الوافي المجلد 26

اشارة

سرشناسه : فیض کاشانی، محمد بن شاه مرتضی، 1006-1091ق.

عنوان و نام پديدآور : ...الوافی/ محمدمحسن المشتهر بالفیض الکاشانی؛ تحقیق مکتبةالامام امیرالمومنین علی علیه السلام (اصفهان)، سیدضیاءالدین حسینی «علامه»؛ اشراف السیدکمال الدین فقیه ایمانی.

مشخصات نشر : اصفهان: عطر عترت، 1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری : 26 ج.

شابک : 2000000 ریال: دوره 978-964-7941-93-8 : ؛ ج. 1 978-964-7941-94-5 : ؛ ج. 2 978-964-7941-95-2 : ؛ ج. 3 978-964-7941-96-9 : ؛ ج. 4 978-964-7941-97-6 : ؛ ج. 5 978-600-5588-03-3 : ؛ ج. 6 978-600-5588-04-0 : ؛ ج. 7 978-600-5588-05-7 : ؛ ج. 8 978-600-5588-06-4 : ؛ ج. 9 978-600-5588-07-1 : ؛ ج. 10 978-600-5588-08-8 : ؛ ج. 11 978-600-5588-09-5 : ؛ ج. 12 978-600-5588-10-1 : ؛ ج. 13 978-600-5588-11-8 : ؛ ج. 14 978-600-5588-12-5 : ؛ ج. 15 978-600-5588-13-2 : ؛ ج. 16 978-600-5588-14-9 : ؛ ج. 17 978-600-5588-15-6 : ؛ ج. 18 978-600-5588-16-3 : ؛ ج. 19 978-600-5588-17-0 : ؛ ج. 20 978-600-5588-18-7 : ؛ ج. 21 978-600-5588-19-4 : ؛ ج. 22 978-600-5588-20-0 : ؛ ج. 23 978-600-5588-21-7 : ؛ ج. 24 978-600-5588-22-4 : ؛ ج. 25 978-600-5588-23-1 : ؛ ج. 26 978-600-5588-24-8 :

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه.

مندرجات : ج. 1. کتاب العقل والعلم والتوحید.- ج. 2 و 3. کتاب الحجة.- ج. 4 و 5. کتاب الایمان والکفر.- ج. 6. کتاب الطهارة والتزین.- ج. 7، 8 و 9. کتاب الصلاة والدعاء والقرآن.- ج. 10. کتاب الزکاة والخمس والمیراث.- ج. 11. کتاب الصیام والاعتکاف والمعاهدات.- ج. 12، 13و 14. کتاب الحج والعمرة والزیارات.- ج. 15و 16. کتاب الحسبة والاحکام والشهادات.- ج. 17و 18. کتاب المعایش والمکاسب والمعاملات.- ج. 19 و 20. کتاب المطاعم والمشارب والتجملات.- ج. 21، 22 و 23. کتاب النکاح والطلاق والولادات.- ج. 24 و 25. کتاب الجنائز والفرائض والوصیات.- ج. 26. کتاب الروضة.

موضوع : احادیث شیعه -- قرن 10ق.

شناسه افزوده : علامه، سیدضیاءالدین، 1290 - 1377.

شناسه افزوده : فقیه ایمانی، سیدکمال

شناسه افزوده : Faghih Imani,

Kamal

شناسه افزوده : کتابخانه عمومی امام امیرالمومنین علی علیه السلام(اصفهان)

رده بندی کنگره : BP134/ف9و2 1388

رده بندی دیویی : 297/212

شماره کتابشناسی ملی : 1911094

[كتاب الروضة]

اشارة

الوافي، ج 26، ص: 15

أبواب الخطب و الرسائل

الآيات:

قال اللّٰه سبحانه ادْعُ إِلىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.

و قال جل ذكره و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.

الوافي، ج 26، ص: 17

باب خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في الحكمة و الوسيلة و أمر الخلافة

[1]
اشارة

25365- 1 (الكافي- 8: 18 رقم 4) محمد بن علي بن معمر، عن محمد ابن علي بن عكاية التميمي، عن الحسين بن النضر العبدي الفهري، عن أبي عمر الأوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت: يا بن رسول اللّٰه قد أرمضني اختلاف الشيعة في مذاهبها فقال" يا جابر ألم أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا و من أي جهة تفرقوا" قلت: بلى يا بن رسول اللّٰه، قال" فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم في أيامه، يا جابر اسمع و ع" قلت:

إذا شئت، قال" اسمع و ع و بلغ حيث انتهت بك راحلتك إن أمير المؤمنين عليه السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و ذلك حين فرغ من جمع القرآن و تأليفه.

فقال: الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده و حجب

الوافي، ج 26، ص: 18

العقول أن تتخيل ذاته لامتناعها من الشبه و التشاكل بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته و لم يتبعض بتجزية العدد في كماله، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن و يكون فيها لا على وجه الممازجة، و علمها لا بأداة، لا يكون العلم إلا بها و ليس بينه و بين معلومه علم غيره به كان عالما بمعلومه، إن قيل: كان، فعلى تأويل أزلية الوجود و إن قيل له: لم

يزل، فعلى تأويل نفي العدم، فسبحانه و تعالى عن قول من عبد سواه و اتخذ إلها غيره علوا كبيرا.

نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه و أوجب قبوله على نفسه و أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، شهادتان ترفعان القول و تضاعفان العمل، خف ميزان ترفعان منه و ثقل ميزان توضعان فيه و بهما الفوز بالجنة و النجاة من النار و الجواز على الصراط و بالشهادة تدخلون الجنة و بالصلاة تنالون الرحمة، أكثروا من الصلاة على نبيكم إِنَّ اللّٰهَ وَ مَلٰائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً.

أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الإسلام و لا كرم أعز من التقوى و لا معقل أحرز من الورع و لا شفيع أنجح من التوبة و لا لباس أجمل من العافية و لا وقاية أمنع من السلامة و لا مال أذهب بالفاقة من الرضا بالقناعة و لا كنز أغنى من القنوع و من اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة و تبوأ خفض الدعة و الرغبة مفتاح التعب و الاحتكار مطية النصب، و الحسد آفة الدين، و الحرص داع إلى التقحم في الذنوب و هو داع الحرمان، و البغي سائق إلى الحين و الشره جامع لمساوئ العيوب، رب طمع خائب، و أمل كاذب، و رجاء يؤدي إلى الحرمان، و تجارة تئول

الوافي، ج 26، ص: 19

إلى الخسران، ألا و من تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب و بئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن.

أيها الناس إنه لا كنز أنفع من العلم و لا عز أرفع من الحلم، و لا حسب

أبلغ من الأدب و لا نصب أوضع من الغضب، و لا جمال أزين من العقل، و لا سوءة أسوأ من الكذب، و لا حافظا أحفظ من الصمت، و لا غائب أقرب من الموت.

أيها الناس من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره، و من رضي برزق اللّٰه لم يأسف على ما في يد غيره، و من سل سيف البغي قتل به، و من حفر لأخيه بئرا وقع فيها، و من هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته، و من نسي زلله استعظم زلل غيره، و من أعجب برأيه ضل، و من استغنى بعقله زل، و من تكبر على الناس ذل، و من سفه على الناس شتم، و من خالط الأنذال حقر، و من حمل ما لا يطيق عجز.

أيها الناس إنه لا مال أعود من العقل، و لا فقر أشد من الجهل، و لا واعظ أبلغ من النصح، و لا عقل كالتدبير، و لا عبادة كالتفكر، و لا مظاهرة أوثق من المشاورة، و لا وحشة أشد من العجب، و لا ورع كالكف عن المحارم، و لا حلم كالصبر و الصمت.

أيها الناس في الإنسان عشر خصال يظهرها لسانه: شاهد يخبر عن الضمير، و حاكم يفصل بين الخطاب، و ناطق يرد به الجواب، و شافع يدرك به الحاجة، و واصف يعرف به الأشياء، و آمر يأمر بالحسن، و واعظ ينهى عن القبيح، و معز يسكن به الأحزان، و حاضر تجلي به الضغائن، و مونق يلهي الأسماع.

أيها الناس إنه لا خير في الصمت عن الحكم كما أنه لا خير في القول

الوافي، ج 26، ص: 20

بالجهل، و اعلموا أيها الناس إنه من لم يملك لسانه يندم، و من لا يعلم

يجهل، و من لا يتحلم لا يحلم، و من لا يرتدع لا يعقل، و من لا يعقل يهن، و من يهن لا يوقر، و من يتق ينج و من يكتسب مالا من غير حقه يصرفه في غير أجره، و من لا يدع و هو محمود يدع و هو مذموم، و من لم يعط قاعدا منع قائما، و من يطلب العز من غير حق يذل، و من يغلب بالجور يغلب، و من عاند الحق لزمه الوهن، و من تفقه وقر، و من تكبر حقر، و من لا يحسن لا يحمد.

و اعلموا أيها الناس أن المنية قبل الدنية و التجلد قبل التبلد، و الحساب قبل العقاب، و القبر خير من الفقر، و غض البصر خير من كثير من النظر، و الدهر يوم لك و يوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، و إذا كان عليك فاصبر، فبكليهما تمتحن- و في نسخة: و كلاهما سيختبر.

و اعلموا أيها الناس أعجب ما في الإنسان قلبه و له مواد من الحكمة و أضداد من خلافها فإن سنح له الرجاء أذله الطمع، و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص، و إن ملكه اليأس قتله الأسف، و إن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، و إن أسند بالرضا نسي التحفظ، و إن ناله الخوف شغله الحذر و إن اتسع له الأمن استلبته العزة- و في نسخة: أخذته العزة- و إن جددت له نعمة أخذته العزة، و إن أفاد مالا أطغاه الغناء، و إن عضته فاقة شغله البلاء- و في نسخة: جهده البكاء- و إن أصابته مصيبة فضحه الجزع، و إن أجهده الجوع قعد به الضعف، و إن أفرط في الشبع كظته البطنة، فكل

تقصير به مضر و كل إفراط له مفسد.

أيها الناس إنه من فل ذل، و من جاد ساد و من كثر ماله رأس، و من كثر حلمه نبل، و من أفكر في ذات اللّٰه تزندق، و من أكثر من شي ء عرف

الوافي، ج 26، ص: 21

به، و من كثر مزاحه استخف به، و من كثر ضحكه ذهبت هيبته، فسد حسب من ليس له أدب، إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال، ليس من جالس الجاهل بذي معقول، من جالس الجاهل فليستعد لقيل و قال، لن ينجو من الموت غني بماله، و لا فقير لإقلاله.

أيها الناس لو أن الموت يشترى لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الأبلج و اللئيم الملهوج.

أيها الناس إن القلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط و تفطنه الفهم للمواعظ ما يدعو النفس إلى الحذر من الخطر، و للقلوب خواطر للهوى، و العقول تنهى و تزجر، و في التجارب علم مستأنف، و الاعتبار يقود إلى الرشاد، و كفاك أدبا لنفسك ما تكرهه لغيرك، و عليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه، لقد خاطر من استغنى برأيه، و التدبر قبل العمل فإنه يؤمنك من الندم، و من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطإ، و من أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول، و من حصر شهوته فقد صان قدره، و من أمسك لسانه أمنه قومه و نال حاجته.

و في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال، و الأيام توضح لك السرائر الكامنة، و ليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة، و من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار و الهيبة، و أشرف الغنى ترك المنى، و الصبر جنة من الفاقة، و الحرص علامة الفقر، و البخل جلباب المسكنة، و

المودة قرابة مستفادة و وصول معدم خير من جاف مكثر، و الموعظة كهف لمن وعاها، و من أطلق طرفه كثر أسفه، و قد أوجب الدهر شكره على من نال سؤله، و قل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو إحسان، و من

الوافي، ج 26، ص: 22

ضاق خلقه مله أهله، و من نال استطال، و قل ما تصدقك الأمنية، و التواضع يكسوك المهابة، و في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق، كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره، و من كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه، و انح القصد من القول فإن من تحرى القصد خفت عليه المؤن، و في خلاف النفس رشدك، من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد، ألا و إن مع كل جرعة شرقا، و إن في كل أكلة غصصا، لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى، و لكل ذي رمق قوت، و لكل حبة آكل و أنت قوت الموت.

اعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها، و الليل و النهار يتسارعان- و في نسخة أخرى يتنازعان- في هدم الأعمار.

يا أيها الناس كفر النعمة لؤم، و صحبة الجاهل شؤم، إن من الكرم لين الكلام، و من العبادة إظهار اللسان و إفشاء السلام، إياك و الخديعة فإنها من خلق اللئيم، ليس كل طالب يصيب و لا كل غائب يئوب، لا ترغب فيمن زهد فيك، رب بعيد هو أقرب من قريب، سل عن الرفيق قبل الطريق و عن الجار قبل الدار، ألا و من أسرع في المسير أدركه المقيل، استر عورة أخيك لما تعلمها فيك، اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك، من غضب على من لا يقدر على ضره طال

حزنه و عذب نفسه، من خاف ربه كف ظلمه- و في نسخة من خاف ربه كفي عذابه- و من لم يرغ في كلامه أظهر فخره، و من لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة، إن من الفساد إضاعة الزاد، ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا،

الوافي، ج 26، ص: 23

هيهات هيهات و ما تناكرتم، إلا لما فيكم من المعاصي و الذنوب فما أقرب الراحة من التعب و البؤس من النعيم، و ما شر بشر بعده الجنة و ما خير بخير بعده النار، و كل نعيم دون الجنة محقور و كل بلاء دون النار عافية، و عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر، تصفية العمل أشد من العمل و تخليص النية من الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد، هيهات لو لا التقى كنت أدهى العرب.

أيها الناس إن اللّٰه تعالى وعد نبيه محمدا صلى اللّٰه عليه و آله و سلم الوسيلة و وعده الحق و لن يخلف اللّٰه وعده، ألا و إن الوسيلة أعلى درج الجنة و ذروة ذوائب الزلفة، و نهاية غاية الأمنية، لها ألف مرقاة ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام- و في نسخة ألف عام- و هو ما بين مرقاة درة إلى مرقاة جوهرة، إلى مرقاة زبرجدة، إلى مرقاة لؤلؤة، إلى مرقاة ياقوتة، إلى مرقاة زمردة، إلى مرقاة مرجانة، إلى مرقاة كافور، إلى مرقاة عنبر، إلى مرقاة يلنجوج، إلى مرقاة ذهب، إلى مرقاة فضة، إلى مرقاة غمام، إلى مرقاة هواء، إلى مرقاة نور قد أنافت على كل الجنان و رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم يومئذ قاعد عليها.

مرتد بريطتين ريطة من رحمة اللّٰه و ريطة من نور

اللّٰه، عليه تاج النبوة و إكليل الرسالة قد أشرق بنوره الموقف و أنا يومئذ على الدرجة الرفيعة و هي دون درجته و علي ريطتان ريطة من أرجوان النور و ريطة من كافور و الرسل و الأنبياء قد وقفوا على المراقي، و أعلام الأزمنة و حجج الدهور عن أيماننا و قد تجللتهم حلل النور و الكرامة، لا يرانا ملك مقرب و لا نبي مرسل إلا بهت بأنوارنا و عجب من ضيائنا و جلالتنا و عن يمين الوسيلة عن يمين الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و سلم غمامة بسطة البصر يأتي منها النداء: يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي و آمن بالنبي

الوافي، ج 26، ص: 24

الأمي العربي و من كفر به فالنار موعده، و عن يسار الوسيلة عن يسار الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و سلم ظلة يأتي منها النداء: يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي و آمن بالنبي الأمي و الذي له الملك الأعلى، لا فاز أحد و لا ناله الروح و الجنة إلا من لقي خالقه بالإخلاص لهما و الاقتداء بنجومهما.

فأيقنوا يا أهل ولاية اللّٰه ببياض وجوهكم و شرف مقعدكم و كرم ما بكم و بفوزكم اليوم على سرر متقابلين و يا أهل الانحراف و الصدود عن اللّٰه عز ذكره و رسوله و صراطه و أعلام الأزمنة أيقنوا بسواد وجوهكم و غضب ربكم جزاء بما كنتم تعملون و ما من رسول سلف و لا نبي مضى إلا و قد كان مخبرا أمته بالمرسل الوارد من بعده و مبشرا برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و موصيا قومه باتباعه و محليه عند قومه ليعرفوه بصفته و ليتبعوه على شريعته

و كيلا يضلوا فيه من بعده فيكون من هلك أو ضل بعد وقوع الإعذار و الإنذار عن بينة و تعيين حجة، فكانت الأمم في رجاء من الرسل و ورود من الأنبياء.

و لئن أصيبت بفقد نبي بعد نبي على عظم مصائبهم و فجائعها بهم فقد كانت على سعة من الأمل و لا مصيبة عظمت و لا رزية جلت كالمصيبة برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم لأن اللّٰه ختم به الإنذار و الإعذار و قطع به الاحتجاج و العذر بينه و بين خلقه و جعله بابه الذي بينه و بين عباده و مهيمنه الذي لا يقبل إلا به و لا قربة إليه إلا بطاعته، و قال في كتابه من يطع الرسول فقد أطاع اللّٰه و من تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا فقرن طاعته بطاعته و معصيته بمعصيته، و كان ذلك دليلا على ما فوض اللّٰه إليه و شاهدا له على من اتبعه و عصاه و بين ذلك في غير موضع

الوافي، ج 26، ص: 25

من الكتاب العظيم، فقال تعالى في التحريض على اتباعه و الترغيب في تصديقه و القبول لدعوته قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ فاتباعه محبة اللّٰه و رضاه غفران الذنوب و كمال الفوز و وجوب الجنة.

و في التولي عنه و الإعراض محادة اللّٰه و غضبه و سخطه و البعد منه مسكن النار و ذلك قوله وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزٰابِ فَالنّٰارُ مَوْعِدُهُ يعني الجحود به و العصيان له فإن اللّٰه تعالى امتحن بي عباده و قتل بيدي أضداده، و أفنى بسيفي جحاده، و جعلني زلفة للمؤمنين، و حياض موت على الجبارين، و سيفه على المجرمين،

و شد بي أزر رسوله، و أكرمني بنصره، و شرفني بعلمه، و حباني بأحكامه، و اختصني بوصيته و اصطفاني بخلافته في أمته، فقال و قد حشده المهاجرون و الأنصار و انغصت به المحافل.

أيها الناس إن عليا مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فعقل المؤمنون عن اللّٰه نطق الرسول إذ عرفوني أني لست بأخيه لأبيه و أمه كما كان هارون أخا موسى لأبيه و أمه و لا كنت نبيا فاقتضى نبوة و لكن كان ذلك منه استخلافا لي كما استخلف موسى هارون حيث يقول اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لٰا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ و قوله صلى اللّٰه عليه و آله و سلم حين تكلمت طائفة و قالت: نحن موالي رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم فخرج رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم إلى حجة

الوافي، ج 26، ص: 26

الوداع، ثم صار إلى غدير خم، فأمر فأصلح له شبه المنبر ثم علاه و أخذ بعضدي حتى رئي بياض إبطيه رافعا صوته قائلا في محفله" من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه" و كانت على ولايتي ولاية اللّٰه و على عداوتي عداوة اللّٰه.

و أنزل اللّٰه تعالى في ذلك اليوم الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلٰامَ دِيناً فكانت ولايتي كمال الدين و رضاء الرب تعالى و أنزل اللّٰه تعالى اختصاصا لي و تكريما نحلنيه و إعظاما و تفضيلا من رسول اللّٰه منحنيه، و هو قوله تعالى ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّٰهِ مَوْلٰاهُمُ الْحَقِّ أَلٰا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحٰاسِبِينَ في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع و طال

لها الاستماع و لئن تقمصها دوني الأشقيان و نازعاني فيما ليس لهما بحق و ركباها ضلالة و اعتقداها جهالة فلبئس ما عليه وردا و لبئس ما لأنفسهما مهدا، يتلاعنان في دورهما.

و يبرأ كل واحد منهما من صاحبه بقوله لقرينة إذا التقيا يٰا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ، فيجيبه الأشقى على وثوبه: يا ليتني لم أتخذك خليلا، لقد أضللتني عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جٰاءَنِي وَ كٰانَ الشَّيْطٰانُ لِلْإِنْسٰانِ خَذُولًا، فأنا الذكر الذي عنه ضل و السبيل الذي عنه مال و الإيمان الذي به كفر و القرآن الذي إياه هجر و الدين الذي به كذب و الصراط الذي عنه نكب، و لئن رتعا في الحطام المنصرم، و الغرور المنقطع، و كانا منه على شفا حفرة من النار لهما على شر ورود، في أخيب وفود و اللعن مورود، يتصارخان باللعنة و يتناعقان بالحسرة، ما لهما من

الوافي، ج 26، ص: 27

راحة و لا عن عذابهما من مندوحة.

إن القوم لم يزالوا عباد أصنام و سدنة أوثان، يقيمون لها المناسك و ينصبون لها العتائر و يتخذون لها القربان و يجعلون لها البحيرة و السائبة و الوصيلة و الحام و يستقسمون بالأزلام عامهين عن اللّٰه عز ذكره، حائرين عن الرشاد، مهطعين إلى البعاد، و قد استحوذ عليهم الشيطان، و غمرتهم سوداء الجاهلية، و رضعوا جهالة و انفطموا ضلالة فأخرجنا اللّٰه إليهم رحمة و أطلعنا عليهم رأفة و أسفر بنا عن الحجب نورا لمن اقتبسه و فضلا لمن اتبعه و تأييدا لمن صدقه، فتبوءوا العز بعد الذلة، و الكثرة بعد القلة، و هابتهم القلوب و الأبصار، و أذعنت لهم الجبابرة و طواغيتها، و صاروا أهل نعمة مذكورة، و كرامة ميسورة،

و أمن بعد خوف، و جمع بعد حوب و أضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان.

و أولجناهم باب الهدى، و أدخلناهم دار السلام، و أشملناهم ثوب الإيمان، و فلجوا بنا في العالمين، و أثبت لهم أيام الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و سلم آثار الصالحين من حام مجاهد، و مصل قانت، و معتكف زاهد، يظهرون الأمانة و يأتون المثابة حتى إذا دعا اللّٰه نبيه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و رفعه إليه لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة أو وميض من برقة إلى أن رجعوا على الأعقاب، و انتكصوا على الأدبار، و طلبوا بالأوتار، و أظهروا الكتائب، و ردموا الباب، و قلوا الديار، و غيروا آثار

الوافي، ج 26، ص: 28

رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم، و رغبوا عن أحكامه، و بعدوا من أنواره، و استبدلوا بمستخلفه بديلا اتخذوه و كانوا ظالمين، و زعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول اللّٰه صلى اللّٰه على و آله و سلم ممن اختاره الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و سلم لمقامه، و أن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجري الأنصاري الرباني ناموس هاشم بن عبد مناف.

ألا و إن أول شهادة زور وقعت في الإسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم، فلما كان من أمر سعد ابن عبادة ما كان رجعوا عن ذلك فقالوا: إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم مضى و لم يستخلف و كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الإسلام، و عن قليل

يجدون غب ما يعملون، و سيجد التالون غب ما أسسه الأولون و لئن كانوا في مندوحة من المهل، و شفاء من الأجل، و سعة من المنقلب، و استدراج من الغرور، و سكون من الحال، و إدراك من الأمل، فقد أمهل اللّٰه تعالى شداد بن عاد و ثمود بن عبود و بلعم بن بأعور، و أسبغ عليهم نِعَمَهُ ظٰاهِرَةً وَ بٰاطِنَةً، و أمدهم بالأموال و الأعمار، و أتتهم الأرض ببركاتها ليذكروا آلاء اللّٰه و ليعرفوا الإهابة له و الإنابة إليه و لينتهوا عن الاستكبار.

فلما بلغوا المدة، و استتموا الأكلة أخذهم اللّٰه تعالى و اصطلمهم فمنهم من حصب، و منهم من أخذته الصيحة، و منهم من أحرقته الظلة، و منهم من أودته الرجفة، و منهم من أودته الخسفة، و ما كان اللّٰه ليظلمهم و لكن كانوا أنفسهم يظلمون، ألا و إن لكل أجل كتابا فإذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لك عما هوى إليه الظالمون، و آل إليه الأخسرون، لهربت إلى اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 29

تعالى مما هم عليه مقيمون، و إليه صائرون، ألا و إني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون، و كباب حطة في بني إسرائيل، و كسفينة نوح في قوم نوح، و إني النبإ العظيم، و الصديق الأكبر، و عن قليل ستعلمون ما توعدون.

و هل هي إلا كلعقة الآكل، و مذقة الشارب، و خفقة الوسنان، ثم تلتزمهم المعرات خزيا في الدنيا و يوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، و ما اللّٰه بغافل عما يعملون، فما جزاء من تنكب محجته و أنكر حجته، و خالف هداته، و حار عن نوره، و اقتحم في ظلمة و استبدل بالماء السراب، و بالنعيم العذاب، و بالفوز الشقاء،

و بالسراء الضراء، و بالسعة الضنك، إلا جزاء اقترافه و سوء خلافه، فليوقنوا بالوعد على حقيقته، و ليستيقنوا بما يوعدون و يوم تأتي الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ.

إِنّٰا نَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ وَ إِلَيْنَا الْمَصِيرُ. يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرٰاعاً- إلى آخر السورة-".

بيان

" أرمضني" أوجعني و أحرقني" إن الجاحد لصاحب الزمان" يعني إمام الوقت و جحوده إما بإنكار أنه لا بد منه، أو بإنكار وجوده أو بإنكار أنه هو إذا شئت يعني إذا شئت أنت أن أسمع و أعي أسمع و أعي" و يتبوأ خفض الدعة" أي تمكن و استقر في متسع الراحة، و الاحتكار الجمع و الإمساك و الحين بفتح المهملة و المثناة التحتانية المحنة و الهلاك و الحسب ما يعد من المفاخر و الأنذال السفهاء و الأخساء" أعود من العقل" أي أنفع منه و معز يسكن به الأحزان من

الوافي، ج 26، ص: 30

التعزية بمعنى التسلية" و الضغينة" الحقد" و المونق" المعجب" و الحكم" بالضم الحكمة" و من لا يدع و هو محمود" يعني من لا يدع الشر و ما لا ينبغي على اختيار يدعه على اضطرار" و من لم يعط قاعدا منع قائما" يعني أن الرزق قد قسمه اللّٰه فمن لم يرزق قاعدا لم يجد له القيام و الحركة" أن المنية قبل الدنية" يعني أن الموت خير من الذلة فالمراد بالقبلية القبلية بالشرف.

و في نهج البلاغة المنية و لا الدنية و التقلل و لا التوسل،

و هو أوضح و على هذا يكون معنى و الحساب قبل العقاب إن محاسبة النفس في الدنيا خير من التعرض للعقاب في الأخرى" و التجلد" تكلف الشدة و القوة و التبلد ضده و البطر الأشر سيحسر من

الحسر بالمهولات بمعنى الكشف.

و في نسخة سيختبر من الاختبار و إن أسعد بالرضا نسي التحفظ لعل المراد أنه إذا أعين بالرضا و سر لم يتحفظ عما يوجب شينه من قول أو فعل استلبته العزة كأنها بالإهمال و الزاي و يحتمل الإعجام و الراء و كذا في أخبتها إلا أنه ينبغي أن تكون الثالثة على خلاف الأوليين أو إحداهما أفاد مالا أي استفاده" و العض" المسك بالأسنان استعارة للزوم كظته" البطنة" أي ملأته حتى لا يطيق على النفس" من فل ذل" بالفاء أي كسر" و النبل" بالضم الذكاء و النجابة و المعقول بمعنى العقل" و الكريم الأبلج" هو الذي اشتهر كرمه" و ظهروا الملهوج" هو الحريص مفعول بمعنى الفاعل كمسعود و وجه اشترائهما الموت رضاؤهما به لأن الكريم إذا اشتهر توجه الناس إليه بما عجز عن قدر اشتهاره و علو همته و خجل مما نسب إليه فرضي بالموت و أما الحريص فلأنه لم يبلغ ما حرص عليه فلا يزال يتعب نفسه و يزيد حرصه فيتمنى بذلك الموت" تفطنه" تذكير البارز باعتبار المرء ما يدعو بدل من المواعظ و استقبال وجوه الآراء ملاحظتها واحدا واحدا" عدلت" من التعديل و يحتمل أن يكون بالتخفيف بمعنى المعادلة أي بمفرده يعدله سائر العقول و ليس في البرق" بيان لما قبله و ما قبله لما قبله" يعني لا بد من مضي أيام و مهلة حتى توضح السرائر و تعلم

الوافي، ج 26، ص: 31

الجواهر" و البخل جلباب المسكنة" يعني يلبس صاحبه المسكنة و وصول معدم بفتح الواو بمعنى البار و المعدم الفقير لأنه أعدم المال كما أن المكثر أكثره و من أطلق طرفه أي عينه و نظره كثر أسفه لأنه ربما

يتعلق بقلبه مما نظر إليه ما يلهيه عن المهمات و يوقعه في الآفات" و قلما ينصفك اللسان" يعني يحملك في الأكثر على المبالغة و الزيادة في القول" و من نال" يعني ما يتمناه و قلما تصدقك الأمنية من الصدق كما في قوله تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللّٰهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيٰا يعني يصدق ما يتمنى" في آخر أيام عمره" يعني هو في آخر عمره و لا يدري به و الغرض منه الترغيب في الانتهاء عن الذنب و المبادرة إلى التوبة منه" و النحو" القصد من القول ما لا إفراط فيه و لا تفريط" و الشرق" الشجا و الغصة و اللؤم بالضم ضد الكرم" إظهار اللسان" يعني به مثل الحمد و الشكر و الشهادة و التوجه و القصد و الاعتراف بالذنب إلى غير ذلك" و المقيل" القيلولة و من لم يرغ في كلامه أظهر فخره كذا وجد في النسخ التي رأيناها بالغين المعجمة و الفخر فإن صج فهو من الإرغاء يقال كلام مرغ إذا لم يفصح عن معناه و يأتي في باب مواعظ أمير المؤمنين عليه السلام بعض ألفاظ هذه الخطبة من الفقيه و هناك هكذا و من لم يرع في كلامه أظهر هجره بالعين المهملة و الهجر فيكون من الرعاية بمعنى الحفظ على حذف المفعول يعني و من لم يحفظ لسانه أو الأدب في كلامه و على هذا يكون الفخر تصحيف الهجر و الهجر بالضم الفحش و ما لا ينبغي من الكلام و الإكثار منه" ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا" يعني من علم بأجر المصيبة و شدة احتياجه إليه يوم القيامة هانت عليه المصيبة في الدنيا و صغرت عنده و إن عظمت" و ما تناكرتم" يعني

ما ينكر بعضكم بعضا إلا لأنكم تعصون اللّٰه عز و جل و ذلك لأنكم لو كنتم برءاء من الذنوب لكان لكم جميعا مسلك واحد فتعارفتم عليه و ائتلفتم لديه" فما أقرب الراحة من التعب" يعني لا عليكم أن تتعبوا أنفسكم بترك المعاصي في أيام قلائل سريعة الذهاب

الوافي، ج 26، ص: 32

لراحة طويلة قريبة منكم فإن التعب و البؤس في ترك المعاصي ليسا بشر إذا قاداكم إلى الجنة و لذة المعاصي لا خير فيها إذا قادتكم إلى النار و عند تصحيح الضمائر إلى قوله من طول الجهاد إشارة إلى عظم رتبة الإخلاص و عزتها و قلة من يبلغها و عنى بطول الجهاد المجاهدة مع النفس بحملها على الأعمال الشاقة" لكنت أدهى العرب" الدهاء جودة الرأي أراد عليه السلام أنه لو لا أني أتقي اللّٰه تعالى و أراعي في أموري و سياساتي ما أمرت به غير مجاوز عنه إلى استعمال آرائي فيها لكنت أفوق سائر العرب في الرأي و السياسة للناس.

قال ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة و كان من علماء العامة: اعلم أن قوما ممن لم يعرف حقيقة فضل أمير المؤمنين صلوات اللّٰه عليه زعموا أن عمر كان أسوس منه و إن كان هو أعلم من عمر.

و صرح الرئيس أبو علي بن سينا بذلك في الشفاء في الحكمة و كان شيخنا أبو الحسين يميل إلى ذلك و قد عرض به في كتاب الغرر ثم زعم أعداؤه و مبغضوه أن معاوية أيضا كان أسوس منه و أصح تدبيرا و قد سبق لنا بحث قديم في هذا الكتاب في بيان حسن سياسة أمير المؤمنين عليه السلام و صحة تدبيره و نحن نذكر هنا ما لم نذكره

هناك مما يليق بهذا الفصل الذي نحن في شرحه: اعلم أن السائس لا يتمكن من السياسة البالغة إلا إذا كان يعمل برأيه و مما يرى فيه صلاح ملكه و تمهيد أمره و توطئة قاعدته سواء وافق الشريعة أو لم يوافقها، و متى لم يعمل في السياسة و التدبير بموجب ما قلناه فبعيد أن ينتظم أمره أو يستوسق حاله و أمير المؤمنين عليه السلام كان مقيدا بقيود الشريعة مدفوعا إلى اتباعها و رفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب و الكيد و التدبير إذا لم يكن للشرع موافقا فلم يكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممن يلزم بذلك و لسنا بهذا القول زائرين على عمر بن الخطاب و لا ناسبين إليه ما هو منزه عنه

الوافي، ج 26، ص: 33

و لكنه كان مجتهدا يعمل بالقياس و الاستحسان و المصالح المرسلة و يرى تخصيص عمومات النصوص بالآراء و الاستنباط من أصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص و يكيد خصمه و يأمر أمراءه بالكيد و الحيلة و يؤدب بالدرة و السوط من يغلب على ظنه أنه يستوجب ذلك و يصفح عن آخرين قد اجترموا ما استوجبوا به التأديب كل ذلك بقوة اجتهاده و ما يؤديه إليه نظره و لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يرى ذلك و كان يقف مع النصوص و الظواهر و لا يتعداها إلى الاجتهاد و الأقيسة و يطبق أمور الدنيا على أمور الدين و يسوق الكل مسوقا واحدا و لا يضع و لا يرفع إلا بالكتاب و النص فاختلف طريقتاهما في الخلافة و السياسة و كان عمر مع ذلك شديد الغلظة و كان علي عليه السلام كثير الحلم و الصفح و التجاوز فازداد

خلافة ذلك قوة و خلافة هذا لينا و لم يمن عمر بما منى به علي عليه السلام من فتنة عثمان التي أحوجته إلى مداراة أصحابه و جنده و مقاربتهم للاضطراب الواقع بطريق الفتنة ثم تلا ذلك فتنة الجمل و فتنة صفين ثم فتنة النهروان و كل هذه الأمور مؤثرة في اضطراب أمر الوالي و انحلال معاقد ملكه و لم يتفق لعمر شي ء من ذلك، فشتان بين الخلافتين فيما يعود إلى انتظام المملكة و صحة تدبير الخلافة، إلى هنا كلام ابن أبي الحديد.

" و ذروة ذوائب الزلفة" أي أعلاها و الزلفة القرب و لا يخفى لطف الاستعارة و حضر الفرس بالضم عدوه" و يلنجوج" عود يتبخر به" و الإنافة" الإشراف و تشبيه المراقي بالجواهر المختلفة إشارة إلى اختلاف الدرجات في الشرف و الفضل و الريطة كل ثوب رقيق لين و الإكليل التاج و لعل أعلام الأزمنة و حجج الدهور كناية عن الأنبياء و عن الأوصياء و العلماء فإن كلا منهم علم زمانه و حجة دهره و يعني ببسطة البصر مقدار مدة و في الكلام استعارات و تشبيهات للمعاني بالصور و محليه عند قومه من التحلية بمعنى الوصف بالحلية و المهيمن الأمين و المؤتمن و الشاهد" و الجحاد" جمع جاحد و الحياض السيال

الوافي، ج 26، ص: 34

" و الأزر" القوة حشده المهاجرون و الأنصار اجتمعوا إليه و أطافوا به" و انغصت" بالغين المعجمة و الصاد المهملة امتلأت و أنزل اللّٰه تعالى اختصاصا لي و تكريما نحلنيه لعل مراده عليه السلام أن اللّٰه سبحانه سمى نفسه بمولى الناس و كذلك سمى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم نفسه به ثم نحلاني و منحاني و

اختصاني من بين الأمة بهذه التسمية تكريما منهما لي و تفضيلا و إعظاما أو أراد عليه السلام أن رد الأمة إليه بعد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم رد إلى اللّٰه عز و جل و أن هذه الآية إنما نزلت بهذا المعنى كما نبه عليه بقول و كانت على ولايتي ولاية اللّٰه و ذلك لأنه به كمل الدين و تمت النعمة و دام من يرجع إليه الأمة واحدا بعد واحد إلى يوم القيامة أو أراد عليه السلام أن المراد بالمولى في هذه الآية نفسه عليه السلام و أنه مولاهم الحق لأن ردهم إليه رد إلى اللّٰه تعالى" في مناقب" أي هذه في جملة مناقب و يحتمل أن يكون بتشديد الياء فيكون استئنافا و أراد بالأشقيين أبا بكر و عمر و المنصوب في تقمصهما يعود إلى الخلافة للعلم بها كقوله تعالى حَتّٰى تَوٰارَتْ بِالْحِجٰابِ أي جعلاها مشتملة على نفسهما كالقميص نكب و تنكب عدل و الحطام الهشيم و العتائر جمع العتيرة و هي شاة كانوا يذبحونها في رجب لآلهتهم و البحيرة و السائبة ناقتان مخصوصتان كانوا يحرمون الانتفاع بهما و الوصيلة شاة مخصوصة يذبحونها على بعض الوجوه و يحرمونها على بعض و الحام العجل من الإبل الذي طال مكثه عندهم فلا يركب و لا يمنع من كلإ و ماء و الاستقسام بالأزلام طلب معرفة ما قسم لهم مما لم يقسم بالأقداح، و العمة التحير و التردد، و الإهطاع الإسراع، و الاستحواذ الاستيلاء، و الحوب الوحشة و الحزن، معد بن عدنان أبو العرب، و الفلج الظفر و الفوز، و المثابة موضع الثواب و مجتمع الناس بعد تفرقهم، و الخفقة النعاس، و الوميض اللمع الخفي،

و الانتكاص الرجوع، و الردم السد، فلما كان من أمر

الوافي، ج 26، ص: 35

سعد بن عبادة ما كان كأنه أشار عليه السلام بذلك إلى إباء سعد عن بيعة أبي بكر و احتجاجه عليهم بمخالفتهم الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و سلم.

و كان من جملة كلامه لعمر أنه قال له: يا بن صهاك الحبشية- و كانت جدة لعمر- أما و اللّٰه لو أن لي قوة على النهوض- و كان مريضا- لسمعت مني في سككها زئيرا يزعجك و أصحابك و لألحقتكم بقوم كنتم فيهم أذنابا أذلاء تابعين غير متبوعين فلقد اجترأتم على اللّٰه و خالفتم رسوله يا آل الخزرج احملوني من مكان الفتنة، فحمل.

و الغب بكسر المعجمة العاقبة، و الشفاء بالفاء مقصورا الطرف أراد عليه السلام به طول العمر، فكأنهم في طرف و الأجل في طرف آخر و الاصطلام بالمهملتين الاستئصال حصب رمي بالحصباء، و الظلة في عذاب يوم الظلة قبل كانت غيما تحته سموم، و الإيداء و الإرداء الإهلاك و الوسنان من أخذته السنة و المعرة الإثم و الغرم و الأذى.

و في بعض النسخ العثرات، و الحيد و العدول و الضنك الضيق و تمام السورة يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرٰاعاً ذٰلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنٰا يَسِيرٌ. نَحْنُ أَعْلَمُ بِمٰا يَقُولُونَ وَ مٰا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّٰارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخٰافُ وَعِيدِ.

الوافي، ج 26، ص: 37

باب خطبته عليه السلام في معاتبة أصحابه

[1]
اشارة

25366- 1 (الكافي- 8: 31 رقم 5) محمد بن علي بن معمر، عن محمد ابن علي، عن عبد اللّٰه بن أيوب الأشعري، عن عمرو الأوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن سلمة بن كهيل، عن الهيثم بن التيهان أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب الناس بالمدينة، فقال" الحمد لله الذي لا إله إلا

هو، كان حيا بلا كيف و لم يكن له كان، و لا كان لكأنه كيف، و لا كان له أين، و لا كان في شي ء، و لا كان على شي ء، و لا ابتدع لكأنه مكانا، و لا قوي بعد ما كون شيئا، و لا كان ضعيفا قبل أن يكون شيئا، و لا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا، و لا يشبه شيئا، و لا كان خلوا من الملك قبل إنشائه، و لا يكون خلوا منه بعد ذهابه، كان إلها حيا بلا حياة، و مالكا قبل أن ينشئ شيئا، و مالكا بعد إنشائه للكون، و ليس يكون لله كيف و لا أين و لا حد يعرف، و لا شي ء يشبهه، و لا يهرم لطول بقائه، و لا يصعق لذعرة، و لا يخاف كما يخاف خليقته من شي ء، و لكن سميع بغير

الوافي، ج 26، ص: 38

سمع، و بصير بغير بصر، و قوي بغير قوة من خلقه، لا يدركه حدق الناظرين، و لا يحيط بسمعه سمع السامعين، إذا أراد شيئا كان بلا مشورة و لا مظاهرة و لا مخابرة، و لا يسأل أحدا عن شي ء من خلقه أراده، لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار، و هو اللطيف الخبير.

و أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بالهدي و دين الحق، ليظهره على الدين كله، و لو كره المشركون، فبلغ الرسالة و أنهج الدلالة صلى اللّٰه عليه و آله و سلم.

أيها الأمة التي خدعت فانخدعت و عرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت و اتبعت أهواءها و ضربت في عشواء غوايتها و قد استبان لها الحق فصدت

عنه، و الطريق الواضح فتنكبته، أما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو اقتبستم العلم من معدنه و شربتم الماء بعذوبته و ادخرتم الخير من موضعه، و أخذتم من الطريق واضحة، و سلكتم من الحق نهجه و تنهجت بكم السبل، و بدت لكم الأعلام، و أضاء لكم الإسلام، فأكلتم رغدا، و ما عال فيكم عائل، و لا ظلم منكم مسلم و لا معاهد، و لكن سلكتم سبيل الظلام، فأظلمت عليكم دنياكم برحبها و سدت عليكم أبواب العلم.

فقلتم بأهوائكم، و اختلفتم في دينكم، فأفتيتم في دين اللّٰه بغير علم، و اتبعتم الغواة فأغوتكم، و تركتم الأئمة فتركوكم، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه فكيف و قد تركتموه و نبذتموه و خالفتموه رويدا عما قليل تحصدون جميع ما زرعتم، و تجدون وخيم ما اجترمتم و ما اجتنيتم، و الذي فلق

الوافي، ج 26، ص: 39

الحبة و برأ النسمة لقد علمتم أني صاحبكم و الذي به أمرتم و أني عالمكم و الذي بعلمه نجاتكم، و وصي نبيكم، و خيرة ربكم، و لسان نوركم، و العالم بما يصلحكم، فعن قليل رويدا ينزل بكم ما وعدتم، و ما نزل بالأمم قبلكم، و سيسألكم اللّٰه تعالى عن أئمتكم، معهم تحشرون، و إلى اللّٰه غدا تصيرون، أما و اللّٰه لو كان لي عدة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر و هم أعدادكم لضربتكم بالسيف حتى تئولوا إلى الحق و تنيبوا للصدق و كان أرتق للفتق، و آخذ بالرفق، اللهم فاحكم بيننا بالحق و أنت خير الحاكمين".

قال: ثم خرج من المسجد فمر بصيرة فيها نحو من ثلاثين شاة، فقال" و اللّٰه لو أن لي

رجالا ينصحون لله تعالى و لرسوله بعدد هذه الشياه لأزلت ابن آكلة الذبان (الذنان- خ ل) عن ملكه".

قال: فلما أمسى بايعه ثلاثمائة و ستون رجلا على الموت فقال أمير المؤمنين عليه السلام" اغدوا بنا إلى أحجار الزيت محلقين" و حلق أمير المؤمنين عليه السلام فما وافى من القوم محلقا إلا أبو ذر و المقداد و حذيفة اليماني و عمار بن ياسر و جاء سلمان في آخر القوم فرفع يده إلى السماء فقال" اللهم إن القوم استضعفوني كما استضعفت بنو إسرائيل هارون، اللهم فإنك تعلم ما نخفي و ما نعلن و ما يخفى عليك من شي ء في الأرض و لا في السماء، توفني مسلما و ألحقني بالصالحين، أما و البيت و المفضي إلى البيت- و في نسخة: و المزدلفة و الخفاف إلى التجمير- لو لا عهد عهده إلى النبي الأمي لأوردت المخالفين خليج المنية و لأرسلت عليهم شآبيب صواعق الموت و عن قليل سيعلمون".

الوافي، ج 26، ص: 40

بيان:

" الذعرة" بالضم الخوف و بالفتح التخويف" و لا يحيط بسمعه" أي بما يسمعه.

و قد مضى شرح بعض ألفاظ صدر هذه الخطبة في أبواب معرفة اللّٰه من الجزء الأول و العشا مقصورة سوء البصر و العمى، و العشواء الناقة لا تبصر أمامها، و المراد بقوله عليه السلام: إذا ذكر الأمر .. إلى آخره، أنكم تعرفون أهل العلم بفتواهم في الأمور و مع هذا نبذتموهم و خالفتموهم رويدا مهلا و الوخيم الثقيل لعله أريد بالنور في قوله و لسان نوركم القرآن، و قد عبر به عنه في غير موضع منه و أعداد جميع عديد و هو الند، و القرآن و الصيرة بالمهملة ثم المثناة التحتانية ثم الراء حظيرة للغنم

و البقر و الذبان بالكسر و تشديد الباء جمع ذباب و كنى بابن آكلتها عن سلطان الوقت فإنهم كانوا في الجاهلية يأكلون من كل خبيث نالوه، و أحجار الزيت موضع داخل المدينة، و المفضي إلى البيت ماسة بيده، و الخفاف سرعة الحركة، و لعل المراد بالتجمير رمي الجمار، و الخليج النهر، و الشوبوب دفعة المطر و غيره و في الكلام استعارة.

الوافي، ج 26، ص: 41

باب خطبته عليه السلام في بغي المتآمرين عليه

[1]
اشارة

25367- 1 (الكافي- 8: 67 رقم 23) علي، عن أبيه، عن السراد، عن ابن رئاب و يعقوب السراج، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام" أن أمير المؤمنين عليه السلام لما بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر، فقال: الحمد لله الذي علا فاستعلى، و دنا فتعالى، و ارتفع فوق كل منظر، و أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم خاتم النبيين و حجة اللّٰه على العالمين مصدقا للرسل الأولين، و كان بالمؤمنين رءوفا رحيما فصلى اللّٰه و ملائكته عليه و على آله.

أما بعد أيها الناس فإن البغي يقود أصحابه إلى النار و إن أول من بغى على اللّٰه تعالى عناق بنت آدم و أول قتيل قتله اللّٰه عناق و كان مجلسها جريبا في جريب و كان لها عشرون إصبعا في كل إصبع ظفران مثل المنجلين فسلط اللّٰه عليها أسدا كالفيل و ذئبا كالبعير و نسرا مثل البغل فقتلوها و قد قتل اللّٰه الجبابرة على أفضل أحوالهم و آمن ما كانوا و أمات

الوافي، ج 26، ص: 42

هامان و أهلك فرعون و قد قتل عثمان، ألا و إن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّٰه نبيه صلى

اللّٰه عليه و آله و سلم و الذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة و لتغربلن غربلة و لتساطن سوط القدر حتى يعود أسفلكم أعلاكم و أعلاكم أسفلكم و ليسبقن سباقون كانوا قصروا و ليقصرن سباقون كانوا سبقوا و اللّٰه ما كتمت وشمة و لا كذبت كذبة و لقد نبئت بهذا المقام و هذا اليوم.

ألا و إن الخطايا خيل شمس حمل عليهم أهلها و خليت لجمها فتقحمت بهم في النار، فهم فيها كالحون، ألا و إن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها و أعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة و فتحت لهم أبوابها و وجدوا ريحها و طيبها و قيل لهم ادخلوها بسلام آمنين ألا و قد سبقني إلى هذا الأمر من لم أشركه فيه و من لم أهبه له و من ليست له منه توبة إلا بنبي يبعث، ألا و لا نبي بعد محمد صلى اللّٰه عليه و آله و سلم، أشرف منه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم حق و باطل و لكل أهل، فلئن أمر الباطل فلقديما ما فعل، و لئن قبل الحق فلربما و لعل و لقلما أدبر شي ء فأقبل و لئن رد عليكم أمركم أنكم سعداء و ما علي إلا الجهد و إني لأخشى أن تكونوا على فترة ملتم عني ميلة كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي و لو أشاء، لقلت: عفا اللّٰه عما سلف، سبق فيه الرجلان و قام الثالث كالغراب همته بطنه، ويله و لو قص جناحاه و قطع رأسه كان خيرا له، شغل عن الجنة و النار إمامة، ثلاثة و اثنان خمسة ليس لهم

الوافي، ج 26، ص: 43

سادس: ملك يطير بجناحيه و نبي أخذ اللّٰه بضبعيه، و ساع

مجتهد و طالب يرجو، و مقصر في النار، اليمين و الشمال مضلة و الطريق الوسطى هي الجادة عليها باقي الكتاب و آثار النبوة، هلك من ادعى و خاب من افترى، إن اللّٰه أدب هذه الأمة بالسيف و السوط و ليس لأحد عند الإمام فيهما هوادة فاستتروا في بيوتكم و أصلحوا ذات بينكم و التوبة من ورائكم، من أبدى صفحته للحق هلك".

بيان

" البغي" العلو و الاستطالة و المنجل بالنون و الجيم ما يحصد به و هامان و فرعون يجوز أن يكونا كنايتين عن الأولين و أشار ببليتهم إلى ما هم عليه من اختلاف الأهواء و تشتت الآراء و عدم الألفة و الاجتماع في نصرة اللّٰه عن شبهات يلقيها الشيطان على الأذهان القابلة لوسوسة المقهورة في يده كما كان الناس عليه حال بعثة النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم" لتبلبلن" أي لتخلطن، تبلبلت الألسن أي اختلطت و البلبلة أيضا الهم و الحزن و وسوسة الصدر.

و في الحديث النبوي: إنما عذابها في الدنيا البلابل و الفتن،

يعني هذه الأمة كنى عليه السلام بالبلبلة عما يوقع بهم بنو أمية و غيرهم من أمراء الجور من الهموم المزعجة و خلط بعضهم ببعض و رفع أرذالهم و حط أكابرهم عما يستحق كل من المراتب و لتغربلن من الغربال الذي يغربل به الدقيق و الغربلة أيضا القتل و كأنها كناية عن التقاط آحادهم و قصدهم بالأذى و القتل كما فعل بكثير من الصحابة و التابعين، أراد بذلك أنه يستخلص الصالح منكم من الفاسد كما يمتاز الدقيق عند الغربلة من نخالته.

و في الحديث النبوي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم: كيف بكم إذا كنتم في زمان

الوافي، ج 26، ص: 44

يغربل

الناس فيه غربلة

، و السوط التخليط و المسوط و المسواط خشبة يحرك بها ما في القدر ليختلط.

و في الحديث النبوي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم: إني أخاف عليكم المسوط،

يعني الشيطان كأنه يحرك الناس للمعصية و يجمعهم فيها كنى به عن تصريف أئمة الجور لهم ممن يأتي بعده بسائر أسباب الإهانة و تغيير القواعد التي هم عليها في ذلك الوقت" و ليسبقن سباقون" أي الذين كان من حقهم السبق كانوا قصروا تأخروا إظلاما" و ليقصرن سباقون" أي الذين لم يكن من حقهم السبق كانوا سبقوا تقدموا ظلما و زورا" و الوشمة" بالمعجمة الكلمة، يقال ما عصيت فلانا وشمة أي كلمة و بالمهملة العلامة و الأثر يعني لم أكتم كلمة في هذا المعنى أو أثرا سمعته من رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم في ذلك مما يتعين علي إظهاره" نبئت بهذا المقام" يعني به مقام بيعة الخلق له" و هذا اليوم" أي يوم اجتماعهم عليه، و قد مضى شرح هذه الكلمات تارة أخرى في باب التمحيص و الامتحان في كتاب الحجة، و الشمس بالضم جمع شموس و هي الدابة التي تمنع ظهرها، و الكلوح تقلص الشفتين عن الأسنان و تكشر في عبوس و المستتر في أشرف يعود إلى من لم أشركه و المجرور في منه إلى السبق" حق و باطل" أي هما حق و هو التقوى و باطل و هو الخطايا أو كلام مستأنف أمر الباطل بكسر الميم أي كشر كذا فسره جماعة و لا يبعد أن يكون بفتح الميم من الأمر و أن يكون مثلثة الميم من الأمارة أو على البناء للمفعول من التأمير أي صار أميرا" فلقديما ما فعل" أي

فعل الباطل ذلك نسب الفعل إلى الباطل مجازا، و لئن قيل الحق على البناء للمفعول.

و في نهج البلاغة و لئن قل الحق، كما يوجد في بعض نسخ الكافي و هو يؤيد تفسير أمر يكثر" فلربما" أي فلربما قيل على الأول و قل أو كثر على الثاني،

الوافي، ج 26، ص: 45

و رب على التقادير يحتمل التقليل و التكثير" و لعل" أي و لعله يقبل أو يكثر و يغلب بنصر اللّٰه و تأييده ثم استبعد عليه السلام أن تعود دولة قوم بعد زوالها على سبيل التضجر بنفسه عليه السلام" و لئن رد عليكم أمركم" أي، إن ساعدني الوقت و تمكنت من أن أحكم فيكم بحكم اللّٰه و رسوله و هادت إليكم أيام شبيهة بأيام رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سيرة مماثلة لسيرته في أصحابه أنكم السعداء و الفترة هي الأزمنة التي بين الأنبياء إذا انقطعت الرسل فيها أراد عليه السلام أني أخشى أن لا أتمكن من الحكم بكتاب اللّٰه فيكم فتكونوا كالأمم الذين في زمن الفترة لا يرجعون إلى نبي يشافههم بالشرائع و الأحكام ملتم عني ميلة أشار به إلى بيعة أبي بكر و من بعده كالغراب يعني في الحرص و الشره فإن الغراب يقع على الجيفة و على الثمرة و على الحية و في المثل أحرص من الغراب" لو قص جناحاه" يعني أنه لو مثل به أو قتل قبل أن يتلبس بالخلافة لكان خيرا له من أن يعيش و يدخل فيها.

و في رواية بعد قوله خيرا له: فانظروا فإن أنكرتم فأنكروا و إن عرفتم فأزروا أي أعينوا شغل عن الجنة على البناء للمفعول أي تركه و أقبل على الدنيا و زهرتها" و النار

أمامه" يعني و هو مقبل على النار يكاد يدخلها و قيل معناه إن من كانت الجنة و النار أمامه فقد جعل له بهما شغل يكفيه عن كل ما عداه فيجب عليه أن لا يشتغل إلا به و أشار بذلك الشغل إلى ما يكون وسيلة إلى الفوز بالجنة و النجاة من النار و لعل هذا القائل ضبط من موضع عن ثلاثة و اثنان يعني أن عباد اللّٰه المكلفين على خمسة أقسام ملك يطير بجناحيه و نبي أخذ اللّٰه بضبعيه أي عضديه.

و في رواية بيديه و ساع في إحقاق الحق و إبطال الباطل مجتهد في طاعة اللّٰه و دعوة الناس إلى اللّٰه و إقامتهم على الطريق الوسطى و هو الإمام المعصوم عليه السلام و هؤلاء الثلاثة هم المقربون أهل العصمة و اثنان آخران من الرعية فمنهم شقي و سعيد اليمين و الشمال مضلة مثل البيان أن السالك للطريق الوسطى من

الوافي، ج 26، ص: 46

غير إفراط و لا تفريط ناج و العادل عنها إلى أحد الطرفين معرض للخطر و آثار النبوة.

و زاد في رواية: و منها منفذ السنة و إليها مصير العاقبة، هلك من ادعى، يعني من ادعى ما ليس له أهلا و قيل ادعى الخلافة و الإمامة بغير استحقاق لأن أكثر كلامه في معرض ذلك أن اللّٰه أدب هذه الأمة.

و في رواية أن اللّٰه داو هذه الأمة بدوائين السوط و السيف

و هو كلام شريف جدا و الهوادة الرفق و الصلح و السكون و الرخصة و أصله اللين يعني لا يرفق الإمام و لا يرخص عند وجوب حد اللّٰه تعالى و لا يصلح في السيف و السوط أحدا إذا وجبا.

و في الحديث: لا تأخذه في اللّٰه تعالى

هوادة فاستتروا في بيوتكم

نهي لهم عن العصبية و الاجتماع لها و التحزب و التشاجر فقد كان قوم بعد قتل عثمان تكلموا في قتله من أيدي صفحته للحق يعني من كاشف الحق مخاصما له هلك هلاكا أخرويا و هي كلمة جارية مجرى المثل.

و في رواية: هلك عند جهلة الناس

فيكون المراد من أبدى صفحته لنصرة الحق غلبة أهل الجهل لأنهم العامة و فيهم الكثرة فهلك هلاكا دنيويا.

و في نهج البلاغة حذف بعض كلمات هذه الخطبة، قال ابن أبي الحديد: هذه الخطبة من جلائل خطبه عليه السلام و من مشهوراتها، قد رواها الناس كلهم، و فيها زيادات حذفها الرضي، إما اختصارا أو خوفا من إيحاش السامعين، ثم ذكر تلك الزيادات و هي أواخر ما ذكرها هنا و تكلف في شرح بعضها ذما عن أئمته ثم نقل عن شيخه أبي عثمان و أبي عبيدة أنه زاد فيها في رواية جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام: ألا إن أبرار عترتي، و أطائب أرومتي، أحلم الناس صغارا، و أعلم الناس كبارا، ألا و إنا أهل بيت من علم اللّٰه علمنا، و بحكم اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 47

حكمنا، و من قول صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، و إن لم تفعلوا يهلككم اللّٰه بأيدينا، معنا راية الحق، من تبعها لحق، و من تأخر عنها غرق، ألا و بنا يدرك ترة كل مؤمن، و بنا يخلع ربقة الذل عن أعناقكم، و بنا فتح لا بكم، و بنا يختم لا بكم.

و لعل المراد بالترة دم القتيل و شبهه من المظالم.

الوافي، ج 26، ص: 49

باب خطبته عليه السلام في معاتبة الأمة و وعيد بني أمية

[1]
اشارة

25368- 1 (الكافي- 8: 63 رقم 22) أحمد بن محمد الكوفي، عن جعفر ابن عبد اللّٰه المحمدي،

عن أبي روح فرج بن قرة، عن جعفر بن عبد اللّٰه، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال" خطب أمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة فحمد اللّٰه و أثنى عليه و صلى على النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم ثم قال: أما بعد، فإن اللّٰه تعالى لم يقصم جباري دهر إلا من بعد تمهيل و رخاء، و لم يجبر كسر عظم من الأمم إلا بعد أزل و بلاء، أيها الناس في دون ما استقبلتم من خطب، و استدبرتم من خطب معتبر، و ما كل ذي قلب بلبيب و لا كل ذي سمع بسميع، و لا كل ذي ناظر عين ببصير، عباد اللّٰه أحسنوا فيما يعنيكم النظر فيه، ثم انظروا إلى عرصات من قد أقاده اللّٰه بعلمه، كانوا على سنة من آل فرعون أهل جنات و عيون و زروع و مقام كريم، ثم انظروا بما ختم اللّٰه لهم بعد النضرة و السرور، و الأمر و النهي و لمن صبر منكم العاقبة في الجنان، و اللّٰه مخلدون، و لله عاقبة الأمور.

فيا عجبا و ما لي لا أعجب من خطإ هذه الفرق على اختلاف حججها

الوافي، ج 26، ص: 50

في دينها، لا يقتصون أثر نبي و لا يقتدون بعمل وصي و لا يؤمنون بغيب و لا يعفون عن عيب، المعروف فيهم ما عرفوا، و المنكر عندهم ما أنكروا، و كل امرئ منهم إمام نفسه، آخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات، و أسباب محكمات، فلا يزالون بجور، و لن يزدادوا إلا خطأ، و لا ينالون تقربا و لن يزدادوا إلا بعدا من اللّٰه، أنس بعضهم ببعض و تصديق بعضهم لبعض كل ذلك وحشة مما ورث

النبي الأمي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و نفورا مما أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات و الأرض أهل حسرات، و كهوف شبهات، و أهل عشوات، و ضلالة و ريبة، من وكله اللّٰه إلى نفسه و رأيه فهو مأمون عند من يجهله، غير المتهم عند من لا يعرفه.

فما أشبه هؤلاء بإنعام قد غاب عنها رعاؤها و وا أسفا من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا و كيف يقتل بعضها بعضا، المتشتة غدا عن الأصل، النازلة بالفرع، المؤملة الفتح من غير جهته، كل حزب منهم آخذ منه بغصن، أينما مال الغصن مال معه، مع أن اللّٰه- و له الحمد- سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية كما يجمع قزع الخريف يؤلف اللّٰه بينهم، ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب، ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنتين سيل العرم حيث ثقب عليه فأرة فلم يثبت عليه أكمة و لم يرد سننه رض طود يذعذعهم اللّٰه في بطون أودية.

ثم يسلكهم ينابيع في الأرض يأخذ بهم من قوم حقوق و يمكن بهم قوما في ديار قوم تشريدا لبني أمية و لكيلا يغتصبوا ما غصبوا، يضعضع اللّٰه بهم ركنا و ينقص بهم طي الجنادل من ارم و يملأ منهم بطنان الزيتون، فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليكونن ذلك و كأني أسمع صهيل خيلهم و طمطمة رجالهم، و ايم اللّٰه ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو و التمكن في

الوافي، ج 26، ص: 51

البلاد كما تذوب الألية على النار، من مات منهم مات ضالا و إلى اللّٰه تعالى يفضي منهم من درج و يتوب اللّٰه تعالى على من تاب و لعل اللّٰه

يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء و ليس لأحد على اللّٰه عز ذكره الخيرة بل لله الخيرة و الأمر جميعا.

أيها الناس إن المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير و لو لم تتخاذلوا عن مر الحق و لم تهنوا عن توهين الباطل لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم و لم يقو من قوي عليكم و على هضم الطاعة و إزوائها عن أهلها لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى عليه السلام، و لعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل، و لعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني أمية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة و أحييتم الباطل و خلفتم الحق خلف ظهوركم، و قطعتم الأدنى من أهل بدر، و وصلتم الأبعد من أبناء الحرب لرسول اللّٰه.

و لعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء و قرب الوعد و انقضت المدة و بدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق و لاح لكم القمر المنير، فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة و اعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و سلم فتداويتم من العمى و الصمم و البكم و كفيتم مئونة الطلب و التعسف و نبذتم الثقل الفادح عن الأعناق و لا يبعد اللّٰه إلا من أبى و ظلم و اعتسف و أخذ ما ليس له و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".

الوافي، ج 26، ص: 52

بيان:

" الأزل" الشدة و الضيق" فيما يعينكم النظر فيه" أي يهتكم، و في بعض النسخ" يغنيكم" بإعجام الغين و هو تصحيف، أقاده اللّٰه من القود فإنهم قد أصابوا دماء

بغير حق، و الاقتصاص الاقتفاء، و الاتباع فيما يرى من الرأي، و هذا نص في المنع عن الاجتهاد في الأحكام الشرعية و استنباطها من المتشابهات بالرأي و ترك النصوص.

و لعله عليه السلام أراد بالأصل الإمام الحق و بالفرع أولاده المدعين للإمامة و بالفتح ظهور دولة الحق، و بالغصن كل مدع منهم، و القزع بالقاف ثم الزاي ثم العين المهملة قطع السحاب و إنما خص الخريف لأنه أول الشتاء، و السحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم و لا مطبق ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك كذا في النهاية، و الركام المتراكب بعضه فوق بعض" من مستشارهم" أي محل انبعاثهم و تهيجهم و كأنه أشار عليه السلام بذلك إلى فتن أبي مسلم المروزي و استئصاله لبني أمية و إنما شبههم بسيل العرم لتخريبهم البلاد و أهلها الذين كانوا في خفض و دعة و أريد بالجنتين جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدتهم و جماعة عن شمالها روي أنها كانت أخصب البلاد و أطيبها لم يكن فيها عاهة و لا هامة و فسر العرم تارة بالصعب و أخرى بالمطر الشديد و أخرى بالجرذ و أخرى بالوادي و أخرى بالأجباس التي تبنى في الأودية و منه قيل إنه اصطرخ أهل سبإ قيل إنما أضيف السيل إلى الجرذ لأنه نقب عليهم سدا ضربته لهم بلقيس فحقنت به الماء و تركت فيه ثقبا على مقدار ما يحتاجون إليه أو المسناة التي عقدت سدا على أنه جمع عرمة و هي الحجارة المركومة و كان ذلك بين عيسى و محمد صلى اللّٰه عليه و آله، و الأكمة التل و الرض الدق الجريش و الطود الجيل.

و في بعض النسخ رص طود بالصاد المهملة

فيكون بمعنى الإلزاق و الضم

الوافي، ج 26، ص: 53

و الشد و لعله الصواب و المجرور في سنته يرجع إلى السيل أو إلى اللّٰه تعالى و الذعذعة بالذالين المعجمتين و العينين المهملتين التفريق و التشريد التنفير و التضعضع الهدم، و الإزلال و الإرم دمشق و الإسكندرية و يقال لحجارة تنصب علما في المفازة، و بطنان جمع بطن و هو الغامض من الأرض و زيتون مسجد دمشق أو جبال شام، و الطمطمة في الكلام أن يكون فيه عجمة يقضي منهم من درج أي يرجع من مات، و الإزواء الصرف، و الفادح المثقل العصب.

و لعل طالع المشرق كناية عن القائم صلوات اللّٰه عليه.

الوافي، ج 26، ص: 55

باب خطبته عليه السلام في الفتن و البدع

[1]
اشارة

25369- 1 (الكافي- 8: 58 رقم 21) علي، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عثمان، عن سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فحمد اللّٰه و أثنى عليه ثم صلى على النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم ثم قال" ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان اتباع الهوى و طول الأمل، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق و أما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة و إن الآخرة قد ترحلت مقبلة و لكل واحدة بنون، فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل و لا حساب و إن غدا حساب و لا عمل.

و إنما بدو وقوع الفتن من أهواء تتبع و أحكام تبتدع، يخالف فيها حكم اللّٰه يتولى فيها رجال رجالا، ألا إن الحق لو خلص لم يكن اختلاف، و لو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، لكنه يؤخذ من هذا

ضغث و من هذا ضغث، فيمزجان فيجتمعان فيجللان معا، فهنالك يستولي

الوافي، ج 26، ص: 56

الشيطان على أوليائه و نجا الذين سبقت لهم من اللّٰه الحسنى.

إني سمعت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم يقول: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير و يهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها و يتخذونها سنة، فإذا غير منها شي ء قيل: قد غيرت السنة و قد أتى الناس منكرا، ثم تشتد البلية و تسبى الذرية و تدقهم الفتنة كما تدق النار الحطب، و كما تدق الرحى بثفالها و يتفقهون لغير اللّٰه و يتعلمون لغير العمل و يطلبون الدنيا بأعمال الآخرة".

ثم أقبل بوجهه و حوله ناس من أهل بيته و خاصته و شيعته فقال" قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيرين لسنته، و لو حملت الناس على تركها، و حولتها إلى مواضعها، و إلى ما كانت في عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي و فرض إمامتي من كتاب اللّٰه و سنة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم، أ رأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و رددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام و رددت صاع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم كما كان، و أمضيت قطائع أقطعها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم لأقوام لم تمض لهم و لم تنفذ، و رددت

دار جعفر إلى ورثته و هدمتها من المسجد و رددت قضايا من الجور قضي بها.

و نزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن

الوافي، ج 26، ص: 57

و استقبلت بهذا الحكم في الفروج و الأحكام و سبيت ذراري بني تغلب، و رددت ما قسم من أرض خيبر، و محوت دواوين العطايا و أعطيت كما كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم يعطي بالسوية، و لم أجعلها دولة بين الأغنياء، و ألقيت المساحة، و سويت بين المناكح، و أنفذت خمس الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و سلم كما أنزل اللّٰه و فرضه، و رددت مسجد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم إلى ما كان عليه، و سددت ما فتح فيه من الأبواب، و فتحت ما سد منه، و حرمت المسح على الخفين، و حددت على النبيذ، و أمرت بإحلال المتعتين، و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات، و ألزمت الناس الجهر ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم.

و أخرجت من أدخل مع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم في مسجده ممن كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم أخرجه و أدخلت من أخرج بعد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم ممن كان رسول اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 58

صلى اللّٰه عليه و آله و سلم أدخله، و حملت الناس على حكم القرآن و على الطلاق على السنة، و أخذت الصدقات على أصنافها و حدودها، و رددت الوضوء و الغسل و الصلاة إلى مواقيتها و شرائعها و مواضعها، و رددت أهل نجران إلى مواضعهم، و رددت سبايا فارس و سائر الأمم إلى كتاب اللّٰه و

سنة نبيه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم إذا لتفرقوا عني و اللّٰه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، و أعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادي بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي:

يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر، نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا و لقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة و طاعة أئمة الضلال و الدعاة إلى النار، و أعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال اللّٰه تعالى إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ

الوافي، ج 26، ص: 59

وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ فنحن و اللّٰه عنى بذي القربى الذي قرننا اللّٰه بنفسه و برسوله صلى اللّٰه عليه و آله و سلم فقال فلله و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل- منا خاصة- كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا و اتقوا اللّٰه- في ظلم آل محمد صلوات اللّٰه عليهم- إن اللّٰه شديد العقاب لمن ظلمهم رحمة منه لنا و غنى أغنانا اللّٰه به و وصى بها نبيه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم اللّٰه رسوله صلى اللّٰه عليه و آله و أكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس، فكذبوا اللّٰه و كذبوا رسوله صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و جحدوا كتاب اللّٰه الناطق بحقنا و منعونا فرضا فرضه اللّٰه لنا، ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبينا صلى اللّٰه عليه و آله

و سلم و اللّٰه المستعان على من ظلمنا و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم".

بيان

" الحجى" بتقديم المهملة العقل" و الضغث" القبضة عن الشي ء" و التجليل" الستر" يربو فيها الصغير" أي يكبر كناية عن امتدادها" و الثفال" بالمثلثة و الفاء قال في النهاية في حديث علي عليه السلام" و تدقهم الفتن دق الرحى بثفالها" الثفال بالكسر جلدة تبسط تحت رحى اليد ليقع عليها الدقيق و يسمى الحجر الأسفل مثفالا و المعنى أنها تدقهم دق الرحى للحب إذا كانت مثفلة و لا تثفل إلا عند الطحن" قد عملت الولاة قبلي أعمالا" يعني بالولاة الثلاثة و أعمالهم التي خالفوا فيها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم كثيرة جدا.

الوافي، ج 26، ص: 60

و قد ذكر غير واحد من أصحابنا طائفة منها في جملة مطاعنهم في كتبهم و لم أجد ذكرها مستقصى في كتاب و قد أشار عليه السلام إلى بعضها خصوصا و إلى بعضها عموما في هذه الخطبة بعد هذا الإجمال بقوله" أ رأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام- إلى قوله- إذا لتفرقوا عني" فإن إذا هذه جواب لو هذه و إن بعدت عنها و إنما غير مقام إبراهيم عن موضعه عمر في عهده و رده إلى ما كان في الجاهلية و كان لازقا بالبيت كما مضى بيانه في كتاب الحج و قصة فدك مشهورة لا تحتاج إلى البيان و مقدار صاع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم مضى في كتاب الطهارة و القطيعة طائفة من أرض الخراج" أقطعها" أي عينها و عزلها" و رددت دار جعفر" كأنهم غصبوها و أدخلوها في المسجد" و رددت قضايا من

الجور قضي بها" و ذلك كقضاء عمر بالعول و التعصيب في الإرث، و كقضائه بقطع السارق من معصم الكف و مفصل ساق الرجل خلافا لما أمر به النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم من ترك الكف و العقب و إنفاذ في الطلاق الثلث المرسلة و منعه من بيع أمهات الأولاد و إن مات الولد و قال هذا رأي رأيته فأمضاه على الناس إلى غير ذلك من قضاياه و قضايا الآخرين و نزعت نساء تحت رجال بغير حق كمن طلقت بغير شهود و على غير طهر كما أبدعوه و نفذوه و غير ذلك و محوت دواوين العطايا أشار بذلك إلى ما ابتدعه عمر في عهده من وضعه الخراج على أرباب الزراعات و الصناعات و التجارات لأهل العلم

الوافي، ج 26، ص: 61

و أصحاب الولايات و الرئاسات و الجند و جعل ذلك عليهم بمنزلة الزكاة المفروضة و دون دواوين و أثبت فيها أسماء هؤلاء و أسماء هؤلاء و أثبت لكل رجل من الأصناف الأربعة ما يعطي من الخراج الذي وضعه على الأصناف الثلاثة و فضل في الإعطاء بعضهم على بعض و وضع الدواوين على يد شخص سماه صاحب الديوان و أثبت له أجرة من ذلك الخراج و على هذه البدعة جرت سلاطين الجور و حكامهم إلى الآن و لم يكن شي ء من ذلك على عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و لا على عهد أبي بكر و إنما الخراج للإمام فيما يختص به من الأراضي خاصة يصنع به ما يشاء كما مضى بيانه في كتاب الزكاة" و لم أجعلها دولة بين الأغنياء" يعني أن يتداولوه بينهم و يحرموا الفقراء.

