فقدالاعتدال في نقدالرجال: دراسة تحليلية لشرطية عدالةالراوي عندالجمهور

اشارة

سرشناسه : كروي، محمد

عنوان و نام پديدآور : فقدالاعتدال في نقدالرجال: دراسة تحليلية لشرطية عدالةالراوي عندالجمهور/ محمد الكروي (القيسي).

مشخصات نشر : تهران: نشر مشعر، 1390.

مشخصات ظاهري : 159 ص.

شابك : 978-964-540-339-1

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه: ص. [145]- 156؛ همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع : حديث -- جرح و تعديل

موضوع : حديث -- علم الرجال

رده بندي كنگره : BP114/2/ك4ف7 1390

رده بندي ديويي : 297/264

شماره كتابشناسي ملي : 2494147

ص:1

الإهداء

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

إلى الهادي من الضلال، والمرشد من العمى. . .

إلى معلِّم الإنسانية الأكبر، وهادي البشرية الأعظم. . .

إلى المبعوث رحمة للعالمين، أبي القاسم مُحمّد (ص) . . .

إلى مَن اختارهم الله واصطفاهم أُمناء لوحيه وأبواباً لمعرفته. . .

إلى الائمَّة من آل النبيّ الأطهار المظلومين. . .

أُهدي هذا الجهد المتواضع

فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) (يوسف: ٨٨)

ص:6

ص:7

المقدّمة

الحمد لله ربِّ العالمين، حمداً يفوق سائر الحمد، كفضل ربِّنا على جميع خلقه، والصلاة والسلام على أشرف الأنام، محمد وآله الطيِّبين الكرام.

وبعد. . . فإنَّ الاهتمام بالسُنَّة الشريفة - قول المعصوم وفعله وتقريره - هو الاهتمام بالشريعة بعينها؛ لأنَّ السُنَّة هي الركن الركين، والمَعين الذي لا ينضب للشريعة، بعد القرآن؛ لذا فقد اعتنى المسلمون بمختلف طوائفهم وفرقهم بالحديث وما يتعلَّق به اهتماماً منقطع النظير، فوضعوا لعلم الحديث قواعد وأُسس وضوابط دقيقة.

ولا يخفى أنَّ الطريق الغالب لوصول تلك السنَّة هو خبر الواحد الحاكي عن تلك السنَّة، وخبر الواحد له دعامتان أساسيتان هما: المتن، والسند.

لذا فقد وضع علماء الحديث وعلماء الأصول ضوابط لكلا الدعامتين، لا يُحتجّ بالخبر بدونها.

فوضعوا للسند - الذي هو طريق المتن، أو قُل: هو مجموعة الرواة الذين مرَّ من خلالهم ذلك المتن - ضوابط منها: الإسلام، والبلوغ، والضبط، واختلفوا في ضوابط أخرى.

ثُمَّ إنَّ ما عليه جمهور المسلمين - أعني غير الشيعة الإمامية، وهم جمهور أهل السنَّة - هو اشتراط العدالة في الراوي، وعدم كفاية الوثوق بالخبر أو كون الراوي ثقة. أمَّا ما عليه مشهور الشيعة الإمامية، فهو كفاية كون الراوي ثقة، لا يكذب في الحديث.

هذا في مقام التأسيس والنظرية.

ص:8

ولكن هذا الكتاب إنَّما يتناول شرطية العدالة في الراوي عند الجمهور، ومدى انعكاسها وتطبيقها عملياً على طوائف خاصة من الرواة.

إذن، فهذا البحث ليس في أصل اشتراط العدالة، بل في مدى تطبيقها، بعد الفراغ من شرطيتها عند الجمهور.

وسيثبت من خلال طيَّات هذا الكتاب أنَّ الجمهور اضطربوا أيّ اضطراب في تطبيق ما أسَّسوه في مقام النظرية، في خصوص شرط العدالة؛ فوثَّقوا رواةً لا ينبغي توثيقهم على مبانيهم، وضعَّفوا آخرين لا يستحقّون التضعيف على نفس المباني؛ لذا جاء عنوان الكتاب فقد الاعتدال في نقد الرجال ليشخِّص هذا الخلل في تطبيق النظرية على مصاديقها، ويشير إلى المطلوب في نقد الرجال.

ص:9

الفصل الاول: بين يدى البحث

المبحث الاول: الحاجة إلى علم الرجال

لا يخفى على كل ذي مِسكة من عقل أنَّ السنّة الشريفة - قول المعصوم أو فعله أو تقريره - هي أحد أهمِّ مصادر التشريع الإسلامي، وهذا ممَّا لا يختلف عليه اثنان من المسلمين.

ولمّا كان الطريق الغالب لوصول السنّة الشريفة لنا هو خبر الواحد الحاكي لتلك السنّة. بعد الفراغ عن ثبوت حجّيته ولزوم العمل على طبق مؤدَّاه بشروط خاصة وضوابط معيّنة ذُكرت في محلّها، عند البحث عن حجّية وشرائط خبر الواحد سنداً ومتناً.

ولمّا كان المُخبر عنه مُتَّكٍ على ركيزتين أساسيتين لا يقوم بدونهما، ألا وهما: السند والمتن.

و «السند: هو طريق المتن، وهو جملة مَن رواه، من قولهم فلان سند، أي: مُعتَمد، فسُمِّي سنداً لاعتماد العلماء في صحة الحديث وضعفه عليه»(1)


1- الرعاية في علم الدراية، زين الدين بن علي، الشهيد الثاني، ص5٣؛ توضيح الأفكار، محمد بن اسماعيل الصنعاني، ج١ ص٨.

ص:10

فان من الواضح حينئذٍ أن لا غنى للمتعاملين مع السنّة الشريفة من فقهاء ومجتهدين عن علم الرجال، أو علم الجرح والتعديل كما يسمِّيه بعضهم؛ لأنَّه يؤمِّن الشروط المعتبرة في سلامة إحدى الركيزتين المتقدِّمتي الذكر؛ إذ من خلاله يتمّ البتُّ باستيفاء الخبر للشروط الخاصة المتعلِّقة بالسند أو عدم استيفائه لتلك الشروط.

فالحاجة إلى معرفة حال رواة الحديث، من حيث اتِّصافهم بتلك الشروط الخاصة أو عدم اتّصافهم بها، تتمّ من خلال علم الرجال.

قال العلامة الحلي رحمه الله:

فإنَّ العلم بحال الرواة من أساس الأحكام الشرعية، وعليه تبتني القواعد السَمْعِية. يجب على كل مجتهد معرفته وعلمه، ولا يسوغ له تركه وجهله؛ إذ أكثر الأحكام تُستفاد من الأخبار النبويَّة والروايات عن الأئَّمة المهدية. . . . (1)

وقال الفخر الرازي في المحصول في علم أصول الفقه، عند ذكر العلوم التي لابدَّ للمجتهد من معرفتها، قال ما نصّه:

فإنْ قال قائل: فصّلوا العلوم التي يحتاج المجتهد، إليها، قلنا: قال الغزالي (ره) : مدارك الأحكام أربع: الكتاب، والسنّة، والإجماع، والعقل. فلابدَّ من العلم بهذه الأربعة، ولابدَّ معها من أربعةٍ أُخرى، اثنان مقدّمان واثنان مؤخّران. . . . أمَّا العِلمان المُتمّان فأحدهما يتعلّق بالكتاب، وهو علم الناسخ والمنسوخ، والآخر بالسنّة، وهو علم الجرح والتعديل ومعرفة أحوال الرجال.(2)

وقد حاول البعض إلغاء دور علم الرجال - خصوصاً في الأعصار المتأخرة - بذرائع شتّى، فهذا الفخر الرازي يقول: «واعلم أنَّ البحث عن أحوال الرجال في زماننا هذا، مع طول المدّة وكثرة الوسائط، أمر كالمتعذّر، فالأولى الاكتفاء بتعديل الأئمّة الذين اتَّفق الخلق على عدالتهم، كالبخاري و مسلم وأمثالهما» .(3)


1- خلاصة الأقوال، يوسف بن المطهّر، العلامة الحلي، ص٣.
2- المحصول في علم الأصول، محمد بن عمر الرازي، ج6 ص٢4.
3- المصدر نفسه، ج6، ص٢5.

ص:11

ولا يخفى ما في هذا الرأي من ضعف؛ إذ دعوى تعذّر معرفة أحوال الرجال مردودة على مدَّعيها إلى أن تثبت بالدليل، ثُمَّ في الموارد التي لا يتَّفق عليها الأئمَّة المذكورون، كيف يتمّ التعامل معها؟ ! وكذا الموارد التي سكتوا عنها أو كانت عباراتهم فيها مُجمَلَة، فما العمل حينئذٍ؟ !

لذا، فلابدَّ للمجتهد أن يُعمل رأيه كي يثبت توفّر الشروط المعينة في فلان باعتباره راوٍ أو عدم توفرها. وأضف لكل ما سبق أنَّ هؤلاء الأئمَّة المذكورين لا يعدون كونهم مجتهدين، وقد تسالم في الفقه وغيره أنَّ قول المجتهد ليس بحجةٍ على مجتهدٍ آخر.(1)

كما أنَّ هناك آخرين ادَّعوا نفس الدعوى الآنفة الذكر - وهي عدم الحاجة إلى علم الرجال، وخصوصاً في الأعصار المتأخرة - بذريعة قطعية صدور روايات الصحيحين، (صحيح البخاري وصحيح مسلم) ، عن رسول الله (ص) ، وذهب إلى قطعية روايات الصحيحين أغلب أهل الحديث. قال الدكتور صبحي الصالح:

لا خلاف بين المُحدِّثين في أنَّ كلا من المتواتر اللفظي والمعنوي يُوجِب العلم القطعي اليقيني، وإنّما هم يختلفون في الحديث الصحيح الآحادي، هل يفيد الظن أم القطع؟ فالنووي في التقريب يراه ظني الثبوت، وأكثر أهل الحديث يقطعون منه بما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، وبعضهم يُرجِّحون أنَّ الآحادي الصحيح - سواء أخرجه الشيخان أم سواهما - يفيد العلم القطعي اليقيني، كالمتواتر بقسميه على حدٍ سواء. قال ابن حزم: «إنَّ خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله (ص) يوجب العلم والعمل معاً» .(2)

وهذه الدعوى أيضاً مردودة؛ إذ حتى لو سُلِّم بقطعية صدور ما في الصحيحين، فالحاجة تبقى ماسَّة إلى علم الرجال؛ لأنَّ أدلة الأحكام لا تختصّ بالصحيحين، بل إنَّ الثابت بما لايقبل الشك أنَّ الكثير من الروايات الصحاح قد وردت في غير هذين الصحيحين، وهذا ما لا يحتاج الى دليل.


1- فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، ج٩، ص٣6٣.
2- علوم الحديث ومصطلحاته، صبحي الصالح، ص ١5١.

ص:12

على أنَّ نفس الدعوى غير مسلّمة عند الجمهور - أعني غير الامامية - فالحديث الصحيح باقٍ على ظنيّته لا يوجب علماً - أي قطعاً بالصدور - عند المشهور من علمائهم. قال ابن حزم:

. . . وقال الحنفيّون والشافعيون، وجمهور المالكيين، وجميع المعتزلة والخوارج: إنَّ خبر الواحد لا يوجب العلم. ومعنى هذا عند جميعهم أنَّه قد يمكن أن يكون كذباً أو موهوماً فيه، واتَّفقوا كلّهم في هذا.(1)

ومعنى هذا أنَّ مشهور الجمهور قائل ببقاء الحديث الصحيح - مهما بلغ من الصحة- على الظنية، ولا ينقلب إلى قطعي الصدور كي يوجب علماً كما في المتواتر.

فثبت إلى هنا أن لا غنى للمجتهد عن علم الرجال؛ لأهمِّيته التي لا تُنكَر في إثبات السنّة الشريفة، التي هي ثاني مصدر من المصادر التي تعيّن الاحكام الشرعية بعد القرآن الكريم.

المبحث الثانى: إشارة إجمالية إلي ضوابط وشروط الراوى عند الجمهور

لقد اتَّفقت كلمة الجمهور على شروط اعتبروها في الراوي كي يؤخَذ بروايته، فادَّعى كثير منهم الإجماع، بل الاتفاق عليها كما سنرى.

وهذه الشروط هي: الإسلام، البلوغ، العدالة، والضبط.

واتفقت في ذلك كلمة أهل الحديث، محدِّثين ورجاليين، وأهل الأصول - اعتبار علم الأصول عندهم شامل لجميع ما يتعلَّق بالمُخبِر (بكسر الباء) ، وهو الراوي، والمُخبَر عنه وهو مدلول الخبر، والخبر نفسه وهو اللفظ؛ - فإنَّ الجميع أصولييهم تعرَّضوا لشرائط الراوي.

ولا بأس هنا أن نتعرَّض - على نحو الإيجاز - إلى طائفةٍ من أقوال أهل الحديث، ثُمَّ الأصوليين في تلك الشرائط.


1- الأحكام، علي بن احمد بن حزم، ج١، ص١١٢.

ص:13

١- قال ابن الصلاح:

أجمع جماهير أئمَّة الحديث والفقه على أنَّه يشترط فيمَن يُحتَجّ بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يرويه، وتفصيله: أن يكون مسلماً، بالغاً، عاقلاً، سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقّظاً غير مُغفل، حافظاً إن حدّث من حفظه، ضابطاً لكتابه إن حدّث منه، وإن كان يُحدِّث بالمعنى، اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالماً بما يُحيل من المعاني. . . .(1)

٢- وذكر ابن جُماعة الإجماع أيضاً، حيث قال:

أجمع جماهير أئمة العلم بالحديث والفقه والأصول على أنَّه يشترط فيمَن يحتجّ بحديثه العدالة والضبط، فالعدالة أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سليماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، والضبط أن يكون متيقّظاً حافظاً إن حدَّث. . . .(2)

٣- وذكره أيضاً السيوطي قائلاً في صفة مَن تُقبَل روايته:

أجمع الجماهير من أئمّة الحديث والفقه أنَّه يشترط فيه أن يكون عدلاً ضابطاً. بأن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سليماً من أسباب الفسق وخوارم. . . .

إلى أن قال معلّقاً على السلامة من أسباب الفسق وخوارم المروءة ما نصّه:

. . . على ما حرّر في الشهادات من كتب الفقه. . . قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (الحجرات: 6) ، وقال: وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (الطلاق: 2) ، وفي الحديث: «لا تأخذوا العلم إلاَّ ممَّن تقبلون شهادته» . . . . (3)

وكأنَّه يرى أنَّ عدالة الراوي هي عينها عدالة الشاهد، أي لا تكفي العدالة الظاهرية فيه. وسيأتي تفصيل ذلك في المبحث اللاحق.

4- بل ترقّى بعضهم وذكر الاتفاق على ذلك، كما أدّعاه الدمشقي بقوله: «اتَّفق علماء


1- مقدمة ابن الصلاح، أبو عمرو بن عثمان بن الصلاح، ج١، ص١٠4.
2- المنهل الراوي في مختصر علوم الحديث النبوي، محمد بن إبراهيم بن جماعة، ج١، ص6٣.
3- تدريب الراوي -شرح تقريب النواوي، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ج١، ص٣٠٠.

ص:14

الحديث على أنَّه لا يُؤخَذ بالحديث إلاَّ إذا كانت رواته موصوفين بالعدالة والضبط. . .» .(1)نعم، اشترط بعضهم شروطاً زائدة على ذلك، كاشتراط ابن حِبّان (بكسر الحاء) الخلوّ من التدليس(2)، كما وافقه في ذلك الخطيب البغدادي قائلاً: «لا يُقبَل خبر الواحد حتى تثبت عدالة رجاله واتِّصال إسناده. وثبوت العدالة أن يكون الراوي. . . وينبغي أن لا يكون مُدلِّساً في روايته» .(3)

أمَّا الأصوليون، فلم يتعدّوا هذه الشروط، وهذه نماذج مُنتقاة من أقوالهم:

١- قال السبكي: «للعمل بخبر الواحد شرائط. . . الأول التكليف. . . ؛ الثاني: كونه من أهل القبلة. . . ؛ الثالث: العدالة وهي. . . ؛ الرابع: الضبط. . .» .(4)

٢- قال السرخسي إنَّ هذه الشرائط أربعة: «العقل، والضبط، والعدالة، والإسلام»(5)

٣- وذكر عين تلك الشروط الآمدي، قائلاً:

. . . وأمَّا الشروط المعتبرة فهي أربعة: الشرط الأوَّل: أن يكون الراوي مُكلَّفاً؛ الشرط الثاني: أن يكون مسلماً؛ الشرط الثالث: أن يكون ضبطه لما يسمعه أرجح من عدم ضبطه؛ الشرط الرابع: أن يكون متصفاً بالعدالة.(6)

إذن، تلخّص إلى هنا أنَّ محدِّثي الجمهور و أصوليّيهم مجمعون على شرطية هذه


1- توجيه النظر إلى أصول الأثر، طاهر الجزائري الدمشقي، ج١، ص٩١.
2- التدليس بالتحريك : الظلمة، والمدالسة: المخادعة لسان العرب، ج6، ص٨6. و في الاصطلاح لها معانٍ عدة، قال ابن سبط بن العجمي في التبيين لأسماء المدلسين، ج١، ص٣٢: قال: «ثُمَّ اعلم أنَّ التدليس على ثلاثة أقسام، الأول: تدليس الإسناد: وهو أن يُسقِط اسم شيخه الذي سمع منه، ويرتقي إلى شيخ شيخه بعنوان وقال، أو يسقط أداة الرواية ويسمّي الشيخ فقط فيقول: فلان مثلاً. . . ؛ القسم الثاني: تدليس الشيوخ: وهو أن يصف الشيخ المسمع بوصف لا يُعرَف به، من إسمٍ أو كنيةٍ أو لقبٍ، أو نسبةٍ إلى قبيلةٍ أو بلدةٍ أو صنعةٍ. . . ؛ القسم الثالث: وهو تدليس التسوية: . . . . وهو أنه يروي حديثاً عن شيخٍ ثقةٍ غير مدلِّسٍ، وذلك الثقة يرويه عن ضعيف عن ثقة، فيأتي المدلّس الذي سمع من الثقة الأول غير المدلّس، فيسقط الضعيف الذي في السند، ويجعل الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل، فيسوّي الإسناد كله ثقات، وهذا أشرّ الأقسام. . . .
3- الفقيه والمتفقه، أحمد بن علي الخطيب البغدادي، ج١، ص٢٩١.
4- الإبهاج في شرح المنهاج، علي بن عبد الكافي السبكي، ج٢، ص٣١١.
5- أصول السرخسي، محمد بن على السرخسي، ج١، ص٣45.
6- الإحكام في أصول الأحكام، علي بن محمد الآمدي، ج٢، ص٨٣.

ص:15

الشروط الأربعة في الراوي، نعم أضاف بعضهم شرط عدم التدليس، وهذا لا يضرّ بإجماعهم واتفاقهم المذكور.(1)

المبحث الثالث: نظرة تفصيلية لشرطية العدالة عند الجمهور ٢

(2)

إنَّما أفردنا العدالة بالتفصيل؛ لأنَّها مدار البحث، وفيها ومنها نشأ الكثير من الاضطراب بين ما اشتُرِط نظرياً، وبين ما توصَّلوا إليه واصطدموا به في مقام الجري العملي؛ إذ إنّهم وضعوا في العدالة شروط وأركان اختلفت أو تخلَّفت عند التطبيق.

فلا بد أن نتعرّف على العدالة المُشترَطة كشرط أساسي من شروط الراوي، فالجمهور مجمعون على شرطيتها، وعدم كفاية الوثاقة من الواضحات عندهم، وهذه نُبذ من أهمّ ما قيل في شرطيتها:

١- قال الخطيب البغدادي في كفايته:

حدثني أبو الفضل محمد بن عبيد الله المالكي إنه قرأ على القاضي أبي بكر محمد بن الطيب(3)قال: والعدالة المطلوبة في صفة الشاهد والمُخبِر هي العدالة، الراجعة إلى


1- تتميماً للفائدة، ننوه هنا وباختصار شديد إلى شروط الراوي عند أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام - اعني الشيعة الامامية الاثنا عشرية- فنقول: أمّا الاسلام فهو شرط اتفاقي، فلا تُقبل رواية الكافر مطلقاً، سواء كان من غير أهل القبلة - كاليهود والنصارى - أو من أهل القبلة كالمجسّمة والخوارج والغلاة عند مَن يكفّرهم، والظاهر أنَّ القسم الأول - وهم غير أهل القبلة - محل اتفاق. وأمَّا التكليف، - المتضمّن لشرطية العقل والبلوغ- فالعقل شرط اتفاقي، أمّا البلوغ، فاشتراطه هو المشهور، وأمّا الضبط، فهو أيضاً شرط اتفاقي لا خلاف فيه. وأمّا العدالة في الراوي - بمعنى الملكة النفسانية الراسخة الباعثة على ملازمة التقوى وترك ارتكاب الكبائر والإصرار على الصغائر - فالمشهور هو عدم اشتراطها، والاكتفاء بالوثاقة في الراوي، بمعنى تحرزه عن الكذب في الرواية. راجع في ذلك كل من: معالم الدين وملاذ المجتهدين، جمال الدين حسن العاملي.
2- سبق أن نوّهنا بشيء من الإيجاز إلى أنَّ أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام من الشيعة الإمامية لا يرون شرطية العدالة في الراوي، بل يكتفون بوثاقة الراوي وتحرزه عن الكذب. قال الشيخ الطوسي ره في كتابه: العدة مانصه: «فامّا مَن كان مخطئاً في بعض الأفعال، او فاسقاً في أفعال الجوارح، وكان ثقة في روايته، متحرزاً فيها، فإنَّ ذلك لا يوجب ردَّ خبره، ويجوز العمل به؛ لأنَّ العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه، وإنَّما الفسق بافعال الجوارح يمنع من قبول شهادته، وليس بمانع من قبول خبره، ولأجل ذلك قبلت الطائفة أخبار جماعة هذه صفتهم، عدةالأصول، محمد بن حسن الطوسي، ج١، ص١5٢.
3- هو أبو بكر الباقلاني، نسبة إلى باقلا- البقل المعروف -، القاضي الباقلاني البصري المتكلم المشهور، كان على مذهب الشيخ أبي حسن الأشعري، ومؤيداً اعتقاده، وناصراً طريقته، وسكن بغداد وصنَّف التصانيف الكثيرة المشهورة في علم الكلام. راجع في ترجمته: ابن خلكان، وفيات الأعيان: ج4 ص٢6٩.

ص:16

استقامة دينه وسلامة مذهبه، وسلامته من الفسق وما يجري مجراه بما اتفق أنَّه مُبطِل العدالة، من أفعال الجوارح والقلوب المنهي عنها.

والواجب أن يقال في جميع صفات العدالة : إنَّها اتّباع أوامر الله تعالى والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه، ممّا يُسقط العدالة. وقد عُلم مع ذلك أنَّه لا يكاد يسلم المكلَّف من البشر من كل ذنب. . . فيجب لذلك أن يقال: إنَّ العدل هو مَن عُرف بأداء فرائضه ولزوم ما أُمر به وتوقّي ما نُهي عنه، وتجنّب الفواحش المُسقطة، وتحرّي الحق والواجب في أفعاله ومعاملاته، والتوقّي في لفظه ممّا يثلم الدين والمروءة، فمن كانت هذه حاله، فهو الموصوف بأنَّه عدل في دينه ومعروف بالصدق في حديثه، وليس يكفيه في ذلك اجتناب الكبائر من الذنوب.(1)

فيلاحظ هنا تأكيد الخطيب البغدادي على أنَّ اجتناب الكبائر لا يكفي في تحقق العدالة، بل لابد منه وبالاضافة إلى ذلك تجنّب كل ما يثلم الدين، بل والمروءة أيضاً.

٢- قال الحاكم النيسابوري:

«وأصل عدالة المُحدِّث أن يكون مسلماً لا يدعو إلى بدعة، ولا يُعلن من أنواع المعاصي ما تسقط به عدالته» . (2)

ويلاحظ في هذا القول دخول (عدم البدعة) في مفهوم العدالة، وهذا لا ينافي ما تقدم من قول الخطيب البغدادي؛ لأنَّ البدعة من الأمور التي توجب الفسق، كما سيتضح ذلك قريباً عند الكلام عنها، فهي من الفواحش المُسقطة وهي مما يثلم الدين كما سيتضح، بل إنَّ الخطيب البغدادي صرَّح أيضاً بذلك عند تعليقه على قول شعبة (3)المشهور:

«حدّثوا عن أهل الشرف؛ فإنَّهم لا يكذبون» .(4)قال الخطيب مُعلِّقاً على ذلك:

«هذا


1- الكفاية في علم الرواية: الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، ج١ ص٨٠.
2- معرفة علوم الحديث، محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري، ج١، ص5٣.
3- هو شعبة بن الحجاج بن الورد، مولى الآشاقر، واسطي الأصل بصري الدار، رأى الحسن ومحمد بن سيرين وسمع قتادة ويونس بن عبيد وأيوب و. . . ، روى عنه أيوب السختياني والأعمش ومحمد بن إسحاق و. . . ، تُراجَع ترجمته في: وفيات الأعيان، ابن خلكان، ج4، ص46٩.
4- يُراجع: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، أحمد بن علي الخطيب البغدادي، ج١، ص١٢٧.

ص:17

بعد استقامة الطريقة وثبوت العدالة والسلامة من البدعة، فأمّا مَن لم يكن على هذه الصفة، فيجب العدول عنه واجتناب السماع منه» .(1)

٣- قال ابن حجر العسقلاني:

«والمراد بالعدل: مَن له مَلَكَة تحمله على التقوى والمروءة، والمراد بالتقوى: اجتناب الأعمال السيئة، من شركٍ أو فسق أو بدعة» .(2)

4- قال السخاوي:

«العدالة: وضابطها إجمالاً أنَّها مَلَكَة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، والمراد بالتقوى: اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة» .(3)

5- قال ابن الوزير، عند تعريفه للعدالة:

«هي محافظة دينية تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، ليس معها بدعة. . . وقولنا ليس معها بدعة؛ ليخرج المُبتدِع، إذ هؤلاء ليسوا عدولاً» .(4)

6- وقال الشوكاني:

أمّا الشروط الراجعة إلى الراوي فخمسة: . . . الشرط الثالث: العدالة. قال الرازي في المحصول: هي هيئة راسخة في النفس، تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً، حتى يحصل ثقة النفس بصدقه. . . واعلم أنَّ العدالة شرط بالاتفاق، لكن اختُلف في معناها، فعند الحنفية عبارة عن الإسلام وعدم الفسق، وعندنا ملكة في النفس تمنع من اقتراف الكبائر وصغائر الخسّة، كسرقة لقمة، والرذائل المباحة.(5)

و على هذا، فإنَّ البدعة من موانع العدالة، سواء على قول الحنفية أم على قول غيرهم القائلين بالملكة، وسيتَّضح ذلك أكثر عند الكلام عن البدعة وإثبات كونها من الذنوب المُؤاخَذ عليها.

٧- قال الدمشقي: «

وأصل عدالة المُحدِّث أن يكون مسلماً لا يدعو إلى بدعة» .(6)

هذه هي أهمّ الأقوال في مسألة العدالة. ونستطيع أن نستنتج من هذه الأقوال ما يلي:


1- يُراجع: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، ج١، ص٢٧.
2- نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، ابن حجر العسقلاني، ج١، ص٢٢٩.
3- فتح المغيث - شرح ألفية الحديث، محمد بن عبد الرحمن السخاوي، ج١، صص٢٩٠ و ٢٩١.
4- المختصر في علم الأثر محمد بن إبراهيم بن الوزير اليماني، ج١، ص١5٧.
5- إرشاد الفحول، محمد بن علي الشوكاني، ج١، ص٩5.
6- توجيه النظر إلى أصول الأثر، ج١، ص4٢٠.

ص:18

١. إنَّ العدالة شرط اتفاقي بينهم، لم يشذّ أحد من محدّثي الجمهور ورجالييهم عن ذكره.

٢. لم يتطرَّق أي واحد منهم إلى كفاية الوثاقة وعدم الكذب، وهذا يعني عدم كفاية ذلك، بل لابد من إحراز العدالة.

٣. بعد الاتفاق على العدالة، اختُلف في معناها - كما نقل الشوكاني - بين كونها عدم ارتكاب المفسق، أو أنَّها مَلَكَة تمنع من ارتكاب الذنوب - صغائرها وكبائرها - ولكن على كلا القولين فإنَّ المداومة على ارتكاب ذنب معيَّن يكشف قطعاً وجزماً عن عدم العدالة، سواء قيل إنَّها عدم ارتكاب المفسق هذا واضح؛ لأنَّ ارتكاب ذنب ما هو من المفسقات - أم قيل بأنَّها مَلَكَة - إذ المداومة على الذنب يكشف عن عدم تلك الملكة. إذن فالمبتدع المقيم على بدعته المفسقة غير عادل على القولين.

4. يلاحظ دخول (عدم البدعة) في مفهوم العدالة، فمَن صرَّح بذلك مباشرة، كما هو في القول رقم ٢ و٣ و4 و5 و٧، فهذا واضح عندهم، أمَّا القول رقم١، وهو قول الخطيب البغدادي، فقد صرَّح بنفسه في موضع آخر على دخول (عدم البدعة) في العدالة.

أمَّا من لم يصرح، فدخول (عدم البدعة) عنده في مفهوم العدالة متوقّف على إثبات كون البدعة من الأمور المفسقة، وارتكابها يُعدّ من المخالفات الصريحة للشريعة.

وإنّما خصّصنا البدعة هنا بالكلام دون غيرها من شروط العدالة و أركانها وموانعها، لمساسها الكبير ببحثنا، على ما سيتبيَّن لاحقاً في بحث النصب والتشيع.

ويدلّ أيضاً على دخول (عدم البدعة) في مفهوم العدالة، كون البدعة أحد أسباب الجرح والطعن في الراوي، حيث ذكروا:

«أسباب الجرح مختلفة، ومدارها على خمسة أشياء: البدعة، أو المخالفة، أو الغلط، أو جهالة الحال، أو دعوى الانقطاع في السند. . .» .(1)

ولأجل دخول (عدم البدعة) في مفهوم العدالة، أظهر الذهبي استغرابه في (ميزان


1- يراجع في ذلك كل من: مقدمة فتح الباري، ج١، ص٣٨4؛ قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين القاسمي، ج١، ص١٩١؛ توجية النظر إلى أصول الأثر، ج١، ص٢46.

ص:19

الاعتدال) ، ناسباً ذلك الاستغراب لقائل، فقال ما نصّه:

«لقائلٍ أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحدُّ الثقة العدالة والإتقان، فكيف يكون عدلاً مَن هو صاحب بدعة؟ ! . . .» .(1)

ولابدّ - تتميماً للبحث - أن نقف عند مفهوم البدعة وماهيتها، كي تتَّضح حدود العدالة بصورةٍ أدقّ.

المبحث الرابع: البِدْعَة وحقيقتها عند الجمهور

قبل البدء بمناقشة ماهية البدعة وحقيقتها عند الجمهور، نستعرض المفهوم اللغوي للبدعة، لمساسه وقربه من معناها الاصطلاحي، وفيما يلي تعريف البِدْعَة لغةً في أهمِّ المصادر اللغوية:

١- قال ابن فارس، في مادة (ب د ع) :

الباء والدال والعين أصلان، أحدهما: ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال، والآخر: الانقطاع والكلال.

فالأوّل قولهم: أبدعت الشيء قولاً أو فعلاً، إذا ابتدأته لا عن مثال، والله بديع السماوات والأرض، والعرب تقول: ابتدع فلان الركي، إذا استنبطه، وفلان بدع في الأمر، قال الله تعالى: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ (الاحقاف: ٩)

أي: ما كنت أوّل. (2)

٢- وقال ابن منظور:

«والبديع والبدع: الشيء الذي يكون أولاً. . . والبِدعة: الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال، . . . ابن السكيت: البدعة كل محدثة» .(3)

أما البِدعَة في الاصطلاح، فهي لا تبتعد كثيراً عن المعنى اللغوي، وهذا بسط الكلام فيها:

١- قال ابن رجب الحنبلي:

«البدعة: ما أُحدث ممّا لا أصل له في الشريعة يدل عليه، أمّا ما كان له أصل من الشرع يدل عليه، فليس ببدعة شرعاً، وإن كان بدعة لغة» .(4)

٢- أمّا الجرجاني، فلم يختلف تعريفه عمّا تقدَّم؛ إذ قال:


1- ميزان الاعتدال، محمد بن أحمد الذهبي، ج١، ص١١٨.
2- معجم مقاييس اللغة، أبوالحسين أحمد بن فارس، ج١، ص٢٠٩، مادة ب د ع .
3- لسان العرب، ج٨، ص6، مادة ب د ع .
4- جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، ص١6٠، نقلاً عن كتاب البدعة مفهومها وحدودها، ص١١.

ص:20

البدعة: الفعلة المخالفة للسنة، وفي الحديث: «كل محدث بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار» ، لكن قد يكون منها ما ليس بمكروه فيسمّى بدعة مباحة، وهو ما شهد لجنسه أصل في الشرع، أو اقتضته مصلحة تندفع بها مفسدة.(1)

٣- وأمّا التفتازاني، فقد قال:

«البدعة المذمومة: هو المحدث في الدين من غير أن يكون في عهد الصحابة والتابعين، ولا دلَّ عليه الدليل الشرعي» .(2)

4- وقد ذكرها أبو البقاء قائلاً:

كلّ عملٍ على غير مثال سابق. وفي القاموس: هي الحدث في الدين بعد الإكمال، أو ما أستُحدث بعد النبي (ص) من الأهواء والأعمال. قيل هي أصغر من الكفر وأكبر من الفسق، وفي المحيط الرضوي أنَّ كل بدعة تخالف دليلاً يوجب العلم والعمل به فهي كفر، وكل بدعةٍ تخالف دليلاً يوجب العمل ظاهراً فهي ضلالة وليست بكفر، وقد اعتمد عليه عامة أهل السنّة والجماعة.(3)

5- وذكرها - أي البدعة - الشاطبي في كلام طويل الذيل، ننقل منه موضع الحاجة، فقد قال ما نصّه:

. . . البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية، ولابد من بيان ألفاظ هذا الحد، فالطريقة والطريق والسبيل والسُنن هي بمعنى واحد، وهو ما رسم للسلوك عليه، وإنّما قُيِّدت بالدين؛ لأنّها فيه تخترع، وإليه يضيفها صاحبها، وأيضاً فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص، لم تُسمَّ بدعة، كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدم.

ولمّا كانت الطرائق في الدين تنقسم، فمنها ماله أصل في الشريعة، ومنها ما ليس له أصل فيها، خصّ منها ما هو المقصود بالحد، وهو القسم المُخترَع؛ أي طريقة ابتدعت على غير مثال تقدمها من الشارع، إذ البدعة أنّما خاصتها أنَّها خارجة عمّا رسمه


1- التعريفات، علي بن محمد علي الجرجاني، ج١، ص١١٨.
2- شرح المقاصد في علم الكلام، سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، ج٢، ص٢٧١.
3- كتاب الكليات، أيوب بن موسى الكفومي، ج١، ص٢4٣.

ص:21

الشارع، وبهذا القيد انفصلت عن كل ما ظهر لبادي الرأي أنّه مُخترَع، ممّا هو متعلّق بالدين، كعلم النحو والتصريف و. . . فإنّها وإن لم توجد في الزمان الأول، فأصولها موجودة في الشرع. . . .(1)

ومن مجمل هذه التعاريف يمكن ملاحظة الأمور الآتية:

١- وجود بدعة بالمعنى اللغوي واُخرى بالمعنى الاصطلاحي؛ إذ الأُولى هي كل شيء مُخترَع على غير مثال سابق، في الدين أو غيره، له أصل عام من جنسه أم ليس له أصل.

أمّا الثانية، فهي - على ما في جميع التعاريف - الأمر المُحدَث في الدين - خصوصاً - ولم يكن له أصل فيه. فالأُولى أعمّ من الثانية، وقد يفترقان في البدعة غير الدينية، فهي بدعة لغة فقط، وقد يفترقان أيضاً في البدعة التي لها أصل من جنسها، فهي بدعة لغة دون أن تكون بدعة اصطلاحاً.

٢- إنَّ البدعة المذمومة هي البدعة الأخص - أي الاصطلاحية - دون الأعم؛ لأنَّ الأعم لها أفراد، ومن أفرادها ما كان لها أصل في الدين، أو التي ليست في الدين أساساً، فهذين الفردين لا يشملهما الذم.

إذا تمَّ ما تقدم، فأنَّه سينفعنا في تطبيق ذلك على ما سيأتي في الفصول اللاحقة، عند التعرض للنصب والتشيع في الرواة، وما هو القادح في العدالة وغير القادح فيها على ما سيتضح.

تتميم: لابد - تتميماً للفائدة - من ذكر أمرٍ مهم لا يُغفَل عنه، وهو أنَّه إذا أطلقت البدعة، أو أُطلق لفظ المبتدع، دون قيد أو قرينة ما، فإنَّه ينصرف للبدعة المذمومة آنفة الذكر، دون غيرها من أفراد البدعة، و

«البدعة المذمومة: هو المُحدَث في الدين من غير أن يكون في عهد الصحابة والتابعين، ولا دلَّ عليه الدليل الشرعي» .(2)

ولعّل هذا من الواضحات بعد أن اتَّضح أنَّها، أي: البدعة مأخوذ عدمها في مفهوم


1- الاعتصام، أبوإسحاق الشاطبي، ج١، ص٣6.
2- شرح المقاصد في علم الكلام، ج٢، ص٢٧١.

ص:22

العدالة، واتضح أيضاً أنَّها من أسباب الطعن والجرح في الراوي، فلابد حين إطلاقها أن تنصرف إلى المصداق البارز منها، وهي المذمومة.

ولذلك قال السخاوي:

البدعة: ما أُحدث على غير مثال متقدّم، فيشمل المحمود والمذموم، ولذا ضمّها بعض العلماء إلى الأحكام الخمسة، وهو واضح، لكنّها خُصَّت شرعاً بالمذموم ممّا هو خلاف المعروف عن النبي (ص) .(1)

نتائج الفصل الأوّل

لقد تناولنا في الفصل الأول من هذا الكتاب بحوثاً لا غنى عنها في الفصول اللاحقة، فكانت النتائج كما يأتي:

النتيجة الأُولى: ثبت أن لا غنى عن علم الرجال؛ لأنَّه يؤمِّن سلامة السند الذي هو أحد رُكنَي الخبر، فمن خلاله يُعلَم اتصاف رجال الحديث بالشروط الخاصة المعتبرة في سلامة السند أو عدم اتّصافهم.

وقال حاول البعض إلغاء أو تقليل دور علم الرجال بدعاوى شتى كلها مردودة، تعرّضنا لها ولردِّها مفصّلاً، لذا فالحاجة لعلم الرجال تبقى ماسّة، ولا غنى عنه لكل مجتهد.

النتيجة الثانية: أثبتنا وجود إجماعٍ بل إطباق (عند الجمهور) - أعني غير الشيعة الإمامية من أهل السنّة - على شروط الراوي، التي هي: العدالة والضبط، وتضمَّنت العدالة: الإسلام والبلوغ والعقل والسلامة من أسباب الفسق، بل وخوارم المروءة، وتلك الشروط أجمع عليها المُحدِّثون والأصوليون على حدٍ سواء.

النتيجة الثالثة: أثبتنا أنَّ العدالة، المُدَّعاة شرطيتها للراوي عندهم، هي العدالة الفقهية المشترطة في الشاهد، وهي الإتيان بالواجبات والانتهاء عن المحرمات،


1- الغاية في شرح الهداية في علم الرواية، محمد بن عبدالرحمن السخاوي، ج١، ص١٢٩؛ فتح المغيث في شرح ألفية الحديث، محمد بن عبد الرحمن، السخاوي، ج١، صص٣٢6 و ٣٢٧.

ص:23

باجتناب كبائرها وعدم الإصرار على صغائرها، والظاهر أنَّ الخلاف جاري عندهم أيضاً في كونها مَلَكَة أم لا.

وعلى كلٍّ، فإنَّ مفهوم (عدم البدعة) أُخذ قيداً في العدالة عندهم، باعتبار أنَّ البدعة نوع من المعاصي، أن لم نقل أنها كبيرة من الكبائر.

والعدالة شرط اتفاقي عندهم، لم يشذّ عن ذكره أحد منهم، ولم يكتف أحد منهم البتة بالوثاقة، أي التحرّز عن الكذب.

النتيجة الرابعة: لمّا كان (عدم البدعة) من شروط تحقق العدالة في الراوي، كان من اللازم التعرّف على البدعة؛ لكي نتحقّق من عدمها المشروط في العدالة، وإنَّما خصَّصنا الكلام هنا عن البدعة دون غيرها من شروط وموانع العدالة؛ لمساسها الكبير في البحث - على ما سيأتي -. فبعد التعرف على المعنى اللغوي للبدعة، ذكرنا أنَّها إنْ اُطلقت مجرَّدة، انصرفت إلى المعنى المذموم، وهو كل مُحدَثٍ بالدين على غير مثال سابق، ولذا فإنَّ مَن وُصِمَ بها، كان ذلك جرحاً قادحاً له.

ص:24

ص:25

الفصل الثاني: توثيق النواصب

المقدّمة وتحتوي على مطالب

الأوّل: التمهيد

لا يخفى على مَن له أدنى تأمُّلٍ في التاريخ الإسلامي، أنَّ هناك جماعة عُرفت على مدى تاريخ الإسلام ببغضها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ولسنا هنا بصدد دراسة هذه الظاهرة وأسباب نشوئها وعوامل تكوينها، فذاك أمر راجع لدراسة تاريخ الإسلام والعقائد الإسلامية، لكنّ المهم هنا - في كتابنا هذا - أن نؤكِّد أنَّ النصب اصطلاحاً: اسم اختصَّ ببُغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته عليهم السلام، كما سيتضح عما قريب.

ثُمَّ إنَّنا سنبحث عمّا للنصب والنواصب عن ما علاقةٍ بعلم الرجال عند الجمهور، وكيف تعامل علماء الجرح والتعديل مع هذه الفرقة، وهل أنَّ توثيق الناصبي يصطدم مع القواعد الأساسية التي أسَّسها علماء الجمهور في علم رجالهم، وكيف تمَّ توثيق النواصب، وما هي الحلول التي وضعت لرفع التناقض في ذلك، ومدى نجاح تلك الحلول؟ ! ثُمَّ نتعرض لنماذج اشتهرت في تاريخ علم الرجال عند الجمهور بهذه الظاهرة، ومدى تأثيرهم وتأثير مرويّاتهم في علم الحديث عندهم.

ص:26

الثاني: تعريف النصب والنواصب

إنَّ كلمة (النصب، أو نَصَبَ) حالها حال أيّ لفظ استعمل كمصطلح يختص بعلم من العلوم، فإنَّ له معنى لغوياً، كما أنَّ له معنى خاصّاً باصطلاح أهل ذلك الفنّ، يكون مغايراً للمعنى اللغوي، لكنّه مشتقّ منه ومتفرّع عليه، فكذا النصب.

وسيتضح أنَّ النصب في اللغة هو المعاداة، بل الظاهر عن أهل اللغة أنَّ دلالة كلمة (النصب) على مطلق العداء هي دلالة مجازية تحتاج إلى قرينة لإتمام معناها كي تدلّ على العداء، كقولهم: (ناصبه العداوة، أو الحرب) ، بمعنى أظهرها له وأقامها، لكن بكثرة الاستعمال وتقادمه سقط الاحتياج للقرينة، وبقي ذو القرينة دالّا ًعلى ذلك المعنى المجازي، لذا قال الفراهيدي: «وناصبت فلاناً الشر والحرب والعداوة ونحوها، ونصبنا لهم حرباً، وإن لم تسمّ الحرب جاز» .(1)وما ذكرناه واضح في قوله: (وان لم تسمَ ّ الحرب جاز) .

وقال الزبيدي:

«ونصب (له الحرب) نصباً (وضعها) ، كناصَبَه الشر، و من المجاز (ناصبه الشر) والحرب والعداوة مناصبةً، (أظهره له، كنصبه) ثلاثياً، وقد تقدم. . . . وكلّه من الانتصاب»(2)

فالذي يظهر أنَّ أصل (النصب) هو الإقامة، وإنّما تكثّرت اشتقاقاتها بحسب القرينة اللفظية المصاحبة لذي القرينة؛ لذا قال صاحب المصدر المتقدّم أيضاً ما نصّه: «(و) من المجاز: تنصبت لفلان، عاديتُه نصباً»(3)

وقال الزمخشري أيضاً ما نصه:

«ونصبنا لهم حرباً، وناصبناهم مناصبة، وناصبت لفلان: عاديتُه نصباً» .(4)

قال جرير:

«وورد في المعجم الوسيط: (ناصبه) العداوة أو الحرب: أظهرها له وأقامها» .(5)

أمّا اصطلاح (النواصب) ، فهو غير بعيد عن الاستعمال اللغوي الآنف الذكر،


1- كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، ج٧، ص١٣6.
2- تاج العروس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، ج4، ص٢٧٢.
3- المصدر نفسه: ص٢٧٧.
4- أساس البلاغة، محمد بن عمر الزمخشري، ج١، ص6٣5.
5- المعجم الوسيط، جمع من العلماء، ج٢، ص٩٢4.

ص:27

ومشتقّ منه، لكنّه أختصّ بحصّةٍ معيّنة منه دون غيرها، فهذا اللفظ اختصَّ بمَن عادى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أو هو مع أهل بيته عليهم السلام، على ما نصَّت عليه أشهر المعاجم اللغوية وكتب أهل الاصطلاح.

وقد يقال: إنَّ كتب اللغة لا علاقة لها بتحديد الاصطلاح، فلماذا ذُكر هذا الاصطلاح فيها؟

وجوابه: إنَّ الاصطلاح لشيوعه ووضوحه وقِدمه كأنَّه أصبح من المسلّمات، لذا لابأس أن تتدخل كتب اللغة في ذلك، وإن كان الأمر من مختصّات كتب التاريخ أو العقائد أو الملل والنحل؛ فإنَّهم وإن ذكروا هذا الاصطلاح استطراداً، من باب ذكر المصداق المشهور أو الأتم، الاَّ أنَّ ذكرهم للمصطلح لم يختلف تماماً عمّا ذكره أهل الفن، ممَّن كتبوا في العقائد أو الحديث.

