهو راكب فقال: «لا بأس به».(1)

وما رواه في «الكافي» عن مثنّى عن رجل عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يرمي الجمار ماشياً»(2) وما رواه الشيخ في الصحيح عن


1- وسائل الشيعة 14: 62، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 8، الحديث 4 ..
2- وسائل الشيعة 14: 63، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 9، الحديث 3 ..

ص: 570

علي بن جعفر عن أخيه عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يرمي الجمار ماشياً».(1)

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن الحسين عن بعض أصحابنا عن أحدهم عليهم السلام في رمي الجمار: «أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رمى الجمار راكباً على راحلته».(2)

قال صاحب «الحدائق» قدس سره بعد نقله أخبار الباب: أقول: المفهوم من هذه الأخبار بضم بعضها إلى بعض هو التخيير بين الركوب والمشي من غير تفضيل في جانب أحدهما على الآخر لأنّ جملة منها قد تضمّنت أنّهم عليهم السلام كانوا يرمون مشاة. وجملة اخرى تضمّنت أنّهم عليهم السلام كانوا يرمون ركباناً. ودعوى حمل أخبار المشي على الفضل والاستحباب وأخبار الركوب على الجواز كما يفهم من «المدارك» وغيره يحتاج إلى دليل. وبالجملة فهذه أخبار المسألة التي وقفت عليها ولا يظهر لي منها وجه رجحان وتفضيل لأحد الأمرين كما لا يخفى على المتأمّل. ودعوى أنّ المشي أشقّ و «أفضل الأعمال أحمزها» مع كونه خارجاً عن أدلّة المسألة غير مسلم على إطلاقه».

وقال صاحب «الجواهر» بعد نقله أخبار الباب: «ولا يخفى عليك دلالة النصوص المزبورة على المشي إلى الجمار أيضاً، مضافاً إلى الرمى راجلًا، لكن عن «المبسوط» و «السرائر» أنّ الركوب أفضل؛ لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم رماها راكباً، وفي «المدارك»: لم أقف على رواية تتضمّن ذلك من طريق الأصحاب، لكن في «كشف اللثام» يعنيان في حجّة الوداع التي بيّن فيها المناسك للناس وقال:


1- وسائل الشيعة 14: 63، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 9، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 62، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 8، الحديث 2 ..

ص: 571

الثاني من الواجبات: الهدي، ويجب أن يكون إحدى النعم الثلاث: الإبل والبقر والغنم، والجاموس بقر، ولا يجوز سائر الحيوانات. والأفضل الإبل ثمّ البقر. ولا يجزي واحد عن اثنين أو الزيادة بالاشتراك حال الاختيار، وفي حال الاضطرار يشكل الاجتزاء، فالأحوط الشركة والصوم معاً.

«خذوا عنّي مناسككم»(1) فلو لم يكن الإجماع على جواز المشي وكثرة المشاة إذ ذاك بين يديه صلى الله عليه و آله و سلم لوجب الركوب. وفي صحيح أحمد بن عيسى أنّه رأى أبا جعفر الثاني عليه السلام رمى الجمار راكباً.(2) وفي صحيح ابن أبي نجران أنّه رأى أبا الحسن الثاني عليه السلام رمى الجمار وهو راكب حتّى رماها كلّها.(3) ولعلّه لذا مال متأخّري المتأخّرين إلى التساوي بينهما. وفيه: أنّ حمل ما دلّ على الركوب على بيان الجواز أولى باعتبار أنّ الرمي راجلًا أوفق بالخضوع والخشوع وكونه أحمز»، انتهى واللَّه العالم.

الثاني: الذبح أو النحر في منى

بيانه- لا خلاف بين الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- في وجوب الهدي على المتمتّع وعدم وجوبه على غيره من الفردين آخرين، حكاه العلّامة في «التذكرة» و «المنتهى».

وفي «الجواهر»: «بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في


1- عوالي اللئالي 1: 215/ 73 ..
2- وسائل الشيعة 14: 62، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 8، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 14: 62، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 8، الحديث 3 ..

ص: 572

«المنتهى»: إجماع المسلمين عليه، وهو الحجّة بعد الكتاب: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ(1) والمعتبرة المستفيضة منها: قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة في المتمتّع قال: «وعليه الهدي» قال زرارة:

فقلت: وما الهدي؟ قال: «أفضله بدنة وأوسطه بقرة وأخسّه شاة»(2) وغير ذلك من الأخبار المعتبرة.

ولا يجب الهدي على من اعتمر بعمرة مفردة ولا على الحاج المفرد بالاتّفاق، وأيضاً اتّفقوا قولًا واحداً على وجوب الهدي على المتمتّع غير المكّي.

وقال الأربعة: يجب على القارن أيضاً، وقال الإمامية: لا يجب الهدي على القارن إلّابنذر أو بسياق هدي معه من الإحرام... لو تمتّع المكّي وجب عليه الهدي أيضاً على المشهور شهرة عظيمة.

بل لم يحك الخلاف فيه إلّاعن الشيخ في «المبسوط» جزماً و «الخلاف» احتمالًا بناءً على رجوع اسم الإشارة في قوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ(3) إلى الهدي لا إلى التمتّع؛ لأنّه كقوله: «من دخل داري فله درهم ذلك لمن لم يكن عاصياً» في الرجوع إلى الجزاء دون الشرط، ووافقه عليه أيضاً سابقاً في المكّي ومن في حكمه إذا عدل إلى التمتّع.

وفي «الدروس» احتمال وجوبه على المكّي إن كان لغير حجّ الإسلام، ولعلّه لاختصاص الآية به، وفيه: بعد التسليم عدم انحصار الدليل فيها، وعلى كلّ حال فلا ريب في ضعف القول المزبور؛ إذ هو- مع أنّه اجتهاد ويمكن منعه عليه في


1- البقرة( 2): 192 ..
2- وسائل الشيعة 14: 101، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 10، الحديث 5 ..
3- البقرة( 2): 192 ..

ص: 573

نفسه باعتبار أولوية الرجوع إلى الأبعد في الإشارة بذلك- مدفوع بتعيين النصوص. وفي «الحدائق» اختلف الأصحاب في حكم المكّي لو تمتّع، هل يجب عليه هدي أم لا؟ فالمشهور الأوّل؛ لعموم الأدلّة الدالّة على وجوب الهدي في حجّ التمتّع مطلقاً.

وقال الشيخ في بعض كتبه: بالثاني واحتجّ الشيخ بقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فإنّ معناه أنّ الهدي لا يلزم إلّالمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام. قال: ويجب أن يكون قوله: ذَلِكَ راجعاً إلى الهدي لا إلى التمتّع، ولو قلنا إنّه راجع إليهما، وقلنا إنّه لا يصحّ منهم التمتّع أصلًا لكان قويّاً، انتهى.

وأجاب عنه في «المختلف» بأنّ عود الإشارة إلى الأبعد أولى لما عرفت من أنّ النحاة فصّلوا بين الرجوع إلى القريب والبعيد والأبعد في الإشارة، فقالوا في الأوّل «ذا» وفي الثاني «ذاك» وفي الثالث «ذلك» قال: مع أنّ الأئمة عليهم السلام استدلّوا على أهل مكّة ليس لهم متعة بقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ والحجّة في قولهم، انتهى وهو جيّد.

قوله قدس سره: «ويجب أن يكون إحدى النعم الثلاث».

أن يكون من الأنعام الإبل والبقر والغنم والمعز بالاتّفاق، وجاء في كتاب «المغني» أنّ الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة: لا يجزئ من الضأن إلّا الجذع، وهو الذي له ستّة أشهر، ومن المعز الثني وهو ما له سنة ومن البقر ما له سنتان ومن الإبل ما له خمس سنوات، ويتّفق هذا مع ما جاء في كتاب «الجواهر» للإمامية سوى أنّه فسّر الثني من الإبل بما دخل في السادسة والمعز ما دخل في الثانية. وقال السيّد الحكيم والسيّد الخوئي: يجزئ من الإبل ما

ص: 574

دخل في السادسة، ومن البقر والمعز في الثالثة. ثمّ قالا: ومن الغنم ما دخل في الثانية على الأحوط.

وفي «المهذّب البارع» قال طاب ثراه: ولا يجزئ الواحد إلّاعن واحد في الواجب ولا بأس به في الندب وقيل: يجزئ عند الضرورة عن سبعة وعن سبعين لأهل الخِوان الواحد.

قال: أقول: هنا مسألتان هل يجزئ الهدي الواحد عن أكثر من واحد عند الضرورة أم لا؟ بل ينتقل الحكم إلى التكليف بالصوم؟ للشيخ قولان: أحدهما الإجزاء وهو مختار المفيد والقاضي.

وأكثر الأصحاب واختاره العلّامة في «المختلف» لكن الذي صرّح في «الجمل» و «المبسوط» و «النهاية» أجزأه عن خمسة(1) وعن سبعة وعن سبعين.

وقال «الفقيه» تجزئ البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت(2) وبه قال سلّار.

والثاني للشيخ في «الخلاف»: لا يجزئ الواحد في الواجب إلّاعن واحد.

واختاره ابن إدريس والمصنّف والعلّامة في أكثر كتبه واستند الكلّ إلى الروايات.

وفي «اللمعة» قال: ولا يجزئ الهدي الواحد إلّاعن واحد ولو عند الضرورة على أصحّ الأقوال. وقيل: يجزئ عن سبعة وعن سبعين اولي خوان واحد- أي كانوا رفقة وأصدقاء في الطريق والمعرف والأكل أي يأكلون على السفرة الواحدة فإنّه يجوز الهدي الواحد عن السبعة والسبعين- وقيل: مطلقاً وبه روايات محمولة على المندوب- أي الهدي المندوب-».


1- النهاية: 257 ..
2- المقنع: 274 ..

ص: 575

وقال في «الجواهر»: «ولا يجزئ واحد في الهدي الواجب إلّاعن واحد ولو حال الضرورة عند المشهور، بل عن ضحايا «الخلاف» الإجماع عليه؛ للأصل المستفاد من تعدّد الخطاب الموافق لقوله تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ؛(1) ضرورة صدق عدم وجدان الهدي مع الاضطرار، فإنّ التمكّن من جزء منه ليس تمكّناً منه بعد أن كان المنساق منه الحيوان التامّ، والأمر بما استيسر إنّما هو لإرادة بيان النعم الثلاثة لا إجزاء الحيوان الواحد... ثمّ قال: ولكن مع ذلك قيل: يجزئ مع الضرورة عن خمسة وعن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد إلّاأنّا لم نعرف القائل بذلك.

نعم، في محكيّ «المبسوط»: ولا يجوز في الهدي الواجب إلّاواحد عن واحد مع الاختيار؛ سواء كان بدناً أو بقراً، ويجوز عند الضرورة عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين، وكلّما قلّوا كان أفضل وإن اشتركوا عند الضرورة أجزأت عنهم؛ سواء كانوا متّفقين في النسك أو مختلفين....

وفي «كشف اللثام»: وهو خيرة القاضي و «المختلف» و «المنتهى» ومحتمل «التذكرة» والموجود في «المختلف»: أنّ الأقرب الإجزاء عند الضرورة عن الكثير دون الاختيار وفي «المقنعة»: وتجزئ البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت، ولا يجوز في الهدي الواجب البقرة والبدنة مع التمكن إلّاعن واحد، وإنّما تجوز عن خمسة وسبعة وسبعين عند الضرورة وعدم التمكّن، وإن كان كلّما قلّ المشتركون فيه والحال ما وصفناه كان أفضل وعن الهداية: وتجزئ البقرة عن خمسة نفر إذا كانوا من أهل بيت... والجميع كما ترى ليس في شي ء منها ما يوافق القول المزبور مع اختلافها كاختلاف النصوص.


1- البقرة( 2): 192 ..

ص: 576

(مسألة 8): يعتبر في الهدي امور:

الأوّل: السنّ، فيعتبر في الإبل الدخول في السنة السادسة، وفي البقر الدخول في الثالثة على الأحوط، والمعز كالبقر، وفي الضأن الدخول في الثانية على الأحوط.

ففي خبر معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إن كانوا أهل خوان واحد»(1)... وغير ذلك من الأخبار مع اختلافها إلّا أ نّها أجمع كما ترى لا تصريح في شي ء منها بالهدي الواجب، فيمكن حملها على الأضحية المندوبة، نقل هذه الأقوال كملًا العلّامة في «المختلف» واختار فيه الإجزاء عند الضرورة عن الكثير دون الاختيار وهو ظاهره في «المنتهى» أيضاً. والروايات في المسألة لا تخلو من اختلاف ومن ثمّ اختلفت كلمة الأصحاب رضوان اللَّه تعالى عليهم، فتأمّل جيداً حتّى يتبين لك الحقّ»، انتهى.

بيانه- وفي «الفقه على المذاهب الخمسة» قال: «يشترط في الهدي أن يكون من الأنعام الإبل والبقر والغنم والمعز بالإتفاق وجاء في كتاب «المغني» أنّ الحنيفة والمالكية والشافعية والحنابلة قالوا: لا يجزئ من الضأن إلّاالجذع وهو الذي له ستة أشهر ومن المعز الثني وهو ما له سنة ومن البقر ما له سنتان ومن الإبل ما له خمس سنوات. ويتفق هذا مع ما جاء في كتاب «الجواهر» للإمامية سوى أنّه فسر الثني من الإبل بما دخل في السادسة والمعز ما دخل في الثانية.


1- وسائل الشيعة 14: 118، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 18، الحديث 5 ..

ص: 577

وقال السيّد الحكيم والسيّد الخوئي: يجزئ من الإبل ما دخل في السادسة ومن البقر والمعز ما دخل في الثانية، ثمّ قالا: ومن الغنم ما دخل في الثانية على الأحوط ويشترط في هدى التمتّع أن يكون من الأنعام الثلاثة والإبل والبقر والغنم إجماعاً مخيّراً بينها وإن كان الأفضل الإبل ثمّ البقرة.

وفي «اللمعة» قال: ويجب في الذبح لهدي التمتّع جذع من الضأن قد كمل سنّه سبعة أشهر. وقيل: ستة أو ثني من غيره وهو من البقر والمعز ما دخل في الثانية ومن الإبل في السادسة.

وفي «الجواهر» قال السن فلا يجزئ من الإبل إلّاالثني وهو الذي له خمس ودخل في السادسة.

وكذا من البقر والمعز- وهو الذي ما له سنة ودخل في الثانية ويجزئ من الضأن الجذع بلا خلاف أجده في الحكم والتفسير للأوّل الذي هو المعروف عند أهل اللغة أيضاً بل على الحكم في الثلاثة الإجماع صريحاً في كلام بعض وظاهراً في كلام آخر مضافاً إلى صحيح العيص عن أبي عبداللَّه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليهما السلام كان يقول: يجزئ الثني من الإبل والثنية من البقر والثنية من المعز والجذعة من الضأن بناءً على ظهوره في أنّ ذلك أقلّ المجزئ. وإلى قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان يجزئ من الضأن الجذع ولا يجزئ من المعز إلّا الثني وفي حسن معاوية بن عمّار: «ويجزئ في المتعة الجذع من الضأن ولا يجزئ جذع من المعز»(1)... وغير ذلك من الأخبار.

وأمّا تفسير الثني في البقر والغنم بما عرفت فهو المشهور في كلام الأصحاب كما اعترف به غير واحد، بل في «كشف اللثام» نسبته إلى قطعهم... إلى أن


1- وسائل الشيعة 14: 104، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 11، الحديث 6 ..

ص: 578

قال وأمّا الجذع من الضأن فلا خلاف أجده في إجزائه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى ما سمعته من النصوص وهو على ما عن «العين» و «المحيط» و «الديوان» و «الغريبين» قبل الثني بسنة وعن «الصحاح» و «المجمل» و «فقه اللغة» للثعالبي و «أدب الكاتب» و «المفصّل» أنّه الداخل في السنة الثانية.

وفي «كشف اللثام»: والمعنى واحد، وكأ نّه المراد بما في «المقاييس» من أنّه ما أتى له سنتان، وفيه أنّ الظاهر منه تمام السنتين لا الدخول في الثانية كما أنّه عليه يتّحد حينئذٍ مع الثني من المعز، بناءً على أنّه الداخل في الثالثة نحو اتّحاده معه على الأوّل، بناءً أنّه الداخل في الثانية مع أنّ الظاهر من النصّ والفتوى. بل صريحهما الفرق، وأنّ الجذع من الضأن أصغر في السنّ من الثني، بل عن كتب الصدوق والشيخين وسلّار وابني حمزة وسعيد والفاضل نحو قول المصنّف رحمه الله:

لسنته. وفي «كشف اللثام»: ومعناه ما في «الغنية» و «المهذّب» و «الإرشاد»: أنّه الذي لم يدخل في الثانية، ومن «السرائر» و «الدروس» وزكاة «التحرير»: أنّه الذي له سبعة أشهر، وفي «التذكرة» و «التحرير» و «المنتهى» هنا أنّه الذي له ستّة أشهر، ولم نجد ما يشهد لشي ء من ذلك، فإن كان عرف يرجع إليه، وإلّا كان الأحوط مراعاة تمام السنة... وعن أبي حاتم عن الأصمعي: «الجذع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر أو تسعة» إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا شاهد لشي ء منها فالتحقيق ما عرفت واللَّه العالم».(1)


1- جواهر الكلام 19: 136- 139 ..

ص: 579

الثاني: الصحّة والسلامة، فلا يجزي المريض حتّى الأقرع على الأحوط.

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «أن يكون الهدي تامّاً خالياً من العيوب فلا تجزئ العوراء- البيّن عورها، ومعنى البيّن عورها التي انخفست عينها وذهبت فإنّ ذلك ينقصها لأنّ شحمة العين عضو يستطاب أكله- ولا العرجاء- البيّن عرجها التي عرجها متفاحش يمنعها السير- ولا المريضة- البيّن مرضها قيل هي الجرباء لأنّ الجرب يفسد اللحم والأقرب اعتبار كلّ مرض يؤثر في هزالها وفي فساد لحمها- الأقرع الذي ذهب شعر رأسه من آفة وقد قرع فهو أقرع-... وقد اختلفوا في الخصيّ- والخصيّ بفتح الخاء وكسر الصاد وتشديد الياء وهو مجبوب الخصيتين بل لعلّ مشلول البيضتين كالخصيّ كما عن الفاضل في «المنتهى» و «التذكرة» و «التحرير» للنقصان- وفي الجماء وهي التي لا قرن لها وفي الصماء وهي التي لا اذن لها أو لها اذن صغيرة وفي البتراء وهي المقطوعة الذنب.

فقال السيّد الحكيم والسيّد الخوئي: لا يجزئ شي ء منها. وقال صاحب «المغني»: بل يجزئ كلّ نوع منها. وقال العلّامة الحلّي في «التذكرة»:

الإناث من الإبل والبقر أفضل والذكران من الضأن والمعز أولى، ولا خلاف في جواز العكس في البابين. وقال صاحب «المغني»: الذكر والانثى في الهدي سواء».(1)


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 265- 266 ..

ص: 580

الثالث: أن لا يكون كبيراً جدّاً.

الرابع: أن يكون تامّ الأجزاء، فلا يكفي الناقص كالخصيّ، وهو الذي اخرجت خصيتاه، ولا مرضوض الخصية على الأحوط، ولا الخصيّ في أصل الخلقة، ولا مقطوع الذنب ولا الاذن، ولا ما يكون قرنه الداخل مكسوراً، ولا بأس بما كسر قرنه الخارج، ولا يبعد الاجتزاء بما لا يكون له اذن ولا قرن في أصل خِلقته، والأحوط خلافه، ولو كان عماه أو عرجه واضحاً لا يكفي على الأقوى، وكذا لو كان غير واضح على الأحوط، ولا بأس بشقاق الاذن وثقبه، والأحوط عدم الاجتزاء به، كما أنّ الأحوط عدم الاجتزاء بما ابيضّت عينه.

بيانه- قال في «الجواهر»: «ولا المريضة البيّن مرضها، ولا الكبيرة التي لا تنقى بلا خلاف أجده فيه».(1)

بيانه- قال في «الحدائق»: «أن لا يكون خصيّاً فحلًا على خلاف فيه، فذهب الأكثر إلى عدم إجزائه، بل ظاهر العلّامة في «التذكرة» أنّه قول علمائنا أجمع، ونحوه في «المنتهى»، ونقل في «المختلف» عن ابن أبي عقيل أنّه يكره، والمعتمد المشهور؛ للأخبار الصحيحة الدالّة على عدم الإجزاء إلّامع عدم غيره، وبذلك صرّح الشيخ قدس سره أيضاً؛ حيث قال في «النهاية»: لا يجوز في الهدي الخصيّ، فمن ذبح خصيّاً وكان قادراً على أن يقيم بدله لم يجزئه ذلك، ووجب عليه الإعادة، فإن لم يتمكّن من ذلك فقد أجزأ عنه.(2)

وقال في «المدارك» قوله: «ولا الخصيّ من الفحول» المراد بالخصيّ


1- جواهر الكلام 19: 139 ..
2- الحدائق الناضرة 17: 100 ..

ص: 581

المسلول الخصية- بضمّ الخاء وكسرها- وقد اختلف الأصحاب في حكمه، فذهب الأكثر إلى عدم إجزائه، بل ظاهر «التذكرة» أنّه قول علمائنا أجمع وقال ابن أبي عقيل: إنّه مكروه، والأصحّ الأوّل؛ للأخبار الكثيرة الدالّة عليه.(1)

منها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبدالرحمان بن الحجّاج قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يشتري الهدي، فلمّا ذبحه إذا هو خصيّ مجبوب ولم يكن يعلم أنّ الخصيّ لا يجزئ في الهدي، هل يجزؤه أم يعيده، قال: «لا يجزيه إلّا أن يكون لا قوّة به عليه».(2) وعنه في الصحيح أيضاً قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الرجل يشتري الكبش فيجده خصيّاً مجبوباً، قال: «إن كان صاحبه موسراً فليشتر مكانه».(3)

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: أنّه سأله أيضحى بالخصيّ؟ فقال: «لا»(4) وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث قال: قلت فالخصيّ يضحى به؟ قال: «لا إلّاأن لا يكون غيره».(5)

وقال في «الحدائق»: «وإطلاق جملة من عبائر الأصحاب يدلّ على المنع وعدم الإجزاء مطلقاً ولم أقف على من قيّد بما قدّمناه إلّاعن عبارة الشيخ المتقدّمة ونحوها في «الدروس» واستظهره في «المدارك» ولا ريب فيه لما عرفت من الأخبار المتقدّمة، ويؤكّده ما رواه في «الكافي» في الصحيح أو


1- مدارك الأحكام 8: 33 ..
2- وسائل الشيعة 14: 106، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 12، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 14: 107، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 12، الحديث 4 ..
4- وسائل الشيعة 14: 106، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 12، الحديث 2 ..
5- وسائل الشيعة 14: 108، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 12، الحديث 8 ..

ص: 582

الحسن عن معاوية بن عمّار في حديث قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «اشتر فحلًا سميناً للمتعة، فإن لم تجد فموجوءاً، فإن لم تجد فمن فحولة المعز، فإن لم تجد فنعجة، فإن لم تجد فما استيسر من الهدي»(1) الحديث».(2)

وقال في «الجواهر»: بل لعلّ مشلول البيضتين كالخصيّ، كما عن الفاضل في «المنتهى» و «التذكرة»؛ للنقصان.

نعم، قد يقال بمرجوحية الموجوء بالنسبة إلى غيره، وهو مرضوض عروق الخصيتين حتّى تفسد؛ لحسن معاوية: «اشتر فحلًا سميناً للمتعة، فإن لم تجد فموجوءاً فإن لم تجد فمن فحولة المعز، فإن لم تجد فنعجة، فإن لم تجد فما استيسر من الهدي»،(3) بل عن «السرائر»: أنّه غير مجزٍ، وإن كان قبل ذلك بأسطر قال فيها: «إنّه لا بأس به وأ نّه أفضل من الشاة» كما عن «النهاية» و «المبسوط»؛ أي النعجة كما قال الصادق عليه السلام لأبي بصير: «المرضوض أحبّ إليّ من النعجة، وإن كان خصيّاً فالنعجة».(4) وقال أحدهما عليهما السلام لابن مسلم في الصحيح: «الفحل من الضأن خير من الموجوء، والموجوء خير من النعجة، والنعجة خير من المعز»(5)... ويمكن حمل كلامه على الاضحيّة المندوبة كقول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي: «الكبش السمين خير من الخصيّ ومن الانثى».(6)


1- وسائل الشيعة 14: 108، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 12، الحديث 7 ..
2- الحدائق الناضرة 17: 102 ..
3- وسائل الشيعة 14: 108، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 12، الحديث 7 ..
4- وسائل الشيعة 14: 112، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 14، الحديث 3 ..
5- وسائل الشيعة 14: 111، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 14، الحديث 1 ..
6- وسائل الشيعة 14: 107، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 12، الحديث 5 ..

ص: 583

وعن «النهاية» و «المبسوط» و «المهذّب» و «الوسيلة»: إجزاؤه في الهدي إذا تعذّر غيره، وتبعهم على ذلك بعض المتأخّرين ومتأخّريهم، ولعلّه لإطلاق الآية(1) وما سمعته من النصوص وخصوص صحيح عبدالرحمان المتقدّم. وفي «المدارك» اختاره حاكياً له عن «الدروس» مستدلّاً عليه بحسن معاوية السابق المشتمل على الموجوء الذي هو غير الخصيّ، فالأولى الاستدلال عليه بصحيح عبدالرحمان السابق وبخبر أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قلت: فالخصيّ يضحى به قال: «لا إلّاأن لا يكون غيره»،(2) إلّاأنّ الأوّل منهما قد اشترط عدم قوّة المكلّف على غيره، والثاني عدم وجود غيره، وهما مختلفان، ولا يبعد حمل خبر أبي بصير على الاضحية المندوبة، خصوصاً بعد قصوره عن المقاومة من وجوه:

منها: إطلاق الأصحاب عدم إجزائه كما اعترف في «الحدائق» حتّى قال:

لم أقف على من قيّد إلّاعلى الشيخ في «النهاية»، وتبعه الشهيد في «الدروس» وبعض من تأخّر عنه، وبذلك يظهر ضعف القول المزبور، وأولى منه بذلك ما عن «الغنية» و «الإصباح» و «الجامع» من تقييد النهي عنه وعن كلّ ناقص بالاختيار؛ لعموم الآية المخصّص بما سمعته من إطلاق عدم إجزاء الناقص نصّاً وفتوىً الذي يمكن أن لا يكون من الهدي شرعاً، فيتّجه حينئذٍ الانتقال إلى البدل، ولكن مع ذلك كلّه لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين البدل وبينه واللَّه العالم».(3)


1- البقرة( 2): 192 ..
2- وسائل الشيعة 14: 108 كتاب الحج ابواب الذبح الباب 12 الحديث 8.
3- جواهر الكلام 19: 147 ..

ص: 584

قوله قدس سره: «ولا مقطوع الذنب والاذن».

قال في «الجواهر»: «الظاهر عدم الفرق بين قطع بعض الاذن أو جميعها؛ لإطلاق الأدلّة السابقة، بل في «المنتهى»: العضباء وهي التي ذهب نصف اذنها أو قرنها لا تجزئ إلى أن قال: وكذا لا يجزئ عندنا قطع ثلث اذنها» وظاهره المفروغية من ذلك عندنا... نعم، لا بأس بمشقوقة الاذن ومثقوبتها، على وجه لا ينقص منها شي ء بلا خلاف أجده؛ لإطلاق الأدلّة وخصوص مرسل ابن أبي نصر عن أحدهما عليهما السلام: سئل عن الأضاحي إذا كانت مشقوقة الاذن أو مثقوبة بسمة، فقال: «ما لم يكن مقطوعاً، فلا بأس»(1) وفي حسن الحلبي:

سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الضحية تكون مشقوقة الاذن، فقال: «إن كان شقّها وسما فلا بأس، وإن كان شقّاً فلا يصلح»(2) ولعلّ المراد من الشقّ فيه بقرينة الصحيح السابق المشتمل على قطع شي ء منها، فلا تنافي»،(3) وقال في «الحدائق»: والمستفاد من هذه الأخبار أنّه لا بأس بالشقّ والثقب ما لم يوجب ذهاب شي ء منها. وقد قطع الأصحاب بإجزاء الجمّاء؛ وهي التي لم يخلق لها قرن والصمعاء؛ وهي فاقدة الاذن خلقة؛ للاصل ولأنّ فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصاً في قيمة الشاة ولا في لحمها. وفي التعليل الثاني نظر؛ لإتيان ذلك في مثقوبة الاذن ومشقوقها على وجه يذهب منها شي ء، وهم لا يقولون به، بل الأظهر هو دخول هذه الشاة في عموم أخبار الهدي والأضحية من غير


1- وسائل الشيعة 14: 129، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 23، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 129، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 23، الحديث 2 ..
3- جواهر الكلام 19: 143 ..

ص: 585

معارض يوجب الاستثناء، ومرجعه إلى الأصل المذكور الذي هو بمعنى عموم الدليل؛ لأنّه أحد معاني الأصل، كما تقدّم في مقدّمات الكتاب، واستقرب العلّامة في «المنتهى» إجزاء البتراءً أيضاً، وهي المقطوعة الذنب، قال في «المدارك»: ولا بأس به.

أقول: ونفي البأس لا يخلو من بأس. وقال في «الدروس»: «وتجزئ الجمّاء، وهي الفاقدة القرن خلقة، والصمعاء وهي الفاقدة الاذن خلقة أو صغيرتها على كراهة، وفي إجزاء البتراء وهي المقطوعة الذنب قول». وظاهره التوقّف في البتراء، وهو في محلّه.

ثمّ إنّ الذي صرّح به الأصحاب- رضى اللَّه عنهم- في تفسير الصمعاء- كما سمعت- أنّها هي الفاقدة الاذن أو صغيرتها، والذي في كلام أهل اللغة إنّما هو الثاني خاصّة، قال في «القاموس»: الأصمع الصغير الاذن، وقال في «النهاية» الأثيرية: الأصمع الصغير الاذن من الناس وغيرهم، ومنه حديث ابن عباس «كان لا يرى بأساً أن يضحي بالصمعاء»(1) أي الصغيرة الإذنين، وقال الفيومي في «المصباح المنير»: الصمع لصوق الاذنين وصغيرهما. وأمّا إطلاقه على الفاقدة الاذنين فلم أقف عليه في شي ء منها، ولم أعرف لهم مستنداً فيما ذكروه- رضوان اللَّه تعالى عليه-»،(2) انتهى كلامه.

وقال في «الجواهر»: «وبالجملة الظاهر اتّحاد حكم البتراء مع الصمعاء والجمّاء إن اريد البتر خلقة، وإن اريد مقطوعة الذنب- كما هو ظاهر عبارة «المنتهى» السابقة- فالمتّجه عدم إجزائها، بل قد يقال بعدم إجزائها ولو خلقة، وإن قلنا بإجزاء الجمّاء والصمعاء باعتبار غلبة تعارف الصفتين المزبورتين


1- السنن الكبرى، البيهقي 9: 276 ..
2- الحدائق الناضرة 17: 98- 100 ..

ص: 586

الخامس: أن لا يكون مهزولًا، ويكفي وجود الشحم على ظهره، والأحوط أن لا يكون مهزولًا عرفاً.

بخلافها فتعدّ البتراء ناقصة دون الجمّاء والصمعاء، ومع ذلك كلّه فالاحتياط لا ينبغي تركه في الجميع»،(1) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الحدائق»: «ومنها أن لا تكون مهزولة؛ وهي التي ليس على كليتها شحم ولو اشتراها على أنّها سمينة، فخرجت مهزولة أجزأت، وكذا لو اشتراها على أنّها مهزولة، فخرجت سمينة، أمّا لو اشتراها مهزولة، فخرجت مهزولة لم تجز.

وممّا يدلّ على هذه الأحكام المذكورة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال: «وإن اشترى اضحية، وهو ينوي أ نّها سمينة، فخرجت مهزولة أجزأت، وكذا لو اشتراها على أنّها مهزولة، فخرجت سمينة أجزأت، أمّا لو اشتراها مهزولة، فخرجت مهزولة لم تجز عنه»(2) وعن منصور في الصحيح عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: «وإن اشترى الرجل هدياً، وهو يرى أنّه سمين أجزأ عنه وإن لم يجده سميناً، ومن اشترى هدياً، وهو يرى أنّه مهزول، فوجده سميناً أجزأ عنه، وإن اشتراه، وهو يعلم أنّه مهزول لم يجز عنه»(3)... وغير ذلك من الأخبار.

وبقي الكلام في موضعين:


1- جواهر الكلام 19: 145 ..
2- وسائل الشيعة 14: 113، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 16، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 14: 113، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 16، الحديث 2 ..

ص: 587

أحدهما: أن يشتريها على أنّها مهزولة ثمّ يذبحها، فتظهر سمينة، فإنّ المشهور الإجزاء كما قدّمنا ذكره، ونقل عن ابن أبي عقيل: أنّها لا تجزئ؛ لأنّ ذبح ما يعتقد كونه مهزولًا غير جائز، فلا يمكن التقرّب به إلى اللَّه، وإذا انتفت نيّة القربة انتفى الإجزاء، واجيب عنه بالمنع من الصغرى؛ إذ غاية ما يستفاد من الأدلّة عدم إجزاء المهزول، لا تحريم ذبح ما ظنّ كونه كذلك.

أقول: لا يخفى أنّ المتبادر من قوله عليه السلام في الروايات المتقدّمة: «إذا اشترى الهدي مهزولًا فوجده سميناً» أنّ الوجدان إنّما هو بعد الذبح الذي به يتحقّق ذلك، وبه يظهر ضعف هذا القول.

وثانيهما: أنّه لو لم يجد إلّافاقد الشرائط، فهل يكون مجزئاً أو ينتقل إلى الصوم؟ قولان، وبالأوّل جزم الشهيدان؛ لظاهر قوله عليه السلام فيما قدّمناه من الأخبار: «فإن لم يجد فما استيسر من الهدي»، وبالثاني صرّح المحقّق الشيخ علي قدس سره؛ لأنّ فاقد الشرائط لمّا لم يكن مجزئاً كان وجوده كعدمه، ويمكن ترجيح الأوّل بالخبر المذكور، وقوله: «لأنّ فاقد الشرائط وجوده كعدمه» ممنوع؛ لأنّه إنّما يتمّ لو لم يأذن الشارع في غيره، والإذن موجود في فاقد الشرائط بالأخبار المشار إليها كما تقدّم في صحيحة معاوية بن عمّار أو حسنته، وفي جملة من أخبار الخصيّ الاجتزاء به مع عدم إمكان الفحل».(1)

وقال في «الجواهر»: «والمراد بالمهزول هي التي ليس على كليتها شحم، كما في «القواعد» و «النافع» ومحكيّ «المبسوط» و «النهاية» و «المهذّب» و «السرائر» و «الجامع»؛ لخبر الفضل قال: حججت بأهلي سنة فعزّت الأضاحي


1- الحدائق الناضرة 17: 102- 106 ..

ص: 588

فانطلقت فاشتريت شاتين بغلاء، فلمّا ألقيت إهابيهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال، فأتيته فأخبرته بذلك، فقال: «إن كان على كليتيهما شي ء من الشحم أجزأت»(1) وهو وإن كان غير نقيّ السند ومضمراً، ومن هنا أعرض عنه بعض متأخّري المتأخّرين وأحال الأمر إلى العرف، إلّاأنّه موافق للاعتبار، كما في «كشف اللثام» وعمل به من عرفت، فلا بأس بالعمل به.

وكيف كان، فقد ظهر لك من النصوص السابقة أنّه لو اشتراها على أنّها مهزولة، فبانت كذلك لم تجزه بلا خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال. نعم، لو خرجت سمينة أجزأته في المشهور؛ للنصوص السابقة خلافاً للعماني، فلم يجتز به؛ للنهي عنه المنافي لنيّة التقرّب به حال الذبح، وهو كالاجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر المقتضي صحّة التقرّب به، وإن كان مشكوك الحال أو مظنون الهزال؛ رجاءً لاحتمال العدم، وكذا تجزئ لو اشتراها على أنّها سمينة، فخرجت مهزولة بعد الذبح؛ لما سمعته من النصّ السابق المعتضد بالعمل، وبقول أمير المؤمنين عليه السلام في مرسل الصدوق: «إذا اشترى الرجل البدنة عجفاء فلا تجزئ عنه، فإن اشتراها سمينة، فوجدها عجفاء أجزأت عنه وفي هدي التمتّع مثل ذلك»،(2) وبانتفاء العسر والحرج وصدق الامتثال. نعم، لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجزء؛ لإطلاق عدم الإجزاء في الخبر السابق السالم من المعارض بعد انسياق ما بعد الذبح من الوجدان نصّاً وفتوى فيها... فما عن بعضهم من القول بالإجزاء ضعيف»(3) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 14: 113، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 16، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 14: 115، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 16، الحديث 8 ..
3- جواهر الكلام 19: 148- 150 ..

ص: 589

(مسألة 10): لو ذبح فانكشف كونه ناقصاً أو مريضاً يجب آخر. نعم، لو تخيّل السمن ثمّ انكشف خلافه يكفي، ولو تخيّل هزاله فذبح برجاء السمن بقصد القربة فتبيّن سمنه يكفي. ولو لم يحتمل السمن أو يحتمله، لكن ذبح من غير مبالاة لا برجاء الإطاعة، لا يكفي، ولو اعتقد الهزال وذبح جهلًا بالحكم ثمّ انكشف الخلاف فالأحوط الإعادة. ولو اعتقد النقص فذبح جهلًا بالحكم فانكشف الخلاف فالظاهر الكفاية.

بيانه- قال في «الجواهر»: «ولو اشتراها على أنّها تامّة، فبانت ناقصة لم تجز كما عن الأكثر؛ سواء كان بعد الذبح أو قبله، نقد الثمن أو لم ينقده، لإطلاق عدم الاجتزاء بالناقص الذي هو محسوس، فهو مفرط فيه على كلّ حال، لكن في «التهذيب» إن كان نقد الثمن، ثمّ ظهر النقصان أجزأ، ولعلّه لقول الصادق عليه السلام في صحيح عمران الحلبي: «من اشترى هدياً ولم يعلم به عيباً حتّى ينقد ثمنه ثمّ علم به فقد تمّ».(1)

وحمل حسن معاوية عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في رجل اشترى هدياً، وكان به عيب عور أو غيره، فقال: «إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه وإن لم يكن نقد ثمنه ردّه واشترى غيره».(2) على من نقد الثمن بعد ظهور العيب. ونفى عنه البأس في «المدارك»، واحتمل في محكيّ «الاستبصار» أن يكون هذا في الهدي الواجب وذاك في المندوب والإجزاء إذا لم يقدر على استرجاع الثمن.


1- وسائل الشيعة 14: 130، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 24، الحديث 3 ..
2- وسائل الشيعة 14: 130، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 24، الحديث 1 ..

ص: 590

ولا يخفى عليك ما في الجميع بعد إعراض الأكثر حتّى الشيخ في غير (مسألة 11): الأحوط أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة، والأحوط عدم التأخير من يوم العيد، ولو أخّر لعذر أو لغيره فالأحوط الذبح أيّام التشريق، وإلّا ففي بقيّة ذي الحجّة. وهو من العبادات، يعتبر فيه النيّة نحوها، ويجوز فيه النيابة وينوي النائب، والأحوط نيّة المنوب عنه أيضاً. ويعتبر كون النائب شيعيّاً على الأحوط، بل لا يخلو من قوّة، وكذا في ذبح الكفّارات.

الكتاب المزبور. نعم، في «الدروس»: إجزاء الخصيّ إذا تعذّر غيره أو ظهر خصيّاً بعد ما لم يكن يعلم، وقد عرفت البحث في الأوّل.

وأمّا الثاني: فلا أعرف به قولًا ولا سنداً كما اعترف به في «كشف اللثام»، ولو اشتراها على أنّها ناقصة، فبانت تامّة قبل الذبح أجزأ؛ لصدق الامتثال، ولو كان بعد الذبح ففي الإجزاء وعدمه إشكال ينشأ من فحوى ما ورد في المهزول، ومن عدم النيّة حال الذبح مع حرمة القياس، ولعلّه الأقوى»(1) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الحدائق»: «اختلف الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- في ترتيب المناسك الثلاثة يوم النحر، هل هو على جهة الوجوب؛ الرمي ثمّ الذبح ثمّ الحلق أو الاستحباب؟ قولان:

وبالأوّل قال الشيخ في «المبسوط» و «الاستبصار»، وإليه ذهب أكثر المتأخّرين، ومنهم العلّامة في أكثر كتبه، والمحقّق في «الشرائع» وغيرهما.

وبالثاني قال الشيخ في «الخلاف» وابن أبي عقيل وأبو الصلاح وابن إدريس واختاره في «المختلف». ويدلّ على الوجوب رواية عمر بن يزيد المتقدّمة؛


1- جواهر الكلام 19: 150 ..