و لعل المراد

بالمساحة مساحة الأرض للخراج و سويت بين المناكح أشار بذلك إلى ما ابتدعه عمر من منعه غير قريش أن يتزوج في قريش و منعه العجم من التزويج في العرب" و أنفذت خمس الرسول" إشارة إلى منع عمر أهل البيت خمسهم كما يأتي بيانه في آخر هذه الخطبة" و رددت مسجد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم إلى ما كان عليه" يعني أخرجت منه ما زادوه فيه" و سددت ما

الوافي، ج 26، ص: 62

فتح فيه من الأبواب" إشارة إلى ما نزل به جبرئيل عليه السلام من اللّٰه سبحانه من أمره النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم بسد الأبواب من مسجده إلا باب علي و كأنهم قد عكسوا الأمر بعد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم" و حرمت المسح على الخفين" إشارة إلى ما ابتدعه عمر من إجازته المسح على الخفين في الوضوء ثلاثا للمسافر و يوما و ليلة للمقيم و قد روت عائشة عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم أنه قال" أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره".

" و حددت على النبيذ" و ذلك أنهم استحلوه" و أمرت بإحلال المتعتين" يعني متعة النساء و متعة الحج، قال عمر: متعتان كانتا على عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و أنا أحرمهما و أعاقب عليهما متعة النساء و متعة الحج" و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات" و ذلك أنهم جعلوها أربعا" و ألزمت الجهر ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم" و ذلك أنهم يتخافتون بها أو يسقطونها في الصلاة" و أخرجت من أدخل" لعل المراد به أبو بكر و

عمر حيث دفنا في مسجد الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و سلم أخرجه و المراد بإخراج الرسول إياهما سد بابهما عن المسجد" و أدخلت من أخرج" و لعل المراد به نفسه عليه السلام و بإخراجه سد بابه و بإدخاله فتحه" و حملت الناس على حكم القرآن" و ذلك أنهم خالفوا القرآن في كثير من الأحكام منها وجوب الإشهاد على الطلاق و عدم وجوبه على النكاح فإنهم عكسوا الأمر في ذلك و أبطلوا عدة من أحكام الطلاق و أبدعوا فيه بآرائهم" و أخذت الصدقات على أصنافها" و هي الأجناس التسعة فإنهم أجبوها في غير ذلك" و حدودها" أي نصبها فإنهم خالفوا فيها و في سائر أحكامها" و رددت الوضوء و الغسل و الصلاة إلى مواقيتها و شرائعها و مواضعها" و ذلك أنهم خالفوا في كثير منها كإبداعهم في الوضوء مسح الأذنين و غسل الرجلين و المسح على العمامة و الخفين و انتقاضة بملامسة النساء و مس

الوافي، ج 26، ص: 63

الذكر و أكل ما مسته النار و غير ذلك مما لا ينقضه و كإبداعهم الوضوء مع غسل الجنابة و إسقاط الغسل في التقاء الختانين من غير إنزال، و إسقاطهم من الأذان حي على خير العمل و زيادتهم فيه: الصلاة خير من النوم، و تقديمهم التسليم على التشهد الأول في الصلاة مع أن الفرض من وضعه التحليل منها، و إبداعهم وضع اليمين على الشمال فيها و حملهم الناس على الجماعة في النافلة و على صلاة الضحى و غير ذلك و أكثرها من مبتدعات عمر.

" أن يثوروا" أي يهيجوا" ما لقيت من هذه الأمة" تعجب مما لقي من الأذى" و أعطيت من ذلك سهم ذي القربى" استئناف

و عطفه على أمرت الناس" لا يخلو من حزازة الذي قال اللّٰه" إشارة إلى قوله سبحانه في سورة الأنفال وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ.

و في سورة الحشر مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لٰا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيٰاءِ مِنْكُمْ- إلى قوله- وَ اتَّقُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ شَدِيدُ الْعِقٰابِ فبين صلوات اللّٰه عليه معنى التقوى في هذه الآية و أن شدة العقاب فيها لمن رحمة منه لنا، يعني أنزل اللّٰه ذلك فينا و قرننا بنفسه و برسوله صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و أكد ذلك فنونا من التأكيد رحمة منه سبحانه لنا و غنى أغنانا اللّٰه به و وصى بها نبيه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم.

الوافي، ج 26، ص: 65

باب خطبته عليه السلام في تغير النعم و زوالها

[1]
اشارة

25370- 1 (الكافي- 8: 256 رقم 368) محمد، عن ابن عيسى، عن السراد، عن مؤمن الطاق، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال" إن أمير المؤمنين عليه السلام لما انقضت القصة فيما بينه و بين طلحة و الزبير و عائشة بالبصرة صعد المنبر فحمد اللّٰه و أثنى عليه و صلى على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم ثم قال:

أيها الناس إن الدنيا حلوة خضرة تفتن الناس بالشهوات و تزين لهم بعاجلها و ايم اللّٰه إنها لتغر من أملها و تخلف من رجاها و ستورث غدا أقواما الندامة و الحسرة

بإقبالهم عليها و تنافسهم فيها و حسدهم و بغيهم على أهل الدين و الفضل فيها ظلما و عدوانا و بغيا و أشرا و بطرا و بالله إنه ما عاش قوم قط في غضارة من كرامة نعم اللّٰه في معاش دنيا و لا دائم تقوى في طاعة اللّٰه و الشكر لنعمه فأزال ذلك عنهم إلا من بعد تغيير من أنفسهم و تحويل عن طاعة اللّٰه و الحادث من ذنوبهم و قلة محافظته و ترك مراقبة اللّٰه و تهاون بشكر نعمة اللّٰه.

لأن اللّٰه تعالى يقول في محكم كتابه إِنَّ اللّٰهَ لٰا يُغَيِّرُ مٰا بِقَوْمٍ حَتّٰى

الوافي، ج 26، ص: 66

يُغَيِّرُوا مٰا بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذٰا أَرٰادَ اللّٰهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلٰا مَرَدَّ لَهُ وَ مٰا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وٰالٍ و لو أن أهل المعاصي و كسبة الذنوب إذا هم حذروا زوال نعمة اللّٰه و حلول نقمته و تحويل عافيته أيقنوا أن ذلك من اللّٰه تعالى بما كسبت أيديهم، فأقلعوا و تابوا و فزعوا إلى اللّٰه تعالى بصدق من نياتهم و إقرار منهم له بذنوبهم و إساءتهم لصفح لهم عن كل ذنب و إذا لأقالهم كل عثرة و لرد عليهم كل كرامة نعمة، ثم أعاد لهم من صلاح أمرهم و مما كان أنعم به عليهم كل ما زال عنهم و فسد عليهم.

فاتقوا اللّٰه أيها الناس حق تقاته، و استشعروا خوف اللّٰه تعالى، و أخلصوا اليقين، و توبوا إليه من قبيح ما استفزكم الشيطان من قتال ولي الأمر و أهل العلم بعد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و ما تعاونتم عليه من تفريق الجماعة و تشتيت الأمر و فساد صلاح ذات البين، إن اللّٰه يقبل التوبة و

يعفو عن السيئة و يعلم ما تفعلون".

بيان

الأشر و البطر شدة الفرح، و العضارة طيب العيش، و الاستفزاز الاستخفاف.

الوافي، ج 26، ص: 67

باب خطبته عليه السلام في حقوق الوالي و الرعية

[1]
اشارة

25371- 1 (الكافي- 8: 352 رقم 550) علي بن الحسين المؤدب عن البرقي و أحمد بن محمد بن أحمد، عن التيمي جميعا، عن إسماعيل بن مهران، عن عبد اللّٰه بن الحارث، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال" خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس بصفين فحمد اللّٰه و أثنى عليه و صلى على نبيه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم ثم قال:

أما بعد فقد جعل اللّٰه لي عليكم حقا بولاية أمركم و منزلتي التي أنزلني اللّٰه بها منكم و لكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم، و الحق أجمل الأشياء في التواصف و أوسعها في التناصف لا يجري لأحد إلا جرى عليه و لا يجري عليه إلا جرى له و لو كان لأحد أن يجري ذلك له و لا يجري عليه لكان ذلك لله تعالى خالصا دون خلقه لقدرته على عباده و لعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه و لكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه و جعل كفارتهم عليه الحسن الثواب تفضلا منه و تطولا بكرمه و توسعا بما هو من المزيد له أهلا، ثم جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافى في وجوهها و يوجب بعضها بعضا و لا يستوجب بعضها إلا ببعض.

الوافي، ج 26، ص: 68

فأعظم ما افترض اللّٰه تعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية و حق الرعية على الوالي فريضة فرضها اللّٰه تعالى لكل على كل فجعلها نظام ألفتهم و عزا لدينهم و قواما لسنن الحق فيهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة و

لا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه و أدى إليها الوالي كذلك عز الحق بينهم و قامت مناهج الدين و اعتدلت معالم العدل و جرت على أذلالها السنن فصلح بذلك الزمان، و طاب به العيش، و طمع في بقاء الدولة، و يئست مطامع الأعداء.

و إذا غلبت الرعية على واليهم و علا الوالي الرعية اختلفت هنالك الكلمة و ظهرت مطامع الجور، و كثر الإدغال في الدين، و تركت معالم السنن، فعمل بالهوى، و عطلت الآثار، و كثرت علل النفوس، و لا تستوحش لجسيم حق عطل و لا لعظيم باطل أثل، فهنالك يذل الأبرار، و يعز الأشرار، و تخرب البلاد، و تعظم تبعات اللّٰه عند العباد.

فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة اللّٰه عز و جل و القيام بعدله و الوفاء بعهده و الإنصاف له في جميع حقه، فإنه ليس العباد إلى شي ء أحوج منهم إلى التناصح في ذلك و حسن التعاون عليه و ليس أحد، و إن اشتد على رضا اللّٰه حرصه، و طال في العلم اجتهاده يبالغ حقيقة ما أعطى اللّٰه تعالى من الحق أهله، و لكن من واجب حقوق اللّٰه على العباد النصيحة له بمبلغ جهدهم و التعاون على إقامة الحق فيهم ثم ليس امرؤ و إن عظمت في الحق منزلته و جسمت في الحق فضيلته بمستغن عن أن يعان على ما حمله اللّٰه من حقه و لا لامرئ مع ذلك خست به الأمور، و اقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك و يعان عليه و أهل الفضيلة في الحال، و أهل النعم العظام، أكثر في ذلك حاجة و كل في الحاجة إلى

الوافي، ج 26، ص: 69

اللّٰه تعالى

شرع سواء.

فأجابه رجل من عسكره لا يدري من هو، و يقال إنه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم و لا بعده، فقال و أحسن الثناء على اللّٰه تعالى بما أبلاهم و أعطاهم من واجب حقه عليهم و الإقرار بكل ما ذكر من تصرف الحالات به و بهم.

ثم قال: أنت أميرنا و نحن رعيتك، بك أخرجنا اللّٰه من الذل و بإعزازك أطلق عباده من الغل، فاختر علينا و امض اختيارك و ائتمر فامض ائتمارك، فإنك القائل المصدق، و الحاكم الموفق، و الملك المخول، لا نستحل في شي ء معصيتك، و لا نقيس علما بعلمك، يعظم عندنا في ذلك خطرك و يجل عنه في أنفسنا فضلك.

فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إن من حق من عظم جلال اللّٰه في نفسه و جل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه و إن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة اللّٰه عليه و لطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة اللّٰه على أحد إلا ازداد حق اللّٰه عليه عظما و إن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر و يوضع أمرهم على الكبر و قد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء و استماع الثناء و لست بحمد اللّٰه كذلك و لو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة و الكبرياء.

و ربما أستحلي الناس الثناء بعد البلاء، فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى اللّٰه و إليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها و فراض لا بد من إمضائها فلا تكلموني بما تكلمون به الجبابرة

و لا

الوافي، ج 26، ص: 70

تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة و لا تخالطوني بالمصانعة و لا تظنوا بي استثقالا لحق قيل لي و لا التماس إعظام نفسي لما لا يصلح لي فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفوا عني مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق ما أن أخطئ و لا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي اللّٰه من نفسي ما هو أملك به مني، فإنما أنا و أنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره، يملك منا ما لا نملك من أنفسنا و أخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدي و أعطانا البصيرة بعد العمى.

فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل، فقال: أنت أهل ما قلت و اللّٰه و اللّٰه أهل فوق ما قلته فبلاؤه عندنا ما لا يكفر و قد حملك اللّٰه تعالى رعايتنا و ولاك سياسة أمورنا، فأصبحت علمنا الذي نهتدي به، و إمامنا الذي نقتدي به، و أمرك كله رشد، و قولك كله أدب، قد قرت بك في الحياة أعيننا و امتلأت من سرور بك قلوبنا و تحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا و لسنا نقول لك: أيها الإمام الصالح تزكية لك و لا تجاوز القصد في الثناء عليك، و لن يكون في أنفسنا طعن على يقينك، أو غش في دينك فنتخوف أن تكون أحدثت بنعمة اللّٰه تعالى تجبرا أو دخلك كبر و لكنا نقول لك ما قلنا تقربا إلى اللّٰه تعالى بتوقيرك و توسعا بتفضيلك و شكرا بإعظام أمرك، فانظر لنفسك و لنا و آثر

أمر اللّٰه على نفسك و علينا، فنحن طوع فيما أمرتنا ننقاد من الأمور مع ذلك فيما ينفعنا.

فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: و أنا أستشهدكم عند اللّٰه على نفسي لعلمكم فيما وليت به من أموركم و عما قليل يجمعني و إياكم الموقف بين يديه و السؤال عما كنا فيه، ثم يشهد بعضنا على بعض فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا، فإن اللّٰه تعالى لا يخفى عليه خافية و لا

الوافي، ج 26، ص: 71

يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في جميع الأمور.

فأجابه الرجل، و يقال لم ير الرجل بعد كلامه هذا لأمير المؤمنين عليه السلام فأجابه و قد عال الذي في صدره فقال و البكاء يقطع منطقه و غصص الشجا تكسر صوته إعظاما لخطر مرزئته و وحشة من كون فجيعته، فحمد اللّٰه و أثنى عليه، ثم شكا إليه هول ما أشفى عليه من الخطر العظيم و الذل الطويل في فساد زمانه و انقلاب حده و انقطاع ما كان من دولته ثم نصب المسألة إلى اللّٰه تعالى بالامتنان عليه و المدافعة عنه بالتفجع و حسن الثناء.

فقال: يا رباني العباد، و يا سكن البلاد، أين يقع قولنا من فضلك، و أين يبلغ وصفنا من فعلك، و أنى نبلغ حقيقة حسن ثنائك أو نحصي جميل بلائك فكيف و بك جرت نعم اللّٰه علينا و على يدك اتصلت أسباب الخير إلينا، أ لم تكن لذل الذليل ملاذا، و للعصاة الكفار إخوانا فبمن إلا بأهل بيتك و بك أخرجنا اللّٰه تعالى من فظاعة تلك الخطرات أو بمن فرج عنا غمرات الكبريات و بمن إلا بكم أظهر اللّٰه معالم ديننا، و استصلح ما كان فسد من دنيانا حتى استبان بعد الجور

ذكرنا، و قرت من رخاء العيش أعيننا، لما وليتنا بالإحسان جهدك، و وفيت لنا بجميع وعدك، و قمت لنا على جميع عهدك، فكنت شاهد من غاب منا، و خلف أهل البيت لنا، و كنت عز ضعفائنا، و ثمال فقرائنا، و عماد عظمائنا.

يجمعنا في الأمور عدلك، و يتسع لنا في الحق تأنيك، فكنت لنا أنسا إذا رأيناك و سكنا إذا ذكرناك، فأي الخيرات لم تفعل و أي الصالحات لم تعمل و لو لا أن الأمر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحويله جهدنا، و يقوي لمدافعته طاقتنا، أو يجوز الفداء عنك منه بأنفسنا، و بمن نفديه بالنفوس من أبنائنا، لقدمنا أنفسنا و أبنائنا قبلك، و لأخطرناها و قل خطرها دونك، و لقمنا بجهدنا في محاولة من حاولك، و في مدافعة من ناواك،

الوافي، ج 26، ص: 72

و لكنه سلطان لا يحاول و عز لا يزاول و رب لا يغالب، فإن يمنن علينا بعافيتك و يترحم علينا ببقائك و يتحنن علينا بتفريج هذا من حالك إلى سلامة منك لنا، و بقاء منك بين أظهرنا، نحدث لله عز و جل بذلك شكرا نعظمه، و ذكرا نديمه، و نقسم أنصاف أموالنا صدقات، و أنصاف رقيقنا عتقاء، و نحدث له تواضعا في أنفسنا، و نخشع في جميع أمورنا، و إن يمض بك إلى الجنان، و يجري عليك حتم سبيله فغير متهم فيك قضاؤه، و لا مدفوع عنك بلاؤه، و لا مختلفة مع ذلك قلوبنا بأن اختياره لك ما عنده على ما كنت فيه، و لكنا نبكي من غير إثم لعز هذا السلطان أن يعود ذليلا و للدين و الدنيا أكيلا فلا نرى لك خلفا تشكو إليه، و لا نظيرا نأمله و لا

نقيمه".

بيان

" الذي له عليهم من الحق" هو وجوب طاعته و إمحاض نصيحته" و الذي لهم عليه من الحق" هو وجوب معدلته فيهم" و التواصف" أن يصف بعضهم لبعض" و التناصف" أن ينصف بعضهم بعضا و إنما كان الحق أجمل الأشياء في التواصف لأنه يوصف بالحسن و الوجوب و كل جميل و إنما كان أوسعها في التناصف لأن الناس لو تناصفوا في الحقوق لما ضاق عليهم أمر من الأمور.

و في نهج البلاغة: و الحق أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف

و هو أوضح و معناه أن الناس كلهم يصفون الحق و لكن لا ينصف بعضهم بعضا و جعل كفارتهم إنما سمي جزاؤه تعالى على الطاعة كفارة لأنه يكفر ما يزعمونه من أن طاعتهم له تعالى حق لهم عليه يستوجبون به الثواب مع أنه ليس كذلك لأن الحق له عليهم حيث أقدرهم على الطاعة و ألهمهم إياها و لهذا سماه التفضل و التطول و التوسع بالإنعام الذي هو للمزيد منه أهل لأنه الكريم الذي لا ينفذ خزائنه بالإعطاء و الجود تعالى مجده و تقدس.

الوافي، ج 26، ص: 73

و في نهج البلاغة: و جعل جزاءهم عليه،

و على هذا فلا يحتاج إلى التكليف" تتكافى في وجوهها" أي تتساوى" و جرت على أدلالها السنن" بفتح الهمزة و المهملة كذا في نسخ الكافي و الصحيح المعجمة كما في نهج البلاغة أي على مجاريها و طرقها و الإدغال في الدين الإفساد فيه و علل النفوس تعللها بالباطل و المستتر في لا تستوحش راجع إلى النفوس" و التأثيل" التأصيل، و في نهج البلاغة فعل مكان أثل و التبعة ما يتبع أعمال العباد من العقاب و سوء العاقبة و لا لامرئ مع

ذلك يعني مع عدم الاستغناء عن الاستعانة حست به الأمور بالمهملتين اختبرته.

و في بعض النسخ خسأت و كأنه بإعجام الخاء بمعنى الطرد و الإبعاد ليناسب قوله اقتحمته العيون أي احتقرته و ازدردته.

و في نهج البلاغة و لا امرؤ و إن صغرته النفوس و اقتحمته العيون

و هو أوضح بدون ما أن يعين أي بأقل من أن يستعان به و يعان و الحاصل أن الشريف و الوضيع جميعا محتاجون في أداء الحقوق إلى إعانة بعضهم بعضا و استعانة بعضهم ببعض و كل من كانت النقمة عليه أعظم فاحتياجه في ذلك أكثر لأن الحقوق عليه أوفر لازدياد الحقوق بحسب ازدياد النعم سواء بيان لشرع أبلاهم" أنعمهم من واجب حقه" يعني حق أمير المؤمنين عليه السلام من الغل أشار به إلى قوله سبحانه وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلٰالَ الَّتِي كٰانَتْ عَلَيْهِمْ أي يخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة" و ائتمر" من الائتمار بمعنى المشاورة" و المخول" المنعم عليه من استخف كذا وجد في نسخ الكافي و الصواب من بكسر الميم و أسخف بدون التاء كما في نهج البلاغة" جال" بالجيم من الجولان بالواو و الجألان بالهمز محركة و الإطراء المبالغة في المدح" و ربما أستحلي الناس وجدوه حلوا" معناه أن بعض من يكره الإطراء قد يحب ذلك

الوافي، ج 26، ص: 74

بعد البلاء و الاختبار و لو فرضنا أن ذلك سائغ و جائز و غير قبيح لم يجز لكم أن تثنوا علي في وجهي و لا جاز لي أن أسمعه منكم لأنه قد بقيت على بقية من الحقوق و الفرائض لم أفرغ من أدائها و إمضائها بعد و لا بدلي من أدائها و إمضائها و إذا

لم يتم البلاء الذي فرضنا أن الثناء يحسن بعده لم يحسن الثناء" لإخراجي نفسي" أي لاعترافي بين يدي اللّٰه و بمحضر منكم أن علي حقوقا في إيالتكم و رئاستي عليكم لم أقم بها بعد و أرجو من اللّٰه القيام بها.

و في بعض النسخ من التقية بالتاء المثناة الفوقانية يعني من أن تتقوني في مطالبة حقوق لكم لم أفرغ من أدائها و على هذا يكون المراد بمستحلي الثناء الذين يثنيهم الناس اتقاء شرهم و خوفا من بأسهم و أهل البادرة الملوك و السلاطين و البادرة الحدة، يقال أخشى بادرته و بدرت منه بوادر يعني غضب، و المصانعة المداهنة يعني لا تداهنوا في بالمدح و الإطراء عن عمل الحق كما يداهن به كثير من الولاة الذين يستفزهم المدح و يستخفهم الإطراء و الثناء فيغمضون عن اعتماد كثير من الحق مكافأة لما صونعوا به من التزكية و النفاق قوله" لست في نفسي بفوق ما أن أخطئ من قبيل هضم النفس ليس بنفي العصمة مع أن الاستثناء يكفينا مئونة ذلك، و قوله فأبدلنا بعد الضلالة من قبيل إلحاق نفسه بالقوم توسعا إذ لم يكن عليه السلام ضالا قط حاشاه ما لا يكفر من الكفران و البارع الفائق، و قد عال الذي في صدره بالمهملة اشتد و تفاقم و غلبه و ثقل عليه و أهمه و الشجا ما اعترض في الحلق من عظم و نحوه و المرزئة بتقديم المهملة المصيبة و كذا الفجيعة و أشفى بالفاء أشرف و الفظاعة الشناعة، و الغمرات الشدائد و المزدحمات و الثمال بالكسر الملجإ و الغياث و قيل هو المطعم في الشدة و حاوله محاولة رامه" و ناواه" عاداه و كان الرجل كأن هو الخضر.

الوافي،

ج 26، ص: 75

باب خطبته عليه السلام في معاتبة طالبي التفضيل

[1]
اشارة

25372- 1 (الكافي- 8: 360 رقم 551) علي، عن أبيه و محمد بن علي جميعا، عن إسماعيل بن مهران و بالإسنادين المتقدمين عن إسماعيل بن مهران، عن المنذر بن جيفر، عن الحكم بن ظهير، عن عبد اللّٰه بن جرير العبدي، عن الأصبغ بن نباتة قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام عبد اللّٰه ابن عمر و ولد أبي بكر و سعد بن أبي وقاص يطلبون منه التفضيل لهم فصعد المنبر و مال الناس إليه، فقال" الحمد لله ولي الحمد و منتهى الكرم، لا تدركه الصفات، و لا يحد باللغات، و لا يعرف بالغايات، و أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له و أن محمدا رسول اللّٰه نبي الهدى و موضع التقوى و رسول الرب الأعلى، جاء بالحق من عند الحق لينذر بالقرآن المبين و البرهان المستنير فصدع بالكتاب المبين و مضى على ما مضت عليه الرسل الأولون.

أما بعد: أيها الناس فلا يقولن رجال قد كانت الدنيا غمرتهم فاتخذوا العقار و فجروا الأنهار و ركبوا أفره الدواب، و لبسوا ألين الثياب فصار ذلك عليهم عارا و شنارا إن لم يغفر لهم الغفار إذا منعتهم ما كانوا فيه يخوضون و صيرتهم إلى ما يستوجبون فيفقدون ذلك فيسألون

الوافي، ج 26، ص: 76

و يقولون: ظلمنا ابن أبي طالب و حرمنا و منعنا حقوقنا، فالله عليهم المستعان من استقبل قبلتنا، و أكل ذبيحتنا، و آمن بنبينا، و شهد شهادتنا، و دخل في ديننا، أجرينا عليه حكم القرآن و حدود الإسلام، ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى، ألا و إن للمتقين عند اللّٰه أفضل الثواب، و أحسن الجزاء و المآب، لم يجعل اللّٰه تعالى

الدنيا للمتقين ثوابا، و ما عند اللّٰه خير للأبرار، انظروا أهل دين اللّٰه فيما أصبتم في كتاب اللّٰه و تركتم عند رسول اللّٰه و جاهدتم به في ذات اللّٰه، أ بحسب أم بنسب أم بعمل أم بطاعة أم زهادة، و فيما أصبحتم فيه راغبين فسارعوا إلى منازلكم- رحمكم اللّٰه- التي أمرتم بعمارتها، العامرة التي لا تخرب، الباقية التي لا تنفد، التي دعاكم إليها، و حضكم عليها، و رغبكم فيها، و جعل الثواب عنده عنها، فاستتموا نعم اللّٰه تعالى بالتسليم لقضائه، و الشكر على نعمائه، فمن لم يرض بهذا فليس منا و لا إلينا، و إن الحاكم يحكم بحكم اللّٰه و لا خشية عليه من ذلك أولئك هم المفلحون- و في نسخة: و لا وحشة و أولئك لا خوف عليهم و لا هم يحزنون.

و قال:" و قد عاتبتكم بدرتي التي أعاتب بها أهلي فلم تبالوا، و ضربتكم بسوطي الذي أقيم به حدود ربي فلم ترعووا، أ تريدون أن أضربكم بسيفي، أما إني أعلم الذي تريدون و يقيم أودكم و لكن لا أشتري صلاحكم بفساد نفسي بل يسلط اللّٰه عليكم قوما فينتقم لي منكم فلا دنيا استمتعتم بها و لا آخرة صرتم إليها فبعدا و سحقا لأصحاب السعير".

بيان

" يطلبون منه التفضيل لهم" يعني في قسمة الأموال و العطايا بين المسلمين" فصدع بالكتاب" تكلم به جهارا و شق به جماعاتهم و فصل بين الحق و الباطل

الوافي، ج 26، ص: 77

و الدابة الفارهة النشيطة القوية و لين الثياب بالتشديد و التخفيف.

و في بعض النسخ ألين و الشنار العيب و العار و لعل المراد بما أصبتم في كتاب اللّٰه مواعيده الصادقة على الأعمال الصالحة و أراد بتركهم عند

رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم ضمانه لهم بذلك كأنه وديعة لهم عنده" أ بحسب أم بنسب" استفهام إنكار يعني ليس ذلك بحسب و لا نسب بل بعمل و طاعة و زهادة" و فيما أصبحتم فيه راغبين" أي انظروا أيضا فيما أصبحتم فيه راغبين" هل هو ذاك الذي أصبتم في كتاب اللّٰه" يعني ليس هو بذاك و إنما هو الدنيا و زهرتها" و الحض" الحث و الترغيب و الارعواء الكف و الانزجار و قيل هو الندم و الانصراف عن الشي ء و الأود الاعوجاج.

[2]
اشارة

25373- 2 (الكافي- 8: 69 رقم 26) العدة، عن سهل، عن يعقوب ابن يزيد، عن محمد بن جعفر العقبي رفعه قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فحمد اللّٰه و أثنى عليه ثم قال:

" أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا و لا أمة و إن الناس كلهم أحرار و لكن اللّٰه خول بعضكم بعضا فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على اللّٰه تعالى إلا و قد حضر شي ء و نحن مسوون فيه بين الأسود و الأحمر".

فقال مروان لطلحة و الزبير: ما أراد بهذا غيركما قال: فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير و أعطى رجلا من الأنصار ثلاثة دنانير و جاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير فقال الأنصاري: يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني و إياه سواء فقال" إني نظرت في كتاب اللّٰه فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا".

بيان

" خول بعضكم بعضا" ملكه إياه بلاء نعمة من اللّٰه عز و جل أو اختبار منه

الوافي، ج 26، ص: 78

سبحانه بإعطائه إياه هداية أو توفيقا أو حسبا أو نسبا فصبر في الخير فثبت قدمه في عبادة اللّٰه و استقام على طاعته و لم يزغ قلبه بعد اهتدائه فلا بمن به على اللّٰه تعالى فلا يجعل لنفسه قدرا و خطرا لأجل صبرة في تلك النعمة و الخير فيريد أن يأخذ الفضل في العطاء بسبب ذلك في عاجل دنياه و ذلك لأنه في الآخرة أحوج إلى ثواب ذلك وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ، و أما مقابلة الأسود بالأحمر فالوجه فيه ما ذكر في النهاية قال في الحديث: بعثت إلى الأحمر و الأسود، أي العجم و العرب لأن الغالب على ألوان

العجم الحمرة و البياض و على ألوان العرب الأدمة و السمرة و قيل الجن و الإنس و قيل أراد بالأحمر الأبيض مطلقا فإن العرب تقول امرأة حمراء أي بيضاء و قد مضى حديث آخر في هذا المعنى في باب سيرتهم عليهم السلام مع الناس من كتاب الحجة و آخر في باب الطاعة و التقوى من كتاب الإيمان و الكفر و آخران في باب قسمة الزكاة و باب آداب المعروف من كتاب الزكاة.

الوافي، ج 26، ص: 79

باب خطبته عليه السلام في الزهد و العبادة

[1]
اشارة

25374- 1 (الكافي- 8: 170 رقم 193) علي بن الحسين المؤدب و غيره، عن البرقي، عن إسماعيل بن مهران، عن عبد اللّٰه بن الحارث الهمداني، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال" خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال: الحمد لله الخافض الرافع، الضار النافع، الجواد الواسع، الجليل ثناؤه، الصادقة أسماؤه، المحيط بالغيوب و ما يخطر بالقلوب، الذي جعل الموت بين خلقه عدلا و أنعم بالحياة عليهم فضلا، فأحيا و أمات، و قدر الأقوات، أحكمها بعلمه تقديرا، و أتقنها بحكمه تدبيرا إنه كان خبيرا بصيرا، هو الدائم بلا فناء و الباقي إلى غير منتهى، يعلم ما في الأرض و ما في السماء و ما بينهما و ما تحت الثرى.

أحمده بخالص حمده المخزون بما حمده به الملائكة و النبيون، حمدا لا يحصى له عدد و لا يتقدمه أمد و لا يأتي بمثله أحد، أومن به و أتوكل عليه و أستهديه و أستكفيه و أستقضيه بخير و أسترضيه، و أشهد أن لا إله

الوافي، ج 26، ص: 80

إلا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدي و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره

المشركون صلى اللّٰه عليه و آله و سلم.

أيها الناس إن الدنيا ليست لكم بدار و لا قرار، إنما أنتم فيها كركب عرسوا فأناخوا ثم استقلوا فغدوا و راحوا، دخلوا خفافا و راحوا خفافا، لم يجدوا عن مضي نزوعا، و لا إلى ما تركوا رجوعا، جد بهم فجدوا، و ركبوا إلى الدنيا فما استعدوا، حتى إذا أخذ بكظمهم و خلصوا إلى دار قوم جفت أقلامهم، لم يبق من أكثرهم خبر و لا أثر، قل في الدنيا لبثهم و عجل إلى الآخرة بعثهم، فأصبحتم حلولا في ديارهم، ظاعنين على آثارهم و المطايا بكم تسير سيرا، ما فيه أين و لا تقصير نهاركم بأنفسكم دءوب و ليلكم بأرواحكم ذهوب فأصبحتم تحكون من حالهم حالا، و تحتذون من سلكهم مثالا فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنما أنتم فيها سفر حلول، الموت بكم نزول تتنضل فيكم مناياه و تمضي بأخباركم مطاياه إلى دار الثواب و العقاب و الجزاء و الحساب.

فرحم اللّٰه امرأ راقب ربه و تنكب ذنبه و كابر هواه و كذب مناه، امرأ زم نفسه من التقوى بزمام و ألجمها من خشية ربها بلجام، فقادها إلى الطاعة بزمامها، و قدعها عن المعصية بلجامها، رافعا إلى المعاد طرفه، متوقعا في كل أوان حتفه، دائم الفكر، طويل السهر، عزوفا عن الدنيا سأما، كدوحا لآخرته متحافظا، امرأ جعل الصبر مطية نجاته، و التقوى عدة وفاته و دواء أجوائه، فاعتبر و قاس و ترك الدنيا و الناس، يتعلم للتفقه و السداد و قد وقر قلبه ذكر المعاد و طوى مهاده و هجر وساده، منتصبا على أطرافه، داخلا في أعطافه، خاشعا لله يراوح بين الوجه

الوافي، ج 26، ص: 81

و الكفين، خشوع في السر لربه، لدمعه

صبيب و لقلبه وجيب، شديدة أسباله، ترتعد من خوف اللّٰه تعالى أوصاله، قد عظمت فيما عند اللّٰه رغبته، و اشتدت منه رهبته، راضيا بالكفاف من أمره (و إن أحسن طول عمره) يظهر دون ما يكتم و يكتفي بأقل مما يعلم أولئك ودائع اللّٰه في بلاده، المدفوع بهم عن عباده، لو أقسم أحدهم على اللّٰه تعالى لأبره أو دعا على أحد نصره اللّٰه، يسمع إذا ناجاه و يستجيب له إذا دعاه، جعل اللّٰه العاقبة للتقوى و الجنة لأهلها مأوى، دعاؤهم فيها أحسن الدعاء" سبحانك اللهم" دعاؤهم المولى على ما آتاهم" و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين".

بيان

" كركب" شبههم أولا في نفسه بمن مضى من أمثالهم ثم شبه من مضى من أمثالهم بالركب الذين وصفهم بما وصفهم إلى قوله فجدوا ثم انتقل من وصف الركب إلى وصف من مضى أغنى من وصف المشبه به إلى وصف المشبه فقال: و ركنوا إلى الدنيا تنبيها على التشبيه الأول الذي كان في نفسه" عرسوا" من التعريس و هو النزول في آخر الليل للاستراحة" ثم استقلوا" ذهبوا و ارتحلوا" فغدوا و راحوا" أي جاءوا و ذهبوا و النزوع عن الشي ء الانتهاء عنه و الجد بالكسر العجلة" بكظمهم" أي مخرج أنفاسهم" و جف الأقلام" كناية عن عدم التغيير و التبديل و امتناع التلافي" و الظعن" ضد الإقامة" و الأين" الإعياء.

و في بعض النسخ أني و الإني الوهن" دءوب" بالفتح مبالغة من الدؤوب بالضم و هو التعب" تتنضل فيكم مناياه" ترمى إليكم اختباراته و بلاياه كأنه

الوافي، ج 26، ص: 82

جعل المنايا أشخاصا تتناضل بالسهام فمن الناس من يموت قتلا و منهم من يموت غرقا و منهم من يتردى في

بئر أو يسقط عليه حائط أو يموت على فراشه" تنكب ذنبه" عدل عنه" قدعها" بالقاف و المهملتين كفها" و الحتف" الموت و العزوف عن الشي ء الزهد فيه و الانصراف عنه و الملال منه و السأمة الملال و الكدح السعي و الجواء حرقة القلب و أطراف البدن اليدان و الرجلان و الرأس و العطاف الرداء سمي به لوقوعه على عطفي الرجل و هما ناحيتا عنقه و الوجيب اضطراب القلب و الإسبال إرسال الدمع و الأوصال المفاصل أو مجمع العظام" و يكتفي" أي في الإظهار فهو تفسير للجملة السابقة و الإقسام على الغير أن يقول و اللّٰه لتفعلن كذا و إبراره إمضاؤه على الصدق.

الوافي، ج 26، ص: 83

باب خطبته عليه السلام في إنذاره بما يأتي من زمان السوء

[1]
اشارة

25375- 1 (الكافي- 8: 386 رقم 586) أحمد، عن سعيد بن المنذر ابن محمد، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام- و رواها غيره بغير هذا الإسناد و ذكر أنه خطب بذي قار- فحمد اللّٰه و أثنى عليه ثم قال" أما بعد فإن اللّٰه تعالى بعث محمدا صلى اللّٰه عليه و آله و سلم بالحق ليخرج عباده من عبادة عبادة إلى عبادته، و من عهود عبادة إلى عهوده، و من طاعة عبادة إلى طاعته، و من ولاية عبادة إلى ولايته، بشيرا و نذيرا و داعيا إلى اللّٰه بإذنه و سراجا منيرا، عودا و بدءا و عذرا و نذرا بحكم قد فصله، و تفصيل قد أحكمه، و فرقان قد فرقه، و قرآن قد بينه ليعلم العباد من ربهم إذ جهلوه، و ليقروا به إذ جحدوه و ليثبتوه بعد أن أنكروه، فتجلى لهم سبحانه في كتابه من غير

أن يكونوا رأوه، فأراهم حلمه كيف حلم و أراهم عفوه كيف عفا، و أراهم قدرته كيف قدر، و خوفهم من سطوته و كيف خلق ما خلق من الآيات و كيف محق من محق من العصاة

الوافي، ج 26، ص: 84

بالمثلات، و احتصد من احتصد بالنقمات، و كيف رزق و هدى و أعطى، و أراهم حكمه كيف حكم و صبر حتى يسمع ما يسمع و يرى.

فبعث اللّٰه محمدا صلى اللّٰه عليه و آله و سلم بذلك ثم إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزمان شي ء أخفى من الحق و لا أظهر من الباطل و لا أكثر من الكذب على اللّٰه و على رسوله صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و ليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته و لا سلعة أنفق بيعا و لا أغلا ثمنا من الكتاب إذا حرف عن مواضعه و ليس في العباد و لا في البلاد شي ء هو أنكر من المعروف، و لا أعرف من المنكر، و ليس فيها فاحشة أنكر و لا عقوبة أنكأ من الهدى عند الضلال في ذلك الزمان فقد نبذ الكتاب حملته، و تناساه حفظته حتى تمالت بهم الأهواء، و توارثوا ذلك من الآباء، و عملوا بتحريف الكتاب كذبا و تكذيبا فباعوه فيها بالبخس، و كانوا فيه من الزاهدين.

فالكتاب و أهل الكتاب في ذلك الزمان طريدان منفيان، و صاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤو بهما مؤو فحبذا ذانك الصاحبان واها لهما و لما يعملان له، فالكتاب و أهل الكتاب في ذلك الزمان في الناس و ليسوا فيهم و معهم و ليسوا معهم و ذلك لأن الضلالة لا توافق

الهدى و إن اجتمعا، و قد اجتمع القوم على الفرقة و افترقوا عن الجماعة، قد ولوا أمرهم و أمر دينهم من يعمل فيهم بالمكر و المنكر و الرشا و القتل [لم يعظمهم على تحريف الكتاب تصديقا لما يفعل و تزكية لفضله و لم يولوا أمرهم من يعلم الكتاب و يعمل بالكتاب و لكن وليهم من يعمل بعمل أهل النار] كأنهم أئمة الكتاب و ليس الكتاب إمامهم، لم يبق عندهم من

الوافي، ج 26، ص: 85

الحق إلا اسمه، و لم يعرفوا من الكتاب إلا خطه و زبره، و يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالسا حتى يخرج من الدين ينتقل من دين ملك إلى دين ملك، و من ولاية ملك إلى ولاية ملك، و من طاعة ملك إلى طاعة ملك، و من عهود ملك إلى عهود ملك، فاستدرجهم اللّٰه تعالى من حيث لا يعلمون، و إن كيده متين بالأمل و الرجاء حتى توالدوا في المعصية و دانوا بالجور، و الكتاب لم يضرب عن شي ء منه صفحا ضلالا تائهين، قد دانوا بغير دين اللّٰه تعالى و أدانوا لغير اللّٰه.

مساجدهم في ذلك الزمان عامرة من الضلالة، خربة من الهدى قد بدل ما فيها من الهدى فقراؤها و عمارها أخايب خلق اللّٰه و خليقته، من عندهم جرت الضلالة، و إليهم تعود، فحضور مساجدهم و المشي إليها كفر بالله العظيم إلا من مشى إليها و هو عارف بضلالهم فصارت مساجدهم من فعالهم على ذلك النحو خربة من الهدى عامرة من الضلالة قد بدلت سنة اللّٰه و تعديت حدوده، لا يدعون إلى الهدي و لا يقسمون الفي ء، و لا يوفون بذمة، يدعون القتيل منهم على ذلك شهيدا فدانوا اللّٰه

بالافتراء و الجحود و استغنوا بالجهل عن العلم، و من قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة و سموا صدقهم على اللّٰه فرية، و جعلوا في الحسنة العقوبة السيئة، و قد بعث اللّٰه تعالى إليكم رسولا مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و أنزل عليه كتابا عزيزا لٰا يَأْتِيهِ الْبٰاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لٰا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ- قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ- لِيُنْذِرَ مَنْ كٰانَ حَيًّا، وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكٰافِرِينَ، فلا يلهينكم الأمل، و لا يطولن عليكم الأجل، فإنما أهلك من كان قبلكم امتداد أملهم، و تغطية الآجال عنهم

الوافي، ج 26، ص: 86

حتى نزل بهم الموعود الذي ترد عنه المعذرة، و ترفع عنه التوبة، و تحل معه القارعة و النقمة و قد أبلغ اللّٰه تعالى إليكم بالوعيد و فصل لكم القول و علمكم السنة و شرع لكم المناهج ليزيح العلة، و حث على الذكر، و دل على النجاة، و إنه من انتصح لله و اتخذ قوله دليلا هداه للتي هي أقوم، و وفقه للرشاد، و سدده و يسره للحسنى، فإن جار اللّٰه آمن محفوظ و عدوه خائف مغرور، فاحترسوا من اللّٰه بكثرة الذكر و اخشوا منه بالتقوى (التقى- خ ل) و تقربوا إليه بالطاعة فإنه قريب مجيب قال اللّٰه تعالى وَ إِذٰا سَأَلَكَ عِبٰادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ- فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ فاستجيبوا لله و آمنوا به و عظموا اللّٰه الذي لا ينبغي لمن عرف عظمة اللّٰه تعالى أن يتعظم فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمة اللّٰه أن يتواضعوا له و عز

الذين يعلمون ما جلال اللّٰه أن يذلوا له و سلامة الذين يعلمون ما قدرة اللّٰه أن يستسلموا له، فلا ينكرون أنفسهم بعد حد المعرفة و لا يضلون بعد الهدى فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح من الأجرب و البارئ من ذي القسم.

و اعلموا علما يقينا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه و لن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، و لن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه، و لن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه، و لن تعرفوا الضلالة حتى تعرفوا الهدى، و لن تعرفوا التقوى حتى تعرفوا الذي تعدى، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع و التكليف و رأيتم الفرية على اللّٰه و على رسوله و التحريف لكتابة و رأيتم كيف هدى اللّٰه من هدى، فلا يجهلنكم الذين لا يعلمون، فإن علم القرآن ليس يعلم ما هو

الوافي، ج 26، ص: 87

إلا من ذاق طعمه، فعلم بالعلم جهله و أبصر به عماه، و سمع به صممه، و أدرك به علم ما فات و حيي به بعد، إذ مات و أثبت عند اللّٰه تعالى ذكره به الحسنات، و محي به السيئات، و أدرك به رضوانا من اللّٰه تعالى، فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصة فإنهم خاصة نور يستضاء به، و أئمة يهتدي بهم، و هم عيش العلم، و موت الجهل، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، و صمتهم عن منطقهم، و ظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين و لا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق و صامت ناطق فهو من شأنهم شهداء بالحق و مخبر صادق لا يخالفون الحق و لا يختلفون فيه.

قد خلت لهم من اللّٰه سابقة، و مضى فيهم من

اللّٰه تعالى حكم صادق، و في ذلك ذكري للذاكرين، فاعقلوا الحق إذا سمعتموه عقل رعاية، و لا تعقلوه عقل رواية، فإن رواة الكتاب كثير و رعاته قليل و اللّٰه المستعان".

بيان

" ذو قار" موضع بين الكوفة و واسط" عودا و بدوا" يعني عودا إلى الدعوة بعد ما بدأ فيها و المراد تكرير الدعوة" عذرا و نذرا" أي محو إساءة للمحقين و تخويفا للمبطلين" فتجلى لهم" أي ظهر من غير أن يرى بالبصر بل بما نبههم عليه في القرآن من قصص الأولين و ما حل بهم من النقمة عند مخالفة الرسل" و المثلات" جمع المثلة بفتح الميم و ضم الثاء و هي العقوبة و" الاحتصاد" المبالغة في القتل و" الاستئصال" مأخوذ من حصد الزرع و السلعة بالكسر المتاع و البوار الكساد و النفاق الرواج و النكاية الجرح و القرح و البخس بالموحدة ثم المعجمة ثم المهملة الناقص" واها" كلمة تلهف و توجع.

و لما يعملان له و في بعض النسخ و لما يعمدان له" ذلك" أي العلة الغائبة من خلقهما" لم يعظمهم" يعني الوالي تصديقا متعلق بالتحريف" و الزبر" بالفتح مصدر زبرت

الوافي، ج 26، ص: 88

أي كتبت و بالكسر المكتوب" لم يضرب عن شي ء منه صفحا" أي لم يعرض عنه إعراضا بل بين ذلك جميعا فإن فيه تبيان كل شي ء" و أخايب" جمع أخيب" و المثلة" بالضم النكال و من روى مثلوا بالتشديد أراد جدعوهم بقطع الآذان و الأنوف العقوبة السيئة في بعض الروايات عقوبة السيئة بالإضافة و لعله أفصح من أنفسكم من جنسكم عربي مثلكم" و قرئ من أنفسكم" أي من أشرفكم" عَزِيزٌ عَلَيْهِ" شديد شاق" مٰا عَنِتُّمْ" عنتكم و لقاؤكم المكروه" حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ" أي

على إيمانكم و" صلاح شأنكم من كان حيا" أي عاقلا فهما فإن الغافل كالميت أو مؤمنا في علم اللّٰه تعالى و أريد بالموعود الموت و" القارعة" الشديدة من شدائد الدهر و هي الداهية و" الانتصاح" قبول النصحية يعني من أطاع أوامر اللّٰه و علم أنه إنما يهديه إلى مصالحه و يرده عن مفاسده يهديه للحالة التي اتباعها أقوم و هي من الألفاظ القرآنية إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم و تلك الحالة هي المعرفة بالله و توحيده.

و في قوله عليه السلام: إنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه تنبيه على وجوب البراءة من أهل الضلال" فلا يجهلنكم" من التجهيل أي لا ينسبوكم إلى الجهل، و كنى عليه السلام بقوله من عند أهله عن نفسه و من يحذو حذوه من أولاده عليهم السلام و إنما يخبر صمتهم عن منطقهم لأن صمت العارف أبلغ من نطق غيره، و إنما لا يخالفون الدين لأنهم قوامه و أربابه، و إنما لا يختلفون فيه لأن الحق في التوحيد واحد فالدين أو القرآن بينهم شاهد صادق يأخذون بحكمه كما يؤخذ بحكم الشاهد الصادق و صامت ناطق لأنه لا ينطق بنفسه بل لا بد له من مترجم فهو صامت في الصورة و هو في المعنى أنطق الناطقين لأن الأوامر و النواهي و الآداب كلها مبنية عليه و متفرعة عنه فهو شأن من شأنهم مخبر صادق في حقهم حال كونهم شهداء بالحق غير مخالفين له و لا مختلفين فيه.

الوافي، ج 26، ص: 89

باب رسالة أبي جعفر عليه السلام إلى سعد الخير

[1]
اشارة

25376- 1 (الكافي- 8: 52 رقم 16) محمد، عن محمد بن الحسين، عن ابن بزيع، عن عمه حمزة و الحسين بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد

اللّٰه، عن يزيد بن عبد اللّٰه، عمن حدثه قال: كتب أبو جعفر عليه السلام إلى سعد الخير" بسم اللّٰه الرحمن الرحيم أما بعد: فإني أوصيك بتقوى اللّٰه فإن فيها السلامة من التلف و الغنيمة في المنقلب، إن اللّٰه تعالى يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله، و يجلي بالتقوى عنه عماه و جهله، و بالتقوى نجا نوح و من معه في السفينة و صالح و من معه من الصاعقة، و بالتقوى فاز الصابرون و نجت تلك العصب من المهالك، و لهم إخوان على تلك الطريقة، يلتمسون تلك الفضيلة، نبذوا طغيانهم من الالتذاذ بالشهوات لما بلغهم في الكتاب من المثلات، حمدوا ربهم ما

الوافي، ج 26، ص: 90

رزقهم و هو أهل الحمد، و ذموا أنفسهم على ما فرطوا و هم أهل الذم، و علموا أن اللّٰه تعالى الحليم العليم إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه، و إنما يمنع من لم يقبل منه عطاه و إنما يضل من لم يقبل منه هداه.

ثم أمكن أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات، دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع و لم يمنع دعاء عباده، فلعن اللّٰه الذين يكتمون ما أنزل اللّٰه و كتب على نفسه الرحمة فسبقت قبل الغضب فتمت صدقا و عدلا، فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل أن يغضبوه و ذلك من علم اليقين و علم التقوى و كل أمة قد رفع اللّٰه عنهم علم الكتاب حين نبذوه و ولاهم عدوهم حين تولوه، و كان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه و حرفوا حدوده، فهم يروونه و لا يرعونه، و الجهال يعجبهم حفظهم للرواية، و العلماء يحزنهم تركهم للرعاية، و كان من نبذهم الكتاب

أن ولوه الذين لا يعلمون، فأوردوهم الهوى، و أصدروهم إلى الردى، و غيروا عرى الدين، ثم ورثوه في السفه و الصبا.

فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر اللّٰه تعالى و عليه يردون، فبئس للظالمين بدلا و ولاية الناس بعد ولاية اللّٰه و ثواب الناس بعد ثواب اللّٰه و رضاء الناس بعد رضاء اللّٰه فأصبحت الأمة كذلك و فيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة معجبون مفتونون، فعبادتهم فتنة لهم، و لمن اقتدى بهم، و قد كان في الرسل ذكري للعابدين، إن النبي من الأنبياء كان مستكمل الطاعة، ثم عصى اللّٰه تعالى في الباب الواحد فيخرج به من الجنة، و بنبذه في بطن الحوت، ثم لا ينجيه إلا

الوافي، ج 26، ص: 91

الاعتراف و التوبة، فاعرف أشباه الأحبار و الرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب و تحريفه فما ربحت تجارتهم و ما كانوا مهتدين.

ثم اعرف أشباههم من هذه الأمة الذين أقاموا حروف الكتاب و حرفوا حدوده فهم مع السادة و الكثرة فإذا تفرقت قادة الأهواء كانوا مع أكثرهم دنيا و ذلك مبلغهم من العلم، لا يزالون كذلك في طمع و طبع، فلا تزال تسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير، يصبر منهم العلماء على الأذى و التصنيف، و يعيبون على العلماء بالتكليف، و العلماء في أنفسهم خانة إن كتموا النصيحة، إن رأوا تائها ضالا لا يهدونه، أو ميتا لا يحيونه، فبئس ما يصنعون لأن اللّٰه تعالى أخذ عليهم الميثاق في الكتاب أن يأمروا بالمعروف و بما أمروا به و أن ينهوا عما نهوا عنه، و أن يتعاونوا على البر و التقوى، و لا يتعاونوا على الإثم و العدوان.

فالعلماء من الجهال في جهد و جهاد إن وعظت قالوا: طغت،

و إن علموا الحق الذي تركوا قالوا: خالفت، و إن اعتزلوهم قالوا: فارقت، و إن قالوا: هاتوا برهانكم على ما تحدثون قالوا: نافقت، و إن أطاعوهم قالوا عصيت اللّٰه تعالى فهلك جهال فيما لا يعلمون، أميون فيما يتلون يصدقون بالكتاب عند التعريف و يكذبون به عند التحريف، فلا ينكرون، [أولئك] أشباه الأحبار و الرهبان قادة في الهوى، سادة في الردي، و آخرون منهم جلوس بين الضلالة و الهدى، لا يعرفون إحدى الطائفتين من الأخرى، يقولون ما كان الناس يعرفون هذا، و لا يدرون ما هو فصدقوا تركهم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم على البيضاء ليلها من نهارها، لم يظهر فيهم بدعة، و لم يبدل فيهم سنة، لا خلاف

الوافي، ج 26، ص: 92

عندهم و لا اختلاف، فلما غشي الناس ظلمة خطاياهم، صاروا إمامين داع إلى اللّٰه تعالى و داع إلى النار، فعند ذلك نطق الشيطان فعلا صوته على لسان أوليائه، و كثر خيله و رجله، و شارك في المال و الولد من أشركه، فعمل بالبدعة، و ترك الكتاب و السنة، و نطق أولياء اللّٰه بالحجة، و أخذوا بالكتاب و الحكمة، فتفرق من ذلك اليوم أهل الحق و أهل الباطل و تخاذل و تهاون أهل الهدى و تعاون أهل الضلالة حتى كانت هي الجماعة مع فلان و أشباهه فاعرف هذا الصنف و صنف آخر فأبصرهم رأي العين نجباء و ألزمهم حتى ترد أهلك، فإن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين".

إلى هاهنا رواية الحسين.

و في رواية محمد بن يحيى زيادة.

" لهم علم بالطريق فإن كان دونهم بلاء فلا ينظر إليهم و إن كان دونهم عسف من أهل

العسف و خسف و دونهم بلايا تنقضي، ثم تصير إلى رخاء ثم اعلم أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض و لو لا أن تذهب بك الظنون عني لجليت لك عن أشياء من الحق غطيتها و لنشرت لك أشياء من الحق كتمتها و لكني أتقيك و أستبقيك و ليس الحليم الذي لا يتقي أحدا في مكان التقوى و الحلم لباس العالم فلا يعرين منه و السلام".

بيان

" عزب" بالمهملة ثم الزاي غاب" و العصب" جمع عصبة و هي الجماعة من الناس، إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه- إلى قوله- هداه، قد مضى تحقيق ذلك في الجزء الأول و الصوت الرفيع الغير المنقطع كناية عن شهرة القرآن و تواتره و بلوغه كل أحد إلى يوم القيامة و عدم منع الدعاء عبارة عن بقاء حكمه و بقاء أهله الداعين إليه و أشار بالذين يكتمون ما أنزل اللّٰه إلى

الوافي، ج 26، ص: 93

أعداء الداعين إلى اللّٰه فإنهم يكتمون فضلهم و يحولون بينهم و بين دعائهم إلى اللّٰه ظاهرا من دون خوف" فتمت" أي كتابة سبق الرحمة الغضب أو كلمته و ذلك من علم اليقين إشارة إلى قوله عليه السلام و علموا أن اللّٰه الحليم العليم إلى آخر ما قال أو إلى سبق الرحمة الغضب خاصة يعني أن ذلك كله أو السبق من العلوم اليقينية و العلوم التي هي ثمرة التقوى و نتيجتها كما قال اللّٰه تعالى وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللّٰهُ و مضى بيان إقامة الحروف و تحريف الحدود في أبواب العقل و العلم من الجزء الأول و كذا معنى الإعجاب و الحزن" إن ولوه الذين لا يعلمون" أي جعلوا توليته إلى الجهلاء و جعلوهم

رؤساء على أنفسهم يتبعونهم في الفتاوي و غيرها" ثم ورثوه" أي ورثوا الدين أو الكتاب في حالة السفه و الصبا من الذين لا يعلمون فجعلوا صدورهم و ورودهم عن أمر الجاهلين و عليه بعد أمر اللّٰه حيث جعلوهم خلفاء اللّٰه بدلا من أئمة العدل فولوهم بعد ولاية اللّٰه فجعلوا ثوابهم و رضاهم بدل ثواب اللّٰه و رضاه.

و في بعض النسخ ولاية الناس بلا واو و هو أصح و أوضح لبيان البدل و أشار بالنبي من الأنبياء إلى يونس على نبينا و آله و عليه السلام و لعل عصيانه غضبه على قومه و هربه منهم بغير إذن ربه روي أنه لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره اللّٰه تعالى فركب في السفينة فوقفت فقالوا هنا عبد أبق فاقترعوا فخرجت القرعة عليه فرمى بنفسه في الماء فابتلعه الحوت قال اللّٰه تعالى فَلَوْ لٰا أَنَّهُ كٰانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ و أما إطلاقه الجنة على الدنيا فلعل الوجه فيه أنها بالإضافة إلى بطن الحوت جنة ساروا من السيرة و إنما شبه هؤلاء العباد و علماء العوام المفتونين بالحطام بالأحبار و الرهبان لشرائهم الدنيا بالآخرة بكتمانهم العلم و تحريفهم

الوافي، ج 26، ص: 94

الكلم عن مواضعها و أكلهم أموال الناس بالباطل و صدهم عن سبيل اللّٰه كما أنهم كانوا كذلك على ما وصفهم اللّٰه في القرآن في عدة مواضع و المراد بالسادة و الكثرة السلاطين و الحكام و أعوانهم الظلمة و الطبع الرين" يصبر منهم" أي من أشباه الأحبار و الرهبان" العلماء" يعني العلماء بالله الربانيين" بالتكليف" يعني تكليفهم بالحق ثم نبه على وجوب ذلك عليهم بأنهم إن لم ينصحوا اللّٰه سبحانه

كانوا خائنين و إن لم يهدوا تائها ضالا أو يحيوا ميتا لكانوا بئس ما يصنعون، قال اللّٰه تعالى لَوْ لٰا يَنْهٰاهُمُ الرَّبّٰانِيُّونَ وَ الْأَحْبٰارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مٰا كٰانُوا يَصْنَعُونَ.

و يحتمل أن يكون قوله" إن رأوا تائها" استئناف كلام لبيان حال أشباه الأحبار و الرهبان بل و يحتمل أن يكونوا هم المراد بالعلماء في قوله" و العلماء في أنفسهم خانة و يكون أن في أن كتموا بفتح الهمزة و إن بعد إذ لم يحسن إرادة المعاني المختلفة من اللفظة الواحدة في كلام واحد من دونه قرينة و أما قوله فالعلماء من الجهال فالمراد بهم العلماء الحق و الجهد المشقة و لعل المراد بقوله عليه السلام جهال فيما لا يعلمون أن الطاعنين في العلماء جهال فيما لا يبلغ علمهم إليه مما علمه العلماء أميون فيما يتلون إذ لا ينال فهمهم إلى المقصود منه فهم يصدقون به عند ما عرف لهم و يكذبون به عند ما حرف لهم فلا ينكرون التحريف بعد ما سمعوا الحق على البيضاء ليلها من نهارها يعني الشريعة الواضح مجهولها أو جاهلها من معلومها أو عالمها و فلان كناية عن إمامهم نجباء بالنون و الجيم و الباء الموحدة و في بعض النسخ" تحيي" من الحياة و الأهل كناية عن إمام الحق" دونهم" أي عندهم فلا ينظر إليهم في بعض النسخ إليه و هو الصواب أي فلا ينظر إلى البلاء لأنه ينقضي و لا يبقى" و العسف" الجور و الظلم و هو في الأصل أن يأخذ المسافر على غير طريق و لا جادة و لا علم و قيل هو ركوب

الوافي، ج 26، ص: 95

الأمر من غير روية و الخسف

النقصان و الهوان ينقضي جزاء الشرط يذهب بك الظنون عني أي تظن بي ما لا ينبغي فتعرض عني و الحليم خبر ليس تقدم على اسمه.

[2]
اشارة

25377- 2 (الكافي- 8: 56 رقم 17) بالإسناد الأول قال: كتب أبو جعفر عليه السلام إلى سعد الخير" بسم اللّٰه الرحمن الرحيم أما بعد: فقد جاءني كتابك تذكر فيه معرفة ما لا ينبغي تركه و طاعته من رضا اللّٰه رضاه، فقبلت من ذلك لنفسك ما كانت نفسك مرتهنة لو تركته فعجب إن رضا اللّٰه و طاعته و نصيحته لا تقبل و لا توجد و لا تعرف إلا في عباد غرباء، أخلاء من الناس قد اتخذتهم الناس سخريا لما يرمونهم به من المنكرات و كان يقال: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون أبغض إلى الناس من جيفة الحمار، و لو لا أن يصيبك من البلاء مثل الذي أصابنا فتجعل فتنة الناس كعذاب اللّٰه- و أعيذك بالله و إيانا من ذلك- لقربت على بعد منزلتك.

و اعلم رحمك اللّٰه أنه لا تنال محبة اللّٰه إلا ببغض كثير من الناس، و لا ولايته إلا بمعاداتهم و فوت ذلك قليل يسير لدرك ذلك من اللّٰه لقوم يعلمون.

أيا أخي إن اللّٰه عز و جل جعل في كل من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدي و يصبرون معهم على الأذى، يجيبون داعي اللّٰه و يدعون إلى اللّٰه فأبصرهم رحمك اللّٰه فإنهم في منزلة رفيعة و إن إصابتهم

الوافي، ج 26، ص: 96

في الدنيا وضيعة إنهم يحيون بكتاب اللّٰه الموتى و يبصرون بنور اللّٰه من العمى، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه و كم من تائه ضال قد هدوه، يبذلون دماءهم دون هلكة العباد و

ما أحسن أثرهم على العباد و أقبح آثار العباد عليهم".

بيان

المستفاد من قوله عليه السلام: تذكر فيه .. إلى آخره، أن سعدا ذكر في كتابه أنه عرف كذا و أنه قبل منه لنفسه كذا و أنه تعجب من كذا بأن يكون إلى قوله:

من جيفة الحمار، من كلام سعد، و يحتمل أن يكون فعجب أو تعجب على اختلاف النسختين من كلام الإمام عليه السلام" أخلاء من الناس" يعني خالين منهم لا يخالطونهم" قد اتخذتهم الناس سخريا" يعني يسخرون منهم لأنهم يعدون ما يفعلونه منكرا فتنة الناس ما يصيبه من أذيتهم في الصرف عن الإيمان و عذاب اللّٰه ما يصيبه من اللّٰه في الصرف عن الكفر و هذه الجملة معطوفة على يصيبك و جملة و أعيذك معترضة، و لقربت جواب لو لا يعني لقربت من الحق على بعد منزلتك منه ببغض كثير من الناس إضافة إلى الفاعل و كذلك معاداتهم و ذلك في فوت ذلك إشارة إلى حب الناس و ولايتهم المفهومين ضمنا و في درك ذلك إشارة إلى محبة اللّٰه و ولايته و بقايا من أهل العلم إشارة إلى أوصياء الرسل عليهم السلام و من يحذو حذوهم رضي اللّٰه عنهم.

الوافي، ج 26، ص: 97

باب رسالة أبي عبد اللّٰه عليه السلام إلى أصحابه

[1]
اشارة

25378- 1 (الكافي- 8: 2 رقم 1) علي، عن أبيه، عن ابن فضال، عن حفص المؤذن، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام و عن ابن بزيع، عن محمد ابن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه و أمرهم بمدارستها و النظر فيها و تعاهدها و العمل بها و كانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.

و عن ابن سماعة، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، عن القاسم بن

الربيع الصحاف، عن إسماعيل بن مخلد السراج قال: خرجت هذه الرسالة من أبي عبد اللّٰه عليه السلام إلى أصحابه" بسم اللّٰه الرحمن الرحيم، أما بعد:

فاسألوا اللّٰه ربكم العافية و عليكم بالدعة و الوقار و السكينة، و عليكم بالحياء و التنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم، و عليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم و إياكم و مماظتهم، دينوا فيما بينكم و بينهم إذا أنتم جالستموهم و خالطتموهم و نازعتموهم الكلام.

الوافي، ج 26، ص: 98

فإنه لا بد لكم من مجالستهم و مخالطتهم و منازعتهم الكلام بالتقية التي أمركم اللّٰه أن تأخذوا بها فيما بينكم و بينهم فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم و تعرفون في وجوههم المنكر، و لو لا أن اللّٰه تعالى يدفعهم عنكم لسطوا بكم، و ما في صدورهم من العداوة و البغضاء أكثر مما يبدون لكم، مجالسكم و مجالسهم واحدة، و أرواحكم و أرواحهم مختلفة، لا تأتلف، لا تحبونهم أبدا و لا يحبونكم، غير أن اللّٰه تعالى أكرمكم بالحق و بصركموه و لم يجعلهم من أهله فتجاملونهم و تصبرون عليهم، و هم لا مجاملة لهم و لا صبر لهم على شي ء من أموركم، تدفعون أنتم السيئة بالتي هي أحسن فيما بينكم و بينهم تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته و هم لا خير عندهم، لا يحل لكم أن تظهروهم على أصول دين اللّٰه.

فإنه إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه و رفعوه عليكم و جاهدوا على هلاكهم و استقبلوكم بما تكرهون و لم يكن لكم النصف منهم في دول الفجار، فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم و بين أهل الباطل فإنه لا ينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل لأن اللّٰه لم يجعل أهل

الحق عنده بمنزلة أهل الباطل، أ لم تعرفوا وجه قول اللّٰه تعالى في كتابه إذ يقول أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّٰارِ أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل فلا تجعلوا اللّٰه تعالى- وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلىٰ- و إمامكم و دينكم الذي تدينون به عرضة لأهل الباطل فتغضبوا اللّٰه عليكم فتهلكوا.

فمهلا مهلا يا أهل الصلاح لا تتركوا أمر اللّٰه و أمر من أمركم بطاعته فيغير اللّٰه ما بكم من نعمة، أحبوا في اللّٰه من وصف صفتكم، و أبغضوا في

الوافي، ج 26، ص: 99

اللّٰه من خالفكم، و أبذلوا مودتكم و نصيحتكم لمن وصف صفتكم، و لا تبذلوها لمن رغب عن صفتكم و عاداكم عليها و بغاكم الغوائل، هذا أدبنا أدب اللّٰه فخذوا به و تفهموه و اعقلوه و لا تنبذوه وراء ظهوركم، ما وافق هداكم أخذتم به و ما وافق هواكم اطرحتموه و لم تأخذوا به، و إياكم و التجبر على اللّٰه و اعلموا أن عبدا لم يبتل بالتجبر على اللّٰه إلا تجبر على دين اللّٰه فاستقيموا لله و لا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين، أجارنا اللّٰه و إياكم من التجبر على اللّٰه، و لا قوة لنا و لا لكم إلا بالله.

و قال: إن العبد إذا كان خلقه اللّٰه في الأصل أصل الخلقة مؤمنا لم يمت حتى يكره اللّٰه إليه الشر و يباعده منه و من كره اللّٰه إليه الشر و باعده منه عافاه اللّٰه من الكبر أن يدخله و الجبرية فلانت عريكته و حسن خلقه و طلق وجهه و صار عليه وقار الإسلام و سكينته و تخشعه و ورع عن محارم اللّٰه و اجتنب مساخطه و رزقه اللّٰه مودة

الناس و مجاملتهم و ترك مقاطعة الناس و الخصومات و لم يكن منها و لا من أهلها في شي ء، و إن العبد إذا كان اللّٰه خلقه في الأصل أصل الخلق كافرا لم يمت حتى يحبب إليه الشر و يقربه منه، فإذا حبب إليه الشر و قربه منه ابتلي بالكبر و الجبرية فقسا قلبه، و ساء خلقه، و غلظ وجهه، و ظهر فحشه، و قل حياؤه، و كشف اللّٰه ستره، و ركب المحارم فلم ينزع عنها، و ركب معاصي اللّٰه، و أبغض طاعته و أهلها، فبعد ما بين حال المؤمن و حال الكافر، سلوا اللّٰه العافية و اطلبوها إليه و لا حول و لا قوة إلا بالله.

صبروا النفس على البلاء في الدنيا فإن تتابع البلاء فيها و الشدة في طاعة اللّٰه و ولايته و ولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند اللّٰه في الآخرة من ملك الدنيا و إن طال تتابع نعيمها و زهرتها و غضارة

الوافي، ج 26، ص: 100

عيشها في معصية اللّٰه و ولاية من نهى اللّٰه عن ولايته و طاعته فإن اللّٰه أمر بولاية الأئمة الذين سماهم في كتابه في قوله وَ جَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا و هم الذين أمر اللّٰه بولايتهم و طاعتهم، و الذين نهى اللّٰه عن ولايتهم و طاعتهم و هم أئمة الضلال الذين قضى اللّٰه أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء اللّٰه الأئمة من آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله و سلم يعملون في دولتهم بمعصية اللّٰه و معصية رسوله صلى اللّٰه عليه و آله و سلم ليحق عليهم كلمة العذاب و ليتم أمر اللّٰه فيهم الذي خلقهم له في الأصل أصل الخلق من الكفر الذي سبق

في علم اللّٰه أن يخلقهم له في الأصل و من الذين سماهم اللّٰه في كتابه في قوله وَ جَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّٰارِ فتدبروا هذا و اعقلوه و لا تجهلوه فإن من جهل هذا و أشباهه مما افترض اللّٰه عليه في كتابه مما أمر به و نهى عنه ترك دين اللّٰه و ركب معاصيه فاستوجب سخط اللّٰه فأكبه اللّٰه على وجهه في النار.

و قال: أيتها العصابة المرحومة المفلحة إن اللّٰه تعالى أتم لكم ما آتاكم من الخير و اعلموا أنه ليس من علم اللّٰه و لا من أمره أن يأخذ أحد من خلق اللّٰه في دينه بهوى و لا رأي و لا مقاييس، قد أنزل اللّٰه القرآن و جعل فيه تبيان كل شي ء، و جعل للقرآن و تعلم القرآن أهلا لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم اللّٰه علمه أن يأخذوا فيه بهوى و لا رأي و لا مقاييس أغناهم اللّٰه عن ذلك بما آتاهم من علمه و خصهم به و وضعه عندهم كرامة من اللّٰه تعالى أكرمهم بها و هم أهل الذكر الذين أمر اللّٰه هذه الأمة بسؤالهم و هم الذين من سألهم و قد سبق في علم اللّٰه أن يصدقهم و يتبع أثرهم.

الوافي، ج 26، ص: 101

أرشدوه و أعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى اللّٰه بإذنه و إلى جميع سبل الحق و هم الذين لا يرغب عنهم و عن مسألتهم و عن علمهم الذي أكرمهم اللّٰه به و جعله عندهم إلا من سبق عليه في علم اللّٰه الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلة فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر و الذين آتاهم اللّٰه تعالى علم القرآن و وضعه عندهم و

أمر بسؤالهم، فأولئك الذين يأخذون بأهوائهم و آرائهم و مقاييسهم حتى دخلهم الشيطان لأنهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند اللّٰه كافرين و جعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند اللّٰه مؤمنين و حتى جعلوا ما أحل اللّٰه في كثير من الأمر حراما و جعلوا ما حرم اللّٰه في كثير من الأمر حلالا فذلك أصل ثمرة أهوائهم.

و قد عهد إليهم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم قبل موته فقالوا:

نحن بعد ما قبض اللّٰه رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد قبض اللّٰه تعالى رسوله و بعد عهده الذي عهده إلينا و أمرنا به، مخالفة لله تعالى و لرسوله صلى اللّٰه عليه و آله و سلم فما أحد أجرأ على اللّٰه و لا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك و زعم أن ذلك يسعه و اللّٰه إن لله على خلقه أن يطيعوه و يتبعوا أمره في حياة محمد صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و بعد موته، هل يستطيع أولئك أعداء اللّٰه أن يزعموا أن أحدا ممن أسلم مع محمد صلى اللّٰه عليه و آله و سلم أخذ بقوله و رأيه و مقاييسه فإن قال: نعم، فقد كذب على اللّٰه و ضل ضلالا بعيدا، و إن قال: لا، لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه و هواه و مقاييسه فقد أقر بالحجة على نفسه و هو ممن يزعم أن اللّٰه يطاع و يتبع أمره بعد قبض اللّٰه رسوله صلى اللّٰه عليه و آله و سلم.

و قد قال اللّٰه تعالى- و قوله الحق- وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلّٰا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ

وَ مَنْ يَنْقَلِبْ

الوافي، ج 26، ص: 102

عَلىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّٰهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّٰهُ الشّٰاكِرِينَ و ذلك ليعلموا أن اللّٰه تعالى يطاع و يتبع أمره في حياة محمد صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و بعد قبض اللّٰه محمدا صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و كما لم يكن لأحد من الناس مع محمد صلى اللّٰه عليه و آله و سلم أن يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقاييسه خلافا لأمر محمد صلى اللّٰه عليه و آله و سلم فكذلك لم يكن لأحد من الناس من بعد محمد صلى اللّٰه عليه و آله و سلم أن يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقاييسه.

و قال: دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة فإن الناس قد شهروكم بذلك و اللّٰه المستعان و لا حول و لا قوة إلا بالله.

