مناسك الحج (للخامنئي)

اشارة

سرشناسه : خامنه ای، علی، رهبر جمهوری اسلامی ایران، 1318 -

عنوان و نام پديدآور : مناسک الحج/ علی الحسینی الخامنئی.

مشخصات نشر : تهران: نشر مشعر، 1426ق.= 2005م.= 1384.

مشخصات ظاهری : 208 ص.؛ 16/5×11/5 س م.

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری.

يادداشت : عربی.

موضوع : دعای روز عرفه

موضوع : حج

موضوع : حج -- فتواها

رده بندی کنگره : BP188/8/خ2م8 1384

رده بندی دیویی : 297/357

شماره کتابشناسی ملی : 2987939

اشارة

ص:2

ص:3

ص:4

ص: 5

المقدمة

منزلة الحج وفضله

الحج- شرعاً- مجموعة مناسك خاصة، وهو ركن من الأركان التي بُنيَ عليها الاسلام، كما ورد عن الامام الباقر عليه السلام:

«بُني الاسلامُ علي خمس علي الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية»

. والحج بقسميه الواجب والمستحب عظيم الفضل جزيل الأجر، ولقد ورد عن النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم اجمعين) في فضله روايات كثيرة، فعن الامام الصادق عليه السلام:

«الحاج والمعتمر وفد اللّه إن سألوه أعطاهم وإن دعوه أجابهم وإن شفعوا شفّعهم وإن

ص: 6

سكتوا ابتدأهم ويعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم».

حكم المُنكر لوجوب الحج والتارك له

وجوب الحج ثابت بالكتاب والسنة، وهو من ضروريات الدين، وتركه- ممن تحققت فيه الشروط الآتية مع العلم بوجوبه- من الكبائر.

قال اللّه تعالي في محكم كتابه: وَلِلَّهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ.

وعن الإمام الصادق عليه السلام:

«مَن مات ولم يحجّ حجة الاسلام ولم يمنعه من ذلك حاجةٌ تجحف به أو مرضٌ لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً».

أقسام الحج

اشارة

ما يأتي به المكلّف من الحج إما أن يكون عن نفسه وإما عن غيره، والثاني يسمي بالحج النيابي، والأول إما أن

ص: 7

يكون واجباً وإما مستحباً، والحج الواجب إما واجب في أصل الشريعة ويسمي بحجة الاسلام، وإما واجب بالعرض كما إذا وجب بالنذر أو بإفساد الحج.

ولكلّ من حجة الاسلام والحج النيابي شروط واحكام نذكرها في الباب الأول ضمن فصلين.

وينقسم الحج أيضاً إلي حج تمتع وإفراد وقران، والأول وظيفة من يبعد وطنه عن مكّة المكرمة ثمانية وأربعين ميلًا، أي ما يقارب تسعين كيلومتراً، والثاني والثالث وظيفة من يكون موطنه في مكّة أو في ما دون المسافة المذكورة.

ويختلف حجّ التمتّع عن الأخيرين في بعض المناسك والأعمال، وسوف نبيّن ذلك في الباب الثاني ضمن فصول.

ص: 8

ص: 9

الباب الأول: في حجّة الإسلام والحجّ النيابي

اشارة

ص: 10

ص: 11

الفصل الأول: حجّة الإسلام

اشارة

مسألة 1: لا يجب الحج طول العمر في أصل الشرع إلّا مرّة واحدة علي من استطاع إليه، ويسمّي ذلك ب- «حجّة الإسلام».

مسألة 2: وجوب حجة الإسلام فوري، بمعني أنّه بعد تحقّق الاستطاعة تجب المبادرة إلي الحج في عام حصولها، ولا يجوز تأخيره عنه من دون عذر، فإن أخّره عصي واستقرّ الحج في ذمته ووجبت المبادرة إليه في العام القادم، وهكذا.

مسألة 3: إذا توقف إدراك الحج في عام الاستطاعة

ص: 12

علي مقدمات- كالسفر وتهيئة وسائله وأسبابه- وجبت المبادرة إلي تحصيلها علي نحوٍ يوثق معه بإدراك الحج في ذلك العام، فإن قصّر المكلّف في ذلك ولم يأتِ بالحج عصي واستقرّ الحج في ذمته ووجب عليه أداؤه وإن زالت الاستطاعة.

شرائط وجوب حجة الإسلام
اشارة

تجب حجة الإسلام بالشروط التالية:

الشرط الأول: العقل، فلا تجب علي المجنون.

الشرط الثاني: البلوغ، فلا تجب علي غير البالغ ولو كان مراهقاً، فلو حجّ غير البالغ فحجّه وإن كان صحيحاً إلّا أنّه لا يُجزيه عن حجة الإسلام.

مسألة 4: إذا أحرم الصبي فأدرك الوقوف بمزدلفة بالغاً وكان مستطيعاً أجزأ حجه عن حجة الإسلام.

مسألة 5: إذا ارتكب الصبي المحرم إحدي المحرّمات فإن كانت صيداً فكفارته علي الولي، وأما الكفارات الأخري فالظاهر أنها غير واجبة لا علي الولي ولا في مال الصبي.

ص: 13

مسألة 6: ثمن الهدي في حج الصبي علي وليّه.

مسألة 7: لا يشترط إذن الزوج في الحج الواجب، فيجب علي الزوجة الحج وإن لم يكن الزوج راضياً بالسفر إليه.

مسألة 8: لا يشترط إذن الوالدين في صحة حجة الإسلام علي المستطيع.

الشرط الثالث: الاستطاعة، وتشتمل علي الأمور التالية:

أ- الاستطاعة المالية.

ب- الاستطاعة البدنية.

ج- الاستطاعة السربيّة (كون الطريق آمناً ومفتوحاً).

د- الاستطاعة الزمانية.

وإليك تفصيل كل واحدة منها:

أ- الاستطاعة المالية

وتشمل عدّة أُمور هي:

أولًا: الزاد والراحلة.

ثانياً: مؤنة عياله مدة السفر.

ص: 14

ثالثاً: ضروريات الحياة وما يحتاجه في معيشته.

رابعاً: الرجوع إلي الكفاية.

وسوف نستعرضها بالتفصيل ضمن المسائل التالية:

أوّلًا: الزاد والراحلة:

يقصد بالزاد كل ما يحتاج إليه في السفر من المأكل والمشرب وغيرهما من متطلّبات ذلك السفر، ويراد بالراحلة وسيلة النقل التي تُقطع بها المسافة.

مسألة 9: لا يجب الحج علي من ليس لديه الزاد والراحلة، ولا ما يمكن صرفه فيهما وإن كان قادراً علي تحصيلهما بالاكتساب ونحوه.

مسألة 10: يشترط أن يكون لديه نفقة الإياب إلي وطنه أو إلي مكان آخر يريده إن كان عازماً عليه.

مسألة 11: لو لم يكن عنده ما يحج به، ولكن كان له دين علي شخص بمقدار مؤنة حجه أو تتميمها، وجب عليه المطالبة به إذا كان حالًا، أو قد حلّ أجله، وكان المدين موسراً ولم يكن في المطالبة به حرج علي الدائن.

ص: 15

مسألة 12: إذا كان للمرأة مهر في ذمة زوجها وكان بمقدار يفي بنفقة حجها، فإن كان الزوج معسراً لم يكن لها المطالبة ولا تكون مستطيعة، وإن كان موسراً ولم يكن في مطالبتها بالمهر مفسدة عليها وجب عليها المطالبة به لكي تحج به، وأما إن كان في مطالبتها به مفسدة كما لو أدت إلي النزاع والطلاق فلا تجب عليها المطالبة ولا تكون مستطيعة.

مسألة 13: مَنْ لم يكن لديه نفقات الحج، ولكن كان بإمكانه أن يقترض المال ثم يؤدّيه بسهولة، لا يجب عليه أن يجعل نفسه مستطيعاً بهذا الاقتراض، ولكنه لو اقترض صار الحج واجباً عليه.

مسألة 14: من كان عليه دين ولم يكن له زائداً عما لديه من مؤنة حجه ما يصرفه في تسديد دينه، فإن كان الدّين مؤجّلًا إلي أجل يطمئن بقدرته علي أدائه عند حلوله وجب عليه الحج بما لديه من نفقاته، وكذا فيما إذا حلّ أجله ولكنّ الدائن رضي بالتأخير واطمأنّ بقدرته علي الدفع حين المطالبة، وأما في غير هاتين الصورتين فلا

ص: 16

يجب عليه الحج.

مسألة 15: مَن احتاج إلي التزويج بنحوٍ لو تركه وقع في المشقة أو الحرج وكان الزواج ممكناً له، فلا يكون الحج واجباً عليه إلّا إذا كان لديه مضافاً إلي نفقات الحج تكاليف الزواج أيضاً.

مسألة 16: لو لم يجد الراحلة لسفر الحج في عام الاستطاعة إلّا بأزيد من أجرة المثل، فإن تمكّن من دفع الزيادة ولم يكن إجحافاً عليه وجب عليه الدفع لكي يحجّ، فلا يضرّ مجرّد الغلاء وارتفاع الأسعار بالاستطاعة، وأما مع عدم تمكّنه من دفع الزيادة أو كونه اجحافاً عليه فلا يجب ولايكون مستطيعاً، وهكذا الكلام في شراء أو استيجار سائر ما يحتاج إليه في سفر الحج، وكذا إذا لم يجد في بيع ما يريد صرفه في الحج إلّا من يشتريه بأقل من ثمن المثل.

مسألة 17: لو كان يري أنه بحسب وضعه المالي لا يستطيع للحج فيما لو أراد الذهاب إليه كما يحجّ سائر الناس، ولكنه يحتمل أنه لو فحص لعلّه يجد طريقاً يستطيع بذلك الحج مع وضعه المالي الفعلي لم يجب

ص: 17

عليه الفحص، لأنّ الميزان في الاستطاعة هي الاستطاعة للحج علي النحو المتعارف لساير الناس، نعم الظاهر وجوب فحص المكلّف عن وضعه المالي فيما إذا شك في كونه مستطيعاً وأراد معرفة أنّ الاستطاعة متحققة أم لا.

ثانياً: مؤنة عياله مدة السفر:

مسألة 18: يشترط في الاستطاعة المالية أن يكون لديه مؤنة عياله إلي حين رجوعه من الحج.

مسألة 19: المراد من العائلة التي يشترط وجود مؤنتها في الاستطاعة المالية هم من يصدق عليهم عنوان العائلة عرفاً وإن لم يكونوا واجبي النفقة شرعاً.

ثالثاً: ضروريات الحياة والمعيشة:

مسألة 20: يشترط أن يكون لديه ضروريات الحياة وما يحتاجه في معيشته اللائقة بشأنه عرفاً، ولا يشترط وجود أعيانها بل يكفي أن يكون لديه نقود ونحوها مما يمكن صرفه فيما يحتاج إليه في معيشته.

مسألة 21: الشؤون العرفية للأشخاص قد تختلف من شخص لآخر، فمن كان امتلاك المسكن من ضروريات

ص: 18

حياته أو كان مناسباً لشأنه عرفاً أو كانت سكناه في البيت المستأجر أو المستعار أو الموقوف توجب حرجاً أو وهناً عليه، أنّ امتلاك البيت في حقّه شرطاً في تحقّق الاستطاعة.

مسألة 22: إذا كان لديه مال يكفيه للحج ولكن كان محتاجاً إليه حاجة ضرورية يريد صرفه فيها من قبيل تهيئة المنزل أو العلاج من المرض أو تأمين لوازم المعيشة، فلا يكون مستطيعاً ولا يجب عليه الحج.

مسألة 23: لا يشترط أن يكون لدي المكلّف أعيان الزاد والراحلة، بل يكفي أن يكون لديه ما يمكن صرفه فيهما من نقود أو غيرها.

مسألة 24: لو كان ما لديه من ضروريات معاشه من المسكن وأثاث البيت ووسيلة النقل وآلات صناعته ونحوها زائداً علي شأنه قيمةً، فإن تمكن من بيعها والشراء ببعض الثمن ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه وصرف الزائد من الثمن في الحج، ولم يكن ذلك حرجاً أو نقصاً أو مهانةً عليه وكان تفاوت القيمة بمقدار مؤنة الحج أو متمّماً لها وجب عليه ذلك وعدّ مستطيعاً.

ص: 19

مسألة 25: إذا باع المكلّف أرضاً أو شيئاً آخر ليشتري منزلًا بثمنه، فإن كان محتاجاً إلي امتلاك المنزل أو كان امتلاكه مناسباً لشأنه العرفي، فلا يكون بالحصول علي ثمن الأرض ولو كان بمقدار مؤنة الحج أو متمّماً لها مستطيعاً.

مسألة 26: من خرجت بعض متملّكاته عن معرض حاجته- ككتبه مثلًا- وكان ثمنها متمّماً للاستطاعة المالية أو وافياً بها وجب عليه الحج مع تحقّق الشروط الأخري.

رابعاً: الرجوع إلي الكفاية

مسألة 27: يشترط في الاستطاعة المالية الرجوع إلي الكفاية (ولا يخفي أنّ هذا الشرط لا يعتبر في الحج البذلي كما سيأتي تفصيله) ويراد منه أن يكون لديه بعد رجوعه من الحج تجارة أو زراعة أو صنعة أو وظيفة أو منفعة ملك كبستان أو دكان أو غير ذلك من مصادر الدخل مما يكفي دخله لمعيشته ومعيشة عائلته بما يناسب شأنه عرفاً، ويكفي في ذلك لطلاب العلوم الدينية (أيّدهم اللّه) رجوعهم إلي الحقوق التي توزّع عليهم في الحوزات العلمية صانها اللّه تعالي.

ص: 20

مسألة 28: يشترط الرجوع إلي الكفاية في المرأة أيضاً وعليه فإن كان لها زوج واستطاعت للحج في حياة زوجها فهي ترجع إلي النفقة التي تملكها علي زوجها، وأمّا من ليس لها زوج فيشترط في استطاعتها للحج مضافاً إلي مؤنته أن ترجع إلي مصدر دخل مالي يكفي لمعيشتها بما يناسب شأنها وإلّا لم تكن مستطيعة للحج.

مسألة 29: مَن لم يكن لديه الزاد والراحلة فبذل له شخص ذلك، كأن قال له: حجّ وعليّ نفقتك و نفقة عائلتك صار الحج واجباً عليه، ويجب عليه قبول ذلك، ويسمّي هذا الحج بالحج البذلي، ولا يشترط فيه الرجوع إلي الكفاية، ولا يعتبر فيه بذل العين بل يكفي بذل الثمن.

أما إذا لم يبذل له المال لأجل الحج بل وهبه المال فقط فإذا قبل هذه الهبة منه صار الحج واجباً عليه ولكن لا يجب عليه قبول المال، فله أن لا يقبله ولا يجعل نفسه مستطيعاً.

مسألة 30: يجزي الحج البذلي عن حجة الاسلام ولا يجب عليه الحج ثانياً فيما إذا استطاع بعده.

ص: 21

مسألة 31: المدعوّ إلي الحج من قبل مؤسسة أو شخص لا يصدق علي حجه عنوان الحج البذلي فيما إذا اشتُرط عليه القيام بعمل ما مقابل دعوته إلي الحج.

مسائل عامة في الاستطاعة المالية

مسألة 32: لا يجوز للمستطيع أن يخرج نفسه عن الاستطاعة بعد حلول الزمان الذي يجب فيه صرف المال للذهاب إلي الحج، بل الأحوط وجوباً أن لا يخرج نفسه عن الاستطاعة قبل ذلك الزمان أيضا.

مسألة 33: لا يشترط في الاستطاعة المالية أن تتحقق في بلد المكلّف بل يكفي تحقّقها ولو في الميقات، فمن صار مستطيعاً عند وصوله إلي الميقات وجب عليه الحج وأجزأه عن حجة الاسلام.

مسألة 34: تعتبر الاستطاعة المالية شرطاً أيضاً علي من صار بوصوله إلي الميقات متمكّناً من الحج، وعليه فمن صار بوصوله إلي الميقات- كالعاملين في القوافل وغيرهم- متمكّناً من الحج، فإن كان لديه سائر شروط الاستطاعة أيضاً من نفقة العيال وضروريات الحياة وما

ص: 22

يحتاج إليه في معيشته اللائقة بحاله وكونه ممن يرجع إلي الكفاية، وجب عليه الحج ويجزيه عن حجةالإسلام، وإلّا كان حجّه مستحباً، فإن حصلت له الاستطاعة لاحقاً فعليه حجة الإسلام.

مسألة 35: إذا استؤجر للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعاً، وجب عليه الحج بعد قبوله للإجارة، فيما إذا لم يكن الاتيان بمناسك الحج مزاحماً لما عليه من الخدمة، وإلّا لم يصير بذلك مستطيعاً، كما أنّه في صورة عدم المزاحمة، لا يجب عليه قبول الإجارة.

مسألة 36: من لم يكن مستطيعاً مالياً وآجر نفسه للحج النيابي ثم صار بعد عقد الإجارة مستطيعاً بغير مال الإجارة وجب عليه الإتيان بحجة الإسلام لنفسه في سنته، فإن كانت الإجارة للحج في نفس السنة بطلت وإلّا فيأتي بالحج الاستيجاري في السنة اللاحقة.

مسألة 37: إذا قصد المستطيع الحج الاستحبابي غفلة أو عمداً، ولو بهدف التمرين علي أداء المناسك لكي يأتي بها في العام القادم بصورة أفضل، أو لاعتقاده بأنّه غير

ص: 23

مستطيع، ثم تبيّن له أنّه كان مستطيعاً، ففي إجزاء حجه عن حجة الإسلام إشكال، فيجب عليه علي الأحوط الحج من قابل، إلّا فيما إذا كان قد قصد امتثال الأمر الفعلي للشارع المقدّس بتوهّم أنّه الأمر الإستحبابي فيجزي حجّه عن حجة الإسلام.

ب- الاستطاعة البدنية

والمراد بها القدرة البدنية علي إتيان الحج، فلا يجب الحج علي المريض أو الهرم غير القادرَين علي الذهاب إلي الحج أو كان في الذهاب إليه حرج ومشقّة عليهما.

مسألة 38: يشترط بقاء الاستطاعة البدنية، فإن مرض أثناء الطريق قبل الإحرام، فإن كان ذهابه إلي الحج في عام الاستطاعة وسلبه المرض القدرة علي مواصلة الطريق، كشف ذلك عن عدم تحقق الاستطاعة البدنية له، ولا يجب علي مثله الاستنابة للحج، وأمّا من كان ذهابه إلي الحج بعد أن استقرّ عليه فعجز أثناء الطريق- لأجل المرض- عن مواصلته ويئس من القدرة علي الحج من

ص: 24

دون حرج ولو في السنوات الآتية، فتجب عليه الاستنابة، وإن لم ييأس فلا يسقط عنه وجوب مباشرة الحجّ، وأمّا إذا مرض بعد الإحرام فله أحكام خاصّة.

ج- الاستطاعة السربية

المراد بها كون الطريق إلي الحج مفتوحاً وآمناً، فلا يجب الحج علي من سُدّ عليه الطريق بحيث لا يمكنه الوصول إلي الميقات أو إتمام الأعمال، وكذا لا يجب علي من كان طريقه مفتوحاً إلا أنه غير آمن، كأن يكون فيه خطر علي نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله.

مسألة 39: مَن كان لديه نفقات الحج وتهيّأ للذهاب إلي الحج بأن سجَّل اسمه لذلك، ولكن حيث إنّ القرعة لم تخرج باسمه لم يتمكن من الذهاب إلي الحج تلك السنة، فهذا الشخص لا يكون مستطيعاً ولا يجب عليه الحج. ولكن إذا كان الحج في السنين اللاحقة متوقّفاً علي تسجيل اسمه ودفع المال في هذه السنة فالأحوط وجوباً أن يقوم بذلك.

ص: 25

د- الاستطاعة الزمانية

والمراد بها تحقّق الاستطاعة في زمن يمكنه فيه إدراك الحج، فلا يجب الحج علي من ضاق عليه الوقت بحيث لا يستطيع إدراكه أو كان يستطيع ذلك ولكن بمشقة أو حرج شديدين.

ص: 26

الفصل الثاني: الحج النيابي

اشارة

قبل استعراض شروط النائب والمنوب عنه نذكر بعض موارد الاستنابة والوصية بالحج وما يتعلق بهما من أحكام.

مسألة 40: مَن استقرّ عليه الحج ثم عجز عن الذهاب إليه لهرمٍ أو مرضٍ أو كان الإتيان بالحج حرجياً عليه ويئس من التمكّن منه من دون حرج ولو في السنوات الآتية وجب عليه الاستنابة، وأما مَن لم يستقرّ عليه الحج فلا تجب الإستنابة عليه.

مسألة 41: يسقط وجوب الحج عن المنوب عنه

ص: 27

المعذور بعد إتيان النائب بالعمل، ولا يجب عليه إعادة الحج بنفسه وإن ارتفع العذر بعده، نعم إذا ارتفع العذر أثناء عمل النائب وجبت الإعادة علي المنوب عنه ولا يجزيه حج النائب في هذه الحالة.

مسألة 42: لو مات من استقر عليه الحج في الطريق، فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه ذلك عن حجة الإسلام، وأما إن مات قبل الإحرام فلا يجزيه ذلك، ومن مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم فالأحوط وجوباً عدم الإجزاء.

مسألة 43: من مات وكان قد استقرّ الحج في ذمته، فإن كان له تركة تفي بالحج ولو من الميقات تجب الإستنابة عنه للحج من أصل التركة، إلّا أن يكون قد أوصي بإخراجها من الثلث، فتخرج منه وتقدم علي الوصاية المستحبة، فإن لم يف الثلث بها أخذ الباقي من الأصل.

مسألة 44: في موارد مشروعية النيابة تجب المبادرة فوراً إليها سواء كانت عن الحي أم عن الميت.

ص: 28

مسألة 45: لا يجب علي الحي الاستنابة من البلد بل تكفيه من الميقات إن أمكنه الاستنابة من الميقات وإلّا فيستنيب من وطنه أو من بلد أخرين لحجّ عنه، وكذا الميت الذي كان قد استقرّ الحج في ذمّته، فيجزي الحج عنه من الميقات، وإن لم يمكن الاستنابة إلّا من وطن الميت أومن مدينة أخري وجب ذلك وتخرج النفقات من الأصل، نعم لو كان قد أوصي بالحج البلدي فيجب تنفيذ الوصية ويحسب الزائد عن الأجرة الميقاتية من الثلث.

مسألة 46: إذا أوصي أن يُحج عنه استحباباً أُخرج مصرفه من الثلث.

مسألة 47: إذا علم الورثة أو الوصي باستقرار الحج علي الميت وشُكّ في أدائه وجب القضاء عنه، وأما إذا لم يُعلم بالاستقرار ولم يوصِ به فلا يجب عليهم شي ء.

شروط النائب

يشترط في النائب أمور:

الأول: البلوغ علي الأحوط، فلا يجزي حج غير

ص: 29

البالغ عن غيره في حجة الإسلام بل في مطلق الحج الواجب.

الثاني: العقل، فلا تصحّ من المجنون سواء كان مطبقاً أم أدوارياً فيما لو أتي بالعمل في دور جنونه.

الثالث: الإيمان علي الأحوط، فلا عبرة بحج غير المؤمن عنه.

الرابع: معرفته بأفعال الحج وأحكامه علي وجه يقدر علي إتيان مناسك الحج علي الوجه الصحيح ولو بإرشاد معلم حال كل عمل.

الخامس: عدم اشتغال ذمّته بحج واجب علي نفسه في ذلك العام، نعم لو كان جاهلًا بوجوب الحج عليه فلا يبعد القول بصحة حجه النيابي.

السادس: أن لا يكون معذوراً في ترك بعض أفعال الحج. وسيأتي توضيح هذا الشرط والأحكام المترتّبة عليه عند التعرّض لأعمال الحج.

مسألة 48: يشترط في الاجتزاء بالاستنابة الوثوق بإتيان النائب للحج عن المنوب عنه، ولكن لا يشترط بعد

ص: 30

إحراز أنه أتي بالحج الوثوق بأنّه أتي به صحيحاً، بل يكفي في ذلك أصالة الصحة.

شروط المنوب عنه

يشترط في المنوب عنه أمور:

الأول: الإسلام، فلا يصح الحج عن الكافر.

الثاني: أن يكون المنوب عنه ميتاً أو غير متمكّن من مباشرة الحج بنفسه- فيما إذا كانت النيابة في الحج الواجب عليه- لهرمٍ أو مرضٍ أو كان الحج حرجياً عليه ولا يرجو التمكّن منه من دون حرج ولو في السنوات الآتية، وأما في الحج المستحب فتصحّ النيابة فيه عن الغير مطلقاً.

وهنا مسائل

مسألة 49: لا يشترط المماثلة بين النائب والمنوب عنه فتصح نيابة المرأة عن الرجل وبالعكس.

مسألة 50: تجوز استنابة الصّرورة عن الصّرورة وغيره سواء كان النائب أو المنوب عنه رجلًا أم امرأة.

ص: 31

مسألة 51: لا يشترط في المنوب عنه البلوغ ولا العقل.

مسألة 52: يشترط في صحة الحج النيابي قصد النيابة وتعيين المنوب عنه ولو إجمالًا، وأما الاسم فلا يشترط ذكره.

مسألة 53: لا يصح اسئتجار من كانت وظيفته العدول إلي حجّ الإفراد بسبب ضيق وقته عن إتمام أعمال حجّ التمتّع، نعم لو استأجره واتّفق ضيق وقته وجب عليه العدول وأجزأه عن حج التمتع واستحقّ الأجرة أيضاً.

مسألة 54: إذا مات الأجير بعد الإحرام ودخول الحرم استحقّ تمام الأجرة إن كانت الإجارة لتفريغ ذمّة المنوب عنه، كما هو ظاهر حال الإجارة عند إطلاقها وعدم تقييدها بأنّها للإتيان بالأعمال.

مسألة 55: إذا استؤجر للحج بأجرة معيّنة فقصرت عن مصارفه لا يجب علي المستأجر تتميمها، كما أنّه لو زادت عنها لا يحقّ له استرجاعها.

مسألة 56: يجب علي النائب- في الموارد التي يحكم فيها بعدم إجزاء حج النائب عن المنوب عنه-

ص: 32

إرجاع الأجرة إلي المستنيب فيما لو كانت الإجارة مشروطة بذلك العام، وإلّا فيجب عليه الحج عن المنوب عنه فيما بعد.

مسألة 57: لا يجوز استنابة من كان معذوراً عن الإتيان ببعض أعمال الحج، والمعذور هو الذي لا يستطيع القيام بوظيفة المختار مثل أن لا يقدر علي أداء التلبية أو صلاة الطواف علي الوجه الصحيح أو لا يقدر علي المشي بنفسه في الطواف والسعي أو لا يقدر علي رمي الجمرات حيث يؤدّي ذلك إلي نقص في بعض أعمال الحج، فإن لم يؤدّ العذر إلي ذلك كما لو صار معذوراً فقط في ارتكاب بعض تروك الإحرام فنيابته صحيحة.

مسألة 58: إذا أدّي طروء العذر أثناء الحج النيابي إلي نقص في أعمال النائب فلا يبعد بطلان الإجارة، فيجب علي الأحوط في هذه الصورة التصالح علي الأجرة وإعادة الحج عن المنوب عنه.

مسألة 59: لا تصحّ نيابة المعذورين عن الوقوف الإختياري في المشعر الحرام فلو استُنيبوا كذلك

ص: 33

لايستحقون الأجرة عليه، من قبيل خَدَمة القوافل الذين يضطرّون إلي مرافقة الضعفاء أو إلي القيام ببعض الأعمال للقافلة حيث يخرجون قبل طلوع الفجر من المشعر إلي مني، فإذا استؤجر مثل هؤلاء للحج النيابي وجب عليهم إدراك الوقوف الاختياري والإتيان بالحج.

مسألة 60: لافرق في عدم إجزاء حج النائب المعذور بين كونه أجيراً أو متبرّعاً، ولا فرق في عدم الإجزاء بين ما إذا كان النائب جاهلًا بأنّه معذور أو كان المستنيب جاهلًا بذلك. وهكذا فيما لو كان أحدهما جاهلًا بأنّ هذا العذر من الأعذار التي لا تجوز الاستنابة معها كما لو كان جاهلًا بعدم صحّة اجتزائه بالوقوف الاضطراري للمشعر الحرام.

مسألة 61: يجب علي النائب العمل طبق وظيفة نفسه تقليداً أو اجتهاداً.

مسألة 62: إذا مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ ذلك عن المنوب عنه وأما إذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم فلا يجزي علي الأحوط وجوباً، ولا فرق في هذا الحكم بين كون النائب متبرعاً أو أجيراً، وبين كون

ص: 34

نيابته عن حجة الاسلام أو حج واجب آخر.

مسألة 63: الأحوط استحباباً للنائب الذي لم يحجّ عن نفسه حجة الإسلام، أن يأتي بعد إتمامه أعمال الحج النيابي ما دام في مكة، بعمرة مفردة عن نفسه إن استطاع لها.

مسألة 64: يجوز للنائب بعد الفراغ من أعمال الحج النيابي أن يطوف عن نفسه وعن غيره ويجوز له أيضا أن يأتي بالعمرة المفردة كذلك.

مسألة 65: كما أنّ الإيمان شرط علي الأحوط في النائب للحج، كذلك هو شرط في كلّ ما تجوز فيه النيابة من المناسك كالطواف والرمي والذبح.

مسألة 66: يجب علي النائب قصد النيابة في أعمال الحج عن المنوب عنه. ويجب عليه أيضاً الإتيان بطواف النساء عن المنوب عنه.

ص: 35

ص: 36

الباب الثاني: في أعمال الحج والعمرة

اشارة

ص: 37

أقسام الحج والعمرة

تقدّم أنّ أقسام الحج ثلاثة، حج التّمتع وهو وظيفة من يبعد أهله عن مكّة ثمانية وأربعين ميلًا أي ما يقارب تسعين كيلومتراً، وحجّ القِران والإفراد وهما وظيفة من يكون أهله في مكة أو فيما دون المسافة المذكورة.

يختلف حج التمتع عن الإفراد والقِران، في كونه عبادة واحدة مركّبة من عمرة وحجة، وتُقدّم فيه العمرة علي الحجة وتفصل بينهما مدة زمنية يتحلّل فيها الإنسان من إحرام العمرة ويحلّ له ما يحرم علي المحرم فعله قبل أن يحرم للحج، ولأجل هذا ناسب إطلاق اسم حج التمتع

ص: 38

عليه. فالعمرة جزء من حج التمتع وتسمي بعمرة التمتع والحجة هي الجزء الثاني، ولابدّ من الإتيان بهما في سنة واحدة. وهذا بخلاف حج الإفراد أو القِران فإنّ كلًا منهما عبادة تعبّر عن الحجة فقط، بينما العمرة عبادة أخري مستقلّة عنهما تسمّي بالعمرة المفردة، ولهذا فقد تقع العمرة المفردة في عام وحج الإفراد أو القِران في عام آخر. والعمرة سواء كانت مفردة أم تمتّعاً لها أحكام مشتركة نأتي علي ذكرها قبل بيان الصورة الإجمالية لكلّ من حج التمتع وعمرته وحج الإفراد أو القِران وعمرتهما مع بيان الفوارق بينهما.

وهنا مسائل

مسألة 67: العمرة كالحج تارة واجبة، وأخري تكون مستحبّة.

مسألة 68: تجب العمرة كالحج في أصل الشرع مرّةً في العمر علي كلّ مستطيع لها علي حذو الاستطاعة المعتبرة في الحج، وهي واجبة فوراً كالحج، ولا يشترط

ص: 39

في وجوبها استطاعة الحج بل تكفي استطاعتها وحدها، وإن لم تتحقّق استطاعة الحج، كما أنّ العكس كذلك، فلو استطاع للحج فقط وجب هو دونها، هذا بالنسبة إلي من يكون أهله في مكة أو فيما دون ثمانية وأربعين ميلًا عن مكة. و أمّا الناؤون عن مكّة الذين وظيفتهم حج التمتع فلا يتصوّر فيهم فرض استطاعتهم للعمرة منفصلة عن الاستطاعة للحج، وكذا العكس، لأنّ حج التمتع مركّب منهما، ولابدّ من وقوعهما معاً في سنة واحدة.