ص: 591

لقوله عليه السلام فيها: «وإذا ذبحت اضحيتك فاحلق رأسك»؛(1) لدلالة الفاء على الترتيب.

ورواية جميل بن درّاج عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح»(2) وصحيحة معاوية بن عمّار أو حسنته عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إذا رميت الجمرة فاشتر هديك...»(3) وموثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته- إلى أن قال-: وعن رجل حلق قبل أن يذبح قال: «يذبح ويعيد الموسى؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ(4)(5) إلى أن قال: وبه فسّرت الآية ويعضده أيضاً أنّه المعلوم يقيناً من فعلهم عليهم السلام ولا يعلم يقين براءة الذمّة إلّابمتابعتهم....

احتجّ القائلون بالاستحباب بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: «لا ينبغي إلّاأن يكون ناسياً»، ثمّ قال: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أتاه اناس يوم النحر، فقال بعضهم: يا رسول اللَّه حلقت قبل أن أذبح، وقال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئاً ينبغي لهم أن يقدّموه إلّاأخّروه، ولا شيئاً كان ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّاقدّموه، فقال: لا حرج».(6) وما رواه في «الكافي» عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك إنّ


1- وسائل الشيعة 14: 211، كتاب الحجّ، أبواب الحلق، الباب 1، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 155، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 39، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 14: 96، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 9، الحديث 4 ..
4- البقرة( 2): 196 ..
5- وسائل الشيعة 14: 158، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 39، الحديث 8 ..
6- وسائل الشيعة 14: 156، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 39، الحديث 4 ..

ص: 592

رجلًا من أصحابنا رمى الجمرة يوم النحر وحلق قبل أن يذبح قال: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لمّا كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين، فقالوا: يا رسول اللَّه:

ذبحنا من قبل أن نرمي، وحلقنا من قبل أن نذبح، فلم يبق شي ء ممّا ينبغي لهم أن يقدّموه إلّاأخّروه، ولا شي ء ممّا ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّاقدّموه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: لا حرج لا حرج».(1) وأجاب الشيخ عنهما بالحمل على حال النسيان، والأقرب الحمل على الجهل، وهو عذر شرعي قد تكثّرت الأخبار به، ولا سيّما في باب الحجّ.

وبذلك يظهر قوّة القول بوجوب الترتيب؛ لاتّفاق الآية والروايات المتقدّمة على وجوب الترتيب بلا إشكال، معتضداً ذلك بملازمتهم على ذلك زيادة على أوامرهم، وبأ نّه هو الأحوط في الدين، وبذلك يظهر لك ما في كلام شيخنا العلّامة في «المختلف»؛ حيث استدلّ على الاستحباب بصحيحة عبداللَّه بن سنان الآتية في المقام، وصحيحة جميل بن درّاج. ومثلهما رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر.

ولم يحتجّ الشيخ في مقابلة هذه الأخبار إلّابحديث «خذوا عنّي مناسككم»،(2) ورواية موسى بن قاسم عن علي عليه السلام،(3) ثمّ أجاب عنهما بالحمل على الاستحباب جمعاً وغفل عن الآية التي هي الأصل، مع أنّه في «المنتهى» جعلها مبدأ الاستدلال على الوجوب، وغفل عمّا سرّدناه من الأخبار الظاهرة، بل الصريحة كما في أكثرها وأنّ المعارض يضعف عن المعارضة؛ للاحتمال


1- وسائل الشيعة 14: 156، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 39، الحديث 6 ..
2- مستدرك الوسائل 9: 420، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 54، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 14: 158، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 39، الحديث 9 ..

ص: 593

الذي قدّمناه، وكذا ما ذكره في «المدارك»؛ حيث إنّه لم ينقل من أدلّة الوجوب إلّا حديث «خذوا عنّي مناسككم». ورواية جميل قال: «تبدأ بمنى بالذبح»،(1) ورواية موسى بن قاسم عن علي عليه السلام، وطعن فيها بأ نّها لا تخلو من قصور في دلالة أو ضعف في سند، ثمّ قال: والمسألة محل تردّد، ولعلّ الوجوب أرجح وغفل عن الروايات الصحيحة التي ذكرناها، والآية الشريفة التي هي أصرح صريح ولا ريب في ضعفه بعد الإحاطة بما ذكرناه... إلى أن قال:

وبالجملة: فإنّه متى كان الترتيب واجباً، وأخلّ به عمداً، فتحقّق الامتثال، والحال هذه مشكل، ومقتضى القواعد هو الإعادة على ما يحصل به الترتيب، إلّا أنّ ظاهرهم الاتّفاق على الإجزاء حيث أسنده في «المنتهى» إلى علمائنا، مؤذّناً بدعوى الإجماع.... وكيف كان، فالاحتياط يقتضي الإعادة في صورة العمد، واللَّه العالم».(2)

وبعد أن أوجب الإمامية النيّة في الذبح أو النحر، قالوا: إنّ وقت الذبح أو النحر هو يوم العيد، وإن أخّره إلى اليوم الثاني أو الثالث أو الرابع يجزئ، ولكن يأثم بالتأخير، وكذلك يجزئ لو ذبحه بقيّة أيّام ذي الحجّة. ونقل صاحب «الجواهر» عدم الخلاف في ذلك حتّى ولو كان التأخير بدون عذر. ولا يجوز تقديم الذبح أو النحر على اليوم العاشر عند الإمامية.

أمّا مكان الذبح فهو الحرم عند الحنفية والشافعية والحنابلة ويشمل الحرم منى وغيرها (تبعد منى من مكّة فرسخاً واحداً)، وعلى أيّة حال فإنّ الهدي بمنى جائز عند الجميع وهو الأفضل قال ابن رشد: «وبالجملة النحر بمنى إجماع


1- وسائل الشيعة 14: 155، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 39، الحديث 3 ..
2- الحدائق الناضرة 17: 241- 247 ..

ص: 594

(مسألة 13): يستحبّ أن يقسّم الهدي أثلاثاً، يأكل ثلثه، ويتصدّق بثلثه، ويهدي ثلثه. والأحوط أكل شي ء منه وإن لا يجب.

من العلماء» وبالتالي فإنّ الخلاف بين الإمامية وبين غيرهم أنّ الإمامية يقولون بتعيين وغيرهم يقولون بالتخيير بينها وبين غيرها من أجزاء الحرم، واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «قال الحنابلة والشافعية: ما وجب نحره بالحرم وجب تفرقة لحمه فيه على المساكين، وقال الحنفية والمالكية: بل يجوز تفرقة لحمه في الحرم وغيره، وقال الشافعية: كلّ ما كان واجباً من الهدي لا يجوز الأكل منه، وكلّ ما كان تطوّعاً يجوز الأكل منه، وقال المالكية: يأكل من الهدي كلّه إلّافدية الأذى وجزاء الصيد، وما نذر للمساكين.... وقال الإمامية يتصدّق بثلث الهدي على الفقير المؤمن، ويهدى الثلث إلى المؤمنين حتّى لو كانوا أغنياء، ويأكل من الثلث الباقي».

وفي «المدارك»: «قوله: ويستحبّ أن يقسّمه إلى آخره» اختلف الأصحاب في هذه المسألة فقال الشيخ قدس سره في «النهاية»: ومن السنّة أن يأكل الإنسان من هدية لمتعته، يطعم القانع، المعتر يأكل ثلثه ويطعم القانع والمعترّ ثلثه ويهدي للأصدقاء الثلث الباقي.

وقال أبو الصلاح: والسنّة أن يأكل بعضها ويطعم الباقي. وقال ابن أبي عقيل:

ثمّ انحرواذبح وكل وأطعم وتصدّق. وقال ابن إدريس: وأمّا هدي المتمتّع والقارن فالواجب أن يأكل منه ولو قليلًا ويتصدّق على القانع والمعترّ ولو قليلًا، لقوله تعالى فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ(1) واستقر به العلّامة في


1- الحجّ( 22): 36 ..

ص: 595

«المختلف». وقال الشهيد في «الدروس»: ويجب صرفه في الصدقة والإهداء والأكل ولم يعيّن للصدقة والإهداء قدراً. وأوجب الشارح قدس سره أكل شي ء من الهدي وإهداء الثلث إلى بعض إخوانه المؤمنين والصدقة بثلث على فقرائهم.

والمعتمد وجوب الأكل منه والإطعام لقوله تعالى: وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِ إلى قوله عزّ وجلّ: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ اْلأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ(1) وقوله عزّ وجلّ: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ. لكن مقتضى الآية الاولى أنّ الواجب إطعام البائس الفقير ومقتضى الثانية وجوب إطعام القانع والمعتر. ويمكن الجمع بينهما إمّا بتقييد كلّ من القانع والمعتر بكونه فقيراً وإمّا بالتخيير بين الدفع إليهما أو إلى الفقير والأوّل أولى وإن كان الثاني لا يخل من رجحان.

ويدلّ على وجوب الأكل والإطعام مضافاً إلى ذلك ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعمه كما قال اللَّه تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ»(2)...(3) وفي طريق هذه الرواية النخعي وهو مشترك بين الثقة والضعيف... والجواب أوّلًا أنّ هذه الرواية إنّما تدلّ على اعتبار القسمة كذلك في هدي السياق لا في هدي التمتّع الذي هو محلّ النزاع. وثانياً انّها معارضة برواية معاوية بن عمّار المتقدّمتين الدالتين


1- الحجّ( 22): 27- 28 ..
2- الفقه على المذاهب الخمسة: 267- 268 ..
3- وسائل الشيعة 14: 159، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 40، الحديث 1 ..

ص: 596

بظاهرهما على عدم وجوب القسمة كذلك، فيحمل هذه على الاستحباب بل ذلك متعيّن بالنسبة إلى الأمر الأوّل أعنى إطعام الأهل الثلث إذ لا قائل بوجوبه.

وكون هذا الأمر للاستحباب قرينة على أنّ ما بعده كذلك. ولا ريب أنّ الاحتياط يقتضي القسمة على هذا الوجه، وصرف ثلث إلى القانع والمعتر وثلث إلى المساكين. والأولى اعتبار الإيمان في المستحقّ وإن كان في تعيينه نظر، والأصحّ عدم جواز التوكيل في قبض ذلك، كما لا يصحّ التوكيل في قبض الزكاة»(1) انتهى.

وقال في «الجواهر»: «ويستحبّ أن يقسّمه أثلاثاً يأكل ثلثه، ويتصدّق بثلثه، ويهدي ثلثه كما هو ظاهر جماعة وصريح اخرى، بل في «كشف اللثام» نسبته إلى الأكثر، بل عن «التبيان»: «عندنا يطعم ثلثه ويعطي ثلثه القانع والمعترّ ويهدي الثلث»، ونحوه المجمع عنهم عليهم السلام. والظاهر أنّ محلّ البحث هنا في هدي التمتّع... وعلى كلّ حال، فلا ريب في استحباب التثليث المزبور في هدي التمتّع فإنّ النصوص وإن لم تنصّ عليه بخصوصه إلّاأنّه مع إمكان شمول خبر الأضاحي له قد يقال: بأنّ المراد منها بيان الكيفية التي لا تفاوت فيها بين الواجب والندب، كما أنّه لا ريب في عدم اعتبار الفقر في ثلث الإهداء، بل إن لم يكن الإجماع لا يعتبر فيه الإيمان، خصوصاً مع الندرة في تلك الأمكنة والأزمنة، فيلزم إمّا سقوط وجوب الهدي أو التكليف بالمحال، وليس هو كالزكاة التي يمكن فيها الانتظار، على أنّه قد ورد ما يدلّ على عدم كراهة إعطاء المشرك، وعلى جواز إعطاء الحرورية وأنّ لكلّ كبد حراء أجر، ولكن مع ذلك لا ريب في أنّ الأحوط مراعاته مع الإمكان»(2) واللَّه العالم.


1- مدارك الأحكام 8: 43- 45 ..
2- جواهر الكلام 19: 157- 160 ..

ص: 597

(مسألة 14): لو لم يقدر على الهدي- بأن لا يكون هو ولا قيمته عنده- يجب بدله صوم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة أيّام بعد الرجوع منه.

بيانه- قال في «الحدائق»: «قد عرفت ممّا تقدّم أنّه لا خلاف بين العلماء كافّة في أنّ الواجب على فاقد عين الهدي وثمنه هو الصيام، والأصل فيه قوله عزّ وجلّ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ(1) والمراد بصوم الثلاثة في الحجّ في بقيّة أشهر الحجّ؛ وهو شهر ذي الحجّة كما اشير إليه في صحيحة رفاعة الآتية وغيرها، قال في «المنتهى»: ويستحبّ أن تكون الثلاثة في الحجّ هي يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، فيكون آخرها يوم عرفة ذهب إليه علماؤنا».(2)

وقال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «اتّفقوا على أنّ الحاجّ إذا لم يجد الهدي ولا ثمنه انتقل إلى البدل عنه وهو صوم عشرة أيّام ثلاثة منها متتابعات في أيّام الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ لقوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ وتعتبر القدرة على الهدي في مكانه، فمتى عدم من موضعه انتقل إلى الصوم حتّى ولو كان قادراً عليه في بلده؛ لأنّ وجوبه موقّت. وما كان كذلك اعتبرت القدرة عليه في وقته تماماً كالماء في الطهارة».(3)


1- البقرة( 2): 196
2- الحدائق الناضرة 17: 124 ..
3- الفقه على المذاهب الخمسة: 268 ..

ص: 598

وفي «المدارك» في قوله قدس سره وإذا فقدهما صام عشرة أيّام؛ أي الهدي وثمنه: «أمّا وجوب صوم العشرة الأيّام مع فقد الهدي وثمنه، فقال العلّامة في «المنتهى»: أنّه لا خلاف فيه بين العلماء كافّة والأصل فيه قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ، ولعلّ المراد بقوله تعالى تلك عشرة كاملة بيان أنّ كمالها كمال الأضحيّة. قال عبداللَّه بن سليمان الصيرفي: قال أبو عبداللَّه عليه السلام لسفيان الثوري: «ما تقول في قول اللَّه عزّ وجلّ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ... أيّ شي ء يعني بالكاملة؟» قال: سبعة وثلاثة قال: «ويختلّ على ذي حجّاً إن سبعة وثلاثة عشرة فأيّ شي ء هو أصلحك اللَّه؟ قال: «الكامل كمالها كمال الأضحية سواء أتيت بها أو أتيت بالأضحية تمامها كمال الأضحية»(1) أو لرفع احتمال إرادة معنى أو من الواو أو غير ذلك هذا.

قال في «المنتهى» ويستحبّ أن يكون الثلاثة في الحجّ هي يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة فيكون آخرها يوم عرفة عند علمائنا أجمع، ويدلّ عليه روايات منها: عن رفاعة في الصحيح قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن المتمتّع لا يجد الهدي قال: «يصوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة» قلت: فإنّه قدم يوم التروية قال: «يصوم ثلاثة أيّام بعد التشريق» قلت: لم يقم عليه جمالة قال: «يصوم يوم الحصبة وبعده يومين» قال: قلت:

وما الحصبة؟ قال: «يوم نفره» قلت: يصوم وهو مسافر قال: «نعم، أليس هو


1- وسائل الشيعة 14: 181، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 46، الحديث 9 ..

ص: 599

يوم عرفة مسافراً إنّا أهل بيت نقول ذلك لقول اللَّه عزّ وجلّ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِ يقول: في ذي الحجّة».(1)

وما رواه في «التهذيب» في الصحيح عن حمّاد بن عيسى قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «قال علي عليه السلام: صيام ثلاثة أيّام في الحجّ قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، فمن فاته ذلك فليتسحر: «ليلة الحصبة؛ يعني ليلة النفر، ويصبح صائماً ويومين بعده وسبعة إذا رجع».(2)

ورواه الحميرى في كتاب «قرب الإسناد» إلى قوله: «فليتسحر ليلة الحصبة وهي ليلة النفر»(3) وغير ذلك من الأخبار».(4)

قال في «الحدائق»: «وتنقيح البحث في المسألة يتوقّف على بيان امور:

الأوّل: المشهور بين الأصحاب، بل ادّعى عليه ابن إدريس الإجماع أنّه لو لم يتّفق له صوم قبل يوم التروية، فإنّه يقتصر على يوم التروية ويوم عرفة ثمّ يصوم الثالث بعد النفر، ومرجعه إلى أنّ المرتبة الثانية بعد تعذّر الصوم الأفضل الذي دلّت عليه الأخبار المتقدّمة هو أن يكون كذلك، واستدلّ عليه الشيخ في «التهذيب» بما رواه عن عبدالرحمان بن الحجّاج: في من صام يوم التروية ويوم عرفة، قال: «يجزؤه أن يصوم يوماً آخر».(5)

وما رواه في «التهذيب» و «الفقيه» عن يحيى الأزرق عن أبي الحسن عليه السلام


1- وسائل الشيعة 14: 178، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 46، الحديث 1 ..
2- تهذيب الأحكام 5: 232/ 786؛ وسائل الشيعة 14: 198، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 53، الحديث 3 ..
3- قرب الإسناد: 17/ 56؛ وسائل الشيعة 14: 182، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 46، الحديث 14 ..
4- راجع: وسائل الشيعة 14: 178، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 46 ..
5- وسائل الشيعة 14: 195، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 52، الحديث 1 ..

ص: 600

قال: سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتّعاً، وليس له هدي فصام يوم التروية ويوم عرفة، قال: «يصوم يوماً آخر بعد أيّام التشريق»(1) وزاد في «الفقيه» «بيوم».(2)

أقول: لا يخفى أنّه قد تقدّم من الأخبار بإزاء هاتين الروايتين ما هو أصحّ سنداً وأكثر عدداً ممّا دلّ على أنّه مع عدم التمكّن من الصوم في تلك الأيّام الثلاثة؛ وهي ما قبل التروية بيوم ثمّ يوم التروية ثمّ يوم عرفة، فإنّه يؤخّر الصوم إلى ليلة الحصبة....

ويؤيّد ذلك ما رواه في «الكافي» في الصحيح عن العيص بن قاسم عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن متمتّع يدخل يوم التروية، وليس له هدي، قال: «لا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة ويتسحّر ليلة الحصبة ويصبح صائماً وهو يوم النفر ويصوم يومين بعده»(3)....

الثاني: المشهور بين الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- مع عدم إمكان صوم يوم التروية ويوم عرفة كما تقدّم، فإنّه يجب عليه تأخير الصوم إلى بعد النفر، ولا يجوز له الصوم في أيّام التشريق، ونقله في «المختلف» عن الشيخ في بعض كتبه وأبي الصلاح وابن البرّاج وابن حمزة، وقال الشيخ قدس سره في «النهاية»:

من فاته صوم الثلاثة الأيّام قبل العيد فليصم يوم الحصبة، وهو يوم النفر ويومين بعده، وكذا قال علي بن بابويه وابنه وابن إدريس. وقال ابن الجنيد: فإن دخل يوم عرفة أو فاته صيام الثلاثة الأيّام في الحجّ صام فيما بينه وبين آخر ذي


1- وسائل الشيعة 14: 196، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 52، الحديث 2 ..
2- الفقيه 2: 304/ 1506 ..
3- وسائل الشيعة 14: 197، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 52، الحديث 5 ..

ص: 601

الحجّة، وكان مباحاً صيام أيّام التشريق في السفر وفي أهله إذا لم يمكنه غير ذلك. وقال في «الخلاف»: لا يجوز صيام أيّام التشريق في بدل الهدي في أكثر الروايات، وعند المحقّقين من أصحابنا. واستدلّ على القول الأوّل بالإجماع على تحريم صوم أيّام التشريق في مكّة والأخبار الكثيرة.

ومنها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال:

سألته عن رجل تمتّع فلم يجد هدياً، قال: «فليصم ثلاثة أيّام ليس فيها أيّام التشريق، ولكن يقيم بمكّة حتّى يصومها وسبعة إذا رجع إلى أهله»(1)... ومثل هذا الخبر، المرسلة المنقولة عن الفقيه؛(2) حيث صرّح فيها بصوم يوم الحصبة ويومين بعده، ثمّ ذكر بعد ذلك أنّه لا يجوز له أن يصوم أيّام التشريق ونحو ذلك صحيحة صفوان بن يحيى،(3) وغير ذلك من الأخبار... وأمّا استند إليه ابن الجنيد من خبري إسحاق بن عمّار(4) والقدّاح(5) فقد نسبهما الشيخ في التهذيبين إلى الشذوذ ثمّ إلى وهم الراويين وجواز أن يسمعا من عبداللَّه بن الحسن أو غيره من أهل البيت، ثمّ إنّهما إن سلّما فلا يصلحان لمعارضة الأخبار الكثيرة المذكورة.

أقول: والأظهر حملهما على التقيّة واستصوبه في «الوافي» أيضاً وهو جيّد، واللَّه العالم.

الثالث: قال العلّامة في «المختلف»: هذه الثلاثة متتابعة إلّافي موضوع


1- وسائل الشيعة 14: 191، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 51، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 182، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 46، الحديث 12 ..
3- وسائل الشيعة 14: 192، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 52، الحديث 3 ..
4- وسائل الشيعة 14: 193، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 52، الحديث 5 ..
5- وسائل الشيعة 14: 193، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 52، الحديث 6 ..

ص: 602

واحد، وهو أنّه إذا فاته قبل يوم التروية صام يوم الترويه وعرفة ثمّ الثالث بعد أيّام التشريق، قاله ابن إدريس. وقال ابن حمزة: لو صام قبل يوم التروية، وخاف إن صام عرفة عجز عن الدعاء أفطر وصام بدله بعد انقضاء أيّام التشريق، ولا بأس بهذا القول. احتجّ ابن إدريس بأنّ الأصل التتابع، خرج عنه الصورة المجمع عليها، فبقي الباقي على الوجوب. احتجّ ابن حمزة بأنّ التشاغل بالدعاء أمر مطلوب بالشرع، فساغ له الإفطار كما لو كان الفائت الأوّل، انتهى.

أقول: ما ذكره قدس سره من استثناء الصورة من وجوب التتابع المجمع عليه بينهم قد استندوا فيه إلى الإجماع والخبرين المتقدّمتين، وبهما خصّصوا الأخبار الدالّة على وجوب التتابع مطلقاً، والإجماع المدّعى في المسألة وإن كان فيه ما عرفت. أمّا استثناء الصورة الثانية التي ذكرها ابن حمزة ونفى عنها البأس فلا أعرف لاستثنائها دليلًا يعتمد عليه. والخروج عن الإجماع الدالّ على وجوب التتابع والأخبار الدالّة عليه بمجرّد هذا التعليل العليل مجازفة ظاهرة، والخروج عن أمر واجب لمجرّد أمر مستحب غير معقول كما لا يخفى. قال في «الدروس»: «ولو أفطر عرفة لضعفه عن الدعاء وقد صام يومين قبله استأنف خلافاً لابن حمزة»، وهو جيّد؛ لما عرفت. وبالجملة فإنّ هذا القول بمحلّ من الضعف الذي لا يخفى.

الرابع: الظاهر من الأخبار المتقدّمة أنّ يوم الحصبة هو اليوم الثالث من أيّام التشريق، وقد ورد تفسيره في صحيحة رفاعة(1) المتقدّمة بأ نّه يوم نفره؛ يعني في النفر الثاني وفي صحيحة حمّاد بن عيسى: «ليلة الحصبة؛ يعنى ليلة النفر»


1- وسائل الشيعة 14: 178، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 46، الحديث 1 ..

ص: 603

ومثله في مرسلة «الفقيه»، وإنّما سمّي هذا اليوم يوم الحصبة لأنّ الحصبة الأبطح، ومن السنة يوم النفر الثاني أن ينزل في الأبطح قليلًا(1) ونقل عن الشيخ رحمه الله في «المبسوط» أنّ ليلة الرابع ليلة التحصيب وحمله الأصحاب على أنّ مراده ليلة الرابع من يوم النحر لا الرابع عشر، وهو جيّد.

الخامس: قال الشيخ في «النهاية» و «الخلاف» و «المبسوط»: وقد وردت رخصة في جواز تقديم صوم الثلاثة من أوّل ذي الحجّة، وقال ابن إدريس: وقد رويت رخصة في تقديم صوم الثلاثة الأيّام من أوّل العشرة والأحوط الأوّل، ثمّ قال بعد ذلك: إلّاأنّ أصحابنا أجمعوا على أنّه لا يجوز الصيام إلّايوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، وقبل ذلك لا يجوز، وظاهر كلام الشيخ التوقّف في المسألة، وظاهر كلام ابن إدريس الميل إلى التحريم. ونقل في «المختلف» عن شيخه جعفر بن سعيد قدس سره أنّه أفتى بالجواز، وهو صريح عبارته في «الشرائع» وقيّده بالتلبّس بالمتعة، والظاهر أنّ هذا القول هو المشهور بين المتأخّرين. والأصل فيه ما رواه الشيخ والكليني عن زرارة عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من لم يجد الهدي وأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في أوّل العشر فلا بأس بذلك»(2) وردّه في «المدارك» بضعف السند باشتماله في «التهذيب» على أبان الأزرق، وهو مجهول، وفي «الكافي» على عبدالكريم بن عمرو، وهو واقفي، ثمّ قال: والمسألة محلّ تردّد....

السادس: قد صرّح الأصحاب بأ نّه يجوز صوم الثلاثة المذكورة طول ذي الحجّة، ولا يجوز صومها في غيره، فلو خرج ذو الحجّة ولم يصمها تعيّن


1- وفي اللغة: الأبطح: دره بزرگ ريگ زار، جمعه بطاح وأباطيح. منه دام ظلّه).
2- وسائل الشيعة 14: 180، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 46، الحديث 8 ..

ص: 604

الهدي، وعلى كلّ من الحكمين اتّفاق أصحابنا فيما أعلم.

ويدلّ على الأوّل ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال: «من لم يجد ثمن الهدي فأحبّ أن يصوم الثلاثة في العشر الأواخر فلا بأس بذلك»،(1) ونحوها رواية ربعي بن عبداللَّه(2) المتقدّمة نقلًا من «تفسير العياشي»، ومثلها صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج(3) المتقدّمة عن أبي الحسن عليه السلام مع عباد البصري.

وعلى الثاني ما رواه في «الكافي» في الصحيح أو الحسن عن منصور عن أبي عبداللَّه قال: «من لم يصم في ذي الحجّة حتّى يهلّ هلال المحرّم فعليه دم شاة، وليس له صوم، ويذبحه بمنى»(4)... وغير ذلك من الأخبار، ونقل في «المختلف» عن الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» أنّه قال: «ومن لم يصم الثلاثة الأيّام بمكّة ولا في الطريق ورجع إلى بلده وكان متمكّناً من الهدي بعث به، فإنّه أفضل من الصوم»، ثمّ قال بعد نقل ذلك عنه: وهذا يؤذن بجواز الصوم وليس بجيّد؛ لأنّه إن كان قد خرج ذو الحجّة تعيّن الهدي، وكذا إذا لم يخرج؛ لأنّ من وجد الهدي قبل شروعه في الصوم وجب عليه الهدي، انتهى.

أقول: ويمكن أن يستدلّ للشيخ رحمه الله بإطلاق هذا الخبر إلّاأنّه معارض بما ذكره العلّامة، فإنّه مقتضى الأخبار الواردة في المقام.

السابع: لو صام الثلاثة في وقتها المتقدّم ذكره ثمّ وجد الهدي فالمشهور بين


1- وسائل الشيعة 14: 182، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 46، الحديث 13 ..
2- وسائل الشيعة 14: 183، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 46، الحديث 15 ..
3- وسائل الشيعة 14: 192، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 51، الحديث 4 ..
4- وسائل الشيعة 14: 185، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 47، الحديث 1 ..

ص: 605

الأصحاب أنّ الصوم يكون مجزئاً، وإن كان الأفضل ذبح الهدي قاله الشيخ وتبعه الأكثر.

والمستند فيه الجمع بين ما رواه في «الكافي» عن حمّاد بن عثمان، قال:

سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن متمتّع صام ثلاثة أيّام في الحجّ ثمّ أصاب هدياً يوم خرج من منى، فقال: «أجزأه صيامه»،(1) وبين ما رواه في «الكافي» و «التهذيب» عن عقبة بن خالد، قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل تمتّع وليس معه ما يشتري به هدياً، فلمّا أن صام ثلاثة أيّام في الحجّ أيسر، أيشتري هدياً فينحره أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيّام إذا رجع إلى أهله؟ قال: «يشتري هدياً فينحره، ويكون صيامه الذي صام نافلة له».(2)

وحاصل هذا الجمع أنّ له الخيار بين المضيّ على ما صامه، ثمّ إتمامه بعد الرجوع، أو الانتقال إلى الهدي، والثاني أفضل. واستقرب العلّامة في «القواعد» وجوب الهدي إذا وجده في وقت الذبح واستدلّ ولده في الشرح بأ نّه مأمور بالذبح في وقت وقد وجده فيه فيجب. ويأتي على هذا القول أنّ بدلية الصوم مع تقديمه إنّما يتمّ مع عدم وجود الهدي في الوقت المعيّن للذبح الذي هو يوم النحر وأيّام التشريق كما تقدّم لا مطلقاً....

الثامن: لو لم يصم الثلاثة في وقتها الموظّف الذي تقدّم في الأخبار فإن تمكّن من صيام يوم الحصبة وما بعده صامها، وإن تمكّن من التأخير إلى بعد أيّام التشريق أخّر صيامها بعد تمام أيّام التشريق، فإنّه الأفضل، وإلّا صام يوم الحصبة ويومين بعده، وإن لم يقم عليه جماله صامها في الطريق أو في


1- وسائل الشيعة 14: 177، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 45، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 178، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 45، الحديث 2 ..

ص: 606

منزله إن لم يخرج ذو الحجّة.

ويدلّ على الحكم الأوّل- من أنّ الأفضل بعد أيّام التشريق، ومع عدم إمكانه فيوم الحصبة وما بعده- ما تقدّم في صحيحة رفاعة من قوله: «يصوم يوم التروية»، قال: فإنّه قدم يوم التروية، قال: «يصوم ثلاثة أيّام بعد التشريق»، قلت: لم يقم عليه جماله، قال: «يصوم يوم الحصبة وبعده يومين».(1)

وأمّا ما يدلّ على الثاني من الصوم في الطريق فما رواه في «الكافي» في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن عبد صالح عليه السلام قال: سألته عن المتمتّع ليس له اضحية وفاته الصوم حتّى يخرج، وليس له مقام قال: «يصوم ثلاثة أيّام في الطريق إن شاء، وإن شاء صام في أهله»(2)... وما رواه في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «الصوم الثلاثة أيّام إن صامها فآخرها يوم عرفة فإن لم يقدر على ذلك فليؤخّرها حتّى يصومها في أهله ولا يصومها في السفر».(3)...

وظاهر المحدّث الكاشاني في «الوافي» حمل الخبر المذكور على التقيّة مستنداً إلى ما تشعر به صحيحة رفاعة المتقدّمة، ولعلّه الأقرب. وكيف كان، فالرواية المذكورة معارضة بجملة من الأخبار الصحيحة الصريحة المستفيضة المتّفق على العمل بها فلا تبلغ حجّة في مقابلتها» واللَّه العالم.(4)


1- وسائل الشيعة 14: 178، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 46، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 186، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 47، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 14: 181، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 46، الحديث 10 ..
4- الحدائق الناضرة 17: 128- 148 ..

ص: 607

(مسألة 15): لو كان قادراً على الاقتراض بلا مشقّة وكلفة وكان له ما بإزاء القرض- أي كان واجداً لما يؤدّي به وقت الأداء- وجب الاقتراض والهدي، ولو كان عنده من مؤن السفر زائداً على حاجته ويتمكّن من بيعه بلا مشقّة، وجب بيعه لذلك، ولا يجب بيع لباسه كائناً ما كان، ولو باع لباسه الزائد وجب شراء الهدي، والأحوط الصوم مع ذلك.

بيانه- قال في «شرح اللمعة»: «ولو عجز عن تحصيل الثقة أو عن الثمن في محلّه، ولو بالاستدانة على ما في بلده، والاكتساب اللائق بحاله، وبيع ما عدا المستثنيات في الدين صام بدله عشرة أيّام ثلاثة أيّام في الحجّ متوالية إلّا ما استثنى».(1)

قال في «الجواهر»: «نعم، المعتبر القدرة في موضعه لا في بلده إلّاإذا تمكّن من بيع ما في بلده بما لا يتضرّر به أو من الاستدانة عليه، فإنّه لا يبعد الوجوب، بل أطلق في «المسالك» البيع بدون ثمن المثل، وعلى كلّ حال، فإذا صدق العنوان المزبور صام عشرة أيّام ثلاثة في سفر الحجّ قبل الرجوع إلى أهله وشهره، وهو هنا، ذو الحجّة عندنا، ويجب أن تكون متواليات بلا خلاف، بل عن «المنتهى» وغيره الإجماع عليه، مضافاً إلى النصوص، منها: قول الصادق عليه السلام في خبر إسحاق: «لا يصوم الثلاثة الأيّام متفرّقة»(2) ونحوه الصحيح المروي في «قرب الإسناد»: «يوماً قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة»(3) بلا خلاف أجده في


1- الروضة البهيّة 1: 533 ..
2- وسائل الشيعة 14: 198، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 53، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 14: 182، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 46، الحديث 14 ..

ص: 608

شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى الكتاب العزيز(1) والمعتبرة المستفيضة أو المتواترة، ومنها رواية رفاعة بن موسى المتقدّمة إلى غير ذلك من النصوص».(2)

قوله رحمه الله: «ولا يجب بيع لباسه كائناً ما كان».

قال في «الرياض»: «فيما قطع به الأصحاب كما صرّح به جماعة مشعرين بدعوى الإجماع. ولا ريب فيه مع الحاجة إليها والضرورة، لاستثنائها في الديون، ونحوها من حقوق الناس، فهنا أولى. وأمّا مع عدم الحاجة فكذلك؛ لإطلاق النصّ والفتوى، ففي المرسل: عن رجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ وفي عيبته ثياب أله أن يبيع من ثيابه شيئاً ويشتري به؟ قال: «لا هذا ممّا يتزيّن به المؤمن يصوم، ولا يأخذ من ثيابه شيئاً».(3) وضعف السند مجبور بالعمل وبفتوى من لا يرى العمل بأخبار الآحاد كالحلّي في «السرائر»، مع أنّ في الصحيح: عن المتمتّع يكون له فضل من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه، فتسوى تلك الفضول مئة درهم، هل يكون ممّن يجب عليه؟ فقال: «وأيّ شي ء كسوة بمئة درهم؟ هذا ممّن قال اللَّه تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ».(4) ولو باعها واشتراه أجزأه وفاقاً لجماعة، بناءً على أنّ الظاهر من الأمر هنا وروده للرخصة. خلافاً لبعضهم فناقش بأ نّه إتيان بغير


1- البقرة( 2): 192 ..
2- جواهر الكلام 19: 167 ..
3- وسائل الشيعة 14: 202، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 57، الحديث 2 ..
4- وسائل الشيعة 14: 202، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 57، الحديث 1 ..

ص: 609

الفرض، ولا ريب أنّ الصوم أحوط».(1)

(مسألة 16): لا يجب عليه الكسب لثمن الهدي، ولو اكتسب وحصل له ثمنه يجب شراؤه.

بيانه- قال في «المعالم»: «قال السيّد قدس سره في ضمن احتجاجه: إنّ الأمر ورد في الشريعة على ضربين أحدهما يقتضي إيجاب نفس الفعل دون مقدّماته كالزكاة والحجّ فإنّه لا يجب علينا أن نكتسب المال ونحصّل النصاب ونتمكّن من الزاد والراحلة. والضرب الآخر يجب فيه مقدّمات الفعل كما يجب هو في نفسه، وهو الصلاة وما جرى مجراها بالنسبة إلى الوضوء، فإذا انقسم الأمر في الشرع إلى قسمين كما ذكر، فكيف نجعلهما قسماً واحداً؟

وفرّق السيّد في الضرب الثاني، وهو الذي يجب فيه الفعل ومقدّماته بين السبب وغيره من المقدّمات، فقال: بأ نّه كلّما اقتضى الأمر وجود المسبّب كالعتق اقتضى وجوب سببه كالعقد فإنّه لو أمر الشارع بالمسبّب ولكن لم يأمر بالسبب يلزم أن يوجب المسبّب كالعتق بشرط أن يتّفق تحقّق السبب من دون أن يكون واجباً، والسبب هو العقد ومحال أن يوجب علينا المسبّب بشرط اتّفاق وجود السبب من دون أن يكون واجباً، إذ مع وجود السبّب كالعقد لا بدّ من وجوب المسبّب كالعتق من دون حاجة إلى الإيجاب، لأنّ المسبّب لا ينفكّ عن السبب كعدم انفكاك وجود النهار عن طلوع الشمس بل قد قيل في الباب السبب والمسبّب أنّ الوجوب المستفاد من الأمر وإن ثبت ظاهراً على المسبّب كقوله أعتق إلّاأنّه في الحقيقة لا يتعلّق بالمسبّبات بل يتعلّق بالأسباب فإذا قال: أعتق فمعناه أنّه أجر صيغة العتق لعدم تعلّق القدرة بها بمعنى أنّ المسبّبات ليست في اختيار المكلّف.


1- رياض المسائل 6: 427 ..

ص: 610

ألا ترى أنّ وجود النهار ليس في اختيار الشخص سواء طلع الشمس أو لم يطلع فإنّ وجود النهار لازمة لطلوع الشمس فلا يمكن تركها، أي لا يمكن المكلّف ترك المسبّبات حين وجود الأسباب. والحاصل أنّ المسبّبات ليست في الاختيار.

وهذا الكلام عندي منظور فيه لأنّ المقدور على قسمين قسم منه مقدور بلا واسطة شي ء كأغلب الأفعال، وقسم منه مقدور مع الواسطة وما نحن فيه من هذا القبيل لأنّ المسبّبات وإن كانت القدرة لا تتعلّق بها ابتداءً أي بلا واسطة، ولكنّها أيّ القدرة تتعلق بها مسبّبات بتوسط الأسباب. ألا ترى أنّك قادر بإضائة البيت بتوسط المصباح وأ نّك قادر بعتق عبدك بتوسط إجراء العقد وكما يصحّ التكليف على الامور المقدورة، ومن ثمّ أي من أجل أنّ القدرة تتعلّق بالمسبّبات بتوسط الأسباب، وهذا القدر كاف في جواز التكليف على المسبّبات وعلى كلّ حال فالذي أراه أنّ البحث في السبب قليل الجدوى».(1) فحيثما يرد أمر متعلّق ظاهراً بمسبّب فهو في الحقيقة متعلّق بالسبب، فالواجب حقيقة هو وإن كان في الظاهر وسيلة له أي إلى المسبّب. وبالجملة لا يجب علينا أن نكتسب المال ونحصل النصاب ولا يجب الكسب لثمن الهدي كما لا يجب نحصل الزاد والراحلة مقدّمة للحجّ، واللَّه العالم.


1- معالم الدين: 61- 62 ..

ص: 611

(مسألة 21): يجوز صوم الثلاثة في السفر، ولا يجب قصد الإقامة في مكّة للصيام، بل مع عدم المهلة للبقاء في مكّة جاز الصوم في الطريق، ولو لم يصم الثلاثة إلى تمام ذي الحجّة، يجب الهدي يذبحه بنفسه أو نائبه في مِنى، ولا يُفيده الصوم.

بيانه- أمّا ما يدلّ على الصوم في الطريق فما رواه في «الكافي» في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن عبد صالح عليه السلام قال: سألته عن المتمتّع ليس له اضحية، وفاته الصوم حتّى يخرج وليس له مقام، قال: «يصوم ثلاثة أيّام في الطريق، وإن شاء صام عشرة في أهله»(1) وقد تقدّم تفصيله آنفاً في الأمر الثامن، وقد عرفت فيما تقدّم دلالة جملة من الأخبار على جواز صوم الثلاثة بعد الوصول إلى بلده، فيصوم العشر كملًا هناك وينبغي تقييده بأن يكون وصوله قبل خروج ذي الحجّة؛ لأنّه مع خروج ذي الحجّة، ولمّا يصم الثلاثة يلزمه الدم، ويجب تقييده أيضاً بعدم وجود الهدي وإرساله على وجه يمكن ذبحه في ذي الحجّة، وإلّا تربّص به إلى العام القابل، وسقط الصوم في الصورة المذكورة.

قال شيخنا الشهيد في «الدروس»: «ولو رجع إلى بلده، ولم يصم الثلاثة، وتمكّن من الهدي وجب بعثه لعامه إذا كان يدرك ذا الحجّة وإلّا ففي القابل، وقال الشيخ يتخيّر بين البعث وهو الأفضل وبين الصوم وأطلق» انتهى.(2)

وقال في «المهذّب البارع»: قال طاب ثراه: ولو فقد الهدي ووجد ثمنه استناب في شرائه وذبحه طول ذي الحجّة، وقيل: ينتقل فرضه إلى الصوم.