و قال: أكثروا من أن تدعوا اللّٰه فإن اللّٰه يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه و قد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة و اللّٰه مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة فأكثروا ذكر اللّٰه ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل و النهار فإن اللّٰه تعالى أمر بكثرة الذكر له و اللّٰه ذاكر لمن ذكره من المؤمنين، و اعلموا أن اللّٰه لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير فأعطوا اللّٰه من أنفسكم الاجتهاد في طاعته فإن اللّٰه لا يدرك شي ء من الخير عنده إلا بطاعته و اجتناب محارمه التي حرم اللّٰه تعالى في ظاهر القرآن و باطنه فإن اللّٰه تعالى قال في كتابه و قوله الحق وَ ذَرُوا ظٰاهِرَ الْإِثْمِ وَ بٰاطِنَهُ و اعلموا

أن ما أمر اللّٰه أن تجتنبوه فقد حرمه اللّٰه و اتبعوا آثار رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و سنته فخذوا بها و لا تتبعوا أهواءكم و آراءكم فتضلوا.

فإن أضل الناس عند اللّٰه من اتبع هواه و رأيه بغير هدى من اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 103

و أحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم و إن أسأتم فلها، و جاملوا الناس و لا تحملوهم على رقابكم تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم و إياكم و سب أعداء اللّٰه حيث يسمعونكم فيسبوا اللّٰه عدوا بغير علم و قد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم لله كيف هو، إنه من سب أولياء اللّٰه فقد انتهك سب اللّٰه و من أظلم عند اللّٰه ممن استسب لله و لأوليائه، فمهلا مهلا فاتبعوا أمر اللّٰه و لا قوة إلا بالله.

و قال أيتها العصابة الحافظ اللّٰه لهم أمرهم عليكم بآثار رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و سنته و آثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم من بعده و سنتهم فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى و من ترك ذلك و رغب عنه ضل لأنهم هم الذين أمر اللّٰه بطاعتهم و ولايتهم و قد قال أبونا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم: المداومة على العمل في اتباع الآثار و السنن و إن قل أرضى لله و أنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع و اتباع الأهواء، ألا إن اتباع الأهواء و اتباع البدع بغير هدى من اللّٰه ضلال و كل ضلال بدعة و كل بدعة في النار و لن ينال شي ء من الخير

عند اللّٰه إلا بطاعته و الصبر و الرضا لأن الصبر و الرضا من طاعة اللّٰه.

و اعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن اللّٰه فيما صنع اللّٰه إليه و صنع به على ما أحب و كره و لن يصنع اللّٰه بمن صبر و رضي عن اللّٰه إلا ما هو أهله و هو خير له مما أحب و كره و عليكم بالمحافظة عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلٰاةِ الْوُسْطىٰ وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ كما أمر اللّٰه به المؤمنين في كتابه من قبلكم و إياكم و عليكم يحب المساكين المسلمين فإنه من حقرهم و تكبر عليهم فقد زل عن دين اللّٰه و الهّٰا له حاقر و ماقت و قد قال أبونا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم: أمرني ربي بحب المساكين

الوافي، ج 26، ص: 104

المسلمين منهم.

و اعلموا أنه من حقر أحدا من المسلمين ألقى اللّٰه عليه المقت منه و المحقرة حتى يمقته الناس و اللّٰه له أشد مقتا فاتقوا اللّٰه في إخوانكم المسلمين المساكين منهم فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم فإن اللّٰه أمر نبيه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم بحبهم فمن لم يحب من أمر اللّٰه بحبه فقد عصى اللّٰه و رسوله و من عصى اللّٰه و رسوله و مات على ذلك مات و هو من الغاوين.

و إياكم و العظمة و الكبر فإن الكبر رداء اللّٰه تعالى فمن نازع اللّٰه رداءه قصمه اللّٰه و أذله يوم القيامة.

و إياكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنها ليست من خصال الصالحين فإنه من بغى صير اللّٰه بغيه على نفسه و صارت نصرة اللّٰه لمن بغي عليه و من نصره اللّٰه غلب و أصاب الظفر

من اللّٰه.

و إياكم أن يحسد بعضكم بعضا فإن الكفر أصله الحسد.

و إياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو اللّٰه عليكم فيستجاب له فيكم فإن أبانا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم كان يقول: إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة، و ليعن بعضكم بعضا فإن أبانا رسول اللّٰه صلى الهّٰو عليه و آله و سلم كان يقول: إن معونة المسلم خير و أعظم أجرا من صيام شهر و اعتكافه في المسجد الحرام.

و إياكم و إعسار أحد من إخوانكم المؤمنين أن تعسروه بالشي ء يكون لكم قبله و هو معسر فإن أبانا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم كان يقول: ليس لمسلم أن يعسر مسلما و من أنظر معسرا أظله اللّٰه يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله.

و إياكم أيتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها و حبس

الوافي، ج 26، ص: 105

حقوق اللّٰه قبلكم يوما بعد يوم و ساعة بعد ساعة فإنه من عجل حقوق اللّٰه قبله كان اللّٰه أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل و الآجل و إنه من أخر حقوق اللّٰه قبله كان اللّٰه أقدر على تأخير رزقه، و من حبس اللّٰه رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه فأدوا إلى اللّٰه حق ما رزقكم يطيب لكم بقيته و ينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة التي لا يعلم بعددها و لا بكنه فضلها إلا اللّٰه رب العالمين.

و قال: اتقوا اللّٰه أيتها العصابة و إن استطعتم أن لا يكون منكم محرج للإمام و إن محرج الإمام هو الذي يسعى بأهل الصلاح من أتباع الإمام، المسلمين لفضله الصابرين على أداء حقه العارفين بحرمته.

و اعلموا أن من نزل

بذلك المنزل عند الإمام فهو محرج للإمام فإذا فعل ذلك عند الإمام أحرج الإمام إلى أن يعلن أهل الصلاح من أتباعه، المسلمين لفضله، الصابرين على أداء حقه، العارفين بحرمته، فإذا لعنهم لإحراج أعداء اللّٰه الإمام صارت لعنته رحمة من اللّٰه عليهم و صارت اللعنة من اللّٰه و من الملائكة و رسوله على أولئك.

و اعلموا أيتها العصابة أن السنة من اللّٰه قد جرت في الصالحين قبل و قال: من سره أن يلقى اللّٰه و هو مؤمن حقا حقا فيتول اللّٰه و رسوله و الذين آمنوا و ليبرأ إلى اللّٰه من عدوهم و ليسلم لما انتهى من فضلهم لأن فضلهم لا يبلغه ملك مقرب و لا نبي مرسل و لا من دون ذلك، أ لم تسمعوا ما ذكر اللّٰه من فضل أتباع الأئمة الهداة و هم المؤمنون قال أولئك مع الذين أنعم اللّٰه عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا فهذا وجه من وجوه فضل أتباع

الوافي، ج 26، ص: 106

الأئمة فكيف بهم و فضلهم و من سره أن يتم اللّٰه له إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فإنه قد اشترط مع ولايته و ولاية رسوله و ولاية أئمة المؤمنين عليهم السلام إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و إقراض اللّٰه قرضا حسنا و اجتناب الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، فلم يبق شي ء مما فسر مما حرم اللّٰه إلا و قد دخل في جملة قوله، فمن دان اللّٰه فيما بينه و بين اللّٰه مخلصا لله و لم يرخص لنفسه في ترك شي ء من هذا فهو عند اللّٰه في حزبه الغالبين و هو من المؤمنين

حقا.

و إياكم و الإصرار على شي ء مما حرم اللّٰه في ظهر القرآن و بطنه و قد قال اللّٰه وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ إلى هاهنا رواية القاسم بن الربيع.

يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا مما اشترط اللّٰه في كتابه عرفوا أنهم قد عصوا اللّٰه في تركهم ذلك الشي ء فاستغفروا و لم يعودوا إلى تركه فذلك معنى قول اللّٰه تعالى وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ.

و اعلموا أنه إنما أمر و نهى ليطاع فيما أمر به و لينتهي عما نهى عنه، فمن اتبع أمره فقد أطاعه و قد أدرك كل شي ء من الخير عنده، و من لم ينته عما نهى اللّٰه عنه فقد عصاه فإن مات على معصيته أكبه اللّٰه على وجهه في النار.

و اعلموا أنه ليس بين اللّٰه و بين أحد من خلقه ملك مقرب و لا نبي مرسل و لا من دون ذلك من خلقه كلهم إلا طاعتهم له، فجدوا في طاعة اللّٰه إن سركم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا و لا قوة إلا بالله.

و قال: عليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فإن اللّٰه ربكم و اعلموا أن الإسلام هو التسليم، و التسليم هو الإسلام، فمن سلم فقد أسلم، و من لم

الوافي، ج 26، ص: 107

يسلم فلا إسلام له، و من سره أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان فليطع اللّٰه فإنه من أطاع اللّٰه فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان.

و إياكم و معاصي اللّٰه أن تركبوها فإنه من انتهك معاصي اللّٰه فركبها فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه و ليس بين الإحسان و الإساءة منزلة فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة و لأهل الإساءة عند ربهم النار، فاعملوا بطاعة

اللّٰه و اجتنبوا معاصيه، و اعلموا أنه ليس يغني عنكم من اللّٰه أحد من خلقه شيئا لا ملك مقرب و لا نبي مرسل و لا من دون ذلك، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند اللّٰه فليطلب إلى اللّٰه أن يرضى عنه.

و اعلموا أن أحدا من خلق اللّٰه لم يصب رضاء اللّٰه إلا بطاعته و طاعة رسوله و طاعة ولاة أمره من آل محمد صلى اللّٰه عليهم و معصيتهم من معصية اللّٰه و لم ينكر لهم فضلا عظم و لا صغر.

و اعلموا أن المنكرين هم المكذبون و أن المكذبين هم المنافقون و أن اللّٰه تعالى قال للمنافقين- و قوله الحق- إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّٰارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً و لا يفرقن أحد منكم ألزم اللّٰه قلبه طاعته و خشيته من أحد من الناس أخرجه اللّٰه من صفة الحق و لم يجعله من أهلها، فإن من لم يجعله اللّٰه من أهل صفة الحق فأولئك هم شياطين الإنس و الجن فإن لشياطين الإنس حيلا و مكرا و خدائع و وسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم اللّٰه به من النظر في دين اللّٰه الذي لم يجعل اللّٰه شياطين الإنس من أهله إرادة أن يستوي أعداء اللّٰه و أهل الحق في الشك و الإنكار و التكذيب فيكونون سواء كما وصف اللّٰه في كتابه من قوله سبحانه وَدُّوا لَوْ

الوافي، ج 26، ص: 108

تَكْفُرُونَ كَمٰا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوٰاءً. ثم نهى اللّٰه أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء اللّٰه وليا و لا نصيرا فلا يهولنكم و لا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم اللّٰه به من حيلة شياطين الإنس و

مكرهم و حيلهم و وساوس بعضهم إلى بعض فإن أعداء اللّٰه إن استطاعوا صدوكم عن الحق فيعصمكم اللّٰه من ذلك فاتقوا اللّٰه و كفوا ألسنتكم إلا من خير و إياكم أن تذلقوا ألسنتكم بقول الزور و البهتان و الإثم و العدوان فإنكم إن كففتم ألسنتكم به فإن ذلق اللسان فيما يكره اللّٰه و فيما ينهى عنه لدناءة للعبد عند اللّٰه و مقت من اللّٰه و صمم و عمى و بكم يورثه اللّٰه إياه يوم القيامة فيصيروا كما قال اللّٰه صم بكم عمي فهم لا يرجعون يعني لا ينطقون، و لا يؤذن لهم فيعتذرون.

و إياكم و ما نهاكم اللّٰه عنه أن تركبوه و عليكم بالصمت إلا فيما ينفعكم اللّٰه به في أمر آخرتكم و يؤجركم عليه، و أكثروا من التهليل، و التقديس، و التسبيح، و الثناء على اللّٰه، و التضرع إليه، و الرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره، و لا يبلغ كنهه أحد، فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى اللّٰه عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلودا في النار لمن مات عليها و لم يتب إلى اللّٰه منها و لم ينزع عليها (عنها- خ ل) و عليكم بالدعاء فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء و الرغبة إليه، و التضرع إلى اللّٰه، و المسألة له، فارغبوا فيما رغبكم اللّٰه فيه، و أجيبوا اللّٰه إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا و تنجوا من عذاب اللّٰه.

الوافي، ج 26، ص: 109

و إياكم أن تشره أنفسكم إلى شي ء مما حرم اللّٰه عليكم فإنه من انتهك ما حرم اللّٰه عليه هاهنا في الدنيا حال اللّٰه بينه و بين الجنة و نعيمها و لذتها و كرامتها

القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين.

و اعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر بترك طاعة اللّٰه و ركوب معصيته فاختار أن ينتهك محارم اللّٰه في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنة و لذاتها و كرامة أهلها، ويل لأولئك ما أخيب حظهم، و أخسر كرتهم، و أسوأ حالهم عند ربهم يوم القيامة، استجيروا اللّٰه أن يجريكم في مثالهم أبدا و أن يبتليكم بما ابتلاهم به و لا قوة لنا و لكم إلا به.

فاتقوا اللّٰه أيتها العصابة الناجية إن أتم اللّٰه لكم ما أعطاكم فإنه لا يتم الأمر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم و حتى تبتلوا في أنفسكم و أموالكم و حتى تسمعوا من أعداء اللّٰه أذى كثيرا فتصبروا و تعركوا بجنوبكم و حتى يستذلوكم و يبغضوكم، و حتى يحملوا عليكم الضيم فتحتملوه منهم، تلتمسون بذلك وجه اللّٰه و الدار الآخرة، و حتى تكظموا الغيظ الشديد في الأذى في اللّٰه يجترمونه إليكم، و حتى يكذبوكم بالحق و يعادوكم فيه، و يبغضوكم عليه، فتصبروا على ذلك منهم، و مصداق ذلك كله في كتاب اللّٰه الذي أنزله جبرئيل على نبيكم صلى اللّٰه عليه و آله و سلم سمعتم قول اللّٰه تعالى لنبيكم صلى اللّٰه عليه و آله و سلم فَاصْبِرْ كَمٰا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لٰا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ثم قال وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ- فَصَبَرُوا عَلىٰ مٰا كُذِّبُوا وَ أُوذُوا فقد كذب نبي اللّٰه و الرسل من قبله و أوذوا مع التكذيب

الوافي، ج 26، ص: 110

بالحق، فإن سركم أن تكونوا مع نبي اللّٰه محمد صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و الرسل من

قبله فتدبروا ما قص اللّٰه عليكم في كتابه مما ابتلى به أنبياءه و أتباعهم المؤمنين ثم سلوا اللّٰه أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء و الضراء و الشدة و الرخاء مثل الذي أعطاهم.

و إياكم و مماظة أهل الباطل و عليكم بهدى الصالحين و وقارهم و سكينتهم و حلمهم و تخشعهم و ورعهم عن محارم اللّٰه و صدقهم و وفائهم و اجتهادهم لله في العمل بطاعته، فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم، و اعلموا أن اللّٰه تعالى إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للإسلام، فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق و عقد قلبه عليه فعمل به فإذا جمع اللّٰه له ذلك تم إسلامه و كان عند اللّٰه إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا و إذا لم يرد اللّٰه بعبد خيرا وكله إلى نفسه و كان صدره ضيقا حرجا فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه و إذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه اللّٰه العمل به، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت و هو على تلك الحال كان عند اللّٰه من المنافقين و صار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه اللّٰه أن يعقد قلبه عليه و لم يعطه العمل به حجة عليه.

فاتقوا اللّٰه و سلوه أن يشرح صدوركم للإسلام و أن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم و أنتم على ذلك و أن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم و لا قوة إلا بالله و الحمد لله رب العالمين.

و من سره أن يعلم أن اللّٰه يحبه فليعمل بطاعة اللّٰه و ليتبعنا أ لم يسمع قول اللّٰه تعالى لنبيه صلى اللّٰه عليه و آله

و سلم قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ و اللّٰه لا يطيع اللّٰه عبد أبدا إلا

الوافي، ج 26، ص: 111

أدخل اللّٰه عليه في طاعته اتباعنا و لا و اللّٰه لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه اللّٰه و لا و اللّٰه لا يدع اتباعنا أحد أبدا إلا أبغضنا و لا و اللّٰه لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى اللّٰه و من مات عاصيا لله أخزاه اللّٰه و أكبه على وجهه في النار و الحمد لله رب العالمين".

بيان

" الدعة" الخفض و الطمأنينة و المجاملة المعاملة بالجميل" و الضيم" الظلم" و المماظة" بالمعجمة شدة المنازعة و المخاصمة مع طول اللزوم بالتقية متعلقة" بدينوا" و ما بينهما معترض" و السطو" القهر بالبطش" أن تظهروهم" أن تطلعوهم، و في بعض النسخ" تطلعوهم"" و رفعوه عليكم" أي رفعوه إلى ولاتهم لينالكم الضرر منهم" عرضة" معترضا بينكم و بينهم" مهلا" أي أمهلوا مهلا وصف صفتكم قال بقولكم و دان بدينكم" بغاكم" طلب لكم" الغوائل" المهالك" و التجبر" التكبر، و لعل المراد بالتجبر على اللّٰه عدم المبالاة بأوامره و نواهيه سبحانه و الجبرية الكبر فالعطف للبيان" و العريكة" الطبيعة يقال فلان لين العريكة إذا كان سلسا مطاوعا منقادا قليل الخلاف و النفور" و زهرة الدنيا" حسنها و بهجتها" و غضارة العيش" طيبها و لذتها" تحت الأظلة" أي أظلة العرش يوم الميثاق و لعله أشير به إلى عالم القدر و قد عهد إليهم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم يعني بالنص على الوصي صلوات اللّٰه عليهما بما اجتمع عليه رأي الناس يعني به إجماعهم على خلافة أبي بكر هذا الكلام صريح في نفي حجية

الإجماع بالآراء من دون نص مستفيض و كفى به حجة على متأخري أصحابنا حيث جعلوا الإجماع حجة ثالثة برأسها في مقابلة الكتاب و السنة و إن لم يكن له مستند ظاهر منهما و كفى بما قبله و بما بعده من كلماته عليه السلام حجة عليهم أيضا فيما ذهبوا إليه من الاجتهاد و القول بالرأي المستنبط من المتشابهات هل يستطيع الفرض من هذا الكلام إلى آخره أن يبين أنه لا فرق بين زمان حياته صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و موته في عدم جواز العمل بالرأي كما أنه لا

الوافي، ج 26، ص: 112

فرق بينهما في وجوب طاعة اللّٰه و اتباع أمره و إنما أمر عليه السلام أصحابه بالتقية في رفع الأيدي في الصلاة لأنه كان يومئذ من علامات التشيع في ظاهر القرآن و باطنه لعل المراد بما حرم اللّٰه تعالى في باطن القرآن مخالفة ولي الأمر و متابعة أهل الضلال و اتباع آرائهم و اعتقاد الولاية فيهم و ذلك لأن ثلث القرآن ورد فيهم كما ورد عنهم عليهم السلام و هو المراد بباطن الإثم أو هو أحد أفراده عدوا تجاوزا عن الحق إلى الباطل بغير علم على جهالة بالله أشار بذلك إلى قوله سبحانه وَ لٰا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَيَسُبُّوا اللّٰهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ أراد أن سبكم لأئمتهم جهارا يقتضي سبهم لأئمتكم و هو معنى سب اللّٰه تعالى و حده الحافظ اللّٰه لهم أمرهم لعل المراد به حفظ أمر دينهم بإقامة إمام لهم بعد إمام و مع غيبة إمامهم بتبليغ كلام أئمتهم إليهم و إبقاء آثارهم لديهم لئلا يحتاجوا إلى الآراء و الأهواء و المقاييس" و إعسار الغريم" أن يطلب

منه الدين على عسرته" و إن استطعتم" جواب إن محذوف يدل عليه ما بعده" و إحراج الإمام" إلجاؤه إلى ما لا يريد من الحرج بمعنى الضيق" يسعى بأهل الصلاح" يعني إلى الإمام من السعاية يقال سعى به إلى الوالي إذا وشي به إليه أن السنة من اللّٰه قد جرت يعني أن هذه السنة قد جرت فيهم قبل ذلك فيمن سلف من الأمم بأن يسعى بهم إلى الإمام فيلعنوا فإذا لعنوا صارت اللعنة عليهم رحمة" و لا يفرقن أحدكم" من الفرق بالتحريك بمعنى الخوف" هم شياطين الإنس و الجن" يعني شياطين الإنس إن كانوا من الإنس و شياطين الجن إن كانوا من الجن، و يحتمل أن يكون المراد بهم الإنس خاصة و يكون إشارة إلى إلحاقهم بشياطين الجن بعد موتهم كما أشير إليه بقوله سبحانه يٰا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ على ما في بعض التفاسير" من حيلة شياطين الإنس" أي بعض حيلتهم" و ذلق

الوافي، ج 26، ص: 113

اللسان" حدته" لدناءة" في بعض النسخ" لذراءة" بالذال المعجمة و الراء بمعنى الغضب فيعتذرون عطف على يؤذن ليدل على نفي الإذن و الاعتذار عقيبه مطلقا و لو جعل جوابا لدل على أن عدم اعتذارهم لعدم الإذن فأوهم ذلك أن لهم عذرا لكن لا يؤذن لهم فيه" و الشره" غلبة الحرص" بئس الحظ الخطر" في بعض النسخ" بئس الخطر الخطر" و لعله أصوب" أخسر كرتهم" يعني رجوعهم إلى اللّٰه تعالى" ما أعطاكم" يعني به النعم الدنيوية و الأخروية فإنه لا يتم الأمر جواب الشرط و أريد بالأمر دخول الجنة قال اللّٰه عز و جل أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّٰا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ

مَسَّتْهُمُ الْبَأْسٰاءُ وَ الضَّرّٰاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتّٰى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتىٰ نَصْرُ اللّٰهِ و حتى تبتلوا بيان لمثل الذي و فيه إشارة إلى قوله سبحانه لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوٰالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" و العرك" الدلك في حديث عائشة تصف أباها عركه للأذى بجنبه كنت به عن احتماله الأذى" يجترمونه إليكم" يجنون جناية عليكم.

آخر أبواب الخطب و الرسائل و الحمد لله أولا و آخرا و صلى اللّٰه على محمد و آله و سلم.

الوافي، ج 26، ص: 117

أبواب المواعظ

الآيات

قال اللّٰه تعالى يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ قَدْ جٰاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفٰاءٌ لِمٰا فِي الصُّدُورِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.

و قال جل و عز قَدْ جٰاءَكُمْ بَصٰائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهٰا.

الوافي، ج 26، ص: 119

باب مواعظ اللّٰه سبحانه

[1]
اشارة

25379- 1 (الكافي- 8: 219 رقم 270) الاثنان، عن البزنطي، عن الحسن بن محمد الهاشمي، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال" قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم: يقول اللّٰه تعالى لابن آدم: إن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبق و لا تنظر، و إن نازعك لسانك إلى ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبق و لا تكلم، و إن نازعك فرجك إلى بعض ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبق و لا تأت حراما".

بيان

لعل المراد بطبقي الفرج شفري حليلته و في الحديث: إذا نظر أحدكم إلى المرأة الحسناء فليأت أهله فإن معها مثل الذي مع تلك، و فيه يا معشر الشباب عليكم بالباءة فإن لم تستطيعوا فعليكم بالصيام فإنه وجاؤه.

الوافي، ج 26، ص: 120

[2]
اشارة

25380- 2 (الفقيه- 4: 397 رقم 5848) قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم" قال اللّٰه تعالى عبادي كلكم ضال إلا من هديته، و كلكم فقير إلا من أغنيته، و كلكم مذنب إلا من عصمته".

بيان

و ذلك لأن الخيرات كلها من لوازم الوجود و الوجدان اللذين هما من اللّٰه تعالى و الشرور كلها من لوازم العدم و الفقدان اللذين هما من أنفسنا كما قال اللّٰه سبحانه في كتابه مٰا أَصٰابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ وَ مٰا أَصٰابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ و قد أقيم البرهان على ذلك في محله.

[3]
اشارة

25381- 3 (الكافي- 8: 42 رقم 8) علي، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن علي بن عيسى رفعه قال: إن موسى عليه السلام ناجاه اللّٰه تعالى فقال له في مناجاته:

يا موسى لا تطول في الدنيا أملك فيقسوا لذلك قلبك و قاسي القلب مني بعيد.

يا موسى كن لمسرتي فيك فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصي، و أمت قلبك بالخشية، و كن خلق الثياب، جديد القلب، تخفى على أهل الأرض، و تعرف في أهل السماء، حلس البيوت، مصباح الليل، و اقنت بين يدي قنوت الصابرين و صح إلي من كثرة الذنوب صياح المذنب المهارب من عدوه، و استعن بي على ذلك فإني نعم المعون و نعم المستعان.

يا موسى إني أنا اللّٰه فوق العباد و العباد دوني و كل لي داخرون فاتهم

الوافي، ج 26، ص: 121

نفسك على نفسك و لا نأمن ولدك على دينك إلا أن يكون ولدك مثلك يحب الصالحين.

يا موسى اغسل و اغتسل و اقترب من عبادي الصالحين.

يا موسى كن إمامهم في صلاتهم و إمامهم فيما يتشاجرون و احكم بينهم بما أنزلت عليك فقد أنزلته حكما بينا و برهانا نيرا و نورا ينطق بما كان في الأولين و بما هو كائن في الآخرين.

أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى بن مريم صاحب الأتان و البرنس و الزيت و الزيتون

و المحراب و من بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر، فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها و أنه راكع ساجد، راغب، راهب، إخوانه المساكين، و أنصاره قوم آخرون و يكون في زمانه أزل و زلازل و قتل، و قلة من المال، اسمه أحمد، محمد الأمين من الباقين من ثلة الأولين الماضين، يؤمن بالكتب كلها، و يصدق جميع المرسلين، و يشهد بالإخلاص لجميع النبيين، أمته مرحومة مباركة، ما بقوا في الدين على حقائقه، لهم ساعات موقتات، يؤدون فيها الصلوات أداء العبد إلى سيده نافلته، فبه فصدق، و منهاجه فاتبع، فإنه أخوك.

يا موسى أنه أمي و هو عبد صدق يبارك له فيما وضع يده عليه و يبارك عليه كذلك كان في علمي و كذلك خلقته، به أفتح الساعة و بأمته أختم مفاتيح الدنيا فمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا اسمه و لا يخذلوه و إنهم لفاعلون، و حسبه بي حسبه، فأنا معه و أنا من حزبه و هو من حزبي و حزبهم الغالبون، فتمت كلماتي لأظهرن دينه على الأديان كلها

الوافي، ج 26، ص: 122

و لأعبدن بكل مكان و لأنزلن عليه قرآنا فرقانا شفاء لما في الصدور من نفث الشيطان فصل عليه يا ابن عمران فإني أصلي عليه و ملائكتي.

يا موسى أنت عبدي و أنا إلهك، لا تستذل الحقير الفقير، و لا تغبط الغني بشي ء يسير، و كن عند ذكري خاشعا و عند تلاوته برحمتي طامعا و أسمعني لذاذة التوراة بصوت خاشع حزين، اطمئن عند ذكري و ذكر بي من يطمئن إلي و اعبدني و لا تشرك بي شيئا و تحر مسيرتي إني أنا السيد الكبير، إني خلقتك من نطفة من ماء مهين،

من طينة أخرجتها من أرض ذليلة ممشوجة فكانت بشرا فأنا صانعها خلقا فتبارك وجهي و تقدس صنعي، ليس كمثلي شي ء و أنا الحي الدائم الذي لا أزول.

يا موسى كن إذا دعوتني خائفا مشفقا وجلا، و عفر وجهك لي في التراب و اسجد لي بمكارم بدنك و اقنت بين يدي في القيام و ناجني حين تناجيني بخشية من قلب وجل و احي بتوراتي أيام الحياة و علم الجهال محامدي و ذكرهم آلائي و نعمتي و قل لهم لا يتمادون في غي ما هم فيه، فإن أخذي أليم شديد.

يا موسى إن انقطع حبلك مني لم يتصل بحبل غيري، فاعبدني و قم بين يدي مقام العبد الفقير الحقير، ذم نفسك فهي أولى بالذم و لا تتطاول بكتابي على بني إسرائيل فكفى بهذا واعظا لقلبك و منيرا و هو كلام رب العالمين تعالى.

يا موسى متى ما دعوتني و رجوتني فإني سأغفر لك على ما كان منك السماء تسبح لي وجلا و الملائكة من مخافتي مشفقون و الأرض تسبح لي

الوافي، ج 26، ص: 123

طمعا و كل الخلق يسبحون لي داخرين ثم عليك بالصلاة، الصلاة فإنها مني بمكان و لها عندي عهد وثيق و ألحق بها ما هو منها زكاة القربان من طيب المال و الطعام فإني لا أقبل إلا الطيب يراد به وجهي.

و اقرن مع ذلك صلة الأرحام فإني أنا اللّٰه الرحمن الرحيم و الرحم أنا خلقتها فضلا من رحمتي ليتعاطف بها العباد و لها عندي سلطان في معاد الآخرة و أنا قاطع من قطعها و واصل من وصلها و كذلك أفعل بمن ضيع أمري.

يا موسى أكرم السائل إذا أتاك برد جميل أو إعطاء يسير فإن يأتيك من ليس بإنس

و لا جان، ملائكة الرحمن يبلونك كيف أنت صانع فيما أوليتك و كيف مؤاساتك فيما خولتك و اخشع لي بالتضرع و اهتف لي بولولة الكتاب و اعلم أني أدعوك دعاء السيد مملوكه لتبلغ به شرف المنازل و ذلك من فضلي عليك و على آبائك الأولين.

يا موسى لا تنسني على كل حال و لا تفرح بكثرة المال فإن نسياني يقسي القلوب و مع كثرة المال كثرة الذنوب، و الأرض مطيعة و السماء مطيعة و البحار مطيعة و عصياني شقاء المثقلين و أنا الرحمن الرحيم، رحمان كل زمان، آتي بالشدة بعد الرخاء و بالرخاء بعد الشدة، و بالملوك بعد الملوك، و ملكي دائم قائم لا يزول، و لا يخفى علي شي ء في الأرض و لا في السماء، و كيف يخفى علي ما مني مبتدأة و كيف لا يكون همك فيما عندي و إلي ترجع لا محالة.

يا موسى اجعلني حرزك و ضع عندي كنزك من الصالحات و خفني و لا تخف غيري إلي المصير.

يا موسى ارحم من هو أسفل منك في الخلق و لا تحسد من هو فوقك،

الوافي، ج 26، ص: 124

فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

يا موسى إن ابني آدم تواضعا في منزلة لينالا بها من فضلي و رحمتي فقربا قربانا و لا أقبل إلا من المتقين، و كان من شأنهما ما قد علمت فكيف تثق بالصاحب بعد الأخ و الوزير.

يا موسى ضع الكبر و دع الفخر و اذكر أنك ساكن القبر فليمنعك ذلك من الشهوات.

يا موسى عجل التوبة و أخر الذنوب و تأن في المكث بين يدي في الصلاة و لا ترج غيري، اتخذني جنة للشدائد و حصنا لملمات الأمور.

يا موسى كيف تخشع لي

خليقة لا تعرف فضلي عليها، و كيف تعرف فضلي عليها و هي لا تنظر فيه، و كيف تنظر فيه و هي لا تؤمن به، و كيف تؤمن به و هي لا ترجو ثوابا، و كيف ترجو ثوابا و هي قد قنعت بالدنيا و اتخذتها مأوى و ركنت إليها ركون الظالمين.

يا موسى نافس في الخير أهله فإن الخير كاسمه و دع الشر لكل مفتون.

يا موسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم و أكثر ذكري بالليل و النهار تغنم و لا تتبع الخطايا فتندم فإن الخطايا موعدها النار.

يا موسى أطب الكلام لأهل الترك للذنوب و كن لهم جليسا و اتخذهم لعيبك إخوانا و جد معهم يجدون معك.

يا موسى الموت لاقيك لا محالة فتزود زاد من هو على ما يتزود وارد [على اليقين] يا موسى ما أريد به وجهي فكثير قليله، و ما أريد به غيري فقليل كثيره و إن أصلح أيامك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو فأعد له الجواب فإنك موقوف به و مسئول و خذ موعظتك من الدهر

الوافي، ج 26، ص: 125

و أهله فإن الدهر طويله قصير و قصيره طويل، و كل شي ء فان فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة فإن ما بقي من الدنيا كما ولى منها و كل عامل يعمل على بصيرة و مثال فكن مرتادا لنفسك يا ابن عمران لعلك تفوز غدا يوم السؤال فهنالك يخسر المبطلون.

يا موسى ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل العبد المستصرخ إلى سيده فإنك إذا فعلت ذلك رحمت و أنا أكرم القادرين.

يا موسى سلني من فضلي و رحمتي فإنهما بيدي لا يملكهما أحد غيري و انظر حين تسألني كيف

رغبتك فيما عندي، لكل عامل جزاء و قد يجزى الكفور بما سعى.

يا موسى طب نفسا عن الدنيا و انطو عنها فإنها ليست لك و لست لها ما لك و لدار الظالمين إلا العامل فيها بالخير فإنها له نعم الدار.

يا موسى ما آمرك به فاسمع و مهما أراه فاصنع، خذ حقائق التوراة إلى صدرك و تيقظ بها في ساعات الليل و النهار و لا تمكن أبناء الدنيا من صدرك فيجعلونه وكرا كوكر الطير.

يا موسى أبناء الدنيا و أهلها فتن بعضهم لبعض فكل مزين له ما هو فيه و المؤمن من زينت له الآخرة فهو ينظر إليها ما يفتر، قد حالت شهوتها بينه و بين لذة العيش فأدلجته بالأسحار كفعل الراكب السائق إلى غايته يظل كئيبا و يمسي حزينا فطوبى له لو قد كشف الغطاء ما ذا يعاين من السرور.

يا موسى الدنيا نطفة ليست بثواب للمؤمن و لا نقمة من فاجر فالويل الطويل لمن باع ثواب معاده بلعقة لم تبق و بلعة لم تدم و كذلك

الوافي، ج 26، ص: 126

فكن كما أمرتك و كل أمري رشاد.

يا موسى إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت لي عقوبته و إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين و لا تكن جبارا ظلوما و لا تكن للظالمين قرينا.

يا موسى ما عمر و إن طال ما يذم آخره و ما ضرك ما زوي عنك إذا حمدت مغبته.

يا موسى صرخ الكتاب إليك صراخا بما أنت إليه صائر فكيف ترقد على هذا العيون أم كيف يجد قوم لذة العيش لو لا التمادي في الغفلة و الاتباع للشقوة و التتابع للشهوة و من دون هذا يجزع الصديقون.

يا موسى مر عبادي يدعوني على ما كان

بعد أن يقروا بي أني أرحم الراحمين مجيب المضطرين و أكشف السوء و أبدل الزمان و آتي بالرخاء و أشكر اليسير و أثيب الكثير و أغني الفقير و أنا الدائم العزيز القدير، فمن لجأ إليك و انضوى إليك من الخاطئين فقل: أهلا و سهلا، بأرحب الفناء بفناء رب العالمين و استغفر لهم و كن لهم كأحدهم و لا تستطل عليهم بما أنا أعطيتك فضله و قل لهم فليسألوني من فضلي و رحمتي فإنه لا يملكها أحد غيري و أنا ذو الفضل العظيم.

طوبى لك يا موسى كهف الخاطئين و أخ المذنبين و جليس المضطرين و مستغفر للمذنبين، إنك مني بالمكان الرضى فادعني بالقلب النقي و اللسان الصادق و كن كما أمرتك أطع أمري و لا تستطل على عبادي بما ليس منك مبتدأة و تقرب إلي فإني منك قريب فإني لم أسألك ما يؤذيك ثقله و لا حمله إنما سألتك أن تدعوني فأجيبك و إن تسألني فأعطيك و إن

الوافي، ج 26، ص: 127

تتقرب إلي بما مني أخذت تأويله و علي تمام تنزيله.

يا موسى انظر إلى الأرض فإنها عن قريب قبرك و ارفع عينيك إلى السماء فإن فوقك فيها ملكا عظيما و ابك على نفسك ما دمت في الدنيا و تخوف العطب و المهالك و لا تغرنك زينة الدنيا و زهرتها و لا ترض بالظلم و لا تكن ظالما فإني للظالم رصيد حتى أديل منه المظلوم.

يا موسى إن الحسنة عشرة أضعاف و من السيئة الواحدة الهلاك، لا تشرك بي، لا يحل لك أن تشرك بي، قارب و سدد، و ادع دعاء الطامع الراغب فيما عندي، النادم على ما قدمت يداه، فإن سواد الليل يمحوه النهار فكذلك السيئة تمحوها

الحسنة و عشوة الليل تأتي على ضوء النهار فكذلك السيئة تأتي على الحسنة الجليلة فتسودها".

بيان

" حلس البيت" بالكسر و التحريك ما ينبسط تحت حر الثياب، و في الحديث كن جليس البيت أي لا تبرح" داخرون" صاغرون" اغسل" أي جسدك من الدرن" يتشاجرون" يتنازعون" مما أنزلت عليك" يعني التوراة الذي أنزل عليه باللغة العبرانية على الألواح الزبرجدية و في نسختها هدى و رحمة للذين هم لربهم يرهبون" و الأتان" الحمارة" و البرنس" قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه دراعة كانت أو جبة أو ممطرا و الزيت و الزيتون كأنهما كانا غذاءه و المحراب مكان عبادته و المراد بصاحب الجمل الأحمر نبينا صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و المهيمن الأمين و المؤتمن و الشاهد و الرقيب الحافظ راكع ساجد نبه بذلك على أنه جامع بين الركوع و السجود في صلاته بخلاف أهل الكتابين فإن كلا منهما

الوافي، ج 26، ص: 128

لا يأتي إلا بأحدهما و الأزل الضيق، و الزلازل البلايا، و في بعض النسخ الزلزال و الشلة بالضم الجماعة من الناس أريد أنه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم من جنس الأنبياء الماضين و من طينتهم و بقيتهم أي منسوب إلى أم القرى يعني مكة و البركة النماء و الزيادة و السعادة يقال بارك اللّٰه لك و فيك و عليك و باركك به افتح الساعة يعني أنه أول من يوم به القيامة و أول من ينشق عنه القبر و بأمته" أختم مفاتيح الدنيا" يعني بهم أفنى الدنيا و أطويها" و الدرس" العفو و المحو و الإبطال لازم و متعد، و حسبه بي، حسبه أي كفايته بي كفته و حزبهم الغالبون الظاهر و

حزبي الغالبون و لعله من غلط النساخ و النفث كالنفخ و هو دون التفل و لعل المراد بنفث الشيطان إلقاؤه الوسوسة في القلب" و لا تغبط الغني بشي ء يسير" يعني أن شيئه يسير ليس بمحل أن يغبط بل الدنيا كلها في جنب ثواب الآخرة و نعيمها كأنها لا شي ء" تحر مسيرتي" اجتهد في تحصيلها، و الممشوج المخلوط، و الغي الضلال" ما هو منها" أي من متمماتها فإن الصلاة موقوفة لا ترفع حتى يؤتى بالزكاة" زكاة القربان" أي التي يتقرب بها" و لها عندي سلطان"

قد ورد في الحديث أن الرحم متعلقة يوم القيامة بالعرش يقول اللهم صل من وصلني و اقطع من قطعني و كذلك أفعل بمن ضيع أمري

أي اجعل لأمري سلطانا في المعاد فأضيع من ضيعه أو إعطاء يسيرا أي إعطاء فيه يسر و سهولة لا يكون فيه من و لا أذى أو المراد أعطه القليل إن لم تقدر على الكثير فيكون اقتصارا على الفردين الأخفيين من الإكرام ليدل على الأجلى بالطريق الأولى.

و قد ورد في الحديث: لا تستحيوا من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه

" أوليتك" أعطيتك" خولتك" ملكتك" و الولولة" الدعاء بالويل و لعله أشير بها إلى ما في التوراة من الويل و لها معان أخر كاختلاط الألسن و إلهام الذكر و الهم و الحزن و غير ذلك و لعل بعضها مما يناسب هذا المقام فكيف تثق بالصاحب

الوافي، ج 26، ص: 129

يعني إذا قتل أحد الأخوين الآخر حسدا له بسبب قبول قربانه فكيف يجوز الوثوق بالصاحب لمن حصل له الاطلاع على ذلك و لما كان هذا الكلام موهما للنهي عن وثوقه بهارون أيضا استدرك ذلك بقوله بعد الأخ و الوزير يعني أن

هارون عليه السلام صالح لأن تثق به و ذلك لأنه ما كان نبيا مرسلا و ملمات الأمور شدائدها" لعيبك إخوانا" يعني لإصلاح عيبك بإيقافهم إياك عليك" و جد" من الجد في الأمر" طويله قصير" لأنه يمر مر السحاب و يسرع في الذهاب و الإذهاب" و قصيره طويل" لطول الأمل فيه أو لإمكان تحصيل كثير من زاد الآخرة في زمان يسير.

و في رواية أخرى أن الدهر طويل قصير ما أمرك به

" فاسمع" أي سماع انقياد بحملك على الامتثال" و مهما أراه فاصنع" أي أصنعه بمشهد مني أي عالما بأني أرى ما تصنع كيف تصنع نظيره قول نبينا صلى اللّٰه عليه و آله و سلم الإحسان أن تعبد اللّٰه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك و يحتمل أن يكون أمرا بدوام فعل ما أمر به شهوتها أي شهوة الآخرة" لذة العيش" أي عيش الدنيا،" فأدلجته" سيرته يعني شهوة الآخرة و الإدلاج السير من أول الليل و بتشديد الدال السير في آخر الليل و هو كناية عن عبادته و اجتهاده و النطفة ما يبقى في الدلو أو القربة من الماء كنى بها عن قلتها و البلعة بالمهملة ما يبلع كما أن اللعقة ما يلعق" زوي" صرف" و المغبة" بالفتح و تشديد الباء العاقبة صرخ الكتاب أي التوراة أو كتاب الأعمال أو كاتبيها على ما كان يعني ما كان منهم من ذنوب و سيئات" و الضوى" السكون و الاطمئنان" بأرحب الفناء" أي أوسعها و فناء الدار بالكسر ما اتسع من أمامها و الرصيد المرتقب" حتى أديل منه المظلوم" أي آخذ الدولة منه و أعطيها المظلوم، و الإدالة الغلبة يقال أديل له على أعدائه أي نصر عليهم فصارت

الدولة له بعد ما كانت لهم" قارب و سدد" أي اقتصد في أمورك كلها و اترك الغلو و التقصير يقال قارب فلان في أموره إذا اقتصد فيها و عشوة الليل بالمهملة ثم المعجمة ظلمتها.

الوافي، ج 26، ص: 130

[4]
اشارة

25382- 4 (الكافي- 8: 131 رقم 103) علي، عن أبيه، عن ابن أسباط، عنهم عليهم السلام قال" فيما وعظ اللّٰه تعالى به عيسى عليه السلام: يا عيسى أنا ربك و رب آبائك، اسمي واحد و أنا الأحد المتفرد بخلق كل شي ء و كل شي ء من صنعي و كل إلي راجعون.

يا عيسى أنت المسيح بأمري و أنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني و أنت تحيي الموتى بكلامي فكن إلي راغبا و مني راهبا و لن تجد مني ملجأ إلا إلي.

يا عيسى أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة حتى حقت لك مني الولاية بتحريك مني المسرة، فبوركت كبيرا و بوركت صغيرا حيث ما كنت، أشهد أنك عبدي، ابن أمتي، أنزلني من نفسك كهمك و اجعل ذكري لمعادك و تقرب إلي بالنوافل و توكل علي أكفك و لا تول غيري فأخذلك.

يا عيسى اصبر على البلاء و ارض بالقضاء و كن كمسرتي فيك فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصي، يا عيسى أحي ذكري بلسانك و ليكن ودي في قلبك، يا عيسى تيقظ في ساعات الغفلة و أحكم لي لطيف الحكمة، يا عيسى كن راغبا راهبا و أمت قلبك بالخشية، يا عيسى راع الليل لتحري مسرتي و أظمأ نهارك ليوم حاجتك عندي، يا عيسى نافس في الخير جهدك لتعرف بالخير حيث ما توجهت.

يا عيسى احكم في عبادي بنصحي و قم فيهم بعدلي، فقد أنزلت عليك شفاء لما في الصدور من مرض الشيطان،

يا عيسى لا تكن جليسا لكل مفتون، يا عيسى حقا أقول: ما آمنت بي خليفة إلا خشعت لي و لا خشعت لي إلا رجت ثوابي، فاشهد أنها آمنة من عذابي ما لم تبدل

الوافي، ج 26، ص: 131

و لا تغير سنتي، يا عيسى ابن البكر البتول ابك على نفسك بكاء من قد ودع الأهل و قلى الدنيا و تركها لأهلها و صارت رغبته فيما عند إلهه، يا عيسى كن مع ذلك تلين الكلام و تفشي السلام، يقظان إذا نامت عيون الأبرار، حذرا للمعاد و الزلازل الشداد، و أهوال يوم القيامة، حيث لا ينفع أهل و لا ولد و لا مال، يا عيسى اكحل عينك بميول الحزن إذا ضحك البطالون.

يا عيسى كن خاشعا صابرا فطوبى لك إن نالك ما وعد الصابرون، يا عيسى رح من الدنيا يوما فيوما و ذق لما قد ذهب طعمه، فحقا أقول:

ما أنت إلا بساعتك و يومك، فرح من الدنيا ببلغة و ليكفك الخشن الجشب فقد رأيت إلى ما تصير و مكتوب ما أخذت و كيف أتلفت، يا عيسى أنك مسئول فارحم الضعيف كرحمتي إياك و لا تقهر اليتيم، يا عيسى ابك على نفسك في الخلوات و انقل قدميك إلى مواقيت الصلوات و أسمعني لذاذة نطقك بذكري فإن صنيعي إليك حسن، يا عيسى كم من أمة قد أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها.

يا عيسى ارفق بالضعيف و ارفع طرفك الكليل إلى السماء و ادعني فإني منك قريب و لا تدعني إلا متضرعا إلي، و همك هما واحدا، فإنك متى تدعني كذلك أجبك، يا عيسى إني لم أرض بالدنيا ثوابا لمن كان قبلك و لا عقابا لمن انتقمت منه، يا عيسى إنك تفنى و

أنا أبقي و مني رزقك و عندي ميقات أجلك و إلي إيابك و علي حسابك فسلني و لا تسأل غيري فيحسن منك الدعاء و مني الإجابة، يا عيسى ما أكثر البشر و أقل عدد من صبر، الأشجار كثيرة و طيبها قليل، فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرتها.

الوافي، ج 26، ص: 132

يا عيسى لا يغرنك المتمرد علي بالعصيان يأكل رزقي و يعبد غيري ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه ثم يرجع إلى ما كان عليه فعلي يتمرد أم بسخطي يتعرض، فبي حلفت لآخذنه أخذه ليس له منها منجى و لا دوني ملجأ، أين يهرب من سمائي و أرضي، يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل لا تدعوني و السحت تحت أحضانكم و الأصنام في بيوتكم فإني آليت أن أجيب من دعاني و أن أجعل إجابتي إياهم لعنا عليهم حتى يتفرقوا.

يا عيسى كم أطيل النظر و أحسن الطلب و القوم في غفلة لا يرجعون، تخرج الكلمة من أفواههم، لا تعنى قلوبهم، يتعرضون لمقتي و يتحببون بقربي إلى المؤمنين، يا عيسى ليكن لسانك في السر و العلانية واحدا و كذلك فليكن قلبك و بصرك و اطو قلبك و لسانك عن المحارم، و كف بصرك عما لا خير فيه فكم من ناظر نظرة قد زرعت في قلبه شهوة و وردت به موارد حياض الهلكة، يا عيسى كن رحيما مترحما و كن كما تشاء أن يكون العباد لك و أكثر ذكرك الموت و مفارقة الأهلين و لا تله فإن اللهو يفسد صاحبه و لا تغفل فإن الغافل مني بعيد، و اذكرني بالصالحين حتى أذكرك.

يا عيسى تب إلي بعد الذنب و ذكر بي الأوابين و آمن بي و تقرب بي إلى المؤمنين

و مرهم يدعوني معك و إياك و دعوة المظلوم فإني آليت على نفسي أن أفتح لها بابا من السماء بالقبول و أن أجيبه و لو بعد حين، يا عيسى اعلم أن صاحب السوء يعدي و قرين السوء يردي، فاعلم من تقارن و اختر لنفسك إخوانا من المؤمنين.

يا عيسى تب إلى فإني لا يتعاظمني ذنب إن أغفره و أنا أرحم الراحمين

الوافي، ج 26، ص: 133

اعمل لنفسك في مهلة من أجلك قبل أن لا يعمل لها غيرك و اعبدني ليوم كألف سنة مما تعدون فيه أجزي بالحسنة أضعافها و إن السيئة توبق صاحبها فامهد لنفسك في مهلة و نافس في العمل الصالح، فكم من مجلس قد نهض أهله و هم مجارون من النار، يا عيسى ازهد في الفاني المنقطع وطأ رسوم منازل من كان قبلك و أدعهم و ناجهم هل تحس منهم من أحد و خذ موعظتك منهم، و اعلم أنك ستلحقهم في اللاحقين.

يا عيسى قل لمن تمرد علي بالعصيان و عمل بالإدهان ليتوقع عقوبتي و ينتظر إهلاكي إياه سيصطلم مع الهالكين طوبى لك يا ابن مريم، ثم طوبى لك إن أخذت بأدب إلهك الذي تحنن عليك ترحما و بدأك بالنعم منه تكرما، و كان لك في الشدائد، لا تعصه يا عيسى فإنه لا يحل لك عصيانه، قد عهدت إليك كما عهدت إلى من كان قبلك و أنا على ذلك من الشاهدين، يا عيسى ما أكرمت خليقة بمثل ديني و لا أنعمت عليها بمثل رحمتي.

يا عيسى اغسل بالماء منك ما ظهر و داو بالحسنات منك ما بطن فإنك إلي راجع، يا عيسى أعطيتك بما أنعمت به عليك فيضا من غير تكدير و طلبت منك قرضا لنفسك فبخلت

به عليها لتكون من الهالكين، يا عيسى تزين بالدين و حب المساكين و امش على الأرض هونا و صل على البقاع فكلها طاهر، يا عيسى شمر فكل ما هو آت قريب و اقرأ كتابي و أنت طاهر و أسمعني منك صوتا حزينا.

يا عيسى لا خير في لذاذة لا تدوم، و عيش من صاحبه يزول، يا ابن مريم لو رأت عينك ما أعددت لأوليائي الصالحين ذاب قلبك و زهقت نفسك شوقا إليه، فليس كدار الآخرة دار تجاور فيها الطيبين و تدخل

الوافي، ج 26، ص: 134

عليهم فيها الملائكة المقربون و هم مما يأتي يوم القيامة من أهوالها آمنون، دار لا يتغير فيها النعيم و لا يزول عن أهلها، يا ابن مريم نافس فيها مع المتنافسين فإنها أمنية المتمنين، حسنة المنظر، طوبى لك يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين مع آبائك آدم و إبراهيم، في جنات و نعيم، لا تبغي بها بدلا و لا تحويلا كذلك أفعل بالمتقين.

يا عيسى أهرب إلي مع من يهرب من نار ذات لهب و نار ذات أغلال و أنكال لا يدخلها روح و لا يخرج منها غم أبدا، قطع كقطع الليل المظلم من ينج منها يفز و لن ينجو من كان من الهالكين، هي دار الجبارين و العتاة الظالمين و كل فظ غليظ و كل مختال فخور، يا عيسى بئست الدار لمن ركن إليها و بئس القرار دار الظالمين إني أحذرك نفسك فكن بي خبيرا، يا عيسى كن حيث ما كنت مراقبا لي و اشهد على أني خلقتك و أنك عبدي و أني صورتك و إلى الأرض أهبطتك، يا عيسى لا يصلح لسانان في فم واحد و لا قلبان في صدر

واحد و كذلك الأذهان.

يا عيسى لا تستيقظن عاصيا و لا تستنبهن لاهيا و أفطم نفسك عن الشهوات الموبقات و كل شهوة تباعدك مني فاهجرها، و اعلم أنك مني بمكان الرسول الأمين فكن مني على حذر و اعلم أن دنياك مؤديتك إلي و أني آخذك بعلمي و كن ذليل النفس عند ذكري، خاشع القلب حين تذكرني، يقظانا عند نوم الغافلين، يا عيسى هذه نصيحتي إياك و موعظتي لك فخذها مني فإني رب العالمين.

يا عيسى إذا صبر عبدي في جنبي كان ثواب عمله علي و كنت عنده حين يدعوني و كفى بي منتقما ممن عصاني، أين يهرب مني الظالمون، يا عيسى أطب الكلام و كن حيث ما كنت عالما متعلما، يا عيسى اقض بالحسنات إلي حتى يكون ذلك ذكرها عندي و تمسك بوصيتي فإن فيها شفاء للقلوب، يا عيسى لا تأمن إذا مكرت مكري و لا تنس عند

الوافي، ج 26، ص: 135

خلوات الدنيا ذكري، يا عيسى حاسب نفسك بالرجوع إلي حتى تتنجز ثواب ما عمله العاملون أولئك يؤتون أجرهم و أنا خير المؤتين.

يا عيسى كنت خلقا بكلامي ولدتك مريم بأمري المرسل إليها روحي، جبرئيل الأمين من ملائكتي حتى قمت على الأرض حيا تمشي، كل ذلك في سابق علمي، يا عيسى زكريا بمنزلة أبيك و كفيل أمك إذ يدخل عليها المحراب فيجد عندها رزقا و نظيرك يحيى من خلقي وهبته لأمه بعد الكبر من غير قوة بها أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني و يظهر فيك قدرتي، أحبكم إلي أطوعكم لي و أشدكم خوفا مني.

يا عيسى تيقظ و لا تيأس من روحي و سبحني مع من يسبحني و بطيب الكلام فقدسني، يا عيسى كيف يكفر العباد بي و

نواصيهم في قبضتي و تقلبهم في أرضي، يجهلون نعمتي و يتولون عدوي و كذلك يهلك الكافرون، يا عيسى إن الدنيا سجن ضيق منتن الريح و حسن فيها ما قد ترى مما قد تذابح عليه الجبارون و إياك و الدنيا فكل نعيمها يزول و ما نعيمها إلا قليل، يا عيسى ابغني عند وسادك تجدني و ادعني و أنت لي محب فإني أسمع السامعين أستجيب للداعين إذا دعوني.

يا عيسى خفني و خوف بي عبادي، لعل المذنبين أن يمسكوا عما هم عاملون به فلا يهلكوا إلا و هم يعلمون، يا عيسى ارهبني رهبتك من السبع و الموت الذي أنت لاقيه فكل هذا أنا خلقته فإياي فارهبون، يا عيسى إن الملك لي و بيدي و أنا الملك فإن تطعني أدخلتك جنتي في جوار الصالحين، يا عيسى إني إن غضبت عليك لم ينفعك رضا من رضي عنك، و إن رضيت عنك لم يضرك غضب المغضبين، يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي و اذكرني في ملئك أذكرك في ملإ خير من ملإ الآدميين.

الوافي، ج 26، ص: 136

يا عيسى ادعني دعاء الغريق الحزين الذي ليس له مغيث، يا عيسى لا تحلف بي كاذبا فيهتز عرشي غضبا، الدنيا قصيرة العمر طويلة الأمل و عندي دار خير مما تجمعون، يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتابا ينطق بالحق و أنتم تشهدون بسرائر قد كتمتموها و أعمال كنتم بها عاملين، يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل غسلتم وجوهكم و دنستم قلوبكم أبي تغترون أم علي تجترءون، تطيبون بالطيب لأهل الدنيا و أجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة كأنكم أقوام ميتون.

يا عيسى قل لهم: قلموا أظفاركم من كسب الحرام

و أصموا أسماعكم من ذكر الخنا و أقبلوا علي بقلوبكم فإني لست أريد صوركم، يا عيسى افرح بالحسنة فإنها لي رضا و ابك على السيئة فإنها شين و ما لا تحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك و إن لطم خدك الأيمن فأعطه الأيسر و تقرب إلي بالمودة جهدك و أعرض عن الجاهلين.

يا عيسى ذل لأهل الحسنة و شاركهم فيها و كن عليهم شهيدا و قل لظلمة بني إسرائيل: يا أخدان السوء و الجلساء عليه إن لم تنتهوا أمسخكم قردة و خنازير، يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل: الحكمة تبكي فرقا مني و أنتم بالضحك تهجرون، أتتكم براءتي أم لديكم أمان من عذابي أم تعرضون بعقوبتي، فبي حلفت لأتركنكم مثلا للغابرين، ثم أوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين و حبيبي فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر، و الوجه الأقمر، المشرق بالنور، الطاهر القلب، الشديد البأس، الحيي المتكرم، فإنه رحمة للعالمين، و سيد ولد آدم يوم يلقاني، أكرم السابقين علي، و أقرب المرسلين مني، العربي الأمين، الديان

الوافي، ج 26، ص: 137

بديني، الصابر في ذاتي، المجاهد المشركين بيده عن ديني، أن تخبر به بني إسرائيل، و تأمرهم أن يصدقوا به و أن يؤمنوا به، و أن يتبعوه و أن ينصروه.

قال عيسى عليه السلام إلهي من هو حتى أرضيه فلك الرضا، قال:

هو محمد رسول اللّٰه إلى الناس كافة أقربهم مني منزلة و أحضرهم شفاعة، طوبى له من نبي، و طوبى لأمته إن هم لقوني على سبيله، يحمده أهل الأرض و يستغفر له أهل السماء، أمين مأمون، طيب مطيب، خير الباقين عندي، يكون في آخر الزمان إذا خرج أرخت السماء عزاليها، و أخرجت الأرض زهرتها حتى يروا البركة،

و أبارك لهم فيما وضع يده عليه، كثير الأزواج، قليل الأولاد، يسكن بكة موضع أساس إبراهيم.

يا عيسى دينه الحنيفية، و قبلته يمانية، و هو من حزبي و أنا معه فطوبى له ثم طوبى له، له الكوثر و المقام الأكبر في جنات عدن يعيش أكرم من عاش، و يقبض شهيدا، له حوض أكبر من بكة إلى مطلع الشمس من رحيق مختوم، فيه آنية مثل نجوم السماء، و أكواب مثل مدر الأرض، عذب فيه من كل شراب و طعم كل ثمار في الجنة، من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا و ذلك من قسمي له و تفضيلي إياه، أبعثه على فترة بينك و بينه، يوافق سره علانيته و قوله فعله، لا يأمر الناس إلا بما يبدأهم به، دينه الجهاد في عسر و يسر، تنقاد له البلاد، و يخضع له صاحب الروم على دين إبراهيم، يسمي عند الطعام و يفشي السلام، و يصلي و الناس نيام، له كل يوم خمس صلوات متواليات، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار، و يفتتح بالتكبير، و يختتم بالتسليم، و يصف قدميه في الصلاة كما تصف الملائكة إقدامها، و يخشع لي قلبه و رأسه، النور في صدره، و الحق على لسانه، و هو على الحق حيث ما كان، أصله يتيم ضال برهة من زمانه عما

الوافي، ج 26، ص: 138

يراد به، تنام عيناه و لا ينام قلبه، له الشفاعة و على أمته تقوم الساعة، يدي فوق أيديهم، و من نكث فإنما ينكث على نفسه، و من أوفى بما عاهد عليه أوفيت له بالجنة، فمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا كتبه، و لا يحرفوا سنته، و أن يقرءوه السلام فإن له في المقام شأنا

من الشأن.

يا عيسى كل ما يقربك مني قد دللتك عليه و كل ما يباعدك مني قد نهيتك عنه، فارتد لنفسك، يا عيسى إن الدنيا حلوة و إنما استعملتك فيها فجانب منها ما حذرتك و خذ منها ما أعطيتك عفوا، يا عيسى انظر في عملك نظر العبد المذنب الخاطئ و لا تنظر في عمل غيرك بمنزلة الرب، كن فيها زاهدا و لا ترغب فيها فتعطب، يا عيسى اعقل و تفكر و انظر في نواحي الأرض كيف كان عاقبة الظالمين، يا عيسى كل وصفي لك نصيحة و كل قولي لك حق و أنا الحق المبين فحقا أقول: لئن أنت عصيتني بعد أن أنبأتك، ما لك من دوني ولي و لا نصير، يا عيسى أذل قلبك بالخشية و انظر إلى من هو أسفل منك و لا تنظر إلى من هو فوقك و اعلم أن رأس كل خطيئة و ذنب هو حب الدنيا فلا تحبها فإني لا أحبها، يا عيسى أطب لي قلبك و أكثر ذكري في الخلوات و اعلم أن سروري أن تبصبص إلي، كن في ذلك حيا و لا تكن ميتا.

يا عيسى لا تشرك بي شيئا و كن مني على حذر، و لا تغتر بالصحة، و لا تغبط نفسك فإن الدنيا كفي ء زائل، و ما أقبل منها كما أدبر، فنافس في الصالحات جهدك، و كن مع الحق حيث ما كان و إن قطعت و أحرقت بالنار، فلا تكفر بي بعد المعرفة و لا تكن من الجاهلين، فإن السيئ يكون مع السيئ، يا عيسى صب لي الدموع من عينيك و اخشع لي

الوافي، ج 26، ص: 139

بقلبك، يا عيسى استغث بي في حالات الشدة فإني أغيث المكروبين و أجيب

المضطرين و أنا أرحم الراحمين".

بيان

المسيح من السيح و هو الذهاب في الأرض للعبادة" أنزلني من نفسك كهمك" أي كالشي ء الذي تهتم به غاية الاهتمام و لا تول غيري في بعض النسخ و لا توكل على غيري" ساعات الغفلة" أي غفلة الناس و هي المشار إليها بقوله سبحانه فَسُبْحٰانَ اللّٰهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ و قوله عز و جل وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ و قوله وَ مِنْ آنٰاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرٰافَ النَّهٰارِ و قوله وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا و قد مضى

في كتاب الصلاة عن الباقر عليه السلام أنه قال" إن إبليس إنما يبث جنوده جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق و يبث جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى مطلع الشمس"

و ذكر أن النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم كان يقول" أكثروا ذكر اللّٰه عز و جل في هاتين الساعتين و تعوذوا بالله عز و جل من شر

الوافي، ج 26، ص: 140

إبليس و جنوده و عوذوا صغاركم في هاتين الساعتين فإنهما ساعتا غفلة

و المراد بمراعاة الليل و ظمإ النهار قيام الليل و صيام النهار أنزلت عليك شفاء لما في الصدور يعني به الإنجيل الذي أنزل عليه باللغة السريانية فيه هدى و نور مصدقا لما بين يديه من التوراة و هدى و موعظة للمتقين" قلى الدنيا" أي أبغضها" و الميول" الميل الذي يكتحل به، و في بعض النسخ يميل الحزن" و البلغة" بالضم ما يبلغ به من العيش" و ليكفك الخشن الجشب" يعني من الطعام و الثياب و غيرهما و الجشب بالجيم من الطعام هو الغليظ أو بلا أدم

و الجشيب من الثياب هو الغليظ منها و مكتوب ما أخذت" كيف أتلفت" يعني يكتب عليك ما تنفق مما أخذت و فيما أتلفت.

و قد ورد في الحديث أن أول ما يسأل ابن آدم إذا قام من قبره عن عمره فيما أفناه و عن ماله من أين اكتسبه و فيما أنفقه و عن حب أهل بيت نبينا صلى اللّٰه عليه و آله و سلم

و الإحضان جمع الحضن بالكسر و هو ما دون الإبط إلى الكشح أو الصدر و العضدان و ما بينهما و لعله كنى بالأصنام عما يحبونه و يهتمون به من فضول متاع الدنيا لأنهم كانوا مسلمين" آليت" أقسمت لا تعني من العناية أي لا تهتم بها قلوبهم.

و في بعض النسخ لا تعيها أي لا تحفظها و يتحببون بقربي في بعض النسخ بي صاحب السوء يعدي من الأعداء بمعنى السراية يعني يتعدى شره و يردي من الإرداء بمعنى الإهلاك و هم مجارون من الإجارة بمعنى الإنقاذ و الأذهان جمع الذهن و هو الفهم و العقل و الفطنة أو بكسر الهمزة و الدال المهملة بمعنى إظهار خلاف ما يضمر و الاصطلام و الاستئصال فبخلت به عليها لعله من قبيل إياك أعني و اسمعي يا جارة لأنه كان عليه السلام منزها عن البخل" و التشمير" التهيؤ للأمر و الروح بالفتح الراحة و الرحمة لا تستيقظن عاصيا هو من قبيل فذرهم في غمرتهم حتى حين فذرهم في خوضهم يلعبون أ فأنت تسمع الصم

الوافي، ج 26، ص: 141

أ فأنت تهدي العمي إلى غير ذلك من نظائرها" و الفطم" القطع و الفصل" و الموبقات" المهلكات" اقض بالحسنات إلي" بالقاف أي أنهها إلي يقال قضى إليه أي أنهاه" حتى يتنجز"

أي يتعجل و ذلك لأن بالمحاسبة يزيد في الحسنة و يستغفر عن السيئة و يصير ثوابهما ثواب المحاسبة عجالة" و الإيتاء" الإعطاء" و التذابح" التقاتل" ابغني" اطلبني" و اذكرني في ملئك" أي أثن علي فيهم و أسمعهم ذكري كما أشرنا إليه في أبواب الذكر من كتاب الصلاة" و الخنا" الفحش" و الجلساء عليه" أي على السوء.

و في بعض النسخ جلساء علة و العلة خبث النفس" تهجرون" تهذون" و مثلا للغابرين" حديثا للآخرين يتحدثون به" أمين مأمون" في بعض النسخ ميمون بدل مأمون و العزالي بالمهملة ثم الزاي جمع العزلاء و هي مصب الماء من الراوية و نحوها و الزهرة الحسن و البهجة يسكن بكة في بعض النسخ مكة و كذا فيما يأتي و قبلته يمانية.

قال في النهاية في الحديث: الأيمان يماني و الحكمة يمانية،

إنما قال ذلك لأن الإيمان بدأ من مكة و هي من تهامة و تهامة من أرض اليمن و لهذا يقال للكعبة اليمانية يعيش أكرم من عاش و في بعض النسخ أكرم معاش و هو أوضح و الرحيق صفوة الخمر و الكوب الكوز الذي لا عروة له و الفترة ما بين الرسولين من رسل اللّٰه من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة و شعار الجيش علامتهم التي كانوا يتعارفون بها في الحرب" ضال برهة من زمانه عما يراد به" أي غائب عنه لم يدر ما يراد به، تقول ضللت الشي ء و ضللته إذا جعلته في مكان و لم تدر أين هو و البرهة القطعة و العفو أحل المال و أطيبه و يقال لما سهل و تيسر و التبصبص التملق و العبط بالمهملتين الذبح بلا جناية و لا جريرة.

و من مواعظ اللّٰه سبحانه ما رواه

أبو محمد الحسين بن أبي الحسن بن محمد الديلمي رحمه اللّٰه في آخر كتابه المسمى بإرشاد القلوب إلى الصواب مرسلا عن

الوافي، ج 26، ص: 142

جعفر بن محمد عليهما السلام و رواه غيره مسندا عنه عليه السلام، عن أبيه، عن جده أمير المؤمنين عليهم السلام أنه قال: إن النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم سأل ربه سبحانه ليلة المعراج فقال: يا رب أي الأعمال أفضل فقال اللّٰه عز و جل: ليس شي ء أفضل عندي من التوكل علي و الرضا بما قسمت يا أحمد وجبت محبتي للمتحابين في و وجبت محبتي للمتقاطعين في و وجبت محبتي للمتواصلين في و وجبت محبتي للمتوكلين علي و ليس لمحبتي علة و لا غاية و لا نهاية كلما رفعت لهم علما وضعت لهم علما أولئك الذين نظروا إلى المخلوقين بنظري إليهم و لم يرفعوا الحوائج إلى الخلق، بطونهم خفيفة من أكل الحلال نعيمهم في الدنيا ذكري و محبتي و رضائي عنهم.

يا أحمد إن أحببت أن تكون أورع الناس فازهد في الدنيا و ارغب في الآخرة فقال: إلهي و كيف ازهد في الدنيا فقال: خذ من الدنيا كفافا من الطعام و الشراب و اللباس و لا تدخر شيئا لغد و دم على ذكري، فقال: يا رب كيف أدوم على ذكرك فقال: بالخلوة عن الناس و بغضك الحلو و الحامض و فراغ بطنك و بيتك من الدنيا، يا أحمد و احذر أن تكون مثل الصبي إذا نظر إلى الأخضر و الأصفر أحبه و إذا أعطي شيئا من الحلو و الحامض اغترته، فقال: يا رب دلني على عمل أتقرب به إليك، فقال: اجعل ليلك نهارا و اجعل نهارك ليلا، فقال: يا رب

كيف يكون ذلك قال: اجعل نومك صلاة و طعامك الجوع يا أحمد و عزتي و جلالي ما من عبد ضمن لي بأربع خصال إلا أدخلته الجنة يطوي لسانه فلا يفتحه إلا بما يعينه و يحفظ قلبه من الوسواس و يحفظ علمي و نظري إليه و يكون قرة عينه الجوع يا أحمد لو ذقت حلاوة الجوع و الصمت و الخلوة و ما ورثوا منها، قال:

يا رب ما ميراث الجوع قال: الحكمة و حفظ القلب و التقرب إلي و الحزن الدائم و خفة المئونة بين الناس و قول الحق و لا يبالي عاش بيسر أم بعسر، يا أحمد هل تدري بأي وقت يتقرب العبد إلي قال: لا يا رب.

الوافي، ج 26، ص: 143

قال: إذا كان جائعا أو ساجدا، يا أحمد عجبت من ثلاثة عبيد: عبد دخل في الصلاة و هو يعلم إلى من يرفع يديه و قدام من هو و هو ينعس، و عجبت من عبد له قوت يوم من الحشيش أو غيره و هو يهتم لغد، و عجبت من عبد لا يدري أني راض عنه أو ساخط عليه و هو يضحك، يا أحمد إن في الجنة قصرا من لؤلؤة فوق لؤلؤة و درة فوق درة ليس فيها نظم و لا وصل فيها الخواص أنظر إليهم في كل يوم سبعين مرة و أكلمهم كلما نظرت إليهم و أزيد في ملكهم سبعين ضعفا و إذا تلذذ أهل الجنة بالطعام و الشراب تلذذ أولئك بذكري و كلامي و حديثي، قال:

يا رب ما علامة أولئك قال: مسجونون قد سجنوا ألسنتهم من فضول الكلام، و بطونهم من فضول الطعام، يا أحمد إن المحبة لله هي المحبة للفقراء و التقرب إليهم، قال:

يا رب و من الفقراء قال: الذين رضوا بالقليل و صبروا على الجوع و شكروا على الرخاء و لم يشكوا جوعهم و لا ظمأهم و لم يكذبوا بألسنتهم و لم يغضبوا على ربهم و لم يغتموا على ما فاتهم و لم يفرحوا بما آتاهم، يا أحمد محبتي محبة الفقراء فادن الفقراء و قرب مجلسهم منك أذنك و بعد الأغنياء و بعد مجلسهم منك فإن الفقراء أحبائي.

يا أحمد لا تتزين بلين الثياب و طيب الطعام و لين الوطاء فإن النفس مأوى كل شر و هي رفيق كل سوء تجرها إلى طاعة اللّٰه و تجرك إلى معصيته و تخالفك في طاعته و تطيعك فيما يكره و تطغى إذا شبعت و تشكو إذا جاعت و تغضب إذا افتقرت و تتكبر إذا استغنت و تنسى إذا كبرت و تغفل إذا أمنت و هي قرينة الشيطان و مثل النفس كمثل النعامة تأكل الكثير و إذا حمل عليها لا تطير و مثل الدفلى لونه حسن و طعمه مر، يا أحمد أبغض الدنيا و أهلها و أحب الآخرة و أهلها، قال: يا رب و من أهل الدنيا و من أهل الآخرة قال: أهل الدنيا من كثر أكله و ضحكه و نومه و غضبه، قليل الرضا لا يعتذر إلى من أساء إليه و لا يقبل عذر من اعتذر إليه كسلان عند الطاعة شجاع عند المعصية أمله بعيد و أجله

الوافي، ج 26، ص: 144

قريب، لا يحاسب نفسه، قليل التفقه كثير الكلام، قليل الخوف كثير الفرح عند الطعام، و إن أهل الدنيا لا يشكرون عند الرخاء و لا يصبرون عند البلاء، كثير الناس عندهم قليل، يحمدون أنفسهم بما لا يفعلون، و يدعون بما ليس لهم

و يذكرون مساوئ الناس، يا أحمد إن عيب أهل الدنيا كثير فيهم الجهل و الحمق لا يتواضعون لمن يتعلمون منه و هم عند أنفسهم عقلاء و عند العارفين حمقى.