وهذه طائفة من أقوال أهل اللغة الذين تعرضوا لتعريف (النصب) كمصطلح:

١- قال الزمخشري:

«. . . وأهل النصب: الذين ينصبون لعليٍّ. . .»(1)

٢- قال ابن منظور: «

النواصب: قوم يتديّنون ببغضة علي [ عليه السلام ]» (2)

٣- قال الزبيدي:

«. . . (النواصب والناصبية وأهل النصب) وهم المتديّنون ببغضة سيدنا أميرالمؤمنين ويعسوب المسلمين، أبي الحسن (علي) بن أبي طالب. . .» .(3)

4- قال الطريحي:

النصب: المعاداة، يقال: نصبت لفلان، نصباً: إذا عاديته، ومنه (الناصب) ، وهو: الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت أو لمواليهم لأجل متابعتهم لهم، وفي القاموس: النواصب والناصبة: أهل النصب المتدينون ببغضه، لأنَّهم نصبوا له، أي عادوه.(4)

هذه هي أهمّ أقوال أهل اللغة الذين تعرّضوا لمصطلح (النصب أو النواصب) .


1- أساس البلاغة، ج١، ص6٣5.
2- لسان العرب، ج١4، ص١5٧، مادة نصب .
3- تاج العروس، ج4، ص٢٧5.
4- مجمع البحرين، فخر الدين بن محمد علي الطريحي، ج٢، ص١٧٣.

ص:28

أمّا أقوال أهل الفن، من محدّثين أو ممَّن كتب في العقائد والملل والنحل وغيرهم، فهذه أهمّها:

١- قال ابن تيمية:

«الناصبة: المُبغضين لعلي وأولاده»(1)

٢- وقال:

«الناصبة؛ الواقعين في علي»(2)

٣- أمّا الذهبي، فقد وافقه في ذلك قائلاً:

«النصب: هو بغض أهل البيت ومعاداتهم»(3)

4- وكذا جاء تعريف العسقلاني قريباً ممّا تقدَّم، حيث قال: <النصب: هو الانحراف عن علي وآل بيته>(4)

5- وذكر (النصب) الكفومي، قائلاً

: «. . . والنصب - بالفتح - يقال أيضاً لمذهب، وهو بغض عليّ بن أبي طالب. . .»(5)

6- وذكر (النصب) أيضاً شارح قصيدة ابن القيّم بقوله:

«النواصب والناصبة وأهل النصب: المتدينون ببغضة عليّ» (6)

فتحصّل من جميع ما تقدّم أنَّ النصب: هو العداء في اللغة، ولكنَّه كمصطلحٍ، أختصَّ بمعاداة وبغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام، بحيث إذا اطلق مجرَّداً - كأن يقال مثلاً: إنَّ (فلاناً ناصبي) ، أو (من النواصب) - انصرف إلى المعنى المذكور لا غير. كما أنَّ مَن عادى غير علي وأهل بيته عليهم السلام، لا يُطلَق عليه هذا اللفظ، وهذا واضح ممَّا تقدم.

الثالث: بيان مظاهر النصب، وبمَ يتحقَّق

تبيّن ممّا تقدم من تعاريف - لغوية واصطلاحية - أنَّ النصب يتحقَّق ببغض أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته عليهم السلام، ولا شكَّ ولاريب أنَّ البغض مقابل


1- منهاج السنة النبوية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، ج4، ص554.
2- توحيد الألوهية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، ج4، ص4١6.
3- المنتقى من منهاج الاعتدال، محمد بن أحمد الذهبي، ج١، ص١١4.
4- فتح الباري، ج١٠، ص4٢٠.
5- الكليات، ج١، ص٩٠6.
6- توضيح المقاصد وتصحيح القواعد، أحمد إبراهيم بن عيسى، ج١، ص4٨٢.

ص:29

للحبّ، وكما أنَّ للحبّ مظاهر وصور يتمظهر بها خارجاً، فكذا ما يقابل الحبّ - أعني البغض - فإنَّ له مظاهر وصور يتمظهر بها خارجاًَ، وتلك المظاهر والصور تكون هي المبرزة لذلك البغض.

فالبغض يظهر إلى الخارج بفعلٍ تارةً، وبقول اُخرى. أمّا الفعل، فتارة يكون بحمل السلاح على المبغوض، أو التحريض على إيقاع الأذى به، أو. . . إلى غير ذلك من الأفعال التي تدلّ دلالة مباشرة أو بالتبع على البغض.

وأمّا القول، فتارة يكون بالتصريح مباشرة بالبغض، وتارة يكون بالدلالة الالتزامية لذلك، كإخفاء محاسن أو فضائل المبغوض، وإهالة التراب عليها بداعي البغض لا بداعٍ آخر؛ فإخفاء الفضائل خوفاً لا يقال له بغضٌ.

كما أنَّ السبَّ والشتم من أبرز مظاهر البغض القولي الصريح كما لا يخفى. قال العسقلاني في ترجمته لربيعة بن يزيد السلمي: «. . . فكان من النواصب، يشتم علياً»(1)، وقال الجزري صاحب (اللباب) في ترجمته لحريز بن عثمان الرحبي:

«. . . وكان ناصبياً يبغض علياً ويسبّه كل يوم سبعين مرة بكرة، وسبعين عشاءً»(2)، وقال العقيلي في ترجمة حريز بن عثمان أيضاً:

حدَّثنا محمّد بن أيوب بن يحيى بن ضريس، وقال: ذكر جرير أنَّ حريز كان يشتم علياً على المنابر. حدَّثنا محمد بن إسماعيل [يعني البخاري]، قال: حدثنا الحسن بن علي الحلواني، قال: حدثنا عمران بن أبان، قال: سمعت حريز بن عثمان يقول: لاأحبَّه، قتل آبائي، قتل آبائي، يعني علياً.(3)

فما تقدَّم من شواهد وأمثالها تؤكّد أنَّ السبَّ أو الشتم يعدّان من أوضح مصاديق البغض والنصب، وهذا ممّا لا يحتاج إلى كثير بيان وتوقف.

وهكذا فإنَّ بغض علي عليه السلام وأهل بيته بأيّ مظهر ظهر يكفي في تحقّق النصب حينئذٍ، وهذا ممّا لا ريب فيه.


1- الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ج٢، ص4٧٧.
2- اللباب في تهذيب الأنساب، علي بن أبي الكرم الجزري، ج٢، ص١٩.
3- الضعفاء الكبير، محمد بن عمر العقيلي، ج١، ص٣٢١.

ص:30

الرابع: بيان دلالات النصب

لمّا كان بغض علي عليه السلام وأهل بيته بأيّ مظهر ظهر، وبأيّ مبرزٍ برز، هو دالٌ، كان لابد له من مدلولٍ يدلّ عليه، ولم تترك الشريعة هذا الأمر المهم حتى أولته عناية قلَّ نظيرها؛ فقد وردت روايات وآثار في مختلف مصادر الحديث الإسلامية توضِّح ذلك، وتبيّن ما هي مداليل بغض أمير المؤمنين علي عليه السلام، وتكشف عن حقيقة المُبغِض وحاله.

والذي يهمنا هنا الوقوف على الروايات الصحاح على مباني الجمهور، والتي تشير بصراحة قاطعة إلى ذلك الأمر. وفيما يلي طائفة من تلك الأخبار.

١- بغض علي عليه السلام علامة النفاق.

أخرج مسلم، بسنده عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنَّه قال: «والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، أنَّه لعهد النبي الأُمّي (ص) إلي أن لا يحبني إلاّ مؤمن، ولا يبغضني إلاّ منافق» .(1)

وهذا النص قطعي الدلالة على كون المُبغِض من أهل النفاق، فهو نص في المطلوب. فعلى هذا يثبت - بما لا يقبل أدنى شك وتأمل - بأنَّ الناصبي منافق، مقطوع بنفاقه، وهذه النتيجة ليست استحساناً أو قياساً، أو تكلّفاً عقلياً أو منطقياً، بل هي نتيجة مقطوع بها من خلال نص الشريعة على ذلك.

ولا يُقال إنَّ النصوص إنّما ذكرت المبغض لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ولم تذكر عنوان (الناصبي) .

فجواب ذلك واضح جداً، إذ من المقطوع به ممّا مرّ من أقوال أهل اللغة وأهل الاصطلاح، أنَّ الناصبي هو المبغض لعلي عليه السلام، وليس هناك تغاير بينهما، فيثبت حينئذٍ أنَّ المبغض لعلي عليه السلام منافق.

ثُمَّ إنَّ موقف الشريعة من المنافق واضح وجليّ، ومبيَّن في نصوص لاحصر لها، ولا داعي لإيضاحه هنا؛ لأنَّه من أوضح الواضحات.


1- صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، ج١، ص٨5.

ص:31

٢- بغض علي عليه السلام بغض لله تعالى ولرسوله (ص) .

وقد ورد في ذلك روايات صحاح منها:

ما أخرجه (محمد ناصر الدين الألباني) ، مسنداً عن اُمِّ سلمة أنَّها قالت:

أشهد أنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: مَن أحبَّ علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله (عز وجل) ، ومَن أبغض علياً فقد أبغضني، ومَن أبغضني فقد أبغض الله (عز وجل) .(1)

وقد أخرجه الحاكم، واصفاً إيّاه بالصحة، ووافقه الذهبي.(2)

ويشهد لهذا الحديث الصحيح روايات لا حصر لها، منها حديث (المنزلة) ،(3)وهو حديث أشهر من أن يوصف.

وحديث «أنت منّي وأنا منك» الذي أخرجه البخاري في صحيحه(4)، والنسّائي في خصائصه. (5)

وحديث (الراية) ،(6)الذي أُخرج في الصحيحين وغيرهما.

والثابت فيها - أي في هذه الأحاديث - وفي غيرها، حبُّ الله - عز وجل - وحبُّ رسوله (ص) لعلي، وحبُّه لهما، وحينئذٍ لو ثبت ما ينافي الحبّ - أي البغض-؛ ثبت بالتبع البغض لله تعالى ولرسوله؛ أي يكون ذلك المُبغِض لعلي عليه السلام مُبغِضاً لله تعالى ولرسوله، فالحبُّ والبغض ضدّان لا يجتمعان، أمّا ارتفاعهما فهو خارج عمّا نحن فيه، إذ كلامنا عن المبغض لا غير.

وأخرج النيسابوري بسنده إلى أبي مليكة عن أبيه، قال:


1- سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، ج٣، ص٢٨٧.
2- المستدرك على الصحيحين بحاشية الذهبي ، محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري، ج٣، ص١4١.
3- حديث المنزلة: وهو قول النبي ص لعلي عليه السلام: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لا نبي بعدي» ، يراجع على سبيل المثال في ذلك: خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، احمد بن شعيب النسائي، ج١، ص٣٧.
4- صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، ج٣، ص١٣5٧.
5- خصائص امير المؤمنين علي بن أبي طالب، ج١، ص٨٧.
6- وهو قوله ص يوم خيبر: «لأُعطينَّ هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله. . .» . يراجع في ذلك: صحيح البخاري، ج٣، ص ١٠٧٧. وصحيح مسلم، ج٢، ص ١٨٧١.

ص:32

جاء رجل من أهل الشام فسبّ علياً عند ابن عباس، فحصبه(1)ابن عباس، فقال: يا عدو الله، آذيت رسول الله (ص) ، إنَّ الّذين يُؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة، وأعدَّ لهم عذاباً مهيناً، لو كان رسول الله (ص) حياً لآذيته.

و قال كذلك: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، وقد وافقه الذهبي - وهو من أشهر رجاليّي الجمهور - في تصحيح هذا الأثر في تلخيصه للمستدرك.(2)

فتلخّص ممّا تقدَّم أنَّ الناصبي منافق، مبغض لله تعالى ولرسوله، وإن ادّعى الحب ظاهراً، ونؤكّد على أنَّ هذه النتيجة ليست استنباطاً أو استنتاجاً عقلياً، بل هي أمر نصّت عليه الشريعة بنصوص صحيحة من حيث السند، وقطعية من حيث الدلالة، ولا مجال لردِّها أو تأويلها.

المبحث الأوَّل: النصب والعدالة

تقديم: بعد أن عرفنا أنَّ (النصب) هو بغض أمير المؤمنين علي وأهل بيته عليهم السلام - على ما نصّت عليه المعاجم اللغوية وكتب أهل الفن عند الجمهور - وأنَّ الموصوف به منافق مبغض لله تعالى ولرسوله -وهذا ما ورد في روايات صحيحة كثيرة أوردنا نزراً يسيراً منها- سنبحث العلاقة بين النصب والناصبي من جهة، وبين العدالة من جهة اُخرى.

وبكلام أوضح، هل يمكن بحالٍ من الأحوال أن يكون الناصبي عادلاً حائزاً على أهمّ شرطٍ من شروط الراوي، وهو الشرط المُجمَع والمُتَّفق عليه عند الجمهور - أعني العدالة - أم أنَّه فاقدٌ لهذا الشرط؟

وهنا لابد أن نُذكِّر بما مرّ في الفصل الأوّل من أنَّ أهمّ الشروط التي يجب توفّرها في الراوي هي: الإسلام، البلوغ، العدالة، الضبط، وهذه الشروط اتفاقية لم يشذ أحد عن ذكرها من المُحدِّثين والأصوليين، كما مرّ في الفصل الأوّل.


1- حصبه: رماه بالحصباء، وهو الحصى.
2- المستدرك على الصحيحين، ج٣، ص١٣١.

ص:33

كما أثبتنا هناك أنَّ العدالة تعدُّ واحداً من أهم الشروط الأربعة الآنفة الذكر عند الجمهور، وقلنا إنَّ ارتكاب المفسق يرفع العدالة، كما مرَّ في الفصل الأول.

كما أثبتنا أنَّ العدالة قد أُخذ في حدِّها (عدم البدعة) ، أي أنَّ ارتكاب البِدعة منافٍ تماماً للعدالة ورافع لها.

فبعد كلّ هذه المقدّمات، نطبِّق ما سبق على موضوع بحثنا هنا - أعني خصوص النصب والنواصب - لنرى هل أنَّ الناصبي يمكن أن يُوصَف باِلعدالة أم لا؟ !

لقد تقدَّم في أول هذا الفصل أنَّ الناصبي منافق بنص الشريعة، وتقدم أيضاً أنَّ حبَّ علي وأهل بيته عليهم السلام أمر قد حثَّت عليه الشريعة، ونهت عن خلافه، برواياتٍ كثيرة صحاح؛ إذ إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام هو من أهل الإيمان الذين اُمر المسلمون بحبهم بالعموم، كما أنَّه وردت روايات - تمَّ عرضها - تأمر بحبِّه بالخصوص، وتثبت أنَّ حبَّه من الإيمان وبغضه من النفاق.

فعلى هذا، فالناصبي المبغض لعلي عليه السلام وأهل بيته، قد أتى بمحرَّمٍ مقطوع الحرمة، وترك واجباً مقطوع الوجوب، ومَن كان هذا حاله - بنص الشريعة المقدسة - كان فاسقاً لا محالة، مقطوع الفسق، ولذا نرى ابن عباس في الحديث الصحيح الذي مرَّ آنفاً، حَصَبَ الرجل الشامي السابّ لعلي عليه السلام نهياً له عن المنكر، وبياناً منه للناس وللحاضرين بالخصوص، على أنَّ هذا الساب قد أتى بمحرمٍ ومخالفة شنيعة للشريعة.

وقد أشار إلى هذا الأمر المهمّ الصنعاني صراحة بقوله:

. . . أمّا النصب، فعرفت من رسمه عن القاموس أنَّه التديّن ببغض علي، فالمتَّصف به مبتدع شر ابتداع أيضاً، فاعل لمحرمٍ تارك لواجب، فإنَّ محبة علي مأمور بها عموماً وخصوصاً، أمّا الأوّل، فلأنَّه داخل في أدلّته إيجاب محبة أهل الإيمان.

وأمّا الخاصّة، فأحاديث لا يأتي عليها العدُّ آمرة بحبّه، ومخبرة بأنَّه لا يحبّه إلاّ مؤمن، ولا يبغضه إلاّ منافق، وقد أودعنا الروضة الندية، شرح التحفة العلوية(1)من ذلك شطراً من الأحاديث بحمد الله، معزوّة إلى محله، مصحَّحة ومحسنة.


1- وهو من كتب المصنّف.

ص:34

فالناصبي أتى بمحرم قطعاً، ولم يأتِ بالواجب الآخر من موالاة سائر أهل الإيمان، كالصحابة، إذ ليس من لازمه محبّة بقية الصحابة، وهب أنّه من لازمه، فلا يخرجه عن الإخلال بواجب محبة علي، وفعله لمحرَّم من بغضه. . . وبهذا عرفت أنَّ الناصبي المطلق خارج عن العدالة. . . .(1)

هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى، فالناصبي مبتدع، وللاستدلال على ابتداعه نرجع إلى تعريف البدعة الذي أوردناه في الفصل الأول، فقد قلنا هناك إنَّ البدعة الاصطلاحية هي: الأمر المُحدَث في الدين - خصوصاً - ولم يكن له أصل في الدين.

ثُم لنرجع إلى تعريف النصب، لنلاحظ أنَّ النواصب هم: (المتدينون ببغض علي عليه السلام) ، كما نصَّ على ذلك ابن منظور والزبيدي والزمخشري، «وجعلوه مذهباً» ، كما نصَّ على ذلك صاحب الكليات.

فالمتحصّل من تعاريف النصب أنَّ النواصب يتديَّنون به، أي: يجعلوه من الدين ويدخلوه فيه، وهذا مطابق تماماً لتعريف البدعة.

أو أنَّهم أتوا بشيء جديد على خلاف الشرع المقدس؛ لأنَّ النصب لعلي عليه السلام لم يأتِ به رسول الله (ص) ، ولم يأمر به قطعاً، بل أمر بخلافه وبضده. فالناصبي أتى بشيء لم يكن على عهد رسول الله (ص) ولم تأمر به الشريعة، بل أمرت بضده، فالناصبي - حينئذٍ - مبتدع مُدخل في الدين ما ليس فيه.

وإذا ثبت ذلك، وتقدم أنَّ مفهوم العدالة قد أُخذ فيه قيد (عدم البدعة) ، ينتج لا محالة أنَّ الناصبي ليس بعادل؛ لأنَّه مبتدع، وحدّ العدالة قد اُخذ فيه عدم البدعة.

وهذه النتيجة لعلها من الواضحات التي لا غبار عليها، لكن مع ذلك نورد كلام أحد مشاهير علماء الجمهور في ذلك، وهو السيوطي، إذ قال ما نصه:

فائدة: أردت أن أسرد هنا مَن رُمي ببدعته ممَّن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما،


1- ثمرات النظر في علم الاثر، محمد بن إسماعيل الصنعاني، ج١، صص٣6 - ٣٨.

ص:35

وهم: إبراهيم بن هطمان. . . ، يونس بن بكير، وهؤلاء رُموا بالإرجاء، وهُو تأخير القول في الحكم على مرتكب الكبائر بالنار، إسحاق بن سويد العدوي، بهز بن أسد. . . ، قيس بن أبي حازم، هؤلاء رُموا بالنصب، وهو بغض علي، وتقديم غيره عليه.(1)

وواضح من قوله «رُميَ ببدعته» أنَّ النصب، الذي ذكره لاحقاً، من البِدع المؤاخذ عليها صاحبها.

فثبت إلى هنا أنَّ الناصبي فاسق ومبتدع، وكلا الأمرين ينافيان العدالة قطعاً.

لذلك قال ابن حجر العسقلاني:

فصل: في تمييز أسباب الطعن في المذكورين، ومنه يتضح مَن يصلح منهم للاحتجاج به ومَن لا يصلح، وهو على قسمين:

الأوَّل: مَن ضعف بسبب الاعتقاد، وقد قدّمنا حكمه، وبينّا في ترجمة كل منهم أنَّه ما لم يكن داعية، أو كان وتاب، أو اعتضدت روايته بمتابع، وهذا بيان ما رموا به، فالإرجاء بمعنى. . . ، والتشيّع محبة علي. . . ، والنصب بغض علي وتقديم غيره عليه. . . وهذه أسماؤهم. . . إسحاق بن سويد العدوي رمي بالنصب. . . .(2)

وواضح من كلام ابن حجر هذا أنَّ النصب أحد الأمور التي توجب الطعن في الراوي، ولا يهمّنا هنا كيفية الإجابة والدفاع عن ذلك، أو التفصيل بين الداعية وغيره - ممّا سيأتي بسط الكلام فيه - بل المهم في المقام إثبات كون النصب من البدع الموجبة للطعن في الراوي، وتخدش بأحد أهم الشروط الواجب توفرها في الراوي.

فثبت بذلك أنَّ توثيق الناصبي يناقض تماماً ما اتفقوا وأجمعوا عليه، من اشتراط العدالة في الراوي واشتراط عدم البدعة فيه؛ لأنَّ النصب ذنب محرم وبدعة مفسقة، فكيف يتلائم اشتراط العدالة مع تعديل الفاسق المبتدع؟ !

وقد أشار إلى هذا التناقض الواضح محمد بن إسماعيل الصنعاني تحت عنوان (اشتراط العدالة في رسم الصحيح والحسن) ، فقال هناك:


1- تدريب الراوي، ج١، ص٣٢٨.
2- مقدمة فتح الباري، ج١ ص45٩.

ص:36

هنا أبحاث: الأوّل: أنَّهم أخذوا في رسم الصحيح والحسن عدالة الراوي، كما سبق للحافظ في النُخبة [يعني الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتاب نخبة الفكر] ومثله في كتب صاحب العواصم [يعني محمد بن عبدالله أبو بكر بن العربي]، وفي جميع كتب أصول الحديث، وفسَّرَ الحافظ [يعني ابن حجر] العدالة بأنَّها مَلَكَة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، وفسّر التقوى بأنَّها اجتناب الأعمال السيئة، من شركٍ وفسق أو بدعة، فأفاد أنَّ العدالة شرط للراوي، وقد عرفت أنَّ ترك البدعة من ماهية العدالة، فالعدل لا يكون عدلاً إلاَّ باجتناب البدعة بأنواعها، ولا يخفى أنَّه هذا يناقض ما قرَّره الحافظ، من القول بقبول المبتدع، مناقضة ظاهرة.(1)

إذن، فاللازم إمّا أن يتخلّوا عمّا أجمعوا عليه - أعني شرطية العدالة - أو أن يرفعوا اليد عن توثيق الناصبي، وكلا الأمرين لم يعملوا بهما.

المبحث الثانى: كيف وثَّقوا النواصب؟

اشاره

إنَّ النظرة الإجمالية في كتب الرجال عند الجمهور، تظهر لنا أنَّ أهل الفن وخبراءه فيهم يوثّقون النواصب، تارة بالتوثيقات العامة الكلية، وتارة بالتوثيقات الخاصة لأفراد النواصب وآحادهم.

وسنتعرض لكلا القسمين ما أمكن، ومن الله تعالى نستمدّ العون.

القسم الأوّل: التوثيقات العامّة للنواصب

اشاره

إنَّ المتتبع للكتب الرجالية وقواعد الدراية عند الجمهور، لا يجد كثيراً من العناء في رصد أقوال وعبائر تدلّ صراحة، ومن دون لبس، على توثيق مَن وُصموا بالنصب، وهذا التوثيق العام يلاحظ تارة بصورة مباشرة وبالتصريح، وتارة أخرى يلاحظ بالملازمة والتلويح، وسنورد هاهنا نبذاً من أشهر ما قيل في كلا الفرعين.


1- ثمرات النظر في علم الأثر، ج١، ص46.

ص:37

الفرع الأول: التوثيقات العامّة للنواصب بالمباشرة والتصريح

بعدما تبيّن أنَّ توثيق النواصب يعدّ مناقضةً صريحة لأهمّ مبنى من مبانيهم في التوثيق والتضعيف، وهو اشتراط العدالة، سنورد هنا نَصَّين من أشهر ما قيل في توثيق النواصب، مع ذكر ما يعارضه من أقوال على وفق مبانيهم، فهاهما النصّان مع ما عليهما من تعليق:

١- ما ذكره غير واحد من رجاليي الجمهور منسوباً إلى أبي داود صاحب السنن، قوله: «ليس في أهل الأهواء أصحّ حديثاً من الخوارج، ثُمَّ ذكر عمران بن حطان وأبا حسّان الأعرج» .(1)

وواضح أنَّ هذا يُعدّ توثيقاً عامّاً لهذه الفرقة التي تعدّ من أوضح مصاديق النواصب.(2)

ولا يقال: إنّ (أصحّ) هنا على وزن أفعل، فهي صفة تفضيل، بمعنى أنّ الخوارج، مقايسة بأهل الأهواء، يكون حديثهم أصح وأعلى مرتبة، وهو لا يعدّ توثيقاً لهم.

فجوابه: إنَّ رجاليي الجمهور لم يفهموا هذا من كلام أبي داود، بل فهموا منه التوثيق؛ لذا جعله (العراقي) ردّاً على مَن زعم أنَّ البخاري ومسلم احتجَّا بأهل الأهواء تارة، وأهل الأهواء الدعاة إلى مذهبهم تارة أخرى.

قال المناوي، بعد إيراد اعتراض على الشيخين بأنَّهما احتجّا في الصحيحين برواةٍ دعاةٍ لمذهبهم، قال: «ثُمَّ أجاب [أي الحافظ العراقي] بأنَّ أبا داود قال: ليس في أهل الأهواء أصحّ حديثاً من الخوارج» .(3)

وهذا هو فهم ابن حجر أيضاً لعبارة أبي داود؛ لذا نراه يقيِّد إطلاقه بقوله: «أمّا قول أبي داود: ليس في أهل الأهواء. . . فليس على إطلاقه» . (4)


1- تدريب الراوي، ج١، ص٢٧٧؛ تهذيب الكمال، يوسف بن عبد الرحمن المزي، ج٢٢، ص٣٢٣؛ ميزان الاعتدال، ج٣، ص٢٢6.
2- لاشك ولاريب في ان الخوارج من اوضح مصاديق النواصب لانهم ابغضوا علياً عليه السلام و حاربوه، بل وكفروه و عثمان و طلحة و الزبير؛ الملل و النحل، الشهرستاني، ج ١ ص١١5.
3- اليواقيت والدرر، عبد الرؤوف المناوي، ج٢، ص١5٨.
4- تهذيب التهذيب، ج٨، ص١١4.

ص:38

يضاف له أنَّ أبا داود نفسه تعرَّض في ذيل كلامه السابق إلى توثيق عمران بن حطان، الذي كان رأساً من رؤوس الخوارج القعدية، بل هو شاعرهم - على ما سيأتي في ترجمته - وأبي حسان الأعرج، وهو أيضاً من رجال الخوارج.

ويردّ على هذا القول - إضافة لِما سبق من تناقضه مع اشتراط العدالة في الراوي، وأنَّ الخوارج خارجون عن حد العدالة - بأنَّ هذا القول معارض لما اشتهر بينهم، فيما نقله أكابر أهل النقل عندهم، كالرامهرمزي، وابن الجوزي، والخطيب البغدادي، وابن حجر العسقلاني، وغيرهم، من قول شيخ من شيوخهم - أي: الخوارج - تاب ورجع؛ إذ قال: «إنَّ هذه الأحاديث دين، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم، فإنّا كنّا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً» .(1)مخرجين لهذا القول مُسنداً عن ابن لهيعة، حتى قال عنه ابن حجر: «حدَّث بها عبد الرحمن بن مهدي الإمام عن ابن لهيعة، فهي من قديم حديثه الصحيح» .(2)

كما أنّه معارض لما أخرجه الخطيب البغدادي مُسنداً عن الأعمش،(3)وهو من أئمّة أهل الحديث عنده:

أخبرنا محمد بن الحسين القطان، نا عبدالله بن جعفر، نا يعقوب بن سفيان، قال: حدَّثني ابن نمير، قال ثنا ابن ادريس، قال: سمعت الأعمش يقول: جالست إياس بن معاوية (4)فحدَّث بحديث، فقلت: عمَّن تذكر هذا؟ فضرب لي مثل رجل من الخوارج، فقلت: أنَّى تضرب هذا المثل، تريد أن أكنس الطريق بثوبي، فلا أدع بعرة ولا خنفساء الاّ حملتها؟ ! .(5)

والنقل تامّ السند.


1- المحدث الفاضل، الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي، ص4١6؛ الموضوعات، عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي، ج١ ص٣٩؛ لسان الميزان، ج١، ص١٠.
2- لسان الميزان، ج١، ص١٠.
3- هو أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي، مولاهم الكوفي. . . قال ابن المديني: له نحو ألف وثمانمائة حديث، قال ابن عيينة: كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله، وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض.
4- هو اياس قاضي البصرة أبو واثلة، كان يُضرَب به المثل في الذكاء والدهاء، وقد وثّقه ابن معين.
5- الكفاية في علم الرواية، أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، ج٣، ص4٠٣ وأيضاً: المعرفة والتاريخ، الفسوي، ج٣، ص٢64.

ص:39

فالملاحظ أنَّ الأعمش جعل حديثهم بمنزلة أوساخ الطريق، فهو عنده كالبعرة أو الخنفساء ليس إلاّ، فأين هذا القول من قول أبي داود؟ ! وأين هذا القول ممَّن قال بتوثيق هذه الفرقة؟ !

٢- من التوثيقات العامة بالمباشرة والتصريح أيضاً ما ورد عن ابن حجر في ترجمته ل- (لمازة بن زبّار الجهضمي) ، حيث قال مانصه:

فأكثر مَن يوصَف بالنصب يكون مشهوراً بصدق اللهجة، والتمسّك بأمور الديانة، بخلاف مَن يوصف بالرفض، فإنَّ غالبهم كاذب لا يتورَّع في الأخبار. والأصل فيه أنَّ الناصبة اعتقدوا أنَّ علياً قتل عثمان، أو كان أعان عليه، فكان بغضهم له ديانة بزعمهم، ثُمَّ إِنضاف إلى ذلك أنَّ منهم مَن قتلت أقاربه في حروب علي.(1)

وقبل الشروع في تحليل هذا القول، نرى من المناسب أن ننقل كلام ابن حجر بأكمله، إيضاحاً للصورة.

قال في ترجمته للمُومى إليه مانصه:

. . . وقال موسى بن إسماعيل عن مطر بن حمران: كنّا عند أبي لبيد [يعني لمازة بن زبار الجهضمي، المترجم له] فقيل له: أتحبّ علياً؟ فقال: أحبُّ علياً وقد قتل من قومي في غداة واحدة ستة آلاف، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: حدَّثنا وهب بن جرير عن أبيه عن أبي لبيد، وكان شتّاماً، قلت: زاد العقيلي: قال وهب: قلت لأبي: مَن كان يشتم؟ قال: كان يشتم علي بن أبي طالب. وأخرجه الطبري عن طريق عبدالله بن المبارك عن جرير بن حازم، حدَّثني الزبير بن خرّيت عن أبي لبيد، قال: قلت له: لِمَ تسبّ علياً؟ قال: ألا أسبّ رجلاً قتل منّا خمسمائة وألفين والشمس هاهنا. . . ؟ ! وقد كنت أستشكل [والكلام لابن حجر] توثيقهم الناصبي غالباً وتوهينهم الشيعي مطلقاً(2)، ولاسيما أنَّ علياً ورد في حقه لا يحبه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق.

وقد ظهر لي في الجواب عن ذلك أنَّ البغض هاهنا مقيّد بسبب، وهو كونه


1- تهذيب التهذيب، ج٨، ص4١٠.
2- مراده أنَّ علماء الرجال عندهم يضعِّفون الشيعي مطلقاً، سواء غلى بتشيّعه أم لا، وسيأتي فيما بعد بيان الشيعي في عُرفهم.

ص:40

نصرالنبي (ص) ؛ لأنَّ من الطبع البشري بُغض مَن وقعت منه إساءة في حق المُبغض، والحب بعكسه، وذلك ما يرجع إلى أمور الدنيا غالباً. . . والخبر في حبِّ عليٍّ وبغضه فيه حتى ادّعى أنّه نبي أو أنّه إله - تعالى الله عن إفكهم - والذي وردَ في حقّ علي من ذلك قد ورد مثله فى حق الأنصار.(1)وأجاب عنه العلماء: إن بَغَضَهم لأجل النصر، كان ذلك علامة نفاقه، وبالعكس، فكذا يقال فى حق علي، وأيضاً فأكثر مَن يوصف بالنصب يكون مشهوراً بصدق اللهجة والتمسّك بأمور الديانة. . . .(2)

إلى آخر كلامه الذي نقلناه في ما تقدَّم.

والملاحظ على هذا التوثيق أنَّه يأتي عليه ما أتى على كلام أبي داود، من مناقضته الصريحة لشرطية العدالة، التي تُعدُّ أهمّ شرط شرطوه في الراوي.

ثُمَّ إنَّ هذا الكلام الغريب العجيب يحتاج الى وقفةٍ طويلةٍ وتأمّلٍ دقيق؛ لما فيه من العظائم التي سنجملها بالنقاط التالية:

أ- قال ابن حجر: «فأكثر مَن يوصَف بالنصب يكون مشهوراً بصدق اللهجة والتمسّك بأمور الديانة» . من العجب العجاب أن يكون المُبغض لمَن أمر الله بحبّه وأحبّه(3)، وأحبَّه رسول الله (ص) وجعله منه بمنزلة هارون من موسى - بنصّ الحديث المتواتر- (4)متمسّكاً بأمور الديانة؟ ! فأيّ ديانةٍ هذه التي يُبغَضُ فيها مَن أمر الله ورسوله بحبِّه؟ ! وكيف تُسمَّى معصية الله ورسوله ديانة وتمسّكاً بالدين؟ !

ثُمَّ خذ أجلى وأوضح مصداقٍ من مصاديق النواصب، وهم الخوارج، فهم موصوفون بالنصب، وينطبق عليهم كلام ابن حجر في النواصب، فكيف يكون مثل


1- إشارة إلى الحديث: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار» . أخرجه البخاري في صحيحه، ج١، ص ١4.
2- تهذيب التهذيب، ج٨، ص4١٠.
3- ورد في الصحيح عن أمّ سلمة زوج النبي ص أنَّها قالت: «أشهد أنِّي سمعت رسول الله ص يقول: مَن أحبَّ علياً فقد أحبّني، ومَن أحبّني فقد أحبَّ الله عز وجل. ومَن أبغض علياً فقد أبغضني، ومَن أبغضني فقد أبغضَ الله عز وجل» . راجع: سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، ج٣، ص ٢٨٧.
4- يراجع: نظم المتناثر من الحديث المتواتر، محمد بن جعفر الكناني، ج١، ص١٩5.

ص:41

الخوارج متمسِّكون بأُمور الديانة وقد وردت فيهم أحاديث صحيحةٍ - إنْ لم تكن متواترة - تُشير إلى انحرافهم، وأنَّهم كلاب النار، وأنَّهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرّميّه؟ !(1)

ب - قال ابن حجر في كلامه الآنف: «إنَّ البُغض ها هنا مقيَّد، وهو كونه نصرَ النبي (ص)» . فادَّعى أنَّ بغض علي عليه السلام لا يكون علامة للنفاق إلاّ إذا اقترن بأمر آخر، وهو بغضه لنصرته للنبي (ص) .

والردّ على هذا الكلام واضحٌ بيِّن، إذ إنَّ الحديث مُطلَق، ومَن ادَّعى التقييد عليه إبراز الدليل على ذلك.

فالنبي (ص) لم يعلِّق الحكم بالإيمان أو النفاق على النصرة، فهو (ص) لم يقل: «لا يحبّك إلاّ مؤمن لنصرتك إياي، ولا يبغضك إلاّ منافق لنصرتك إياي» ، فالرسول (ص) أمير البيان، وهو في مقام البيان، ولم يقيِّد الحديث بشيء، فالحديث إذن مطلق، وهذا يدلّ على أنَّ الذات الطاهرة لعليً ّ عليه السلام هي تمام العلّة للحكم بالإيمان على المُحبّ، وبالنفاق على المبغض، وربط الحديث بالنصرة إلغاء لخصوصية ذات عليً ّ المباركة.

ج - اشتبه ابن حجر أيّما اشتباه بأنْ شبَّه ما ورد في عليً ّ عليه السلام، بما ورد في حق الأنصار، فقال: «والذي ورد في حقِّ علي من ذلك قد ورد مثله في حق الأنصار. وأجاب عنه العلماء: إنّ بَغضَهم لأجل النصر كان ذلك علامة نفاقه، وبالعكس، فكذا يُقال في حقِّ علي» .

والفرق بين الحديثين واضح لكل ذي عينين؛ فحديث الأنصار هذا نصّه: «آية الإيمان حبّ الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار» .(2)فإنَّ الحكم في هذا الحديث معلَّق على وصف الأنصار لا على أشخاصهم، وواضح أنَّ تعليق الحكم على الوصف مُشعِر بالعِلّية، فلو فرضنا تخلّي الأنصار عن وصف النصرة، لما كان حبّهم علامة الإيمان وبغضهم علامة النفاق، أمّا في حق عليً ّ عليه السلام فالأمر مختلف تماماً، فقد عُلِّق الوصف على ذات عليً ّ عليه السلام لا


1- راجع: صحيح البخاري: ج6، ص٢5٣٩.
2- صحيح البخاري، ج١، ص١4.

ص:42

على وصف آخر، ممَّا يدلّ على أنَّ تلك الذات التي نالت من القرب الإلهي ما نالت، أصبحت ميزاناً بين الإيمان والنفاق بما هي هي، وفرق شاسع بين الحديثين.

د - وقال أيضاً في كلامه المتقدم: «لأنَّ من الطبع البشري بُغض مَن وقعت منه إساءة في حقّ المُبغض، والحبّ بعكسه، وذلك ما يرجع الى أُمور الدنيا غالباً» .

وهذا الكلام فيه ما فيه؛ إذ ينبغي على هذا أنْ تكون قريش مُحقّة في بغضها للنبي (ص) ؛ لأنَّه قاتلها وقتل منها، بل إنَّ للكفار الذين عاشوا في زمن الأنبياء السالفين الحق في بغض أنبيائهم؛ لأنَّ الأنبياء أساؤوا لهؤلاء الكفار، وهذا كلام غريب! فالأديان إنَّما جاءت لتشذّب وتهذّب الطباع البشرية، وتقنِّن الحبّ والبغض وبقية المشاعر والأحاسيس، فلا يحقّ للمؤمن مثلاً أنْ يحبّ كافراً محارباً معادياً لله ولرسوله، ولا أنْ يواليه، ولا ينبغي للمؤمن أنْ يُبغض مؤمناً يريد إقامة الحق، فكيف ببغض سيد المؤمنين وأميرهم، لا لشيءٍ إلاّ لإقامته العدل ومحاربته للباطل؟ !

٣- من التوثيقات العامّة أيضاً ما ذكره ابن تيمية، بقوله: «. . . والخوارج أصدق من الرافضة وأدين وأورع، بل الخوارج لا نعرف عنهم أنَّهم يتعمّدون الكذب، بل هم من أصدق الناس» .(1)فهذا توثيق لأهمّ مصداق من مصاديق النواصب، أعني الخوارج.

كما أنَّ التعليق على هذا الكلام قد يكون خارج عن حدود هذا الكتاب، فيترك لمقام آخر.

الفرع الثاني: التوثيقات العامَّة للنواصب بالملازمة والتلويح

لقد وُثِّق النواصب أيضاً بمجموعهم، لكن لا بذكرهم مباشرة - كما فعل ابن حجر في ما ذكرناه في الفرع الأوّل حين ذكرهم بالنص عليهم، وأنَّهم متديّنون، وأنَّ أغلبهم صادق اللهجة - ولا بذكر المصداق الأتمّ والأوضح منهم - كما فعله ابن داود صاحب السنن، حينما وثَّق الخوارج، مع كونهم من أصدق مصاديق أهل النصب - لكن وُثّقوا باللوازم، كإثبات الوثاقة لجميع فرق المسلمين عدا فرقة معيَّنة بعينها - غير النواصب


1- منهاج السنّة النبوية، ج١، ص٣٧.

ص:43

طبعاً - أو كعدم عدّ النواصب من فرق أهل الأهواء والبِدع عند ذكرهم، إلى غير ذلك من اللوازم البيّنة التي تُثبت وثاقة أهل النصب بالتبع.

وسنذكر هنا نماذج من تلك العبائر التي أصبحت فيما بعد قواعد سار عليها أغلب أهل الجرح والتعديل، وهي كما يأتي:

١- القول المشهور المنسوب إلى ابن إدريس الشافعي، والذي صار بينهم قاعدة أشهر من نارٍ على علم، وهي قوله:

«أقبل شهادة أهل الأهواء إلاّ الخطابية من الرافضة» .(1)

فهذا القول وإن لم يذكر النواصب بالخصوص في عموم المستثنى منه، إلاّ أنَّهم داخلون في ذلك العموم؛ لأنَّهم من أهل الأهواء - كما ثبت ذلك فيما تقدم - ولم يستثنون فيمَن استُثني.

ويرد عليه ما ورد على الأقوال السابقة، من مناقضته لشرطية العدالة، إذ إنَّ أهل الأهواء مبتدعة بالبداهة، فكيف تُقبل رواية المبتدع وحدّ العدالة عدم البدعة؟ ! كما أنَّه مناقض لرأي الشافعي نفسه، الذي اشترط العدالة أيضاً في الراوي، على ما نقله ابن الصلاح عنه، حيث قال:

عدالة الراوي تارة تثبت بتنصيص معدلين على عدالته، وتارة تثبت بالاستفاضة، فمَن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم، وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة، استغني فيه بذلك عن بيّنةٍ شاهدة بعدالته تنصيصاً، وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعي، وعليه الاعتماد في فنّ أصول الفقه.(2)

فالراوي عند الشافعي إمّا عدل بالشياع، أو عدل بالبيّنة، وعلى كلا الحالين لابد من عدالته، فكيف يجتمع هذا مع تعديل أهل البدع والأهواء، والبدعة من منافيات العدالة إجماعاً بل اتفاقاً؟ !


1- شرح صحيح مسلم، يحيى بن شرف النووي، ج١، ص6٠؛ وأيضاً: تدريب الراوي، ج١، ص٣٢5.
2- مقدّمة ابن الصلاح، ج١، ص١٠4.

ص:44

٢- من التوثيقات العامة بالملازمة - أيضاً - ما نقل عن شريك (1)قوله:

«أحمل العلم عن كل مَن لقيت إلاّ الرافضة، فإنَّهم يضعون الحديث ويتَّخذونه ديناً» .(2)

فالظاهر من الكلام المتقدّم أنَّ شريكاً هذا - وهو من أئمّة الحديث عند الجمهور - جعل جميع الفرق - ومن ضمنهم النواصب - في المستثنى منه، الذين يحمل العلم عنهم، واستثنى من ذلك الروافض، ولازم ذلك توثيقه للجميع؛ لأنَّ حمل العلم هنا تعبير آخر عن نقل الحديث، وهذا ما فهمه الذهبي ناقل هذا النص.

٣- ومن التوثيقات العامة بالملازمة أيضاً ما نُقل عن (مؤمل بن إهاب) (3)، قال:

«سمعت يزيد بن هارون(4)يقول: يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية، إلاّ الرافضة، فأنَّهم يكذبون» .(5)

وهذا القول كسابقيه؛ إذ إنَّه شهد بوثاقة أهل البدع، خلا الرافضة، مع تمييزه بين الداعيه وغير الداعية، وسيأتي تفصيل الكلام فيه.

وهذا مناقض لما سبق من شرطية العدالة أوّلاً، ومن منافات العدالة للبدعة ثانياً.

وممَّا تقدَّم جميعاً يتَّضح أنَّ النواصب قد وُثِّقوا توثيقاً عاماً تارةً، بذكرهم مباشرةً، أو ذكر مصداقهم الأتم - أعني الخوارج -، وتارةً أخرى بعدم ذكرهم فيمَن لا يُنقل الحديث عنه، وجعلهم ممَّن يُكتب عنه، وينقل عنه العلم، وكلا الأمرين واضح في التوثيق.


1- هو شريك بن عبدالله بن الحارث النخعي الكوفي، أبو عبدالله، عالم بالحديث، فقيه، كان قاضياً للمنصور العباسي على الكوفة سنة ١5٣ هجرية. تراجع ترجمته كاملة في: الأعلام، خير الدين الزركلي، ج٣، ص١6٣.
2- يراجع: ميزان الاعتدال، ج١، ص١46؛ منهاج السنة النبوية: ج١، ص6٠.
3- هو: مؤمل بن إهاب بن عبد العزيز بن قفل الربعي العجلي، أبو عبد الرحمن، الشهير بابن قفل المحدّث، من أهل الكوفة، نزل الرملة بفلسطين ومات بها سنة ٢54 هجرية؛ الأعلام، خير الدين الزركلي، ج٧، ص٣٣4.
4- هو: يزيد بن هارون بن زاذان بن ثابت، السلمي بالولاء، ولد سنة ثمان عشر ومائة، سمع من عاصم الأحول و. . . قيل إنّه بخاري الأصل. قال علي بن المديني: ما رأيت أحفظ من يزيد بن هارون. يُراجَع: تاريخ الاسلام، محمدبن أحمد الذهبي، ج١4، ص455. وفي طبقات الحنابلة، لإبن أبي يعلى، ج١، ص١6٧، قال: «. . . قال أحمد بن سنان: سمعت يزيد بن هارون يقول: رأيت ربّ العزة تعالى في النوم، فقال لي: يا يزيد، تكتب عن حريز بن عثمان؟ ! فقلت: يا ربّ، ما علمت منه إلاّ خيراً، فقال: يا يزيد، لا تكتب عنه؛ فأنّه يسبُّ علياً» .
5- ميزان الاعتدال، ج١، ص٢٨؛ وأيضاً: النكت على مقدمة ابن الصلاح، بدر الدين محمد بن عبدالله ابن بهادر، ج٣، ص٣٩٩؛ وأيضاً: تدريب الراوي، ج١، ص٣٢٧.