1- وسائل الشيعة 14: 186، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 47، الحديث 2 ..
2- الدروس الشرعية 1: 441 ..

ص: 612

(مسألة 22): لو صام الثلاثة ثمّ تمكّن من الهدي لا يجب عليه الهدي، ولو تمكّن في أثنائها يجب.

أقول: هنا ثلاثة أقوال: أ) مختار المصنّف وجوب جعل الثمن عند ثقة يذبحه عنه في بقيّة ذي الحجّة فإن خرج ذو الحجّة ولم يجد الهدي ذبح عنه في القابل، وهو اختيار الشيخ والسيّد والصدوقين والقاضي وابن حمزة وهو مذهب العلّامة لأنّ واجد الثمن كواجد الهدي كما في العتق، ووقته باق وهو ذو الحجّة، والاستدراك فيه ممكن ولرواية حريز وغيرها. ب) التخيير وهو قول أبي على وحكايته: لو لم يجد الهدي إلى يوم النفر كان مخيراً بين أن ينظر وسط ما وجد به في سنة هدى، فيتصدّق به بدلًا منه وبين أن يصوم وبين أن يدع الثمن عند بعض أهل مكّة يذبح عنه إلى آخر ذي الحجّة، فإنّ لم يجد ذلك أخّره إلى قابل أيّام النحر».(1)

بيانه- قال في «المختصر النافع»: «قال لو صام الثلاثة في الحجّ ثمّ وجد الهدي لم يجب لكنه أفضل»،(2) انتهى.

وفي «الحدائق»: «لو صام الثلاثة في وقتها المتقدّم ذكره ثمّ وجد الهدي فالمشهور بين الأصحاب أنّ الصوم يكون مجزءاً، وإن كان الأفضل ذبح الهدي، قاله الشيخ قدس سره وتبعه الأكثر. والمستند فيه الجمع بين ما رواه في «الكافي» من حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن متمتّع صام ثلاثة أيّام في الحجّ ثمّ أصاب هدياً يوم خرج من منى فقال: «أجزأه


1- المهذّب البارع 2: 199- 201 ..
2- المختصر النافع: 90 ..

ص: 613

صيامه»(1) وبين ما رواه في «الكافي» و «التهذيب» عن عقبة بن خالد قال:

سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل تمتّع وليس معه ما يشتري به هدياً فلمّا أن صام ثلاثة أيّام في الحجّ أيسر، أيشتري هدياً فينحره أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيّام إذا رجع إلى أهله؟ قال: «يشتري هدياً فينحره ويكون صيامه الذي صام نافلة له».(2)

حاصل هذا الجمع: أنّ له الخيار بين المضي على ما صامه ثمّ إتمامه بعد الرجوع أو الانتقال إلى الهدي، والثاني أفضل، واستقرب العلّامة في «القواعد» وجوب الهدي إذا وجده في وقت الذبح، واستدلّ ولده في الشرح بأ نّه مأمور بالذبح في وقت وقد وجده فيه فيجب، ويأتي على هذا القول أنّ بدلية الصوم مع تقديمه إنّما يتمّ مع وجود الهدي في الوقت المعيّن للذبح الذي هو يوم النحر وأيّام التشريق لا مطلقاً.

أقول: لا يخفى أنّ هذا القول لا يتمّ إلّابطرح رواية حمّاد بن عثمان المذكورة ورّدها، وهو مشكل على ظاهر إطلاق الأخبار المتقدّمة في استحباب صوم الثلاثة بدل الهدي قبل يوم التروية بيوم ويومان بعده يعطي البدلية مطلقاً كما لا يخفى، وهو مؤكّد لما دلّت عليه رواية حمّاد المذكورة. غاية الأمر: أنّه لمّا ورد معارضة هذه الرواية ورواية عقبة بن خالد فلا بدّ من وجه يجمع به بينهما، وقد عرفت ما جمع به الشيخ رحمه الله ومن تبعه من الحمل على الاستحباب. ثمّ إنّ مقتضى ما قدّمنا نقله عن الأصحاب تخصيص الحكم المذكور بما إذا صام الثلاثة، أمّا لو شرع فيها ثمّ وجد الهدي قبل أن


1- وسائل الشيعة 14: 177، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 45، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 178، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 45، الحديث 2 ..

ص: 614

(مسألة 23): يجب صوم سبعة أيّام بعد الرجوع من سفر الحجّ، والأحوط كونها متوالية، ولا يجوز صيامها في مكّة ولا في الطريق. نعم، لو كان بناؤه الإقامة في مكّة، جاز صيامها فيها بعد شهر من يوم قصد الإقامة، بل جاز صيامها إذا مضى من يوم القصد مدّة لو رجع وصل إلى وطنه، ولو أقام في غير مكّة من سائر البلاد أو في الطريق، لا يجوز صيامها ولو مضى المقدار المتقدّم. نعم، لا يجب أن يكون الصيام في بلده، فلو رجع إلى بلده جاز له قصد الإقامة في مكان آخر لصيامها.

يتمّها فإنّه ينتقل حكمها إلى وجوب الهدي»،(1) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الجواهر»: «صوم السبعة بعد وصوله إلى بلده بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه وهو الحجّة بعد ظاهر الآية(2) الذي مقتضاه العود إلى الوطن، وصحيح معاوية عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: من كان متمتّعاً فلم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله».(3) وصحيح سليمان بن خالد: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل تمتّع ولم يجد هدياً، قال: «يصوم ثلاثة أيّام بمكّة وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكّة، فليصم عشرة أيّام إذا رجع إلى أهله»،(4) وغيرهما، خلافاً لبعض العامّة، فقال: يصوم السبعة إذا فرغ من أعمال الحجّ ولآخر منهم أيضاً، فقال: يصومها إذا خرج من مكّة سائراً في


1- الحدائق الناضرة 17: 141- 143 ..
2- البقرة( 2): 195 ..
3- وسائل الشيعة 14: 186، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 47، الحديث 4 ..
4- وسائل الشيعة 14: 180، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 46، الحديث 7 ..

ص: 615

الطريق، ولثالث، فقال: بعد أيّام التشريق، والجميع مخالف للتنزيل الذي مقتضاه أيضاً صومها بعد الرجوع متى شاء، وعن إسحاق بن عمّار أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام: أنّه قدم الكوفة ولم يصم السبعة الأيّام حتّى فرغ في حاجة إلى بغداد فقال عليه السلام: «صمها ببغداد» فقلت: افرّقها قال: «نعم».(1)

ولا يشترط فيها الموالاة على الأصحّ وفاقاً للمشهور، بل عن «المنتهى» و «التذكرة»: لا أعرف فيه خلافاً للأصل بعد إطلاق الدليل، وخبر إسحاق بن عمّار المتقدّم آنفاً بما عرفت المعتضد بالعموم في حسن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام «كلّ صوم يفرّق إلّاثلاثة أيّام في كفّارة اليمين»(2) خلافاً لما عن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح من وجوبها فيها، كالثلاثة لخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام سألته عن صوم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة أفصومها متوالية أو نفرّق بينها؟ قال: «تصوم الثلاثة الأيّام لا تفرّق بينها والسبعة لا تفرّق بينها»(3) وهو- مع الطعن في سنده بمحمّد بن أحمد العلوي الذي هو غير معروف الحال وإن وصف الفاضل الروايات الواقع في طريقها بالصحّة فهو كالشهادة منه بذلك- قاصر عن معارضة ما سمعت».(4)

وقال في «الحدائق»: «المشهور بين الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- أ نّه لا يشترط الموالاة في السبعة، بل قال العلّامة في «التذكرة» و «المنتهى»: إنّه


1- وسائل الشيعة 14: 200، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 55، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 10: 340، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 26، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 14: 200، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 55، الحديث 2 ..
4- جواهر الكلام 19: 185- 187 ..

ص: 616

لا يعرف فيه خلافاً. ويدلّ عليه إطلاق الآية وتقييدها يحتاج إلى دليل، وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار المتقدّم آنفاً.

ونقل في «المختلف» في كتاب الصوم عن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح وجوب التتابع في هذه السبعة قال قدس سره: المشهور أنّ السبعة في بدل الهدي لا يجب فيه التتابع، وقال ابن أبي عقيل: وسبعة متتابعات إذا رجع إلى أهله. وذهب أبو الصلاح إلى وجوب التتابع في السبعة... احتجّ بأنّ الأمر للفور. وما رواه علي بن جعفر في الحسن عن أخيه موسى عليه السلام وقد تقدّم ذكره آنفاً. والجواب المنع من كون الأمر للفور، ومن كون الخبر للوجوب، ولو قيل به كان قويّاً للحديث، انتهى....

والشيخ ومن تبعه من الأصحاب قد جمعوا بين الخبرين بحمل رواية علي بن جعفر على الاستحباب، ولا يبعد حمل رواية إسحاق بن عمّار على التقيّة، حيث إنّ العامّة لا يرون التتابع حتّى في الثلاثة كما نقله في «المنتهى». ولا ريب أنّ الاحتياط في التتابع كما دلّت عليه رواية علي بن جعفر. وأمّا ما دلّت عليه من أنّه لا يجمع بين السبعة والثلاثة فيجب تخصيصه بما إذا كان في مكّة على الوجه المتقدّم دون وصوله إلى أهله كما عرفت آنفاً».(1)

وقال في «الجواهر»: «ثمّ إنّ الظاهر اعتبار التفريق بين الثلاثة والسبعة بلا خلاف أجده فيه، بل عن «المنتهى» نسبته إلى علمائنا؛ لظاهر الآية، وخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام: «ولا يجمع بين الثلاثة والسبعة»،(2) لكنّ الظاهر اختصاص ذلك بما إذا صام في مكّة، وأمّا لو وصل إلى أهله ولم يكن قد صام


1- الحدائق الناضرة 17: 154- 156 ..
2- وسائل الشيعة 14: 200، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 55، الحديث 2 ..

ص: 617

الثلاثة لم يجب عليه التفريق كما نصّ عليه الفاضل في محكيّ «المنتهى»، بل هو ظاهر الأمر بصوم العشرة فيما سمعته من النصوص، واللَّه العالم.

فإن أقام بمكّة انتظر مقدار مدّة وصوله إلى أهله ما لم يزد على شهر، ثمّ صام السبعة كما أنّه يصومها إذا مضى الشهر كما في «النافع» و «القواعد» ومحكيّ «النهاية» و «المقنع» و «السرائر» و «الجامع»، بل في «الذخيرة»: لا أعلم فيه خلافاً، والأصل فيه قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمّار: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: من كان متمتّعاً فلم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيّام بمكّة وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله وإن كان له مقام بمكّة وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهراً ثمّ صام»(1)... وقد ذكر غير واحد من المتأخّرين- على ما في «الذخيرة»- أنّ مبدأ الشهر بانقضاء أيّام التشريق، ولم يستوضحه قال: بل يحتمل الاحتساب من يوم يدخل مكّة أو يوم يعزم على الإقامة.

وفي «كشف اللثام»: والأظهر من آخرها الذي هو يوم النفر، ويحتمل من دخول مكّة أو قصد إقامتها، قلت: يشهد للأوّل ما سمعته من خبر «المقنع» مؤيّداً بما سمعته سابقاً من أنّ جواز صوم يوم الآخر منها باعتبار كونه يوم النفر هو الخروج من منى، وحرمة صومها إنّما هي فيها لا مطلقاً، ولعلّ الأمر هنا كذلك فإن خرج من منى في اليوم الأخير احتسب الشهر منه، وإلّا فمن بعده، ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه واللَّه العالم».(2)


1- تهذيب الأحكام 5: 234/ 790؛ وسائل الشيعة 14: 186، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 47، الحديث 4 والباب 50، الحديث 2 ..
2- جواهر الكلام 19: 187- 189 ..

ص: 618

(مسألة 25): لو لم يتمكّن من صوم ثلاثة أيّام في مكّة ورجع إلى محلّه، فإن بقي شهر ذي الحجّة صام فيه في محلّه، لكن يفصل بينها وبين السبعة، ولو مضى الشهر يجب الهدي، يذبحه في منى ولو بالاستنابة.

بيانه- قال في «الحدائق»: «قد عرفت فيما تقدّم دلالة جملة من الأخبار على جواز صوم الثلاثة بعد الوصول إلى بلده، فيصوم العشر كملًا هناك، وينبغي تقييده بأن يكون وصوله قبل خروج ذي الحجّة؛ لأنّه مع خروج ذي الحجّة ولمّا يصم الثلاثة يلزمه الدم كما تقدّم، ويجب تقييده أيضاً بعدم وجود الهدي وإرساله على وجه يمكن ذبحه في ذي الحجّة، وإلّا تربّص به إلى العامّ القابل، وسقط الصوم في الصورة المذكورة كما تقدّم جميع ذلك في الأخبار، ويدلّ على ذلك ما رواه «المقنع» مرسلًا قال: «وروي إذا لم يجد المتمتّع الهدي حتّى يقدّم أهله أنّه يبعثه».(1) قال شيخنا الشهيد في «الدروس»: لو رجع إلى بلده ولم يصم الثلاثة وتمكّن من الهدي وجب بعثه لعامه إذا كان يدرك ذا الحجّة وإلّا ففي القابل، وقال الشيخ: يتخيّر بين البعث وهو الأفضل وبين الصوم وأطلق، انتهى».(2)

وقال في «الجواهر»: «ولو خرج ذو الحجّة ولم يصمها؛ أي الثلاثة تعيّن الهدي بلا خلاف أجده فيه، بل في ظاهر «المدارك» وصريح المحكيّ عن «الخلاف» الإجماع عليه، بل عن بعض نقله أنّه جماعة، وهو الحجّة بعد صحيح


1- وسائل الشيعة 14: 81، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 1، الحديث 7 ..
2- الحدائق الناضرة 17: 156 ..

ص: 619

ابن حازم عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «من لم يصم في ذي الحجّة حتّى يهلّ المحرّم (مسألة 26): لو تمكّن من الصوم ولم يصم حتّى مات يقضي عنه الثلاثة وليّه، والأحوط قضاء السبعة أيضاً.

فعليه شاة وليس له صوم ويذبح بمنى»،(1) لكن في «كشف اللثام» أنّه كما يحتمل الهدي يحتمل الكفّارة، بل هي أظهر، وكذا «النهاية» و «المهذّب»، وفيه أ نّه دالّ بإطلاقه أو عمومه لهما... ولكن في محكيّ «النهاية» و «المبسوط» بعد ما سمعته: إنّ من لم يصم الثلاثة بمكّة ولا بالطريق ورجع إلى بلده وكان متمكّناً من الهدي بعث به، فإنّه أفضل من الصوم وظاهره التخيير بين الهدي والصوم، بل في «الدروس» حكاية ذلك عنه على الجزم، وفيه: أنّه إن كان قد خرج ذو الحجّة تعيّن الهدي»؛ ضرورة فوات وقت الصوم، بل وكذا إن لم يخرج؛ لأنّ من وجد الهدي قبل شروعه في الصوم يجب عليه الهدي»(2) انتهى موضع الحاجة واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الرياض»: «ولو مات من وجب عليه الصوم بدل الهدي ولم يصم، فإن لم يكن قد تمكّن من صيام شي ء من العشرة سقط الصوم، ولا يجب على وليّه القضاء عنه، ولا الصدقة عنه. وفي «المنتهى» هنا ذهب إليه علمائنا وأكثر الجمهور، وقريب منه ظاهر الصيمري، فادّعى إطباق الفتاوى على اعتبار التمكّن، وجعله المقيّد للنصّ الآتي بإطلاق القضاء عنه، وردّ بذلك على بعض من حكي عنه عدم اعتباره إيّاه، وهو حسن. وإن تمكّن من فعل الجميع ولم يفعل، قال الشيخ رحمه الله: صام الوليّ عنه الثلاثة الأيّام وجوباً دون السبعة، وتبعه


1- وسائل الشيعة 14: 185، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 47، الحديث 1 ..
2- جواهر الكلام 19: 180 ..

ص: 620

الماتن هنا وجماعة كما قيل؛ للصحيح عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ ولم يكن له هدي فصام ثلاثة أيّام في ذي الحجّة، ثمّ مات بعد أن رجع إلى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيّام، أعلى وليّه أن يقضي عنه؟ قال: «ما أرى عليه قضاء».(1) وفيه: أنّ ظاهره نفي القضاء مطلقاً كما عليه الصدوق في «الفقيه»، لكنّه استحبّه... خلافاً للحلّي وأكثر المتأخّرين، بل المشهور كما قيل، فيجب عليه قضاء السبعة أيضاً؛ للصحيح «من مات ولم يكن له هدى لمتعته فليصم عنه وليّه».(2) وفيه: أنّ هذا ظاهر وما مرّ نصّ فليقدّم عليه ويحمل على الاستحباب كما صرّح به الصدوق في «الفقيه» ثمّ قال: وكيف كان، فلا ريب أنّ الوجوب أحوط، بل لا يترك سيّما في الثلاثة».(3)

وقال في «المختصر النافع»: «ولو مات ولم يصم صام الوليّ عنه الثلاثة وجوباً دون السبعة».(4) وقال في «شرح اللمعة»: «ولو مات من وجب عليه قبل إخراجه اخرج عنه من صلب المال؛ أي من أصله وإن لم يوص به كغيره من الحقوق المالية الواجبة، ولو مات فاقده قبل الصوم صام الوليّ، وقد تقدّم بيانه في الصوم عنه العشرة على قول؛ لعموم الأدلّة بوجوب قضائه ما فاته من الصوم ويقوى مراعاة تمكّنه منها في الوجوب، فلو لم يتمكّن لم يجب كغيره من الصوم الواجب، ويتحقّق التمكّن في الثلاثة بإمكان فعلها في الحجّ، وفي السبعة بوصوله إلى أهله أو مضيّ المدّة المشترطة إن أقام بغيره ومضيّ مدّة يمكنه فيها


1- وسائل الشيعة 14: 188، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 48، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 14: 187، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 48، الحديث 1 ..
3- رياض المسائل 6: 472- 474 ..
4- المختصر النافع: 91 ..

ص: 621

الصوم، ولو تمكّن من البعض قضاه خاصّة، والقول الآخر وجوب قضاء الثلاثة خاصّة، وهو ضعيف».(1)

وقال في «الحدائق»: «المشهور بين المتأخّرين ومنهم ابن إدريس ومن بعده وجوب الصوم على الوليّ لو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم.

وقال الشيخ: لو مات قبل أن يصوم شيئاً مع تمكّنه قضى الوليّ الثلاثة دون السبعة، وبه قال ابن حمزة، وقال الصدوق في «الفقيه» بعد نقل صحيحة معاوية بن عمّار الآتية، قال مصنّف هذا الكتاب قدس سره: هذا على الاستحباب لا على الوجوب وهو إذا لم يصم الثلاثة في الحجّ أيضاً، وظاهره الاستحباب حتّى في الثلاثة.

والذي يدلّ على القول الأوّل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من مات ولم يكن له هدي لمتعته فليصم عنه وليّه»(2) والشيخ بعد نقل هذه الرواية عن «الكافي» قال في آخرها: «يعني هذه الثلاثة الأيّام».(3) والظاهر أنّ هذا من كلامه بياناً لمذهبه في المسألة؛ لخلوّ الرواية في «الكافي» و «الفقيه» عن هذه الزيادة. وكذلك رواه الشيخ المفيد في «المقنعة» مرسلًا:

قال: قال عليه السلام: «من مات ولم يكن له هدي لمتعته صام عنه وليّه»(4) واستدلّ الشيخ في «التهذيب» على عدم وجوب قضاء السبعة بما رواه عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبداللَّه عليه السلام: أنّه سئل عن رجل تمتّع بالعمرة إلى


1- الروضة البهيّة 1: 534 ..
2- وسائل الشيعة 14: 187، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 48، الحديث 1 ..
3- تهذيب الأحكام 5: 40/ 117 ..
4- وسائل الشيعة 14: 188، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 48، الحديث 6 ..

ص: 622

الحجّ ولم يكن له هدي، فصام ثلاثة أيّام في ذي الحجّة، ثمّ مات بعد أن رجع إلى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيّام، أعلى وليّه أن يقضي عنه؟ قال: «ما أرى عليه قضاءً».(1)

وأجاب عنه العلّامة في «المنتهى» بأنّ هذه الرواية لا حجّة فيها؛ لاحتمال أن يكون موته قبل أن يتمكّن من الصيام، ومع هذا الاحتمال لا يبقى فيها دلالة على المطلوب، وهو جيّد. ويعضده ما تقدّم من مرسلة «الفقيه» من قولهم عليهم السلام: «وإذا مات قبل أن يرجع إلى أهله ويصوم السبعة فليس على وليّه القضاء»،(2) وظاهر المحدّث الكاشاني في «الوافي» الميل إلى عدم الوجوب؛ استناداً إلى ما ورد في رواية الحلبي من أنّه لا قضاء على الوليّ... إذ غاية ما تدلّ عليه الرواية- مع تسليم دلالتها- هو عدم الوجوب في السبعة، فتبقى الثلاثة على ما دلّ عليه إطلاق صحيحة معاوية بن عمّار واللَّه العالم».(3)

قال في «الجواهر»: «ولو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم بعد التمكّن منه وجب أن يصوم عنه وليّه الثلاثة دون السبعة كما عن الشيخ وجمع؛ للأصل وحسن الحلبي... وفيه أنّ الأصل مقطوع بما تسمعه والحسن محتمل للموت قبل التمكّن من الصوم الذي لا خلاف معتدّ به في عدم وجوب الصوم عنه معه، بل عن «المنتهى» أنّه مذهب علمائنا وأكثر الجمهور، كما عن الصيمري أنّ عليه إطباق الفتاوى وبه يقيّد الإطلاق، فما عن بعض من الوجوب واضح الضعف، على أنّ الحسن المزبور ظاهر في نفي القضاء مطلقاً كما في «الرياض» حاكياً له


1- وسائل الشيعة 14: 188، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 48، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 14: 188، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 48، الحديث 4 ..
3- الحدائق الناضرة 17: 157 ..

ص: 623

عن الصدوق قدس سره، قال: لأنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحلّ وإن كان هو كماترى.

نعم، هو محتمل لما عرفت خصوصاً بعد قوّة المعارض.

من هنا قيل والقائل ابن إدريس وأكثر المتأخّرين: بوجوب قضاء الجميع مع عدم عدم صومها بعد التمكّن وهو الأشبه باصول المذهب وقواعده التي منها عموم ما دلّ على وجوب قضاء ما فات الميّت من الصيام، بل عن «المختلف» الإجماع على ذلك وخصوص صحيح معاوية... ومن الغريب ما في «الرياض» من المناقشة: بأنّ هذا ظاهر والأوّل نصّ، ويحمل على الاستحباب بعد رجحانه عليه بالشهرة والإجماع المحكيّ وغير ذلك، وأغرب منه المناقشة أيضاً بأنّ الشهرة ليست بتلك الشهرة الموجبة لصرف الأدلّة عن ظواهرها، وبعدم وضوح تناول العموم لمثل المقام، وبمنع الإجماع في محلّ النزاع، إلّاأنّ ذلك كلّه كماترى، والتحقيق ما عرفت.

ثمّ لا فرق في ذلك- بعد وجوبها عليه- بين وصوله إلى بلده وعدمه؛ للعموم المزبور، فما عساه يظهر من محكيّ «الفقيه»- من أنّه إذا مات قبل أن يرجع إلى أهله ويصوم السبعة فليس على وليّه القضاء من اعتبار الوصول- في غير محلّه.

اللهمّ إلّاأن يريد بذلك الكناية عن التمكّن منها، كما أنّ ما يحكى عن الصدوق من استحباب أصل القضاء للوليّ كذلك أيضاً بعد ما عرفت».(1)


1- جواهر الكلام 19: 189- 191 ..

ص: 624

الثالث من واجبات منى: التقصير.

(مسألة 27): يجب بعد الذبح الحلق أو التقصير ويتخيّر بينهما إلّاطوائف:

الاولى: النساء، فإنّ عليهنّ التقصير لا الحلق، فلو حلقن لا يجزيهنّ.

الثانية: الصرورة؛ أي الذي كان أوّل حجّه، فإنّ عليه الحلق على الأحوط.

الثالثة: الملبّد، وهو الذي ألزق شعره بشي ء لزج كعسل أو صمغ؛ لدفع القمّل ونحوه، فعليه الحلق على الأحوط.

الرابعة: من عقص شعره- أي جمعه ولفّه وعقده- فعليه الحلق على الأحوط.

الخامسة: الخنثى المشكل، فإنّه إذا لم يكن من إحدى الثلاثة الأخيرة يجب عليه التقصير، وإلّا جمع بينه وبين الحلق على الأحوط.

الثالث: الحلق والتقصير

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: وبعد أن اتّفقوا على أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رمى أوّلًا ثمّ نحر ثمّ حلق اختلفوا هل هذا الترتيب واجب بحيث لا يجوز تقديم ما أخّر الرسول ولا تأخير ما قدّم أو أنّه سنّة يجوز تركها؟ قال الشافعية وأحمد: لا شي ء على من قدّم أو أخّر. وقال مالك: من حلق قبل أن يرمي فعليه فدية ومن حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يرمي فلا شي ء عليه.

وقال أبو حنيفة: إن حلق قبل أن ينحر أو يرمي فعليه دم وإن كان قارناً فعليه دمان. وقال الإمامية: لو قدم بعضاً على بعض عالماً عامداً تمّ ولا إعادة عليه.

قال صاحب «الجواهر» بلا خلاف محقّق أجده وفي «المدارك» أنّ الفقهاء الإمامية قاطعون به.

ص: 625

قوله قدس سره: «يجب بعد الذبح الحلق أو التقصير».

وفي «الجواهر» وإطلاق قوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ(1) بعد العلم بعدم إرادة الجمع والتفصيل الموجب للإجمال، فتعيّن التخيير على الإطلاق.

وفي تفسير «مجمع البيان» في تفسير الآية الكريمة قال: «أي محرمين يحلق بعضكم رأسه ويقصر بعض وهو أن يأخذ بعض الشعر وفي هذا دلالة على أنّ المحرم بالخيار عند التحلّل من الإحرام إن شاء حلق وإن شاء قصر. وفي «الجواهر»: فإذا فرغ من الذبح فهو مخيّر إن شاء حلق، وإن شاء قصر والحلق أفضل الفردين الواجبين فينوى فيه الوجوب أيضاً. وعلى كلّ حال فلا خلاف أجده في شي ء من ذلك في الحاجّ والمعتمر مفردة غير الملبّد والصرورة ومعقوص الشعر. بل عن «التذكرة» الإجماع عليه كما عن «المنتهى» نفي علم الخلاف فيه، مضافاً إلى قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي الذي رواه ابن إدريس عن نوادر البزنطي: «من لبّد شعره أو عقصه فليس عليه أن يقصّر وعليه الحلق ومن لم يلبّد تخيّر إن شاء قصر وإن شاء حلق والحلق أفضل»(2)... وفي حسن حريز: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يوم الحديبية: «اللهمّ اغفر للمحلّقين»، قيل:

وللمقصّرين يا رسول اللَّه قال: «وللمقصّرين».(3)

وقال في «المهذّب البارع»: «التخيير مذهب ابن إدريس والمصنّف والعلّامة وأحد قولي الشيخ لقوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ، وليس المراد به الجمع


1- الفتح( 48): 27 ..
2- وسائل الشيعة 14: 226، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 7، الحديث 15 ..
3- وسائل الشيعة 14: 223، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 7، الحديث 6 ..

ص: 626

قطعاً، بل إمّا التخيير أو التفصيل، والثاني يلزم منه الإجمال، وهو مرجوح، فتعيّن الأوّل، ولصحيحة حريز. والتفصيل- وهو وجوب الحلق على الملبّد والصرورة، وإجزاء التقصير لغيرهما- أحد قولي الشيخ وأبي علي. والمراد بالصرورة من لم يحجّ حجّة الإسلام. والملبّد الذي يجعل في رأسه الصمغ والعسل ليقتل القمّل. وألحق به أبو علي من كان شعره مظفوراً أو مقصوصاً من الرجال. وقال الحسن: ومن لبّد شعره أو عقصه فعليه الحلق، ولم يذكر الصرورة.

وعكس المفيد، فقال: ولا يجزئ الصرورة غير الحلق، ولم يذكر الملبّد.(1)

قال في «الجواهر»: «وفي «النافع» و «القواعد» ومحكيّ «الجمل والعقود» و «السرائر» و «الغنية» بل في «المدارك» أنّه المشهور أنّه يتأكد في حقّ من لم يحجّ المسمى بالصرورة ومن لبد شعره بعسل أو صمغ لئلا يقمل أو يتّسخ.

وقيل والقائل الشيخ في محكيّ «النهاية» و «المبسوط» وابن حمزة في محكيّ «الوسيلة» لا يجزيهما إلّاالحلق وكذا عن «المقنع» و «التهذيب» و «الجامع» مع زيادة المعقوص. وعن «المقنعة» و «الاقتصاد» و «المصباح» و «مختصره» و «الكافي» في الصرورة. وعن ابن أبي عقيل في الملبّد والمعقوص ولم يذكر الصرورة، ومال إليه في «المدارك»... وفي خبر أبي سعيد: «يجب الحلق على ثلاثة نفر رجل لبد ورجل حجّ بدءاً ولم يحجّ قبلها ورجل عقص رأسه».(2)...

احتجّ الشيخ في «التهذيب» على وجوب الحلق على الصرورة والملبّد ومن عقص شعره بما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال:


1- المهذّب البارع 2: 202- 203 ..
2- جواهر الكلام 19: 234- 235 ..

ص: 627

«ينبغي للصرورة أن يحلق وإن كان قد حجّ فإن شاء قصر وإن شاء حلق وإذا لبّد شعره أو عقص فإنّ عليه الحلق وليس له التقصير».(1) والعلّامة في «المختلف» بعد نقل الاحتجاج للشيخ ببعض هذه الروايات أجاب بالحمل على الاستحباب عملًا بالأصالة وجمعاً بين الأدلّة ولا يخفى ضعفه.

أمّا الأصل فيجب الخروج عنه بالدليل. وهذه الأدلّة- كما ترى- واضحة في تعيّن الحلق على هؤلاء المعدودين على أنّه من الظاهر أنّ صحيحة حريز التي استندوا عليها مطلقة، وهذه الأخبار مقيّدة، ومن الاصول المعتمدة عندهم حمل المطلق على المقيّد. وأمّا ما ذكره في «المدارك» من التوقّف في وجوب الحلق على الصرورة.

نعم، يمكن أن يقال: هذه الروايات لا تدلّ على وجوب الحلق على الصرورة لأنّ لفظ ينبغي الواقع في الرواية الاولى ظاهر على الاستحباب، ولفظ الواجب في الرواية الأخيرة محتمل لذلك وأشار إلى رواية أبي سعيد. ففيه: مع الإغماض عن المناقشة فيما ادّعاه أنّ وجوب الحلق على الصرورة ليس منحصراً في هاتين الروايتين كما توهّمه، بل تدلّ عليه جملة من الأخبار: منها: ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار الساباطي(2) عن أبي عبداللَّه عليه السلام إلى آخره.

وما رواه في «الكافي» عن أبي بصير(3) عن أبي عبداللَّه عليه السلام- وما رواه الشيخ في «التهذيب» عن بكر بن خالد(4) عن أبي عبداللَّه عليه السلام- وما رواه الصدوق عن


1- وسائل الشيعة 14: 221، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 7، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 222، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 7، الحديث 4 ..
3- وسائل الشيعة 14: 223، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 7، الحديث 5 ..
4- وسائل الشيعة 14: 224، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 7، الحديث 10 ..

ص: 628

سليمان بن مهران(1)... وغير ذلك من الروايات. وبذلك يظهر صحّة ما ذهب إليه الشيخ رحمه الله وضعف ما سواه، واللَّه العالم.

ما ذكرنا من التخيير بين الحلق والتقصير أو وجوب الحلق في تلك الأفراد؛ وأمّا النساء فالواجب في حقهنّ هو التقصير خاصّة بما يحصل به المسمّى اتّفاقاً نصّاً وفتوى وحكى العلّامة الإجماع في «المختلف» على تحريم الحلق عليهنّ.(2)

وقال في «شرح اللمعة»: «ويتعيّن على المرأة التقصير، فلا يجزئها الحلق حتّى لو نذرته لغا كما لا يجزئ الرجل في عمرة التمتّع وإن نذره ويجزئ فيه النيّة المشتملة على قصد التحلّل من النسك المخصوص متقرّباً، ويجزئ مسمّاه كما مرّ. ولو تعذّر فعله في منى في وقته فعل بغيرها وجوباً، وبعث بالشعر إليها ليدفن فيها مستحبّاً فيهما من غير تلازم، فلو اقتصر على أحدهما تأدّت سنّته خاصّة».(3)

وفي «الجواهر»: «وليس على النساء حلق، لا تعييناً ولا تخييراً بلا خلاف أجده، بل عن «التحرير» و «المنتهى» الإجماع عليه، وهو الحجّة...

اللهمّ إلّاأن يكون هناك شهرة بين الأصحاب تصلح جابراً لنحو المرسل المزبور، بناءً على إرادة الإطلاق، فيكون كحلق اللحية للرجال... وكيف كان ففي «القواعد» في إجزاء الحلق للامرأة: لو فعلته عن التقصير نظر... على أ نّه بعد أن عرفت حرمة الحلق عليهنّ كيف يتصوّر إجزاءه عن الواجب؟ إذ


1- وسائل الشيعة 14: 225، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 7، الحديث 14 ..
2- الحدائق الناضرة 17: 226 ..
3- الروضة البهيّة 1: 539 ..

ص: 629

أقصاه بعد التسليم كونه فرداً من التقصير منهيّاً عنه، فلا يجزئ عن الواجب، فتأمّل جيداً».(1)

وقال في «رياض المسائل»: «والتقصير متعيّن على المرأة إجماعاً كما في «المختلف» وغيره، وفي «التحرير» و «المنتهى»: ليس عليها الحلق إجماعاً؛ للنبوي «ليس على النساء حلق إنّما على النساء التقصير»(2) والمرتضوي «نهى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أن تحلق المرأة رأسها»(3) ويجزئ المرأة في التقصير أخذ قدر الأنملة كما في كلام جماعة؛ للمرسل كالصحيح «تقصّر المرأة مقدار الأنملة»،(4) ولكن في الصحيح: «إن لم يكن عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهنّ ويقصّرن من أظفارهنّ»،(5) فالأولى الجمع. وعن الإسكافي أنّها يجزيها قدر القبضة، قيل: هو على الندب، ثمّ قيل: المراد بقدر الأنملة لعمرتها أقلّ المسمّى، وهو المحكيّ عن ظاهر «التذكرة» و «المنتهى» قال: لأنّ الزائد لم يثبت، والأصل براءة الذمّة. ثمّ إطلاق الماتن هنا وفي غيره- كالقواعد- يعطي إجزاء ذلك للرجل. ولعلّه لإطلاق النصوص، إلّاأنّ مقتضاه المسمّى كما احتمل في المرأة أيضاً».(6)

وقال في «الحدائق»: «والظاهر أنّ المراد بمقدار الأنملة الكناية عن المسمّى، وهو المشهور، ونقل عن ابن الجنيد أنّه قال: وعليها أن تقصّر مقدار القبضة من


1- جواهر الكلام 19: 236 ..
2- عوالي اللئالي 1: 180/ 237 ..
3- كنز العمال 5: 276/ 12873 ..
4- وسائل الشيعة 13: 508، كتاب الحجّ، أبواب التقصير، الباب 3، الحديث 3 ..
5- وسائل الشيعة 14: 28، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 17، الحديث 2 ..
6- رياض المسائل 6: 500 ..

ص: 630

(مسألة 28): يكفي في التقصير قصّ شي ء من الشعر أو الظفر بكلّ آلة شاء، والأولى قصّ مقدار من الشعر والظفر أيضاً، والأحوط لمن عليه الحلق أن يحلق جميع رأسه. ويجوز فيهما المباشرة والإيكال إلى الغير، ويجب فيهما النيّة بشرائطها ينوي بنفسه، والأولى نيّة الغير أيضاً مع الإيكال إليه.

شعر رأسها ولم نقف على مأخذه، بل ظاهر المرسلة المتقدّمة ردّه، وفي «المختلف» ردّ القول المذكور بقوله: لنا: أنّ الأمر بالكلّي يكفي فيه أيّ فرد من جزئياته وجد فيخرج من العهدة بأقلّ المسمّى، انتهى».(1)

وقال في «الجواهر»: «والخنثى المشكل تقصّر إذا لم تكن أحد الثلاثة، بل وإن كانت على القول بالتخيير أيضاً، وأمّا على القول بالوجوب فيتعيّن عليها فعلهما مقدّمة، بناءً على أنّ حرمة الحلق تشريعية كما هو الظاهر، فتسقط للاحتياط، وإلّا كان المتّجه التخيير واللَّه العالم».(2)

بيانه- يكفي في التقصير قصّ شي ء من الشعر أو الظفر بكلّ آلة شاء، والأولى قصّ مقدار من الشعر والظفر أيضاً. وفي الصحيح: «إن لم يكن عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهنّ ويقصّرن من أظفارهنّ»(3) والجمع أولى، والأفضل أن يتولّى الحاجّ الحلق والقصر بنفسه ويجوز أن يوكّل فيه غيره؛ لأنّه من الأفعال التي تقبل النيابة على أن ينوي الوكيل النيابة في الحلق والقصر عن الأصيل والأفضل أن ينويا معاً.


1- الحدائق الناضرة 17: 227 ..
2- جواهر الكلام 19: 238 ..
3- وسائل الشيعة 14: 226، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 8، الحديث 1 ..

ص: 631

(مسألة 29): لو تعيّن عليه الحلق ولم يكن على رأسه شعر يكفي إمرار الموسى على رأسه، ويجزي عن الحلق، ولو تخيّر من لا شعر له بينه وبين التقصير يتعيّن عليه التقصير. ولو لم يكن له شعر حتّى في الحاجب ولا ظفر، يكفي له إمرار الموسى على رأسه.

بيانه- قال في «شرح اللمعة»: «ويمرّ فاقد الشعر الموسى على رأسه مستحبّاً إن وجد ما يقصّر منه غيره، وإلّا وجوباً ولا يجزئ الإمرار مع إمكان التقصير؛ لأنّه بدل عن الحلق اضطراري، والتقصير قسيم اختياري، ولا يعقل إجزاء الاضطراري مع القدرة على الاختياري، وربما قيل: بوجوب الإمرار على من حلق في إحرام العمرة وإن وجب عليه التقصير من غيره لتقصيره بفعل المحرم».(1)

وقال في «رياض المسائل»: «ومن ليس على رأسه شعر خلقة أو لحلقه في إحرام العمرة يجزيه إمرار الموسى عليه كما في الخبر.(2) وظاهر الإجزاء فيه، وفي العبارة عدم وجوب التقصير ولو مع إمكانه مطلقاً، وهو مشكل؛ حيثما يتخيّر الحاجّ بينه وبين الحلق؛ لأنّ تعذّر الحلق بفقد الشعر يعيّن الفرض الآخر، والخبر ضعيف السند، مضافاً إلى قوّة احتمال أن يكون المراد بالإجزاء، الإجزاء الحقيقي الذي هو إزالة الشعر، لا الإجزاء عن مطلق الفرض، فالوجه- وفاقاً لجماعة- تعيّن التقصير من اللحية أو غيرها، مع استحباب إمرار الموسى، كما عليه الأكثر ومنهم الشيخ في «الخلاف» مدّعياً عليه الإجماع. نعم، إن لم يكن له


1- الروضة البهيّة 1: 540 ..
2- وسائل الشيعة 14: 229، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 11 ..

ص: 632

ما يقصّر منه أو كان صرورة أو ملبّداً أو معقوصاً، وقلنا بتعيّن الحلق عليهم، اتّجه وجوب الإمرار حينئذٍ؛ عملًا بحديث «الميسور لا يسقط بالمعسور»(1) و «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»(2) المؤيّد بالخبر المتقدّم، فإنّ ظاهره الورود في الصرورة فتدبّر».(3)

وقال في «الحدائق»: «أجمع العلماء كافّة على أنّ من ليس على رأسه شعر يسقط عنه الحلق، حكاه في «المنتهى»، قال: لعدم ما يحلق ويمرّ الموسى على رأسه، وهو قول أهل العلم كافّة، ثمّ نقل رواية زرارة(4) الآتية في حكاية الرجل الخراساني. وبالجملة فالحكم المذكور لا إشكال فيه.