يا أحمد إن أهل الآخرة رقيقة وجوههم، كثير حياؤهم، قليل حمقهم، كثير نفعهم، قليل مكرهم، الناس منهم في راحة و أنفسهم منهم في تعب، كلامهم موزون، محاسبين لأنفسهم، متعبين لها، تنام أعينهم و لا تنام قلوبهم، أعينهم باكية و قلوبهم ذاكرة، و إذا كتب الناس من الغافلين كتبوا من الذاكرين في أول النعمة يحمدون و في آخرها يشكرون، دعاؤهم عند اللّٰه مرفوع، و كلامهم عنده مسموع، تفرح بهم الملائكة، يدور دعاؤهم تحت الحجب، يحب الرب أن يسمع كلامهم كما تحب الوالدة ولدها لا يشغلهم عن اللّٰه شي ء طرفة عين و لا يريدون كثرة الطعام و لا كثرة الكلام و لا كثرة اللباس، الناس عندهم موتى و اللّٰه عندهم حي كريم، لا يموت يدعون المدبرين كرما و يزيدون المقبلين تلطفا قد صارت الدنيا و الآخرة عندهم واحدة يموت الناس مرة و يموت أحدهم في كل يوم سبعين مرة من مجاهدة أنفسهم و هو أهم و الشيطان الذي يجري في عروقهم لو تحركت ريح لزعزعته و إن قام بين يدي فكأنه بنيان مرصوص لا أرى في قلبه شغلا بمخلوق فو عزتي و جلالي لأحيينه حياة طيبة حتى إذا فارق روحه جسده لا أسلط عليه ملك الموت و لا يلي قبض روحه غيري و لأفتحن لروحه أبواب السماء كلها و لأرفعن الحجب كلها دوني و لآمرن الجنان فلتزينن و الحور العين فلتشرقن و الملائكة فلتصلين و الأشجار فلتثمرن و ثمار الجنة فتدلين و لآمرن ريحا من الرياح التي تحت العرش

فلتحملن جبالا من الكافور و المسك الأذفر

الوافي، ج 26، ص: 145

فلتضرمن وقودا من غير نار فلتدخنن و لا يكون بيني و بين روحه ستر، و أقول له عند قبض روحه مرحبا و أهلا بقدومك علي أسعد بالكرامة و البشرى بالرحمة و الرضوان و جنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن اللّٰه عنده أجر عظيم فلو رأيت الملائكة كيف يأخذها واحد و يعطيها الآخر.

يا أحمد إن أهل الآخرة لا يهنؤهم الطعام منذ عرفوا ربهم، و لا تشغلهم مصيبة منذ عرفوا سيئاتهم، يبكون على خطاياهم، و يتعبون أنفسهم و لا يريحونها، إن راحة أهل الآخرة في الموت و الآخرة مستراح العارفين، مؤنسهم دموعهم التي تفيض على خدودهم، و جلوسهم مع الملائكة الذين يمشون على أيمانهم و شمائلهم، و مناجاتهم مع الجليل الذي فوق عرشهم، إن أهل الآخرة قلوبهم في أجوافهم قد قرحت يقولون متى نستريح من دار الفناء إلى دار البقاء، يا أحمد هل تعرف ما للزاهدين عندي قال: لا يا رب، قال: يبعث الخلق و يناقشون الحساب و هم من ذلك آمنون إن أدنى ما أعطي الزاهدين في الآخرة أن أعطيهم مفاتيح الجنان كلها حتى يفتحوا أي باب شاءوا و لا أحجب عنهم وجهي و لأنعمهم بألوان التلذذ من كلامي و لأجلسنهم في مقعد صدق فأذكرهم ما صنعوا و تعبوا في دار الدنيا و أفتح لهم أربعة أبواب باب تدخل عليهم الهدايا منه بكرة و عشيا من عندي و باب ينظرون منه إلي كيف شاءوا بلا صعوبة و باب يطلعون منه إلى النار فينظرون إلى الظالمين كيف يعذبون و باب تدخل عليهم منه الوصائف و الحور العين قال: يا رب من هؤلاء الزاهدون الذين

وصفتهم قال: الزاهد هو الذي ليس له بيت يخرب فيغتم لخرابه و لا له ولد يموت فيحزن لموته و لا له شي ء يذهب فيحزن لذهابه و لا يعرفه إنسان فيشغله عن اللّٰه طرفة عين و لا له فضل طعام فيسأل عنه و لا له ثوب لين.

يا أحمد وجوه الزاهدين مصفرة من تعب الليل و صوم النهار و ألسنتهم كلال

الوافي، ج 26، ص: 146

إلا من ذكر اللّٰه تعالى قلوبهم في صدورهم مطعونة من كثرة ما يخالفون أهواءهم قد ضمروا أنفسهم من كثرة صمتهم قد أعطوا المجهود من أنفسهم لا من خوف نار و لا من شوق إلى الجنة و لكن ينظرون في ملكوت السماوات و الأرض كما ينظرون إلى من فوقها فيعلمون أن اللّٰه سبحانه أهل للعبادة قال النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم هل يعطى في أمتي مثل هذا قال: يا أحمد هذه درجة الأنبياء و الصديقين من أمتك و أمة غيرك و أقوام من الشهداء، قال: يا رب أي الزهاد أكثر أ زهاد أمتي أم بني إسرائيل قال: إن زهاد بني إسرائيل في زهاد أمتك كشعرة سوداء في بقرة بيضاء فقال: يا رب و كيف ذلك و عدد بني إسرائيل أكثر قال: لأنهم شكوا بعد اليقين و جحدوا بعد الإقرار قال النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم: فحمدت اللّٰه كثيرا و شكرته و دعوت لهم بالحفظ و الرحمة و سائر الخيرات، و قلت: اللهم احفظهم و ارحمهم و احفظ عليهم دينهم الذي ارتضيت لهم، اللهم ارزقهم إيمان المؤمنين الذي ليس بعده شك و ورعا ليس بعده رغبة، و خوفا ليس بعده غفلة و علما ليس بعده جهل، و عقلا ليس

بعده حمق، و قربا ليس بعده بعد، و خشوعا ليس بعده ضجر، و حلما ليس بعده عجلة و املأ قلوبهم حياء منك حتى يستحيوا منك كل وقت، و بصرهم بآفات الدنيا و آفات أنفسهم و وساوس الشيطان فإنك تعلم ما في نفسي و أنت علام الغيوب.

ثم قال: يا أحمد عليك بالورع فإن الورع رأس الدين و وسط الدين و آخر الدين إن الورع يقرب إلى اللّٰه تعالى، يا أحمد إن الورع زين المؤمن و عماد الدين و إن الورع مثله كمثل السفينة كما أن في البحر لا ينجو إلا من كان فيها كذلك

الوافي، ج 26، ص: 147

لا ينجو الزاهد من الدنيا إلا بالورع، يا أحمد إن الورع يفتح على العبد أبواب العبادة فيكرم به العبد عند الخلق و يصل به إلى اللّٰه عز و جل، يا أحمد ما عرفني عبد إلا خشع لي و ما خشع لي عبد إلا خشع له كل شي ء، يا أحمد عليك بالصمت فإن أعمر القلوب قلوب الصالحين و الصامتين و إن أخرب القلوب قلوب المتكلمين بما لا يعنيهم، يا أحمد إن العبادة عشرة أجزاء تسعة منها طلب الحلال، فإذا طيبت مطعمك و مشربك فأنت في حفظي و كنفي، قال: يا رب ما أول العبادة قال: يا أحمد أول العبادة الصمت و الصوم، قال: هل تعلم يا أحمد ما ميراث الصوم قال: لا يا رب، قال: ميراث الصوم قلة الأكل و قلة الكلام و العبادة الثانية الصمت و يورث الصمت الحكمة و تورث الحكمة المعرفة، و تورث المعرفة اليقين فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح بعسر أم بيسر، فهذا مقام الراضين، فمن عمل برضاي ألزمه ثلاث خصال: أعرفه شكرا لا

يخالطه الجهل، و ذكرا لا يخالطه النسيان، و محبة لا يؤثر على محبتي حب المخلوقين، فإذا أحبني أحببته و حببته إلى خلقي و أفتح عين قلبه إلى جلالي و عظمتي، فلا أخفي عليه علم خاصة خلقي فأناجيه في ظلم الليل و نور النهار حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين و مجالسته معهم، و أسمعه كلامي و كلام ملائكتي، و أعرفه سري الذي سترته عن خلقي و ألبسه الحياء حتى يستحي منه الخلق كلهم و يمشي على الأرض مغفورا له، و أجعل قلبه واعيا و بصيرا و لا أخفي عليه شيئا من جنة و لا نار و أعرفه ما يمر على الناس يوم القيامة من الهول و الشدة و ما أحاسب به الأغنياء و الفقراء و الجهال و العلماء و أنور له في قبره و أنزل عليه منكرا و نكيرا حتى يسألاه و يبشراه و لا يرى غمرة الموت و ظلمة

الوافي، ج 26، ص: 148

القبر و اللحد و هول المطلع ثم لا أنصب له ميزانه و لا أنشر له ديوانه ثم أضع كتابه في يمينه فيقرؤه منشورا ثم لا اجعل بيني و بينه ترجمانا ثم أرفعه إلى فينكب مرة و يقوم مرة و يقعد مرة و يسكن مرة ثم يجوز على الصراط ثم يقرب له جهنم ثم تزين له الجنة و جي ء بالنبيين و الشهداء و يتعلق المظلومين بالظالمين و يوضع الكرسي لفصل القضاء و يقول كل إنسان لخصمه بيني و بينك الحكم العدل الذي لا يجوز ثم أرفع الحجب بيني و بينه فأنعمه بكلامي و ألذذه بالنظر إلي فمن كان فعله في الدنيا هكذا كيف يكون رغبته في الدنيا و كيف يكون حبه للدنيا و هو

يعلم أن كل حي فيها يموت و أنا الحي الذي لا أموت و لأجعلن ملك هذا العبد فوق ملك الملوك حتى يتضعضع له كل ملك و يهابه كل سلطان جائر و جبار عنيد و يتمسح به كل سبع ضار و لأشوقن إليه الجنة و ما فيها و لأستغرقن عقله بمعرفتي و لأقومن له مقام عقله ثم لأهونن عليه الموت و سكراته و مرارته و فزعه حتى يساق إلى الجنة سوقا فإذا أنزل به ملك الموت يقول له مرحبا طوبى لك طوبى لك طوبى لك إن اللّٰه تعالى إليك لمشتاق و اعلم يا ولي اللّٰه أن الأبواب التي كان يصعد فيها عملك تبكي عليك و أن محرابك و مصلاك يبكيان عليك فيقول أنا راض برضوان اللّٰه و كرامته و يخرج روحه من جسده كما تخرج الشعرة من العجين و أن الملائكة يقومون عند رأسه بيدي كل ملك كأس من ماء الكوثر و كأس من الخمر يسقون روحه حتى تذهب سكرته و مرارته و يبشرونه بالبشارة العظمى و يقولون له طبت و طاب مثواك إنك تقدم على العزيز الكريم الحبيب القريب فتطير الروح من أيدي الملائكة فتصعد إلى اللّٰه تعالى في أسرع من طرفة عين و لا يبقى حجاب و لا ستر بينها و بين اللّٰه تعالى و اللّٰه عز و جل إليها مشتاق فتجلس على عين عن يمين العرش ثم يقال لها أيتها الروح كيف تركت الدنيا فتقول إلهي و سيدي و عزتك و جلالك لا علم لي بالدنيا أنا منذ خلقتني إلى هذه الغاية خائف منك فيقول اللّٰه صدقت عبدي كنت بجسدك في الدنيا و بروحك معي فأنت بعيني أعلم سرك و علانيتك سل أعطك

الوافي،

ج 26، ص: 149

و تمن علي فأكرمك هذه جنتي فتبحبح فيها و هذا جواري فأسكنه فتقول الروح إلهي عرفتني نفسك فاستغنيت بها عن جميع خلقك و عزتك و جلالك لو كان رضاك في أن أقطع إربا إربا أو أقتل سبعين قتلة بأشد ما يقتل به الناس لكان رضاك أحب إلي إلهي و كيف أعجب بنفسي و أنا ذليل إن لم تكرمني و أنا مغلوب إن لم تنصرني و أنا ضعيف إن لم تقوني و أنا ميت إن لم تحيني بذكرك و لو لا سترك لأفتضحت أول مرة عصيتك إلهي كيف لا أطلب رضاك و قد أكملت عقلي حتى عرفتك و عرفت الحق من الباطل و الأمر من النهي و العلم من الجهل و النور من الظلمة فقال اللّٰه عز و جل و عزتي و جلالي لا أحجب بيني و بينك في وقت من الأوقات حتى تدخل علي أي وقت شئت و كذلك أفعل بأحبائي.

يا أحمد هل تدري أي عيش أهنأ و أية حياة أبقى قال: اللهم لا، قال: أما العيش الهني ء فهو الذي لا يفتر صاحبه عن ذكري و لا ينسى نعمتي و لا يغفل عني و لا يجهل حقي و يطلب رضاي ليله و نهاره، و أما الحياة الباقية فهي للذي يعمل لنفسه حتى تهون عليه الدنيا و تصغر في عينه و تعظم الآخرة عنده و يؤثر هواي على هواه فيبتغي مرضاتي و يعظمني حق عظمتي و يذكر علمي به و يراقبني بالليل و النهار عند كل سيئة و معصية و ينقي قلبه عن كل ما أكره و يبغض الشيطان و وسواسه و لا يجعل لإبليس على قلبه سلطانا و سبيلا فإذا فعل ذلك

أسكنت قلبه حبا حتى أجعل قلبه لي و فراغه و اشتغاله و همه لي و حديثه من النعمة التي أنعمت بها على أهل محبتي من خلقي و أفتح عين قلبه و سمعه حتى يسمع بقلبه مني و ينظر بقلبه إلى جلالي و عظمتي و أضيق عليه الدنيا و أبغض إليه ما فيها من اللذات و أحذره من الدنيا و ما فيها كما يحذر الراعي غنمه من مراتع الهلكة فإذا كان هكذا يفر من الناس فرارا و ينقل من دار الفناء إلى دار البقاء و من دار الشيطان إلى دار الرحمن.

يا أحمد و لأزيننه بالهيبة و العظمة فهذا هو العيش الهني ء و الحياة الباقية، يا أحمد لا غناء لمن لا عقل له، و لا فقر لمن لا جهل له، و لا رضى لمن لا يرضى

الوافي، ج 26، ص: 150

باليسير كما يرضى بالرخاء، يا أحمد هل تدري لأي شي ء فضلتك على سائر الأنبياء، قال: اللهم لا، قال: باليقين، و حسن الخلق، و سخاوة النفس، و رحمة الخلق، و كذلك أوتاد الأرض لم يكونوا أوتادا إلا بهذا.

يا أحمد اجعل همك هما واحدا و اجعل لسانك واحدا و اجعل بدنك متواضعا حتى لا تغفل أبدا فمن غفل عني لا أبالي في أي واد هلك، يا أحمد استعمل عقلك قبل أن يذهب فمن استعمل عقله لا يخطئ و لا يطغى و اعمل بعلمك الذي علمتك حتى يجتمع لك علم الأولين و الآخرين ثم أختم على قلبك بالمعرفة ما لا يقتدر على وصفه الواصفون و أجعل لك معلما حيث توجهت و أسلك بك كل خير و أرشدك إلى طريق العارفين و أقويك على العبادة و أجبها إليك و أعينك عليها حتى

لا يكون شي ء أحب إليك من العبادة، يا أحمد إن أحببت أن تجد حلاوة الإيمان فجوع نفسك و ألزم لسانك الصمت و ألزم نفسك خشية و خوفا فإن فعلت ذلك فلعلك تسلم و إن لم تفعل فإنك من الهالكين، يا أحمد و عزتي و جلالي ما أول عبادة العباد و توبتهم و قربتهم إلا الصوم و الجوع و طول الصمت و الانفراد من الناس و إن أول معصية يعملها العبد شبع البطن و فتح اللسان بما لا يعني و مخالطة المخلوقين بأهوائهم، يا أحمد إن العبد إذا جاع بطنه و حفظ لسانه علمته الحكمة و إن كان كافرا يكون حكمته حجة عليه و وبالا و إن كان مؤمنا تكون حكمته له نورا و برهانا و شفاء و رحمة فيعلم ما لم يكن يعلم و يبصر ما لم يكن يبصر فأول ما أبصره عيوب نفسه حتى يشتغل بها عن عيوب غيره و أبصره دقائق العلم حتى لا يدخل عليه الشيطان من موضع و أبصره حيل الشيطان و حيل نفسه حتى لا يكون لنفسه عليه سبيل يا أحمد ليس شي ء من العبادة أحب إلي من الصوم و الصمت فمن صام و لم يحفظ لسانه كان كمن قام و لم يقرأ في صلاته شيئا فأعطيه أجر القيام و لا أعطيه أجر العابدين، يا أحمد هل تدري متى يكون العبد عابدا قال: لا يا رب، قال: إذا اجتمع فيه سبع

الوافي، ج 26، ص: 151

خصال: ورع يحجزه عن المحارم، و صمت يكفه عما لا يعنيه، و خوف يزداد كل يوم في بكائه، و حياء يستحي مني في الخلاء و أكل ما لا بد منه و يبغض الدنيا لبغضي لها و

يحب الآخرة لحبي إياها.

يا أحمد ليس كل من قال أنا أحب اللّٰه أحبني حتى يأخذ قوتا، و يلبس دونا، و ينام سجودا، و يطيل قياما، و يلزم صمتا، و يتوكل علي، و يبكي كثيرا، و يقل ضحكا، و يخالف هواه، و يتخذ المسجد بيتا، و العلم صاحبا، و الزهد جليسا، و العلماء أحباء، و الفقراء رفقاء، و يطلب رضاي، و يفر من سخطي، و يهرب من المخلوقين هربا، و يفر من المعاصي فرارا، و يشتغل بذكري اشتغالا، و يكثر التسبيح دائما، و يكون بالوعد صادقا، و بالعهد وافيا و يكون قلبه طاهرا، و قوته راكبا، و في الفرائض مجتهدا، و فيما عندي من الثواب راغبا، و من عذابي راهبا، و لأحبائي قرينا و جليسا، يا أحمد لو صلى العبد صلاة أهل السماء و الأرض و يصوم صيام أهل السماء و الأرض، و طوى من الطعام مثل الملائكة و لبس لباس العاري، ثم أرى في قلبه من حب الدنيا ذرة أو سمعتها أو رئاستها أو صيتها أو زينتها لا يجاورني في داري و لأنزعن من قلبه محبتي و لأظلمن قلبه حتى ينساني و لا أذيقه حلاوة معرفتي و عليك سلامي و رحمتي و الحمد لله رب العالمين".

الوافي، ج 26، ص: 153

باب مواعظ رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم

[1]
اشارة

25383- 1 (الكافي- 8: 168 رقم 190) العدة، عن سهل، عن السراد، عن الحسن بن السري، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام قال" سمعت جابر بن عبد اللّٰه يقول: إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم مر بنا ذات يوم و نحن في نادينا و هو على ناقته و ذلك حين رجع من حجة الوداع فوقف علينا فسلم فرددنا عليه

السلام، ثم قال: ما لي أرى حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس، حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب، و كأن الحق في هذه الدنيا على غيرهم وجب، حتى كأن لم يسمعوا و يروا من خبر الأموات قبلهم، سبيلهم سبيل قوم سفر عما قليل إليهم راجعون، يبوءونهم أجداثهم و يأكلون تراثهم، أ فيظنون أنهم مخلدون بعدهم، هيهات هيهات أ ما يتعظ آخرهم بأولهم، لقد جهلوا و نسوا كل واعظ في كتاب اللّٰه و آمنوا شر كل عاقبة سوء، و لم يخافوا نزول فادحة و بوائق حادثة.

طوبى لمن شغله خوف اللّٰه عن خوف الناس، طوبى لمن منعه عيبه عن

الوافي، ج 26، ص: 154

عيوب المؤمنين من إخوانه، طوبى لمن تواضع لله تعالى و زهد فيما أحل اللّٰه له من غير رغبة عن سيرتي و رفض زهرة الدنيا من غير تحول عن سنتي و اتبع الأخيار من عترتي من بعدي و جانب أهل الخيلاء و التفاخر و الرغبة في الدنيا، المبتدعين خلاف سنتي، العاملين بغير سيرتي.

طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالا من غير معصية فأنفقه في غير معصية و عاد به على أهل المسكنة، طوبى لمن حسن مع الناس خلقه و بذل لهم معونته و عدل عنهم شره، طوبى لمن أنفق القصد و بذل الفضل و أمسك قوله عن الفضول و قبيح الفعل".

بيان

" النادي" مجلس القوم ما داموا فيه، و السفر جمع مسافر، و الأجداث القبور، و الفادحة النازلة، و فوادح الدهر خطوبه، و الفادح المثقل الصعب من غير رغبة عن سيرتي يعني من غير إفراط في ترك الطيبات إذ لا رهبانية في الإسلام و كذلك الكلام في قوله من غير تحول عن

سنتي و يفسر هما قوله صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و اتبع الأخيار من عترتي فإنهم عليهم السلام لم يتركوا الأطعمة الطيبة و النسوة الطاهرة رأسا مع زهدهم الكامل في الدنيا" و الخيلاء" الكبر" و عاد به" من العائدة و هي المعروف" و الصلة" و العطف و المنفعة و يقال هذا أعود أي أنفع.

[2]
اشارة

25384- 2 (الكافي- 8: 81 رقم 39) حميد، عن ابن سماعة، عن أحمد ابن عديس، عن أبان، عن الكناني، قال: سمعت كلاما يروى عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و عن علي عليه السلام و عن ابن مسعود فعرضته على أبي عبد اللّٰه عليه السلام فقال" هذا قول رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم أعرفه قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم

الوافي، ج 26، ص: 155

الشقي من شقي في بطن أمه و السعيد من وعظ بغيره، و أكيس الكيس التقي، و أحمق الحمق الفجور، و شر الروي روي الكذب، و شر الأمور محدثاتها، و أعمى العمى عمى القلب، و شر الندامة ندامة يوم القيامة، و أعظم الخطايا عند اللّٰه لسان كذاب، و شر الكسب كسب الربا، و شر المأكل أكل مال اليتيم، و أحسن الزينة زينة الرجل، و هدي حسن مع إيمان و أملك أمره به و قوام خواتيمه.

و من يبتغ السمعة يسمع اللّٰه به [الكذبة] و من يتولى الدنيا يعجز عنها، و من يعرف البلاء يصبر عليه، و من لا يعرفه ينكل، و الريب كفر، و من يستكبر يضعه اللّٰه، و من يطع الشيطان يعص اللّٰه، و من يعص اللّٰه يعذبه اللّٰه، و من يشكر يزده اللّٰه، و

من يصبر على المصيبة يعنه اللّٰه، و من يتوكل على اللّٰه فحسبه اللّٰه، لا تسخطوا اللّٰه برضا أحد من خلقه، و لا تقربوا إلى أحد يتباعد من اللّٰه فإن اللّٰه تعالى ليس بينه و بين أحد من خلقه شي ء يعطيه به خيرا و لا يدفع عنه به شرا إلا بطاعته و اتباع مرضاته، و إن طاعة اللّٰه نجاح من كل خير يبتغى و نجاة من كل شر يتقى، و إن اللّٰه تعالى يعصم من أطاعه و لا يعتصم به من عصاه و لا يجد الهارب من اللّٰه تعالى مهربا، و إن أمر اللّٰه نازل و لو كره الخلائق و كل ما هو آت قريب، ما شاء اللّٰه كان و ما لم يشأ لم يكن، فتعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان، و اتقوا اللّٰه إن اللّٰه شديد العقاب".

بيان

" الروي" كأنه جمع رواية كالراي جمع الراية و في بعض النسخ و شر الرواء

الوافي، ج 26، ص: 156

رواء الكذب، و في النهاية الأثيرية في حديث عبد اللّٰه شر الروايا روايا الكذب هي جمع روية و هي ما يروي الإنسان في نفسه من القول و الفعال أي يزور و يكفر و أصلها الهمز يقال روأت في الأمر و قيل هي جمع رواية للرجل الكثير الرواية و الهاء للمبالغة، و قيل جمع رواية أي الذين يروون الكذب أو تكثر رواياتهم فيه.

أقول المعنى الأخير موافق لما يأتي في الحديث الآتي و الهدي بالفتح و التسكين السيرة و المستتر في أملك و البارز في أمره للرجل يعني حصن أمره و قوام عواقبه بسيرته الحسنة و إيمانه الكامل و من يبتغ السمعة يسمع اللّٰه به

كذا يوجد في نسخ الكافي من الابتغاء بمعنى الطلب و إهمال اللفظتين.

و في الفقيه في الحديث الآتي في مثل هذا الموضع" و من يتبع المشمعة يشمع اللّٰه به

" من الاتباع و الشين المعجمة فيهما و الميم في أول الأولى.

قال في النهاية بعد ذكر الحديث على هذا الوجه المشمعة المزاح و الضحك أراد من استهزأ: بالناس جازاه اللّٰه مجازاة فعله و قيل أراد من كان و من شأنه العبث و الاستهزاء بالناس أصاره اللّٰه إلى حالة يعبث به و يستهزأ منه فيها.

و في بعض نسخ الفقيه و من يشمع أي يلعب و يمزح و في بعض نسخه و من يبتغ كما في الكافي مع الإعجام" و السمعة" الصيت كما في النهاية في الحديث من سمع الناس بعمله سمع اللّٰه به سامع خلقه.

و في رواية: أسامع خلقه يقال سمعت بالرجل تسميعا و تسمعة إذا شهرته و بدرت به و سامع اسم فاعل من سمع و أسامع جمع أسمع، و أسمع جمع قلة لسمع و سمع فلان بعمله إذا أظهره ليسمع فمن رواه سامع خلقه بالرفع جعله من صفة اللّٰه تعالى أي سمع اللّٰه سامع خلقه و من رواه أسامع أراد أن اللّٰه يسمع به أسامع خلقه يوم القيامة، و قيل أراد من سمع الناس بعمله سمع اللّٰه و أراه ثوابه من غير أن يعطيه.

الوافي، ج 26، ص: 157

و قيل من أراد بعمله الناس أسمعه اللّٰه الناس و كان ذلك ثوابه، و قيل أراد من يفعل فعلا صالحا في السر ثم يظهره ليسمعه الناس و يحمد عليه فإن اللّٰه يسمع به و يظهر إلى الناس غرضه و إن عمله لم يكن خالصا، و قيل يريد من نسب إلى

نفسه عملا صالحا لم يفعله و ادعى خيرا لم يصنعه فإن اللّٰه يفضحه و يظهر كذبه" ينكل" أي يجبن و يحجم و يتأبى و من يصبر على المصيبة، في بعض النسخ" على الرزية" و هي بمعناها.

[3]

25385- 3 (الفقيه- 4: 402 رقم 5868) صفوان، عن الكناني قال: قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: أخبرني عن هذا القول قول من هو: أسأل اللّٰه الإيمان و التقوى، و أعوذ بالله من شر عاقبة الأمور، إن أشرف الحديث ذكر اللّٰه عز و جل، و رأس الحكمة طاعته، و أصدق القول و أبلغ الموعظة و أحسن القصص كتاب اللّٰه تعالى، و أوثق العرى الإيمان بالله، و خير الملل ملة إبراهيم، و أحسن السنن سنة الأنبياء، و أحسن الهدي هدي محمد صلى اللّٰه عليه و آله و سلم، و خير الزاد التقوى، و خير العلم ما نفع، و خير الهدى ما أبلغ، و خير الغنى غنى النفس، و خير ما ألقي في القلب اليقين، و زينة الحديث الصدق، و زينة العلم الإحسان، و أشرف الموت قتل الشهادة، و خير الأمور خيرها عاقبة، و ما قل و كفى خير مما كثر و ألهى، و الشقي من شقي في بطن أمه، و السعيد من وعظ بغيره، و أكيس الكيس التقى، و أحمق الحمق الفجور، و شر الرواية رواية الكذب و شر الأمور محدثاتها، و شر العمى عمى القلب، و شر الندامة ندامة يوم القيامة، و أعظم المخطئين عند اللّٰه عز و جل لسان كذاب، و شر

الوافي، ج 26، ص: 158

الكسب كسب الربا، و شر الأكل أكل مال اليتيم ظلما، و أحسن زينة الرجل السكينة مع الإيمان، و من يتبع المشمعة يشمع

اللّٰه به، و من يعرف البلاء يصبر عليه، و من لا يعرفه ينكره، و الريب كفر، و من يستكبر يضعه اللّٰه، و من يطع الشيطان يعص اللّٰه، و من يعص اللّٰه يعذبه اللّٰه، و من يشكره يزده اللّٰه، و من يصبر على الرزية يعنه اللّٰه، و من يتوكل على اللّٰه فحسبه اللّٰه، [و من يتوكل على اللّٰه يؤجره اللّٰه]، لا تسخطوا اللّٰه برضا أحد من خلقه، و لا تقربوا إلى أحد من الخلق بتباعد من اللّٰه، فإن اللّٰه تعالى ليس بينه و بين أحد من الخلق شي ء يعطيه به خيرا أو يصرف به عنه سوء إلا بطاعته و ابتغاء مرضاته، إن طاعة اللّٰه نجاح كل خير يبتغى و نجاة من كل شر يتقى، و إن اللّٰه تعالى يعصم من أطاعه و لا يعتصم منه من عصاه و لا يجد الهارب من اللّٰه مهربا فإن أمر اللّٰه تعالى ذكره نازل بإذلاله و لو كره الخلائق، و كل ما هو آت قريب، ما شاء اللّٰه كان، و ما لم يشأ لم يكن، تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان و اتقوا اللّٰه إن اللّٰه شديد العقاب".

فقال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام" هذا قول رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم".

[4]
اشارة

25386- 4 (الفقيه- 4: 394 رقم 5840) يونس بن ظبيان، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال" الاشتهار بالعبادة ريبة، إن أبي حدثني عن أبيه، عن جده عليهم السلام أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم قال: أعبد الناس من أقام الفرائض، و أسخى الناس من

الوافي، ج 26، ص: 159

أدى زكاة ماله، و أزهد

الناس من اجتنب الحرام، و أتقى الناس من قال الحق فيما له و عليه، و أعدل الناس من رضي للناس ما يرضى لنفسه و كره لهم ما يكره لنفسه، و أكيس الناس من كان أشد ذكرا للموت، و أغبط الناس من كان تحت التراب قد أمن العقاب و يرجو الثواب، و أغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال، و أعظم الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل للدنيا عنده خطرا، و أعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه، و أشجع الناس من غلب هواه، و أكثر الناس قيمة أكثرهم علما، و أقل الناس قيمة أقلهم علما، و أقل الناس لذة الحسود.

و أقل الناس راحة البخيل، و أبخل الناس من بخل بما افترض اللّٰه عليه، و أولى الناس بالحق أعلمهم به، و أقل الناس حرمة الفاسق و أقل الناس وفاء الملوك، و أقل الناس صديقا الملك، و أفقر الناس الطامع، و أغنى الناس من لم يكن للحرص أسيرا، و أفضل الناس إيمانا أحسنهم خلقا، و أكرم الناس أتقاهم، و أعظم الناس قدرا من ترك ما لا يعنيه، و أورع الناس من ترك المراء و إن كان محقا، و أقل الناس مروءة من كان كاذبا، و أشقى الناس الملوك، و أمقت الناس المتكبر و أشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب و أحكم الناس من فر من جهال الناس، و أسعد الناس من خالط كرام الناس، و أعقل الناس أشدهم مداراة للناس، و أولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة و أعتى الناس من قتل غير قاتله، أو ضرب غير ضاربه، و أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، و أحق الناس بالذنب السفيه

المغتاب، و أذل الناس من أهان الناس، و أحزم الناس أكظمهم للغيظ، و أصلح الناس أصلحهم للناس، و خير الناس من انتفع به الناس".

الوافي، ج 26، ص: 160

بيان:

________________________________________

كاشانى، فيض، محمد محسن ابن شاه مرتضى، الوافي، 26 جلد، كتابخانه امام امير المؤمنين علي عليه السلام، اصفهان - ايران، اول، 1406 ه ق

الوافي؛ ج 26، ص: 160

لعل المراد بالاشتهار بالعبادة أن يعرف الرجل بكونه عابدا و يشتهر بإكثاره منها و المراد بكونه ريبة أنه يريب في أن تكون خالصة لله لأن ما كان لله ينبغي أن يكون خافيا كما مر في الحديث أن إخفاء العمل أشد من العمل اللهم إلا أن لا يكون له مدخل في الاشتهار بل إنما شهرها اللّٰه و حينئذ لا تضره الريبة و كان الغرض من الحديث الترغيب في الإخفاء و السعي في عدم الاشتهار بكثرة العبادة و لهذا أعقبه بقوله أعبد الناس من أقام الفرائض يعني من يسعى من أن لا يشذ عنه فريضة لم يقمها فإنه أشد من الإتيان بالنوافل و لعل من يأتي بكثير من النوافل يفوت عنه كثير من الفرائض و هو لا يشعر به.

و كذا القول في أخواته و حاصل الحديث بأوائل فقرأته أن تصفية العمل من الشوائب و الإخلاص فيه و إن قل العمل خير من إكثاره و قد وقع التنبيه عليه في باب الإخلاص من كتاب الإيمان و الكفر.

و في حديث صفة صلاة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم كما مضى في كتاب الصلاة.

[5]

25387- 5 (الفقيه- 4: 400 رقم 5858) علي بن مهزيار، عن الحسين، عن الحارث بن مؤمن الطاق، عن جميل بن صالح، عن أبي عبد اللّٰه، عن آبائه عليهم السلام قال" قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم: من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق اللّٰه تعالى، و من أحب أن يكون أتقى الناس

فليتوكل على اللّٰه، و من أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما عند اللّٰه تعالى أوثق منه بما في يديه" ثم قال عليه السلام" أ لا أنبئكم بشر الناس قالوا: بلى يا رسول اللّٰه، قال: من أبغض الناس و أبغضه الناس، ثم قال: أ لا أنبئكم بشر من هذا قالوا: بلى يا رسول اللّٰه، قال: الذي لا يقيل عثرة، و لا يقبل معذرة، و لا يغفر ذنبا، ثم قال: أ لا

الوافي، ج 26، ص: 161

أنبئكم بشر من هذا قالوا: بلى يا رسول اللّٰه، قال: الذي لا يؤمن شره و لا يرجى خيره، إن عيسى بن مريم عليهما السلام قال في بني إسرائيل، فقال: يا بني إسرائيل لا تحدثوا بالحكمة الجهال فتظلموها، و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم، و لا تعينوا الظالم على ظلمه فيبطل فضلكم، الأمور ثلاثة: أمر تبين لك رشده فاتبعه، و أمر تبين لك غيه فاجتنبه، و أمر اختلف فيه فرده إلى اللّٰه تعالى".

[6]
اشارة

25388- 6 (الفقيه- 4: 412 رقم 5900) أحمد بن إسحاق بن سعيد، عن القداح، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه عليهم السلام قال" قال الفضل بن عباس أهدي إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم بغلة أهداها له كسرى و قيصر فركبها النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم بحبل من شعر و أردفني خلفه، ثم قال لي: يا غلام احفظ اللّٰه يحفظك، احفظ اللّٰه تجده أمامك، تعرف إلى اللّٰه تعالى في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل اللّٰه، و إذا استعنت فاستعن بالله، فقد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الناس أن ينفعوك بأمر لم يكتبه اللّٰه لك لم يقدروا عليه، و

لو جهدوا أن يضروك بأمر لم يكتبه اللّٰه عليك لم يقدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فاصبر، فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، و اعلم أن الصبر مع النصر و أن الفرج مع الكرب، و أن مع العسر يسرا أن مع اليسر عسرا".

الوافي، ج 26، ص: 162

بيان:

أريد بحفظ اللّٰه رعاية أوامره و نواهيه و تذكر المعرفة بكونه تعالى رقيبا عليه و بحفظ اللّٰه إياه إعانته له عند أوامره و نواهيه بالتوفيق و التسديد و بتعرفه إلى اللّٰه ذكره إياه و مسألته كرة بعد أولى و بمعرفته اللّٰه إياه استجابته له و معاملته معه معاملة العارف به المعارف له، و نبه بتعليل الاقتصار في السؤال و الاستعانة على سؤال اللّٰه و استعانته بمضي القلم بما هو كائن على أن الأمر كله بيد اللّٰه سبحانه ليس لغيره تبديله لأنه أمضاه إلا أن له أن يمحو و يثبت بالسؤال و الاستعانة لأنها من جملة الأسباب المقدرة الماضية في أم الكتاب الذي لا يتبدل و عليه نبه بقوله فلو جهد إلى آخره و أريد بالصبر مع اليقين الصبر الذي يكون مع الرضا به للمعرة التامة بثمرته و بقوله: فاصبر الصبر مع عدم الرضا أعني الاصطبار كما يفسره بقوله: فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا.

[7]
اشارة

25389- 7 (الفقيه- 4: 376- 403) و من ألفاظ رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم الموجزة التي لم يسبق إليها: اليد العليا خير من اليد السفلى، ما قل و كفى خير مما كثر و ألهى، خير الزاد التقوى، رأس الحكمة مخافة اللّٰه تعالى، خير ما ألقي في القلب اليقين، الارتياب من الكفر، النياحة من عمل الجاهلية، السكر جمر النار، الشعر من إبليس، الخمر جماع الآثام، النساء حبالة إبليس، الشباب شعبة من الجنون، شر المكاسب كسب الربا، شر المأكل أكل مال اليتيم ظلما، السعيد من وعظ بغيره، الشقي من شقي في بطن أمه، مصيركم إلى أربعة أذرع، أربى الربا الكذب، سباب المؤمن فسوق، قتال المؤمن كفر، أكل

لحمه من معصية اللّٰه عز و جل، حرمة ماله كحرمة دمه، من يكظم الغيظ يأجره اللّٰه، من يصبر على الرزية يعوضه اللّٰه، الآن حمي الوطيس، لا يلسع المؤمن من

الوافي، ج 26، ص: 163

حجر مرتين، لا تجني على المرء إلا يده، الشديد من غلب على نفسه.

ليس الخبر كالمعاينة، اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها و خميسها، المجالس بالأمانة، سيد القوم خادمهم، لو بغي جبل على جبل لجعله اللّٰه دكا، ابدأ بمن تعول، الحرب خدعة، المسلم مرآة لأخيه، مات حتف أنفه، البلاء موكل بالمنطق، الناس كأسنان المشط سواء، أي داء أدوى من البخل، الحياء خير كله، اليمين الفاجرة تدع الديار من أهلها بلاقع، أعجل الشر عقوبة البغي، أسرع الخير ثوابا البر، المسلمون عند شروطهم، إن من الشعر لحكما، و إن من البيان لسحرا، ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء، من قتل دون ماله فهو شهيد، العائد في هبته كالعائد في قيئه، لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه المؤمن فوق ثلاث، من لا يرحم لا يرحم، الندم توبة، الولد للفراش و للعاهر الحجر، الدال على الخير كفاعله، حبك للشي ء يعمي و يصم، لا يشكر اللّٰه من لا يشكر الناس، لا يؤوي الضلالة إلا الضلال، اتقوا النار و لو بشق تمرة.

الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف، مطل الغني ظلم، السفر قطعة من العذاب، الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة، صاحب المجلس أحق بصدر مجلسه، احثوا في وجوه المداحين التراب، استنزلوا الرزق بالصدقة، ادفعوا البلاء بالدعاء، جبلت القلوب على حب من أحسن إليها و بغض من أساء إليها، ما نقص مال من صدقة، لا صدقة و ذو رحم محتاج، الصحة و

الفراغ نعمتان مكفورتان، عفو الملك أبقى للملك، هيبة الرجل لزوجته تزيد في عفتها، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

الوافي، ج 26، ص: 164

بيان:

قال ابن الأثير في نهايته: اليد العليا هي المعطية و قيل هي المتعففة و السفلى هي السائلة و قيل المانعة.

و قال في الحديث: الآن حمي الوطيس" الوطيس" شبه التنور، و قيل هو الضراب في الحرب، و قيل هو الوطء الذي يطس الناس أي يدقهم و قال الأصمعي: هو حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطؤها و لم يسمع هذا الكلام من أحد قبل النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و هو من فصيح الكلام عبر به عن اشتباك الحرب و قيامها على ساق، و قال في الحديث: لا يلسع المؤمن من جحر مرتين، و في رواية: لا يلدغ، اللدغ و اللسع سواء، و الجحر بتقديم الجيم المضمومة على المهملتين ثقب الحية، و هو استعارة هاهنا أي لا يؤذى المؤمن من جهة واحدة مرتين فإنه بالأولى يعتبر، و قال الخطابي يروى بضم العين و كسرها فالضم على وجه الخير معناه أن المؤمن هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى من جهة الغفلة فيخدع مرة بعد مرة و هو لا يفطن لذلك و لا يشعر به، و المراد به الخداع في أمر الدين لا أمر الدنيا، و أما الكسر فعلى وجه النهي أي لا يخدعن المؤمن و لا يؤتين من جهة الغفلة فيقع في مكروه أو شر و لا يشعر به و ليكن فطنا حذرا و هذا التأويل يصلح أن يكون لأمر الدين و الدنيا معا.

و قال في الحديث: الحرب خدعة

، يروى بفتح الخاء و ضمها مع سكون الدال و بضمها مع

فتح الدال، فالأول معناه أن الحرب ينقضي أمرها بخدعة واحدة من الخداع أي أن القاتل إذا خدع مرة واحدة لم يكن لها إقالة و هو أفصح الروايات و أصحها و معنى الثاني هو الاسم من الخداع، و معنى الثالث أن الحرب تخدع الرجال و تمنيهم و لا تفي لهم كما يقال فلان رجل لعبة و ضحكة للذي يكثر اللعب و الضحك.

و قال في الحديث: من مات حتف أنفه في سبيل اللّٰه فهو شهيد،

هو أن يموت

الوافي، ج 26، ص: 165

على فراشه كأنه سقط لأنفه فمات، و الحتف الهلاك، كانوا يتخيلون أن روح المريض تخرج من أنفه فإن جرح خرجت من جراحته.

و قال في الحديث: و أي داء أدوى من البخل

أي: أي عيب أقبح منه، قال:

و الصواب أدوا بالهمزة و لكن هكذا يروي إلا أن يجعل من باب دوي يدوى إذا هلك بمرض باطن، و اليمين الفاجرة هي الكاذبة فإن الفجور جاء بمعنى الكذب،

و قال في الحديث: اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع

، جمع بلقع و بلقعة و هي الأرض القفر التي لا شي ء بها يريد أن الحالف بها يفتقر و يذهب ما في بيته من الرزق و قيل هو أن يفرق اللّٰه شمله و يغير عليه ما أولاه من نعمه.

و قال في الحديث: إن من الشعر لحكما

أي إن من الشعر كلاما نافعا يمنع من الجهل و السفه و ينهى عنهما قيل أراد بها المواعظ، و الأمثال التي ينتفع بها الناس و الحكم العلم و الفقه و القضاء بالعدل و هو مصدر حكم يحكم و يروى إن من الشعر لحكمة و هي بمعنى الحكم.

و قال في الحديث إن من البيان لسحرا

أي منه ما يصرف قلوب السامعين و

إن كان غير حق و قيل معناه أن من البيان ما يكتسب به من الإثم ما يكتسبه الساحر بسحره فيكون في معرض الذم و يجوز أن يكون في معرض المدح لأنه يستمال به القلوب و يترضى به الساخط و يستنزل به الصعب و السحر في كلامهم صرف الشي ء عن وجهه.

و قال في الحديث اتقوا النار و لو بشق تمرة

أي نصف تمرة يريد لا تستقلوا من الصدقة شيئا،

و قال في الحديث: الأرواح جنود مجندة

أي مجموعة كما يقال ألوف مؤلفة و قناطير مقنطرة و معناه الإخبار عن مبدإ كون الأرواح و تقدمها على الأجساد أي أنها خلقت أول خلقتها على قسمين من ائتلاف و اختلاف كالجنود المجموعة إذا تقابلت و تواجهت و معنى تقابل الأرواح ما جعلها اللّٰه عليه من السعادة و الشقاوة و الأخلاق في مبدإ الخلق يقول إن الأجساد التي

الوافي، ج 26، ص: 166

فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف و تختلف على حسب ما خلقت عليه و لهذا ترى الخير يحب الأخيار و الشرير يحب الأشرار و يميل إليهم، و المطل تسويف قضاء الحق للغريم، و اللي.

و قال في الحديث لي الواحد يحل عقوبته و عرضه أي لصاحب الدين أن يذمه و يصفه بسوء القضاء" نعمتان مكفورتان" أي غير مشكورتين و المكفور و المكفر المجحود النعمة مع إحسانه.

[8]
اشارة

25390- 8 (الكافي- الفقيه- 4: 163 رقم 5370) علي بن الحكم، عن أبان، عن أبي بصر (الفقيه) يحيى بن أبي القاسم الأسدي (ش) عن أبي جعفر عليه السلام قال" لما حضرت النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم الوفاة نزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا رسول اللّٰه هل لك في الرجوع إلى الدنيا فقال: لا

قد بلغت رسالات ربي، فأعادها عليه، فقال: لا بل الرفيق الأعلى، ثم قال النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و المسلمون حوله مجتمعون: أيها الناس إنه لا نبي بعدي و لا سنة بعد سنتي فمن ادعى بعد ذلك فدعواه و مدعيه في النار فاقتلوه و من اتبعه فإنه في النار، أيها الناس أحيوا القصاص، و أحيوا الحق لصاحب الحق و لا تفرقوا، أسلموا و سلموا تسلموا، كَتَبَ اللّٰهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي (الفقيه) إِنَّ اللّٰهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ".

الوافي، ج 26، ص: 167

بيان:

" هل لك في الرجوع" يعني حاجة و الرفيق الأعلى جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين و هو اسم جاء على فعيل و معناه الجماعة كالصديق و الخليط يقع على الواحد و الجمع و منه قوله تعالى وَ حَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً و اقتصر صلى اللّٰه عليه و آله على الوصايا الكلية المهمة المشتملة على سائر الخيرات أما ختم النبوة و السنة و انقطاعهما بعده صلوات اللّٰه عليه و آله فلأن بناء الشرع و الدين عليه فلو افتتنت الأمة بمدع لهما كذاب خرجت من الدين و أما إحياء القصاص فلأن بناء العبادة على الحياة و بناء الحياة على القصاص في الجملة فإذا لم يقتص من الجاني كثرت الجرأة على القتل و وقع الهرج و المرج و ما إحياء الحق لصاحب الحق فلأن مدار الاجتماع و التالف المبني عليهما الإيمان عليه و لذا أردفه بالنهي عن التفرق و المقصد الأصلي من هذا القول تأكيد أمر الخلافة لوصيه الذي كان قد نص عليه و لذا مر بعد النهي عن التفرق بالانقياد و التسليم و رتب السلامة عليهما و أما تلاوته آية الغلبة فأشار بها إلى

أن مغلوبية صاحب الحق بحسب الظاهر أياما معدودة فانية لا تضره لأن المدار على الغلبة الباطنة الأخروية الباقية التي لله و لرسله دائما مع أن الحق سيظهر في الدنيا أيضا و لله عاقبة الأمور.

[9]

25391- 9 (الكافي- 8: 79 رقم 33) محمد، عن ابن عيسى، عن علي ابن النعمان، عن ابن عمار (التهذيب- 9: 175 رقم 713) الحسين، عن ابن أبي عمير، عن ابن عمار قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول" كان في وصية النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام أن قال: يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عني، ثم قال: اللهم أعنه، أما الأولى

الوافي، ج 26، ص: 168

فالصدق و لا يخرجن من فيك كذبة أبدا، و الثانية: الورع و لا تجترئ على خيانة أبدا، و الثالثة: الخوف من اللّٰه عز ذكره كأنك تراه، و الرابعة: كثرة البكاء من خشية اللّٰه تعالى يبني لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة، و الخامسة: بذلك مالك و دمك دون دينك، و السادسة: الأخذ بسنتي في صلاتي و صومي و صدقتي أما الصلاة فالخمسون ركعة، و أما الصيام فثلاثة أيام في الشهر: الخميس في أوله، و الأربعاء في وسطه، و الخميس في آخره، و أما الصدقة فجهدك حتى تقول قد أسرفت و لم تسرف، و عليك بصلاة الليل و عليك بصلاة الليل و عليك بصلاة الليل، و عليك بصلاة الزوال و عليك بصلاة الزوال و عليك بصلاة الزوال، و عليك بتلاوة القرآن على كل حال، و عليك برفع يديك في صلاتك و تقلبهما، و عليك بالسواك عند كل وضوء، و عليك بمحاسن الأخلاق فارتكبها و مساوئ الأخلاق فاجتنبها، فإن لم

تفعل فلا تلومن إلا نفسك".

[10]

25392- 10 (الفقيه- 4: 188 رقم 5432) الحسين، عن الحسين ابن علوان، عن عمرو بن ثابت، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام .. الحديث بأدنى تفاوت.

[11]
اشارة

25393- 11 (الفقيه- 4: 352 رقم 5762) حماد بن عمرو و أنس

الوافي، ج 26، ص: 169

ابن محمد، عن أبيه جميعا، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب صلوات اللّٰه و سلامه عليهم، عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم أنه قال" يا علي أوصيك بوصية فاحفظها فلا تزال بخير ما حفظت وصيتي، يا علي من كظم غيظا و هو يقدر على إمضائه أعقبه اللّٰه يوم القيامة أمنا و إيمانا يجد طعمه، يا علي من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصا في مروءته، و لم يملك الشفاعة، يا علي أفضل الجهاد من أصبح لا يهم بظلم أحد، يا علي من خاف الناس لسانه فهو من أهل النار، يا علي شر الناس من أكرمه الناس اتقاء فحشه و روي شره.

يا علي شر الناس من باع آخرته بدنياه، و شر من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره، يا علي من لم يقبل العذر من متنصل صادقا كان أو كاذبا لم ينل شفاعتي، يا علي إن اللّٰه عز و جل أحب الكذب في الصلاح، و أبغض الصدق في الفساد، يا علي من ترك الخمر لغير اللّٰه سقاه اللّٰه من الرحيق المختوم.

فقال علي عليه السلام: لغير اللّٰه! قال: نعم و اللّٰه صيانة لنفسه فيشكره اللّٰه على ذلك، يا علي شارب الخمر كعابد وثن، يا علي شارب الخمر لا يقبل اللّٰه صلاته أربعين

يوما، فإن مات في الأربعين مات كافرا، يا علي كل مسكر حرام، و ما أسكر كثيره فالجرعة منه حرام، يا علي جعلت الذنوب كلها في بيت و جعل مفتاحها شرب الخمر، يا علي تأتي على شارب الخمر ساعة لا يعرف فيها ربه تعالى، يا علي إن إزالة الجبال الرواسي أهون من إزالة ملك مؤجل لم ينقض أيامه، يا علي من لم تنتفع بدينه و لا دنياه فلا خير لك في مجالسته، و من لم يوجب لك فلا توجب له و لا كرامة.

يا علي ينبغي أن يكون في المؤمن ثمان خصال: وقار عند الهزاهز،

الوافي، ج 26، ص: 170

و صبر عند البلاء، و شكر عند الرخاء، و قنوع بما رزقه اللّٰه، لا يظلم الأعداء، و لا يتحامل على الأصدقاء، بدنه منه في تعب، و الناس منه في راحة، يا علي أربعة لا ترد لهم دعوة إمام عادل و والد لوده، و الرجل يدعو لأخيه بظهر الغيب، (القلب- خ ل) و المظلوم يقول اللّٰه عز و جل و عزتي و جلالي: لأنتصرن لك و لو بعد حين، يا علي ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم: الذاهب إلى مائدة لم يدع إليها، و المتأمر على رب البيت، و طالب الخير من أعدائه، و طالب الفضل من اللئام، و الداخل بين اثنين في سر لم يدخلاه فيه، و المستخف بالسلطان، و الجالس في مجلس ليس له بأهل، و المقبل بالحديث على من لا يسمع منه.

يا علي حرم اللّٰه الجنة على كل فاحش بذي لا يبالي بما قال و لا ما قيل له، يا علي طوبى لمن طال عمره و حسن عمله، يا علي لا تمزح فيذهب بهاؤك، و لا

تكذب فيذهب نورك، و إياك و خصلتين الضجر و الكسل، فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق، و إن كسلت لم تؤد حقا، يا علي لكل ذنب توبة إلا سوء الخلق، فإن صاحبه كلما خرج من ذنب دخل في ذنب، يا علي أربعة أسرع شي ء عقوبة: رجل أحسنت إليه فكافأك بالإحسان إساءة، و رجل لا تبغي عليه و هو يبغي عليك، و رجل عاهدته على أمر فوفيت له و عذر بك، و رجل وصل قرابته فقطعوه، يا علي من استولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة.

يا علي اثنتا عشرة خصلة ينبغي للرجل المسلم أن يتعلمها على المائدة أربع منها فريضة و أربع منها سنة و أربع منها أدب، فأما الفريضة:

فالمعرفة بما يأكل و التسمية و الشكر و الرضا، و أما السنة: فالجلوس على الرجل اليسرى، و الأكل بثلاث أصابع، و أن يأكل مما يليه، و مص الأصابع، و أما الأدب: فتصغير اللقمة، و المضغ الشديد، و قلة النظر في وجوه الناس، و غسل اليدين، يا علي خلق اللّٰه عز و جل الجنة من لبنتين

الوافي، ج 26، ص: 171

لبنة من ذهب و لبنة من فضة، و جعل حيطانها الياقوت، و سقفها الزبرجد، و حصاها اللؤلؤ، و ترابها الزعفران و المسك الأذفر، ثم قال لها:

تكلمي، فقالت: لا إله إلا اللّٰه الحي القيوم قد سعد من يدخلني، قال اللّٰه تعالى: و عزتي و جلالي لا يدخلها مدمن خمر، و لا نمام، و لا ديوث، و لا شرطي، و لا مخنث، و لا نباش، و لا عشار، و لا قاطع رحم، و لا قدري.

يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة: القتات، و الساحر، و الديوث، و ناكح المرأة

حراما في دبرها، و ناكح البهيمة، و من نكح ذات محرم، و الساعي في الفتنة، و بائع السلاح من أهل الحرب، و مانع الزكاة، و من وجد سعة فمات و لم يحج، يا علي لا وليمة إلا في خمس: في عرس، أو خرس، أو عذار، أو وكاز، أو ركاز، فالعرس التزويج، و الخرس النفاس بالولد، و العذار الختان، و الوكاز في بناء الدار [و شرائها]، و الركاز الرجل يقدم من مكة، يا علي لا ينبغي للرجل أن يكون ظاعنا إلا في ثلاث: مرمة لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير محرم، يا علي ثلاث من مكارم الأخلاق في الدنيا و الآخرة: أن تعفو عمن ظلمك، و تصل من قطعك، و تحلم عمن جهل عليك، يا علي بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك، و صحتك قبل سقمك، و غناك قبل فقرك، و حياتك قبل موتك.

يا علي كره اللّٰه لأمتي العبث في الصلاة، و المن في الصدقة، و إتيان المساجد جنبا، و الضحك بين القبور، و التطلع في الدور، و النظر إلى فروج النساء لأنه يورث العمى، و كره الكلام عند الجماع لأنه يورث الخرس، و كره النوم بين العشاءين لأنه يحرم الرزق، و كره الغسل تحت السماء إلا بمئزر، و كره دخول الأنهار إلا بمئزر، فإن فيها سكانا من الملائكة، و كره

الوافي، ج 26، ص: 172

دخول الحمام إلا بمئزر، و كره الكلام بين الأذان و الإقامة في صلاة الغداة، و كره ركوب البحر في وقت هيجانه، و كره النوم فوق سطح ليس بمحجر و قال: من نام فوق سطح ليس بمحجر فقد برئت الذمة منه، و كره أن ينام الرجل في بيت وحده، و

كره أن يغشى الرجل امرأته و هي حائض فإن فعل و خرج الولد مجذوما أو أبرص فلا يلومن إلا نفسه، و كره أن يكلم الرجل مجذوما إلا أن يكون بينه و بينه مقدار ذراع، و قال عليه السلام:

فر من المجذوم فرارك من الأسد.

و كره أن يأتي الرجل أهله و قد احتلم حتى يغتسل من الاحتلام فإن فعل ذلك و خرج الولد مجنونا فلا يلومن إلا نفسه، و كره البول على شط نهر جار، و كره أن يحدث الرجل تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت، و كره أن يحدث الرجل و هو قائم، و كره أن يتنعل الرجل و هو قائم، و كره أن يدخل الرجل بيتا مظلما إلا مع السراج.

يا علي آفة الحسب الافتخار، يا علي من خاف اللّٰه عز و جل أخاف منه كل شي ء، و من لم يخف اللّٰه عز و جل أخافه اللّٰه من كل شي ء، يا علي ثمانية لا يقبل الهّٰ منهم الصلاة: العبد الآبق حتى يرجع إلى مولاه، و الناشز و زوجها عليها ساخط، و مانع الزكاة، و تارك الوضوء، و الجارية المدركة تصلي بغير خمار، و إمام قوم يصلي بهم و هم له كارهون، و السكران، و الزبين- و هو الذي يدافع البول و الغائط- يا علي أربع من كن فيه بنى اللّٰه له بيتا في الجنة: من آوى اليتيم، و رحم الضعيف، و أشفق على والديه، و رفق بمملوكه، يا علي ثلاث من لقي اللّٰه بهن فهو من أفضل الناس: من أتى اللّٰه بما افترض عليه فهو من أعبد الناس، و من ورع عن محارم اللّٰه فهو من أورع الناس، و من قنع بما رزقه اللّٰه فهو من

أغنى الناس، يا علي ثلاث لا تطيقها هذه الأمة: المواساة للأخ في ماله، و إنصاف الناس من نفسه، و ذكر اللّٰه على كل حال، و ليس هو سبحان اللّٰه و الحمد لله و لا إله إلا اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 173

و اللّٰه أكبر، و لكن إذا ورد على ما يحرم عليه خاف اللّٰه عز و جل عنده و تركه.

يا علي ثلاثة إن أنصفتهم ظلموك: السفلة و أهلك و خادمك، و ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: حر من عبد، و عالم من جاهل، و قوي من ضعيف، يا علي سبعة من كن فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان و أبواب الجنة مفتحة له: من أسبغ وضوءه، و أحسن صلاته، و أدى زكاة ماله، و كف غضبه، و سجن لسانه، و استغفر اللّٰه لذنبه، و أدى النصيحة لأهل بيت نبيه، يا علي لعن اللّٰه ثلاثة: آكل زاده وحده، و راكب الفلاة وحده، و النائم في بيت وحده، يا علي ثلاثة يتخوف منهن الجنون: التغوط بين القبور، و المشي في خف واحد، و الرجل ينام وحده، يا علي ثلاثة يحسن فيهن الكذب: المكيدة في الحرب، و عدتك زوجتك، و الإصلاح بين الناس، و ثلاثة مجالستهم يميت القلب: مجالسة الأنذال و مجالسة الأغنياء و الحديث مع النساء.

يا علي ثلاث من حقائق الإيمان: الإنفاق من الإقتار، و إنصافك الناس من نفسك، و بذل العلم للمتعلم، يا علي ثلاث من لم يكن فيه لم يتم علمه: ورع يحجزه عن معاصي اللّٰه عز و جل، و خلق يداري به الناس، و حلم يرد به جهل الجاهل، يا علي ثلاث فرحات للمؤمن في الدنيا: لقاء الإخوان، و تفطير الصائم، و التهجد من آخر الليل،

يا علي أنهاك عن ثلاث خصال: الحسد، و الحرص، و الكبر، يا علي أربع خصال من الشقاء: جمود العين، و قساوة القلب، و بعد الأمل، و حب البقاء، يا علي ثلاث درجات، و ثلاث كفارات، و ثلاث مهلكات، و ثلاث منجيات، و أما الدرجات فإسباغ الوضوء في السبرات، و انتظار الصلاة بعد

الوافي، ج 26، ص: 174

الصلاة، و المشي بالليل و النهار إلى الجماعات، و أما الكفارات: فإفشاء السلام، و إطعام الطعام، و التهجد بالليل و الناس نيام، و أما المهلكات:

فشح مطاع، و هوى متبع، و إعجاب المرء بنفسه، و أما المنجيات فخوف اللّٰه في السر و العلانية و القصد في الغنى و الفقر، و كلمة العدل في الرضا و السخط.

يا علي لا رضاع بعد فطام و لا يتم بعد احتلام، يا علي سر سنتين بر والديك، سر سنة صل رحمك، سر ميلا عد مريضا، سر ميلين شيع جنازة، سر ثلاثة أميال أجب دعوة، سر أربعة أميال زر أخا في اللّٰه، سر خمسة أميال أجب الملهوف، سر ستة أميال انصر المظلوم، و عليك بالاستغفار.

يا علي للمؤمن ثلاث علامات: الصلاة و الزكاة و الصيام، و للمتكلف ثلاث علامات: يتملق إذا حضر، و يغتاب إذا غاب، و يشمت بالمصيبة، و للظالم ثلاث علامات: يقهر من دونه بالغلبة، و من فوقه بالمعصية، و يظاهر الظلمة، و للمرائي ثلاث علامات: ينشط إذا كان عند الناس، و يكسل إذا كان وحده، و يحب أن يحمد في جميع أموره، و للمنافق ثلاث علامات: إذا حدث كذب، و إذا وعد أخلف، و إذا ائتمن خان، يا علي تسعة أشياء تورث النسيان: أكل التفاح الحامض، و أكل الكزبرة و الجبن و سؤر الفأر، و

قراءة كتابة القبور، و المشي بين امرأتين، و طرح القملة، و الحجامة في النقرة، و البول في الماء الراكد.

يا علي العيش في ثلاثة: دار قوراء، و جارية حسناء، و فرس قباء، يا علي و اللّٰه لو أن الوضيع في قعر بئر لبعث اللّٰه تعالى إليه ريحا ترفعه فوق الأخيار في دولة الأشرار، يا علي من انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة اللّٰه، و من منع أجيرا أجره فعليه لعنة اللّٰه، و من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة اللّٰه، فقيل: يا رسول اللّٰه و ما ذلك الحدث قال: القتل.

الوافي، ج 26، ص: 175

يا علي المؤمن من أمنه الناس على أموالهم و دمائهم، و المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه، و المهاجر من هاجر السيئات، يا علي إن أوثق عرى الإيمان الحب في اللّٰه و البغض في اللّٰه، يا علي من أطاع امرأته أكبه اللّٰه على وجهه في النار، فقال علي عليه السلام: و ما تلك الطاعة قال: يأذن لها في الذهاب إلى الحمامات و النائحات و العرسات، و لبس الثياب الرقاق، يا علي إن اللّٰه تبارك و تعالى قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية و تفاخرها بآبائها، ألا إن الناس من آدم و آدم من تراب، و أكرمهم عند اللّٰه أتقاهم، يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب، و ثمن الخمر، و مهر الزانية، و الرشوة في الحكم، و أجر الكاهن، يا علي من تعلم علما ليماري به السفهاء، أو يجادل به العلماء، أو ليدعو الناس إلى نفسه فهو من أهل النار، يا علي إذا مات العبد قال الناس: ما خلف و قالت الملائكة: ما قدم.

يا علي الدنيا سجن المؤمن و

جنة الكافر، يا علي موت الفجأة راحة للمؤمن، و حسرة للكافر، يا علي أوحى اللّٰه إلى الدنيا اخدمي من خدمني، و أتعبي من خدمك، يا علي إن الدنيا لو عدلت عند اللّٰه جناح بعوضة لما سقى الكافر منها شربة من ماء، يا علي ما أحد من الأولين و الآخرين إلا و هو يتمنى يوم القيامة أنه لم يعط من الدنيا إلا قوتا، يا علي شر الناس من اتهم اللّٰه في قضائه، يا علي أنين المؤمن تسبيح، و صياحه تهليل، و نومه على الفراش عبادة، و تقلبه من جنب إلى جنب جهاد في سبيل اللّٰه، فإن عوفي مشى في الناس و ما عليه من ذنب، يا علي لو أهدي إلي كراع لقبلته، و لو دعيت إلى كراع لأجبت، يا علي ليس على النساء جمعة و لا جماعة و لا أذان و لا إقامة، و لا عيادة مريض، و لا اتباع جنازة، و لا هرولة بين الصفا و المروة، و لا استلام الحجر، و لا حلق و لا تولي القضاء، و لا تستشار، و لا تذبح إلا عند الضرورة، و لا تجهر

الوافي، ج 26، ص: 176

بالتلبية، و لا تقيم عند قبر، و لا تسمع الخطبة، و لا تتولى التزويج بنفسها، و لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، فإن خرجت بغير إذنه لعنها اللّٰه و جبرئيل و ميكائيل، و لا تعطي من بيت زوجها شيئا إلا بإذنه، و لا تبيت و زوجها عليها ساخط و إن كان ظالما لها.

يا علي الإسلام عريان و لباسه الحياء، و زينته الوفاء، و مروءته العمل الصالح، و عماده الورع، و لكل شي ء أساس و أساس الإسلام حبنا أهل البيت، يا علي

سوء الخلق شؤم، و طاعة المرأة ندامة، يا علي إن كان الشؤم في شي ء لكان في لسان المرأة، يا علي نجا المخفون، و هلك المثقلون، يا علي من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، يا علي ثلاث يزدن في الحفظ و يذهبن البلغم: اللبان، و السواك، و قراءة القرآن، يا علي السواك من السنة، و مطهرة للفم، و يجلو البصر، و يرضي الرحمن، و يبيض الأسنان، و يذهب بالحفر، و يشد اللثة، و يشهي الطعام، و يذهب بالبلغم، و يزيد في الحفظ، و يضاعف في الحسنات، و تفرح به الملائكة، يا علي النوم أربعة: نوم الأنبياء عليهم السلام على أقفيتهم، و نوم المؤمنين على أيمانهم، و نوم الكفار و المنافقين على يسارهم، و نوم الشياطين على وجوههم، يا علي ما بعث اللّٰه عز و جل نبيا إلا و جعل ذريته من صلبه، و جعل ذريتي من صلبك، و لولاك ما كانت لي ذرية.

يا علي أربعة من قواصم الظهر: إمام يعصي اللّٰه عز و جل و يطاع أمره، و زوجة يحفظها زوجها و هي تخونه، و فقر لا يجد صاحبه مداويا، و جار سوء في دار مقام، يا علي إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها اللّٰه عز و جل في الإسلام: حرم نساء الآباء على الأبناء فأنزل اللّٰه تعالى وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ و وجد كنزا فأخرج منه

الوافي، ج 26، ص: 177

الخمس و تصدق به فأنزل اللّٰه عز و جل وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ- الآية و لما حفر زمزم سماها سقاية الحاج فأنزل اللّٰه تعالى أَ جَعَلْتُمْ سِقٰايَةَ الْحٰاجِّ وَ عِمٰارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ

كَمَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ- الآية و سن في القتل مائة من الإبل فأجرى اللّٰه عز و جل ذلك في الإسلام، و لم يكن للطواف عدد عند قريش فسن لهم عبد المطلب سبعة أشواط فأجرى اللّٰه ذلك في الإسلام، يا علي إن عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام، و لا يعبد الأصنام، و لا يأكل ما ذبح على النصب، و يقول: أنا على دين أبي إبراهيم عليه السلام.

يا علي أعجب الناس إيمانا و أعظمهم يقينا قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا بالنبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم، و حجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد على بياض، يا علي ثلاثة يقسين القلب: استماع اللهو، و طلب الصيد، و إتيان باب السلطان، يا علي لا تصل في جلد ما لا تشرب لبنه، و لا تأكل لحمه، و لا تصل في ذات الجيش، و لا في ذات الصلاصل، و لا في ضجنان، يا علي كل من البيض ما اختلف طرفاه، و من السمك ما كان له قشر، و من الطير ما دف، و اترك منه ما صف، و كل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية، يا علي كل ذي ناب من السباع و مخلب من الطير فحرام أكله، يا علي لا قطع في ثمر و لا كثر، يا علي ليس على زان عقر، و لا حد في التعريض و لا شفاعة في حد، و لا يمين في قطيعة رحم، و لا يمين لولد مع والده، و لا لامرأة مع زوجها، و لا للعبد مع مولاه، و لا صمت يوما إلى الليل، و لا وصال في صيام، و لا تعرب بعد هجرة، يا

علي لا يقتل والد بولده، يا علي لا يقبل اللّٰه دعاء قلب ساه، يا علي نوم العالم أفضل من

الوافي، ج 26، ص: 178

عبادة العابد، يا علي ركعتان يصليها العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد.

يا علي لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها، و لا يصوم العبد تطوعا إلا بإذن مولاه، و لا يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن صاحبه، يا علي صوم يوم الفطر حرام، و صوم يوم الأضحى حرام، و صوم الوصال حرام، و صوم الصمت حرام، و صوم نذر المعصية حرام، و صوم الدهر حرام، يا علي في الزنا ست خصال: ثلاث منها في الدنيا و ثلاث منها في الآخرة:

فأما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء، و يعجل الفناء، و يقطع الرزق، و أما التي في الآخرة: فسوء الحساب، و سخط الرحمن، و الخلود في النار، يا علي الربا سبعون جزءا فأيسرها مثل أن ينكح أمه في بيت اللّٰه الحرام، يا علي درهم ربا أعظم عند اللّٰه من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت اللّٰه الحرام، يا علي من منع قيراطا من زكاة ماله فليس بمؤمن و لا مسلم و لا كرامة.

يا علي تارك الزكاة يسأل اللّٰه الرجعة إلى الدنيا و ذلك قوله تعالى حَتّٰى إِذٰا جٰاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قٰالَ رَبِّ ارْجِعُونِ- الآية يا علي تارك الحج و هو مستطيع كافر قال اللّٰه تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ يا علي من سوف الحج حتى يموت بعثه اللّٰه يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا، يا علي الصدقة ترد القضاء الذي قد أبرم إبراما، يا علي صلة الرحم تزيد في العمر، يا

علي افتتح بالملح و اختتم بالملح فإن فيه شفاء من اثنين و سبعين داء، يا علي لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في أبي و أمي و عمي و أخ لي

الوافي، ج 26، ص: 179

كان في الجاهلية، يا علي أنا ابن الذبيحين، أنا دعوة أبي إبراهيم، يا علي العقل ما اكتسب به الجنة و طلب به رضا الرحمن، يا علي أني أول خلق خلقه اللّٰه تعالى العقل، فقال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال:

و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك، بك آخذ، و بك أعطي، و بك أثيب، و بك أعاقب.

يا علي لا صدقة و ذو رحم محتاج، يا علي درهم في الخضاب أفضل من ألف درهم ينفق في سبيل اللّٰه، و فيه أربع عشر خصلة: يطرد الريح من الأذنين، و يجلو البصر، و يلين الخياشيم، و يطيب النكهة، و يشد اللثة، و يذهب بالضنا، و يقل وسوسة الشيطان، و تفرح به الملائكة، و يستبشر به المؤمن، و يغيظ به الكافر، و هو زينة و طيب، و يستحيي منه منكر و نكير، و هو براءة له في قبره، يا علي لا خير في قول إلا مع الفعل، و لا في منظر إلا مع المخبر، و لا في المال إلا مع الجود، و لا في الصدق إلا مع الوفاء، و لا في الفقه إلا مع الورع، و لا في الصدقة إلا مع النية، و لا في الحياة إلا مع الصحة، و لا في الوطن إلا مع الأمن و السرور، يا علي حرم اللّٰه تعالى من الشاة سبعة أشياء: الدم، و المذاكير، و المثانة، و النخاع، و الغدد، و الطحال،

و المرارة.

يا علي لا تماكس في أربعة أشياء في شراء الأضحية، و الكفن، و النسمة، و الكراء إلى مكة، يا علي أ لا أخبركم بأشبهكم بي خلقا قال:

بلى يا رسول اللّٰه، قال: أحسنكم خلقا، و أعظمكم حلما، و أبركم بقرابته، و أشدكم من نفسه إنصافا، يا علي أمان لأمتي من الغرق إذا هم ركبوا في السفن أن يقرءوا بسم اللّٰه الرحمن الرحيم وَ مٰا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ السَّمٰاوٰاتُ مَطْوِيّٰاتٌ بِيَمِينِهِ

الوافي، ج 26، ص: 180

سُبْحٰانَهُ وَ تَعٰالىٰ عَمّٰا يُشْرِكُونَ- بِسْمِ اللّٰهِ مَجْرٰاهٰا وَ مُرْسٰاهٰا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ يا علي أمان لأمتي من السرق قُلِ ادْعُوا اللّٰهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمٰنَ أَيًّا مٰا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ- إلى آخر السورة، يا علي أمان لأمتي من الهدم إِنَّ اللّٰهَ يُمْسِكُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولٰا وَ لَئِنْ زٰالَتٰا إِنْ أَمْسَكَهُمٰا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كٰانَ حَلِيماً غَفُوراً.

يا علي أمان لأمتي من الهم (لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم لا ملجأ و لا منجا من اللّٰه إلا إليه) يا علي أمان لأمتي من الحرق إن ولي اللّٰه الذي نزل الكتاب و هو يتولى الصالحين و ما قدروا اللّٰه حق قدره- الآية، يا علي من خاف السباع فليقرأ لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ- إلى آخر السورة يا علي من استعصت عليه دابته فليقرأ في أذنها الأيمن وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.

يا علي و من كان في بطنه ماء أصفر فليكتب على بطنه آية الكرسي و ليشربه فإنه يبرأ بإذن اللّٰه تعالى، يا علي و من

خاف ساحرا أو شيطانا فليقرأ

الوافي، ج 26، ص: 181

إِنَّ رَبَّكُمُ اللّٰهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَى الْعَرْشِ- الآية، يا علي حق الولد على والده أن يحسن اسمه و أدبه و يضعه موضعا صالحا و حق الوالد على ولده أن لا يسميه باسمه، و لا يمشي بين يديه، و لا يجلس أمامه، و لا يدخل معه في الحمام، يا علي ثلاثة من الوسواس: أكل الطين، و تقليم الأظفار بالأسنان، و أكل اللحية، يا علي لعن اللّٰه والدين حملا ولدهما على عقوقهما، يا علي يلزم الوالدين من عقوق ولدهما ما يلزم الولد لهما من عقوقهما، يا علي رحم اللّٰه والدين حملا ولدهما على برهما.