مسألة 69: لايجوز للمكلف الدخول إلي مكّة المكرمة إلّا مُحرِماً فمن أراد الدخول في غير أشهر الحج وجب عليه أن يحرم للعمرة المفردة. ويستثني من هذا الحكم موردان:

أ- من يقتضي عمله كثرة التردد إلي مكّة.

ب- من خرج من مكّة بعد إتمامه أعمال حجّ التمتّع أو العمرة المفردة، فإنّه يجوز له العود إليها من دون إحرام قبل مضيّ شهر علي إتيانه لأعمال العمرة السابقة.

مسألة 70: يستحب تكرار العمرة كالحج، ولا يشترط

ص: 40

فاصلٌ معينٌ بين العمرتين وإن كان الأحوط أن يفصل بينهما بشهرٍ إن كانتا لنفسه، وأما إن كانتا عن شخصين أو كانت إحداهما عن نفسه والأخري عن غيره فلا يعتبر الفصل المذكور، وعليه فإن كانت العمرة الثانية بالنيابة، جاز للنائب أخذ الأجرة عليها، وأجزأت عن العمرة المفردة الواجبة علي المنوب عنه إن كانت واجبة عليه.

صورة حج التمتع وعمرته

حج التمتع مركّب من عملين أحدهما العمرة، وهي مقدّمة علي الحج، وثانيهما الحج. ولكلّ منهما أعمال خاصة به.

أمّا أعمال عمرة التمتع فهي:

1- الإحرام من أحد المواقيت.

2- الطواف حول البيت.

3- صلاة الطواف.

4- السعي بين الصفا والمروة.

5- التقصير.

ص: 41

وأمّا أعمال حج التمتع فهي:

1- الإحرام من مكّة المكرمة.

2- الوقوف في عرفات من ظهر التاسع من ذي الحجة حتي الغروب.

3- الوقوف في المشعر الحرام ليلة العاشر من ذي الحجة حتي طلوع الشمس.

4- رمي جمرة العقبة يوم العيد (العاشر من ذي الحجة).

5- الهدي.

6- الحلق أو التقصير.

7- المبيت في مني ليلة الحادي عشر.

8- رمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر.

9- المبيت في مني ليلة الثاني عشر.

10- رمي الجمرات الثلاث في اليوم الثاني عشر.

11- طواف الحج.

12- صلاة الطواف.

13- السعي.

ص: 42

14- طواف النساء.

15- صلاة الطواف.

حج الإفراد والعمرة المفردة

لايختلف حج الإفراد عن حجّ التمتع من ناحية الصورة سوي أنّ الهدي واجب في حج التمتع بينما هو مستحب في حج الإفراد.

وأما العمرة المفردة فهي كعمرة التمتع إلّا في أمور نذكرها ضمن المسائل التالية:

مسألة 71: يتعيّن في عمرة التمتع التقصير بينما يتخيّر بين التقصير والحلق في العمرة المفردة، هذا بالنسبة للرجال وأمّا النساء فيتعيّن عليهنّ التقصير مطلقاً.

مسألة 72: لايجب في عمرة التمتع طواف النساء وصلاته وإن كان الأحوط الإتيان به وبصلاته رجاءً، ولكنّهما واجبان في العمرة المفردة.

مسألة 73: عمرة التمتع لا تقع إلّا في أشهر الحج، وهي: «شوال، ذو القعدة وذو الحجة» بينما تصحّ العمرة

ص: 43

المفردة في جميع الشهور.

مسألة 74: لابدّ في عمرة التمتع من الإحرام من أحد المواقيت الآتية الذكر بينما يكون ميقات العمرة المفردة أدني الحل لمن كان في داخل مكة، وإن جاز الإحرام لها من أحد المواقيت أيضاً، وأما من كان خارج مكة وأراد العمرة المفردة فيجب عليه الإحرام لها من أحد المواقيت.

حج القران

حج القِران كحج الإفراد من ناحية الصورة، إلّا أنّه في حج القِران يجب عليه أن يصطحب معه الهدي وقت الإحرام فلهذا يجب عليه ذبح هديه.

كما أن الإحرام في حج القِران يتحقّق بالتلبية كذلك يتحقّق بالإشعار أو بالتقليد بينما لا يتحقّق الإحرام في حجّ الإفراد إلّا بالتلبية.

أحكام حج التمتع العامة

اشارة

يشترط في حج التمتع أمور:

الشرط الأول: النية، وهي قصد الإتيان بهذا النوع من

ص: 44

الحج حين الشروع في إحرام العمرة وإلّا لم يصح.

الشرط الثاني: أن يكون مجموع عمرته وحجّه في أشهر الحج.

الشرط الثالث: أن يكون كلّ من الحج والعمرة في سنة واحدة.

الشرط الرابع: أن يكون مجموع العمرة والحج من شخص واحد وعن شخص واحد، فلو استؤجر اثنان لحج التمتع عن ميت أحدهما عن العمرة والآخر عن الحج لم يُجْزِهِ ذلك.

مسألة 75: لا يجوز لمن وظيفته حج التمتع أن يعدل إلي الإفراد أو القِران اختياراً.

مسألة 76: مَن كانت وظيفته حج التمتع وعلم ضيق الوقت عن إتمام العمرة وإدراك الحج سواء كان ذلك قبل الدخول في العمرة أم بعده، وجب عليه العدول من حجّ التمتع إلي حجّ الإفراد ثم يأتي بعمرة مفردة بعد إتمام أعمال الحج.

مسألة 77: والمرأة التي تريد الإتيان بحج التمتع، إن

ص: 45

كانت عند الإحرام في الميقات علي دورتها الشهرية، فلو احتملت أنها تطهر في وقت يسع للغسل وإتيان الطواف وصلاته والسعي والتقصير ثم الإحرام للحج ودرك عرفة من زوال يومها، أحرمت بعمرة التمتع، فإن طهرت في وقت يسع لإتمام العمرة وإدراك الحج، وإلّا عدلت بعمرتها إلي حج الإفراد، وأتت بعده بعمرة مفردة، ويجزيها ذلك عن حج التمتع، وأما لو كانت عند الإحرام في الميقات علي الطهر، ثم فأجائتها العادة الشهرية في الطريق أو بعد دخول مكة قبل الإتيان بالعمرة، ولا تطهر في وقت يسع لإتمام العمرة وإدراك الحج، فهي بالخيار بين العدول بعمرتها إلي حج الإفراد والإتيان بعده بعمرة مفردة ويجزيها ذلك أيضا عن حج التمتع، وبين أن تترك الطواف وصلاته إلي ما بعد العود من مني، وتأتي بالسعي والتقصير، فتخرج بذلك عن إحرام العمرة، ثم تحرم بحج التمتع وتدرك عرفة ومشعر، وبعد الفراغ من أعمال مني تعود إلي مكة لإتمام أعمال الحج، وتقضي طواف العمرة وصلاته قبل الإتيان بطواف الحج وصلاته والسعي أو بعده، ويجزيها ذلك عن حج التمتع، ولا شيئ عليها.

ص: 46

ص: 47

ص: 48

القسم الأول: في أعمال العمرة
اشارة

ص: 49

الفصل الأول: المواقيت
اشارة

وهي المواضع التي عُيّنت للإحرام، وهي كما يلي:

الأول: مسجد الشجرة ويقع في منطقة ذي الحليفة بالقرب من المدينة المنوّرة وهو ميقات أهل المدينة ومن يمرّ عليه ممّن أراد الحج عن طريقها.

مسألة 78: لا يجوز تأخير الإحرام عن مسجد الشجرة إلي الجحفة إلا لضرورة من مرض أو ضعف أو غيرهما من الأعذار.

مسألة 79: لايجزي الإحرام من خارج مسجد الشجرة، نعم يجزي من جميع ما يعدّ من داخل المسجد حتي

ص: 50

القسم المستحدث منه.

مسألة 80: يجب علي المرأة ذات العذر الإحرام حال العبور من المسجد إن لم يستلزم المكث فيه، فإن استلزم ذلك ولو بسبب الزحام ونحوه ولم تتمكّن من تأخير الإحرام إلي ارتفاع العذر، فعليها الإحرام من الجحفة أو من محاذاتها، ويجوز لها أيضا الإحرام بالنذر من أيّ مكانٍ معيّنٍ آخر قبل الميقات.

مسألة 81: لايشترط إذن الزوج في انعقاد نذر الزوجة بالإحرام قبل الميقات فيما إذا كان غائباً عنها، وأما مع حضوره، فالأحوط وجوباً الاستئذان منه، فلو نذرت في هذه الصورة فلا ينعقد نذرها.

الثاني: وادي العقيق، وهو ميقات أهل العراق ونجد ومن يمرّ عليه للعمرة من غيرهم، وله ثلاثة أجزاء: المسلخ وهو اسم لأوّله، والغمرة وهو اسم لوسطه، وذات عرق وهو اسم لآخره، ويجزي الإحرام من جميع مواضعه.

الثالث: الجحفة، وهي ميقات أهل الشام ومصر والمغرب وكل من يمرّ عليه للعمرة من غيرهم، ويجزي

ص: 51

الإحرام من المسجد وغيره من مواضعها.

الرابع: يلملم، وهو ميقات أهل اليمن وكل من يمرّ عليه، وهو اسم جبل، ويجزي الإحرام من جميع مواضعه.

الخامس: قرن المنازل، وهو ميقات أهل الطائف ومن يمرّ عليه للعمرة، ويجزي الإحرام فيه من المسجد وغيره.

ما يحاذي المواقيت السابقة: مَن لم يمرّ بأحد المواقيت السابقة ووصل إلي مكان يحاذي أحدها أحرم منه، والمراد من المحاذاة أن يصل في طريقه إلي مكة المكرّمة إلي موضع يكون الميقات علي يمينه أو شماله بحيث لو تقدّم عن ذلك المكان تمايل الميقات إلي ورائه.

المواقيت المتقدّمة هي المواقيت التي يتعيّن علي المتمتع بالعمرة أن يحرم منها. وأمّا مواقيت حجة التمتع والقِران والإفراد فهي:

الأول: مكّة المعظّمة وهي ميقات حجة التمتع.

الثاني: منزل المكلّف وهو ميقات من كان منزله واقعاً دون الميقات إلي مكّة، بل هو ميقات لأهل مكّةأيضاً، ولا يجب عليه الرجوع إلي أحد المواقيت المتقدّمة.

ص: 52

وهنا مسائل

مسألة 82: تثبت تلك المواقيت أو المحاذاة لها مع فقد العلم، بالبيّنة الشرعيّة بأن يشهد عدلان بذلك، أو بالشياع الموجب للإطمئنان، ولا يجب الفحص وتحصيل العلم، وفي صورة عدم العلم وفقد البيّنة والشياع يكفي الظنّ الحاصل من قول العارف بتلك الأمكنة.

مسألة 83: لا يصح الإحرام قبل الميقات، إلّا إذا نذر الإحرام من مكان معيّن قبل الميقات كما إذا نذر الإحرام من المدينة أو من بلده فيجب عليه الإحرام منه وصحّ إحرامه.

مسألة 84: إذا جاوز الميقات من دون إحرام عمداً أو غفلة أوجهلًا وجب عليه الرجوع إليالميقات للإحرام منه.

مسألة 85: إذا جاوز الميقات غفلةً أو نسياناً أو جهلًا بالمسألة، ولم يتمكّن من الرجوع إلي الميقات لضيق الوقت أو لعذر آخر، ولكنّه لم يدخل الحرم بعد، فالأحوط وجوباً الرجوع نحو الميقات بأيّ قدر ممكن والإحرام منه،

ص: 53

وأمّا إذا دخل الحرم فإن أمكنه الخروج منه وجب عليه ذلك، ويحرم من خارج الحرم، وأمّا إذا لم يمكنه الخروج من الحرم، فيحرم من المكان الذي هو فيه في الحرم.

مسألة 86: لايجوز تأخير الإحرام عن الميقات اختياراً سواء كان أمامه ميقات آخر أم لا.

مسألة 87: من منع من الإحرام من أحد المواقيت جاز له أن يحرم من ميقات آخر.

مسألة 88: لا تعتبر جدّة من المواقيت ولا ممّا يحاذيها، ولذا لا يصحّ اختياراً الإحرام منها بل يجب الذهاب إلي أحد المواقيت للإحرام منها، إلّا إذا لم يتمكّن من ذلك فيحرم في هذه الحالة بالنذر من جدّة نفسها.

مسألة 89: إذا التفت المحرم بعد تجاوزه الميقات إلي أنّه لم يحرم إحراماً صحيحاً، فإن تمكّن من الرجوع إليه وجب، وإن لم يتمكّن من الرجوع إليه إلّا عن طريق مكّة المكرّمة، دخلها محرماً- من أدني الحل- للعمرة المفردة وبعد الإتيان بأعمالها يرجع إلي أحد المواقيت للإحرام لعمرة التمتع.

ص: 54

مسألة 90: الظاهر جواز الخروج من مكة المكرّمة بعد الإحلال من عمرة التمتع وقبل الإتيان بالحج لمن يطمئنّ بأنّه لا يفوته الحج بذلك، وإن كان الأحوط استحباباً أن لا يخرج إلّا للضرورة والحاجة، كما أنّ الأحوط في هذه الصورة أن يحرم بالحج في مكة قبل الخروج إلّا إذا كان ذلك حرجاً عليه فيخرج لحاجته عند ذلك بلا إحرام، ومن أراد العمل بهذا الاحتياط وكان ممّن يضطرّ إلي الخروج مرة أو مرات، كخدمة القوافل وأمثالهم، فلهم أن يعتمروا أوّلًا بالعمرة المفردة لدخول مكة المكرّمة، وتأخير عمرة التمتع إلي الوقت الذي يسعهم فيه الإتيان بعمرة التمتع قبل أعمال الحج، فيحرمون عندئذٍ من الميقات لعمرة التمتع، فإذا فرغوا من العمرة أحرموا للحج من مكة.

مسألة 91: المناط في الخروج من مكّة المكرّمة فيما بين عمرة التمتع والحج هو مدينة مكّة المكرّمة الحالية، وعليه فالذهاب إلي مكان يعدّ حالياً من مكّة المكرّمة وإن كان في السابق خارجاً عنها لا يعدّ خروجاً منها.

ص: 55

مسألة 92: لو خرج بعد إتيان عمرة التمتع من مكة بلا إحرام، فإن رجع في الشهر الذي أتي فيه بالعمرة، رجع بلا إحرام، وأمّا لو رجع في غير شهر عمرته، كما لو أتي بالعمرة في ذي القعدة، فخرج، ورجع في ذي الحجة فيجب عليه الإحرام بالعمرة لدخول مكة، وتكون عمرة التمتع المتّصلة بالحج هي العمرة الثانية.

مسألة 93: الأحوط وجوباً عدم الإتيان بالعمرة المفردة بين عمرة التمتع والحج، ولكن لو أتي بها لم يضرّ ذلك بصحّة عمرته السابقة ولا إشكال في حجه أيضاً.

ص: 56

الفصل الثاني: الإحرام
اشارة

مسألة 94: تنقسم مسائل الإحرام إلي أربعة أقسام:

1- الأعمال الواجبة حال الإحرام أو لأجل الإحرام.

2- الأعمال المستحبّة حال الإحرام.

3- الأعمال المحرّمة حال الإحرام.

4- الأعمال المكروهة حال الإحرام.

1- واجبات الإحرام
الأول: النية؛ ويعتبر فيها أمور:

أ- القصد: بمعني قصد الإتيان بالنسك من حجّ أو

ص: 57

عمرة، فمن أراد الإحرام لعمرة التمتع- مثلًا- قصد الإتيان بها حينه.

مسألة 95: لايعتبر في القصد إخطار الصورة التفصيلية للنسك، بل تكفي الصورة الإجمالية، فله أن يقصد الإتيان بواجبات النسك إجمالًا، ثم يأتي بواحد واحد منها علي الترتيب.

مسألة 96: لايعتبر في صحة الإحرام أن يقصد ترك محرّمات الإحرام، بل لا يضرّ بصحته العزم علي ارتكاب بعض المحرّمات، نعم قصدُ فعل المحرّمات التي تبطل بها العمرة أو الحج كالجماع في بعض موارده لا يجتمع مع قصد الإتيان بالنسك بل يكون مناقضاً لقصد الإحرام.

ب- القربة والإخلاص للّه تعالي لأنّ العمرة والحج وكلّ نسك من مناسكهما عبادة فلابدّ في الإتيان بكل منهما كما هو، من قصد التقرّب به إليه تعالي.

ج- تعيين كون الإحرام للعمرة أو للحج، وأنّ الحج حج تمتّع أو إفراد أو قران، وأنّه لنفسه أو لغيره، وأنّه حجّة الإسلام أو الحج النذري أو الندبي.

ص: 58

مسألة 97: إذا نوي الحج بدل العمرة جهلًا بالمسألة أو غفلةً صحّ إحرامه. فمثلًا إذا قال حين إحرامه لعمرة التمتع:- أحرم لحج التمتع قربة إلي الله، ولكنه كان يقصد العمل الذي يقوم به الناس معتقداً أنّ هذا العمل يسمّي بالحج، فإحرامه صحيح.

مسألة 98: لايشترط في النية التلفظ ولا الإخطار القلبي بل تتحقّق بعقد العزم علي الفعل.

مسألة 99: تشترط مقارنة النية للإحرام، فلا تجزي النية السابقة إلّا إذا استمرّت إلي حين الإحرام.

الثاني: التلبية

مسألة 100: التلبية حال الإحرام كتكبيرة الإحرام في الصلاة، فإذا لبَّي الحاجُّ صار محرماً وشرع في أعمال عمرة التمتع. وهذه التلبية في حقيقتها استجابة وتلبية لدعوة الربّ الرحيم المكلّفين للحج. فمن هنا ينبغي الإتيان بها بكل خشوع وإقبال.

وصورتها علي الأصح:

ص: 59

«لَبَّيْكَ اللّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ».

فإن اكتفي بهذا المقدار كان إحرامه صحيحاً، والأحوط استحباباً أن يقول بعد التلبيات الأربع المتقدّمة:

«إنَّ الْحَمْدَ وْالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ».

وإذا أراد مزيداً من الاحتياط أضاف:

«لَبَّيْكَ اللّهُمَّ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ لَبِّيْكَ».

ويستحب أن يضيف إلي ذلك هذه الجملات الواردة في رواية معتبرة وهي: «لَبَّيْكَ ذَا الْمَعارِجِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ داعِياً إِلي دارِ السَّلامِ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ غَفّارَ الذُّنُوبِ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ أَهْلَ التَّلْبِيَةِ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ ذَا الْجَلالَ وَالإكْرامِ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ تُبْدِي ءُ وَالْمَعادُ إلِيْكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ تَسْتَغْنِي وَيُفْتَقَرُ إِلَيْكَ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ مَرْهُوباً وَمَرْغُوباً إلَيْكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ إِلهَ الْحَقِّ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ الْجَمِيلِ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ كَشّافَ الْكُرَبِ الْعِظامِ لَبَّيْك، لَبَّيْك عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدَيْكَ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ يا كَرِيمُ لَبَّيْكَ».

مسألة 101: الواجب من التلبية ذكرها مرّة واحدة

ص: 60

ولكن يستحب تكرارها ما أمكن.

مسألة 102: يجب أداء المقدار الواجب من التلبية علي الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات علي القواعد العربية، فلا يجزي ء الملحون مع التمكّن من الصحيح ولو بالتعلّم أو بالتلقين، فإن لم يقدر علي التعلّم ولو لضيق الوقت ولم يتمكّن من الأداء الصحيح بالتلقين أيضا تلفّظ بها بأيّ نحو أمكنه، والأحوط أن يستنيب مع ذلك.

مسألة 103: من ترك التلبية عن عمد كان حكمه حكم من ترك الإحرام من الميقات عمداً فيما تقدّم.

مسألة 104: مَن لم يأتِ بالتلبية بصورتها الصحيحة ولم يكن معذوراً فحكمه حكم من ترك التلبية عمداً.

مسألة 105: يجب علي الأحوط قطع تلبية عمرة التمتع عند مشاهدة بيوت مكّة المكرّمة ولو المستحدثة منها التي تعدُّ حالياً جزءاً منها، وكذا يجب قطع تلبية الحج عند زوال يوم عرفة.

مسألة 106: لا ينعقد الإحرام لحج التمتع ولا لعمرته ولا لحج الإفراد ولا للعمرة المفردة إلّا بالتلبية، أمّا الإحرام

ص: 61

لحج القران فينعقد بها أو بالإشعار أو التقليد، والإشعار مختص بالبدنة والتقليد شامل لها ولغيرها من الأضاحي.

مسألة 107: الإشعار هو طعن صفحة سنام البدنة وتلطيخها بالدم ليعلم أنّها الهدي. والتقليد هو أن يعلّق علي رقبة الهدي خيطاً أو نعلًا ليعلم أنّه الهدي.

الثالث: لبس الثوبين

وهما الإزار والرداء، فيلبسهما بعد نزع ما يحرم علي المحرم لبسه، فيأتزر بالأول ويلقي الثاني علي المنكب.

مسألة 108: الأحوط وجوباً ارتداء الثوبين قبل نيّة الإحرام والتلبية.

مسألة 109: لا يشترط في الإزار أن يكون ساتراً للسرّة والركبة ويكفي أن يكون بالكيفية المتعارفة.

مسألة 110: لا يجوز عقد الإزار علي العنق، ولكن لا مانع من عقده بالملقط، أو الحصي وأمثال ذلك، وكذا لا مانع من عقده بخيط (فيما لو كان من المتعارف عقد مقدَّم الرداء به) وكذلك لا مانع من عقده بالإبرة والدبوس.

ص: 62

مسألة 111: الأحوط وجوباً أن يلبس الثوبين قاصداً التقرّب بلبسهما إلي اللّه تعالي بذلك.

مسألة 112: يشترط في الثوبين الشروط المعتبرة في لباس المصلي، فلا يجزي فيهما الحرير الخالص ولا المتّخذ من غير المأكول ولا المغصوب ولا المتنجّس بنجاسة غير معفوّ عنها في الصلاة.

مسألة 113: يشترط في الإزار أن لا يكون حاكياً عن البشرة بينما لا يشترط ذلك في الرداء ما لم يخرج عن صدق المسمّي.

مسألة 114: يختصّ وجوب لبس الثوبين بالرجل، وأمّا المرأة فيجوز لها الإحرام في ثوبها سواء كان مخيطا أم لا، مع مراعاة شرائط لباس المصلي المتقدّمة.

مسألة 115: يشترط أن لا يكون ثوب إحرام النساء من الحرير الخالص.

مسألة 116: لا يشترط في الثوبين أن يكونا من المنسوج، ولا في المنسوج أن يكون من القطن أو الصوف ونحوهما بل يجزئ الإحرام في ثوبٍ من الجلد أو النايلون

ص: 63

أو البلاستيك فيما إذا صدق عليه أنّه ثوب وكان لبسه متعارفاً، كما لا مانع من الإحرام في مثل اللبد كذلك.

مسألة 117: إذا لم ينزع اللباس المخيط حين إرادة الإحرام عالماً عامداً فصحة إحرامه لا تخلو من إشكال، فالأحوط وجوباً أن يجدّد النيّة والتلبية بعد نزعه.

مسألة 118: إذا اضطرَّ إلي لبس الثياب المخيطة لبردٍ ونحوه جاز له الاستفادة من الثياب المعتادة كالقميص مثلًا، ولكن لا يجوز لبسها بل يجعلها بنحوٍ مقلوب بأن يقلبه ظهراً ووجهاً أو صدراً وذيلًا ويتردّي به.

مسألة 119: يجوز للمحرم خلع ثياب الإحرام من أجل الذهاب إلي الحمّام أو تبديلها أو غسلها ونحو ذلك.

مسألة 120: يجوز للمحرم ارتداء أكثر من ثوبين للإتقاء من البرد ونحوه، فيضع قطعتين أو أكثر علي منكبيه أو حول خصره.

مسألة 121: إذا تنجّس لباس إحرامه فالأحوط وجوباً تطهيره أو تبديله.

مسألة 122: لايشترط حال الإحرام أن يكون طاهراً

ص: 64

من الحدث الأصغر أو الحدث الأكبر، فله الإحرام حال الجنابة أو الحيض، نعم يستحب مؤكّداً الغسل قبل الإحرام، وهذا الغسل المستحب يسمّي غسل الإحرام، والأحوط أن لا يتركه.

2- مستحبات الإحرام

مسألة 123: يستحب قبل الإحرام أن يكون البدن طاهراً وأن يكون قد أزال الشعر الزائد وقصّ أظفاره، ويستحب السواك أيضاً.

ويستحب الغسل قبل الإحرام في الميقات أو قبل الوصول إلي الميقات- في المدينة مثلًا- وقيل إنّ الأحوط عدم ترك هذا الغسل.

ويستحب أن يكون إحرامه بعد صلاة الفريضة من الظهر أو فريضة أخري، أو يكون بعد صلاة ركعتين نافلة، وقد ورد في بعض الأحاديث صلاة ستّ ركعات مستحبة، وهي ذات فضيلة أكثر.

ويستحب أن يوفر شعر رأسه وشعر لحيته من أول شهر ذي القعدة.

ص: 65

3- مكروهات الإحرام

مسألة 124: يكره الإحرام في اللباس الأسود واللباس المتّسخ واللباس المخطّط (المقلّم)، والأفضل أن يكون لون لباس الإحرام أبيض.

ويكره أن ينام علي وسادة أو فراش أصفر. كما يكره استعمال الحنّاء قبل الإحرام فيما إذا كان لونه يبقي حال الإحرام، ويكره أن يجيب من يناديه ب- (لبّيك)، ويكره دخول الحمّام وغسل البدن بشي ء مثل الكيس ونحوه.

4- محرّمات الإحرام
اشارة

مسألة 125: يجب علي المحرم من حين الشروع في الإحرام وما دام محرماً الاجتناب عن عدّة أمور، يطلق عليها اسم (محرّمات الإحرام).

مسألة 126: محرّمات الإحرام عبارة عن اثنين وعشرين شيئاً، بعضها محرّم علي الرجل فقط. وسوف نذكرها بنحو إجمالي ثم نذكر كل واحد منها بالتفصيل، ونبيّن الأحكام التي تترتّب علي كل واحد منها.

ص: 66

- محرّمات الإحرام:- وهي أمور:

1- لبس المخيط.

2- لبس ما يستر جميع ظهر القدم.

3- تغطية الرجل رأسه وتغطية المرأة وجهها.

4- تظليل الرأس.

5- استعمال الطيب.

6- النظر في المرآة.

7- استعمال الحنّاء.

8- تدهين البدن.

9- إزالة الشعر من البدن.

10- الاكتحال.

11- تقليم الأظفار.

12- لبس الخاتم.

13- إخراج الدم من البدن.

14- الفسوق (بمعني الكذب- الفحش- الفخر).

15- الجدال- كقول: (لا والله، بلي والله).

16- قتل هوام البدن.

ص: 67

17- قلع شجر ونبات الحرم.

18- حمل السلاح.

19- صيد البر.

20- الجماع وكل عمل مُثير للشهوة كالنظر بشهوة والتقبيل واللمس.

21- عقد النكاح.

22- الاستمناء.

مسألة 127: بعض هذه المحرّمات محرّمة أيضاً وإن لم يكن محرماً، ولكن إثمها حال الإحرام أشدّ.

أحكام محرّمات الإحرام
1- لبس المخيط:

مسألة 128: يحرم علي الرجل حال الإحرام لبس المخيط، وهو كل لباس يدخل فيه العنق أو اليدين أو الرجلين، من قبيل القميص والسروال والسترة والمعطف واللباس الداخلي والقباء والعباءة وأمثالها. وكذا الثياب المزرَّرة.

ص: 68

مسألة 129: لا فرق في موضوع المسألة السابقة بين المخيط والمنسوج ونحوهما.

مسألة 130: لا إشكال في لبس الحزام والهميان الذي توضع فيه النقود وحزام الساعة وأمثال ذلك ممّا لا يعدّ لباساً حتي وإن كانت مخيطاً.

مسألة 131: لا مانع من الجلوس والنوم علي الفراش المخيط أو الثياب المحرّم لبسها، كما لا مانع من افتراشها.

مسألة 132: لا إشكال في وضع اللحاف أو البطانية ونحوهما علي الكتف حتي وإن كانت حاشيته مخيطة، كما لا مانع من كون حاشية ثياب الإحرام مخيطة.

مسألة 133: إذا لبس المخيط عمداً يجب عليه التكفير بشاة، ولو لبس المتعدّد منه كما إذا لبس السروال والسترة أو القميص واللباس الداخلي فعليه الكفارة لكل واحد منها.

مسألة 134: إذا اضطرّ إلي لبس ما يحرم لبسه من الثياب لبردٍ ونحوه فلا إثم عليه ولكن الأحوط التكفير بشاة.

ص: 69

مسألة 135: يجوز للنساء لبس المخيط بكل أنواعه ولا كفارة فيه، نعم لا يجوز لهنّ لبس القفّازات.

2- لبس ما يستر جميع ظهر القدم:

مسألة 136: يحرم علي الرجل حال الإحرام لبس الخفّ والجورب، والأحوط وجوباً الاجتناب عن لبس كلّ ما يستر تمام ظهر القدم من قبيل الحذاء والخُفّ وأمثالهما.

مسألة 137: لا إشكال في لبس النعل والحذاء ذي الرباط العريض الذي لا يغطي تمام ظهر القدم.

مسألة 138: لا إشكال في وضع اللحاف ونحوه علي الرجلين حال الجلوس أو النوم، وكذا لا إشكال فيما إذا سقط لباس الإحرام علي الرجلين.

مسألة 139: إذا اضطرّ المحرم إلي لبس الحذاء ونحوه ممّا يستر تمام ظهر القدم جاز له ذلك، ولكن الأحوط وجوباً في هذه الحالة شقّ ظهره.

مسألة 140: إذا لبس الخُفّ والجورب ونحوهما ممّا ذكر في المسألة المتقدمة، لا تجب عليه الكفارة، وإن كان الأحوط استحباباً في خصوص الجورب التكفير بشاة.

ص: 70

مسألة 141: الحكم المذكور (وهو حرمة لبس الخُفّ والجورب ونحوهما) مختص بالرجال، ولكن الأحوط استحباباً للنساء مراعاته أيضاً.

3- تغطية الرجل رأسه وتغطية المرأة وجهها:

مسألة 142: لا يجوز للرجل تغطية رأسه بالقبعة والعمامة والمنديل والمنشفة وأمثال ذلك.

مسألة 143: الأحوط وجوباً أن لا يضع علي رأسه أيّ شي ء يوجب تغطيته كالحنّاء ورغوة الصابون أو حمل متاع فوق رأسه وأمثال ذلك.

مسألة 144: الأُذُن من الرأس فلا يجوز للرجل تغطيتها حال الإحرام.

مسألة 145: لايجوز تغطية بعض الرأس إذا كانت بنحوٍ يصدق عليها عرفاً أنّها تغطية للرأس، كما إذا وضع قبعة صغيرة في وسط رأسه. وأمّا في غير هذه الصورة فلا إشكال كما إذا وضع القرآن ونحوه علي رأسه أو جفّف بعض رأسه بالمنشفة تدريجياً وإن كان الأحوط الاجتناب عن ذلك أيضاً.

ص: 71

مسألة 146: لا يجوز للمحرم رمس رأسه في الماء، والظاهر أنّه لا فرق في هذه المسألة بين الرجل والمرأة، ولكن لو رمسه فلا كفارة عليه.

مسألة 147: كفارة تغطية الرأس شاة علي الأحوط وجوباً.

مسألة 148: إذا غطي رأسه نسياناً أو غفلةً أو جهلًا فلا تجب الكفارة عليه.

مسألة 149: يحرم علي النساء تغطية الوجه حال الإحرام بالنحو المتعارف الذي يفعلنه لأجل الحجاب أو التخفّي. وعلي هذا، فتغطية بعض الوجه إذا كانت بحيث يصدق عليها تغطية الوجه، كتغطية الخدّين مع الأنف والفم والذقن مثلًا، لأجل الحجاب والتخفّي، كتغطية تمام الوجه، فلا تجوز أيضاً.

مسألة 150: يجوز للنساء استخدام الكمام حال الإحرام.

مسألة 151: لا إشكال في تغطية الأطراف العليا أو السفلي أو كلا الطرفين من الوجه علي النحو الذي يتمّ

ص: 72

ستره في الخمار المتعارف وكما تفعله النساء عند تغطية الرأس في حال الصلاة بحيث لا يصدق معه ستر الوجه، سواء كان ذلك في الصلاة أم لا.