بقي الكلام في أنّ إمرار الموسى هل هو على جهة الوجوب أو الاستحباب؟

نقل في «المنتهى» الخلاف في ذلك عن العامّة؛ حيث قال: إذا ثبت هذا فهل هو واجب أم لا؟ قال أكثر الجمهور: إنّه مستحبّ غير واجب، وقال أبو حنيفة: إنّه واجب. احتجّ الأوّلون بأنّ الحلق محلّه الشعر، فسقط بعدمه كما يسقط وجوب غسل العضو بقطعه، ولأ نّه إمرار لو فعله في الإحرام لم يجب عليه دم، فلم يجب عليه عند التحلّل كإمرار اليد على الشعر من غير حلق. احتجّ أبو حنيفة بقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»(5) ويظهر منه في «المنتهى» اختيار ما ذهب إليه أبو حنيفة من الوجوب؛ حيث قال: وهذا لو كان


1- عوالي اللئالي 4: 58/ 205 ..
2- عوالي اللئالي 4: 58/ 207 ..
3- رياض المسائل 6: 503 ..
4- وسائل الشيعة 14: 230، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 11، الحديث 3 ..
5- عوالي اللئالي 4: 58/ 206 ..

ص: 633

(مسألة 31): الأحوط أن يكون الحَلق والتقصير في يوم العيد؛ وإن لا يبعد جواز التأخير إلى آخر أيّام التشريق، ومحلّهما مِنى، ولا يجوز اختياراً في غيره.

ولو ترك فيه ونفر يجب عليه الرجوع إليه؛ من غير فرق بين العالم والجاهل والناسي وغيره، ولو لم يمكنه الرجوع حلق أو قصّر في مكانه، وأرسل بشعره إلى منى لو أمكن، ويستحبّ دفنه مكان خيمته.

ذا شعر لوجب عليه إزالته وإمرار الموسى على رأسه فإذا سقط أحدهما لتعذّر موجب الآخر، وكلام الصادق عليه السلام يعطيه فإنّ الأجزاء يستعمل في الوجوب، انتهى....

نعم، لقائل أن يقول: لمّا كان الحكم في غير الأفراد المعدودة في الأخبار المتقدّمة هو التخيير بين الحلق والتقصير، وإن كان الحلق أفضل فالواجب هنا حمل الأمر بإمرار الموسى- الذي هو نيابة عن الحلق- على الفضل والاستحباب؛ إذ لا يعقل وجوب البدل مع استحباب المبدل منه، ولا ريب أنّ ظاهر هذه الأخبار هو ما ذكرناه من غير الملبّد وأشباهه فيكون الحكم فيه التخيير بين التقصير والحلق، وحيث تعذّر الحلق أمر بالإمرار نيابة؛ لقيامه مقامه في الفضل واللَّه العالم».(1)

بيانه- قال في «الحدائق»: «فهاهنا أحكام أربعة: الأوّل: وجوب الحلق أو التقصير بمنى، وهو مقطوع به في كلامهم، بل ظاهر «التذكرة» و «المنتهى» أنّه موضع وفاق، واستدلّ عليه الشيخ في «التهذيب» بما رواه في الصحيح عن الحلبي قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل نسي أن يقصّر من شعر رأسه أو


1- الحدائق الناضرة 17: 222- 232 ..

ص: 634

يحلقه حتّى ارتحل من منى، قال: «يرجع إلى منى حتّى يلقي شعره بها حلقاً كان أو تقصيراً»(1)... وعن مسمع في الحسن قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصّر حتّى نفر، قال: «يحلق في الطريق أو أين كان»(2) وحمله الشيخ على تعذّر العود إلى منى، ولا بأس به. وطعن في هذه الرواية في «المدارك» بأنّ راويها مسمع، وهو غير موثّق. وفيه: أنّه وإن كان غير موثّق إلّا أنّه ممدوح وحديثه عند القوم معدود في الحسن، ولكن كلامه فيه- كما عرفت في ما تقدّم- مضطرب ما بين أن يعدّه في الصحيح تارة وفي الحسن اخرى أو يردّ روايته كما هنا.

الثاني: أنّه متى تعذّر عليه الرجوع حلق أو قصّر مكانه وبعث بشعره، وأمّا جواز حلق الشعر أو تقصيره في مكانه فلا إشكال فيه، إنّما الكلام في أنّ البعث إلى منى وجوباً أو استحباباً، فقيل بالأوّل وهو ظاهر الشيخ في «النهاية» والمحقّق في «الشرائع»، وظاهر أبي الصلاح أيضاً.

وقال الشيخ في «التهذيب» بالاستحباب، وبه جزم المحقّق في «النافع» والعلّامة في «المنتهى» وقال في «المختلف» بعد أن اختار الاستحباب وأورد جملة من روايات المسألة الآتية: ولو قيل بوجوب الردّ لو حلق عمداً بغير منى إذا لم يتمكّن من الرجوع بعد خروجه عامداً وبعدم الوجوب لو كان خروجه ناسياً كان وجهاً.

أقول: والذي وقفت عليه من روايات المسألة ما رواه الشيخ في الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في الرجل يحلق رأسه بمكّة، قال:


1- وسائل الشيعة 14: 217، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 5، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 218، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 5، الحديث 2 ..

ص: 635

«يردّ الشعر إلى منى»،(1) وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في رجل زار البيت ولم يحلق رأسه، قال: «يحلقه بمكّة ويحمل شعره إلى منى، وليس عليه شي ء»،(2) وبهاتين الروايتين استدلّ من قال بالوجوب....

وما رواه الشيخ عن أبي بصير قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الرجل ينسي أن يحلق رأسه حتّى ارتحل، قال: «ما يعجبني أن يلقي شعره إلّابمنى ولم يجعل عليه شيئاً»(3) وبهذه الرواية الأخيرة أخذ من قال بالاستحباب، وحمل الروايتين الأوليين على ذلك جمعاً....

الثالث: أنّه متى تعذّر البعث سقط ولم يكن عليه شي ء وهو موضع إجماع.

الرابع: استحباب الدفن في منى؛ سواء كان الحلق فيها أو خارجها. وعليه تدلّ صحيحة معاوية بن عمّار(4) ورواية «قرب الإسناد»(5) ويؤيّده أيضاً ما رواه في «الكافي» عن أبي شبل عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إنّ المؤمن إذا حلق بمنى ثمّ دفنه جاء يوم القيامة كلّ شعرة لها لسان طلق تلبّي باسم صاحبها»(6) وعن الحلبي أنّه أوجبه».(7)

وقال في «رياض المسائل»: «لو تعذّر العود فإنّه إذا كان كذلك حلق أو قصّر


1- وسائل الشيعة 14: 219، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 6، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 221، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 6، الحديث 7 ..
3- وسائل الشيعة 14: 221، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 6، الحديث 6 ..
4- وسائل الشيعة 14: 220، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 6، الحديث 5 ..
5- وسائل الشيعة 14: 221، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 6، الحديث 8 ..
6- وسائل الشيعة 14: 220، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 6، الحديث 3 ..
7- الحدائق الناضرة 17: 232- 236 ..

ص: 636

حيث كان وجوباً بلا إشكال كما في «المدارك» وفي غيره بلا خلاف وبعث بشعره إلى منى ليدفن بها استحباباً مطلقاً للأمر به في الصحيح وغيره كذلك، وإنّما حمل على الاستحباب جمعاً بينهما، وبين الصحيح: عن الرجل ينسي أن يحلق رأسه حتّى ارتحل من منى، فقال: «ما يعجبني أن يلقي شعره إلّابمنى ولم يجعل عليه شيئاً»، خلافاً لجماعة، فأوجبوا البعث مطلقاً، وقيّده الفاضل في «المختلف» بصورة العمد، ولا دليل على تفصيله، ومتى تعذّر البعث سقط، ولم يكن عليه شي ء إجماعاً، كما قيل.

أمّا دفن الشعر بمنى فقد قيل: قد قطع الأكثر باستحبابه، وأوجبه الحلّي.

والأصحّ الاستحباب؛ للصحيح: «كان علي بن الحسين عليه السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى، ويقول: كانوا يستحبّون ذلك، قال: وكان أبو عبداللَّه عليه السلام يكره أن يخرج الشعر من منى، ويقول: من أخرجه فعليه أن يردّه،(1) ويستفاد منه أنّه لا يختصّ استحباب الدفن بمن حلق في غير منى وبعث شعره إليها كما يوهمه ظاهر العبارة، بل يستحبّ للجميع»(2) انتهى كلامه رفع مقامه.

وقال في «النافع»: وأمّا الحلق فالحاجّ مخيّر بينه وبين التقصير ولو كان صرورة أو ملبّداً على الأظهر، والحلق أفضل، والتقصير متعيّن على المرأة، ويجزئ ولو قدر الأنملة، والمحلّ منى، ولو رحل قبله عاد للحلق أو التقصير، ولو تعذّر حلق أو قصّر حيث كان وجوباً، وبعث بشعره إلى منى ليدفن بها استحباباً، ومن ليس برأسه شعر يجزيه إمرار الموسى».(3)


1- وسائل الشيعة 14: 220، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 6، الحديث 5 ..
2- رياض المسائل 6: 502 ..
3- المختصر النافع: 92 ..

ص: 637

(مسألة 32): الأحوط تأخير الحلق والتقصير عن الذبح، وهو عن الرمي، فلو خالف الترتيب سهواً لا تجب الإعادة لتحصيله، ولا يبعد إلحاق الجاهل بالحكم بالساهي، ولو كان عن علم وعمد فالأحوط تحصيله مع الإمكان.

بيانه- وقال في «المختصر النافع»: «والبدء برمي جمرة العقبة، ثمّ بالذبح، ثمّ بالحلق واجب، فلو خالف أثم ولم بعد».(1)

وقال في «الحدائق»: «اختلف الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- في ترتيب المناسك الثلاثة يوم النحر، هل هو على جهة الوجوب؛ الرمي ثمّ الذبح ثمّ الحلق أو الاستحباب؟ قولان، وبالأوّل قال الشيخ في «المبسوط» و «الاستبصار»، وإليه ذهب أكثر المتأخّرين، ومنهم العلّامة في أكثر كتبه، والمحقّق في «الشرائع» وغيرهما. وبالثاني قال الشيخ في «الخلاف» وابن أبي عقيل وأبو الصلاح وابن إدريس واختاره في «المختلف». ويدلّ على الوجوب رواية عمر بن يزيد المتقدّمة؛ لقوله عليه السلام فيها: «إذا ذبحت اضحيتك فاحلق رأسك»؛(2) لدلالة الفاء على الترتيب. ورواية جميل بن درّاج عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح»(3)... وظاهر آية وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ(4) هو وجوب ترتيب الحلق على الذبح أو التوثّق من الهدي في رحله بمنى الذي هو


1- المختصر النافع: 92 ..
2- وسائل الشيعة 14: 211، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 1، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 14: 155، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 39، الحديث 3 ..
4- البقرة( 2): 196 ..

ص: 638

قائم مقام الذبح، وبه فسّرت الآية كما تقدّم، ويعضده أيضاً أنّه المعلوم يقيناً من فعلهم عليهم السلام ولا يعلم يقين براءة الذمّة إلّابمتابعتهم؛ لعدم الدليل الواضح على التخصيص المجوّز للخروج عن ذلك.

احتجّ القائلون بالاستحباب بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: «لا ينبغي إلّاأن يكون ناسياً»، ثمّ قال: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أتاه اناس يوم النحر، فقال بعضهم: يا رسول اللَّه حلقت قبل أن أذبح، وقال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئاً ينبغي لهم أن يقدّموه إلّاأخّروه ولا شيئاً كان ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّاقدّموه فقال: لا حرج»(1)... وأجاب الشيخ بالحمل على حال النسيان، والأقرب الحمل على الجهل وهو عذر شرعي قد تكثّرت الأخبار به، ولا سيّما في باب الحجّ. وبذلك يظهر قوّة القول بوجوب الترتيب؛ لاتّفاق الآية والروايات المتقدّمة على وجوب الترتيب بلا إشكال معتضداً ذلك بملازمتهم عليهم السلام على ذلك زيادة على أوامرهم، فإنّه أحوط في الدين».(2)

وقال في «الرياض»: «والبدأة برمي جمرة العقبة، ثمّ بالذبح، ثمّ بالحلق واجب، فلو خالف أثم ولم يعد أمّا عدم وجوب الإعادة على تقدير المخالفة، فالأصحاب قاطعون به على الظاهر المصرّح به في «المدارك»، وأسنده في «المنتهى» إلى علمائنا، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه، وهو الحجّة، مضافاً إلى صريح الصحيح وغيره.

وأمّا وجوب الترتيب فعليه الشيخ في أحد قوليه وأكثر المتأخّرين كما قيل،


1- وسائل الشيعة 14: 156، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 39، الحديث 4 ..
2- الحدائق الناضرة 17: 241 ..

ص: 639

وعزاه في «المنتهى» إلى الأكثر بقول مطلق؛ للتأسّي، مع قوله عليه السلام: «خذوا عنّي مناسككم»(1) وظاهر النصوص.

منها: «إذا ذبحت اضحيتك فاحلق رأسك» والفاء للترتيب.

ومنها: «لا يحلق رأسه ولا يزور البيت حتّى يضحّي فيحلق رأسه ويزور متى شاء»(2) خلافاً للمحكيّ عن «الخلاف» و «السرائر» و «الكافي» وظاهر «المهذّب»، وعزاه في «الدروس» إلى المشهور، فلا يجب. وفي الأوّلين استحبابه، وعليه الفاضل في «المختلف»؛ للأصل والصحيح: «أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أتاه اناس يوم النحر، فقال بعضهم: يا رسول اللَّه حلقت قبل أذبح، وقال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي لهم أن يقدّموه إلّا أخّروه ولا شيئاً كان ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّاقدّموه، فقال: لا حرج»(3) ونحوه الخبر.(4)

وظاهر نفي الحرج الإباحة مطلقاً، سيّما مع قوله: «ينبغي» الظاهر في الاستحباب، فحمله على الإجزاء أو الجهل أو النسيان أو الضرورة أو نفي الفداء بعيد، بل حمل الأوامر الواردة بالترتيب- على تقدير سلامة سندها- على الاستحباب أولى. والتأسّي إنّما يجب لو لم يظهر الاستحباب من الخارج وقد ظهر. هذا مضافاً إلى الأصل. ومصير أكثر العامّة- كما في «المنتهى»- إلى الوجوب، فليترجّح بهما الاستحباب وإن تساويا الجمعان.


1- عوالي اللئالي 4: 58/ 206 ..
2- وسائل الشيعة 14: 158، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 39، الحديث 9 ..
3- وسائل الشيعة 14: 157، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 39، الحديث 4 ..
4- وسائل الشيعة 14: 157، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 39، الحديث 6 ..

ص: 640

(مسألة 33): يجب أن يكون الطواف والسعي بعد التقصير أو الحلق، فلو قدّمهما عمداً يجب أن يرجع ويقصّر أو يحلق، ثمّ يعيد الطواف والصلاة والسعي، وعليه شاة. وكذا لو قدّم الطواف عمداً، ولا كفّارة في تقديم السعي وإن وجبت الإعادة وتحصيل الترتيب. ولو قدّمهما جهلًا بالحكم أو نسياناً وسهواً فكذلك إلّا في الكفّارة، فإنّها ليست عليه.

وربّما استدلّ على الوجوب بالصحيح: عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحّي قال: «لا بأس، وليس عليه شي ء ولا يعودنّ»(1) فإنّ النهي من العود يقتضي التحريم، فيكون الترتيب واجباً. وفيه نظر، فإنّ النهي عن العود وإن كان ظاهراً في التحريم إلّاأنّ نفي البأس ظاهر في جواز الترك، وصرفه إلى الإجزاء ليس بأولى من حمل النهي على الكراهة، بل لعلّه أولى. ولعلّه لذا استدلّ به الفاضل في «المختلف» على الاستحباب وهو أقرب»(2) انتهى كلامه قدس سره فتأمّل جيّداً.

بيانه- قال في «الحدائق»: «ظاهر الأصحاب الاتّفاق على وجوب تقديم الحلق أو التقصير على زيارة البيت للطواف والسعي، وهو المعهود من فعلهم عليهم السلام، وإليه تشير الأخبار الآتية، قال في «المدارك»: ولا ريب في وجوب تقديم الحلق أو التقصير على زيارة البيت؛ للتأسّي والأخبار الكثيرة».(3)

وقال في «رياض المسائل»: «ولا يجوز أن يزور البيت لطواف الحجّ إلّابعد الحلق أو التقصير بغير خلاف ظاهر مصرّح به في جملة من العبائر، فإن تمّ


1- وسائل الشيعة 14: 158، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 39، الحديث 10 ..
2- رياض المسائل 6: 504- 506 ..
3- الحدائق الناضرة 17: 247 ..

ص: 641

إجماعاً وإلّا فظاهر الصحيح المتقدّم وغيره المتضمّنين للفظتي «لا حرج» و «ينبغي» كالصحيح الآتي المتضمّن للفظة «لا ينبغي» أيضاً خلافه ولا ينافيه إيجاب الدم في الأخير؛ لإمكان الحمل على الاستحباب، لكن لا خروج عمّا عليه الأصحاب. وعليه، فلو طاف قبل ذلك عمداً لزمه دم شاة فيما قطع به الأصحاب، كما قيل. وعزاه في «الدروس» إلى الشيخ والأتباع؛ للصحيح: في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: «إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أنّ ذلك لا ينبغي، فإنّ عليه دم شاة»(1) وظاهره كالمتن وغيره من عبائر الأكثر- على الظاهر المصرّح به في عبارة- أنّه بعض لا يجب إعادة الطواف، وبه صرّح الصيمري، وعزاه في «الدروس» إلى الشيخ والأتباع، خلافاً لجماعة من متأخّري المتأخّرين، فأوجبوا إعادته. ومنهم شيخنا في «الروضة» مدّعياً عليه الوفاق.

ويعضده الأصل والقاعدة، فإنّ الطواف المأتيّ به قبل التقصير منهيّ عنه، فيكون فاسداً، ولا يتحقّق به الامتثال والصحيح ليس نصّاً في عدم الوجوب فيحتمل حمله على مفاد القاعدة، مع أنّه معارض بصحيح آخر(2)... وبالجملة:

التعارض بينهما كتعارض العموم والخصوص من وجه يمكن صرف كلّ منهما إلى الآخر، وحيث لا مرجّح ينبغي الرجوع إلى مقتضى الأصل، وهو وجوب الإعادة».(3)

وقال في «الحدائق»: «وكيف كان، فإنّه متى خالف وقدّم زيارة البيت على


1- وسائل الشيعة 14: 238، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 15، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 217، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 4، الحديث 1 ..
3- رياض المسائل 6: 506- 508 ..

ص: 642

الحلق أو التقصير، فلا يخلو إمّا أن يكون ذلك عن عمد أو نسيان أو جهل، فهاهنا مواضع ثلاثة: الأوّل: ما إذا خالف عالماً عامداً بالحكم. والمقطوع به في كلامهم أنّه يجب عليه دم شاة. وإنّما الكلام في أنّه هل يجب إعادة الطواف أم لا؟ قال شيخنا الشهيد في «المسالك»: إنّ وجوب إعادة الطواف على العامد موضع وفاق.

وفي «الدروس»: وإن كان عالماً وتعمّد فعليه شاة، قاله الشيخ وأتباعه، وظاهرهم أنّه لا يعيد الطواف.

أقول: لا ريب أنّ الأوفق بالقواعد الشرعية هو وجوب الإعادة؛ لأنّ الطواف الذي أتى به وقع على خلاف ما رسمه صاحب الشريعة، ففي إجزائه مع عدم الدليل إشكال. ويدلّ على ذلك إطلاق صحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصّرحتّى زارت البيت فطافت وسعت في الليل ما حالها؟ وما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال: «لا بأس به يقصّر ويطوف للحجّ، ثمّ يطوف للزيارة، ثمّ قد أحلّ من كلّ شي ء».(1) وأمّا ما يدلّ على وجوب الدم في الصورة المذكورة فهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: «إن كان زار البيت قبل أن يحلق، وهو عالم أنّ ذلك لا ينبغي له فإنّ عليه دم شاة».(2)

الثاني: أن يكون ناسياً، وظاهر الأكثر أنّ عليه إعادة الطواف خاصّة بعد الحلق أو التقصير، ويدلّ عليه إطلاق صحيحة علي بن يقطين المتقدّمة. وفي


1- وسائل الشيعة 14: 217، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 4، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 238، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 15، الحديث 1 ..

ص: 643

«المدارك»: أنّه المعروف من مذهب الأصحاب مع أنّ المحقّق في «الشرائع» قال: «ولو كان ناسياً لم يكن عليه شي ء، وعليه إعادة الطواف على الأظهر»، وهو مؤذن بوجود الخلاف في ذلك. وقال في «المسالك»: وفي الناسي وجهان؛ أجودهما الإعادة أيضاً وإن لم تجب عليه الشاة. وربّما أشعرت صحيحة جميل بن درّاج المتقدّمة بالعدم؛ حيث قال فيها: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: «لا ينبغي إلّاأن يكون ناسياً».(1)

وقال في «الرياض»: «ولو كان ناسياً لم يلزمه شي ء وأعاد طوافه على المعروف من مذهب الأصحاب كما في «المسالك»، مشعراً بدعوى الوفاق، مع أنّ ظاهر عبارة الماتن في «الشرائع» والفاضل في «المختلف»، والصيمري وجود الخلاف من الصدوق في «الفقيه» ووجوب إعادة الطواف؛ لرواية الصحيح عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: «لا ينبغي إلّاأن يكون ناسياً»(2) لكنّه غير صريح في عدم وجوب الإعادة، مع أنّه معارض بالصحيح الثانية المتقدّمة، فإنّها بإطلاقها شاملة لمفروض المسألة».(3) وبالجملة، فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال، والاحتياط بالإعادة فيها مطلوب فيها على كلّ حال.

ثمّ أضاف في «الحدائق»: «الثالث: أن يكون جاهلًا، وقد اختلف الأصحاب في حكمه، فقيل: أنّه كالناسي في وجوب الإعادة وعدم الكفّارة، وبه صرّح شيخنا الشهيد الثاني في «المسالك»، فقال بعد ذكر العامد: وفي إلحاق الجاهل


1- الحدائق الناضرة 17: 248 ..
2- وسائل الشيعة 14: 156، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 36، الحديث 4 ..
3- رياض المسائل 6: 508 ..

ص: 644

(مسألة 34): لو قصّر أو حلق بعد الطواف أو السعي، فالأحوط الإعادة لتحصيل الترتيب. ولو كان عليه الحلق عيناً يمرّ الموسى على رأسه احتياطاً.

به قول. وظاهر الرواية يدلّ على العدم والأجود وجوب الإعادة عليه دون الكفّارة».(1)

وقال في «رياض المسائل»: «بل للجاهل أيضاً كما عليه جماعة وهي أقوى دلالة، فالمصير إليها بما أقوى مع كونها أشهر جدّاً. ويدلّ على عدم وجوب الدم عليه، وعلى الجاهل ظاهر المفهوم المعتبر في الصحيح الأوّل.

وهل عليه إعادة السعي حيث يجب إعادة الطواف؟ قولان؛ أجودهما الأوّل، عملًا بما مرّ من القاعدة والأصل».(2) وقال في «الحدائق»: «وهل تجب إعادة السعي حيث تجب إعادة الطواف؟ صرّح في «المنتهى» و «التذكرة» بالوجوب؛ لتوقّف الامتثال عليه، ولا ريب أنّه الأحوط. ولو قدّم الطواف على الذبح فظاهر كلامهم أنّ الحكم فيه كما إذا قدّمه على الحلق أو التقصير، وظاهر «المسالك» التوقّف من حيث تساويهما في التوقّف، ومن عدم النصّ، وهو في محلّه واللَّه العالم».(3)

بيانه- قال في «المدارك»: «يجب أن يحلق بمنى أو يقصّر، فلو رحل قبله رجع للحلق أو التقصير كما فعل في «النافع»، وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، بل ظاهر «التذكرة» و «المنتهى» أنّه موضع وفاق.


1- الحدائق الناضرة 17: 249 ..
2- رياض المسائل 6: 508 ..
3- الحدائق الناضرة 17: 250 ..

ص: 645

واستدلّ عليه في «التهذيب» بما رواه في الصحيح عن الحلبي قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتّى ارتحل من منى، قال: «يرجع إلى منى حتّى يلقي شعره بها حلقاً كان أو تقصيراً»(1) ومثل ذلك ما عن أبي بصير، ثمّ قال الشيخ: «وما رواه موسى بن قاسم عن علي بن رئاب عن مسمع قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصّر حتّى نفر، قال: «يحلق رأسه في الطريق أو أين كان»،(2) فليس بمنافٍ لما ذكرناه؛ لأنّ هذه الرواية محمولة على من لم يتمكّن من الرجوع إلى منى، فأمّا مع التمكّن منه فلا بدّ من ذلك حسب ما قدّمناه»، وهو جيّد، مع أنّ راوي هذه الرواية؛ وهو مسمع غير موثّق، فلا يترك لروايته الخبر الصحيح المعتضد بعمل الأصحاب».(3)

قوله رحمه الله: «ولو كان الحلق عيناً يمرّ الموسى على رأسه احتياطاً».

قال في «المدارك»: «أجمع العلماء كافّة على أنّ من ليس على رأسه شعر يسقط عنه الحلق، وإنّما اختلفوا في أنّ إمرار الموسى على رأسه واجب أو مستحبّ، فذهب الأكثر إلى الاستحباب، ونقل الشيخ فيه: الإجماع، وقيل: بالوجوب مطلقاً أو على من حلق في إحرام العمرة والاستحباب للأقرع.

والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ عن زرارة: «أنّ رجلًا من أهل


1- وسائل الشيعة 14: 218، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 5، الحديث 1 و 2 ..
2- وسائل الشيعة 14: 218، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 5، الحديث 1 و 2 ..
3- مدارك الأحكام 8: 95 ..

ص: 646

(مسألة 35): يحلّ للمحرم بعد الرمي والذبح والحلق أو التقصير كلّ ما حرم عليه بالإحرام إلّاالنساء والطيب، ولا يبعد حلّية الصيد أيضاً، نعم يحرم الصيد في الحرم للمُحرم وغيره لاحترامه.

خراسان قدم حاجّاً وكان أقرع الرأس...»(1) الخبر، وهذه الرواية قاصرة من حيث السند عن إثبات الوجوب. وما قيل في توجيهه من أنّ ذا الشعر يجب عليه إزالته وإمرار الموسى على رأسه، فلا يسقط الأخير بفوات الأوّل فضعيف جدّاً؛ لأنّ الواجب من الإمرار ما تحقّق في ضمن الحلق لا مطلقاً... ومقتضى رواية زرارة حصول التحلّل بالإمرار وإن لم يطلق عليه اسم الحلق أو التقصير، وحيث كانت الرواية ضعيفة وجب إطراحها، والقول بتعيّن التقصير؛ لأنّه قسيم اختياري للحلق»(2) انتهى واللَّه العالم.

بيانه- قال السيّد المرتضى في «الانتصار»: «وممّا انفردت الإمامية به القول بأنّ من طاف طواف الزيارة لقد تحلّل من كلّ شي ء كان به محرماً إلّاالنساء فليس له وطؤهن إلّابطواف آخر متى فعله حللن له، وهو الذي يسمّى طواف النساء. وخالف باقي الفقهاء في ذلك. فإذا قيل: هذا هو طواف الصدر. وعند أبي حنيفة أنّه واجب ومن تركه لغير عذر كان عليه دم. وللشافعي في أحد قوليه مذهب يوافق به أبا حنيفة في أنّه واجب. قلنا: من أوجب طواف الصدر وهو طواف الوداع فإنّه لا يقول إنّ النساء يحلّلن به بل يقول إنّ النساء حللن بطواف الزيارة فانفرادنا بذلك صحيح. والحجّة لنا الإجماع المتردد وأ نّه لا خلاف في


1- وسائل الشيعة 14: 230، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 11، الحديث 3 ..
2- مدارك الأحكام 8: 97 ..

ص: 647

أنّ النبي فعله وقد روي عنه عليه السلام أنّه قال: «خذوا عنّي مناسككم» وروي عنه صلى الله عليه و آله و سلم أيضاً أنّه قال: «من حجّ هذا البيت فليكن آخر عهده الطواف» وظاهر الأمر الوجوب. فإن قالوا لو كان هذا الطواف واجباً لأثر في التحلّل.

قلنا: يؤثّر عندنا في التحلّل على ما شرحناه وإنّما يلزم هذا الكلام أبا حنيفة وكذلك إن قالوا: كان يجب أن يلزم المكّي لأنّه يلزم عندنا المكّي إذا أراد التحلّل وإتيان النساء»،(1) انتهى كلامه رفع مقامه.

قال في «الجواهر»: «مواطن التحلّل ثلاثة بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه الأوّل: المتمتّع عقيب الحلق أو التقصير يحلّ من كلّ شي ء إلّا الطيب والنساء، كما عن «النهاية» و «التهذيب» و «المبسوط» و «الوسيلة» و «السرائر» و «المصباح» و «مختصره» و «الجامع» وغيرها، بل في «المدارك» نسبته إلى الأكثر، وفي غيرها إلى المشهور، بل عن «المنتهى» نسبته إلى علمائنا».(2)

قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «ثمّ يحلق أو يقصّر متمتّعاً كان أو قارناً أو مفرداً. ويحلّ له بالحلق أو التقصير ما يحرم عليه إلّاالنساء عند الحنابلة والشافعية والحنفية، وإلّا النساء والطيب عند الإمامية والمالكية».(3)

وقال في «رياض المسائل»: «ويحلّ من كلّ شي ء أحرم منه عند فراغ مناسكه بمنى عدا الطيب والنساء كما عن الإسكافي و «الخلاف» و «المختلف»، وفي الكتاب وفي «الشرائع» و «القواعد» وعن الشيخ في جملة من كتبه


1- الانتصار: 255- 256 ..
2- جواهر الكلام 19: 251 ..
3- الفقه على المذاهب الخمسة: 279 ..

ص: 648

و «الوسيلة» و «السرائر» و «الجامع» إذا حلق أو قصّر أحلّ من كلّ شي ء إلّاالطيب والنساء؛ للخبر «إذا حلقت رأسك فقد حلّ لك كلّ شي ء إلّاالنساء والطيب»(1) والمرويّ في «السرائر» صحيحاً عن «نوادر البزنطي»: المتمتّع ما يحلّ له إذا حلق رأسه؟ قال: «كلّ شي ء إلّاالنساء والطيب».(2) وقد يكون الأوّل هو المراد بالخبرين وكلام هؤلاء؛ حملًا للحلق على الواقع على أصله. ويؤيّده الأصل والاحتياط والصحيح: «إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شي ء إلّاالنساء والطيب»(3) وعن «المقنع» و «السرائر» و «التذكرة» و «المنتهى» أنّه بعد الرمي والحلق... نعم، في الخبر(4) المروي عن «قرب الإسناد»: «إذا رميت جمرة العقبة فقد أحلّ لك كلّ شي ء حرم عليك إلّاالنساء».(5)

ثمّ استدلّ في «الجواهر»، فقال: «لقول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمّار: «إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلّاالنساء والطيب، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة، فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلّاالنساء، فإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلّاالصيد»؛(6) أي الحرمي لا الإحرامي كما هو واضح... وعلى كلّ حال، فما عن ابن بابويه وولده من التحلّل بالرمي إلّامن الطيب والنساء لم نعرف له مأخذاً إلّاخبر الحسين بن علوان عن أمير المؤمنين عليه السلام المروي عن «قرب


1- وسائل الشيعة 14: 233، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 13، الحديث 4 ..
2- السرائر 3: 559 ..
3- وسائل الشيعة 14: 232، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 13، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 14: 235، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 13، الحديث 11 ..
5- رياض المسائل 6: 506 ..
6- وسائل الشيعة 14: 232، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 13، الحديث 1 ..

ص: 649

الإسناد»: «وإذا رميت جمرة العقبة فقد حلّ كلّ شي ء حرم عليك إلّاالنساء».

وما يحكى عن «الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام»: «واعلم أنّك إذا رميت جمرة العقبة حلّ لك كلّ شي ء إلّاالطيب والنساء وإذا طفت طواف الحجّ حلّ لك كلّ شي ء إلّاالنساء فإذا طفت طواف النساء حلّ لك كلّ شي ء إلّاالصيد فإنّه حرام على المحلّ في الحرم وعلى المحرم في الحلّ والحرم».(1) وهو- مع أنّ الثاني منهما غير ثابت عندنا، ولم يذكر في الأوّل الطيب وإمكان تقييدهما بغيرهما؛ ممّا اعتبر فيه الذبح والحلق- مخالف للمعروف بين العامّة والخاصّة من كون التحلّل الأوّل بعد الحلق كما عرفت، ولما سمعته من النصوص أيضاً...

التحلّل الثاني: للمتمتّع إذا طاف طواف الزيارة للحجّ حلّ له الطيب كما في «النافع» و «القواعد» وغيرها ومحكيّ «الانتصار».

و «الاستبصار» و «النهاية» و «المبسوط» و «المصباح» و «مختصره» و «الوسيلة» و «السرائر»، بل لا أجد فيه خلافاً؛ لصحيح معاوية ومنصور بن حازم: «إذا كنت متمتّعاً فلا تقربنّ فيه شيئاً صفرة حتّى تطوف بالبيت»(2)...

وعن مياح المدائني: «فإذا أردت المتعة في الحجّ- إلى أن قال- ثمّ أحرمت بين الركن والمقام للحجّ، فلا تزال محرماً حتّى تقف بالمواقف، ثمّ ترمي وتذبح وتغتسل، ثمّ تزور البيت، فإذا أنت فعلت ذلك فقد أحللت».(3) بل في «كشف اللثام»: إنّه لا يتوقّف على صلاة الطواف؛ لإطلاق النصّ والفتوى وإن كان لا يخلو من نظر؛ لانسياق اندراج صلاته فيه، خصوصاً بعد أن كان المشهور


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 226 ..
2- وسائل الشيعة 12: 445، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام، الباب 18، الحديث 12 ..
3- وسائل الشيعة 11: 234، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 2، الحديث 30 ..

ص: 650

- كما اعترف به هو فيه- توقّف حلّ الطيب على السعي كما عن «الخلاف» و «المختلف»، بل هو الأقوى؛ للأصل....

التحلّل الثالث إذا طاف طواف النساء حلّ له النساء بلا خلاف معتدّ به، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى ما سمعته من النصوص، فما عن الحسن من عدم وجوبه لذلك واضح الفساد. نعم، في «كشف اللثام» صلّى له أم لا؛ لإطلاق النصوص والفتاوى إلّافتوى «الهداية» و «الاقتصاد» وإن كان فيه ما عرفت، مضافاً إلى قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية: «ثمّ اخرج إلى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكّة، ثمّ ائت المروة فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي ء أحرمت منه إلّاالنساء، ثمّ ارجع إلى البيت وطف به اسبوعاً آخر ثمّ تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام، ثمّ قد أحللت من كلّ شي ء وفرغت من حجّك كلّه وكلّ شي ء أحرمت منه»(1) واحتمال كون ذلك لتوقّف الفراغ عليها لا داعي له....

والظاهر اعتبار هذا الطواف في حجّ النساء بالنسبة إلى حلّ الرجال لهنّ كما عن علي بن بابويه التصريح به في «الرسالة»، مضافاً إلى تصريح غير واحد من المتأخّرين ومتأخّريهم؛ للأصل، وإطلاق قوله تعالى: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِ(2) والرفث هو الجماع بالنصّ الصحيح، والإجماع، والأخبار على حرمة الرجال عليها بالإحرام، وقاعدة الاشتراك إلّافيما استثنى وللصحيح: «المرأة المتمتّعة إذا قدّمت مكّة ثمّ حاضت تقيم ما بينها وبين


1- وسائل الشيعة 14: 249، كتاب الحجّ، أبواب زيارة البيت، الباب 4، الحديث 1 ..
2- البقرة( 2): 193 ..

ص: 651

التروية، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت ثمّ سعت بين الصفا والمروة، ثمّ خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها، ثمّ طافت طوافاً للحجّ، ثمّ خرجت، فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شي ء يحلّ منه المحرم إلّافراش زوجها، فإذا طافت طوافاً آخر حلّ لها فراش زوجها»(1) ونحوه خبر آخر(2) إلّاأنّه ليس فيه فإذا طافت طوافاً آخر... وكيف كان: فقد ظهر لك ممّا حرّرناه أنّ الحاجّ لو طاف الطوافين وسعى قبل الوقوفين في موضع الجواز، فتحلّله واحد عقيب الحلق بمنى. ولو قدّم طواف الحجّ والسعي خاصّة كان له تحلّلان: أحدهما: عقيب الحلق ممّا عدا النساء، والآخر:

بعد طواف النساء لهنّ، ولو قلنا إنّه يتحلّل من الطيب بطواف الحجّ والنساء بطوافهنّ، وإن تقدّم على الوقوفين كانت المحلّلات ثلاثة مطلقاً، هذا.

وقد صرّح بعضهم بحرمة النساء على المميّز بعد بلوغه لو تركه؛ لكون الإحرام سبباً لحرمتهنّ والأحكام الوضعية لا تخصّ المكلّف حتّى أنّ الشهيد حكم بمنعه من الاستمتاع قبل البلوغ، بل عن «المنتهى» و «التذكرة» الإجماع على وجوبه على الصبيان، وفي «كشف اللثام»: بمعنى أنّ على الوليّ أمر المميّز به، والطواف بغير المميّز، فإن لم يفعلوه حرمن عليهم إذا بلغوا حتّى يفعلوه أو يستنيبوا فيه استصحاباً إلّاعلى عدم توقّف حلّهنّ عليه، ولكن في موضع من «القواعد» الإشكال في ذلك، ولعلّه لتمرينية عبادة للصبيّ كما هو المختار.

اللهمّ إلّاأن يدّعى خروج الحجّ منها كما هو الظاهر... قال الشهيد قدس سره: وليس


1- وسائل الشيعة 13: 448، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 84، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 449، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 84، الحديث 2 ..

ص: 652

طواف النساء مخصوصاً بمن يشتهي النساء إجماعاً، فيجب على الخصيّ والمرأة والهمّ وعلى من لا إربة(1) له فيهنّ، والمراد بالخصيّ ما يعمّ المجبوب، بل المقصود من عبارات الأصحاب والسؤال في الخبر هو الذي لا يتمكّن من الوطئ».(2)

قوله رحمه الله: «نعم، يحرم الصيد في الحرم للمحرم وغيره؛ لاحترامه».

قال في «رياض المسائل»: «وأمّا الصيد فهو أيضاً باقٍ على تحريمه كما هنا وفي «الشرائع» وغيرهما، بل قيل: إنّه مذهب الأكثر. وفيه نظر؛ لإطلاق أكثر الأصحاب أنّه يحلّ من كلّ شي ء إلّاالنساء والطيب وكذلك الأخبار، حتّى الصحيح: «إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلّاالنساء والطيب، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلّاالنساء فإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلّاالصيد»،(3) فإنّ المراد بالصيد هنا الصيد الحرمي لا الإحرامي كما صرّح به جماعة من الأصحاب، ولعلّه المراد أيضاً من نحو العبارة، وإلّا فلم نجد على بقاء حرمة الصيد الإحرامي بعد الحلق أو التقصير دلالة سوى الأصل المخصّص بما عرفت، وظاهر قوله سبحانه: وَلَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ(4) بناءً على أنّ


1- الإربة في اللغة قال في« مجمع البحرين»: قوله تعالى:( غَيْرِ أُولِى اْلإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) النور( 24): 31، قيل: البله الذين لا يعرفون شيئاً من امور النساء، وهو مروي عن أبي عبداللَّه عليه السلام. وقيل: الخصيّ. وقيل: الشيخ الفاني الذي لا حاجة له في النساء. وقيل: العبيد الصغار ..
2- جواهر الكلام 19: 251- 262 ..
3- وسائل الشيعة 14: 232، كتاب الحجّ، أبواب الحلق والتقصير، الباب 13، الحديث 1 ..
4- المائدة( 5): 95 ..

ص: 653

الإحرام يتحقّق بتحريم الطيب والنساء. وهو حسن، لولا ظواهر الأخبار التي لم يستثن فيها سوى الطيب والنساء، وربّما علّل بأ نّه في الحرم، ولذا ذكر والد الصدوق والقاضي أنّه لا يحلّ بعد طواف النساء أيضاً؛ لكونه في الحرم».(1)

وقال في «الجواهر»: «فالمتّجه حينئذٍ العمل بالنصوص المزبورة وإن بقي الحرمة من حيث الحرم: لكن في «الدروس» عن العلّامة عدم التحلّل من الصيد إلّا بطواف النساء بمذهب علمائنا وإن كنّا لم نتحقّقه إلّاأنّه لا ينبغي ترك الاحتياط»(2) واللَّه العالم.


1- رياض المسائل 6: 511 ..
2- جواهر الكلام 19: 255 ..

ص: 654

ما يجب بعد أعمال منى

القول: فيما يجب بعد أعمال منى

اشارة

وهو خمسة: طواف الحجّ، وركعتاه، والسعي بين الصفا والمروة، وطواف النساء، وركعتاه.