ص:45

القسم الثاني: التوثيقات الخاصّة لأفراد النواصب وآحادهم

اشاره

سننتقي في هذا القسم نماذج من أفراد النواصب الذين شاع نصبهم وبُغضهم لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وعُرفوا به، ومع ذلك صرَّح أغلب الرجاليين بوثاقتهم، بل واعتمدوا أقوال بعضهم في الجرح والتعديل كما سنرى.

وإنَّما اخترنا هنا نماذج؛ لأنَّ استيعاب جميع النواصب الذين وُثِّقوا يحتاج إلى مؤلَّف خاص بذلك. وهذه النماذج هي كما يلي:

١- إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني

هو أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني الجريري، من أهل العراق، وبه طلب العلم، ثُمَّ هاجر فاستقرَّ في دمشق، وصار شديد الميل إلى مذهب أهلها آنذاك، وهو بغض علي بن أبي طالب.

وقد عُرِفَ أهل دمشق في ذلك الوقت بالنصب لعلي عليه السلام، وكان هذا الرجل لا يتردَّد بالتصريح ببغضه لعلي بن أبي طالب - على ما سيتَّضح من ترجمته - نهاراً جهاراً، ومع كل ذلك عدُّوه من الثقات، بل اعتمدوا قوله في تعديل وجرح غيره من الرواة، وهذه نبذاً ممَّا قيل فيه:

أ- قال الصفدي:

الحافظ الجوزجاني، إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني الحافظ، صاحب الجرح والتعديل، روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي، كان يحدّث على المنبر بدمشق، وكان شديد الميل إلى أهل دمشق في التحامل على عليٍّ. . .(1)

ومن قول الصفدي (صاحب الجرح والتعديل) يُعلَم أنَّ هذا الرجل ممَّن له رأي في تعديل وتجريح غيره، وقد يُعتمَد قوله في ذلك غالباً، وله في ذلك كتاب أسماه: أحوال الرجال.


1- الوافي بالوفيات، صلاح الدين بن أيبك الصفدي، ج6، ص١٠٩.

ص:46

ب- قال الذهبي:

. . . وثَّقة النسائي. قال ابن عدي: سكن دمشق وكان يحدّث على المنبر، ويكاتبه أحمدبن حنبل فيتقوَّى بذلك، ويقرأ كتابه على المنبر، وكان شديد الميل إلى أهل دمشق في التحامل على عليٍّ. . .(1)

ج- وقال ابن حجر:

. . . وعنه أبو داود والترمذي والنسّائي والحسن بن سفيان وأبو زرعة الدمشقي، وأبو زرعة الرازي [أي: هؤلاء من رووا عنه]. . . وكان أحمد بن حنبل يُكاتبه ويكرمه إكراماً شديداً، وقال النسّائي: ثقة. . . قلت [والكلام لابن حجر]: وقال ابن حبان في الثقات: كان حروري المذهب، ولم يكن بداعية، وكان صلباً في السنّة، حافظاً للحديث، إلاّ أنَّه من صلابته ربّما كان يتعدَّى طوره. وقال ابن عدي: كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في الميل على عليّ. وقال السَلَمي عن الدارقطني، بعد أن ذكر توثيقه: لكن فيه انحراف عن عليّ. . . .(2)

د - بل ذهب الذهبي إلى القول بأنَّ الجوزجاني هذا - أحد أئمة الجرح والتعديل -، حيث قال:

«إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق السعدي الجوزجاني، الثقة الحافظ، أحد أئمّة الجرح والتعديل» .(3)

ه- ثُمَّ لم يكتفِ الجوزجاني بإظهار بُغضه وميله عن علي عليه السلام، بل راح يتحامل على الكثير من المحدّثين، بل وأئمّة الحديث من أهل الكوفة؛ بدعوى تشيّعهم وميلهم لعلي عليه السلام، لذا قال السخاوي ما نصّه:

. . . فإنَّ الحاذق إذا تأمّل ثلب أبي إسحاق لأهل الكوفة، رأى العجب، وذلك لشدَّة انحرافه في النصب، وشدَّة أهلها بالتشيّع. فتراه لا يتوقَّف في جرح مَن ذكره منهم


1- تاريخ الإسلام، ج١٩، ص٧٢.
2- تهذيب التهذيب، ج١، ص١5٨.
3- ميزان الاعتدال، ج١، ص٢٠5.

ص:47

بلسان ذلق، وعبارة طلقة، حتى أنَّه أخذ يليّن مثل الأعمش، وأبي نعيم، وعبيد الله بن موسى، وأساطين الحديث وأركان الرواية.(1)

وللتدليل على كلام السخاوي المتقدِّم - من تحامل الجوزجاني على كل مَن اتّهم بالتشيّع - سنعرض هنا نماذج من ذلك:

ففي ترجمة أبي الصلت الهروي (عبدالسلام بن صالح الهروي) - الذي وثَّقه يحيى بن معين، مع تشدّده في التوثيق والتضعيف(2)، وروى له عبدالله بن أحمد بن حنبل(3)، وهو توثيق له عنده، وهذا يدل على وثاقته عند أبيه؛ لأنَّ عبدالله بن أحمد لا يروي إلّا عمَّن يأمره أبوه بالرواية عنه، كما ذكر ذلك ابن حجر في غير موضع(4)- ولسنا هنا بصدد توثيق أوتضعيف هذا الرجل، لكن حتى مَن ضعّفه قال: «صدوق له مناكير» ، كما فعل العسقلاني،(5)أو «الرجل الصالح، إلاّ أنَّه شيعي جلد» ،(6)كما قال الذهبي. لكن الجوزجاني قال في حقّه: «كان أبو الصلت زائعاً عن الحق، مائلاً عن القصد، سمعت مَن حدَّثني عن بعض الأئمَّة أنَّه قال فيه: هو أكذب من روث حمار الدّجال، وكان قديماً متلوّثاً في الأقذار» .(7)

ولم يُعرَف مَن الذي حدَّث الجوزجاني بذلك، ومَن هو الإمام المحدَّث عنه؟ ! فالجرح هنا مُرسَل، مع قساوته التى تنمّ عن تحاملٍ واضح.

ولم يكن السخاوي وحيداً في التنبّه لتحامل الجوزجاني على أهل الكوفة، وإفراطه في القدح في كبار محدِّثيهم، بل تبعه على ذلك الحافظ ابن حجر، وزاد على السخاوي بأنَّه


1- فتح المغيث، ج٣، ص٣6٢.
2- يراجع توثيق يحيى بن معين لأبي الصلت الهروي في: تاريخ الإسلام، ج١٧، ص٢5٠؛ وأيضاً يراجع: تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، ج١١، ص5٠.
3- ذكر رواية عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبي الصلت كل من: تهذيب الكمال، ج١٨، ص٧4؛ تاريخ الإسلام، ج١٧، ص٢5٠.
4- تعجيل المنفعة، ابن حجر العسقلاني، ج ١، صص١5، ١٨ و ٢٢5.
5- تقريب التهذيب، ج١، ص٣55.
6- ميزان الاعتدال، ج4، ص٣4٨.
7- الانساب، ج5، ص6٣٨.

ص:48

لم يقبل جرح الجوزجاني إذا عارضه غيره، إذ قال في ترجمة سعيد بن عمر بن أشوع الكوفي، ما هذا نصّه:

سعيد بن عمر ابن أشوع الكوفي، من الفقهاء، وثَّقه ابن معين، والنسائي والعجلي، وإسحاق بن راهويه، وأمّا أبو إسحاق الجوزجاني، فقال: كان زائغاً غالياً، يعني في التشيّع. قلت [والكلام لابن حجر]: والجوزجاني غالٍ في النصب،(1)فتعارضا. وقد احتجَّ به الشيخان، والترمذي له عنده حديثان في أحدهما متابعة.(2)

فتحصّل من ذلك:

إنَّ الجوزجاني وُثِّق مع نصبه، بل جُعِلَ من أئمّة الجرح والتعديل، وكلُّ ذلك مخالف لما اشترطوه من عدم الابتداع، كما أنَّ نصب الجوزجاني أثَّر كثيراً في موقفه من كثير من المحدّثين، بل ومن أئمّة الحديث؛ حتى راح يضعّفهم بسبب نصبه وبغضه لعلي بن أبي طالب عليه السلام، ولعلَّ هذا واحد من تأثيرات النصب المتعدِّدة، والتي سنُشير لها تباعاً، كلاًّ في موضعه.

لكن إجمالاً نقول: إنَّ النصب كما أنَّه يؤثِّر على موقف صاحبه من غيره من الرواة -في مسألة توثيقهم وتضعيفهم - كذلك يؤثِّر حتى على الرواية، بل قد يصل الحدُّ بالناصبي إلى وضع واختلاق روايات في ذمِّ مَن أبغض - كما سيتَّضح في ترجمة حريزبن عثمان الآتية إن شاء الله - بل يتعدَّى الأمر ذلك إلى أن يصل إلى تضعيف الحديث الصحيح بل المتواتر، أو صرف دلالته، خصوصاً إذا كان فيه فضيلة للمُبغَض.

٢- حريز بن عثمان

هو حريز بن عثمان بن جبر بن أسعد الرحبي الحمصي، ورحبة بطن من بطون حمير.


1- الغلو في النصب: هو الذي لا يُكتفى فيه ببُغض أمير المؤمنين علي عليه السلام، و حسب، بل يُضاف إليه السبّ و الشتم.
2- مقدّمة فتح الباري، ج١، ص4٠6.

ص:49

وهذه أهمّ الأقوال التي قيلت فيه:

أ- قال الذهبي ما هذا نصّه:

«حريز بن عثمان الرحبي المشرفي الحمصي، ورحبة بطن من بطون حمير. . . ثقة له نحو مائتي حديث، وهو ناصبي، مات سنة ١6٣ه» . (1)

ب - وقال الذهبي أيضاً: «. . . كان مُتقناً ثبتاً، لكنَّه مبتدع» . (2)ولا يخفى أنَّ البدعة المذكورة هنا هي خصوص البدعة المحرَّمة المنهي عنها، لِما تقدَّم ذكره في الفصل الأوّل من أنَّ البدعة إذا أُطلقت مجرَّدة انصرفت إلى المصداق الأتم، وهي البدعة المحرَّمة.

ج- وقال ابن عدي:

. . . حدّثنا ابن أبي عصمة، ثنا أحمد بن أبي يحيى، سمعت أحمد بن حنبل يقول: حديث حريز نحو من ثلاثمائة، وهو صحيح الحديث، إلاّ أنّه يحمل على علي بن أبي طالب.(3)

د - ولم يكن هذا الرجل ناصبياً وحسب، بل كان داعية إلى مذهبه؛ قال ابن حجر:

. . . وقال ابن حبان: كان يلعن علياً بالغداة سبعين مرة، وبالعشي سبعين مرة، فقيل له في ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي. وكان داعية إلى مذهبه، يتنكّب حديثه، انتهى. وإنَّما أخرج له البخاري؛ لقول أبي اليمان إنَّه رجع عن النصب. . . .(4)

ه- بل ونقل عنه شتمه لعلي عليه السلام على المنابر، والتصريح ببغضه له. قال العقيلي ما هذا نصّه:

حدّثنا محمد بن أيوب بن يحيى بن ضريس، قال: حدثنا يحيى بن المغيرة، قال: ذكر جرير أنَّ حريزاً كان يشتم علياً على المنابر. حدَّثنا محمد بن إسماعيل [يعني البخاري] (5)قال: حدَّثنا الحسن بن علي الحلواني، قال: حدَّثنا عمران بن أبان، قال: سمعت حريز بن عثمان يقول: لا أحبّه؛ قتل آبائي، قتل آبائي. يعني علياً» .(6)


1- الكاشف، محمد بن أحمد الذهبي، ج١، ص٣١٩.
2- ميزان الاعتدال، ج٢، ص٢١٨.
3- الكامل في ضعفاء الرجال، عبدالله بن عدي، ج٢، ص45١.
4- تهذيب التهذيب، ج ٢، ص٢٠٧.
5- ما بين المعقوفتين [ ] من كلام الكاتب.
6- الضعفاء الكبير، ج١، ص٣٢١.

ص:50

وهذا يثبت كونه داعية إلى مذهبه؛ لأنَّ الشتم على المنابر من أعظم الدعوة. وذكر كونه داعية إلى مذهبه أيضاً ابن الجوزي بقوله: «. . . وكان داعية إلى مذهبه. . .» .(1)

ومع كل ما تقدَّم، فهو من شيوخ البخاري في الرواية، وخرّج له في صحيحه، وأمّا مسألة رجوعه عن النصب، فقد ذكر غير واحدٍ من الرجاليين خلاف ذلك، وهذه أهمّ الأقوال في ذلك: ذكر الجزري عدم صحّة نسبة التوبة لحريز عن النصب بقوله:

«. . . وأبو عثمان حريز بن عثمان. . . كان ناصبياً يبغض علياً، ويسبّه كل يوم سبعين مرّة بكرة، وسبعين مرّة عشاءً، وحكي عنه التوبة من ذلك، ولا يصحّ. . .» .(2)قال ابن حِبّان: «وكان داعية إلى مذهبه، وكان علي بن عياش يحكي رجوعه عنه، وليس ذلك بمحفوظ عنه» (3)، وذكر مثل ذلك أيضاً ابن الجوزي(4)

و - ذكرنا فيما سبق في ترجمة الجوزجاني من أنَّ النصب قد يودِّي بصاحبه إلى وضع الحديث، وتوجد إشارات في كتب الرجال تومئ إلى أنَّ هذا الرجل قد ابتُليَ بذلك، فقد ذكر ابن الجوزي ذلك بقوله: «. . . وذكر أبو الفتح الأزدي أنَّ حريز بن عثمان روى أنَّ النبي لمَّا أراد أن يركب بغلته، جاء علي فحلَّ حزام البغلة؛ حتى يقع رسول الله، ومن هذه حالته، لا يروى عنه» .(5)

وذكر ذلك أيضاً ابن حجر، إذ قال هناك:

«. . . وحكى الأزدي أنَّ حريز بن عثمان روى. . . قال الأزدي: مَن كانت هذه حاله، لا يروى عنه. قلت [والكلام لابن حجر] (6): لعلَّه سمع هذه القصَّة أيضاً من الوليد» .(7)

وقال ابن عدي:


1- الضعفاء والمتروكين، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، ج١، ص١٩٧.
2- اللباب في تهذيب الأنساب، علي بن أبي الكرم الجزري، ج٢، ص١٩.
3- المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، أبو حاتم محمد بن حبان البستي، ج١، ص٢6٨.
4- الضعفاء والمتروكين، ج١، ص١٩٧.
5- المصدر نفسه، وذكر ذلك أيضاً في شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، ج4، ص٧٠.
6- ما بين معقوفتين للكاتب.
7- تهذيب التهذيب، ج٢، ص٢٠٩.

ص:51

. . . وقال يحيى بن صالح الوحاظي (1): أملى عليّ حريز عن عبد الرحمن بن ميسرة عن النبي (ص) ، وروي عن الوحاظي هذا الحديث أيضاً، عن حريز عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي (ص) ، حدَّثنا في تنقص علي حديث لا يصلح ذكره في الكتاب، معضل منكر جداً، لا يروي مثله مَن يتَّقي الله، قال الوحاظي: فلمّا حدَّثني بذلك، قمت عنه وتركت الكتابة عنه.(2)

والنقل عن حريز تام السند، ونقل قول الوحاظي هذا عن ابن عدي(3)أيضاً، وقد ذكر نفس القصة، لكن بشيءٍ من التفصيل والذكر لنص الحديث المُنكَر، ابن أبي الحديد المعتزلي، وهذا هو نصّ ما قاله:

قال محفوظ: قلت ليحيى بن صالح الوحاظي: قد رويت عن مشايخ من نظراء حريز، فما بالك لم تحمل عن حريز؟ قال: إنِّي أتيته فناولني كتاباً، فإذا فيه: حدَّثني فلان عن فلان أنَّ النبي (ص) لمّا حضرته الوفاة أوصى أن تُقطَع يد علي بن أبي طالب. فرددت الكتاب، ولم استحل أن أكتب عنه شيئاً.(4)

و- وأخيراً ورد عن يحيى بن صالح نفسه، قال:

وقال غنجار: قيل ليحيى بن صالح: لِمَ لمْ تكتب عن حريز؟ فقال: كيف أكتب عن رجلٍ صلَّيت معه الفجر سبع سنين، فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن علياً سبعين مرة. (5)

فتلخّص ممّا تقدّم أنّ حريز بن عثمان هذا رجل ناصب للعداء لعليّ بن أبي طالب عليه السلام، ويتّخذ النصب ديناً - إذ كما مرّ أخيراً أنَّه لا يخرج من المسجد إلاّ بلعن علي عليه السلام، وهذا هو الابتداع بعينه -. وذكر عدم صحّة رجوعه عن النصب غير واحد -كما مرَّ بشهادة


1- وهو من رجال الصحيحين، وثَّقه يحيى بن معين وأبو اليمان وابن عدي. يراجع فيه: مقدَّمة فتح الباري، ج١، ص45١.
2- الكامل في ضعفاء الرجال، أبو حاتم محمد بن حبان البستي، ج٢، ص45٣.
3- تهذيب التهذيب، ج٢، ص٢٠٩.
4- شرح نهج البلاغة، عبد الحميد بن هبة الله ابن أبي الحديد، ج4، ص٧٠.
5- تهذيب التهذيب، ج٢، ص٢٠٩.

ص:52

اثنين من خبراء علم الرجال والتراجم - كما أنَّه اتُّهم بوضع الحديث، وذكرنا نصّين من وضعه.

٣- خالد بن سلمة بن العاص بن هشام بن المغيرة القرشي

وهو أبو سلمة المعروف ب-(الفأفاء) ، وهو كوفي، وذكره كلُّ مَن ذكره بالبغض لعلي عليه السلام، وقد قُتل هذا الرجل في أوائل ثورة بني العباس على حكم بني أُمية، لذا سيأتي في أحد التعابير عنهم بأنّه (قتلته المسودة) ، وهم بنو العباس، إذ كان شعارهم لبس السواد. وهذا أهم ما قيل في الرجل:

أ- قال الذهبي:

. . . حدَّث عن سعيد بن المسيب وأبي بردة و. . . ، هرب إلى واسط من بني العباس، فقُتل بها مع الأمير بن هبيرة. . . وثَّقه أحمد وابن معين، وكان مُرجئاً(1)، ينال من علي، قتل أواخر سنة اثنين وثلاثين ومئة. (2)

ب- وقال المقدسي:

«. . . وقال محمد بن حميد الرازي، عن جرير: كان خالد بن سلمة الفأفاء رأساً في المرجئة، وكان يبغض علياً. . .» .(3)

ج- أمَّا المزي، فقد قال:

«. . . قال البخاري عن علي بن المديني: له نحو عشرة أحاديث، قال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه، وإسحاق بن منصور و. . . عن يحيى بن معين: ثقة» .(4)

د- وقد وثَّقه الذهبي بقوله:

«خالد بن سلمة بن العاص. . . ثقة قتلته المسودة» .(5)وقال عنه: «الفأفاء: الإمام الفقيه، أبو سلمة خالد بن سلمة بن العاص بن هشام بن المغيرة. . . وثَّقهُ أحمد وابن معين، وكان مرجئاً ينال من علي. . .» .(6)


1- المرجئة: بضمِّ فسكون وكسر الجيم، أسم فاعل من أرجأ، وأرجأ فلان الأمر، أخَّره: فرقة تعتقد أنَّه لا يضر مع الإيمان معصية، ولا ينفع مع الكفر طاعة. يراجع: معجم لغة الفقهاء، قلعچي، ص4٢١.
2- سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد الذهبي، ج5، ص٣٧٣.
3- تعليقة على العلل لابن أبي حاتم، ج١، ص١٢6.
4- تهذيب الكمال، ج٨، ص٨٣.
5- الكاشف، ج١، ص٣65.
6- سير أعلام النبلاء، ج5، ص٣٧٣.

ص:53

ه- أمَّا العقيلي، فقد قال فيه:

خالد بن سلمة الفأفاء. . . حدَّثنا أحمد بن علي الأبار، قال: ثنا محمد بن حميد، قال: ثنا جرير، قال: كان خالد بن سلمة الفأفاء رأساً في المرجئين، وكان يبغض علياً.(1)

فبملاحظة جميع ما تقدَّم يتضح أنَّ هذا الرجل من أهل البدع، إضافة لكونه من النواصب، فمع كل ذلك قيل بوثاقته، وهذا ما لا يتَّفق مطلقاً مع تعريفهم للعدالة.

4- داود بن الحصين بن عقيل الأموي

هو أبو سليمان الأموي، كان يذهب مذهب الشراة (2)من الخوارج، وهو من أهل المدينة، توفي سنة ١٣5ه، وهذه أهم الأقوال التي قيلت فيه:

أ- قال ابن العجمي الحلبي:

داود بن الحصين أبو سليمان: مُحدِّث مشهور تفرّد باشياء. ذكر الذهبي في ميزانه كلام مَن تكلَّم فيه، وقد صحَّح عليه، فالعمل على توثيقه، إذ كما شرط هو في حاشية الميزان، وكيف لا يكون ثقه وقد روى له الأئمّة الستة فضلاً عن الشيخين، ومَن روى له الشيخان فقد جاز القنطرة كما قاله علي بن الفضل المقدسي. . . .(3)

ب- وقال الذهبي:

«داود بن الحصين. . . وقال ابن حبّان: كان يذهب مذهب الشراة - يعني الخوارج - كعكرمة، لكن لم يكن داعية، والدعاة تجب مجانبة حديثهم» . (4)وقال أيضاً في موضع آخر في ترجمة (عكرمة مولى ابن عباس) : «. . . وقال مصعب الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج، فطلبه متولّي المدينة فتغيّب عند داود بين الحصين حتى مات عنده. . .» .(5)

أقول: قال الذهبي: «والدعاة تجب مجانبة حديثهم» . وسيأتي لاحقاً بسط الكلام في التفريق بين الداعية لمذهبه وغير الداعية، وما مدى جدوى ذلك.


1- الضعفاء الكبير، ج٢، ص5.
2- هم فرقة من فرق الخوارج، وهم المُكفِّرين أصحاب المعاصي في الصغائر والكبائر، تكفير نعمة لا تكفير شرك، ويتبرؤون من علي عليه السلام وعثمان، ولا يستحلّون أموال الناس ولا يسبون النساء، ولا يخالفون في دين ولا سنة، ومركزهم ناحية هراة وأصطخر، بين دار ابجرد وكرمان. . . ، يراجع: التنبيه والردّ، الملطي الشافعي، ج١، ص54.
3- الكشف الحثيث، إبراهيم بن محمد ابن العجمي الحلبي، ج١، ص١١٢.
4- ميزان الاعتدال، ج٣، ص١٠.
5- المصدر نفسه، ج5، ص١١٩.

ص:54

ج- وقال ابن حجر العسقلاني:

داود بن الحصين الأموي، مولاهم أبو سليمان المدني، روى عن أبيه وعكرمة و. . . وقال ابن معين: ثقة، وقال علي بن المديني: ما روى عن عكرمة فمنكر، قال: وقال ابن عيينة: كنا نتَّقي حديث داود، وقال أبو زرعة: لين. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، ولو لا أنَّ مالكاً روى عنه لترك حديثه. . . وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يذهب مذهب الشراة، وكل مَن ترك حديثه على الإطلاق وَهِمَ، لأنَّه لم يكن بداعية. . . وقال الساجي: منكر الحديث، يتَّهم برأي الخوارج. . . .(1)

د- وقال ابن حجر نفسه:

«. . . وثقه ابن معين وابن سعد والعجلي، وابن إسحاق وأحمد بن صالح المصري والنسائي. . .» .(2)

فيتلخص ممَّا سبق بأنَّ هذا الرجل هو من رجال الصحيحين، وروى له الأئمّة الستة ووثَّقوه، ووثَّقه غيرهم أيضاً، مع كونه من الخوارج ومن الشراة منهم بالخصوص، ولا يخفى أنَّ الخوارج يذهبون إلى تكفير عليّ عليه السلام، فضلاً عن بغضه ونصب العداء له.

5- ثور بن يزيد الحمصي

أبو خالد الكلاعي الشامي، قُتل أحد أجداده في صفّين مع جيش معاوية، فأصابه النصب والبغض لعلي عليه السلام، وصرَّح بذلك كما سيأتي، وهو من رجال صحيح البخاري، مات ببيت المقدس سنة (١5٠) ه، وهذه أهمّ الأقوال فيه:

أ- ذكره البخاري قائلاً:

ثور بن يزيد: أبوخالد الكلاعي الشامي، نسبه محمد بن إسحاق، كنَّاه لنا أبو عصام، سمع خالد بن معدان، وراشد بن سعد، وقال لي عمرو بن علي: مات سنة خمسين ومائة، وقال لي إبراهيم بن موسى: سمعت عيسى بن يوشى يقول: كان ثور من أثبتهم. . . .(3)


1- تهذيب التهذيب، ج٣، ص١5٧.
2- مقدمة فتح الباري، ج١، ص4٠١.
3- التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل البخاري، ج٢، ص١٨١.

ص:55

ب- قال علي بن الحسن الشافعي:

ثور بن يزيد بن زياد أبو خالد الكلاعي، ويقال الرحبي. . . وكان ثقة في الحديث، ويقال إنَّه كان قدرياً، وكان جد ثور بن يزيد قد شهد صفين مع معاوية وقتل يومئذٍ، فكان ثور إذا ذُكر علياً قال: لا أحبّ رجلاً قتل جدي.(1)

وذكر مثل ذلك في تهذيب الكمال.(2)

ج- وقال يحيى بن معين - برواية الدوري -:

«. . . أزهر الحرازي وأسد بن وداعة وجماعة، كانوا يجلسون يشتمون علي بن أبي طالب، وكان ثور بن يزيد في ناحية لا يسب علياً، فإذا لم يسب جروا برجله» .(3)

وذكر ذلك في تاريخ دمشق(4)أيضاً.

د- كان ثور بن يزيد هذا من رجال البخاري، قال الكلاباذي المعروف ب-(رجال صحيح البخاري) :

«ثور بن يزيد أبو خالد الكلاعي الشامي، حمصي، سمع خالد بن معدان، روى عنه الثوري و. . . مات ببيت المقدس سنة ١5٠ هجرية. . .» .(5)

ه- أمّا ابن حجر العسقلاني، فقد قال فيه:

ثور بن يزيد الحمصي، أبو خالد، اتَّفقوا على تثبّته في الحديث، مع قوله بالقدر، قال دحيم: ما رأيت أحداً يشك أنّه قدري. . . وكان الثوري يقول: خذوا عنه واتّقوا لا ينطحكم بقرنيه، يحذّرهم من رأيه، وقدم المدينة فنهى مالك عن مجالسته، وكان يُرمَى بالنصب أيضاً، وقال يحيى بن معين: كان يجالس قوماً ينالون من علي، لكنّه هو كان لا يسب، قلت: احتجَّ به الجماعة. (6)

فبالجمع بين الأقوال المتقدّمة يتضح أنَّ الرجل ناصبي، وإن شُك في نسبة السب إليه، كما أنَّه كان يجالس مَن يسب. فكيف يتلاءم ذلك مع العدالة؟ !


1- تاريخ مدينة دمشق، علي بن الحسن الشافعي، ج١١، ص١٨6.
2- تهذيب الكمال، ج4، ص4٢١.
3- تاريخ ابن معين، يحيى أبو زكريا ابن معين، ج4، ص4٢٣.
4- تاريخ مدينة دمشق، ج١١، ص١٩4.
5- الهداية والإرشاد، أحمد بن محمد البخاري الكلاباذي، ج١، ص١٣4.
6- مقدمة فتح الباري، ج١، ص٣٩4.

ص:56

6- عمران بن حطان السدوسي

وهو أشهر من أن يُعرَّف، إذ اقترن اسمه بأبياته المشهورة التي امتدح بها عبدالرحمن ابن ملجم المرادي، قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؛ إذ قال في ذلك.

يا ضربةً من منيبٍ ما أراد بها

إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضواناً

إنّي لأذكره يوماً فأحسبه

أوفى البريّة عند الله ميزاناً(1)

فجمع مع نصبه الدعوة إلى مذهبه، ومع ذلك فقد خرّجوا له ووثَّقوه، وفيما يلي أهمّ ما قيل فيه:

أ- قال الكلاباذي:

«عمران بن حطان السدوسي: سمع عائشة وابن عمر وابن عباس، روى عنه يحيى بن أبي كثير في اللباس» .(2)

ب- قال المزي:

«عمران بن حطان بن ظبيان. . . قال أبو الحسين بن قانع: توفي سنة أربع وثمانين، روى له البخاري وأبو داود والنسائي» .(3)

ج- قال العجلي:

«عمران بن حطان: بصري تابعي ثقة» .(4)

د- ذكره الذهبي بقوله:

عمران بن. . . البصري من أعيان العلماء، لكنَّه من رؤوس الخوارج، حدَّث عن عائشة وأبي موسى الأشعري. . . وروى عنه ابن سيرين وقتادة ويحيى بن أبي كثير. قال أبو داود: ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج، ثُمَّ ذكر عمران بن حطان وأبا حسّان الأعرج. . . حدّث سلمة بن علقمة عن ابن سيرين قال: تزوّج عمران خارجية وقال: سأردّها. قال: فصرفته إلى مذهبها، فذكر المدائني أنَّها كانت ذات جمال وكان دميماً. . . .(5)


1- يراجع في ذلك كل من: البدء والتاريخ، ج5، ص٢٣4. الأنساب، السمعاني، ج١، ص١٢٣ .
2- الهداية والإرشاد، ج٢، ص5٧4.
3- تهذيب الكمال، ج٢، ص٣٢4.
4- معرفة الثقات، أحمد بن عبدالله العجلي، ج٢، ص١٨٨.
5- سير أعلام النبلاء، ج4، ص٢١4.

ص:57

ه- ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني قائلاً عنه:

عمران بن حطان السدوسي الشاعر المشهور، كان يرى رأي الخوارج. قال أبو العباس المبرّد: كان عمران رأس القعدية من الصفرية وخطيبهم وشاعرهم. انتهى. والقعدية قوم من الخوارج كانوا يقولون بقولهم ولا يرون الخروج، بل يزيّنونه، وكان عمران داعيةً إلى مذهبه، وهو الذي رثى عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي عليه السلام بتلك الأبيات السائرة، وقد وثَّقه العجلي، وقال قتادة: كان لا يُتَّهم في الحديث. وقال أبو داود: ليس في أهل الأهواء أصحّ حديثاً من الخوارج، ثُمَّ ذكر عمران هذا وغيره. . . وقال العقيلي: حدَّث عن عائشة، ولم يتبيَّن سماعه منها. . . .(1)

و- وأخيراً نورد قول أبي الفرج الأصفهاني بحق عمران بن حطان، حيث قال فيه:

أخبار عمران بن حطان ونسبه: هو عمران. . . بن سدوس بن شيبان. قال ابن الكلبي: هو عمران. . . شاعر فصيح من شعراء الشراة ودُعاتهم والمقدّمين في مذهبهم وكان من القَعَدَة، لأنَّ عمره طال فضعف عن الحرب وحضورها، فاقتصر على الدعوة والتحريض بلسانه. وكان قبل أن يفتن بالشراة مشتهراً بطلب العلم والحديث، ثُمَّ بُلي بذلك المذهب، فضلَّ وهلك لعنه الله، وقد أدرك صدراً من الصحابة وروى عنهم، وروى عنه أصحاب الحديث. . . . (2)

فتلخص ممّا ذكر أنَّ هذا الرجل كان موغلاً في النصب، ومن دعاته وشعراءه ورؤوسه، ومع ذلك وُثِّق، بل جُعل من الزمرة التي ليس في أهل الأهواء أصحّ حديثاً منها.

7- أبو حسان الأعرج

وقيل: الأجرد، وقيل: الأحرد،(3)واسمه مسلم بن عبدالله، من أهل البصرة، قتل يوم الحرورية سنة ١٣٠هجرية، وكان من الخوارج، وهذه أهم الأقوال التي قيلت فيه:


1- مقدمة فتح الباري، ج١، ص4٣٢.
2- الأغاني، أبو الفرج الإصفهاني، ج٨، ص١١4.
3- وسمّي الأحرد لأنّه كان يمشي على عقبيه. راجع كتاب: سؤالات الآجري، أبي داود، ج١، ص4٢4، سليمان بن الأشعث .

ص:58

أ- قال المزي:

أبو حسان الأعرج، ويقال الأجرد أيضاً، بصري. . . روى عن الأسود بن يزيد النخعي و. . . روى عنه عاصم الأحول وقتادة بن دعامة. . . قال أبو بكر بن الأثرم عن أحمد بن حنبل: مستقيم الحديث أو مقارب الحديث، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة، . . . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات: . . . خرج مع الخوارج. استشهد به البخاري، وروى له الباقون.(1)

ب- قال ابن سعد:

«أبو حسان الأعرج، واسمه مسلم، ثقة إن شاء الله» .(2)

ج- وقال الرازي

أبو حسان الأعرج، ويقال هو الأحرد. روى عن عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر، وأبي هريرة وعائشة ومخارق ابن أحمر وعبدالله بن عتبة وناجية، روى عنه قتادة وعاصم الأحول، وزعموا أنَّ ابن سيرين كان يروي عنه.

سمعت أبي يقول ذلك: نا عبد الرحمن، نا علي بن أبي طاهر فيما كتب إليّ، نا أبو بكر الأثرم قال: سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل يقول: مسلم الأحرد، مستقيم الحديث أو مقارب الحديث. . . .(3)

د- ذكره البستي قائلاً:

(أبو حسان الأعرج. . .)(4)، ومَن خرّجه في كتابه (الثقات) فهو ثقة عنده.

ه- أمّا العسقلاني، فقال:

البخاري في التعاليق، ومسلم، والأربعة: أبو حسان الأعرج، ويقال إلأجرد أيضاً. . . وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وهو عندهم ثقة في حديثه، إلاّ أنَّه رُوي عن قتادة قال: سمعت أبا حسان الأعرج وكان حرورياً، . . . وقال البخاري وابن حبان: قتل يوم الحرورية سنة ثلاثين ومئة.(5)


1- تهذيب الكمال، ج٣٣، ص٢4٢.
2- الطبقات الكبرى، ج٧، ص٢٢٢.
3- الجرح والتعديل، عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، ج٨، ص ٢٠١.
4- الثقات، ج5، ص٣٩٣.
5- تهذيب التهذيب، ج١٢، ص٧6.

ص:59

وممَّن ذكر أنّه قتل مع الخوارج يوم الحرورية ابن حبان البستي، قال: «أبوحسان الأعرج، اسمه مسلم، من أهل البصرة، قتل يوم الحرورية، يروي عن ابن عباس، روى عنه قتادة» .(1)

إذن، فهو ناصبي خارجي وقُتل مع الخوارج، ومع ذلك فهو ثقة! !

٨- عكرمة مولى إبن عباس

وهو بربري الأصل، يكنّى ب-(أبي عبدالله) ، وسيأتي في ما يلي أنَّه كان من الخوارج الصفرية، بل قيل إنَّ له اليد الطولى في نشر مذهب الخوارج في المغرب العربي. وهذه أهمّ الأقوال فيه:

أ- قال ابن عدي:

. . . ثنا أبو طالب أحمد بن حميد قال: سمعت أحمد بن حنبل قال: خالد الحذاء. . . كان [يعني عكرمة] من أعلم الناس، ولكنَّه كان يرى رأي الخوارج الصفرية(2). . . وورد: إنَّما أخذ أهل إفريقية رأي الصفرية من عكرمة لمّا قدم عليهم.(3)

ب- وقال العجلي:

«عكرمة مولى ابن عباس، مكي تابعي ثقة» .(4)

ج- وقال الذهبي:

عكرمة مولى ابن عباس من أوعية العلم، تكلّموا فيه لرأيه لا لحفظه، اتُّهم برأي الخوارج، وثَّقه غير واحد، وكذّبه مجاهد وابن سيرين ومالك، فالله اعلم، واعتمده البخاري، وأمّا مسلم، فروى له مقروناً بآخر.(5)

د- قال الناصري عند ذكره تأسيس مدينة سجلماسة سنة ١4٠ للهجرة:

. . . ومن هذا الاجتماع نشأت دولة بني مدرار، ملوك سجلماسة، فإنَّ صفرية مكناسة لما بايعوا عيسى بن يزيد. . . واجتمعوا بعده على كبيرهم أبي القاسم بن سمكو بن


1- الثقات، ج5، ص ٣٩٣.
2- الصفرية: فرقة من الخوارج أصحاب زياد بن الأصفر، خالفوا غيرهم من الخوارج بأمور كثيرة يراجع في ترجمتهم، الملل والنحل، ج١، ص١٣٧.
3- الكامل في ضعفاء الرجال، ج5، ص٢66.
4- معرفة الثقات، ج٢، ص١45.
5- المغني في الضعفاء، محمد بن أحمد الذهبي، ج٢، ص4٣٨.

ص:60

واسول المكناسي الصفري، وكان أبوه سمكو من حملة العلم، ارتحل إلى المدينة، فأدرك التابعين، وأخذ عن عكرمة مولى ابن عباس. قاله عريب بن حميد القرطبي في تاريخه، وكان عكرمة بربري الأصل - كما عند ابن خلكان - وقد تكلّم الناس فيه لأنّه كان يرى رأي الخوارج.(1)

ه- وقال الذهبي في ترجمته الطويلة لعكرمة:

عكرمة: العلامة الحافظ. . . قال ابن لهيعة: وكان يحدّث برأي نجدة الحروري، وأتاه فأقام عنده ستة أشهر، ثُمَّ أتى ابن عباس فسلّم، فقال: قد جاء الخبيث. سعيد بن أبي مريم، عن ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: كنت أوّل مَن سبّب لعكرمة الخروج إلى المغرب، وذلك أنَّي قدمت من مصر إلى المدينة، فلقيني عكرمة وسألني عن أهل المغرب، فأخبرته بغفلتهم، قال: فخرج إليهم، وكان أوّل ما أحدث فيهم رأي الصفرية. قال يحيى بن بكير: قدم عكرمة مصر، ونزل هذه الدار [وأومأ إلى دارٍ إلى جانب دار ابن بكير] (2)فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا.

قال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين يقول: إنَّما لم يذكر مالك عكرمة- يعني في الموطأ-، قال لأنَّ عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية. قال علي بن المديني: حكى عن يعقوب الحضرمي عن جده، قال: وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما فيه إلاّ كافر. قال: وكان يرى رأي الإباضية.

وروى خلّاد بن سليمان الحضرمي عن خالد بن أبي عمران قال: دخل علينا عكرمة مولى ابن عباس بإفريقية في وقت الموسم فقال: وددت أنّي اليوم بالموسم بيدي حربة أضرب بها يميناً وشمالاً، وفي رواية: فاعترض بها من شهد الموسم. قال خالد فمن يومئذٍ رفضه أهل أفريقية. . . .

وقال معن وغيره: كان مالك لا يرى عكرمة ثقة، ويأمر أن لا يؤخَذ عنه. . . وفي صحيح البخاري لقتادة عن عكرمة أربعة أحاديث، في تكبيرات الصلاة، والخنصر والإبهام سواء، والمتشبّهين بالنساء، وفي زوج بريرة. وفي السنن أحاديث.


1- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، أبو العباس أحمد بن خالد الناصري، ج١، ص١٨٠.
2- هذا المقطع ليس في سير أعلام النبلاء بل ذكره يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ عند نقله لنفس الخبر مباشرة من ابن بكير. يراجع: المعرفة والتاريخ، ج٢، ص4.

ص:61

. . . قال أحمد: وإنّما أخذ أهل أفريقية رأي الصفرية عن عكرمة لمّا قدم عليهم. . . قال أبو بكر المروزي، قلت لأحمد: يحتجّ بحديث عكرمة؟ قال: نعم يحتجّ به.

روى جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، عن يحيى بن معين، قال: إذا رأيت إنساناً يقع في عكرمة، وفي حماد بن سلمة، فاتَّهمه على الإسلام.

قال مصعب بن عبدالله الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج، فطلبه متولّي المدينة، فتغيّب عند داود بن الحصين حتى مات عنده.

قلت [والكلام لازال للذهبي]: ولهذا ينفرد عنه داود بأشياء تُستغرَب، وكثير من الحفاظ عدّوا تلك الإفرادات مناكير.(1)

والذي يهمّنا هنا الوقوف على ابتداع هذا الرجل، وكونه من الخوارج الدعاة إلى مذهبهم أشدّ الدعوة - وإن كانت هناك نقولات لأعلام كثيرين تتَّهمه بالكذب تارة، وبالوقوف على أبواب السلاطين تارة أُخرى. ليست محل بحثنا هنا- فكيف تنسجم العدالة مع الابتداع، وقد أُخذ في حدِّ العدالة عدم الابتداع؟ !

٩- لمازة بن زبار الجهضمي

أبولبيد البصري، كان ممَّن حضر وقعة الجمل وحارب ضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وكان ممَّن صرَّح ببغضه لعلي عليه السلام، بل كان شتّاماً- على ما سيأتي - ومع ذلك عُدَّ من الثقات، وهذا أهمّ ما قيل فيه:

أ- الصفدي قال فيه:

لمازة بن زبّار. . . . توفي في عشر الثمانين، وقيل في عشر المئة، وكنيته أبو لبيد، وكان ثقة، قاتل علياً يوم الجمل، قيل له: أتحبّ علياً؟ قال: كيف أحبّ رجلاً قتل من قومي ألفين وخمسمائة في يوم! قال ابن معين: «نرى أنَّه كان يشتم علياً.(2)

ب- قال الذهبي: «لمازة بن. . . . . وعنه جرير بن حازم وجماعة، فيه نصب، وثّق» .(3)


1- سير أعلام النبلاء، ج5، ص١٣.
2- الوافي بالوفيات، ج٢4، ص٣٠٣.
3- الكاشف، ج٢، ص١5١.

ص:62

وقال: «لمازة. . . . وكان ناصبياً ينال من علي ويمدح يزيد» .(1)

ج- وقال الذهبي نفسه:

لمازة بن زبّار. . . . روى عن عمر، وأبي موسى الأشعري، وعنه الزبير ابن خرّيت، ويعلى بن حكيم وجماعة، حضر وقعة الجمل مع عائشة، وقد وثَّقه ابن سعد، وقال أحمد بن حنبل: صالح الحديث. . . . . . وقال وهب بن جرير عن أبيه عن أبي لبيد: وكان شتاماً. قال ابن معين: نرى أنَّه كان يشتم علياً. وروى الزبير ابن الخرّيت عن أبي لبيد قال: وفدنا إلى يزيد، فقالوا: هو يشرب الخمر، فهاجت ريح فألقت خيمته، فإذا هو قد نشر المصحف وهو يقرأ. قلت [الكلام للذهبي]: ما يلائم [الظاهر أنّها: ما يُلام، وهو الأصح] الشيعي على بغض هذا الناصبي اليزيدي الذي ينال من علي ويروي في مناقب يزيد.(2)

فيلاحظ أنَّ الذهبي أحسّ بتأثير النصب على هذا الرجل، الذي قلب الموازين عنده، فأخذ يذمّ أمير المؤمنين علي عليه السلام ويشتمه، ويمدح يزيد بن معاوية، ومع ذلك فقد قيل في توثيقه ما سيأتي.

د- قال المزي:

«. . . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجة. . .» .(3)

ه- ذكره ابن حبان قائلاً: «لمازة. . . يروي عن علي بن أبي طالب أن كان سمع منه» ،(4)وذكره في الثقات دليل على توثيقه له كما مرَّ ذكره.

و- وقال الرازي:

. . . . حدّثنا عبد الرحمن، ثنا حرب بن إسماعيل الكرماني، فيما كتب إليّ، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان أبو لبيد صالح الحديث، وأثنى عليه ثناءً حسناً.(5)


1- ميزان الاعتدال، ج5، ص5٠٨.
2- تاريخ الإسلام، ج٧، ص٢٣٠.
3- تهذيب الكمال، ج٢4، ص٢5١.
4- الثقات، ج5، ص٣45.
5- الجرح والتعديل، ج٧، ص١٨٢.

ص:63

١٠- عبدالله بن سالم الأشعري

الوحاظي الحمصي، وهو أيضاً ممَّن رُمي بالنصب، لكن مع ذلك وثَّقوه، وأخذوا عنه، وهذا أهم ما قيل فيه:

أ- قال الصفدي:

عبدالله بن سالم. . . قال أبو داود: كان يقول: عليٌّ أعان على قتل أبي بكر وعمر، وقال النسائي: ليس به بأس، توفي سنة تسع وسبعين ومائة، روى له البخاري وأبو داود والنسائي.(1)

ب- قال الذهبي:

عبدالله بن سالم الأشعري. . . . وذمَّه أبو داود وقال: كان يقول: عليّ أعان على قتل أبي بكر وعمر. وقال النسائي: ليس به بأس. قلت: يعني في نقله، أمّا في رأيه، فيه بأس شديد.(2)

ج- قال العسقلاني: «عبدالله بن سالم الأشعري، رُمي بالنصب» ،(3)وقال في موضع آخر من نفس المصدر:

عبدالله بن. . . . وثَّقه النسائي والدارقطني، وذمّه أبو داود من جهة النصب. روى له البخاري حديثاً واحداً في المزارعة، وعلّق له غيره، وروى له أبو داود والنسائي.(4)

د- وقال الخزرجي ما نصّه:

عبدالله بن سالم الأشعري الوحاظي - بضم الواو- أبو يوسف، نزيل حمص، عن محمد بن زياد وإبراهيم بن أبي عبلة، وعنه أبو المغيرة وأبو مسهر، قال يحيى بن حسان: ما رأيت مثله. ورماه أبو داود بالنصب وقال: مات سنة تسع وسبعين ومائة، وقال النسائي: ليس به بأس. . . .(5)


1- الوافي بالوفيات، ج١٧، ص٩٨.
2- تاريخ الاسلام، ج١١، ص٢٠5.
3- مقدمة فتح الباري، ج١، ص46٠.
4- المصدر نفسه، ص4١٣.
5- خلاصة تذهيب تهذيب الكمال، أحمد بن عبدالله الخزرجي، ج١، ص١٩٨.