مسألة 152: تحرم تغطية الوجه بالمروحة ونحوها (كالجريدة والورقة)، نعم لا إشكال في وضع اليد علي الوجه.

مسألة 153: يجوز للمحرمة إسدال عباءتها علي وجهها بنحوٍ يغطّي قسماً من وجهها وجبهتها إلي ما يحاذي طرف الأنف الأعلي. ولكن الأحوط الاجتناب عن ذلك إذا لم تكن في معرض رؤية الأجنبي.

مسألة 154: الأحوط في المسألة المتقدّمة أن لا تدع الغطاء المذكور يلامس وجهها.

مسألة 155: لا تجب الكفارة في تغطية الوجه وإن كانت أحوط.

4- التظليل للرجال:

مسألة 156: لا يجوز للرجل التظليل حال الإحرام أثناء السير وطيِّ المنازل (كالسير بين الميقات ومكة أو بين

ص: 73

مكة وعرفات ونحوهما)، نعم لا إشكال في التظليل إذا وقف في مكان أثناء الطريق أو عند وصوله إلي المقصد كما إذا دخل بيتاً أو مطعماً. وعليه فلا يجوز في حال السير ركوب الحافلة المسقّفة.

مسألة 157: الأحوط وجوباً للمحرم بعد وصوله إلي مكة وقبل إتيانه لمناسك العمرة، الاجتناب عن الاستظلال بالظلّ المتحرّك كالسّيارة المسقّفة أو المظلّة وكذا بعد أن أحرم بالحج، في حال السير إلي عرفات، و إلي مزدلفة لو اتّفق سيره إليها في النهار، ومن المزدلفة إلي مني، وكذا في حال السير داخل عرفات ومني.

مسألة 158: الحكم المتقدّم في المسألتين السابقتين مختص بالتظليل في النهار، وعليه فلا مانع من ركوب الحافلة المسقّفة في الليل وإن كانت مراعاة الاحتياط مطلوبة.

مسألة 159: الأحوط في الليالي الممطرة أو الباردة ترك الاستظلال بالحافلة المسقّفة ونحوها.

مسألة 160: لا إشكال في الاستظلال حتي أثناء النهار بظلّ الجدار والشجرة وأمثالهما وكذا العبور تحت السقف

ص: 74

الثابت كالنفق والجسر.

مسألة 161: حرمة التظليل علي المحرم مختصّة بالرجال فيجوز للنساء الاستظلال مطلقاً.

مسألة 162: كفارة الاستظلال شاة.

مسألة 163: إذا اضطرّ إلي الاستظلال لمرضٍ أو لعذرٍ آخر جاز له ذلك، ولكن يجب عليه التكفير بشاة.

مسألة 164: تجب كفارة الاستظلال في كلّ إحرام مرّة واحدة وإن تكرّر منه ذلك. وعليه فلو استظلّ أكثر من مرّة في إحرام العمرة مثلًا فلا يجب عليه أكثر من كفّارة واحدة، وهكذا لو كان في إحرام الحج.

5- استعمال الطيب والروائح العطرة:

مسألة 165: يحرم حال الإحرام استعمال الطيب بكل أنواعه مثل المسك والعود وماءالورد والعطور الرائجة كلّها.

مسألة 166: لا يجوز لبس الثوب المعطّر سابقاً فيما إذا كانت رائحة العطر تنبعث منه.

مسألة 167: لا يجوز علي الأحوط استعمال الصابون المعطّر وكذا الشامبو المعطّر.

ص: 75

مسألة 168: الأحوط وجوباً الاجتناب عن شمِّ كلّ ما هو معطّر وإن لم يصدق عليه عنوان العطر من قبيل الورد أو الخضار والفواكه ذات الرائحة الطيّبة.

مسألة 169: لا يجوز للمحرم تناول الطعام الذي فيه زعفران.

مسألة 170: لا إشكال في تناول الفواكه ذات الرائحة الطيّبة كالتفاح والبرتقال وأمثالهما، ولكن الأحوط وجوباً أن لا يشمّها.

مسألة 171: الأحوط وجوباً التكفير بشاة إذا استعمل الطيب عمداً، سواء كان ذلك في الطعام كالزعفران أم في غيره.

مسألة 172: لا يجوز للمحرم إمساك أنفه عن الرائحة الكريهة، نعم لا إشكال في الخروج من المكان الذي فيه رائحة كريهة، وكذا العبور عنه.

6- النظر في المرآة:

مسألة 173: يحرم حال الإحرام النظر في المرآة إذا كان للزينة، وأمّا إذا كان لغرض آخر كنظر السائق في مرآة

ص: 76

سيارته حال السياقة فلا إشكال فيه.

مسألة 174: النظر في الماء الصافي أو الأجسام الصيقلية التي يري فيها صورة الشي ء حكمه حكم النظر في المرآة فإذا كان للزينة فلا يجوز.

مسألة 175: إذا كان يسكن في غرفة توجد فيها مرآة وهو يعلم أنّ عينه سوف تقع عليها سهواً فلا إشكال في إبقائها علي حالها، ولكن الأفضل إخراجها منها أو تغطيتها.

مسألة 176: لا إشكال في لبس النظارة إذا لم تكن للزينة.

مسألة 177: لا إشكال في التقاط الصور حال الإحرام.

مسألة 178: لا كفارة علي النظر في المرآة، ولكن الأحوط وجوباً بعد النظر فيها أن يلبّي.

7- لبس الخاتم:

مسألة 179: الأحوط وجوباً أن يجتنب المحرم عن لبس الخاتم إذا عدّ زينة.

مسألة 180: إذا لم يكن الخاتم للزينة وكان القصد من التختم به الاستحباب أو غرضاً آخر فلا إشكال في لبسه.

مسألة 181: لا كفارة علي لبس الخاتم حال الإحرام.

ص: 77

8- استعمال الحنّاء والصبغ:

مسألة 182: الأحوط وجوباً أن يجتنب المحرم عن استعمال الحنّاء وصبغ الشعر إذا عدَّ من الزينة بل عن كل ما يعدُّ زينةً.

مسألة 183: إذا وضع الحنّاء علي يديه ورجليه وأظفاره قبل الإحرام أو صبغ شعره كذلك وبقي أثره إلي وقت الإحرام فلا إشكال عليه فيه.

مسألة 184: لا كفارة في استعمال الحنّاء والصبغ.

9- تدهين البدن:

مسألة 185: لايجوز للمحرم تدهين بدنه وشعره، سواء كان ذلك بالدهون التي تستخدم للزينة أم بغيرها، وسواء كان معطّراً أم لا.

مسألة 186: الدهون والزيوت ذات الرائحة الطيّبة إذا كانت رائحتها تبقي إلي حين الإحرام فلا يجوز التدهين بها قبل الإحرام أيضاً.

مسألة 187: لا إشكال في أكل الدهن (أي السمن) إذا لم يكن فيه رائحة طيّبة.

ص: 78

مسألة 188: إذا اضطر إلي التدهين كما إذا كان للتداوي أو للتجنب من ضرر الشمس أو التعرُّق الموجب لالتهاب البدن، فلا إشكال فيه.

مسألة 189: كفارة التدهين بالطيب شاة علي الأحوط، وفي غير الطيب إطعام فقير، وإن كان عدم وجوب الكفارة في جميع الموارد ليس ببعيد.

10- إزالة شعر البدن:

مسألة 190: يحرم علي المحرم إزالة شعر الرأس والبدن. ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير حتي الشعرة الواحدة، ولا بين الإزالة بالحلق أو النتف، ولا بين إزالة شعر بدنه ورأسه أو بدن ورأس غيره.

مسألة 191: لا شي ء عليه في سقوط الشعر حال الوضوء أو الغسل أو التيمّم إذا لم يكن بقصد الإزالة.

مسألة 192: إذا اضطرّ إلي إزالة الشعر كإزالة شعرة العين إذا كانت تؤذيه أو شعر الرأس إذا كان موجباً للصداع فلا إشكال فيها.

مسألة 193: إذا حلق المحرم رأسه عالماً عامداً من

ص: 79

غير ضرورة، فعليه التكفير بشاة، وأمّا إذا كان عن غفلة أو سهو أو جهل بالمسألة فلا كفّارة عليه.

مسألة 194: إذا اضطرّ إلي حلق رأسه فكفارته اثنا عشر مدّاً من الطعام تعطي لستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام أو شاة.

مسألة 195: إذا قصّر المحرم شعر رأسه بالمقصّ أو الماكينة فالأحوط وجوباً التكفير بشاة.

مسألة 196: إذا وضع يده علي وجهه فسقطت شعرة أو أكثر، فالأحوط استحباباً التصدق بكفٍ من الحنطة أو الطحين وأمثالهما يعطي للفقير.

11- الاكتحال:

مسألة 197: لا يجوز للمحرم الاكتحال إذا عدّ زينةً، وكذا تخطيط الجفون كما تفعله النساء للزينة. ولا فرق في ذلك بين اللون الأسود وغيره.

12- تقليم الأظفار:

مسألة 198: يحرم علي المحرم تقليم الأظفار. ولا فرق في ذلك بين أظفار اليدين أو الرجلين، ولا بين قصّ

ص: 80

تمامها أو بعضها، ولا بين قصّها أو تقليمها أو قلعها. وسواء كان ذلك بالمقصّ أو بالسكّين أو أيّ وسيلة أخري.

مسألة 199: إذا اضطرّ إلي تقليم أظفاره فلا إشكال عليه، كما إذا انفصل قسم منها وكان الباقي يسبِّب الأذي له.

مسألة 200: لا إشكال في تقليم أظفار الغير.

مسألة 201: كفارة تقليم الأظفار حال الإحرام علي النحو التالي:

- إذا قصّ ظفراً أو أكثر من يده أو رجله، فعليه لكل واحد التكفير بمدٍّ من الطعام.

- إذا قصّ تمام أظفار اليدأوالرجل، فعليه التكفير بشاة.

- إذا قصّ تمام أظفار اليد و الرجل في مجلس واحد فعليه التكفير بشاة، وأمّا إذا قصّ أظفار اليد في مجلس وأظفار الرجل في مجلس آخر فعليه التكفير بشاتين.

13- إخراج الدم من البدن:

مسألة 202: الأحوط وجوباً أن لايقوم المحرم بعمل يوجب خروج الدم من بدنه.

مسألة 203: لا مانع من الحقن بالإبرة حال الإحرام،

ص: 81

ولكن لو كان يؤدي إلي خروج الدم من البدن فالأحوط وجوباً الاجتناب عنه إلّا في موارد الحاجة.

مسألة 204: الأحوط وجوباً الاجتناب عن قلع الضرس إذا كان موجباً لخروج الدم، إلّا في حال الضرورة والحاجة.

مسألة 205: لا كفارة في إخراج الدم من البدن وإن كان يستحب التكفير بشاة.

14- الفُسُوق:

مسألة 206: الفُسُوق معناه الكذب والسباب والمفاخرة، وعليه فحرمة الكذب والسباب حال الإحرام أشدّ منها في غيره، وأمّا المفاخرة فهي ليست محرّمة في غير حالة الإحرام ولكنّها أثنائها غير جائزة.

مسألة 207: لا تجب الكفارة في الفُسُوق ولكن يجب عليه الاستغفار.

15- الجدال:

مسألة 208: الجدال مع الآخرين إذا اشتمل علي الحلف بلفظ الجلالة فهو محرّم علي المحرم، كما إذا قال

ص: 82

حال المنازعة مع الآخرين «لا والله» أو «بلي والله».

مسألة 209: الأحوط وجوباً الاجتناب عن القسم بما يعدّ ترجمة لاسم الله في اللغات الأخري من قبيل لفظ «خدا» في اللغة الفارسية. وكذا الأحوط وجوباً الاجتناب عن القسم بسائر أسماء الله تعالي من قبيل «الرحمن- الرحيم- القادر- المتعال و ...» حال المنازعة.

مسألة 210: القسم بغير الله تعالي من المقدّسات الأخري ليس من محرّمات الإحرام.

مسألة 211: إذا حلف صادقاً يجب عليه الاستغفار في المرّة الأولي والثانية ولا كفارة عليه، وأمّا إذا زاد عن المرّتين فيجب عليه التكفير بشاة.

مسألة 212: إذا حلف كاذباً يجب عليه التكفير بشاة في المرّة الأولي والثانية، والأحوط في المرّة الثانية أن يكفّر بشاتين. وأمّا إذا زاد عن المرّتين فيجب عليه التكفير ببقرة.

16- قتل هوام البدن:

مسألة 213: لا يجوزعلي الأحوط قتل القُمّل حال الإحرام (القُمّل حشرة توجد في الشعر والبدن واللباس)

ص: 83

وكذا غيرها من الحشرات التي من هذا القبيل (كالبرغوث).

17- قلع نبات وشجر الحرم:

مسألة 214: يحرم قطع وقصّ وكسر الشجر والأعشاب التي تنبت في الحرم. ولا فرق في ذلك بين المحرم وغيره.

مسألة 215: يستثني من الحكم المتقدّم ما انقطع بسبب المشي أو لعلف الحيوانات.

مسألة 216: لا كفارة في قطع العشب والحشيش من الحرم بل يجب الاستغفار فقط. وأمّاإذا قطع شجرة يحرم قطعها فالأحوطوجوباً التكفير ببقرة.

18- حمل السلاح:

مسألة 217: لا يجوز للمحرم حمل السلاح.

مسألة 218: إذا احتاج لحمل السلاح لأجل حفظ نفسه أو ماله أو نفس غيره جاز له ذلك.

19- صيد البرِّ:

مسألة 219: يحرم صيد البرّ حال الإحرام، إلّا مع الخوف من الأذي منه. وكذا يحرم صيد الطيور والجراد.

ص: 84

مسألة 220: يحرم علي المحرم الأكل من لحم الصيد، سواء كان هو الذي اصطاده أم غيره، وسواء كان المصطاد محرماً أم مُحلًا.

مسألة 221: لا إشكال في صيد حيوانات البحر من قبيل السمك، كما لا إشكال في أكلها أيضاً.

مسألة 222: لا إشكال في ذبح وأكل الحيوانات الأهلية من قبيل الغنم والدجاج ونحوهما.

مسألة 223: لا يجوز اصطياد الحيوانات داخل منطقة الحرم سواء كان محرماً أم محلًا.

- أحكام الصيد والكفّارات المترتّبة عليه حال الإحرام كثيرة جدّاً، وحيث إنّها في الوقت الحاضر ليست مورداً للابتلاء فلذلك نصرف النظر عنها.

20- الجماع:

مسألة 224: يحرم حال الإحرام الجماع وكلّ استمتاع بالزوجة كاللمس لبدنها والنظر إليها بشهوة وتقبيلها.

مسألة 225: يجوز لكلّ من الزوجين النظر إلي الآخر ولمس يده إذا لم يكن عن شهوة وتلذّذ.

ص: 85

مسألة 226: محارم الإنسان كالأب والأم والأخ والأخت والعمّ والعمّة وأمثالهم يبقون علي المحرميّة حتي حال الإحرام.

مسألة 227: كفارة الجماع بالزوجة بُدنة، وفي بعض الموارد يكون موجباً لبطلان الحج، وتفصيل ذلك مذكور في الكتب الفقهية المفصّلة.

مسألة 228: سائر الاستمتاعات الأخري يوجد لكلّ منها كفارة، وتفصيلها مذكور في الكتب الفقهية.

21- عقد النكاح:

مسألة 229: لا يجوز حال الإحرام إيقاع العقد لنفسه أو لغيره حتي وإن كان الغير مُحلًا، ومثل هذا العقد محكوم بالبطلان.

مسألة 230: لا فرق في حرمة إيقاع العقد وبطلانه بين العقد الدائم والمؤقت.

22- الاستمناء:

مسألة 231: يحرم حال الإحرام الاستمناء وحكمه حكم الجماع. والمراد به أن يفعل بنفسه ما يوجب إثارة الشهوة إلي أن يمني.

ص: 86

- أحكام كفّارات محرّمات الإحرام:

مسألة 232: إذا ارتكب إحدي محرّمات الإحرام غفلةً أو سهواً فلا تجب عليه الكفارة، إلّا في الصّيد فإنّ الكفّارة واجبة فيه علي كلّ حال.

مسألة 233: محل ذبح كفارات الصيد في العمرة مكة المكرّمة، وفي الحج مني. والأحوط أن يعمل بهذا الترتيب في الكفّارت الأخري. ولكن إذا لم يذبح الكفّارة في مكة أو مني، كفاه الذبح في أيّ مكان آخر حتي في بلده بعد رجوعه من الحج.

مسألة 234: من وجبت عليه الكفارة لا يجوز له الأكل من لحمها، وأمّا الأكل من الهدي الواجب في الحج أو الهدي المستحب أو المنذور فلا إشكال فيه.

مسألة 235: يجب إعطاء كفّارة محرّمات الإحرام إلي الفقير.

- السير نحو مكة المكرّمة:

مسألة 236: بعد أن أحرم الحجّاج من الميقات يتوجّهون نحو مكة المكرّمة للإتيان ببقيّة أعمال العمرة.

ص: 87

وقبل الوصول إلي مكة المكرّمة تبتدأ منطقة الحرم، وللدخول إلي منطقة الحرم وكذا مكة المكرّمة والمسجد الحرام وردت أدعية وآداب كثيرة، نذكر بعضاً منها، ومن أراد العمل بتمام الآداب والمستحبّات فليراجع الكتب المفصّلة في ذلك.

- الدعاء حين الدخول إلي منطقة الحرم:

مسألة 237: يستحب الدعاء عند الدخول إلي منطقة الحرم بهذا الدعاء:

«اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ فِي كِتَابِكَ الْمُنْزَلِ وَقَوْلُكَ الْحَقُ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلي كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ اللَّهُمَّ وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ أَجَابَ دَعْوَتَكَ وَقَدْ جِئْتُ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ وَمِنْ فَجٍّ عَمِيقٍ سَامِعاً لِنِدَائِكَ وَمُسْتَجِيباً لَكَ مُطِيعاً لأَمْرِكَ وَكُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِكَ عَلَيَّ وَإِحْسَانِكَ إِلَيَّ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَي مَا وَفَّقْتَنِي لَهُ أَبْتَغِي بِذَلِكَ الزُّلْفَةَ عِنْدَكَ وَالْقُرْبَةَ إِلَيْكَ وَالْمَنْزِلَةَ لَدَيْكَ وَالْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِي وَالتَّوْبَةَ عَلَيَّ مِنْهَا بِمَنِّكَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي

ص: 88

مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَحَرِّمْ بَدَنِي عَلَي النَّارِ وَآمِنِّي مِنْ عَذَابِكَ وَعِقَابِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ».

- مستحبات الدخول إلي المسجد الحرام:

مسألة 238: الأعمال التي تستحب عند الدخول إلي المسجد الحرام هي:

1- يستحب للمكلّف أن يغتسل لدخول المسجد الحرام.

2- يستحب أن يدعو بالأدعية الواردة عند الدخول إلي المسجد الحرام.

ص: 89

الفصل الثالث: في الطواف وصلاته
الطواف

وهو ثاني واجبات العمرة، فإذا أحرم للعمرة سار نحو مكّة المعظّمة للإتيان بسائر أعمال العمرة، وأول عمل يأتي به هو الطواف حول الكعبة المعظّمة سبعة أشواط.

والكلام في الطواف تارة يقع في شروطه وأخري في واجباته.

شروط الطواف
اشارة

يشترط في الطواف أمور:

الأول: النيّة.

ص: 90

الثاني: الطهارة من الحدث.

الثالث: الطهارة من الخبث.

الرابع: الختان للرجال.

الخامس: ستر العورة.

السادس: الموالاة.

الشرط الأول: النيّة

وذلك بأن يقصد الإتيان بطواف العمرة أو الحج قربةً إلي اللّه تعالي، فلا يجزي الطواف بلا قصده ولو في بعض الشوط.

مسألة 239: يشترط في النيّة القربة والإخلاص لله تعالي فيأتي بالعمل امتثالًا لأمر اللّه تعالي، فإن فعله رياءً عصي وبطل عمله.

مسألة 240: يشترط في النية تعيين أنّه طواف العمرة المفردة أو عمرة التمتع، أو أنّه طواف الحج من حجة الإسلام أو الحج النذري أو الندبي، وإذا كان نائباً في ذلك قصدها أيضاً.

ص: 91

مسألة 241: لا يجب التلفظ بالنية ولا الإخطار القلبي، بل يكفي الإتيان بطواف العمرة طاعةً لله وامتثالًا لأمره، وينبغي حال الطواف المواظبة والمداومة علي الذكر والخشوع وحضور القلب وقراءة الأدعية الواردة فيه.

الشرط الثاني: الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر

مسألة 242: يجب حال الطواف الواجب أن يكون طاهراً من الجنابة والحيض والنفاس، ويجب الوضوء للطواف أيضاً. (1) 1

مناسك الحج (للخامنئي) ؛ ؛ ص91

ضيح: الطواف الواجب هو الطواف الذي يكون جزءاً من أعمال العمرة والحج، ولذلك يعتبر الطواف في الحج والعمرة المستحبّين طوافاً واجباً.

مسألة 243: إذا طاف المحدّث بالأكبر أو الأصغر لم يصحّ طوافه وإن كان جاهلًا أو ناسياً، بل يجب عليه تدارك الطواف وصلاته، حتي ولو كان الالتفات إلي فقد الطهارة بعد الفراغ من أعمال العمرة أو الحج.


1- آية الله السيد علي الخامنئي، مناسك الحج (للخامنئي)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1426 ه. ق..

ص: 92

مسألة 244: لايشترط في الطواف المستحب الوضوء، ولكن لا يصحّ وضعاً علي الأحوط الطواف حال الجنابة أو الحيض أو النفاس مضافاً إلي حرمة دخول المسجد الحرام تكليفاً علي الجنب والحائض والنفساء.

توضيح: الطواف المستحب هو الطواف الذي يكون مستقلًا عن أعمال العمرة والحج، سواء كان يطوف عن نفسه أم نيابة عن الغير. وهذا العمل هو أحد المستحبّات في مكة، فالإنسان مهما أمكنه الطواف فهو حسن وموجب للأجر والثواب.

مسألة 245: إذا أحدث المحرم بالأصغر أثناء طوافه فهنا صور:

1- أن يعرض له الحدث قبل بلوغ نصف الشوط الرابع (أي قبل الوصول إلي محاذاة الركن الثالث للكعبة المشرّفة) فيقطع الطواف ويعيده بعد الطهارة.

2- أن يعرض له الحدث بعد نصف الشوط الرابع وقبل إتمامه فيقطع الطواف ويبني عليه بعد الطهارة إن لم يؤدّ ذلك إلي اختلال الموالاة العرفية وإلّا فيعيده بقصد

ص: 93

الإتمام والتمام، وله رفع اليد عنه مطلقاً واستئناف الطواف من جديد.

3- أن يعرض له الحدث بعد إتمام الشوط الرابع فيقطع الطواف ويتطهّر ثم يبني علي طوافه إن لم يضر ذلك بالموالاة العرفيّة، وإلّا فالأحوط الإتمام والإعادة، وله رفع اليد عن طوافه السابق والإتيان بطواف جديد، كما أنّ له أن يأتي بسبعة أشواط بقصد الإتمام والتمام.

مسألة 246: إذا عرض له الحدث الأكبر أثناء الطواف وجب عليه الخروج فوراً من المسجد الحرام، ثم إن كان ذلك قبل بلوغ نصف الشوط الرابع فطوافه باطل وتجب إعادته بعد الغسل، وإن كان بعده وقبل إتمام الشوط الرابع بني عليه بعد الغسل مع عدم اختلال الموالاة العرفية، وإلّا فالأحوط الإتمام والإعادة، وله الإتيان بطواف كامل بقصد الإتمام والتمام، كما أنّ له رفع اليد عن الأشواط السابقة واستئناف الطواف بعد الغسل من جديد، وإن كان بعد إتمام الشوط الرابع فحكمه حكم عروض الحدث الأصغر في أثناء الطواف بعد إتمام الشوط الرابع فيما تقدم آنفاً.

ص: 94

مسألة 247: مَن كان معذوراً في ترك الوضوء أو الغسل وجب عليه التيمم بدلًا عنهما.

مسألة 248: إذا لم يتمكّن من الوضوء أو الغسل لعذر، فإن علم أنّ عذره سيرتفع في آخر الوقت- كالمريض الذي يعلم أنّه سيتعافي آخر الوقت- يجب عليه الصبر إلي حين ارتفاع عذره، فيأتي بالطواف مع الوضوء أو الغسل. بل لو كان يأمل في ارتفاع عذره فالأحوط وجوباً الصبر إلي أن يتضيَّق الوقت أو يصبر إلي أن يحصل له اليأس من ارتفاعه، وبعد ذلك يتيمّم ويطوف.

مسألة 249: مَن كانت وظيفته التيمّم أو وضوء الجبيرة فأتي بالطواف أو صلاته من دون الطهارة المذكورة جاهلًا بالحكم تجب عليه إعادتهما بنفسه إن أمكن وإلّا استناب.

مسألة 250: إذا حاضت المرأة بعد إحرامها للعمرة المفردة ولم تتمكن من انتظار الطهر حتي تغتسل وتأتي بمناسكها وجب عليها الإستنابة للطواف وصلاته، وأمّا

ص: 95

السعي والتقصير فتأتي بهما بنفسها وبذلك كلّه تخرج عن الإحرام، وكذا الحكم فيما إذا أحرمت وهي حائض. وأمّا لو أحرمت في حال الحيض بعمرة التمتع، أو حاضت بعد الإحرام بها، ولم تتمكّن من انتظار الطهر حتي تغتسل وتأتي بطواف العمرة وصلاته، فلها حكم آخر قد سبق ذكره.

مسألة 251: إنّما تجب الطهارة من الحدث في خصوص الطواف وصلاة الطواف من بين أعمال العمرة. وأمّا سائر أعمال العمرة فلا يشترط فيها الطهارة من الحدث وإن كان الأفضل أن يكون علي طهارة علي كل حال.

مسألة 252: إذا شكّ في الطهارة فوظيفته علي النحو التالي:

1- إذا شكّ في الوضوء قبل الشروع في الطواف يجب عليه الوضوء.

2- إذا كان الغسل واجباً عليه وشكّ في الإتيان به قبل الشروع في الطواف يجب عليه الإتيان به.

ص: 96

3- إذا كان علي وضوء وشكّ في أنّ وضوءه بطل أم لا، لا يجب عليه الوضوء.

4- إذا كان علي طهارة وشكّ في أنّه صار جنباً أو شكَّت المرأة في أنّها حاضت، لا يجب عليهما الغسل.

5- إذا شكّ في الطهارة بعد الفراغ من الطواف صحّ طوافه، ولكن يجب عليه تحصيل الطهارة لأجل صلاة الطواف.

6- إذا شرع بالطواف وهو علي طهارة وشكّ في الأثناء في طروِّ الحدث وعدمه، كما إذا شكّ في أنّ وضوءه بطل أم لا، لا يعتني بشكّه ويبني علي الطهارة.

7- إذا شكّ في أثناء الطواف أنّه شرع فيه علي وضوء أم لا، فهنا إذا كانت حالته السابقة هي الوضوء بني عليها، ولا يعتني بشكّه، وطوافه صحيح. وأمّا إذا لم تكن حالته السابقة هي الوضوء أو شكّ في أنّه كان سابقاً علي الوضوء أم لا، فهنا يجب عليه تحصيل الوضوء وإعادة الطواف من جديد.

8- إذا كان الغسل واجباً عليه، وشكّ في أثناء

ص: 97

الطواف أنّه أتي به أم لا، يجب عليه الخروج من المسجد فوراً والإتيان بالغسل وإعادة الطواف من جديد.

الشرط الثالث: طهارة البدن واللباس من الخبث

مسألة 253: يجب حال الطواف أن يكون البدن واللباس طاهرين من الدم، والأحوط وجوباً طهارتهما من سائر النجاسات الأخري. نعم لا تشترط الطهارة في مثل الجورب والمنديل والخاتم.

مسألة 254: الدم الذي يكون أقلّ من درهم وكذا دم الجروح كما أنّه لا يوجب بطلان الصلاة فهو أيضاً لايوجب بطلان الطواف.

مسألة 255: إذا كان البدن متنجّساً وكان يمكنه تأخير الطواف إلي أن يطهره من النجاسة يجب عليه تأخيره ما لم يتضيق وقته.

مسألة 256: إذا شكّ في طهارة بدنه أو لباسه جاز له الطواف بهما وصحّ طوافه، ولكن إذا علم بنجاسته سابقاً وشكّ في أنّه طهره أم لا، لا يجوز له الطواف به.

ص: 98

مسألة 257: إذا التفت بعد الفراغ من الطواف إلي نجاسة بدنه أو لباسه صحّ طوافه.

مسألة 258: إذا تنجَّس بدنه أو لباسه أثناء الطواف كما إذا جرحت قدمه علي أثر ازدحام الناس وكان لا يمكنه تطهيرها إلّا بقطع الطواف، يجب عليه قطع الطواف وتطهير بدنه أو لباسه ثم يعود فوراً ويتم طوافه من حيث قطعه، ويصحّ.

مسألة 259: إذا رأي نجاسة أثناء الطواف في بدنه أو لباسه ولا يعلم هل كانت موجودة قبل الشروع في الطواف أو أنها عرضت عليه في الأثناء؟ فالحكم المتقدم في المسألة السابقة يأتي هنا أيضاً.

مسألة 260: إذا التفت أثناء الطواف إلي نجاسة بدنه أو لباسه وكان متيقناً أنها كانت موجودة قبل الشروع في الطواف فحكمه حكم المسألة السابقة.

مسألة 261: إذا نسي النجاسة علي بدنه أو لباسه فطاف علي هذه الحال وفي أثناء الطواف ذكرها فحكمه حكم المسائل الثلاثة المتقدمة.

ص: 99

مسألة 262: إذا نسي النجاسة علي بدنه أو لباسه فطاف علي هذه الحال وبعد الفراغ من الطواف ذكرها صحّ طوافه. ولكن إذا أتي بصلاة الطواف ببدنه أو لباسه النجس يجب عليه إعادتها مجدداً بعد تحصيل الطهارة. والأحوط في هذه المسألة أن يعيد الطواف مجدداً بعد الطهارة.

الشرط الرابع: الختان

وهو شرط في صحة طواف الرجال دون النساء، فطواف الأغلف باطل، سواء كان بالغاً أم لا.

الشرط الخامس: ستر العورة

مسألة 263: يشترط في صحة الطواف ستر العورة علي الأحوط وجوباً.

مسألة 264: إذا لم تستر المرأة تمام شعر رأسها، أو كشفت عن بعض المواضع من بدنها أثناء الطواف، فطوافها صحيح وإن فعلت حراماً.

ص: 100

الشرط السادس: أن لا يكون اللباس مغصوباً حال الطواف

مسألة 265: يشترط في صحة الطواف أن لا يكون اللباس مغصوباً، فلو طاف في اللباس المغصوب فالأحوط وجوباً بطلان طوافه.

الشرط السابع: الموالاة

مسألة 266: تشترط الموالاة العرفية بين أجزاء الطواف علي الأحوط وجوباً بمعني أن لا يفصل بين الأشواط بما يخرجها عن صورة طواف واحد، ويستثني من ذلك ما إذا قطع الطواف بعد تجاوز النصف- ثلاثة أشواط ونصف- لأجل الصلاة ونحوها.

مسألة 267: مَن قطع طوافه الواجب لأجل صلاة الفريضة فإن كان بعد إتمام النصف أتمّه من حيث قطعه، وإن كان قبله فإن تخلّل فصل طويل فالأحوط إعادة الطواف وإلّا فلا يبعد عدم وجوب هذا الاحتياط وإن كان الاحتياط حسناً علي كل حال، ولا فرق في ذلك بين كون

ص: 101

الصلاة فرادي أو جماعة، ولا بين ضيق الوقت وسعته.

مسألة 268: يجوز قطع الطواف المستحب بل الواجب أيضاً، وإن كان الأحوط عدم قطع الطواف الواجب بحيث تفوت معه الموالاة العرفية.

واجبات الطواف

يشترط في الطواف سبعة أمور:

الأول: الإبتداء بالحجر الأسود، وذلك بأن يبدأ من محاذاته، ولا يشترط الطواف من أول الحجر بحيث يمرّ بجميع بدنه أمام جميع أجزائه، بل يكفي صدق الإبتداء عرفاً، ولهذا يصحّ الابتداء من أيّ نقطة منه، نعم يجب ختمه من حيث بدأ، فإن بدأ من الوسط ختم به وهكذا.