(مسألة 1): كيفية الطواف والصلاة والسعي، كطواف العمرة وركعتيه والسعي فيها بعينها إلّافي النيّة، فتجب هاهنا نيّة ما يأتي به.

كيفية طواف الحجّ وصلاته والسعي

بيانه- قال في «الحدائق»: «حيث إنّ الواجب على الحاجّ بعد قضاء مناسك يوم النحر المضيّ إلى مكّة لطواف الزيارة والسعي وطواف النساء، ثمّ الرجوع إلى منى والمبيت بها، والإتيان ببقية المناسك إلى يوم النفر، ثمّ وداع البيت والرجوع إلى أهله فالواجب بسط الكلام في هذه الأحكام في فصول:

الأوّل: في المضيّ إلى مكّة، وقد صرّح الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- بأنّ الأفضل المضيّ إلى مكّة للطواف والسعي ليومه، فإن أخّره فمن غده. ويتأكّد ذلك في حقّ المتمتّع، فإن أخّره أثم، ويجزؤه طوافه وسعيه، ويجوز للقارن والمفرد تأخير ذلك طول ذي الحجّة على كراهية، فأمّا ما يدلّ على أنّ الأفضل

ص: 655

في المضيّ للطواف يوم النحر، وإلّا فمن الغد فجملة من الأخبار:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في زيارة البيت يوم النحر، قال: «زره، فإن شغلت فلا يضرّك أن تزور البيت من الغد، ولا تؤخّر أن تزور من يومك، فإنّه يكره للمتمتّع أن يؤخّره، وموسّع للمفرد أن يؤخّره»(1) الحديث.

وصحيحة عمران الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «ينبغي للمتمتّع أن يزور البيت يوم النحر أو من ليلته، ولا يؤخّر ذلك اليوم»(2)... إلى غير ذلك من الروايات».(3)

وفي «الفقه على المذاهب الخمسة»: «اتّفقوا على أنّ مرتبة السعي تأتي بعد الطواف وبعد ركعتيه عند من أوجبهما، وأنّ من سعى قبل أن يطوف فعليه أن يرجع، فيطوف ثمّ يسعى، ولم أر من أوجب الموالاة بين الطواف والسعي؛ بحيث يبتدئ بالسعي بعد الطواف مباشرة.

قال السيّد الحكيم: لا تجب المبادرة إلى السعي بعد الفراغ من الطواف وصلاته، ولكن لا يجوز التأخير إلى الغد اختياراً. وقال السيّد الخوئي: عليه أن لا يؤخّر السعي عن الطواف وصلاته بمقدار يعتدّ به من غير ضرورة ولا يجوز التأخير إلى الغد مع الاختيار... ما ذهب إليه السيّدان هو الحقّ الذي دلّت عليه الأحاديث الصحيحة؛ خلافاً لظاهر «الشرائع». وجاء في «منسك» السيّد الحكيم لا تعتبر الموالاة في أشواط السعي فيجوز الفصل بينها والقطع، ثمّ


1- وسائل الشيعة 14: 243، كتاب الحجّ، أبواب زيارة البيت، الباب 1، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 245، كتاب الحجّ، أبواب زيارة البيت، الباب 1، الحديث 7 ..
3- الحدائق الناضرة 17: 272 ..

ص: 656

البناء على ما سبق ولو كان بعد شوط واحد».(1)

وفيه أيضاً: «طواف الزيارة ويسمّى طواف الإفاضة أيضاً، وهذا الطواف يأتي به الحاجّ بعد أن يقضي مناسكه بمنى من رمي جمرة العقبة والذبح والحلق أو التقصير فإنّه يرجع إلى مكّة ويطوف. وسمّي هذا الطواف طواف الزيارة لأنّه ترك منى، وزار البيت من أجله، وسمّي طواف الإفاضة لأنّه أفاض؛ أي رجع من منى إلى مكّة، ويسمّى أيضاً طواف الحجّ لأنّه ركن من أركانه بالاتّفاق. وبإتمام هذا الطواف يحلّ كلّ شي ء كان محرماً على الحاجّ حتّى النساء عند غير الإمامية.

أمّا الإمامية فإنّهم قالوا: لا تحلّ له النساء حتّى يسعى بعده بين الصفا والمروة ويطوف طوافاً ثانياً، ومن هنا سمّوه طواف النساء... وقال الشيعة بوجوبه وعدم جواز تركه في العمرة المفردة وفي الحجّ بشتّى أنواعه؛ تمتّعاً كان أو قراناً أو إفراداً ولم يجيزوا تركه إلّافي عمرة التمتّع اكتفاءً بطواف النساء الذي يشتمل عليه حجّ التمتّع... ويجب على الناسك بعد أن يطوف طواف الحجّ أن يسعى ثمّ يطوف ثانية: وهذا الطواف الثاني هو بالذات طواف النساء.

وقالوا أيضاً: إذا ترك الناسك هذا الطواف حرمت عليه النساء حتّى العقد إن كان رجلًا وحرم عليها الرجال إن كانت امرأة إلى أن يفعله الحاجّ بنفسه، أو يستنيب من يطوف عنه. ولو مات قبل أن يؤدّيه أو يستنيب أدّاه عنه وليّه بعد الموت، بل قالوا: لو حجّ الصبيّ المميّز ولم يأت بطواف النساء ولو سهواً أو جهلًا فلا تحلّ له النساء بعد البلوغ ولا العقد عليهنّ حتّى يؤدّي أو يستنيب.

وبالجملة أنّ الشيعة يوجبون على من يحجّ حجّ التمتّع ثلاثة أطوفة: الأوّل:


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 240 ..

ص: 657

للعمرة وهو ركن منها. والثاني: للحجّ وهو ركن منه. والثالث: النساء وهو جزء واجب وليس بركن أشبه بالفاتحة بالنسبة إلى الصلاة. أمّا السنّة فيوافقون الشيعة في جميع ذلك إلّافي طواف النساء، فإنّهم ينكرونه أمّا المفرد والقارن فعل كلّ منهما طوافان عند الشيعة. قال ابن رشد في كتابه «البداية»: أجمعوا على أنّ المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ طوافان، إمّا لمفرد فطواف واحد. واختلفوا في القارن، فقال الشافعي وأحمد ومالك: عليه واحد، وقال أبو حنيفة: بل اثنان».(1)

ثمّ قال في «الحدائق»: الثانية: المعروف من مذهب الأصحاب أنّ طواف النساء بعد السعي في الحجّ والعمرة المفردة فلا يجوز تقديمه عليه اختياراً، ويجوز مع الضرورة أو خوف الحيض. أمّا الأخبار الدالّة على أنّ مرتبته التأخير عن السعي فكثيرة.

منها: قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار: «ثمّ اخرج إلى الصفا فاصعد عليها واصنع كما صنعت يوم دخلت مكّة، ثمّ ائت المروة فاصعد عليها، وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي ء أحرمت منه إلّاالنساء، ثمّ ارجع إلى البيت وطف به اسبوعاً آخر، ثمّ تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام»(2) الحديث.

والمراد بهذا الاسبوع الآخر هو طواف النساء. وقضية العطف بثمّ الترتيبية وجوب تأخّره.

وأظهر منها ما رواه في «الكافي» عن أحمد بن محمّد عمّن ذكره قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك متمتّع زار البيت فطاف طواف الحجّ، ثمّ طاف


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 229- 230 ..
2- وسائل الشيعة 14: 250، كتاب الحجّ، أبواب زيارة البيت، الباب 4، الحديث 1 ..

ص: 658

طواف النساء، ثمّ سعى قال: «لا يكون السعي إلّاقبل طواف النساء...»(1) والظاهر من جوابه عليه السلام أنّه ليس عليه إلّاإعادة كلّ إلى موضعه، والإتيان بالترتيب الشرعي. وأمّا جواز تقديمه مع الضرورة وخوف الحيض فهو مقطوع به في كلامهم، ولم أقف فيه على نصّ بالخصوص، إلّاأنّ المستفاد من العمومات أنّ الضرورات مبيحة للمحذورات، وقد ورد لتقديم ما حقّه التأخير وتأخير ما حقّه التقديم لذلك رخّص في جملة من الأحكام. وفيه تأييد لهذا المقام، مضافاً جميع ذلك إلى لزوم الحرج من التكليف بذلك.... وكيف كان، فالظاهر أنّه لا إشكال في جواز التقديم في صورة الضرورة كما ذكرنا. وأيّده بعضهم بفحوى صحيحة أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان الخزّاز قال: كنت عند أبي عبداللَّه، فدخل عليه رجل، فقال: أصلحك اللَّه إنّ معنا امرأة حائضاً ولم تطف طواف النساء ويأبى الجمّال أن يقيم عليها جمالها... ثمّ رفع رأسه، فقال: «تمضي فقد تمّ حجّها»(2) قال: وإذا جاز ترك الطواف من أصله للضرورة جاز تقديمه بطريق أولى.

الثالثة: لو ترك طواف النساء ناسياً لم تحلّ له النساء، ويجب عليه العود والإتيان بالطواف مع المكنة، فإن لم يتمكّن من الرجوع جاز له أن يأمر من يطوف عنه طواف النساء، ولو مات قبل ذلك طاف عنه وليّه. ولا أعرف فيه خلافاً. وعليه تدلّ جملة من الأخبار:

منها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله، قال: «لا تحلّ له النساء حتّى يزور البيت، فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره، فأمّا ما دام حيّاً


1- وسائل الشيعة 13: 417، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 65، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 452، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 84، الحديث 13 ..

ص: 659

فلا يصلح له أن يقضى عنه، وإن نسي الجمار فليسا بسواء؛ إنّ الرمي سنّة والطواف فريضة»(1)... وفي الصحيح أيضاً عن معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله، قال: «يرسل فيطاف عنه، فإن توفّى قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليّه».(2) وغير ذلك من الأخبار الكثيرة في ذلك.

إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في مواضع: الأوّل: المفهوم من كلام جملة من الأصحاب جواز الاستنابة مطلقاً؛ أمكن العود أم لم يمكن؛ استناداً إلى ما دلّ على ذلك من صحيحة معاوية بن عمّار الثانية، ومثلها الرواية المنقولة من «مستطرفات السرائر».(3)

والتحقيق التفصيل جمعاً بين هذين الخبرين، وقوله عليه السلام في صحيحة معاوية الاولى: «فأمّا ما دام حيّاً فلا يصلح أن يقضى عنه»... وبها يخصّ إطلاق وجوب الاستنابة كما في الخبرين المذكورين».(4)

الثاني: قال في «الرياض»: «ولو كان ناسياً لم يلزمه شي ء وأعاد طوافه على المعروف من مذهب الأصحاب كما في «المدارك»، مشعراً بدعوى الاتّفاق، مع أنّ ظاهر عبارة الماتن في «الشرائع» والفاضل في «المختلف» والصيمري وجود الخلاف من الصدوق في «الفقيه» في وجوب إعادة الطواف؛ لرواية الصحيح: عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق قال: «لا ينبغي إلّاأن


1- وسائل الشيعة 13: 406، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 58، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 13: 407، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 58، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 13: 409، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 58، الحديث 11 ..
4- الحدائق الناضرة 17: 283- 288 ..

ص: 660

يكون ناسياً»،(1) لكنّه غير صريح في عدم وجوب الإعادة. مع أنّه معارض بالصحيحة الثانية، فإنّها باطلاقها شاملة لمفروض المسألة، بل وللجاهل أيضاً كما عليه جماعة. وهي أقوى دلالة، فالمصير إليها أقوى مع كونها أشهر جدّاً...

وهل يجب إعادة السعي حيث يجب إعادة الطواف؟ قولان؛ أجودهما الأوّل؛ عملًا بما مرّ من القاعدة والأصل».(2)

ثمّ أضاف في «الحدائق»: «الثالث: قد تقدّم في صحيحة الخزّاز- الواردة في الحائض التي لا تستطيع أن تتخلّف من أصحابها- أنّ ظاهر الأصحاب القول بالخبر المذكور من غير ارتكاب تأويل فيه، ولعلّه مبنيّ على الفرق بين ما دلّ عليه هذه الأخبار من حكم الناسي، فإنّه لمكان تفريطه في ترك ذلك حتّى أدّى إلى نسيانه وجب عليه العود أو الاستنابة. والمرأة المذكورة لمّا كان تركها مع الحضور إنّما هو لما ذكر من المحظور لم يلزمها الرجوع ولا الاستنابة. وظاهر المحدّث الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي- رضوان اللَّه تعالى عليه- في وسائله حمل الخبر المذكور على أنّها تستنيب(3)....

الرابع: الأشهر الأظهر أنّه لا فرق في هذا الحكم بين الرجل والمرأة وإن كان مورد هذه الأخبار إنّما هو الرجل؛ لما عرفت آنفاً من أنّ طواف النساء، محلّل للرجال والنساء، فيحلّ به للرجال ما حرم عليهم من النساء، وللنساء ما حرم عليهنّ من الرجال. وقد سبق تحقيق الكلام في ذلك. ومتى ثبت تحريم الرجال عليهنّ بالإحرام وأ نّه لا يحلّ لهنّ إلّابطواف النساء، فيستصحب التحريم في


1- وسائل الشيعة 14: 156، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 36، الحديث 4 ..
2- رياض المسائل 6: 504 ..
3- وسائل الشيعة 13: 453، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 57، ذيل الحديث 13 ..

ص: 661

صورة النسيان إلّاأن يأتين به مباشراً أو استنابة».(1)

الخامس: قال في «المختلف»: «قال الشيخ في «النهاية» و «المبسوط»:

المتمتّع إذا أهلّ بالحجّ لا يجوز له أن يطوف ويسعى إلّابعد أن يأتي منى ويقف بالموقفين، إلّاأن يكون شيخاً كبيراً لا يقدر على الرجوع إلى مكّة أو مريضاً أو امرأة تخاف الحيض، فيحول بينها وبين الطواف، فإنّه لا بأس بهم أن يقدّموا طواف الحجّ والسعي. ومنع ابن إدريس من ذلك. والمعتمد الأوّل.

لنا: أنّها ضرورة فأباحت التقديم. وما رواه علي بن يقطين في الصحيح قال:

سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل المتمتّع يهلّ بالحجّ، ثمّ يطوف ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى؟ قال: «لا بأس به».(2) وإنّما حملناه على الضرورة، لما رواه إسماعيل بن عبدالخالق قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «لا بأس أن يعجّل الشيخ الكبير والمريض والمرأة والمعلول طواف الحجّ قبل أن يخرج إلى منى»،(3) وفي الصحيح: عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتّع إذا كان شيخاً كبيراً وامرأة تخاف الحيض، فيعجّل طواف الحجّ قبل أن يأتي منى؟ فقال: «نعم، من كان هكذا يعجل».(4)

لا يقال: تخصيص العامّ ببعض أفراده باطل وكذا تقييد المطلق بقيد يوافقه في الحكم؛ لأنّا نقول: قد روى أبو بصير قال: قلت: رجل كان متمتّعاً فأهلّ بالحجّ قال: «لا يطوف بالبيت حتّى يأتي عرفات، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من


1- الحدائق الناضرة 17: 289 ..
2- وسائل الشيعة 11: 281، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 13، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 11: 281، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 13، الحديث 6 ..
4- وسائل الشيعة 11: 282، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 13، الحديث 7 ..

ص: 662

(مسألة 12): لو نسي وترك الطواف الواجب من عمرة أو حجّ أو طواف النساء ورجع وجامع النساء، يجب عليه الهدي ينحره أو يذبحه في مكّة، والأحوط نحر الإبل، ومع تمكّنه بلا مشقّة يرجع ويأتي بالطواف، والأحوط إعادة السعي في غير نسيان طواف النساء، ولو لم يتمكّن استناب.

غير علّة، فلا يعتدّ بذلك الطواف».(1)

مسألة: قال الشيخ في «النهاية» و «المبسوط»: وأمّا المفرد والقارن فإنّه لا بأس بهما أن يقدّما الطواف قبل أن يأتيا عرفات. وأمّا طواف النساء فإنّه لا يجوز إلّابعد الرجوع من منى مع الاختيار. فإن كان هناك ضرورة تمنعه من الرجوع إلى مكّة أو امرأة تخاف الحيض جاز لهما تقديم طواف النساء، ثمّ يأتيا الموقفين ومنى. وقال ابن إدريس القارن والمفرد حكمهما حكم المتمتّع في أنّه لا يجوز لهما تقديم الطواف قبل الموقفين، وكذا لا يجوز تقديم طواف النساء مع الضرورة، وقد تقدّم البحث في هذه المسألة»،(2) انتهى كلامه رفع مقامه.

بيانه- قال في «المختلف»: «لو نسي طواف الزيارة حتّى رجع إلى أهله وجب عليه بدنة والرجوع إلى مكّة وقضاء طواف الزيارة، قاله الشيخ في «النهاية» و «المبسوط». وقال ابن إدريس: الأقرب عدم وجوب الكفّارة؛ لأنّه في حكم الناسي. نعم يجب عليه الرجوع إلى مكّة وقضاء طواف الزيارة، وللشيخ أن يحتجّ بما رواه معاوية بن عمّار في الحسن قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن متمتّع وقع على أهله ولم يزر، قال: «ينحر جزوراً، وقد خشيت


1- وسائل الشيعة 11: 281، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 13، الحديث 5 ..
2- مختلف الشيعة 4: 219- 221، المسألة 174 و 175 ..

ص: 663

أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً، وإن كان جاهلًا فلا بأس عليه».(1)

لا يقال: قوله: وإن كان جاهلًا فلا بأس عليه ينافي وجوب الكفّارة؛ لأنّا نقول: لا نسلّم ذلك، فإنّ نفي البأس لا يستلزم نفي الكفّارة ولاحتمال أن يكون المقصود أنّه لا يثلم حجّه لأجل نسيانه. وروى عيص بن قاسم في الصحيح قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل واقع أهله حين ضحى قبل أن يزور البيت، قال: «يهريق دماً».(2) والأقرب عندي وجوب البدنة إن جامع بعد الذكر».(3)

وقال في «المدارك»: «ومن تركه ناسياً قضاه إلى آخره، هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً. ونصّ الشهيد في «الدروس» على أنّ المراد بالتعذّر المشقّة الشديدة، ولم أقف لهم في هذا التفصيل على مستند. والذي وقفت عليه في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتّى قدم بلاده وواقع النساء، كيف يصنع؟ قال: «يبعث بهدي إن كان تركه في حجّ بعث به في حجّ، وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه».(4)

وإطلاق الرواية يقتضي جواز الاستنابة للناسي إذا لم يذكر حتّى قدم بلاده مطلقاً، وأ نّه لا فرق في ذلك بين طواف العمرة وطواف الحجّ وطواف النساء.


1- وسائل الشيعة 13: 121، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 9، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 122، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 9، الحديث 2 ..
3- مختلف الشيعة 4: 219، المسألة 173 ..
4- وسائل الشيعة 13: 405، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 58، الحديث 1 ..

ص: 664

لكن قال الشيخ في كتابي الأخبار: الوجه في هذا الخبر أن نحمله على طواف النساء؛ لأنّ من ترك طواف النساء ناسياً جاز له أن يستنيب غيره في طوافه، ولا يجوز ذلك في طواف الحجّ، ثمّ استدلّ على هذا التأويل بما رواه عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: رجل نسي طواف النساء حتّى دخل أهله، قال: «لا تحلّ له النساء حتّى يزور البيت»، وقال: «يأمر أن يقضى عنه إن لم يحجّ، فإن توفّى قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره»(1) وهذه الرواية إنّما تدلّ على جواز الاستنابة في طواف النساء لا على المنع عليها في طواف الحجّ ليحتاج إلى ما ذكره من الجمع.

واعلم أنّه قد وقع في كلام الشيخ في كتابي الأخبار تشويش عظيم... مع أنّ ما ذكره من إعادة الحجّ على الناسي غير منقول في كلام الأصحاب، بل ظاهرهم الإجماع على خلافه. وقد ظهر من ذلك أنّ الأظهر وجوب الإتيان بالطواف المنسيّ وجواز الاستنابة فيه إذا شقّ العود أو مطلقاً كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر.

ومتى وجب قضاء طواف العمرة أو طواف الحجّ فالأقرب وجوب إعادة السعي أيضاً، كما اختاره الشيخ في «الخلاف» والشهيد في «الدروس»؛ لصحيحة منصور بن حازم قال: سألت أبا عبداللَّه عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت، فقال: «يطوف بالبيت، ثمّ يعود إلى الصفا والمروة، فيطوف بينهما».(2) وإنّما يحصل التحلّل ممّا يتوقّف على الطواف والسعي بالإتيان بهما، ولا يحصل بدون فعلهما، ولو عاد لاستدراكهما بعد


1- وسائل الشيعة 13: 407، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 58، الحديث 6 ..
2- وسائل الشيعة 13: 413، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 63، الحديث 2 ..

ص: 665

الخروج على وجه يستدعي على وجوب الإحرام لدخول مكّة، فهل يكتفي بذلك أو يتعيّن عليه الإحرام ثمّ يقضي الفائت قبل الإتيان بهما بأفعال العمرة أو بعده؟ وجهان، ولعلّ الأوّل أرجح تمسّكاً بمقتضى الأصل، والتفاتاً إلى أنّ من نسي الطواف يصدق عليه أنّه محرّم في الجملة والإحرام لا يقع إلّامن محلّ، والمسألة قويّة الإشكال واللَّه تعالى أعلم بحقيقة الحال».(1)


1- مدارك الأحكام 8: 175- 178 ..

ص: 666

المبيت بمنى

القول: في المبيت بمنى

اشارة

(مسألة 1): إذا قضى مناسكه بمكّة يجب عليه العود إلى منى للمبيت بها ليلتي الحادية عشرة والثانية عشرة، والواجب من الغروب إلى نصف الليل.

وجوب المبيت في الليلتين

بيانه- قال في «الحدائق»: «الظاهر أنّه لا خلاف بين أصحابنا- رضوان اللَّه تعالى عليهم- في أنّه إذا قضى الحاجّ مناسكه بمكّة من طواف الزيارة والسعي وطواف النساء فإنّه يجب عليه العود في يوم النحر إلى منى والمبيت بها ليالي التشريق؛ وهي ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ونسبه في «المنتهى» إلى علمائنا أجمع، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه. والأخبار به متظافرة... فإن بات بغيرها كان عليه عن كلّ ليلة دم شاة... ونقل عن الشيخ في «التبيان» أنّه قال باستحباب المبيت. أقول: قد تقدّم النعل عنه أيضاً في الكتاب المذكور القول باستحباب مناسك منى، وهو الذي قدّمناه عن الشيخ أبي علي الطبرسي من القول باستحباب جميع مناسك منى السابقة واللاحقة. وكيف كان

ص: 667

فهو قول مرغوب عنه، والأخبار بخلافه متظافرة».(1)

وقال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «وإذا قضى الحاجّ مناسكه في منى يوم العيد من الرمي والذبح رجع إلى مكّة وطاف بالبيت طواف الزيارة، وصلّى ركعتيه ثمّ السعي بين الصفا والمروة، وعند الأربعة يعود إلى منى بعد هذا الطواف ويحلّ له عندهم كلّ شي ء حتّى النساء. وعند الإمامية يطوف طوافاً آخر وهو طواف النساء ويصلّى ركعتيه ولا تحلّ النساء عندهم إلّابهذا الطواف وتكلّمنا عن ذلك مفصلًا... إذا انتهى من الطواف وجب عليه العودة إلى منى في ليالي التشريق وهي ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر وليلة الثالث عشر إلّاإذا تعجل وخرج بعد الزوال وقبل غروب شمس اليوم الثاني عشر، فلا يجب عليه شي ء والحال هذه في اليوم الثالث لقوله تعالى فَمَنْ تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.(2) وقال أبو حنيفة: المبيت بمنى سنة وليس بواجب. واتّفق القائلون بوجوب المبيت على أنّه نسك وليس بركن، واختلفوا في وجوب الكفارة على تاركه، قال ابن حنبل: لا شي ء عليه.

وقال الشافعي: عليه أن يكفّر بمد... وقال المالكية: عليه دم. وقال الإمامية:

إذا بات بغير منى فإن كان بمكّة مشتغلًا بالعبادة حتّى أصبح فلا فدية عليه أمّا إذا بات غير متعبّد أو بات في غير مكّة وإن تعبّد كان عليه عن كلّ ليلة شاة، حتّى ولو كان ناسياً أو جاهلًا... ولا يجب شي ء من الأعمال في ليالي منى ويستحب التهجد والعبادة».(3)


1- الحدائق الناضرة 17: 292 ..
2- البقرة( 2): 203 ..
3- الفقه على المذاهب الخمسة: 272- 273 ..

ص: 668

وفي «شرح اللمعة»: «ولا فرق في وجوبها بين مبيته بغيرها لعبادة وغيرها إلّا أن يبيت بمكّة مشتغلًا بالعبادة الواجبة أو المندوبة مع استيعابه الليلة بها إلّاما يضطرّ إليه من أكل وشرب وقضاء حاجة ونوم يغلب عليه، ومن أهمّ العبادة الاشتغال بالطواف والسعي، لكن لو فرغ منهما قبل الفجر وجب عليه إكمالها بما شاء من العبادة.

وفي جواز رجوعه بعده إلى منى ليلًا نظر، من استلزامه فوات جزء من الليل بغير أحد الوصفين؛ أعنى المبيت بمنى وبمكّة متعبّداً، ومن أنّه تشاغل بالواجب.

ويظهر من «الدروس» جوازه وإن علم انّه لا يدرك منى إلّابعد انتصاف الليل.

ويشكل بأنّ مطلق التشاغل بالواجب غير مجوّز».(1)

وقال في «الرياض»: «واعلم أنّ الحاجّ إذا قضى مناسكه بمكّة- شرّفها اللَّه تعالى- من طواف الزيارة والسعي وطواف النساء يجب عليه العود للمبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر مطلقاً والثالث عشر- على تفصيل سيذكر- بإجماعنا. ووافقنا عليه أكثر من خالفنا كما عن «المنتهى» وهو الحجّة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ التواتر، بل لعلّها متواترة، وعن الشيخ في «التبيان» القول باستحبابه، وهو شاذّ... فينوي- كما في «الفخرية»- أبيت هذه الليلة بمنى لحجّ التمتّع حجّ الإسلام مثلًا؛ لوجوبه قربة إلى اللَّه. فإن أخلّ بالنية عمداً أثم، وفي الفدية وجهان، كما في «المسالك».

أقول: ونفى فيه البعد عن العدم ولا بأس به؛ للأصل، وعدم معلومية شمول


1- الروضة البهيّة 1: 545 ..

ص: 669

(مسألة 2): يجب المبيت ليلة الثالثة عشرة إلى نصفها على طوائف:

منهم: من لم يتّق الصيد في إحرامه للحجّ أو العمرة، والأحوط لمن أخذ الصيد ولم يقتله المبيتُ، ولو لم يتّق غيرهما من محرّمات الصيد- كأكل اللحم والإراءة والإشارة وغيرها- لم يجب.

ومنهم: من لم يتّقِ النساء في إحرامه للحجّ أو العمرة وطءاً؛ دبراً أو قبلًا، أهلًا له أو أجنبيّةً، ولا يجب في غير الوطء كالتقبيل واللمس ونحوهما.

ومنهم: من لم يفض من منى يوم الثاني عشر، وأدرك غروب الثالث عشر.

إطلاق ما دلّ على أنّ الفدية بترك المبيت لمثله؛ لانصرافه بحكم التبادر إلى الترك الحقيقي لا الحكمي».(1)

من يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر

بيانه- قال في «القواعد»: «فإذا طاف طواف النساء فليرجع إلى منى، ولا يبيت ليالي التشريق إلّابها؛ وهي ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويجوز لمن اتّقى النساء والصيد النفر يوم الثاني عشر. ولو بات الليلتين بغير منى وجب عليه عن كلّ ليلة شاة، وكذا غير المتّقي لو بات الثالثة بغيرها، إلّا أن يبيتا بمكّة مشتغلين بالعبادة أو يخرجا من منى بعد نصف الليل. ولو غربت الشمس يوم الثاني عشر بمنى وجب على المتّقي المبيت أيضاً فإن أخلّ به فشاة».(2)


1- رياض المسائل 7: 113 ..
2- قواعد الأحكام 1: 446 ..

ص: 670

وقال في «رياض المسائل»: «ولو كان ممّن يجب عليه المبيت في الليالي الثلاث مطلقاً، وترك المبيت بها أجمع لزمه ثلاث شياة لكلّ ليلة شاة إجماعاً كما في «الغنية»؛ لإطلاق بعض الروايات المتقدّمة مضافاً إلى رواية اخرى ضعف سندها بالشهرة منجبر عمّن بات ليالي منى بمكّة، قال: «عليه ثلاث من الغنم يذبحهنّ».(1)

والمراد بمن يجب عليه المبيت في الليالي الثلاث هو من لم يتّق في إحرامه الصيد والنساء، أو موجبات الكفّارة، أو مطلق المحرّمات على اختلاف الأقوال... فإن قلنا بالأخيرين كان على من أخلّ بالمبيت في الثلاث ثلاث من الشياة، كما عن «النهاية» و «السرائر». وإن اتّقى عن سائر المحرّمات، وإلّا فشاتان، كما عن «المبسوط» و «الجواهر» وحدّ المبيت بها؛ أي قدر الواجب منه أن يكون بها ليلًا حتّى يتجاوز نصف الليل، فله الخروج منها بعد الانتصاف ولو إلى مكّة- شرّفها اللَّه تعالى- للمعتبرة المستفيضة...».(2)

وقال في «شرح اللمعة»: «وإذا بات بمنى ليلتين جاز له النفر في الثاني عشر بعد الزوال لا قبله، إن كان قد اتّقى الصيد والنساء في إحرام الحجّ قطعاً، وإحرام العمرة أيضاً إن كان الحجّ تمتّعاً على الأقوى. والمراد باتّقاء الصيد عدم قتله، وباتّقاء النساء عدم جماعهنّ.

وفي إلحاق مقدّماته، وباقي المحرّمات المتعلّقة بهنّ كالعقد وجه، وهل يفرّق فيه بين العامد وغيره؟ أوجه؛ ثالثها: الفرق بين الصيد والنساء لثبوت الكفّارة فيه مطلقاً دون غيره ولم تغرب عليه الشمس ليلة الثالث عشر بمنى، وإلّا يجتمع


1- وسائل الشيعة 14: 253، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 1، الحديث 6 ..
2- رياض المسائل 7: 119 ..

ص: 671

الأمران؛ الاتّقاء وعدم الغروب؛ سواء انتفيا أم أحدهما وجب المبيت ليلة الثالث عشر بمنى، ولا فرق مع غروبها عليه بين من تأهّب للخروج قبله، فغربت عليه قبل أن يخرج، وغيره، ولا بين من خرج ولم يتجاوز حدودها حتّى غربت، وغيره. نعم، لو خرج منها قبله ثمّ رجع بعده، لغرض كأخذ شي ء نسيه لم يجب المبيت، وكذا لو عاد لتدارك واجب بها ولو رجع قبل الغروب لذلك، فغربت عليه بها، ففي وجوب المبيت قولان؛ أجودهما ذلك. وحيث وجب مبيت ليلة الثالث عشر وجب رمي الجمرات الثلاث فيه، ثمّ ينفر في الثالث عشر، ويجوز قبل الزوال بعد الرمي»(1) انتهى موضع الحاجة.


1- الروضة البهيّة 1: 547 ..

ص: 672

(مسألة 3): لا يجب المبيت في منى في الليالي المذكورة على أشخاص:

الأوّل: المرضى والممرّضين لهم، بل كلّ من له عذر يشقّ معه البيتوتة.

الثاني: من خاف على ماله المعتدّ به من الضياع أو السرقة في مكّة.

الثالث: الرعاة إذا احتاجوا إلى رعي مواشيهم بالليل.

الرابع: أهل سقاية الحاجّ بمكّة.

الخامس: من اشتغل في مكّة بالعبادة إلى الفجر، ولم يشتغل بغيرها إلّا الضروريات، كالأكل والشرب بقدر الاحتياج، وتجديد الوضوء وغيرها، ولا يجوز ترك المبيت بمنى لمن اشتغل بالعبادة في غير مكّة؛ حتّى بين طريقها إلى منى على الأحوط.

من يستثنى عمّن يجب عليه المبيت بمنى

بيانه- قال في «شرح اللمعة»: «أو تمريض مريض ويحتمل سقوط الفدية عنه وربّما بني الوجهان على أنّ الشاة هل هي كفّارة أو فدية وجبران؟ فتسقط على الأوّل دون الثاني».(1)

قال في «الرياض»: «واعلم أنّه يجوز لذوي الأعذار المبيت في غير منى حيث يضطرّون إليه؛ إذ لا حرج في الدين وفي وجوب الدم نظر؛ من التردّد في كونه كفّارة أو جبراناً، وظاهر «الغنية» العدم كما هو مقتضى الأصل... وفي «الخلاف»: وأمّا من له مريض يخاف عليه أو مال يخاف ضياعه فعندنا يجوز له ذلك؛ لقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ


1- الروضة البهيّة 1: 544 ..

ص: 673

حَرَجٍ(1) والزام المبيت والحال ما وصفناه حرج. وللشافعي فيه وجهان. ونحوه «المنتهى»...

وفي «الدروس»: وكذا لو منع من المبيت عامّاً أو خاصّاً كنفر الحجيج ليلًا؛ قال: ولا إثم في هذه المواضع، وتسقط الفدية في هذه المواضع...».(2)

وقال في «الحدائق»: «قد صرّح جملة من الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- بأ نّه رخّص في ترك المبيت لثلاثة: الرعاة ما لم تغرب عليهم الشمس بمنى، وأهل سقاية العبّاس وإن غربت عليهم الشمس بمنى، وكذا من له ضرورة بمكّة كمريض يراعيه أو مال يخاف ضياعه بمكّة. وعلّل في «المنتهى» الفرق بين الرعاة وأهل السقاية- باعتبار وجوب المبيت على الأوّلين مع الغروب دون الأخيرين- أنّ الرعاة إنّما يكون رعيهم بالنهار، وقد فات، فتفوت الضرورة فيجب عليهم المبيت. وأمّا أهل السقاية فشغلهم ليلًا ونهاراً فافترقا. وقال في «الدروس» بعد تعداد هذه المواضع: وتسقط الفدية عن أهل السقاية والرعاة، وفي سقوطها عن الباقين نظر.

أقول: لم أقف في الأخبار على ما يتعلّق بهذا المقام إلّاعلى رواية مالك بن أعين(3) المتقدّم نقلها عن كتاب «العلل» الدالّة على استئذان العبّاس من النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن يبيت بمكّة ليالي منى لأجل سقاية الحاج فأذّن له، وهي صريحة في جواز المبيت لأجل السقاية في مكّة تلك الليالي من غير دم ولا أثم».(4)


1- الحجّ( 22): 78 ..
2- رياض المسائل 7: 123 ..
3- وسائل الشيعة 14: 258، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 1، الحديث 21 ..
4- الحدائق الناضرة 17: 303 ..

ص: 674

وقال في «شرح اللمعة»: «أمّا الرعاة وأهل سقاية العبّاس فقد رخّص لهم في ترك المبيت من غير فدية».(1)

وفي «مجمع البيان»: «قيل: إنّها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام والعبّاس بن عبدالمطّلب وطلحة بن شيبة، وذلك أنّهم افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت وبيدي مفتاحه ولو أشاء بتّ فيه. وقال العبّاس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها. وقال علي عليه السلام: ما أدري ما تقولان لقد صلّيت إلى القبلة ستّة أشهر قبل الناس... وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن بريدة عن أبيه، قال: بينا شيبة والعبّاس يتفاخران، إذ مرّ بهما علي بن أبي طالب عليه السلام قال: بماذا تتفاخران؟ فقال العبّاس: لقد اوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد؛ سقاية الحاجّ.

وقال شيبة: اوتيت عمارة المسجد الحرام، فقال على عليه السلام: استحييت لكما فقد اوتيت على صغري ما لم تؤتيا، فقالا: وما اوتيت يا على؟ قال: ضربت خراطيمكما بالسيف حتّى آمنتما باللَّه ورسوله، فقام العبّاس مغضباً يجرّ ذيله حتّى دخل على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وقال: أما ترى إلى ما يستقبلني به علي فقال: «ادّعوا إليّ علياً» فدعي له فقال: «ما حملك على ما استقبلت به عمّك؟» فقال:

«يا رسول اللَّه صدمته بالحقّ، فمن شاء فليغضب، ومن شاء فليرض»، فنزل جبرائيل عليه السلام، فقال: «يا محمّد إنّ ربّك يقرأ عليك السلام، ويقول: اتل عليهم أَ جَعَلْتُمْ سِقَايَةَ(2)» الآيات، فقال العبّاس: إنّا قد رضينا ثلاث مرّات».(3)


1- الروضة البهية 1: 545 ..
2- التوبة( 9): 19.
3- مجمع البيان 5: 27 ..

ص: 675

(مسألة 4): من لم يكن في منى أوّل الليل بلا عذر، يجب عليه الرجوع قبل نصفه، وبات إلى الفجر على الأحوط.

(مسألة 6): من ترك المبيت الواجب بمنى يجب عليه لكلّ ليلة شاة؛ متعمّداً كان أو جاهلًا أو ناسياً، بل تجب الكفّارة على الأشخاص المعدودين في المسألة الثالثة إلّاالخامس منهم، والحكم في الثالث والرابع مبنيّ على الاحتياط.

بيانه- قال في «الحدائق»: «قال في «الدروس»: ولو فرغ من العبادة قبل الانتصاف ولم يرد العبادة بعده وجب عليه الرجوع إلى منى، ولو علم أنّه لا يدركها قبل انتصاف الليل على إشكال. والظاهر أنّ وجه الإشكال ينشأ من تحريم الكون بمكّة لغير العبادة، ومن انتفاء الفائدة في الخروج؛ إذ لا يدرك شيئاً من المبيت الواجب ثمّ قال: وأولى بعدم الوجوب إذا علم أنّه لا يدركها حتّى يطلع الفجر».(1)

بيانه- قال في «الحدائق»: «إنّ ما دلّت عليه رواية جعفر بن ناجية(2) من وجوب ثلاث من الغنم على من بات ليالي منى بمكّة قول الشيخ في «النهاية»، وابن إدريس، والعلّامة في «المختلف» وجمع من الأصحاب. وقال الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف»: من بات عن منى ليلة كان عليه دم، فإن بات عنها ليلتين كان عليه دمان، فإن بات الليلة الثالثة لا يلزمه؛ لأنّ له النفر في الأوّل. وقد ورد في بعض الأخبار أنّ من بات ثلاث ليال عن منى فعليه ثلاث دماء،(3) وذلك


1- الحدائق الناضرة 17: 300 ..
2- وسائل الشيعة 14: 253، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 1، الحديث 6 ..
3- وسائل الشيعة 14: 251، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 1 ..

ص: 676

محمول على الاستحباب أو على من لم ينفر في الأوّل حتّى غابت الشمس.

واعترضه ابن إدريس، فقال: التخريج الذي خرّجه الشيخ لا يستقيم له، وذلك أنّ من عليه كفّارة لا يجوز أن ينفر في النفر الأوّل بغير خلاف، فقوله رحمه الله:

أن ينفر في النفر الأوّل غير مسلّم؛ لأنّ عليه كفّارة لأجل إخلاله بالمبيت ليلتين....

وكلام الشيخ في «الخلاف» و «المبسوط» مبنيّ على الأوّل، فيجوز له النفر الأوّل. ومتى جاز له لم يلزمه دم، والرواية عنده محمولة على من غابت عليه الشمس في الليلة الثالثة، أو لم يتّق الصيد أو النساء؛ لوجوب المبيت في هاتين الصورتين. وكلامه في «النهاية»، وكذا كلام ابن إدريس محمول على الثاني، كما أشار إليه ابن إدريس في عبارته المذكورة أوّلًا بقوله: وذلك أنّ من عليه كفّارة لا يجوز له أن ينفر في النفر الأوّل، وقوله ثانياً: لأنّ عليه كفّارة لأجل إخلاله بالمبيت ليلتين. وحينئذٍ فتكون الرواية عنده على ظاهرها».(1)

قال في «المدارك»: «فقوله قدس سره: له أن ينفر في الأوّل غير مسلّم؛ لأنّ عليه كفّارة لأجل إخلاله بالمبيت ليلتين وهذا كلامه قدس سره وهو غير جيّد لما سنبيّنه إن شاء اللَّه من أنّ المراد بالمتّقي من اتّقى الصيد والنساء في إحرامه لا من لم يلزمه كفّارة. ومن هنا تظهر أنّ الأجود ما ذكره المصنّف من أنّ الدم إنّما يجب بترك مبيت الثالثة على من غربت الشمس في الليلة الثالثة، وهو بمنى، أو من لم يتّق الصيد والنساء؛ لوجوب مبيت الليلة الثالثة في هاتين الصورتين كما سيجى ء إن شاء اللَّه تعالى.(2)


1- الحدائق الناضرة 17: 301 ..
2- مدارك الأحكام 8: 228 ..