ص:64

ه- ووثَّقه من المتأخرين محمد ناصر الدين الألباني بقوله:

«. . . وكذا عبدالله بن سالم، وهو الأشعري الحمصي، ثقة» .(1)

و- وأخيراً فلنقف على ما ذكره ابن حجر العسقلاني من النقولات في حقّه، قال ما نصّه:

عبدالله بن سالم الأشعري. . . قال يحيى بن حسان: ما رأيت بالشام مثله، وقال عبدالله بن يوسف: ما رأيت أحداً أنبل من مروّته وعقله منه، وقال الآجري عن أبي داود: كان يقول: أعان علي على قتل أبي بكر وعمر. وجعل أبو داود يذمّه. . . وقال النسائي: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في الثقات. [قلت والكلام لابن حجر]: ووثّقه الدارقطني. (2)

فالملاحظ أنَّ هذا الرجل إضافة إلى كونه ناصبياً متجاهراً بنصبه، فهو مرتكب لكبيرة من الكبائر، بل من أعظم الكبائر، وهي البهتان بحق إمامٍ من أئمّة المسلمين، أعني نسبته الإعانة على القتل لعلي بن أبي طالب عليه السلام، فهل بعد عبادان قرية؟ ! وكيف يُطمأن لنقل مثل هذا الشخص بعد ذلك؟ ! أم كيف يجتمع بهتانه العظيم هذا مع العدالة والصدق؟ ! .

هذه النماذج العشرة التي أوردناها، نماذج لا على التعيين، بل هي غيض من فيض، وتقدّم أنّ إحصاء النواصب المذكورين في كتب التراجم يحتاج إلى مؤلَّف خاص بذلك.

المبحث الثالث: محاولات لدرء التناقض بين شرطية العدالة، وتوثيق النواصب

اشاره

وفيه نقاط عدّة وهي:

النقطة الأُولى: الإحساس بالتناقض والتصريح به؛

النقطة الثانية: عرض المحاولة الأُولى للحل، وتقييمها علمياً؛

النقطة الثالثة: عرض المحاولة الثانية للحل، وتقييمها علمياً.


1- إرواء الغليل في تخريج احاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، ج6، ص١٣٩.
2- تهذيب التهذيب، ج5، ص٢٠٠.

ص:65

تقديم

بعد ما ثبت في البحوث السابقة أنَّ العدالة شرط اتّفاقي، بل إطباقي من شروط الراوي، وأنَّ من مقوّمات العدالة عدم الإصرار على أمرٍ محرّمٍ أوّلاً، وعدم الابتداع ثانياً، ثُمَّ أثبتنا فيما يليه من البحوث أنَّ النصب فيه مخالفة واضحة للشريعة أوّلاً، وهو من أجلى مصاديق البدعة ثانياً؛ توصّلنا إلى أنَّ توثيق الناصبي يناقض تماماً ما اتّفقوا عليه من شرطية العدالة، ثُمَّ عرضنا كيف تمَّ توثيق علماء الجمهور للنواصب عموماً، بالمباشرة والتصريح، أو بالملازمة والتلويح، ثُمَّ عرضنا نماذج من توثيقهم لآحاد النواصب المشهورين بالنصب، وكل ذلك يناقض شرطية العدالة كما تقدَّم.

ولقد شعر غير واحد من علماء الجمهور بهذا التناقض الواضح، وفيما يلي إشارة إلى تصريحاتهم في ذلك، في ضمن النقطة الأُولى التي ذكرناها في بداية هذا المبحث.

النقطة الأُولى: الإحساس بالتناقض والتصريح به

لقد استشعر التناقض المذكور بين ما اُسِّس من شرطية العدالة، بمفهومها المشتمل على عدم ارتكاب الكبائر، وعدم الإصرار على الصغائر، بل وعدم ارتكاب ما ينافي المروءة، مضافاً له عدم البدعة؛ وبين توثيقهم المُبتدِع (الناصبي) ؛ استشعر هذا التناقض غير واحدٍ من محقِّقي الجمهور، سنذكرهم تباعاً:

أ- ما صرَّح به ابن حجر العسقلاني، في ترجمته ل-(لمازة بن زبّار الأزدي الجهضمي) -الذي أوردنا ترجمته ضمن نماذج من النواصب فيما تقدّم - حيث قال ابن حجر هناك:

. . . وقد كنت أستشكل توثيقهم الناصبي غالباً، وتوهينهم الشيعي مطلقاً، ولاسيما أنَّ علياً ورد في حقِّه لا يُحبّه إلاّ مؤمن، ولا يبغضه إلاّ منافق، ثُمَّ ظهر لي في الجواب. . .» (1)، إلى آخر كلامه.

ولا يهمّنا كيفية الجواب ومدى صحته ودقته - وإن كان فيه طعن من عدّة جهات - لكنّ المهم في المقام استشعاره بالمناقضة في ذلك.


1- تهذيب التهذيب، ج5، ص4١٠.

ص:66

ب- ما صرَّح به الأمير الصنعاني، بقوله:

. . . أخذوا في رسم الصحيح والحسن عدالة الراوي، كما سبق للحافظ في النخبة [يعني بذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه: نخبة الفكر]، ومثله في كتب صاحب العواصم [يعني به أبا بكر بن العربي]، وفي جميع كتب أصول الحديث. وفسّر الحافظ العدالة بأنَّها مَلَكَة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، وفسَّر التقوى بأنَّها اجتناب الأعمال السيئة، من شرك أو فسق أو بدعةٍ، فأفاد أنَّ العدالة شرط للراوي، وقد عرفت أنَّ ترك البدعة من ماهية العدالة، فالعدل لا يكون عدلاً إلاّ باجتناب البدعة بأنواعها، ولا يخفى أنَّ هذا يناقض ما قرَّره الحافظ من القول بقبول المبتدع، مناقضةً ظاهرة. . . .(1)

ملاحظة: لا يقال إنَّ كلام الصنعاني في النص المتقدم عن مطلق المبتدع، وما نحن فيه يدور حول الناصبي!

فجوابه واضح ممّا تقدم، وهو أنَّ الناصبي مبتدع - كما أثبتناه سابقاً - وينطبق عليه تعريف المبتدع تماماً، فيكون الناصبي من أوضح مصاديق المبتدع، فيندرج في كلام الصنعاني المتقدم. وهكذا كل ما ينطبق على المبتدع ينسحب على الناصبي، فالمبتدع كُلّي، والناصبي مصداق له.

النقطة الثانية: عرض المحاولة الأُولى لحلّ التناقض، وتقييمها علمياً
اشاره

قبل عرض هذه المحاولة، لابد من التنوية إلى أنَّ هذه المحاولة لرفع التناقض لم تنصب أساساً لحل مشكلة التناقض بين النصب والعدالة، بل محورها أعمّ من ذلك؛ إذ ذهب إليها كثير من علماء الجمهور لرفع التناقض بين اشتراط العدالة وتوثيق المبتدع - أعمّ من كونه ناصبياً أو مرجئاً أو. . . فيمكن حينئذٍ لمَن يريد أن يرفع التناقض المذكور بين النصب والعدالة أن يدَّعيها إذا تمَّت علمياً، وسنرى هل هي كذلك - تامة علمياً - أم لا؟ !


1- ثمرات النظر في علم الأثر، ج١، ص46.

ص:67

وسنبحث هنا عن أمور أربعةٍ تتعلّق بهذه المحاولة، وهي على التوالي:

أ- توثيق هذه المحاولة؛

ب- تاريخ هذه المحاولة؛

ج- علّة القول بها؛

د- تقييمها تقييماً موضوعياً.

وسنتعرض لهذه الأمور الأربع بالتفصيل:

أ- توثيق هذه المحاولة

لقد وردت هذه القاعدة على لسان الكثير من رجاليّي ومحدّثي الجمهور، وهذه نبذاً في أقوالهم:

١- قال أبو عمرو ابن الصلاح:

اختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفّر في بدعته، فمنهم مَن ردَّ روايته مطلقاً؛ لأنَّه فاسق ببدعته، وكما استوى في الكفر المتأوّل وغير المتأوّل، يستوي في الفسق المتأوّل وغير المتأوّل. ومنهم مَن قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممَّن يستحلّ الكذب في نصرة مذهبه، أو لأهل مذهبه، سواء كان داعية إلى بدعته أو لم يكن. وعزا بعضهم هذا إلى الشافعي لقوله: أقبل شهادة أهل الأهواء إلاّ الخطابية من الرافضة؛ لأنَّهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم.

وقال قوم: تقبل رواياته إذا لم يكن داعية إلى بدعته، ولا تُقبل إذا كان داعية. وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء. وحكى بعض أصحاب الشافعي خلافاً بين أصحابه في قبول رواية المبتدع إذا لم يدع إلى بدعته، وقال: أمّا إذا كان داعية، فلا خلاف بينهم في عدم قبول روايته. وقال أبو حاتم البستي، أحد المصنفين من أئمّة الحديث: الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة، لا أعلم بينهم فيه خلافاً. وهذا المذهب الثالث أعدلها وأولاها، والأوَّل بعيد مباعد للشائع عن أئمّة الحديث؛ فإنَّ كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة، وفي الصحيحين كثير من أحاديثهم في الشواهد والأصول، والله أعلم.(1)


1- مقدمة ابن الصلاح، ج١، ص١١4.

ص:68

٢- قال أبو زكريا، يحيى بن شرف النووي:

وأمّا الذي لا يكفَّر بها [أي بالبدعة]، فاختلفوا في روايته، فمنهم مَن ردَّها مطلقاً لفسقه، ولا ينفعه التأويل، ومنهم مَن قبلها مطلقاً إذا لم يكن ممَّن يستحلّ الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه، سواء كان داعية أو غير داعية. وهذا محكي عن إمامنا الشافعي (ره) ، لقوله: أقبل شهادة أهل الأهواء إلاّ الخطابية من الرافضة. . . ومنهم مَن قال: تقبل إذا لم يكن داعية إلى بدعته، ولا تُقبل إذا كان داعية. وهذا مذهب كثيرين أو الأكثر من العلماء، وهو الأعدل الصحيح.(1)

٣- قال إسماعيل بن كثير ما نصّه:

مسألة: المبتدع إن كفر ببدعته فلا إشكال في ردّ روايته، وإذا لم يكفر، فإن استحلَّ الكذب رُدَّت أيضاً، وإن لم يستحل الكذب فهل يقبل أم لا؟ أو يفرَّق بين كونه داعية أو غير داعية؟

في ذلك نزاع قديم وحديث. والذي عليه الأكثرون التفصيل بين الداعية وغيره، وقد حُكي عن نص الشافعي، وقد حكى ابن حبان عليه الاتفاق، فقال: لا يجوز الاحتجاج به عند أئمّتنا قاطبة، لا أعلم بينهم فيه خلافاً، قال ابن الصلاح: وهذا أعدل الأقوال وأولاها.(2)

إذن، فملخّص هذه المحاولة هو: أنَّ ما تدّعوه من أنَّ المبتدع - ومنه الناصبي - خارج عن العدالة وحدّها، غير متوفّر على شروطها؛ صحيح، فحينئذٍ لا تُقبل روايته، لكن نفرّق بين المبتدع، (ومنه الناصبي كما قلنا) ، الداعي إلى بدعته، فلا تُقبل روايته، وبين المبتدع غير الداعي إلى بدعته، فتُقبل، وبذلك ينحلّ إشكال التناقض بين شرطية العدالة وتوثيق المبتدع (ومنه الناصبي) .

وكما نوَّهنا في بداية عرض المحاولة، أنَّها لم يقصد منها حل مشكلة الناصبي بالخصوص، بل هي تشمل عموم المبتدع، فيدخل الناصبي في ذلك العموم حينئذٍ؛ لأنَّه مصداق للمبتدع، بل هو من أوضح المصاديق لذلك.


1- صحيح مسلم بشرح النووي، يحيى بن شرف النووي، ج١، ص6٠.
2- الباعث الحثيث، عماد الدين إسماعيل بن كثير، ج١، ص٢٩٩.

ص:69

ب- تاريخ هذه المحاولة، وأوَّل مَن نُسبت إليه

هناك بعض الأقوال تُشعر بنسبة هذه المحاولة إلى الشافعي، فنسبها ابن كثير مثلاً إلى المَحكي عن نصِّ الشافعي، وفيما يلي تحقيق الحال في ذلك:

مرَّ سابقاً في (أ) عرض أقوال بعض الأعلام في توثيق هذه المحاولة، واتضح من جميع الأقوال المتقدمة أنَّ نسبة القول للشافعي لم يجزم أحد به، ففي عبارة أبي عمرو ابن الصلاح قال: «وحكى بعض أصحاب الشافعي خلافاً بين أصحابه في قبول رواية المبتدع. . .» ، وكذا عبارة ابن كثير: «. . . وقد حكي عن نص الشافعي. . .» . والحكاية مُشعرة بالتضعيف في نسبة هذا الرأي للشافعي من جهة، ومن جهةٍ أُخرى أنَّ هذا الرأي ليس نصاً عن الشافعي، بل هو فهم لعبارته وقوله المشهور بينهم، ألا وهو: «أقبل شهادة أهل الأهواء إلاّ الخطابية من الرافضة» . فكما أنَّ القائل بهذا الرأي قد فهم من هذا النص التفريق بين الداعية لبدعته، وغير الداعية لها، فقد فهم آخرون عكس ذلك؛ فهذا ابن كثير نفسه - الذي نقل هذا القول من التفريق بين الداعية وغيره - ردّ عليه بقوله: «قلت: وقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلاّ الخطابية من الرافضة؛ لأنَّهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم. فلم يفرق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره» . (1)

بل شارك النووي ابن كثير في فهمه لعبارة الشافعي، لذا نسب عكس النسبة المتقدمة لقول الشافعي، فقال:

وأمَّا الذي لا يكفَّر بها [أي: لا يكفر ببدعته، أي كان مبتدعاً لبدعةٍ تؤدّي إلى الفسق لا الكفر]، فاختلفوا في روايته، فمنهم مَن ردَّها مطلقاً لفسقه، لا ينفعه التأويل، ومنهم مَن قبلها مطلقاً، إذا لم يكن ممَّن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه، سواء كان داعية إلى بدعته أم غير داعية، وهذا محكي عن إمامنا الشافعي، لقوله: أقبل شهادة. . . .(2)


1- الباعث الحثيث، ج١، ص٣٠٠.
2- شرح صحيح مسلم، ج١، ص6.

ص:70

أضف لكل ما تقدَّم أنَّنا لو وقفنا على ظاهر عبارة الشافعي، فإنَّ المتبادر منها، والمفهوم الواضح عنها، أنَّه لا يقبل شهادة الخطابية لكذبهم وشهادتهم بالزور لموافقيهم، وليس في العبارة تصريح بالداعية أو غير الداعية، بل ولا فيها تلويح بذلك، فعلى مَن فهم منها هذا التقسيم أن يقيم على ذلك الدليل، فالتقسيم إلى الداعية وغيره خلاف ظاهر العبارة. وما ذكرناه سابقاً هو عين ما فهمه ابن حجر من عبارة الشافعي، بل ونقل فيه قول غيره من العلماء، إذ قال في ذلك: «. . . والقبول مطلقاً إلاّ فيمَن يكفّر ببدعته، وإلاّ فيمَن يستحلّ الكذب. ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف وطائفة، وروي عن الشافعي أيضاً» .(1)فعلّة عدم قبول شهادة الخطابية هي الكذب، أو الشهادة بالزور لموافقيهم ليس إلاّ.

وأخيراً نقل ابن بهادر في كتابه، حكاية أُخرى لمذهب الشافعي، تناقض الحكاية المتقدمة؛ قال:

. . . رابعها: إنَّ ما عزاه أولاً للشافعي، قال فخر الدين في المحصول: إنَّه الحق، وحكاه الحاكم في المدخل عن أكثر أئمّة الحديث، ورجَّحه الشيخ أبو الفتح القشيري، وقال: الذي تقرر عندنا أنَّه لا يُعتبَر المذهب في الرواية؛ إذ لا يكفَّر أحد من أهل القبلة إلاّ بإنكار قطعي من الشريعة، فإذا اعتبرنا ذلك، وانضمَّ إليها التقوى والورع، فقد حصل معتمد الرواية، وهذا مذهب الشافعي، حيث يقبل شهادة أهل الأهواء، وقال: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المُحدّثون والحكّام.(2)

فمن كل ما تقدَّم يتقرَّر عدم وضوح نسبة هذه المحاولة إلى الشافعي، إن لم نقل بنسبة خلافها إليه، بل هي فهم لا دليل عليه لعبارته ليس إلاَّ.

ثُمَّ إنَّ الأمر الآخر المهم الذي لابد من الوقوف عليه، في تاريخ هذه المحاولة


1- لسان الميزان، ج١، ص١٠.
2- النكت على مقدمة ابن الصلاح، ج٣، ص٣٩٩.

ص:71

وتعيين نسبتها، هو ما قام به ابن حبّان البستي؛ إذ نسبها إلى الإجماع، فادَّعى أنَّ هناك إجماعاً على التفصيل في قبول رواية المبتدع، (ومنه الناصبي طبعاً) ، فتُقبل رواية المبتدع غير الداعية إلى مذهبه، وتُردّ رواية الداعية لمذهبه.

ونقل دعوى ابن حبان تلك كثير من المحقّقين، وهذه طائفة من الأقوال في ذلك:

١- نقله ابن الصلاح قائلاً:

. . . وقال أبو حاتم ابن حبان البستي، أحد المصنفين من أئمّة الحديث: الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمّتنا قاطبة، لا أعلم بينهم فيه خلافاً.(1)

٢- ذكره أيضاً ابن حجر العسقلاني قائلاً:

. . . والثالث: التفصيل بين أن يكون داعية أو غير داعية، فيُقبل غير الداعية، ويُردّ حديث الداعية. وهذا المذهب هو الأعدل، وصارت إليه طوائف من الأئمَّة، وادَّعى ابن حبان إجماع أهل النقل عليه. . . . (2)

٣- قال المناوي: «وأغرب ابن حبان فادَّعى الاتفاق على قبول غير الداعية. . .» .(3)

فواضح من هذه النقولات صريح دعوى الإجماع على التفصيل بين قبول رواية المبتدع غير الداعية لمذهبه، ورفض رواية المبتدع الداعية، خصوصاً في القول الثاني، وهي - أي دعوى الإجماع - واضحة أيضاً جمعاً بين القولين (١) و (٣) ؛ فالأوّل - وهو نقل ابن الصلاح - نقل دعوى الإجماع عن ابن حبّان على رفض رواية الداعية، والثالث - وهو نقل المناوي - نقل دعوى الإجماع عن ابن حبان على قبول غير الداعية، فبالجمع يحصل التفصيل في الإجماع المذكور.

لكن ابن حبان ذهب بعيداًَ في دعواه؛ إذ لم يقبلها أكابر أهل الفن، إضافة لِما مرَّ سابقاً من قول الشافعي ومَن لفَّ لفَّه من قبول رواية أهل الأهواء مطلقاً.


1- مقدمة ابن الصلاح، ج١، ص١١4.
2- مقدمة فتح الباري، ج١، ص٣٨5.
3- اليواقيت والدرر، عبد الرؤوف المناوي، ج٢، ص١5٨.

ص:72

فقد ردَّ الإجماع أو توقّف في قبوله ابن حجر في مقدمته، بعد أن نقل قول ابن حبان السابق، قائلاً: «وادّعى ابن حبان إجماع أهل النقل عليه، لكن في دعوى ذلك نظر» .(1)كما ردَّها صريحاً صاحب اليواقيت والدرر قائلاً:

وأغرب ابن حبان فادَّعى الاتفاق على قبول غير الداعية، وليس كما زعم، بل الخلاف محقّق بغير تفصيل. نعم، الأكثر على قبول غير الداعية، إلاّ أن يروي ما يقوّي بدعته.(2)

إذن، فلا إجماع محقَّق يعوَّل عليه كدليل على هذه المحاولة، بل الخلاف بينهم فيها أبين من الشمس في رابعة النهار، وقد مرَّ سابقاً - في النقطة (أ) في بداية التعرّض لتوثيق هذه المحاولة - قول أبي عمرو ابن الصلاح: «اختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفّر ببدعته. . .» ، وقول النووي: «وأمّا الذي لا يكفّر بها، فاختلفوا في روايته» ، وقول ابن كثير: «. . . في ذلك نزاع قديم وحديث. . .» . فكيف تثبت بعد ذلك دعوى الاتّفاق أو الإجماع ياترى؟ !

ج- الوقفة الأُخرى التي تستحق الوقوف عندها في هذه المحاولة، هي علّة القول بها

فقد ذكر ابن حجر العسقلاني علّةً دفعتهم للقول بها، إضافة لرفع التناقض المذكور؛ و قال: «ووجه ذلك أنَّ المبتدع إذا كان داعية، كان عنده باعث على رواية ما يشيد به بدعته. . .» .(3)ولم يذكر ابن حجر دليلاً بيّناً على دعواه، تطمئن النفس إليه.

وسنورد بعد هذا الفرع - أي في الفرع (د) - إشكالاً لنفس ابن حجر، يستشكل فيه على ما ذكره من العلّة السابقة لهذه المحاولة، حيث يقول: «. . . وعلى هذا، إذا اشتملت رواية المبتدع، سواء كان داعيةً أم لم يكن، على ما لا تعلّق له ببدعته أصلاً، هل ترد مطلقاً، أم تقبل مطلقاً؟» ! ولم يُجب هو على استشكاله!

فمن هذا يتَّضح أنَّ العلّة التي ذكرها غير مطَّردة في جميع الموارد؛ إذ قد يروي المبتدع ما لا تعلّق له ببدعته، بل وقد يروي ما هو خلاف بدعته، فكيف سيتعامل مع روايته حينئذٍ؟ !


1- مقدمة فتح الباري، ج١، ص٣٨5.
2- اليواقيت والدرر، ج٢، ص١5٧.
3- لسان الميزان، ج١، ص١٠.

ص:73

د- تقييم المحاولة الأُولى تقييماً موضوعياً

بعدما وثّقنا هذه المحاولة، وأرَّخنا لها، وذكرنا علّة قولهم بها، نأتي هنا إلى تقييم هذه المحاولة تقييماً علمياً بحسب القواعد، وسيكون ذلك عبر النقاط التالية:

١- بعدما ثبت عدم صحة النسبة - نسبة هذه المحاولة - إلى الشافعي، ولم يجزم بذلك أحد، بل هو فهم لعبارة أطلقها الشافعي، قابله فهم مضادّ له، وأن لا إجماع يعول عليه لقبولها، فلم يبقَ حينئذ دليل للقول بها.

٢- ومرّ أيضاً أنَّ التعليل الذي ذكروه للقول بها، لم يقم عليه دليل من آية أو رواية أو إجماع أو. . . .

٣- ثُمَّ إنَّ التفريق الذي ذكروه لم يتوقَّف على ذلك الحد، كما نوَّهنا سابقاً، بل تعدّاه إلى ما هو أكثر من ذلك بوجوه متعدّدة وكثيرة، ولم يقيموا أدلّة لذلك، وذكر ذلك ابن حجر قائلاً:

. . . والثالث: التفصيل بين أن يكون داعية أو غير داعية، فيُقبل غير الداعية ويُردّ حديث الداعية، وهذا المذهب هو الأعدل، وصارت إليه طوائف من الأئمّة، وادَّعى ابن حبان إجماع أهل النقل عليه، لكن في دعوى ذلك نظر. ثُمَّ اختلف القائلون بهذا التفصيل، فبعضهم أطلق ذلك، وبعضهم زاده تفصيلاً، فقال: إن اشتملت رواية غير الداعية على ما يشيد بِدعته ويزيّنه ويحسنه ظاهراً، فلا تُقبل، وإن لم تشتمل فتُقبل.

وطرّد بعضهم هذا التفصيل بعينه في عكسه في حقّ الداعية، فقال: إن اشتملت روايته على ما يردّ بدعته قبل، وإلاّ فلا. وعلى هذا، إذا اشتملت رواية المبتدع - سواء كان داعية أم لم يكن - على ما لا تعلّق له ببدعته أصلاً، هل تردّ مطلقاً أو تقبل مطلقاً؟ مال أبو الفتح القشيري إلى تفصيلٍ آخر فيه، فقال: إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو، إخماداً لبدعته وإطفاءً لناره، وإن لم يوافقه أحد، ولم يوجد ذلك الحديث إلاّ عنده، مع ما وصفنا من صدقه وتحرّزه عن الكذب، واشتهاره بالدين وعدم تعلّق ذلك الحديث ببدعته، فينبغي أن تقدَّم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنّة، على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته، والله أعلم.(1)


1- مقدمة فتح الباري، ج١، ص٣٨5.

ص:74

وكل هذه التفريعات بحاجةٍ إلى دليل يدعمها.

4- ثُمَّ ما جدوى التفريق بين الداعية وغيره، وهؤلاء هم أئمّة أهل الحديث قد خرّجوا لمبتدعة دُعاة إلى بدعتهم، باعتراف أكابر أهل الفن؟ ! وهذا تفصيل ذلك:

أوَّلاً: قال ابن كثير ما نصّه:

ثُمَّ ما الفرق في المعنى بينهما [أي: بين الداعية وغير الداعية] وهذا البخاري قد خرّج لعمران بن حطان الخارجي، مادح عبد الرحمن بن ملجم، قاتل عليّ؟ ! وهذا من أكبر الدعوة إلى البدعة والله أعلم.(1)

وقد ذكرنا في تراجم النواصب المتقدّمة الكثير ممَّن خرَّج لهم البخاري وغيره.

ثانياً: قال ابن بهادر ما نصّه:

قوله: وفي الصحيحين الرواية عن المبتدعة غير الدُعاة [هذا قول الماتن وهو ابن الصلاح]، منهم عمران بن حطان الخارجي، مادح عبد الرحمن بن ملجم، قاتل علي بن أبي طالب، وهذا من أكبر الدُعاة إلى البدعة، خرّج عنه البخاري، وزعم جماعة أنَّه من دُعاة الشراة. ومنهم عبد الحميد بن عبد الرحمن، أخرج له الشيخان، وقال فيه أبو داود السجستاني: كان داعية إلى الإرجاء، وغير ذلك. فالظاهر أنَّه لا فرق، ولذلك أطلق الشافعي النص المشهور عنه، وهو قوله: أقبل شهادة أهل الأهواء. . . .(2)

ثالثاً: قال المناوي:

قال الحافظ العراقي: أعترض على ذلك [أي على التفريق بين الداعية وغيره] بأنَّ الشيخين احتجّا في الصحيحين بالدعاة، فاحتج البخاري بعمران بن حطان، وهو منهم. ثُمَّ أجاب [أي العراقي] بأنَّ أبا داود قال: ليس في أهل الأهواء أصحّ حديثاً من الخوارج. واحتجّا [أي: البخاري ومسلم] بعبد الحميد الحماني، وكان داعية إلى الإرجاء.(3)

أقول: لنا أن نأخذ اعتراف العراقي بأنَّ البخاري أحتجّ بمبتدعٍ (أعني عمران بن


1- الباعث الحثيث، ج١، ص٣٠٠.
2- النكت على مقدمة ابن الصلاح، ج٣، ص4٠٠؛ ثمرات النظر، ج١، ص٨٩.
3- اليواقيت والدرر، ج٢، ص١5٨.

ص:75

حطان) . أمّا جوابه عن ذلك، فلا يلزمنا الأخذ به، أي: لنا أن نأخذ بالواقعة، أمّا تبريرها وتوجيهها، فغير ملزم لنا.

فثبت إلى هنا أنَّ البخاري ومسلم لم يعتبرا هذا التفريق بين الداعية وغيره، ويلحق بهم الشافعي الذي مرّ رأيه، ومَن قال بقوله من العلماء. وبهذه ننهي الكلام عن المحاوله الأُولى.

النقطة الثالثة: عرض المحاولة الثانية للحل، وتقييمها علمياً

إنَّ هذه المحاولة قد لا تحتاج إلى أن نؤَرِّخ لها، أو نذكر أوّل مَن اخترعها؛ لأنَّها لم تُذكر قبل الذهبي(1)، فهو أول مَن صرَّح بها، وجاءت محاولته هذه أيضاً نتيجة لاستشعاره التناقض بين ما اشتُرط من عدالة الراوي، المتضمّنة ضمناً الخلو من المفسقات والبدع، وبين ما صرَّح به عملاً من قبل الكثير من الرجاليين، من توثيق أهل النصب؛ لذا نرى أنَّ محاولته هذه جاءت جواباً عن سؤال، يتضمَّن كيفية أن يكون صاحب البدعة عدلاً؟

ونؤكّد هنا ثانيةً أنَّ هذه المحاولة لم تأتِ بالخصوص لحل إشكالية التناقض بين توثيق النواصب وشرطية العدالة، بل هي شاملة لحلّ التناقض بين شرطية العدالة وتوثيق مطلق المبتدع، أعمّ من كونه ناصبياً أو غيره، فهي حينئذٍ تنفع كدعوى لمَن أراد الإجابة عن التناقض المذكور؛ لأنَّ الناصبي مصداق جليّ للمبتدع كما تقدَّم.

وفيما يلي نورد سؤال الذهبي وجوابه. قال ما هذا نصّه:

فإنْ قيل: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحدّ الثقة العدالة والإتقان، فكيف يكون عدلاً وهو صاحب بدعة؟ ! وجوابه: إنَّ البدعة على ضربين، فبدعة صغرى كغلوّ التشيّع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرّق، فهذا كثير في التابعين وأتباعهم، مع الدين والورع والصدق، فلو رُدَّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بيّنة، ثُمَّ


1- الذهبي: هو شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي الدمشقي، المتوفى في القرن الثامن الهجري سنة ٧4٨ هجرية.

ص:76

بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكرٍ وعمر، والدعاء إلى ذلك، فهؤلاء لا يُقبل حديثهم ولا كرامة. . . .(1)

تقييم المحاولة موضوعياً: ولابد أن نقف على كلام الذهبي لتتبين حقيقة الأمر، ويمكن لمَن تأمّل كلامه أن يستنتج ما يلي:

١- لا بد أن يكون المراد من المبتدع في قوله: كيف ساغ توثيق مبتدع، هو المبتدع بالبدعة المذمومة المحرَّمة، وهذا مقتضى ما ذكرناه في الفصل الأول، إذ قلنا هناك: إنَّ البدعة إذا أُطلقت دون قيد، فتنصرف مباشرةً إلى المذمومة المحرمة في الشرع، وذكرنا سبب ذلك؛ حيث قلنا هناك إنَّ عدم البدعة مأخوذ في العدالة، فإذا رُمي الراوي بالابتداع، أريد منه ما يخالف العدالة، وهي خصوص المحرمة، لا الأعم، ثُمَّ ذكرنا قول السخاوي في أنَّها، أي: البدعة، خُصَّت شرعاً بالمذموم، ممَّا هو خلاف المعروف عن النبي (ص) ، وهذا بديهي في علم الرجال، فعندما يقولون: (فلان مبتدع، أو صاحب بدعة) ، فإنَّهم يريدون البدعة المحرَّمة المخالفة للعدالة، ولا يختلف في ذلك اثنان.

٢- إذا اتّضح أنّ كلام الذهبي عن البدعة المفسقة المذمومة، فهل أنَّ تقسيمها إلى صغرى وكبرى يحل المشكلة؟ وبكلام آخر: إنَّ هذا التقسيم للبدعة لم يغيّر من حقيقة الأمر شيئاً، إذ بقيت كلا البدعتين الصغرى والكبرى من البدع المحرَّمة؛ لأنَّ المَقسَم داخل في جميع أقسامه، فإذا اتَّصف الراوي بالبدعة، صغرىً أو كبرىً، فهو حينئذٍ خارج عن حدود العدالة، فكيف تمَّ توثيقه حينئذٍ؟ !

٣- الذي يهمنا في ما نحن فيه، هو الكلام حول الناصب، فإنَّ التقسيم المذكور لم يغيّر في حقيقة الأمر شيئاً البتة، ويبقى النصب من البدع المحرّمة غير المعروفة في زمان النبي (ص) ، وممّا لم تأمر به الشريعة المقدسة.

4- لنا أن نسأل عن دليل هذا التقسيم، علماً أنَّ الذهبي يُعدّ من المتأخرين من الرجاليين؛ إذ توفي عام ٧4٨ق، ولا يوجد إجماع قبله على تقسيمه أيضاً، حتى يُؤخَذ


1- ميزان الاعتدال، ج١، ص١١٨.

ص:77

به. لذا فإنّ هذه المحاولة تكون غير ذات قيمةٍ علميّة، ما لم يقم عليها دليل متين.

هذا أهم ما يتعلّق بالتقييم الموضوعي لهذه المحاولة، وبذلك نُنهي الكلام عن المحاولتين وتقييمهما موضوعياً. وبه ينتهي الكلام في هذا الفصل.

خلاصة الفصل الثاني

تألّف هذا الفصل من مقدّمةٍ ومباحثٍ ثلاثة، هي على التوالي:

المبحث الأوّل: النصب والعدالة.

المبحث الثاني: كيف تمَّ توثيق النواصب.

المبحث الثالث: محاولات لدرء التناقض.

أمّا المقدمة، فقد تناولنا فيها تعريف النصب، فعرَّفناه لغةً واصطلاحاً، أمّا لغةً، فهو مطلق الإقامة، فإذا نصب شيئاً أقامه، واستُخدمت للعداوة مجازاً، بقرينة (العداء) ، وبمرور الزمان سقطت القرينة بكثرة الاستعمال، فتحوَّل المعنى المجازي إلى حقيقي. أمَّا في الاصطلاح، فقد اختصَّ هذا اللفظ بمَن عادى أمير المؤمنين علي وأهل بيته عليهم السلام، ثُمَّ تناولنا مظاهر النصب، وقلنا: إنَّ النصب مقابل المودَّة والحبّ، فكما أنَّ للأخير مظاهر، فكذا للنصب مظاهر، فهو يتحقَّق بحمل السيف أو السبِّ والشتم، أو التصريح بالبغض أو كتمان فضائل المبغوض و. . . ثُمَّ ذكرنا دلالات النصب التي نصَّت عليها الشريعة، بحسب روايات صحيحة عالية الإسناد.

هذا فيما يخصّ المقدمة.

أمّا المبحث الأوّل: فقد تناولنا فيه علاقة النصب بالعدالة، وذكرنا بأنَّ الناصب المُعلِن بعدائه لأمير المؤمنين علي عليه السلام قد فعل محرم قطعي الثبوت في الشريعة، سواء بالعموم؛ لأنَّ علي بن أبي طالب من أهل الإيمان الذين أُمر المسلمون بحبُّهم، أم بالخصوص؛ لورود روايات كثيرة تأمر بحبّه وتنهى عن بغضه وسبّه.

كما أنَّ الناصبي، من جهةٍ أُخرى، مبتدع ببدعةٍ محرمة في الشريعة؛ لأنَّه أدخل فيها ما

ص:78

ليس منها، وما لم يفعله أو يأمر به النبي (ص) ، بل أمر بضدّه.

وعلى أي حالٍ، فالنصب والعدالة التي اشترطوها في الراوي نقيضان لا يجتمعان.

وأمَّا المبحث الثاني: فتناولنا فيه كيفية توثيقهم للنواصب، وذكرنا أنَّهم تارة يوثِّقون النواصب بالتوثيقات العامّة، وتارة بالتوثيقات الخاصة لآحاد وأفراد النواصب. وانقسمت التوثيقات العامة إلى: توثيقات عامّة بالمباشرة والتصريح، وإلى توثيقات عامة بالملازمة والتلويح، كتوثيق أهل الأهواء جميعاً، إلاّ فرقة معيّنة غير النواصب.

ونقلنا عبائر دلّت على توثيق النواصب، كجماعة لهم منهج معيَّن، سواء كان التوثيق للنواصب بالعموم أم للمصداق الأتمّ منهم، كما فعل أبو داود صاحب السنن حين وثَّق الخوارج أمَّا ما فعله ابن حجر، فهو توثيق للنواصب عموماً، حين وصفهم بصدق اللهجة والتدين.

كما تعرَّضنا في هذا المبحث إلى توثيق آحاد النواصب وأفرادهم، وعرضنا عشرة نماذج من ذلك، وذكرنا أثر النصب على الرواية، وقلنا إنَّ له آثاراً متعدّدة، منها تضعيف الناصبي لكل من اتّهم بالتشيّع أو شمّ رائحته، بل قد يصل الأمر بالناصبي إلى وضع الحديث، كما فعل حريز بن عثمان في حديث (حل حزام بغلة رسول الله (ص)) ، أو حديث (وصية النبي (ص) وهو على فراش الموت بقطع يد علي عليه السلام) .

وأمَّا المبحث الثالث: فقد تعرّضنا فيه إلى ثلاث نقاط:

الأُولى: ذكرنا فيها عبارات تنمّ عن إحساس بعض محقّقي الجمهور بالتناقض، وتصريحهم به، كما فعل ابن حجر حين عرض استشكاله من توثيق الناصبي، ثُمَّ ظهر له في الجواب عنه ما ظهر. ومعلوم أنَّ (ثُمَّ) تفيد التراخي، وبغضّ النظر عن الجواب ومدى صحته وانطباقه مع الواقع، فالإشكال بيّن، والتناقض واضح، وقد صرّح به الصنعاني أيضاً في أحد كتبه.

الثانية: عرضنا المحاولة الأُولى لحل التناقض من خلال الاستفادة من كلام مشهورٍ للشافعي، صرّح فيه أنَّه يقبل من أهل الأهواء كلّهم إلاّ الخطابية من الرافضة، وأنَّ

ص:79

هناك خلافاً بين أصحابه في التفريق بين الداعية وغيره. فأساس المحاولة الأُولى ينصبّ على التفريق بين المبتدع، (ومنه الناصبي) ، الداعية وغير الداعية، فتُرفض رواية الأوّل، وتُقبل رواية الثاني، وبذا يرتفع التناقض. وقلنا إنَّ نص الشافعي لا يحتمل ذلك أبداً، بل يحتمل الخلاف جداً، وهو عدم التفريق بين الداعية وغيره. وادّعى ابن حبان الإجماع على التفريق بين الداعية وغيره، وهو مخدوش من أكثر من واحد من محقّقي الجمهور، و حينئذٍ تبقى هذه المحاوله عارية عن الدليل. وقد ذكر ابن حجر علّةً وسبباً دعتهم للقول بها، إضافة للسبب الأصل، وهو حل التناقض، وهو أنَّ الداعية لديه الدافع على رواية ما يشيد ببدعته، وهذا الدليل بينه وبين المحاوله عموم وخصوص من وجه، فلا يطّرد في جميع المواضع، وقد استشكل هو عليه في كتاب آخر ولم يُجب على استشكاله هناك.

وقلنا في تقييمنا لها إنَّها لم يُعمل بها على المستوى العملي، فقد ذكر غير واحد منهم أنَّ أصحاب الكتب الستة احتجّوا في كتبهم برواةٍ نواصب دعاةٍ إلى النصب، معلنين به، كاحتجاجهم بعمران بن حطان وحريز و. . .

الثالثة: تمَّ عرض المحاولة الثانية: وهي ما قام به الذهبي من تقسيم البدعة، (ومنها النصب) ، إلى صغرى وكبرى، وقلنا في تقييم المحاولة إنَّ هذا التقسيم لم يرفع المشكل، ولم يقلب المبتدع الفاسق ببدعته إلى عادلٍ، ثُمَّ ما هو الدليل على هذا التقسيم، علماً أنَّ الذهبي من المتأخرين، فقد توفي سنة ٨4٧ق، ولم يسبقه أحد إلى ذكر ذلك، ولا دليل على هذا التقسيم من آية أو رواية أو إجماع.

ص:80

ص:81

الفصل الثالث: تضعيف الشيعي

النقطة الأُولى: التمهيد

ليس من المجازفة القول بأنَّ تاريخ الدين الإسلامي الحنيف شهد صراعات وانقسامات، سياسية تارة وعقيدية تارةً أُخرى، أو سياسية لبست ثوب العقيدة لأغراض كثيرة، ولسنا هنا بصدد دراسة تاريخ تلك الانقسامات، لكن من البديهي في التاريخ الإسلامي وجود مفاهيم ضاربة في القدم، مرتبط وجودها ونشوؤها بعمق التاريخ الإسلامي، ولذا فقد تركت بصماتها على علم التأريخ، وعلم الكلام وعلم العقائد، وعلم الحديث والسير. . . إلى غير ذلك من العلوم الإسلامية، ومن هذه المفاهيم مفهوم التشيُّع والارتباط بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، تلك الشخصية التي لها ما لها من تاريخ الإسلام ووجوده.

ولذلك عُدَّ التشيّع لعلي عليه السلام والالتفاف حوله، والتأثّر بشخصيته الكريمة، من التيّارات التي يعتبر التغافل عنها تغافلاً عن مساحة كبيرة مشرقة من الفكر والتراث الإسلامي، لهذا الغرض فقد اهتمَّ جلُّ الباحثين عن تاريخ الفكر والتراث الإسلامي بتوثيق هذا المفهوم، والتأريخ له.

وبما أنَّ دراستنا هذه ليست دراسة تاريخية، بل هي دراسة رجالية، فلنا أن نأخذ ممّا

ص:82

تقدّم ما يهمّنا، ويُترك الباقي للدراسات المختصّة بذلك، لذا فسنحاول الوقوف هنا على تعريف هذا المفهوم عند أهل اللغة والحديث.

النقطة الثانية: تعريف التشيُّع وبيان ماهيّته

اشاره

كان التشيُّع، كغيره من المفاهيم، له معان اصطلاحية ولغوية، وسيأتي الكلام عن المعنى الاصطلاحي للتشيّع، لكن لنقف أوّلاً على تعاريف أهل اللغة في ذلك.

أ- الشيعة أو التشيُّع لغة: وفيما يلي أهمّ التعريفات اللغوية في ذلك.

١- قال السجستاني:

شيعته: أعوانه. مأخوذ من الشياع، وهو الحطب الصغار الذي تُشعل به النار ويُعين الحطب الكبار على اتِّقاد النار. الشيعة: الأتباع، من قولهم: شاعك كذا، أي: اتَّبعك، ومنه: شاعكم السلام.

وقال الشاعر:

ألا يا نخلةً من ذات عرقٍ

بَرودَ الظلّ شاعكم السلام. (1)

٢- قال الأزهري:

«الشيعة: أنصار الرجل وأتباعه، وكل قوم اجتمعوا على أمرهم شيعة» .(2)

٣- قال ابن دريد:

«وفلان من شيعة فلان، أي: ممَّن يرى رأيه» .(3)

4- وقال الفيومي:

«الشيعة: الأتباع والأنصار، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة» .(4)

5- وأخيراً ننقل قول ابن منظور، حيث يقول:

. . . والشيعة: أتباع الرجل وأنصاره، وجمعها شِيَع، وأشياع جمع الجمع، ويقال: شايعه كما يقال والاه، من الولي. . . قال الأزهري: الشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي ويوالونهم. (5)


1- غريب القرآن، محمد بن عزيز السجستاني، ج١، ص٢٩٣.
2- تهذيب اللغة، محمد بن أحمد الأزهري، ج٣، ص4٠.
3- جمهرة اللغة، محمد بن الحسن ابن دريد، ج٢، ص٨٧٢.
4- المصباح المنير، أحمد بن محمد الفيومي، ج١، ص٣٢٩.
5- لسان العرب، ج٨، ص١٨٨.

ص:83

فالمتحصّل ممّا تقدَّم من التعاريف ما يلي:

١- إنَّ أصل جميع الاشتقاقات اللغوية نابعة من كلمة (شياع) ، وهي بمعنى الحطب الصغير، الذي يُشايع الحطب الكبير ويعينه على اتّقاد النار ويتابعه، ومنه اُخذ معنى المتابعة والمطاوعة والمناصرة.

٢- ثُمّ أُخذ المعنى المتقدّم واستعمل في وحدة الرأي والمتابعة عليه، وهذا ما نصّت عليه بعض التعاريف المتقدمة؛ إذ نصَّت على أنَّ «كلّ قوم اجتمعوا على أمرٍ فهم شيعة» ، وهذا الاستعمال نجده واضحاً في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ (الصافات: ٨٣) ، أي: ممَّن تابع نوحاً وسار على منهجه، وأيضاً في قوله تعالى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ (القصص:15) .

٣- ذكر غير واحد من اللغويين أنَّ هذا الاسم قد غلب على كل مَن يتولّى علياً وأهل بيته الكرام، حتى صار اسماً لهم خاصة، فإذا قيل:

فلان من الشيعة، عرف أنَّه منهم.(1)

هذا ما عند أهل اللغة.

ب - الشيعة أو التشيُّع اصطلاحاً: ل

ا يخفى أنَّ لكل مصطلح علمي تعريفه الخاص به عند أرباب ذلك العلم، فهم المعنيّون به، لذا فإنَّ لفظ التشيُّع حاله كغيره من المصطلحات على المستوى العلمي، فلفظ التشيّع عند علماء العقيدة ليس هو نفسه عند علماء الحديث والجرح والتعديل، وما يهمنا هنا هو الثاني، أعني:

لفظ التشيع عند علماء الحديث والجرح والتعديل، فلابد لنا أن نحرّر محل النزاع أوّلاً، كي نستطيع أن نفهم ما مرادهم من الشيعي إذا أُطلق هذا اللفظ، ثُمَّ ليتبيّن بعد ذلك هل أنَّ صفة التشيع ممّا يقدح بالراوي ويضعّفه أم لا؟ وعلى هذا فنحن معنيون هنا أن نحقّق القول في تعريف الشيعي عندهم، ولكن قبل ذلك نمهّد بذكر أقوال بعضٍ ممَّن أرَّخوا واهتمّوا بالتشيّع؛ ليُعيننا على فهم هذا المفهوم الضارب فى القدم.


1- يراجع في ذلك كل من: كتاب الكليات، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفومي، ج١، ص54٠؛ وتاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، ج٢١، ص٣٠٣.