يا علي من أحزن والديه فقد عقهما، يا علي من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره فلم ينصره خذله اللّٰه في الدنيا و الآخرة، يا علي من كفى يتيما في نفقته بماله حتى يستغني وجبت له الجنة البتة، يا علي من مسح يده على رأس يتيم ترحما له أعطاه اللّٰه عز و جل بكل شعرة نورا يوم القيامة، يا علي لا فقر أشد من الجهل، و لا مال أعود من العقل، و لا وحشة أوحش من العجب، و لا عقل كالتدبير، و لا ورع كالكف عن محارم اللّٰه، و لا حسب كحسن الخلق، و لا عبادة مثل التفكر، يا علي آفة الحديث الكذب، و آفة العلم النسيان، و آفة العبادة الفترة، و آفة الجمال الخيلاء، و آفة العالم الحسد، يا علي أربع يذهبن ضياعا: الأكل على الشبع، و السراج في القمر، و الزرع في السبخة، و الصنيعة عند غير أهلها، يا علي من نسي الصلاة علي فقد أخطأ

طريق الجنة، يا علي إياك و نقرة الغراب، و فريسة الأسد.

يا علي لئن أدخل يدي في فم التنين إلى المرفق أحب إلي من أن أسأل من لم يكن ثم كان، يا علي إن أعتى الناس على اللّٰه عز و جل القاتل غير قاتله، و الضارب غير ضاربه، و من تولى غير مواليه فقد كفر بما أنزل اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 182

عز و جل علي، يا علي تختم باليمين فإنها فضيلة من اللّٰه للمقربين، ثم قال:

بم أتختم يا رسول اللّٰه قال: بالعقيق الأحمر فإنه أول جبل أقر لله عز و جل بالوحدانية و لي بالنبوة و لك بالوصية، و لولدك بالإمامة، و لشيعتك بالجنة، و لأعدائك بالنار، يا علي إن اللّٰه عز و جل أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين، ثم أطلع الثانية فاختارك منها على رجال العالمين، ثم أطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين، ثم أطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين، يا علي إني رأيت اسمك مقرونا باسمي في ثلاث مواطن فآنست بالنظر إليه: إني لما بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرته: لا إله إلا اللّٰه، محمد رسول اللّٰه، أيدته بوزيره، و نصرته بوزيره، فقلت لجبرئيل: من وزيري فقال: علي بن أبي طالب، فلما انتهيت إلى سدرة المنتهي وجدت مكتوبا عليها: أني أنا اللّٰه لا إله إلا أنا وحدي، محمد صفوتي من خلقي، أيدته بوزيره، و نصرته بوزيره، فقلت لجبرئيل: من وزيري فقال: علي بن أبي طالب، فلما جاوزت السدرة انتهيت إلى عرش رب العالمين جل جلاله فوجدت مكتوبا على قوائمه: أني أنا اللّٰه لا إله إلا أنا وحدي، محمد حبيبي، أيدته بوزيره، و نصرته

بوزيره.

يا علي إن اللّٰه تعالى أعطاني فيك سبع خصال: أنت أول من ينشق عنه القبر معي، و أنت أول من يقف على الصراط معي، و أنت أول من يكسى إذا كسيت، و يحيى إذا حييت، و أنت أول من يسكن معي في عليين، و أنت أول من يشرب معي من الرحيق المختوم الذي خِتٰامُهُ مِسْكٌ.

ثم قال صلى اللّٰه عليه و آله و سلم لسلمان الفارسي: يا سلمان إن لك في علتك إذا اعتللت ثلاث خصال: أنت من اللّٰه تبارك و تعالى بذكر، و دعاؤك فيها مستجاب، و لا تدع العلة عليك ذنبا إلا حطته، متعك اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 183

بالعافية إلى انقضاء أجلك.

ثم قال لأبي ذر رحمه اللّٰه: يا با ذر إياك و السؤال فإنه ذل حاضر و فقر تتعجله، و فيه حساب طويل يوم القيامة، يا با ذر تعيش وحدك، و تموت وحدك، و تدخل الجنة وحدك، يسعد بك قوم من أهل العراق، يتولون غسلك و تجهيزك و دفنك، يا با ذر لا تسأل بكفك و إن أتاك شي ء فاقبله.

ثم قال عليه السلام لأصحابه: أ لا أخبركم بشراركم قالوا: بلى يا رسول اللّٰه، قال: المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، و الباغون للبرآء العيب".

بيان

لعل المراد بإحسان الوصية أن يعين إنسانا يوصي إليه أن يؤدي عنه الحقوق التي عليه من اللّٰه و من الناس و يذكرها له جميعا و يجعل من ماله لذوي أرحامه المحتاجين ممن لا يرث شيئا إن فضل عن غنى الورثة و أن يشهد طائفة من المؤمنين على إيمانه و يقر عندهم بعقائده كما ورد في حديث آخر و لم يملك الشفاعة أي ليس له أن يشفع لأحد عند اللّٰه و ذلك

لأنه ضيع أمر نفسه فأنى له بإصلاح أمر غيره لا يهم بظلم أحد يدخل فيه الهم بالذنب لأنه ظلم على نفسه من متنصل" المتنصل" بالنون و الصاد المهملة المتعذر يقال تنصل إليه من الجناية خرج و تبرأ صادقا كان أو كاذبا يعني في عذره مات كافرا.

قال في الفقيه: يعني إذا كان مستحلا، و الرواسي الثوابت يعني إذا أراد اللّٰه تعالى بقاء ملك على ملك أياما معلومة مقدرة عنده تعالى امتنع إزالته عن ملكه قبل انقضاء تلك المدة و من لم يوجب لك فلا توجب له تفسير و بيان للكلمة السابقة عليها يعني من لم يلزم و لم يثبت لك منفعة دينية أو دنيوية فلا تلزم على نفسك مراعاته و لا كرامة في ذلك و الهزاهز الفتن و لا يتحامل على الأصدقاء أي

الوافي، ج 26، ص: 184

لا يكلفهم ما لا يطيقون بذي من البذاء و هو الفحش فالمعرفة بما يأكل يعني المعرفة بحله و الشكر باللسان التحميد و بالجنان المعرفة بأنه من اللّٰه سبحانه و بالأركان أن يصرف قوة الجوارح التي حصلت من الغذاء في طاعته تعالى و الشرطي الذي يعاون الظلمة و القتات النمام و المتبع للرجل سرا ليعلم ما يريد و العذار بالعين المهملة و الذال المعجمة و الراء و الوكاز و الركاز كلاهما بالزاي.

قال في الفقيه: سمعت بعض أهل اللغة يقول في معنى الوكاز يقال للطعام الذي يدعى إليه الناس عند بناء الدار أو شرائها الوكيز و الوكاز منه و الطعام الذي يتخذ للقدوم من السفر و يقال له النقيعة و يقال له الركاز أيضا و الركاز الغنيمة كأنه يريد أن في اتخاذ الطعام للقدوم من مكة غنيمة لصاحبه من الثواب الجزيل

و منه قول النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة انتهى كلامه رحمه اللّٰه.

و الزبين بالزاي و الباء الموحدة على وزن سكين و المواساة قد مضى تفسيرها في كتاب الإيمان و الكفر و كذا النصيحة لأهل بيت النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و الأنذال بالنون و الذال المعجمة الأرذال.

و في بعض النسخ الأتراك و يشبه أن يكون تصحيفا و يحتمل الصحة لما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال" اترك الترك ما تركوك فإنهم إن أحبوك أكلوك و إن أبغضوك قتلوك" و السبرات الغدوات الباردة جمع سبرة بالفتح و القوراء الواسعة و الفرس القباء الضامر البطن يقال فرس أقب و قباء لأن الفرس يذكر و يؤنث كذا في الفقيه من أطاع امرأته قد مضى كلام فيه في كتاب النكاح" لو أهدي إلي كراع" أي ذراع و إنما خصت بالذكر لأنها أخس أعضاء الأنعام" و لو دعيت إلى كراع" أي ذراع أو كراع الغميم و هو موضع على أربعة فراسخ من المدينة" الإسلام عريان" شبه الإسلام بالإنسان فوصفه بما يوصف به الإنسان ترشيحا للاستعارة" نجا المخفون" يعني من علائق الدنيا و أوزارها

الوافي، ج 26، ص: 185

" و الحفر" صفرة تعلو الأسنان" لا قطع في ثمر" يعني على سارقه من شجرة" و الكثر" طلع النخل" و العقر" بالضم صداق المرأة و لا حد في التعريض يعني إذا قذف بالكناية من دون تصريح و النفي في المذكورات في معنى النهي" أنا ابن الذبيحين" يعني بهما إسماعيل و عبد اللّٰه و سائر الألفاظ قد مضى تفسيرها في مواضعها و المراد بمن لم يكن ثم كان الذي وقع النهي

عن سؤاله الذي لم يكن له مال ثم أثرى.

<و مما يناسب ذكره في هذا المقام وصايا النبي صلى اللّٰه عليه و آله لأبي ذر و مواعظه لعبد اللّٰه بن مسعود>

و قد أوردهما صاحب كتاب مكارم الأخلاق في أواخر كتابه: أما وصاياه لأبي ذر فقد رواها بإسناده عن أبي الأسود الدؤلي قال: قدمت الربذة فدخلت على أبي ذر جندب بن جنادة فحدثني أبو ذر قال: دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم في مسجده فلم أر في المسجد أحدا من الناس إلا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و علي عليه السلام على جانبه جالس فاغتنمت خلوة المسجد، فقلت: يا رسول اللّٰه بأبي أنت و أمي أوصني بوصية ينفعني اللّٰه بها، فقال: نعم و أكرم بك يا أبا ذر إنك منا أهل البيت و إني موصيك بوصية فاحفظها فإنها جامعة لطرق الخير و سبله فإنك إن حفظتها كان لك بها كفيلا.

يا أبا ذر أعبد اللّٰه كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك و اعلم أن أول عبادة اللّٰه المعرفة به أنه اللّٰه الأول قبل كل شي ء فلا شي ء قبله و الفرد فلا ثاني له و الباقي لا إلى غاية فاطر السماوات و الأرض و ما فيهما و ما بينهما من شي ء و هو اللطيف الخبير و هو على كل شي ء قدير ثم الإيمان بي و الإقرار بأن اللّٰه تعالى أرسلني إلى

الوافي، ج 26، ص: 186

كافة الناس بشيرا و نذيرا وَ دٰاعِياً إِلَى اللّٰهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرٰاجاً مُنِيراً ثم حب أهل بيتي الذين أذهب اللّٰه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

و اعلم يا أبا ذر

أن اللّٰه عز و جل جعل أهل بيتي في أمتي كسفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق، و مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخلها كان آمنا، يا أبا ذر احفظ ما أوصيك به تكن سعيدا في الدنيا و الآخرة، يا أبا ذر نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة و الفراغ، يا أبا ذر اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، و صحتك قبل سقمك، و غناك قبل فقرك، و فراغك قبل شغلك، و حياتك قبل موتك، يا أبا ذر إياك و التسويف بأملك فإنك بيومك و لست بما بعده، فإن يكن غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم، و إن لم تكن غدا لم تندم على ما فرطت في اليوم.

يا أبا ذر كم من مستقبل يوما لا يستكمله و منتظر غدا لا يبلغه، يا أبا ذر لو نظرت إلى الأجل و مسيره لأبغضت الأمل و غروره، يا أبا ذر كن كأنك في الدنيا غريب أو كعابر سبيل، و عد نفسك من أصحاب القبور، يا أبا ذر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، و إذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، و خذ من صحتك قبل سقمك، و من حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري ما اسمك غدا، يا أبا ذر إن تدركك الصرعة قبل العثرة، فلا تقال العثرة، و لا تمكن من الرجعة، و لا يحمدك من خلفت بما تركت، و لا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به.

يا أبا ذر كن على عمرك أشح منك على درهمك و دينارك، يا أبا ذر هل ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا أو فقرا منسيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا

أو موتا مجهزا، أو الدجال فإنه شر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى و أمر، إن شر الناس منزلة عند اللّٰه يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه، و من طلب علما ليضرب به

الوافي، ج 26، ص: 187

وجوه الناس إليه يوم لم يجد ريح الجنة، يا أبا ذر من ابتغى العلم ليخدع به الناس لم يجد ريح الجنة، يا أبا ذر إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل: لا أعلمه تنج من تبعته، و لا تفت بما لا علم لك به، تنج من عذاب اللّٰه يوم القيامة، يا أبا ذر يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون: ما أدخلكم النار و قد دخلنا الجنة لفضل تأديبكم و تعليمكم، فيقولون: إنا كنا نأمر بالخير و لا نفعله.

يا أبا ذر إن حقوق اللّٰه جل ثناؤه أعظم من أن يقوم بها العباد و إن نعم اللّٰه أكثر من أن يحصيها العباد، و لكن أمسوا و أصبحوا تائبين، يا أبا ذر أنك في ممر الليل و النهار في آجال منقوصة و أعمال محفوظة و الموت يأتي بغتة، و من يزرع خيرا يوشك أن يحصد خيرا، و من يزرع شرا يوشك أن يحصد ندامة، و لكل زارع مثل ما زرع، لا يسبق بطي ء لحظة و لا يدرك حريص ما لم يقدر له و من أعطي خيرا فالله أعطاه و من وقي شرا و اللّٰه وقاه، يا أبا ذر المتقون سادة، و الفقهاء قادة، و مجالستهم الزيادة، إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، و إن الكافر ليرى ذنبه كأنه ذباب مر على أنفه، يا أبا ذر إن اللّٰه تبارك و تعالى إذا أراد

بعبد خيرا جعل الذنوب بين عينيه ممثلة، الإثم عليه ثقيلا وبيلا، و إذا أراد اللّٰه بعبد شرا أنساه ذنوبه، يا أبا ذر لا تنظر إلى صغر الخطيئة و لكن انظر إلى من عصيت أمره، يا أبا ذر إن نفس المؤمن أشد ارتكاضا من الخطيئة من العصفور حين يقذف به في شركة.

يا أبا ذر من وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه، و من خالف قوله فعله فإنما يوبخ نفسه، يا أبا ذر إن الرجل ليحرم رزقه بالذنب يصيبه، يا أبا ذر دع ما لست منه في شي ء و لا تنطق فيما لا يعنيك و احرس لسانك كما تحرس رزقك، يا أبا ذر إن اللّٰه جل ثناؤه ليدخل قوما الجنة فيعطيهم حتى يملئوا

الوافي، ج 26، ص: 188

و فوقهم قوم في الدرجات العلى، فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون: ربنا إخواننا كنا معهم في الدنيا فبم فضلتهم علينا فيقال: هيهات هيهات إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون و يظمئون حين تروون و يقومون حين تنامون و يشخصون حين تخفضون، يا أبا ذر جعل اللّٰه جل ثناؤه قرة عيني في الصلاة، و حبب إلي الصلاة كما حبب إلى الجائع الطعام، و إلى الظمآن الماء، و إن الجائع إذا أكل شبع، و إن الظمآن إذا شرب روى، و أنا لا أشبع من الصلاة.

يا أبا ذر أيما رجل تطوع في يوم و ليلة اثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة كان له حقا واجبا بيت في الجنة، يا أبا ذر إنك ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الملك الجبار، و من يكثر قرع باب الملك يفتح له، يا أبا ذر ما من مؤمن يقوم مصليا إلا تناثر عليه البر ما بينه و بين

العرش و وكل به ملك ينادي: يا ابن آدم لو تعلم ما لك في الصلاة و من تناجي ما انفتلت، يا أبا ذر طوبى لأصحاب الألوية يوم القيامة يحملونها فيسبقون الناس إلى الجنة، ألا هم السابقون إلى المساجد بالأسحار و غير الأسحار، يا أبا ذر الصلاة عمود الدين و اللسان أكبر، و الصدقة تمحو الخطيئة، و اللسان أكبر، و الصوم جنة من النار، و اللسان أكبر، و الجهاد نباهة، و اللسان أكبر، يا أبا ذر الدرجة في الجنة فوق الدرجة كما بين السماء و الأرض، و إن العبد ليرفع بصره فيلمع له نور يكاد يخطف بصره فيفزع لذلك فيقول: ما هذا فيقول: هذا نور أخيك، فيقول: أخي فلان كنا نعمل جميعا في الدنيا و قد فضل علي هكذا، فيقال له: إنه كان أفضل منك عملا، ثم يجعل في قلبه الرضا حتى يرضى، يا أبا ذر الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر، و ما أصبح فيها مؤمن إلا حزينا، فكيف لا يحزن المؤمن و قد أوعده اللّٰه تعالى أنه وارد جهنم و لم يعده أنه صادر عنها و ليلقين أمراضا و مصيبات و أمورا تغيظه و ليظلمن فلا ينتصر، يبتغي ثوابا من اللّٰه عز و جل فما يزال فيها حزينا حتى

الوافي، ج 26، ص: 189

يفارقها، فإذا فارقها أفضى إلى الراحة و الكرامة، يا أبا ذر ما عبد اللّٰه عز و جل على مثل طول الحزن.

يا أبا ذر من أوتي من العلم ما لم يبكه لحقيق أن يكون قد أوتي علم ما لا يعنيه، إن اللّٰه نعت العلماء فقال عز و جل إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذٰا يُتْلىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقٰانِ سُجَّداً. وَ يَقُولُونَ سُبْحٰانَ

رَبِّنٰا إِنْ كٰانَ وَعْدُ رَبِّنٰا لَمَفْعُولًا. وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقٰانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً، يا أبا ذر من استطاع أن يبكي فليبك، و من لم يستطع فليشعر قلبه الحزن و ليتباك، إن القلب القاسي بعيد من اللّٰه تعالى و لكن لا يشعرون، يا أبا ذر يقول اللّٰه تبارك و تعالى: لا أجمع على عبد خوفين و لا أجمع له أمنين، فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، و إذا خافني في الدنيا آمنته يوم القيامة، يا أبا ذر لو أن رجلا كان له كعمل سبعين نبيا لاحتقره و خشي أن لا ينجو من شر يوم القيامة، يا أبا ذر إن العبد ليعرض عليه ذنوبه يوم القيامة فيمن يرهب من ذنوبه فيقول: أما إني كنت مشفقا فيغفر له، يا أبا ذر إن الرجل ليعمل الحسنة فيتكل عليها و يعمل المحقرات حتى يأتي اللّٰه و هو عليه غضبان [و إن الرجل ليعمل السيئة فيفرق منها يأتي آمنا يوم القيامة]، يا أبا ذر إن العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنة، فقلت: فكيف ذلك بأبي أنت و أمي يا رسول اللّٰه قال: يكون ذلك الذنب نصب عينيه تائبا منه فارا إلى اللّٰه تعالى حتى يدخله الجنة، يا أبا ذر الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت، و العاجز من اتبع نفسه و هواها و تمنى على اللّٰه الأماني.

يا أبا ذر إن أول شي ء يرفع من هذه الأمة الأمانة و الخشوع حتى لا تكاد

الوافي، ج 26، ص: 190

ترى خاشعا، يا أبا ذر و الذي نفس محمد بيده لو أن الدنيا كانت تعدل عند اللّٰه جناح بعوضة أو ذباب ما سقى الكافر منها شربة من ماء، يا أبا ذر إن

الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا من ابتغى به وجه اللّٰه، و ما من شي ء أبغض إلى اللّٰه تعالى من الدنيا خلقها ثم عرضها فلم ينظر إليها و لا ينظر إليها حتى تقوم الساعة، و ما من شي ء أحب إلى اللّٰه تعالى من الإيمان به و ترك ما أمر بتركه، يا أبا ذر إن اللّٰه تبارك و تعالى أوحى إلى أخي عيسى عليه السلام: يا عيسى لا تحب الدنيا فإني لست أحبها و أحب الآخرة، فإنما هي دار المعاد، يا أبا ذر إن جبرئيل عليه السلام أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شهباء، فقال لي: يا محمد هذه خزائن الدنيا و لا تنقصك من حظك عند ربك، فقلت: حبيبي جبرئيل لا حاجة لي فيها، إذا شبعت شكرت ربي و إذا جعت سألته، يا أبا ذر إذا أراد اللّٰه عز و جل بعبد خيرا فقهه في الدين، و زهده في الدنيا، و بصره بعيوب نفسه.

يا أبا ذر ما زهد عبد في الدنيا إلا أنبت اللّٰه الحكمة في قلبه و أنطق بها لسانه، و بصره عيوب الدنيا داءها و دواءها و أخرجه منها سالما إلى دار السلام، يا أبا ذر إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا فاستمع منه فإنه يلقى الحكمة، فقلت:

يا رسول اللّٰه من أزهد الناس فقال: من لم ينس المقابر و البلى و ترك فضل زينة الدنيا و آثر ما يبقى على ما يفنى و لم يعد غدا من أيامه و عد نفسه في الموتى، يا أبا ذر إن اللّٰه تبارك و تعالى لم يوح إلي أن اجمع المال إلى المال و لكن أوحى إلي أن سبح بحمد ربك و كن من الساجدين و أعبد

ربك حتى يأتيك اليقين، يا أبا ذر إني ألبس الغليظ و أجلس على الأرض و ألعق أصابعي و أركب الحمار بغير سرج و أردف خلفي، فمن رغب عن سنتي فليس مني.

يا أبا ذر حب المال و الشرف أذهب لدين الرجل من ذئبين ضاريين في زرب

الوافي، ج 26، ص: 191

الغنم فأغارا فيها حتى أصبحا فما ذا أبقيا منها قال: قلت: يا رسول اللّٰه الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاكرون اللّٰه كثيرا، هم يسبقون الناس إلى الجنة فقال: لا، و لكن فقراء المسلمين، فإنهم يتخطون رقاب الناس، فيقول له خزنة الجنة كما أنتم حتى تحاسبون فيقولون: بم نحاسب فو الله ما ملكنا فنجور و نعدل و لا أفيض علينا فنقبض و نبسط و لكنا عبدنا ربنا حتى دعانا فأجبنا، يا أبا ذر إن الدنيا مشغلة للقلوب و الأبدان، و إن اللّٰه تبارك و تعالى ساءلنا عما نعمنا في حلاله فكيف بما نعمنا في حرامه، يا أبا ذر إني قد دعوت اللّٰه جل ثناؤه أن يجعل رزق من يحبني الكفاف و أن يعطي من يبغضني كثرة المال و الولد.

يا أبا ذر طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة الذين اتخذوا أرض اللّٰه بساطا و ترابها فراشا و ماءها طيبا و اتخذوا كتاب اللّٰه شعارا و دعاءه دثارا، يقرضون الدنيا قرضا، يا أبا ذر حرث الآخرة العمل الصالح، و حرث الدنيا المال و البنون، يا أبا ذر إن ربي أخبرني فقال: و عزتي و جلالي ما أدرك العابدون درك البكاء و إني لأبني لهم في الرفيق الأعلى قصرا لا يشركهم فيه أحد، قال: قلت:

يا رسول اللّٰه أي المؤمنين أكيس قال: أكثرهم للموت ذكرا و أحسنهم له استعدادا، يا أبا ذر إذا

دخل النور القلب انفسح القلب و استوسع، قلت: فما علامة ذلك بأبي أنت و أمي يا رسول اللّٰه قال: الإنابة إلى دار الخلود و التجافي عن دار الغرور و الاستعداد للموت قبل نزوله، يا أبا ذر اتق اللّٰه و لا ترى الناس أنك تخشى اللّٰه فيكرموك و قلبك فاجر، يا أبا ذر لتكن لك في كل شي ء نية صالحة حتى في النوم و الأكل.

يا أبا ذر ليعظم جلال اللّٰه في صدرك، فلا تذكره كما يذكره الجاهل عند الكلب: اللهم اخزه و عند الخنزير: اللهم اخزه، يا أبا ذر إن لله ملائكة قياما من

الوافي، ج 26، ص: 192

خيفته ما رفعوا رءوسهم حتى ينفخ في الصور النفخة الآخرة، فيقولون جميعا:

سبحانك و بحمدك ما عبدناك كما ينبغي لك أن تعبد، و لو كان لرجل عمل سبعين نبيا لاستقل عمله من شدة ما يرى يومئذ، و لو أن دلوا صب من غسلين في مطلع الشمس لغلت منه جماجم [من] في مغربها، و لو زفرت جهنم زفرة لم يبق ملك مقرب و لا نبي مرسل إلا خر جاثيا لركبته يقول: رب نفسي حتى ينسى إبراهيم إسحاق عليهما السلام و يقول: يا رب أنا خليلك إبراهيم فلا تنسني، يا أبا ذر لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت من السماء الدنيا في ليلة ظلماء لأضاءت لها الأرض أفضل مما يضي ء القمر ليلة البدر، و لوجد ريح نشرها جميع أهل الأرض، و لو أن ثوبا من ثياب أهل الجنة نشر اليوم في الدنيا لصعق من ينظر إليه و ما حملته أبصارهم، يا أبا ذر اخفض صوتك عند الجنائز و عند القتال و عند القرآن.

يا أبا ذر إذا تبعت جنازة فليكن عقلك

فيها التفكر و الخشوع و اعلم أنك لاحق به، يا أبا ذر اعلم أن كل شي ء إذا فسد فالملح دواؤه فإذا فسد الملح فليس له دواء، و اعلم أن فيكم خلقين: الضحك من غير عجب، و الكسل من غير سهر، يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة و القلب ساه، يا أبا ذر الحق ثقيل مري ء و الباطل خفيف وبي ء و رب شهوة ساعة تورث حزنا طويلا، يا أبا ذر لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس في جنب اللّٰه أمثال الأباعر ثم يرجع إلى نفسه فيكون هو أحقر حافر لها، يا أبا ذر لا تصيب حقيقة الإيمان حتى ترى الناس كلهم حمقى في دينهم و عقلاء في دنياهم، يا أبا ذر

الوافي، ج 26، ص: 193

حاسب نفسك قبل أن تحاسب فهو أهون لحسابك غدا، و زن نفسك قبل أن توزن، و تجهز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى [منك] على اللّٰه خافية.

يا أبا ذر استح من اللّٰه فإني و الذي نفسي بيده لأظل حين أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي أستحي من الملكين الذين معي، يا أبا ذر: أ تحب أن تدخل الجنة قلت: نعم، فداك أبي، قال: فأقصر من الأمل، و اجعل الموت نصب عينيك، و استح من اللّٰه حق الحياء، قال: قلت: يا رسول اللّٰه، كلنا نستحي من اللّٰه، قال:

ليس كذلك الحياء و لكن الحياء من اللّٰه أن لا تنسى المقابر و البلى، و الجوف و ما وعى، و الرأس و ما حوى، و من أراد كرامة الآخرة فليدع زينة الدنيا، فإذا كنت كذلك أصبت ولاية اللّٰه، يا أبا ذر يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من

الملح، يا أبا ذر مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر.

يا أبا ذر إن اللّٰه يصلح بصلاح العبد ولده و ولد ولده و يحفظه في دويرته و الدور حوله ما دام فيهم، يا أبا ذر إن ربك عز و جل يباهي الملائكة بثلاث نفر:

رجل في الأرض القفر فيؤذن ثم يقيم ثم يصلي، فيقول: ربك للملائكة انظروا إلى عبدي يصلي و لا يراه أحد غيري، فينزل سبعون ألف ملك يصلون وراءه و يستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم، و رجل قام من الليل فصلى وحده فسجد و نام و هو ساجد، فيقول تعالى: انظروا إلى عبدي روحه عندي و جسده ساجد، و رجل في زحف يفر أصحابه و ثبت هو يقاتل حتى يقتل، يا أبا ذر ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها يوم القيامة و ما من منزل ينزله قوم إلا و أصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم، يا أبا ذر ما من صباح و لا رواح إلا و بقاع الأرض ينادي بعضها بعضا يا جارة هل مر بك ذاكر لله تعالى أو عبد وضع جبهته عليك ساجدا لله فمن قائلة: لا، و من قائلة: نعم،

الوافي، ج 26، ص: 194

فإذا قالت: نعم اهتزت و انشرحت و ترى أن لها الفضل على جارتها.

يا أبا ذر إن اللّٰه عز و جل ثناؤه لما خلق الأرض و خلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة فلم تزل الأرض و الشجر كذلك حتى تكلم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة، قولهم اتخذ اللّٰه ولدا فلما قالوها اقشعرت الأرض و

ذهبت منفعة الأشجار، يا أبا ذر إن الأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا، يا أبا ذر إذا كان العبد في أرض قي- يعني قفر- فتوضأ أو تيمم ثم أذن و أقام و صلى، أمر اللّٰه عز و جل الملائكة فصفوا خلفه صفا لا يرى طرفاه، يركعون بركوعه، و يسجدون بسجوده، و يؤمنون على دعائه، يا أبا ذر من أقام و لم يؤذن لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه، يا أبا ذر ما من شاب يدع لله الدنيا و لهوها و أهرم شبابه في طاعة اللّٰه إلا أعطاه اللّٰه أجر اثنين و سبعين صديقا.

يا أبا ذر الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين، يا أبا ذر الجليس الصالح خير من الوحدة، و الوحدة خير من جليس السوء و إملاء الخير خير من السكوت، و السكوت خير من إملاء الشر، يا أبا ذر لا تصاحب إلا مؤمنا و لا يأكل طعامك إلا تقي، و لا تأكل طعام الفاسقين، يا أبا ذر أطعم طعامك من تحبه في اللّٰه و كل طعام من يحبك في اللّٰه عز و جل، يا أبا ذر إن اللّٰه عز و جل عند لسان كل قائل، فليتق اللّٰه امرؤ و ليعلم ما يقول، يا أبا ذر اترك فضول الكلام و حسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك، يا أبا ذر كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع، يا أبا ذر ما من شي ء أحق بطول السجن من اللسان.

الوافي، ج 26، ص: 195

يا أبا ذر إن من إجلال اللّٰه إكرام ذي الشيبة المسلم، و إكرام حملة القرآن العاملين به و إكرام السلطان المقسط، يا أبا ذر ما عمل من لم يحفظ لسانه،

يا أبا ذر و لا تكن عيابا و لا مداحا و لا طعانا و لا مماريا، يا أبا ذر لا يزال العبد يزداد من اللّٰه تعالى بعدا ما مشى خلفه، يا أبا ذر الكلمة الطيبة صدقة، و كل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، يا أبا ذر من أجاب داعي اللّٰه و أحسن عمارة مساجد اللّٰه كان ثوابه من اللّٰه الجنة، فقلت: بأبي أنت و أمي يا رسول اللّٰه كيف يعمر مساجد اللّٰه قال: لا يرفع فيها الأصوات و لا يخاض فيها بالباطل و لا يشتري فيها و لا يباع، و اترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك، يا أبا ذر إن الهّٰ تعالى يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تتنفس فيه درجة في الجنة، و تصلي عليك الملائكة، و يكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات و يمحى عنك عشر سيئات.

يا أبا ذر أ تعلم في أي شي ء أنزلت هذه الآية اصْبِرُوا وَ صٰابِرُوا وَ رٰابِطُوا وَ اتَّقُوا اللّٰهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قلت: لا أدري فداك أبي و أمي، قال: في انتظار الصلاة خلف الصلاة، يا أبا ذر إسباغ الوضوء في المكاره من الكفارات، و كثرة الاختلاف إلى المساجد فذلكم الرباط، يا أبا ذر يقول اللّٰه تعالى: إن أحب العباد إلي المتحابون بجلالي المتعلقة قلوبهم بالمساجد و المستغفرون بالأسحار، أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم، يا أبا ذر كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مصل، أو ذكر اللّٰه، أو سائل عن علم.

يا أبا ذر كن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل، فإنه لا يقل عمل بالتقوى و كيف يقل عمل

يتقبل، يقول اللّٰه إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.

يا أبا ذر

الوافي، ج 26، ص: 196

لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه و من أين مشربه و من أين ملبسه، أ من حل ذلك أم من حرام، يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال اللّٰه عز و جل من أين أدخله النار، يا أبا ذر من سره أن يكون أكرم الناس فليتق اللّٰه عز و جل، يا أبا ذر إن أحبكم إلى اللّٰه عز و جل ثناؤه أكثركم ذكرا له، و أكرمكم عند اللّٰه عز و جل أتقاكم له، و أنجاكم من عذاب اللّٰه أشدكم له خوفا.

يا أبا ذر إن المتقين الذين يتقون اللّٰه عز و جل من الشي ء الذي لا يتقى منه، خوفا من الدخول في الشبهة، يا أبا ذر من أطاع اللّٰه عز و جل فقد ذكر اللّٰه عز و جل و إن قلت صلاته و صيامه و تلاوته للقرآن، يا أبا ذر أصل الدين الورع و رأسه الطاعة، يا أبا ذر كن ورعا تكن أعبد الناس، و خير دينكم الورع، يا أبا ذر فضل العلم خير من فضل العبادة، و اعلم أنكم لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا و صمتم حتى تكونوا كالأوتار ما ينفعكم ذلك إلا بورع، يا أبا ذر إن أهل الورع و الزهد في الدنيا هم أولياء اللّٰه تعالى حقا، يا أبا ذر من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر، قلت: و ما الثلاث، فداك أبي و أمي قال: ورع يحجزه عما حرم اللّٰه عز و جل عليه، و حلم يرد به جهل السفيه، و خلق

يداري به الناس، يا أبا ذر إن سرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على اللّٰه و إن سرك أن تكون أكرم الناس فاتق اللّٰه، و إن سرك أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد اللّٰه عز و جل أوثق منك بما في يدك، يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لٰا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّٰهَ بٰالِغُ أَمْرِهِ.

يا أبا ذر يقول اللّٰه جل ثناؤه و عزتي و جلالي لا يؤثر عبدي هواي على هواه

الوافي، ج 26، ص: 197

إلا جعلت غناه في نفسه و همومه في آخرته و ضمنت السماوات و الأرض رزقه و كففت عليه ضيقه و كنت له من وراء تجارة كل تاجر، يا أبا ذر لو أن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت، يا أبا ذر أ لا أعلمك كلمات ينفعك اللّٰه عز و جل بهن قلت: بلى يا رسول اللّٰه، قال: احفظ اللّٰه يحفظك، احفظ اللّٰه تجده أمامك، تعرف إلى اللّٰه في الرخاء يعرفك في الشدة، و إذا سألت فاسأل اللّٰه، و إذا استعنت فاستعن بالله، فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فلو أن الخلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشي ء لم يكتب لك ما قدروا عليه، و لو جهدوا أن يضروك بشي ء لم يكتبه اللّٰه عليك ما قدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل لله عز و جل بالرضا في اليقين فافعل، و إن لم تستطع فإن في الصبر على ما يكره خيرا كثيرا و إن النصر مع الصبر، و الفرج

مع الكرب، و إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً.

يا أبا ذر استغن بغنى اللّٰه يغنيك اللّٰه، فقلت: و ما هو يا رسول اللّٰه قال: غذاء يوم و عشاء ليلة، فمن قنع بما رزقه اللّٰه فهو أغنى الناس، يا أبا ذر إن اللّٰه عز و جل يقول: إني لست كلام الحكيم أتقبل و لكن همه و هواه، فإن كان همه و هواه فيما أحب و أرضى جعلت صمته حمدا لي [و ذكرا] و وقارا و إن لم يتكلم، يا أبا ذر إن اللّٰه تبارك و تعالى لا ينظر إلى صوركم و لا إلى أموالكم [و أقوالكم] و لكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم، يا أبا ذر التقوى هاهنا- و أشار إلى صدره-، يا أبا ذر أربع لا يصيبهن إلا مؤمن: الصمت و هو أول العبادة، و التواضع لله سبحانه، و ذكر اللّٰه تعالى على كل حال و قلة الشي ء يعني قلة المال، يا أبا ذر هم بالحسنة و إن لم تعملها لكيلا تكتب من الغافلين، يا أبا ذر من ملك ما بين فخذيه و ما بين لحييه دخل الجنة، قلت: يا رسول اللّٰه و إنا لنؤاخذ بما تنطق به ألسنتنا قال: يا أبا ذر و هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم، إنك لا تزال سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب اللّٰه لك أو

الوافي، ج 26، ص: 198

عليك، يا أبا ذر و إن الرجل يتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوى في جهنم ما بين السماء و الأرض.

يا أبا ذر ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له ويل له، يا أبا ذر من صمت نجا فعليك بالصدق و لا تخرجن من

فيك كذبة أبدا، قلت:

يا رسول اللّٰه فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدا قال: الاستغفار و صلاة الخمس تغسل ذلك، يا أبا ذر إياك و الغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا، قلت:

يا رسول اللّٰه و لم ذاك بأبي أنت و أمي قال: لأن الرجل يزني فيتوب إلى اللّٰه فيتوب اللّٰه عليه و الغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها، يا أبا ذر سباب المسلم فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه من معاصي اللّٰه و حرمة ماله كحرمة دمه، قلت:

يا رسول اللّٰه و ما الغيبة قال: ذكرك أخاك بما يكره، قلت: يا رسول اللّٰه فإن كان فيه ذاك الذي يذكر به قال: اعلم أنك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته و إذا ذكرته بما ليس هو فيه بهته.

يا أبا ذر من ذب عن أخيه المسلم الغيبة كان حقا على اللّٰه أن يعتقه من النار، يا أبا ذر من اغتيب عنده أخوه المسلم و هو يستطيع نصره فنصره نصره اللّٰه عز و جل في الدنيا و الآخرة، فإن خذله و هو يستطيع نصره خذله اللّٰه في الدنيا و الآخرة، يا أبا ذر لا يدخل الجنة قتات، قلت: و ما القتات قال: النمام، يا أبا ذر صاحب النميمة لا يستريح من عذاب اللّٰه عز و جل في الآخرة، يا أبا ذر من كان ذا وجهين و لسانين في الدنيا فهو ذو لسانين في النار، يا أبا ذر المجالس بالأمانة و إفشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك و اجتنب مجلس العشرة، يا أبا ذر تعرض أعمال أهل الدنيا على اللّٰه من الجمعة إلى الجمعة في يومين الإثنين

الوافي، ج 26، ص: 199

و الخميس فيغفر كل عبد مؤمن إلا عبدا كانت

بينه و بين أخيه شحناء، فيقال:

اتركوا عمل هذين حتى يصطلحا، يا أبا ذر إياك و هجران أخيك، فإن العمل لا يتقبل مع الهجران، يا أبا ذر أنهاك عن الهجران، و إن كنت لا بد فاعلا فلا تهجره [فوق] ثلاثة أيام كملا، فمن مات فيها مهاجرا لأخيه كانت النار أولى به.

يا أبا ذر من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار، يا أبا ذر من مات و في قلبه مثقال ذرة من كبر لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذلك، فقال رجل: يا رسول اللّٰه إني ليعجبني الجمال حتى وددت أن علاقة سوطي و قبال نعلي حسن فهل يرهب على ذلك قال: كيف تجد قلبك قال: أجده عارفا للحق مطمئنا إليه، قال: ليس ذلك بالكبر و لكن الكبر أن تترك الحق و تتجاوزه إلى غيره، و تنظر إلى الناس فلا ترى إن أحدا عرضه كعرضك و لا دمه كدمك، يا أبا ذر أكثر من يدخل النار المستكبرون، فقال رجل: فهل ينجو من الكبر أحد يا رسول اللّٰه قال: نعم، من لبس الصوف و ركب الحمار و حلب العنز و جالس المساكين.

يا أبا ذر من حمل بضاعته فقد بري ء من الكبر يعني ما يشتري من السوق، يا أبا ذر من جر ثوبه خيلاء لا ينظر اللّٰه عز و جل إليه يوم القيامة.

يا أبا ذر أزره المؤمن إلى أنصاف ساقيه و لا جناح عليه فيما بينه و بين كعبيه، يا أبا ذر من رفع ذيله و خصف نعله و عفر وجهه فقد بري ء من الكبر، يا أبا ذر من كان له قميصان فليلبس أحدهما و ليكس في الآخر أخاه، يا أبا ذر سيكون

ناس من أمتي يولدون في النعيم و يغذون به، همتهم ألوان الطعام و الشراب و يمدحون بالقول أولئك شرار أمتي، يا أبا ذر من ترك لبس الجمال و هو يقدر

الوافي، ج 26، ص: 200

عليه تواضعا لله عز و جل في غير منقصة و أذل نفسه في غير مسكنة و أنفق مالا جمعه في غير معصية، و رحم أهل الذل و المسكنة و خالط أهل الفقه و الحكمة، فأولئك خيار أمتي، طوبى لمن صلحت سريرته و حسنت علانيته و عزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل بعلمه و أنفق الفضل من ماله و أمسك الفضل من قوله.

يا أبا ذر البس الخشن من اللباس و الصفيق من الثياب لئلا يجد الفخر فيك مسلكا، يا أبا ذر يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم و شتائهم، يرون أن لهم الفضل بذلك على غيرهم أولئك تلعنهم ملائكة السماوات و الأرض، يا أبا ذر أ لا أخبرك بأهل الجنة قلت: بلى يا رسول اللّٰه، قال: كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو أقسم على اللّٰه لأبره.

قال أبو ذر رحمه اللّٰه: و دخلت يوما على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و هو في المسجد جالس وحده فاغتنمت خلوته، فقال: يا أبا ذر إن للمسجد تحية، قلت: و ما تحيته يا رسول اللّٰه قال: ركعتان تركعهما، ثم التفت إليه فقلت:

يا رسول اللّٰه أمرتني بالصلاة، فما الصلاة قال: خير موضوع فمن شاء أقل و من شاء أكثر، قلت: يا رسول اللّٰه أي الأعمال أحب إلى اللّٰه تعالى قال: الإيمان بالله، ثم الجهاد في سبيله، قلت: يا رسول اللّٰه أي المؤمنين أكمل إيمانا قال: أحسنهم خلقا،

قلت: و أي المؤمنين أفضل قال: من سلم المسلمون من لسانه و يده، قلت: و أي الهجرة أفضل قال: من هجر السوء، قلت: و أي الليل أفضل قال: جوف الليل الغابر، قلت: و أي الصلاة أفضل قال: طول القنوت.

قلت: فأي الصدقة أفضل قال: جهد [من] مقل إلى فقر في سر، قلت: فما الصوم قال: فرض مجزي و عند اللّٰه أضعاف ذلك، قلت: و أي الزكاة أفضل

الوافي، ج 26، ص: 201

قال: أغلاها ثمنا و أنفسها عند أهلها، قلت: و أي الجهاد أفضل قال: من عقر جواده و أهريق دمه، قلت: أي آية أنزلها اللّٰه عليك أعظم قال: آية الكرسي، قال: قلت: يا رسول اللّٰه فما كانت صحف إبراهيم عليه السلام قال: كانت أمثالا، كلها: أيها الملك المسلط المبتلي إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض و لكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها و إن كانت من كافر أو فاجر فجوره على نفسه، و كان فيها أمثال: و على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، و ساعة يفكر فيها في صنع اللّٰه، و ساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم و أخر، و ساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال من المطعم و المشرب، و على العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا في ثلاث:

تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم، و على العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه، و من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.

قلت: يا رسول اللّٰه فما كانت صحف موسى عليه السلام قال: كانت عبرا كلها: عجب لمن أيقن بالنار ثم ضحك،

عجب لمن أيقن بالموت ثم يفرح، عجب لمن أبصر الدنيا و تقلبها بأهلها حالا بعد حال ثم هو يطمئن إليها، عجب لمن أيقن بالحساب غدا ثم لم يعمل، قلت: يا رسول اللّٰه فهل في الدنيا شي ء مما كان في صحف إبراهيم و موسى مما أنزل اللّٰه عليك، قال: اقرأ يا أبا ذر قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى. وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى. بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا. وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ. إِنَّ هٰذٰا- يعني ذكر هذه الآيات الأربع- لَفِي الصُّحُفِ الْأُولىٰ.

صُحُفِ إِبْرٰاهِيمَ وَ مُوسىٰ، قلت: يا رسول اللّٰه أوصني، قال: أوصيك بتقوى اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 202

فإنه رأس أمرك كله، فقلت: يا رسول اللّٰه زدني، قال: عليك بتلاوة القرآن و ذكر اللّٰه عز و جل، فإنه ذكر لك في السماء و نور لك في الأرض، قلت: يا رسول اللّٰه زدني، قال: عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي، قلت: يا رسول اللّٰه زدني، قال:

عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك و عون لك على أمور دينك.

قلت: يا رسول اللّٰه زدني، قال: إياك و كثرة الضحك، فإنه يميت القلب و يذهب بنور الوجه، قلت: يا رسول اللّٰه زدني، قال: انظر إلى من هو تحتك و لا تنظر إلى من هو فوقك، فإنه أجدر أ لا تزدري نعمة اللّٰه عليك، قلت: يا رسول اللّٰه زدني، قال: صل قرابتك و إن قطعوك، و أحب المساكين و أكثر مجالستهم، قلت: يا رسول اللّٰه زدني، قال: قل الحق و إن كان مرا، قلت: يا رسول اللّٰه زدني، قال: لا تخف في اللّٰه لومة لائم، قلت: يا رسول اللّٰه زدني، قال: يا أبا ذر ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك و

لا تجد عليهم فيما تأتي، فكفى بالرجل عيبا أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه و يجد عليهم فيما يأتي، قال: ثم ضرب على صدري و قال: يا أبا ذر لا عقل كالتدبير، و لا ورع كالكف عن المحارم، و لا حسب كحسن الخلق".

<و أما مواعظه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم لعبد اللّٰه بن مسعود>

فقد رواها عن عبد اللّٰه بن مسعود قال: دخلت أنا و خمسة رهط من أصحابنا يوما على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و قد أصابتنا مجاعة شديدة و لم يكن ذقنا منذ أربعة أشهر إلا الماء و اللبن و ورق الشجر، قلنا: يا رسول اللّٰه إلى متى نحن على هذه المجاعة الشديدة فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم

الوافي، ج 26، ص: 203

لا تزالون فيها ما عشتم فأحدثوا لله شكرا، فإني قرأت كتاب اللّٰه الذي أنزل علي و على من كان قبلي فما وجدت من يدخلون الجنة إلا الصابرون.

يا ابن مسعود قول اللّٰه تعالى إِنَّمٰا يُوَفَّى الصّٰابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ- أُوْلٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمٰا صَبَرُوا و إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمٰا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفٰائِزُونَ، يا ابن مسعود قول اللّٰه تعالى وَ جَزٰاهُمْ بِمٰا صَبَرُوا جَنَّةً و جزاء أُولٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمٰا صَبَرُوا، يقول اللّٰه تعالى أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّٰا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسٰاءُ وَ الضَّرّٰاءُ- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوٰالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَرٰاتِ وَ بَشِّرِ الصّٰابِرِينَ قلنا: يا رسول اللّٰه فمن الصابرون قال: الذين يصبرون على طاعة اللّٰه و عن معصيته الذين كسبوا طيبا و أنفقوا

قصدا و قدموا فضلا فأفلحوا و أنجحوا.

يا ابن مسعود عليهم الخشوع و الوقار و السكينة و التفكر و اللين و العدل و التعليم و الاعتبار و التدبير و التقوى و الإحسان و التحرج و الحب في اللّٰه و البغض في اللّٰه و أداء الأمانة و العدل في الحكم و إقامة الشهادة و معاونة أهل الحق و التقية على المسي ء و العفو عمن (لمن- خ ل) ظلم، يا ابن مسعود إذا ابتلوا صبروا، و إذا أعطوا شكروا، و إذا حكموا عدلوا، و إذا قالوا صدقوا، و إذا عاهدوا

الوافي، ج 26، ص: 204

وفوا، و إذا أساءوا استغفروا، و إذا أحسنوا استبشروا وَ إِذٰا خٰاطَبَهُمُ الْجٰاهِلُونَ قٰالُوا سَلٰاماً- وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً- وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِيٰاماً و يقولون للناس حسنا.

يا ابن مسعود و الذي بعثني بالحق إن هؤلاء هم الصابرون.

يا ابن مسعود أَ فَمَنْ شَرَحَ اللّٰهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلٰامِ فَهُوَ عَلىٰ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فإن النور إذا وقع في القلب انشرح و انفسح، فقيل: يا رسول اللّٰه فهل لذلك من علامة فقال: نعم التجافي عن دار الغرور، و الإنابة إلى دار الخلود، و الاستعداد للموت قبل نزول الفوت، فمن زهد في الدنيا قصر أمله فيها و تركها لأهلها.

يا ابن مسعود قول اللّٰه تعالى لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا يعني أيكم ازهد في الدنيا إنها دار الغرور و دار من لا دار له و لها يجمع من لا عقل له، إن أحمق الناس من طلب الدنيا، قال اللّٰه تعالى اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفٰاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكٰاثُرٌ فِي الْأَمْوٰالِ وَ الْأَوْلٰادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّٰارَ نَبٰاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرٰاهُ مُصْفَرًّا

ثُمَّ يَكُونُ حُطٰاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ شَدِيدٌ و قال اللّٰه تعالى وَ آتَيْنٰاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا يعني الزهد في الدنيا، و قال تعالى لموسى:

يا موسى إنه لن يتزين المتزينون بزينة أزين في عيني مثل الزهد، يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل: مرحبا بشعار الصالحين، و إذا رأيت الغناء مقبلا، فقل

الوافي، ج 26، ص: 205

ذنب عجلت عقوبته.

يا ابن مسعود [انظر] قول اللّٰه تعالى وَ لَوْ لٰا أَنْ يَكُونَ النّٰاسُ أُمَّةً وٰاحِدَةً لَجَعَلْنٰا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعٰارِجَ عَلَيْهٰا يَظْهَرُونَ.

وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْوٰاباً وَ سُرُراً عَلَيْهٰا يَتَّكِؤُنَ. وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ كُلُّ ذٰلِكَ لَمّٰا مَتٰاعُ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ و قوله مَنْ كٰانَ يُرِيدُ الْعٰاجِلَةَ عَجَّلْنٰا لَهُ فِيهٰا مٰا نَشٰاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنٰا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلٰاهٰا مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَ مَنْ أَرٰادَ الْآخِرَةَ وَ سَعىٰ لَهٰا سَعْيَهٰا وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولٰئِكَ كٰانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً، يا ابن مسعود من اشتاق إلى الجنة سارع في الخيرات، و من خاف النار ترك الشهوات، و من ترقب الموت انتهى عن اللذات، و من زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات.

يا ابن مسعود قول اللّٰه تعالى زُيِّنَ لِلنّٰاسِ حُبُّ الشَّهَوٰاتِ مِنَ النِّسٰاءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَنٰاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ- الآية يا ابن مسعود إن اللّٰه اصطفى موسى بالكلام و المناجاة حين كان يرى خضرة البقل في بطنه من هزاله، و ما سأل موسى حين تولى إلى الظل إلا طعاما يأكله من جوع.

يا ابن مسعود إن شئت نبأتك بأمر نوح نبي اللّٰه إنه عاش ألف سنة إلا خمسين عاما [يدعو إلى اللّٰه] فكان إذا أصبح قال: لا أمسى و إذا أمسى قال:

لا أصبح فكان لباسه الشعر و طعامه الشعير، و إن شئت نبأتك بأمر داود عليه السلام خليفة اللّٰه في الأرض كان طعامه الشعير و لباسه الشعر، و إن شئت نبأتك بأمر

الوافي، ج 26، ص: 206

سليمان بما كان فيه من الملك، و كان يأكل الشعير و يطعم الناس الحواري و كان لباسه الشعر و كان إذا جنه الليل شديدة على عنقه فلا يزال قائما يصلي حتى يصبح، و إن شئت نبأتك بأمر إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام كان لباسه الصوف و طعامه الشعير، و إن شئت نبأتك بأمر يحيى عليه السلام كان لباسه الليف و كان يأكل ورق الشجر، و إن شئت نبأتك بأمر عيسى بن مريم عليهما السلام فهو العجب كان يقول: إدامي الجوع و شعاري الخوف و لباسي الصوف و دابتي رجلاي و سراجي بالليل القمر و صلاي في الشتاء مشارق الشمس و فاكهتي و ريحانتي بقول الأرض مما يأكل الوحوش و الأنعام، أبيت و ليس لي شي ء و أصبح و ليس لي شي ء و ليس على وجه الأرض أحد أغنى مني.

يا ابن مسعود كل هذا منهم يبغضون ما أبغض اللّٰه و يصغرون ما صغر اللّٰه و يزهدون ما أزهد اللّٰه، و قد أثنى اللّٰه عليهم في محكم كتابه، فقال لنوح عليه السلام إِنَّهُ كٰانَ عَبْداً شَكُوراً و قال لإبراهيم عليه السلام وَ اتَّخَذَ اللّٰهُ إِبْرٰاهِيمَ خَلِيلًا و قال لداود إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ و قال لموسى عليه السلام وَ كَلَّمَ اللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً و قال أيضا لموسى عليه السلام وَ قَرَّبْنٰاهُ نَجِيًّا و قال ليحيى عليه السلام وَ آتَيْنٰاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا و قال لعيسى عليه السلام يٰا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي

عَلَيْكَ وَ عَلىٰ وٰالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ

الوافي، ج 26، ص: 207

النّٰاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا إلى قوله وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي و قال إِنَّهُمْ كٰانُوا يُسٰارِعُونَ فِي الْخَيْرٰاتِ وَ يَدْعُونَنٰا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كٰانُوا لَنٰا خٰاشِعِينَ [يا ابن مسعود] كل ذلك لما خوفهم اللّٰه في كتابه من قوله وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ. لَهٰا سَبْعَةُ أَبْوٰابٍ لِكُلِّ بٰابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ قال اللّٰه تعالى وَ جِي ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَدٰاءِ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لٰا يُظْلَمُونَ.

يا ابن مسعود النار لمن ركب محرما و الجنة لمن ترك الحلال فعليك بالزهد فإن ذلك مما يباهي اللّٰه به الملائكة و يقبل عليك بوجهه و يصلي عليك الجبار، يا ابن مسعود سيأتي من بعدي أقوام يأكلون أطيب الطعام و ألوانها و يركبون الدواب و يتزينون بزينة المرأة لزوجها و يتبرجون تبرج النساء و زيهن مثل زي الملوك الجبابرة، هم منافقو هذه الأمة في آخر الزمان، شاربون بالقهوات لاعبون بالكعاب راكبون الشهوات، تاركون الجماعات، راقدون عن العتمات، مفرطون في الغدوات، يقول اللّٰه تعالى فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضٰاعُوا الصَّلٰاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَوٰاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، يا ابن مسعود مثلهم مثل الدفلى زهرتها حسنة و طعمها مر، كلامهم الحكمة و أعمالهم داء لا يقبل الدواء أَ فَلٰا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلىٰ قُلُوبٍ أَقْفٰالُهٰا.

الوافي، ج 26، ص: 208

يا ابن مسعود ما يغني من يتنعم في الدنيا إذا أخلد في النار يَعْلَمُونَ ظٰاهِراً مِنَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غٰافِلُونَ يبنون الدور و يشيدون القصور و يزخرفون المساجد ليست همتهم إلا الدنيا، عاكفون عليها، معتمدون فيها، آلهتهم بطونهم، قال اللّٰه تعالى وَ تَتَّخِذُونَ

مَصٰانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وَ إِذٰا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّٰارِينَ. فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُونِ قال اللّٰه تعالى أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلٰهَهُ هَوٰاهُ وَ أَضَلَّهُ اللّٰهُ عَلىٰ عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلىٰ سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ- إلى قوله- أَ فَلٰا تَذَكَّرُونَ و ما هو إلا منافق جعل دينه هواه و إلهه بطنه كلما اشتهى من الحلال و الحرام لم يمتنع منه قال اللّٰه تعالى وَ فَرِحُوا بِالْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ مَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا فِي الْآخِرَةِ إِلّٰا مَتٰاعٌ، يا ابن مسعود محاريبهم نساؤهم و شرفهم الدراهم و الدنانير و همتهم بطونهم أولئك شر الأشرار و الفتنة منهم و إليهم تعود.

يا ابن مسعود قول اللّٰه تعالى أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنٰاهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جٰاءَهُمْ مٰا كٰانُوا يُوعَدُونَ. مٰا أَغْنىٰ عَنْهُمْ مٰا كٰانُوا يُمَتَّعُونَ، يا ابن مسعود أجسادهم لا تشبع و قلوبهم لا تخشع، يا ابن مسعود الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء، فمن أدرك ذلك الزمان من أعقابكم فلا تسلموا في ناديهم، و لا تشيعوا جنائزهم، و لا تعودوا مرضاهم، فإنهم يستنون بسنتكم، و يظهرون بدعوتكم، و يخالفون أفعالكم، فيموتون على غير ملتكم، أولئك ليسوا مني، و لا أنا منهم، فلا تخافن أحدا غير اللّٰه فإن اللّٰه تعالى يقول أَيْنَمٰا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ

الوافي، ج 26، ص: 209

الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ و يقول يَوْمَ يَقُولُ الْمُنٰافِقُونَ وَ الْمُنٰافِقٰاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونٰا- إلى قوله- وَ غَرَّكُمْ بِاللّٰهِ الْغَرُورُ. فَالْيَوْمَ لٰا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَ لٰا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوٰاكُمُ النّٰارُ هِيَ مَوْلٰاكُمْ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ، يا ابن مسعود عليهم لعنة اللّٰه مني و من جميع المرسلين و الملائكة المقربين و عليهم غضب اللّٰه و سوء الحساب في الدنيا و

الآخرة، و قال اللّٰه تعالى لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ- إلى قوله- وَ لٰكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فٰاسِقُونَ.

يا ابن مسعود أولئك يظهرون الحرص الفاحش، و الحسد الظاهر، و يقطعون الأرحام، و يزهدون في الخير، قال اللّٰه تعالى الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مِيثٰاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ و يقول اللّٰه تعالى مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرٰاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهٰا كَمَثَلِ الْحِمٰارِ يَحْمِلُ أَسْفٰاراً.

يا ابن مسعود يأتي على الناس زمان الصابر على دينه مثل القابض على الجمرة بكفه، يقول لذلك الزمان إن كان ذئبا و إلا أكلته الذئاب، يا ابن مسعود علماؤهم و فقهاؤهم خونة، ألا إنهم فجرة، أشرار خلق اللّٰه، و [كذلك] أتباعهم و من يأتيهم و يأخذ منهم و يحبهم و يجالسهم و يشاورهم أشرار خلق اللّٰه تعالى يدخلهم نار جهنم صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لٰا يَرْجِعُونَ- وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ عَلىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا

الوافي، ج 26، ص: 210

مَأْوٰاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمٰا خَبَتْ زِدْنٰاهُمْ سَعِيراً- كُلَّمٰا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنٰاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهٰا لِيَذُوقُوا الْعَذٰابَ و إِذٰا أُلْقُوا فِيهٰا سَمِعُوا لَهٰا شَهِيقاً وَ هِيَ تَفُورُ. تَكٰادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ- كُلَّمٰا أَرٰادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهٰا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهٰا وَ [قيل لهم] ذُوقُوا عَذٰابَ الْحَرِيقِ- لَهُمْ فِيهٰا زَفِيرٌ وَ هُمْ فِيهٰا لٰا يَسْمَعُونَ، يدعون أنهم على ديني و سنتي و منهاجي و شرائعي أنهم مني براء و أنا منهم بري ء.

يا ابن مسعود لا تجالسوهم في الملإ و لا تبايعوهم في الأسواق، و لا تهدوهم الطريق، و لا تسقوهم الماء، قال اللّٰه تعالى مَنْ كٰانَ يُرِيدُ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا وَ زِينَتَهٰا نُوَفِّ

إِلَيْهِمْ أَعْمٰالَهُمْ فِيهٰا وَ هُمْ فِيهٰا لٰا يُبْخَسُونَ- الآية يقول اللّٰه تعالى مَنْ كٰانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيٰا نُؤْتِهِ مِنْهٰا وَ مٰا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ، يا ابن مسعود عالموا أمتي بينهم العداوة و البغضاء و الجدال أولئك أذلاء هذه الأمة في دنياهم، و الذي بعثني بالحق ليخسفن اللّٰه بهم و يمسخهم قردة و خنازير.

قال: فبكى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و بكينا لبكائه و قلنا:

يا رسول اللّٰه ما يبكيك فقال: رحمة للأشقياء يقول اللّٰه تعالى وَ لَوْ تَرىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلٰا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكٰانٍ قَرِيبٍ يعني الفقهاء و العلماء، يا ابن مسعود من تعلم العلم يريد به الدنيا و آثر عليه حب الدنيا و زينتها استوجب

الوافي، ج 26، ص: 211

سخط اللّٰه عليه و كان فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّٰارِ مع اليهود و النصارى الذين نبذوا كتاب اللّٰه تعالى، قال اللّٰه تعالى فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ مٰا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّٰهِ عَلَى الْكٰافِرِينَ، يا ابن مسعود من تعلم القرآن للدنيا و زينتها حرم اللّٰه عليه الجنة، يا ابن مسعود من تعلم العلم و لم يعمل بما فيه حشره اللّٰه يوم القيامة أعمى، و من تعلم العلم رياء و سمعة يريد به الدنيا نزع اللّٰه بركته و ضيق عليه معيشته و وكله اللّٰه إلى نفسه و من وكله اللّٰه إلى نفسه فقد هلك، قال اللّٰه تعالى فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.

يا ابن مسعود فليكن جلساؤك الأبرار و إخوانك الأتقياء و الزهاد لأن اللّٰه تعالى قال في كتابه الْأَخِلّٰاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ، يا ابن مسعود اعلم أنهم يرون المعروف منكرا

و المنكر معروفا ففي ذلك يطبع اللّٰه على قلوبهم فلا يكون فيهم الشاهد بالحق و لا القوامون بالقسط، قال اللّٰه تعالى كُونُوا قَوّٰامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدٰاءَ لِلّٰهِ وَ لَوْ عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوٰالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ، يا ابن مسعود يتفاضلون بأحسابهم و أموالهم يقول اللّٰه تعالى وَ مٰا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزىٰ. إِلَّا ابْتِغٰاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلىٰ. وَ لَسَوْفَ يَرْضىٰ، يا ابن مسعود عليك بخشية اللّٰه و أداء الفرائض فإنه يقول هُوَ أَهْلُ التَّقْوىٰ وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ و يقول رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ، يا ابن

الوافي، ج 26، ص: 212

مسعود دع عنك ما لا يعنيك و عليك بما يغنيك فإن اللّٰه تعالى يقول لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ.

يا ابن مسعود إياك أن تدع طاعة و تقصد معصية شفقة على أهلك لأن اللّٰه تعالى يقول يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لٰا يَجْزِي وٰالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لٰا مَوْلُودٌ هُوَ جٰازٍ عَنْ وٰالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ فَلٰا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا وَ لٰا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّٰهِ الْغَرُورُ، يا ابن مسعود احذر الدنيا و لذاتها و شهواتها و زينتها و أكل الحرام و الذهب و الفضة و المراكب و النساء [فإنه سبحانه يقول زُيِّنَ لِلنّٰاسِ حُبُّ الشَّهَوٰاتِ مِنَ النِّسٰاءِ] وَ الْبَنِينَ وَ الْقَنٰاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعٰامِ وَ الْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتٰاعُ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ اللّٰهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ. قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّٰاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ خٰالِدِينَ فِيهٰا وَ أَزْوٰاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ رِضْوٰانٌ مِنَ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ، يا ابن مسعود لا تغترن بالله و لا

تغترن بصلاحك و عملك و برك و عبادتك، يا ابن مسعود إذا تلوت كتاب اللّٰه فأثبت في آية فيها أمر أو نهي فرددها نظرا و اعتبارا فيها و لا تسه عن ذلك فإن نهيه يدل على ترك المعاصي و أمره يدل على عمل البر و الصلاح فإن اللّٰه يقول فَكَيْفَ إِذٰا جَمَعْنٰاهُمْ لِيَوْمٍ لٰا رَيْبَ فِيهِ وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مٰا كَسَبَتْ وَ هُمْ لٰا يُظْلَمُونَ.

يا ابن مسعود لا تحقرن ذنبا و لا تصغرن و اجتنب الكبائر فإن العبد إذا نظر

الوافي، ج 26، ص: 213

يوم القيامة إلى ذنوبه دمعت عيناه قيحا و دما يقول اللّٰه تعالى يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ مٰا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهٰا وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً، يا ابن مسعود إذا قيل لك اتق اللّٰه فلا تغضب فإنه يقول وَ إِذٰا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّٰهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ، يا ابن مسعود قصر أملك فإذا أصبحت فقل: إني لا أمسى و إذا أمسيت فقل إني لا أصبح، و اعزم على مفارقة الدنيا و أحب لقاء اللّٰه و لا تكره لقاءه فإن اللّٰه يحب لقاء من يحب لقاءه و يكره لقاء من يكره لقاءه.

يا ابن مسعود لا تغرس الأشجار و لا تجري الأنهار و لا تزخرف البنيان و لا تتخذ الحيطان و البستان فإن اللّٰه تعالى يقول أَلْهٰاكُمُ التَّكٰاثُرُ، يا ابن مسعود و الذي بعثني بالحق ليأتي على الناس زمان يستحلون الخمر و يسمونه النبيذ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّٰهِ وَ الْمَلٰائِكَةِ وَ النّٰاسِ أَجْمَعِينَ، أنا منهم بري ء و هم مني براء، يا ابن مسعود الزاني بأمه أهون عند اللّٰه بأن يدخل في الربا مثقال حبة

من خردل، و من شرب المسكر قليلا كان أو كثيرا فهو أشد عند اللّٰه من أكلة الربا لأنه مفتاح كل شر، [يا ابن مسعود] أولئك يظلمون الأبرار و يصدقون الفجار و الفسقة، الحق عندهم باطل و الباطل عندهم حق، هذا كله للدنيا و هم يعلمون أنهم على غير الحق و لكن زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطٰانُ أَعْمٰالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لٰا يَهْتَدُونَ، رَضُوا بِالْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ اطْمَأَنُّوا بِهٰا وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آيٰاتِنٰا غٰافِلُونَ

الوافي، ج 26، ص: 214

أُولٰئِكَ مَأْوٰاهُمُ النّٰارُ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ، يا ابن مسعود من رد عن ذكري و ذكر الآخرة نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطٰاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَ إِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتّٰى إِذٰا جٰاءَنٰا قال يٰا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ، يا ابن مسعود إنهم ليعيبون على من يقتدي بسنتي و فراض اللّٰه تعالى، قال اللّٰه تعالى فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتّٰى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَ كُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ.

إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمٰا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفٰائِزُونَ.

يا ابن مسعود احذر سكر الخطيئة فإن للخطيئة سكرا كسكر الشراب بل هو أشد سكرا منه، يقول اللّٰه تعالى صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لٰا يَرْجِعُونَ و يقول إِنّٰا جَعَلْنٰا مٰا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهٰا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا. وَ إِنّٰا لَجٰاعِلُونَ مٰا عَلَيْهٰا صَعِيداً جُرُزاً، يا ابن مسعود الدنيا ملعونة ملعون من فيها، و ملعون من طلبها و أحبها و نصب لها، و تصديق ذلك في كتاب اللّٰه تعالى كُلُّ مَنْ عَلَيْهٰا فٰانٍ.

وَ يَبْقىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلٰالِ وَ الْإِكْرٰامِ و قوله كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلّٰا وَجْهَهُ.

يا ابن مسعود إذا عملت عملا فاعمل لله خالصا لأنه لا يقبل من عباده إلا ما كان خالصا

فإنه يقول وَ مٰا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزىٰ. إِلَّا ابْتِغٰاءَ وَجْهِ

الوافي، ج 26، ص: 215

رَبِّهِ الْأَعْلىٰ. وَ لَسَوْفَ يَرْضىٰ، يا ابن مسعود دع نعيم الدنيا و أكلها و حلاوتها، و حارها و باردها، و لينها و طيبها، و ألزم نفسك الصبر عنها، فإنك مسئول عن هذا كله، قال اللّٰه تعالى ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [يا ابن مسعود] فلا تلهينك الدنيا و شهواتها فإن اللّٰه تعالى يقول أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنٰا لٰا تُرْجَعُونَ يا ابن مسعود إذا عملت عملا من البر و أنت تريد بذلك غير اللّٰه فلا ترج بذلك منه ثوابا فإنه يقول فَلٰا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَزْناً.

يا ابن مسعود إذا مدحك الناس فقالوا: إنك تصوم النهار و تقوم الليل و أنت على غير ذلك فلا تفرح بذلك فإن اللّٰه تعالى يقول لٰا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمٰا أَتَوْا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمٰا لَمْ يَفْعَلُوا فَلٰا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفٰازَةٍ مِنَ الْعَذٰابِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ يا ابن مسعود أكثر من الصالحات و البر، فإن المحسن و المسي ء يندمان يقول المحسن: يا ليتني ازددت من الحسنات، و يقول المسي ء: قصرت، و تصديق ذلك [قوله تعالى] وَ لٰا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّٰامَةِ، يا ابن مسعود لا تقدم الذنب و لا تؤخر التوبة و لكن قدم التوبة و أخر الذنب فإن اللّٰه تعالى يقول في كتابه بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسٰانُ لِيَفْجُرَ أَمٰامَهُ [يا ابن مسعود] و إياك أن تسن سنة بدعة، فإن العبد إذا سن سنة لحقه وزر ما عمل بها قال اللّٰه تعالى وَ نَكْتُبُ

الوافي، ج 26، ص: 216

مٰا قَدَّمُوا وَ آثٰارَهُمْ و قال سبحانه يُنَبَّؤُا الْإِنْسٰانُ يَوْمَئِذٍ بِمٰا قَدَّمَ وَ أَخَّرَ.

يا ابن

مسعود فلا تركن إلى الدنيا و لا تطمئن إليها فستفارقها عن قليل، فإن اللّٰه تعالى يقول فَأَخْرَجْنٰاهُمْ مِنْ جَنّٰاتٍ وَ عُيُونٍ، وَ زُرُوعٍ وَ نَخْلٍ طَلْعُهٰا هَضِيمٌ، يا ابن مسعود اذكر القرون الماضية و الملوك الجبابرة الذين مضوا فإن اللّٰه تعالى يقول وَ عٰاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحٰابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَيْنَ ذٰلِكَ كَثِيراً يا ابن مسعود انظر إلى أن تدع الذنب سرا و علانية، صغيرا و كبيرا، فإن اللّٰه تعالى حيث ما كنت يراك و هو معك فاجتنبها، يا ابن مسعود اتق اللّٰه في السر و العلانية، و البر و البحر، و الليل و النهار، فإنه يقول مٰا يَكُونُ مِنْ نَجْوىٰ ثَلٰاثَةٍ إِلّٰا هُوَ رٰابِعُهُمْ وَ لٰا خَمْسَةٍ إِلّٰا هُوَ سٰادِسُهُمْ وَ لٰا أَدْنىٰ مِنْ ذٰلِكَ وَ لٰا أَكْثَرَ إِلّٰا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مٰا كٰانُوا.

يا ابن مسعود اتخذ الشيطان عدوا فإن اللّٰه تعالى يقول إِنَّ الشَّيْطٰانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا و يقول عن إبليس ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمٰانِهِمْ وَ عَنْ شَمٰائِلِهِمْ وَ لٰا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شٰاكِرِينَ و يقول قال فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [يا ابن مسعود] فانظر أن لا تأكل الحرام و لا تلبس الحرام و لا تأخذ من الحرام و لا تعص اللّٰه لأن

الوافي، ج 26، ص: 217

اللّٰه تعالى يقول لإبليس وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شٰارِكْهُمْ فِي الْأَمْوٰالِ وَ الْأَوْلٰادِ وَ عِدْهُمْ وَ مٰا يَعِدُهُمُ الشَّيْطٰانُ إِلّٰا غُرُوراً و قال فَلٰا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا وَ لٰا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّٰهِ الْغَرُورُ، يا ابن مسعود لا تقربن الحرام من المال و النساء

فإن اللّٰه تعالى يقول وَ لِمَنْ خٰافَ مَقٰامَ رَبِّهِ جَنَّتٰانِ و لا تؤثرون الدنيا على الآخرة باللذات و الشهوات فإن اللّٰه تعالى يقول في كتابه فَأَمّٰا مَنْ طَغىٰ. وَ آثَرَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوىٰ يعني الدنيا الملعونة و الملعون ما فيها إلا ما كان لله.

يا ابن مسعود لا تخونن أحدا في مال يضعه عندك أو أمانة ائتمنك عليها فإن اللّٰه تعالى يقول إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا، يا ابن مسعود لا تتكلم إلا بالعلم بشي ء سمعته و رأيته فإن اللّٰه تعالى يقول وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا و قال سَتُكْتَبُ شَهٰادَتُهُمْ وَ يُسْئَلُونَ و قال إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيٰانِ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمٰالِ قَعِيدٌ. مٰا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلّٰا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ و قال وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.

الوافي، ج 26، ص: 218

يا ابن مسعود لا تهتمن للرزق فإن اللّٰه تعالى يقول وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلّٰا عَلَى اللّٰهِ رِزْقُهٰا و قال وَ فِي السَّمٰاءِ رِزْقُكُمْ وَ مٰا تُوعَدُونَ و قال إِنْ يَمْسَسْكَ اللّٰهُ بِضُرٍّ فَلٰا كٰاشِفَ لَهُ إِلّٰا هُوَ وَ إِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، يا ابن مسعود و الذي بعثني بالحق إن من يدع الدنيا و يقبل على تجارة الآخرة فإن اللّٰه تعالى يتجر له من وراء تجارته و يربح اللّٰه تجارته يقول اللّٰه تعالى رِجٰالٌ لٰا تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لٰا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ إِقٰامِ الصَّلٰاةِ وَ إِيتٰاءِ الزَّكٰاةِ يَخٰافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصٰارُ.

قال ابن مسعود بأبي أنت و أمي يا رسول اللّٰه

كيف لي بتجارة الآخرة فقال:

لا ترتجن لسانك عن ذكر اللّٰه، و ذلك أن تقول: سبحان اللّٰه و الحمد لله و لا إله إلا اللّٰه و اللّٰه أكبر، فهذه التجارة المربحة، يقول اللّٰه تعالى يَرْجُونَ تِجٰارَةً لَنْ تَبُورَ.

لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، يا ابن مسعود كلما أبصرته بعينك و استحلاه قلبك فاجعله لله فذلك تجارة الآخرة لأنه يقول مٰا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ بٰاقٍ.

يا ابن مسعود إذا تكلمت بلا إله إلا اللّٰه و لم تعرف حقها فإنه مردود عليك، و لا يزال يقول لا إله إلا اللّٰه يرد غضب اللّٰه عن العباد حتى إذا لم يبالوا ما ينقص من دينهم بعد إذ سلمت دنياهم، يقول اللّٰه: كذبتم كذبتم لستم بها بصادقين فإنه

الوافي، ج 26، ص: 219

يقول اللّٰه تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصّٰالِحُ يَرْفَعُهُ، يا ابن مسعود أحب الصالحين فإن المرء مع من أحب، فإن لم تقدر على أعمال البر فأحب العلماء فإن اللّٰه تعالى يقول وَ مَنْ يُطِعِ اللّٰهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّٰهُ [عَلَيْهِمْ] مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدٰاءِ وَ الصّٰالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً، يا ابن مسعود إياك أن تشرك بالله طرفة عين و إن نشرت بالمنشار أو قطعت أو صلبت أو أحرقت بالنار يقول اللّٰه تعالى وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ رُسُلِهِ أُولٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَدٰاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ.

يا ابن مسعود اصبر مع الذين يذكرون اللّٰه و يسبحونه و يهللونه و يحمدونه و يعملون بطاعته و يدعونه بكرة و عشيا فإن اللّٰه تعالى يقول وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدٰاةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لٰا تَعْدُ عَيْنٰاكَ عَنْهُمْ، يا ابن مسعود

لا تختارن على ذكر اللّٰه شيئا فإنه يقول وَ لَذِكْرُ اللّٰهِ أَكْبَرُ و يقول فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لٰا تَكْفُرُونِ و يقول وَ إِذٰا سَأَلَكَ عِبٰادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ و يقول ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.

يا ابن مسعود عليك بالسكينة و الوقار و كن سهلا لينا عفيفا مسلما تقيا نقيا

الوافي، ج 26، ص: 220

بارا طاهرا مطهرا صادقا خالصا سليما صحيحا لبيبا صالحا شكورا مؤمنا ورعا عابدا زاهدا رحيما عالما فقيها يقول اللّٰه تعالى إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّٰاهٌ مُنِيبٌ- وَ عِبٰادُ الرَّحْمٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذٰا خٰاطَبَهُمُ الْجٰاهِلُونَ قٰالُوا سَلٰاماً. وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِيٰاماً .. و يقولون للناس حسنا وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً. [وَ الَّذِينَ إِذٰا ذُكِّرُوا بِآيٰاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهٰا صُمًّا وَ عُمْيٰاناً.] وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا هَبْ لَنٰا مِنْ أَزْوٰاجِنٰا وَ ذُرِّيّٰاتِنٰا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً. أُوْلٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمٰا صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيهٰا تَحِيَّةً وَ سَلٰاماً. خٰالِدِينَ فِيهٰا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقٰاماً يقول اللّٰه تعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلٰاتِهِمْ خٰاشِعُونَ. وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكٰاةِ فٰاعِلُونَ. وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ.

إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ العٰادُونَ. وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَمٰانٰاتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ رٰاعُونَ.

وَ الَّذِينَ هُمْ عَلىٰ صَلَوٰاتِهِمْ يُحٰافِظُونَ. أُولٰئِكَ هُمُ الْوٰارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ يقول اللّٰه تعالى أُولٰئِكَ فِي جَنّٰاتٍ مُكْرَمُونَ و قال إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذٰا ذُكِرَ اللّٰهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ- إلى قوله- أُولٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجٰاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ

كَرِيمٌ.

الوافي، ج 26، ص: 221

يا ابن مسعود لا تحملنك الشفقة على أهلك و ولدك على الدخول في المعاصي و الحرام، فإن اللّٰه تعالى يقول يَوْمَ لٰا يَنْفَعُ مٰالٌ وَ لٰا بَنُونَ. إِلّٰا مَنْ أَتَى اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ و عليك بذكر اللّٰه و العمل الصالح فإن اللّٰه تعالى يقول وَ الْبٰاقِيٰاتُ الصّٰالِحٰاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوٰاباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا، يا ابن مسعود لا تكونن ممن يهدي الناس إلى الخير و يأمرهم بالخير و هو غافل عنه يقول اللّٰه تعالى أَ تَأْمُرُونَ النّٰاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ، يا ابن مسعود عليك بحفظ لسانك فإن اللّٰه تعالى يقول الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلىٰ أَفْوٰاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنٰا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ.

يا ابن مسعود عليك بالسرائر فإن الهّٰ تعالى يقول يَوْمَ تُبْلَى السَّرٰائِرُ. فَمٰا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَ لٰا نٰاصِرٍ، يا ابن مسعود احذر يوما تنشر فيه الصحائف و يفضح فيه الفضائح فإنه تعالى يقول وَ نَضَعُ الْمَوٰازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيٰامَةِ فَلٰا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كٰانَ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنٰا بِهٰا وَ كَفىٰ بِنٰا حٰاسِبِينَ، يا ابن مسعود اخش اللّٰه تعالى بالغيب كأنك تراه فإن لم تك تراه فإنه يراك و يقول اللّٰه تعالى مَنْ خَشِيَ الرَّحْمٰنَ بِالْغَيْبِ وَ جٰاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ. ادْخُلُوهٰا بِسَلٰامٍ ذٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ، يا ابن مسعود أنصف الناس من نفسك و أنصح الأمة و ارحمهم، فإذا

الوافي، ج 26، ص: 222

كنت كذلك و غضب اللّٰه على أهل بلده و أنت فيها و أراد أن ينزل عليهم العذاب نظر إليك فرحمهم بك بقول اللّٰه تعالى وَ مٰا كٰانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرىٰ بِظُلْمٍ وَ أَهْلُهٰا مُصْلِحُونَ.

يا ابن مسعود إياك أن تظهر من نفسك الخشوع و

التواضع للآدميين و أنت فيما بينك و بين ربك مصر على المعاصي و الذنوب يقول اللّٰه تعالى يَعْلَمُ خٰائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ مٰا تُخْفِي الصُّدُورُ، يا ابن مسعود فلا تكن ممن يشدد على الناس و يخفف على نفسه يقول اللّٰه تعالى لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ، يا ابن مسعود إذا عملت عملا فاعمل بعلم و عقل و إياك و أن تعمل عملا بغير تدبير و علم فإنه جل جلاله يقول وَ لٰا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهٰا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكٰاثاً، يا ابن مسعود عليك بالصدق و لا تخرجن من فيك كذبة أبدا، و أنصف الناس من نفسك و أحسن، و ادع الناس إلى الإحسان، و صل رحمك و لا تمكر الناس، و أوف الناس بما عاهدتهم فإن اللّٰه تعالى يقول إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي الْقُرْبىٰ وَ يَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

الوافي، ج 26، ص: 223

باب مواعظ أمير المؤمنين صلوات اللّٰه عليه

[1]
اشارة

25394- 1 (الكافي- 8: 17 رقم 3) العاصمي، عن عبد الواحد بن الصواف، عن محمد بن إسماعيل الهمداني، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال" كان أمير المؤمنين عليه السلام يوصي أصحابه و يقول:

أوصيكم بتقوى اللّٰه فإنها غبطة الطالب الراجي، و ثقة الهارب اللاجئ، و استشعروا التقوى شعارا باطنا، و اذكروا اللّٰه ذكرا خالصا تحيوا به أفضل الحياة و تسلكوا به طريق النجاة، انظروا في الدنيا نظر الزاهد المفارق لها فإنها تزيل الثاوي الساكن، و تفجع المترف الآمن، لا يرجى منها ما تولى فأدبر، و لا يدرى ما هو آت منها فينتظر، و صل البلاء منها بالرخاء، و البقاء منها إلى فناء، فسرورها مشوب بالحزن، و البقاء فيها إلى الضعف و

الوهن، فهي كروضة اعتم مرعاها، و أعجبت من يراها، عذب شربها، طيب تربتها، يمج عروقها الثرى، و ينطف فروعها الندى، حتى إذا بلغ

الوافي، ج 26، ص: 224

العشب إبانه و استوى نباته، هاجت ريح تحت الورق، و تفرق ما اتسق فأصبحت كما قال اللّٰه تعالى هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيٰاحُ وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ مُقْتَدِراً انظروا في الدنيا في كثرة ما يعجبكم و قلة ما ينفعكم".

بيان

" الثاوي" المقيم، و المترف المتنعم" اعتم" بالعين المهملة و المثناة الفوقانية من الاعتمام أي اكتهل و تم طوله" و المج" الرمي عن الفم" و النطف" المص كأن الأول كناية عن إحكام العروق و إعراقها في الأرض و الثاني عن نضرة الفروع و خضرتها و طراوتها.

[2]
اشارة

25395- 2 (الكافي- 8: 72 رقم 28) علي، عن العبيدي، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال" إن مولى لأمير المؤمنين عليه السلام سأله مالا، فقال: يخرج عطائي فأقاسمك، فقال: لا أكتفي، و خرج إلى معاوية فوصله فكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام يخبره بما أصاب من المال، فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام: أما بعد، فإن ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك و هو صائر إلى أهله بعدك، و إنما لك منه ما مهدت لنفسك فآثر نفسك على صلاح ولدك، فإنما أنت جامع لأحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة اللّٰه فسعد بما شقيت، و إما رجل عمل فيه بمعصية اللّٰه فشقي بما جمعت له، و ليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك و لا تبرد له على ظهرك، فارج لمن مضى رحمة اللّٰه و ثق لمن بقي برزق اللّٰه".

الوافي، ج 26، ص: 225

بيان:

" لا تبرد له على ظهرك" يعني لا تحمل له على ظهرك التعب و المشقة أراد بالتبريد إيصال الخفض و الدعة و إزالة المشقة.

قال في القاموس: عيش بارد: أي هني ء، و قال في النهاية في الحديث: الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة أي لا تعب فيه و لا مشقة و كل محبوب عندهم بارد، و قيل معناه الغنيمة الثابتة المستقرة من قولهم برد لي على فلان حق أي ثبت.

[3]

25396- 3 (الكافي- 8: 240- 327) العدة، عن سهل، عن ابن أسباط رفعه، قال: كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابن عباس" أما بعد فقد يسر المرء ما لم يكن ليفوته و يحزنه ما لم يكن ليصيبه أبدا و إن جهد فليكن سرورك بما قدمت من عمل صالح أو حكم أو قول و ليكن أسفك فيما فرطت فيه من ذلك، و دع ما فاتك من الدنيا فلا تكثر عليه حزنا و ما أصابك منها فلا تنعم به سرورا و ليكن همك فيما بعد الموت و السلام".

[4]
اشارة

25397- 4 (الفقيه- 4: 406 رقم 5880) عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده أن أمير المؤمنين عليهم السلام قال في خطبة خطبها بعد موت النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم" أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الإسلام و لا كرم أعز من التقوى، و لا معقل أحرز من الورع، و لا شفيع أنجح من التوبة، و لا كنز أنفع من العلم، و لا عز أرفع من الحلم، و لا حسب أبلغ من الأدب، و لا نصب أوضع من الغضب، و لا جمال أزين من العقل، و لا سوءة أسوأ من الكذب، و لا حافظ أحفظ من الصمت، و لا لباس أجمل من العافية، و لا غائب أقرب من الموت.

الوافي، ج 26، ص: 226

أيها الناس إنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها، و الليل و النهار مسرعان في هدم الأعمار، و لكل ذي رمق قوت، و لكل حبة آكل، و أنت قوت الموت، و إن من عرف الأيام لم يغفل عن

الاستعداد، لن ينجو من الموت غني بماله و لا فقير لإقلاله.

أيها الناس من خاف ربه كف ظلمه، و من لم يرع في كلامه أظهر هجره، و من لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيم، ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا، هيهات هيهات و ما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي و الذنوب، فما أقرب الراحة من التعب، و البؤس من النعيم، و ما شر بشر بعده الجنة، و ما خير بخير بعده النار و كل نعيم دون الجنة محقور، و كل بلاء دون النار عافية".

بيان

قد مضى تمام هذه الخطبة بطولها في الباب الأول من أبواب الخطب مع بيان بعض ألفاظها.

[5]
اشارة

25398- 5 (الفقيه- 4: 381 رقم 5833) محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي اللّٰه عنه، عن أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، عن الحسن بن القاسم، عن علي بن إبراهيم بن المعلى، عن أبي عبد اللّٰه محمد بن خالد، عن ابن بكير، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده، عن علي بن الحسين، عن أبيه عليهم السلام قال" بينا أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم جالس مع أصحابه يعبيهم للحرب إذ أتاه شيخ كبير عليه شحبة السفر، فقال: أين أمير المؤمنين فقيل: هو ذا هو فسلم عليه، ثم قال: يا

الوافي، ج 26، ص: 227

أمير المؤمنين إني أتيتك من ناحية الشام و أنا شيخ كبير و قد سمعت فيك من الفضل ما لا أحصي و إني أظنك ستغتال فعلمني مما علمك اللّٰه قال:

نعم يا شيخ، من اعتدل يوماه فهو مغبون، و من كانت الدنيا همته اشتدت حسرته عند فراقها، و من كان غده شر يوميه فهو محروم، و من لم يبال بما زوي من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك، و من لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى، و من كان في نقص فالموت خير له، يا شيخ ارض للناس ما ترضى لنفسك، و ائت إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك.

ثم أقبل على أصحابه، فقال: أيها الناس أ ما ترون إلى أهل الدنيا يمسون و يصبحون على أحوال شتى فبين صريع يتلوى، و بين عائد و معود، و آخر بنفسه يجود، و آخر لا يرجى، و آخر مسجى، و طالب الدنيا و الموت يطلبه، و

غافل و ليس بمغفول عنه، و على أثر الماضي يصير الباقي، فقال له زيد بن صوحان العبدي: يا أمير المؤمنين أي سلطان أغلب و أقوى قال: الهوى، قال: فأي ذل أذل قال" الحرص على الدنيا" قال: فأي فقر أشد قال: الكفر بعد الإيمان، قال: فأي دعوة أضل قال: الداعي بما لا يكون، قال: فأي عمل أفضل قال: التقوى، قال: فأي عمل أنجح قال: طلب ما عند اللّٰه، قال: فأي صاحب [لك] شر قال: المزين لك معصية اللّٰه، قال: فأي الخلق أشقى قال: من باع دينه بدنيا غيره.

قال: فأي الخلق أقوى قال: الحليم، قال: فأي الخلق أشح قال:

من أخذ المال من غير حله فجعله في غير حقه، قال: فأي الناس أكيس قال: من أبصر رشده من غيه فمال إلى رشده، قال: فمن أحلم الناس قال: الذي لا يغضب، قال: فأي الناس أثبت رأيا قال: من لم يغره الناس من نفسه و من لم تغره الدنيا بتشوفها، قال: فأي الناس أحمق

الوافي، ج 26، ص: 228

قال: المغتر بالدنيا و هو يرى ما فيها من تقلب أحوالها، قال: فأي الناس أشد حسرة قال: الذي حرم الدنيا و الآخرة ذٰلِكَ هُوَ الْخُسْرٰانُ الْمُبِينُ، قال: فأي الخلق أعمى قال: الذي عمل لغير اللّٰه، و يطلب بعمله الثواب من عند اللّٰه، قال: فأي القنوع أفضل قال: القانع بما أعطاه اللّٰه عز و جل، قال: فأي المصائب أشد قال: المصيبة في الدين، قال: فأي الأعمال أحب إلى اللّٰه تعالى قال: انتظار الفرج، قال: فأي الناس خير عند اللّٰه قال:

أخوفهم لله و أعملهم بالتقوى و أزهدهم في الدنيا، قال: فأي الكلام أفضل عند اللّٰه قال: كثرة ذكره و التضرع إليه بالدعاء، قال: فأي القول

أصدق قال: شهادة أن لا إله إلا اللّٰه، قال: فأي الأعمال أعظم عند اللّٰه عز و جل قال: التسليم و الورع، قال: فأي الناس أصدق قال" من صدق في الموطن".

ثم أقبل على الشيخ فقال: يا شيخ إن اللّٰه عز و جل خلق خلقا ضيق الدنيا عليهم نظرا لهم فزهدهم فيها و في حطامها، فرغبوا في دار السلام التي دعاهم إليها و صبروا على ضيق المعيشة و صبروا على المكروه، و اشتاقوا إلى ما عند اللّٰه من الكرامة، فبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان اللّٰه، و كانت خاتمة أعمالهم الشهادة فلقوا اللّٰه و هو عنهم راض، و علموا أن الموت سبيل من مضى و من بقي، فتزودوا لآخرتهم غير الذهب و الفضة و لبسوا الخشن، و صبروا على البلوى، و قدموا الفضل، و أحبوا في اللّٰه و أبغضوا في اللّٰه تعالى، أولئك المصابيح و أهل النعيم في الآخرة و السلام.

قال الشيخ: فأين أذهب و أدع الجنة و أنا أراها و أرى أهلها معك يا أمير المؤمنين جهزني بقوة أقوى بها على عدوك، فأعطاه أمير المؤمنين عليه السلام سلاحا و حمله فكان في الحرب بين يدي أمير المؤمنين عليه

الوافي، ج 26، ص: 229

السلام يضرب قدما و أمير المؤمنين عليه السلام يعجب مما يصنع، فلما اشتدت الحرب أقدم فرسه حتى قتل رحمه اللّٰه و أتبعه رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام فوجده صريعا و وجد دابته و وجد سيفه في ذراعه، فلما انقضت الحرب أتى أمير المؤمنين عليه السلام بدابته و سلاحه و صلى عليه أمير المؤمنين و قال: هذا و اللّٰه السعيد حقا فترحموا على أخيكم".

بيان

التعبئة التهيئة و الشحبة بالشين المعجمة و الحاء المهملة و الباء الموحدة

بمعنى تغير اللون لعارض من مرض أو سفر و" الاغتيال" الإهلاك يقال اغتاله إذا أخذه من حيث لا يدري" شر يوميه" يعني شرا من يومه" زوى" صرف و قبض و في بعض النسخ" رزي" بتقديم المهملة بمعنى نقص و تعاهد النقص طلبه و تداركه، و الصريع المصروع لمرض أو جراحة أو غيرهما و التلوي الانفتال و الانثناء يعني ساقط من المرض يتقلب من جانب إلى آخر و الجود بالنفس كناية عن انتزاع الروح و سجيت الميت تسجية إذا مددت عليه ثوبه و سترته" و النجح" الظفر بالحوائج" و الشح" البخل" و الكيس" خلاف الحمق، و التشوف للشي ء بالمعجمة و الفاء طموح البصر إليه" و التزين له في المواطن" أي المواطن كلها يعني في الشدة و الرخاء و الفقر و الغنى إلى غير ذلك و التجهيز تهيئة ما يحتاج إليه" قدما" أي متقدما و يقال رجل قدم بضمتين أي شجاع و مضى قدما إذا لم يقم و لم يحتبس.

[6]
اشارة

25399- 6 (الفقيه- 2: 626 رقم 3215) قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه محمد بن الحنفية رضي اللّٰه عنه" يا بني لا تقل ما لا

الوافي، ج 26، ص: 230

تعلم، بل لا تقل كل ما تعلم، فإن اللّٰه تعالى قد فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك يوم القيامة و يسألك عنها، و ذكرها و وعظها و حذرها و أدبها و لم يتركها سدى، فقال اللّٰه تعالى وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا و قال تعالى إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْوٰاهِكُمْ مٰا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ

عِنْدَ اللّٰهِ عَظِيمٌ ثم استعبدها بطاعته فقال عز و جل يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فهذه فريضة جامعة واجبة على الجوارح، و قال اللّٰه تعالى وَ أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ فَلٰا تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً يعني بالمساجد الوجه و اليدين و الركبتين و الإبهامين، و قال اللّٰه عز و جل وَ مٰا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لٰا أَبْصٰارُكُمْ وَ لٰا جُلُودُكُمْ يعني بالجلود الفروج.

ثم خص كل جارحة من جوارحك بفروض و نص عليها، ففرض على السمع أن لا تصغي به إلى المعاصي، فقال تعالى وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتٰابِ أَنْ إِذٰا سَمِعْتُمْ آيٰاتِ اللّٰهِ يُكْفَرُ بِهٰا وَ يُسْتَهْزَأُ بِهٰا فَلٰا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّٰى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ و قال اللّٰه تعالى إِذٰا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيٰاتِنٰا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّٰى يَخُوضُوا فِي

الوافي، ج 26، ص: 231

حَدِيثٍ غَيْرِهِ ثم استثنى عز و جل موضع النسيان، فقال وَ إِمّٰا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطٰانُ فَلٰا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ و قال تعالى فَبَشِّرْ عِبٰادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولٰئِكَ الَّذِينَ هَدٰاهُمُ اللّٰهُ وَ أُولٰئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبٰابِ و قال تعالى وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً و قال عز و جل وَ إِذٰا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ.

فهذا ما فرض اللّٰه على السمع و هو عمله.

و فرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرم اللّٰه تعالى عليه فقال عز من قائل قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ فحرم أن ينظر أحد إلى فرج غيره، و فرض على اللسان الإقرار و التعبير عن القلب بما عقد عليه، فقال تعالى قُولُوا

آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْنٰا الآية و قال عز و جل وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً، و فرض على القلب و هو أمير الجوارح الذي به تعقل و تفهم و تصدر عن أمره و رأيه فقال اللّٰه عز و جل إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ الآية، و قال تعالى حين أخبر عن قوم أعطوا الإيمان بِأَفْوٰاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ، فقال عز و جل الَّذِينَ قٰالُوا

الوافي، ج 26، ص: 232

آمَنّٰا بِأَفْوٰاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ و قال عز و جل أَلٰا بِذِكْرِ اللّٰهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ و قال تعالى وَ إِنْ تُبْدُوا مٰا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحٰاسِبْكُمْ بِهِ اللّٰهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشٰاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشٰاءُ.

و فرض على اليدين أن تمدهما إلى ما حرم اللّٰه عز و جل عليك و أن لا تستعملها إلا بطاعته فقال عز و جل يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ و قال اللّٰه تعالى فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ.

و فرض على الرجلين أن تنقلهما في طاعته و أن لا تمش بهما مشية عاص فقال عز و جل وَ لٰا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبٰالَ طُولًا. كُلُّ ذٰلِكَ كٰانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً و قال عز و جل الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلىٰ أَفْوٰاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنٰا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ فأخبر عنها أنها تشهد على صاحبها يوم القيامة، فهذا ما فرض اللّٰه تعالى على جوارحك فاتق اللّٰه يا بني و استعملها بطاعته و رضوانه، و إياك أن يراك اللّٰه تعالى ذكره عند معصيته أو يفقدك

عند طاعته فتكون من الخاسرين، و عليك بتلاوة القرآن و العمل به و لزوم

الوافي، ج 26، ص: 233

فرائضه و شرائعه و حلاله و حرامه و أمره و نهيه و التهجد به و تلاوته في ليلك و نهارك فإنه عهد من اللّٰه تعالى إلى خلقه فهو واجب على كل مسلم أن ينظر في كل يوم في عهده و لو خمسين آية، و اعلم أن درجات الجنة على عدد آيات القرآن فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: اقرأ و ارق، فلا يكون في الجنة بعد النبيين و الصديقين أرفع درجة منه".

و الوصية طويلة أخذنا منها موضع الحاجة و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

بيان

و لا تقل كل ما تعلم إذ من الكلام ما يجب كتمانه حيث يصير فتنة لمن ليس من أهله" سدى" مهلة لا تكلف و لا تجازى" و المرح" الاختيال في المشي" اقرأ و ارق" قد مضى الكلام في بيانه في أبواب فضل القرآن من كتاب الصلاة.

[7]
اشارة

25400- 7 (الفقيه- 4: 384 رقم 5834) قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه محمد بن الحنفية" يا بني إياك و الاتكال على الأماني فإنها بضائع النوكي و تثبيط عن الآخرة، و من خير حظ المرء قرين صالح، جالس أهل الخير تكن منهم، باين أهل الشر و من يصدك عن ذكر اللّٰه عز و جل و ذكر الموت بالأباطيل المزخرفة و الأراجيف الملفقة تبين منهم، و لا يغلبن عليك سوء الظن بالله عز و جل، فإنه لن يدع بينك و بين خليلك صلحا، اذك بالأدب قلبك كما تذكى النار بالحطب، فنعم العون الأدب للنحيزة و التجارب لذي اللب، اضمم آراء الرجال بعضها إلى بعض ثم اختر أقربها إلى الصواب و أبعدها من الارتياب.

الوافي، ج 26، ص: 234

يا بني لا شرف أعلى من الإسلام، و لا كرم أعز من التقوى، و لا معقل أحرز من الورع، و لا شفيع أنجح من التوبة، و لا لباس أجمل من العافية، و لا وقاية أمنع من السلامة، و لا كنز أغنى من القنوع، و لا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت، و من اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة و تبوأ خفض الدعة، الحرص داع إلى التقحم في الذنوب، ألق عنك واردات الهموم بعزائم الصبر، عود نفسك الصبر، فنعم الخلق الصبر، و احملها على ما أصابك من أهوال الدنيا و همومها،

فاز الفائزون و نجا الذين سبقت لهم من اللّٰه الحسنى فإنه جنة من الفاقة، و ألجئ نفسك في الأمور كلها إلى اللّٰه الواحد القهار فإنك تلجئها إلى كهف حصين، و حرز حريز، و مانع عزيز، و أخلص المسألة لربك فإن بيده الخير و الشر، و الإعطاء و المنع، و الصلة و الحرمان".

بيان

" الاتكال" الاعتماد" و الأماني" جمع الأمنية و هي التمني" و النوكي" بالفتح جمع الأنوك و هو الأحمق" و التثبيط" التعويق" عن الآخرة" أي عن عملها، و في بعض النسخ تقنط عن الآخرة، و الأول أظهر، و الملفقة المجتمعة" و بين خليلك" يعني و بين اللّٰه أو المراد أن سوء الظن بخليلك لما لن يدع بينك و بين خليلك صلحا فإذا ظننت بالله ظن السوء لن يدع بينك و بين اللّٰه صلحا أو المراد بسوء الظن بالله بالنظر إلى الإخوان يعني إذا رأيت من خليل لك من إخوانك مخالفة لله عز و جل فتظن أن اللّٰه سبحانه يعذبه فلا يمكنك الصلح معه" اذك" نور بالأدب بمداومة الذكر و مراعاة الحياء" للنحيزة" بالنون المهملة و الزاي بعد المثناة التحتانية الطريقة و الطبيعة و التجارب عطف على الأدب و إضافة البلغة بالضم إلى الكفاف بيانية خفض الدعة سعة العيش و الراحة إلى التقحم أي التهجم بلا

الوافي، ج 26، ص: 235

رؤية في الذنوب لأن الحريص لا يقنع بالحلال" على ما أصابك" أي على الصبر على ما أصابك" فاز الفائزون" أي بالصبر فازوا" و أخلص المسألة لربك" أي لا تسأل غيره.

[8]
اشارة

25401- 8 (الفقيه- 4: 386 ذيل رقم 5834) و قال عليه السلام في هذه الوصية" يا بني الرزق رزقان: رزق تطلبه و رزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك فلا تحمل هم سنتك على هم يومك، و كفاك كل يوم ما هو فيه فإن تكن السنة من عمرك فإن اللّٰه عز و جل سيأتيك في كل غد بجديد ما قسم لك فإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بغم و لا هم ما ليس لك، و اعلم

أنه لن يسبقك إلى رزقك طالب، و لن يغلبك عليه غالب، و لن يحتجب عنك ما قدر لك، فكم رأيت من طالب متعب نفسه مقتر عليه رزقه، و مقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير و كل مقرون به الفناء، اليوم لك و أنت من بلوغ غد على غير يقين، و لرب مستقبل يوما ليس بمستدبره و مغبوط في أول ليلة قام في آخرها بواكيه، فلا يغرنك من اللّٰه طول حلول النعم، و إبطاء موارد النقم، فإنه لو خشي الفوت لعاجل بالعقوبة قبل الموت.

يا بني: اقبل من الحكماء مواعظهم و تدبر أحكامهم، و كن آخذ الناس بما تأمر به و أكف الناس عما تنهى عنه، و أمر بالمعروف تكن من أهله، فإن استتمام الأمور عند اللّٰه تعالى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و تفقه في الدين فإن الفقهاء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما و لكنهم ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر.

و اعلم أن طالب العلم يستغفر له من في السماوات و الأرض حتى الطير في جو السماء (الهواء- خ ل) و الحوت في البحر، و إن الملائكة لتضع

الوافي، ج 26، ص: 236

أجنحتها لطالب العلم رضى به، و فيه شرف الدنيا و الآخرة و الفوز بالجنة يوم القيامة، لأن الفقهاء هم الدعاة إلى الجنان و الأدلاء على اللّٰه تعالى، و أحسن إلى جميع الناس كما تحب أن يحسن إليك، و ارض لهم بما ترضاه لنفسك، و استقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، و حسن مع جميع الناس خلقك حتى إذا غبت عنهم حنوا إليك و إذا مت بكوا عليك و قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون، و

لا تكن من الذين يقال عند موتهم: الحمد لله رب العالمين.

و اعلم أن رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس، و لا خير فيمن لا يعاشر بالمعروف من لا بد من معاشرته حتى يجعل اللّٰه تعالى إلى الخلاص منه سبيلا، فإني وجدت جميع ما يتعايش به الناس و به يتعاشرون مل ء مكيال ثلثاه استحسان و ثلثه تغافل، و ما خلق اللّٰه تعالى شيئا أحسن من الكلام و لا أقبح منه، بالكلام ابيضت الوجوه، و بالكلام اسودت الوجوه، و اعلم أن الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به فإذا تكلمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك و ورقك، فإن اللسان كلب عقور فإن أنت خليته عقر، و رب كلمة سلبت نعمة، و من سيب عذاره قاده إلى كل كريهة و فضيحة، ثم لم يتخلص من دهره إلا على مقت من اللّٰه و ذم من الناس.

قد خاطر بنفسه من استغنى برأيه، و من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطإ، من تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفظعات النوائب، و التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم، و العاقل من وعظته التجارب، و في التجارب علم مستأنف، و في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال، الأيام تهتك لك عن السرائر الكامنة، فافهم وصيتي هذه

الوافي، ج 26، ص: 237

و لا تذهبن عنك صفحا فإن خير القول ما نفع.

اعلم يا بني أنه لا بد لك من حسن الارتياد و بلاغك من الزاد مع خفة الظهر، فلا تحمل على ظهرك فوق طاقتك فيكون عليك ثقلا في حشرك و نشرك في القيامة، فبئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد، و اعلم أن أمامك مهالك و مهاوي و جسورا

و عقبة كئودا لا محالة أنت هابطها و أن مهبطها إما على جنة أو نار، فارتد لنفسك قبل نزولك إياها فإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل زادك إلى القيامة فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه و حمله و أكثر من تزوده و أنت قادر عليه، فلعلك تطلبه فلا تجده، و إياك أن تثق لتحمل زادك بمن لا ورع له، و لا أمانة فيكون مثلك مثل ظمآن رأى سرابا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فتبقى في القيامة منقطعا بك".

بيان

" حنوا" من الحنين بمعنى الاشتياق" مداراة الناس" أي التقية منهم بالمعروف بما يعد في العرف حسنا" و الاستحسان" جعل الشي ء حسنا يعني كل ما يمكن من أفعال الناس أن يحمل على الوجه الحسن يحمل عليه و ما لم يمكن فيه ذلك يتغافل عنه و لا يلتفت إليه و ذلك إذا خاف منهم على نفسه و إلا فهو مداهنة محرمة إلا ما لا يتعلق بالدين" من سيب عذاره" أي أرسل لجام لسانه أو لجام نفسه فيكون أعم و الأول أظهر و أنسب بالكلام السابق" لمقطعات النوائب" أي المصائب الشديدة الشناعة بالقاف و الطاء المهملة أي اللازمة كالجبة اللاصقة بالبدن و لا تذهبن عنك صفحا و ذلك بأن تعرض عنها بصفحة وجه قلبك فتذهب عنك" من حسن الارتياد" أي طلب الآخرة على الوجه الأحسن في المجاهدة" و بلاغك من الزاد" أي بقدر ما يكفيك في سفر الآخرة مع خفة الظهر

الوافي، ج 26، ص: 238

من تبعة العباد و غيرها و حمل زاد القيامة أهل الفاقة كناية عن الإنفاق في سبيل اللّٰه و كل خير و معروف لله" بمن لا ورع له" أي بصرفه في غير

مستحقه.

[9]
اشارة

25402- 9 (الفقيه- 4: 389 ذيل رقم 5834) و قال عليه السلام في هذه الوصية" يا بني البغي سائق إلى الحين، لم يهلك امرؤ عرف قدره، من حصن شهوته صان قدره، قيمة كل امرئ ما يحسن، الاعتبار يفيدك الرشاد، أشرف الغنى ترك المنى، الحرص فقر حاضر، المودة قرابة مستفادة، صديقك أخوك لأبيك و أمك، و ليس كل أخ لك من أمك و أبيك صديقك، لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك، كم من بعيد أقرب منك من قريب، وصول معدم خير من مثر جاف، الموعظة كهف لمن وعاها، من من بمعروفه أفسده، من أساء خلقه عذب نفسه و كانت البغضة أولى به، ليس من العدل القضاء بالظن على الثقة.

ما أقبح الأشر عند الظفر و الكآبة عند النائبة، و الغلظة و القسوة على الجار، و الخلاف على الصاحب، و الخب من ذي المروءة، و العذر من السلطان، كفر النعم لؤم و مجالسة الأحمق شؤم، اعرف الحق لمن عرفه لك شريفا كان أو وضيعا، من ترك القصد جار، من تعدى الحق ضاق مذهبه، كم من دنف قد نجا و صحيح قد هوى، قد يكون اليأس إدراكا و الطمع هلاكا، استعتب من رجوت عتابه، لا تبيتن من امرئ على غدر، الغدر شر لباس المرء المسلم، من غدر ما أخلق أن لا يوفى له، الفساد يبير الكثير، و الاقتصاد ينمي اليسير، من الكرم الوفاء بالذمم، من كرم ساد،

الوافي، ج 26، ص: 239

و من تفهم ازداد، امحض أخاك النصيحة و ساعده على كل حال ما لم يحملك على معصية اللّٰه تعالى، زل معه حيث زال، لا تصرم أخاك على ارتياب، و لا تقطعه دون استعتاب لعل له عذرا و

أنت تلوم.

اقبل من متنصل عذره فتنالك الشفاعة، و أكرم الذين بهم تصون و ازدد لهم على طول الصحبة برا و إكراما و تبجيلا و تعظيما فليس جزاء من عظم شأنك أن تضع من قدره، و لا جزاء من سرك أن تسوءه، أكثر البر ما استطعت لجليسك فإنك إذا شئت رأيت رشده، من كساه الحياء ثوبه اختفى عن العيون عيبه، من تحرى القصد خفت عليه المؤن، من لم يعط نفسه شهوتها أصاب رشده، مع كل شدة رخاء و مع كل أكلة غصص، لا تنال نعمة إلا بعد أذى، لن لمن أغاظك تظفر بطلبتك، ساعات الهموم ساعات الكفارات و الساعات تنفد عمرك، لا خير في لذة من بعدها النار، و ما خير بخير بعده النار، و ما شر بشر بعده الجنة، كل نعيم دون الجنة محقور، و كل بلاء دون النار عافية، لا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك و بينه، فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه، و لا يكونن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته، و لا على الإساءة إليك أقوى منك على الإحسان إليه.

يا بني فإذا قويت فاقو على طاعة اللّٰه، و إذا ضعفت فاضعف عن معصية اللّٰه، و إن استطعت أن لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فافعل، فإنه أدوم لجمالها و أرخى لبالها و أحسن لحالها، فإن المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة فدارها على كل حال، و أحسن الصحبة لها فيصفو عيشك، و احتمل القضاء بالرضا، و إن أحببت أن تجمع خير الدنيا و الآخرة فاقطع طمعك مما في أيدي الناس، و السلام عليك و رحمة اللّٰه و بركاته" هذا آخر وصيته لمحمد بن الحنفية.

الوافي، ج 26، ص: 240

بيان:

" الحين" الهلاك" حصن" حفظ و في بعض النسخ خطر أي منع" ما يحسن" ما يعلم من الإحسان بمعنى العلم يعني تزيد قيمة المرء بزيادة علمه كما و كيفا، و لا شك أن شرف العلم بشرف المعلوم، فالعالم بعظمة اللّٰه و جلاله أعظم قدرا من العالم بأحكامه و كذلك في سائر العلوم و ما كان المقصود منه الدنيا فقيمته ما يحصل له في الدنيا و ما له في الآخرة من نصيب سوى الحسرة و الندامة" و المعدم" الفقير" و المثري" ذو المال من الثروة" القضاء بالظن على الثقة" أي إذا كنت تثق بأحد في الدين و الديانة و المحبة و غيرها فما لم يحصل لك اليقين بزوال هذه الأشياء عنه لا تحكم بالزوال ف إِنَّ الظَّنَّ لٰا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً" و الأشر" النشاط" و الطغيان عند الظفر" أي الظفر بالمطلوب أو العدو، و في بعض النسخ البطر و كأنه تصحيف" و الكآبة" الغم" و الخب" بالخاء المعجمة الخداع و المكر و في بعض النسخ الخبث بالمثلثة في آخره و في بعضها بالحاء المهملة و النون و المثلثة و كأنهما تصحيف جار إما بالجيم من الجور أو بالمهملة من الحيرة و الدنف بكسر النون من أثقله المرض قد يكون اليأس إدراكا فإنه إذا يئس من الناس يتداركه اللّٰه بقضاء حاجته" استعتب" استرض" من رجوت" أي خفت و أريد بالفساد" المبير" أي المهلك للمال الإسراف" زل معه حيث زال" أي وافقه في جميع الأمور ما لم يعص اللّٰه" لا تصرم" لا تقطع" على ارتياب" أي في محبته أو فسقه" و المتنصل" المعتذر" فتنالك الشفاعة" أي من محمد و أهل بيته عليهم السلام لأنهم ضمنوا له

الشفاعة كما مضى بهم" تصول" أي تحمل على أعاديك.

الوافي، ج 26، ص: 241

باب مواعظ أبي محمد الحسن و أبي عبد اللّٰه الحسين عليهما السلام

[1]
اشارة

25403- 1 (الفقيه- 4: 404 رقم 5873) المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال" قيل للحسن بن علي عليهما السلام كيف أصبحت يا ابن رسول اللّٰه قال:

أصبحت و لي رب فوقي، و النار أمامي، و الموت يطلبني، و الحساب محدق بي، و أنا مرتهن بعملي، لا أجد ما أحب و لا أدفع ما أكره، و الأمور بيد غيري، فإن شاء عذبني، و إن شاء عفا عني، فأي فقير أفقر مني".

بيان

في أكثر النسخ الحسين بدل الحسن" محدق بي" أي مطيف بي ناظر إلي.

و من مواعظ أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام ما رواه الشيخ الجليل أبو محمد الحسن بن علي بن شعبة رحمه اللّٰه في كتابه المسمى بتحف العقول عن آل الرسول عنه عليه السلام أنه قيل له: ما الزهد قال" الرغبة في التقوى و الزهادة في الدنيا" قيل: فما الحلم قال" كظم الغيظ و ملك النفس" قيل: ما

الوافي، ج 26، ص: 242

السداد قال" دفع المنكر بالمعروف" قيل: فما الشرف قال" اصطناع العشيرة و حمل الجريرة" قيل: فما النجدة قال" الذب عن الجار و الصبر في المواطن و الإقدام عند الكريهة" قيل: فما المجد قال" أن تعطي في الغرم و أن تعفو عن الجرم" قيل: فما المروءة قال" حفظ الدين و إعزاز النفس و لين الكنف و تعهد الصنيعة و أداء الحقوق و التحبب إلى الناس" قيل: فما الكرم قال" الابتداء بالعطية قبل المسألة و إطعام الطعام في المحل".

قيل: فما الدنيئة قال" النظر في اليسير و منع الحقير" قيل: فما اللؤم قال" قلة الندى و أن ينطق بالخناء" قيل: فما السماح قال" البذل في السراء و

الضراء" قيل: فما الشح قال" أن ترى ما في يديك شرفا و ما أنفقته تلفا" قيل:

فما الإخاء قال" الإخاء في الشدة و الرخاء" قيل: فما الجبن قال" الجرأة على الصديق و النكول عن العدو" قيل: فما الغنى قال" رضى النفس بما قسم لها و إن قل" قيل: فما الفقر قال" شره النفس إلى كل شي ء" قيل: فما الجود قال" بذل المجهود" قيل: فما الكرم قال" الحفاظ في الشدة و الرخاء" قيل: فما الجرأة قال" موافقة الأقران" قيل: فما المنعة قال" شدة البأس و منازعة أعز الناس".

قيل: فما البذل قال" الفرق عند المصدوقة" قيل: فما الخرق قال" مناوأتك أميرك و من يقدر على ضرك" قيل: فما السناء قال" إتيان الجميل و ترك القبيح" قيل: فما الحزم قال" طول الأناة و الرفق بالولاة و الاحتراس من جميع الناس" قيل: فما الشرف قال" موافقة الإخوان و حفظ الجيران" قيل: فما الحرمان قال" تركك حظك و قد عرض عليك" قيل: فما السفه قال

الوافي، ج 26، ص: 243

" اتباع الدناءة و مصاحبة الغواة" قيل: فما العي قال" العبث باللحية و كثرة التنحنح عند المنطق" قيل: فما الشجاعة قال" موافقة الأقران و الصبر عند الطعان" قيل: فما الكلفة قال" كلامك فيما لا يعنيك" قيل: فما السفاة قال" الأحمق في ماله المتهاون بعرضه" قيل: فما اللؤم قال" إحراز المرء نفسه و إسلامه عرسه".

أقول: اصطناع العشيرة اتخاذهم أو اختيارهم أو فعل المعروف بهم" و الغرم" بضم المعجمة و سكون المهملة ما يلزم أداؤه و تعهد الصنيعة إصلاحها و إنماؤها" و المحل" الشدة و الجذب" و الندى" العطاء" و الحفاظ" الذب عن المحارم" و المواقفة" بتقديم القاف المحاربة، و لعل المراد بالبأس و المنازعة

الحرب و الجهاد في اللّٰه و يحتمل أن يكون المراد بالبأس الهيبة في أعين الناس و بأعز الناس النفس فإن أعز الناس عند كل أحد نفسه و الفرق بالتحريك الخوف و المصدوقة الصدق" و الخرق" الحمق" و المناوأة" المعاداة" و العي" العجز" و العرس" بالكسر امرأة الرجل و رحلها.

و من مواعظه عليه السلام ما رواه في الكتاب المذكور أيضا عنه عليه السلام أنه قال" اعلموا أن اللّٰه لم يخلقكم عبثا، و ليس بتارككم سدى، كتب آجالكم و قسم بينكم معايشكم ليعرف كل ذي لب منزلته، و أن ما قدر له أصابه و ما صرف عنه فلن يصيبه، قد كفاكم مئونة الدنيا و فرغكم لعبادته، و حثكم على الشكر، و افترض عليكم الذكر، و أوصاكم بالتقوى، و جعل التقوى منتهى رضاه، و التقوى باب كل توبة، و رأس كل حكمة و شرف كل عمل، بالتقوى فاز من فاز من المتقين، قال اللّٰه تبارك و تعالى إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفٰازاً و قال وَ يُنَجِّي اللّٰهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفٰازَتِهِمْ لٰا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَ لٰا هُمْ يَحْزَنُونَ فاتقوا اللّٰه عباد اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 244

و اعلموا أنه مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ تعالى يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً من الفتن و يسدده في أمره و يهيئ له رشده و يفلجه بحجته و يبيض وجهه و يعطيه رغبته مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدٰاءِ وَ الصّٰالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً".

و من مواعظ أبي عبد اللّٰه الحسين بن علي عليهما السلام ما رواه في الكتاب المذكور أيضا عنه عليه السلام قال" أوصيكم بتقوى اللّٰه و أحذركم أيامه و أرفع لكم أعلامه فكان المخوف قد أفد بمهول وروده و نكير حلوله و

بشع مذاقه فاعتلق مهجكم و حال بين العمل و بينكم، فبادروا بصحة الأجسام في مدة الأعمار كأنكم ببغتات طوارقه فتنقلكم من ظهر الأرض إلى بطنها، و من علوها إلى أسفلها، و من أنسها إلى وحشتها، و من روحها وضوءها إلى ظلمتها، و من سعتها إلى ضيقها، حيث لا يزار حميم و لا يعاد سقيم و لا يجاب صريخ، أعاننا اللّٰه و إياكم على أهوال ذلك اليوم و نجانا و إياكم من عقابه و أوجب لنا و لكم الجزيل من ثوابه.

عباد اللّٰه فلو كان ذلك قصر مرماكم و مدى مظعنكم كان حسب العامل شغلا يستفرغ عليه أحزانه و يذهله عن دنياه و يكثر نصبه لطلب الخلاص منه، فكيف و هو بعد ذلك مرتهن باكتسابه، مستوقف على حسابه، لا وزير له يمنعه، و لا ظهير عنه يدفعه، و يومئذ لٰا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمٰانُهٰا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمٰانِهٰا خَيْراً، قُلِ انْتَظِرُوا إِنّٰا مُنْتَظِرُونَ.

أوصيكم بتقوى اللّٰه فإن اللّٰه قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب و يرزقه من حيث لا يحتسب، فإياك أن تكون ممن تخاف على العباد من ذنوبهم، و يأمن العقوبة من ذنبه، فإن اللّٰه تبارك و تعالى لا يخدع عن جنته و لا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء اللّٰه".

الوافي، ج 26، ص: 245

باب مواعظ علي بن الحسين صلوات اللّٰه عليهما

[1]

25404- 1 (الكافي- 8: 14 رقم 2) محمد، عن ابن عيسى و علي، عن أبيه جميعا، عن السراد، عن مالك بن عطية، عن الثمالي، قال: ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسين عليهما السلام إلا ما بلغني من علي بن أبي طالب عليه السلام، قال أبو حمزة: كان

علي بن الحسين عليهما السلام إذا تكلم في الزهد و وعظ أبكى من بحضرته، قال أبو حمزة: و قرأت في صحيفة كان فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين عليهما السلام و كتبت ما فيها ثم أتيت علي بن الحسين عليهما السلام فعرضت ما فيها عليه فعرفه و صححه و كان ما فيها" بسم اللّٰه الرحمن الرحيم كفانا اللّٰه و إياكم كيد الظالمين و بغي الحاسدين و بطش الجبارين.

أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت و أتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا المائلون إليها، المفتتنون بها، المقبلون عليها و على حطامها الهامد، و هشيمها البائد غدا، و احذروا ما حذركم اللّٰه منها، و ازهدوا فيما زهدكم اللّٰه فيه منها، و لا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من اتخذها دار قرار و منزل استيطان، و اللّٰه إن لكم مما فيها عليها لدليلا و تنبيها من تصريف

الوافي، ج 26، ص: 246

أيامها، و تغير انقلابها و مثلاتها، و تلاعبها بأهلها، إنها لترفع الخميل و تضع الشريف و تورد أقواما إلى النار غدا ففي هذا معتبر و مختبر و زاجر لمنتبه، إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم و ليلة من ملمات الفتن، و حوادث البدع، و سنن الجور، و بوائق الزمان، و هيبة السلطان، و وسوسة الشيطان، لتثبط القلوب عن تنبهها و تذهلها عن موجود الهدى، و معرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم اللّٰه.

فليس يعرف تصرف أيامها و تقلب حالاتها، و عاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم اللّٰه و نهج سبيل الرشد، و سلك طريق القصد، ثم استعان على ذلك بالزهد، فكرر الفكر و اتعظ بالعبر فازدجر و زهد في عاجل بهجة الدنيا، و تجافى

عن لذاتها و رغب في دار نعيم الآخرة، و سعى لها سعيها و راغب الموت و شنأ الحياة مع القوم الظالمين، نظر إلى ما في الدنيا بعين قرة حديدة النظر، و أبصر حوادث الفتنة، و ضلال البدع، و جور الملوك الظلمة، فقد لعمري استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة و الانهماك فيما تستدلون به على تجنب الغواة و أهل البدع و البغي و الفساد في الأرض بغير الحق، فاستعينوا بالله و ارجعوا إلى طاعة اللّٰه و طاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع فأطيع.

فالحذر الحذر من قبل الندامة و الحسرة و القدوم على اللّٰه و الوقوف بين يديه، و تالله ما صدر قوم قط عن معصية اللّٰه إلا إلى عذابه و ما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم و ساء مصيرهم و ما العلم بالله

الوافي، ج 26، ص: 247

و العمل إلا إلفان مؤتلفان فمن عرف اللّٰه خافه و حثه الخوف على العمل بطاعة اللّٰه و إن أرباب العلم و أتباعهم الذين عرفوا اللّٰه فعملوا له و رغبوا إليه، و قد قال اللّٰه تعالى إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية اللّٰه و اشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة اللّٰه و اغتنموا أيامها و اسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب اللّٰه فإن ذلك أقل للتبعة و أدنى من العذر و أرجى للنجاة و قدموا أمر اللّٰه و طاعة من أوجب اللّٰه طاعته بين يدي الأمور كلها و لا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي اللّٰه و طاعته و طاعة أولي الأمر منكم.

و اعلموا أنكم عبيد اللّٰه و

نحن معكم يحكم علينا و عليكم سيد حاكم غدا و هو موقفكم و مسائلكم فأعدوا الجواب قبل الوقوف و المساءلة و العرض على رب العالمين يومئذ لٰا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلّٰا بِإِذْنِهِ، و اعلموا أن اللّٰه لا يصدق يومئذ كاذبا و لا يكذب صادقا و لا يرد عذر مستحق و لا يعذر غير معذور، له الحجة على خلقه بالرسل و الأوصياء بعد الرسل فاتقوا اللّٰه عباد اللّٰه و استقبلوا في إصلاح أنفسكم و طاعة اللّٰه و طاعة من تولونه فيها، لعل نادما قد ندم فيما فرط بالأمس في جنب اللّٰه و ضيع من حقوق اللّٰه و استغفروا اللّٰه و توبوا إليه فإنه يقبل التوبة و يعفو عن السيئة و يعلم ما تفعلون و إياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين و مجاورة الفاسقين.

احذروا فتنتهم و تباعدوا عن ساحتهم و اعلموا أنه من خالف أولياء اللّٰه و دان بغير دين اللّٰه و استبد بأمره دون أمر ولي اللّٰه كان في نار تلتهب، تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها و غلبت عليها شقوتها، فهم موتى لا يجدون حر النار و لو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار فاعتبروا يا

الوافي، ج 26، ص: 248

أولي الأبصار و احمدوا اللّٰه على ما هداكم و اعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة اللّٰه إلى غير قدرته و سيرى اللّٰه أعمالكم ثم إليه تحشرون، فانتفعوا بالعظة و تأدبوا بآداب الصالحين".

[2]

25405- 2 (الكافي- 8: 72 رقم 29) بالإسنادين، عن السراد، عن عبد اللّٰه بن غالب الأسدي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، قال: كان علي ابن الحسين عليهما السلام يعظ الناس و يزهدهم في الدنيا و يرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل

جمعة في مسجد الرسول صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و حفظ عنه و كتب كان يقول" أيها الناس اتقوا اللّٰه و اعلموا أنكم إليه ترجعون ف تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ في هذه الدنيا مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ مٰا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهٰا وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ، ويحك يا ابن آدم الغافل و ليس بمغفول عنه.

يا ابن آدم إن أجلك أسرع شي ء إليك، قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك و يوشك أن يدركك و كان قد أوفيت أجلك و قبض الملك روحك و صرت إلى قبرك وحيدا فرد إليك فيه روحك و اقتحم عليك فيه ملكان ناكر و نكير لمساءلتك و شديد امتحانك، ألا و إن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده و عن نبيك الذي أرسل إليك و عن دينك الذي كنت تدين به و عن كتابك الذي كنت تتلوه و عن إمامك الذي كنت تتولاه، ثم عن عمرك فيما أفنيته، و مالك من أين اكتسبته و فيما أنفقته، فخذ حذرك و انظر لنفسك و أعد الجواب قبل الامتحان و المساءلة و الاختبار فإن تك مؤمنا عارفا بدينك، متبعا للصادقين، مواليا لأولياء اللّٰه لقاك اللّٰه حجتك و انطلق لسانك بالصواب و أحسنت الجواب و بشرت بالرضوان و الجنة من اللّٰه تعالى و استقبلتك الملائكة بالروح و الريحان و إن لم تكن

الوافي، ج 26، ص: 249

كذلك تلجلج لسانك و دحضت حجتك و عييت عن الجواب و بشرت بالنار و استقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم و تصلية جحيم.

و اعلم يا ابن آدم إن من وراء هذا أعظم و أفظع و أوجع للقلوب يوم القيامة، ذٰلِكَ

يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّٰاسُ وَ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ، يجمع اللّٰه تعالى فيه الأولين و الآخرين ذلك يوم ينفخ في الصور و تبعثر ما في القبور و ذلك يوم الآزفة إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنٰاجِرِ كٰاظِمِينَ و ذلك يوم لا تقال فيه عثرة و لا يؤخذ من أحد فدية و لا تقبل من أحد معذرة و لا لأحد فيه مستقبل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات و الجزاء بالسيئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده، و من كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده.

فاحذروا أيها الناس من الذنوب و المعاصي ما قد نهاكم اللّٰه عنها و حذركموها في كتابه الصادق و البيان الناطق و لا تأمنوا مكر اللّٰه و تحذيره و تهديده عند ما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات و اللذات في هذه الدنيا فإن اللّٰه تعالى يقول إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذٰا مَسَّهُمْ طٰائِفٌ مِنَ الشَّيْطٰانِ تَذَكَّرُوا فَإِذٰا هُمْ مُبْصِرُونَ و أشعروا قلوبكم خوف اللّٰه و تذكروا ما قد وعدكم اللّٰه في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد العقاب فإنه من خاف شيئا حذره و من حذر شيئا تركه، و لا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا الذين مكروا السيئات فإن اللّٰه يقول في محكم كتابه أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئٰاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللّٰهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذٰابُ مِنْ حَيْثُ لٰا يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمٰا هُمْ بِمُعْجِزِينَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلىٰ

الوافي، ج 26، ص: 250

تَخَوُّفٍ.

فاحذروا ما حذركم اللّٰه بما فعل بالظلمة في كتابه و لا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما توعد به القوم الظالمين في

الكتاب و اللّٰه لقد وعظكم اللّٰه في كتابه بغيركم فإن السعيد من وعظ بغيره و لقد أسمعكم اللّٰه في كتابه بما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال وَ كَمْ قَصَمْنٰا مِنْ قَرْيَةٍ كٰانَتْ ظٰالِمَةً و إنما عنى بالقرية أهلها حيث يقول وَ أَنْشَأْنٰا بَعْدَهٰا قَوْماً آخَرِينَ و قال تعالى فَلَمّٰا أَحَسُّوا بَأْسَنٰا إِذٰا هُمْ مِنْهٰا يَرْكُضُونَ- يعني يهربون- قال لٰا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلىٰ مٰا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَسٰاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ- فلما أتاهم العذاب- قٰالُوا يٰا وَيْلَنٰا إِنّٰا كُنّٰا ظٰالِمِينَ.

فَمٰا زٰالَتْ تِلْكَ دَعْوٰاهُمْ حَتّٰى جَعَلْنٰاهُمْ حَصِيداً خٰامِدِينَ و ايم اللّٰه إن هذه عظة لكم و تخويف إن اتعظتم و خفتم، ثم رجع القول من اللّٰه في الكتاب على أهل المعاصي و الذنوب فقال تعالى وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذٰابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰا وَيْلَنٰا إِنّٰا كُنّٰا ظٰالِمِينَ.

فإن قلتم: أيها الناس إن اللّٰه تعالى إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذلك، و هو يقول وَ نَضَعُ الْمَوٰازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيٰامَةِ فَلٰا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كٰانَ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنٰا بِهٰا وَ كَفىٰ بِنٰا حٰاسِبِينَ، و اعلموا عباد اللّٰه أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين و لا تنشر لهم الدواوين و إنما يحشرون إلى جهنم زمرا و إنما نصب الموازين و نشر الدواوين لأهل الإسلام، فاتقوا اللّٰه عباد اللّٰه و اعلموا أن اللّٰه تعالى لم يحب

الوافي، ج 26، ص: 251

زهرة الدنيا و عاجلها لأحد من أوليائه و لم يرغبهم فيها و في عاجل زهرتها و ظاهر بهجتها و إنما خلق الدنيا و خلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته و ايم اللّٰه لقد ضرب لكم فيها الأمثال و

صرف الآيات لقوم يعقلون و لا قوة إلا بالله.

فازهدوا فيما زهدكم اللّٰه تعالى فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن اللّٰه تعالى يقول و قوله الحق إِنَّمٰا مَثَلُ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا كَمٰاءٍ أَنْزَلْنٰاهُ مِنَ السَّمٰاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبٰاتُ الْأَرْضِ مِمّٰا يَأْكُلُ النّٰاسُ وَ الْأَنْعٰامُ حَتّٰى إِذٰا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهٰا وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُهٰا أَنَّهُمْ قٰادِرُونَ عَلَيْهٰا أَتٰاهٰا أَمْرُنٰا لَيْلًا أَوْ نَهٰاراً فَجَعَلْنٰاهٰا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيٰاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فكونوا عباد اللّٰه من القوم الذين يتفكرون و لا تركنوا إلى الدنيا فإن اللّٰه تعالى قال لمحمد صلى اللّٰه عليه و آله و سلم وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ و لا تركنوا إلى زهرة الدنيا و ما فيها ركون من اتخذها دار قرار و منزل استيطان فإنها دار بلغة و منزل قلعة و دار عمل، فتزودوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرق أيامها و قبل الإذن من اللّٰه في خرابها فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة و ابتدأها و هو ولي ميراثها فأسأل اللّٰه العون لنا و لكم على تزود التقوى و الزهد فيها، جعلنا اللّٰه و إياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، الراغبين لآجل ثواب الآخرة فإنما نحن به و له صلى اللّٰه على محمد النبي و آله و سلم و السلام عليكم و رحمة اللّٰه و بركاته".

الوافي، ج 26، ص: 252

[3]
اشارة

25406- 3 (الكافي- 8: 68 رقم 24) محمد، عن ابن عيسى، عن (الفقيه- 4: 408 رقم 5884) السراد، عن مالك بن عطية (الفقيه) عن عائذ الأحمسي (ش) عن الثمالي، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: كان عليه السلام يقول" إن أحبكم إلى اللّٰه تعالى أحسنكم

عملا و إن أعظمكم عند اللّٰه عملا أعظمكم فيما عند اللّٰه رغبة و إن أنجاكم من عذاب اللّٰه أشدكم خشية لله و إن أقربكم من اللّٰه أوسعكم خلقا و إن أرضاكم عند اللّٰه أسبغكم على عياله و إن أكرمكم على اللّٰه أتقاكم لله".

بيان

" أسبغكم" أوسعكم.

<و من مواعظه عليه السلام> ما رواه الحسن بن علي بن شعبة رحمه اللّٰه في تحف العقول عنه عليه السلام أنه قال" إن علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة تركهم كل خليط و خليل و رفضهم كل صاحب لا يريد ما يريدون، ألا و إن العامل لثواب الآخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا، الآخذ للموت أهبته، الحاث على العمل قبل

الوافي، ج 26، ص: 253

فناء الأجل و نزول ما لا بد من لقائه، و تقديم الحذر قبل المختبر فإن اللّٰه جل و عز يقول حَتّٰى إِذٰا جٰاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قٰالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صٰالِحاً فِيمٰا تَرَكْتُ فلينزلن أحدكم اليوم نفسه في هذه الدنيا كمنزلة المكرور إلى الدنيا، النادم على ما فرط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته.

و اعلموا عباد اللّٰه: أنه من خاف البيات تجافى عن الوساد، و امتنع من الرقاد و أمسك عن بعض الطعام و الشراب من خوف سلطان أهل الدنيا فكيف ويحك يا ابن آدم من خوف بيات سلطان رب العزة و أخذه الأليم و بياته لأهل المعاصي و الذنوب مع طوارق المنايا بالليل و النهار فذلك البيات الذي ليس منه منجى، و لا دونه ملتجئ و لا منه مهرب فخافوا اللّٰه أيها المؤمنون من البيات خوف أهل اليقين و أهل التقوى، فإن اللّٰه تعالى يقول ذٰلِكَ لِمَنْ خٰافَ مَقٰامِي وَ خٰافَ وَعِيدِ فاحذروا زهرة

الحياة الدنيا و غرورها و شرورها و تذكروا ضرر عاقبة الميل إليها، فإن زينتها فتنة و حبها خطيئة.

و اعلم ويحك يا ابن آدم أن نشوة البطنة و نترة الميلة و سكر الشبع، و عزة الملك مما يثبط، و يبطئ عن العمل، و ينسي الذكر، و يلهي عن اقتراب الأجل، حتى كأن المبتلى بحب الدنيا به خبل من سكر الشراب، و إن العاقل عن اللّٰه، الخائف منه، العامل له ليمرن نفسه و يعودها الجوع حتى ما تشتاق إلى الشبع، و كذلك تضمر الخيل لسبق الرهان.

فاتقوا اللّٰه عباد اللّٰه تقوى مؤمل ثوابه و خاف عقابه فقد لله أنتم أعذر و أنذر

الوافي، ج 26، ص: 254

و شوق و خوف فلا أنتم إلى ما شوقكم إليه من كريم ثوابه تشتاقون فتعملون و لا أنتم مما خوفكم به من شديد عقابه، و أليم عذابه ترهبون فتنكلون، و قد نبأكم اللّٰه في كتابه أنه من يعمل مِنَ الصّٰالِحٰاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلٰا كُفْرٰانَ لِسَعْيِهِ وَ إِنّٰا لَهُ كٰاتِبُونَ ثم ضرب لكم الأمثال في كتابه و صرف الآيات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدنيا، فقال إِنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ أَوْلٰادُكُمْ فِتْنَةٌ وَ اللّٰهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ فَاتَّقُوا اللّٰهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُوا وَ أَطِيعُوا، فاتقوا اللّٰه و اتعظوا بمواعظ اللّٰه، و ما أعلم إلا كثيرا منكم قد نهكته عواقب المعاصي فما حذرها و أضرت بدينه فما مقتها.

أ ما تسمعون النداء من اللّٰه بعيبها و تصغيرها حيث قال اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفٰاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكٰاثُرٌ فِي الْأَمْوٰالِ وَ الْأَوْلٰادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّٰارَ نَبٰاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرٰاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطٰاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ

مِنَ اللّٰهِ وَ رِضْوٰانٌ وَ مَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا إِلّٰا مَتٰاعُ الْغُرُورِ.

سٰابِقُوا إِلىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهٰا كَعَرْضِ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ رُسُلِهِ ذٰلِكَ فَضْلُ اللّٰهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشٰاءُ وَ اللّٰهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ و قال يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ مٰا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا تَعْمَلُونَ. وَ لٰا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللّٰهَ فَأَنْسٰاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ.

فاتقوا اللّٰه عباد اللّٰه و تفكروا و اعملوا لما خلقتم له فإن اللّٰه لم يخلقكم عبثا و لم

الوافي، ج 26، ص: 255

يترككم سدى، قد عرفكم نفسه و بعث إليكم رسوله و أنزل عليكم كتابه، فيه حلاله و حرامه و حججه و أمثاله فاتقوا اللّٰه فقد احتج عليكم ربكم، فقال أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ. وَ لِسٰاناً وَ شَفَتَيْنِ. وَ هَدَيْنٰاهُ النَّجْدَيْنِ فهذه حجة عليكم فَاتَّقُوا اللّٰهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فإنه لا قوة إلا بالله و لا تكلان إلا عليه، و صلى اللّٰه على محمد نبيه و آله".

<و من مواعظه عليه السلام ما كتبه إلى محمد بن مسلم الزهري> يعظه رواه في تحف العقول قال" كفانا اللّٰه و إياك من الفتن و رحمك من النار، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك فقد أثقلتك نعم اللّٰه بما أصح من بدنك، و أطال من عمرك، و قامت عليك حجج اللّٰه بما حملك من كتابه و فقهك فيه من دينه و عرفك من سنة نبيه محمد صلى اللّٰه عليه و آله و سلم فرضي لك في كل نعمة أنعم بها عليك و في كل حجة احتج بها عليك الفرض بما قضى إلا ابتلى شكرك في ذلك

و أبدى فيه فضله عليك فقال لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدٌ.

فانظر أي رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي اللّٰه فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها و عن حججه كيف قضيتها، و لا تحسبن اللّٰه قابلا منك بالتعذير و لا راضيا منك بالتقصير، هيهات هيهات ليس كذلك، أخذ على العلماء في كتابه إذ قال لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّٰاسِ وَ لٰا تَكْتُمُونَهُ.

الوافي، ج 26، ص: 256

و اعلم أن أدنى ما كتمت و أخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم و سهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت و إجابتك له حين دعيت، فما أخوفني أن تبوء بإثمك غدا مع الخونة، و أن تسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك و دنوت ممن لم يرد على أحد حقا و لم يرد باطلا حين أدناك و أجبت من حاد اللّٰه، أ و ليس بدعائه إياك حين دعاك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم، و جسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم، و سلما إلى ضلالتهم، داعيا إلى غيهم، سالكا سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، و يقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم و لا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، و اختلاف الخاصة و العامة إليهم، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، و ما أيسر ما عمروا لك فكيف ما خرجوا عليك، فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك و حاسبها حساب رجل مسئول.

و انظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمة صغيرا و كبيرا، فما أخوفني أن تكون كما قال اللّٰه تعالى في كتابه فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتٰابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ

هٰذَا الْأَدْنىٰ وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنٰا إنك لست في دار مقام أنت في دار قد آذنت برحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه، طوبى لمن كان في الدنيا على وجل، يا بؤس لمن يموت و تبقى ذنوبه من بعده، احذر فقد نبئت، و بادر فقد أجلت، أنك تعامل من لا يجهل، و إن الذي يحفظ عليك لا يغفل، تجهز فقد دنا منك سفر بعيد و داو ذنبك فقد دخله سقم شديد، و لا تحسب إني أردت توبيخك و تعنيفك و تعييرك، لكني أردت أن ينعش اللّٰه ما قد فات من رأيك و يرد إليك ما عزب من دينك، و ذكرت قول اللّٰه تعالى في كتابه وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ.

الوافي، ج 26، ص: 257

أغفلت ذكر من مضى من أسنانك و أقرانك و بقيت بعدهم كقرن أعضب، انظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت، أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه، أم هل تراه ذكر خيرا عملوه و عملت شيئا جهلوه، بل حظيت بما حل من حالك في صدور العامة و كلفهم بك، إذ صاروا يقتدون برأيك و يعملون بأمرك، أن أحللت أحلوا و إن حرمت حرموا، و ليس ذلك عندك و لكن أظهرهم عليك و رغبتهم فيما لديك، ذهاب علمائهم و غلبة الجهل عليك و عليهم و حب الرئاسة و طلب الدنيا منك و منهم، أ ما ترى ما أنت فيه من الجهل و الغرة و ما الناس فيه من البلاء و الفتنة، قد ابتليتهم و فتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا، فتاقت نفوسهم إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت، أو يدركوا به مثل الذي أدركت، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه، و

في بلاء لا يقدر قدره، فالله لنا و لك، و هو المستعان.

أما بعد فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسمالهم لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم و بين اللّٰه حجاب، و لا تفتنهم الدنيا و لا يفتنون بها، رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا، فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ كبر سنك و رسوخ علمك و حضور أجلك، فكيف يسلم الحدث في سنه، الجاهل في علمه، المأفون في رأيه، المدخول في عقله، إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ (راغبون- خ ل) على من المعول و عند من المستعتب نشكو إلى اللّٰه بثنا و ما نرى فيك و نحتسب عند اللّٰه مصيبتنا بك.

فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمة صغيرا و كبيرا، و كيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا، و كيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيرا، و كيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا، ما لك لا تنتبه من نعستك و تستقيل من عثرتك فتقول: و اللّٰه ما قمت لله مقاما واحدا أحييت به له دينا أو أمت له فيه باطلا، فهذا شكرك من استحملك، ما أخوفني

الوافي، ج 26، ص: 258

أن تكون كمن قال اللّٰه تعالى في كتابه أَضٰاعُوا الصَّلٰاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَوٰاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ما استحملك كتابه و استودعك علمه فأضعتهما، فنحمد اللّٰه الذي عافانا مما ابتلاك به و السلام".

الوافي، ج 26، ص: 259

باب مواعظ أبي جعفر الباقر عليه السلام

[1]

25407- 1 (الكافي- 2: 454) محمد، عن ابن عيسى، عن علي بن النعمان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي النعمان العجلي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام" يا با النعمان لا يغرنك الناس من نفسك،

فإن الأمر يصل إليك دونهم، و لا تقطع نهارك بكذا و كذا فإن معك من يحفظ عليك عملك، و أحسن فإني لم أر شيئا أسرع دركا و لا أسرع طلبا من حسنة محدثة لذنب قديم".

[2]
اشارة

25408- 2 (الكافي- 2: 455) العدة، عن البرقي رفعه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال" إذا أتت على الرجل أربعون سنة قيل له: خذ حذرك فأنت غير معذور و ليس ابن الأربعين أحق بالحذر من ابن العشرين فإن الذي يطلبهما واحد و ليس براقد، فاعمل لما أمامك من الهول و دع عنك فضول القول".

الوافي، ج 26، ص: 260

بيان:

قد مضى هذان الخبران في كتاب الإيمان و الكفر.

و من مواعظه عليه السلام وصيته لجابر بن يزيد الجعفي رواها في تحف العقول عنه عليه السلام أنه قال له" يا جابر اغتنم من أهل زمانك خمسا: إن حضرت لم تعرف، و إن غبت لم تفتقد، و إن شهدت لم تشاور، و إن قلت لم يقبل قولك، و إن خطبت لم تزوج، و أوصيك بخمس: إن ظلمت فلا تظلم، و إن خانوك فلا تخن، و إن كذبت فلا تغضب، و إن مدحت فلا تفرح، و إن ذممت فلا تجزع، و فكر فيما قيل فيك، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك، فسقوطك من عين اللّٰه عز و جل عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس، و إن كنت على خلاف ما قيل فيك، فثواب اكتسبته من غير أن تتعب بدنك.

و اعلم بأنك لا تكون لنا وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك و قالوا: إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك، و لو قالوا: إنك رجل صالح لم يسرك ذلك، و لكن اعرض نفسك على كتاب اللّٰه، فإن كنت سالكا سبيله زاهدا في تزهيده راغبا في ترغيبه خائفا من تخويفه فاثبت و أبشر، فإنه لا يضرك ما قيل فيك، و إن كنت

مباينا للقرآن فما ذا الذي يغرك من نفسك، إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها، فمرة يقيم أودها، و يخالف هواها في محبة اللّٰه، و مرة تصرعه نفسه فيتبع هواها، فينعشه اللّٰه فينتعش و يقيل اللّٰه عثرته فيستذكر و يفزع إلى التوبة و المخافة فيزداد بصيرة و معرفة، لما زيد فيه من الخوف و ذلك بأن اللّٰه يقول إِنَّ

الوافي، ج 26، ص: 261

الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذٰا مَسَّهُمْ طٰائِفٌ مِنَ الشَّيْطٰانِ تَذَكَّرُوا فَإِذٰا هُمْ مُبْصِرُونَ.

يا جابر استكثر لنفسك من اللّٰه قليل الرزق تخلصا إلى الشكر، و استقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراء على النفس و تعرضا للعفو، و ادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم، و استعمل حاضر العلم بخالص العمل، و تحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ، و استجلب شدة التيقظ بصدق الخوف، و احذر خفي التزين بحاضر الحياة و توق مجازفة الهوى بدلالة العقل، و قف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم، و استبق خالص الأعمال ليوم الجزاء، و انزل ساحة القناعة بإنفاء الحرص، و ادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة، و استجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل، و اقطع أسباب الطمع ببرد اليأس، و سد سبيل العجب بمعرفة النفس.

و تخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض، و اطلب راحة البدن بإجمام القلب، و تخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطإ، و تعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات، و استجلب نور القلب بدوام الحزن، و تحرز من إبليس بالخوف الصادق، و إياك و الرجاء الكاذب، فإنه يوقعك في الخوف الصادق، و تزين لله عز و جل بالصدق في الأعمال، و تحبب إليه بتعجيل الانتقال، و إياك و التسويف فإنه بحر يغرق فيه الهلكى، و

إياك و الغفلة ففيها تكون قساوة القلب، و إياك و التواني فيما لا عذر لك فيه، فإليه يلجأ النادمون، و استرجع سالف الذنوب بشدة الندم، و كثرة الاستغفار، و تعرض للرحمة.