ص: 677

رمي الجمار

القول: في رمي الجمار الثلاث

اشارة

(مسألة 1): يجب رمي الجِمار الثلاث- أي الجمرة الاولى والوُسطى والعقبة- في نهار الليالي التي يجب عليه المبيت فيها حتّى الثالث عشر لمن يجب عليه مبيت ليله، فلو تركه صحّ حجّه ولو كان عن عمد وإن أثم معه.

بيانه- قال في «المختصر النافع»: «ويجب رمي الجمار في الأيّام التي يقيم بها كلّ جمرة بسبع حصيات مرتّباً؛ يبدأ بالاولى ثمّ الوسطى ثمّ جمرة العقبة. ولو نكس أعاد على الوسطى وجمرة العقبة. ويحصل الترتيب بأربع حصيات على الوسطى وجمرة العقبة. ووقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد مرتّباً. ويستحبّ أن يكون ما لأمسه غدوة وما ليومه بعد الزوال».(1)

قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «لا عمل للحاجّ؛ متمتّعاً كان أو قارناً أو مفرداً أيّام التشريق إلّاأن يرمي في كلّ يوم منها ثلاث جمار بالاتّفاق، أمّا عدد الحصى وما يتّصل بها فعلى ما مرّ في جمرة العقبة التي رماها يوم العيد.

وقال الإمامية: يبدأ وقت الرمي من كلّ يوم من الأيّام الثلاثة من طلوع


1- المختصر النافع: 97 ..

ص: 678

الشمس إلى غروبها، وقال الأربعة: بل من زوال الشمس إلى غروبها، فإن رماها قبل الزوال أعاد، على أنّ الإمامية قالوا: عند الزوال أفضل. وأجاز أبو حنيفة الرمي قبل الزوال في اليوم الثالث فقط. ويجوز تأخير الرمي إلى ما بعد الغروب لُاولي الأعذار.

ونحمد اللَّه سبحانه؛ حيث اتّفقوا جميعاً على عدد هذه الجمار، وكيفية رميها في الأيّام الثلاثة، وفيما يلي نذكر صورة الرمي كما جائت في كتاب «التذكرة» وكتاب «المغني»».(1)

وفي «المدارك»: ويجب أن يرمي كلّ يوم من أيّام التشريق إلى آخره- هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل قال العلّامة في «التذكرة»: أنّه لا يعرف فيه خلافاً ونحوه قال في «المنتهى» ثمّ قال: وقد يوجد في بعض العبارات أنّه سنّة وذلك في بعض أحاديث الأئمّة عليهم السلام.

وفي لفظ الشيخ في «الجمل والعقود» وهو محمول على الثابت والسنّة لا أنّه مستحبّ؛ لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم فعله نسكاً وقال: «خذوا عنّي مناسككم»(2) وسيأتي وجوب امور فيه فيكون واجباً.

وفي «الحدائق» قال: «في «المنتهى»: ولا نعلم خلافاً في وجوب الرمي وقد يوجد في بعض العبارات أنّه سنّة وذلك في بعض أحاديث الأئمّة عليهم السلام. وفي لفظ الشيخ في «الجمل والعقود» وهو محمول على أنّه ثابت بالسنّة لا أنّه مستحبّ.

أقول: ما ذكره من تأويل السنّة بالحمل على ما ثبت وجوبه بالسنّة جيّد


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 273- 274 ..
2- عوالي اللئالي 4: 34/ 118 ..

ص: 679

(مسألة 2): يجب في كلّ يوم رمي كلّ جمرة بسبع حصيات، ويعتبر فيها وفي الرمي ما يعتبر في رمي الجمرة العقبة على ما تقدّم بلا افتراق.

بالنسبة إلى الروايات متى وجد فيها هذا اللفظ مع معلومية الوجوب بدليل آخر. وأمّا في عبائر الفقهاء فإنّهم إنّما يطلقونه على المعنى الاصول المتعارف.

وتصريح الشيخ في «الجمل والعقود» بكون الرمي سنّة إنّما جرى على ما قدّمناه نقله عن البيان من حكمه باستحباب هذه المناسك، ومثله ما تقدّم في كلام أمين الإسلام الطبرسي في تفسيره «مجمع البيان»، وكيف كان فهذا القول مرغوب عنه لتكاثر الأخبار بالأوامر الدالّة على الوجوب كما سيأتي إن شاء اللَّه في المقام».

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «يرمي الحاجّ في كلّ يوم من الأيّام الثلاثة إحدى وعشرين حصاة على ثلاث دفعات كلّ واحدة منها سبع حصى يبتدئ بالاولى؛ وهي أبعد الجمرات من مكّة وتلي مسجد الخيف، ويستحبّ أن يرميها خذفاً(1) عن يسارها من بطن المسيل بسبع حصى، ويكبّر عند كلّ حصاة ويدعو.

ثمّ يتقدّم إلى الجمرة الثانية؛ وتسمّى الوسطى، ويقف عن يسار الطريق، ويستقبل القبلة، ويحمد اللَّه ويثني عليه، ويصلّي على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، ثمّ يتقدّم قليلًا ويدعو، ثمّ يرمي الجمرة، ويصنع كما صنع عند الاولى، ويقف ويدعو أيضاً بعد الحصاة الأخيرة، ثمّ يمضي إلى الجمرة الثالثة؛ وتسمّى أيضاً بجمرة العقبة، ويرميها كالسابقة، ولا يقف بعدها. وبها يختم الرمي. قال السيّد الحكيم: ينبغي


1- الخذف: أن يضع الحصاة على باطن الإبهام ويدفعها بظاهر السبّابة ..

ص: 680

أن يرمي الثالثة مستدبراً القبلة وجاء في «المغني» يرميها مستقبلًا الكعبة.

فمجموع ما يرميه في الأيّام الثلاثة بمنى ثلاث وستّون حصاة إن بات بمنى ليلة الثالث عشر كلّ يوم إحدى وعشرون تضاف إلى السبع التي رماها يوم العيد فتمّ على السبعين، بعد أن نقل هذا صاحب «التذكرة» قال لا نعلم فيه خلافاً.

وقال صاحب «المغني»: ولا نعلم في جميع ما ذكرنا خلافاً إلّامالكاً فقد خالف بموضوع رفع اليدين. وما ذكره صاحب «المغني» عين ما ذكره صاحب «التذكرة» أو قريب منه. وبهذا تبيّن أنّ لكلّ واحدة من الجمار الثلاث مكاناً خاصّاً بها من منى لا يجوز التعدّي عنه.(1)

و «المهذّب البارع»: القول في مناسك منى يوم النحر وهي رمي جمرة العقبة ثمّ الذبح ثمّ الحلق، أمّا الرمي فالواجب فيه النيّة والعدد وهو سبع وإلقاؤها بما يسمّى رمياً فلو تمّمها حركة غيره لم يجز، والمستحبّ الطهارة والدعاء ولا يتباعد بما يزيد عن خمسة عشر ذراعاً وأن يرمي خذفاً والدعاء مع كلّ حصاة، ويستقبل جمرة العقبة ويستدبر القبلة وفي غيرها يستقبل الجمرة والقبلة- والخذف قد جاء خذف الحصا في الحديث والمشهور في تفسيره أن تضع الحصاة على بطن إبهام يدك اليمنى وتدفعها بظفر السبّابة وهو من باب ضرب.

وفي «الصحاح» الخذف بالحصا الرمي بها بالأصبع وفي رواية البزنطي عن الكاظم عليه السلام: «تحذفهنّ خذفاً وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبّابة».(2) وفي «المصباح» خذفت الحصاة رميتها بطرفي الإبهام والسبابة.


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 274- 275 ..
2- وسائل الشيعة 14: 61، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 7، الحديث 1 ..

ص: 681

(مسألة 3): وقت الرمي من طلوع الشمس إلى الغروب، فلا يجوز في الليل اختياراً، ولو كان له عذر من خوف أو مرض أو علّة أو كان راعياً جاز في ليل يومه أو الليل الآتي.

زمان الرمي

بيانه- قال في «الحدائق»: «المشهور بين الأصحاب أنّ الرمي أيّام التشريق ما بين طلوع الشمس إلى الغروب وإن كان كلّما قرب من الزوال أفضل، ذهب إليه الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» والمفيد والسيّد المرتضى وأبو الصلاح وابن حمزة وابن الجنيد وابن أبي عقيل وغيرهم، فقال الشيخ في «الخلاف»: ولا يجوز الرمي أيّام التشريق إلّابعد الزوال، وقد روي رخصة قبل الزوال في الأيّام كلّها.

وقال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه في رسالته: ومطلق لك في رمي الجمار من أوّل النهار إلى الزوال، وقد روي من أوّل النهار إلى آخره، وقال ابنه في «المقنع»: وارم الجمار في كلّ يوم بعد طلوع الشمس إلى الزوال، وكلّما قرب من الزوال فهو أفضل. ونحوه قال في كتاب «من لا يحضره الفقيه» وزاد: وقد رويت رخصة من أوّل النهار إلى آخره. والظاهر هو القول الأوّل. ويدلّ عليه ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن منصور بن حازم وأبي بصير جميعاً عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها»(1)... وغير ذلك من الأخبار.


1- وسائل الشيعة 14: 69، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 13، الحديث 4 ..

ص: 682

ونقل عن الشيخ في «الخلاف»: أنّه احتجّ بإجماع الفرقة وطريق الاحتياط، وأنّ من رمى بعد الزوال كان فعله مجزياً إجماعاً وقبله ليس كذلك؛ لوجود الخلاف فيه. وبما رواه معاوية بن عمّار في الصحيح عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال: «ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس».(1)

واجيب عنه بالمنع من الإجماع في موضع النزاع، بل قال في «المختلف»:

«إنّ الإجماع قد دلّ على خلاف قوله» وعن الاحتياط أنّه ليس بدليل شرعى؛ مع أنّه معارض بأصالة البراءة، وعن الرواية بالحمل على الاستحباب... ولا يجوز الرمي ليلًا إلّالذوي الأعذار كالخائف والمريض والرعاة والعبيد.

ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل ويضحّي ويفيض بالليل»،(2) وعن سماعة(3) في الموثّق عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «رخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلًا»».(4)

وفي «المدارك» بعد نقله الأخبار قال: «والظاهر أنّ المراد بالرمي ليلًا رمي جمرات كلّ يوم في ليلته ولو لم يتمكّن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة؛ لأنّه أولى من الترك أو التأخير، وربّما كان في إطلاق بعض الروايات دلالة عليه»،(5) واللَّه العالم.


1- وسائل الشيعة 14: 68، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 12، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 70، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 14، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 14: 71، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 14، الحديث 2 ..
4- الحدائق الناضرة 17: 306- 307 ..
5- مدارك الأحكام 8: 233 ..

ص: 683

(مسألة 4): يجب الترتيب؛ بأن يبتدئ بالجمرة الاولى ثمّ الوسطى ثمّ العقبة، فإن خالف- ولو عن غير عمد- تجب الإعادة حتّى يحصل الترتيب.

اعتبار الترتيب في رمي الجمار

بيانه- قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «واتّفقوا جميعاً ما عدا أبا حنيفة على وجوب الترتيب بين هذه الجمار فلو قدّم بعضها على بعض وجبت الإعادة على ما يحصل به الترتيب، وقال أبا حنيفة: لا يجب الترتيب... وإذا أخّر رمي يوم إلى ما بعده عامداً أو جاهلًا أو ناسياً أو أخّر الرمي بكامله إلى آخر أيّام التشريق ورماها في يوم واحد فلا شي ء عليه عند الشافعية والمالكية. وقال أبو حنيفة: إن ترك حصاة أو حصاتين أو ثلاثاً إلى الغد استدرك رميها في الغد.

وعليه عن كلّ حصاة إطعام مسكين.

وإن ترك أربعاً رماها في الغد وعليه دم ثمّ اختلف الأربعة فيما بينهم في التكفير عن ذلك. فقال المالكية من ترك الجمار كلّها أو بعضها ولو واحدة فعليه دم. وقال الحنفية إن تركها فعليه دم وإن ترك جمرة فصاعداً فعن كلّ جمرة إطعام مسكين. وقال الشافعية عليه عن الحصاة الواحدة مدّ من طعام وعن حصاتين مدّان وعن الثلاث دم....

وقال الإمامية: إذا نسي رمي جمرة أو بعضه عاد من الغد ما دامت أيّام التشريق، وإن نسي الجمار بكاملها حتّى وصل إلى مكّة وجب عليه الرجوع إلى منى والرمي إن كانت أيّام التشريق باقية، وإلّا قضى الرمي في السنة القادمة بنفسه أو استناب عنه، ولا كفّارة عليه. ويتّفق هذا مع فتوى السيّدين الحكيم

ص: 684

والخوئي إلّاأنّ الأوّل نعت وجوب القضاء بالأقوى ونعته الثاني بالأحوط. واتّفقا على أنّ من ترك الرمي متعمّداً لم يبطل حجّه.

وأشرنا فيما سبق إلى اتّفاق المذاهب على أنّ للحاجّ أن يكتفي بيومين من أيّام التشريق فيخرج من منى قبل أن تغرب شمس اليوم الثاني عشر، فإن غربت وهو بها وجب عليه المبيت والرمي في اليوم الثالث عشر.

ولكن الإمامية قالوا: إنّما يجوز هذا الخروج والتعجيل لمن كان قد اتّقى الصيد والنساء في إحرامه، وإلّا يجب عليه المبيت في ليلة الثالث عشر أيضاً».(1)

وفي «القواعد»: ويجب أن يرمي الجمار الثلاث في كلّ يوم من الحادي عشر والثاني عشر، فإن أقام ليلة الثالث عشر وجب الرمي فيه أيضاً على كلّ جمرة في كلّ يوم بسبع حصيات على الترتيب؛ يبدأ بالاولى ثمّ الوسطى ثمّ جمرة العقبة. وإن نكس أعاد على الوسطى ثمّ جمرة العقبة، فلو رمى اللاحقة بعد أربع حصيات ناسياً حصل بالترتيب ولا يحصل بدونها. ولو ذكر في أثناء اللاحقة أكمل السابقة أوّلًا وجوباً، ثمّ أكمل اللاحقة مطلقاً. ووقت الإجزاء من طلوع الشمس، والفضيلة من الزوال، ويمتدّان إلى الغروب وإذا غربت قبل رميه أخّره وقضاه من الغد».

وقال في «رياض المسائل»: «ويجب رمي الجمار الثلاث في الأيّام التي تقيم بها كلّ جمرة بسبع حصيات بلا خلاف في شي ء من ذلك حتّى الوجوب كما في «السرائر» وغيره.

وعن «التذكرة» و «المنتهى» أنّه لا نعلم فيه خلافاً. وعن «الخلاف» الإجماع على وجوب الترتيب بين رمي الثلاث ووجوب القضاء قيل: وعدّ في «التبيان»


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 275 ..

ص: 685

من المسنونات. ولعلّ المراد ما ثبت وجوبه بالسنّة... وفي الخبر: «من ترك رمي الجمار متعمّداً لم تحلّ له النساء وعليه الحجّ من قابل»،(1) ولكنّه شاذّ لم يعمل به واحد من الأصحاب. ويزيد هنا على ما مضى من شرائط الرمي أن يكون مرتّباً، يبدأ بالاولى ثمّ الوسطى ثمّ جمرة العقبة بالإجماع الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً ك «الخلاف» و «الغنية» وغيرهما صريحاً، وفي «التذكرة» و «المنتهى» وغيرهما ظاهراً وللتأسّي والصحاح المستفيضة، وعليه فلو نكس أعاد على الوسطى وجمرة العقبة بلا خلاف وللصحاح المستفيضة.

منها: قلت له: الرجل يرمي الجمار منكوسة، قال: «يعيدها على الوسطى وجمرة العقبة»(2) ويحصل الترتيب بأربع حصيات، فلو رمى اللاحقة بعد أربع حصيات على السابقة حصل الرمي بالترتيب، وإلّا فلا بلا خلاف، بل عن صريح «الخلاف» وظاهر «التذكرة» و «المنتهى» الإجماع؛ للمعتبرين: أحدهما:

الصحيح: في رجل رمى الجمرة الاولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع، قال: «يعيد يرميهنّ جميعاً بسبع سبع»، قلت: فإن رمى الاولى بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع قال: يرمى الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع ويرمى جمرة العقبة بسبع قلت فإن رمى الجمرة الاولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع، قال: «يعيد، فيرمي الاولى بثلاث والثانية بثلاث ولا يعيد على الثالثة»(3) وإطلاقه كغيره يقتضى البناء على الأربع مع العمد والجهل والنسيان».(4)


1- وسائل الشيعة 14: 264، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 4، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 14: 265، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 5، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 14: 267، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 6، الحديث 2 ..
4- رياض المسائل 7: 124- 126 ..

ص: 686

وقال في «الحدائق»: «وإطلاق هذه الأخبار وإن كان يقتضي البناء على الأربع مطلقاً؛ عامداً كان أو ناسياً أو جاهلًا إلّاأنّ الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- قيّدوها بحالتي الجهل والنسيان، وصرّحوا بوجوب الإعادة من رأس على التي لم يكمل عددها سبعاً مع العمد، وعلى التي بعدها؛ لتحريم الانتقال إلى المتأخّرة قبل إكمال المتقدّمة وهو جيّد؛ لما ثبت من وجوب الرمي بسبع.

وبالجملة: فالضابط على تقدير الجهل والنسيان أنّ من رمى واحدة أربعاً وانتقل منها إلى الاخرى كفاه إكمال الناقصة، وإن كان أقلّ من أربع فلا خلاف في أ نّه يستأنف ما بعدها؛ لما تقدّم من تحريم الانتقال إلى المتأخّرة قبل إكمال المتقدّمة. وإنّما الخلاف في استيناف الناقصة وإكمالها فالمشهور الأوّل، وهو المعتضد بالأخبار المتقدّمة. ونقل عن ابن إدريس الاكتفاء بإكمالها لعدم وجوب الموالاة في الرمى.

وقال في كتاب «فقه الرضوي»: «وإن جهلت ورميت إلى الاولى بسبع، وإلى الثانية بستّ، وإلى الثالثة بثلاث، فارم إلى الثانية بواحدة وأعد الثالثة. ومتى لم تجز النصف فأعد الرمي من أوّله. ومتى ما جزت النصف فابن على ذلك. وإن رميت إلى الجمرة الاولى دون النصف فعليك أن تعيد الرمي إليها وإلى ما بعدها من أوّله».(1) وهذه العبارة بلفظها قد نقلها في «المختلف» عن الشيخ علي بن بابويه، وهو من جملة ما قدّمنا ذكره في غير موضع من أخذ عبارات الكتاب المذكور والإفتاء بها»(2) انتهى كلامه.


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 226 ..
2- الحدائق الناضرة 17: 311- 312 ..

ص: 687

(مسألة 6): لو نسي الرمي من يوم قضاه في اليوم الآخر، ولو نسي من يومين قضاهما في اليوم الثالث. وكذا لو ترك عمداً. ويجب تقديم القضاء على الأداء، وتقديم الأقدم قضاءً، فلو ترك رمي يوم العيد وبعده، أتى يوم الثاني عشر أوّلًا بوظيفة العيد، ثمّ بوظيفة الحادي عشر، ثمّ الثاني عشر.

وبالجملة: يعتبر الترتيب في القضاء كما في الأداء في تمام الجمار وفي بعضها، فلو ترك بعضها كالجمرة الاولى- مثلًا- وتذكّر في اليوم الآخر، أتى بوظيفة اليوم السابق مرتّبة، ثمّ بوظيفة اليوم، بل الأحوط فيما إذا رمى الجمرات أو بعضها بأربع حصيات، فتذكّر في اليوم الآخر، أن يقدّم القضاء على الأداء وأقدم قضاءً على غيره.

بيانه- قال في «الحدائق»: «ولو تركه نسياناً، فإن ترك رمي يوم قضاه من الغد مرتّباً؛ يبدء بالفائت ويعقّب بالحاضر. ويستحبّ أن يكون ما يرميه لأمسه غدوة وما يرميه ليومه عند الزوال. أمّا وجوب قضاء ما فاته من الغد فيدلّ عليه ما رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلت:

الرجل ينكس في رمي الجمار، فيبدأ بجمرة العقبة ثمّ الوسطى ثمّ العظمى، قال: «فيعود، فيرمي الوسطى، ثمّ يرمي جمرة العقبة وإن كان من الغد».(1)

ويدلّ على الحكمين معاً ما رواه الكليني في «الكافي» في الصحيح عن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام: في رجل أفاض من جمع حتّى انتهى إلى منى، فعرض له عارض، فلم يرم الجمرة حتّى غابت الشمس، قال: «يرمي إذا أصبح مرّتين مرّة لما فاته والاخرى ليومه الذي يصبح فيه، وليفرق بينهما


1- وسائل الشيعة 14: 266، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 5، الحديث 4 ..

ص: 688

يكون إحداهما بكرة؛ وهي للأمس والاخرى عند زوال الشمس».(1)

ورواه الصدوق في «الفقيه» في الصحيح عنه مثله».(2)

وقال «المدارك» «وحكى العلّامة في «التذكرة» عن بعض العامّة قولًا بعدم وجوب تقديم الفائت، وهو جيّد لولا ورود الرواية بذلك. وينبغي إيقاع الفائت بعد طلوع الشمس وإن كان الظاهر جواز الإتيان به قبل طلوعها أيضاً؛ لإطلاق الخبر. ولو فاته رمي يومين قضاه يوم الثالث، وقدّم الأوّل على الثاني وختم بالأداء. وفي رواية معاوية بن عمّار: «أ نّه يفصل بين كلّ رميتين بساعة»،(3) ولو فاته جمرة وجهل تعيينها أعاد على الثلاث مرتّباً لإمكان كونها الاولى، فيبطل الأخيرتان، وكذا لو فاته أربع حصيات من جمرة وجهلها. ولو فاته دون الأربع كرّره على الثلاث. ولا يجب الترتيب هنا؛ لأنّ الفائت من واحدة ووجوب الباقي من باب المقدّمة كوجوب ثلاث فرائض عن واحدة مشتبهة من الخمس.

ولو فاته من كلّ جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتيب؛ لتعدّد الفائت بالأصالة. ولو فاته ثلاث وشكّ في كونها من واحدة أو أكثر رماها عن كلّ واحدة مرتّباً؛ لجواز التعدّد. ولو كان الفائت أربعاً استأنف»،(4) انتهى كلامه.

وقال في «الحدائق»: «فروع: الأوّل: لو فاته جمرة وجهل تعيينها أعاد على الثلاث مرتّباً بينها؛ لاحتمال كونها الاولى، فيبطل رمي الأخيرتين. وهذا الحكم متفرّع على وجوب الترتيب. وكذا لو فاته أربع حصيات من جمرة وجهلها، فإنّه


1- وسائل الشيعة 14: 72، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 15، الحديث 1 ..
2- الحدائق الناضرة 17: 313 ..
3- وسائل الشيعة 14: 261، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 3، الحديث 2 و 3 ..
4- مدارك الأحكام 8: 236 ..

ص: 689

(مسألة 7): لو رمى على خلاف الترتيب وتذكّر في يوم آخر، أعاد حتّى يحصل الترتيب، ثمّ يأتي بوظيفة اليوم الحاضر.

يكون في حكم عدم الرمي بالكلّية؛ لما تقدّم. ولو فاته دون الأربع كرّره على الثالث. ولا يجب الترتيب هنا؛ لأنّ الفائت من واحدة لا غير، ووجوب الباقي إنّما هو من باب المقدّمة كما لو فاته فريضة من الخمس مشتبهة فيها، فإنّه لا يجب عليه الترتيب.

الثاني: لو فاته من كلّ جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتيب؛ لتعدّد الفائت بالإضافة.

الثالث: لو فاته ثلاث وشكّ في كونها من واحدة أو أكثر رماها من كلّ واحدة مرتّباً؛ لجواز التعدّد فلا يحصل اليقين بالبراءة إلّابه. وأمّا لو كان الفائت أربعاً فقد عرفت أنّه يستأنف».(1)

وقال في «المهذّب البارع»: «ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد مرتّباً، ويستحبّ أن يكون ما لأمسه غدوة وما ليومه بعد الزوال»،(2) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الحدائق»: «قد تقدّم أنّه من المقطوع به نصّاً وفتوى وجوب الترتيب بين الجمار الثلاث وعن المقطوع به فيها أيضاً أنّه يحصل الترتيب بمتابعة أربع حصيات لا أقلّ فيبني عليها.

ويدلّ عليه ما رواه ثقة الإسلام في «الكافي» في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث قال: وقال في رجل رمى الاولى بأربع


1- الحدائق الناضرة 17: 316 ..
2- المهذّب البارع 2: 216 ..

ص: 690

(مسألة 9): المعذور كالمريض والعليل وغير القادر على الرمي كالطفل يستنيب، ولو لم يقدر على ذلك- كالمغمى عليه- يأتي عنه الوليّ أو غيره، والأحوط تأخير النائب إلى اليأس من تمكّن المنوب عنه، والأولى مع الإمكان حمل المعذور والرمي بمشهد منه، ومع الإمكان وضع الحصى على يده والرمي بها، فلو أتى النائب بالوظيفة ثمّ رفع العذر، لم يجب عليه الإعادة لو استنابه مع اليأس، وإلّا تجب على الأحوط.

والأخيرتين بسبع سبع قال: «يعود، فيرمي الاولى بثلاث، وقد فرغ. وإن كان رمى الاولى بثلاث ورمى الأخيرتين بسبع، فليعد، وليرميهنّ جميعاً بسبع سبع، وإن كان رمى الوسطى بثلاث ثمّ رمى الاخرى، فليرم الوسطى بسبع، فإن كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث»(1) الحديث. وما رواه الشيخ في الصحيح(2) كما تقدّم».(3)

بيانه- قال في «الحدائق»: «ومن تعذّر عليه الرمي وجب أن يرمى عنه.

ويدلّ على ذلك روايات:

منها: ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمّار وعبدالرحمان بن الحجّاج جميعاً عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: الكسير والمبطون يرمى عنهما، قال: «والصبيان يرمى عنهم»(4) وعن إسحاق بن عمّار: أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام عن


1- وسائل الشيعة 14: 267، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 6، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 14: 267، كتاب الحجّ، أبواب العود إلى منى، الباب 6، الحديث 2 ..
3- الحدائق الناضرة 17: 315 ..
4- وسائل الشيعة 14: 74، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 17، الحديث 1 و 2 ..

ص: 691

المريض ترمى عنه الجمار، قال: «نعم، يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه»، قال:

لا يطيق، فقال: «يترك في منزله ويرمى عنه»(1)... وعن يحيى بن سعيد عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سألته عن امرأة سقطت من المحمل، فانكسرت ولم تقدر على رمي الجمار، فقال: «يرمى عنها وعن المبطون».(2) وعن حريز في الصحيح عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف به».(3) وعن حريز في الصحيح عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يطاف به ويرمى عنه، قال: «نعم، إذا كان لا يستطيع».(4)

ولا يشترط في استنابة المريض اليأس من البرء عملًا بالإطلاق. ولو زال عذره بعد فعل نائبه فلا إعادة عليه. ولو اغمي على المريض بعد الاستنابة لم ينعزل النائب؛ للأصل وإطلاق الأخبار. ونقل عن بعض المتأخّرين أنّه استشكل ذلك: بأنّ الإغماء يوجب زوال الوكالة، فتزول النيابة».(5)

قال في «المدارك»: «وهو ضعيف؛ لأنّ إلحاق هذه الاستنابة بالوكالة في هذا الحكم لا يخرج عن القياس، مع أنّا نمنع ثبوت الحكم في الأصل إن لم يكن إجماعياً على وجه لا يجوز مخالفته لانتفاء الدليل عليه. ولو اغمي على


1- وسائل الشيعة 14: 74، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 17، الحديث 1 و 2 ..
2- وسائل الشيعة 14: 76، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 17، الحديث 7 ..
3- وسائل الشيعة 14: 76، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 17، الحديث 9 و 10 ..
4- وسائل الشيعة 14: 76، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 17، الحديث 9 و 10 ..
5- الحدائق الناضرة 17: 308 ..

ص: 692

(مسألة 10): لو يئس غير المعذور كوليّه- مثلًا- عن رفع عذره، لا يجب استئذانه في النيابة وإن كان أحوط، ولو لم يقدر على الإذن لا يعتبر ذلك.

المريض قبل الاستنابة وخيف فوت الوقت رمى عنه بعض المؤمنين كما يدلّ عليه صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: سألته عن رجل اغمي عليه، فقال: «يرمى عنه الجمار».(1)

وربّما ظهر من الرواية وجوب الرمي عنه كفاية، ويستفاد من موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة استحباب حمل المريض إلى الجمرة ثمّ الرمي عنه. وروى إسحاق بن عمّار أيضاً عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن المريض يرمى عنه الجمار، قال: «يحمل إلى الجمار ويرمى عنه»، قلت: فإنّه لا يطيق ذلك، قال: «يترك في منزله ويرمى عنه»»(2) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الجواهر»: «عن «المنتهى» و «التحرير» استحباب استئذان النائب، ومقتضاه عدم توقّف النيابة على الإذن المعتبر في التوكيل، ولعلّه كذلك؛ لإطلاق النصوص، خلافاً لما عن «المبسوط» من أنّه لا بدّ من إذنه إذا كان عقله ثابتاً، بل ينبغي الجزم بعدم اعتبارها مع فرض عدم قابلية المنوب عنه لها بإغماء ونحوه، ولذا قال: في محكيّ «المنتهى»: إن زال عقله قبل الإذن جاز له أن يرمى عنه عندنا عملًا بالعمومات، وصحيح رفاعة بن موسى عن أبي عبداللَّه عليه السلام سألته: عن رجل اغمي عليه، فقال: «يرمى عنه الجمار»(3) بل في «المدارك»:


1- وسائل الشيعة 14: 76، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 17، الحديث 5 ..
2- مدارك الأحكام 8: 239 ..
3- وسائل الشيعة 14: 76، كتاب الحجّ، أبواب رمي جمرة العقبة، الباب 17، الحديث 5 ..

ص: 693

ربما ظهر منه وجوب الرمي عنه كفاية وإن كان لا يخلو من نظر، بل منع. وفي «الدروس»: لو اغمي عليه قبل الاستنابة وخيف فوات الرمي فالأقرب رمي الوليّ عنه، فإن تعذّر فبعض المؤمنين؛ لرواية رفاعة عن الصادق عليه السلام: «يرمى عمّن اغمي عليه».

نعم، قد يقال بوجوب الاستنابة عليه مع بقاء عقله واختياره، وإن كان لو فعل من غير إذنه جاز وسقط عنه ذلك؛ لما سمعته من إطلاق النصّ والفتوى مؤيّداً بالإجزاء عن المغمى عليه وبإجزاء الحجّ متبرّعاً عن الميّت، ولعلّ استحباب الاستئذان الذي سمعته من «المنتهى» و «التحرير» إغناء للمنوب عنه عن الاستنابة الواجبة عليه، وإبراء لذمّته عنها، كما أنّ ما في المحكيّ عنهما أيضاً من استحباب وضع المنوب الحصى في يد النائب تشبيهاً بالرامي، ولإيماء حمله إلى الجمار إليه أيضاً، بل في محكيّ «التذكرة» استحباب وضع النائب الحصى في يد المنوب؛ يعني والرمي بها، وهي في يده كما عن «المنتهى» أوثم أخذها من يده ورميها كما عن «المبسوط»، بل قيل: هو الموافق لرسالة علي بن بابويه و «السرائر» و «الوسيلة» و «التحرير» وغيرها، والأمر سهل، واللَّه العالم».(1)


1- جواهر الكلام 20: 31 ..

ص: 694

(مسألة 12): لو تيقّن بعد مضيّ اليوم بعدم إتيان واحدة من الجمار الثلاث، جاز الاكتفاء بقضاء الجمرة العقبة، والأحوط قضاء الجميع. ولو تيقّن بعد رمي الجمار الثلاث بنقصان الثلاث فما دون عن أحدها، يجب إتيان ما يحتمل النقصان والرمي بكلّ واحدة من الثلاث. ولو تيقّن في الفرض بنقصان أحدها عن أربع، لا يبعد جواز الاكتفاء برمي الجمرة العقبة وتتميم ما نقص، والأحوط الإتيان بتمام الوظيفة في الجمرة العقبة، وأحوط منه استئناف العمل في جميعها.

بيانه- قال في «شرح اللمعة»: «ولو نسي حصاة واحدة واشتبه الناقص من الجمرات رماها على الجميع؛ لحصول الترتيب بإكمال الأربع، وكذا لو نسي اثنتين وثلاثاً، ولا يجب الترتيب هنا؛ لأنّ الفائت من واحدة ووجوب الباقي من باب المقدّمة كوجوب ثلاث فرائض عن واحدة مشتبهة من الخمس.

نعم، لو فاته من كلّ جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتيب؛ لتعدّد الرمي بالأصالة، ولو فاته ما دون أربع وشكّ في كونه من واحدة أو اثنتين أو ثلاث وجب رمي ما يحصل معه يقين البراءة مرتّباً؛ لجواز التعدّد، ولو شكّ في أربع كذلك استأنف الجميع».(1)

قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «رغبة في التوضيح والتيسير على القارئ نذكر فيما يلي صورة جامعة لأعمال الحجّ حسب الترتيب الشرعي بينها.

يحرم الحاجّ البعيد عن مكّة من الميقات الذي مرّ به أو بما يحاذيه ويشرع بالتلبية.

1- التلبية واجبة عند الإمامية والحنفية والمالكية، مستحبّة عند الحنابلة، أمّا


1- الروضة البهيّة 1: 546 ..

ص: 695

وقتها فعند الشروع بالإحرام، ولا فرق في ذلك بين معتمر بعمرة مفردة أو متمتّع أو مفرد أو قارن، أمّا أهل الحرم فيحرمون من منازلهم.

2- الإمامية يوجبون حجّ التمتّع على غير المكّي، أمّا المكّي فيخيّرونه بين القران والإفراد والمذاهب الأربعة لا تفرّق بين المكي وغيره في أن يختار أيّ نوع شاء من أنواع الحجّ، سوى أنّ أبا حنيفة كره للمكّي حجّ التمتّع والقران فإذا رأى البيت كبّر وهلّل استحباباً، وإذا دخل مكّة اغتسل استحباباً أيضاً، ثمّ يدخل البيت ويستلم الحجر الأسود ويقبّله إن استطاع وإلّا أشار إليه بيده ويطوف طواف القدوم استحباباً.

3- طواف القدوم مستحبّ عند الجميع إلّامالكاً فذهب إلى وجوبه، ثمّ يصلّي ركعتي الطواف ثمّ يستلم الحجر إن استطاع ويخرج من البيت ثمّ يقيم بمكّة باقياً على إحرامه، فإذا جاء يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجّة خرج إلى عرفة وإن شاء خرج قبله بيوم وإن كان معتمراً بعمرة مفردة أو حاجّاً حجّ التمتّع طاف وجوباً وصلّى ركعتي الطواف ثمّ سعى بين الصفا والمروة ثمّ حلق أو قصّر.

4- قال الإمامية: يخيّر بين الحلق والتقصير إن كان معتمراً بعمرة مفردة، أمّا إذا كان متمتّعاً فيتعيّن عليه التقصير كما أوجبوا على من اعتمر بعمرة مفردة أن يطوف ثانية طواف النساء بعد الحلق أو التقصير ولا تحلّ له النساء إلّابعد هذا الطواف. وقال الأربعة بالتخيير بين الحلق والقصر للإثنين ولم يوجبوا طواف النساء على أحد معتمراً كان أو حاجّاً، كما أنّ مالكاً لم يوجب الحلق أو التقصير على المعتمر بعمرة مفردة، ثمّ يتحلّل حينئذٍ من إحرامه ويباح له كلّ شي ء حتّى النساء.

5- قال الإمامية: يحلّ المتمتّع إذا قصّر حتّى ولو كان معه هدي أي ساقه

ص: 696

وقت الإحرام، وقال غيرهم أنّ المتمتّع الذي أحرم والعمرة من الميقات يحلّ أن حلق أو قصر إن لم يكن معه هدي ويبقى محرماً إن كان معه هدي، أمّا المعتمر بعمرة مفردة فإنّه يحلّ مطلقاً، سواء كان معه هدي أم لم يكن، وبعد أن ذكر هذا صاحب «المغنى» قال: لا نعلم فيه خلافاً.

ثمّ ينشئ المتمتّع إحراماً آخر من مكّة في وقت يمكنه فيه أن يدرك الوقوف بعرفة حين الزوال من اليوم التاسع من ذي الحجّة، والأفضل الإحرام يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجّة، وأن يكون تحت الميزاب، ويتّجه الحاجّ متمتّعاً كان أو قارناً أو مفرداً إلى عرفة مارّاً بمنى، ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من زوال اليوم التاسع إلى فجر اليوم العاشر عند الحنفية والشافعية والمالكية، ومن فجر التاسع إلى فجر العاشر عند الحنابلة. ومن زوال التاسع إلى غروب شمسه عند الإمامية وللمضطر إلى فجر اليوم العاشر.

6- يجب الوقوف بعرفة في جميع الوقت المحدّد عند الإمامية، وتكفي ولو لحظة منه عند غير الإمامية، وأجمعت المذاهب على الجمع بين الصلاتين لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم جمع بعرفة، ويدعو الحاج بعرفة ويلحّ في الدعاء استحباباً ثمّ يتّجه إلى المزدلفة يصلّى فيها صلاة المغرب والعشاء ليلة العيد جامعاً بينهما استحباباً بالاتّفاق، ويجب عليه المبيت في هذه الليلة بالمزدلفة عند الحنفية والشافعية والحنابلة، ولا يجب عند الإمامية والمالكية، ولكنّه الأفضل. وفيها يجب الوقوف بالمشعر الحرام بعد طلوع الفجر عند الإمامية والحنفية، ومستحب عند غيرهم.

ومن المزدلفة يأخذ الحاج سبعين حصاة استحباباً ليرميها بمنى ثمّ يتجه إلى منى قبل طلوع الشمس من يوم العيد فيرمي جمرة العقبة متمتّعاً كان أو قارناً أو مفرداً ويرميها بين طلوع الشمس وغيابها ويكبّر ويسبّح عند الرمى استحباباً ثمّ يذبح إن كان متمتّعاً غير مكي بالاتّفاق ولا يجب على المفرد بالاتّفاق ولكن يستحب.

ص: 697

امّا القارن فيجب عليه الذبح عند الأربعة ولا يجب عليه عند الإمامية إلّاإذا صحت معه الأضحية وقت الإحرام، وإذا تمتّع المكّي وجب عليه الذبح عند الإمامية ولا يجب عند بقيّة المذاهب، ثمّ يحلق أو يقصر متمتّعاً كان أو قارناً أو مفرداً، ويحلّ له أو التقصير ما حرّم عليه إلّاالنساء عند الحنابلة والشافعية والحنفية، وإلّا النساء والطيب عند الإمامية والمالكية، ثمّ يعود إلى مكّة في نفس اليوم أي يوم العيد فيطوف طواف الزيارة ويصلّي ركعتيه متمتّعاً كان أو قارناً أو مفرداً ويحلّ له كلّ شي ء حتّى النساء عند الأربعة، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتّعاً بالاتّفاق وإن كان مفرداً أو قارناً وجب عليه السعي بعد طواف الزيارة عند الإمامية على كلّ حال، وعند غيرهم لا يجب عليه السعي إذا كان قد سعى بعد طواف القدوم وإلّا وجب، وعند الإمامية يجب أن يطوف طوافاً آخر بعد السعي متمتّعاً كان أو قارناً أو مفرداً، وهذا هو الطواف النساء ولا تحلّ إلّابه عندهم ثمّ يعود الحاجّ إلى منى في نفس اليوم العاشر وينام فيها ليلة الحادي عشر ويرمى الجمار الثلاث عند زوال الشمس إلى غروبها من يوم الحادي عشر بالاتّفاق وأجاز الإمامية الرمي بعد طلوع الشمس وقبل الزوال، ثمّ يفعل في اليوم الثاني عشر ما فعل بالأمس وله أن يترك منى قبل غروب هذا اليوم بالاتّفاق وإن دخل الغروب وهو فيها وجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر ورمي الجمار الثلاث في هذا اليوم وبعد الرمي يعود إلى مكّة قبل الزوال أو بعده إن شاء، وإذا دخل مكّة طاف طواف الوداع استحباباً عند الإمامية والمالكية ووجوباً على غير المقيم بمكّة غيرهم. وبهذا تختم أعمال الحجّ وصلّى اللَّه على محمّد وآله».(1)


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 277- 280 ..

ص: 698

الصدّ والحصر

القول: في الصدّ والحصر

اشارة

(مسألة 1): المصدود: من منعه العدوّ أو نحوه عن العمرة أو الحجّ، والمحصور: من منعه المرض عن ذلك.