ص:84

قال النوبختي، وهو من أقدم من أرَّخ للفرق، توفي سنة ٣١٠ق:

الشيعة: وهم فرقة علي بن أبي طالب عليه السلام، المُسمّون بشيعة علي عليه السلام في زمن النبي (ص) وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه، والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبوذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمّار بن ياسر، ومَن وافق مودّته مودّة علي عليه السلام، وهم أول مَن سمّي باسم التشيّع من هذه الأمّة؛ لأنَّ اسم التشيّع قديم، شيعة إبراهيم وموسى وعيسى، والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.(1)

وقال ابن عبد البرّ:

وروي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن الأرقم أنَّ علي بن أبي طالب أول مَن أسلم، وفضَّله هؤلاء على غيره.(2)

ويرى أبو الحسن الأشعري رؤية مشابهة لما تقدم، فيقول: «وإنّما قيل لهم الشيعة؛ لأنَّهم شايعوا علياً رضوان الله عليه، وقدّموه على سائر أصحاب رسول الله (ص)» .(3)

أمّا ابن حزم، الذي أرَّخ للملل، فيقول:

ومَن وافق الشيعة في أنَّ علياً أفضل الناس بعد رسول الله (ص) وأحقّهم بالإمامة، وولده من بعده، فهو شيعي، وإن خالفهم فيما عدا ذلك ممّا اختلف فيه المسلمون، فإن خالفهم فيما ذكرنا، فليس شيعياً.(4)

وقال ابن خلدون في ذلك:

وفي قصّة الشورى: إنَّ جماعة من الصحابة يتشيّعون لعلي، ويرون استحقاقه على غيره، ولمّا عدل به إلى سواه تأفّفوا من ذلك وأسفوا له، إلاّ أنَّ القوم لرسوخ قدمهم في الدين، وحرصهم على الأُلفة، لم يزيدوا في ذلك على النجوى بالتأفّف والأسف(5)


1- فرق الشيعة، الحسن بن موسى النوبختي، ج١، ص١٧.
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبد البر، ج٣، ص١٠٩٠.
3- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، ج١، ص5.
4- الفصل في الملل والأهواء والنحل، علي بن أحمد بن حزم، ج٢، ص٩٠.
5- تأريخ ابن خلدون، ج٣، ص٢١5.

ص:85

ويلاحظ أنَّ كلمة (استحقاقه على غيره) يعرف منها أنَّ تقديم علي عليه السلام آنذاك كان أمراً معروفاً غير مُستنكَر ولا مُستغرَب.

وقال ابن عبد البر، في ترجمته لآخر أصحاب النبي (ص) وهو أبو الطفيل، قال ابن عبد البر في ذلك:

عامر بن واثلة. . . أبو الطفيل، غلبت عليه كنيته، أدرك من حياة النبي (ص) ثماني سنين، وكان مولده عام أحد، ومات سنة مائة أو نحوها، ويقال إنَّه آخر مَن مات ممَّن رأى النبي (ص) ، وقد روى نحو أربعة أحاديث، وكان محبّاً لعلي، وكان من أصحابه في مشاهده، وكان ثقة مأموناً، يعترف بفضل الشيخين، إلاّ أنّه كان يقدّم علياً.(1)

وواضح من هذا الكلام أنَّ تقديم أمير المؤمنين علي عليه السلام لم يكن أمراً مستغرباً ولا مستهجناً، ولم يستنكره ابن عبد البرّ عليه.

وأخيراً نختتم هذه النقول الكثيرة التي حوتها بطون كتب التراجم والسير، بقول ابن خلكان، في ترجمته ليحيى بن يعمر النحوي، قال في ذلك: «. . . وكان شيعياً، من الشيعة الأُولى القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيصٍ لذي فضل من غيرهم» .(2)

وكل ما تقدَّم يكشف لنا عن حقيقةٍ مفادها أنَّ التشيّع لعلي وآل علي عليهم السلام، مع عدم التنقيص لفضل ذوي الفضل غيرهم، كان أمراً شائعاً غير مُستنكَر وغير مؤاخَذ القائل به، وسنقف على حقيقة ذلك بشيء من التوسّع، من خلال التعرّض لأقوال أهل الجرح والتعديل في تعريفهم للتشيّع، وسنقف عنده أكثر عند التعرض لعلاقة التشيّع بالعدالة.

أمّا التشيّع عند أهل الاصطلاح، من أهل الجرح والتعديل أو الحديث، فلم يبتعد عندهم ذلك عمّا تقدم من أقوال، ونوجز آراءهم في التشيع بالنقاط التالية:

١- نقلنا فيما تقدم قول ابن عبد البر، عند ترجمته لأبي الطفيل، وقوله في ذلك: «. . .


1- الاستيعاب، ج٢، ص٧٩٨.
2- وفيات الأعيان، ج6، ص١٧٣.

ص:86

إلاّ أنَّه كان يقدّم علياً» ، وكان هذا الرجل من الصحابة، فلو كان بتقديم علي عليه السلام مغمز، لكان حريٌ به أن يجتنّبه، مع وثاقته وإيمانه.

٢- ونقلنا أيضاً قول ابن خلكان - وهو أيضاً من علماء التراجم - في ترجمته ليحيى ابن يعمر النحوي، وقوله: «. . . وكان شيعياً من الشيعة الأُولى، القائلين بتفضيل أهل البيت، من غير تنقيص لذي فضل من غيرهم» . وواضح من هذا القول أنَّ ماهية التشيّع وحقيقته عند هؤلاء العلماء تستلزم القول بتفضيل علي وأهل بيته عليهم السلام على غيرهم، من دون إنكارٍ لفضل ذوي الفضل غيرهم. وكما قيل: إنَّ إثبات شيء لا ينفي سواه.

٣- ويدلّ على ما تقدم قول الذهبي - وهو من كبار علماء الحديث والرجال عند الجمهور - في ترجمته لأبي عروبة، الحسين بن محمد بن مودود، حيث قال:

أبو عروبة ابن أبي معشر الحراني السلمي الحافظ، أحد أئمّة هذا الشأن. . . روى عنه أبو حاتم ابن حبّان، وعبدالله بن عدي. . . وذكره ابن عساكر في ترجمة معاوية فقال: كان أبو عروبة غالياً في التشيّع، شديد الميل على بني أُمية.

قلت: كل مَن أحبّ الشيخين فليس بغالٍ في التشيّع، ومَن تكلَّم فيهما فهو غالٍ رافضي.(1)

فالذي يظهر من عبارة الذهبي الأخيرة، ظهوراً لا مرية فيه، أنَّ مَن قال بتقديم أميرالمؤمنين علي عليه السلام على غيره، مع عدم إنكارٍ لفضل ذوي الفضل غيره، فهو خارج عن حدِّ الغلو في التشيع.

4- ويشبه قول الذهبي المتقدم، قوله في ترجمته للشافعي، حيث قال:

. . . ومعنى هذا التشيّع حبّ علي وبغض النواصب، وأن يتَّخذه مولى، عملاً بما تواتر عن نبينا (ص) : «مَن كنت مولاه فعلي مولاه» . وأمّا مَن تعرَّض إلى أحد من الصحابة بسبٍّ، فهو شيعي غال نبرأ منه.(2)


1- تاريخ الإسلام، ج٢٣، ص56٠.
2- المصدر نفسه، ج١4، ص٣٣٨.

ص:87

5- وذكر الخطيب البغدادي وهو من أشهر الرجاليين وأهل الحديث، في ترجمته لأبي بكر القطان، ما نصّه:

محمّد بن عبدالله بن محمد بن أحمد بن أيوب، أبو بكر القطان، سمع من محمد بن جرير الطبري و. . . وسمعت الأزهري ذكره فقال: كان سماعه صحيحاً من أبي جعفر الطبري، إلاّ أنَّه كان رافضياً خبيث المذهب. سألت القاضي أبا بكر محمد بن عمر الداودي عن ابن أيوب [يعني أبو بكر القطان]، فقال: كان ثقة صحيح السماع. قلت: ذكر أنَّه كان سيِّيء المذهب في الرفض، فقال: ما سمعت منه في هذا المعنى شيئاً أنكره، لكنّي أحسبه كان يذهب إلى تفضيل علي.(1)

فيثبت من جميع ما تقدم أنَّ التشيع في عُرف كثير من رجاليي الجمهور هو: موالاة علي عليه السلام واتّباعه وتقديمه على غيره، من غير حطٍّ من ذوي الفضل من غيره، وليس في هذا المعنى غلو كما مرَّ في النصوص المتقدمة.

ويعضد كل ما تقدَّم تصريح الذهبي في تعريفه للشيعي، حيث قال، في ترجمته ل-(أبان بن تغلب الكوفي) ، قال: «. . . فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم، هو مَن تكلَّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية، وطائفة ممَّن حارب علياً، وتعرَّض لسبِّهم» .(2)

نعم، ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني، رأياً خالف به ما تقدم من أقوال، إذ قال هناك ما نصّه:

. . . فالتشيّع في عرف المتقدمين هو: اعتقاد تفضيل علي على عثمان، وأنَّ علياً كان مصيباً في حروبه، وأنَّ مخالفه مُخطئ، مع تقديم الشيخين وتفضيلهما، وربّما اعتقد بعضهم أنَّ علياً أفضل الخلق بعد رسول الله (ص) . وإذا كان مُعتقِد ذلك ورعاً ديّناً مجتهداً، فلا تُردّ روايته بهذا، ولاسيما إن كان غير داعية.(3)

وظاهر من هذا القول أنَّ التشيع هو تقديم علي على عثمان، وأمّا مَن قدَّمه على


1- تاريخ بغداد، ج5، ص465.
2- ميزان الاعتدال، ج١، ص١١٨.
3- تهذيب التهذيب، ج١، ص٨١.

ص:88

الشيخين، فهو غالٍ في التشيّع، إلاّ أنَّ روايته تُقبل مع التقوى والورع، وعدم الدعوة إلى مذهبه (جرياً على مبنى قبول رواية المبتدع غير الداعية) .

لكنَّ هذا الرأي لا يتَّفق مع ما تقدّم من تصريحات، بكون مُقدِّم علي عليه السلام ليس بغالٍ أصلاً، ومرَّت تراجم أكثر من راوٍ ممَّن يقدّمون علي عليه السلام، فلو كان تقديمهم لعلي عليه السلام على غيره ممّا يعدُّ من البدع، لأُشير لها. وتقدَّم أيضاً تصريح الذهبي، وهو نص في المطلوب لا يحتمل التأويل، بأنَّ مَن قدَّم علياً على الجميع فهو ليس بغالٍ، بل الغالي مَن تعرَّض لأحدٍ من الصحابة، كما تقدَّم من ابن عبد البرّ في (الاستيعاب) ، من ترجمته لأبي الطفيل، ووصفه إيّاه بالوثاقة والمأمونية. فلو كان تقديمه لعليٍّ بدعة، لأشار إليها، وهو الخبير في ذلك.

فاتضح إلى هنا أنَّ التشيع هو متابعة علي عليه السلام وتقديمه على غيره، وأنَّ هذا المفهوم عُرف منذ الصدر الأوّل للإسلام، وليس فيه شيء من الغلو والخروج عن حد الاعتدال، وإن كانت كلمات أعلام قد اضطربت في بيان تعريف التشيع وبيان حدوده. وسنتعرض إلى توسعة البحث في المباحث التالية.

المبحث الأول: التشيُّع والعدالة

اشاره

مرَّ فيما سبق في الفصل الأوّل تعريفنا للعدالة في الراوي، والتي جعلها الجمهور من أهمِّ شروط الراوي المقبول الرواية، وقلنا هنالك إنَّ العدالة - سواء قيل إنَّها ملكة تحجب حاملها عن المعاصي، أو إنَّها اجتناب المعاصي فقط، وإن لم تتحوّل إلى ملكة - متقوِّمة باجتناب كل مفسقٍ - من ارتكاب الكبائر أو الإصرار على الصغائر - وهذا عنصرها الأوّل، أمّا عنصرها الثاني، فهو اجتناب البدعة. ومرَّ أيضاً أنَّ البدعة عند إطلاقها يُراد بها البدعة المحرّمة في الدين، التي ليس لها أصل من جنسها فيه، وقلنا إنَّها إدخال ما ليس في الدين فيه، ممَّا هو خارج عمّا رسمه الشارع المقدس، وتقدَّم أيضاً أنَّ إطلاق علماء الرجال للبدعة على راوٍ معيَّن، ووصمهم له بالابتداع، يُراد به البدعة المحرَّمة المنافية للعدالة، لا مطلق البدعة.

ص:89

فهل التشيُّع - الذي مرّ بنا الكلام عن تعريفه - يناقض أمراً من الأمرين المتقدمين - أعني هل يستلزم الفسق أو البدعة كما استلزمه النصب - أم لا؟

فالبحث هنا ينصبّ عن علاقة التشيع - الذي هو اتباع علي عليه السلام وموالاته وتقديمه على غيره من الأصحاب - بالفسق، على طبق موازين علماء الرجال عند الجمهور، ثُمَّ علاقة التشيع بالبدعة عندهم أيضاً، فهاهنا أمران لابد من التعرض لهما تباعاً.

الأمر الأوّل: هل التشيُّع من الأمور المفسقة التي يطعن بها على الراوي؟

الأمر الثاني: هل التشيُّع من البدع المحرّمة التي يطعن بها على الراوي؟

وقبل الشروع في الاجابة عن هذين التساؤلين، نُقدِّم بين يدي القارئ الكريم طائفة من الأقوال التي تُثبت - بما لا يقبل الشك - أنَّ التشيع أو الغلوّ فيه عُدَّ مغمزاً ومطعناً في الراوي بغضِّ النظر عن الآراء التي اخترعوها كحلٍ جزئي لهذه المشكلة التي أوقعوا أنفسهم بها، وهذه طائفة من تلك النقول:

أ- ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني:

فصل: في تمييز أسباب الطعن في المذكورين، ومنه يتّضح مَن يصلح منهم للاحتجاج ومَن لا يصلح، وهو على قسمين: الأوّل مَن ضعفه بسبب الاعتقاد. . . وهذا بيان ما رموا به: فالإرجاء. . . والتشيّع: محبّة علي وتقديمه على الصحابة، فمَن قدَّمه على أبي بكر وعمر، فهو غالٍ في تشيّعه، ويُطلَق عليه رافضي. . . . (1)

فتلاحظ أنَّ ابن حجر جعل التشيع كالإرجاء والنصب والقدر، فيُرمى الراوي به، كما يُرمى بالنصب والإرجاء و. . . .

ب - وقال ابن حجر أيضاً:

«وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غالباً، وتوهينهم الشيعي مطلقاً. . .» .(2)فالملاحظ هنا استشكال ابن حجر لتوهين الراوي وتضعيفه بسبب التشيع لا غير.


1- مقدمة فتح الباري، ج١، ص٢5٩.
2- تهذيب التهذيب، ج5، ص4١٠.

ص:90

ج - قد مرَّ في الفصل السابق نقل كلام الذهبي، وننقله ثانية للفائدة، إذ قال في ترجمته ل-(أبان بن تغلب الكوفي) : «. . . فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدعٍ وحدّ الثقة العدالة، فكيف يكون عدلاً مَن هو صاحب بدعة. . .» .(1)ثُمَّ يجيب هو على ذلك بما قدَّمنا بسط الكلام فيه.

د- قال الدهلوي ما نصه:

. . . وبالجملة، الأئمّة مختلفون في أخذ الحديث من أهل البدع والأهواء، وأرباب المذاهب الزائغة. وقال صاحب جامع الأصول: أخذ جماعة من أئمّة الحديث من فرقة الخوارج، والمنتسبين إلى القدر والتشيّع والرفض، وسائر أصحاب البدع والأهواء، وقد احتاط جماعة آخرون وتورَّعوا من أخذ الحديث من هذه الفرق، ولكلٍ منهم نيّات. انتهى. ولا شكّ أنَّ أخذ الحديث يكون بعد التحرّي والاستصواب، ومع ذلك الاحتياط في عدم الأخذ. . . .(2)

فلكل ما تقدم من نقول، يُعلِم - بما لا يقبل الشك - أنّ محدّثي الجمهور ورجالييهم يرون أنَّ مجرَّد التشيُّع هو بدعة من البدع، فضلاً عمّا سمّوه واصطلحوا عليه: الغلو في التشيّع و الرفض.

فهل أنَّ التشيّع هو هكذا حقيقة؟

للجواب على ذلك نرجع إلى الأمرين اللذين طرحناهما في أوّل البحث حول التشيع والعدالة:

الأمر الأوّل: هل التشيُّع من الأمور المفسقة التي يطعن بها على الراوي؟

وبعبارة أُخرى، هل في التشيع ما يُخالف أمراً من أوامر الشريعة، أو نهياً من نواهيها؟


1- ميزان الاعتدال، ج١، ص١١٨.
2- مقدمة في أصول الحديث، عبد الحق البخاري الدهلوي، ج١، ص6٨.

ص:91

للجواب على ذلك نرجع إلى تعريف التشيّع الذي تطرَّقنا له آنفاً، واتَّضح منه أنَّ التشيّع ليس كالنصب؛ لأنَّ النصب فيه بغضٌ لأحد أشرف - أعني علي بن أبي طالب عليه السلام - الصحابة، ومن أقدم المسلمين إسلاماً، من جهةٍ، ومن جهة أُخرى وردت نصوص صحيحة تأمر بحبِّه، وأنَّ حبَّه من الإيمان، وتحذِّر من بغضه، لأنَّ بغضه علامة النفاق؛ لذا كان النصب مخالفة سافرة للشريعة، ومخالفة واضحة لكثير من النصوص.

أمَّا التشيُّع، فليس كذلك؛ إذ ليس في حبِّ علي عليه السلام أو تقديمه على مَن سواه مخالفة لنصّ شرعي عن صاحب الشريعة (ص) ، بل النصوص متظافرة على مدحه وبيان قربه من النبي (ص) ، وعظم منزلته وشأنه، لا مجال للخوض فيها؛ لأنَّها قد تخرج عن حدود هذا الكتاب. كما أنَّه ليس في تقديمه على غيره محذورٌ شرعي.

أمّا لو قيل إنَّ هناك إجماع عندهم على تفضيل الشيخين على مَن سواهما من الصحابة، فالقول بتفضيل علي عليه السلام تعدّ مخالفة صريحة لهذا الإجماع، وهي مخالفة لأمرٍ شرعي، فالقائل بذلك قد ارتكب مخالفة شرعية حينئذٍ.

فجوابه: هذا صحيح لو كان الإجماع إجماعاً قطعياً، ليس فيه مخالف أبداً، حتى النادر؛ لأنَّ الإجماع عند الجمهور ينقسم إلى إجماع قطعي وإجماع ظني، أمّا القطعي، فهو الذي يحرم مخالفته، ولا جدوى في البحث عن موضوعه بعد أن أجمعوا على ذلك الموضوع، وأمّا الإجماع الظنّي، الذي لم يصل إلى رتبة القطع، فمعناه أنَّ هناك مخالف لهذا الإجماع، لكن هذا المخالف لا يعتدّ بخلافه، إلاّ أنَّ ذلك الخلاف يقلب الإجماع من القطعي إلى الظنّي؛ فحينئذٍ لا حرمة في المخالفة، لأنَّ حرمة المخالفة موضوعها (وجود إجماع قطعي) ، فإذا انتفى أحد ركني الموضوع، انتفت الحرمة حينئذٍ. هذا الكلام كلّه إن قبلنا دعوى الإجماع، (1)وأنَّ هناك إجماع حتى لو كان ظنياً، لكن هناك


1- لابد من الوقوف على حقيقة الإجماع عند الجمهور، لنرى هل يتحقّق فيما نحن فيه إجماع، وهل دعواه تامة، لذلك لابد من تعريف الإجماع، لنرى هل يمكن دعواه أم لا؟ قال الغزالي، في تعريفه له: «الإجماع: فإنّما نعني به اتّفاق أمّة محمد خاصة على أمر من الأمور الدينية» . المستصفى، أبو حامد الغزالي، ج١، ص١٣٧. فالغزالي اشترط اتِّفاق جميع الأمَّة على أمر لكي يتحقّق الإجماع، فلو خالف واحد من الأمّة اخترم الإجماع، فكيف إذا خالف عالم أو علماء؟ ! أمّا ابن الحاجب، فقد خصَّ الإجماع بالمجتهدين فقط، قائلاً: «اتّفاق المجتهدين من هذه الأمّة في عصر على أمر» . شرح مختصر المنتهى الأصولي لابن الحاجب، عبد الرحمن بن أحمد الإيجي القاضي العضد، ج٢، ص٣٠. أمّا السرخسي، فقد خصّ الاتِّفاق بالمجتهدين العدول، قائلاً: «فأمّا المذهب عندنا أنَّ الحجة اتِّفاق كل عالم مجتهد ممَّن هو غير منسوب إلى هوى، ولا مُعلِن بفسق، في كل عصر» . أصول السرخسي، ج١، ص٣١١. وعلى كل الأحوال، فقد خالف فيما نحن فيه علماء مجتهدون عدول، فضلاً عن صحابة أخيار، وتابعين فضلاء.

ص:92

مجال واسع للمناقشة في أصل دعوى الإجماع، فكيف ينعقد الإجماع مع وجود مخالفين من كبار الصحابة؟ !

قال ابن عبد البر:

واختلف السلف أيضاً في تفضيل علي وأبي بكر، وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليل على أنَّ حديث ابن عمر (1)وَهْم وغلط، وأنّه لا يصح معناه وإن كان إسناده صحيحاً، ويلزم مَن قال به أن يقول بحديث جابر وحديث أبي سعيد: (كنّا نبيع أمّهات الأولاد على عهد رسول الله (ص)) ، وهم لا يقولون بذلك.(2)فقد ناقضوا وبالله التوفيق. . . وأمّا اختلاف السلف في تفضيل علي، فقد ذكر ابن أبي خيثمة في كتابه من ذلك ما فيه كفاية.(3)

فالذي يظهر من هذا النص جلياً أنَّ هناك من السلف مَن يذهب إلى تفضيل علي عليه السلام على جميع الأصحاب، منهم سلمان وأبو ذر وعمار والمقداد، وقد تقدم في تراجم متأخّري الأصحاب - أعني أبو الطفيل - والعلماء، ممَّن يذهب إلى هذا المذهب، فكيف ينعقد بعد هذا إجماع؟ !


1- إشارة إلى ما روي عن عبدالله بن عمر، قوله: «كنّا نقول ورسول الله حي: أبو بكر وعمر وعثمان» . رواه الترمذي في سننه، ج5، ص6٢٩.
2- أي: مع وجود رواية صحيحة على جواز بيع أم الولد، لكن استقرّ الرأي الفقهي على خلاف هذه الرواية؛ لوجود روايات معارضة لها، والرأي الفقهي على حرمة بيع الأمّة أمّ الولد. يراجع في ذلك: كشاف القناع، البهوتي، ج٣ ص5١5 .
3- الاستيعاب، ج٣، ص١١١5.

ص:93

وتقدم في تعريفنا للتشيع اصطلاحاً، نقل أقوال أبي الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين، قوله: «إنَّما قيل لهم الشيعة؛ لأنَّهم شايعوا علياً، وقدَّموه على سائر أصحاب رسول الله (ص)» . وقول ابن عبد البر في الاستيعاب، في ذكر أنَّ علياً كان أوّل مَن أسلم، قوله: «ورُوي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن الأرقم أنَّ علي بن أبي طالب أوّل مَن أسلم، وفضَّله هؤلاء على غيره» .

أمَّا قطعية الإجماع، فإنَّ مخالفة الإجماع تعدّ معصية وأمراً محرماً فيما لو كان الإجماع قطعياً، وليس الحال هنا كذلك، لذا قال ابن حجر الهيثمي ما هذا نصّه:

. . . ثُمَّ الذي مال إليه أبو الحسن الأشعري، إمام أهل السنة، أنَّ تفضيل أبي بكر على مَن بعده قطعي. وخالفه القاضي أبو بكر الباقلاني فقال: إنَّه ظنّي، واختاره إمام الحرمين في الإرشاد، وبه جزم صاحب المفهم في شرح مسلم، ويؤيّده قول ابن عبد البر في الاستيعاب: ذكر عبد الرزاق عن معمر قال: لو أنَّ رجلاً قال عمر أفضل من أبي بكر ما عنّفته، وكذلك لو قال عليّ عندي أفضل من أبي بكر وعمر لم أعنّفه، إذا ذكر فضل الشيخين، وأحبّهما، وأثنى عليهما بما هما أهله. فذكرت ذلك لوكيع فأعجبه واشتهاه.

وليس ملحظ عدم تعنيف قائل ذلك، إلاّ أنَّ التفضيل المذكور ظني لا قطعي، ويؤيّده أيضاً ما حكاه الخطابي عن بعض مشايخه، أنَّه كان يقول: أبو بكر خير وعلي أفضل.

. . . فإن قلت: لمَ لمْ يكن التفضيل بينهم على هذا الترتيب [ أي ترتيب: أبي بكر ثُمَّ عمر ثُمَّ عثمان ثُمَّ علي] قطعياً، حتى عند غير الأشعري، للإجماع عليه؟

قلت: أمّا بين عثمان وعلي، فواضح، للخلاف فيه كما تقدَّم، وأمّا بين أبي بكر ثُمَّ عمر ثُمَّ غيرهما، فهو وإن أجمعوا عليه، إلاّ أنَّ في كون الإجماع حجّة قطعية خلاف، فالذي عليه الأكثرون أنَّه حجّة قطعية مطلقاً، فيقدَّم على الأدّلة كلّها، ولا يعارضه دليل أصلاً، ويُكفَّر أو يُبدَّع ويُضلَّل مخالفه. وقال الإمام الرازي والآمدي إنَّه ظني مطلقاً.

والحق في ذلك التفصيل، فما اتَّفق عليه المعتبرون حجة قطعية، وما اختلفوا، كالإجماع السكوتي والإجماع الذي ندر مخالفه، فهو ظني. وقد علمت ممّا قرَّرته لك

ص:94

أنَّ هذا الإجماع [أي تقديم الشيخين على غيرهما] له مخالف نادر، فهو وإن لم يعتدّ به في الإجماع، على ما فيه من الخلاف في محلّه، لكنَّه يورث انحطاطه عن الإجماع الذي لا مخالف له، فالأول ظني، وهذا قطعي. وبهذا يترجّح ما قاله غير الأشعري من أنَّ الإجماع هنا ظني؛ لأنَّه اللائق بما قرَّرناه من أنَّ الحق عند الأصوليين التفصيل المذكور. وكان الأشعري من الأكثر القائلين بأنَّه قطعي مطلقاً.

وممَّا يؤكّده أنَّه هنا ظني؛ أنَّ المُجمعين أنفسهم لم يقطعوا بالأفضلية المذكورة، وإنَّما ظنوها فقط، كما هو المفهوم من عبارات الأئمّة وإشاراتهم. وسبب ذلك أنَّ المسألة اجتهادية.

ومن مستنده أنّ هؤلاء الأربعة اختارهم الله لخلافة نبيه (ص) وإقامة دينه، فكان الظاهر أنَّ منزلتهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة، وأيضاً ورد في أبي بكر وغيره، كعليٍّ، نصوص متعارضة، يأتي بسطها في الفضائل، وهي لا تفيد القطع؛ لأنَّها بأسرها آحاد وظنية الدلالة، مع كونها متعارضة أيضاً، وليس الاختصاص بكثرة أسباب الثواب موجباً لزيادته المستلزمة للأفضلية قطعاً بل ظناً. . . . (1)

فيتَّضح من جميع ما تقدَّم أنَّ الإجماع المذكور مناقش فيه، فضلاً عن أنَّه ليس بقطعي، وحينئذ فدعوى أنَّ مخالفته تعدّ من الأمور المفسقة؛ دعوى تحتاج إلى دليل.

الأمر الثاني: هل التشيُّع من البدع المحرمة التي يطعن بها على الراوي؟

للإجابة عن هذا السؤال لابد من الرجوع إلى معنى البدعة، وتطبيقه على التشيع، فإن انطبق، فالتشيّع بدعة، وإلاّ فلا.

وقلنا فيما تقدم إنَّ البدعة المحرمة التي يُطعَن بها على الراوي، وتعدّ من الموانع عن قبول روايته؛ لأنَّها خادشة بعدالته؛ هي البدعة المحرّمة، وهي إحداث أمر ديني ليس له أصل من جنسه، ولم يكن معهوداً من قِبل الشارع المقدس، فهل التشيّع ينطبق على ذلك؟ !


1- الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيثمي، ج١، ص١٧٠.

ص:95

إنَّ المتتِّبع لسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وصفاته، وعلاقته مع صاحب الشريعة، النبي محمد (ص) ، يجد روايات ليس من اليُسر حصرها، تشير إلى فضائله وسابقته وسبقه لغيره؛ لذا فقد نقل ابن عبد البر وابن حجر قول أحمد بن حنبل، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، وأحمد بن شعيب النسائي، قولهم: «لم يُرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما رُوي في فضائل علي بن أبي طالب» .(1)

وقد ألّف النسّائي - صاحب السنن ومن أكثر رجاليِّي الجمهور تشدّداً في التصحيح والتضعيف - مُصنَّفاً خاصّاً بتلك الفضائل، أسماه: خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ذكر فيه ما يناهز المائة رواية، بأسانيدٍ صحاح، تذكر فضائل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، لم يشركه فيها غيره، وقال ابن حجر، في ترجمته:

علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو الحسن، أوّل الناس إسلاماً في قول الكثير من أهل العلم، وُلد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، فرُبيَ في حجر النبي (ص) ولم يفارقه، وشَهِدَ معه المشاهد إلاّ غزوة تبوك، فقال (ص) له بسبب تأخيرهِ له بالمدينة: ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، وزوَّجه بنته فاطمة، وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد، ولمّا آخى النبي (ص) بين أصحابه، قال له: أنت أخي. ومناقبه كثيرة. . . وتتبَّع النسائي ما خُصَّ به من دون الصحابة، فجمع من ذلك شيئاً كثيراً، بأسانيد أكثرها جياد» .(2)

فاختصاص عليٍّ عليه السلام بتلك الفضائل يعني وجودها فيه دون غيره، وهذا هو معنى الأفضلية والتقديم على الغير، فهو مقدَّم في تلك الفضائل على غيره؛ لأنَّها موجودة فيه وغير موجودة في غيره، وإلاّ لم يختصّ بها. أمّا بقية الفضائل، فقد شارك فيها غيره.

فيتَّضح ممّا تقدَّم أنَّ تقديم أمير المؤمنين علي عليه السلام أمرٌ ليس بالغريب أو المُحدَث، فلا أقلّ أنّ له ما بإزاءه في الشريعة، ولم يحدث عن هوى أو نزوةٍ، لذا نرى أنَّ الكثير من


1- الاستيعاب، ج٣، ص١١١5. ونسبه ابن حجر إلى أحمد بن حنبل. راجع: الإصابة في تمييز الصحابة، ج4، ص565.
2- الإصابة، ج4، ص565.

ص:96

أوائل الصحابة قد نحوا هذا المنحى، فكانوا يرون تقديم علي عليه السلام على غيره، وكذا نحا كثير من التابعين ذلك المنحى، وتابعيهم، والكثير من العلماء الأعلام، فهل يصحّ رمي كل أُولئك بالابتداع أو الغلو؟ !

فإذا اتَّضح هذان الأمران، أعني: عدم كون التشيُّع ممّا يخالف الشريعة، بل هو أمر حثَّت عليه الشريعة، كما أنَّه ليس بأمر مبتدع مخترع في الأزمنة التي تلت زمن صاحب الشريعة (ص) ؛ يتَّضح أنَّ التشيُّع يوافق العدالة ويتطابق معها، ولا يخالفها في شيء.

فرميُ الراوي حينئذ بالتشيُّع، وتضعيفه لذلك، أمر ليس له أساس علمي يستند إليه.

أمَّا دعوى الغلو التي تُطلق في حق كثير ممّن وصفوهم بالتشيُّع - وسيأتي عند التعرض لتراجم رواة رموهم وضعّفوهم بسبب التشيّع أو الغلو في التشيّع - فإن كان المراد منه البدعة والابتداع، فقد تقدَّم الجواب عنه، وثبت أنَّ التشيُّع ليس من الابتداع في شيء، وإن كان المراد من الغلوِّ شيئاً آخر غير محبّة علي بن أبي طالب عليه السلام وتولِّيه، وتقديمه على غيره، والقول فيه بما ورد فيه عن صاحب الشريعة (ص) ؛ فهذا خارج عن حدود التشيُّع لغةً واصطلاحاً.

ويدلّ على ذلك أنَّ مَن تعرَّض للغلوّ وتعريفه، ذكر فيه أنَّه نسبة ما للخالق من أفعال ومختصّات، نسبتها للمخلوق استقلالاً، قال الشهرستاني: «الغالية: هم الذين غلوا في حقِّ أئمَّتهم، حتى أخرجوهم من حدود الخليقية، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية، فربّما شبّهوا واحداً من الأئمّة بالإله. . .» .(1)

وقال في ذلك العلامة المجلسي (ره) ونعم ما قال:

اعلم أنَّ الغلوّ في النبي والأئّمة عليهم السلام إنّما يكون بالقول بألوهيَّتهم، أو بكونهم شركاء لله تعالى في المعبودية، أو الخلق، أو الرزق، أو أنَّ الله تعالى حلّ فيهم، أو اتَّحد بهم، أو


1- الملل والنحل، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، ج١، ص١٧٣.

ص:97

أنَّهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى، أو بالقول في الأئمَّة عليهم السلام إنَّهم كانوا أنبياء، أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض، أو القول بأنَّ معرفتهم تغني عن جميع الطاعات، ولا تكليف معها بترك المعاصي.

والقول بكلّ منها إلحاد وكفر، وخروج عن الدين، كما دلّت عليه الأدلّة العقلية والآيات والأخبار السالفة وغيرها، وقد عرفت أنَّ الأئمَّة عليهم السلام تبرَّؤوا منهم، وحكموا بكفرهم، وأمروا بقتلهم، وإن قرع سمعك شيء من الأخبار الموهمة لشيء من ذلك، فهي إمّا مؤوَّلة، أو هي من مفتريات الغلاة. (1)

فإن كان الغلوّ بهذا المعنى، فهذا خارج عن التشيّع لغةً واصطلاحاً.

لكنَّ المراد بغلوّ التشيّع عند أهل الحديث من علماء الجمهور تفصيلاً ليس هذا، بل معنى آخر، تقدَّمت الإشارة إليه، وهو إمّا سبّ مَن عادى علياً عليه السلام - على ما عرَّفه الذهبي في أكثر من موضع، وقد ذكرناه آنفاً(2)- أو أنَّه تقديم علي عليه السلام على الشيخين، على ما عرَّفه ابن حجر العسقلاني، الذي قال ما نصّه:

فصل: في تمييز أسباب الطعن في المذكورين، ومنه يتَّضح مَن يصلح منهم للاحتجاج به، ومَن لا يصلح، وهو على قسمين:

الأوَّل: مَن ضعفه بسبب الاعتقاد، وقد قدَّمنا حكمه، وبيّنا في ترجمة كلّ منهم أنَّه ما لم يكن داعيةً، أو كان وتاب، أو اعتضدت روايته بمتابع، وهذا بيان ما رموا به، فالإرجاء: بمعنى. . . والتشيُّع: محبَّة عليّ وتقديمه على الصحابة، فمَن قدَّمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في التشيُّع، ويُطلق عليه رافضي، وإلاّ فشيعي. . . .(3)

ولازم كلام ابن حجر هذا: مَن قدَّم علياً عليه السلام على أدنى صحابي - ولو كان من الطلقاء - يعدّ شيعياً، فهل يقول بذلك أحد؟ !


1- بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج٢5، ص٣46.
2- وهو قول الذهبي في ميزان الاعتدال، ج١، ص١١٨: «فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو: مَن تكلَّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية، وطائفة ممَّن حارب علياً. . .» .
3- مقدمة فتح الباري، ج١، ص45٩.

ص:98

وتقدَّم أيضاً سرد رأي العسقلاني نفسه - الذي خالف فيه المشهور - عند تعرّضه لتعريف الشيعي، حيث قال:

. . . فالتشيُّع في عُرف المتقدّمين: هو اعتقاد تفضيل عليٍّ على عثمان، وأنَّ علياً كان مصيباً، وأنَّ مخالفه مُخطئ، مع تقديم الشيخين وتفضيلهما، وربّما اعتقد بعضهم أنَّ علياً أفضل الخلق بعد رسول الله (ص) . وإذا كان معتقد ذلك ورعاً ديّناً مجتهداً، فلا تُردّ روايته بهذا، ولاسيّما إن كان غير داعية.(1)

إذن، فعلى هذا الكلام الأخير، يكون مَن قدّم علياً على الشيخين مبتدع، لكن لا تُردّ روايته إذا لم يكن داعية.

فيتلخص من كلامي ابن حجر هذين ما يلي:

١- إنَّ مجرَّد التشيُّع وهو محبّة علي عليه السلام وتقديمه على الصحابة، عدا الشيخين يعدّ من البدعة.

٢- أمّا الغلو، فهو تقديم علي عليه السلام على الشيخين.

٣- إنَّ الغلو عنده يخالف ما تقدَّم من قول الذهبي ومَن سبقه، من أنَّ الغلو في التشيُّع يكون بالحط والانتقاص ممَّن حارب علياً عليه السلام.

ولم يقف الاختلاف في التعريف وبيان المفاهيم عند هذا الحد، بل تعدَّى إلى مصطلح (الرفض) و (الغلو في الرفض) ، فقد اختلفوا فيه نظريّاً أيضاً.

كل ما تقدَّم كان من الناحية النظرية، أمّا من الناحية العملية، فإنَّنا وبمراجعةٍ سريعة لأيّ كتاب من كتب تراجم الرواق، سنجد بوضوح أنَّ كثيراً ممَّن اتُّهموا بالغلو في التشيّع، بأن يقال مثلاً: فلان شيعي غالٍ، أو من غلاة الشيعة، أو. . . من أمثال تلك العبائر؛ كان اتّهامهم لا لشيء، إلاّ لإظهارهم محبّة علي وأهل بيته عليهم السلام، أو لمجرّد رواية فضائلهم، أو أنَّهم ينالون من ظلمةِ بني أُميَّة، كما سيتضح بعد قليل، وفيما يلي نماذج لما ذكرنا: مثلاً: وجّه ابن عساكر سهام اتّهامه لأبي عروبة (الحسين بن محمد بن مودود) ، بأنَّه شيعيّ غالٍ، كما نقل ذلك الذهبي، قائلاً:


1- تهذيب التهذيب، ج١، ص٨١.

ص:99

أبو عروبة، الحافظ الإمام، محدّث حران، الحسين بن محمد. . . وقد ذكره ابن عساكر في ترجمة معاوية، فقال: كان أبو عروبة غالياً في التشيّع، شديد الميل على بني أُمية.

قلت [والكلام للذهبي]: كل مَن أحبَّ الشيخين فليس بغالٍ، بلى مَن تكلَّم فيهما فهو غالٍ مفترٍ، فإن كفّرهما - والعياذ بالله - جاز عليه التكفير واللعنة. وأبو عروبة فمن أين جاءه التشيّع المفرط؟ نعم قد يكون ينال من ظلَمَة بني أُمية، كالوليد وغيره. . . .(1)

وحصل مثل ذلك لداود بن أبي عوف، أبوجحاف، فقد ذكره ابن عدي بقوله:

داود بن أبي عوف، أبو جحاف: كوفي، وهو من جملة متشيّعي أهل الكوفة، وعامّة ما يرويه في فضائل أهل البيت. . . ولأبي الجحاف أحاديث غير ما ذكرته، وهو من غالية أهل التشيُّع، وعامة حديثة في أهل البيت، ولم أرَ مَن تكلَّم في الرجال فيه كلاماً، وهو عندي ليس بالقوي، ولا ممَّن يُحتجّ به من الحديث.(2)

فيلاحظ هنا إطلاق (الغلوّ في التشيُّع) بحق هذا الراوي بمجرَّد روايته لفضائل أهل البيت عليهم السلام.

ووقع مثل ذلك أيضاً بحق (عبادة بن زياد الأسدي) ، قال الذهبي في ترجمته له:

عبادة بن زياد الأسدي. . . قال ابن عدي: شيعي غالٍ، وقال موسى بن هارون: تركت حديثة، وقال أبو حاتم: محلّه الصدق، وقال موسى بن إسحاق الأنصاري: صدوق، وقال محمد بن محمد بن عمرو النيسابوري الحافظ: عبادة بن زياد مُجمَع على كذبه. قلت [والكلام للذهبي]: هذا قول مردود، وعبادة لا بأس به غير التشيّع.(3)

فترى هنا أنَّ هذا الراوي اتُّهم بالغلو في التشيّع، ثُمّ اتُّهم بالكذب، وادُّعي الإجماع على كذبه، وحقيقة الحال أنّه شيعي ليس إلاّ، كما صرّح الذهبي.

وكم من مثل ذلك في كتب التراجم والسير، وإنّما جئنا بهذه النقول كنماذج. فيُعلم من كل ما تقدَّم أنَّ رجاليي الجمهور اضطربوا - عملياً عند تعرضهم لترجمة كثير من الرواة -


1- تذكرة الحفاظ، ج٢، ص٧٧5.
2- الكامل في ضعفاء الرجال، ج٣، ص٨٢.
3- ميزان الاعتدال، ج4، ص٧4.

ص:100

في إطلاق (الغلو في التشيع) ، فهم يطلقونه تارة على مَن يروي فضائل أهل البيت عليهم السلام، وأخرى يطلقونه على مَن أحبَّ علياً عليه السلام وقدَّمه على غيره، وتارة يقرنونه بالرفض، ويطلقونه على مَن قدَّم علياً عليه السلام على أبي بكر وعمر، كما فعل ابن حجر، وهكذا. . . .

وبقي مصطلح (الرفض) ، فقد اضطربوا أيضاً - نظرياً - في تحديده، فبين مَن أطلقه على مَن قدَّم علياً عليه السلام على أبي بكر وعمر - كما فعل ابن حجر وقد تقدَّم نقل كلامه -، وبين مَن أطلقه على مَن أبغض أبي بكر وعمر، كما ادَّعاه الذهبي، في ترجمته للدارقطني، (أبو الحسن علي بن عمر البغدادي) ، قال هناك: «. . . ومَن أبغض الشيخين واعتقد صحّة إمامتهما فهو رافضي مقيت. . .» . (1)

وقد عرضنا كلامه مسبقاً في تقسيمه للبدعة - في الفصل السابق في المبحث الثالث في النقطة الثالثة - حيث قال:

إنَّ البدعة على ضربين: فبدعة صغرى، كغلوّ التشيُّع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرق، فهذا كثير من التابعين وتابعيهم، مع الدين والورع والصدق، فلو رُدَّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بيّنة.

ثُمَّ بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلوّ فيه، والحط على أبي بكر وعمر. . . (2)

هذا على المستوى النظري بالنسبة لمصطلح الرفض.

أمَّا عملاً، فقد كان الخلاف أشدّ وأشدّ، وسنورد نماذج كذلك:

ففي ترجمتهم للحاكم النيسابوري، صاحب المستدرك، رموه بالرفض والخبث، مع أنَّ التاج السبكي عدّه من الائمّة الذين حُفظ بهم الدين، إذ قال: «. . . ورُحِلَ إليه من البلاد لسِعة علمه وروايته، واتِّفاق العلماء على أنَّه من أعلم الائمّة الذين حفظ الله بهم هذا الدين. . .» . (3)ومع ذلك، فقد أورد العسقلاني في ترجمته للحاكم، اتِّهامهم له بالرفض والخبث؛ لانحرافه عن معاوية، قال العسقلاني:


1- سير أعلام النبلاء، ج١6، ص45٨.
2- ميزان الاعتدال، ج١، ص5.
3- طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين بن علي السبكي، ج٢، ص١5٧.

ص:101

. . . قال أبو طاهر: سألت أبا إسماعيل عبدالله الأنصاري عن الحاكم أبي عبدالله، فقال: إمام في الحديث، رافضي خبيث. قلت [والكلام للعسقلاني]: إنَّ الله يحبّ الإنصاف، ما الرجل برافضي، بل شيعي فقط. . . .(1)

فالملاحظ هنا إطلاق الرافضي على مَن انحرف عن معاوية ليس إلاّ.

بل أُطلق لفظ (رافضي) على محدِّثٍ سأل مريديه، بعد أن أملى عليهم فضائل أبي بكر وعمر، سألهم بمَن نبدأ، بعثمان أو علي عليه السلام؟ وقد ذكر العسقلاني ذلك، في ترجمته لإبراهيم بن عبد العزيز بن الضحاك، أبو اسحاق المديني، قائلاً:

إبراهيم بن عبد العزيز بن الضحاك بن عمر بن قيس بن الزبير، أبو إسحاق المديني الإصبهاني. . . ذكره أبو الشيخ ثُمَّ أبو نعيم أنَّه قعد للتحديث، فأخرج الفضائل، فأملى فضائل أبي بكر ثُمَّ عمر، ثُمَّ قال: نبدأ بعثمان أو بعلي؟ فقالوا: هذا رافضي، فتركوا حديثه. . . .

قلت [والكلام للعسقلاني]: وهذا ظلم بيِّن، فإنَّ هذا مذهب جماعة من أهل السنّة؛ أعني التوقُّف في تفضيل أحدهما على الآخر، وإن كان الأكثر على تقديم عثمان، فإنَّ هذا مذهب جماعة من أهل السنّة يقدِّمون علياً على عثمان، منهم سفيان الثوري، وابن خزيمة.(2)

فهنا أُطلق الرافضي على مَن تردَّد في تقديم عثمان على علي عليه السلام؛ بل تُرِكَ حديثه لذلك! !

وأيضاً أُطلق الرافضي على مَن أحبَّ أهل البيت عليهم السلام؛ ففي ترجمة عبدالرحمن بن صالح الأزدي، قال الخطيب البغدادي ما نصّه:

عبد الرحمن بن صالح، أبو محمد الأزدي، كوفي سكن بغداد في جوار علي بن الجعد. . . قال أبو علي الحسين بن فهم: ورأيت يحيى بن معين، وحبيش بن مبشر وابن الرومي بين يدي عبد الرحمن بن صالح، جلوساً، أخبرنا أبو حازم العبدوي،


1- لسان الميزان، ج5، ص٢٣٢.
2- المصدر نفسه، ج١، ص٧٨.