الثاني: الختم به في كل شوط.

مسألة 269: لا يجب التوقف عند كل شوط ثم البدء من جديد، بل يكفي أن يطوف سبعة أشواط من دون توقف علي أن يختم الشوط السابع من حيث بدأ الشوط الأوّل، نعم لا مانع من زيادة مقدار احتياطاً تحصيلًا للعلم

ص: 102

بأنّه قد ختم بنقطة الابتداء، فيأتي بالزائد بنيّة الاحتياط.

مسألة 270: يجب في الطواف أن يكون الطواف كما يطوف سائر المسلمين فيبدأ من محاذاة الحجر الأسود ويختم به من دون تدقيق أهل الوسوسة. ولا يجب الوقوف مقابل الحجر الأسود عند كل شوط.

الثالث: الطواف علي جهة اليسار، وذلك بأن تكون الكعبة علي يسار الحاجّ حال طوافه، والمقصود من ذلك تحديد جهة سيره.

مسألة 271: المناط في كون الكعبة علي جهة اليسار هو الصدق العرفي دون الدقّة العقلية، فالانحراف قليلًا حين الوصول إلي حجر إسماعيل عليه السلام والأركان الأربعة لا يضرّ بصحة طوافه، فلا يحتاج إلي الميل بكتفه عند الوصول إليها.

مسألة 272: إذا طاف مقداراً علي خلاف المتعارف، كما إذا استقبل الكعبة لتقبيلها أثناء طوافه أو ألجأه الزحام إلي استقبالها أو استدبارها أو جعلها علي يمينه لم يصحّ طوافه بل يجب جبران ذلك المقدار.

ص: 103

الرابع: إدخال حجر إسماعيل عليه السلام في طوافه فيطوف خلفه.

مسألة 273: إذا أتي بطوافه داخل حجر إسماعيل عليه السلام أو علي جداره بطل طوافه ووجبت إعادته، ولو طاف في شوط من الأشواط داخل الحجر يبطل ذلك الشوط فقط.

مسألة 274: إذا أتي بطوافه داخل الحجر عمداً فحكمه حكم تارك الطواف عمداً، وإن أتي به سهواً فحكمه حكم التارك للطواف عن سهو، وسيأتي بيانهما.

الخامس: الخروج أثناء الطواف عن الكعبة المعظّمة وعن الأساس في أسفل حائطها الذي يُسمي ب- «الشاذروان»

مسألة 275: لا بأس بوضع اليد علي جدار حجر إسماعيل عليه السلام وكذا وضع اليد علي جدار البيت.

السادس: يشترط علي المشهور أن يكون الطواف بين البيت ومقام إبراهيم عليه السلام وفي حدود مقدار الفصل بينهما من سائر الجوانب، ولكن الأقوي عدم اشتراط ذلك

ص: 104

فيجوز الإتيان به فيما وراء ذلك من المسجد الحرام لاسيّما إذا منعه الزحام الشديد، نعم الأولي الطواف داخل المطاف المذكور فيما إذا لم يمنعه الزحام منه.

مسألة 276: لا يبعد إجزاء الطواف في الفضاء الواقع بين الأرض ومحاذاة سقف الكعبة المعظّمة إلّا أنّه خلاف الاحتياط.

لو لم يتمكّن من الطواف إلّا في الطابق العلوي (الدور الثاني) فالأحوط وجوباً أن يطوف بنفسه في الطابق العلوي ويستنيب أيضاً من يطوف عنه في صحن المسجد الحرام.

السابع: الطواف سبعة أشواط.

وهنا مسائل حول ترك الطواف و نقصانه و الشكّ فيه

مسألة 277: الطواف ركن تبطل العمرة بتركه عمداً إلي وقت فواته، ولا فرق في ذلك بين العالم بالحكم والجاهل به.

مسألة 278: لا تجب الفوريّة في الطواف بعد دخوله مكة، بل يمكنه تأخيره إلي الزمن الذي لا يضيق معه

ص: 105

الوقوف الاختياري في عرفات (الوقوف الاختياري في عرفات يبدأ من ظهر اليوم التاسع من ذي الحجة إلي غروبه) بحيث يمكنه بعد الإتيان بالطواف والأعمال الأخري المترتبة عليه أن يدرك الوقوف المذكور.

مسألة 279: إذا أبطل عمرته- كما في الحالة المتقدّمة وفي حالات أخري سنبيّنها- فالأحوط أن يعدل بها إلي حج الإفراد ويأتي بعده بعمرة مفردة، ثم يأتي بالعمرة والحج من قابل إن كان الحج واجباً عليه.

مسألة 280: إذا ترك الطواف نسياناً وذكره قبل فوات وقته أتي به وبصلاته وأعاد السعي بعدهما.

مسألة 281: إذا ترك الطواف نسياناً وذكره بعد فوات وقته وجب عليه قضاؤه وقضاء صلاته في أيّ وقت أمكنه، وأمّا إذا ذكره بعد العود إلي وطنه فإن أمكنه الرجوع من دون مشقّة وحرج وجب وإلّا استناب، ولا يجب عليه إعادة السعي بعد قضاء الطواف وصلاته.

مسألة 282: التارك للطواف سواء كان عامداً أو ناسياً لا يحلّ له ما كان حلّه متوقفاً علي الطواف ما لم يأتِ به

ص: 106

بنفسه أو بنائبه، وكذا من نقص من طوافه سهواً.

مسألة 283: مَن عجز عن مباشرة الطواف بنفسه قبل فوات وقته حتي بالاستعانة بالغير لمرضٍ أو كسرٍ أو غيرهما وجب أن يُطاف به محمولًا إن أمكن ذلك وإلّا وجب عليه الاستنابة.

مسألة 284: إذا شكّ بعد الطواف والانصراف- أي بعد الخروج من المطاف- في زيادة الأشواط أو نقصانها لا يعتني بشكّه ويبني علي الصحّة.

صلاة الطواف

وهي الواجب الثالث من واجبات العمرة.

مسألة 285: يجب بعد الطواف صلاة ركعتين له ويتخيّر فيها بين الجهر والإخفات، ويجب التعيين في النيّة كما تقدّم في نيّة الطواف وكذا القربة والإخلاص.

مسألة 286: يجب أن لا يفصل بين الطواف وصلاته، وصدق الفصل وعدمه موكول إلي العرف.

مسألة 287: صلاة الطواف كصلاة الصبح، ويجوز أن

ص: 107

يقرأ بعد الحمد أيّ سورة شاء إلّا سور العزائم الأربع، ويستحب في الركعة الأولي أن يقرأ بعد الحمد سورة التوحيد وفي الثانية بعد الحمد سورة الجحد قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ.

مسألة 288: تجب الصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام قريباً منه بشرط عدم مزاحمة الآخرين، فإن لم يتمكّن من ذلك صلّي في المسجد الحرام خلف المقام ولو بعيداً عنه، بل لا يبعد الاجتزاء بإتيانها في أيّ موضع من المسجد الحرام.

مسألة 289: إذا ترك صلاة الطواف عمداً بطل حجه، وأمّا إذا تركها سهواً فإن تذكرها قبل أن يخرج من مكّة المكرّمة ولم يكن العود إليها للإتيان بها في محلّها شاقّاً عليه رجع إلي المسجد الحرام وأتي بها في محلّها، وإن تذكرها بعد ما خرج من مكّة المكرّمة أتي بها في الموضع الذي ذكرها فيه.

مسألة 290: حكم الجاهل القاصر أو المقصّر في المسألة السابقة حكم الناسي.

ص: 108

مسألة 291: إذا تذكر أثناء السعي أنّه ترك صلاة الطواف قطع السعي وأتي بها في محلّها ثم رجع وأتمّ السعي من حيث قطعه.

مسألة 292: إذا كانت صلاة طواف الرجل بمحاذاة المرأة، فإن كان الرجل متقدّماً عليها ولو مقداراً قليلًا فلا إشكال في صحة صلاتهما، وكذا إن كان بينهما فصل ولو بمقدار شبر.

مسألة 293: مشروعية الجماعة في صلاة الطواف غير معلومة.

مسألة 294: يجب علي كلّ مكلّف أن يتعلّم الصلاة الصحيحة حتي يؤدّي تكليفه بشكل صحيح خصوصاً مَن يريد الحج.

ص: 109

الفصل الرابع: السعي
اشارة

وهو الواجب الرابع من واجبات العمرة.

مسألة 295: يجب بعد ركعتي الطواف السعي بين الصفا والمروة، والسعي هو السير بينهما علي أن يبدأ بالصفا ويختم الشوط الأول بالمروة ثم يقطع الشوط الثاني منها إلي الصفا وهكذا إلي سبعة أشواط فيختم الشوط السابع بالمروة، ولا يصح الابتداء بالمروة والختم بالصفا.

مسألة 296: يشترط في السعي النية ويعتبر فيها ما تقدّم في نية الإحرام من القربة والإخلاص والتعيين.

مسألة 297: لا يشترط في السعي الطهارة من الحدث والخبث.

ص: 110

مسألة 298: محلّ الإتيان بالسعي بعد الطواف وصلاته، فلا يصحّ تقديمه عليهما.

مسألة 299: لايجوز تأخير السعي عن الطواف وصلاته إلي اليوم التالي اختياراً، وأمّا التأخير إلي الليل فلا مانع منه.

مسألة 300: يعتبر في كلّ شوط قطع تمام المسافة بين الصفا والمروة، نعم لا يجب الصعود عليهما.

مسألة 301: يجب أثناء السعي استقبال المروة عند الذهاب إليها، واستقبال الصفا كذلك فإن استدبر أثناءه بأن مشي القهقري لم يصحّ سعيه، نعم لا يضرّ الميل بوجهه إلي أحد الجانبين أو إلي الخلف.

مسألة 302: يجب أن يكون السعي في الطريق المتعارف.

مسألة 303: لا يصح السعي في الطابق العلوي ما لم يحرز كونه واقعاً بين الجبلين لا فوقهما، ومن لا يتمكّن من السعي إلّا في الطابق العلوي لا يجزيه، بل عليه أن يستنيب من يسعي عنه في الطابق الأوّل.

ص: 111

مسألة 304: يجوز الجلوس والنوم علي الصفا والمروة أو بينهما للاستراحة أثناء السعي، بل يجوز ذلك بلا عذر أيضاً.

مسألة 305: يشترط المباشرة في السعي مع التمكّن منه، ويجوز السعي ماشياً أو راكباً، والمشي أفضل، فإذا تعذّرت عليه المباشرة استعان بمن يسعي به أو سعي محمولًا، ولو تعذّر ذلك أيضاً استناب.

وهنا مسائل عامة حول ترك السعي وزيادته ونقصانه

مسألة 306: السعي ركن كالطواف وحكم تركه عمداً أو سهواً حكم ترك الطواف، وقد مرّ ذكره.

مسألة 307: مَن ترك السعي سهواً وأحلّ من عمرته فإن جامع زوجته وجب عليه بالإضافة إلي إتيان السعي التكفير ببقرة علي الأحوط وجوباً.

مسألة 308: إذا زاد في السعي شوطاً أو أزيد سهواً صحّ سعيه ولا شي ء عليه، والجاهل بالحكم كالناسي.

مسألة 309: مَن زاد سبعة أشواط علي سعيه بنيّة

ص: 112

السعي- بأن كان معتقداً أن مجموع الذهاب والإياب شوط واحد- لا يجب عليه الإعادة وصحّ سعيه، وكذا الحكم فيما لو التفت أثناء السعي إلي ذلك فيقطع الزائد من حيث تذكر.

مسألة 310: مَن نقص سعيه سهواً وجب عليه الإتمام متي ما تذكّر، فإن تذكّر بعد عودته إلي بلده وجب عليه الرجوع لإتمامه إلّا إذا كان في ذلك مشقّة وحرج فيستنيب حينئذٍ.

ص: 113

الفصل الخامس: التقصير

وهو الواجب الخامس من واجبات العمرة.

مسألة 311: يجب التقصير بعد إتمام السعي. والمراد منه قصّ شي ء من شعر الرأس أو اللحية أو الشارب أو أخذ شي ء من أظفار اليد أو الرجل.

مسألة 312: التقصير عبادة تجب فيه النية بشروطها المذكورة في نية الإحرام.

مسألة 313: لا يجزي حلق الرأس عن التقصير في التحلّل من إحرام عمرة التمتع بل لابدّ في التحلّل منه من التقصير، فإن حلق قبل التقصير، فمضافاً إلي عدم إجزائه

ص: 114

يكون عليه فيه التكفير بشاة للحلق فيما إذا صدر منه عن علم وعمد.

وأمّا إذا كان قد أحرم للعمرة المفردة فيتخيّر بين الحلق والتقصير.

مسألة 314: لا يجزي نتف الشعر عن التقصير في التحلّل من إحرام عمرة التمتع بل لابدّ في التحلّل منه من التقصير كما تقدّم، فإن نتف شعره بدل التقصير، فمضافاً إلي عدم إجزائه عنه، تكون عليه فيه كفارة نتف الشعر إن فعله عالماً عامداً.

مسألة 315: لو نتف الشعر بدل التقصير جاهلًا بالحكم وأتي بالحج بطلت عمرته ووقع حجه الذي أتي به إفراداً، وحينئذٍ إن كان حجه واجباً فالأحوط وجوباً أن يأتي بعمرة مفردة بعد أداء مناسك الحج ثم يأتي بعمرة التمتع والحج من قابل، وكذا حكم مَن حلق شعره بدل التقصير جاهلًا بالحكم وأتي بالحج.

مسألة 316: لا تجب المبادرة إليالتقصير بعد السعي.

مسألة 317: إذا ترك التقصير عمداً أو جهلًا وأحرم

ص: 115

للحج فالأقوي بطلان عمرته وانقلاب حجّه إلي الإفراد، والأحوط وجوباً أن يأتي بعمرة مفردة بعد الحج وإعادة العمرة والحج من قابل إن كان الحج واجباً عليه.

مسألة 318: إذا ترك التقصير سهواً فأحرم للحج صحّ إحرامه وصحّت عمرته وحجّه، ولا شي ء عليه وإن استحبّ له التكفير بشاة، بل الأحوط عدم تركها.

مسألة 319: يحلّ له بعد التقصير من عمرة التمتع كل ما حرم عليه حتي النساء.

مسألة 320: لا يجب في عمرة التمتع طواف النساء، وإن كان الأحوط الإتيان به وبصلاته رجاءً، وأمّا إذا كان قد أحرم للعمرة المفردة فلا تحلّ له النساء إلّا بعد الإتيان بطواف النساء وصلاته بعد التقصير أو الحلق، وكيفيته وأحكامه لا تختلف عن طواف العمرة المتقدّم.

مسألة 321: يجب علي الظاهر لكل عمرة مفردة ولكلّ حجّ طواف نساء مستقل، فمثلًا لو جاء بعمرتين مفردتين أو بحج وعمرة مفردة، فحلّ النساء له وإن كان لا يبعد أن يكفي فيه طواف نساء واحد، إلّا أنّه يجب عليه لكل واحد منهما طواف نساء مستقل.

ص: 116

ص: 117

ص: 118

القسم الثاني: في أعمال الحج
اشارة

ص: 119

الفصل الأول: الإحرام

وهو الواجب الأول من واجبات الحج، ولا يختلف إحرام الحج عن إحرام العمرة في الشرائط والكيفية وتروك الإحرام وفي أحكامه وكفاراته إلّا في النيّة فينوي الإتيان بأعمال الحج، وكلّ ما اعتبرناه في نيّة إحرام العمرة فهو معتبر في نيّة الإحرام للحج أيضاً. وينعقد الإحرام بالنية والتلبية فإذا نوي الحج ولبّي انعقد إحرامه.

نعم يختصّ إحرام الحج ببعض أمور نذكرهاضمن المسائل التالية:

مسألة 322: ميقات إحرام حج التمتع هو مكّة

ص: 120

المعظّمة، والأفضل الإحرام لحجّ التمتع من المسجد الحرام، ويجزي الإحرام من أيّ موضع من مكّة المكرّمة حتي القسم المستحدث منها، ولكن الأحوط أن يحرم من الأمكنة القديمة، نعم إذا شكّ أنّه من مكة أم لا، لم يصحّ الإحرام منه.

مسألة 323: يجب الإحرام قبل زوال اليوم التاسع من ذي الحجة بحيث يتمكّن من إدراك الوقوف الاختياري بعرفات، وأفضل أوقاته عند الزوال من يوم التروية (وهو اليوم الثامن من ذي الحجة)، ويجوز الإحرام قبله لاسيما للشيخ والمريض إن خافا شدّة الزحام، وقد تقدّم أيضا جواز تقديم الإحرام للحج لمن أراد الخروج من مكّة لحاجة بعد الإتيان بالعمرة.

مسألة 324: مَن نسي الإحرام وخرج إلي عرفات وجب عليه الرجوع إلي مكّة المعظّمة والإحرام منها، فإن لم يتمكّن لضيق الوقت أو لعذر آخر أحرم من مكانه وصحّ حجّه، والظاهر إلحاق الجاهل بالناسي.

مسألة 325: مَن نسي الإحرام إلي أن أنهي أعمال

ص: 121

الحج صحّ حجّه، ويلحق الجاهل بالحكم بالناسي، والأحوط استحباباً إعادة الحج من قابل في صورتي الجهل والنسيان.

مسألة 326: مَن ترك الإحرام عالماً عامداً إلي أن فاته الوقوف بعرفات والمشعر بطل حجه.

مسألة 327: مَن جاز له تقديم أعمال مكّة قبل الوقوفين وجب عليه الإتيان بها محرماً، فإن أتي بها من دون إحرام أعادها معه.

ص: 122

الفصل الثاني: الوقوف بعرفات

وهو الواجب الثاني من واجبات الحج، وعرفات جبل معروف، وحدّه من بطن عُرنَة وثويّة ونمرة إلي ذي المجاز، ومن المأزمين إلي أقصي الموقف، وهذه الحدود خارجة عنه.

مسألة 328: الوقوف بعرفات عبادة تجب فيه النية بشروطها المتقدّمة في نية الإحرام.

مسألة 329: المراد من الوقوف مطلق الحضور في ذلك المكان من دون فرق بين كونه راكباً أو ماشياً أو واقفاً.

ص: 123

مسألة 330: الأحوط أن يقف من زوال اليوم التاسع إلي الغروب الشرعي- وهو وقت صلاة المغرب- ولا يبعد جواز تأخيره عن أول الزوال بمقدار أداء الظهرين جمعاً مع مقدّماتهما.

مسألة 331: الوقوف المذكور واجب إلّا أنّ الركن منه هو مسمّي الوقوف، ويتحقّق بالدقيقة والدقيقتين، فإن ترك مسمّي الوقوف اختياراً بطل حجه، ولو وقف مسمّي الوقوف وترك الباقي أو أخّر الوقوف إلي العصر صحّ حجه، وإن أثم في صورة العمد.

مسألة 332: يحرم النفر من عرفات قبل الغروب، فإن نفر كذلك عامداً وخرج عن حدود العرفات ولم يرجع عصي ووجب عليه التكفير ببدنة، ولكنّ حجه صحيح، ومع العجز عن البدنة يصوم ثمانية عشر يوما، والأحوط أن يذبح البدنة يوم العيد في مني، وإن كان عدم تعيّن كونها في مني ليس ببعيد، وإن رجع قبل الغروب إلي عرفات فلا كفارة عليه.

مسألة 333: إذا نفر من عرفات قبل الغروب نسياناً أو

ص: 124

جهلًا بالحكم وجب عليه الرجوع فيما إذا التفت قبل فوات الوقت، فإن لم يرجع عصي ولكن لا كفارة عليه، وأما إذا لم يلتفت حتي خرج الوقت فلا شي ء عليه.

ص: 125

الفصل الثالث: الوقوف في المشعر الحرام (المزدلفة)

وهو ثالث واجبات الحج، والمراد منه الحضور في ذلك المكان المعروف بعد الإفاضة من عرفات عند الغروب متّجها نحو المشعر الحرام.

مسألة 334: الوقوف في المشعر عبادة تجب فيه النية بالشروط المذكورة في نية الإحرام.

مسألة 335: وقت الوقوف الواجب من طلوع الفجر إلي طلوع الشمس من يوم النحر، والأحوط الوقوف فيه بنيّته من حين الوصول إليه ليلًا بعد الإفاضة من عرفات.

ص: 126

مسألة 336: يجب البقاء في المشعر من طلوع الفجر إلي طلوع الشمس، إلّا أنّ الركن منه مسمّي الوقوف ولو بمقدار دقيقة أو دقيقتين فإن وقف بقدر المسمّي وترك الباقي عمداً صحّ حجّه وإن فعل حراما، وأمّا إن ترك مسمّي الوقوف اختياراً فحجّه باطل.

مسألة 337: تجوز الإفاضة من المشعر إلي مني ليلة العيد بعد الوقوف بقدر المسمّي للنساء والضعفاء والأطفال والشيوخ ومَن له عذر كالخوف أو المرض، وكذا لمن ينفر بهم ويعتني بأحوالهم كالممرّض والخادم.

تنبيه: هناك تقسيمات كثيرة بملاحظة إدراك أحد الموقفين أو كليهما اختياراً أو اضطراراً عمداً أو جهلًا أو نسياناً فرداً أو تركيباً موكول ذكرها إلي الكتب المفصّلة.

ص: 127

الفصل الرابع: الرمي
اشارة

وهو رابع واجبات الحج، وأوّل أعمال مني.

يجب رمي جمرة العقبة (الكبري) يوم العاشر من ذي الحجة.

شروط الرمي

يشترط في الرمي أمور:

الأول: النية بشرائطها كما تقدّم في نية الإحرام.

الثاني: أن يكون الرمي بما يصدق عليه أنّه حصي، فلا يصح الرمي بالرمل من جهة الصغر ولا بالحجارة من جهة الكبر.

ص: 128

الثالث: أن يكون زمان الرمي فيما بين طلوع الشمس يوم العيد وغروبها لمن تمكّن منه.

الرابع: إصابة الحصاة للجمرة، فإن لم تصب أو ظنّ إصابتها لم تحسب ووجب عليه رمي أخري بدلًا عنها، ولا يكفي وصولها إلي الدائرة المحيطة بالجمرة من دون إصابة.

الخامس: أن يكون الرمي بسبع حصيات.

السادس: أن يكون رمي الحصيات متتابعاً، فلو رماها دفعة لم تحسب إلّا واحدة سواء أصاب الجمرة الجميع أم لا.

مسألة 338: يجوز رمي الجمرة مع طليها بالإسمنت كما يجوز رمي القسم المستحدث من الجمرة فيما إذا عُدّ عرفاً جزءاً منها.

مسألة 339: لو زادوا علي الجمرة المتعارفة القديمة بامتداد بنائها أماماً وخلفاً إلي أمتار، فإن تمكن من معرفة مكان الجمرة السابقة ومن رميه بلا مشقة وجب عليه ذلك، وإلّا فيرمي أيّ موضع شاء من الجمرة الحالية، ويجزيه ذلك.

ص: 129

مسألة 340: الظاهر جواز الرمي من الطابق العلوي وإن كان الأحوط الرمي من المكان المتعارف عليه سابقاً.

شروط الحصي

يشترط في الحصي أمور:

الأول: أن تكون من الحرم فلا يجزي ما كان من خارجه.

الثاني: أن تكون بِكراً لم يُرمَ بها رمياً صحيحاً ولو في السنين السابقة.

الثالث: أن تكون مباحة فلايجوز الرمي بالمغصوب ولا بما حازه غيره من دون إذنه، نعم لايشترط في الحصي طهارتها.

مسألة 341: يجوز للنساء والضعفاء- الذين يرخّص لهم في الخروج من المشعر الحرام بعد تحقّق مسمّي الوقوف فيه منهم إلي مني- الرمي ليلًا فيما إذا كانوا معذورين من الرمي نهاراً، بل يجوز للنساء مطلقاً الرمي ليلًا، فيما إذا كان الرمي لحج أنفسهن، ولو كان الحج نيابياً،

ص: 130

وأما لو نابت المرأة عن الغير في الرمي فقط، فلا يصح منها الرمي في الليل وإن كانت عاجزة عن الرمي نهاراً، بل علي المستنيب أن يستنيب من يرمي عنه نهاراً إن وجده. وأما المرافق لهم فإن كان هو نفسه معذوراً جاز له الرمي ليلًا وإلّا وجب عليه الرمي نهاراً.

مسألة 342: المعذور من الرمي يوم العيد يجوز له الرمي ليلة العيد أو الليلة التي بعدها، وكذا المعذور من الرمي نهار يوم الحادي عشر أو الثاني عشر يجوز له الرمي ليلته أو الليلة التي بعده.

ص: 131

الفصل الخامس: ذبح الهدي

وهو الخامس من واجبات الحج، والثاني من أعمال مني.

مسألة 343: يجب علي المتمتع بالحج الهدي، وهو إحدي النعم الثلاث: الإبل والبقر والغنم من دون فرق بين الذكر والأنثي، والإبل أفضل، ولا تكفي غير المذكورات من سائر الحيوانات.

مسألة 344: الذبح عبادة يشترط فيه النية بشرائطها المتقدمة في نيّة الإحرام.

مسألة 345: يشترط في الهدي أمور:

ص: 132

الأول: السن، فيعتبر في الإبل الدخول في السنة السادسة وفي البقر الدخول في الثالثة علي الأحوط وجوباً، والمعز كالبقر، ويعتبر في الضأن الدخول في الثانية علي الأحوط وجوباً، والتحديد المذكور من جهة الصِغر فلا يجزي الأقل، وأمّا من جهة الكِبر فيجزي كبير السن من المذكورات.

الثاني: الصحة والسلامة.

الثالث: أن لا يكون هزيلًا.

الرابع: أن يكون تامّ الأعضاء فلا يجزي الناقص كالخصي وهو الذي أُخرجت خصيتاه، نعم يجزي مرضوض الخصية إلّا أن يصل حدّ الخصي، ولا يجزي مقطوع الذنب أو الأعور أو الأعرج أو مقطوع الأذن أو المكسور قرنه الداخلي. وكذا لو كان كذلك في أصل الخلقة، فلا يُجزي كل حيوان فاقدٍ لعضوٍ من الأعضاء الموجودة عادة في صنفه بحيث يُعدّ ذلك نقصاً فيه. نعم لا بأس بما يكون قرنه الخارجي مكسوراً (والقرن الخارجي بمنزلة الغلاف للقرن الداخلي) ولا بأس بما يكون مشروم

ص: 133

الأذن أو مثقوبها.

مسألة 346: إذا ذبح حيواناً معتقداً سلامته فانكشف كونه مريضاً أو ناقصاً وجب عليه ذبح هدي آخر عند التمكّن.

مسألة 347: الأحوط تأخير الذبح عن رمي جمرة العقبة.

مسألة 348: الأحوط وجوباً عدم تأخير ذبح الهدي عن يوم العيد اختياراً فإن أخّره عمداً أو سهواً أو جهلًا لعذر أم لغيره فالأحوط وجوباً ذبحه في أيام التشريق إن أمكن وإلّا ففي بقية أيّام شهر ذي الحجة من دون فرق بين الليل والنهار علي الظاهر.

مسألة 349: محل الذبح مني فإن مُنع من الذبح فيها أجزأه الذبح في المكان المعدّ له في الوقت الراهن.

مسألة 350: الأحوط وجوباً كون الذابح مؤمناً، نعم لا يبعد عدم اشتراط الإيمان فيما إذا نوي الواجب بنفسه ووكّل النائب في خصوص قطع الأوداج فقط.

مسألة 351: يشترط أن يكون الذبح بمباشرته أو

ص: 134

بوكالة منه وأما ذبح الغير عنه من دون توكيل سابق منه فمحل إشكال، فالأحوط عدم الإكتفاء به.

مسألة 352: يشترط في آلة الذبح أن تكون من الحديد، والإستيل (وهو الفولاذ الممزوج بمادة مضادة للصدأ) في حكم الحديد، ولكن إذا شك في كون آلة الذبح من الحديد فما لم يحرز كونها منه لا يجزي الذبح بها.

ص: 135

الفصل السادس: التقصير أو الحلق

وهو سادس واجبات الحج، والثالث من أعمال مني.

مسألة 353: يجب بعد الذبح الحلق أو التقصير من الشعر أو الأظفار، والتقصير متعيّن علي المرأة فلا يجزيها الحلق والأحوط أن تجمع في التقصير بين الأخذ من الشعر والظفر، وأما الرجل فيتخيّر بين الحلق والتقصير ولا يتعيّن عليه الحلق نعم إذا كان صرورةً (وهو مَن يحج للمرّة الأولي) فالأحوط له الحلق.

مسألة 354: كلّ من الحلق والتقصير من العبادات، فتجب فيهما النية الخالصة من الرياء وقصد إطاعة اللّه

ص: 136

تعالي، فإن قصّر أو حلق من دون النيّة المذكورة لم يحلّ له ما يحلّ بهما.

مسألة 355: إذا استعان بغيره للتقصير أو الحلق وجب عليه أن ينوي بنفسه.

مسألة 356: الأحوط وجوباً الحلق نهار يوم العيد، وإذا لم يأتِ به كذلك وجب عليه الإتيان به ليلة الحادي عشر أو ما بعدها، ويجزيه ذلك.

مسألة 357: لا يجب تأخير الحلق أو التقصير علي مَن أخّر الذبح عن يوم العيد لسبب ما، بل لا يبعد وجوب الإتيان بهما نهار يوم العيد، فلا يترك الاحتياط بذلك، ولكن الإتيان بطواف الحج وغيره من أعمال مكة الخمسة- في هذه الصورة- قبل الذبح محل اشكال.

مسألة 358: يجب أن يكون الحلق أو التقصير في مني فلا يجوز في غيرها اختياراً.

مسألة 359: إذا حلق أو قصّر عمداً أو نسياناً أو جهلًا خارج مني وأدّي بقية الأعمال وجب عليه الرجوع إليها لذلك وإعادة الأعمال المترتّبة عليهما، وكذا الحكم فيما إذا

ص: 137

ترك التقصير أو الحلق وخرج منها.

مسألة 360: يجب في يوم العيد رمي جمرة العقبة أولًا ثم الذبح إن تمكّن من ذبح الهدي يوم العيد في مني ثم التقصير أو الحلق فإن أخلّ عمداً بالترتيب المذكور كان عاصياً ولكن لا يجب عليه علي الظاهر إعادة الأعمال مرتّبةً وإن كانت الإعادة مع التمكّن موافقة للاحتياط، وكذا الحكم في صورتي الجهل والنسيان، وأمّا من لم يتمكّن من ذبح الهدي يوم العيد في مني، فإن تمكّن من ذبحه في نفس اليوم في المجزرة المقرّرة للذبح في الوقت الراهن الواقعة خارج مني، وجب علي الأحوط تقديم الذبح علي الحلق أو التقصير أيضاً، ثم الإتيان بأحدهما، وإن لم يتيسّر له ذلك أيضا فالأحوط وجوباً المبادرة إلي الحلق أو التقصير في يوم العيد، ويتحلّل به عن الإحرام، ولكن يؤجّل أعمال مكة الخمسة إلي ما بعد الذبح.

مسألة 361: يتحلّل المحرم بعد الحلق أو التقصير من كل ما حرّم عليه بالإحرام للحج إلّا النساء والطيب.

ص: 138

الفصل السابع: أعمال مكّة المكرّمة

الأعمال الواجبة في مكّة المعظّمة خمسة: طواف الحج ويسمّي (طواف الزيارة) وصلاته، والسعي بين الصفا والمروة، وطواف النساء وصلاته.

مسألة 362: يجوز بل يستحبّ بعد الفراغ من أعمال يوم العيد الرجوع إلي مكّة المعظّمة في نفس اليوم لأداء بقية مناسك الحج من الطوافين وصلاتيهما والسعي، ويجوز التأخير إلي آخر أيام التشريق بل إلي آخر شهر ذي الحجة.

مسألة 363: كيفية الطواف وصلاته والسعي كطواف

ص: 139

العمرة وصلاته والسعي فيها من دون فرق إلّا في النية، فينوي هنا الإتيان بها للحج.