معنى المصدود والمحصور

بيانه- قال في «الجواهر»: «الصدّ بالعدوّ والإحصار بالمرض لا غير كما هو المعروف بين الفقهاء، بل في «المسالك»: اختصاص الحصر بالمرض هو الذي استقرّ عليه رأي أصحابنا ووردت به نصوصهم، بل ظاهر «المنتهى» الاتّفاق على إرادة ذلك من اللفظين المزبورين، بل عن صريح «التنقيح» و «كنز العرفان» ذلك».(1)

وفي «القواعد» قال: «في الحصر والصدّ، وفيه مطلبان: الأوّل: المصدود الممنوع بالعدوّ، فإذا تلبّس بالإحرام لحجّ أو عمرة ثمّ صدّ عن الدخول إلى مكّة إن كان معتمراً أو الموقفين إن كان حاجّاً، فإن لم يكن له طريق سوى موضع


1- جواهر الكلام 20: 111 ..

ص: 699

الصدّ، أو كان وقصرت نفقته تحلّل بذبح هديه الذي ساقه والتقصير. ونيّة التحلّل عند الذبح موضع الصدّ؛ سواء كان في الحرم أو خارجه من النساء وغيرها وإن كان الحجّ فرضاً، ولا يجب بعث الهدي. وهل يكفي هدي السياق عن هدي التحلّل؟ الأقوى ذلك مع ندبه. ولو لم يكن ساق وجب هدي التحلّل فلا يحلّ بدونه، ولا بدل له على إشكال، فيبقى على إحرامه مع عجزه عنه وعن ثمنه...

ولو كان له طريق غير موضع الصدّ وجب سلوكه إن كان مساوياً، وكذا لو كان أطول، والنفقة وافية به... ولا يتحقّق الصدّ بالمنع من رمي الجمار ومبيت منى، بل يصحّ الحجّ، ويستنيب في الرمي والذبح. ويجوز التحلّل من غير هدي مع الاشتراط على رأي.

فروع:

الأوّل: لو حبس على مال مستحقّ، وهو متمكّن منه، فليس بمصدود، ولو كان غير مستحقّ أو عجز عن المستحقّ تحلّل.

الثاني: لو صدّ عن مكّة بعد الموقفين، فإن لحق الطواف والسعي للحجّ في ذي الحجّة صحّ حجّه، وإلّا وجب عليه العود من قابل لأداء باقي المناسك، ولو لم يدرك سوى الموقفين فإشكال، ولو صدّ عن الموقفين أو أحدهما مع فوات الآخر جاز له التحلّل، فإن لم يتحلّل وأقام على إحرامه حتّى فاته الوقوف فقد فاته الحجّ، وعليه أن يتحلّل بعمرة ولا دم عليه؛ لفوات الحجّ، ويقضي مع الوجوب.

الثالث: لو ظنّ انكشاف العدوّ قبل الفوات جاز التحلّل، والأفضل الصبر، فإن انكشف أتمّ وإن فات أحلّ بعمرة، ولو تحلّل، فإن كشف العدوّ والوقت متّسع وجب الإتيان بحجّ الإسلام مع بقاء الشرائط ولا يشترط الاستطاعة من بلده حينئذٍ.

ص: 700

الرابع: لو أفسد فصدّ فتحلّل وجب بدنة الإفساد ودم التحلّل والحجّ من قابل فإن قلنا: الاولى حجّة الإسلام لم تكف الواحدة، وإلّا فإشكال».(1)

قال ابنه رحمه الله: أقول: هذه المسألة مبناها على مسألتين: الاولى: هل هي حجّة الإسلام كقول الشيخ في «النهاية»؛ لرواية زرارة في الحسن قال: سألته أيّ الحجّتين لهما، قال: «الاولى التي أحدثا فيها ما أحدثا والاخرى عليهما عقوبة».(2) والجواب أنّها مقطوعة؛ لأنّ زرارة لم يسندها إلى إمام وإن كان الظاهر إسنادها إلى الصادق عليه السلام؛ لأنّه من رجاله، أو عقوبة كقول ابن إدريس؟

وهو الحقّ عندي؛ لأنّ الفاسد لا يجوز أن يكون حجّة الإسلام؛ لأنّه لو أجزأ عن الصحيح لما كان فاسداً. الثانية: على تقدير كون الاولى عقوبة، هل يقتضي مع الصدّ؟ يحتمل وجوب قضائها؛ لأنّها حجّ واجب صدّ عنه وكلّ حجّ واجب صدّ عنه وجب قضائه. والمقدّمتان ظاهرتان.

ويحتمل العدم وهو الأقوى عندي؛ لأنّ التحلّل مسقط للُاولى، والقضاء إنّما يجب بأمر جديد... وإن قلنا: إنّها تقضى لم يكف الواحد، لكن على هذا التقدير يأتي بحجّة الإسلام أوّلًا ثمّ في السنة الثانية يأتي بالعقوبة. وهذا تحقيق هذه المسألة... فإن انكشف العدوّ والوقت باق وجب القضاء، وهو حجّ يقضي لسنته على إشكال، ولو لم يكن تحلّل مضى في الفاسد وقضا في القابل واجباً....

أقول: هذا مبنيّ على أنّ الاولى هل هي حجّة الإسلام أو عقوبة؟ فإن قلنا:

الاولى حجّة الإسلام كان هذا الحجّ المأتيّ به قضاءً عن تلك الفاسدة فهو حجّ يقضي لسنته. وإن قلنا: إنّ الاولى عقوبة فهذه حجّة الإسلام، فلا يكون قضاءً


1- قواعد الأحكام 1: 453 ..
2- وسائل الشيعة 13: 112، كتاب الحجّ، أبواب كفّارات الاستمتاع، الباب 3، الحديث 9 ..

ص: 701

لتلك الفاسدة، فلا يكون هذا حجّاً يقضي لسنته. وإن قلنا: إنّ العقوبة تقضى على تقدير أن يكون الاولى عقوبة يجب عليه حجّ آخر قضاءً للفاسدة، لكن في سنة اخرى؛ لأنّ حجّة الإسلام تقدّم على قضاء العقوبة إجماعاً، وإن قلنا: لا تقضى لم يجب عليه قضاؤها، والأقوى عندي أنّ الاولى عقوبة وأنّ العقوبة لا تقضى»،(1) انتهى كلامه رفع مقامه.

ثمّ قال في «القواعد»: «المطلب الثاني: المحصور وهو الممنوع بالمرض عن الوصول إلى مكّة أو الموقفين، فإذا تلبّس بالإحرام واحصر بعث ما ساقه، ولو لم يكن ساقه بعث هدياً أو ثمنه وبقي على إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محلّه وهو منى يوم النحر إن كان حاجّاً ومكّة بفناء الكعبة إن كان معتمراً، فإذا بلغ قصّر وأحلّ من كلّ شي ء إلّاالنساء، ثمّ إن كان الحجّ واجباً وجب قضاؤه في القابل وإلّا استحبّ، لكن يحرم عليه النساء، إلّاأن يطوف في القابل مع وجوب الحجّ أو يطاف عنه مع ندبه أو عجزه، ولا يبطل تحلّله لو بان عدم ذبح هديه وعليه الذبح في القابل.

ولو زال المرض لحق بأصحابه فإن أدرك أحد الموقفين صحّ حجّه، وإلّا تحلّل بعمرة، وإن كانوا قد ذبحوا وقضى في القابل مع الوجوب. ولو علم الفوات بعد البعث، وزال العذر قبل التقصير، ففي وجوب لقاء مكّة للتحلّل بالعمرة إشكال، ولو زال عذر المعتمر بعد تحلّله قضى العمرة حينئذٍ واجباً مع الوجوب، وإلّا ندباً، وقيل في الشهر الداخل...».(2)

وقال في «الحدائق»: «قال في «القاموس»: الحصر كالضرب والنصر:


1- إيضاح الفوائد 1: 325- 326 ..
2- قواعد الأحكام 1: 455 ..

ص: 702

التضييق والحبس عن السفر وغيره. وقال: صدّ فلاناً عن كذا: منعه، ونحوه نقل عن الجوهري. وقال في كتاب «المصباح المنير»: حصره العدوّ حصراً- من باب قتل-: أحاطوا به ومنعوه من المضيّ لأمره. وقال ابن السكّيت وثعلب: حصره العدوّ في منزله: حبسه وأحصره المرض- بالألف-: منعه من السفر. وقال الفرّاء: هذا هو كلام العرب وعليه أهل اللغة. وقال ابن القوطية وأبو عمرو الشيباني: حصره العدوّ والمرض وأحصره، كلاهما بمعنى حبسه. انتهى كلامه في «المصباح». وقال في مادة صدّ: صددته عن كذا صدّاً- من باب قتل-: منعته وصرفته.

أقول: ظاهر كلام أهل اللغة مختلف في ترادف «حصر» و «أحصر» أو تغايرهما، فظاهر ما نقله في «المصباح» عن ابن القوطية وابن عمرو الأوّل، وما نقله عن ابن السكّيت وثعلب والفرّاء الثاني. قال شيخنا الشهيد الثاني في «المسالك»: المحصر اسم مفعول من أحصر إذا منعه المرض من التصرّف، ويقال للمحبوس: حصر- بغير همز- فهو محصور... والذي يظهر ممّا قدّمنا من كلامهم اتّحاد الحصر والصدّ وأ نّهما بمعنى المنع؛ من عدوّ كان أو مرض. وهذا هو الذي عليه عامّة فقهاء الجمهور.

وأمّا عند الإمامية- وهو الذي دلّت عليه أخبارهم- فهو أنّ اللفظين متغايران وأنّ الحصر هو المنع من تتمّة أفعال الحجّ أو العمرة بالمرض والصدّ هو المنع بالعدوّ ... وعند فقهاء المخالفين الحصر والصدّ واحد، وهما من جهة العدوّ، انتهى.

ونقل النيشابوري وغيره اتّفاق المفسّرين على أنّ قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ(1) نزلت في حصر الحديبية. ويفترقان أيضاً في أنّ


1- البقرة( 2): 192 ..

ص: 703

المصدود يحلّ له بالمحلّل جميع ما حرّمه الإحرام حتّى النساء دون المحصور، فإنّه يحلّ له ما عدا النساء، وفي مكان الذبح، فالمصدود يذبحه في محلّ الصدّ والمحصور يبعث به إلى مكّة فيذبح بها إن كان الصدّ في العمرة أو إلى منى إن كان في الحجّ....

ومن الأخبار الدالّة على تغايرهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «المحصور غير المصدود، وقال:

المحصور هو المريض، والمصدود هو الذي ردّه المشركون كما ردّوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ليس من مرض، والمصدود تحلّ له النساء والمحصور لا تحلّ له النساء»(1)....

ورواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمّار(2) مثله، ورواه في «المقنع» مرسلًا ثمّ قال: والمحصور والمضطرّ يذبحان بدنتيهما في المكان الذي يضطرّان فيه، وقد فعل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ذلك يوم الحديبية حين ردّ المشركون بدنته وأبوا أن تبلغ المنحر فأمر بها فنحرت مكانه(3) وغير ذلك من الأخبار».(4)

قال في «الجواهر»: أمّا إذا اجتمعا على المكلّف؛ بأن مرض وصدّه العدوّ، ففي «المسالك»: في ترجيح أيّهما أو التخيير بينهما، فيأخذ حكم ما اختاره أو الأخذ بالأخف فالأخف من أحكامهما أوجه؛ أجودهما الأخير؛ لصدق اسم كلّ واحد عند الأخذ بحكمه. ولا فرق في ذلك بين عروضهما دفعة أو متعاقبتين إذا


1- وسائل الشيعة 13: 177، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 1، الحديث 1 ..
2- الفقيه 2: 514/ 3104 ..
3- المقنع: 244 ..
4- الحدائق الناضرة 16: 2- 4 ..

ص: 704

(مسألة 2): من أحرم للعمرة أو الحجّ يجب عليه الإتمام، ولو لم يتمّ بقي على إحرامه، فلو أحرم للعمرة فمنعه عدوّ أو نحوه- كعمّال الدولة أو غيرهم- عن الذهاب إلى مكّة ولم يكن له طريق غير ما صدّ عنه، أو كان ولم يكن له مؤونة الذهاب منه، يجوز له التحلّل من كلّ ما حرم عليه؛ بأن يذبح في مكانه بقرة أو شاة أو ينحر إبلًا، والأحوط قصد التحلّل بذلك، وكذا الأحوط التقصير، فيحلّ له كلّ شي ء حتّى النساء.

كان قبل الشروع في حكم السابق، فلو عرض الصدّ بعد بعث المحصر أو الإحصار بعد ذبح المصدود ولمّا يقصّر احتمل ترجيح السابق، وهو خيرة «الدروس»، وبقاء التخيير؛ لصدق الاسم قبل التحلّل.

قلت: لا يخلو القول بترجيح السابق مطلقاً أو على الوجه الذي ذكره الشهيد من وجه. وفي «الدروس»: لو اجتمع الإحصار والصدّ فالأشبه تغليب الصدّ؛ لزيادة التحلّل به، ويمكن التخيير. وتظهر الفائدة في الخصوصيات والأشبه جواز الأخذ بالأخفّ من أحكامهما ولا فرق بين عروضهما معاً أو متعاقبين. نعم، لو عرض الصدّ بعد بعث المحصر أو الإحصار بعد ذبح المصدود ولمّا يقصّر، فترجيح جانب السابق قويّ.(1)

بيانه- قال في «الحدائق»: «في المصدود، من صدّ بالعدوّ بعد تلبّسه بالإحرام ولا طريق له غيره أو كان وقصرت نفقته عنه تحلّل بالإجماع. وتفصيل هذه الجملة أنّه إذا تلبّس بالإحرام؛ لحجّ كان أو لعمرة تعلّق به وجوب الإتمام


1- جواهر الكلام 20: 113 ..

ص: 705

إجماعاً؛ لقوله عزّ وجلّ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ.(1) ولو صدّ في إحرامه ذلك عن الوصول إلى مكّة، أو الموقفين ولا طريق له غير موضع العدوّ، أو كان ولا نفقة لسلوكه ذبح هديه، أو نحره بمكان الصدّ بنيّة التحلّل، فيحلّ له على الإطلاق؛ سواء كان في الحرم أو خارجه، ولا ينتظر في إحلاله بلوغ الهدي محلّه، ولا يراعى زماناً ولا مكاناً في إحلاله. وإنّما اعتبرنا نيّة التحلّل لأنّ الذبح يقع على وجوه متعدّدة، والفعل متى كان كذلك، فلا ينصرف إلى أحدها إلّابقصده ونيّته... هذا هو المشهور بين الأصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم-.

قال في «المختلف»: وإليه ذهب الشيخان وابن البرّاج وابن حمزة وسلّار وابن إدريس، وهو الظاهر من كلام علي بن بابويه حيث قال: وإذا صدّ رجل عن الحجّ وقد أحرم فعليه الحجّ من قابل. ولا بأس بمواقعة النساء؛ لأنّه مصدود، وليس كالمحصور. وقال أبو الصلاح: وإذا صدّ المحرم بالعدوّ، أو احصر بالمرض عن تأدية المناسك، فلينفذ القارن هديه والمتمتّع والمفرد ما يبتاع به شاة فما فوقها، فإذا بلغ الهدي محلّه، وهو يوم النحر فليحلق رأسه ويحلّ المصدود بالعدوّ من كلّ شي ء أحرم منه.

وقال ابن الجنيد: وإذا كان المصدود سائقاً، فصدّت بدنته أيضاً نحرها حيث صدّت ورجع حلالًا من النساء ومن كلّ شي ء أحرم منه، فإن منع هو ولم يمنع وصول بدنته إلى الكعبة أنفذ هديه مع من ينحره، وأقام على إحرامه إلى الوقت الذي يواعد فيه نحرها. وقال الشيخ في «الخلاف»: إذا احصر بالعدوّ جاز أن يذبح هديه مكانه، والأفضل أن ينفذ به إلى منى أو مكّة... والظاهر هو القول


1- البقرة( 2): 195 ..

ص: 706

(مسألة 3): لو دخل بإحرام العمرة مكّة المعظّمة، ومنعه العدوّ أو غيره عن أعمال العمرة، فحكمه ما مرّ، فيتحلّل بما ذكر، بل لا يبعد ذلك لو منعه من الطواف أو السعي. ولو حبسه ظالم، أو حبس لأجل الدين الذي لم يتمكّن من أدائه، كان حكمه كما تقدّم.

المشهور. ويدلّ على ذلك ما في موثّقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام من قوله: «والمصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء والمحصور يبعث هديه...».(1)

وما رواه الصدوق قدس سره مرسلًا قال: قال الصادق عليه السلام: «المحصور والمضطرّ ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه»(2)... وغير ذلك من الأخبار وهذه الأخبار- كما ترى- صريحة في كون الحكم الشرعي في المصدود هو التحلّل بذبح أو نحر نسكه في محلّ الصدّ ثمّ الرجوع محلّاً»(3) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الجواهر»: «وكذا البحث في المعتمر إذا منع عن الوصول إلى مكّة على معنى أنّ ما سبق في حكم المصدود من إكمال الحجّ يأتي مثله في المعتمر عمرة مفردة أو غيرها إذا منع من الوصول، بل الظاهر أنّه بحكم ذلك أيضاً من وصل ومنع من فعل الطواف والسعي»، واللَّه العالم.

وقال في موضع آخر: «إذا حبس بدين فإن كان قادراً عليه ولم يدفعه لم يتحلّل بالهدي بلا خلاف ولا إشكال؛ ضرورة عدم كونه من المصدود الذي شرع


1- وسائل الشيعة 13: 180، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 1، الحديث 5 ..
2- وسائل الشيعة 13: 178، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 1، الحديث 2 ..
3- الحدائق الناضرة 16: 6- 9 ..

ص: 707

فيه ذلك، وحينئذٍ فاستصحاب بقاء الإحرام بحاله حتّى يأتي بالمحلّل لمثله.

نعم، إن عجز عن أدائه تحلّل بالهدي لكونه مصدوداً عن الحجّ حينئذٍ؛ لأنّ الصد هو المنع الصادق على مثله».(1)

وقال في «الحدائق»: «اعلم أنّ جملة من المتقدّمين ومتقدّمي المتأخّرين صرّحوا بالمسألة التي قدّمنا ذكرها من أنّه لو حبس بدين فإن كان قادراً على أدائه لم يكن مصدوداً ومع العجز يكون مصدوداً، ثمّ قالوا: وكذا لو حبس ظلماً.

ومن المصرّحين بذلك المحقّق في «الشرائع». وشرّاح كلامهم في هذا المقام قد اضطربوا في هذا التشبيه وأنّ المشبّه به ما هو؟ وقد أطال شيخنا الشهيد الثاني في «المسالك» في توجيه ذلك.

ولنقتصر على نقل ما ذكره سبطه في «المدارك»، فإنّه ملخّص ما ذكره جدّه رحمه الله قال قدس سره بعد قول المصنّف: «وكذا لو حبس ظلماً»: يمكن أن يكون المشبّه به المشار إليه بذا ثبوت التحلّل مع العجز، والمراد أنّه يجوز تحلّل المحبوس ظلماً، وهو بإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين أن يكون المطلوب منه قليلًا أو كثيراً، ولا بين القادر على دفع المطلوب منه وغيره. ويمكن أن يكون مجموع حكم المحبوس بدين بتفصيله؛ بمعنى أنّ المحبوس ظلماً على مال إن كان قادراً عليه لم يتحلّل. وإن كان عاجزاً تحلّل، إلّاأنّ المتبادر من العبارة هو الأوّل، وهو الذي صرّح به العلّامة في جملة من كتبه.

وأورد عليه أنّ الممنوع بالعدوّ إذا طلب منه مال يجب بذله مع المكنة كما صرّح به المصنّف وغيره فلم لا يجب البذل على المحبوس إذا كان حبسه يندفع بالمال وكان قادراً عليه؟ واجيب عن ذلك بالفرق بين المسألتين، فإنّ الحبس


1- جواهر الكلام 20: 120 و 130 ..

ص: 708

ليس بخصوص المنع من الحجّ، ولهذا لا يندفع الحبس لو أعرض عن الحجّ بخلاف منع العدوّ، فإنّه للمنع من المسير حتّى لو أعرض عن الحجّ خلّى سبيله، وحينئذٍ، فيجب بذل المال في الثاني؛ لأنّه بسبب الحجّ دون الأوّل. وهذا الفرق ليس بشي ء؛ لأنّ بذل المال للعدوّ المانع من المسير إنّما وجب لتوقّف الواجب عليه، وهذا بعينه آتٍ في صورة الحبس إذا كان يندفع بالمال.

وبالجملة: فالمتّجه تساوي المسألتين في وجوب بذل المقدور لتوقّف الواجب عليه؛ سواء كان ذلك قبل التلبّس بالإحرام أو بعده انتهى....

وبه يظهر أنّ المشبّه به في كلامهم إنّما هو المحبوس بالدين العاجز عن أدائه، فإنّه يتحلّل، وكذا المحبوس ظلماً. وأمّا أنّ حبسه لأجل المال أم لا، ويمكن دفعه بالمال أم لا، فهو غير مراد ولا ملحوظ كما عرفت من الرواية المذكورة، أمّا ما ذكروه من التوجيهات والإشكالات فتكلّفات لا ضرورة لها مع ظهور المعنى وصحّته».(1)

وقال في «الجواهر» «في قوله قدس سره: وكذا لو حبس ظلماً، قال: بناءً على أن يكون المراد التشبيه بالجزء الأخير من حكم المديون وهو قوله: «تحلّل» فيكون الحاصل حينئذٍ أنّ المحبوس ظلماً يتحلّل مطلقاً؛ لأنّه مصدود؛ سواء قدر على دفع المطلوب منه أم لا، وسواء مجحفاً أم لا. وربّما احتمل في عبارة المتن كون المشبّه به المشار إليه بذا مجموع حكم المحبوس بدين بتفصيله، فيكون الحاصل حينئذٍ أنّ المحبوس ظلماً إن قدر على دفع ما يراد منه لم يتحلّل. وإن عجز تحلّل نحو ما سمعته في المديون»(2) واللَّه العالم.


1- الحدائق الناضرة 16: 29- 31 ..
2- جواهر الكلام 20: 131 ..

ص: 709

(مسألة 4): لو أحرم لدخول مكّة أو لإتيان النسك، وطالبه ظالم ما يتمكّن من أدائه، يجب إلّاأن يكون حرجاً، ولو لم يتمكّن أو كان حرجاً عليه فالظاهر أنّه بحكم المصدود.

بيانه- قال في «الجواهر»: «ولو طلب العدوّ مالًا لم يجب بذله إن لم يكونوا مأمونين إجماعاً كما عن «التذكرة» و «المنتهى»، قليلًا كان أو كثيراً، بل عن «المبسوط» أيضاً وإن أمنوا، بل عنه أيضاً، وعن «التذكرة» و «المنتهى» الكراهة مع كونهم مشركين؛ لأنّ فيه تقوية لهم وصغاراً على المسلمين، وإن كان قد يناقش بمنافاة ذلك لوجوب المقدّمة، ولعلّه لذا قال المصنّف: ولو قيل بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسناً، ونحوه عن «المنتهى».

بل قد سمعت ما ذكره المصنّف سابقاً من وجوب التحمّل مع التمكّن قبل التلبّس بالحجّ فضلًا عن الفرض المأمور فيه بإتمام الحجّ والعمرة، ومن هنا قال في «المسالك» و «المدارك»: كان حقّه التسوية بين المقامين أو عكس الحكم، وإن كان فيه أنّ الظاهر إرادته عدم الإجحاف من التمكّن في السابق؛ ضرورة كونه المناسب لسقوط باب المقدّمة بقاعدة نفي العسر والحرج وغيرها، وكأ نّه يرجع إليه ما عن «التذكرة» من عدم وجوب بذله مع كثرته مطلقاً، بل عنه أيضاً أنّه جعل بذله مكروهاً للعبد والكافر؛ لما فيه من الصغار وتقوية الكفّار وإن كان فيه ما عرفت ما لم يرجع إلى قاعدة نفي الحرج ونحوها»(1) انتهى.


1- جواهر الكلام 20: 141 ..

ص: 710

(مسألة 5): لو كان له طريق إلى مكّة غير ما صدّ عنه، وكانت له مؤونة الذهاب منها، بقي على الإحرام، ويجب الذهاب إلى الحجّ، فإن فات منه الحجّ يأتي بأعمال العمرة المفردة ويتحلّل. ولو خاف في المفروض عدم إدراك الحجّ لا يتحلّل بعمل المصدود، بل لا بدّ من الإدامة، ويتحلّل بعد حصول الفوت بعمل العمرة المفردة.

بيانه- قال في «الجواهر»: «نعم، لا خلاف ولا إشكال في أنّه يستمرّ على إحرامه إذا كان له مسلك غيره، ولو كان أطول مع تيسّر النفقة، بل ليس هو من المصدود، ومن هنا لو خشي الفوات حينئذٍ لم يتحلّل وصبر حتّى يتحقّق الفوات، ثمّ يتحلّل بعمرة نحو غيره ممّن يفوته الحجّ بدون الصدّ. نعم، لو قصرت نفقته بسلوكه جاز له التحلّل؛ لأنّه مصدود ولا طريق له سوى موضع المنع؛ لعجزه عن غيره، فيتحلّل ويرجع إلى بلده إن شاء».(1)

وقال في «الرياض»: «إن كان حاجّاً بحيث لا طريق له غير موضع الصدّ أو كان له طريق آخر، لكن لا نفقة له في سلوكه. ولا خلاف في حصول الصدّ بذلك، بل قيل: اتّفاقاً. وكذا إذا صدّ المعتمر عن الطواف أو السعي خاصّة؛ لعموم الآية(2) واستصحاب حكم الإحرام إلى الإتيان بما مرّ على المصدود.

وأمّا حصول الإحلال به فبطريق أولى مع العموم.(3) وكيف كان فيتحلّل في الفرض بالعمرة عند الفوات ثمّ يقضي؛ أي يأتي بالفعل في القابل واجباً إن كان الحجّ واجباً عليه، وجوباً مستقرّاً أو كان مستطيعاً.


1- جواهر الكلام 20: 114 ..
2- البقرة( 2): 196 ..
3- رياض المسائل 7: 201 ..

ص: 711

(مسألة 6): يتحقّق الصدّ عن الحجّ؛ بأن لا يدرك لأجله الوقوفين؛ لا اختياريّهما ولا اضطراريّهما، بل يتحقّق بعدم إدراك ما يفوت الحجّ بفوته ولو عن غير علم وعمد، بل الظاهر تحقّقه بعد الوقوفين؛ بمنعه عن أعمال منى ومكّة أو أحدهما ولم يتمكّن من الاستنابة. نعم، لو أتى بجميع الأعمال، ومنع عن الرجوع إلى منى للمبيت وأعمال أيّام التشريق، لا يتحقّق به الصدّ، وصحّ حجّه ويجب عليه الاستنابة للأعمال من عامه، ولو لم يتمكّن ففي العام القابل.

بيانه- قال في «المسالك»: «ويتحقّق الصدّ بالمنع من الموقفين، وكذا المنع من الوصول إلى مكّة ولا يتحقّق بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار الثلاث والمبيت بها، بل يحكم بصحّة الحجّ ويستنيب في الرمي.

المصدود: إمّا أن يكون حاجّاً أو معتمراً، أو المعتمر إمّا أن يكون متمتّعاً أو مفرداً، فإن كان حاجّاً يتحقّق صدّه بالمنع من الموقفين معاً إجماعاً، وبالمنع من أحدهما مع فوات الآخر، وبالمنع من المشعر مع إدراك اضطراري عرفة خاصّة، دون العكس. وبالجملة: يتحقّق بالمنع ممّا يفوت بسببه الحجّ.... وأمّا إذا أدرك الموقفين أو أحدهما على الوجه المتقدّم، ثمّ صدّ، فإن كان عن دخول منى لرمي جمرة العقبة والذبح والحلق، فإن أمكن الاستنابة في الرمي والذبح لم يتحقّق الصدّ، بل يستنيب فيهما، ثمّ يحلق ويتحلّل. ويتمّ باقي الأفعال بمكّة. ولو لم يمكن الاستنابة فيهما أو قدّم الحلق عليهما ففي التحلّل وجهان، وقد تقدّم مثله في غير المصدود. ولو صدّ عن دخول مكّة ومنى ففي تحلّله بالهدى أو بقائه على الإحرام إلى أن يقدر عليه وجهان؛ أجودهما أنّه مصدود يلحقه حكمه؛

ص: 712

لعموم الآية والأخبار. ويحتمل أن يحلق ويستنيب في الرمي والذبح إن أمكن، ويتحلّل ممّا عدا الطيب والنساء والصيد حتّى يأتي بالمناسك. وكذا الإشكال لو كان صدّ عن مكّة خاصّة بعد التحلّل في منى، لكن هنا اختار جماعة- منهم الشهيد في «الدروس»- عدم تحقّق الصدّ، فيبقى على إحرامه بالنسبة إلى الثلاثة إلى أن يأتي ببقية الأفعال. وينبغي تقييد ذلك بعدم مضيّ ذي الحجّة، وإلّا اتّجه التحلّل. ولا يتحقّق الصدّ بالمنع من أفعال منى بعد النحر من المبيت والرمي إجماعاً، بل يستنيب في الرمي إن أمكن في وقته، وإلّا قضاه في القابل. وإن كان بالممنوع معتمراً بعمرة التمتّع تحقّق صدّه بمنعه من دخول مكّة، وبمنعه بعد الدخول من الإتيان بالأفعال.

وفي تحقّقه بالمنع من السعي بعد الطواف خاصّة وجهان؛ من إطلاق النصّ، وعدم مدخلية الطواف في التحلّل، وعدم التصريح بذلك في النصوص والفتوى...

ثمّ قال: وأكثر هذه الفروع لم يتعرّض لها الجماعة بنفي ولا إثبات، فينبغي تحقيق الحال فيها»(1) انتهى.


1- مسالك الأفهام 2: 391 ..

ص: 713

(مسألة 7): المصدود عن العمرة أو الحجّ، لو كان ممّن استقرّ عليه الحجّ، أو كان مستطيعاً في العام القابل، يجب عليه الحجّ، ولا يكفي التحلّل المذكور عن حجّة الإسلام.

بيانه- قال في «الرياض»: «ولا يسقط الحجّ الواجب المستقرّ في ذمّته قبل عام الصدّ ولا المستمرّ إليه وإلى العام المقبل مع الصدّ فيقضيه وجوباً في القابل ويسقط المندوب؛ أي لا يجب، كما أوجبه أبو حنيفة وأحمد في رواية؛ للأصل والإجماع، كما هو ظاهر «التذكرة» و «المنتهى». وإنّما يقضيه ندباً وفي بعض الأخبار المتقدّمة والآتية في الحصر دلالة عليه».(1)

وقال في «الجواهر»: «ثمّ يقضي؛ أي يأتي بالفعل في القابل واجباً إن كان الحجّ واجباً عليه وجوباً مستقرّاً أو كان مستطيعاً في السنة القابلة، وإلّا أتى به ندباً، وألحق في «المسالك» بالأوّل من قصّر في السفر؛ بحيث لولاه لما فاته الحجّ كأن ترك السفر مع القافلة الاولى ولم تصدّ. وفي «المدارك»: هو إنّما يتمّ إذا أوجبنا الخروج مع الأولى. أمّا إذا جوّزنا التأخير إلى سفر الثانية مطلقاً، أو على بعض الوجوه سقط وجوب القضاء؛ لعدم ثبوت الاستقرار وانتفاء التقصير».(2)

وقال في «الحدائق»: «أن يكون الحجّ مستحبّاً وهو وإن وجب بالشروع فيه كما تقدّم ووجب قضاؤه بالإفساد أيضاً وإتمامه كما تقدّم في محلّه إلّاأنّه لا يجب قضاؤه بالصدّ عنه اتّفاقاً نصّاً وفتوى فيما أعلم. وحينئذٍ، فمتى صدّ


1- رياض المسائل 7: 203 ..
2- جواهر الكلام 20: 115 ..

ص: 714

(مسألة 9): من أحرم للعمرة، ولم يتمكّن- بواسطة المرض- من الوصول إلى مكّة لو أراد التحلّل، لا بدّ من الهدي، والأحوط إرسال الهدي أو ثمنه بوسيلة أمين إلى مكّة، ويواعده أن يذبحه أو ينحره في يوم معيّن وساعة معيّنة، فمع بلوغ الميعاد يقصّر، فيتحلّل من كلّ شي ء إلّاالنساء، والأحوط أن يقصد النائب عند الذبح تحلّل المنوب عنه.

عنه، وتحلّل منه سقط أداءً وقضاءً وبقي حجّ الإفساد خاصّة»(1) انتهى كلامه رفع مقامه.

بيانه- قال في «الحدائق»: «لا خلاف بين الأصحاب في أنّ تحلّل المحصر يتوقّف على الهدي. وإنّما الخلاف في البعث وعدمه، فالمشهور بينهم أنّه يجب بعث الهدي إلى منى إن كان حاجّاً، وإلى مكّة إن كان معتمراً. ولا يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه، فإذا بلغ الهدي محلّه قصّر وأحلّ من كلّ شي ء إلّاالنساء، قاله الشيخ وابنا بابويه وأبو الصلاح وابن البرّاج وابن حمزة وابن إدريس. وقال ابن الجنيد: بالتخيير بين البعث وبين الذبح حيث احصر فيه. وقال سلّار: المحصور بالمرض اثنان: أحدهما: في حجّة الإسلام والآخر: في حجّة التطوّع. فالأوّل:

يجب بقاؤه على إحرامه حتّى يبلغ الهدي محلّه، ثمّ يحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلّا النساء، فإنّه لا يقربهنّ حتّى يقضي مناسكه من قابل. والثاني: ينحر هديه، وقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه، وعن الجعفي أنّه يذبح مكان الإحصار ما لم يكن ساق.

ويدلّ على المشهور ظاهر الآية، وهي قوله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ


1- الحدائق الناضرة 16: 39 ..

ص: 715

حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ(1) قال في «المدارك»: وهي غير صريحة في ذلك؛ لاحتمال أن يكون معناه حتّى تنحروا هديكم حيث حبستم، كما هو المنقول من فعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم.(2) وفيه: أنّ الظاهر من الأخبار أنّ المراد بمحلّ الهدي وبلوغه محلّه إنّما هو مكّة أو منى كما سنشير إليه إن شاء اللَّه تعالى.

ومن أظهر الأخبار في ذلك ما تقدّم في حديث حجّ الوداع من احتجاجه صلى الله عليه و آله و سلم(3) على عدم الإحلال بسياق الهدي وأ نّه لا يجوز لسائق الهدي الإحلال حتّى يبلغ محلّه؛ يعني منى كما لا يخفى.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال:

سألته عن رجل احصر فبعث بالهدي، قال: «يواعد أصحابه ميعاداً إن كان في الحجّ، فمحلّ الهدي يوم النحر، فإذا كان يوم النحر، فليقصّر من رأسه، ولا يجب عليه الحلق حتّى يقضي المناسك، وإن كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكّة، والساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصّر وأحلّ...».(4) وغير ذلك من الأخبار، إلّاأنّ بإزاء هذه الأخبار ما يدلّ على خلافها.

ومنها: قوله عليه السلام: «وإن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع رجع إلى أهله ونحر بدنة...»(5) إلى آخره....


1- البقرة( 2): 195 ..
2- وسائل الشيعة 13: 186، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 6، الحديث 1 ..
3- وسائل الشيعة 11: 239، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 3، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 13: 181، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 2، الحديث 1 ..
5- وسائل الشيعة 13: 181، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 2، الحديث 1 ..

ص: 716

ومنها: ما رواه الصدوق قدس سره عن رفاعة بن موسى عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «خرج الحسين عليه السلام معتمراً وقد ساق بدنة حتّى انتهى إلى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه»(1)....

ومنها: ما رواه في «الكافي» و «الفقيه» في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال: «في المحصور ولم يسق الهدي قال ينسك ويرجع فإن لم يجد ثمن هدي صام».(2)

ومنها: مرسلة «الفقيه» عن الصادق عليه السلام: «المحصور والمضطرّ ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه».(3) ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بالتخيير كما ذهب إليه ابن الجنيد.... ويحتمل أيضاً حمل أخبار البعث على السياق الواجب والنحر في محلّ الحصر على ما لم يكن كذلك.

وبالجملة: فالمسألة لا تخلو من الإشكال، والاحتياط في الوقوف على القول المشهور. وأمّا ما نقل عن سلّار من التفصيل بين الحجّ الواجب والمندوب، فيدلّ عليه ما رواه شيخنا المفيد في «المقنعة» مرسلًا، قال: قال عليه السلام: «المحصور بالمرض إن كان ساق هدياً أقام على إحرامه حتّى يبلغ الهدي محلّه، ثمّ يحلّ. ولا يقرب النساء حتّى يقضي المناسك من قابل هذا إذا كان حجّة الإسلام فأمّا حجّة التطوّع فإنّه ينحر هديه وقد أحلّ ممّا كان أحرم منه، فإن شاء حجّ من قابل وإن شاء لا يجب عليه الحجّ، فالمصدود بالعدوّ ينحر هديه الذي ساقه بمكانه ويقصّر من شعر رأسه ويحلّ وليس عليه اجتناب


1- وسائل الشيعة 13: 186، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 6، الحديث 2 ..
2- وسائل الشيعة 13: 187، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 7، الحديث 2 ..
3- وسائل الشيعة 13: 178، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 1، الحديث 2 ..

ص: 717

(مسألة 10): لو أحرم بالحجّ ولم يتمكّن بواسطة المرض عن الوصول إلى عرفات والمشعر وأراد التحلّل، يجب عليه الهدي، والأحوط بعثه أو بعث ثمنه إلى منى للذبح، وواعد أن يذبح يوم العيد بمنى، فإذا ذبح يتحلّل من كلّ شي ء إلّاالنساء.

النساء؛ سواء كانت حجّته فريضة أو سنّة»(1) انتهى».(2)

بيانه- قال في «الحدائق»: «قد عرفت سابقاً على تقدير وجوب البعث، فإنّه يجب عليه البقاء على إحرامه حتّى يبلغ الهدي محلّه، والمراد ببلوغه محلّه؛ يعنى حضور الوقت الذي واعد أصحابه للذبح أو النحر في المكان المعيّن، كما تقدّم في صحيحة معاوية بن عمّار(3) وموثّقة زرعة،(4) فإذا حضر ذلك الوقت أحلّ من كلّ شي ء إلّامن النساء حتّى يحجّ من القابل إن كان الحجّ واجباً، أو يطاف عنه إن كان الحجّ مستحبّاً هكذا ذكره الأصحاب، بل قال في «المنتهى»:

«إنّه قول علمائنا» مؤذناً بدعوى الإجماع عليه.

والروايات قاصرة عن هذا التفصيل، أمّا أنّه لا تحلّ له النساء بمجرّد الذبح أو النحر في عام الحصر فلا إشكال فيه؛ لقوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار: «المصدود تحلّ له النساء، والمحصور لا تحلّ له النساء»....

وفي كتاب «الفقه الرضوي» في المحصور كما تقدّم نقل عبارته: ولا يحلّ


1- المقنعة: 446؛ وسائل الشيعة 13: 180، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 1، الحديث 6 ..
2- الحدائق الناضرة 16: 39- 44 ..
3- وسائل الشيعة 13: 177، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 1، الحديث 1 ..
4- وسائل الشيعة 13: 182، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 2، الحديث 2 ..

ص: 718

حتّى يبلغ الهدي محلّه، فإذا بلغ الهدي محلّه أحلّ وانصرف إلى منزله.

وعليه الحجّ من قابل، ولا يقرب النساء حتّى يحجّ من قابل. وإطلاق هذه الأخبار شامل لما لو كان الحجّ واجباً أو مستحبّاً؛ بمعنى أنّ توقّف الإحلال على الحجّ ثانياً، والإتيان بطواف النساء أعمّ من أن يكون الحجّ واجباً أو مندوباً.

وفيه: ما عرفت من أنّ إطلاق الروايات المتقدّمة دالّ على أنّه لا تحلّ له النساء حتّى يطوف بالبيت- كما في صحيحة معاوية بن عمّار- أو يحجّ من قابل. واللازم إمّا العمل بإطلاق هذه الأخبار، فلا يتحلّل إلّابالإتيان به؛ واجباً كان أو مستحبّاً. وفيه ما تقدّم من الإشكال الذي ذكره جمع من المتأخّرين.

وإمّا حمل هذه الأخبار على الحجّ الواجب خاصّة، والقول بالسقوط في المستحبّ، وعدم وجوب الإتيان بطواف النساء لا بنفسه ولا بالاستنابة، ولعلّه الأقرب. وتؤيّده المرسلة التي تقدّم نقلها عن شيخنا المفيد في «المقنعة».