ص:102

أخبرنا محمد بن أحمد بن القاسم الغطريفي، قال: سمعت جعفر بن سهل الدقاق يقول: سمعت سهل بن علي الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: يقدم عليكم رجل من أهل الكوفة يُقال له عبد الرحمن بن صالح، ثقة صدوق شيعي، لأن يخرُّ من السماء أحبُّ إليه من أن يكذب في نصف حرف. . . .

أخبرنا العتيقي، حدَّثني يوسف بن عمر القواس، حدَّثنا محمد بن موسى الخلال، أخبرنا يعقوب بن يوسف المطوعي قال: كان عبد الرحمن بن صالح الأزدي رافضياً، وكان يغشى أحمد بن حنبل فيقرّبه ويدنيه، فقيل له: يا أبا عبدالله، عبد الرحمن رافضي! ! فقال: سبحان الله، رجل أحبّ قوماً من أهل بيت النبي (ص) نقول له لا تحبّهم، وهو ثقة. . . .(1)

فبعد كل هذا وذاك ليس من المتسغرب أن يطلق ال-(رافضي) على مَن عُرف بالتشيُّع فقط، وهذا كثير جداً في الكتب الرجالية للجمهور، نذكر منه مصداقاً واحداً، مخافة الإطالة، وهو (عبد الملك بن أعين) ، فقد ذكرته كثير من كتب الرجال بأنّه شيعي، فمثلاً قال عنه ابن حِبان: «عبد الملك بن أعين، أخو حمران بن أعين، من أهل الكوفة، يروي عن العراقيّين. . . وكان يتشيَّع» .(2)وذكره العجلي بقوله: «عبد الملك بن أعين، مولى بني شيبان، كوفي تابعي ثقة» . (3)كما ذكره البخاري بقوله: «عبد الملك بن أعين، وكان شيعياً، روى عنه ابن عيينة وإسماعيل بن سميع، يحتمل في الحديث» .(4)

ومع ذلك فقد رماه سفيان بن عينية بالرفض، كما نقل لنا ذلك العقيلي في ضعفائه، قائلاً:

عبد الملك بن أعين: حدِّثني عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: حدَّثنا محمد بن عباد المكي، قال: حدَّثنا سفيان، قال: حدَّثنا عبد الملك بن أعين، وكان رافضياً. . . .(5)


1- تاريخ بغداد، ج١٠، ص٢6١.
2- الثقات، ج٧، ص٩4.
3- معرفة الثقات، ج٢، ص١٠٢.
4- الضعفاء الصغير، ج١، ص٧٣.
5- الضعفاء الكبير، ج٣، ص٣٣.

ص:103

وقد نقل لنا ابن حجر العسقلاني آثار اتّهامهم لعبد الملك بالرفض، حتى وصل الأمر بهم إلى ترك حديثه، فقال في ذلك:

عبد الملك بن أعين الكوفي. . . قال محمد بن المثنى: ما سمعت ابن مهدي يحدِّث عن سفيان عن عبد الملك بن أعين، وكان يحدّث عنه فيما أُخبرت، ثُمَّ أمسك [فالظاهر من هذه العبارة أنَّ ابن مهدي توقَّف عن التحديث بسبب عبد الملك واتّهامهم له بالرفض]. . . وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء، وقال حامد عن سفيان: هم ثلاثة إخوة، عبد الملك و زرارة وحمران، روافض كلّهم، أخبثهم قولاً عبد الملك، وقال أبوحاتم: هو من أعتى الشيعة، محلّه الصدق صالح الحديث. . . . (1)

ونحن إنَّما ذكرنا كل هذه المصاديق، من تراجم الرواة، لنثبت أنَّ كثيراً ممَّن رُموا واتّهموا بالغلو في التشيع والرفض، إنَّما هم شيعة فقط على موازين علماء الجمهور أعني علماء أهل السنّة وليس أكثر من ذلك، وقد ثبت بما تقدَّم أنَّ التشيع ليس فيه ما ينافي العدالة.

بقيت هناك ألفاظ إذا أُطلقت فإنَّه لا يراد منها إلاّ التشيّع في الغالب، مثل: (شيعي جلد، شيعي محترق) ، ففي تراجم بعض الرواة وردت مثل هكذا تعابير، فمثلاً في ترجمة (عقيصا أبو سعيد التميمي) قال الذهبي: «. . . شيعي جلد، تركه الدارقطني» . (2)وفي ترجمة إبراهيم بن الحكم ابن ظهير الكوفي قال ابن حجر:

«إبراهيم. . . شيعي جلد. . . وقال أبو حاتم: كذّاب، روى في مثالب معاوية، فمزّقنا ما كتبنا عنه. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال الأزدي: وأخرج له عن أبيه عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس، في قوله: (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (الواقعة:١٠) ، قال: سابق هذه الأُمة علي بن أبي طالب. . . .(3)


1- تهذيب التهذيب، ج6، ص٣4٢.
2- المغني في الضعفاء، ج ٢، ص4٣٨.
3- لسان الميزان، ج١، ص4٩.

ص:104

وقد شرح هذه المصطلح (محمد بن أحمد الذهبي) ، الذي أكثر من استعماله، بقوله في ترجمة الدارقطني:

. . . قلت: ليس تفضيل علي برفض، ولا هو ببدعة، بل قد ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين، فكلٌّ من عثمان وعلي ذو فضل وسابقةٍ وجهاد. . . ولكن جمهور الأُمة على ترجيح عثمان على الإمام علي، وإليه نذهب، والخطب في ذلك يسير، والأفضل منهما، بلا شك، أبو بكر وعمر، مَن خالف في ذا فهو شيعي جلد. . . .(1)

وفي ترجمة (عبد الرحمن بن صالح الأزدي) قال ابن عدي:

عبد الرحمن بن صالح الأزدي: كوفي، سمعت إبراهيم بن محمد بن عيسى يقول: سمعت موسى بن هارون الحمال يقول: عبد الرحمن بن صالح شيعي محترق، حرقت عامّة ما سمعت منه، يروي أحاديث سوء في مثالب أصحاب رسول الله (ص) . ثنا ابن أبي عصمة، ثنا. . . عن قيس قال: مرّت عائشة بماءٍ يقال له الحوأب، لبني عامر، فنبحتها الكلاب، فقالت: ردّوني؛ فإنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: كيف بإحداكنّ إذا نبحت عليها كلاب حوأب.(2)

قال الشيخ: وعبدالله بن صالح معروف ومشهور في الكوفيين، لم يُذكر بالضعف في الحديث، ولا أتُّهِم فيه، إِلاّ أنَّه كان محترقاً فيما كان فيه من التشيع. (3)

إذن، تلخّص الى هنا أنَّ علماء ورجاليي الجمهور اختلفوا في تعريف التشيع وماهيته، كما اختلفوا في معنى الغلو في التشيع وحقيقته، وكذا اختلفت كلماتهم في حقيقة (الرفض) ، والغلو في الرفض، ورأينا كيف أنَّ الاضطراب في المفاهيم أدَّى إلى هذا الاضطراب في المصاديق.


1- سير اعلام النبلاء، ج٧، ص٣٧٠.
2- حديث نباح كلاب الحوأب على أم المؤمنين عائشة ذكر في الكثير من مصادر الحديث والتراجم التاريخية، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء، ج٢، ص١٧٨ : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجوه، وقال العسقلاني في فتح الباري، ج١٣، ص55: «ومن طريق قيس بن أبي حازم، قال: لما أقبلت عائشة فنزلت بعض مياه بني عامر، نبحت عليها الكلاب، فقالت: أيّ ماءٍ هذا؟ قالوا الحوأب. . . قالت: ما اظنّني الاّ راجعة، فقال لها بعض مَن كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم، فقالت: إنَّ النبي ص قال لنا ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب. وأخرج هذا أحمد و أبو يعلى والبزار، وصحَّحه ابن حبان والحاكم وسنده على شرط الصحيح» .
3- الكامل في ضعفاء الرجال، عبدالله بن عدي، ج4، ص٣٢٠.

ص:105

ومن المناسب هنا نقل كلام الأمير الصنعاني(1)، إذ قال فيما يخصّ ما نحن فيه:

وأمّا تحريم الغلو في كل أمر من أمور الدين فثابت كتاباً وسنةً، (لا تغلو في دينكم) ، (إيّاكم والغلوّ في الدين، فإنَّما أهلك مَن كان قبلكم الغلوّ في الدين) . أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم.

إلاّ أنَّه لا يتحقق الغلو إلاّ بإطلاق ما لا يحل إطلاقه في المحبوب المغلوّ في حبِّه، أو فعل ما لا يحل فعله، أو ذكر الغير بما لا يحل لأجله. أمَّا زيادة محبة الشخص لبعض أهل الإيمان، مع محبته لهم جميعاً، فهذا لا إثم فيه، ولا قدح به، وإن سمّي غلواً. وقد كان بعض المؤمنين عند رسول الله (ص) أحبَّ إليه من بعض، واشتهر أنَّ أسامة بن زيد حبّ رسول الله، وكانت عائشة أحبّ نسائه إليه.

إذا عرفت هذا، فالشيعي المطلق قد أتى بالواجب من محبَّة هذا البعض من المؤمنين، فإن كان غالياً، فقد ابتدع بالغلو، وأثم إن أفضى به إلى ما لا يحلّ. وأمّا مجرّد زيادة المحبة والميل، فهو إذا صحّ أنّه غلو، فلا إثم فيه. (2)

المبحث الثانى: كيف ضعَّفوا الشيعى؟ !

اشاره

لقد انتهج أغلب علماء الحديث عند الجمهور منهجين لتضعيفهم لمَن رموه بالتشيع وهما:

الأوَّل: تضعيفهم للشيعي إجمالاً عن طريق إطلاق قواعد وعبارات جُعلت ركائز للتضعيف، تنطبق نتيجتها على التشيع ككل، لتجعله مصداقاً مميِّزاً لتلك القواعد.

الثاني: تضعيفهم لآحاد الشيعة عملياً عند المرور بتراجمهم.

وسنعرض كلا الأُسلوبين:


1- هو محمد بن إسماعيل الحسني الكحلاني، ثُمَّ الصنعاني ١٠٩٩ - ١١٨٢ق ، المعروف كأسلافه ب-الأمير ، مجتهد من أهل بيت علم واجتهاد، أُصيب بمحن كثيرة من الجهلاء والعوام، له نحو مؤلَّف، أشهرها سبل السلام، ذكر ترجمته صاحب الأعلام، خير الدين الزركلي، ج6، ص٣٨، وذكره صاحب أبجد العلوم، ج٣، ص١٩١، قائلاً: «. . . قال الشيخ أحمد بن عبد القادر الحفظي الشافعي في ذخيرة الآمال في شرح عقد جواهر الآل: الإمام السيد. . . محمد بن إسماعيل المير، وهو لا ينسب الى مذهب بل مذهبه الحديث» .
2- ثمرات النظر، محمد بن إسماعيل الصنعاني، ج١، صص٣١ - ٣6.

ص:106

المنهج الأوَّل: تضعيفهم لمَن رموه بالتشيُّع إجمالاً
اشاره

وذلك من خلال تأسيس قواعد في الجرح والتعديل تجعل من التشيع مصداقاً جلياً لها، وأكثر ما تنطبق تلك القواعد على التشيع بعدما جعلوه من البدع، وسنعرض نماذج لتلك القواعد التي حكّموها في هذا المجال.

وفيما يلي نصوص لكبار علماء الحديث من الجمهور، والتي جعلت قواعد لذلك:

١- التضعيف بسبب الاعتقاد

خصوصاً إذا كان الراوي المعتقد داعيةً لبدعته، فقد طُبِّقت هذه القاعدة على كثير من المبتدعة، كفرق الخوارج والنواصب، وطبّقوها أيضاً على التشيع، قال ابن حجر العسقلاني:

فصل في تمييز أسباب الطعن في المذكورين، ومنه يتَّضح مَن يصلح منهم للاحتجاج به ومَن لا يصلح، وهو على قسمين:

الأوَّل: مَن ضعفه بسبب الاعتقاد، وقد قدمنا حكمه، وبيَّنَّا في ترجمة كل منهم أنَّه ما لم يكن داعية، أو كان وتاب، أو اعتضدت روايته بمتابع، . . . وهذا بيان ما رُموا به: فالإرجاء: بمعنى. . . والتشيّع: محبَّة عليّ وتقديمه على الصحابة، فمَن قدَّمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في التشيع، ويطلق عليه رافضي، وإلاّ فشيعي. . . .(1)

وتقدم منّا أنَّ ما ذهب إليه العسقلاني يخالف ما ذهب إليه غيره من أنَّ معنى التشيع هو محبة علي عليه السلام وموالاته، وتقديمه على الجميع.

كما أنَّ اعتباره الغلو في التشيع هو تقديم علي عليه السلام على الشيخين، أيضاً مخالف لمَن اعتبر المغالاة في التشيع هو الحطّ من غير علي عليه السلام، لا مجرَّد التقديم.

والخلاصة فيما نحن فيه: أنَّ هذه القاعدة قد جُعل الشيعي من مصاديقها، فيضعّف حينئذٍ. لولا أنَّهم تداركوا الأمر بقاعدة قبول قول المبتدع إذا لم يكن داعية، فإذا ناقش أحد في هذه القاعدة الأخيرة - كما فعلنا - فلابدّ حينئذٍ على مبانيهم أن تُرفض رواية الشيعي، وهذا هو مذهب كثير ممَّن ردَّ رواية المبتدع، واعتبره فاسقاً لا ينفعه التأويل - ومرّ كل ذلك في الفصل السابق - فقول قبول رواية المبتدع مع عدم دعوته هو قول الأكثر؛ ويقابله قول الكثير؛ لذا قال الدهلوي ما هذا نصّه:


1- مقدمة فتح الباري - شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، ج١، ص45٩.

ص:107

. . . وبالجملة، الأئمَّة مختلفون في أخذ الحديث من أهل البدع والأهواء، وأرباب المذاهب الزائغة، وقال صاحب جامع الأصول: أخذ جماعة من أئمَّة الحديث من فرقة الخوارج، والمنتسبين إلى القدر والتشيع والرفض، وسائر أصحاب البدع والأهواء، وقد احتاط جماعة آخرون وتورَّعوا من أخذ الحديث من هذه الفرق. . . .(1)

٢- قاعدة عدم قبول قول مبتدع في مبتدع

وهذه أيضاً من القواعد التي أسَّسوها، وجعلوا من مصاديق المبتدع فيها الشيعي أو غير الشيعي. وعلى هذا، فلو قدح الشيعي بغيره، لم يُقبل قوله، مثلما لم يقبل العكس كذلك.

وليس الكلام في أصل القاعدة، بل الكلام فى مصاديقها، فقد ثبت بما تقدّم من تعاريف وأقوال في التشيّع، عدم دخول البدعة فيه، وعدم علاقة التشيع بها.

قال ابن حجر العسقلاني، في ترجمة إسماعيل بن أبان الورّاق الكوفي، الذي ضعّفه بعضهم لتشيّعه، قال:

. . . وقال الجوزجاني: كان مائلاً عن الحق، ولم يكن يكذب في الحديث. قال ابن عدي: يعني ما عليه الكوفيون من التشيع. قلت: الجوزجاني كان ناصبياً منحرفاً عن علي، فهو ضدّ الشيعي المنحرف عن عثمان، والصواب موالاتهما جميعاً، ولا ينبغي أن يُسمَع قول مبتدع في مبتدع. . . . (2)

وعلى هذا، فلو انعكس الأمر، وطعن إسماعيل بن أبان المذكور بالجوزجاني، وقال إنَّه ناصبي مائل عن الحق، لَما قُبل قوله حينئذٍ، طبقاً لهذه القاعدة.

٣- التضعيف بسبب الرمي بالتشيُّع الناتج من رواية الفضائل

وهذا النوع من التضعيف شائع ومُستَشرٍ في كتب الحديث والتراجم عند الجمهور، ومن السهولة وضع اليد على مصاديق كثيرة لذلك. قال الحافظ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري الحسني(3)نصّه:


1- مقدمة في أصول الحديث، ج١، ص6٧.
2- مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج١، ص٣٩٠.
3- هو الحافظ أبو الفيض الحسني الأزهري، متفقه شافعي مغربي، من نزلاء طنجة، تعلّم بالأزهر، واستقرَّ وتوفي بالقاهرة سنة ١٣٨٠ه-، له كتب عدّة منها: رياض التنزيه في فضل القرآن وحامليه، و إقامة الدليل، و. . . يراجع: الأعلام، ج١، ص٢5٣.

ص:108

كون الحديث في فضل علي وراويه مُتَّهم بالتشيُّع، بل مجرّد كون الحديث في الفضائل؛ من أكبر أسباب الطعن عندهم في الرواة، ولو لم يتّهموا بالتشيّع، فإنَّ مَن روى ذلك لا يتوقَّفون في طعنه، ولا يتورَّعون عن جرحه، ولو كان أوثق الثقات وأعدل العدول وقد تقدم عن أبي زرعة أنَّه قال: كم من قومٍ افتضحوا بهذا الحديث (1)[يعني حديث أنا مدينة العلم وعليٌ بابها]، يعني أنَّ كل مَن حدّث به يحكمون عليه بالضعف، ولو كان معروفاً عندهم أنَّه ثقة. فدليل الضعف هو التحديث بفضل علي، حتى أنَّهم ضعَّفوا به جماعة من الحفاظ المشاهير، ورموهم بالرفض والتشيُّع، كمحمد بن جرير الطبري (2)، وتكلّموا فيه لتصحيحه حديث الموالاة(3)، والحاكم (4)صاحب المستدرك (5)؛ لتصحيحه حديث الطير وحديث الموالاة (6)، والحافظ ابن


1- خرّج قول أبي زرعة هذا حول حديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها» كلّ من: علي بن محمد القاري، في مرقاة المفاتيح، ج١١، ص٢5٣، والمناوي، في فيض القدير، ج٣، ص4٧.
2- هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، المؤرِّخ، المفسّر، من ثقات المؤرّخين، وكان مجتهداً في أحكام الدين، توفي سنة ٣١٠ق، ذكر ترجمته صاحب الأعلام، ج6، ص6٩.
3- قال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان، ج5 ص١٠٠، عند تعرّضه لترجمة الطبري: «محمد بن جرير. . . الإمام الجليل. . . ثقة صادق، فيه تشيّع يسير، وموالاة لا تضرّ، أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ فقال: كان يضع للروافض، كذا قال السليماني، وهذا رجم بالظن الكاذب. . . إنّما نُبِزَ بالتشيع لأنَّه صحَّح حديث غدير خم.
4- الحاكم النيسابوري، محمد بن عبدالله بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهماني النيسابوري، ويُعرَف بابن البيع، أبو عبدالله، من أكابر حفاظ الحديث والمصنفين فيه، توفي سنة 4٠5ق ، قيل: كان أعلم الناس بصحيح الحديث وتمييزه عن سقيمه، قال ابن عساكر: وقع من تصانيفه المسموعة في أيدي الناس ما يبلغ ألفاً وخمسمائة جزء، منها: تاريخ نيسابور، والمستدرك على الصحيحين، والأكليل.
5- أخرج رمي بعضهم للحاكم بالرفض والخبث الحافظ الذهبي، في سير أعلام النبلاء، ج٧، ص١٧4، قال ما نصه: «أنبأني أحمد بن سلامة عن. . . عن ابن الطاهر أنّه سأل أبا إسماعيل عبدالله بن محمد الهروي عن أبي عبدالله الحاكم، فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث. قلت: كلا، ليس هو رافضياً، بل يتشيع. قال ابن الطاهر: كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنّن في التقديم والخلافة، وكان منحرفاً غالياً عن معاوية، يتظاهر بذلك ولا يعتذر منه، فسمعت أبا الفتح سمكويه بهراة، . . . سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: دخلت على الحاكم وهو في داره، لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبدالله بن كرام، وذلك أنّهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج، فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل [يعني معاوية بن أبي سفيان] حديثاً لاسترحت من المحنة، فقال: لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي. . .»
6- يقصد من حديث الموالاة الحديث المتواتر: «مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه» . وهذا الحديث أشهر من أن نذكر له مصدراً.

ص:109

السقا (1)؛ لإملائه حديث الطير (2)، ووثبوا إليه ساعة الإملاء وأقاموه وغسلوا موضعه (3)، والحافظ الحسكاني (4)لتصحيحه حديث ردّ الشمس (5). . . وإبراهيم


1- هو الحافظ الثقة الرحّال أبو محمد عبدالله بن محمد بن عثمان الواسطي ابن السقا، محدّث واسط، سمع أبا يعلى الموصلي وأبا خليفة الفضل ابن خباب و. . . ، حدَّث عنه الدار قطني و. . . ، قال السلفي: سألت خميساً الحوزي عن ابن السقا فقال: هو من مزينة مضر. . . وبارك الله في سنّه وعلمه، واتَّفق أنَّه أملى حديث الطائر، فلم تحتمله أنفسهم، فوثبوا به وأقاموه وغسلوا موضعه، فمضى ولزم بيته لا يحدِّث أحداً من الواسطيين، ولهذا قلَّ حديثه عندهم، توفي سنة ٣٧٣ه-، ذكر سيرته كاملة: في سير أعلام النبلاء، ج١6، ص٣5١.
2- حديث الطير هو: الحديث الذي رواه غير واحد من الحفاظ، وهذا لفظ الحاكم في المستدرك على الصحيحين، ج٣، ص١4٢، قال: حدَّثنا به الثقة المأمون أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسين بن إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علية بن خالد السكوني، بالكوفة. . . ثنا ثابت البناني: أنَّ أنس بن مالك كان شاكياً، فأتاه محمد بن الحجاج يعوده في أصحاب له، فجرى الحديث حتى ذكروا علياً فتنقّصه محمد بن الحجاج، فقال أنس: مَن هذا؟ أقعدوني. فأقعدوه، فقال: يا ابن الحجاج، لا أراك تنتقص علي بن أبي طالب، والذي بعث محمداً بالحق، لقد كنت خادم رسول الله ص بين يديه، وكان كل يوم يخدم بين يدي رسول الله ص غلام من أبناء الأنصار، فكان ذلك اليوم يومي، فجاءت أم أيمن، مولاة رسول الله ص ، بطير فوضعته بين يدي رسول الله، فقال رسول الله: يا أم أيمن، ما هذا الطائر؟ قالت: هذا الطائر أصبته فصنعته لك، فقال رسول الله ص : اللّهم جئني بأحبِّ خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر، وضُرب الباب، فقال رسول الله ص : يا أنس، انظر مَن على الباب، قلت: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار، فذهبت فإذا عليّ بالباب، قلت: إنَّ رسول الله ص على حاجة، فجئت حتى قمت من مقامي، فلم ألبث أن ضُرب الباب، فقال: يا أنس، انظر مَن على الباب، فقلت: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار، فذهبت فإذا عليّ بالباب، قلت: إنَّ رسول الله ص على حاجة، فجئت حتى قمت من مقامي، فلم ألبث أن ضُرب الباب، فقال رسول الله ص : يا أنس، اذهب فأدخله، فلست بأوّل رجل أحبّ قومه، ليس هو من الأنصار، فذهبت فأدخلته، فقال: يا أنس، قرِّب إليه الطير، قال: فوضعته بين يدي رسول الله ص ، فأكلا جميعاً. قال محمد بن الحجاج: يا أنس، كان هذا بمحضرٍ منك؟ قال: نعم، قال: أُعطي بالله عهداً أن لا أنتقص علياً بعد مقامي هذا، ولا أعلم أحداً ينتقصه إلاّ أشنت له وجهه.
3- لا يخفى على القارئ اللبيب الفطن أنَّ كلمة غسلوا موضعه كناية عن نجاسته، أي أنَّهم حكموا بنجاسة مسلمٍ وعالمٍ ومحدّثٍ شهير؛ لروايته منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام! وعلى هذا فقس! !
4- قال الذهبي، محمد بن أحمد، في سير أعلام النبلاء، ج ١٨، ص٢6٨، الإمام المحدث البارع القاضي أبو القاسم عبيد الله بن عبدالله. . . بن حسكان القرشي. . . ويُعرَف بابن الحذاء. . . حدَّث عن جده وعن. . . والظاهر أنَّه بقي إلى بعد السبعين وأربعمائة. . . .
5- قال الذهبي، محمد بن أحمد، في تاريخ الإسلام، ج٣٢، ص٣٠6، عند ترجمته للحسكاني: «. . . ووجدت له مجلساً في تصحيح ردّ الشمس وترغيم النواصب الشمس، وقد تكلم على رجاله كلام شيعي عارف بفن الحديث» . وحديث ردّ الشمس رواه غير واحد من الحفاظ، وبطرق متعدّدة، خرّجها ابن كثير، إسماعيل بن عمر، في البداية والنهاية، ج6، ص٧٧. وعلّق عليه تعليقات مطوّلة، والحديث هذا: «أبو القاسم عبيد الله بن عبدالله بن أحمد الحسكاني. . . وقال: قد روي ذلك من طريق أسماء بنت عميس، وعلي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، ثُمَّ رواه من طريق أحمد بن صالح المصري، وأحمد بن الوليد الأنطاكي، والحسن بن داود، ثلاثتهم عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، وهو ثقة. . . أسماء بنت عميس: أنَّ رسول الله صلَّى الظهر بالصهباء من أرض خيبر، ثُمَّ أرسل علياً في حاجة، فجاء وقد صلَّى رسول الله العصر، فوضع رأسه في حجر علي ولم يحرِّكه حتى غربت الشمس، فقال رسول الله: اللّهم إنّ عبدك علياً احتبس نفسه على نبيه، فردّ عليه شرقها. قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى ردّت على الجبال، فقام علي فتوضأ وصلّى العصر، ثُمّ غابت الشمس» .

ص:110

ابن عبد العزيز بن الضحاك (1)؛ لكونه أملى مجالس في فضائل أبي بكر وعمر، فلمّا فرغ قال: نبدأ بعلي أو بعثمان (2)، فتفرقوا عنه وضعّفوه، مع أنَّ المسألة خلافية لا تستوجب ذلك كما قال الذهبي. بل نسبوا الدارقطني إلى التشيُّع - وما أبعده منه - لحفظه ديوان السيد لحميري (3). . . وضعَّفوا المسعودي (4)، وحكموا بتشيُّعه؛ لقوله في مروج الذهب: (والأشياء التي استحق بها أصحاب رسول الله الفضل هي: السبق إلى الإيمان، والهجرة، والنصرة للرسول، والقربى منه، والقناعة، وبذل النفس له، والعلم بالكتاب والتنزيل، والجهاد في سبيل الله، والورع والزهد، والقضاء والحكم، والعفّة، والعلم، وكل ذلك لعلي منه النصيب الأوفر والحظ الأكبر (5)، إلى ما ينفرد به من المؤاخاة والموالاة والمنزلة، إلخ. . . ، مع أنَّ كل ما قاله حقّ لا شك فيه.


1- هو إبراهيم بن عبد العزيز بن الضحاك بن عمر. . . أبو إسحاق المديني الأصبهاني، كان يقال له شاه بن عبد كويه، روى عن ابن علية وغيره، روى عنه أبو نعيم و. . . ذكره ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان، ج١، ص٧٨.
2- قال الذهبي، محمد بن أحمد، في ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج٨، ص١٨، في ترجمته لابن الضحاك الآنف الذكر: «وحكي أنْ قعد للحديث، وأخرج الفضائل، وأملى فضائل أبي بكر وعمر، ثُمَّ قال لأصحاب الحديث: بمَن نبدأ، بعثمان أو علي؟ فقالوا: أو تشكّ في هذا؟ هذا والله رافضي. فتركوا حديثه. حكى ذلك كلّه الحافظ أبو محمد عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان، المكنى بأبي الشيخ، في كتاب طبقات المحدثين بأصبهان؛ الواردين عليه، وحكى نحوه أيضاً أبو نعيم في تاريخ أصبهان» . وقال ابن حجر في لسان الميزان، ج١، ص٧٨، في ترجمته، تعليقاً على الحادث المذكور، بعد أن ذكره: «قلت: وهذا ظلم بيّن، فإنَّ هذا مذهب جماعة من أهل السنة، أعني التوقف في تفضيل أحدهما على الآخر، وإن كان الأكثر على تقديم عثمان، بل كان جماعة من أهل السنة يقدمون علياً على عثمان، منهم سفيان الثوري وابن خزيمة» .
3- ذكر ذلك: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في طبقات الحافظ، ج١، ص٣٩4؛ وابن حجر العسقلاني في لسان الميزان، ج6، ص٢4٨، وأمّا السيد الحميري، فقد قال عنه الزركلي في الأعلام، ج١، ص٣٢٢: «السيد الحميري١٠5-١٧٣ه، إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري، أبوهاشم، أو أبوعامر: شاعر إمامي متقدم، قال صاحب الأغاني: يقال إنَّ أكثر الناس شعراً في الجاهلية والإسلام ثلاثي: بشار، وأبو العتاهية، والسيد. . .» .
4- هو علي بن الحسين بن علي، أبو حسن المسعودي، من ذرية عبدالله بن مسعود، مؤرّخ، رحّالة، بحّاثة، من أهل بغداد، أقام بمصر وتوفّي فيها سنة ٣46ق، ذكر ترجمته خير الدين الزركلي في الأعلام، ج4، ص٢٧٧.
5- ذكر كل ذلك وحكم بتشيعه ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان، ج4، ص٢٢4، بل نصَّ على كونه شيعياً معتزلياً.

ص:111

وضعفوا برواية حديث الطير خلائق منهم: إبراهيم بن باب البصري (1)وأحمد بن سعيد بن فرقد الجدي (2)، وحماد بن يحيى بن المختار (3)، وغيرهم، وقد أورد هؤلاء الذهبي وضعَّفهم تبعاً، واستقلالاً بحديث الطير، مع اعترافه بثبوته في التذكرة.

وضعَّفوا بحديث الباب (4)جماعة أيضاً، منهم: أحمد بن عمران بن سلمة (5)، وأحمد بن سلمة الكوفي (6)، وأحمد بن عبدالله بن يزيد. (7)وضعّفوا بحديث الشمس (8)وغيره اُمماً لا تحصى. . . .» . (9)


1- قال ابن حجر العقسلاني في لسان الميزان، ج١، ص٣٧، «إبراهيم بن باب البصري القصار، عن ثابت البناني: واهٍ، ولا يكاد يعرف إلاّ بحديث الطير، انتهى. وقال المؤلّف في المغني: لا أعلم بم سكتوا عن تضعيفه. قلت: وقد ذكره البخاري، فلم يذكر فيه جرحاً، وابن أبي حاتم. . .» . وقال الذهبي، محمد بن أحمد، في المغني في الضعفاء، ج١، ص١٠، «إبراهيم بن باب. . . ضعيف واهٍ» .
2- قال الذهبي، محمد بن أحمد، في ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج١، ص٢٣٧، «أحمد بن سعيد بن فرقد الجدي، روى عن أبي حمة وعنه الطبراني، فذكر حديث الطير بإسناد الصحيحين، فهو المتَّهم بوضعه» . لكن من الغريب أنَّ عبد الرحمن بن الجوزي في كتابه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، ج١، ص٢٣٣، ذكر حديث الطير بطريق أحمد بن سعيد بن فرقد، ولم يقدح به أصلاً، مع أنّه ذكر جميع طرق الحديث وعدّدها ستة عشر طريق!
3- قال ابن عدي الجرجاني في الكامل في ضعفاء الرجال، ج٢، ص٢5١: «حماد بن يحيى بن المختار، كوفي. . . عن عطية العوفي عن أنس بن مالك قال: دخلت على رسول الله غداة اُّعطي الكوثر. . . ثُمَّ نظر إلي فقال: يا أنس، إنَّ الله عزوجل أعطاني الكوثر الليلة. قال: قلت وما الكوثر؟ قال: نهر في الجنة، طوله ستمائة عام، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، لا يشرب أحد منه قبلي. . . فلا يطعمه مَن خفر ذّمتي ووتر عترتي وقتل أهل بيتي. . . حدَّثنا حماد بن المختار. . . عن أنس بن مالك، قال: أُهدي لرسول الله ص طائر. . . وساق حديث الطير المتقدّم ثم قال ابن عدي» . وحماد بروايته هذين الحديثين يدل على أنّه من متشيعي الكوفة، ولا أعرف لحماد من الحديث غير هذين الحديثين.
4- وهو الحديث المشهور عن رسول الله ص : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» .
5- قال سبط بن العجمي، إبراهيم بن محمد، في الكشف الحثيث، ج١، ص5١ قال: «لا يدري من ذا إلاَّ أنَّه روى محمد بن علي العتيبي عنه، عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله، رفعه، قال: قسّمت الحكمة فجعل في علي تسعة أجزاء، وفي الناس جزء واحد. فهذا كذب ذكره الذهبي في ترجمة هذا الرجل، فالظاهر من حال الذهبي أنَّه اتهمه والله أعلم» . وذكر علي بن الحسن الشافعي في تاريخ مدينة دمشق، ج4٢، ص٣٨4، قال: «أنبأنا أبو علي المقرئ، أنا أبو نعيم الحافظ، أنا أبو أحمد الغطريفي، أنا أحمد بن عمران بن سلمة، وكان ثقة عدلاً مرضياً، أنا سفيان الثوري عن. . . عن عبدالله قال: كنت عند النبي فسُئل عن علي، قال: قسّمت الحكمة. . . ، فشتّان بين القولين.
6- قال ابن عدي الجرجاني في الكامل في ضعفاء الرجال، ج5، ص6٧، عمر بن إسماعيل بن مجالد الكوفي ، قال: «. . . وحدَّث به [أي بحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها] أحمد بن سلمة الكوفي عن ساكني جرجان، وكان متّهماً عن أبي معاوية كذلك. . .» .
7- قال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان، ج١، ص١٩٧، قال: «أحمد بن عبدالله. . . قال ابن عدي: كان بسامراء يضع الحديث. أخبرنا جماعة، قالوا: حدَّثنا أحمد، حدّثنا عبد الرزاق عن. . . عن جابر مرفوعاً: هذا أمير البررة وقاتل الفجرة، أنا مدينة العلم وعلي بابها. . . قال الخطيب في حديث جابر المتقدم: هو أنكر ما روى، وفي بعض أحاديثه نكرة، وقال الدارقطني: يحدث عن عبد الرزاق وغيره بالمناكير، يترك حديثه» .
8- مرَّ ذكر حديث ردّ الشمس فيما سبق، فلا نعيد ذكره.
9- فتح الملك العليّ، أحمدبن محمدبن الصديق الغماري الحسني، ص٨4.

ص:112

إلى آخر كلام الحافظ الغماري.

ونحن إنَّما ذكرنا تراجم بعض مَن ذكرهم - لا كلّهم - كنماذج؛ لأنَّ تراجم جميعهم تحتاج إلى موضع أوسع ممَّا نحن فيه. كما أنَّ في التراجم التي ذكرناها كفاية في إثبات أصل ما ذكرناه من القاعدة.

وكل ذلك يدلّ على أنَّ مجرّد رواية الفضائل - فضائل علي أو أهل بيته عليهم السلام - كافٍ في رمي الراوي بالتشيُّع أو الرفض، ومن ثمَّ تضعيفه وترك حديثه.

4- قاعدة اشتراط قبول رواية المبتدع فيما لا يقوي بدعته

وهذه القاعدة أيضاً جعلوا من مصاديقها التشيُّع، أو الشيعي إذا روى في فضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام، إذ إنّهم جعلوا علامة الشيعي كونه يروي في الفضائل، أي جعلت رواية الفضائل دليلاً على التشيُّع، ثُمَّ لم يقبل من الشيعي تلك الروايات؛ لأنّها ممّا يشيد بها بدعته، وبهذا تمَّ تضعيف الكثير من الرواة والروايات في ذلك.

ونسب الحافظ الغماري في كتابه فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي) ،(1)نسب إلى الجوزجاني أنّه أول مَن قال بها.

قال ابن حجر العسقلاني ما نصّه:

وينبغي أن يقيّد قولنا بقبول رواية المبتدع إذا كان صدوقاً، ولم يكن داعية، بشرط أن لا يكون الحديث الذي يحدِّث به ممّا يعضد بدعته ويشيدها، فإنّا لا نأمن حينئذٍ عليه غلبة الهوى، والله الموفّق. فقد نصّ على هذا القيد في هذه المسألة الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، شيخ النسائي، فقال في مقدّمة كتابه في الجرح والتعديل: ومنهم زائغ عن الحق، صدوق اللهجة، قد جرى في الناس حديثه، لكنَّه مخذول في بدعته، مأمون في روايته، فهؤلاء ليس فيهم حيلة إلاّ أن يؤخَذ من حديثهم ما يعرف، إلاّ ما يقوي به بدعتهم، فيتَّهم بذلك. . . .(2)


1- فتح الملك العلي، ص6٣.
2- لسان الميزان، ج١، ص١١.

ص:113

فعلى هذا لو روى الشيعي ما فيه فضيلة لأمير المؤمنين علي عليه السلام، فحتى مع كونه ثقة مأمون صدوق اللهجة - كما قال الجوزجاني - إلاّ أنَّه مع ذلك يجب أن يتَّهم في ذلك، وهذا ما حدث مع أبي الصلت الهروي، عبد السلام بن صالح، لروايته حديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» .

قال الذهبي فيه:

عبد السلام بن صالح، أبو الصلت الهروي، خادم علي بن موسى الرضا، عن مالك وحماد بن زيد، وعنه أحمد ابن أبي خيثمة، وعبدالله بن أحمد: واهٍ شيعي متَّهم، مع صلاحه، توفي ٢٣6 ق.(1)

وكلّ ما جرى على هذا الرجل بسبب حديث (مدينة العلم) ، مع أنَّ المزي قال: «. . . وقال عمر بن الحسن بن علي بن مالك عن أبيه: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت الهروي، فقال: ثقة صدوق، إلاّ أنّه يتشيّع» .(2)

ويشبه ما حدث لأبي الصلت ما حدث للمحدِّث والمصنّف الكبير (محمدبن عبدالله الضبي، أبو عبدالله الحاكم النيسابوري) ؛ إذ رُمي بالتشيّع لتصحيحه روايات في فضائل أميرالمؤمنين علي عليه السلام، لذلك اتَّهمه بعضهم بالكذب وبالرفض والخبث.

قال ابن حجر العسقلاني في ترجمته للحاكم ما لفظه:

محمد بن عبدالله الضبي النيسابوري، الحاكم أبو عبدالله الحافظ، صاحب التصانيف، إمام صدوق، لكنَّه يصحِّح في مستدركه أحاديث ساقطة، فيكثر من ذلك، فما أدري هل خفيت عليه؟ ! فما هو ممَّن يجهل ذلك، وإن علم فهو خيانة عظيمة. ثُمَّ هو شيعي مشهور بذلك، من غير تعرّضٍ للشيخين، وقد قال أبو طاهر: سألت أبا إسماعيل عبدالله الأنصاري عن الحاكم أبي عبدالله فقال: إمام في الحديث، رافضي خبيث.

قلتُ: إنَّ الله يحّب الإنصاف، ما الرجل برافضي، بل شيعي فقط، ومن شقاشقه قوله: اجتمعت الأمّة على أنّ الضبي [العتبي خ ل] كذاب، وقوله في أنَّ المصطفى (ص) وُلد


1- الكاشف، ج١، ص65٢.
2- تهذيب الكمال، ج١٨، ص٧٧.

ص:114

مسروراً مختوناً قد تواتر هذا، وقوله إنَّ علياً وصي. فأمّا صدقه في نفسه، ومعرفته بهذا الشأن، فأمرٌ مُجمَع عليه، مات سنة خمس وأربعمائة. . . . (1)

وقال الحافظ الذهبي:

. . . قال الخطيب أبو بكر: أبو عبدالله الحاكم كان ثقة، كان يميل إلى التشيُّع، فحدَّثني إبراهيم بن محمد الأرموي، وكان صالحاً عالماً، قال: جمع الحاكم أحاديث وزعم أنَّها صحاح على شرط البخاري ومسلم، منها حديث الطير، ومَن كنت مولاه فعلي مولاه، فأنكرها عليه أصحاب الحديث، فلم يلتفتوا إلى قوله، . . . قال ابن طاهر: كان شديد التعصّب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنّن في التقديم والخلافة، وكان منحرفاً عن معاوية وآله، متظاهراً بذلك، ولا يعتذر منه.

قلت [والكلام للحافظ الذهبي]: أمَّا انحرافه عن خصوم علي فظاهر، وأمَّا أمر الشيخين، فمعظّم لهما بكل حال، فهو شيعي لا رافضي، وليته لم يصنِّف المستدرك، فإنَّه غض من فضائله بسوء تصرّفه. . . .(2)

وما يشبه ذلك تكرر للمفسّر والمحدِّث الكبير محمد بن جرير الطبري، حين اتَّهمه الحافظ أحمد بن علي السليماني بأنَّه (كان يضع للروافض) ، كما نَقل ذلك إبراهيم بن محمد بن سبط ابن العجمي، إذ قال ما نصّه:

محمد بن جرير الطبري، الإمام المفسّر، أبو جعفر شيخ الإسلام، وصاحب التصانيف الباهرة، توفي سنة عشرة وثلاثمائة، ثقة صادق، فيه تشيُّع وموالاة لا تضر [وتقدم أنَّ سبب رميه بالتشيُّ ْع هو تصحيحه حديث غدير خم كما ذكر العسقلاني في لسان الميزان]، أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ فقال: كان يضع للروافض، كذا قال السليماني. قال الذهبي: وهذا رجم بالظن الكاذب، بل ابن جرير من كبار أئمّة الإسلام المعتمَدين، وما ندَّعي عصمته من الخطأ، ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى، فإنَّ كلام العلماء بعضهم في بعض لا ينبغي أن يتأتّى فيه، ولاسيما في مثل إمام كبير. (3)


1- لسان الميزان، ج5، ص٢٣٢.
2- تذكرة الحفاظ، محمد بن أحمد الذهبي، ج٣، ص١٠45.
3- الكشف الحثيث، ج١، ص٢٢١.

ص:115

هذه هي أهمُّ القواعد التي جُعلت أُسس يُنطلق منها لتضعيف الراوي الشيعي، فالملاحظ أنَّها كلها تصب في ذلك المجرى الواحد، بل الملاحظ من بعضها أنَّ الجرح بالتشيع ناتج عن حدس محض، وهو رواية الفضائل فقط - فضائل علي عليه السلام - وقد تقدَّم في بداية الفصل عدم ثبوت كون التشيُّع بدعة من البدع حتى يُرمى القائل بها، بل ولا غلو التشيّع على أكثر الآراء، فكيف بمَن يروي الفضائل فقط؟ !

المنهج الثاني: تضعيفهم لأغلب الرواة الشيعة عملياً عند ذكر تراجمهم
اشاره

وسنتعرَّض في هذا المنهج الثاني إلى نماذج، كما فعلنا عند ذكرنا للنواصب، وسنختار أيضاً عشرة نماذج للتدليل على المُدَّعى؛ إذ حصر جميع الرواة الذين ضُّعِّفوا بسبب التشيّع أمرٌ ليس بالميسور.

ولكن قبل ذلك لا بأس بالتعرض لألفاظ الجرح - ولو بصورةٍ اجمالية - كي يُعلم أنَّ هذه الألفاظ حينما تطلق بحقّ راوٍ مُعيّن ماذا يراد منها، وهذه الألفاظ إنَّما تفيد الجرح عموماً، وهناك ألفاظ خاصة تُطلق بحق فئة أو جماعةٍ معيّنة، وهي أيضاً تفيد الجرح، كما رأينا في ألفاظ (شيعي، غال في التشيع، رافضي، شيعي جلد، شيعي محترق. . .) .

أمَّا الفاظ الجرح العامّة، فقد ذكر الذهبي تلك الألفاظ قائلاً:

. . . وأردى عبارات الجرح: دجال كذاب، أو وضّاع يضع الحديث، ثُمَّ: متَّهم بالكذب، ومتَّفق على تركه، ثُمَّ: متروك ليس بثقة، وسكتوا عنه، وذاهب الحديث، وفيه نظر، وهالك، وساقط، ثُمَّ واهٍ بمرة، وليس بشيء، وضعيف جداً، وضعّفوه، ضعيف وواهٍ ومُنكَر الحديث ونحو ذلك.

ثُمَّ: يضعّف، وفيه ضَعف، وقد ضُعّف، ليس بالقوي، ليس بحجّةٍ، ليس بذاك، تُعرف وتنكَر، فيه مقال، تكلِّم فيه، لين، سيّئي الحفظ، لا يُحتجّ به، اختلف فيه، صدوق لكنّه مبتدع، ونحو ذلك من العبارات التي تدل بوضعها على اطّراح الراوي بالأصالة، أو على ضعفه، أو على التوقّف فيه، أو على جواز أن يحتجّ به مع لينٍ ما فيه. . . .(1)

أمَّا النماذج التي نستدلّ بها على المدَّعى فهي:


1- ميزان الاعتدال، ج١، ص١١4.

ص:116

١- الأصبغ بن نباتة الحنظلي المجاشعي

هو أبو القاسم الدارمي الكوفي، كان على شرطة الخميس(1)في جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قال خليفة بن خياط العصفري: «. . . وعلى شرطة الخميس الأصبغ بن نباتة المجاشعي»(2)، وكان الأصبغ من التابعين، وكان من المحبِّين لعلي عليه السلام، الموالين له أشدّ الولاء، وهذه أحد أهم النقاط التي بسببها ضُعّف. وهذا أهم ما قيل فيه:

أ- العجلي الكوفي، قال:

«أصبغ بن نباتة، كوفي تابعي ثقة» .(3)

ب- قال الذهبي:

«أصبغ بن نباتة عن علي: لين» .(4)

والملاحظ أنَّ الذهبي مع تليينه للأصبغ بن نباتة هنا في موضع ترجمته، والتليين هو أدنى درجات الجرح، وهو قريب من التعديل، لكنّه عملياً عندما مرَّ بحديث فيه الأصبغ، قال عنه هناك بأنَّه (واهٍ جداً) ، وذلك للحاكم النيسابوري، فعندما مرَّ بحديث رسول الله لعلي: «يا علي، اطلبوا المعروف من رحماء أمّتي. . . الحديث» ، قال الحاكم معلّقاً على الحديث: «هذا حديث صحيح الأسناد ولم يخرجاه» .