مسألة 364: لا يجوز تقديم الأعمال المذكورة علي الوقوف بعرفات والمشعر ومناسك مني اختياراً، نعم يجوز تقديمها لطوائف:

الأولي: النساء إذا خفن طروّ الحيض أو النفاس عليهنّ بعد الرجوع إلي مكّة المعظّمة مع عدم التمكّن من البقاء إلي الطهر.

الثانية: الرجال والنساء العاجزين عن الطواف بعد الرجوع إلي مكّة المعظّمة لكثرة الزحام أو العاجزين عن أصل الرجوع إليها.

الثالثة: المرضي العاجزين عن الطواف بعد الرجوع إلي مكّة المعظّمة بسبب شدّة الزحام أو الخوف منه.

مسألة 365: إذا قدّمت إحدي الطوائف الثلاث الطوافين وصلاتيهما والسعي ثم ارتفع العذر لا يجب عليهم إعادتها وإن كانت أحوط.

مسألة 366: مَن قدّم أعمال مكّة لعذر كالطوائف

ص: 140

المتقدّمة لا يحلّ له الطيب والنساء وإنّما تحلّ له جميع المحرّمات بعد التقصير أو الحلق.

مسألة 367: طواف النساء وصلاته واجبان ولكنّهما ليسا ركنين، فلو تركهما عمداً لم يبطل حجه ولكن لا تحلّ له النساء حينئذٍ.

مسألة 368: لا يختص طواف النساء بالرجال، بل يعمّ النساء وغيرهنّ، فإن تركه الرجل لم تحلّ له النساء، وإن تركته المرأة لم يحلّ لها الرجال.

مسألة 369: لا يجوز تقديم السعي علي طواف الحج ولا علي صلاته اختياراً، ولا تقديم طواف النساء عليهما ولا علي السعي اختياراً، فلو خالف الترتيب أعاد.

مسألة 370: لو ترك طواف النساء سهواً ورجع إلي بلده فإن تمكّن من الرجوع من دون مشقّة وجب وإلّا استناب، ولا تحلّ له النساء إلّا بعد طوافه بنفسه أو بنائبه، وكذا الحكم فيما لو تركه عمداً.

مسألة 371: يحرم بالإحرام للحج ما تقدم ذكره في محرّمات الإحرام للعمرة، والتحلّل منها يحصل بالتدريج

ص: 141

وفي مواطن ثلاثة:

الأول: عقيب الحلق أو التقصير فيحلّ له كلّ شي ء إلّا الطيب والنساء حتي الصيد وإن حرم من جهة كونه في الحرم.

الثاني: بعد السعي فيحلّ له الطيب.

الثالث: بعد طواف النساء وصلاته فتحلّ له النساء.

ص: 142

الفصل الثامن: المبيت في مني

وهو الواجب الثاني عشر من واجبات الحج والرابع من أعمال مني.

مسألة 372: يجب المبيت في مني ليلة الحادي عشر والثاني عشر فإذا خرج إلي مكّة المعظّمة يوم العيد لأداء الطوافين وصلاتيهما والسعي وجب عليه الرجوع للمبيت في مني.

مسألة 373: يستثني من وجوب المبيت بمني في الليالي المذكورة طوائف منها:

أ- المرضي ومَن يعتني بهم بل كلّ مَن كان له عذر

ص: 143

تشقّ عليه البيتوتة معه في مني.

ب- مَن خاف علي ماله المعتدّ به من الضياع أو السرقة في مكّة.

ج- مَن بقي في مكّة مشتغلًا بالعبادة إلي الفجر ولم يشتغل بغيرها إلّا لضرورة كالأكل والشرب بقدر الاحتياج أو تجديد الوضوء.

مسألة 374: المبيت في مني عبادة تجب فيه النيّة بشرائطها المتقدّمة.

مسألة 375: يكفي المبيت من الغروب إلي نصف الليل، والأحوط وجوباً لمن ترك المبيت في النصف الأول من دون عذر المبيت في النصف الثاني من الليل، وإن كان لا يبعد كفاية المبيت في النصف الثاني من الليل حال الاختيار أيضاً.

مسألة 376: مَن ترك المبيت الواجب بمني من دون أن يشتغل بالعبادة في مكة المكرمة يجب عليه التكفير عن كلّ ليلة بشاة، ولا فرق في ذلك بين المعذور وغيره ولا بين الجاهل والناسي وغيرهما علي الأحوط.

ص: 144

مسألة 377: مَن جاز له النفر يوم الثاني عشر وكان في مني يجب أن ينفر بعد الزوال ولا يجوز له النفر قبله.

ص: 145

الفصل التاسع: رمي الجمار الثلاث

وهو الواجب الثالث عشر من واجبات الحج والخامس من أعمال مني. ولا يختلف رمي الجمار الثلاث في كيفيته وشروطه عمّا تقدّم في رمي جمرة العقبة (الكبري) يوم العيد.

مسألة 378: يجب رمي الجمار الثلاث أي الجمرة الأولي والوسطي والعقبة في نهار الليالي التي يجب المبيت فيها.

مسألة 379: وقت الرمي من طلوع الشمس إلي الغروب فلا يجوز الرمي في الليل اختياراً، ويستثني من

ص: 146

ذلك الراعي وكل مَن له عذر من خوف علي ماله أو عرضه أو نفسه، وكذا الضعفاء من النساء والشيوخ والصبيان الذين يخافون علي أنفسهم من شدّة الزحام، فيجوز لهؤلاء جميعاً الرمي ليلًا.

مسألة 380: من كان معذوراً عن الرمي نهاراً فقط دون الليل لا تجوز له الاستنابة بل تجب عليه مباشرة الرمي بنفسه في الليل إمّا في ليلته المتقدّمة أو في الليلة التالية وأمّا من كان معذوراً عن الرمي حتي في الليل أيضاً كالمريض مثلًا فتجوز له الإستنابة، ولكن الأحوط وجوباً فيما إذا ارتفع عذره في الليلة التالية أن يرمي هو نفسه.

مسألة 381: المعذور عن مباشرة الرمي إذا استناب للرمي، فأتي به النائب ثم ارتفع عذره قبل فوات وقت الرمي، فإن كان حين الإستنابةآيساً من ارتفاع عذره إلي أن عمل النائب عمله أجزأه عمل النائب ولا تجب عليه الإعادة بنفسه، وأما غير الآيس من ارتفاع العذر فهو وإن جازت له الإستنابة حين طروّ العذر، إلّا أنّه لو ارتفع عذره فيما بعد وجبت عليه الإعادة بنفسه.

ص: 147

مسألة 382: رمي الجمار الثلاث واجب ولكنّه ليس ركناً في الحج.

مسألة 383: يجب الترتيب في الرمي بأن يبتدئ بالجمرة الأولي ثم الوسطي ثم العقبة، فيرمي كل جمرة سبع حصيات بالكيفية المتقدّمة سابقاً.

مسألة 384: إذا نسي رمي الجمار الثلاث ونفر من مني فإن تذكّر في أيام التشريق وجب عليه الرجوع إلي مني والرمي بنفسه إن أمكنه ذلك وإلّا فيستنيب، وإن تذكر بعد أيّام التشريق أو أخّر الرمي عمداً إلي ما بعد أيّام التشريق، فالأحوط وجوباً أن يرجع ويرمي هو نفسه أو نائبه ثم القضاء من قابل ولو استنابة، وإن نسي رمي الجمار الثلاث حتي خرج من مكّة المعظّمة فالأحوط وجوبا القضاء في العام القابل ولو استنابةً.

مسألة 385: يجوز رمي الجمار من أطرافها الأربعة ولا يشترط استقبال القبلة في الأولي والوسطي ولا استدبارها في العقبة الكبري.

ص: 148

مسائل متفرقة

اشارة

س 1: يتمّ تطهير بلاط المسجد الحرام بالماء القليل، وذلك بصبّ الماء القليل علي النجاسة بحيث يحصل العلم عادة ببقاء النجاسة، فهل يصحّ السجود علي بلاط المسجد أم لا؟

ج: عادة لا يحصل بذلك العلم بنجاسة كل موضع من مواضع المسجد، والفحص غير واجب، فالسجود علي البلاط صحيح.

س 2: هل تجزي صلاة الجماعة بشكل دائري حول الكعبة؟

ج: تصحّ صلاة من يقف خلف الإمام أو إلي أحد جانبيه، والأحوط استحباباً أن يراعي من يقف في أحد جانبي الإمام البُعد الذي بين الإمام وبين البيت فلا يقف أقرب إلي البيت من الإمام، وأمّا صلاة من يقف مقابل الإمام من الجانب الآخر من البيت فلا تصح.

س 3: هل تجزي الصلاة جماعة خلف إمام من أهل السّنة في مكة المعظّمة والمدينة المنوّرة أم لا؟

ص: 149

ج: مجزية إن شاء اللّه.

س 4: مَن نوي الإقامة عشرة أيّام في مكة المعظّمة فما هو حكم صلاته في عرفات والمشعر ومني وأثناء طي المسافة بينها أيضاً؟

ج: إذا كانت من نيّته إقامة تمام العشرة في مكة المكرّمة قبل الخروج إلي عرفات وصلّي معها صلاة رباعية صحيحة، فما لم ينشي ء سفراً جديداً، يبقي علي التمام ولا يكون خروجه بعد استقرار حكم الإقامة إلي عرفات والمشعر الحرام ومني سفراً.

س 5: هل يجري حكم التخيير بين القصر والتمام في مكة والمدينة أم يختصّ ذلك في المسجد الحرام ومسجد النبي؟ وهل هناك فرق بين الأمكنة القديمة منها والجديدة، أم لا؟

ج: يجري حكم التخيير بين القصر والتمام في كلّ مكان من هذين البلدين المشرّفين، والظاهر أنّه لا فرق بين الأمكنة القديمة والجديدة، وإن كان الأحوط في هذه المسألة الاقتصار علي الأمكنة القديمة منهما، بل

ص: 150

علي المسجدين الشريفين فقط، فيصلّي قصراً إلّا أن ينوي الإقامة عشرة أيّام.

س 6: ما هو حكم حجّ مَن امتنع عن المشاركة في مسيرة البراءة من المشركين؟

ج: لا يضرّ ذلك بصحّة حجه وإن كان قد فوّت علي نفسه فضيلة المشاركة في مراسم إعلان البراءة من أعداء اللّه تعالي.

س 7: هل يجوز للحائض والنفساء الجلوس علي الجدار الواقع بين رواق المسجد الحرام والمسعي؟

علماً أنّه مشترك بينهما.

ج: لا إشكال في ذلك إلّا إذا ثبت أنّه جزء من المسجد الحرام.

س 8: ما هو حكم حجّ مَن شكّ في إدراك الوقوفين ويوم العيد من جهة الاختلاف في رؤية الهلال؟

وهل يجب عليه إعادة الحج مجدّدا أم لا؟

ج: يجزيه العمل علي وفق ثبوت هلال ذي الحجة عند القاضي من العامة وحكمه به، فإذا أدرك الوقوفين

ص: 151

تبعا للناس فقد أدرك الحج وأجزأه.

س 9: ورد في بعض الاستفتاءات أنّكم لا تجيزون إقامة الجماعات في الفنادق في مكة المكرّمة، فهل تجيزون إقامة الجماعة في المساكن والمنازل التي تنزل فيها الحملات عادة، علماً أنّ هذه الحملات تستقلّ بالمنزل، وإقامة الجماعة فلا تشكل ذريعة عند الحجاج لترك الصلاة في المسجد الحرام؟

ج: لا نجيز إقامة الجماعة في المساكن والمنازل أيضاً. فيما إذا كانت تلفت أنظار الآخرين وتوجب الشين من أجل عدم المشاركة مع المسلمين في صلاتهم في المسجد.

س 10: بعض الطرق التي شقّت والأنفاق الموصلة إلي مني والمزدلفة يستخدمها السائقون كطرق داخلية للهروب من الزحام، فيسلكون في سبيل الوصول من بعض أحياء مكة إلي أحياء اخري طرقاً تمرّ في مني، فهل يُعدّ هذا خروجاً من مكة أم لا؟

ج: الظاهر إنصراف دليل عدم جواز الخروج عن

ص: 152

مثل ذلك وكيف كان لا يضرّ ذلك بصحة العمرة وحجته.

س 11: خدمة القوافل الذين يرافقون النساء والضعفاء ليلة العيد ويفيضون من المشعر الحرام قبل الفجر معهم إذا أمكنهم العودة قبل طلوع الفجر وإدراك الوقوف الاختياري، فهل يجب عليهم ذلك أم لا؟

ولو لم يمكنهم العودة وكان بإمكانهم العودة لرمي جمرة العقبة نهاراً، فهل يجزيهم الرمي في الليل أسوة بالنساء والضعفاء أم أنهم يجب عليهم الرمي نهاراً؟

وعلي فرض العودة وإدراك الوقوف الاختياري هل يكفي ذلك في إمكانيّة استنابتهم أم أنّ مجرّد الخروج في الليل يجعهلم من المعذورين الذين لا تجوز استنابتهم؟

ج: 1- لا تجب عليهم العودة لدرك الوقوف الاختياري.

2- لا يكفيهم الرمي ليلًا إلّا إذا كانوا معذورين في الرمي نهاراً.

3- الأحوط بالنسبة إلي النائب عدم الخروج من

ص: 153

المشعر الحرام ليلًا ولو فرض عوده ودرك الاختياري من المشعر الحرام.

نعم لو فرض عدم كونه معذوراً وخروجه علي خلاف الاختيار فلا يضرّ بنيابته إذا عاد وأدرك الاختياري وتمام الواجب من الوقوف.

س 12: هل يجب لمَن رافق النساء والمرضي ليلة العيد، وبعد مُسمّي الوقوف في المزدلفة، وإيصالهم إلي مكة المكرّمة، هل يجب عليه العود إلي المزدلفة قبل الفجر، أم يكتفي بالوقوف بين الطلوعين، أم يكفيه مُسمّي الوقوف مع التعب والمشقة وإجراءات السير التي تتخذها السلطات هناك؟ وهل هناك فرق بين من يحج حجّة نيابيّة، وبين غيره؟

ج: لا يجب الوقوف بين الطلوعين علي من ينفر بالمعذورين ليراقبهم ويمرّضهم، ويجوز له الاكتفاء بالوقوف الليلي الاضطراري، نعم لا يجوز ذلك بالنسبة إلي من يحجّ حجّة نيابيّة ويجب عليه الإتيان بالاختياري من الأعمال.

ص: 154

س 13: هل يجوز اختياراً الإحرام بالنذر قبل الميقات إذ كان يعلم بأنّه سيضطرّ إلي التظلّل بسبب ذلك، كما لو أحرم من بلده بالنذر وركب الطائرة نهاراً؟

ج: يصح الإحرام بالنذر قبل الميقات ويحرم التظليل نهاراً ولا يسري حكم كل عنوان إلي عنوان آخر.

س 14: رجل يعمل في السلك العسكري وفي بعض الأحيان يكلّف بأوامر قهريّة كالذهاب إلي مكة المكرّمة فوراً في مهمّة طارئة كالحوادث مثلًا وليست لديه عمرة مسبقة ولا يستطيع أن يدخل مكة وهو محرم لضيق الوقت. هل يكون مأثوماً في هذه الحالة؟ أو هل يترتّب علي ذلك الكفارة؟

ج: يجوز له في مفروض السؤال دخول مكة المكرّمة بلا إحرامٍ ولا شي ء عليه في ذلك.

س 15: إذا دخل مكة بعمرة مفردة في شهر ذي القعدة وأراد الدخول ثانية في ذي الحجة دون أن تمضي عشرة أيام علي عمرته، فهل يلزمه الإحرام من جديد أم

ص: 155

يمكنه الدخول بلا إحرام؟

ج: نعم يلزمه الإحرام حينئذٍ علي الأحوط.

س 16: شخص يسكن جدّة ومقرّ عمله في مكّة المكرّمة أي أنّه يذهب يومياً إلي مكة دون انقطاع إلّا أيام الإجازة، أو أنّه يذهب في نصف الأسبوع، أي أنّه ثلاثة أيام يدخل في مكّة وأربعة لا يذهب فيها إلي مكة، فهل يجب عليه تجديد عمرته إذا انتهت عليه؟

ج: لا يجب عليه تجديد العمرة في مفروض السؤال.

س 17: لو انتهت العمرة وهو في مكة هل يجب عليه تجديدها؟ ومن أين؟ هل من حدود الحرم أم من مسجد التنعيم؟

ج: لا يجب عليه تجديدها مادام هو في مكّة المكرّمة، وإن أراد أن يجدّدها فعليه أن يخرج إلي أدني الحلّ من أطراف الحرم أو إلي مسجد التنعيم.

س 18: من كان عمله سائق تاكسي وطلب منه الزبون أن يذهب إلي مكة مع العلم أنّ سائق التاكسي ليست لديه

ص: 156

عمرة مسبقة، هل يجب عليه الدخول محرماً وما الحكم لو دخلها بدون إحرام؟

ج: يجب عليه في مفروض السؤال أن يحرم لدخول مكة المكرّمة ويأتي بمناسك العمرة المفردة، ولو دخل مكة بلا إحرام فعل حراماً ولكن لا شي ء من الكفارة عليه.

س 19: من طاف طوافات مستحبة في وقت الذروة بحيث يزاحم الحجّاج الذين يطوفون الواجب، هل يكون عليه إشكال، خاصة إذا كان عنده وقت متّسع للطواف المستحب؟

ج: لا إشكال فيه، نعم الأولي بل الأحوط عدم الطواف المستحب مع هذا الزحام.

س 20: من حجّ حج الإفراد وجوباً للاستطاعة، أو حجّ حج إفراد استحباباً، وكان قبلها قد اعتمر مرّات كثيرة، فهل يجب عليه عمرة جديدة، تتعلّق بهذا الحج؟

ج: لا تجب إلّا في موارد العدول عن التمتع إلي الإفراد.

ص: 157

س 21: هل يجوز لمن هو محرم لحج الإفراد بعد أن طاف طواف الحج وسعي أن يخرج من مكة إلي جدّة اختياراً ومن ثمّ يلتحق بالحجاج في عرفة مباشرة؟

ج: لا مانع من خروجه بعد الطواف والسعي إلي جدّة أو إلي مكان آخر إذا كان لا يخاف بذلك من فوت الوقوفين منه.

س 22: مقدار المسافة الشرعية التي يجوز لصاحبها حج الإفراد 16 فرسخاً، فمن أين تحسب المسافة؟

أ- هل ترون أنّ مكة قابلة للاتّساع وإن كلّ ما يطلق عليه عرفاً أنّه مكة فهو منها؟

ب- هل يحرم المكلّف الذي يعيش علي بعد أقلّ من 16 فرسخاً من مكة من منزله أم من أيّ مكان بالمدينة؟

ج- هل رأيكم في مبدأ الحساب هو آخر بلد المكلّف؟

ج: أ) تحسب المسافة من آخر بلد المكلّف إذا كان يسكن في بلد من مدينة أو قرية إلي أوّل مدينة

ص: 158

مكّة المكرّمة، وبلد مكة قابل للاتّساع، والمدار في حساب المسافة علي ما يطلق عليه عرفاً أنّه بداية بلد مكة حالياً.

ب) يجوز له الإحرام من أيّ مكان من بلده وإن كان الأولي والأحوط الإحرام من منزله.

ج) قد تقدّم آنفاً أنّ المدار في المسافة علي المسافة بين بلده وبين بلد مكّة المكرّمة الحالي وإن كان الأحوط اعتبار مبدأ المسافة من منزله.

س 23: هل يجوز للمعتمر الذي يسكن المدينة المنوّرة أو ضواحيها أن ينزل علي جدّة قاصداً مكة المكرّمة ويتّجه نحو أدني الحل كمسجد التنعيم للإحرام؟

ج: إذا كان قاصداً للعمرة من حين الخروج من المدينة المنوّرة فعليه أن يحرم من مسجد الشجرة ولا يجوز له التجاوز من الميقات بلا إحرام وإن كان قاصداً في طريقه للمرور من جدّة إلي مكة المكرّمة. ولو جاوز الميقات بلا إحرام إلي أن وصل إلي جدة، فأراد العمرة وجب عليه الذهاب إلي أحد المواقيت للإحرام منه ولا

ص: 159

يصحّ منه الإحرام من جدّة ولا من أدني الحلّ، فإنّ أدني الحل ميقات العمرة المفردة لخصوص من كان في داخل مكّة المكرّمة.

س 24: هناك خطّان يمرّان من المدينة أو ضواحيها إلي جدّة: أحدها يمرّ علي الجحفة وتثبت به المحاذاة والآخر وهو الخط السريع يمرّ علي الجحفة ولكنّه يبعد أكثر من «100» كيلومتر وفي غير خط مستقيم فهل تعتبر هذه محاذاة أم لا؟

ج: المراد بالمحاذاة وصول المتّجه نحو مكة المكرّمة أثناء الطريق إلي نقطةٍ يقع فيها الميقات إلي يمينه أو يساره، وعليه فلا فرق في نقطة المحاذاة بين الطريقين.

س 25: وفي الحالة الثانية علي فرض أنّها ليست محاذاة فهل يجوز لمن سلك هذا الطريق أن يتّجه نحو أدني الحل ويحرم للعمرة المفردة أو الحج منها؟

ج: ليس له التجاوز من الميقات ومن محاذاته بلا إحرام. ولايصحّ منه الإحرام من أدني الحل كما تقدّم آنفاً.

ص: 160

س 26: هل الذي يتوهّم الخوف علي نفسه أو عياله من الإحرام من الميقات يجوز أن يحرم من أدني الحل؟

ج: لو كان له عذر عن إنشاء الإحرام في الميقات فزال بعد التجاوز عنه وجب العود إليه للإحرام منه إن أمكن وإلّا أحرم من مكانه إن لم يكن أمامه ميقات آخر ولم يتمكّن من الذهاب إلي أحد المواقيت.

س 27: التظلّل ليلًا من المطر حال الإحرام هل يجوز أم لا؟

ج: الأحوط المراعاة.

س 28: من أحبّ أن يقرأ القرآن العظيم، أو يصلّي صلوات مستحبة، أو يجلس للدعاء، كل ذلك خلف مقام إبراهيم*، وبإمكانه الإتيان بما ذكر في مواضع اخري من المسجد الحرام، فهل يجوز له ذلك مع وجود الزحام بحيث يضايق الذين يصلّون صلاة الطواف الواجبة؟

ج: الأولي بل الأحوط الإتيان بالمذكورات في غير مكان الزحام.

س 29: هل يجوز للحاج (ذكر أو انثي) مسح وجهه

ص: 161

بالمنشفة لإزالة الماء في حال الإحرام؟

ج: لا بأس في ذلك للرجل مطلقاً ولا للمرأة إذا لم يصدق عليه تغطية الوجه بأن كان ذلك بإمرار المنشفة شيئاً فشيئاً علي وجهها، وإلّا فلا يجوز لها ذلك، وعلي كلّ حال فلا كفارة في تغطية الوجه.

س 30: في الحج يجوز للحاج بدل المبيت في مني أن يقضي ليله بالعبادة في مكة المكرمة «في الحرم» فهل الأكل أو الغسل أو قضاء الحاجة أو الضرورة أو تشييع المؤمنين تعتبر فاصلًا يبطل الاشتغال بالعبادة؟

ج: الاشتغال بالأكل والشرب بقدر الحاجة والخروج لقضاء الحاجة وتجديد الوضوء أو للغسل الواجب لا يضرّ بالاشتغال بالعبادة.

س 31: وإن كان الاشتغال في السؤال المتقدم يبطل العبادة فهل تلزمه الكفارة؟

ج: إذا اشتغل ولو في مكّة المكرّمة بما ليس عبادة ولم يكن ممّا يعدّ من الضروريات مثل الأكل والشرب وقضاء الحاجة وجبت عليه الكفارة.

ص: 162

س 32: هل يكفي تحصيل الاستطاعة للحج بتوفير المال لأشهر عديدة؟ خصوصاً إذا كان يعلم بأنّه لن يستطيع إلّا من هذا الطريق؟

ج: لا يجب تحصيل الاستطاعة، ولكن لا مانع منه لمن يريد أن يحجّ حجّة الإسلام بأن يحصل المال من أيّ طريق مشروع. أو يدخّر من عوائده إلي أن يجمع ما يكفي لمؤنة حجّه، إلّا أنّه لو ادّخر من عوائده حتي حال عليه حوله الخمسي، وجب عليه أداء خمسه.

س 33: هل تعتبر زيارة الوالدين ضرورة اجتماعية أو شرعية أو نفسية؟ وإذا كانت كذلك فهل يجوز تأخير أداء الحج للمستطيع إذا أراد إنفاق المال علي الزيارة مع استلزامها للسفر ونحوه؟

ج: يجب علي المستطيع أن يحجّ، ولا يجوز له أن يخرج نفسه عن الاستطاعة، ولا ينحصر صلة الرحم بالزيارة بل يمكن تفقّد حال الرحم وصلته بطرق أخري أيضاً من إرسال الرسالة أو المكالمة بالهاتف ونحو ذلك، نعم لو كانت زيارة الوالدين في بلد آخر لازمة

ص: 163

عليه بحسب حاله وحالهما بحيث تعدّ من حوائجه العرفية، ولم يكن ما لديه من الأموال وافياً بمؤنة الزيارة ومؤنة الحج معاً، فهو ليس بمستطيع للحج والحال هذه.

س 34: إذا صارت المرضعة مستطيعة فلو تضرّر الرضيع من سفرها للحج فهل يجوز لها تركه؟

ج: لو كان التضرّر بنحوٍ يجب علي المرضعة البقاء عند الرضيع أو كان بحيث تقع المرضعة في حرج لا يجب الحج عليها.

س 35: المرأة التي تملك مقداراً من الحلي ذهباً وتلبسها ولم يكن عندها مال آخر فلو باعته تتمكّن من الحج، فهل حلي النساء يستثني من الاستطاعة، أم يجب عليها بيعه لنفقة الحج وتكون بذلك مستطيعة؟

ج: لو كانت الحلّي ممّا تلبسها ولم تكن زائدة عن شأنها لا يجب عليها بيعها للحج ولا تكون مستطيعة.

س 36: امرأة مستطيعة للحج لكن زوجها لا يأذن لها فيه فما هي وظيفتها؟

ج: لا يعتبر إذن الزوج في الحج الواجب، نعم لو

ص: 164

كانت الزوجة تقع في حرج إذا لم يأذن الزوج وذهبت من دون إذنه لا تكون مستطيعة ولا يجب عليها الحج.

س 37: إذا كان زوجي قد وعدني أثناء عقد الزواج بأن يسافر بي إلي الحج فهل استقر في ذمتي الحج؟

ج: بهذا المقدار لا يستقرّ الحج في الذمة.

س 38: هل يجوز التضييق في الحاجة الضرورية من أجل تحصيل الاستطاعة للحج؟

ج: يجوز ذلك لكنّه غير واجب شرعاً. هذا إذا كان التضييق علي نفسه وأمّا علي العيال الواجبي النفقة فلا يجوز التضييق عن المتعارف.

س 39: لم تكن التزاماتي واهتماماتي الدينية بالشكل المطلوب سابقاً وقد كانت عندي أموال تكفي لسفر الحج (أي كنت مستطيعاً) ولكن وبسبب وضعي السابق لم أذهب إلي الحج. فما هو حكمي فعلا، علماً إني لا أملك المبالغ اللازمة كما أنّ هناك طريقين؛ طريق التسجيل عن طريق مؤسسة الحج، وطريق آخر بتكاليف أكبر فهل يكفي أن أسجل لدي الدولة؟

ص: 165

ج: إذا كنت مستطيعاً سابقاً ومتمكناً من السفر لأداء فريضة الحج، ومع ذلك أخّرت الحج، فقد استقر عليك الحج، ويجب عليك الذهاب بأيّ طريق ممكن مشروع ما لم تقع في العسر والحرج، وإن لم تكن مستطيعاً من تمام الجهات لا يجب عليك الحج في مفروض السؤال.

س 40: عندما يتنجّس المسجد الحرام بالدم أو البول، ويقوم العمّال المكلّفون بتطهيره بطريقة غير مُطهّرة. فما هو حكم الصلاة التي تُصلّي علي أرض المسجد مع وجود الرطوبة وبدونها؟

ج: لا بأس بالصلاة مع عدم العلم بنجاسة محلّ السجود.

س 41: هل يصحّ السجود علي السجاد في المسجد النبوي الشريف، خصوصاً في الروضة الشريفة حيث أن وضع شي ء يصح السجود عليه كالورق أو السجاد المصنوع من الأسل يلفت الانتباه ويعرض المصلي للنظرات كما يتيح الفرصة للمخالفين الاستهزاء به؟

ص: 166

ج: لايجوز وضع شي ء ممّا يصح السجود عليه إذا كان مخالفاً للتقيّة ويجب عليه أن يتحرّي مكاناً يقدر فيه علي السجود علي أحجار المسجد أو علي شي ء آخر ممّا يصح السجود عليه إن أمكنه ذلك، وإلّا فيجوز له السجود علي السجاد تقيّةً.

س 42: ما حكم الخروج من المسجدين الشريفين حال الأذان والإقامة في حين أنّ إخواننا السنة يتّجهون نحو المسجدين ويدور بينهم حديث حول خروجنا في مثل هذا الوقت؟

ج: لا يجوز ذلك فيما لو عدّ في نظر الآخرين استخفافاً بإقامة الصلاة في أول وقتها لا سيّما فيما إذا كان فيه الشين علي المذهب.

س 43: توجّه شخص إلي نجاسة إحرامه حال العمل بعد رجوعه إلي بلده، فهل هو خارج عن الإحرام أم لا؟

ج: نعم خرج عن الإحرام وصحّ الطواف والحج مع فرض الجهل بالموضوع أي وجود النجس في إحرامه حال العمل.

ص: 167

س 44: هل يجوز للمكلف الذي استناب من يذبح عنه أن يقصر أو يحلق قبل عود النائب وإخباره أنّ الذبيحة قد ذُبحت؟

ج: يجب عليه الانتظار إلي حين كشف تحقّق الذبح من النائب، ولكن لو استعجل في الحلق أو التقصير فصادف أن كان قبل تحقق الذبح من النائب صحّ عمله ولا يجب عليه الاعادة.

س 45: هل يجوز للمكلف الذي استناب من يذبح عنه أن ينام قبل وصول خبر الذبح من النائب إليه؟

ج: لا مانع من ذلك.

س 46: في الوقت الراهن لا يمكن ذبح الهدي في مني، بل عيّنوا له مكاناً أخر في خارج مني بقرب منه، ومن جانب آخر لحوم الأضاحي التي تبذل لها أموال طائلة، يقال إنّها تطرح في مكانها وتفسد وتذهب هدراً، في حين يمكن إعطائها للفقراء المحتاجين، لو ذبحت في بلاد أخري، فهل يجوز للحاج أن يذبح في بلده ويواعد من يذبح عنه يوم العيد أو في بلاد أخري وبواسطة التلفون أو

ص: 168

لابدّ من الذبح في المحل المعهود؟ وهل يجوز الرجوع في هذه المسألة لمن يجيز ذلك كما ينقل عن بعض الأعلام؟

ج: لا يجوز ذلك ولا ذبح إلّا بمني ومع عدم إمكانه يذبح في محلٍ يذبح فيه فعلًا حفظاً لشعائر الذبح فإن البُدن من شعائر اللّه.

س 47: هل يجوز ذبح الأضاحي للحجّاج خارج حرم مكة المكرّمة بعد منع السلطات الذبح داخل مني وهل يجزي الذبح داخل مكة؟

ج: لا يجزي ذبح هدي الحج إلّا في مني، نعم إن منع من الذبح فيها يجزي الذبح في المكان المعدّ له. كما يجزي في هذه الصورة الذبح في داخل مكة إذا كان في البعد عن مني بقدر بعد المكان المعدّ له عنه أو أقلّ.

س 48: توجد جمعيات خيرية تقوم بذبح الهدي نيابة عن الحاج وتسليم الهدي للفقراء المحتاجين، ما هو رأي سماحة ولي أمر المسلمين في ذلك وهل هناك شروط يراها سماحته في ذلك؟

ص: 169

ج: لابدّ من إحراز شرائط الذبح المذكورة في المناسك.

س 49: هل يجوز تسليم الهدي بعد الذبح لإحدي الجمعيات الخيرية لتقوم بدورها بتسليمه للفقراء؟

ج: لا بأس به.