و عفو اللّٰه بحسن المراجعة، و استعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء و المناجاة في الظلم، و تخلص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق، و استقلال كثير الطاعة، و استجلب زيادة النعم بعظيم الشكر، و توسل إلى عظيم الشكر

الوافي، ج 26، ص: 262

بخوف زوال النعم، و اطلب بقاء العز بإماتة الطمع، و ادفع ذل الطمع بعز اليأس، و استجلب عز اليأس ببعد الهمة، و تزود من الدنيا بقصر الأمل، و بادر بانتهاز البغية عند إمكان الفرصة، و لا إمكان كالأيام الخالية مع صحة الأبدان، و إياك و الثقة بغير المأمون فإن للشر ضراوة كضراوة الغذاء.

و اعلم أنه لا علم كطلب السلامة، و لا سلامة كسلامة القلب، و لا عقل كمخالفة الهوى، و لا خوف كخوف حاجز، و لا رجاء كرجاء معين، و لا فقر كفقر القلب، و لا غنى كغني النفس، و لا قوة كغلبة الهوى، و لا نور كنور اليقين، و لا يقين كاستصغارك الدنيا، و لا معرفة كمعرفتك بنفسك، و لا نعمة كالعافية، و لا عافية كمساعدة التوفيق، و لا شرف كبعد الهمة، و لا زهد كقصر الأمل، و لا حرص كالمنافسة في الدرجات، و لا عدل كالإنصاف، و لا تعدي كالجور، و لا جور كموافقة الهوى، و لا طاعة كأداء الفرائض، و لا خوف كالحزن، و لا مصيبة كعدم العقل، و لا عدم عقل كقلة اليقين، و لا قلة اليقين كفقد الخوف، و لا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف، و

لا مصيبة كاستهانتك بالذنب و رضاك بالحالة التي أنت عليها، و لا فضيلة كالجهاد، و لا جهاد كمجاهدة الهوى، و لا قوة كرد الغضب، و لا معصية كحب البقاء، و لا ذل كذل الطمع، و إياك و التفريط عند إمكان الفرصة، فإنه ميدان يجري لأهله بالخسران".

قال و حضره ذات يوم جماعة من الشيعة فوعظهم و حذرهم و هم ساهون لأهون، فأغاظه ذلك، فأطرق مليا، ثم رفع رأسه إليهم و قال بعد كلمات في معاتبتهم طمست في نسخة الأصل:

" يا أشباحا بلا أرواح، و ذبالا بلا مصباح خشب مسندة و أصنام مربدة، أ لا تأخذون الذهب من الحجر، أ لا تقتبسون الضياء من النور الأزهر، أ لا تأخذون

الوافي، ج 26، ص: 263

اللؤلؤ من البحر، خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها، و إن لم يعمل بها، فإن اللّٰه تعالى يقول الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولٰئِكَ الَّذِينَ هَدٰاهُمُ اللّٰهُ.

ويحك يا مغرور أ لا تحمد من تعطيه فانيا و يعطيك باقيا، درهم يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم، أزال اللّٰه عند مكافأة هو مطعمك و ساقيك و كاسيك و معافيك و كافيك و ساترك ممن يراعيك من حفظك في ليلك و نهارك، و أجابك عند اضطرارك و عزم لك على الرشد في اختيارك كأنك قد نسيت ليالي أوجاعك و خوفك دعوته فاستجاب لك، فاستوجب بجميل صنيعه الشكر، فنسيته فيمن ذكر، و خالفته فيما أمر، ويلك إنما أنت لص من لصوص الذنوب، كلما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه و أقدمت بجهلك عليه، فارتكبته كأنك لست بعين اللّٰه أو كان اللّٰه ليس لك بالمرصاد.

يا طالب الجنة ما أطول نومك و أكل مطيتك و أوهى

همتك فلله أنت من طالب و مطلوب، و يا هاربا من النار ما أحث مطيتك إليها، و ما أكسبك لما يوقعك فيها، انظروا إلى هذه القبور سطورا بإفناء الدور، تدانوا في خططهم، و قربوا في مزارهم، و بعدوا في لقائهم، عمروا فخربوا، و آنسوا فأوحشوا، و سكنوا فأزعجوا، و قطنوا فرحلوا، فمن سمع بدان بعيد و شاحط قريب، و عامر مخرب، و آنس موحش، و ساكن مزعج، و قاطن مترحل غير أهل القبور يا ابن الأيام الثلاث: يومك الذي ولدت فيه، و يومك الذي تنزل فيه قبرك و يومك الذي تخرج فيه إلى ربك، فيا له من يوم عظيم، يا ذوي الهيئة المعجبة و الهيم المعطنة، ما لي أرى أجسامكم عامرة و قلوبكم دامرة، أو ما و اللّٰه لو عاينتم

الوافي، ج 26، ص: 264

ما أنتم ملاقوه، و ما أنتم إليه صائرون لقلتم يٰا لَيْتَنٰا نُرَدُّ وَ لٰا نُكَذِّبَ بِآيٰاتِ رَبِّنٰا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال جل من قائل بَلْ بَدٰا لَهُمْ مٰا كٰانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعٰادُوا لِمٰا نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكٰاذِبُونَ.

الوافي، ج 26، ص: 265

باب مواعظ أبي عبد اللّٰه الصادق عليه السلام

[1]

25409- 1 (الكافي- 8: 128 رقم 98) علي، عن أبيه، عن القاسم بن محمد و علي بن محمد، عن القاسم، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال" إن قدرتم أن لا تعرفوا فافعلوا، و ما عليك إن لم يثن الناس عليك، و ما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند اللّٰه تعالى، إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين: رجل يزداد فيها كل يوم إحسانا، و رجل يتدارك

سيئته بالتوبة و أنى له بالتوبة، فو الله أن لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل اللّٰه منه عملا إلا بولايتنا أهل البيت، ألا و من عرف حقنا و رجا الثواب بنا و رضي بقوته نصف مد كل يوم و ما يستر به عورته و ما أكن به رأسه و هم مع ذلك و اللّٰه خائفون وجلون، ودوا أنه حظهم من الدنيا، و كذلك وصفهم اللّٰه تعالى حيث يقول وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ مٰا آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ما الذي أتوا به أتوا و اللّٰه بالطاعة مع

الوافي، ج 26، ص: 266

المحبة و الولاية و هم في ذلك خائفون أن لا يقبل منهم، و ليس و اللّٰه خوفهم خوف شك فيما هم فيه من إصابة الدين و لكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا و طاعتنا"، ثم قال" إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل فإن عليك في خروجك أن لا تغتاب و لا تكذب و لا تحسد و لا ترائي و لا تتصنع و لا تداهن.

ثم قال" نعم صومعة المسلم بيته يكف به بصره و لسانه و نفسه و فرجه، إن من عرف نعمة اللّٰه بقلبه استوجب المزيد من اللّٰه تعالى قبل أن يظهر شكرها على لسانه، و من ذهب يرى أن له على الآخر فضلا فهو من المستكبرين" فقلت له: إنما يرى أن له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا للمعاصي فقال" هيهات هيهات فلعله أن يكون قد غفر له ما أتى و أنت موقوف محاسب أ ما تلوت قصة سحرة موسى عليه السلام" ثم قال" كم من مغرور بما قد أنعم اللّٰه عليه، و كم من مستدرج يستر اللّٰه عليه، و كم من

مفتون بثناء الناس عليه" ثم قال" إني لأرجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الأمة إلا لأحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، و صاحب هوى، و الفاسق المعلن" ثم تلا قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ.

ثم قال" يا حفص الحب أفضل من الخوف" ثم قال" و اللّٰه ما أحب اللّٰه من أحب الدنيا و والى غيرنا، و من عرف حقنا و أحبنا فقد أحب اللّٰه تعالى" فبكى رجل، فقال" أ تبكي لو أن أهل السماوات و الأرض كلهم اجتمعوا يتضرعون إلى اللّٰه تعالى أن ينجيك من النار و يدخلك الجنة لم يشفعوا فيك" ثم قال" يا حفص كن ذنبا و لا تكن رأسا، يا حفص قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم: من خاف اللّٰه كل لسانه" ثم قال" بينا موسى به عمران يعظ أصحابه إذ قام رجل فشق قميصه فأوحى اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 267

تعالى إليه يا موسى بن عمران قل له: لا تشق قميصك و لكن اشرح لي عن قلبك" ثم قال" مر موسى بن عمران عليه السلام برجل من أصحابه و هو ساجد فانصرف من حاجته و هو ساجد على حاله فقال له موسى عليه السلام: لو كانت حاجتك بيدي لقضيتها لك، فأوحى اللّٰه تعالى إليه يا موسى لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبلته حتى يتحول عما أكره إلى ما أحب".

[2]

25410- 2 (الكافي- 8: 168 رقم 189) العدة، عن ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي المغراء، عن الشحام، عن عمرو بن سعيد بن هلال قال: قلت لأبي عبد اللّٰه ع: إني لا أكاد ألقاك إلا في السنين فأوصني بشي ء آخذ به، قال" أوصيك بتقوى

اللّٰه، و صدق الحديث، و الورع، و الاجتهاد، و اعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع معه، و إياك أن تطمح نفسك إلى من فوقك، و كفى بما قال اللّٰه تعالى لرسوله صلى اللّٰه عليه و آله و سلم فلا تعجبك أموالهم و لا أولادهم و قال اللّٰه تعالى لرسوله صلى اللّٰه عليه و آله و سلم وَ لٰا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلىٰ مٰا مَتَّعْنٰا بِهِ أَزْوٰاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا فإن خفت شيئا من ذلك فاذكر عيش رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم فإنما كان قوته الشعير و حلواه التمر و وقوده السعف إذا وجده و إذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم فإن الخلق لم يصابوا بمثله قط".

[3]

25411- 3 (الكافي- 8: 243 رقم 337) علي بن محمد بن عبد اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 268

و غيره، عن البرقي، عن عثمان، عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال لرجل" أقنع بما قسم اللّٰه لك و لا تنظر إلى ما عند غيرك، و لا تتمن ما لست نائله فإن من قنع شبع، و من لم يقنع لم يشبع، و خذ حظك من آخرتك".

و قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام" أنفع الأشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب نفسه، و أشد شي ء مئونة إخفاء الفاقة، و أقل الأشياء غنى النصيحة لمن لا يقبلها و مجاورة الحريص، و أروح الروح اليأس من الناس" و قال" لا تكن ضجرا و لا قلقا، و ذلل نفسك باحتمال من خالفك ممن هو فوقك، و من له الفضل عليك فإنما أقررت بفضله كيلا تخالفه، و من لا يعرف

لأحد الفضل فهو المعجب برأيه" و قال لرجل" اعلم أنه لا عز لمن لا يتذلل لله تعالى و لا رفعة لمن لا يتواضع لله تعالى" و قال لرجل" أحكم أمر دينك كما أحكم أهل الدنيا أمر دنياهم، فإنما جعلت الدنيا شاهدا يعرف بها ما غاب عنها من الآخرة، فاعرف الآخرة بها و لا تنظر إلى الدنيا إلا بالاعتبار".

[4]

25412- 4 (الكافي- 8: 244 رقم 338) العدة، عن سهل و علي، عن أبيه جميعا، عن السراد، عن هشام بن سالم، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول لحمران بن أعين" يا حمران انظر إلى من هو دونك في المقدرة و لا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة، فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك، و أحرى أن تستوجب الزيادة من ربك، و اعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند اللّٰه تعالى من العمل الكثير على غير يقين،

الوافي، ج 26، ص: 269

و اعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم اللّٰه و الكف عن أذى المؤمنين و اغتيابهم، و لا عيش أهنأ من حسن الخلق، و لا مال أنفع من القنوع باليسير المجزئ، و لا جهل أضر من العجب".

[5]

25413- 5 (الكافي- 8: 150 رقم 132) علي، عن الاثنين قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول لأصحابه يوما" لا تطعنوا في عيوب من أقبل إليكم بمودته، و لا توقفوه على سيئة يخضع لها فإنها ليست من أخلاق رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلم، و لا من أخلاق أوليائه" قال: و قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام" إن خير ما ورث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال، فإن المال يذهب و الأدب يبقى" قال مسعدة: يعني بالأدب العلم.

قال: و قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام" إن أجلت في عمرك يومين فاجعل أحدهما لأدبك لتستعين به على يوم موتك" فقيل له: و ما تلك الاستعانة قال" تحسن تدبير ما تخلف و تحكمه" قال: و كتب أبو عبد اللّٰه عليه السلام إلى رجل" بسم اللّٰه الرحمن الرحيم، أما بعد: فإن المنافق

لا يرغب فيما قد سعد به المؤمنون و السعيد يتعظ بموعظة التقوى، و إن كان يراد بالموعظة غيره".

[6]

25414- 6 (الكافي- 2: 458) العدة، عن البرقي، عن ابن فضال، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال" إنكم في آجال منقوصة، و أيام معدودة، و الموت يأتي بغتة، و من يزرع خيرا يحصد غبطة، و من يزرع شرا يحصد ندامة، و لكل زارع ما زرع، و لا يسبق البطي ء منكم حظه،

الوافي، ج 26، ص: 270

و لا يدرك حريص ما لم يقدر له، من أعطي خيرا فالله أعطاه، و من وقي شرا فالله وقاه".

[7]

25415- 7 (الفقيه- 4: 393 رقم 5836) محمد بن زياد الأزدي، عن أبان، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه جاء إليه رجل فقال له: بأبي أنت و أمي يا ابن رسول اللّٰه علمني موعظة فقال عليه السلام له" إن كان اللّٰه قد تكفل بالرزق فاهتمامك لما ذا! و إن كان الرزق مقسوما فالحرص لما ذا! و إن كان الحساب حقا فالجمع لما ذا! و إن كان الخلف من اللّٰه حقا فالبخل لما ذا! و إن كانت العقوبة من اللّٰه تعالى النار فالمعصية لما ذا! و إن كان الموت حقا فالفرح لما ذا! و إن كان العرض على اللّٰه حقا فالمكر لما ذا! و إن كان الشيطان عدوا فالغفلة لما ذا! و إن كان الممر على الصراط حقا فالعجب لما ذا! و إن كان كل شي ء بقضاء من اللّٰه و قدره فالحزن لما ذا! و إن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لما ذا!".

[8]

25416- 8 (الفقيه- 4: 409 رقم 5886) علي بن الحكم، عن هشام ابن سالم، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال" الدنيا طالبة و مطلوبة، فمن طلب الدنيا طلبه الموت حتى يخرجه منها، و من طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى توفيه رزقه".

[9]

25417- 9 (الفقيه- 4: 410 رقم 5890) السراد، عن الهيثم بن واقد، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يقول" من أخرجه اللّٰه من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه اللّٰه بلا مال، و أعزه بلا عشيرة، و آنسه بلا أنيس، و من خاف اللّٰه أخاف اللّٰه منه كل شي ء، و من لم يخف اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 271

تعالى أخافه اللّٰه من كل شي ء، و من رضي من اللّٰه عز و جل باليسير من الرزق رضي اللّٰه منه باليسير من العمل، و من لم يستح من طلب المعاش خفت مئونته و نعم أهله، و من زهد في الدنيا أثبت اللّٰه الحكمة في قلبه، و أنطق بها لسانه، و بصره عيوب الدنيا داءها و دواءها، و أخرجه من الدنيا سالما إلى دار السلام".

[10]
اشارة

25418- 10 (الفقيه- 4: 416 رقم 5904) صفوان و ابن أبي عمير، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال" الصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، الصلاة قربان كل تقي، الحج جهاد كل ضعيف، لكل شي ء زكاة و زكاة الجسد الصيام، جهاد المرأة حسن التبعل، استنزلوا الرزق بالصدقة، من أيقن بالخلف جاد بالعطية، إن اللّٰه تعالى ينزل المعونة على قدر المئونة، حصنوا أموالكم بالزكاة، التقدير نصف المعيشة، ما عال امرؤ اقتصد، قلة العيال أحد اليسارين، الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، التودد نصف العقل، الهم نصف الهرم، إن اللّٰه تعالى ينزل الصبر على قدر المصيبة، من ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط أجره، من أحزن والديه فقد عقهما".

بيان

" الصنيعة" العطية و الكرامة و الإحسان" ما عال امرؤ اقتصد" أي افتقر من لزم الاقتصاد في الإنفاق.

و من مواعظه عليه السلام ما أورده في كتاب تحف العقول و هو وصيته عليه السلام لعبد اللّٰه بن جندب أنه قال له" يا عبد اللّٰه لقد نصب إبليس حبائله

الوافي، ج 26، ص: 272

في دار الغرور فما يقصد فيها إلا أولياؤنا، و لقد حلت الآخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدلا".

ثم قال" آه آه على قلوب حشيت نورا و إنما كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الأرقم، و العدو الأعجم، أنسوا بالله و استوحشوا مما به استأنس المترفون، أولئك أوليائي حقا و بهم تكشف كل فتنة و ترفع كل بلية.

يا ابن جندب: حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم و ليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه، فإن رأى حسنة استزاد منها، و إن رأى سيئة

استغفر منها لئلا يخزي يوم القيامة، طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما أوتوا من نعيم الدنيا و زهرتها، طوبى لعبد طلب الآخرة و سعى لها، طوبى لمن لم تلهه الأماني الكاذبة".

ثم قال" رحم الهّٰ قوما كانوا سراجا و منارا، كانوا دعاة إلينا بأعمالهم و مجهود طاقتهم، ليس كمن يذيع أسرارنا.

يا ابن جندب إنما المؤمنون الذين يخافون اللّٰه و يشفقون أن يسلبوا ما أعطوا من الهدى، فإذا ذكروا آلاء اللّٰه و نعماءه وجلوا و أشفقوا، وَ إِذٰا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيٰاتُهُ زٰادَتْهُمْ إِيمٰاناً مما أظهره من نفاذ قدرته، وَ عَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.

يا ابن جندب قديما عمر الجهل و قوي أساسه و ذلك لاتخاذهم دين اللّٰه لعبا حتى لقد كان المتقرب منهم إلى اللّٰه تعالى بعلمه يريد سواه أولئك هم الظالمون.

يا ابن جندب لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة و لأظلهم الغمام و لأشرقوا نهارا و لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، و لما سألوا اللّٰه شيئا إلا أعطاهم.

يا ابن جندب لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلا خيرا و استكينوا إلى اللّٰه في توفيقهم و سلوا التوبة لهم، فكل من قصدنا و توالانا و لم يوال عدونا و قال

الوافي، ج 26، ص: 273

ما يعلم، و سكت عما لا يعلم، أو أشكل عليه فهو في الجنة.

يا ابن جندب يهلك المتكل على عمله، و لا ينجو المتجرئ على الذنوب، الواثق برحمة اللّٰه" قلت: فمن ينجو قال" الذين هم بين الرجاء و الخوف، كان قلبه في مخلب طائر شوقا إلى الثواب، و خوفا من العذاب.

يا ابن جندب من سره أن يزوجه اللّٰه من الحور العين و يتوجه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور.

يا ابن جندب أقل النوم

بالليل و الكلام بالنهار، فما في الجسد شي ء أقل شكرا من العين و اللسان، فإن أم سليمان قالت لسليمان: يا بني إياك و النوم، فإنه يفقرك يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم.

يا ابن جندب إن للشيطان مصايد يصطاد بها فتحاموا شباكه و مصايده، قلت: يا ابن رسول اللّٰه و ما هي قال: أما مصايده فصد عن بر الإخوان، و أما شباكه فنوم عن قضاء الصلوات التي فرضها اللّٰه، أما إنه ما يعبد اللّٰه بمثل نقل الأقدام إلى بر الإخوان و زيارتهم، ويل للساهين عن الصلوات، النائمين في الخلوات، المستهزءين بالله و آياته في الفترات أُولٰئِكَ- الذين- لٰا خَلٰاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لٰا يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ .. يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ لٰا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ.

يا ابن جندب من أصبح مهموما لسوى فكاك رقبته فقد هون عليه الجليل و رغب من ربه في الوتح الحقير، و من غش أخاه و حقره و ناواه جعل اللّٰه النار مأواه، و من حسد مؤمنا انماث الإيمان في قلبه، كما ينماث الملح في الماء.

يا ابن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا و المروة، و قاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل اللّٰه يوم" بدر" و" أحد" و ما عذب اللّٰه أمة إلا

الوافي، ج 26، ص: 274

عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم.

يا ابن جندب بلغ معاشر شيعتنا و قل لهم: لا تذهبن بكم المذاهب فو الله لا تنال ولايتنا إلا بالورع و الاجتهاد في الدنيا و مواساة الإخوان في اللّٰه و ليس من شيعتنا من يظلم الناس.

يا ابن جندب إنما شيعتنا يعرفون بخصال شتى: بالسخاء و البذل للإخوان، و بأن يصلوا الخمسين ليلا و نهارا، شيعتنا لا يهرون هرير الكلب، و لا

يطمعون طمع الغراب، و لا يجاورون لنا عدوا، و لا يسألون لنا مبغضا و لو ماتوا جوعا، شيعتنا لا يأكلون الجري، و لا يمسحون على الخفين، و يحافظون على الزوال، و لا يشربون مسكرا، قلت: جعلت فداك فأين أطلبهم قال: على رءوس الجبال و أطراف المدن، و إذا دخلت مدينة فسل عمن لا يجاورهم و لا يجاورونه فذلك مؤمن، كما قال اللّٰه تعالى و جاء من أقصى المدينة رجل يسعى و اللّٰه لقد كان حبيب النجار وحده.

يا ابن جندب كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك، و كل البر مقبول إلا ما كان رياء.

يا ابن جندب أحبب في اللّٰه و أبغض في اللّٰه تستمسك بالعروة الوثقى، و اعتصم بالهدي يقبل عملك فإن اللّٰه تعالى يقول إلا من تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدى فمن لم يهتد فلا يقبل منه الإيمان، و لا إيمان إلا بعمل، و لا عمل إلا بيقين، و لا يقين إلا بالخشوع، و ملاكها كلها الهدى، فمن اهتدى يقبل عمله، و صعد إلى الملكوت متقبلا، وَ اللّٰهُ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

الوافي، ج 26، ص: 275

يا ابن جندب إن أحببت أن تجاور الجليل في داره و تسكن الفردوس في جواره فلتهن عليك الدنيا، و اجعل الموت نصب عينك، و لا تدخر شيئا لغد، و اعلم أن لك ما قدمت و عليك ما أخرت.

يا ابن جندب من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره، و من أطاع هواه فقد أطاع عدوه، و من يثق بالله يكفه ما أهمه من أمر دنياه و آخرته و يحفظ له ما غاب عنه، و قد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا، و لكل نعمة

شكرا، و لكل عسر يسرا، صبر نفسك عند كل بلية في ولد أو مال أو رزية، فإنما يقبض عاريته و يأخذ هبته ليبلو فيهما شكرك و صبرك، و ارج اللّٰه رجاء لا يجرؤك على معصيته و خفه خوفا لا يؤيسك من رحمته، و لا تغتر بقول الجاهل و لا بمدحه فتكبر و تجبر تعجب بعملك، فإن أفضل العمل العبادة و التواضع، فلا تضيع مالك و تصلح مال غيرك ما خلفته وراء ظهرك، و أقنع بما قسمه اللّٰه لك، و لا تنظر إلا إلى ما عندك، و لا تتمن ما لست تناله، فإن من قنع شبع، و من لم يقنع لم يشبع، و خذ حظك من آخرتك، و لا تكن بطرا في الغنى، و لا جزعا في الفقر، و لا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك، و لا تكن واهنا يحقرك من عرفك، و لا تشار من فوقك، و لا تسخر بمن هو دونك، و لا تنازع الأمر أهله و لا تطع السفهاء، و لا تكن مهينا تحت كل أحد، و لا تتكلن على كفاية أحد وقف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم، و اجعل قلبك قريبا تتنازله، و اجعل علمك والدا تتبعه، و اجعل نفسك عدوا تجاهده، و اجعل مالك عارية تردها، فإنك قد جعلت طبيب نفسك و عرفت آية الصحة، و بين لك الداء، و دللت على الدواء، فانظر قيامك على نفسك، و إن كانت لك يد عند إنسان فلا تفسدها بكثرة المن و الذكر لها، و لكن أتبعها بأفضل منها، فإن ذلك

الوافي، ج 26، ص: 276

أجمل بك في أخلاقك و أوجب للثواب في آخرتك، و عليك

بالصمت تعد حليما- جاهلا كنت أو عالما- فإن الصمت زين لك عند العلماء، و ستر لك عند الجهال.

يا ابن جندب إن عيسى بن مريم عليهما السلام قال لأصحابه: أ رأيتم أن لو أحدكم مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن بعض عورته أ كان كاشفا عنها كلها أم يرد عليها ما انكشف منها قالوا: بل نرد عليها، قال: كلا، بل تكشفون عنها كلها- فعرفوا أنه مثل ضربه لهم- و قيل: يا روح اللّٰه و كيف ذلك قال: الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها، بحق أقول لكم إنكم لا تصيبون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون، و لا تنالون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، إياكم و النظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة، و كفى بها لصاحبها فتنة طوبى لمن جعل بصره في قلبه و لم يجعل بصره في عينه، لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب و انظروا في عيوبكم كهيئة العبيد، إنما الناس رجلان مبتلى و معافى فارحموا المبتلى و احمدوا اللّٰه على العافية.

يا ابن جندب صل من قطعك، و أعط من حرمك، و أحسن إلى من أساء إليك، و سلم على من سبك.

و أنصف من خاصمك، و اعف عمن ظلمك، كما أنك تحب أن يعفى عنك، فاعتبر بعفو اللّٰه عنك، أ لا ترى أن شمسه أشرقت على الأبرار و الفجار، و أن مطره ينزل على الصالحين و الخاطئين.

يا ابن جندب لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك، فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك، و لكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك، فإن الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية على رءوس الأشهاد في اليوم الذي لا يضرك أن لا يطلع

الناس على صدقتك، فاخفض الصوت، إن ربك الذي يَعْلَمُ مٰا تُسِرُّونَ وَ مٰا تُعْلِنُونَ، قد علم ما تريدون قبل أن تسألوه، و إذا صمت فلا تغتب أحدا، و لا تلبسوا صيامكم بظلم، و لا تكن كالذي يصوم رئاء الناس، مغبرة وجوههم،

الوافي، ج 26، ص: 277

شعثة رءوسهم، يابسة أفواههم، لكي يعلم الناس أنهم صيام.

يا ابن جندب الخير كله أمامك، و إن الشر كله أمامك، و لن ترى الخير و الشر إلا بعد الآخرة، لأن اللّٰه جل و عز جعل الخير كله في الجنة و الشر كله في النار، لأنهما الباقيان و الواجب على من وهب اللّٰه له الهدى و أكرمه بالإيمان، و ألهمه رشده و ركب فيه عقلا يتعرض به نعمه، و آتاه علما و حكما يدبر به أمر دينه و دنياه، أن يوجب على نفسه أن يشكر اللّٰه و لا يكفره، و أن يذكر اللّٰه و لا ينساه، و أن يطيع اللّٰه و لا يعصيه، للقديم الذي تفرد له بحسن النظر، و للحديث الذي أنعم عليه بعد إذ أنشأه مخلوفا، و للجزيل الذي وعده، و الفضل الذي لم يكلفه من طاعته فوق طاقته، و ما يعجز عن القيام به و ضمن له العون على تيسير ما حمله من ذلك و ندبه إلى الاستعانة على قليل ما كلفه و هو معرض عما أمره و عاجز عنه قد لبس ثوب الاستهانة فيما بينه و بين ربه، متقلدا لهواه، ماضيا في شهواته، مؤثرا لدنياه على آخرته، و هو في ذلك يتمنى جنان الفردوس، و ما ينبغي لأحد أن يطمع أن ينزل بعمل الفجار منازل الأبرار، أما إنه لو وقعت الواقعة و قامت القيامة و جاءت الطامة و نصب

الجبار الموازين لفصل القضاء، و برز الخلائق ليوم الحساب، أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة و الكرامة، و بمن تحل الحسرة و الندامة، فاعمل اليوم في الدنيا بما ترجو به الفوز في الآخرة، يا ابن جندب قال اللّٰه عز و جل في بعض ما أوحى: إنما أقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمتي و يكف نفسه عن الشهوات من أجلي، و يقطع نهاره بذكري، و لا يتعظم على خلقي، و يطعم الجائع، و يكسو العاري، و يرحم المصاب، و يؤتي الغريب، فذلك يشرق نوره مثل الشمس، اجعل له في الظلمة نورا و في الجهالة

الوافي، ج 26، ص: 278

حلما أكلأه بعزتي و أستحفظه ملائكتي، يدعوني فألبيه، و يسألني فأعطيه، فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفردوس لا يسبق أثمارها و لا تتغير عن حالها.

يا ابن جندب الإسلام عريان، فلباسه الحياء، و زينته الوقار، و مروته العمل الصالح و عماده الورع، و لكل شي ء أساس، و أساس الإسلام حبنا أهل البيت.

يا ابن جندب إن لله تبارك و تعالى سورا من نور، محفوفا بالزبرجد و الحرير، منجدا بالسندس و الديباج، يضرب هذا السور بين أوليائنا و بين أعدائنا فإذا غلي الدماغ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنٰاجِرَ، و نضجت الأكباد من طول الموقف أدخل في هذا السور أولياء اللّٰه، فكانوا في أمن اللّٰه و حرزه، لهم فيها ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين، و أعداء اللّٰه قد ألجمهم العرق و قطعهم الفرق و هم ينظرون إلى ما أعد اللّٰه لهم، فيقولون مٰا لَنٰا لٰا نَرىٰ رِجٰالًا كُنّٰا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرٰارِ فينظر إليهم أولياء اللّٰه فيضحكون منهم، فذلك قوله عز و جل أَتَّخَذْنٰاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زٰاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصٰارُ و قوله فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا

مِنَ الْكُفّٰارِ يَضْحَكُونَ.

عَلَى الْأَرٰائِكِ يَنْظُرُونَ فلا يبقى أحد ممن أعان مؤمنا من أوليائنا بكلمة إلا أدخله اللّٰه الجنة بغير حساب".

الوافي، ج 26، ص: 279

باب مواعظ سائر الأئمة المعصومين صلوات اللّٰه و سلامه عليهم أجمعين

[1]
اشارة

25419- 1 (الفقيه- 4: 408 رقم 5885) السراد، عن سعد بن أبي خلف، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال لبعض ولده" يا بني إياك أن يراك اللّٰه عز و جل في معصية نهاك عنها، و إياك أن يفقدك اللّٰه عند طاعة أمرك بها، و عليك بالجد و لا تخرجن من نفسك التقصير عن عبادة اللّٰه، فإن اللّٰه عز و جل لا يعبد حق عبادته، و إياك و المزاح فإنه يذهب بنور إيمانك و يستخف بمروءتك، و إياك و الكسل و الضجر فإنهما يمنعانك حظك من الدنيا و الآخرة".

بيان

معنى ترك إخراج التقصير عن النفس أن يعتقد دائما أنه مقصر و إن اجتهد غاية ما يمكن من الاجتهاد.

و في الكافي: لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة اللّٰه

كما مضى في باب الاعتراف بالتقصير من كتاب الإيمان و الكفر و هو أوضح و ربما في بعض نسخ الفقيه و لا تخرجن نفسك في التقصير من عبادة اللّٰه فإن صح فلعل المراد به أنه لا تقصر في عبادته.

الوافي، ج 26، ص: 280

و من مواعظ أبي الحسن الكاظم عليه السلام ما أورده في تحف العقول في حديث هشام بن الحكم الذي مضى صدره في باب العلم و العقل من الجزء الأول أنه قال له" يا هشام إياك و مخالطة الناس و الأنس بهم إلا أن تجد منهم عاقلا مأمونا فأنس به و اهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية، و ينبغي للعاقل إذا عمل عملا أن يستحي من اللّٰه، إذ تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره، و إذا مر بك أمران لا تدري أيهما خير و أصوب، فانظر أيهما أقرب إلى

هواك فخالفه، فإن كثير الثواب في مخالفة هواك، و إياك أن تغلب الحكمة و تضعها في الجهالة".

قال هشام: فقلت له: فإن وجدت رجلا طالبا له غير أن عقله لا يتسع لضبط ما ألقي إليه قال:" فتلطف له في النصيحة، فإن ضاق قلبه لا تعرضن نفسك للفتنة، و احذر رد المتكبرين، فإن العلم يدل على أن يملي على من لا يفيق" قلت: فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها قال:" فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم من فتنة القول و عظيم فتنة الرد، و اعلم أن اللّٰه لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم و لكن رفعهم بقدر عظمته و مجده، و لم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم و لكن آمنهم بقدر كرمه و جوده، و لم يفرح المحزونين بقدر حزنهم، و لكن بقدر رأفته و رحمته، فما ظنك بالرءوف الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه، فكيف بمن يؤذى فيه، و ما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه، فكيف بمن يترضاه و يختار عداوة الخلق فيه".

يا هشام من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه و ما أوتي عبد علما فازداد للدنيا حبا إلا ازداد من اللّٰه بعدا و ازداد اللّٰه عليه غضبا، يا هشام إن

الوافي، ج 26، ص: 281

العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له، و أكثر الصواب في خلاف الهوى، و من طال أمله ساء عمله، يا هشام لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل.

يا هشام إياك و الطمع، و عليك باليأس مما في أيدي الناس، و أمت الطمع من المخلوقين، فإن الطمع مفتاح الذل و اختلاس العقل و أخلاق المروات، و تدنيس العرض، و الذهاب بالعلم، و عليك بالاعتصام بربك و التوكل

عليه، و جاهد نفسك لتردها عن هواها، فإنه واجب عليك كجهاد عدوك".

قال هشام: فقلت له: فأي الاعتداء أوجبهم مجاهدة قال" أقربهم إليك و أعداهم لك و أضرهم بك و أعظمهم لك عداوة و أخفاهم لك شخصا مع دنوة منك، و من يحرض أعداءك عليك و هو إبليس الموكل بوسواس القلوب فله فلتشتد عداوتك، و لا يكونن أصبر على مجاهدتك لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته، فإنه أضعف منك ركنا في قوته و أقل منك ضررا في كثرة شره، إذا أنت اعتصمت بالله وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّٰهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

يا هشام من أكرمه اللّٰه بثلاث فقد لطف له: عقل يكفيه مئونة هواه، و علم يكفيه مئونة جهله، و غنى يكفيه مخافة الفقر، يا هشام احذر هذه الدنيا و احذر أهلها، فإن الناس فيها على أربعة أصناف: رجل متردي معانق لهواه، و متعلم متقري كلما ازداد علما ازداد كبرا، يستعلن بقراءته و علمه على من هو دونه، و عابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته، يحب أن يعظم و يوقر، و ذو بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به، فهو عاجز أو مغلوب و لا يقدر على القيام بما يعرف فهو محزون مغموم بذلك، فهو أمثل أهل زمانه و أوجههم عقلا".

الوافي، ج 26، ص: 282

قال صاحب التحف: و روي أنه عليه السلام مر برجل من أهل السواد، ذميم المنظر، فسلم عليه و نزل عنده و حادثة طويلا، ثم عرض عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له، فقال له: يا ابن رسول اللّٰه أ تنزل إلى هذا ثم تسأله عن حوائجه و هو إليك أحوج فقال" عبد من عبيد اللّٰه و أخ في كتاب

اللّٰه و جار في بلاد اللّٰه يجمعنا و إياه خير الآباء آدم و أفضل الأديان الإسلام و لعل الدهر يرد من حاجتنا إليه، فيرانا- بعد الزهو عليه- متواضعين بين يديه".

و من مواعظ أبي الحسن الرضا عليه السلام ما رواه في تحف العقول عنه عليه السلام أنه قال" ليس العبادة كثرة الصيام و الصلاة، و إنما العبادة كثرة التفكر في أمر اللّٰه" و قال" إذا أراد اللّٰه أمرا سلب العباد عقولهم (فأنفذ أمره و تمت إرادته)، فإذا أنفذ أمره و تمت إرادته رد إلى كل ذي عقل عقله، فيقول: كيف ذا و من أين ذا" و قال" الصمت باب من أبواب الحكمة، إن الصمت يكسب المحبة، إنه دليل على كل خير" و قال عليه السلام" ما من شي ء من الفضول إلا و هو يحتاج إليه الفضول من الكلام" و قال" الأخ الأكبر بمنزلة الأب" و سئل عن السفلة فقال" من كان له شي ء يلهيه عن اللّٰه" و قال" لا يتم عقل امرئ مسلم حتى تكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، و الشر منه مأمون، يستقل كثير الخير من نفسه، و يستكثر قليل الخير من غيره، لا يسأم من طلب الحوائج إليه، و لا يمل من طلب العلم طول دهره، الفقر في اللّٰه أحب إليه من الغنى، و الذل في اللّٰه أحب إليه من العز في عدوه، و الخمول أشهى إليه من الشهرة" ثم قال" العاشرة و ما العاشرة" قيل له ما هي

الوافي، ج 26، ص: 283

قال" لا يرى أحدا إلا قال: هو خير مني و أتقى، إنما الناس رجلان: رجل خير منه و أتقى و رجل شر منه و أدنى، فإذا لقي الذي شر منه

و أدنى قال: لعل خير هذا باطن و هو خير له، و خيري ظاهر و هو شرك، و إذا رأى الذي هو خير منه و أتقى تواضع له ليلحق به، فإذا فعل ذلك فقد علا مجده و طاب خبره و حسن ذكره و ساد أهل زمانه".

و قيل له: كيف أصبحت فقال عليه السلام" أصبحت بأجل منقوص، و عمل محفوظ، و الموت في رقابنا، و النار من ورائنا، و لا ندري ما يفعل بنا".

و من مواعظ أبي جعفر الجواد عليه السلام ما رواه في تحف العقول عنه عليه السلام أنه قال له رجل: أوصني قال" و تقبل!" قال: نعم، قال" توسد الصبر، و اعتنق الفقر، و أرفض الشهوات، و خالف الهوى، و اعلم أنك لن تخلو من عين اللّٰه، فانظر كيف تكون".

و كتب عليه السلام إلى بعض أوليائه" أما هذه الدنيا فإنا فيها مفترقون و لكن من كان هواه هوى صاحبه و دان بدينه فهو معه حيث كان، و الآخرة هي دار القرار".

و قال عليه السلام" تأخير التوبة اغترار، و طول التسويف حيرة،

الوافي، ج 26، ص: 284

و الاعتلال على اللّٰه هلكة، و الإصرار على الذنب أمن لمكر اللّٰه فَلٰا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّٰهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخٰاسِرُونَ".

و قال عليه السلام" إظهار الشي ء قبل أن يستحكم مفسدة له".

و قال عليه السلام" المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال: توفيق من اللّٰه، و واعظ من نفسه، و قبول ممن ينصحه".

و من مواعظ أبي الحسن الهادي عليه السلام ما رواه في تحف العقول عنه عليه السلام أنه قال" من اتقى اللّٰه يتقى، و من أطاع اللّٰه يطاع، و من أطاع اللّٰه الخالق لم يبال سخط المخلوقين، و من أسخط الخالق فليتيقن أن يحل

به سخط المخلوقين".

و قال عليه السلام" من أمن مكر اللّٰه و أليم أخذه تكبر حتى يحل به قضاؤه و نافذ أمره، و من كان على بينة من ربه هانت عليه مصائب الدنيا و لو قرض و نشر".

و قال عليه السلام" الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجب الشكر، لأن النعم متاع و الشكر نعم و عقبى".

و قال عليه السلام" إن اللّٰه جعل الدنيا دار بلوى و الآخرة دار عقبى، و جعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا، و ثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا".

و قال عليه السلام" إن الظالم الحالم يكاد أن يعفى عن ظلمه بحلمه، و إن المحق السفيه يكاد أن يطفئ نور حقه بسفهه".

و قال عليه السلام" من جمع لك وده و رأيه فاجمع له طاعتك".

و قال عليه السلام" من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره".

الوافي، ج 26، ص: 285

و قال عليه السلام" الدنيا سوق، ربح فيها قوم، و خسر آخرون".

و من مواعظ أبي محمد الزكي عليه السلام ما رواه في تحف العقول عنه عليه السلام أنه قال" المؤمن بركة على المؤمن و حجة على الكافر".

و قال عليه السلام" قلب الأحمق في فمه و فم الحكيم في قلبه".

و قال عليه السلام" لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض".

و قال عليه السلام" من تعدى في طهوره كان كناقضه".

و قال عليه السلام" ما ترك الحق عزيز إلا ذل، و لا أخذ به ذليل إلا عز".

________________________________________

كاشانى، فيض، محمد محسن ابن شاه مرتضى، الوافي، 26 جلد، كتابخانه امام امير المؤمنين علي عليه السلام، اصفهان - ايران، اول، 1406 ه ق

الوافي؛ ج 26، ص: 285

و قال عليه السلام" صديق الجاهل تعب".

و قال عليه السلام" خصلتان ليس فوقهما شي ء: الإيمان

بالله، و نفع الاخوان".

و قال عليه السلام" جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره".

و قال عليه السلام" ليس من الأدب إظهار الفرح عند المحزون".

و قال عليه السلام" خير من الحياة ما إذا فقدته أبغضت الحياة، و شر من الموت ما إذا نزل بك أحببت الموت".

و قال عليه السلام" رياضة الجاهل و رد المعتاد عن عادته كالمعجز".

و قال عليه السلام" التواضع نعمة لا يحسد عليها".

و قال عليه السلام" لا تكرم الرجل بما يشق عليه".

و قال عليه السلام" من وعظ أخاه سرا فقد زانه، و من وعظه علانية فقد شانه".

الوافي، ج 26، ص: 286

و قال عليه السلام" ما من بلية إلا و لله فيها نعمة تحيط بها".

و قال عليه السلام" ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذله".

و من مواعظ صاحب زماننا صلوات اللّٰه عليه ما رواه الشيخ الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي رحمه اللّٰه في كتاب الاحتجاج عنه صلوات اللّٰه عليه في كتاب كتبه إلى الشيخ المفيد طاب ثراه قال في جملة كلامه عليه السلام له: و نحن نعهد إليك أيها الولي المجاهد فينا الظالمين أيدك اللّٰه بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين، إنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين و خرج بما عليه إلى مستحقيه كان آمنا من الفتنة المضلة و محنة المظلمة و من بخل منهم بما أعاره اللّٰه من نعمته على من أمره بصلته، فإنه يكون خاسرا بذلك لأولاه و آخرته، و لو أن أشياعنا وفقهم اللّٰه لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، و لتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة و صدقها منهم بنا، فما يحبسنا

عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه و لا نؤثره منهم، و اللّٰه المستعان و هو حسبنا و نعم الوكيل، و صلاته على سيدنا البشير النذير محمد و آله الطيبين الطاهرين و سلم.

و قال عليه السلام في كتاب آخر له إليه في جملة كلام له" فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا، و ليجتنب ما يدنيه من كراهتنا و سخطنا، فإن أمرنا يأتي بغتة فجأة حين لا تنفعه توبة و لا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة، و اللّٰه يلهمكم الرشد، و يلطف لكم في التوفيق برحمته".

الوافي، ج 26، ص: 287

باب مواعظ عيسى على نبينا و آله و عليه السلام

[1]
اشارة

25420- 1 (الكافي- 2: 319) علي، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال" قال عيسى بن مريم عليهما السلام: تعملون للدنيا و أنتم ترزقون فيها بغير عمل و لا تعملون للآخرة و أنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل ويلكم علماء سوء، الأجر تأخذون، و العمل تضيعون، يوشك رب العمل أن يقبل عمله و يوشك أن تخرجوا من ضيق الدنيا إلى ظلمة القبر، كيف يكون من أهل العلم من هو في مسيره إلى آخرته و هو مقبل على دنياه و ما يضره أحب إليه مما ينفعه".

بيان

تضييع العمل يشمل ما لم يؤت به و ما أتي به على غير وجهه و أراد برب العمل الذي لم يضيع عمله بل أتى به على وجهه.

الوافي، ج 26، ص: 288

و من مواعظه عليه السلام ما رواه في تحف العقول عنه عليه السلام أنه قال" طوبى للمتراحمين أولئك هم المرحومون يوم القيامة، طوبى للمصلحين بين الناس أولئك هم المقربون يوم القيامة، طوبى للمطهرة قلوبهم أولئك يزورون اللّٰه يوم القيامة، طوبى للمتواضعين في الدنيا أولئك يرثون منابر الملك يوم القيامة، طوبى للمساكين بروحي و لهم ملكوت السماء.

طوبى للمحزونين هم الذين يسرون.

طوبى للذين يجوعون و يظمئون خشوعا هم الذين يشبعون.

طوبى للذين يعملون الخير أصفياء اللّٰه يدعون.

طوبى للمسبوبين من أجل الطهارة، فإن لهم ملكوت السماء.

طوبى لكم إذا حسدتم و شتمتم و قيل فيكم كل كلمة قبيحة كاذبة حينئذ فافرحوا و ابتهجوا، فإن أجركم قد كثر في السماء.

و قال يا عبيد السوء تلومون الناس على الظن و لا تلومون أنفسكم على اليقين، يا عبيد الدنيا تحبون أن يقال فيكم ما ليس فيكم،

و أن يشار إليكم بالأصابع، يا عبيد الدنيا تحلقون رءوسكم و تقصرون قمصكم و تنكسون رءوسكم و لا تنزعون الغل من قلوبكم، يا عبيد الدنيا مثلكم كمثل القبور المشيدة يعجب الناظر ظهرها و داخلها عظام الموتى مملوءة خطايا، يا عبيد الدنيا إنما مثلكم كمثل السراج يضي ء للناس و يحرق نفسه، يا بني إسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم و لو جثوا على الركب، فإن اللّٰه يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر.

الوافي، ج 26، ص: 289

يا بني إسرائيل قلة المنطق حكم عظيم فعليكم بالصمت، فإنه دعة حسنة و قلة وزر و خفة من الذنوب، فحصنوا باب العلم، فإن بابه الصبر، و إن اللّٰه يبغض الضحاك من غير عجب، و المشاء إلى غير إرب، و يحب الوالي الذي يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته، فاستحيوا اللّٰه في سرائركم كما تستحيون الناس في علانيتكم، و اعلموا أن كلمة الحكمة ضالة المؤمن فعليكم قبل أن ترفع، و رفعها أن يذهب رواته.

يا صاحب العلم عظم العلماء لعلمهم و دع منازعتهم و صغر الجهال لجهلهم و لا تطردهم و لكن قربهم و علمهم، يا صاحب العلم اعلم أن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ عليها، يا صاحب العلم اعلم أن ترك كل معصية عجزت عن توبتها بمنزلة عقوبة تعاقب بها، يا صاحب العلم كرب لا تدري متى تغشاك فاستعد لها قبل أن تفجأك.

و قال لأصحابه: أ رأيتم لو أن أحدا مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن عورته، أ كان كاشفا عنها أم يرد على ما انكشف منها قالوا: بل يرد على ما انكشف منها، قال: كلا بل تكشفون عنها، فعرفوا أنه مثل ضربه لهم،

فقالوا:

يا روح اللّٰه و كيف ذاك قال: ذاك الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها.

بحق أقول لكم: أعلمكم لتعلموا و لا أعلمكم لتعجبوا بأنفسكم، إنكم لن تنالوا ما تريدون إلا بترك ما تشتهون، و لن تظفروا بما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، إياكم و النظرة فإنها تزرع في القلوب الشهوة و كفى بها لصاحبها فتنة.

طوبى لمن جعل بصره في قلبه و لم يجعل بصره في نظر عينه، لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب، و انظروا في عيوبهم كهيئة عبيد الناس، إنما الناس

الوافي، ج 26، ص: 290

رجلان: مبتلى و معافى، فارحموا المبتلى، و احمدوا اللّٰه على العافية.

يا بني إسرائيل أ ما تستحيون من اللّٰه، أن أحدكم لا يسوغ له شرابه حتى يصفيه من القذى، و لا يبالي أن يبلغ أمثال الفيلة من الحرام، أ لم تسمعوا أنه قيل لكم في التوراة: صلوا أرحامكم و كافئوا أرحامكم، و أنا أقول لكم: صلوا من قطعكم و أعطوا من منعكم و أحسنوا إلى من أساء إليكم و سلموا على من سبكم و أنصفوا من خاصمكم و أعفوا عمن ظلمكم كما أنكم تحبون أن يعفى عن إساءتكم، فاعتبروا بعفو اللّٰه عنكم أ لا ترون أن شمسه أشرقت على الأبرار و الفجار منكم، و أن مطره ينزل على الصالحين و الخاطئين منكم، فإن كنتم لا تحبون إلا من أحبكم، و لا تحسنون إلا إلى من أحسن إليكم و لا تكافئون إلا من أعطاكم فما فضلكم إذا على غيركم قد يصنع هذا السفهاء الذين ليست عندهم فضول و لا لهم أحلام، و لكن إن أردتم أن تكونوا أحباء اللّٰه و أصفياء اللّٰه فأحسنوا إلى من أساء إليكم و أعفوا

عمن ظلمكم و سلموا على من أعرض عنكم، اسمعوا قولي و احفظوا وصيتي و أرعوا عهدي كيما تكونوا علماء فقهاء.

بحق أقول لكم: إن قلوبكم بحيث تكون كنوزكم- و لذلك الناس يحبون أموالهم و تتوق إليها أنفسهم- فضعوا كنوزكم في السماء حيث لا يأكلها السوس و لا ينالها اللصوص.

بحق أقول لكم: إن العبد لا يقدر على أن يخدم ربين، و لا محالة أنه يؤثر أحدهما على الآخر و إن جهد، كذلك لا يجتمع لكم حب اللّٰه و حب الدنيا.

بحق أقول لكم: إن شر الناس لرجل عالم آثر دنياه على علمه فأحبها و طلبها و جهد عليها حتى لو استطاع أن يجعل الناس في حيرة لفعل، و ما ذا يغني عن الأعمى سعة نور الشمس و هو لا يبصرها، كذلك لا يغني عن العالم علمه إذ هو لم يعمل به ما أكثر ثمار الشجر و ليس كلها ينفع و لا يؤكل، و ما أكثر العلماء و ليس كلهم ينتفع بما علم و ما أوسع الأرض و ليس كلها يسكن، و ما أكثر

الوافي، ج 26، ص: 291

المتكلمين و ليس كلهم كلامهم يصدق، فاحتفظوا من العلماء الكذبة الذين عليهم ثياب الصوف منكوس (منكسوا- خ ل) رءوسهم إلى الأرض يزورون به الخطايا يطوفون من تحت حواجبهم كما ترمق الذباب و قولهم يخالف فعلهم، و هل يجتنى من العوسج العنب و من الحنظل التين، و كذلك لا يأثم قول العالم الكاذب إلا زورا، و ليس كل من يقول يصدق.

بحق أقول لكم: إن الزرع ينبت في السهل و لا ينبت في الصفا، و كذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع، و لا تعمر في قلب المتكبر الجبار، أ لم تعلموا أنه من شمخ

برأسه إلى السقف شجه، و من خفض برأسه عنه استظل تحته و أكنه، و كذلك من لم يتواضع لله خفضه و من تواضع لله رفعه، إنه ليس على كل حال يصلح العسل في الزقاق و كذلك القلوب ليس على كل حال تعمر القلوب (الحكمة- خ ل) فيها، إن الزق ما لم ينخرق أو يقحل أو ينكل فسوف يكون للعسل وعاء، و كذلك القلوب ما لم تخرقها الشهوات و يدنسها الطمع و يقسيها النعيم فسوف تكون أوعية للحكمة.

فحق أقول لكم: إن الحريق ليقع في البيت الواحد فلا يزال ينتقل من بيت إلى بيت حتى يحترق بيوت كثيرة إلا أن يستدرك البيت الأول فيهدم من قواعده فلا تجد فيه النار معملا، و كذلك الظالم الأول لو يؤخذ على يديه لم يوجد من بعده إمام ظالم فيأتمون به كما لو لم تجد النار في البيت الأول خشبا و ألواحا لم تحرق شيئا.

بحق أقول لكم: من نظر إلى الحية تؤم أخاه لتلدغه و لم يحذره حتى قتلته فلا يأمن أن يكون قد شرك في دمه، و كذلك من نظر إلى أخيه يعمل الخطيئة و لم

الوافي، ج 26، ص: 292

يحذره عاقبتها حتى أحاطت به فلا يأمن أن يكون قد شرك في إثمه، و من قدر على أن يغير الظالم ثم لم يغيره فهو كفاعله، و كيف يهاب الظالم و قد أمن بين أظهركم لا ينهى و لا يغير عليه و لا يؤخذ على يديه فمن أين يقصر الظالمون أم كيف لا يفترون، فحسب أحدكم أن يقول: لا أظلم و من شاء فليظلم و يرى الظلم فلا يغيره، فلو كان الأمر على ما تقولون لم تعاقبوا مع الظالمين الذين لم تعملوا

بأعمالكم حين تنزل بهم العثرة في الدنيا.

ويلكم يا عبيد السوء ترجون أن يؤمنكم اللّٰه من فزع يوم القيامة و أنتم تخافون الناس في طاعة اللّٰه و تطيعونهم في معصيته و تفون لهم بالعهود الناقضة لعهده.

بحق أقول لكم: لا يؤمن اللّٰه من فزع ذلك اليوم من اتخذ العباد أربابا من دونه، ويلكم يا عبيد السوء من أجل دنيا دنية و شهوة ردية تفرطون في ملك الجنة، و تنسون هول يوم القيامة.

ويلكم يا عبيد الدنيا من أجل نعمة زائلة و حياة منقطعة تفرون من اللّٰه و تكرهون لقاءه، فكيف يحب اللّٰه لقاءكم و أنتم تكرهون لقاءه، فإنما يحب اللّٰه لقاء من يحب لقاءه، و يكره لقاء من يكره لقاءه، و كيف تزعمون أنكم أولياء اللّٰه من دون الناس، و أنتم تفرون من الموت و تعتصمون بالدنيا، فما ذا يغني عن الميت طيب ريح حنوطه، و بياض أكفانه، و كل ذلك يكون في التراب، كذلك لا يغني عنكم بهجة دنياكم التي زينت لكم، و كل ذلك إلى سلب و زوال، ما ذا يغني عنكم نقاء أجسادكم و صفاء ألوانكم و إلى الموت تصيرون و في التراب تنسون و في ظلمة القبر تغمرون، ويلكم يا عبيد الدنيا تحملون السراج في ضوء الشمس و ضوءها كان يكفيكم، و تدعون أن تستضيئوا بها في الظلم، و من أجل ذلك سخرت لكم كذلك استضاؤكم بنور العلم لأمر الدنيا و قد كفيتموه و تركتم أن تستضيئوا به لأمر الآخرة، و من أجل ذلك أعطيتموه، تقولون إن الآخرة

الوافي، ج 26، ص: 293

حق و أنتم تمهدون الدنيا و تقولون: إن الموت حق و أنتم تفرون منه، و تقولون:

إن اللّٰه يسمع و يرى و لا تخافون

إحصاءه عليكم فكيف يصدقكم من سمعكم فإن من كذب من غير علم أعذر ممن كذب على علم و إن كان لا عذر في شي ء من الكذب.

بحق أقول لكم: إن الدابة إذا لم تركب و لم تمتهن و تستعمل لتصعب و يتغير خلقها و كذلك القلوب إذا لم ترقق بذكر الموت و يتعبها دءوب العبادة تقسو و تغلظ، ما ذا يغني عن البيت المظلم أن يوضع السراج فوق ظهره و جوفه وحش مظلم، كذلك لا يغني عنكم أن يكون نور العلم بأفواهكم و أجوافكم منه وحشة معطلة فأسرعوا إلى بيوتكم المظلمة فأنيروا فيها، كذلك فأسرعوا إلى قلوبكم القاسية بالحكمة قبل أن ترين عليها الخطايا فتكون أقسى من الحجارة، كيف يطيق حمل الأثقال من لا يستعين على حملها، أم كيف تحط أوزار من لا يستغفر اللّٰه منها، أم كيف تنقى ثياب من لا يغسلها، و كيف يبرأ من الخطايا من لا يكفرها، أم كيف ينجو من غرق البحر من يعبر بغير سفينة، و كيف ينجو من فتن الدنيا من لم يداوها بالجد و الاجتهاد، و كيف يبلغ من يسافر بغير دليل، و كيف يصير إلى الجنة من لا يبصر معالم الدين، و كيف ينال مرضاة اللّٰه من لا يطيعه، و كيف يبصر عيب وجهه من لا ينظر في المرآة، و كيف يستكمل حب خليله من لا يبذل له بعض ما عنده، و كيف يستكمل حب ربه من لا يقرضه بعض ما رزقه! بحق أقول لكم: إنه كما لا ينقص البحر أن تغرق فيه السفينة و لا يضره ذلك شيئا كذلك لا تنقصون اللّٰه بمعاصيكم شيئا و لا تضرونه بل أنفسكم تضرون و إياها تنقصون، و كما لا

ينقص نور الشمس كثرة من يتقلب فيها بل به يعيش

الوافي، ج 26، ص: 294

و يحيى، كذلك لا ينقص اللّٰه كثرة ما يعطيكم و يرزقكم بل برزقه تعيشون و به تحيون، يزيد من شكره، إنه شاكر عليم.

ويلكم يا أجراء السوء، الأجر تستوفون و الرزق تأكلون و الكسوة تلبسون، و المنازل تبنون، و عمل من استأجركم تفسدون، يوشك رب هذا العمل أن يطالعكم فينظر في عمله الذي أفسدتم فينزل بكم ما يخزيكم، و يأمر برقابكم فتجذ من أصولها و يأمر بأيديكم فتقطع من مفاصلها، ثم يأمر بجيفكم فتجر على بطونها حتى توضع على قوارع الطريق حتى تكونوا عظة للمتقين و نكالا للظالمين.

ويلكم يا علماء السوء: لا تحدثوا أنفسكم أن آجالكم تستأخر من أجل أن الموت لم ينزل بكم فكأنه قد حل بكم فأظعنكم، فمن الآن فاجعلوا الدعوة في آذانكم، و من الآن فنوحوا على أنفسكم، و من الآن فابكوا على خطاياكم، و من الآن فتجهزوا و خذوا أهبتكم و بادروا التوبة إلى ربكم.

بحق أقول لكم: إنه كما ينظر المريض إلى طيب الطعام فلا يلتذه مع ما يجده من شدة الوجع، كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ العبادة و لا يجد حلاوتها مع ما يجد من حب المال، و كما يلتذ المريض نعت الطبيب العالم بما يرجو فيه من الشفاء، فإذا ذكر مرارة الدواء و طعمه كدر عليه الشفاء، كذلك أهل الدنيا يلتذون ببهجتها و أنواع ما فيها، فإذا ذكروا فجأة الموت كدرها عليهم و أفسدها.

بحق أقول لكم: إن كل الناس يبصر النجوم و لكن لا يهتدون بها إلا من يعرف مجاريها و منازلها، و كذلك تدرسون الحكمة و لكن لا يهتدي لها منكم إلا من عمل بها.

الوافي، ج 26،

ص: 295

ويلكم يا عبيد الدنيا: نقوا القمح و طيبوه و أرقوا طحنه تجدوا طعمه، و يهنئكم أكله، كذلك فأخلصوا الإيمان و أكملوه، تجدوا حلاوته و ينفعكم غبه.

بحق أقول لكم: لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به فلم يمنعكم منه ريح قطرانه، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه و لا يمنعكم منه سوء رغبته فيها.

ويلكم يا عبيد الدنيا: لا كحكماء يعقلون، و لا كحلماء يفقهون، و لا كعلماء يعلمون، و لا كعبيد أتقياء، و لا كأحرار كرام توشك الدنيا أن تقتلعكم من أصولكم على وجوهكم ثم تكبكم على مناخركم، ثم تأخذ خطاياكم بنواصيكم و يدفعكم العلم من خلفكم حتى يسلماكم إلى الملك الديان عراة فرادى فيجزيكم بسوء أعمالكم.

ويلكم يا عبيد الدنيا: أ ليس بالعلم أعطيتم السلطان على جميع الخلائق فنبذتموه فلم تعملوا به، و أقبلتم على الدنيا فيها تحكمون و لها تمهدون و إياها تؤثرون و تعمرون، فحتى متى أنتم للدنيا، ليس لله فيكم نصيب.

بحق أقول لكم: لا تدركون شرف الآخرة إلا بترك ما تحبون، فلا تنتظروا بالتوبة غدا، فإن دون غد يوما و ليلة قضاء اللّٰه فيهما يغدو و يروح.

بحق أقول لكم: إن صغار الخطايا و محقراتها لمن مكايد إبليس، يحقرها لكم و يصغرها في أعينكم و تجتمع فتكثر و تحيط بكم.

بحق أقول لكم: إن المدحة بالكذب و التزكية في الدين لمن رأس الشرور المعلومة و إن حب الدنيا لرأس كل خطيئة.

بحق أقول لكم: ليس شي ء أبلغ في شرف الآخرة و أعون على حوادث الدنيا من الصلاة الدائمة، و ليس شي ء أقرب إلى الرحمن منها فدوموا عليها و استكثروا منها، و كل عمل صالح يقرب إلى اللّٰه تعالى

فالصلاة أقرب إليه و آثر عنده.

الوافي، ج 26، ص: 296

بحق أقول لكم: إن كل عمل المظلوم الذي لم ينتصر بقول و لا فعل و لا حقد هو في ملكوت السماء عظيم، أيكم رأى نورا اسمه ظلمة أو ظلمة اسمها نور كذلك لا يجتمع للعبد أن يكون مؤمنا كافرا و لا مؤثرا للدنيا راغبا في الآخرة، و هل زراع شعير يحصد قمحا أو زراع قمح يحصد شعيرا، كذلك يحصد كل عبد في الآخرة ما زرع و يجزى بما عمل.

بحق أقول لكم: إن الناس في الحكمة رجلان: فرجل أتقنها بقوله و ضيعها بسوء فعله، و رجل أتقنها بقوله و صدقها بفعله، و شتان بينهما، و طوبى للعلماء بالفعل، و ويل للعلماء بالقول.

بحق أقول لكم: من لا ينقي من زرعه الحشيش يكثر فيه حتى يغمره و يفسده و كذلك من لا يخرج من قلبه حب الدنيا يغمره حتى لا يجد لحب الآخرة طعما.

ويلكم يا عبيد الدنيا: اتخذوا مساجد ربكم سجونا لأجسادكم و اجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوى و لا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات.

بحق أقول لكم: إن أجزعكم على البلاء لأشدكم حبا للدنيا، و إن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا.

ويلكم يا علماء السوء: أ لم تكونوا أمواتا فأحياكم فلما أحياكم متم، ويلكم أ لم تكونوا أميين فعلمكم، فلما علمكم نسيتم، ويلكم أ لم تكونوا جفاة ففقهكم اللّٰه، فلما فقهكم جهلتم، ويلكم أ لم تكونوا ضلالا فهداكم، فلما هداكم ضللتم، ويلكم أ لم تكونوا عميا فبصركم، فلما بصركم عميتم، ويلكم أ لم تكونوا صما فأسمعكم فلما أسمعكم صممتم، ويلكم أ لم تكونوا بكما فأنطقكم، فلما أنطقكم بكمتم، ويلكم أ لم تستفتحوا، فلما فتح لكم نكصتم على أعقابكم، ويلكم أ لم

تكونوا أذلة فأعزكم، فلما عززتم قهرتم و اعتديتم و عصيتم، ويلكم أ لم تكونوا مستضعفين في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فنصركم و أيدكم، فلما نصركم استكبرتم و تجبرتم، فيا ويلكم من ذل يوم القيامة كيف يهينكم و يصغركم.

الوافي، ج 26، ص: 297

و يا ويلكم يا علماء السوء: إنكم لتعملون عمل الملحدين و تأملون أمل الوارثين و تطمئنون بطمأنينة الآمنين و ليس أمر اللّٰه على ما تمنون و تتخيرون بل للموت تتوالدون، و للخراب تبنون و تعمرون و للوارثين تمهدون.

بحق أقول لكم: إن موسى كان يأمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين و أنا آمركم أن لا تحلفوا بالله صادقين و لا كاذبين و لكن قولوا: لا، و نعم، يا بني إسرائيل عليكم بالبقل البري و خبز الشعير، و إياكم و خبر البر، فإني أخاف عليكم أن لا تقوموا بشكره.

بحق أقول لكم: إن الناس معافى و مبتلى فاحمدوا اللّٰه على العافية، و ارحموا أهل البلاء.

بحق أقول لكم: إن كل كلمة سيئة تقولون بها تعطون جوابها يوم القيامة، يا عبيد السوء إذا قرب أحدكم قربانه ليذبحه فذكر أن أخاه واجد عليه فليترك قربانه و ليذهب إلى أخيه فليترضه، ثم ليرجع إلى قربانه فليذبحه.

يا عبيد السوء: من أخذ قميص أحدكم فليعط رداءه معه، و من لطم خده منكم فليمكن من خده الآخر، و من سخر منكم ميلا فليذهب ميلا آخر معه.

بحق أقول لكم: ما ذا يغني عن الجسد إذا كان ظاهره صحيحا و باطنه فاسدا و ما يغني عنكم أجسادكم إذا أعجبتكم و قد فسدت قلوبكم، و ما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم و قلوبكم دنسة.

بحق أقول لكم: لا تكونوا كالمنخل يخرج الدقيق الطيب و يمسك النخالة كذلك

أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم و يبقى الغل في صدوركم.

بحق أقول لكم: ابدءوا بالشر فاتركوه ثم اطلبوا الخير ينفعكم، فإنكم إذا جمعتم الخير مع الشر لم ينفعكم الخير.

بحق أقول لكم: إن الذي يخوض النهر لا بد أن يصيب ثوبه الماء و إن جهد أن

الوافي، ج 26، ص: 298

لا يصيبه كذلك من يحب الدنيا لا ينجو من الخطايا.

بحق أقول لكم: طوبى للذين يتهجدون من الليل أولئك الذين يرثون النور الدائم من أجل أنهم قاموا في ظلمة الليل على أرجلهم في مساجدهم، يتضرعون إلى ربهم رجاء أن ينجيهم في الشدة غدا.

بحق أقول لكم: إن الدنيا خلقت مزرعة يزرع فيها العباد الحلو و المر و الشر و الخير، و الخير له مغبة نافعة يوم الحساب و الشر له عناء و شقاء يوم الحصاد.

بحق أقول لكم: إن الحكيم يعتبر بالجاهل، و الجاهل يعتبر بهواه، أوصيكم أن تختموا على أفواهكم بالصمت حتى لا يخرج منها ما لا يحل لكم.

بحق أقول لكم: إنكم لا تدركون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، و لا تبلغون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون.

بحق أقول لكم: يا عبيد الدنيا كيف يدرك الآخرة من لا ينقص شهوته من الدنيا و لا ينقطع منها رغبته.

بحق أقول لكم: يا عبيد الدنيا ما الدنيا تحبون و لا الآخرة ترجون، لو كنتم تحبون الدنيا أكرمتم العمل الذي به أدركتموها و لو كنتم تريدون الآخرة عملتم عمل من يرجوها.

بحق أقول لكم: يا عبيد الدنيا إن أحدكم يبغض صاحبه على الظن و لا يبغض نفسه على اليقين.

و أقول لكم إن أحدكم ليغضب إذا ذكر له بعض عيوبه و هي حق، و يفرح إذا مدح بما ليس فيه.

بحق أقول لكم: إن أرواح

الشياطين ما عمرت في شي ء ما عمرت في قلوبكم و إنما أعطاكم اللّٰه الدنيا لتعملوا فيها للآخرة و لم يعطكموها لتشغلكم عن الآخرة و إنما بسطها لكم لتعلموا أنه أعانكم بها على العبادة و لم يعنكم بها على الخطايا

الوافي، ج 26، ص: 299

و إنما أمركم فيها بطاعته و لم يأمركم فيها بمعصيته، و إنما أعانكم بها على الحلال و لم يحل لكم بها الحرام، و إنما وسعها لكم لتواصلوا فيها و لم يوسعها لكم لتقاطعوا فيها.

بحق أقول لكم: إن الأجر محروص عليه و لا يدركه إلا من عمل له.

بحق أقول لكم: إن الشجرة لا تكمل إلا بثمرة طيبة، كذلك لا يكمل الدين إلا بالتحرج من المحارم.

بحق أقول لكم: إن الزرع لا يصلح إلا بالماء و التراب، كذلك الإيمان لا يصلح إلا بالعلم و العمل.

بحق أقول لكم: إن الماء يطفئ النار كذلك الحلم يطفئ الغضب.

بحق أقول لكم: إنه لا يجتمع الماء و النار في إناء واحد، كذا لا يجتمع الفقه و العي في قلب واحد.

بحق أقول لكم: إنه لا يكون مطر بغير سحاب، كذلك لا يكون عمل في مرضاة الرب إلا بقلب نقي.

بحق أقول لكم: إن النفس نور كل شي ء و إن الحكمة نور كل قلب، و التقوى رأس كل حكمة، و الحق باب كل خير و رحمة اللّٰه باب كل حق، و مفاتيح ذلك الدعاء و التضرع و العمل، و كيف يفتح باب بغير مفتاح.

بحق أقول لكم: إن الرجل الحكيم لا يغرس شجرة إلا شجرة يرضاها و لا يحمل على خيله إلا فرسا يرضاه، كذلك المؤمن العالم لا يعمل إلا عملا يرضاه ربه.

بحق أقول لكم: إن الصقالة تصلح السيف و تجلوه، كذلك الحكمة للقلب تصقله

و تجلوه، و هي في قلب الحكيم مثل الماء في الأرض الميتة تحيي قلبه كما يحيي الماء الأرض الميتة، و هي في قلب الحكيم مثل النور في الظلمة يمشي بها في الناس.

الوافي، ج 26، ص: 300

بحق أقول لكم: إن نقل الحجارة من رءوس الجبال أفضل من أن تحدث من لا يعقل عنك حديثك، كمثل الذي ينقع الحجارة لتلين و كمثل الذي يضع الطعام لأهل القبور، طوبى لمن حبس الفضل من قوله الذي يخاف عليه المقت من ربه و لا يحدث حديثا لا يفهمه و لا يغبط أمرا في قوله حتى يستبين له فعله، طوبى لمن تعلم من العلماء ما جهل، و علم الجاهل مما علم، طوبى لمن عظم العلماء لعلمهم، و ترك منازعتهم، و صغر الجهال لجهلهم و لا يطردهم و يقربهم و يعلمهم.

بحق أقول لكم: يا معشر الحواريين إنكم اليوم في الناس كالأحياء من الموتى فلا تموتوا بموت الأحياء.

و قال المسيح يقول اللّٰه تبارك و تعالى يحزن عبدي المؤمن أن أصرف عنه الدنيا و ذلك أحب ما يكون إلي و أقرب ما يكون مني، و يفرح أن أوسع عليه في الدنيا و ذلك أبغض ما يكون إلي و أبعد ما يكون مني.

و الحمد لله رب العالمين و صلى اللّٰه على محمد و آله و سلم تسليما".

الوافي، ج 26، ص: 301

باب مواعظ لقمان على نبينا و آله و عليه السلام

[1]
اشارة

25421- 1 (الفقيه- 2: 282 رقم 2457) قال لقمان لابنه" يا بني إن الدنيا بحر عميق، و قد هلك فيها عالم كثير، فاجعل سفينتك فيها الإيمان بالله، و اجعل شراعها التوكل على اللّٰه، و اجعل زادك فيها تقوى اللّٰه، فإن نجوت فبرحمة اللّٰه، و إن هلكت فبذنوبك".

بيان

شراع السفينة بالكسر ما يرفع فوقها من ثوب لتدخل فيه الريح فتجريها.

و من مواعظه عليه السلام ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن حماد قال: سألت أبا عبد اللّٰه ع عن لقمان و حكمته التي ذكرها اللّٰه عز و جل، فقال" أما و اللّٰه ما أوتي لقمان الحكمة بحسب و لا مال و لا أهل و لا بسط في جسم و لا جمال و لكنه كان رجلا قويا في أمر اللّٰه متورعا في اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 302

ساكتا سكينا عميق النظر طويل الفكر حديد النظر مستغن بالعبر لم ينم نهارا قط و لم يره أحد من الناس على بول و لا غائط و لا اغتسال لشدة تستره و عمق نظره، و تحفظه في أمره، و لم يضحك من شي ء قط مخافة الإثم، و لم يغضب قط و لم يمازح إنسانا قط و لم يفرح بشي ء إن أتاه من أمر الدنيا و لا حزن منها على شي ء قط، و قد نكح من النساء، و ولد له من الأولاد الكثيرة، و قدم أكثرهم إفراطا، فما بكى على موت أحد منهم، و لم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا أصلح بينهما، و لم يمض عنهما حتى تحاجزا، و لم يسمع قولا قط من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره و عمن أخذه،

و كان يكثر مجالسة الفقهاء و الحكماء، و كان يغشي القضاة و الملوك و السلاطين، فيرثي القضاة مما ابتلوا به و يرحم الملوك و السلاطين لعزتهم بالله و طمأنينتهم في ذلك و يعتبر و يتعلم ما يغلب به نفسه و يجاهد به هواه و يحترز به من الشيطان و كان يداوي قلبه بالتفكر و يداوي نفسه بالعبر و كان لا يظعن إلا فيما يعينه فبذلك أوتي الحكمة و منح العصمة، و إن اللّٰه تبارك و تعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار و هدأت العيون بالقائلة فنادوا لقمان حيث يسمع و لا يراهم فقالوا: يا لقمان هل لك أن يجعلك اللّٰه خليفة في الأرض تحكم بين الناس فقال لقمان: إن أمرني ربي بذلك فالسمع و الطاعة لأنه إن فعل بي ذلك أعانني عليه و علمني و عصمني، و إن هو خير لي قبلت العافية فقالت الملائكة: يا لقمان لم قلت ذلك قال: لأن الحكم بين الناس أشد المنازل من الدين و أكثرها فتنا و بلاء ما يخذل و لا يعان و يغشاه الظلم من كل مكان و صاحبه منه بين أمرين إن أصاب فيه الحق فبالحري أن يسلم و إن

الوافي، ج 26، ص: 303

أخطأ أخطأ طريق الجنة و من يكن في الدنيا ذليلا و ضعيفا كان أهون عليه في المعاد من أن يكون فيه حكما سريا شريفا، و من اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كليهما تزول هذه و لا يدرك تلك، قال: فعجبت الملائكة من حكمته و استحسن الرحمن منطقه، فلما أمسى و أخذ مضجعه من الليل أنزل اللّٰه عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه و هو نائم و غطاه بالحكمة غطاء

فاستيقظ و هو أحكم الناس في زمانه، و خرج على الناس ينطق بالحكمة و يبثها فيها.