وردَّ الذهبي هذا التصحيح قائلاً: «فيه الأصبغ بن نباتة واهٍ جدّاً» .(5)

ج- وقال ابن الجوزي:

أصبغ بن نباتة. . . يروي عن علي، قال يحيى: ليس بثقة، لا يساوي شيئاً، وقال النسائي: متروك الحديث، قال ابن حبان: فتن بحبّ علي بن أبي طالب فأتى بالطامّات في الروايات، فاستحقّ من أجلها الترك.(6)


1- قال محمد بن إسحاق ابن النديم: «معنى شرطة الخميس: أنَّ علياً قال لهذه الطائفة: تشرطوا، فإنَّما أشارطكم على الجنة، ولست أشارطكم على ذهب ولا فضة، أنَّ نبياً من الأنبياء فيما مضى قال لأصحابه تشرطوا فإنّي لست أشارطكم إلاّ على الجنة» . فهرست ابن النديم: ص٢٢٣، وكانوا اثنا عشر ألفاً على ما نقله ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق، ج١٣، ص٢6٢، والخميس بمعنى الجيش، فهؤلاء شارطهم علي عليه السلام على الجنة، فشرطوا له بذل أنفسهم، وهم خُلَّص أصحابه عليه السلام.
2- تاريخ خليفة بن خياط، خليفة بن خياط الليثي العصفري، ج١، ص٢٠٠.
3- معرفة الثقات، ج١، ص5١.
4- المقتنى في سرد الكنى، محمد بن أحمد الذهبي، ج١، ص5١.
5- المستدرك على الصحيحين بحاشية الذهبي، ج4، ص٣٢١.
6- الضعفاء والمتروكين، ج١، ص١٢6.

ص:117

ولم يذكر ابن حبان ما هي تلك الطامات التي أتى بها الأصبغ!

د- وقال ابن عدي الجرجاني:

. . . حدَّثني يحيى بن زكريا اللؤلؤي، حدّثني محمد بن سنان عن أبي الجارود، قال: قلت للأصبغ بن نباتة: ما كان منزلة هذا الرجل منكم - يعني علياً - قال: ما أدري ما يقولون، إلاّ أنَّ سيوفنا كانت على عواتقنا، فمَن أومأ إليه ضربناه. (1)

ه - ورماه بالكذب، ولم يُبَيِّن مورد الكذب، فقال ابن العجمي:

«أصبغ. . . كذاب متروك، ذكر الذهبي في الميزان كلام الناس فيه، ولم يذكر أنَّه اتُّهم. . .» .(2)

و- قال العقيلي:

«حدَّثنا محمد بن عيسى، قال: حدَّثنا العباس، قال: سمعت يحيى يقول: قد رأى الشعبي رشيد الهجري، وحبة العرني، والأصبغ بن نباتة، ليس يساوي هؤلاء كلّهم شيئاً» .(3)

وهؤلاء الثلاثة هم من خلّص أصحاب عليّ عليه السلام.

ولا يخفى أنَّ الشعبي كان من المائلين والمقرَّبين كثيراً إلى بني اُمية، وهو الذي بعثه عبدالملك بن مروان إلى مصر لأخذ البيعة لولده الوليد، كما ذكر صاحب النجوم الزاهرة (4)، فمن الطبيعي جداً أن يكون هؤلاء الثلاثة المذكورون لا يساوون شيئاً عنده، بل إنَّ الشعبي كان من المستهزئين بشرطة الخميس، وله يُنسب بيت الشعر المذكور:

يا شرطة الله قفي وطيري

كما تطير حبَّة الشعير

قاله مستهزءاً ب-(سالم بن أبي حفصة العجلي الكوفي) ، وكان من شرطة الخميس (5)أيضاً. فمن الطبيعي أن يكون موقفه سلبياً من قائد شرطة الخميس، أعني الأصبغ بن نباتة.

ز - نقل العسقلاني قول ابن سعد فيه، قال: «. . . وقال ابن سعد: كان شيعياً، وكان يضعّف في روايته، وكان على شرطة علي» .(6)


1- الكامل في ضعفاء الرجال، ج١، ص4٧.
2- الكشف الحثيث، ج١، ص٧٣.
3- ضعفاء العقيلي، محمد بن عمر بن موسى العقيلي، ج١، ص١٢٩.
4- النجوم الزاهرة، ابن تغري بردي الأتابكي، ج١، ص٢٠٨.
5- المعرفة والتاريخ، ج٢، ص٣4٢؛ ميزان الاعتدال، ج٣، ص١6٣.
6- تهذيب التهذيب، ج١، ص٣١6.

ص:118

وقال أيضاً: «أصبغ بن نباتة. . . متروك رُمي بالرفض» .(1)

أمّا عملاً، فقد ضعَّفه الكثير من الفقهاء في مجامعهم الحديثية والفقهية، فهذا الهيثمي في حديث تقويم السعر، قال: «رواه البزار، وفيه الأصبغ ابن نباتة، وثَّقه العجلي، وضعَّفه الائمّة، وقال بعضهم متروك. . .»(2)، وضعّفه المتقي الهندي قائلاً: «ابن مردوية، وعمرو، وسعد، والأصبغ، الثلاثة متروكون. . .» .(3)

وبالغ ناصر الدين الألباني في تضعيفه للأصبغ، بعد أن نقل تضعيف السخاوي، وبعد أن رماه بالرفض في حديث تحريم الشطرنج، قائلاً:

وقال الإمام أحمد: أصحّ ما في الشطرنج قول علي. ثُمَّ أخرجه ابن أبي الدنيا، وعنه السخاوي من طريق سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن علي به وزاد: «لأن يمسّنَّ أحدكم جمراً حتى يُطفى، خير له من أن يمسّها» . وقال السخاوي: وهذا المسند ضعيف لضعف الأصبغ والراوي عنه.

قلت [والكلام للالباني]: «بل هو ضعيف جداً، فأنَّ سعداً وشيخهُ [يعني الأصبغ] كلاهما متروكان رافضيان، والأوّل رماه ابن حبان بالوضع. (4)

فالمتحصّل من كل ما مرّ، أنَّ هذا الرجل تابعي، ومن أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام الخُلَّص، وكان قائداً على شرطة الخميس، وروى روايات في الفضائل، وكان يرى أفضلية علي عليه السلام على غيره، فاجتمعت كل تلك الأسباب وأدَّت إلى رميه بالضعف، بل بالكذب والرفض. ومن الواضح أنَّ بعض التضعيفات التي مرَّت تضعيفات مُبهمة، والبقية بسبب التشيّع وحبّ علي عليه السلام، ورواية الفضائل.

وكمثال على ذلك ما ذكره الحاكم النيسابوري، بسنده إلى الأصبغ بن نباتة، عن أبي أيوب الأنصاري، قال:


1- تهذيب التهذيب، ج١، ص١١٣.
2- مجمع الزوائد، ج٢، ص٩٩.
3- كنز العمال، ج٨، ص١٧٧.
4- إرواء الغليل، محمد ناصر الدين الألباني، ج٨، ص٢٨٨.

ص:119

سمعت النبي صلّى الله عليه وسلَّم يقول لعلي بن أبي طالب: تُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. . . الحديث.(1)

أضف لكل ما تقدَّم وصف العجلي له بأنَّه تابعي ثقة.

٢- الحارث بن عبدالله الهَمْداني

أبو زهير الخارفي الكوفي، وخارفة بطن من بطون هَمْدان، سكنوا الكوفة، وكان الحارث من المحبّين الموالين لعلي بن أبي طالب عليه السلام، ونقم عليه تشيُّعه لعلي عليه السلام، مع كونه من التابعين المبرَّزين، وهو أحد الخمسة المقدّمين في الرواية عن ابن مسعود - على ما سيأتي - توفي سنة (65ق) ، وهذه أهم الأقوال التي قيلت فيه:

أ- قال محمد بن إسماعيل البخاري:

. . . وقال عياش بن الوليد، حدَّثنا عبد الأعلى، قال: حدَّثنا مرة بن خالد، قال: حدَّثنا محمد بن سيرين قال: كان أصحاب ابن مسعود خمسة، الذين يؤخذ عنهم، أدركت منهم أربعة، وفاتني الحارث ولم أره، وكان يفضَّل عليهم. . . .(2)

ب- قال ابن سعد:

الحارث الأعور ابن عبدالله. . . وكان له قول سوء، وهو ضعيف في روايته. . . أخبرنا الفضل ابن دكين قال: حدَّثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق(3)أنَّه كان يصلّي خلف الحارث الأعور، وكان إمام قومه، وكان يصلّي على جنائزهم. . . .(4)

ج- وقال فيه الذهبي في كتابه:

الحارث. . . شيعي لين. قال النسائي وغيره: ليس بالقوي، وقال ابن أبي داود: كان أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس.(5)


1- المستدرك على الصحيحين، ج٣، ص١4٠.
2- التاريخ الكبير، ج٨، ص٣5.
3- أبو إسحاق السبيعي، عمرو بن عبدالله، قال في حقه الذهبي: «من أئمّة التابعين بالكوفة وأثبتهم إلاّ أنَّه شاخ ونسي ولم يختلط» راجع: ميزان الاعتدال، ج5، ص٣٢6.
4- الطبقات الكبرى، ج6، ص١6٨.
5- الكاشف، ج١، ص٣٠٣.

ص:120

د- قال أبو حاتم البستي:

«الحارث بن عبدالله. . . كان غالياً في التشيّع واهياً في الحديث، قال الشعبي: حدَّثنا الحارث، وأشهد أنَّه أحد الكذّابين» .(1)

ولم يفسّر الشعبي كيف شهد على الحارث بالكذب، وسيأتي لاحقاً بطلان هذه الدعوى.

ونقل لنا ابن سعد هذه المفارقة العجيبة عن الشعبي، في الحارث الهمداني، بقوله:

أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدَّثنا شريك عن جابر عن عامر [أي: الشعبي] قال: رأيت الحسن والحسين يسألان الحارث الأعور عن حديث علي وقد روى جرير عن مغيرة عن الشعبي، قال حدَّثني الحارث الأعور، وكان كذوباً.(2)

فهل يعقل أنَّ سيدي شباب أهل الجنة، ومَن أعلم الناس بالناس، يسألان كذوباً في أمرٍ خطيرٍ، ألا وهو حديث علي عليه السلام؟ !

ه- ولقد أبان لنا الحافظ ابن حجر بعض الخيوط الغامضة التي لابد للمحقِّق من الوقوف عليها، ليعرف سر اتّهامهم لهذا الرجل تارة بالكذب، وتارة بالضعف، قال:

. . . وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال في موضع آخر: ليس به بأس. . . وقال أشعث بن سوار عن ابن سيرين: أدركتُ الكوفة وهم يقدِّمون خمسة، مَن بدأ بالحارث ثنَّى بعبيدة، ومَن بدأ بعبيدة ثنَّى بالحارث.

. . . وقال ابن عبد البر في كتاب (العلم) ، لمّا حكى عن إبراهيم [أي: الشعبي] أنَّه كذّبَ الحارث: أظنُّ الشعبي عُوقب بقوله في الحارث كذَّاب، ولم يَبِن من الحارث كذبه، وإنَّما نقم عليه إفراطه في حبّ علي.

وقال بن سعد: كان له قول سوء، وهو ضعيف في رأيه.

وقال ابن شاهين في الثقات: قال أحمد بن صالح المصري: الحارث الأعور ثقة، ما أحفظه! وما أحسن ما روى عن علي. . . !


1- المجروحين، أبوحاتم محمد بن حبان البستي، ج١، ص٢٢٢.
2- الطبقات الكبرى، ج6، ص١6٨.

ص:121

وقرأت بخط الذهبي في الميزان: والنسائي مع تعنّته في الرجال، قد احتجّ به، والجمهور على توهينه، مع روايتهم لحديثه في الأبواب، وهذا الشعبي يكذّبه ثُمَّ يروي عنه. . . .(1)

أمَّا عملاً، فقد ضعّفه الكثير من الفقهاء وأصحاب السنن في مجامعهم الفقهية والحديثية، ولم يحتجّوا به إذا انفرد في نقل الحديث؛ قال البيقهي:

أخبرنا أبو سعيد ابن أبي عمرو. . . قال الشافعي: حدَّثنا سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي: أنَّ النبي (ص) قضى بالدين قبل الوصية. قال الشيخ: امتناع أهل الحديث عن إثبات هذا لتفرّد الحارث الأعور [يعني الهمداني، ولُقّبَ بالأعور] بروايته عن علي، والحارث لا يُحتجّ بخبره لطعن الحفاظ فيه.(2)

كما ضعّفه مسلم، صاحب الصحيح، في مقدّمته على الصحيح(3)، وضعّفه الهيثمي في حديث المصوّر، قائلاً: «وفيه الحارث، وهو ضعيف»(4)، كما ضعفه النووي قائلاً: «. . . وأمّا الحارث بن عبدالله. . . . متَّفق على ضعفه» . (5)وغيرهم كثيرون ممَّن ضعَّفوا الرجل، بل واتَّهموه بالكذب؛ استناداً لقول الشعبي فيه.

فتحصّل ممَّا مضى أنَّ الحارث الهمداني كان تابعياً عالماً فقيهاً، وقد أدرك ابن سيرين أهل الكوفة وهم يقدِّمونه، أو يثنُّون به بعد عبيدة، وتأسَّف ابن سيرين لعدم اللقاء به، وكان من أفقه الناس وأعلمهم بالفرائض والحساب، وأنَّ الشعبي رماه بالكذب بلا دليل، بل اتَّهمه بذلك لمجرَّد حبّه لعلي عليه السلام، كما وثَّقه غير واحد من أهل الجرح والتعديل، بل إنَّ الشعبي لم يجد بُدّاً من الرواية عنه، مع أنَّه رماه بالكذب! ! ولكنَّ كثيراً من الفقهاء والمحدّثين تركوا حديثه، أو تركوا الاحتجاج بحديثه إذا تفرَّد به.


1- تهذيب التهذيب، ج٢، ص١٢6.
2- سنن البيهقي الكبرى، أحمد بن الحسين البيهقي، ج6، ص٢6٧.
3- صحيح مسلم، ج١، ص١٩.
4- مجمع الزوائد، ج١، ص١٨١.
5- شرح النووي على صحيح مسلم، ج١، ص٨٩.

ص:122

٣- ثعلبة بن يزيد الحمّاني

وهو كوفي من بني تميم، وكان أيضاً على شرطة أمير المؤمنين علي عليه السلام، وهو الذي روى أنَّه سمع علي عليه السلام يقول: «أشهد أنَّه كان يُسِرُّ إلى النبي (ص) لتخضبنّ هذه من هذه - يعني لحيته من رأسه - فما يحبس أشقاها» .(1)

وهذا الخبر مشهور، تابعه عليه غيره، قال الذهبي:

. . . وقال شريك عن عثمان بن أبي زرعة، عن زيد بن وهب، قال: قدم على علي قوم من البصرة من الخوارج، فقال منهم الجعد بن نعجة: اتَّقِ الله يا علي، فإنَّك ميت. فقال علي: بل مقتول؛ ضربة على هذه تخضب هذه، عهدٌ معهود وقضاء مقضي، وقد خاب مَن افترى. . . . (2)

ويكفي بالحديث صدقاً وقوعه إذا كان من الإخبارات المستقبلية.

وهذه نبذاً ممّا قيل في الرجل:

أ- محمد بن إسماعيل البخاري: «

ثعلبة بن يزيد الحماني: سمع علياً. . . يعدّ في الكوفييّن، فيه نظر. . . قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: إنَّ الاُمّة ستغدر بك. ولا يُتابَع عليه» .(3)

ب- وثَّقه ابن حبان أبو حاتم البستي؛ إذ ترجم له قائلاً:

«ثعلبة بن يزيد. . . الكوفي، يروي عن علي، روى عنه حبيب ابن أبي ثابت»(4)، وقد قال في مقدمة كتابه: «ولا أذكر في هذا الكتاب الأوّل إلاّ الثقات، الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم. . .» .(5)

ايضاً قال:

«ثعلبة بن يزيد الحماني، من أهل الكوفة. . . كان غالياً في التشيّع، لا يحتجّ بأخباره التي يتفرّد بها عن علي» . (6)


1- تاريخ الإسلام، ج٣، ص64٧.
2- المصدر نفسه.
3- التاريخ الكبير، ج٢، ص١٧4.
4- الثقات، ج4، ص٩٨.
5- المصدر نفسه، ص١١.
6- المجروحين، ج١، ص٢٠٧.

ص:123

فالذي يبدو أنَّ لابن حبان رأيين في ثعلبة، في موضعين من كتابيه.

ج- أمّا ابن الجوزي، فقد ضعّفه، قائلاً:

«ثعلبة بن يزيد. . . سمع من علي عليه السلام، وكان من شرطته، قال ابن حبان: كان غالياً في التشيّع. . .» .(1)

د- قال الذهبي:

ثعلبة بن يزيد الحمّاني، صاحب شرطة علي، شيعي غالٍ، قال البخاري: في حديثه نظر، روى: قال النبي لعلي: إنَّ الاُمّة ستغدر بك. وعنه حبيب بن أبي ثابت. لا يتابع عليه، وقال النسائي: ثقة، وقال ابن عدي: لم أرَ له حديثاً منكراً.(2)

والغريب أنَّ هذا الحديث الذي قيل إنَّ ثعلبة لا يُتابع عليه، له طرق كثيرة، أخرج منها الحاكم النيسابوري طريقين، وصف الذهبي - نفسه - أحدهما بالصحة، قال الحاكم النيسابوري:

حدَّثنا أبو حفص عمر بن أحمد الجمحي. . . عن أبي إدريس الأودي، عن علي، قال: إنَّ ممّا عهد إلى النبي (ص) أنَّ الاُمّة ستغدر بي بعده. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي في ذلك.(3)

ويبدو أنَّ الرجل قليل الحديث(4)4، وذكره الهيثمي قائلاً: فيه ضعف عند مروره بحديث رواه ثعلبة عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، حيث قال:

. . . وعن علي قال: قال رسول الله (ص) : لا صفر ولا هامة ولا يُعدي سقيم صحيحاً. رواه أبو يعلى، وفيه ثعلبة بن يزيد الحماني، وثقَّه النسائي، وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات. . . .(5)

فيُعرف ممّا مرَّ أنَّ الرجل رُمي بالتشيع، بل بغلوّ التشيّع؛ لأنَّه كان من الموالين


1- الضعفاء والمتروكين، ج١، ص١6١.
2- ميزان الاعتدال، ج٢، ص٩٣.
3- المستدرك بحاشية الذهبي ، ج٣، ص١4٠.
4- كما ذكر ذلك ابن سعد في طبقاته، ج6، ص٢٣٧.
5- مجمع الزوائد، ج5، ص١٠١.

ص:124

لأميرالمؤمنين علي عليه السلام، ومن المخلصين من أصحابه، وليس له أحاديث منكرة كما قال ابن عدي، وهو ثقة على رأي النسائي - المتشدّد في التوثيق - وعلى أحد قولي البستي.

4- أحمد بن الأزهر ابن منيع

أبو الأزهر العبدي النيسابوري، وكان من أعمدة الحديث في نيسابور - على ما سيأتي في بعض الأقوال فيه - لكنّه ضعِّف لحديث رواه في فضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام - توفي سنة (٢6١ه) ، وهذه أهم الأقوال فيه.

أ- قال صفي الدين الخزرجي الأنصاري:

أحمدبن الأزهر بن منيع العبدي، أبو الأزهر النيسابوري الحافظ، عن عبدالله بن نمير. . . قال أبو حاتم وصالح جزرة: صدوق، وقال النسائي: لا بأس به، ونقم عليه حديثه عن عبد الرزاق في فضائل علي، لكنّه توبع عليه.(1)

وسيأتي في تراجمه اللاحقة ذكر نص الحديث الذي رواه عن عبد الرزاق.

ب- قال المزي:

«. . . وقال ابن سيار المروزي في ذكر مشايخ نيسابور: وأحمد بن الأزهر من مواليهم، كتب عن الناس، حسن الحديث» (2)

ج- قال شمس الدين الذهبي:

«أحمد بن الأزهر: ثقة» .(3)

د- لكن مع ذلك فقد ضعَّفه ابن معين، كما نقل ابن مندة، قال:

«. . . وأبو الأزهر أحمد ابن الأزهر العبدي، كنّاه مسلم، قال يحيى بن معين: هو ضعيف» .(4)

ه- وينقل لنا الحافظ ابن حجر العسقلاني علّة تضعيف يحيى بن معن لأبي الأزهر، والموقف الذي حدث بينهما بمحضر جماعة من أهل الحديث. قال العسقلاني في ذلك:

أحمد بن الأزهر. . وقال أحمد بن يحيى بن زهير التستري؛ لمَّا حدث أبو الأزهر بحديث عبد الرزاق (5)في الفضائل؛ يعني عن معمر عن الزهري عن عبيدالله عن ابن


1- خلاصة تذهيب تهذيب الكمال، صفي الدين أحمد بن عبدالله الخزرجي الأنصاري، ج١، ص٣.
2- تهذيب الكمال، ج١، ص٢5٨.
3- المعين في طبقات المحدثين، محمد بن أحمد الذهبي، ج١، ص٩4.
4- فتح الباب في الكنى والألقاب، محمد بن إسحاق بن مندة الأصبهاني، ج١، ص44.
5- وهو عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني، من شيوخ البخاري، توفي سنة ٢١١ه- ، له كتب عديدة منها: السنن في الفقه، المغازي، تفسير القرآن، الجامع الكبير في الحديث. . . الخ.

ص:125

عباس قال: نظر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى علي، فقال: أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة. . . الحديث [وهذه هي تكملة الحديث: ومَن أحبّك فقد أحبَّني، وحبيبي حبيب الله، وعدوّك عدوّي، وعدوّي عدوّ الله، والويل لمَن أبغضك من بعدي(1)] أخبر بذلك يحيى بن معين، فبينما هو عنده في جماعة من أهل الحديث، إذ قال يحيى: مَن هذا الكذاب النيسابوري الذي يحدِّث عن عبد الرزاق بهذا الحديث؟ فقام أبو الأزهر فقال: هو ذا أنا. فتبسَّم يحيى فقال: أمّا أنّك لست بكذاب، وتعجّب من سلامته [أي من سلامة الحديث] وقال: الذنب لغيرك في هذا الحديث.

. . . قال ابن عدي: أبو الأزهر بصورة أهل الصدق عند الناس، وأمّا هذا الحديث، فعبدالرزاق من أهل الصدق، وهو ينسب إلى التشيّع، فلعلَّه شبّه عليه.(2)

وقد حاول بعض المحدِّثين بذل جهدهم لإبطال هذا الحديث، فكانت محاولة تضعيف (أبو الأزهر) أحمد بن الأزهر وتكذيبه من قبل يحيى بن معين هي المحاولة الاُولى.

وهناك محاولة ثانية نقلها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وهي أنَّ بعضهم ادَّعى أنَّ (معمر) ، وهو مَن نقل الحديث عن الزهري؛ إذ إنَّ سند الحديث هو: أبو الأزهر، عن عبد الرزاق (الصنعاني شيخ البخاري) ، عن معمر (وهو أبو عروة معمر بن راشد الأزدي، أحد الأعلام وعالم اليمن) ، عن الزهري، (وهو من أشهر التابعين) بن عبيد الله عن عبدالله، عن ابن عباس.

فادَّعوا أنَّ (معمر) كان له ابن أخٍ رافضي يدسُّ الأحاديث في كتب عمّه (معمر) ، قال الخطيب:

قال أبو نعيم: وسمعت أبا أحمد الحافظ يقول: سمعت أبا حامد الشرقي وسئل عن حديث أبي الأزهر عن عبد الرزاق عن معمر في فضائل عليٍ، فقال أبو حامد: هذا حديث باطل، والسبب فيه أنَّ معمراً كان له ابن أخٍ رافضي. . . .(3)


1- تكملة الحديث أخرجناها من تهذيب الكمال، ج١، ص٢5٩.
2- تهذيب التهذيب، ج١، ص١٠.
3- تاريخ بغداد، ج4، ص4٢.

ص:126

وساق القصة.

كل ذلك لأنَّ في الحديث فضيلة لأمير المؤمنين علي عليه السلام! !

كما أنَّ حادثة أبي الأزهر مع يحيى بن معين، حادثة ذات دلالات عميقة، ومغازٍ لمَن تأمّل فيها. ولسائلٍ أن يسأل ابن معين: لماذا كذّبت الحديث واتَّهمت راويه بالكذب؟ فماذا يا ترى سيكون جوابه؟ !

وعلى أيّ حال، فالواضح أنْ ليس هناك من مغمز على أبي الأزهر سوى تشيعه، وروايته لهذا الحديث، فالرجل كان من بنادرة الحديث - على ما وصفه أبو حامد بن الشرقي - كما ورد عن السيوطي، قال:

أبو الأزهر. . . قال أبو حامد ابن الشرقي: قيل لي: لِمَ لا ترحل إلى العراق؟ فقلت: وما أصنع في العراق وعندنا من بنادرة (1)(2)الحديث ثلاثة: محمد بن يحيى الذهلي، وأبو الأزهر، وأحمد بن يوسف السلمي.(3)

5- الحسن بن صالح بن حي

أبو عبدالله الهمداني الكوفي، فقيه الكوفة وعابدها(4)، ولد سنة مائة للهجرة، وهو توأم أخيه علي بن صالح، فكانا واُمّهما يقومون الليل كلّه على الثلث، ويقرأ كل منهم ثُلث القرآن، فلمّا ماتت اُمّهما جعلاه بينهما مناصفة، ثُمَّ مات علي، فكان الحسن يقوم الليل كلّه.(5)زوَّج الحسن ابنته إلى عيسى بن زيد بن علي [بن الحسين بن علي بن أبي طالب]، واستخفيا معاً في مكان واحد هرباً من المهدي العباسي، وكان يطلبهما، فلم يقدر عليهما.(6)


1- بنادرة: جمع بندر، وهم: تجار يلزمون المعادن، دخيل، أو هم الذين يخزنون البضائع للغلاء، . . . وبندار: أحد أئمّة السنة، ولذلك لقب بنداراً؛ لأنّه جمع حديث مالك. . . وبندار معناه الحافظ، ذكره الزبيدي في تاج العروس، ج6، ص١١5.
2- بنادرة: جمع بندر، وهم: تجار يلزمون المعادن، دخيل، أو هم الذين يخزنون البضائع للغلاء، . . . وبندار: أحد أئمّة السنة، ولذلك لقب بنداراً؛ لأنّه جمع حديث مالك. . . وبندار معناه الحافظ، ذكره الزبيدي في تاج العروس، ج6، ص١١5.
3- طبقات الحافظ، عبد الرحمن بن أبي بكر، ج١، ص٢44.
4- العبر في خبر مَن غبر، محمد بن أحمد الذهبي، ج١، ص٢4٩.
5- تاريخ الملوك والأمم، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، ج٨، ص٣١٣.
6- المعارف، ابن قتيبة، ج١، ص5٠٩.

ص:127

ونحن إنمَّا قدَّمنا هذهِ المقدمة؛ لعلاقتها بالأقوال التي سنوردها في حق هذا الرجل؛ إذ إنَّ واحدة من الأمور التي عيبت عليه هو عدم حضوره الجمعة، فمَن كان هذا حاله، هل يستطيع أن يحضر جمعةً أو جماعة؟ ! وسيأتي تصريح بجواب ما عيب عليه في ما يلي:

أ- قال الذهبي:

الحسن بن صالح بن حي، الفقيه، وثَّقه ابن معين وغيره، وتكلَّم فيه لتشيّعه، وقال ابن عدي: لم أرَ له حديثاً منكراً يتجاوز المقدار، وكان يترك الجمعة.(1)

ب- وقال الذهبي أيضاً:

الحسن بن صالح بن حي. . . فيه بدعة تشيّع قليل، وكان يترك الجمعة. . . وقال عبدالله بن أحمد عن أبيه: هو أثبت من شريك. . . وقال النسائي: ثقة، وقال ابن المثنى: ما سمعت يحيى ولا ابن مهدي يُحدِّثان عن ابن حي بشيء قط.(2)

وهذه أحد نتائج التضعيف.

ج- أمّا الحافظ ابن حجر، فقد قال في ترجمته للحسن بن صالح:

الحسن بن صالح بن حي. . . روى عن أبيه وأبي إسحاق وعمرو بن دينار وعاصم الأحول وعبدالله بن محمد بن عقيل و. . . قال يحيى بن قطان: كان الثوري سيّئ فيه، وقال أبو نعيم: دخل الثوري يوم الجمعة فإذا الحسن بن صالح يصلّي، فقال: نعوذ بالله من خشوع النفاق، وأخذ نعليه فتحوّل، وقال أيضاً: ذاك رجل يرى السيف على الاُمّة. وقال خلاد بن زيد الجعفي: جاءني الثوري إلى هاهنا فقال: الحسن بن صالح، مع ما سمع من العلم وفقه يترك الجمعة. . . ؟ ! وقال أبو معمر الهذلي: كنا عند وكيع، فكان إذا حدَّث عن الحسن بن صالح لم نكتب، فقال: مالكم؟ ! فقال له أخي بيده هكذا؛ يعني أنَّه كان يرى السيف فسكت. . . .


1- المغني في الضعفاء، ج١، ص١6٠.
2- ميزان الاعتدال، ج٢، ص٢45.

ص:128

وقال أحمد: الحسن ثقة، وأخوه ثقة، وقال علي بن صالح الهسنجاني عن أحمد: الحسن بن صالح صحيح الرواية، متفقّه صائن لنفسه، وقال يحيى بن معين: ثقة مأمون. . . قال أبو نعيم: حدَّثنا الحسن بن صالح، وما كان دون الثوري في الورع والفقه، وقال ابن نمير: كان أبو نعيم يقول: ما رأيت أحداً إلاّ وقد غلط في شيء، غير الحسن بن صالح، وقال أبو نعيم: كتبت عن ثمامأئة محدِّث، فما رأيت أفضل من الحسن بن صالح، وقال أبو نعيم: مات سنة (١6٩ه) .

. . . وقولهم [والكلام لابن حجر] كان يرى السيف: يعني كان يرى الخروج بالسيف على أئمّة الجور، وهذا مذهب للسلف قديم، لكن استقرَّ الأمر على ترك ذلك. . . وبمثل هذا الرأي لا يُقدح في رجل قد ثبتت عدالته، واشتهر بالحفظ والإتقان والورع التام، والحسن مع ذلك لم يخرج على أحد.

وأمّا ترك الجمعة، ففي جملة رأيه ذلك أن لا يصلِّي خلف فاسق، ولا يصحِّح ولاية الإمام الفاسق؛ فهذا ما يُعتذَر به عن الحسن، وإن كان الصواب خلافه، فهو إمام مجتهد. . . .

وقال العجلي: كان حسن الفقه من أسنان الثوري، ثقة ثبتاً متعبّداً، وكان يتشيّع، إلاّ أنَّ ابن المبارك كان يحمل عليه بعض الحمل لمحال التشيّع.

وقال ابن حبان: كان الحسن بن صالح فقيهاً ورعاً، من المتقشّفة الخشن، وممَّن تجرَّد للعبادة ورفض الرياسة، على تشيُّع فيه، مات وهو مختفٍّ من القوم.

. . . وقال أبو زرعة الدمشقي. . . وسمعت أبا نعيم يقول: قال ابن المبارك: كان ابن صالح لا يشهد الجمعة، وأنا رأيته شهد الجمعة في أثر جمعة اختفى. . . وهذا ما ذكرناه في أوّل كلامنا عن الرجل، حيث نقلنا إنَّه كان مطلوب للسلطة الحاكمة آنذاك، ومات وهو مختفٍ من القوم].

وقال الساجي: الحسن بن صالح صدوق، وكان يتشيَّع.(1)


1- تهذيب التهذيب، ج٢، ص٢4٨.

ص:129

د- قال الصفدي:

«. . . قال أبو زرعة: اجتمع في الحسن بن صالح إتقان وفقه وعبادة وزهد، وكان وكيع يعظّمه ويشبّهه بسعيد بن جبير. . .» .(1)

فواضح ممّا تقدَّم أنَّ الرجل كان من أوعية العلم والعبادة، والزهد والورع. لكن حاول البعض أن يرميه بالتشيُّع تارة، وبترك الجمعة اُخرى، وبرأيه في جواز الخروج على الحُكّام الظَلَمَة ثالثة، وقد ردَّ الحافظ ابن حجر العسقلاني على ترك الجمع، وهناك سببٌ آخر لذلك، وهو الخوف من الوقوع بيد السلطة الحاكمة آنذاك، وكذا ردَّ الحافظ مسألة الخروج على الظلمة.

أمّا التشيُّع، فقد تقدَّم الكلام فيه، ولا نعيد.

أخرج ابن عدي، عن الحسن بن صالح، عن أبي ربيعة عن الحسن عن أنس، قال: «قال النبي صلّى الله عليه وسلَّم: اشتاقت الجنّة إلى ثلاثة: علي وعمار وبلال» .(2)

ومن نتائج تضعيف هذا الرجل ما ذكره ابن حجر، بقوله: «الحسن بن صالح بن حي: أحد الأئمّة، تُكلِّم فيه للتشيّع، وماله في البخاري سوى حكاية معلّقة» .(3)

6- حمران بن أعين

الكوفي، مولى بني شيبان، وآل أعين من الاُسر المعروفة في الكوفة، المشهورة بطلب العلم والحديث، ومنهم حمران هذا، وزرارة، وعبد الملك، وحمزة بن حمران، وعبيد بن زرارة، كلّهم من الرواة، ذكرهم أبو غالب الزراري (4) وهو من آل أعين أيضاً:

أمّا بعد، فإنّا أهل بيت أكرمنا الله عزَّوجل بمنّه علينا بدينه، واختصّنا بصحبة أوليائه وحُججه على خلقه، من أوّل نشأتنا إلى وقت الفتنة التي امتحنت بها الشيعة، فلقي عمّنا حمران، سيّدنا وسيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام، وكان حمران من أكبر مشايخ الشيعة


1- الوافي بالوفيات، ج١٢، ص٣٩.
2- الكامل في ضعفاء الرجال، ج٢، ص٣١5.
3- مقدمة فتح الباري، ج١، ص456.
4- هو أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين الشيباني، وكان من أفاضل الثقات والمحدّثين، وشيخ علماء عصره وأستاذهم، وبقية آل أعين. يراجع: الشيخ عباس القمي، الكنى والألقاب، ج١، ص١٢٩.

ص:130

المفضّلين، الذين لا يشكّ فيهم، فكان أحد حملة القرآن، ومن يعد ويذكر اسمه في كتب القرآن. . . ولقي حمران عمّنا، وجدّنا زرارة، وبكير، أباجعفر محمد بن علي عليه السلام، ولقي بعض إخوتهم، وجماعة من أولادهم، مثل حمزة بن حمران، وعبيد بن زرارة، ومحمد بن حمران، وغيرهم؛ أباعبدالله جعفر بن محمد عليه السلام، وروَوا عنه. . . .(1)

وسيأتي في ترجمته أنَّه شيخ حمزة الزيات، الذي تنسب إليه أحد القراءات السبع المشهورة للقرآن. وهو مع ذلك لم يسلم من الطعن والرمي بالتشيّع والرفض، والتضعيف بسبب ذلك. وهذه أهم الأقوال فيه:

أ- ذكره البستي قائلاً:

«حمران بن أعين، أخو عبد الملك بن أعين، يروي عن أبي الطفيل. . . >. (2)

ب- قال ابن الجوزي:

«حمران بن أعين. . . يروي عن أبي الطفيل، قال يحيى: ضعيف، وقال مرة: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة» .(3)

ج- أمَّا الذهبي، فقد قال:

«حمران بن أعين. . . وقرأ عليه حمزة، وكان يُتقن القرآن، قال ابن معين: ليس بشيء، قال أبو داود: رافضي. . .» .(4)

د- قال العسقلاني:

«حمران بن أعين. . . ضعيف رُمي بالرفض. . .» .(5)

ه- قال المزي:

حمران بن أعين. . . قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن حمران بن أعين، فقال: كان رافضياً. وقال هارون بن حاتم عن الكسائي: قلت لحمزة: على مَن قرأت؟ قال: قرأت على ابن أبي ليلى وحمران بن أعين، قلت: فحمران على مَن قرأ؟ قال: على عبيد بن نضيلة الخزاعي، وقرأ عبيد على علقمة، وقرأ علقمة على عبدالله، وقرأ عبدالله على النبي (ص) .(6)


1- رسالة في آل أعين، أحمد بن محمد أبو غالب الزراري، ص٢.
2- الثقات، ج4، ص١٧٩.
3- الضعفاء والمتروكين، ج١، ص٢٣6.
4- ميزان الاعتدال، ج٢، ص٢٧6.
5- تقريب التهذيب، ج١، ص١٧٩.
6- تهذيب الكمال، ج٧، ص٣٠٧.

ص:131

و- وضعَّفه ابن معين، هو وأخوه عبد الملك، قائلاً:

«حمران بن أعين، وعبد الملك بن أعين، ليسا بشيء. . .»(1)

ز- ذكره العقيلي في ضعفائه، بقوله:

حمران. . . حدَّثنا محمد بن عيسى، قال: حدَّثنا. . . قال: سمعت سفيان يقول: كانوا ثلاثة إخوة، عبد الملك بن أعين، وحمران بن أعين، وزرارة بن أعين، وكانوا شيعة، وكان أشدّهم في هذا الأمر حمران بن أعين. . . .(2)

ح- وقال الذهبي أيضاً:

حمران بن أعين الكوفي المقرئ: قرأ القرآن على الكبار، أبي الأسود ظالم بن عمرو [وهو أبو الأسود الدؤلي]، وقيل بل قرأه على ولده أبي حرب بن أبي الأسود، وعلى عبيد بن نضيلة، وأبي جعفر الباقر، وحدَّث عن أبي الطفيل وغير واحد، وعنه أبو خالد القماط، وحمزة بن حبيب الزيات، وقرأ عليه، وسفيان الثوري وغيرهم.

سُئل أبو داود عنه، فقال: كان رافضياً، وقال أبو حاتم: شيخ. . . .(3)

٧- سعّاد بن سليمان الجعفي

وقيل التميمي، وقيل الكاهلي الكوفي، روى عن أبي إسحاق السبيعي، وعون بن أبي جحيفة، وزياد بن علاقة، وجابر الجعفي وغيرهم، وروى عنه كثير، منهم علي بن ثابت الدهان و. . . وقيل إنَّ اسمه (سعاد بن عبد الرحمن) ، و (سعَّاد) بفتح السين وتشديد العين. وهذه أهمّ الأقوال فيه:

أ- قال الذهبي:

«سعّاد بن عبد الرحمن، وقيل ابن سليمان، عن عون بن أبي جحيفة، قال أبوحاتم: شيعي ليس بقوي» . (4)

ب - ذكره البستي أبو حاتم، وهذا يعني توثيقاً له، قال:

«سعاد بن سليمان التميمي، يروي عن زياد بن علاقة. . .» .(5)


1- تاريخ ابن معين رواية الدوري ، ج٣، ص٣٣٧.
2- ضعفاء العقيلي، ج١، ص٢٨6.
3- تاريخ الإسلام، ج٧، ص٣4٩.
4- المغني في الضعفاء، ج١، ص٢5٣.
5- الثقات، ج6، ص4٣5.

ص:132

ج - وقال المزي:

«سعاد بن. . . روى عن ثابت بن أبي صفية، أبي حمزة الثمالي. . . قال أبوحاتم: كان من عُتَّق الشيعة، وليس بقوي الحديث، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات»(1)

د - وقال ابن حجر:

«سعاد بن سليمان الجعفي. . . قال أبو حاتم: كان من عتق الشيعة. . . روى له ابن ماجة حديثاً واحداً: خير الدواء القرآن»(2)

وهذا الرجل روى أحاديث في فضل علي وأهل البيت عليهم السلام، منها حديث الثقلين المستفيض، أخرجه البزار، قال:

حدَّثنا الحسين بن علي بن جعفر، قال: حدَّثنا علي بن ثابت، قال: حدَّثنا سَعّاد بن سليمان، عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي، قال: قال رسول الله (ص) : إنِّي مقبوض وإنِّي قد تركت فيكم الثقلين، كتاب الله وأهل بيتي، وإنَّكم لن تضلّوا بعدهما، وأنّه لن تقوم الساعة حتى يبتغي أصحاب رسول الله (ص) كما تبتغي الضالة فلا توجد. (3)

وروى أيضاً حديث إرسال علي عليه السلام وخالد بن الوليد إلى اليمن، وتأمير علي عليه السلام على الناس، وإصابته جارية من السبي، واعتراض خالد ومَن معه، وبريدة الأسلمي، ودخول بريدة على النبي (ص) ، وشكايته من علي، فقال له النبي (ص) وهو مغضباً أشدّ الغضب: «يا بريدة، أحب علياً، فإنّما يفعل ما يؤمَر به، قال: فقمت وما من الناس أحد أحبُّ إلي منه» .(4)وللحديث طرق كثيرة، روى بعضها علي بن أبي بكر الهيثمي.(5)

٨- عبد السلام بن صالح الهروي

أبو الصلت، سكن نيسابور بعد أن قدم مَرْو غازياً في زمن المأمون العباسي، ورحل في طلب العلم والحديث، وخدم الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، طاف الكوفة والبصرة والحجاز واليمن في طلب الحديث، وسمع المحدّث الشهير حماد بن زيد، وسمع من مالك بن أنس، وأبي معاوية، وسفيان بن عيينة، وقدم بغداد وحدَّث بها،


1- تهذيب الكمال، ج١٠، ص٢٣٧.
2- تهذيب التهذيب، ج٣، ص4٠١.
3- مسند البزار، أحمد بن عمرو البزار، ج٣، ص٨٩.
4- المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ج5، ص١١٧.
5- مجمع الزوائد، ج٩، ص١٢٧.

ص:133

وروى عنه بها عباس الدوري.

اُدخل على المأمون، عندما قدم مرو غازياً، فلمّا سمع كلامه جعله من خاصته، فلم يزل مكرّماً عنده، ثُمَّ أراد المأمون أن يتبنّى رأي جَهم والجهميّة، ويقول بمقالتهم بأنَّ القرآن مخلوق، فجمع المأمون بين أبي الصلت وبين بشر المريسي، وبقية أهل الفرق والأهواء، وكان الظفر لأبي الصلت عليهم.

روى في فضائل علي عليه السلام، ولأجل ذلك رُمي بالتشيّع والرفض، بل الخبث والوضع؛ وهذا بعض ما قيل فيه:

أ- قال ابن عدي:

. . . ولعبد السلام هذا عن عبد الرزاق أحاديث مناكير، في فضائل علي وفاطمة والحسن والحسين، وهو متَّهم في هذه الأحاديث. . . .(1)

ب- أبو حفص الواعظ قال: «. . . وأبو الصلت الهروي ثقة صدوق، إلاّ أنَّه يتشيَّع»(2)

ج- وقال ابن الجوزي:

عبد السلام بن صالح. . . يروي عن علي بن موسى الرضا، وحماد بن زيد، قال أبوحاتم الرازي: لم يكن عندي بصدوق، وضرب أبو زرعة على حديثه، وقال ابن عدي: متَّهم، وقال العقيلي: رافضي خبيث، وقال ابن حبّان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.(3)

د - سبق أن نقلنا قول إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني - في الفصل الثاني في ترجمة نماذج من النواصب - في أبي الصلت الهروي، وقلنا إنَّ أحد تأثيرات النصب أنَّه يجعل صاحبه يتحامل على كل مَن يظهر المحبّة لأمير المؤمنين علي عليه السلام، أو لأحد أهل بيته عليهم السلام، وسنذكِّر القارئ الكريم بتلك العبارة مرّة ثانية؛ لمناسبتها للمحل هنا أيضاً، فقد ورد في ترجمة أبي الصلت الهروي، ما نصّه:


1- الكامل في ضعفاء الرجال، عبدالله بن عدي، ج5، ص٣٣١.
2- تاريخ أسماء الثقات، عمر بن أحمد أبو حفص الواعظ، ج١، ص١56.
3- الضعفاء والمتروكين، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، ج٢، ص١٠6.

ص:134

أبو الصلت الهروي: كان زائغاً عن الحق، مائلاً عن القصد، سمعت مَن حدَّث(1) ١

نعوذ بك اللّهم من هذا الكلام.

وسبق أن بيَّنّا أنّ هذا الجرح مُرسَل؛ إذ لا يُعلم مَن الناقل للجوزجاني، ومَن هو الإمام الذي قال ذلك في أبي الصلت.

د- قال ابن حبان البستي:

عبد السلام بن صالح. . . يروي عن حماد بن زيد وأهل العراق العجائب في فضائل علي وأهل بيته، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. وهو الذي روى عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص) : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمَن أراد المدينة فليأتِ من قِبل الباب.

وهذا شيء لا أصل له، ليس من حديث ابن عباس، ولا مجاهد، ولا الأعمش، ولا أبو معاوية حدَّث به.(2)

وسيأتي لاحقاً طريق آخر لهذا الحديث، عن الأعمش، رواه محمد بن جعفر الفيدي.

ه - أمّا الذهبي، فقد قال:

عبد السلام بن صالح، أبو الصلت الهروي، الرجل الصالح، إلاّ أنَّه شيعي جلد. . . قال أبو حاتم: لم يكن عندي بصدوق، وضرب أبو زرعة على حديثه. . . وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: رافضي خبيث. . . ونُقل عنه أنَّه قال: كلب للعلوية خير من بني اُمية. [ويلاحظ أنَّ هذا القول المنسوب إليه مُرسَل؛ لأنَّه لا يُعلَم ناقله]، وقال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يُوثِّق أبا الصلت، وقال ابن محرز عن يحيى: ليس ممَّن يكذب، وقد ذكره أحمد بن سيّار في تاريخ مرو فقال: قدم مرو غازياً، فلمّا رآه المأمون وسمع كلامه جعله من خاصّته، ولم يزل عنده مكرّماً، إلى أن أظهر المأمون


1- أحوال الرجال، إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ج١، ص٢٠5.
2- المجروحين من المحدّثين والضعفاء والمتروكين، ج٢، ص١5١.