ويؤيّده قوله في كتاب «الفقه»: حتّى يحجّ من قابل بعد قوله أوّلًا: «وعليه الحجّ من قابل»، فإنّه ظاهر في كون الحجّ واجباً مستقرّاً. وقد ألحق شيخنا الشهيد الثاني في «المسالك» بالمستحبّ الواجب غير المستقرّ، فيجوز النيابة فيه دون العود له، قال: لما في تركه من الضرر العظيم مع كونه من الأفعال القابلة للنيابة.

ونقل عن العلّامة في «القواعد» الجزم به، ثمّ قال: وقيل: يبقى على إحرامه إلى أن يطوف لهنّ؛ لإطلاق النصّ.

وألحق العلّامة في «القواعد» بالحجّ المندوب الحجّ الواجب مع العجز عنه.

وحكاه في «الدروس» بلفظ قيل، فقال: قيل: أو مع عجزه في الواجب وهو مؤذن بتمريضه، قال في «المدارك»: والقول بالجواز غير بعيد؛ دفعاً للحرج

ص: 719

والضرر اللازم من البقاء على التحريم. وأنت خبير بما في هذه الإلحاقات بعد ما عرفت من عدم الدليل على الملحق به.

وبالجملة: فالذي يقرب عندي من أخبار المسألة هو وجوب طواف النساء- وعدم حلّ النساء إلّابالإتيان به- على من وجب عليه الحجّ في العام الثاني.

وأمّا من لم يجب عليه فالتمسّك بأصالة البراءة أقوى دليل في المقام، قال في «الدروس»: ولو احصر في عمرة التمتّع فالظاهر حلّ النساء له؛ إذ لا طواف لأجل النساء فيها...

أقول: قال الشهيد في «المسالك»: وتوقّف تحريم النساء على طوافهنّ يتمّ مع وجوب طواف النساء في النسك، فلو كان عمرة التمتّع فالذي ينبغي الإحلال من النساء أيضاً؛ إذ ليس فيها طواف النساء، واختاره في «الدروس»، ولكنّ الأخبار مطلقة بعدم حلّ النساء إلّابطوافهنّ من غير تفصيل، انتهى.

وكلامه- كما ترى- يؤذن بالتردّد لا بالميل إلى ذلك القول، كما نقله عنه سبطه... فلا عموم فيها؛ لما ادّعاه في «المدارك» من دخول الحجّ وعمرة التمتّع. غاية الأمر: أنّ وجوب طواف النساء لمّا كان متّفقاً عليه في الحجّ نصّاً وفتوى، فلا بدّ من إجراء الحكم فيه من أدلّة خارجة لا من هذه الرواية. وعمرة التمتّع لمّا لم يكن فيها طواف النساء- كما استفاضت به الأخبار- بقيت خارجة من الحكم وإثباته فيها يحتاج إلى دليل، وليس إلّاصحيحة معاوية المذكورة.

وظاهرها الاختصاص بالعمرة المفردة كما ذكرنا، وسياق الخبر حكاية حاله عليه السلام، فلا عموم فيه كما هو ظاهر. وبذلك يندفع الإشكال في المقام، واللَّه العالم».(1)


1- الحدائق الناضرة 16: 44- 49 ..

ص: 720

(مسألة 12): لو تحلّل المصدود في العمرة، وأتى النساء ثمّ بان عدم الذبح في اليوم الموعود، لا إثم عليه ولا كفّارة، لكن يجب إرسال الهدي أو ثمنه ويواعد ثانياً، ويجب عليه الاجتناب من النساء، والأحوط لزوماً الاجتناب من حين كشف الواقع؛ وإن احتمل لزومه من حين البعث.

بيانه- قال في «الحدائق»: «لو ظهر أنّ هديه الذي بعثه لم يذبح، وقد تحلّل في يوم الوعد لم يبطل تحلّله. وكذا لو لم يبعث هدياً وأرسل دراهم يشترى بها هدي وواعد بناءً على ذلك، فتحلّل في يوم الوعد ثمّ ردّت عليه الدراهم، فإنّ تحلّله صحيح أيضاً؛ لأنّ التحلّل في الموضعين وقع بإذن الشارع كما سيظهر لك فلا يتعقّبه مؤاخذة ولا بطلان. نعم، الواجب عليه بعد العلم بذلك بعث الهدي من قابل، والإمساك عمّا يجب على المحرم الإمساك عنه إلى يوم الوعد.

ويدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة، وقوله عليه السلام في آخرها على رواية الشيخ في «التهذيب» كما تقدّم: «وإن ردّوا الدراهم عليه ولم يجدوا هدياً ينحرونه وقد أحلّ لم يكن عليه شي ء، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضاً»(1) وقوله عليه السلام في موثّقة زرارة المتقدّمة بعد قول زرارة: قلت: أرأيت إن ردّوا عليه دراهمه، ولم يذبحوا عنه، وقد أحلّ، فأتى النساء؟ قال: «فليعد وليس عليه شي ء، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث».(2) والمستفاد من الروايتين المذكورتين وجوب الإمساك إذا بعث هديه في القابل أو قيمة يشترى بها، وهو


1- وسائل الشيعة 13: 181، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 2، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 13: 180، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 1، الحديث 5 ..

ص: 721

المشهور بين الأصحاب.

وقال ابن إدريس: لا يجب عليه الإمساك عمّا يمسك عنه المحرم؛ لأنّه ليس بمحرم. واستوجهه العلّامة في «المختلف»، وقال: إنّ الأقرب عندي حمل الرواية على الاستحباب؛ جمعاً بين النقل وما قاله ابن إدريس. وأشار بالرواية إلى صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة؛ حيث لم ينقل سواها. واعترضه في «المدارك» بأنّ ما ذكره ابن إدريس لا يصلح معارضاً للنقل. وفيه أنّ الظاهر أنّ مراد شيخنا المذكور أنّ ما ذكره ابن إدريس هو الأوفق بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية، حيث إنّ الأصل في الأشياء الإباحة.

والأخبار الدالّة على تحريم تلك الأشياء إنّما دلّت بالإحرام أو في الحرم.

ومتى لم يكن محرماً ولا في الحرم فلا يحرم عليه شي ء. وهذا جيّد على قواعد ابن إدريس، إلّاأنّ الجواب عنه أنّه بعد أن دلّ النصّ الصحيح على ذلك، فلا مجال للتوقّف فيه... وتكلّمنا عليه بإمكان الجمع بتخصيص الإطلاق كما هنا، وهو أولى من الجمع بالاستحباب. وما ذكره العلّامة من توجيه كلام ابن إدريس ليس مخصوصاً به، بل هو ظاهر جماعة من الأصحاب كما ذكره في «المسالك»، بل ظاهره في «المسالك» الميل إليه، وهو ممّا يؤذن بقوّة قوله عندهم. وليس إلّاباعتبار ما وجّهناه به.

ثمّ إنّه قال في «المدارك»: واعلم أنّه ليس في الرواية ولا في كلام من وقفت على كلامه من الأصحاب تعيين لوقت الإمساك صريحاً، وإن ظهر من بعضها أنّه من حين البعث، وهو مشكل. ولعلّ المراد أنّه يمسك من حين إحرام المبعوث معه الهدي انتهى....

اللهمّ إلّاأن يحمل إتيانه النساء على الخطأ والجهل بتوهّم حلهنّ له بالمواعدة كما في سائر محرّمات الإحرام ويكون قوله عليه السلام: «ليس عليه شي ء»؛ يعنى من

ص: 722

(مسألة 14): لو برئ المريض وتمكّن من الوصول إلى مكّة بعد إرسال الهدي أو ثمنه، وجب عليه الحجّ، فإن كان محرماً بالتمتّع وأدرك الأعمال فهو، وإن ضاق الوقت عن الوقوف بعرفات بعد العمرة يحجّ إفراداً، والأحوط نيّة العدول إلى الإفراد، ثمّ بعد الحجّ يأتي بالعمرة المفردة، ويجزيه عن حجّة الإسلام، ولو وصل إلى مكّة في وقت لم يدرك اختياري المشعر تتبدّل عمرته بالمفردة، والأحوط قصد العدول ويتحلّل، ويأتي بالحجّ الواجب في القابل مع حصول الشرائط، والمصدود كالمحصور في ذلك.

حيث الجهل، فإنّه معذور كما في غير موضع من أحكام الحجّ، وأ نّه بعد العلم بذلك، فليمسك الآن عن النساء إذا بعث....

وبالجملة: فإنّا نقول: إنّ هذا المحرم بعد إحرامه قد حرم عليه جميع محرّمات الإحرام، ولمّا احصر، وأذن له الشارع ببعث الهدي أو ثمنه، وأ نّه يعدهم بوقت، وجوّز له الإحلال في ذلك الوقت إلّامن النساء، ثمّ قصّر وأحلّ في وقت الوعد بإذن الشارع له في ذلك، لا باعتبار زعمه وظنّه- كما ذكره قدس سره- فقد وقع إحلاله في محلّه ولا يتعقّبه نقص ولا كفّارة»،(1) واللَّه العالم.

بيانه- قال في «الحدائق»: «قد صرّح الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- بأ نّه لو وجد المحصور من نفسه خفّة بعد أن بعث هديه وأمكنه المسير إلى مكّة فالواجب عليه اللحوق بأصحابه؛ لأنّه محرم بأحد النسكين، فيجب عليه الإتيان به وإتمامه؛ للآية(2) والفرض أنّه متمكّن، ثمّ إنّه إن أدرك أحد الموقفين


1- الحدائق الناضرة 16: 49- 53 ..
2- البقرة( 2): 195 ..

ص: 723

الموجب لصحّة الحجّ فقد أدرك الحجّ، وليس عليه الحجّ من قابل، وإن لم يدرك ما يوجب صحّة الحجّ فقد فاته الحجّ، وكان عليه الحجّ من قابل إن كان واجباً، ويتحلّل بعمرة....

ويدلّ على أصل الحكم ما رواه في «الكافي» و «التهذيب» في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا احصر الرجل بعث بهديه، فإذا أفاق ووجد من نفسه خفّة، فليمض إن ظنّ أنّه يدرك الناس، فإن قدم مكّة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتّى يفرغ من جميع المناسك، ولينحر هديه، ولا شي ء عليه وإن قدم مكّة وقد نحر هديه، فإنّ عليه الحجّ أو العمرة». قلت:

فإن مات، وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكّة قال: «يحجّ عنه إن كانت حجّة الإسلام ويعتمر إنّما هو شي ء عليه».(1) قال: في «الوافي»: قوله: «من قابل» قيد للحجّ خاصّة دون العمرة، وإنّما الحجّ من قابل إذا نحر هديه وفات وقت مناسكه. وقوله: «أو العمرة»؛ يعني إذا كان إحرامه للعمرة انتهى....

قال في «المدارك»- بعد قول المصنّف: «ولو بعث هديه ثمّ زال العارض لحق بأصحابه، فإن أدرك أحد الموقفين في وقته فقد أدرك الحجّ، وإلّا تحلّل بعمرة» ما صورته: واعلم أنّ إطلاق العبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في وجوب التحلّل بالعمرة مع الفوات بين أن يتبيّن وقوع الذبح عنه وعدمه. وبهذا التعميم صرّح الشهيدان، نظراً إلى أنّ التحلّل بالهدي إنّما يحصل مع عدم التمكّن من العمرة أمّا معها فلا؛ لعدم الدليل، ويحتمل عدم الاحتياج إلى العمرة إذا تبيّن وقوع الذبح عنه؛ لحصول التحلّل به، انتهى.


1- وسائل الشيعة 13: 183، كتاب الحجّ، أبواب الإحصار والصدّ، الباب 3، الحديث 1 ..

ص: 724

وبالجملة فإنّه على تقدير نسخة الواو لا معنى للعمرة إلّاعمرة التحلّل، وعلى تقديره تكون الرواية واضحة الدلالة على ما ذكره الأصحاب. والمعنى حينئذٍ أنّه ينتقل إحرامه الّذى دخل به للحجّ إلى العمرة المفردة ويتحلّل بها. وبذلك صرّح الأصحاب أيضاً.(1)

وبهذا تختم أعمال الحجّ وصلّى اللَّه على محمّدٍ وآله.

وقد فرغت من تسويده ثمانية وعشرين أيّام خلون من شهر محرّم الحرام في سنة 1414 ه. ق.


1- الحدائق الناضرة 16: 55- 57 ..

ص: 725

هلال ذي الحجّة

الملحقات

يصادف في أكثر السنين أن يحكم غير الإمامي بثبوت هلال ذي الحجّة وتلزم حكومة الحرمين الشريفين الحجّاج بالعمل بحكمه دون أن يثبت عند المجتهد الإمامي، فماذا يصنع الحاجّ الإمامي في الوقوف بعرفة، وسائر الأعمال الموقّتة إذا لم يستطع العمل بمذهبه. وهل يبطل حجّه إذا وقف مع الناس وأدّى سائر الأعمال في الوقت الذي يؤدّون فيه أعمالهم؟

قال السيّد الحكيم في «مناهج الحجّ»: «إذا حكم الحاكم غير الإمامي بثبوت الهلال، وكان موقفهم بعرفة، وفي الثامن من ذي الحجّة، وفي المشعر في التاسع منه، واقتضيت التقيّة أي الخوف من الضرر الوقوف معهم، فالظاهر صحّة الوقوف وفراغ الذمّة به. وكذا إذا كان نائباً عمّن استقرّ الحجّ في ذمّته أو كان الحجّ مندوباً عن نفسه أو غيره، ولا فرق في الإجزاء بين صورة العلم بمخالفة الحكم للواقع وبعدم العلم بذلك».

وقال السيّد الخوئي في «مناسك الحجّ»: «إذا ثبت الهلال عند القاضي غير الشيعي، وحكم به، ولم يثبت عند الشيعة، ولكن احتملت مطابقة الحكم للواقع وجبت متابعتهم، والوقوف معهم، ويجزئ هذا الحجّ على الأظهر. ومن خالف ما تقتضيه التقيّة؛ أي خوف الضرر، وسوّلت له نفسه أنّ الاحتياط في مخالفتهم ارتكب محرّماً، وفسد حجّه، وليس من شكّ أنّ اللَّه يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر وإعادة الحجّ ثانية حرج حتّى على من استطاع إليه سبيلًا أكثر من مرّة، إن صحّ التعبير هذا إلى أنّنا نعلم أنّه قد حدث ذلك في عهد الأئمّة الأطهار ولم يعهد أنّ أحداً منهم عليهم أفضل الصلاة والسلام أمر شيعته بإعادة الحجّ».

ص: 726

ولذا قال السيّد الحكيم في «دليل الناسك»: «جاز ترتيب الآثار على حكم القاضي غير الإمامي وتقتضيه السيرة القطعية من زمن الأئمّة عليهم السلام على متابعتهم في المواقف من دون تعرّض لشي ء من ذلك».

وجاء في «مناسك الحجّ» للسيّد الشاهرودي: «يجوز الرجوع في خصوص هذه المسألة إلى المجتهد المطلق الذي يقول بالجواز».

وبالجملة: مع الخوف وعدم الأمن، فيسقط هذا الشرط تماماً كالسجود في الصلاة على غير المأكول والملبوس، فإنّه شرط مع عدم خوف الضرر، أمّا معه فلا. وعليه يصحّ السجود في الصلاة على المأكول والملبوس مع عدم الأمن، واللَّه وحده العالم.

زيارة الرسول الأعظم

تستحبّ زيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم استحباباً مؤكّداً، فقد ثبت أنّه قال: «من زار قبري بعد موتي كمن هاجر إلىّ في حياتي».(1) وقال أيضاً:

«الصلاة في مسجدي كألف صلاة في غيره إلّاالمسجد الحرام فإنّ الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في مسجدي».(2) ويتأكّد استحباب الصلاة في مسجد الرسول أكثر أن تقع بين قبره ومنبره، فإنّها روضة من رياض الجنّة كما ثبت بالحديث(3) ويستحبّ إتيان المساجد كلّها في المدينة مسجد قبا، ومشربة امّ إبراهيم، ومسجد الأحزاب وغيرها، كما تستحبّ زيارة قبور الشهداء


1- وسائل الشيعة 14: 337، كتاب الحجّ، أبواب المزار، الباب 4، الحديث 1 ..
2- وسائل الشيعة 5: 271، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 52، الحديث 3 ..
3- وسائل الشيعة 14: 345، كتاب الحجّ، أبواب المزار، الباب 7 ..

ص: 727

كلّهم خاصّة قبر حمزة سيّد الشهداء عليه السلام باحد.

وتستحبّ زيارة أئمّة البقيع وهم الإمام الحسن والإمام زين العابدين والإمام الباقر والإمام الصادق عليهم أفضل الصلاة والسلام.

أمّا زيارة فاطمة امّ الحسن والحسين فكزيارة أبيها؛ لأنّها بضعة منه. وقد تعدّدت الأقوال في مكان قبرها الشريف. والأقرب والأصوب أنّها دفنت في بيتها المجاور لمسجد أبيها، وحين زاد الامويّون في المسجد صار القبر من جملته. وبهذا قال ابن بابويه.(1) وإنّما قلنا أنّه أقرب لأنّه غير بعيد عن الرواية القائلة أنّ قبرها في الروضة بين القبر والمنبر، واللَّه وحده العالم.

تأريخ بناء الحرمين الشريفين

قال في «الفقه على المذاهب الخمسة»: «الكعبة هي أوّل بيت وضعه اللَّه للناس مباركاً وهدى وأقدم معبد مقدس في الشرق الأوسط فلقد بناه إبراهيم جدّ الأنبياء وولده إسماعيل وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(2) وفي خطبة القاصعة عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: «ألا ترون أنّ اللَّه سبحانه اختبر الأوّلين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم بالأحجار، فجعلها بيته الحرام... ثمّ أمر آدم عليه السلام وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه».(3) وفي تفسير آية الكريمة قال: المعنى ثمّ بيّن سبحانه كيف بنا إبراهيم البيت، فقال: وَإِذْ يَرْفَعُ وتقديره واذكر إذ يرفع إبراهيم


1- الفقيه 2: 341 ..
2- البقرة( 2): 127 ..
3- نهج البلاغة: 292 ..

ص: 728

القواعد من البيت أي اصول البيت التي كانت قبل ذلك عن ابن عبّاس وعطاء، قالا: قد كان آدم عليه السلام بناه ثمّ عفا أثره فجدّده إبراهيم عليه السلام وهذا هو المروي عن أئمّتنا عليهم السلام».(1)

وكان إسماعيل يجي ء بالأحجار وإبراهيم يبنيها حتّى إذا ارتفع البناء إلى قامة الرجل، جي ء بالحجر الأسود ووضع في مكانه، وتذهب الروايات إلى أنّ البيت العتيق كان حين بناه إبراهيم في علوّ تسعة أذرع، وفي مساحة تبلغ عشرين ذراعاً في ثلاثين، وأ نّه قد كان له بابان، ولم يكن عليه سقف. أمّا الحجر الأسود فقيل: أنّ جبريل أتى به من السماء. وقيل بل صحّبه آدم معه من الجنة حين هبط إلى الأرض، وأ نّه كان أبيض ناصعاً فأسود من خطايا الناس، وقيل غير ذلك.

أمّا نحن فما علينا من بأس إذا لم نؤمن بواحد من هذه الأقوال وما إليها، ولسنا مكلّفين بالبحث عن صدقها ولا بمعرفة مصدر الحجر وسببه. أجل إنّنا نقدّسه وكفى؛ لأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يقدّسه ويعظمه، وإذا سئلنا عن سرّ تقديس النبي لهذا الحجر قلنا: اللَّه ورسوله أعلم.

وأيضاً ذهب بعض الروايات إلى أنّ الكعبة بقيت على بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إلى أنّ جدّد بناءها قصي بن كلاب الجدّ الخامس للرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم، وأ نّها بقيت على بناء قصى، حتّى بلغ النبي الخامسة والثلاثين من عمره الشريف، فجاء سيل عظيم فأخذ جدران الكعبة فيما أخذ، فجددت قريش بناءها، ولمّا ارتفع البناء إلى قامة الرجل. وآن أن يوضع الحجر الأسود في مكانه اختلفت القبائل: أيّها يكون لها فخار وضعه؟ وكادت الحرب أن تنشب


1- بحار الأنوار 12: 86 ..

ص: 729

لولا أن حكّموا محمّداً فنشر ثوبه وأخذ الحجر بيده ووضعه فيه ثمّ قال: ليأخذ كبير كلّ قبيلة بطرف، وحملوه جميعاً حتّى إذا حاذى الموضع تناوله محمّد بيده ووضعه موضعه صلّى اللَّه عليك يا رسول الرحمة رفعته بيدك الشريفة أوّلًا من الأرض.

ثمّ وضعته بيدك ثانية في موضعه وأرضيت اللَّه والناس، وكان هذا منك دليلًا قاطعاً على أنّك فوق الجميع وأ نّك رحمة للعالمين قبل الرسالة وبعدها، وإشارة صريحة بالغة إلى أنّك أهل الرسالة الإلهية وأنّ الذين كذبوك معاندون وجاحدون للحق والإنسانية.

وبقيت الكعبة على هذا البناء حتّى آل الأمر إلى يزيد بن معاوية وحتّى نازعه ابن الزبير ملك الحجاز، فنصب يزيد المنجنيق على جبال مكّة، ورمى الكعبة بعشرة آلاف حجر فشبّ فيها الحريق وانتهى الأمر إلى هدمها، فأعاد بناءها ابن الزبير على ما كانت عليه من قبل بدون تعديل ونصب حولها سياجاً من خشب. ولمّا آل الأمر إلى عبدالملك بن مروان حاصر الحجّاج ابن الزبير وقتله بعد أن كان قد هدم شيئاً من الكعبة وأعاد الحجّاج بناء ما انهدم أو تصدع وغير جدار الكعبة عمّا كان عليه وسدّ أحد أبوابها وهو الباب الغربي. وبقيت الكعبة على تعديل الحجّاج حتّى سنة 1040 ه. فهطل مطر هتون أودى بجدران الكعبة فأجمع المسلمون في كلّ مكان على بنائها، وجمعوا التبرّعات من شتى الأقطار الإسلامية وأعادوها على الحال التي هي عليها الآن.

ص: 730

مسجد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم

دخل رسول اللَّه المدينة مهاجراً إليها من مكّة، ولا شي ء له فيها فبنى أوّل ما بنى المسجد ثمّ بنى له بيتاً بجواره، وكان المسجد 35 متراً في 30. ثمّ زاده الرسول وجعله 57 متراً في 50. ولم يكن في المسجد منبر حين البناء فكان إذا خطب استند إلى جذع نخلة كان عماداً من عمد المسجد ثمّ صنع له أصحابه منبراً من الخشب بدرجتين. ولمّا تولّى عمر بن الخطاب زاد فيه أمتاراً من الناحية الجنوبية. ومثلها من الناحية الغربية و 15 متراً من الناحية الشمالية وترك الناحية الشرقية؛ لأنّ فيها بيوت أزواج الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.

وحين تولّى عثمان بن عفّان هدم المسجد وزاد فيه على نحو زيادة عمر تاركاً لأزواج النبي بيوتهنّ. وبقي على بناء عثمان حتّى جاء الوليد بن عبدالملك فهدمه وزاد فيه من كلّ الجهات. وأدخل فيه بيوت الأزواج ومنها بيت عائشة فصار قبر الشريف ضمن المسجد. وبقى بناء الوليد قائماً إلى سنة 266 ه. فزاد فيه المهدي العباسي من الناحية الشمالية زيادة كبيرة، وظلّ على هذه الزيادة إلى سنة 654 ه فاحترق وأكلت النيران المنبر النبوي والأبواب وغيرها وسقط السقف. وبعد ستّ سنوات تولى «الظاهر بيبرس» أمر البناء. ورجع المسجد كما كان قبل الحريق. وفي سنة 886 ه. أنقضت صاعقة على المسجد فهدمته ولم تبق منه سوى الحجرة النبوية وقبة بصحن المسجد، فأعاد بناءه الملك الأشرف على صورة أحسن ممّا كان عليه قبل الحريق. وفي القرن العاشر الهجري رمّمه السلطان سليم العثماني وشيد فيه محراباً لا يزال قائماً إلى اليوم ويقع غربي المنبر النبوي. وفي القرن الثالث للهجرة بنى فيه السلطان محمود العثماني القبة الخضراء. وفي أواخر هذا القرن احتاج

ص: 731

المسجد إلى العمارة فأمر السلطان العثماني بذلك.

وكان المهندسون يهدمون جزءاً من المسجد ويقيمون ما يحل محلّه ثمّ يهدمون بعده جزءاً آخر ويقيمون مكانه حتّى تمّت عمارته سنة 1277 ه.

وصلّ اللهمّ على محمّد وآله الطاهرين وعرّف بيننا وبينهم وارزقنا شفاعتهم يوم نلقاك يا مبدلّ السيّئات بأضعافها من الحسنات إنّك ذو الفضل العظيم».(1) ختم في يوم الأربعاء غرة صفر الخير سنة 1414 ه. ق


1- الفقه على المذاهب الخمسة: 285- 288 ..

ص: 732

مصادر التحقيق

مصادر التحقيق

1- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف ب «الشيخ الطوسي» (385- 460)، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390.

2- الانتصار. السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (م 436)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1415.

3- إيضاح الفوائد في شرح القواعد. فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي، قم، المطبعة العلمية، 1387.

4- بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار. العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037- 1110)، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403.

5- تذكرة الفقهاء. جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر، العلّامة الحلّي 648- 726، طهران، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، 1388، بالاوفست عن طبعة الحجرية.

6- تذكرة الفقهاء. جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر، العلّامة الحلّي 648- 726، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414.

ص: 733

7- تهذيب الأحكام. أبو جعفر شيخ الطائفة، محمّد بن الحسن المعروف ب «الشيخ الطوسي» (385- 460)، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1364 ش.

8- جامع المقاصد في شرح القواعد. المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبدالعالي الكركي (868- 940)، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1408- 1411.

9- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام. الشيخ محمّد بن حسن بن باقر النجفي (م 1266)، إعداد عدّة من الفضلاء، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1398.

10- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة. الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107- 1186)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1406.

11- الخلاف. أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف ب «الطوسي» (385- 460)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1407.

12- الدروس الشرعية في فقه الإمامية. الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1414.

13- الدُرّة النجفيّة «منظومة في الفقه». العلّامة السيّد محمّد مهدي بحرالعلوم الطباطبائي (1155- 1212)، قم، مكتبة المفيد، 1414.

14- ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد. المحقّق السبزواري، محمّد باقر بن محمّد مؤمن (1017- 1090)، الطبعة الحجرية، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.

15- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية. الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911- 965)، قم، مكتبة الداوري.

ص: 734

16- رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل. السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161- 1231)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1412.

17- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي. أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (م 598)، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410- 1411.

18- سنن ابن ماجة. أبو عبداللَّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (م 275)، تحقيق فؤاد عبدالباقي، بيروت، دار الكتب العلمية.

19- سنن أبي داود. أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275)، بيروت، دار الجنان، 1409.

20- سنن الترمذي. أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209- 279)، تحقيق أحمد محمّد شاكر، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

21- السنن الكبرى. أبوبكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384- 458)، بيروت، دار المعرفة، 1408.

22- سنن النسائي. أبو عبدالرحمان أحمد بن شعيب النسائي (214- 303)، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

23- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام. المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602- 676)، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1409.

24- صحيح البخاري. أبو عبداللَّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256)، تحقيق وشرح الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي، الطبعة الاولى، بيروت، دار القلم، 1407.

ص: 735

25- صحيح مسلم. أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيشابوري (206- 261)، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي، الطبعة الثانية، بيروت، دار الفكر، 1398.

26- العروة الوثقى. السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337)، مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام. الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417.

27- علل الشرائع. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف ب «الشيخ الصدوق» (م 381)، الطبعة الاولى، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1386.

28- عوالي اللآلي العزيزية في أحاديث الدينية. محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي، ابن أبي جمهور (م أوائل القرن العاشر)، تحقيق مجتبى العراقي، الطبعة الاولى، قم، مطبعة سيّد الشهداء، 1403.

29- الفقه على المذاهب الأربعة. عبدالرحمان الجزيري، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1406.

30- الفقه على المذاهب الخمسة. محمّد جواد مغنية، الطبعة السابعة، بيروت، 1402.

31- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام. تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاولى، مشهد المقدّس، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام، 1406.

32- الفقيه «كتاب من لا يحضره الفقيه». أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف ب «الشيخ الصدوق» (م 381)، تحقيق علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390.

ص: 736

33- قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام. العلّامة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648- 726)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1413.

34- الكافي. ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن إسحاق الكليني الرازي (م 329)، تحقيق على أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1388.

35- كشف اللثام عن كتاب قواعد الأحكام. الفاضل الهندي بهاء الدين محمّد بن حسن بن محمّد الأصفهاني (1062- 1135)، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416.

36- كنز العمّال في سنين الأقوال والأفعال. علاء الدين المتّقي بن حسام الدين الهندي (م 975)، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1409.

37- المبسوط. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف ب «الشيخ الطوسي» (385- 460)، طهران، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، 1387- 1393.

38- مجمع البحرين ومطلع النيّرين. فخرالدين الطريحي (972- 1087)، بيروت، مكتبة الهلال، 1985 م.

39- مجمع البيان. أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548)، تحقيق الميرزا أبي الحسن الشعراني، الطبعة الخامسة، طهران، المكتبة الإسلامية، 1395.

40- المختصر النافع. أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي (602- 676)، قم، منشورات مؤسسة المطبوعات الديني، 1368 ش.

ص: 737

41- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1412- 1418.

42- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام. السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1410.

43- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام. زين الدين بن علي العاملي الجبعي المعروف ب «الشهيد الثاني» (911- 965)، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1418.

44- المستدرك على الصحيحين. أبو عبداللَّه الحاكم النيسابوري (312- 405)، بيروت، دار المعرفة.

45- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل. الحاج ميرزا حسين المحدّث النوري (1254- 1320)، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1407.

46- مصباح الفقيه. الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322)، طهران، منشورات مكتبة الصدر.

47- معالم الدين وملاذ المجتهدين «قسم الفقه». أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (959- 1011)، قم، مؤسسة الفقه للطباعة والنشر، 1418.

48- المعتبر في شرح المختصر. المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذلي (602- 676)، قم، مؤسسة سيّد الشهداء عليه السلام، 1364 ش.

ص: 738

49- معجم البلدان. ياقوت بن عبداللَّه الرومي الحموي (574- 626)، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1399.

50- المعتمد في شرح العروة الوثقى (تقريرات المحقّق الخوئي). السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي، قم، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، 1419.

51- المقنع. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف ب «الشيخ الصدوق» (م 381)، قم، مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام، 1415.

52- المقنعة. أبو عبداللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف ب «الشيخ المفيد» (م 413)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410.

53- منتهى المطلب في تحقيق المذهب. العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر (648- 726)، مؤسسة الآستانة الرضوية المقدّسة، 1412.

54- المهذّب البارع في شرح المختصر النافع. العلّامة أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757- 841)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411.

55- نهج البلاغة. صبحي الصالح، دار الهجرة، قم، 1395.

56- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033- 1104)، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1409.

كتاب الحج

دليل وجوب الحج ..... ص : 7

وجوب الحج في العمر مرة واحدة ..... ص : 9

فورية وجوب الحج ..... ص : 11

اعتبار وجود الراحلة في الاستطاعة ..... ص : 12

القول: في شرائط وجوب حجة الإسلام ..... ص : 18

اشتراط البلوغ والعقل في الحج ..... ص : 18

لا يعتبر وجود الزاد والراحلة عينا ..... ص : 27

المراد بالزاد المعتبر في الاستطاعة ..... ص : 28

اعتبار الاستطاعة عن مكانه لا من بلده ..... ص : 31

إذا توقف الحج على خسارة مال ..... ص : 32

اعتبار نفقة العود في الاستطاعة ..... ص : 35

ما يستثنى مما يجب بيعه للحج ..... ص : 38

لو كان لديه قيمة المستثنيات لا أعيانها ..... ص : 41

من كان له دين بمقدار الاستطاعة وتمكن من استيفائه ..... ص : 44

التزاحم بين الحج وأداء الدين ..... ص : 48

عدم وجوب الفحص عند الشك في الاستطاعة ..... ص : 51

الشك في بقاء الاستطاعة إلى زمان العود ..... ص : 52

التصرف في المال المستلزم لفقدان الاستطاعة ..... ص : 54

حصول الاستطاعة بالمال الغائب ..... ص : 62

إذا كان مستطيعا مع جهله بالاستطاعة ..... ص : 63

حكم الحج ندبا باعتقاد عدم الاستطاعة ..... ص : 65

حصول الاستطاعة بالملكية المتزلزلة ..... ص : 67

حكم تلف مؤونة العود بعد تمام الأعمال ..... ص : 67

حصول الاستطاعة بالوصية التمليكية ..... ص : 69

تزاحم الحج مع النذر ..... ص : 70

الاستطاعة البذلية ..... ص : 73

حكم هبة المال للحج ..... ص : 77

القول: في الحج بالنذر والعهد واليمين ..... ص : 81

يشترط في انعقادها الشرائط العامة ..... ص : 81

اعتبار إذن الوالد والزوج في انعقاد يمين الولد والزوجة ..... ص : 83

نذر الحج من مكان معين ..... ص : 86

نذر حجة الإسلام مع الاستطاعة ..... ص : 89

عدم اعتبار الاستطاعة في الحج نذري ..... ص : 90

من نذر وهو مستطيع حجا غير حجة الإسلام في عامه ..... ص : 91

العلم الإجمالي باشتغال ذمة الميت ..... ص : 95

لو نذر الحج ماشيا ..... ص : 97

حكم من نذر الحج ماشيا ..... ص : 105

إذا نذر الحج ماشيا فعجز عن المشي ..... ص : 109

القول: في النيابة ..... ص : 115

شرائط النائب في الحج ..... ص : 116

اعتبار الإسلام في المنوب عنه ..... ص : 121

يعتبر في النيابة قصدها وتعيين المنوب عنه ..... ص : 125

حكم موت النائب قبل الإتيان النسك ..... ص : 127

لزوم تعيين نوع الحج المستأجر عليه ..... ص : 133

تعيين الطريق في الحج المستأجر عليه ..... ص : 136

صور تعدد الإجارة للحج في سنة واحدة ..... ص : 140

صد الأجير أو إحصاره ..... ص : 143

ضمان الأجير الكفارات ..... ص : 147

اقتضاء إطلاق الإجارة التعجيل ..... ص : 148

زمان ملكية الاجرة ..... ص : 151

استئجار من ضاق وقته ..... ص : 153

حكم التبرع بالحج عن الميت ..... ص : 155

نيابة شخص عن اثنين في عام واحد ..... ص : 158

نيابة جماعة عن شخص واحد ..... ص : 160

القول: في الوصية بالحج ..... ص : 162

الكلام في إخراج الحج الموصى به ..... ص : 162

إذا أوصى بالحج ولم يعين الاجرة ..... ص : 167

حكم تعيين الاجرة لسنين وعدم وفائها ..... ص : 173

إذا أوصى بالحج ولم يعين العدد ..... ص : 176

إذا عين اجرة لا يرغب فيها راغب ..... ص : 179

حكم من كان عنده وديعة ومات صاحبها وعليه حجة الإسلام ..... ص : 184

القول: في أقسام العمرة ..... ص : 191

وجوب العمرة بأصل الشرع ..... ص : 191

وجوب العمرة بالنذر وشبهه ..... ص : 194

القول: في أقسام الحج ..... ص : 196

حكم ذي الوطنين بالنسبة إلى نوع الحج ..... ص : 199

وظيفة المكي إذا بعد عنها ..... ص : 202

وظيفة المقيم بمكة ..... ص : 206

القول: في صورة حج التمتع إجمالا ..... ص : 209

صورة حج التمتع ..... ص : 210

شروط حج التمتع ..... ص : 215

خروج المتمتع من مكة ..... ص : 227

لو ترك الإحرام ناسيا ..... ص : 231

عدول المتمتع إلى القران والإفراد ..... ص : 232

الفرق بين الإفراد والتمتع ..... ص : 238

الفرق بين العمرتين ..... ص : 240

القول: في المواقيت ..... ص : 243

ميقات أهل المدينة ومن يمر عليهم ..... ص : 243

تأخير الإحرام إلى الجحفة ..... ص : 245

إحرام الجنب والحائض والنفساء ..... ص : 247

ميقات أهل نجد والعراق ومن يمر عليه ..... ص : 248

ميقات أهل الشام ومصر ومغرب ومن يمر عليها ..... ص : 252

ميقات أهل يمن ومن يمر عليه ..... ص : 253

ميقات أهل الطائف ومن يمر عليه ..... ص : 254

محاذاة أحد المواقيت ..... ص : 255

المراد من المحاذاة ..... ص : 259

القول: في كيفية الإحرام ..... ص : 266

اعتبار التعيين في نية الإحرام ..... ص : 266

اعتبار القصد والقربة في نية الإحرام ..... ص : 268

حكم نسيان ما عينه في النية ..... ص : 271

لو نوى غير ما وجب عليه ..... ص : 275

كيفية التلبية في الإحرام ..... ص : 277

التلبيات في حج القران ..... ص : 282

حكم نسيان التلبية ..... ص : 287

استحباب إكثار التلبية والجهر بها ..... ص : 287

قطع التلبية ..... ص : 290

لبس الثوبين في الإحرام ..... ص : 293

القول: في تروك الإحرام ..... ص : 311

الصيد البري ..... ص : 311

مجامعة النساء ..... ص : 316

عقد النكاح ..... ص : 328

الاستمناء ..... ص : 336

استعمال الطيب ..... ص : 338

تنبيه ..... ص : 339

لبس المخيط للرجال ..... ص : 348

الاكتحال بالسواد ..... ص : 353

النظر في المرآة ..... ص : 356

لبس الخف والجورب ..... ص : 357

الفسوق ..... ص : 360

الجدال ..... ص : 363

قتل هوام الجسد ..... ص : 368

التزين ..... ص : 372

التدهين ..... ص : 375

إزالة الشعر عن البدن ..... ص : 380

ستر الرأس للرجل ..... ص : 388

ستر الوجه للنساء ..... ص : 396

التظليل للرجال ..... ص : 401

إخراج الدم من البدن ..... ص : 407

تقليم الأظفار ..... ص : 410

قلع الضرس ..... ص : 414

قلع الشجر ..... ص : 415

حمل السلاح ..... ص : 419

القول: في الطواف ..... ص : 421

جزئية الطواف للحج والعمرة ..... ص : 421

حكم ترك الطواف ..... ص : 425

ترتب السعي على الطواف ..... ص : 429

القول: في واجبات الطواف ..... ص : 435

شرائط الطواف ..... ص : 435

واجبات الطواف ..... ص : 455

القول: في صلاة الطواف ..... ص : 482

الشك في عدد الركعات ..... ص : 486

مكان صلاة الطواف ..... ص : 488

نسيان صلاة الطواف ..... ص : 491

قضاء صلاة الطواف عن الميت ..... ص : 496

القول: في السعي ..... ص : 499

مبدأ السعي ومنتهاه ..... ص : 504

الطهارة والستر في السعي ..... ص : 506

محل السعي ..... ص : 508

اعتبار السعي من الطريق المتعارف ..... ص : 509

اعتبار استقبال المروة والصفا ..... ص : 510

حكم ترك السعي ..... ص : 513

حكم الزيادة السهوية في السعي ..... ص : 514

حكم من ظن إتمام السعي ..... ص : 517

القول: في التقصير ..... ص : 522

ترك التقصير ..... ص : 527

القول: في الوقوف بعرفات ..... ص : 531

وجوب الوقوف مع قصد القربة ..... ص : 531

معنى الوقوف ..... ص : 533

حكم من عاد قبل الغروب ..... ص : 535

الوقوف الاضطراري ..... ص : 538

القول: في الوقوف بالمشعر الحرام ..... ص : 542

القول: في واجبات منى ..... ص : 553

الأول: رمي جمرة العقبة ..... ص : 553

الثاني: الذبح أو النحر في منى ..... ص : 571

الثالث: الحلق والتقصير ..... ص : 624

القول: فيما يجب بعد أعمال منى ..... ص : 654

كيفية طواف الحج وصلاته والسعي ..... ص : 654

القول: في المبيت بمنى ..... ص : 666

وجوب المبيت في الليلتين ..... ص : 666

من يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر ..... ص : 669

من يستثنى عمن يجب عليه المبيت بمنى ..... ص : 672

القول: في رمي الجمار الثلاث ..... ص : 677

زمان الرمي ..... ص : 681

اعتبار الترتيب في رمي الجمار ..... ص : 683

القول: في الصد والحصر ..... ص : 698

معنى المصدود والمحصور ..... ص : 698

هلال ذي الحجة ..... ص : 725

زيارة الرسول الأعظم ..... ص : 726

تأريخ بناء الحرمين الشريفين ..... ص : 727

مسجد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ..... ص : 730

مصادر التحقيق ..... ص : 732

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.