س 50: في السعي بين الصفا والمروة يكون هناك تجمع كثير من الناس عند جبلي الصفا والمروة بشكل يسبِّب الزحام للساعين، فهل يجب علي الساعي أن يصل في كل شوط إلي الجبل ذاته وعينه أم يكفي المرتفع الرخامي الأول الذي يبدأ مع نهاية ممرّ العجزي الذين لا يستطيعون المشي؟

ج: يكفيه الصعود إلي حدّ يصدق معه أنّه وصل إلي الجبل وسعي تمام ما بين الجبلين.

س 51: هل يجزي طواف نساء واحدة لعمرة مفردة، وحج تمتع؟

ج: لكل من العمرة المفردة والحج طواف نساء مستقل، فلا يجزي طواف واحد عن طوافهما، نعم لا

ص: 170

يبعد كفاية طواف واحد في حصول التحلل.

س 52: من بات في مني ليلة الثاني عشر وأفاض بعد منتصف الليل، هل يجب عليه أن يرجع إليها قبل الزوال ليتحقق منه النفر الواجب بعد الزوال لمن كان هناك؟ وهل من مانع أن يقصد مني عند الصباح، ويرمي جمراته، ثم يرجع إلي مكّة المكرمة أم يجب عليه البقاء؟ خاصّة أنّه قادرٌ اختياراً علي رمي جمراته بعد الظهر، والخروج من مني قبل المغرب.

ج: الواجب أن يكون النفر بعد الزوال لمن كان في مني، ولو بأن يجيئ من مكة بعد الزوال لرمي الجمرات وينفر بعد الرمي قبل الغروب، فيجوز الذهاب إلي مكة بعد منتصف الليل ولكن يرجع يوم الثاني عشر لرمي الجمرات وينفر بعد الزوال.

س 53: رسالة مناسك الحج للسيد الگلبايگاني قدّس اللّه نفسه الزكية تحتوي علي الكثير من المستحبات المتعلّقة بمناسك الحج، فما هو رأي سماحة وليّ أمر المسلمين في العمل بهذه المستحبات؟

ص: 171

ج: لا بأس بالعمل بها بقصد الرجاء.

س 54: هل يجوز الوضوء من ماء زمزم المخصّص للشرب؟

ج: مشكل لابدّ من مراعاة الاحتياط.

ص: 172

دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة

ومن دعوات هذا اليوم المشهورات دعاء سيّد الشّهداء عليه السلام.

روي بشر وبشير ابنا غالب الأسدي قالا: كنّا مع الحسين بن علي عليهما السلام عشيّة عرفة، فخرج عليه السلام من فُسطاطه متذلّلًا خاشعاً، فجعل يمشي هوناً هوناً حتّي وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل مستقبل البيت، ثمّ رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين، ثمّ قال:

«الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ، وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ، وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ، وَهُوَ الْجَوادُ الْواسِعُ، فَطَرَ أَجْناسَ الْبَدائِعِ، وَأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعَ، لا تَخْفي عَلَيْهِ الطَّلائِعُ، وَلا تَضِيعُ عِنْدَهُ الْوَدائِعُ، جازِي كُلِ صانِعٍ، وَرائِشُ كُلِ قانعٍ، وَراحِمُ كُلِ ضارِ عٍ، وَمُنْزِلُ الْمَنافِعِ، وَالْكِتابِ الْجامِعِ، بِالنُّورِالسَّاطِعِ، وَهُوَلِلدَّعَواتِ سامِعٌ، وَلِلْكُرُباتِ دافِعٌ، وَلِلدَّرَجاتِ رافِعٌ، وَلِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ، فَلا

ص: 173

إِلهَ غَيْرُهُ، وَلا شَيْ ءَ يَعْدِلُهُ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ، وَهُوَالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ، اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَهُوَ عَلي كُلِ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ إِنِي أَرْغَبُ إِلَيْكَ، وَأَشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ، مُقِرّاً بِأَنَّكَ رَبِي، وَإِلَيْكَ مَرَدِ ي، ابْتَدَأْتَنِي بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أَنْ أَكُونَ شَيْئاً مَذْكُوراً، وَخَلَقْتَنِي مِنَ التُّرابِ، ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي الْأَصْلابَ، آمِناً لِرَيْبِ الْمَنُونِ، وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ والسِنِينَ، فَلَمْ أَزَلْ ظاعِناً مِنْ صُلْبٍ إِلي رَحِمٍ، فِي تَقادُمٍ مِنَ الْأَيَّامِ الْماضِيَةِ، وَالْقُرُونِ الْخالِيَةِ، لَمْ تُخْرِجْنِي لِرَأْفَتِكَ بِي، وَلُطْفِكَ لِي، وَإِحْسانِكَ إِلَيَّ، فِي دَوْلَةِ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ، الَّذِينَ نَقَضُواعَهْدَكَ، وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ، لكِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي رَأْفَةًمِنْكَ وَتَحَنُّناً عَلَيَّ لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الْهُدي، الَّذِي لَهُ يَسَّرْتَنِي، وَفِيهِ أَنْشَأْتَنِي، وَمِنْ قَبْلِ ذلِكَ رَؤُفْتَ بِي بِجَمِيلِ صُنْعِكَ، وَسَوابِغِ نِعَمِكَ، فَابْتَدَعْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيٍّ يُمْني، وَأَسْكَنْتَنِي فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ، مِنْ بَيْنَ لَحْمٍ وَدَمٍ وَجِلْدٍ، لَمْ تُشْهِدْنِي خَلْقِي، وَلَمْ تَجْعَلْ لِي شَيْئاًمِنْ أَمْرِي، ثُمَّ أَخْرَجْتَنِي لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الْهُدي إِلَي الدُّنْيا تامّاً سَوِيّاً، وَحَفِظْتَنِي فِي الْمَهْدِ طِفْلًا صَبِيّاً، وَرَزَقْتَنِي مِنَ

ص: 174

الْغِذاءِ لَبَناً مَرِيّاً، وَعَطَفْتَ عَلَيَّ قُلُوبَ الْحَواضِنِ، وَكَفَّلْتَنِي الْأُمَّهاتِ الرَّواحِمَ، وَكَلَأْتَنِي مِنْ طَوارِقِ الْجانِ، وَسَلَّمْتَنِي مِنَ الزِ يادَةِ وَالنُّقْصانِ، فَتَعالَيْتَ يا رَحِيمُ يا رَحْمانُ. حَتّي إِذَا اسْتَهْلَلْتُ ناطِقاً بِالْكَلامِ، أَتْمَمْتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الْإِنْعامِ، وَرَبَّيْتَنِي زائِداً فِي كُلِ عامٍ، حَتّي إِذَا اكْتَمَلَتْ فِطْرَتِي، وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتِي، أَوْجَبْتَ عَلَيَ حُجَّتَكَ، بِأَنْ أَلْهَمْتَنِي مَعْرِفَتَكَ، وَرَوَّعْتَنِي بِعَجائِبِ حِكْمَتِكَ، وَأَيْقَظْتَنِي لِما ذَرَأْتَ فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلْقِكَ، وَنَبَّهْتَنِي لِشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ، وَأَوجَبْتَ عَلَيَّ طاعَتَكَ وَعِبادَتَكَ، وَفَهَّمْتَنِي ما جاءَتْ بِهِ رُسُلُكَ، وَيَسَّرْتَ لِي تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ، وَمَنَنْتَ عَلَيَّ فِي جَمِيعِ ذلِكَ بِعَونِكَ وَلُطْفِكَ. ثُمَّ إِذْ خَلَقْتَنِي مِنْ حَرِّ الثَّري، لَمْ تَرْضَ لِي يا إِلهِي نِعْمَةً دُونَ أُخْري، وَرَزَقْتَنِي مِنْ أَنْواعِ الْمَعاشِ، وَصُنُوفِ الرِ ياشِ بِمَنِكَ الْعَظِيمِ الْأَعْظَمِ عَلَيَّ، وَإِحْسانِكَ الْقَدِيمِ إِلَيَّ. حَتّي إِذا أَتْمَمْتَ عَلَيَّ جَمِيعَ النِعَمِ، وَصَرَفْتَ عَنِي كُلَّ النِقَمِ، لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلِي وَجُرْأَتِي عَلَيْكَ أَنْ دَلَلْتَنِي إِلي ما يُقَرِبُنِي إِلَيْكَ، وَوَفَّقْتَنِي لِما يُزْلِفُنِي لَدَيْكَ، فَإِنْ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي، وَإِنْ سَأَلْتُكَ أَعْطَيْتَنِي، وَإِنْ

ص: 175

أَطَعْتُكَ شَكَرْتَنِي، وَإِنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَنِي، كُلُّ ذلِكَ إِكْمالٌ لِأَنْعُمِكَ عَلَيَّ، وَإِحْسانِكَ إِلَيَّ، فَسُبْحانَكَ سُبْحانَكَ، مِنْ مُبْدِئٍ مُعِيدٍ حَمِيدٍ مجِيدٍ، تَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ، وَعَظُمَتْ آلاؤُكَ، فَأَيُّ نِعَمِكَ يا إِلهِي أُحْصِي عَدَداً وَذِكْراً، أَمْ أَيُّ عَطاياكَ أَقُومُ بِها شُكْراً، وَهِيَ يا رَبِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهَا الْعادّوُنَ، أَوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِهَا الْحافِظُونَ، ثُمَّ ما صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنِي اللَّهُمَّ مِنَ الضُرِ وَالضَّرَّاءِ أَكْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنَ الْعافِيَةِ وَالسَّرَّاءِ. فَأَنَا أَشْهَدُ يا إِلهِي بِحَقِيقَةِ إِيمانِي، وَعَقْدِ عَزَماتِ يَقِينِي، وَخالِصِ صَرِيحِ تَوْحِيدِي، وَباطِنِ مَكْنُونِ ضَمِيرِي، وَعَلائِقِ مَجارِي نُورِ بَصَرِي، وَأَسارِيرِ صَفْحَةِ جَبِينِي، وَخُرْقِ مَسارِبِ نَفَسِي، وَخَذارِيفِ مارِنِ عِرْنِينِي، وَمَسارِبِ صِماخِ سَمْعِي، وَما ضُمَّتْ وَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتايَ، وَحَرَكاتِ لَفْظِ لِسانِي، وَمَغْرَزِ حَنَكِ فَمِي وَفَكِي، وَمَنابِتِ أَضْراسِي، وَمَساغِ مَطْعَمِي وَمَشْرَبِي، وَحِمالَةِ أُمِ رَأْسِي، وَبُلُوغِ فارِغِ حَبائِلِ عُنُقِي. وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ تامُورُ صَدْرِي، وَحَمائِلِ حَبْلِ وَتِينِي، وَنِياطِ حِجابِ قَلْبِي، وَأَفْلاذِ حَواشِي كَبِدِي. وَما حَوَتْهُ شَراسِيفُ أَضْلاعِي، وَحِقاقُ

ص: 176

مَفاصِلِي، وَقَبضُ عَوامِلِي، وَأَطرافُ أَنامِلِي وَلَحْمِي وَدَمِي، وَشَعْرِي وَبَشَرِي، وَعَصَبِي وَقَصَبِي، وَعِظامِي وَمُخِي وَعُرُوقِي، وَجَمِيعُ جَوارِحِي، وَمَا انْتَسَجَ عَلي ذلِكَ أَيَّامَ رِضاعِي، وَما أَقَلَّتِ الْأَرْضُ مِنِي، وَنَوْمِي وَيقْظَتِي وَسُكُونِي، وَحَرَكاتِ رُكُوعِي وَسُجُودِي، أَنْ لَوْ حاوَلْتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدَي الْأَعصارِ وَالْأَحْقابِ لَوْ عُمِرْتُها أَنْ أُؤَدِيَ شُكْرَ واحِدَةٍ مِنْ أَنْعُمِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ذلِكَ، إِلّا بِمَنِكَ، الْمُوجَبِ عَلَيَّ بِهِ شُكْرُكَ أَبَداً جَدِيداً، وَثَناءً طارِفاً عَتِيداً. أَجَلْ، وَلَوْ حَرَصْتُ أَنَا وَالْعادُّونَ مِنْ أَنامِكَ، أَنْ نُحْصِيَ مَدي إِنْعامِكَ، سالِفِهِ وَآنِفِهِ ما حَصَرْناهُ عَدَداً، وَلا أَحْصَيناهُ أَمَداً. هَيْهاتَ أَنّي ذلِكَ وَأَنْتَ الْمُخْبِرُ فِي كِتابِكَ النَّاطِقِ، وَالنَّبَأِ الصَّادِقِ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَاللَّهِ لا تُحْصُوها، صَدَقَ كِتابُكَ اللَّهُمَّ وَ نَبَؤُكَ، وَبَلَّغَتْ أَنْبِياؤُكَ وَرُسُلُكَ، ما أَنْزَلْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَحْيِكَ، وَشَرَعْتَ لَهُمْ وَبِهِمْ مِنْ دِينِكَ. غَيْرَ أَنِي يا إِلهِي أَشْهَدُ بِجُهْدِي وَجِدِي، وَمَبْلَغِ طاقَتِي وَوُسْعِي، وَأَقُولُ مُؤْمِناً مُوقِناً، الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فَيَكُونَ مَوْرُوثاً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ فَيُضادَّهُ فِيمَا ابْتَدَعَ، وَلا وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ

ص: 177

فَيُرْفِدَهُ فِيما صَنَعَ، فَسُبْحانَهُ سُبْحانَهُ، لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا وَتَفَطَّرَتا. سُبْحانَ اللَّهِ الْواحِدِ الْأَحَدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، الْحَمْدُ للَّهِ حَمْداً يُعادِلُ حَمْدَ مَلآئِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنْبِيائِهِ الْمُرْسَلِينَ. وَصَلَّي اللَّهُ عَلي خِيَرَتِهِ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِينَ، وَآلِهِ الطَّيِبِينَ الطَّاهِرِينَ الْمُخْلَصِينَ».

ثمّ اندفع في المسألة واجتهد في الدّعاء، وقال وعيناه سالتا دموعاً:

«اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشاكَ كَأَنِي أَراكَ، وَأَسْعِدْنِي بِتَقْواكَ، وَلا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ، وَخِرْ لِي فِي قَضائِكَ، وَبارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ، حَتّي لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ ماأَخَّرْتَ، وَلا تَأْخِيرَ ما عَجَّلْتَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ غِنايَ فِي نَفْسِي، وَالْيَقِينَ فِي قَلْبِي، وَالْإِخْلاصَ فِي عَمَلِي، وَالنُّورَ فِي بَصَرِي، وَالْبَصِيرَةَ فِي دِينِي، وَمَتِعْنِي بِجَوارِحِي، وَاجْعَلْ سَمْعِي وَبَصَرِيَ الْوارِثَيْنِ مِنِي، وَانْصُرْنِي عَلي مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي فِيهِ ثارِي وَمَآرِبِي، وَأَقِرَّ بِذلِكَ عَيْنِي.

اللَّهُمَّ اكْشِفْ كُرْبَتِي، وَاسْتُرْ عَوْرَتِي، وَاغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَاخْسَأْ شَيْطانِي، وَفُكَّ رِهانِي، وَاجْعَلْ لِي يا إِلهِي الدَّرَجَةَ الْعُلْيا فِي

ص: 178

الْآخِرَةِ وَالْأُولي. اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَما خَلَقْتَنِي فَجَعَلْتَنِي سَمِيعاً بَصِيراً، وَلَكَ الْحَمْدُ كَما خَلَقْتَنِي فَجَعَلْتَنِي خَلْقاً سَوِيّاً رَحْمَةً بِي، وَقَدْ كُنْتَ عَنْ خَلْقِي غَنِيّاً، رَبِ بِمابَرَأْتَنِي فَعَدَّلْتَ فِطْرَتِي، رَبِ بِما أَنْشَأْتَنِي فَأَحْسَنْتَ صُورَتِي، رَبِ بِما أَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَفِي نَفْسِي عافَيْتَنِي، رَبِ بِما كَلَأْتَنِي وَوَفَّقْتَنِي، رَبِ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَهَدَيْتَنِي، رَبِ بِما أَوْلَيْتَنِي وَمِنْ كُلِ خَيْرٍ أَعْطَيْتَنِي، رَبِ بِما أَطْعَمْتَنِي وَسَقَيْتَنِي، رَبِ بِما أَغْنَيْتَنِي وَأَقْنَيْتَنِي، رَبِ بِما أَعَنْتَنِي وَأَعْزَزْتَنِي، رَبِ بِما أَلْبَسْتَنِي مِنْ سِتْرِكَ الصَّافِي، وَيَسَّرْتَ لِي مِنْ صُنْعِكَ الْكافِي، صَلِ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَعِنِي عَلي بَوائِقِ الدُّهُورِ، وَصُرُوفِ اللَّيالِي وَالْأَيَّامِ، وَنَجِنِي مِنْ أَهْوالِ الدُّنْيا وَكُرُباتِ الْآخِرَةِ، وَاكْفِنِي شَرَّ ما يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ فِي الْأَرْضِ. اللَّهُمَّ ما أَخافُ فَاكْفِنِي، وَما أَحْذَرُ فَقِنِي، وَفِي نَفْسِي وَدِينِي فَاحْرُسْنِي، وَفِي سَفَرِي فَاحْفَظْنِي، وَفِي أَهْلِي وَمالِي فَاخْلُفْنِي، وَفِي ما رَزَقْتَنِي فَبارِكْ لِي، وَفِي نَفْسِي فَذَلِلْنِي، وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ فَعَظِمْنِي، وَمِنْ شَرِ الْجِنِ وَالْإِنْسِ فَسَلِمْنِي، وَبِذُ نُوبِي فَلا تَفْضَحْنِي وَبِسَرِيرَتِي فَلا تُخْزِنِي، وَبِعَمَلِي فَلا

ص: 179

تَبْتَلِنِي، وَنِعَمَكَ فَلا تَسْلُبْنِي، وَإِلي غَيْرِكَ فَلا تَكِلْنِي، إِلهِي إِلي مَنْ تَكِلُنِي، إِلي قَرِيبٍ فَيَقْطَعُنِي، أَمْ إِلي بَعيدٍ فَيَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إِلَي الْمُسْتَضْعَفِينَ لِي، وَأَنْتَ رَبِي وَمَلِيكُ أَمْرِي، أَشْكُو إِلَيْكَ غُرْبَتِي، وَبُعْدَ دارِي، وَهَوانِي عَلي مَنْ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي. إِلهِي فَلا تُحْلِلْ عَلَيَّ غَضَبَكَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَيَّ فَلا أُبالِي سِواكَ، سُبْحانَكَ غَيْرَ أَنَّ عافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، فَأَسْأَ لُكَ يا رَبِ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الْأَرْضُ وَالسَّماواتُ، وَكُشِفَتْ بِهِ الظُّلُماتُ، وَصَلُحَ بِهِ أَمْرُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، أَنْ لا تُمِيتَنِي عَلي غَضَبِكَ، وَلا تُنْزِلْ بِي سَخَطَكَ، لَكَ الْعُتْبي حَتّي تَرْضي قَبْلَ ذلِكَ. لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، رَبَّ الْبَلَدِ الْحَرامِ وَالْمَشْعَرِ الْحَرامِ، وَالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، الَّذِي أَحْلَلْتَهُ الْبَرَكَةَ، وَجَعَلْتَهُ لِلنَّاسِ أَمْنَاً، يا مَنْ عَفا عَنْ عَظِيمِ الذُّنُوبِ بِحِلْمِهِ، يا مَنْ أَسْبَغَ النَّعْماءَ بِفَضْلِهِ، يا مَنْ أَعْطَي الْجَزِيلَ بِكَرَمِهِ، يا عُدَّتِي فِي شِدَّتِي، يا صاحِبِي فِي وَحْدَتِي، يا غِياثِي فِي كُرْبَتِي، يا وَلِيِي فِي نِعْمَتِي، يا إِلهِي وَإِلهَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ، وَرَبَّ جَبْرَئِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرافِيلَ، وَربَّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِينَ وَآلِهِ الْمُنْتَجَبِينَ، وَمُنْزِلَ

ص: 180

التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقانِ، وَمُنَزِلَ كهيعص، وَطه وَيس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، أَنْتَ كَهْفِي حِينَ تُعِيينِي الْمَذاهِبُ فِي سَعَتِها، وَتَضِيقُ بِيَ الْأَرْضُ بِرُحْبِها، وَلَوْلا رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ الْهالِكِينَ، وَأَنْتَ مُقِيلُ عَثْرَتِي، وَلَوْلا سَتْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ، وَأَنْتَ مُؤَيِدِي بِالنَّصْرِ عَلي أَعْدائِي، وَلَوْلا نَصْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِينَ. يا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالْسُّمُوِ وَالرِفْعَةِ، فَأَوْلِياؤُهُ بِعِزِهِ يَعْتَزُّونَ، يا مَنْ جَعَلَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ عَلي أَعْناقِهِمْ، فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خائِفُونَ، يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ، وَغَيْبَ ما تَأْتِي بِهِ الْأَزْمِنَةُ وَالدُّهُورُ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إِلّا هُوَ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ ماهُوَ إِلّا هُوَ، يامَنْ لايَعْلَمُ ما يَعْلَمُهُ إِلّا هُوَ، يا مَنْ كَبَسَ الْأَرْضَ عَلَي الْماءِ، وَسَدَّ الْهَواءَ بِالسَّماءِ، يا مَنْ لَهُ أَكْرَمُ الْأَسْماءِ، يا ذَا الْمَعْرُوفِ الَّذِي لا يَنْقَطِعُ أَبَداً، يا مُقَيِضَ الرَّكْبِ لِيُوسُفَ فِي الْبَلَدِ الْقَفْرِ، وَمُخْرِجَهُ مِنَ الْجُبِ وَجاعِلَهُ بَعْدَ الْعُبُودِيَّةِ مَلِكاً، يا رآدَّهُ عَلي يَعْقُوبَ بَعْدَ أَنِ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَكَظِيمٌ، يا كاشِفَ الضُّرِ وَالْبَلْوي عَنْ أَيُّوبَ، وَمُمْسِكَ يَدَيْ إِبْراهِيمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ كِبَرِ سِنِهِ، وَفَناءِ

ص: 181

عُمُرِهِ، يا مَنِ اسْتَجابَ لِزَكَرِيَّا فَوَهَبَ لَهُ يَحْيي، وَلَمْ يَدَعْهُ فَرْداً وَحِيداً، يامَنْ أَخْرَجَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ، يا مَنْ فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرائِيلَ فَأَنْجاهُمْ، وَجَعَلَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ مِنَ الْمُغْرَقِينَ، يا مَنْ أَرْسَلَ الرِياحَ مُبَشِراتٍ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، يا مَنْ لَمْ يَعْجَلْ عَلي مَنْ عَصاهُ مِنْ خَلْقِهِ، يا مَنِ اسْتَنْقَذَ السَّحَرَةَ مِنْ بَعْدِ طُولِ الْجُحُودِ، وَقَدْ غَدَوْا فِي نِعْمَتِهِ يَأْكُلُونَ رِزْقَهُ، وَيَعْبُدُونَ غَيْرَهُ، وَقَدْ حادُّوهُ وَنادُّوهُ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ. يا اللَّهُ يا اللَّهُ يا بَدِيُ يا بَدِيعُ، لا نِدَّ لَكَ، يا دائِمُ لا نَفَادَ لَكَ، يا حَيُّ حِينَ لا حَيَّ، يا مُحْيِيَ الْمَوْتي، يا مَنْ هُوَ قائِمٌ عَلي كُلِ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، يا مَنْ قَلَّ لَهُ شُكْرِي فَلَمْ يَحْرِمْنِي، وَعَظُمَتْ خَطِيئَتِي فَلَمْ يَفْضَحْنِي، وَرَآنِي عَلَي الْمَعاصِي فَلَمْ يَشْهَرْنِي، يا مَنْ حَفِظَنِي فِي صِغَرِي، يا مَنْ رَزَقَنِي فِي كِبَرِي، يا مَنْ أَيادِيهِ عِنْدِي لاتُحْصي، وَنِعَمُهُ لاتُجازي، يامَنْ عارَضَنِي بِالْخَيْرِ وَالْإِحْسانِ، وَعارَضْتُهُ بِالْإِساءَةِ وَالْعِصْيانِ، يامَنْ هَدانِي لِلْإِيمانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَعْرِفَ شُكْرَ الامْتِنانِ، يا مَنْ دَعَوْتُهُ مَرِيضاً فَشَفانِي، وَعُرْياناً فَكَسانِي، وَجائِعاً فَأَشْبَعَنِي، وَعَطْشانَ فَأَرْوانِي، وَذَلِيلًا فَأَعَزَّنِي، وَجاهِلًا فَعَرَّفَنِي، وَوَحِيداً

ص: 182

فَكَثَّرَنِي، وَغائِباً فَرَدَّنِي، وَمُقِلّاً فَأَغْنانِي، وَمُنْتَصِراً فَنَصَرَنِي، وَغَنِيّاً فَلَمْ يَسْلُبْنِي، وَأَمْسَكْتُ عَنْ جَمِيعِ ذلِكَ فَابْتَدَأَنِي.

فَلَكَ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ، يامَنْ أَقالَ عَثْرَتِي، وَنَفَّسَ كُرْبَتِي، وَأَجابَ دَعْوَتِي، وَسَتَرَ عَوْرَتِي، وَغَفَرَ ذُ نُوبِي، وَبَلَّغَنِي طَلِبَتِي، وَنَصَرَنِي عَلي عَدُوِي، وَإِنْ أَعُدَّ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَ كَرائِمَ مِنَحِكَ لا أُحْصِيها.

يا مَوْلايَ أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَنْعَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَحْسَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَجْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَفْضَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَكْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ، أَنْتَ الَّذِي وَفَّقْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَغْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَقْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَصَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي غَفَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَقَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعْزَزْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَيَّدْتَ، أَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عافَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَكْرَمْتَ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ، فَلَكَ الْحَمْدُ دائِماً، وَلَكَ الشُّكْرُ واصِباً أَبَداً. ثُمَّ أَنَا يا إِلهِي الْمُعْتَرِفُ بِذُ نُوبِي فَاغْفِرْها لِي، أَنَا

ص: 183

الَّذِي أَسَأْتُ، أَنَا الَّذِي أَخْطَأْتُ، أَنَا الَّذِي هَمَمْتُ، أَنَا الَّذِي جَهِلْتُ، أَنَا الَّذِي غَفَلْتُ، أَنَا الَّذِي سَهَوْتُ، أَنَا الَّذِي اعْتَمَدْتُ، أَنَا الَّذِي تَعَمَّدْتُ، أَنَا الَّذِي وَعَدْتُ، أَنَا الَّذِي أَخْلَفْتُ، أَنَا الَّذِي نَكَثْتُ، أَنَا الَّذِي أَقْرَرْتُ، أَنَا الَّذِي اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَعِنْدِي، وَأَبُوءُ بِذُ نُوبِي فَاغْفِرْها لِي. يا مَنْ لا تَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبادِهِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنْ طاعَتِهِمْ، وَالْمُوَفِقُ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْهُمْ بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَلَكَ الْحَمْدُ إِلهِي وَسيِدِي، إِلهِي أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ، وَنَهَيْتَنِي فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ، فَأَصْبَحْتُ لا ذا بَراءَةٍ لِي فَأَعْتَذِرُ، وَلاذا قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرُ، فَبِأَيِ شَيْ ءٍ أَسْتَقْبِلُكَ يا مَوْلايَ، أَبِسَمْعِي أَمْ بِبَصَرِي، أَمْ بِلِسانِي، أَمْ بِيَدِي، أَمْ بِرِجْلِي، أَ لَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِندِي، وَبِكُلِها عَصَيْتُكَ يا مَوْلايَ، فَلَكَ الْحُجَّةُ وَالسَّبِيلُ عَلَيَّ، يا مَنْ سَتَرَنِي مِنَ الْآباءِ وَالْامَّهاتِ أَنْ يَزْجُرُونِي، وَمِنَ الْعَشائِرِ وَالْإِخْوانِ أَنْ يُعَيِرُونِي، وَمِنَ السَّلاطِينِ أَنْ يُعاقِبُونِي، وَلَوِاطَّلَعُوا يامَوْلايَ عَلي مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِي إِذاً ما أَنْظَرُونِي، وَلَرَفَضُونِي وَقَطَعُونِي. فَها أَنَا ذا يا إِلهِي، بَيْنَ يَدَيْكَ يا سَيِدِي، خاضِعٌ ذَلِيلٌ حَصِيرٌحَقِيرٌ، لا ذُو بَراءَةٍ فَأَعْتَذِرُ، وَلا ذُو قُوَّةٍ

ص: 184

فَأَنْتَصِرُ، وَلا ذُوحُجَّةٍ فَأَحْتَجُّ بِها، وَلا قائِلٌ لَمْ أَجْتَرِحْ، وَلَمْ أَعْمَلْ سُوءًا، وَما عَسَي الْجُحُودُ لَوْ جَحَدْتُ يامَوْلايَ يَنْفَعُنِي، كَيْفَ وَأَنّي ذلِكَ وَجَوارِحِي كُلُّها شاهِدَةٌ عَلَيَّ بِما قَدْ عَمِلْتُ، وَقَدْ عَلِمْتُ يَقِيناً غَيْرَ ذِي شَكٍّ أَنَّكَ سائِلِي مِنْ عَظائِمِ الْأُمُورِ، وَأَنَّكَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذِي لا تَجُورُ، وَعَدْلُكَ مُهْلِكِي، وَمِنْ كُلِ عَدْلِكَ مَهْرَبِي، فَإِنْ تُعَذِبْنِي يا إِلهِي فَبِذُ نُوبِي بَعْدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ، وَإِنْ تَعْفُ عَنِي فَبِحِلْمِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ. لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِي كُنْتُ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ، لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِي كُنْتُ مِنَ الْمُوَحِدِينَ، لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِي كُنْتُ مِنَ الْخائِفِينَ، لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِي كُنْتُ مِنَ الْوَجِلِينَ، لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِي كُنْتُ مِنَ الرَّاجِينَ، لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِي كُنْتُ مِنَ الرَّاغِبِينَ، لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِي كُنْتُ مِنَ الْمُهَلِلِينَ، لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِي كُنْتُ مِنَ السَّائِلِينَ، لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِي كُنْتُ مِنَ الْمُسَبِحِينَ، لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِي كُنْتُ مِنَ الْمُكَبِرِينَ، لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ رَبِي وَرَبُّ آبائِيَ الْأَوَّلِينَ.

ص: 185

اللَّهُمَّ هذا ثَنائِي عَلَيْكَ مُمَجِداً، وَإِخْلاصِي لِذِكْرِكَ مُوَحِداً، وَإِقْرارِي بِآلائكَ مَعَدِداً، وَإِنْ كُنْتُ مُقِرّاً أَنِي لَمْ أُحْصِها لِكَثْرَتِها وَسُبُوغِها، وَتَظاهُرِها وَتَقادُمِها إِلي حادِثٍ، ما لَمْ تَزَلْ تَتَعَهَّدُنِي بِهِ مَعَها مُنْذُ خَلَقْتَنِي وَبَرَأْتَنِي مِنْ أَوَّلِ الْعُمُرِ مِنَ الْإِغْناءِ مِنَ الْفَقْرِ، وَكَشْفِ الضُّرِ، وَتَسْبِيبِ الْيُسْرِ، وَدَفْعِ الْعُسْرِ، وَتَفرِيجِ الْكَرْبِ، وَالْعافِيَةِ فِي الْبَدَنِ، وَالسَّلامَةِ فِي الدِّينِ. وَلَوْ رَفَدَنِي عَلي قَدْرِ ذِكْرِ نِعْمَتِكَ جَمِيعُ الْعالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ،، ما قَدَرْتُ وَلاهُمْ عَلي ذلِكَ. تَقَدَّسْتَ وَتَعالَيْتَ مِنْ رَبٍّ كَرِيمٍ، عَظِيمٍ رَحِيمٍ، لا تُحْصي آلاؤُكَ، وَلا يُبْلَغُ ثَناؤُكَ، وَلا تُكافَأُ نَعْماؤُكَ، صَلِ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَتْمِمْ عَلَيْنا نِعَمَكَ، وَأَسْعِدْنا بِطاعَتِكَ. سُبْحانَكَ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، أَللَّهُمَّ إِنَّكَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ، وَتَكْشِفُ السُّوءَ، وَتُغِيثُ الْمَكْرُوبَ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ، وَتُغْنِي الْفَقِيرَ، وَتَجْبُرُ الْكَسِيرَ، وَتَرْحَمُ الصَّغِيرَ، وَتُعِينُ الْكَبِيرَ، وَلَيْسَ دُونَكَ ظَهِيرٌ، وَلا فَوْقَكَ قَدِيرٌ، وَأَنْتَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. يا مُطْلِقَ الْمُكَبَّلِ الْأَسِيرِ، يا رازِقَ الطِفْلِ الصَّغِيرِ، يا عِصْمَةَ الْخائِفِ الْمُسْتَجِيرِ، يا مَنْ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا وَزِيرَ، صَلِ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِ

ص: 186

مُحَمَّدٍ، وَأَعْطِنِي فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ، أَفْضَلَ ما أَعْطَيْتَ وَأَنَلْتَ أَحَداً مِنْ عِبادِكَ، مِنْ نِعْمَةٍ تُولِيها، وَآلاءٍ تُجَدِدُها، وَبَلِيَّةٍ تَصْرِفُها، وَكُرْبَةٍ تَكْشِفُها، وَدَعْوَةٍ تَسْمَعُها، وَحَسَنَةٍ تَتَقَبَّلُها، وَسَيِئَةٍ تَتَغَمَّدُها، إِنَّكَ لَطِيفٌ بِما تَشاءُ خَبِيرٌ، وَعَلي كُلِ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.