ص:135

كلام جهم، فجمع بينه وبين المريسي، وسأله أن يكلّمه، وكان أبو الصلت يردُّ على المرجئة والجهمية والقدرية، فكلّم بشراً غير مرة بحضرة المأمون، مع غيره من أهل الكلام، فكل ذلك كان الظفر له، وكان يُعرَف بالتشيّع، فناظرته لاستخرج ما عنده، فلم أره يفرط، رأيته يقدّم أبا بكر وعمر، ولا يذكر الصحابة إلاّ بالجميل، وقال لي: هذا مذهبي اُدين الله به. قال ابن سيار: إلاّ أنّ ثمَّ أحاديث يرويها في المثالب.(1)

و- أمَّا ابن حجر العسقلاني، فقد ذكره قائلاً:

عبد السلام بن صالح. . . سكن نيسابور، ورحل في الحديث الى الأمصار، وخدم علي بن موسى الرضا، وروى عن عبد السلام بن حرب وعبدالله بن إدريس، وعباد بن العوام، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، وعلي بن هشام بن البريد، وفضيل بن عياض، وعبدالله ابن المبارك، وخلف بن خليفة، وجرير بن عبد الحميد. . . وعنه ابنه محمد، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، وسهل بن زنجلة، ومحمد بن أبي رافع النيسابوري، والدوري وابن أبي داود و. . . وقال أحمد بن سيار: . . . وقد لقي وجالس الناس، ورحل في الحديث، وكان صاحب قشافة وزهد، ولم أره يُفرط في التشيّع. . . .

وقال القاسم بن عبد الرحمن الأنباري: سألت يحيى بن معين عن حديث حدَّثنا به أبو الصلت، عن معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس، مرفوعاً، «أنا مدينة العلم. . .» . الحديث، فقال: هو صحيح، وقال الخطيب: أراد أنَّه صحيح عن أبي معاوية، إذ قد رواه غير واحد عنه.

. . . وقال الحسن بن علي بن مالك: سألت ابن معين عن أبي الصلت، فقال: ثقة صدوق، إلاّ أنَّه يتشيّع.

وقال ابن الجنيد عن ابن معين: قد سمع، ما أعرفه بالكذب. . . وقال الدوري: سمعت ابن معين يوثِّق أبا الصلت، وقال في حديث: «أنا مدينة العلم. . .» ، قد حدَّث به محمدبن جعفر الفيدي عن أبي معاوية قديماً، ثُمَّ كفَّ عنه.

قال زكريا الساجي: يحدّث مناكير، وهو عندهم ضعيف. . . وقال الجوزجاني: كان مائلاً


1- ميزان الاعتدال، ج4، ص٣4٨.

ص:136

عن الحق.

وقال الدارقطني: وقال لي دعلج: إنَّه سمع أبا سعيد الهروي وقيل له: ما تقول في أبي الصلت؟ قال: نعم، ابن الهضيم ثقة. قال: إنَّما سألتك عن عبد السلام، فقال: نعم، ثقة، ولم يزد على هذا. . . وقال الحاكم: وثَّقه إمام أهل الحديث يحيى بن معين، وقال الآجري عن ابن أبي داود: كان ضابطاً، ورأيت ابن معين عنده، وقال محمد بن طاهر: كذّاب.(1)

ز- قال الحافظ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري:

. . . ووثَّقه عبدالله بن أحمد بن حنبل، بروايته عنه: وذلك يدلّ على أنَّه ثقة عند أبيه أيضاً، فإنَّ عبدالله كان لا يروي إلاّ عمَّن يأمره أبوه بالرواية عنه، ممَّن هو عنده ثقة، كما ذكره الحافظ في غير موضع من كتابه تعجيل المنفعة(2). . . . (3)

فتحصَّل إلى هنا أنَّ مَن اتَّهمه بالكذب فقد أفرط - كما سيأتي من قول ابن حجر - وإنّما عيب عليه تشيّعه وروايته للفضائل، وقد تقدَّم أنَّ التشيُّع لا ينافي العدالة، أمّا رواية الفضائل، فهي كذلك، وخصوصاً إذا روُيت عن طُرق أخرى.

ثُمَّ إنَّ الحافظ ابن حجر العسقلاني، أبان إفراط العقيلي حين وصف أبا الصلت بالكذب، فقال هناك: «عبد السلام بن صالح. . . وأفرط العقيلي فقال: كذاب» .(4)

وأمَّا في المجاميع الحديثية والفقهية، فيكاد يكون العمل على ترك حديثه.

في حديث جهر رسول الله، ببسم الله الرحمن الرحيم في الفرائض، قال العيني:

فإن قلت: رواه الدارقطني عن أبي الصلت. . . . قلتُ: هذا أضعف من الأوّل؛ فإنَّ أباالصلت متروك، وقال أبو حاتم: ليس عندي بصدوق، وقال الدارقطني: رافضي خبيث. . . .(5)

وحكم بوضع حديث (الإيمان عقد بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان) الذي


1- تهذيب التهذيب، ج6، ص٢٨5.
2- قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة ، ج١، ص٢٢5، في ترجمة عبدالله بن صندل ، قال: «. . . فإنَّ عبدالله [يعني ابن أحمد بن حنبل] كان لا يأخذ إلاّ عمَّن يأذن له أبوه في الأخذ عنه» .
3- فتح الملك العلي، ص٨.
4- تقريب التهذيب، ج١، ص٣55.
5- عمدة القاري، بدر الدين محمود العيني، ج5، ص٢٨٧.

ص:137

رواه أبو الصلت عن الإمام علي بن موسى الرضا، قائلاً: «حكم ابن الجوزي بوضعه، وهو من حديث عبد السلام بن صالح عن ابن ماجة» .(1)

وقال المناوي، عند تعرّضه لحديث «ليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلّي، ولكن هو ما وقر بالقلب وصدَّقه العمل» ؛ قال: «حديث مُنكَر، تفرَّد به عبد السلام بن صالح العابد، قال النسائي: متروك، وابن عدي: مُجمَع على ضعفه. . .» .(2)

٩- فطر بن خليفة

الحناط، وقيل الخياط المخزومي، روى عن أبي الطفيل وأبي وائل، وطاووس ومجاهد و. . . وعنه سفيان بن عيينة وسفيان الثوري وأبو أُسامة وعبدالله بن موسى و. . . توفي سنة (١5٣ه) .

أمَّا أهم ما قيل فيه فهو:

أ- قال إسحاق بن يعقوب الجوزجاني وهو من المشهورين بالنصب، تقدَّمت ترجمته في الفصل السابق: «فطر بن خليفة: زائغ غير ثقة» .(3)

ب- وقال العقيلي:

فطر بن خليفة الحناط: كوفي، حدَّثنا أحمد بن علي، حدثنا عمرو بن هشام الحراني، قال: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: ما تركت الرواية عن فطر إلاّ لسوء مذهبه. . . سمعت أحمد بن يونس يقول: كنت أمرُّ بفطر بن خليفة بالكناسة في أصحاب الطعام، وكان أعرج، وكان يبكر عن أصحاب الطعام، قال فلا أكتب عنه، وكان يتشيّع، فأمرّ وأدعه مثل الكلب. (4)

ج- وقال الذهبي: «فطر بن خليفة: صدوق، وُثِّق، قال الجوزجاني: زائغ غير ثقة، وقال الدارقطني: زائغ لا يحتجّ به، وغمزه ابن المديني. . .» .(5)


1- تذكرة الموضوعات، محمد طاهر الفتني، ص١١.
2- فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبد الرؤوف المناوي، ج5، ص٣56.
3- أحوال الرجال، ج١، ص66.
4- ضعفاء العقيلي، محمد بن عمر بن موسى العقيلي، ج٣، ص464.
5- ذكر مَن تكلّم فيه وهو موثّق، محمد بن أحمد الذهبي، ج١، ص١5١.

ص:138

د- وقال ابن أبي حاتم الرازي:

فطر بن خليفة الخياط، أبو بكر، مولى عمرو بن حريث الكوفي. . . حدَّثنا عبد الرحمن، حدّثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي قال: سألت أبي عن فطر بن خليفة، فقال: ثقة صالح الحديث.

وقال أبي: كان فطر عند يحيى - يعني بن سعيد - ثقة. حدَّثنا أبو بكر بن أبي خيثمة، فيما كتب إليّ، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: فطر بن خليفة ثقة.(1)

ه- قال الذهبي:

فطر بن خليفة. . . أبو بكر الكوفي الحناط. . . وثَّقه أحمد وغيره، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال الدارقطني: لا يحتجّ به، وقال ابن سعد: ثقة إن شاء الله، ومن الناس مَن يستضعفه، وكان لا يدع أحداً يكتب عنده.

وقال أبو بكر بن عياش: ما تركت الرواية عنه الاّ لسوء مذهبه.(2)

ونقل الذهبي، في نفس الموضع من كتابه الآنف، قول عباد الرواجنى، فقال:

. . . قال عباد الرواجني في كتاب المناقب: أخبرنا أبو عبد الرحمن الأهاعي وغيره، عن جعفر الأحمر، سمعت فطر بن خليفة في مرضه يقول: ما يسرّني أنَّ مكان كل شعرة في جسدي ملك يسبِّح الله لحبِّي أهل البيت. (3)

و- وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني:

«فطر بن خليفة. . . صدوق رُمي بالتشيُّع. . .» .(4)

ز- وقال ابن حجر العسقلاني:

«. . . وقال الساجي: وكان يُقدِّم علياً على عثمان. . .» .(5)

أمّا في المجاميع الحديثية أو الفقهية، فهناك اتّجاهان، فمَن لم يسغ له حديث ما، وأراد أن يضعّف ذلك الحديث، ووجد في سنده (فطر بن خليفة) ، فإنَّه حينئذٍ يأتي برأي الجوزجاني فيه، أو رأي أبي بكر بن عياش، كما فعل ابن حزم في كتابه المحلّى في كتاب


1- الجرح والتعديل، ج٧، ص٩٠.
2- ميزان الاعتدال، ج5، ص44١.
3- المصدر النفسه، ص44٢.
4- تقريب التهذيب، ج١، ص44٨.
5- المصدر النفسه، ج٨، ص55٠

ص:139

الهبات منه، في باب: لا يحل لأحدٍ أن يهب أو أن يتصدّق على أحدٍ من ولده، حتى يُعطي أو يتصدَّق على كل واحدٍ منهم بمثل ذلك. . . . قال بعد إيراد روايات على مدّعاه، وأتى برواية معارضة فيها فطر بن خليفة، قال:

«إنَّ مَن عارض رواية كل مَن ذكرنا برواية فطر لَمخذول، وفطر ضعيف» .(1)

وذكر ابن حجر، بعد أن أورد قول الموثّقين لفطر، والمضعّفين له، ما نصه:

لكن ليس له في البخاري سوى حديث واحد، رواه عن مجاهد عن عبدالله بن عمر؛ حديث «ليس الواصل كالمكافئ» ؛ لأنَّ الحديث أخرجه من طريق الثوري، عن الأعمش والحسن بن عمرو وفطر، ثلاثتهم عن مجاهد. (2)

أي أنَّ البخاري أخرج له حديثاً واحداً، مقروناً بغيره، وهذا إمارةٌ على عدم اعتماده عليه.

وذكره مضعّفاً له، ومعتمداً في تضعيفه له - كما ذكرنا آنفاً - على قول الجوزجاني، قال في تخريج حديث الجهر بالبسملة:

رواه الحاكم. . . ثنا فطر بن خليفة، عن أبي الفطيل عن علي وعمار: انَّ النبي (ص) كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم. وقال: صحيح الإسناد، لا أعلم في روايته منسوباً الى الجرح، وتعقَّبه الذهبي في مختصره فقال: هذا خبر واهٍ، كأنَّه موضوع، لأنَّ عبد الرحمن صاحب مناكير. . . قلت [والكلام للزيعلي]: وفطر بن خليفة، قال السعدي [أي الجوزجاني]: غير ثقة، روى له البخاري مقروناً بغيره، والأربعة، وتصحيح الحاكم لا يُعتدّ به، سيما في هذا الموضع، فقد عُرف تساهله في ذلك. . . . (3)

فمن كل ما تقدَّم يظهر أنَّ كثيراً من المحدِّثين تركوه لا لشيء إلاَّ لتشيُّعه، كما هو رأي ابن عياش وأحمد بن يونس والجوزجاني والدارقطني.


1- المحلى، علي بن أحمد بن حزم الظاهري، ج٩، ص١4٨.
2- مقدمة فتح الباري، ج١، ص4٣5.
3- نصب الراية، عبدالله بن يوسف الزيعلي، ج١، ص٣44.

ص:140

١٠- ثوير بن أبي فاختة

أبو الجهم الكوفي، كناه أبو نعيم، يروي عن ابن عمر وابن الزبير، وأبيه، روى عنه سفيان الثوري وإسرائيل، وهو مولى لأُم هاني بنت أبي طالب، أخت أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام، وقيل هو مولى زوجها جعدة بن هبيرة المخزومي، وهذه أهم الأقوال فيه:

أ- قال الذهبي:

ثوير بن أبي فاختة. . . قال يونس بن أبي إسحاق: كان رافضياً، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم وغيره: ضعيف، وقال الدارقطني: متروك، وروى أبو صفوان الثقفي عن الثوري قال: ثوير رُكن من أركان الكذب، وقال البخاري: تركه يحيى وابن مهدي. . . أحمد بن مفضل، حدَّثنا أبو مريم الأنصاري، حدَّثنا ثوير ابن أبي فاختة، عن أبيه، سمع علياً يقول: لا يحبُّني كافر، ولا ولد زنى.(1)

ب- قال ابن حجر العسقلاني:

. . . عبدالله بن أحمد، سُئل أبي عن ثوير بن أبي فاختة، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم، فقال: ما أقرب بعضهم من بعض، وقال يونس بن أبي إسحاق: كان رافضياً، . . . وقال إبراهيم الجوزجاني: ضعيف الحديث، وقال أبو زرعة: ليس بذلك القوي. . . وقال ابن عدي: قد نُسب إلى الرفض، ضعَّفه جماعة، وأثر الضعف على رواياته بيِّن. . . وقال البزار: حدَّث عنه شعبة وإسرائيل وغيرهما، واحتملوا حديثه، كان يُرمى بالرفض.

وقال العجلي: هو وأبوه لا بأس بهما. وفي موضع آخر: ثوير يكتب حديثه وهو ضعيف، وحكى الساجي في الضعفاء عن أيوب السختياني: لم يكن مستقيم الشأن. . . وقال الحاكم في المستدرك:

لم ينقم عليه إلاّ التشيُّع. . . .(2)


1- ميزان الاعتدال، ج٢، ص٩٨.
2- تهذيب التهذيب، ج٢، ص٣٢.

ص:141

وفي المجاميع الحديثة، فإنَّ الأكثر على تضعيفه.

فقد قال ابن حزم، في باب الوقوف بالهدي بعَرَفة، بعد أن أورد حديثاً في طريقه ثوير، قال:

«ثُمَّ إنَّ الحجّاج، وإسرائيل، وثويراً، كلّهم ضعفاء» .(1)

وقال عنه الهيثمي:

«ثوير بن أبي فاختة، وهو مُجمَع على ضعفه» .(2)

وقال عنه العيني، في باب قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (القيامة:٢٢) ، قال:

«. . . ثوير هذا ضعيف جداً، تكلّم فيه جماعة كثيرون» .(3)

فيتحصّل ممّا سبق: أنَّ الأغلب على تضعيفه، وهو ممَّن رُمي بالتشيُّع، وقال الحاكم: لم ينقم عليه إلاّ التشيُّع ووثَّقه العجلي.

خلاصة الفصل الثالث: تألَّف هذا الفصل من مقدّمةٍ ومبحثَين

أمَّا المقدّمة: فقد تعرَّضنا بعد التمهيد إلى تعريف التشيُّع لغةً، ثُمَّ اصطلاحاً، فكان التعريف في أصله مأخوذ من مادّة (شياع) ، وهي بمعنى الحطب الصغير الذي يُشايع الحطب الكبير ويعينه على اتِّقاد النار، ومن هذا المعنى أُخذ معنى المتابعة والمطاوعة والمناصرة، ثُمَّ استعمل في وحدة الرأي والاتّباع فيه، ثُمَّ غلب هذا الاسم على مَن يتولَّى أمير المؤمنين علي عليه السلام وأهل بيته الكرام.

ثُمَّ تعرَّضنا للمعنى الاصطلاحي، ومهَّدنا قبل ذكر المعنى الاصطلاحي بنقل كلمات بعض المتأخرين للفرق والمذاهب، وممَّن اهتمَّ بذكر التراجم، حيث أكَّدوا على أنَّ هناك مجموعة بارزة في صدر الإسلام الأوّل عُرفت بتشيُّعها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ونظرتها له على أنَّه المفضَّل والمقدَّم على بقية المسلمين آنذاك، وأنَّ هذا الأمر كان شائعاً غير مخفي ولا مُستغرَب.


1- المحلّى، ج٧، ص١66.
2- مجمع الزوائد، ج١٠، ص4٠١.
3- عمدة القاري، ج٢5، ص١٢٢.

ص:142

ويؤكّد ذلك أنَّ التشيُّع على رأي مشهور الرجاليين هو حبُّ علي عليه السلام وتقديمه على غيره، من غير حطٍّ من ذوي الفضل من غيره، وليس في ذلك غلوّ، بتصريح الكثير منهم، بل الغلو - كما عند علماء العقائد والملل والنِحل - أنْ تنسب إلى عبدٍ من عبيد الله منصباً إلهياً على نحو الاستقلال.

أمَّا المبحثان اللذان تليا المقدّمة، فقد كانا - على التوالي -:

١- التشيُّع والعدالة.

٢- كيف ضعَّفوا الشيعي.

وتعرَّضنا في المبحث الأوَّل إلى تساؤلٍ مهم، وهو: هل أنَّ التشيُّع فيه ما ينافي العدالة؟ !

أي: هل التشيُّع فيه أمر ما يعدُّ من المفسّقات؟ وأثبتنا أنّ التشيُّع ينسجم تماماً مع ما أمرت به الشريعة؛ لأنَّ حبَّ علي عليه السلام أمرٌ مأمور به بالأوامر العامة - من حبّ أهل الإيمان والسبق إلى الإسلام - ومأمور به بالأوامر الخاصة، عن طريق رواياتٍ كثيرة تُشير إلى فضله، وتأمر بحبّه، وتنهى عن بغضه.

ثُمَّ إنَّ التشيُّع ليس فيه أمرٌ مبتدع طارئٌ على الشريعة، ناتج عن هوى وميول خاصّة؛ لذا فهو بعيد كل البعد عن البدعة والابتداع؛ لأنَّه موافق لأوامر الشريعة، وخارج عن حدود نواهيها.

لذا فإنَّ التشيّع يوافق العدالة تماماً، ولا يتقاطع معها.

وإن قيل: إنَّ هناك إجماعاً على تقديم الشيخين، فالقول بتقديم علي عليه السلام مخالف لهذا الإجماع، ومخالفة الإجماع تُعدّ معصية.

كان الجواب: إنَّ حرمة مخالفة الإجماع مخصوصة بالإجماع القطعي، الذي ليس له مخالف أبداً، أمَّا الإجماع الظني، فيعني وجود مخالف من العلماء، وإن كان نادراً، ولذا فمخالفة الإجماع حينئذٍ لا تعدّ معصية.

هذا كلّه إن قبلنا دعوى الإجماع، وإلاّ ففي أصول ثبوت دعوى الإجماع نظر؛

ص:143

لوجود مخالف من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وكثير من العلماء، فهؤلاء يرون تقديم علي عليه السلام على غيره.

ثُمَّ ذكرنا الجنبة العملية في الأمر، وقلنا إنَّ أغلب مَن رُمي بالغلوّ في التشيّع هم ليسوا كذلك في حقيقة الأمر، بل قيل فيهم ذلك بسبب إظهارهم لحبّهم لأمير المؤمنين علي وأهل بيته عليهم السلام، أو لنيلهم من ظلمة بني أُمية، كما ذكر ذلك الذهبي.

وجئنا بنماذج أثبتنا فيها ما ادَّعيناه، وناقشنا مصطلح الرفض - نظرياً وعملياً - وأثبتنا اضطرابهم في إطلاقه بين مَن أطلقه نظرياً وعملياً.

أمَّا المبحث الثاني، فقد تعرَّضنا فيه إلى منهجين اتَّبعهما علماء الجمهور لتضعيفهم لمَن رموه بالتشيّع، فتارة يضعّفون الشيعي بالتضعيفات العامة، وتارة بالتضعيفات الخاصة لأفراد وآحاد مَن رموهم بالتشيّع.

أمّا التضعيفات العامة، فقد وردت عن طريق قواعد جُعلت كأُسس يُنطلَق منها لتضعيف الشيعي، منها:

١- التضعيف بسبب الاعتقاد: خصوصاً مع كون الراوي داعية لبدعته. فقد طُبِّقت هذه القاعدة على الشيعي مباشرة، وساوَوه مع غيره من أهل الاعتقادات الفاسدة، كالنواصب والخوارج والمرجئة.

٢- التضعيف لقاعدة عدم قبول قول مبتدع في مبتدع: فلو قدح الشيعي في ناصبي لما قبلوه، طبقاً لهذه القاعدة.

٣- التضعيف بسبب رواية فضائل علي عليه السلام: وإن كان التضعيف بسبب رواية الفضائل أعّم من الرمي بالتشيّع؛ إذ قد يضعّفون رواة فضائل علي عليه السلام وإن لم يرموهم بالتشيّع، وقد يرموهم بالتشيّع أوّلاً، ثُمَّ يضعّفونهم؛ والذي يهمّنا في بحثنا الثاني، فقد ضعَّفوا الكثير من الرواة بعد أن رموهم بالتشيّع؛ نتيجة لروايتهم في فضائل علي عليه السلام!

4- الاتّهام والتضعيف للشيعي لقاعدة عدم قبول رواية المبتدع لِما يقوّي بدعته: فإن روى ذلك اتّهم، حتى لو كان صدوقاً ثقة؛ لذا اتَّهموا رواةً ثقات بوضع أحاديث في

ص:144

فضل علي عليه السلام، مع وجود طرق أُخرى لتلك الأحاديث من غير طريق هؤلاء الرواة الذين اتَّهموهم، فلذاك اتَّهموا أبا الصلت الهروي، والحاكم النيسابوري، وأباجعفر محمد بن جرير الطبري.

ثُمَّ تعرَّضنا بصورة مُجمَلة إلى أهمّ ألفاظ الجرح.

ثُمَّ تعرَّضنا إلى التضعيفات الخاصة لأفراد وآحاد مَن رُموا بالتشيُّع، واخترنا في ذلك عشرة نماذج، كما فعلنا في الفصل السابق.

ص:145

فهرس المصادر

* القرآن الكريم

١. أبجد العلوم، صديق بن حسن القنوجي، تحقيق: عبد الجبار زكار، نشر: دارالكتب العلمية، بيروت ١٩٧٨.

٢. أحوال الرجال، إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، تحقيق: صبحي البدري، ط١، نشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ١4٠5ه.

٣. إرشاد الفحول، محمد بن علي الشوكاني، تحقيق: محمد سعيد البدري، ط١، نشر: دارالفكر، بيروت، ١4١٢ه.

4. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، تحقيق: محمّد زهير الشاويش، ط٢، نشر: المكتب الإسلامي، بيروت، سنة ١4٠5 ه-.

5. أساس البلاغة، أبوالقاسم محمد بن عمر الزمخشري، نشر: دار الفكر، بيروت، ١٣٩٩ه.

6. أصول السرخسي، أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي، نشر: دارالمعرفة، بيروت.

٧. الإبهاج في شرح المنهاج، علي بن عبد الكافي السبكي، ط١، نشر: دارالكتب العلمية، بيروت، ١4٠4ه.

٨. الإحكام في أصول الأحكام، أبو الحسن علي بن محمد الآمدي، تحقيق: د. سيد الجميلي، ط١، نشر: دار الكتاب العربي، بيروت، ١4٠4ه.

٩. الإحكام في أصول الأحكام، أبو محمد علي بن أحمد، ابن حزم الأندلسي، ط١، نشر: دارالحديث، القاهرة، ١4٠4ه.

ص:146

١٠. الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، أبوالعباس أحمد بن خالد الناصري، تحقيق: جعفر الناصري ومحمد الناصري، نشر: دار الكتاب، الدار البيضاء، ١4١٨ه.

١١. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبد البر، تحقيق: علي محمد البجاوي، ط١، نشر: دار الجيل، بيروت، ١٣44ه.

١٢. الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، ط١، نشر: دار الجيل، بيروت، ١4١٢ه.

١٣. الإعتصام، أبو إسحاق الشاطبي، نشر: دار المكتبة التجارية الكبرى، مصر.

١4. الأعلام، خير الدين الزركلي، ط5، نشر: دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٨٠م.

١5. الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، تحقيق: علي مهنا وسمير جابر، نشر: دار الفكر، بيروت.

١6. الأنساب، عبد الكريم بن محمد السمعاني، تحقيق: عبدالله عمر البارودي، ط١، نشر: دارالفكر، بيروت، ١٩٩٨م.

١٧. الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث، أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن كثير.

١٨. البدء والتاريخ، المطهر بن طاهر المقدسي، نشر: مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد.

١٩. البداية والنهاية، اسماعيل بن كثير الدمشقي، نشر: مكتبة المعارف، بيروت.

٢٠. البدعة مفهومها وحدودها، مركز الرسالة، ط١، مركز الرسالة، قم، ١4١٨ق.

٢١. التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: السيد هاشم الندوي، نشر: دارالفكر، بيروت.

٢٢. التبيين لأسماء المُدلّسين، إبراهيم بن محمد، سبط ابن العجمي، تحقيق: محمد إبراهيم داود الموصلي، ط١، نشر: مؤسسة الريان للطباعة والنشر، بيروت، ١4١4ه.

٢٣. التعريفات، علي بن محمد علي الجرجاني، تحقيق: إبراهيم الأبياري، ط١، نشر: دار الكتاب العربي، بيروت، ١4٠5ه.

٢4. التنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع، محمد بن أحمد الملطي الشافعي، تحقيق: محمد زاهد الكوثري، نشر: المكتبة الأزهرية للتراث، مصر، ١4١٨ه.

٢5. الثقات، أبو حاتم محمد بن حبان البستي، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد، ط١، نشر: دار الفكر، بيروت، ١٣٩5ه.

٢6. الثقات، محمّد ابن حبان، تحقيق: السيّد شرف الدين أحمد، نشر: دار الفكر، ط١٣٩5 ١ه.

ص:147

٢٧. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، تحقيق: د. محمود الطحان، نشر: مكتبة المعارف، الرياض، ١4٠٣ه.

٢٨. الجرح والتعديل، عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، ط١، نشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٣٧١ه.

٢٩. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، يوسف البحراني، نشر: مؤسسة النشر الاسلامي، قم المقدسة.

٣٠. الرعاية في علم الدراية، زين الدين بن علي الجبعي، الشهيد الثاني، تحقيق: عبدالحسين محمد علي بقال، ط٢، نشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم المقدسة، ١4٠٨ه.

٣١. الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الهندي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط٣، نشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ١4٠٧ه.

٣٢. الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة، أحمد بن محمد بن حجر الهيثمي، تحقيق: عبد الرحمن بن عبدالله التركي وكامل محمد الخراط، ط١، نشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ١4١٧ه.

٣٣. الضعفاء الصغير، محمد بن اسماعيل البخارى، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، ط١، نشر: دار الوعي، حلب، سوريا، سنة١٣٩6ه-.

٣4. الضعفاء الكبير أو ضعفاء العقيلي، محمد بن عمر بن موسى العقيلي، تحقيق: عبدالمعطي أمين قلعجي، ط١، نشر: دار المكتبة العلمية، بيروت، ١4٠٠ه.

٣5. الضعفاء والمتروكين، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، تحقيق: عبدالله القاضي، ط١، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ١4٠6ه.

٣6. الطبقات الكبرى، محمد بن سعد الزهري، ابن سعد، نشر: دار صادر، بيروت.

٣٧. العبر في خبر مَن غبر، شمس الدين محمد بن احمد الذهبى، تحقيق: صلاح الدين المنجد، ط٢، نشر: مطبعة حكومة الكويت، الكويت، ١٩٨4م.

٣٨. العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، عبدالرحمن بن علي بن جوزي، تحقيق: خليل الميس، ط١، نشر: دارالكتب العلمية، بيروت، ١4٠٣ه.

٣٩. الغاية في شرح الهداية في علم الرواية، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق: أبو عائش عبد المنعم إبراهيم، ط١، نشر: مكتبة أولاد الشيخ للتراث، ٢٠٠١م.

ص:148

4٠. الفصل في الملل والأهواء والنحل، علي بن احمد، ابن حزم الظاهرى، نشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر.

4١. الفقيه والمتفقّه، أبو بكر أحمد بن علي، الخطيب البغدادي، تحقيق: أبو عبد الرحمن عادل بن يوسف الغرازي، ط٢، نشر: دار ابن الجوزي، السعودية، ١4٢١ه.

4٢. الكاشف في معرفة مَن له رواية في الكتب الستة، شمس الدين محمد بن احمد الذهبى، تحقيق: محمد عوامة، ط١، نشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، السعودية، ١4١٣ه.

4٣. الكامل في ضعفاء الرجال، عبدالله بن عدي الجرجاني، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، ط٣، نشر: دار الفكر، بيروت، ١4٠٩ه.

44. الكشف الحثيث عمَّن رُمي بوضع الحديث، إبراهيم بن محمد بن العجمي الحلبي، تحقيق: صبحي السامرائي، ط١، نشر: عالم الكتب، بيروت، ١4٠٧ه.

45. الكفاية في علم الرواية، احمد بن علي الخطيب البغدادي، تحقيق: أبوعبدالله السورقي وإبراهيم حمدي المدني، نشر: المكتبة العلمية، المدينة المنورة.

46. الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي، تقديم: محمد هادي الأميني، نشر: مكتبة الصدر، طهران.

4٧. اللباب في تهذيب الأنساب، علي بن أبي الكرم الشيباني الجزري، نشر: دار صادر، بيروت، ١4٠٠ه.

4٨. المجروحين من المحدِّثين والضعفاء والمتروكين، تحقيق: محمد إبراهيم زايد، ط١، نشر: دار الوعي، حلب، سوريا، ١٣٩6ه.

4٩. المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي، تحقيق: د. محمد عجاج الخطيب، ط٣، نشر: دار الفكر، بيروت، ١4٠4ه.

5٠. المحصول في علم الأصول، محمد بن عمر بن الحسين الرازي، تحقيق: طه جابر العلواني، ط٢، نشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، طبع عام ١4١٢ه.

5١. المحلّى، علي بن أحمد بن حزم الظاهري، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، نشر: دار الآفاق الجديدة، بيروت.

5٢. المختصر في علم الأثر، عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسني اليماني، رسالة في المصطلح.

5٣. المستدرك على الصحيحين، أبوعبدالله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت.

ص:149

54. المستصفى في علم الأصول، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: محمد عبدالسلام عبد الشافي، ط١، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ١4١٣ه.

55. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، أحمد بن محمد الفيومي، نشر: المكتبة العلمية، بيروت.

56. المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق عوض الله محمد وعبد المحسن إبراهيم الحسيني، نشر: دار الحرمين، القاهرة، ١4١5ه.

5٧. المعرفة والتاريخ، يعقوب بن سفيان الفسوي، تحقيق: خليل منصور، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ١4١٩ه.

5٨. المعين في طبقات المحدّثين، شمس الدين محمد بن احمد الذهبى، تحقيق: د. همام عبدالرحيم سعيد، ط١، نشر: دار الفرقان، عمان، الأردن، ١4٠4ه.

5٩. المغني في الضعفاء، محمد بن احمد الذهبي، تحقيق: د. نور الدين عتر.

6٠. المقتفى في سرد الكنى، تحقيق: محمد صالح عبد العزيز المراد، ط١، نشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ١4٠٨ه.

6١. الملل والنحل، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، نشر: دار المعرفة، بيروت، ١4٠4ه.

6٢. المنتظم في أخبار الملوك والأمم، عبد الرحمن بن على (ابن جوزى) ط١، نشر: دار صادر، بيروت، ١٣5٨ه.

6٣. المنتقى من منهاج الاعتدال، شمس الدين محمد بن احمد الذهبى، تحقيق: محب الدين الخطيب.

64. المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي، محمد بن إبراهيم بن جماعة، تحقيق: محيي الدين عبد الرحمن رمضان، ط٢، نشر: دارالفكر، دمشق، ١4٠6ه.

65. الموضوعات، عبد الرحمن بن على (ابن جوزى) تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، ط١، نشر: المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ١٣٨6ه.

66. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، جمال الدين أبي المحاسن يوسف، ابن تغري بردي الأتابكي، نشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، مصر.

6٧. النكت على مقدمة ابن الصلاح، بدر الدين محمد بن عبدالله بن بهادر، تحقيق: زين العابدين بن محمد بلافريج، ط١، نشر: دار أضواء السلف، الرياض، ١4١٩ه.

6٨. الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد، أحمد بن محمد البخاري الكلاباذي، المعروف برجال صحيح البخاري، تحقيق: عبدالله الليثي، ط١، نشر: دار المعرفة، بيروت، ١4٠٧ه.

ص:150

6٩. الوافي بالوفيات، صلاح الدين بن اُيبك الصفدي، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، نشر: دار إحياء التراث، بيروت، ١4٢٠ه.

٧٠. اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر، عبد الرؤوف المناوي، تحقيق: المرتضى الزين أحمد، ط١، نشر: مكتبة الرشد، الرياض، ١٩٩٩م.

٧١. بحارالأنوار، محمد باقر المجلسي، تحقيق: محمد باقر البهبودي وعبدالرحيم الرباني الشيرازي، ط٣، دارإحياء التراث العربي، بيروت، ١4٠٣ه.

٧٢. تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تحقيق: علي شيري، نشر: دار الفكر، بيروت، ١4١4ه.

٧٣. تاريخ ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي، ط5، نشر: دارالقلم، بيروت ١٩٨4م.

٧4. تاريخ ابن معين، ابن معين يحيى أبو زكريا، (برواية الدوري) ، تحقيق: د. أحمد محمد نور سيف، ط١، نشر: مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، ١٣٩٩ه.

٧5. تاريخ أسماء الثقات، عمر بن أحمد أبو حفص الواعظ، تحقيق: صبحي السامرائي، ط١، نشر: الدار السلفية، الكويت، ١4٠4ه.

٧6. تاريخ الإسلام، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: عمر عبدالسلام تدمري، ط١، نشر: دارالكتاب العربي، بيروت، ١4٠٧ه.

٧٧. تاريخ بغداد، أبوبكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، نشر: دارالكتب العلمية، بيروت.

٧٨. تاريخ خليفة بن خياط، خليفة بن خياط الليثي العصفري، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، ط٢، نشر: دار القلم ومؤسسة الرسالة، دمشق، بيروت، ١٣٩٧ه.

٧٩. تاريخ مدينة دمشق، علي بن الحسن الشافعي، تحقيق: بشار عواد معروف، ط١، نشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ١4٠٠ه.

٨٠. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، محمد بن عبدالرحمن المباركفوري، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت.

٨١. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، نشر: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض.

ص:151

٨٢. تذكرة الموضوعات، محمد طاهر بن علي الفتني.

٨٣. تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، احمد بن على بن حجر العسقلانى، تحقيق: د. إكرام الله امداد الحق، ط١، نشر: دار الكتاب العربي، بيروت.

٨4. تعليقة على العلل لابن أبي حاتم، محمد بن أحمد المقدسي، تحقيق: سامي محمد جارالله، ط١، نشر: دار أضواء السلف، الرياض، ١4٢٣ق.

٨5. تقريب التهذيب، احمد بن على بن حجر العسقلانى، تحقيق: محمد عوامة، ط١، نشر: دار الرشيد، سوريا، ١4٠6ه.

٨6. تهذيب التهذيب، احمد بن على بن حجر العسقلانى، ط١، نشر: دارالفكر، بيروت، ١4٠4ه.

٨٧. تهذيب الكمال، يوسف بن عبد الرحمن المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، ط١، نشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ١4٠٠ه.

٨٨. تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق: محمد عوض مرعب، ط١، نشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ٢٠٠١م.

٨٩. توجيه النظر إلى أصول الأثر، طاهر الجزائري الدمشقي، تحقيق: عبد الفتاح أبوغدة، ط١، نشر: مكتبه المطبوعات الإسلامية، حلب، ١4١6ه.

٩٠. توحيد الألوهية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق: عبد الرحمن العاصمي النجدي، ط٢، نشر: مكتبة ابن تيمية.

٩١. توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيّم، أحمد إبراهيم بن عيسى، تحقيق: زهير الشاويش، ط٣، نشر: المكتب الإسلامي، بيروت، ١4٠6ه.

٩٢. ثمرات النظر في علم الأثر، محمد بن إسماعيل، الصنعاني، ط١، طبع ونشر: دار العاصمة، الرياض، ١4١٧ه.

٩٣. جامع العلوم والحكم، زين الدين عبد الرحمن الحنبلي، طبعة الهند.

٩4. جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، ط١، نشر: دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٨٧م.

٩5. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحمد بن شعيب، النسائي، تحقيق: أحمد ميرين البلوشي، ط١، نشر: مكتبة المعلا، الكويت، ١4٠6ه.

ص:152

٩6. خلاصة الأقوال، يوسف بن المطهر العلامة الحلي، تحقيق: جواد القيومي، ط١، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، طبع عام ١4١٧ه.

٩٧. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، صفي الدين أحمد بن عبدالله الخزرجي الأنصاري، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط5، نشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية ودارالبشائر، حلب، بيروت، ١4١6ه.

٩٨. رسالة في آل أعين، أحمد بن محمد أبو غالب الزراري، تحقيق: السيد محمد علي الموسوي الأبطحي، طبع: مطبعة رباني، قم، ١٣٩٩ه.

٩٩. سؤالات الآجري لأبي داود، سليمان بن الأشعث، تحقيق: عبد العليم عبدالعظيم البستوي، مؤسسة الريان للطباعة والنشر، لبنان، ط١، ١٩٩٧م.

١٠٠. سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، نشر: مكتبة المعارف، الرياض.

١٠١. سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني، ابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر: دار الفكر، بيروت.

١٠٢. سنن البيهقي الكبرى، أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: محمّد عبد القادر عطا، نشر: مكتبة دار الباز، مكّة المكرمة، ١4١4ه.

١٠٣. سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، نشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.

١٠4. سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن احمد الذهبى، تحقيق: شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، ط٩، نشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ١4١٣ه.

١٠5. شرح المقاصد في علم الكلام، سعد الدين مسعود بن عمر، التفتازاني، ط١، دارالنشر: دار المعارف النعمانية، باكستان، ١4٠١ه.

١٠6. شرح مختصر المنتهى الأصولي لابن الحاجب، عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي القاضي العضد، ط٢، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ١4٠٣ه.

١٠٧. شرح نهج البلاغة، عبد الحميد بن هبة الله بن أبي الحديد، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط١، نشر دار إحياء الكتب العربية، ١٣٧٨ه.

ص:153

١٠٨. صحيح البخاري، محمد بن اسماعيل البخارى، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، ط٣، نشر: دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، ١4٠٧ه.

١٠٩. صحيح مسلم بشرح النووي، يحيى بن شرف النووي، ط٢، نشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٣٩٢ه.

١١٠. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، نشر: دار احياء التراث العربي، بيروت.

١١١. طبقات الحفاظ، عبد الرحمن بن ابى بكر السيوطى، ط١، نشر: دار الكتب العلمية، ١4٠٣ه.

١١٢. طبقات الحنابلة، محمد أبو الحسين بن أبي يعلى، تحقيق: محمد حامد الفقي، نشر دار المعرفة، بيروت.

١١٣. طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي، تحقيق: د. محمود أحمد الطناحي و د. عبد الفتاح محمّد، ط٢، نشر: دار هجر، سنة ١4١٣ه.

١١4. عدّة الأصول، محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: محمد رضا الأنصاري، ط١، طبع: ستاره، قم المقدسة، ١4١٧ه.

١١5. علوم الحديث ومصطلحاته، صبحي الصالح، ط١٧، نشر: دار العلم للملايين، ١٩٨٨م.

١١6. عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين محمود بن أحمد العيني، نشر: داراحياء التراث العربي، بيروت.

١١٧. غريب القرآن، أبو بكر محمد بن عزيز السجستاني، تحقيق: محمد أديب عبد الواحد جمران، نشر: دار قتيبة، ١4١6ه.

١١٨. فتح الباب في الكنى والألقاب، محمد بن إسحاق بن مندة الأصبهاني، تحقيق: أبو قتيبة محمد نظر الفاريابي، ط١، نشر: مكتبة الكوثر، الرياض، السعودية، ١4١٧ه.

١١٩. فتح الباري، احمد بن على بن حجر العسقلانى، شرح صحيح البخاري، تحقيق: محب الدين الخطيب، نشر: دارالمعرفة، بيروت.

١٢٠. فتح المغيث شرح ألفية الحديث، شمس الدين محمد بن عبدالرحمن السخاوى، ط١، نشر: دارالكتب العلمية، بيروت، ١4٠٣ه.

ص:154

١٢١. فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي، أحمد بن محمد بن الصديق، الغماري الحسني، طبع: المطبعة الإسلامية في الأزهر، مصر.

١٢٢. فرق الشيعة، الحسن بن موسى النوبختي، نشر: دار الأضواء، بيروت، ١4٠4ه.

١٢٣. فيض القدير، عبدالرؤوف المناوى، ط١، نشر: المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ١٣56ه.

١٢4. قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين القاسمي، ط١، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ١٣٩٩ه.

١٢5. كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: د. مهدي المخروجي و د. إبراهيم السامرائي، نشر: مؤسسة الهجرة،١4١٠ه.

١٢6. كتاب الكليات، أبوالبقاء أيوب بن موسى الكفومي، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري، نشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ١4١٩ه.

١٢٧. كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، تحقيق: هلال مصيلحي، نشر: دار الفكر، بيروت، ١4٠٢ه.

١٢٨. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي المتقي الهندي، تحقيق: محمد عمر الدمياطي، ط١، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ١4١٩ه.

١٢٩. لسان العرب، محمد بن مكرم، ابن منظور المصري، ط١، نشر: دار صادر، بيروت.

١٣٠. لسان الميزان، احمد بن على بن حجر العسقلانى، تحقيق: دائرة المعارف النظامية، الهند، ط٣، نشر: مؤسسة الأعلمي، بيروت، ١4٠6ه.

١٣١. مجمع البحرين، فخر الدين بن محمد علي بن أحمد الطريحي، تحقيق: أحمد الحسيني، ط٢، نشر: مكتب نشر: الثقافة الإسلامية، ١4٠٨ه.

١٣٢. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي، نشر: دار الريان للتراث ودار الكتاب العربي، القاهرة، بيروت، ١4٠٧ه.

١٣٣. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، علي بن سلطان محمد القاري، تحقيق: جمال عيتاني، ط١، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ١4٢٢ه.

ص:155

١٣4. مسند البزار، أحمد بن عمرو أبو بكر البزار، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله، ط١، نشر: مؤسسة علوم القرآن، بيروت، ١4٠٩ه.

١٣5. معالم الدين وملاذ المجتهدين، جمال الدين حسن العاملي الجبعي، تحقيق: عبدالحسين محمد علي البقال، ط١، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، ١٣٩١ه.

١٣6. معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي، ط٢، نشر: دار النفائس، بيروت، ١4٠٨ه.

١٣٧. معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس، تحقيق: عبدالسلام محمد هارون، ط٢، نشر: دار الجيل، بيروت، ١4٢٠ه.

١٣٨. معرفة الثقات من رجال أهل العلم والحديث ومن الضعفاء وذكر مذاهبهم وأخبارهم، أحمد بن عبدالله العجلي الكوفي، تحقيق: عبد العليم عبد العظيم البستوي، ط١، نشر: مكتبة الدار، المدينة المنورة، السعودية ١4٠5ه.

١٣٩. معرفة علوم الحديث، محمد بن عبدالله الحاكم النيسابورى، تحقيق: السيد معظم حسين، ط٢، نشر: دارالكتب العلمية، بيروت، ١٣٩٧ه.

١4٠. مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين، أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، تحقيق: هلموت ريتر، ط٣، نشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.

١4٠. مقدمة ابن الصلاح، أبو عمرو بن عثمان الشهرزوري بن الصلاح، تحقيق: نورالدين عتر، نشر: دار الفكر المعاصر، بيروت، ١٣٩٧ه.

١4١. مقدمة في أصول الحديث، عبد الحق بن سيف الدين البخاري الدهلوي، تحقيق: سمان الحسيني الغروي، ط٢، نشر: دار البشائر الإسلامية، بيروت ١4٠6ه.

١4٢. منهاج السنّة النبوية، تحقيق: احمد بن عبدالحليم بن تيميه الحرانى، د. رشاد سالم، ط١، نشر: مؤسسة قرطبة، ١4٠6ه.

١4٣. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، شمس الدين محمد بن احمد الذهبى، تحقيق: الشيخ علي محمد

١44. معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، ط١، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ١٩٩5م.

١45. نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، (موجود ضمن كتاب سبل السلام للصنعاني) ، نشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.

ص:156

١46. نصب الراية لأحاديث الهداية، عبدالله بن يوسف الزيلعي، تحقيق: محمّد يوسف البنوري، نشر: دار الحديث، مصر، ١٣5٧ ه.

١4٧. نظم المتناثر من الحديث المتواتر، محمد بن جعفر الكناني، تحقيق: شرف حجازي، نشر: دار الكتب السلفية، مصر.

١4٨. هدي الساري مقدمة فتح الباري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب، نشر: دار المعرفة، بيروت، ١٣٧٩ه.

١4٩. وفيات الأعيان، شمس الدين أحمد بن محمد بن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، نشر: دار الثقافة، بيروت.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.