أَللَّهُمَّ إِنَّكَ أَقْرَبُ مَنْ دُعِيَ، وَأَسْرَعُ مَنْ أَجابَ، وَأَكْرَمُ مَنْ عَفا، وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطي، وَأَسْمَعُ مَنْ سُئِلَ، يا رَحْمانُ الدُّنْيا والْآخِرَةِ وَرحِيمَهُما، لَيْسَ كَمِثْلِكَ مَسْؤُولٌ، وَلا سِواكَ مَأْمُولٌ، دَعَوْتُكَ فَأَجَبْتَنِي، وَسَأَلْتُكَ فَأَعْطَيْتَنِي، وَرَغِبْتُ إِلَيْكَ فَرَحِمْتَنِي، وَوَثِقْتُ بِكَ فَنَجَّيْتَنِي، وَفَزِعْتُ إِلَيْكَ فَكَفَيْتَنِي. اللَّهُمَّ فَصَلِ عَلي مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِكَ، وَعَلي آلِهِ الطَّيِبِينَ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ، وَتَمِمْ لَنا نَعْماءَكَ، وَهَنِئْناعَطاءَكَ، وَاكْتُبْنا لَكَ شاكِرِينَ، وَلِآلائِكَ ذاكِرِينَ، آمِينَ آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ. اللَّهُمَّ يا مَنْ مَلَكَ فَقَدَرَ، وَقَدَرَ فَقَهَرَ، وَعُصِيَ فَسَتَرَ، وَاسْتُغْفِرَ فَغَفَرَ، يا غايَةَ الطَّالِبِينَ، وَمُنْتَهي أَمَلِ الرَّاجِينَ، يا مَنْ أَحاطَ بِكُلِ شَيْ ءٍ عِلْماً، وَوَسِعَ الْمُسْتَقِيلِينَ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَحِلْماً. اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ، الَّتِي شَرَّفْتَها وَعَظَّمْتَها بِمُحَمَّدٍ نَبِيِكَ وَرَسُولِكَ،

ص: 187

وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَأَمِينِكَ عَلي وَحْيِكَ، الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، السِراجِ الْمُنِيرِ، الَّذِي أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَي الْمُسْلِمِينَ، وَ جَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ. اللَّهُمَّ فَصَلِ عَلي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، كَما مُحَمَّدٌ أَهْلٌ لِذلِكَ مِنْكَ يا عَظِيمُ، فَصَلِ عَلَيْهِ وَعَلَي الْمُنْتَجَبِينَ الطَّيِبِينَ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ، وَتَغَمَّدْنا بِعَفْوِكَ عَنَّا، فَإِلَيْكَ عَجَّتِ الْأَصْواتُ بِصُنُوفِ اللُّغاتِ، فَاجْعَلْ لَنَا اللَّهُمَّ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ نَصِيباً مِنْ كُلِ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ بَيْنَ عِبادِكَ، وَنُورٍ تَهْدِي بِهِ، وَرَحْمَةٍ تَنْشُرُها، وَبَرَكَةٍ تُنْزِلُها، وَعافِيَةٍ تُجَلِلُها، وَرِزْقٍ تَبْسُطُهُ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ أَقْلِبْنا فِي هذَا الْوَقْتِ مُنْجِحِينَ مُفْلِحِينَ مَبْرُورِينَ غانِمِينَ، وَلا تَجْعَلْنا مِنَ الْقانِطِينَ، وَلا تُخْلِنا مِنْ رَحْمَتِكَ، وَلا تَحْرِمْنا ما نُؤَمِلُهُ مِنْ فَضْلِكَ، وَلاتَجْعَلْنا مِنْ رَحْمَتِكَ مَحْرُومِينَ، وَلا لِفَضْلِ مانُؤَمِلُهُ مِنْ عَطائِكَ قانِطِينَ، وَلا تَرُدَّنا خائِبِينَ، وَلا مِنْ بابِكَ مَطْرُودِينَ، يا أَجْوَدَ الْأَجْوَدِينَ، وَأَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ، إِلَيْكَ أَقْبَلْنا مُوقِنِينَ، وَلِبَيْتِكَ الْحَرامِ آمِينَ قاصِدِينَ، فَأَعِنَّا عَلي مَناسِكِنا، وَأَكْمِلْ لَناحَجَّنا، وَاْعْفُ عَنَّا وَعافِنا، فَقَدْ مَدَدْنا إِلَيْكَ أَيْدِيَنا، فَهِيَ بِذِلَّةِ الْاعْتِرافِ مَوْسُومَةٌ. اللَّهُمَّ فَأَعْطِنا فِي هذِهِ

ص: 188

الْعَشِيَّةِ ما سَأَلْناكَ، وَاكْفِنا مَا اسْتَكْفَيْناكَ، فَلا كافِيَ لَنا سِواكَ، وَلا رَبَّ لَنا غَيْرُكَ، نافِذٌ فِينا حُكْمُكَ، مُحِيطٌ بِنا عِلْمُكَ، عَدْلٌ فِينا قَضاؤُكَ، اقْضِ لَنَا الْخَيْرَ، وَاجْعَلْنا مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ. اللَّهُمَّ أَوْجِبْ لَنا بِجُودِكَ عَظِيمَ الْأَجْرِ، وَكَرِيمَ الذُّخْرِ، وَدَوامَ الْيُسْرِ، وَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا أَجْمَعِينَ، وَ لا تُهْلِكْنامَعَ الْهالِكِينَ، وَلا تَصْرِفْ عَنَّا رَأْفَتَكَ وَ رَحْمَتَكَ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنا فِي هذَا الْوَقْتِ مِمَّنْ سَأَ لَكَ فَأَعْطَيْتَهُ، وَشَكَرَكَ فَزِدْتَهُ، وَتابَ إِلَيْكَ فَقَبِلْتَهُ، وَتَنَصَّلَ إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِهِ كُلِها فَغَفَرْتَها لَهُ، يا ذَا الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ. اللَّهُمَّ وَفِقْنا وَسَدِدْنا وَاعْصِمْنا وَاقْبَلْ تَضَرُّعَنا، يا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، وَيا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ، يا مَنْ لا يَخْفي عَلَيْهِ إِغْماضُ الْجُفُونِ، وَلا لَحْظُ الْعُيُونِ، وَلا مَااسْتَقَرَّ فِي الْمَكْنُونِ، وَلا مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مُضْمَراتُ الْقُلُوبِ، أَلا كُلُّ ذلِكَ قَدْ أَحْصاهُ عِلْمُكَ، وَوَسِعَهُ حِلْمُكَ، سُبْحانَكَ وَتَعالَيْتَ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً، تُسَبِحُ لَكَ السَّماواتُ السَّبْعُ، وَالْأَرَضُونَ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلّا يُسَبِحُ بِحَمْدِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَالْمَجْدُ، وَعُلُوُّ الْجَدِ، يا ذَا الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ، وَالْفَضْلِ وَالْإِنْعامِ، وَالْأَيادِي الْجِسامِ، وَأَنْتَ

ص: 189

الْجَوادُ الْكَرِيمُ، الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ. اللَّهُمَّ أَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلالِ، وَعافِنِي فِي بَدَنِي وَدِينِي، وَآمِنْ خَوْفِي، وَأَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ. اللَّهُمَّ لا تَمْكُرْ بِي، وَلا تَسْتَدْرِجْنِي، وَلا تَخْدَعْنِي، وَادْرَأْ عَنِي شَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِ وَالْإِنْسِ».

ثمّ رفع رأسه وبصره إلي السّماء وعيناه ماطرتان كأنّهما مزادتان وقال بصوتٍ عالٍ:

«يا أَسْمَعَ السَّامِعِينَ، وَياأَبْصَرَالنَّاظِرِينَ، وَياأَسْرَعَ الْحاسِبِينَ، وَيا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، صَلِ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ السَّادَةِ الْمَيامِينِ، وَأَسْأَ لُكَ اللَّهُمَّ حاجَتِيَ الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيها لَمْ يَضُرَّنِي ما مَنَعْتَنِي، وَإِنْ مَنَعْتَنِيها لَمْ يَنْفَعْنِي ما أَعْطَيْتَنِي، أَسْأَ لُكَ فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الْمُلْكُ، وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأَنْتَ عَلي كُلِ شَي ءٍ قَدِيرٌ، يارَبِ يا رَبِ».

وكان يكرّر قوله: يا رَبّ، وشغل من حضر ممّن كان حوله عن الدّعاء لأنفسهم واقبلوا علي الاستماع له والتّأمين علي دعائه، ثمّ علت أصواتهم بالبكاء معه وغربت الشّمس وأفاض

ص: 190

النّاس معه.

أقول: إلي هنا تمّ دعاء الحسين عليه السلام في يوم عرفة علي ما أورده الكفعمي في كتاب البلد الأمين، وقد تبعه المجلسي في كتاب زاد المعاد، ولكن زاد السّيد ابن طاووس رحمه الله في الإقبال بعد يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ هذه الزّيادة:

«إِلهِي أَنَا الْفَقِيرُ فِي غِنايَ فَكَيْفَ لا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي، إِلهِي أَنَا الْجاهِلُ فِي عِلْمِي فَكَيْفَ لا أَكُونُ جَهُولًا فِي جَهْلِي، إِلهِي إِنَّ اخْتِلافَ تَدْبِيرِكَ، وَسُرْعَةَ طَواءِ مَقادِيرِكَ، مَنَعا عِبادَكَ الْعارِفِينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إِلي عَطاءٍ، وَالْيَأْسِ مِنْكَ فِي بَلاءٍ.

إِلهِي مِنِي ما يَلِيقُ بِلُؤْمِي، وَمِنْكَ مايَلِيقُ بِكَرَمِكَ. إِلهِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ لِي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِي، أَفَتَمْنَعُنِي مِنْهُما بَعْدَ وُجُودِ ضَعْفِي، إِلهِي إِنْ ظَهَرَتِ الْمَحاسِنُ مِنِي فَبِفَضْلِكَ، وَلَكَ الْمِنَّةُ عَلَيَّ، وَإِنْ ظَهَرَتِ الْمَساوِيُ مِنِي فَبِعَدْلِكَ، وَلَكَ الْحُجَّةُ عَلَيَّ. إِلهِي كَيْفَ تَكِلُنِي وَقَدْ تَكَفَّلْتَ لِي، وَكَيْفَ أُضامُ وَأَنْتَ النَّاصِرُ لِي، أَمْ كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ الْحَفِيُّ بِي، ها أَنَا أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَقْرِي إِلَيْكَ، وَكَيْفَ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِما هُوَ مَحالٌ أَنْ

ص: 191

يَصِلَ إِلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ أَشْكُوإِلَيْكَ حالِي وَهُوَ لا يَخْفي عَلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ بِمَقالِي، وَهُوَ مِنْكَ بَرَزٌ إِلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ تُخَيِبُ آمالِي وَهِيَ قَدْ وَفَدَتْ إِلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ لا تُحْسِنُ أَحْوالِي وَبِكَ قامَتْ يا إِلهِي ما أَلْطَفَكَ بِي مَعَ عَظِيمِ جَهْلِي وَما أَرْحَمَكَ بِي مَعَ قَبِيحِ فِعْلِي إِلهِي ما أَقْرَبَكَ مِنِي وَ قَدْ أَبْعَدَنِي عَنْكَ! وَما أَرْأَفَكَ بِي فَمَا الَّذِي يَحْجُبُنِي عَنْكَ، إِلهِي عَلِمْتُ بِاخْتِلافِ الْآثارِ، وَتَنَقُّلاتِ الْأَطْوارِ، أَنَّ مُرادَكَ مِنِي أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَيَّ فِي كُلِ شَيْ ءٍ، حَتّي لا أَجْهَلَكَ فِي شَيْ ءٍ. إِلهِي كُلَّماأَخْرَسَنِي لُؤْمِي أَنْطَقَنِي كَرَمُكَ، وَكُلَّما آيَسَتْنِي أَوْصافِي أَطْمَعَتْنِي مِنَنُكَ. إِلهِي مَنْ كانَتْ مَحاسِنُهُ مَساوِيَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ مَساوِيهِ مَساوِيَ، وَمَنْ كانَتْ حَقائِقُهُ دَعاوِيَ، فَكَيْفَ لاتَكُونُ دَعاوِيهِ دَعاوِيَ، إِلهِي حُكْمُكَ النَّافِذُ وَمَشِيَّتُكَ الْقاهِرَةُ لَمْ يَتْرُكا لِذِي مَقالٍ مَقالًا، وَلا لِذِي حالٍ حالًا. إِلهِي كَمْ مِنْ طاعَةٍ بَنَيْتُها، وَحالَةٍ شَيَّدْتُها، هَدَمَ اعْتِمادِي عَلَيْها عَدْلُكَ، بَلْ أَقالَنِي مِنْها فَضْلُكَ. إِلهِي إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِي وَإِنْ لَمْ تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنِي فِعْلًا جَزْماً فَقَدْ دامَتْ مَحَبَّةً وَعَزْماً.

إِلهِي كَيْفَ أَعْزِمُ وَأَنْتَ الْقاهِرُ، وَكَيْفَ لاأَعْزِمُ وَأَنْتَ الْآمِرُ،

ص: 192

إِلهِي تَرَدُّدِي فِي الْآثارِ يُوجِبُ بُعْدَ الْمَزارِ، فَاجْمَعْنِي عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِي إِلَيْكَ، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ، أَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتّي يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ، مَتي غِبْتَ حَتّي تَحْتاجَ إِلي دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ، وَمَتي بَعُدْتَ حَتّي تَكُونَ الْآثارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقِيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِكَ نَصِيباً. إِلهِي أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلَي الْآثارِ، فَأَرْجِعْنِي إِلَيْكَ بِكِسْوَةِ الْأَنْوارِ، وَهِدايَةِ الاسْتِبْصارِ، حَتّي أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنْها كَما دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْها، مَصُونَ السِرِ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْها، وَمَرْفُوعَ الْهِمَّةِ عَنِ الاعْتِمادِ عَلَيْها، إِنَّكَ عَلي كُلِ شَي ءٍ قَدِيرٌ. إِلهِي هذا ذُلِي ظاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَهذا حالِي لا يَخْفي عَلَيْكَ، مِنْكَ أَطْلُبُ الْوُصُولَ إِلَيْكَ، وَبِكَ أَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ، فَاهْدِنِي بِنُورِكَ إِلَيْكَ، وَأَقِمْنِي بِصِدْقِ الْعُبُودِيَّةِبَيْنَ يَدَيْكَ. إِلهِي عَلِمْنِي مِنْ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ، وَصُنِي بِسِتْرِكَ الْمَصُونِ. إِلهِي حَقِقْنِي بِحَقائِقِ أَهْلِ الْقُرْبِ، وَاسْلُكْ بِي مَسْلَكَ أَهْلِ الْجَذْبِ. إِلهِي أَغْنِنِي بِتَدْبِيرِكَ لِي عَنْ تَدْبِيرِي، وَبِاخْتِيارِكَ عَنِ اخْتِيارِي، وَأَوْقِفْنِي عَلي مَراكِزِ

ص: 193

اضْطِرارِي. إِلهِي أَخْرِجْنِي مِنْ ذُلِ نَفْسِي، وَطَهِرْنِي مِنْ شَكِي وَشِرْكِي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِي، بِكَ أَنْتَصِرُ فَانْصُرْنِي، وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ فَلا تَكِلْنِي، وَإِيَّاكَ أَسْأَلُ فَلا تُخَيِبْنِي، وَفِي فَضْلِكَ أَرْغَبُ فَلا تَحْرِمْنِي، وَبِجَنابِكَ أَنْتَسِبُ فَلا تُبْعِدْنِي، وَبِبابِكَ أَقِفُ فَلا تَطْرُدْنِي. إِلهِي تَقَدَّسَ رِضاكَ أَنْ تَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنِي، إِلهِي أَنْتَ الْغَنِيُّ بِذاتِكَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ، فَكَيْفَ لا تَكُونُ غَنِيّاً عَنِي، إِلهِي إِنَّ الْقَضآءَ وَالْقَدَرَ يُمَنِينِي، وَإِنَّ الْهَوي بِوَثائِقِ الشَّهْوَةِ أَسَرَنِي، فَكُنْ أَنْتَ النَّصِيرَ لِي، حَتّي تَنْصُرَنِي وَتُبَصِرَنِي، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ حَتّي أَسْتَغْنِيَ بِكَ عَنْ طَلَبِي، أَنْتَ الَّذِي أَشْرَقْتَ الْأَنْوارَ فِي قُلُوبِ أَوْلِيائِكَ حَتّي عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ، وَأَنْتَ الَّذِي أَزَلْتَ الْأَغْيارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبَّائِكَ حَتّي لَمْ يُحِبُّوا سِواكَ، وَلَمْ يَلْجَأُوا إِلي غَيْرِكَ، أَنْتَ الْمُونِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ الْعَوالِمُ، وَأَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبانَتْ لَهُمُ الْمَعالِمُ. يا إِلهِي ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ؟ وَمَا الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟ لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلًا، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغي عَنْكَ مُتَحَوِلًا، كَيْفَ يُرْجي سِواكَ وَأَنْتَ ما قَطَعْتَ

ص: 194

الْإِحْسانَ، وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ ما بَدَّلْتَ عادَةَ الْامْتِنانِ، يا مَنْ أَذاقَ أَحِبَّاءَهُ حَلاوَةَ الْمُؤانَسَةِ، فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِقِينَ، وَيا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِياءَهُ مَلابِسَ هَيْبَتِهِ، فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُسْتَغْفِرِينَ. أَنْتَ الذَّاكِرُ قَبْلَ الذَّاكِرِينَ، وَأَنْتَ الْبادِي بِالْإِحْسانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ الْعابِدِينَ، وَأَنْتَ الْجَوادُ بِالْعَطاءِ قَبْلَ طَلَبِ الطَّالِبِينَ، وَأَنْتَ الْوَهَّابُ ثُمَّ لِما وَهَبْتَ لَنا مِنَ الْمُسْتَقْرِضِينَ. إِلهِي اطْلُبْنِي بِرَحْمَتِكَ حَتّي أَصِلَ إِلَيْكَ، وَاجْذِبْنِي بِمَنِكَ حَتّي أُقْبِلَ عَلَيْكَ.

إِلهِي إِنَّ رَجائِي لا يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَإِنْ عَصَيْتُكَ، كَما أَنَّ خَوْفِي لا يُزايِلُنِي وَإِنْ أَطَعْتُكَ، فَقَدْ دَفَعْتَنِي الْعَوالِمُ إِلَيْكَ، وَقَدْ أَوْقَعَنِي عِلْمِي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ. إِلهِي كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ أَمَلِي، أَمْ كَيْفَ أُهانُ وَعَلَيْكَ مُتَّكَلِي، إِلهِي كَيْفَ أَسْتَعِزُّ وَفِي الذِلَّةِ أَرْكَزْتَنِي، أَمْ كَيْفَ لا أَسْتَعِزُّوَ إِلَيْكَ نَسَبْتَنِي، إِلهِي كَيْفَ لا أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي فِي الْفُقَرآءِأَقَمْتَنِي، أَمْ كَيْفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي بِجُودِكَ أَغْنَيْتَنِي، وَأَنْتَ الَّذِي لا إِلهَ غَيْرُكَ تَعَرَّفْتَ لِكُلِ شَيْ ءٍ فَما جَهِلَكَ شَيْ ءٌ، وَأَنْتَ الَّذِي تَعَرَّفْتَ إِلَيَّ فِي كُلِ شَيْ ءٍ، فَرَأَيْتُكَ ظاهِراً فِي كُلِ شَيْ ءٍ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِ شَيْ ءٍ، يا مَنِ اسْتَوي بِرَحْمانِيَّتِهِ فَصارَ

ص: 195

الْعَرْشُ غَيْباً فِي ذاتِهِ، مَحَقْتَ الْآثارَ بِالْآثارِ، وَمَحَوْتَ الْأَغْيارَ بِمُحِيطاتِ أَفْلاكِ الْأَنْوارِ، يا مَنِ احْتَجَبَ فِي سُرادِقاتِ عَرْشِهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصارُ، يا مَنْ تَجَلّي بِكَمالِ بَهائِهِ، فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتُهُ الاسْتِواءَ، كَيْفَ تَخْفي وَأَنْتَ الظَّاهِرُ، أَمْ كَيْفَ تَغِيبُ وَأَنْتَ الرَّقِيبُ الْحاضِرُ، إِنَّكَ عَلي كُلِ شَيْ ءٍ قَدِيرٍ، وَالْحَمْدُ للَّهِ وَحْدَهُ».

ص: 196

دعاء الإمام علي بن الحسين عليهما السلام يوم عرفة

«الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ الْعالَمِينَ. اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ بَدِيعَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ، رَبَّ الْأَرْبابِ، وَإِلهَ كُلِ مَأْلُوهٍ، وَخالِقَ كُلِ مَخْلُوقٍ، وَوارِثَ كُلِ شَيْ ءٍ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ، وَ لايَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْ ءٍ، وَهُوَ بِكُلِ شَيْ ءٍ مُحِيطٌ، وَهُوَ عَلي كُلِ شَيْ ءٍ رَقِيبٌ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، الْأَحَدُ الْمُتَوَحِدُ، الْفَرْدُ الْمُتَفَرِّدُ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، الْكَرِيمُ الْمُتَكَرِّمُ، الْعَظِيمُ الْمُتَعَظِمُ، الْكَبِيرُ الْمُتَكَبِّرُ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، الْعَلِيُّ الْمُتَعالِ، الشَّدِيدُ الْمِحالِ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، الْقَدِيمُ الْخَبِيرُ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، الْكَرِيمُ الْأَكْرَمُ، الدَّائِمُ الْأَدْوَمُ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِ أَحَدٍ، وَالْآخِرُ بَعْدَ كُلِ عَدَدٍ، وَأَنْتَ

ص: 197

اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، الدَّانِي فِي عُلُوِّهِ، وَالْعالِي فِي دُنُوِّهِ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، ذُوالْبَهاءِ وَالْمَجْدِ، وَالْكِبْرِياءِ وَالْحَمْدِ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ، الَّذِي أَنْشَأْتَ الْأَشْياءَ مِنْ غَيْرِ سِنْخٍ، وَصَوَّرْتَ ما صَوَّرْتَ مِنْ غَيْرِ مِثالٍ، وَابْتَدَعْتَ الْمُبْتَدَعاتِ بِلَا احْتِذاءٍ، أَنْتَ الَّذِي قَدَّرْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ تَقْدِيراً، وَيَسَّرْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ تَيْسِيراً، وَدَبَّرْتَ ما دُونَكَ تَدْبِيراً، أَنْتَ الَّذِي لَمْ يُعِنْكَ عَلي خَلْقِكَ شَرِيكٌ، وَلَمْ يُؤازِرْكَ فِي أَمْرِكَ وَزِيرٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ مُشاهِدٌ وَلا نَظِيرٌ، أَنْتَ الَّذِي أَرَدْتَ فَكانَ حَتْماً ما أَرَدْتَ، وَقَضَيْتَ فَكانَ عَدْلًا ما قَضَيْتَ، وَحَكَمْتَ فَكانَ نِصْفاً ما حَكَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي لا يَحْوِيكَ مَكانٌ، وَلَمْ يَقُمْ لِسُلْطانِكَ سُلْطانٌ، وَلَمْ يُعْيِكَ بُرْهانٌ وَلا بَيانٌ، أَنْتَ الَّذِي أَحْصَيْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ عَدَداً، وَجَعَلْتَ لِكُلِ شَيْ ءٍ أَمَداً، وَقَدَّرْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ تَقْدِيراً، أَنْتَ الَّذِي قَصُرَتِ الْأَوْهامُ عَنْ ذاتِيَّتِكَ، وَعَجَزَتِ الْأَفْهامُ عَنْ كَيْفِيَّتِكَ، وَلَمْ تُدْرِكِ الْأَبْصارُ مَوْضِعَ أَيْنِيَّتِكَ، أَنْتَ الَّذِي لا تُحَدُّ فَتَكُونَ مَحْدُوداً، وَلَمْ تُمَثَّلْ فَتَكُونَ مَوْجُوداً، وَلَمْ تَلِدْ فَتَكُونَ مَوْلُوداً، أَنْتَ الَّذِي لا ضِدَّ مَعَكَ فَيُعانِدَكَ، وَلا عِدْلَ لَكَ فَيُكاثِرَكَ، وَلانِدَّ لَكَ فَيُعارِضَكَ، أَنْتَ

ص: 198

الَّذِي ابْتَدَأَ وَاخْتَرَعَ وَاسْتَحْدَثَ وَابْتَدَعَ، وَأَحْسَنَ صُنْعَ ما صَنَعَ، سُبْحانَكَ ما اجَلَّ شَأْنَكَ، وَأَسْني فِي الْأَماكِنِ مَكانَكَ، وَأَصْدَعَ بِالْحَقِّ فُرْقانَكَ، سُبْحانَكَ مِنْ لَطِيفٍ ما أَلْطَفَكَ، وَرَءُوفٍ ما أَرْأَفَكَ، وَحَكِيمٍ ما أَعْرَفَكَ، سُبْحانَكَ مِنْ مَلِيكٍ ما أَمْنَعَكَ، وَجَوادٍ ما أَوْسَعَكَ، وَرَفِيعٍ ما أَرْفَعَكَ، ذُو الْبَهاءِ وَالْمَجْدِ، وَالْكِبْرِياءِ وَالْحَمْدِ، سُبْحانَكَ بَسَطْتَ بِالْخَيْراتِ يَدَكَ، وَعُرِفَتِ الْهِدايَةُ مِنْ عِنْدِكَ، فَمَنِ الْتَمَسَكَ لِدِينٍ أَوْ دُنْيا وَجَدَكَ، سُبْحانَكَ خَضَعَ لَكَ مَنْ جَري فِي عِلْمِكَ، وَخَشَعَ لِعَظَمَتِكَ ما دُونَ عَرْشِكَ، وَانْقادَ لِلتَّسْلِيمِ لَكَ كُلُّ خَلْقِكَ، سُبْحانَكَ لا تُحَسُّ وَلا تُجَسُّ وَلا تُمَسُّ، وَلا تُكادُ وَلا تُماطُ وَلا تُنازَعُ، وَلا تُجاري وَلا تُماري وَلا تُخادَعُ وَلا تُماكَرُ، سُبْحانَكَ سَبِيلُكَ جَدَدٌ، وَأَمْرُكَ رَشَدٌ، وَأَنْتَ حَيٌّ صَمَدٌ، سُبْحانَكَ قَوْلُكَ حُكْمٌ، وَقَضاؤُكَ حَتْمٌ، وَإِرادَتُكَ عَزْمٌ، سُبْحانَكَ لا رادَّ لِمَشِيَّتِكَ، وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِكَ، سُبْحانَكَ قاهِرَ الْأَرْبابِ، باهِرَ الْآياتِ، فاطِرَ السَّماواتِ، بارِئَ النَّسَماتِ، لَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يَدُومُ بِدَوامِكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً خالِداً بِنِعْمَتِكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يُوازِي صُنْعَكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ

ص: 199

حَمْداً يَزِيدُ عَلي رِضاكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً مَعَ حَمْدِ كُلِ حامِدٍ، وَشُكْراً يَقْصُرُ عَنْهُ شُكْرُ كُلِ شاكِرٍ، حَمْداً لا يَنْبَغِي إِلّا لَكَ، وَلا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلّا إِلَيْكَ، حَمْداً يُسْتَدامُ بِهِ الْأَوَّلُ، وَيُسْتَدْعي بِهِ دَوامُ الْآخِرِ، حَمْداً يَتَضاعَفُ عَلي كُرُورِ الْأَزْمِنَةِ، وَيَتَزايَدُ أَضْعافاً مُتَرادِفَةً، حَمْداً يَعْجِزُ عَنْ إِحْصائِهِ الْحَفَظَةُ، وَيَزِيدُ عَلي ما أَحْصَتْهُ فِي كِتابِكَ الْكَتَبَةُ، حَمْداً يُوازِنُ عَرْشَكَ الْمَجِيدَ، وَيُعادِلُ كُرْسِيَّكَ الرَّفِيعَ، حَمْداً يَكْمُلُ لَدَيْكَ ثَوابُهُ، وَيَسْتَغْرِقُ كُلَّ جَزاءٍ جَزاؤُهُ، حَمْداً ظاهِرُهُ وَفْقٌ لِباطِنِهِ، وَ باطِنُهُ وَفْقٌ لِصِدْقِ النِيَّةِ، حَمْداً لَمْ يَحْمَدْكَ خَلْقٌ مِثْلَهُ، وَلا يَعْرِفُ أَحَدٌ سِواكَ فَضْلَهُ، حَمْداً يُعانُ مَنِ اجْتَهَدَ فِي تَعْدِيدِهِ، وَيُؤَيَّدُ مَنْ أَغْرَقَ نَزْعاً فِي تَوْفِيَتِهِ، حَمْداً يَجْمَعُ ما خَلَقْتَ مِنَ الْحَمْدِ، وَيَنْتَظِمُ ما أَنْتَ خالِقُهُ مِنْ بَعْدُ، حَمْداً لا حَمْدَ أَقْرَبُ إِلي قَوْلِكَ مِنْهُ، وَلا أَحْمَدَ مِمَّنْ يَحْمَدُكَ بِهِ، حَمْداً يُوجِبُ بِكَرَمِكَ الْمَزِيدَ بِوُفُورِهِ، وَتَصِلُهُ بِمَزِيدٍ بَعْدَ مَزِيدٍ طَوْلًا مِنْكَ، حَمْداً يَجِبُ لِكَرَمِ وَجْهِكَ، وَيُقابِلُ عِزَّ جَلالِكَ، رَبِ صَلِ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الْمُنْتَجَبِ الْمُصْطَفي الْمُكَرَّمِ الْمُقَرَّبِ أَفْضَلَ صَلَواتِكَ، وَبارِكْ عَلَيْهِ أَتَمَّ بَرَكاتِكَ،

ص: 200

وَتَرَحَّمْ عَلَيْهِ أَمْتَعَ رَحَماتِكَ، رَبِ صَلِ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاةً زاكِيَةً لا تَكُونُ صَلاةٌ أَزْكي مِنْها، وَصَلِ عَلَيْهِ صَلاةً نامِيَةً لا تَكُونُ صَلاةٌ أَنْمي مِنْها، وَصَلِ عَلَيْهِ صَلاةً راضِيَةً لا تَكُونُ صَلاةٌ فَوْقَها، رَبِ صَلِ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاةً تُرْضِيهِ وَتَزِيدُ عَلي رِضاهُ، وَصَلِ عَلَيْهِ صَلاةً تُرْضِيكَ وَتَزِيدُ عَلي رِضاكَ لَهُ، وَصَلِ عَلَيْهِ صَلاةً لا تَرْضي لَهُ إِلّا بِها، وَلا تَري غَيْرَهُ لَها أَهْلًا، رَبِ صَلِ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاةً تُجاوِزُ رِضْوانَكَ، وَيَتَّصِلُ اتِصالُها بِبَقائِكَ، وَلا يَنْفَدُ كَما لا تَنْفَدُ كَلِماتُكَ، رَبِ صَلِ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاةً تَنْتَظِمُ صَلَواتِ مَلائِكَتِكَ وَأَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَأَهْلِ طاعَتِكَ، وَتَشْتَمِلُ عَلي صَلَواتِ عِبادِكَ مِنْ جِنِكَ وَإِنْسِكَ وَأَهْلِ إِجابَتِكَ، وَتَجْتَمِعُ عَلي صَلاةِ كُلِ مَنْ ذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ مِنْ أَصْنافِ خَلْقِكَ، رَبِ صَلِ عَلَيْهِ وَآلِهِ صَلاةً تُحِيطُ بِكُلِ صَلاةٍ سالِفَةٍ وَمُسْتَأْنَفَةٍ، وَصَلِ عَلَيْهِ وَعَلي آلِهِ صَلاةً مَرْضِيَّةً لَكَ وَلِمَنْ دُونَكَ، وَتُنْشِئُ مَعَ ذلِكَ صَلَواتٍ تُضاعِفُ مَعَها تِلْكَ الصَّلَواتِ عِنْدَها، وَتَزِيدُها عَلي كُرُورِ الْأَيَّامِ زِيادَةً فِي تَضاعِيفَ لا يَعُدُّها غَيْرُكَ، رَبِ صَلِ عَلي اطائِبِ أَهْلِ بَيْتِهِ، الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِأَمْرِكَ،

ص: 201

وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ، وَحَفَظَةَ دِينِكَ، وَخُلَفاءَكَ فِي أَرْضِكَ، وَحُجَجَكَ عَلي عِبادِكَ، وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ وَالدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإِرادَتِكَ، وَجَعَلْتَهُمُ الْوَسِيلَةَ إِلَيْكَ، وَالْمَسْلَكَ إِلي جَنَّتِكَ، رَبِ صَلِ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاةً تُجْزِلُ لَهُمْ بِها مِنْ نِحَلِكَ وَكَرامَتِكَ، وَتُكْمِلُ لَهُمُ الْأَشْياءَ مِنْ عَطاياكَ وَنَوافِلِكَ، وَتُوَفِرُ عَلَيْهِمُ الْحَظَّ مِنْ عَوائِدِكَ وَفَوائِدِكَ، رَبِ صَلِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ صَلاةً لا أَمَدَ فِي أَوَّلِها، وَلا غايَةَ لِأَمَدِها، وَلانِهايَةَ لِآخِرِها، رَبِ صَلِ عَلَيْهِم زِنَةَ عَرْشِكَ وَما دُونَهُ، وَمِلْأَ سَماواتِكَ وَما فَوْقَهُنَّ، وَعَدَدَ أَرَضِيكَ وَما تَحْتَهُنَّ وَما بَيْنَهُنَّ، صَلاةً تُقَرِّبُهُمْ مِنْكَ زُلْفي، وَتَكُونُ لَكَ وَلَهُمْ رِضيً، وَمُتَّصِلَةً بِنَظائِرِهِنَّ أَبَداً. اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَيَّدْتَ دِينَكَ فِي كُلِ أَوانٍ بِإِمامٍ أَقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبادِكَ، وَمَناراً فِي بِلادِكَ، بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ، وَجَعَلْتَهُ الذَّرِيعَةَ إِلي رِضْوانِكَ، وَافْتَرَضْتَ طاعَتَهُ، وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ، وَأَمَرْتَ بِامْتِثالِ أَمْرِهِ وَ الْانْتِهاءِ عِنْدَ نَهْيِهِ، وَأَلّا يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ، وَلا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ، فَهُوَعِصْمَةُ اللَّائِذِينَ، وَكَهْفُ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُرْوَةُ الْمُتَمَسِكِينَ، وَبَهاءُ الْعالَمِينَ.

اللَّهُمَّ فَأَوْزِ عْ لِوَلِيِكَ شُكْرَ ما أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَوْزِعْنا مِثْلَهُ فِيهِ،

ص: 202

وَآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً، وَأَعِنْهُ بِرُكْنِكَ الْأَعَزِ، وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَقَوِ عَضُدَهُ، وَراعِهِ بِعَيْنِكَ، وَاحْمِهِ بِحِفْظِكَ، وَانْصُرْهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَامْدُدْهُ بِجُنْدِكَ الْأَغْلَبِ، وَأَقِمْ بِهِ كِتابَكَ وَحُدُودَكَ وَشَرائِعَكَ وَسُنَنَ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَأَحْيِ بِهِ ما أَماتَهُ الظَّالِمُونَ مِنْ مَعالِمِ دِينِكَ، وَاجْلُ بِهِ صَداءَ الْجَوْرِ عَنْ طَرِيقَتِكَ، وَأَبِنْ بِهِ الضَّرَّاءَ مِنْ سَبِيلِكَ، وَأَزِلْ بِهِ النَّاكِبِينَ عَنْ صِراطِكَ، وَامْحَقْ بِهِ بُغاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً، وَأَلِنْ جانِبَهُ لِأَوْلِيائِكَ، وَابْسُطْ يَدَهُ عَلي أَعْدائِكَ، وَهَبْ لَنا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ، وَاجْعَلْنا لَهُ سامِعِينَ مُطِيعِينَ، وَفِي رِضاهُ ساعِينَ، وَإِلي نُصْرَتِهِ وَالْمُدافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ، وَإِلَيْكَ وَإِلي رَسُولِكَ صَلَواتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِذلِكَ مُتَقَرِّبِينَ. اللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلي أَوْلِياءِهِمُ الْمُعْتَرِفِينَ بِمَقامِهِمْ، الْمُتَّبِعِينَ مَنْهَجَهُمْ، الْمُقْتَفِينَ آثارَهُم، الْمُسْتَمْسِكِينَ بِعُرْوَتِهِمْ، الْمُتَمَسِكِينَ بِوِلايَتِهِم، الْمُؤْتَمِينَ بِإِمامَتِهِم، الْمُسَلِمِينَ لِأَمْرِهِم، الْمُجْتَهِدِينَ فِي طاعَتِهِمْ، الْمُنْتَظِرِينَ أَيَّامَهُم، الْمادِّينَ إِلَيْهِمْ أَعْيُنَهُم، الصَّلَواتِ الْمُبارَكاتِ الزَّاكِياتِ النَّامِياتِ الْغادِياتِ الرَّائِحاتِ، وَسَلِمْ عَلَيْهِمْ وَعَلي

ص: 203

أَرْواحِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَي التَّقْوي أَمْرَهُمْ، وَأَصْلِحْ لَهُمْ شُؤُونَهُمْ، وَتُبْ عَلَيْهِمْ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَخَيْرُالْغافِرِينَ، وَاجْعَلْنا مَعَهُمْ فِي دارِ السَّلامِ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ هذا يَوْمُ عَرَفَةَ، يَوْمٌ شَرَّفْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَعَظَّمْتَهُ، نَشَرْتَ فِيهِ رَحْمَتَكَ، وَمَنَنْتَ فِيهِ بِعَفْوِكَ، وَأَجْزَلْتَ فِيهِ عَطِيَّتَكَ، وَتَفَضَّلْتَ بِهِ عَلي عِبادِكَ. اللَّهُمَّ وَأَنَا عَبْدُكَ الَّذِي أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ قَبْلَ خَلْقِكَ لَهُ، وَبَعْدَ خَلْقِكَ إِيَّاهُ، فَجَعَلْتَهُ مِمَّنْ هَدَيْتَهُ لِدِينِكَ، وَوَفَّقْتَهُ لِحَقِكَ، وَعَصَمْتَهُ بَحَبْلِكَ، وَأَدْخَلْتَهُ فِي حِزْبِكَ، وَ أَرْشَدْتَهُ لِمُوالاةِ أَوْلِيائِكَ، وَمُعاداةِ أَعْدائِكَ، ثُمَّ أَمَرْتَهُ فَلَمْ يَأْتَمِرْ، وَزَجَرْتَهُ فَلَمْ يَنْزَجِرْ، وَنَهَيْتَهُ عَنْ مَعْصِيَتِكَ، فَخالَفَ أَمْرَكَ إِلي نَهْيِكَ، لا مُعانَدَةً لَكَ وَلَا اسْتِكْباراً عَلَيْكَ، بَلْ دَعاهُ هَواهُ إِلي ما زَيَّلْتَهُ وَإِلي ما حَذَّرْتَهُ، وَأَعانَهُ عَلي ذلِكَ عَدُوُّكَ وَعَدُوُّهُ، فَأَقْدَمَ عَلَيْهِ عارِفاً بِوَعِيدِكَ، راجِياً لِعَفْوِكَ، واثِقاً بِتَجاوُزِكَ، وَكانَ أَحَقَّ عِبادِكَ مَعَ ما مَنَنْتَ عَلَيْهِ أَلّا يَفْعَلَ، وَها أَنَاذا بَيْنَ يَدَيْكَ صاغِراً ذَلِيلًا، خاضِعاً خاشِعاً، خائِفاً مُعْتَرِفاً بِعَظِيمٍ مِنَ الذُّنُوبِ تَحَمَّلْتُهُ، وَجَلِيلٍ مِنَ الْخَطايَا اجْتَرَمْتُهُ، مُسْتَجِيراً بِصَفْحِكَ، لائِذاً بِرَحْمَتِكَ، مُوقِناً أَنَّهُ لا

ص: 204

يُجِيرُنِي مِنْكَ مُجِيرٌ، وَلا يَمْنَعُنِي مِنْكَ مانِعٌ، فَعُدْ عَلَيَّ بِما تَعُودُ بِهِ عَلي مَنِ اقْتَرَفَ مِنْ تَغَمُّدِكَ، وَجُدْ عَلَيَّ بما تَجُودُ بِهِ عَلي مَنْ أَلقي بِيَدِهِ إِلَيْكَ مِنْ عَفْوِكَ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِما لْا يَتَعاظَمُكَ أَنْ تَمُنَّ بِهِ عَلي مَنْ أَمَّلَكَ مِنْ غُفْرانِكَ، وَاجْعَلْ لِي فِي هذَا الْيَوْمِ نَصِيباً أَنالُ بِهِ حَظّاً مِنْ رِضْوانِكَ، وَلا تَرُدَّنِي صِفْراً مِمَّا يَنْقَلِبُ بِهِ الْمُتَعَبِدُونَ لَكَ مِنْ عِبادِكَ، وَإِنِي وَإِنْ لَمْ أُقَدِّمْ ما قَدَّمُوهُ مِنَ الصَّالِحاتِ فَقَدْ قَدَّمْتُ تَوْحِيدَكَ، وَنَفْيَ الْأَضْدادِ وَالْأَنْدادِ وَالْأَشْباهِ عَنْكَ، وَأَتَيْتُكَ مِن الْأَبْوابِ الَّتِي أَمَرْتَ أَنْ تُؤْتي مِنْها، وَتَقَرَّبْتُ إِلَيْكَ بِما لا يَقْرُبُ بِهِ أَحَدٌ مِنْكَ إِلّا بِالتَّقَرُّبِ بِهِ، ثُمَّ أَتْبَعْتُ ذلِكَ بِالْإِنابَةِ إِلَيْكَ، وَالتَّذَلُّلِ وَالاسْتِكانَةِ لَكَ، وَحُسْنَ الظَّنِ بِكَ، وَالثِقَةِ بِما عِنْدَكَ، وَشَفَعْتُهُ بِرَجائِكَ الَّذِي قَلَّ ما يَخِيبُ عَلَيْهِ راجِيكَ، وَسَأَلْتُكَ مَسْأَلَةَ الْحَقِيرِ الذَّلِيلِ، الْبائِسِ الْفَقِيرِ، الْخائِفِ الْمُسْتَجِيرِ، وَمَعَ ذلِكَ خِيفَةً وَتَضَرُّعاً وَتَعَوُّذاً وَتَلَوُّذاً، لامُسْتَطِيلًا بِتَكَبُّرِ الْمُتَكَبِرِينَ، وَلا مُتَعالِياً بِدالَّةِ الْمُطِيعِينَ، وَلا مُسْتَطِيلًا بِشَفاعَةِ الشَّافِعِينَ، وَأَنَا بَعْدُ أَقَلُّ الْأَقَلِينَ، وَأَذَلُّ الْأَذَلِينَ، وَمِثْلُ الذَّرَّةِ أَوْ دُونَها، فَيا مَنْ لَمْ يُعاجِلِ الْمُسِيئِينَ،

ص: 205

وَلايَنْدَهُ الْمُتْرَفِينَ، وَيا مَنْ يَمُنُّ بِإِقالَةِالْعاثِرِينَ، وَيَتَفَضَّلُ بِإِنْظارِ الْخاطِئِينَ، أَنَا الْمُسِي ءُ الْمُعْتَرِفُ الْخاطِئُ الْعاثِرُ، أَنَا الَّذِي أَقْدَمَ عَلَيْكَ مُجْتَرِئاً، أَنَا الَّذِي عَصاكَ مُتَعَمِداً، أَنَا الَّذِي اسْتَخْفي مِنْ عِبادِكَ وَبارَزَكَ، أَنَا الَّذِي هابَ عِبادَكَ وَأَمِنَكَ، أَنَا الَّذِي لَمْ يَرْهَبْ سَطْوَتَكَ وَلَمْ يَخَفْ بَأْسَكَ، أَنَا الْجانِي عَلي نَفْسِهِ، أَنَا الْمُرْتَهَنُ بِبَلِيَّتِهِ، أَنَا الْقَلِيلُ الْحَياءِ، أَنَا الطَّوِيلُ الْعِناءِ، بِحَقِ مَنِ انْتَجَبْتَ مِنْ خَلْقِكَ، وَبِمَنِ اصْطَفَيْتَهُ لِنَفْسِكَ، بِحَقِ مَنِ اخْتَرْتَ مِنْ بَرِيَّتِكَ، وَمَنِ اجْتَبَيْتَ لِشَأْنِكَ، بِحَقِ مَنْ وَصَلْتَ طاعَتَهُ بِطاعَتِكَ، وَمَنْ جَعَلْتَ مَعْصِيَتَهُ كَمَعْصِيَتِكَ، بِحَقِ مَنْ قَرَنْتَ مُوالاتَهُ بِمُوالاتِكَ، وَمَنْ نُطْتَ مُعاداتَهُ بِمُعاداتِكَ، تَغَمَّدْنِي فِي يَوْمِي هذا بِما تَتَغَمَّدُ بِهِ مَنْ جَأَرَ إِلَيْكَ مُتَنَصِلًا، وَعاذَ بِاسْتِغْفارِكَ تائِباً، وَتَوَلَّنِي بِما تَتَوَلّي بِهِ أَهْلَ طاعَتِكَ، وَالزُّلْفي لَدَيْكَ، وَالْمَكانَةِ مِنْكَ، وَتَوَحَّدْنِي بِما تَتَوَحَّدُ بِهِ مَنْ وَفي بِعَهْدِكَ، وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي ذاتِكَ، وَأَجْهَدَها فِي مَرْضاتِكَ، وَلاتُؤاخِذْنِي بِتَفْرِيطِي فِي جَنْبِكَ، وَتَعَدِّي طَوْرِي فِي حُدُودِكَ، وَمُجاوَزَةِ أَحْكامِكَ، وَلا تَسْتَدْرِجْنِي بِإِمْلائِكَ لِي اسْتِدْراجَ مَنْ مَنَعَنِي خَيْرَ ما عِنْدَهُ، وَلَمْ

ص: 206

يَشْرَكْكَ فِي حُلُولِ نِعْمَتِهِ بِي، وَنَبِهْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْغافِلِينَ، وَسِنَةِ الْمُسْرِفِينَ، وَنَعْسَةِ الْمَخْذُولِينَ، وَخُذْ بِقَلْبِي إِلي مَا اسْتَعْمَلْتَ بِهِ الْقانِتِينَ، وَاسْتَعْبَدْتَ بِهِ الْمُتَعَبِدِينَ، وَاسْتَنْقَذْتَ بِهِ الْمُتَهاوِنِينَ، وَأَعِذْنِي مِمَّا يُباعِدُنِي عَنْكَ، وَيَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ حَظِي مِنْكَ، وَ يَصُدُّنِي عَمَّا أُحاوِلُ لَدَيْكَ، وَسَهِلْ لِي مَسْلَكَ الْخَيْراتِ إِلَيْكَ، وَالْمُسابَقَةَ إِلَيْها مِنْ حَيْثُ أَمَرْتَ، وَالْمُشاحَّةَ فِيها عَلي ما أَرَدْتَ، وَلا تَمْحَقْنِي فِيمَنْ تَمْحَقُ مِنَ الْمُسْتَخِفِّينَ بِما أَوْعَدْتَ، وَلا تُهْلِكْنِي مَعَ مَنْ تُهْلِكُ مِنَ الْمُتَعَرِّضِينَ لِمَقْتِكَ، وَلا تُتَبِرْنِي فِيمَنْ تُتَبِرُ مِنَ الْمُنْحَرِفِينَ عَنْ سُبُلِكَ، وَنَجِّنِي مِنْ غَمَراتِ الْفِتْنَةِ، وَخَلِّصْنِي مِنْ لَهَواتِ الْبَلْوي، وَأَجِرْنِي مِنْ أَخْذِ الْإِمْلاءِ، وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَدُوٍّ يُضِلُّنِي، وَهَويً يُوبِقُنِي، وَمَنْقَصَةٍ تَرْهَقُنِي، وَلا تُعْرِضْ عَنِي إِعْراضَ مَنْ لا تَرْضي عَنْهُ بَعْدَ غَضَبِكَ، وَلا تُؤْيِسْنِي مِنَ الْأَمَلِ فِيكَ فَيَغْلِبَ عَلَيَّ الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَلا تَمْتَحِنِي بِما لا طاقَةَ لِي بِهِ فَتَبْهَظَنِي مِمَّا تُحَمِلُنِيهِ مِنْ فَضْلِ مَحَبَّتِكَ، وَلا تُرْسِلْنِي مِنْ يَدِكَ إِرْسالَ مَنْ لا خَيْرَ فِيهِ، وَلا حاجَةَ بِكَ إِلَيْهِ، وَلا إِنابَةَ لَهُ، وَ لاتَرْمِ بِي رَمْيَ مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ رِعايَتِكَ، وَمَنِ اشْتَمَلَ

ص: 207

عَلَيْهِ الْخِزْيُ مِنْ عِنْدِكَ، بَلْ خُذْ بِيَدِي مِنْ سَقْطَةِ الْمُتَرَدِّينَ، وَوَهْلَةِ الْمُتَعَسِّفِينَ، وَزَلَّةِ الْمَغْرُورِينَ، وَوَرْطَةِ الْهالِكِينَ، وَ عافِنِي مِمَّا ابْتَلَيْتَ بِهِ طَبَقاتِ عَبِيدِكَ وَ إِمائِكَ، وَبَلِغْنِي مَبالِغَ مَنْ عُنِيتَ بِهِ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ وَرَضِيتَ عَنْهُ، فَأَعَشْتَهُ حَمِيداً، وَتَوَفَّيْتَهُ سَعِيداً، وَطَوِّقْنِي طَوْقَ الْإِقْلاعِ عَمَّا يُحْبِطُ الْحَسَناتِ، وَيَذْهَبُ بِالْبَرَكاتِ، وَأَشْعِرْ قَلْبِيَ الْازْدِجارَ عَنْ قَبائِحِ السَّيِئاتِ، وَفَواضِحِ الْحَوْباتِ، وَلا تَشْغَلْنِي بِما لا أُدْرِكُهُ إِلّا بِكَ عَمَّا لا يُرْضِيكَ عَنِي غَيْرُهُ، وَأَنْزِعْ مِنْ قَلْبِي حُبَّ دُنْيا دَنِيَّةٍ تَنْهي عَمَّا عِنْدَكَ، وَتَصُدُّ عَنِ ابْتِغاءِ الْوَسِيلَةِ إِلَيْكَ، وَتُذْهِلُ عَنِ التَّقَرُّبِ مِنْكَ، وَزَيِنْ لِيَ التَّفَرُّدَ بِمُناجاتِكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَهَبْ لِي عِصْمَةً تُدْنِينِي مِنْ خَشْيَتِكَ، وَتَقْطَعُنِي عَنْ رُكُوبِ مَحارِمِكَ، وَتَفُكَّنِي مِنْ أَسْرِ الْعَظائِمِ، وَهَبْ لِيَ التَّطْهِيرَ مِنْ دَنَسِ الْعِصْيانِ، وَأَذْهِبْ عَنِّي دَرَنَ الْخَطايا، وَسَرْبِلْنِي بِسِرْبالِ عافِيَتِكَ، وَرَدِّنِي رِداءَ مُعافاتِكَ، وَجَلِلْنِي سَوابِغَ نَعْمائِكَ، وَظاهِرْ لَدَيَّ فَضْلَكَ وَطَوْلَكَ، وَأَيِدْنِي بِتَوْفِيقِكَ وَتَسْدِيدِكَ، وَأَعِنِي عَلي صالِحِ النِيَّةِ، وَمَرْضِيِ الْقَوْلِ، وَمُسْتَحْسَنِ الْعَمَلِ، وَلا تَكِلْنِي إِلي حَوْلِي وَقُوَّتِي دُونَ حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ، وَلا

ص: 208

تُخْزِنِي يَوْمَ تَبْعَثُنِي لِلِقائِكَ، وَلا تَفْضَحْنِي بَيْنَ يَدَيْ أَوْلِيائِكَ، وَلا تُنْسِنِي ذِكْرَكَ، وَلا تُذْهِبْ عَنِي شُكْرَكَ، بَلْ أَلْزِمْنِيهِ فِي أَحْوالِ السَّهْوِ عِنْدَ غَفَلاتِ الْجاهِلِينَ لِآلائِكَ، وَأَوْزِعْنِي أَنْ أُثْنِيَ بِما أَوْلَيْتَنِيهِ، وَأَعْتَرِفَ بِما أَسْدَيْتَهُ إِلَيَّ، وَاجْعَلْ رَغْبَتِي إِلَيْكَ فَوْقَ رَغْبَةِ الرَّاغِبِينَ، وَحَمْدِي إِيَّاكَ فَوْقَ حَمْدِ الْحامِدِينَ، وَلا تَخْذُلْنِي عِنْدَ فاقَتِي إِلَيْكَ، وَلا تُهْلِكْنِي بِما أَسْدَيْتُهُ إِلَيْكَ، وَلا تَجْبَهْنِي بِما جَبَهْتَ بِهِ الْمُعانِدِينَ لَكَ، فَإِنِي لَكَ مُسَلِمٌ، أَعْلَمُ أَنَّ الْحُجَّةَ لَكَ، وَأَنَّكَ أَوْلي بِالْفَضْلِ، وَأَعْوَدُ بِالْإِحْسانِ، وَأَهْلُ التَّقْوي وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ، وَأَنَّكَ بِأَنْ تَعْفُوَ أَوْلي مِنْكَ بِأَنْ تُعاقِبَ، وَأَنَّكَ بِأَنْ تَسْتُرَ أَقْرَبُ مِنْكَ إِلي أَنْ تَشْهَرَ، فَأَحْيِنِي حَياةً طَيِبَةً تَنْتَظِمُ بِما أُرِيدُ، وَتَبْلُغُ ما أُحِبُّ مِنْ حَيْثُ لا آتِي ما تَكْرَهُ، وَلا أَرْتَكِبُ ما نَهَيْتَ عَنْهُ، وَأَمِتْنِي مِيْتَةَ مَنْ يَسْعي نُورُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ، وَذَلِلْنِي بَيْنَ يَدَيْكَ، وَأَعِزَّنِي عِنْدَ خَلْقِكَ، وَضَعْنِي إِذا خَلَوْتُ بِكَ، وَارْفَعْنِي بَيْنَ عِبادِكَ، وَأَغْنِنِي عَمَّنْ هُوَ غَنِيٌّ عَنِي، وَزِدْنِي إِلَيْكَ فاقَةً وَفَقْراً، وَأَعِذْنِي مِنْ شَماتَةِ الْأَعْداءِ، وَمِنْ حُلُولِ الْبَلاءِ، وَمِنَ الذُّلِ وَالْعَناءِ، تَغَمَّدْنِي فِيمَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِي بِما يَتَغَمَّدُ بِهِ الْقادِرُ

ص: 209

عَلَي الْبَطْشِ لَوْلا حِلْمُهُ، وَالْآخِذُ عَلَي الْجَرِيرَةِ لَوْلا أَناتُهُ، وَإِذا أَرَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً أَوْ سُوءاً فَنَجِنِي مِنْها لِواذاً بِكَ، وِإِذْ لَمْ تُقِمْنِي مَقامَ فَضِيحَةٍ فِي دُنْياكَ فَلا تُقِمْنِي مِثْلَهُ فِي آخِرَتِكَ، وَاشْفَعْ لِي أَوائِلَ مِنَنِكَ بِأَواخِرِها، وَقَدِيمَ فَوائِدِكَ بَحَوادِثِها، وَلا تَمْدُدْ لِي مَدّاً يَقْسُو مَعَهُ قَلْبِي، وَلا تَقْرَعْنِي قارِعَةً يَذْهَبُ لَها بَهائِي، وَ لاتَسُمْنِي خَسِيسَةً يَصْغُرُ لَها قَدْرِي، وَلا نَقِيصَةً يُجْهَلُ مِنْ أَجْلِها مَكانِي، وَلا تَرُعْنِي رَوْعَةً أُبْلِسُ بِها، وَلا خِيفَةً أُوجِسُ دُونَها، اجْعَلْ هَيْبَتِي فِي وَعِيدِكَ، وَحَذَرِي مِنْ إِعْذارِكَ وَإِنْذارِكَ، وَرَهْبَتِي عِنْدَ تِلاوَةِ آياتِكَ، وَاعْمُرْ لَيْلِي بِإِيقاظِي فِيهِ لِعِبادَتِكَ، وَتَفَرُّدِي بِالتَّهَجُّدِ لَكَ، وَتَجَرُّدِي بِسُكُونِي إِلَيْكَ، وَإِنْزالِ حَوائِجِي بِكَ، وَمُنازَلَتِي إِيَّاكَ فِي فَكاكِ رَقَبَتِي مِنْ نارِكَ، وَإِجارَتِي مِمَّا فِيهِ أَهْلُها مِنْ عَذابِكَ، وَلا تَذَرْنِي فِي طُغْيانِي عامِهاً، وَلا فِي غَمْرَتِي ساهِياً حَتّي حِينٍ، وَلا تَجْعَلْنِي عِظَةً لِمَنِ اتَّعَظَ، وَلا نَكالًا لِمَنِ اعْتَبَرَ، وَلا فِتْنَةً لِمَنْ نَظَرَ، وَلا تَمْكُرْ بِي فِيمَنْ تَمْكُرُ بِهِ، وَلا تَسْتَبْدِلْ بِي غَيْرِي، وَلا تُغَيِرْ لِي اسْماً، وَ لا تُبَدِّلْ لِي جِسْماً، وَلا تَتَّخِذْنِي هُزُواً لِخَلْقِكَ، وَلا سُخْرِيّاً لَكَ وَلا تَبَعاً إِلّا

ص: 210

لِمَرْضاتِكَ، وَلا مُمْتَهَناً إِلّا بِالانْتِقامِ لَكَ، وَأَوْجِدْنِي بَرْدَ عَفْوِكَ وَحَلاوَةَ رَحْمَتِكَ، وَ رَوْحِكَ وَ رَيْحانِكَ وَ جَنَّةِ نَعِيمِكَ، وَأَذِقْنِي طَعْمَ الْفَراغِ لِما تُحِبُّ بِسَعَةٍ مِنْ سَعَتِكَ، وَالاجْتِهادِ فِيما يُزْلِفُ لَدَيْكَ وَعِنْدَكَ، وَ أَتْحِفْنِي بِتُحْفَةٍ مِنْ تُحَفاتِكَ، وَاجْعَلْ تِجارَتِي رابِحَةً، وَكَرَّتِي غَيْرَ خاسِرَةٍ، وَأَخِفْنِي مَقامَكَ، وَشَوِّقْنِي لِقاءَكَ، وَتُبْ عَلَيَّ تَوْبَةً نَصُوحاً، لا تُبْقِ مَعَها ذُنُوباً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً، وَلا تَذَرْ مَعَها عَلانِيَةً وَلا سَرِيرَةً، وَانْزِعِ الْغِلَّ مِنْ صَدْرِي لِلْمُؤْمِنِينَ، وَاعْطِفْ بِقَلْبِي عَلَي الْخاشِعِينَ، وَكُنْ لِي كَما تَكُونُ لِلصَّالِحِينَ، وَحَلِنِي حِلْيَةَ الْمُتَّقِينَ، وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْغابِرِينَ، وَذِكْراً نامِياً فِي الْآخِرِينَ، وَوافِ بِي عَرْصَةَ الْأَوَّلِينَ، وَتَمِمْ سُبُوغَ نِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَظاهِرْ كَراماتِها لَدَيَّ، إِمْلَاْ مِنْ فَوائِدِكَ يَدِي، وَسُقْ كَرائِمَ مَواهِبِكَ إِلَيَّ، وَجاوِرْ بِيَ الْأَطْيَبِينَ مِنْ أَوْلِيائِكَ فِي الْجِنانِ الَّتِي زَيَّنْتَها لِأَصْفِيائِكَ، وَجَلِلْنِي شَرائِفَ نِحَلِكَ فِي الْمَقاماتِ الْمُعَدَّةِ لِأَحِبَّائِكَ، وَاجْعَلْ لِي عِنْدَكَ مَقِيلًا آوِي إِلَيْهِ مُطْمَئِنّاً، وَمَثابَةً أَتَبَوَّأُها وَأَقَرُّ عَيْناً، وَلا تُقايِسْنِي بِعَظِيماتِ الْجَرائِرِ، وَلا تُهْلِكْنِي يَوْمَ تُبْلَي السَّرائِرُ، وَأَزِلْ عَنِي كُلَّ شَكّ وَشُبْهَةٍ، وَاجْعَلْ

ص: 211

لِي فِي الْحَقِ طَرِيقاً مِنْ كُلِ رَحْمَةٍ، وَأَجْزِلْ لِي قِسَمَ الْمَواهِبِ مِنْ نَوالِكَ، وَوَفِّرْ عَلَيَّ حُظُوظَ الْإِحْسانِ مِنْ إِفْضالِكَ، وَاجْعَلْ قَلْبِي واثِقاً بِما عِنْدَكَ، وَهَمِي مُسْتَفْرَغاً لِما هُوَلَكَ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِما تَسْتَعْمِلُ بِهِ خالِصَتَكَ، وَ أَشْرِبْ قَلْبِي عِنْدَ ذُهُولِ الْعُقُولِ طاعَتَكَ، وَاجْمَعْ لِيَ الْغِني وَالْعَفافَ وَالدَّعَةَ وَالْمُعافاةَ وَالصِحَّةَ وَالسَّعَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالْعافِيَةَ، وَلا تُحْبِطْ حَسَناتِي بِما يَشُوبُها مِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَلا خَلَواتِي بِما يَعْرِضُ لِي مِنْ نَزَغاتِ فِتْنَتِكَ، وَصُنْ وَجْهِي عَنِ الطَّلَبِ إِلي أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ، وَذُبَّنِي عَنِ الْتِماسِ ما عِنْدَ الْفاسِقِينَ، وَ لا تَجْعَلْنِي لِلظَّالِمِينَ ظَهِيراً، وَلا لَهُمْ عَلي مَحْوِ كِتابِكَ يَداً وَنَصِيراً، وَحُطْنِي مِنْ حَيْثُ لا أَعْلَمُ حِياطَةً تَقِينِي بِها، وَافْتَحْ لِي أَبْوابَ تَوْبَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَرَأْفَتِكَ وَرِزْقِكَ الْواسِعِ، إِنِي إِلَيْكَ مِنَ الرَّاغِبِينَ، وَأَتْمِمْ لِي إِنْعامَكَ إِنَّكَ خَيْرُ الْمُنْعِمِينَ، وَاجْعَلْ باقِيَ عُمُرِي فِي الْحَجِ وَالْعُمْرَةِ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ يا رَبَّ الْعالَمِينَ، وَصَلَّي اللَّهُ عَلي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَالسَّلامُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَبَدَ الْآبِدِينَ». (1)


1- آية الله السيد علي الخامنئي، مناسك الحج (للخامنئي)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1426 ه. ق..

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.