قال: فلما أوتي الحكم و لم يقبله، أمر اللّٰه الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبلها و لم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه اللّٰه الخلافة في الأرض و ابتلي فيها غير مرة و كل ذلك يهوي في الخطإ يقيله اللّٰه و يغفر له، و كان لقمان يكثر زيارة داود ع و يعظه بمواعظه و حكمته و فضل علمه، و كان داود ع يقول له: طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة و صرفت عنك البلية و أعطي داود الخلافة و ابتلي بالخطإ و الفتنة".

ثم قال أبو عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه تعالى وَ إِذْ قٰالَ لُقْمٰانُ لِابْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يٰا بُنَيَّ لٰا تُشْرِكْ بِاللّٰهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ قال: فوعظ لقمان ابنه بآثار حتى تفطر و انشق و كان فيما وعظه به يا حماد أن قال: يا بني إنك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها و استقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد، يا بني جالس العلماء، و زاحمهم بركبتيك، و لا تجادلهم فيمنعوك، و خذ من الدنيا بلاغا و لا ترفضها فتكون عيالا على الناس، و لا تدخل فيها

الوافي، ج 26، ص: 304

دخولا يضر بآخرتك، و صم صوما يقطع شهوتك، و لا تصم صياما يمنعك من الصلاة فإن الصلاة أحب إلى اللّٰه تعالى من الصيام، يا بني إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير، فاجعل سفينتك فيها الإيمان، و اجعل شراعها التوكل، و اجعل زادك فيها تقوى اللّٰه، فإن نجوت فبرحمة اللّٰه و إن هلكت فبذنوبك، يا بني إن تأدبت صغيرا انتفعت به

كبيرا، و من عنى بالأدب اهتم به، و من اهتم به تكلف علمه، و من تكلف علمه اشتد له طلبه، و من اشتد طلبه أدرك منفعته فاتخذه عادة، فإنك تخلف في سلفك و ينفع به من خلفك، و يرتجيك فيه راغب، و يخشى صولتك راهب، و إياك و الكسل عنه، و الطلب لغيره، فإن غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة، فإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الآخرة، و اجعل في أيامك و لياليك و ساعاتك لنفسك نصيبا في طلب العلم، فإنك لن تجد له تضييعا أشد من تركه، و لا تمارين فيه لجوجا، و لا تجادلن فقيها، و لا تعادين سلطانا، و لا تماشين ظلوما و لا تصادقنه، و لا تواخين فاسقا نطقا، و لا تصاحبن متهما، و اخزن علمك كما تخزن ورقك، يا بني خف اللّٰه خوفا لو أتيت يوم القيامة ببر الثقلين خفت أن يعذبك و ارج اللّٰه رجاء لو وافيت القيامة بإثم الثقلين رجوت أن يغفر اللّٰه لك.

فقال له ابنه: يا أبة و كيف أطيق هذا و إنما لي قلب واحد، فقال له لقمان:

يا بني لو استخرج قلب المؤمن فشق لوجد فيه نوران نور للخوف و نور للرجاء لو وزنا ما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرة، فمن يؤمن بالله يصدق ما قال اللّٰه و من يصدق ما قال اللّٰه يفعل ما أمر اللّٰه و من لم يفعل ما أمر اللّٰه لم يصدق ما قال اللّٰه فإن هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض فمن يؤمن بالله إيمانا صادقا

الوافي، ج 26، ص: 305

يعمل لله خالصا ناصحا و من يعمل لله خالصا ناصحا فقد آمن بالله صادقا و من يطع اللّٰه

خافه و من خافه فقد أحبه و من أحبه اتبع أمره و من اتبع أمره استوجب جنته و مرضاته و من لم يتبع رضوان اللّٰه فقد هان عليه سخطه نعوذ بالله من سخط اللّٰه.

يا بني لا تركن إلى الدنيا و لا تشغل قلبك بها فما خلق اللّٰه خلقا هو أهون عليه منها، ألا ترى أنه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين و لم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين".

و روي أن اللّٰه تعالى أوحى إلى داود ع أن يضع كرسيا للقمان و يسمع منه الحكمة فوضع له كرسيا فرقي عليه لقمان و قال: يا داود احفظ أربع خصال يدخل فيك علم العالمين و الآخرين: الأول أن يكون حرصك على الدنيا بقدر لبثك فيها، الثاني: عملك للآخرة بقدر مقامك فيها، الثالث: خدمتك لمولاك بقدر حاجتك إليه، الرابع: جرأتك على المعاصي بقدر صبرك على النار.

الوافي، ج 26، ص: 307

باب مواعظ أبي ذر رحمه اللّٰه

[1]

25422- 1 (الكافي- 2: 458) محمد، عن محمد بن أحمد، عن بعض أصحابه، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن واصل، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" جاء رجل إلى أبي ذر رحمه اللّٰه فقال: يا أبا ذر ما لنا نكره الموت فقال: لأنكم عمرتم الدنيا و أخربتم الآخرة فتكرهون أن تنتقلوا من عمران إلى خراب، فقال له: فكيف ترى قدومنا على اللّٰه تعالى فقال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، و أما المسي ء فكالآبق يرد على مولاه، قال: فكيف ترى حالنا عند اللّٰه تعالى فقال: أعرضوا أعمالكم على الكتاب إن اللّٰه تعالى يقول إِنَّ الْأَبْرٰارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَ إِنَّ الْفُجّٰارَ لَفِي جَحِيمٍ قال: فقال: فأين رحمة اللّٰه قال: رحمة اللّٰه قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ".

قال أبو

عبد اللّٰه ع" و كتب رجل إلى أبي ذر رحمه اللّٰه يا أبا ذر أطرفني بشي ء من العلم فكتب إليه أن العلم كثير و لكن إن قدرت أن لا تسي ء إلى من تحبه فافعل، قال: فقال له: و هل رأيت أحدا يسي ء إلى من يحبه، فقال له: نعم نفسك أحب الأنفس إليك فإن أنت عصيت اللّٰه تعالى فقد أسأت إليها".

[2]
اشارة

25423- 2 (الفقيه) قال أبو عبد اللّٰه ع و كتب رجل إلى أبي ذر .. الحديث.

الوافي، ج 26، ص: 308

بيان:

" الأطراف" الإتيان بالطريف.

[3]
اشارة

25424- 3 (الفقيه- 2: 282 رقم 2456) روي أنه قام أبو ذر- رحمة اللّٰه عليه- عند الكعبة، فقال: أنا جندب بن السكن فاكتنفه الناس، فقال: لو أن أحدكم أراد سفرا لاتخذ فيه من الزاد ما يصلحه لسفره، فتزودوا لسفر يوم القيامة، أما تريدون فيه ما يصلحكم فقام إليه رجل فقال: أرشدنا، فقال: صم يوما شديد الحر للنشور، و حج حجة لعظائم الأمور و صل ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور، كلمة خير تقولها، و كلمة شر تسكت عنها، أو صدقة منك على مسكين لعلك تنجو بها يا مسكين من يوم عسير، اجعل الدنيا درهمين درهما أنفقته على عيالك و درهما قدمته لآخرتك، و الثالث يضر و لا ينفع لا ترده، اجعل الدنيا كلمتين كلمة في طلب الحلال و كلمة للآخرة و الثالثة تضر و لا تنفع لا تردها، ثم قال: قتلني هم يوم لا أدركه.

بيان

" هم يوم لا أدركه" يعني اهتمامي لرزق غد و بعد غد و إنما جزم بأنه لا يدركه لأن في تلك الأيام المهتم لها ما لا يدركه البتة.

و في تحف العقول في حديث هشام عن الكاظم ع أنه قال: و كان أبو ذر رضي اللّٰه عنه يقول: يا مبتغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير و مفتاح شر فاختم على فيك كما تختم على ذهبك و ورقك.

آخر أبواب المواعظ و الحمد لله أولا و آخرا.

الوافي، ج 26، ص: 311

أبواب القصص

الآيات:

قال اللّٰه جل و عز وَ كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبٰاءِ الرُّسُلِ مٰا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤٰادَكَ وَ جٰاءَكَ فِي هٰذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ.

و قال سبحانه كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبٰاءِ مٰا قَدْ سَبَقَ وَ قَدْ آتَيْنٰاكَ مِنْ لَدُنّٰا ذِكْراً.

و قال تعالى لَقَدْ كٰانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبٰابِ.

الوافي، ج 26، ص: 313

باب قصة آدم على نبينا و آله و عليه السلام

[1]
اشارة

25425- 1 (الكافي- 8: 113 رقم 92) علي، عن أبيه، عن السراد، عن محمد بن الفضيل، عن الثمالي، عن أبي جعفر ع قال" إن اللّٰه عهد إلى آدم ع أن لا يقرب هذه الشجرة فلما بلغ الوقت الذي كان في علم اللّٰه أن يأكل منها نسي فأكل منها، و هو قول اللّٰه تعالى وَ لَقَدْ عَهِدْنٰا إِلىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً فلما أكل آدم ع من الشجرة أهبط إلى الأرض فولد له هابيل و أخته توأم و ولد له قابيل و أخته توأم" الحديث بطوله.

بيان

قد مضى في باب ما نص اللّٰه و رسوله على الأئمة من كتاب الحجة.

[2]
اشارة

25426- 2 (الكافي- 8: 233 رقم 308) علي، عن أبيه، عن السراد، عن مقاتل بن سليمان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه ع كم كان طول

الوافي، ج 26، ص: 314

آدم ع حين هبط به إلى الأرض و كم كان طول حواء قال" وجدنا في كتاب علي ع أن اللّٰه تعالى لما أهبط آدم و زوجته حواء عليهما السلام إلى الأرض كانت رجلاه بثنية الصفا و رأسه دون أفق السماء و أنه شكا إلى اللّٰه تعالى ما يصيبه من حر الشمس فأوحى اللّٰه تعالى إلى جبرئيل ع أن آدم قد شكا ما يصيبه من حر الشمس فاغمزه غمزة و صير طوله سبعين ذراعا بذراعه و اغمز حواء غمزة فصير طولها خمسة و ثلاثين ذراعا بذراعها".

بيان

في هذا الحديث إشكال من وجوه منها أنه قد ثبت في محله أن شعاع الشمس كلما كان أقرب إلى الأرض و أبعد من السماء كان أحر و ذلك لأنه إنما يفعل الحرارة بالانعكاس من جرم كثيف كالأرض و شبهها فكيف شكا آدم شدة حر الشمس من فوق و منها أنه كيف يقصر الإنسان الحي بالغمز مع بقاء حياته و نظام أحشائه و أطرافه و منها أن كل إنسان تستوي خلقته بحيث ينتفع من أعضائه إنما يكون طوله بقدر ثلاث أذرع و نصف ذراع بذراعه تقريبا فإن كان أطول من ذلك من غير أن يطول ذراعه بما يقرب من هذه النسبة لم ينتفع من يديه و لم تصل يداه إلى طرفيه فكيف يكون طول آدم سبعين و طول حواء خمسة و ثلاثين بذراعيهما و يمكن التقصي عن الإشكال.

الأول بأن ع لم يكن لدنوه من حر الشمس من فوق بل لأنه مع تلك القامة

لا يسعه ظل و لا يكنه بيت فلم يزل كان ضاحيا يؤذيه حر الشمس.

و عن الثاني بأن قدرة اللّٰه تعالى أعظم من أن يعجزه شي ء و إن أبى اللّٰه أن يجزي الأشياء إلا بالأسباب فإن في الوجود أسبابا خفية عجزت عن إدراكها عقول أمثالنا.

الوافي، ج 26، ص: 315

و أما عن الثالث فلم يتيسر لي التقصي من جهة التفسير و أما من جهة التأويل فلعل طول القامة كناية عن علو الهمة و قصر اليد عن عدم بلوغ قدرته إليها و تأذيه بحر الشمس عن تأذيه بحرارة قلبه بسبب ذلك و تقصير قامته بوضع يد جبرئيل عن إنزاله إياه عن تلك المرتبة من الهمة إلى مرتبة أدنى و بهذا التأويل ارتفع الإشكالات كلها و العلم عند اللّٰه.

و روي في تحف العقول عن أمير المؤمنين ع أنه قال" قلت لرسول اللّٰه ص: يا رسول اللّٰه تلقى آدم من ربه كلمات ما هذه الكلمات قال: يا علي إن اللّٰه أهبط آدم بالهند و أهبط حواء بجدة و الحية بأصبهان و إبليس بميسان و لم يكن في الجنة شي ء أحسن من الحية و الطاوس و كان للحية قوائم كقوائم البعير فدخل إبليس جوفها فغر آدم و خدعه فغضب اللّٰه تعالى على الحية و ألقى عنها قوائمها و قال: جعلت رزقك التراب، و جعلتك تمشين على بطنك، لا رحم اللّٰه من رحمك، و غضب على الطاوس لأنه كان دل إبليس على الشجرة فمسخ منه صوته و رجليه فمكث آدم بالهند مائة سنة لا يرفع رأسه إلى السماء واضعا يده على رأسه يبكي على خطيئته فبعث اللّٰه إليه جبرئيل، فقال: يا آدم الرب عز و جل يقرئك السلام و يقول يا آدم،

أ لم أخلقك بيدي، أ لم أنفخ فيك من روحي، أ لم أسجد لك ملائكتي، أ لم أزوجك حواء أمتي، أ لم أسكنك جنتي فما هذا البكاء يا آدم تكلم بهذه الكلمات فإن اللّٰه قابل توبتك، قل سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا و ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم".

و في رواية: أن الكلمات بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين، و في رواية أخرى: بحق محمد و آل محمد

، و ورد غير ذلك.

الوافي، ج 26، ص: 317

باب قصة نوح على نبينا و آله و عليه السلام

[1]
اشارة

25427- 1 (الكافي- 8: 279 رقم 421) علي، عن أبيه، عن السراد، عن هشام الخراساني، عن المفضل بن عمر، قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه ع بالكوفة أيام قدم على أبي العباس فلما انتهينا إلى الكناسة، قال" هاهنا صلب عمي زيد رحمه اللّٰه ثم مضى حتى انتهى إلى طاق الزياتين و هو آخر السراجين فنزل، و قال: انزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي خطه آدم ع و أنا أكره أن أدخله راكبا، قال: قلت: فمن غيره عن خطته قال: أما أول ذلك الطوفان في زمن نوح ع ثم غيره أصحاب كسرى و النعمان ثم غيره بعد زياد بن أبي سفيان، فقلت: و كانت الكوفة و مسجدها في زمن نوح ع فقال لي: نعم يا مفضل و كان منزل نوح و قومه في قرية على منزل من الفرات مما يلي غربي الكوفة، قال: و كان نوح ع رجلا نجارا فجعله اللّٰه نبيا و انتجبه و نوح ع أول من عمل سفينة تجري على ظهر الماء.

قال: و لبث نوح ع في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما

الوافي، ج 26، ص: 318

يدعوهم إلى اللّٰه تعالى فيهزءون به و يسخرون منه، فلما رأى ذلك منهم دعا عليهم و قال رَبِّ لٰا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكٰافِرِينَ دَيّٰاراً. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبٰادَكَ وَ لٰا يَلِدُوا إِلّٰا فٰاجِراً كَفّٰاراً فأوحى اللّٰه تعالى إلى نوح أن أصنع سفينة و أوسعها و عجل عملها فعمل نوح سفينة في مسجد الكوفة بيده فأتى بالخشب من بعد حتى فرغ منها".

قال المفضل ثم انقطع حديث أبي عبد اللّٰه ع عند زوال الشمس، فقام أبو عبد اللّٰه ع فصلى الظهر و العصر، ثم انصرف من المسجد فالتفت عن يساره و أشار بيده إلى موضع دار الداريين و هو موضع دار ابن حكيم و ذلك فرات اليوم، فقال لي" يا مفضل هاهنا نصبت أصنام قوم نوح ع يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْراً" ثم مضى حتى ركب دابته، فقلت: جعلت فداك، في كم عمل نوح سفينته حتى فرغ منها قال: في دورين، فقلت: و كم الدورين قال" ثمانين سنة" قلت: فإن العامة يقولون عملها في خمسمائة عام، فقال" كلا و اللّٰه كيف و اللّٰه يقول وَ وَحْيِنٰا".

قال: قلت: فأخبرني عن قول اللّٰه تعالى حَتّٰى إِذٰا جٰاءَ أَمْرُنٰا وَ فٰارَ التَّنُّورُ فأين كان موضعه و كيف كان فقال" كان التنور في بيت عجوز مؤمنة في دبر قبلة ميمنة المسجد" فقلت له: فإن ذلك موضع زاوية باب الفيل اليوم، ثم قلت له: و كان بدو خروج الماء من ذلك التنور فقال" نعم إن اللّٰه تعالى أحب أن يري قوم نوح آية ثم إن اللّٰه تعالى أرسل عليهم المطر يفيض فيضا و فاض الفرات فيضا و العيون كلهن فيضا فغرقهم اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 319

تعالى و أنجى نوحا و

من معه في السفينة".

فقلت له: كم لبث نوح في السفينة حتى نضب الماء و خرجوا منها فقال" لبثوا فيها سبعة أيام و لياليها و طافت بالبيت أسبوعا ثم استوت على الجودي و هو فرات الكوفة" فقلت له: إن مسجد الكوفة قديم فقال" نعم و هو مصلى الأنبياء صلوات اللّٰه عليهم أجمعين و لقد صلى فيه رسول اللّٰه ص حين أسري به إلى السماء، فقال له جبرئيل ع: يا محمد إن هذا مسجد أبيك آدم ع و مصلى الأنبياء ع فانزل فصل فيه، فنزل فصلى فيه، ثم إن جبرئيل ع عرج به إلى السماء".

بيان

" و اللّٰه يقول وَ وَحْيِنٰا" يعني يقول لنوح ع وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنٰا وَ وَحْيِنٰا بأعيننا أي بحفظنا و كلاءتنا كان معه من اللّٰه حفظة يكلئونه بعيونهم لئلا يتعرض له" وَ وَحْيِنٰا" أي بأمرنا و تعليمنا قوله ع يحتمل معنيين أحدهما أن ما يكون بأمر اللّٰه و تعليمه كيف يطول زمانه إلى هذه المدة و الثاني أن يكون ع قد فسر الوحي هنا بالسرعة و العجلة فإنه جاء بهذا المعنى يقال الوحا الوحا مقصورا و ممدودا يعني البدار البدار و نوح يا هذا أي أسرع و المعنى الثاني أتم في الاستشهاد و أصوب بل يكاد يتعين لما مر في هذا الحديث من قوله ع فأوحى اللّٰه إلى نوح أن أصنع سفينة و أوسعها و عجل عملها.

[2]
اشارة

25428- 2 (الكافي- 8: 281 رقم 422) علي، عن أبيه، عن البزنطي، عن أبان، عن الثمالي، عن أبي رزين الأسدي، عن أمير المؤمنين ع

الوافي، ج 26، ص: 320

أنه قال" إن نوحا ع لما فرغ من السفينة و كان ميعاده فيما بينه و بين ربه في إهلاك قومه أن يفور التنور ففار فقالت امرأته: إن التنور قد فار، فقام إليه فختمه فقام الماء و أدخل من أراد أن يدخل و أخرج من أراد أن يخرج، ثم جاء إلى خاتمه فنزعه اللّٰه يقول اللّٰه تعالى فَفَتَحْنٰا أَبْوٰابَ السَّمٰاءِ بِمٰاءٍ مُنْهَمِرٍ. وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمٰاءُ عَلىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. وَ حَمَلْنٰاهُ عَلىٰ ذٰاتِ أَلْوٰاحٍ وَ دُسُرٍ قال: و كان نجرها في وسط مسجدكم و لقد نقص من ذرعه سبعمائة ذراع".

بيان

" أدخل" أي في السفينة" و أخرج" أي عنها" منهمر" منصب في كثرة و تتابع" وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً" أي جعلنا الأرض كلها كأنها عيون تنفجر" فَالْتَقَى الْمٰاءُ" أي مياه السماء و الأرض" عَلىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ" أي حال قدرها اللّٰه كيف شاء" عَلىٰ ذٰاتِ أَلْوٰاحٍ وَ دُسُرٍ" يعني السفينة نابت الصفة مناب الموصوف" و الدسار" المسمار من دسره إذا دفعه.

[3]

25429- 3 (الكافي- 8: 282 رقم 423) محمد، عن أحمد، عن الحسن ابن علي، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" جاءت امرأة نوح ع و هو يعمل السفينة فقالت له: إن التنور قد خرج منه ماء فقام إليه مسرعا حتى جعل الطبق عليه و ختمه بخاتمه فقام الماء فلما فرغ من السفينة جاء إلى الخاتم ففضه و كشف الطبق ففار الماء".

الوافي، ج 26، ص: 321

[4]
اشارة

25430- 4 (الكافي- 8: 282 رقم 424) علي، عن أبيه، عن البزنطي، عن أبان، عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر ع قال" كانت شريعة نوح ع أن يعبد اللّٰه تعالى بالتوحيد و الإخلاص و خلع الأنداد و هي الفطرة التي فطر الناس عليها و أخذ اللّٰه ميثاقه على نوح و على النبيين صلى اللّٰه عليهم أجمعين أن يعبدوا اللّٰه فلا يشركوا به شيئا و أمر بالصلاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الحلال و الحرام و لم يفرض عليه أحكام حدود و لا فرض مواريث فهذه شريعته فلبث فيهم نوح ع ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم سرا و علانية فلما أبو و عتوا قال رب إني مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فأوحى اللّٰه تعالى إليه أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلّٰا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلٰا تَبْتَئِسْ بِمٰا كٰانُوا يَفْعَلُونَ فلذلك قال نوح ع وَ لٰا يَلِدُوا إِلّٰا فٰاجِراً كَفّٰاراً فأوحى اللّٰه تعالى إليه أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ".

بيان

" فَلٰا تَبْتَئِسْ" فلا تحزن حزن بائس مستكين.

[5]

25431- 5 (الكافي- 8: 283 رقم 425) علي، عن أبيه و محمد، عن أحمد جميعا، عن الحسن بن علي، عن عمر بن أبان، عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر ع قال" إن نوحا ع لما غرس النوى مر عليه قومه فجعلوا يضحكون و يسخرون و يقولون قد قعد غراسا حتى

الوافي، ج 26، ص: 322

إذا طال النخل و كان جبارا طوالا قطعه ثم نحته فقالوا: قد قعد نجارا ثم ألفه فجعله سفينة فمروا عليه فجعلوا يضحكون و يسخرون و يقولون:

قد قعد ملاحا في فلاة من الأرض حتى فرغ منها ع".

[6]

25432- 6 (الكافي- 4: 212) علي، عن أبيه، عن السراد، عن الحسن ابن صالح الثوري، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" كان طول سفينة نوح ألف ذراع و مائتي ذراع و عرضها ثمانمائة ذراع و طولها في السماء ثمانين ذراعا وسعت ما بين الصفا و المروة و طافت بالبيت سبعة أشواط ثم اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ".

[7]
اشارة

25433- 7 (الكافي- 8: 283 رقم 427) محمد بن أبي عبد اللّٰه، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل الجعفي و عبد الكريم ابن عمرو و عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" حمل نوح ع في السفينة الأزواج الثمانية التي قال اللّٰه تعالى وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعٰامِ ثَمٰانِيَةَ أَزْوٰاجٍ- مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ- وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ فكان من الضأن اثنين زوج داجنة يربيها الناس و الزوج الآخر الضأن التي تكون في الجبال الوحشية أحل لهم صيدها، و من المعز اثنين زوج داجنة تربيها الناس و الزوج الآخر الظباء التي تكون في المفاوز و من الإبل اثنين البخاتي و العراب و من البقر اثنين زوج داجنة للناس و الزوج الآخر البقر الوحشية، و كل طير طيب وحشي أو أنسي ثم غرقت الأرض".

الوافي، ج 26، ص: 323

بيان:

الداجنة بالجيم و النون ما ألفت البيوت و استأنست من دجن بالمكان أقام به.

[8]
اشارة

25434- 8 (الكافي- 8: 284 رقم 428) محمد، عن أحمد، عن الحسن ابن علي، عن داود بن فرقد، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" ارتفع الماء على كل جبل و على كل سهل خمسة عشر ذراعا".

بيان

يعني ارتفع هذا المقدار بعد ما استوى على الجميع و خفي فيه كل سهل و جبل.

[9]

25435- 9 (الكافي- 8: 284 رقم 429) العدة، عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" عاش نوح ع ألفي و ثلاثمائة سنة، منها ثمانمائة و خمسون سنة قبل أن يبعث و ألف سنة إلا خمسين عاما و هو في قومه يدعوهم و خمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة و نضب الماء فمصر الأمصار و أسكن ولده البلدان ثم إن ملك الموت جاءه و هو في الشمس فقال: السلام عليك فرد عليه نوح ع فقال: ما جاء بك يا ملك الموت فقال: جئتك لأقبض روحك، قال: دعني أدخل من الشمس إلى الظل، فقال له: نعم، فتحول ثم قال: يا ملك الموت كل ما مر بي من الدنيا مثل تحويلي من الشمس إلى الظل فامض لما أمرت به فقبض روحه ع".

[10]

25436- 10 (الكافي- 8: 285 رقم 430) محمد بن أبي عبد اللّٰه، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر

الوافي، ج 26، ص: 324

و عبد الكريم بن عمرو و عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" عاش نوح ع بعد الطوفان خمسمائة سنة ثم أتاه جبرئيل ع فقال: يا نوح إنه قد انقضت نبوتك (نوبتك- خ ل) و استكملت أيامك فانظر إلى الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النبوة التي معك فادفعها إلى ابنك سام فإني لا أترك الأرض إلا و فيها عالم تعرف به طاعتي و يعرف به هداي و يكون النجاة فيما بين مقبض النبي و مبعث النبي الآخر و لم أكن أترك الناس بغير حجة لي و داع إلي و هاد إلى سبيلي و

عارف بأمري، فإني قد قضيت أن أجعل لكل قوم هديا أهدي به السعداء و يكون حجة لي على الأشقياء، قال: فدفع نوح ع الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النبوة إلى سام، و أما حام و يافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به، قال: و بشرهم نوح بهود ع و أمرهم باتباعه و أمرهم أن يفتحوا الوصية في كل عام و ينظروا فيها و يكون عيدا لهم".

الوافي، ج 26، ص: 325

باب قصة إبراهيم على نبينا و آله و عليه السلام

[1]

25437- 1 (الكافي- 8: 366 رقم 558) الثلاثة، عن هشام بن سالم، عن الخزاز، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" إن آزر أبا إبراهيم ع كان منجما لنمرود و لم يكن يصدر إلا عن أمره فنظر ليلة في النجوم فأصبح و هو يقول لنمرود: لقد رأيت عجبا، قال: و ما هو قال: رأيت مولودا يولد في أرضنا يكون هلاكنا على يديه و لا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به، قال: فتعجب من ذلك، و قال: هل حملت به النساء قال: لا، قال: فحجب النساء عن الرجال فلم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة لا يخلص إليها و واقع آزر بأهله فعلقت بإبراهيم ع فظن أنه صاحبه، فأرسلوا إلى نساء من القوابل في ذلك الزمان لا يكون في الرحم شي ء إلا علمن به فنظرن فألزم اللّٰه تعالى ما في الرحم الظهر، فقلن: ما نرى في بطنها شيئا و كان فيما أوتي من العلم أنه سيحرق بالنار و لم يؤت علم أن اللّٰه تعالى سينجيه.

قال" فلما وضعت أم إبراهيم أراد آزر أن يذهب به إلى نمرود ليقتله،

الوافي، ج 26، ص: 326

فقالت له امرأته: لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله، دعني أذهب

به إلى بعض الغيران أجعله فيه حتى يأتي عليه أجله و لا تكون أنت الذي تقتل ابنك، فقال لها: فأمضى به، قال: فذهبت به إلى غار ثم أرضعته، ثم جعلت على باب الغار صخرة ثم انصرفت عنه، قال: فجعل اللّٰه رزقه في إبهامه فجعل يمصها فيشخب لبنها و جعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة و يشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر و يشب في الشهر كما يشب غيره في السنة، فمكث ما شاء اللّٰه أن يمكث، ثم إن أمه قالت لأبيه:

لو أذنت لي حتى أذهب إلى ذلك الصبي فعلت، قال: فافعلي، فذهبت فإذا هي بإبراهيم ع و إذا عيناه تزهران كأنهما سراجان.

قال: فأخذته فضمته إلى صدرها و أرضعته ثم انصرفت عنه، فسألها آزر عنه، فقالت: قد واريته في التراب فمكثت تعتل فتخرج في الحاجة و تذهب إلى إبراهيم ع فتضمه إليها و ترضعه، ثم تنصرف فلما تحرك أتته كما كانت تأتيه فصنعت به كما كانت تصنع فلما أرادت الانصراف أخذ بثوبها فقالت له: ما لك فقال لها: اذهبي بي معك، فقالت له: حتى استأمر أباك، قال: فأتت أم إبراهيم ع آزر فأعلمته القصة، فقال لها: ائتيني به فأقعديه على الطريق فإذا مر به إخوته دخل معهم فلا يعرف.

قال: و كان إخوة إبراهيم ع يعملون الأصنام فيذهبون بها إلى الأسواق فيبيعونها، قال: فذهبت إليه فجاءت به حتى أقعدته على الطريق و مر إخوته فدخل معهم فلما رآه أبوه وقعت عليه المحبة منه فمكث

الوافي، ج 26، ص: 327

ما شاء اللّٰه، قال: فبينما إخوته يعملون يوما من الأيام الأصنام إذ أخذ إبراهيم ع القدوم و أخذ خشبة فنجر منها صنما لم يروا قط

مثله، فقال آزر لأمه: إني لأرجو أن نصيب خيرا ببركة ابنك هذا، قال: فبينما هم كذلك إذ أخذ إبراهيم القدوم فكسر الصنم الذي عمله ففزع أبوه من ذلك فزعا شديدا، فقال له: أي شي ء عملت فقال له إبراهيم ع:

و ما تصنعون به قال آزر: نعبده، فقال له إبراهيم: أ تعبدون ما تنحتون فقال آزر لأمه: هذا الذي يكون ذهاب ملكنا على يديه".

[2]
اشارة

25438- 2 (الكافي- 8: 368 رقم 559) علي، عن أبيه، عن البزنطي، عن أبان، عن حجر، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" خالف إبراهيم ع قومه و عاب آلهتهم حتى أدخل على نمرود فخاصمهم، فقال إبراهيم ع: ربي الذي يحيي و يميت قال أنا أحيي و أميت قال إبراهيم فإن اللّٰه يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر و اللّٰه لا يهدي القوم الظالمين.

و قال أبو جعفر ع" عاب آلهتهم فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم قال أبو جعفر ع" و اللّٰه ما كان سقيما و ما كذب، فلما تولوا عنه مدبرين إلى عيد لهم دخل إبراهيم ع إلى آلهتهم بقدوم فكسرها إلا كبيرا لهم و وضع القدوم على عنقه فرجعوا إلى آلهتهم فنظروا إلى ما صنع بها، فقالوا: لا و اللّٰه ما اجترأ عليها و لا كسرها إلا الفتى الذي كان يعيبها و يبرأ منها، فلم يجدوا له قتلة أعظم من النار، فجمع له الحطب و استجادوه حتى إذا كان اليوم الذي يحرق فيه برز له

الوافي، ج 26، ص: 328

نمرود و جنوده و قد بنى له بناء لينظر إليه كيف تأخذه النار و وضع إبراهيم ع في منجنيق، و قالت الأرض: يا رب ليس على ظهري أحد

يعبدك غيره يحرق بالنار قال الرب: إن دعاني كفيته".

فذكر أبان، عن محمد بن مروان، عمن رواه، عن أبي جعفر ع أن دعاء إبراهيم ع يومئذ كان: يا أحد يا أحد يا صمد يا صمد يا من لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، ثم قال: توكلت على اللّٰه تعالى، فقال الرب تعالى: كفيت، فقال للنار كُونِي بَرْداً، قال:

فاضطربت أسنان إبراهيم ع من البرد حتى قال اللّٰه تعالى:

وَ سَلٰاماً عَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ، و انحط جبرئيل ع فإذا هو جالس مع إبراهيم ع يحدثه في النار، قال نمرود: من اتخذ إلها فليتخذ مثل إله إبراهيم، قال: فقال عظيم من عظمائهم: إني عزمت على النار أن لا تحرقه، قال: فأخذ عنق من النار نحوه حتى أحرقه، قال: فآمن له لوط و خرج مهاجرا إلى الشام هو و سارة و لوط".

بيان

" أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ" يريد أخلي من وجب قتله و أميت بالقتل و ما كذب لأنه عنى" سقيما في دينه" أي مرتادا كذا عن الصادق ع" عنق من النار" أي طائفة منها.

[3]
اشارة

25439- 3 (الكافي- 8: 370 رقم 560) علي، عن أبيه و العدة، عن سهل جميعا، عن السراد، عن الكرخي، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول" إن إبراهيم ع كان مولده بكوثى ربى و كان أبوه من أهلها و كانت أم إبراهيم و أم لوط سارة و ورقة- و في نسخة أخرى رقية- أختين و هما ابنتان للاحج و كان لاحج نبيا منذرا و لم يكن

الوافي، ج 26، ص: 329

رسولا و كان إبراهيم ع في شبيبته على الفطرة التي فطر اللّٰه تعالى الخلق عليها حتى هداه اللّٰه تعالى إلى دينه و اجتباه و أنه تزوج سارة ابنة لاحج و هي ابنة خالته و كانت سارة صاحبة ماشية كثيرة و أرض واسعة و حال حسنة و كانت قد ملكت إبراهيم ع جميع ما كانت تملكه فقام فيه و أصلحه و كثر الماشية و الزرع حتى لم يكن بأرض كوثى ربى رجل أحسن حالا منه.

و إن إبراهيم ع لما كسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثق و عمل له حيرا و جمع له فيه الحطب و ألهب فيه النار، ثم قذف إبراهيم ع في النار لتحرقه، ثم اعتزلوها حتى خمدت النار، ثم أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيم ع سليما مطلقا من وثاقه فأخبر نمرود خبره فأمرهم أن ينفوا إبراهيم ع من بلاده و أن يمنعوه من الخروج بماشيته و ماله، فحاجهم إبراهيم ع عند ذلك فقال:

إن أخذتم ماشيتي و مالي فإن حقي عليكم

أن تردوا علي ما ذهب من عمري في بلادكم و اختصموا إلى قاضي نمرود فقضى على إبراهيم ع أن يسلم إليهم جميع ما أحدث في بلادهم و قضى على أصحاب نمرود أن يردوا على إبراهيم ما ذهب من عمره في بلادهم.

فأخبر بذلك نمرود فأمرهم أن يخلوا سبيله و سبيل ماشيته و ماله و أن يخرجوه، و قال: إنه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم و أضر بآلهتكم فأخرجوا إبراهيم و لوطا معه عليهما السلام من بلادهم إلى الشام فخرج إبراهيم و معه لوط لا يفارقه و سارة، و قال لهم إِنِّي ذٰاهِبٌ إِلىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ يعني بيت المقدس، فتحمل إبراهيم بماشيته و ماله و عمل تابوتا و جعل فيه سارة و شد عليها الأغلاق غيرة منه عليها و مضى حتى

الوافي، ج 26، ص: 330

خرج من سلطان نمرود و صار إلى سلطان رجل من القبط يقال له:

عرارة، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه فلما انتهى إلى العاشر و معه التابوت، قال العاشر لإبراهيم: افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه.

فقال له إبراهيم ع: قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطي عشره و لا نفتحه، قال: فأبى العاشر إلا فتحه، قال: و غضب إبراهيم ع على فتحه فلما بدت له سارة و كانت موصوفة بالحسن و الجمال، قال له العاشر: ما هذه المرأة منك قال إبراهيم ع:

هي حرمتي و ابنة خالتي، فقال له العاشر: فما دعاك إلى أن خبيتها في هذا التابوت فقال إبراهيم ع: الغيرة عليها أن يراها أحد، فقال له العاشر: لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حالها و حالك، قال: فبعث رسولا إلى الملك فأعلمه فبعث الملك رسولا من

قبله ليأتوه بالتابوت فأتوا ليذهبوا به، فقال لهم إبراهيم ع: إني لست أفارق التابوت حتى تفارق روحي جسدي، فأخبروا الملك بذلك فأرسل الملك أن احملوه و التابوت معه، فحملوا إبراهيم ع و التابوت و جميع ما كان معه حتى أدخل على الملك، فقال له الملك: افتح التابوت، فقال له إبراهيم ع: أيها الملك إن فيه حرمتي و ابنة خالتي و أنا مفتد فتحه بجميع ما معي من مال.

قال: فغصب الملك إبراهيم ع على فتحه، فلما رأى سارة لم يملك حلمه سفهه أن مد يده إليها فأعرض إبراهيم ع بوجهه عنها و عنه غيرة منه، و قال: اللهم احبس يده عن حرمتي و ابنة خالتي، فلم تصل يده إليها و لم ترجع إليه، فقال له الملك: إن إلهك هو الذي فعل بي هذا فقال له: نعم إن إلهي غيور يكره الحرام و هو الذي حال بينك و بين ما أردت من الحرام، فقال له الملك: فادع إلهك يرد علي يدي فإن

الوافي، ج 26، ص: 331

أجابك لم أعرض لها، فقال إبراهيم ع: إلهي رد عليه يده ليكف عن حرمتي، قال: فرد اللّٰه تعالى عليه يده فأقبل الملك نحوها ببصره ثم عاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم ع عنه بوجهه غيرة منه، و قال: اللهم احبس يده عنها.

قال: فيبست يده و لم تصل إليها، فقال الملك لإبراهيم ع:

إن إلهك لغيور و إنك لغيور فادع إلهك يرد علي يدي فإنه إن فعل لم أعد، فقال له إبراهيم ع: أسأله ذلك على أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله، فقال الملك: نعم، فقال إبراهيم ع: اللهم إن كان صادقا فرد عليه يده، فرجعت إليه يده فلما رأى ذلك الملك من الغيرة

ما رأى و رأى الآية في يده عظم إبراهيم و هابه و أكرمه و اتقاه و قال له: قد أمنت من أن أعرض لها أو لشي ء مما معك فانطلق حيث شئت و لكن لي إليك حاجة، فقال إبراهيم: و ما هي فقال له: أحب أن تأذن لي أن أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادما.

قال: فأذن له إبراهيم ع فدعا بها فوهبها لسارة و هي هاجر أم إسماعيل ع، فسار إبراهيم ع بجميع ما معه و خرج الملك معه يمشي خلف إبراهيم ع إعظاما لإبراهيم و هيبة له فأوحى اللّٰه تعالى إلى إبراهيم ع أن قف و لا تمش قدام الجبار المتسلط و يمشي هو خلفك و لكن اجعله أمامك و امش خلفه و عظمه و هبة فإنه مسلط و لا بد من أمره في الأرض برة أو فاجرة فوقف إبراهيم ع و قال للملك: امض فإن إلهي أوحى إلي الساعة أن أعظمك و أهابك و أن أقدمك إمامي و أمشي خلفك إجلالا لك، فقال له الملك: أوحى إليك بهذا فقال له إبراهيم ع: نعم، فقال له الملك: أشهد إن إلهك لرفيق، حليم، كريم، و إنك ترغبني في دينك، قال:

و ودعه الملك فسار إبراهيم ع حتى نزل بأعلى الشامات،

الوافي، ج 26، ص: 332

و خلف لوطا في أدنى الشامات، ثم إن إبراهيم ع لما أبطأ عليه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتيني هاجر لعل اللّٰه يرزقنا منها ولدا فيكون لنا خلفا، فابتاع إبراهيم ع هاجر من سارة فوقع عليها فولدت إسماعيل ع".

بيان

" كوثى" كطوبى بالثاء المثلثة قرية بالعراق ولد فيها الخليل ع و ربي كهدي اسم موضع و لعل كوثى نسبت إليه و إطلاق

الابنة على ابنة الابنة شائع و كأن سارة زوجة إبراهيم كانت سمية لخالتها أمه و الحير بفتح المهملة و آخره راء شبه الحظيرة و الحي و منه الحير بكربلاء.

[4]

25440- 4 (الكافي- 8: 391 رقم 588) محمد، عن ابن عيسى و علي، عن أبيه جميعا، عن البزنطي، عن أبان، عن الحسن بن عمارة، عن نعيم القضاعي، عن أبي جعفر ع قال" أصبح إبراهيم ع فرأى في لحيته شعرة بيضاء، فقال: الحمد لله رب العالمين الذي بلغني هذا المبلغ لم أعص اللّٰه طرفة عين".

[5]

25441- 5 (الكافي- 8: 392 رقم 589) أبان، عن محمد بن مروان، عمن ذكره، عن أبي جعفر ع قال" لما اتخذ اللّٰه إبراهيم ع خليلا أتاه بشراه بالخلة فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماء و دهنا فدخل إبراهيم ع الدار فاستقبله خارجا من الدار و كان إبراهيم ع رجلا غيورا و كان إذا خرج في حاجة أغلق بابه و أخذ مفتاحه معه، ثم رجع ففتح فإذا هو برجل قائم أحسن ما يكون من الرجال فأخذ بيده، و قال: يا عبد اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 333

من أدخلك داري فقال: ربها أدخلنيها، فقال: ربها أحق بها مني فمن أنت فقال: أنا ملك الموت ففزع إبراهيم ع، فقال: جئتني لتسلبني روحي قال: لا، و لكن اتخذ اللّٰه عبدا خليلا فجئت لبشارته، قال: فمن هو لعلي أخدمه حتى أموت قال: أنت هو، فدخل على سارة عليها السلام، فقال لها: إن اللّٰه تعالى اتخذني خليلا".

[6]
اشارة

25442- 6 (الكافي- 8: 392 رقم 590) الثلاثة، عن سليم الفراء، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّٰه ع مثله إلا أنه قال في حديثه: إن الملك لما قال: أدخلنيها ربها عرف إبراهيم ع أنه ملك الموت، فقال له: ما أهبطك قال: جئت أبشر رجلا أن اللّٰه تعالى اتخذه خليلا، فقال له إبراهيم ع: فمن هذا الرجل فقال له الملك: و ما تريد منه فقال له إبراهيم ع: أخدمه أيام حياتي، فقال له الملك:

فأنت هو".

بيان

لعل السر في تخصيص ملك الموت بالبشارة بالخلة كونه سببا للقاء اللّٰه سبحانه و الوصول إليه و بالبشارة بالخلة يشتاق قلب الخليل إلى لقاء خليله و وصوله إليه.

قال الغزالي في كتابه المسمى بسر العالمين: قد ورد في لطائف الحكايات: أن الملائكة قال بعضهم لبعض: اتخذ ربنا من نطفة خليلا و قد أعطاه ملكا عظيما جزيلا، فأوحى اللّٰه تعالى إلى الملائكة اعمدوا على أزهدكم و رئيسكم فوقع الاتفاق على جبرئيل و ميكائيل فنزلا إلى إبراهيم ع في يوم جمع غنمه و كان لإبراهيم ع أربعة آلاف راعيا و أربعة آلاف كلبا في عنق كل كلب طوق وزن من من ذهب أحمر و أربعون ألف غنمة حلابة و ما شاء اللّٰه من

الوافي، ج 26، ص: 334

الخيل و الجمال فوقف الملكان في طرفي الجمع فقال أحدهما بلذاذة صوت:

سبوح قدوس، فجاوبه الثاني: رب الملائكة و الروح، فقال: أعيداها و لكما نصف مالي، ثم قال: أعيداها و لكما مالي و ولدي و جسدي فنادت ملائكة السماوات هذا هو الكرم هذا هو الكرم فسمعوا مناديا من العرش يقول الخليل موافق لخليله.

[7]
اشارة

25443- 7 (الكافي- 8: 392 رقم 591) علي، عن أبيه، عن السراد، عن مالك بن عطية، عن الثمالي، عن أبي جعفر ع" أن إبراهيم ع خرج ذات يوم يسير ببعير فمر بفلاة من الأرض فإذا هو برجل قائم يصلي قد قطع الأرض إلى السماء طوله و لباسه شعر، قال:

فوقف عليه إبراهيم ع و عجب منه و جلس ينتظر فراغه، فلما طال عليه حركه بيده فقال له: إن لي حاجة فخفف، قال: فخفف الرجل و جلس إبراهيم ع، فقال له إبراهيم ع: لمن تصلي فقال: لإله إبراهيم، فقال له: و

من إله إبراهيم فقال: الذي خلقك و خلقني، فقال له إبراهيم ع: قد أعجبني نحوك و أنا أحب أن أواخيك في اللّٰه، أين منزلك إذا أردت زيارتك و لقاءك فقال له الرجل:

منزلي خلف هذه النطفة- و أشار بيده إلى البحر- و أما مصلاي فهذا الموضع تصيبني فيه إذا أردتني إن شاء اللّٰه.

قال: ثم قال الرجل لإبراهيم ع: أ لك حاجة فقال إبراهيم: نعم، فقال: و ما هي فقال له: تدعو اللّٰه و أؤمن على دعائك و أدعو أنا فتؤمن على دعائي، فقال الرجل: فيم ندعو اللّٰه فقال إبراهيم ع: للمذنبين من المؤمنين، فقال الرجل: لا، فقال إبراهيم ع:

و لم فقال: لأني قد دعوت اللّٰه تعالى منذ ثلاث سنين بدعوة لم أر إجابتها حتى الساعة و أنا أستحيي من اللّٰه تعالى أن أدعوه حتى أعلم

الوافي، ج 26، ص: 335

أنه قد أجابني، فقال إبراهيم ع: فيم دعوته فقال له الرجل:

إني في مصلاي هذا ذات يوم إذ مر بي غلام أروع، النور يطلع من جبهته، له ذؤابة من خلفه، و معه بقر يسوقها كأنما دهنت دهنا (دخست دخسا- خ ل)، و غنم يسوقها كأنما دخست دخسا، فأعجبني ما رأيت منه.

فقلت له: يا غلام لمن هذه البقر و الغنم فقال لي: لإبراهيم ع، فقلت له: و من أنت فقال: أنا إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن، فدعوت اللّٰه تعالى و سألته أن يريني خليله، فقال له إبراهيم ع: فأنا إبراهيم خليل الرحمن و ذلك الغلام ابني، فقال له الرجل عند ذلك: الحمد لله الذي أجاب دعوتي، ثم قبل الرجل صفحتي إبراهيم ع و عانقه، ثم قال: أما الآن فقم فادع حتى أؤمن على دعائك، فدعا إبراهيم ع للمؤمنين و المؤمنات

و المذنبين من يومه ذلك بالمغفرة و الرضا عنهم، قال: و أمن الرجل على دعائه" فقال أبو جعفر ع" فدعوة إبراهيم ع بالغة للمؤمنين المذنبين من شيعتنا إلى يوم القيامة".

بيان

" القطع" العبور" و النحو" الطريق" و النطفة" الماء الصافي قل أم كثر و الأروع من الرجال الذي يعجبك حسنه" و الدخس" بالمعجمة بين المهملتين الورم و السمن.

[8]
اشارة

25444- 8 (الكافي- 8: 305 رقم 473) محمد، عن ابن عيسى و الثلاثة، عن الخراز، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض التفت فرأى رجلا يزني

الوافي، ج 26، ص: 336

فدعا عليه فمات ثم رأى آخر فدعا عليه فمات حتى رأى ثلاثة فدعا عليهم فماتوا فأوحى اللّٰه تعالى إليه: يا إبراهيم أن دعوتك مجابة فلا تدع على عبادي فإني لو شئت لم أخلقهم، إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف: عبدا يعبدني لا يشرك بي شيئا فأثيبه، و عبدا يعبد غيري فلن يفوتني، و عبدا عبد غيري فأخرج من صلبه من يعبدني.

ثم التفت فرأى جيفة على ساحل البحر نصفها في الماء و نصفها في البر تجي ء سباع البحر فتأكل ما في الماء، ثم ترجع فيشد بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا و تجي ء سباع البر فتأكل منها فيشد بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فعند ذلك تعجب إبراهيم ع مما رأى و قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال: كيف تخرج ما تناسل التي أكل بعضها بعضا قال أ و لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي يعني حتى أرى هذا كما رأيت الأشياء كلها، قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا فقطعهن و اخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي أكل بعضها بعضا، فخلط ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم أدعهن يأتينك سعيا فلما دعاهن أجبنه و

كانت الجبال عشرة".

بيان

" فيشد" من الشدة بالفتح بمعنى الحملة في الحرب و المستتر في قال كيف تخرج ما تناسل لإبراهيم ع و هذا الكلام تفسير و بيان لقوله كيف تحيي الموتى، و التي أكل بدل مما تناسل فصرهن فاملهن و اضممهن.

الوافي، ج 26، ص: 337

باب قصة صالح على نبينا و آله و عليه السلام

[1]
اشارة

25445- 1 (الكافي- 8: 185 رقم 213) علي، عن أبيه، عن السراد، عن الثمالي، عن أبي جعفر ع قال" قال: إن رسول اللّٰه ص سأل جبرئيل ع كيف كان مهلك قوم صالح ع فقال: يا محمد إن صالحا بعث إلى قومه و هو ابن ست عشرة سنة فلبث فيهم حتى بلغ عشرين و مائة سنة لا يجيبونه إلى خير، قال: و كان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون اللّٰه تعالى، فلما رأى ذلك منهم، قال: يا قوم بعثت إليكم و أنا ابن ست عشرة سنة و قد بلغت عشرين و مائة سنة و أنا أعرض عليكم أمرين و إن شئتم فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما سألتموني الساعة و إن شئتم سألت آلهتكم فإن أجابتني بالذي أسألها خرجت عنكم فقد سئمتكم و سئمتموني، قالوا:

قد أنصفت يا صالح فاتعدوا ليوم يخرجون فيه، قال: فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم ثم قربوا طعامهم و شرابهم فأكلوا و شربوا فلما أن فرغوا دعوه.

فقالوا: يا صالح سل، فقال لكبيرهم: ما اسم هذا قالوا: فلان، فقال

الوافي، ج 26، ص: 338

له صالح: يا فلان أجب فلم يجبه، فقال صالح: ما له لا يجيب قالوا: ادع غيره، قال: فدعاها كلها بأسمائها فلم يجبه منها شي ء، فأقبلوا على أصنامهم فقالوا لها ما لك لا تجيبين صالحا فلم تجب، فقالوا: تنح عنا و دعنا و آلهتنا ساعة، ثم نحوا بسطهم و فرشهم و

نحوا ثيابهم و تمرغوا على التراب، و طرحوا التراب على رءوسهم و قالوا لأصنامهم: لئن لم تجيبي صالحا اليوم لنفتضحن، قال: ثم دعوه، فقالوا: يا صالح أدعها، فدعاها فلم تجبه، فقال لهم: يا قوم قد ذهب صدر النهار و لا أرى آلهتكم تجيبني فسلوني حتى أدعو إلهي فيجيبكم الساعة.

فانتدب له منهم سبعون رجلا من كبرائهم و المنظور إليهم منهم، فقالوا: يا صالح نحن نسألك فإن أجابك ربك اتبعناك و أجبناك و يبايعك جميع أهل قريتنا، فقال لهم صالح ع: سلوني ما شئتم، فقالوا:

تقدم بنا إلى هذا الجبل- و كان الجبل قريبا منهم- فانطلق معهم صالح ع فلما انتهوا إلى الجبل قالوا: يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا من هذا الجبل الساعة ناقة حمراء شقراء وبراء عشراء بين جنبيها ميل، فقال لهم صالح: لقد سألتموني شيئا يعظم علي و يهون على ربي تعالى.

قال: فسأل اللّٰه تعالى صالح ذلك فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه عقولهم لما سمعوا ذلك ثم اضطرب ذلك الجبل اضطرابا شديدا كالمرأة إذا أخذها المخاض ثم لم يفجأهم إلا رأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع فما استتمت رقبتها حتى اجترت ثم خرج سائر جسدها ثم استوت قائمة على الأرض فلما رأوا ذلك، قالوا: يا صالح ما أسرع ما أجابك ربك، ادع لنا ربك يخرج لنا فصيلها، فسأل اللّٰه تعالى ذلك فرمت به فدب حولها، فقال لهم: يا قوم أ بقي شي ء قالوا: لا انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم بما رأينا و يؤمنون بك، قال: فرجعوا فلم يبلغ السبعون إليهم حتى ارتد منهم

الوافي، ج 26، ص: 339

أربعة و ستون رجلا، و قالوا: سحر و كذب، قال: فانتهوا إلى الجميع، فقال: الستة حق

و قال الجميع كذب و سحر، و قال: فانصرفوا على ذلك ثم ارتاب عن الستة واحد فكان فيمن عقرها".

قال السراد: فحدثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا يقال له سعيد ابن يزيد فأخبرني أنه رأى الجبل الذي خرجت منه بالشام، قال: فرأيت جنبها قد حك الجبل فأثر جنبها فيه و جبل آخر بينه و بين هذا ميل.

بيان

" شقراء" شديدة الحمرة" وبراء" كثيرة الوبر" عشراء" التي أتت عليها من اليوم الذي أرسل فيها الفحل عشرة أشهر و زال عنها اسم المخاض" و اجتر البعير" بالمهملتين أكله ثانيا ما أخرجه مما أكله أولا.

[2]
اشارة

25446- 2 (الكافي- 8: 187 رقم 214) علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: قلت له كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ. فَقٰالُوا أَ بَشَراً مِنّٰا وٰاحِداً نَتَّبِعُهُ إِنّٰا إِذاً لَفِي ضَلٰالٍ وَ سُعُرٍ. أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنٰا بَلْ هُوَ كَذّٰابٌ أَشِرٌ قال: هذا كان فيما كذبوا صالحا و ما أهلك اللّٰه تعالى قوما قط حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرسل فيحتجوا عليهم فبعث اللّٰه إليهم صالحا فدعاهم إلى اللّٰه تعالى فلم يجيبوا و عتوا عليه، و قالوا: لن نؤمن حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء و كانت الصخرة يعظمونها و يعبدونها و يذبحون عندها في رأس كل سنة و يجتمعون عندها، فقالوا

الوافي، ج 26، ص: 340

له: إن كنت كما تزعم نبيا رسولا فادع لنا إلهك حتى يخرج لنا من هذه الصخرة الصماء ناقة عشراء، فأخرجها اللّٰه كما طلبوا منه.

ثم أوحى اللّٰه تعالى إليه أن يا صالح قل لهم: إن اللّٰه قد جعل لهذه الناقة من الماء شرب يوم و لكم شرب يوم فكانت الناقة إذا كان يوم شربها شربت ذلك اليوم الماء فيحلبونها فلا يبقى صغير و لا كبير إلا شرب من لبنها يومهم ذلك فإذا كان الليل و أصبحوا غدوا إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم و لم تشرب الناقة ذلك اليوم فمكثوا بذلك ما شاء اللّٰه.

ثم إنهم عتوا على اللّٰه

و مشى بعضهم إلى بعض و قالوا: اعقروا هذه الناقة و استريحوا منها، لا نرضى أن يكون لها شرب يوم و لنا شرب يوم، ثم قالوا: من ذا الذي يلي قتلها و نجعل له جعلا ما أحب فجاءهم رجل أحمر، أشقر، أزرق ولد زنى لا يعرف له أب يقال له: قدار، شقي من الأشقياء مشئوم عليهم فجعلوا له جعلا فلما توجهت الناقة إلى الماء الذي كانت ترده تركها حتى شربت ذلك الماء و أقبلت راجعة فقعد لها في طريقها فضربها بالسيف ضربة فلم تعمل شيئا فضربها ضربة أخرى فقتلها و خرت إلى الأرض على جنبها و هرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل فرغا ثلاث مرات إلى السماء و أقبل قوم صالح فلم يبق أحد منهم إلا شركه في ضربته و اقتسموا لحمها فيما بينهم فلم يبق منهم صغيرا و لا كبيرا إلا أكل منها فلما رأى ذلك صالح أقبل إليهم، فقال: يا قوم ما دعاكم إلى ما صنعتم أ عصيتم ربكم فأوحى اللّٰه تعالى إلى صالح ع: أن قومك قد طغوا و بغوا و قتلوا ناقة بعثتها إليهم حجة عليهم و لم يكن عليهم منها ضرر و كان لهم فيها أعظم المنفعة، فقل لهم: إني مرسل إليكم عذابي إلى ثلاثة أيام فإن هم تابوا و رجعوا قبلت توبتهم و صددت عنهم، و إن هم لم يتوبوا و لم

الوافي، ج 26، ص: 341

يرجعوا بعثت عليهم عذابي في اليوم الثالث، فأتاهم صالح ع فقال لهم: يا قوم إني رسول ربكم و هو يقول لكم: إن أنتم تبتم و رجعتم و استغفرتم غفرت لكم و تبت عليكم، فلما قال لهم ذلك كانوا أعتى ما كانوا و أخبث، و

قالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين.

قال: يا قوم إنكم تصبحون غدا و وجوهكم مصفرة و اليوم الثاني وجوهكم محمرة و اليوم الثالث وجوهكم مسودة فلما أن كانوا أول يوم أصبحوا و وجوههم مصفرة فمشى بعضهم إلى بعضهم و قالوا: قد جاءكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: لا نسمع قول صالح و لا نقبل قوله و إن كان عظيما، فلما كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرة فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: يا قوم لقد جاءكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: لو أهلكنا جميعا ما سمعنا قول صالح و لا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها و لم يتوبوا و لم يرجعوا فلما كان اليوم الثالث أصبحوا و وجوههم مسودة فمشى بعضهم إلى بعض، و قالوا: يا قوم أتاكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: قد أتانا ما قال لنا صالح فلما كان نصف الليل أتاهم جبرئيل ع فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصرخة إسماعهم، و فلقت قلوبهم، و صدعت أكبادهم، و قد كانوا في تلك الثلاثة الأيام قد تحنطوا و تكفنوا و علموا أن العذاب نازل بهم فماتوا أجمعون في طرفة عين صغيرهم و كبيرهم فلم يبق لهم ناعية و لا راعية و لا شي ء إلا أهلكه اللّٰه فأصبحوا في ديارهم و مضاجعهم موتى أجمعين ثم أرسل اللّٰه عليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين و كانت هذه قصتهم".

الوافي، ج 26، ص: 342

بيان:

" إِنّٰا إِذاً لَفِي ضَلٰالٍ" كأنه قال لهم إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق" وَ سُعُرٍ" أي نيران جمع سعير فعكسوا عليه فقالوا: إن اتبعناك كنا إذا كما تقول و قيل

الضلال الخطأ و البعد عن الصواب و السعر الجنون كذاب أشر بطر متكبر يريد أن يتعظم علينا بادعاء النبوة فلم يبق لهم ناعية و لا راعية يعني لم يبق من يخبر بموتهم أو يرعاهم بعد موتهم بالتجهيز هذا إذا كانت العينان مهملتين و النون في أول اللفظة الأولى كما يوجد في أكثر النسخ، و أما إذا كانتا معجمتين و الثاء المثلثة في أول الأولى كما هو الصواب فمعناه لم يبق لهم شاة و لا ناقة فإن الثغاء صوت الشاة و الرغاء صوت الناقة.

قال في الصحاح الثاغية الشاة و الراغية البعير و ما بالدار ثاغ و لا راغ أي أحد و قال أيضا لم يبق لهم ثاغية و لا راغية أي واحدة و على التقديرين كناية عن استئصالهم.

الوافي، ج 26، ص: 343

باب قصة سليمان على نبينا و آله و عليه السلام

[1]
اشارة

25447- 1 (الفقيه- 1: 202 رقم 607) عن الصادق ع أنه قال" إن سليمان بن داود عليهما السلام عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل و اشتغل بالنظر إليها حتى توارت الشمس، بالحجاب، فقال للملائكة: ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتي في وقتها فردوها، فقام فمسح ساقيه و عنقه، و أمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك، و كان ذلك وضوءهم للصلاة، ثم قام فصلى فلما فرغ غابت الشمس و طلعت النجوم، و ذلك قول اللّٰه تعالى وَ وَهَبْنٰا لِدٰاوُدَ سُلَيْمٰانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّٰابٌ. إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصّٰافِنٰاتُ الْجِيٰادُ. فَقٰالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتّٰى تَوٰارَتْ بِالْحِجٰابِ. رُدُّوهٰا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْنٰاقِ.

بيان

قال في الفقيه: إن الجهال من أهل الخلاف يزعمون أن سليمان ع

الوافي، ج 26، ص: 344

اشتغل ذات يوم بعرض الخيل حتى توارت الشمس بالحجاب، ثم أمر برد الخيل و أمر بضرب سوقها و أعناقها و قتلها، و قال: إنها شغلتني عن ذكر ربي، و ليس كما يقولون جل نبي اللّٰه سليمان ع عن مثل هذا الفعل لأنه لم يكن للخيل ذنب فيضرب سوقها و أعناقها لأنها لم تعرض نفسها عليه و لم تشغله و إنما عرضت عليه و هي بهائم غير مكلفة و الصحيح في ذلك ما روي عن الصادق ع .. و ذكر الحديث كما أوردناه، قال: و قد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب الفوائد.

[2]

25448- 2 (الكافي- 8: 144 رقم 114) محمد، عن أحمد، عن السراد، عن جميل بن صالح، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد اللّٰه ع" إن اللّٰه تعالى أوحى إلى سليمان بن داود عليهما السلام أن آية موتك أن شجرة تخرج من بيت المقدس يقال له الخرنوبة، قال: فنظر سليمان يوما فإذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت المقدس، فقال لها:

ما اسمك قالت: الخرنوبة، قال: فولى سليمان مدبرا إلى محرابه فقام فيه متكئا على عصاه فقبض روحه من ساعته، قال: فجعلت الجن و الإنس يخدمونه و يسعون في أمره كما كانوا و هم يظنون أنه حي لم يمت، يغدون و يروحون و هو قائم ثابت، حتى دبت الأرضة من عصاه فأكلت منسأته فانكسرت و خر سليمان ع إلى الأرض أ فلا تسمع لقوله تعالى فَلَمّٰا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كٰانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مٰا لَبِثُوا فِي الْعَذٰابِ الْمُهِينِ".

الوافي، ج 26، ص: 345

باب قصة عيسى على نبينا و آله و عليه السلام

[1]
اشارة

25449- 1 (الكافي- 8: 332 رقم 516) حميد، عن الدهقان، عن الطاطري، عن محمد بن زياد بياع السابري، عن أبان، عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" إن مريم ع حملت بعيسى صلوات اللّٰه عليه تسع ساعات كل ساعة شهرا".

بيان

يعني كل ساعة كانت بمنزلة شهر يربى فيها كما يربى الجنين الآخر في الشهر.

[2]

25450- 2 (الكافي- 8: 337 رقم 532) محمد، عن ابن عيسى، عن السراد، عن أبي جميلة، عن أبان بن تغلب و غيره، عن أبي عبد اللّٰه ع أنه سئل: هل كان عيسى بن مريم أحيا أحدا بعد موته حتى كان له أكل و رزق و مدة و ولد فقال" نعم إنه كان له صديق مواخ له في اللّٰه تعالى و كان عيسى ع يمر به و ينزل عليه و إن عيسى غاب عنه حينا ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه أمه فسألها عنه فقالت له: مات

الوافي، ج 26، ص: 346

يا رسول اللّٰه، فقال: أ فتحبين أن تراه قالت: نعم، فقال لها: فإذا كان غدا أتيتك حتى أحييه لك بإذن اللّٰه تعالى فلما كان من الغد أتاها فقال لها:

انطلقي معي إلى قبره فانطلقا حتى أتيا قبره فوقف عليه عيسى ع ثم دعا اللّٰه تعالى فانفرج القبر و خرج ابنها حيا فلما رأته أمه و رآها بكيا فرحمهما عيسى ع فقال له عيسى: أ تحب أن تبقى مع أمك في الدنيا فقال: يا نبي اللّٰه بأكل و رزق و مدة أم بغير أكل و لا رزق و لا مدة فقال له عيسى ع: بأكل و رزق و مدة و تعمر عشرين سنة و تزوج و يولد لك، قال: نعم إذا، قال: فدفعه عيسى ع إلى أمه فعاش عشرين سنة و تزوج و ولد له".

الوافي، ج 26، ص: 347

باب قصة خالد بن سنان

[1]
اشارة

25451- 1 (الكافي- 8: 342 رقم 540) علي، عن أبيه و أحمد بن محمد الكوفي، عن علي بن عمر بن أيمن جميعا، عن محسن بن أحمد بن معاذ، عن أبان، عن بشير النبال، عن أبي عبد اللّٰه ع

قال" بينا رسول اللّٰه ص جالس إذ جاءته امرأة فرحب بها و أخذ بيدها و أقعدها، ثم قال: ابنة نبي ضيعه قومه خالد بن سنان دعاهم فأبوا أن يؤمنوا و كانت نار يقال لها: نار الحدثان، تأتيهم كل سنة فتأكل بعضهم و كانت تخرج في وقت معلوم فقال لهم: إن رددتها عنكم تؤمنون قالوا: نعم، قال: فجاءت فاستقبلها بثوبه فردها ثم تبعها حتى دخلت كهفها و دخل معها و جلسوا على باب الكهف و هم يرون ألا يخرج

الوافي، ج 26، ص: 348

أبدا فخرج و هو يقول: هذا هذا و كل هذا موذي زعمت بنو عبس أني لا أخرج و جبيني يندى، ثم قال: تؤمنون بي قالوا: لا، قال: فإني ميت يوم كذا و كذا، فإذا أنا مت فادفنوني فإنه سيجي ء عانة من حمر يقدمها عير أبتر حتى يقف على قبري فانبشوني و سلوني عما شئتم فلما مات دفنوه، و كان ذلك اليوم إذ جاءت العانة اجتمعوا و جاءوا يريدون نبشه فقالوا: ما آمنتم به في حياته فكيف تؤمنون به بعد موته و لئن نبشتموه ليكونن سبة عليكم فاتركوه فتركوه".

بيان

" العانة" القطيع من حمر الوحش، و العير بالفتح الحمار و غلب على الوحشي" و السبة" بالمهملة و الباء الموحدة العار يقال صار هذا الأمر سبة أي عارا يسب به.

الوافي، ج 26، ص: 349

باب حكايات السلف

[1]

25452- 1 (الكافي- 8: 384 رقم 584) محمد، عن ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عن محمد بن سنان، عمن أخبره، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" كان عابد في بني إسرائيل لم يقارف من أمر الدنيا شيئا فنخر إبليس نخرة فاجتمع إليه جنوده، فقال: من لي بفلان فقال بعضهم: أنا له، فقال: من أين تأتيه قال: من ناحية النساء، قال: لست له لم يجرب النساء، فقال له آخر: فأنا له، فقال له: من أين تأتيه قال: من ناحية الشراب و اللذات، قال: لست له ليس له بهذا علم، قال آخر: فأنا له، قال: من أين تأتيه قال: من ناحية البر، قال: انطلق فأنت صاحبه، فانطلق إلى موضع الرجل فقام بحذائه يصلي، قال: و كان الرجل ينام و الشيطان لا ينام، و يستريح و الشيطان لا يستريح، فتحول إليه الرجل و قد تقاصرت إليه نفسه و استصغر عمله، فقال له: يا عبد اللّٰه بأي شي ء قويت على هذه الصلاة فلم يجبه أعاد عليه فلم يجبه ثم أعاد عليه، فقال: يا عبد اللّٰه إني أذنبت ذنبا و أنا تائب عنه فإذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة.

الوافي، ج 26، ص: 350

قال: فأخبرني بذنبك حتى أعمله و أتوب فإذا فعلته قويت على الصلاة قال: ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية فأعطها درهمين و نل منها، قال: و من أين لي درهمان ما أدري ما الدراهم، فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين فناوله إياهما فقام

فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغية فأرشده الناس و ظنوا أنه جاء يعظها فأرشدوه فجاء إليها فرمى إليها بالدرهمين و قال: قومي فقامت فدخلت منزلها و قالت: ادخل، و قالت: إنك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها فأخبرني بخبرك فأخبرها، فقالت له: يا عبد اللّٰه إن ترك الذنب أهون من طلب التوبة و ليس كل من طلب التوبة وجدها و إنما ينبغي أن يكون هذا شيطانا تمثل لك فانصرف فإنك لا ترى شيئا فانصرف و ماتت من ليلتها فأصبحت فإذا على بابها مكتوب: احضروا فلانة فإنها من أهل الجنة فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا لا يدفنونها ارتيابا في أمرها فأوحى اللّٰه تعالى إلى نبي من الأنبياء لا أعلمه إلا موسى بن عمران أن ائت فلانة فصل عليها و مر الناس أن يصلوا عليها فإني قد غفرت لها و أوجبت لها الجنة بتثبيطها عبدي فلانا عن معصيتي".

[2]

25453- 2 (الكافي- 5: 556) العدة، عن أحمد، عن ابن فضال، عن الحكم بن مسكين، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" كان ملك في بني إسرائيل و كان له قاض و للقاضي أخ و كان رجل صدق و له امرأة قد ولدتها الأنبياء عليهم السلام فأراد الملك أن يبعث رجلا في حاجة، فقال للقاضي: ابغني رجلا ثقة، فقال: ما أعلم أحدا أوثق من أخي فدعاه ليبعثه فكره ذلك الرجل و قال لأخيه: إني أكره أن أضيع امرأتي، فعزم عليه فلم يجد بدا من الخروج، فقال لأخيه: يا أخي

الوافي، ج 26، ص: 351

إني لست أخلف شيئا أهم علي من امرأتي فاخلفني فيها و تول قضاء حاجتها، قال: نعم، فخرج الرجل و قد كانت

المرأة كارهة لخروجه فكان القاضي يأتيها و يسألها عن حوائجها و يقوم لها فأعجبته فدعاها إلى نفسه فأبت عليه فحلف عليها لئن لم تفعل ليخبرن الملك أنها قد فجرت، فقالت: اصنع ما بدا لك لست أجيبك إلى شي ء مما طلبت.

فأتى الملك فقال: إن امرأة أخي قد فجرت و قد حق ذلك عندي، فقال له الملك: طهرها، فجاء إليها، فقال: إن الملك قد أمرني برجمك، فما تقولين تجيبيني و إلا رجمتك، فقالت: لست أجيبك فاصنع ما بدا لك، فأخرجها فحفر لها فرجمها و معه الناس، فلما ظن أنها قد ماتت تركها و انصرف و جن بها الليل و كان بها رمق فتحركت و خرجت من الحفرة ثم مشت على وجهها حتى خرجت من المدينة فانتهت إلى دير فيه ديراني فنامت (فباتت- خ ل) على باب الدير فلما أصبح الديراني فتح الباب فرآها فسألها عن قصتها فخبرته فرحمها فأدخلها الدير و كان له ابن صغير لم يكن له غيره و كان حسن الحال فداواها حتى برأت من علتها و اندملت ثم دفع إليها ابنه و كانت تربيه و كان للديراني قهرمان يقوم بأمره فأعجبته فدعاها إلى نفسه فأبت فجهدها فأبت، فقال: لئن لم تفعلي لأجهدن في قتلك، فقالت: اصنع ما بدا لك.

فعمد إلى الصبي فدق عنقه و أتى الديراني فقال له: عمدت إلى فاجرة قد فجرت فدفعت إليها ابنك فقتلته فجاء الديراني فلما رآه قال لها: ما هذا فقد تعلمين صنيعي بك فأخبرته بالقصة فقال لها: ليس تطيب نفسي أن تكوني فأخرجها ليلا و دفع إليها عشرين درهما و قال لها: تزودي هذه اللّٰه حسبك، فخرجت ليلا فأصبحت في قرية فإذا فيها مصلوب على خشبة و هو

حي فسألت عن قصته، فقالوا: عليه دين عشرون

الوافي، ج 26، ص: 352

درهما و من كان عليه دين عندنا لصاحبه صلب حتى يؤدي إلى صاحبه فأخرجت العشرين درهما و دفعتها إلى غريمه، و قالت: لا تقتلوه، فأنزلوه عن الخشبة، فقال لها: ما أحد أعظم علي منة منك نجيتني من الصلب و من الموت فأنا معك حيث ما ذهبت، فمضى معها و مضت حتى انتهيا إلى ساحل البحر فرأى جماعة و سفنا فقال لها: اجلسي حتى أذهب أنا أعمل لهم و أستطعم و آتيك به.

فأتاهم، فقال لهم: ما في سفينتكم هذه قالوا: في هذه تجارات و جواهر و عنبر و أشياء من التجارة، و أما هذه فنحن فيها، قال: و كم يبلغ ما في سفينتكم قالوا: كثيرا لا نحصيه، قال: فإن معي شيئا هو خير مما في سفينتكم، قالوا: و ما معك قال: جارية لم تروا مثلها قط، قالوا: فبعناها، قال: نعم، على شرط أن يذهب بعضكم فينظر إليها ثم يجيئني فيشتريها و لا يعلمها و يدفع إلي الثمن و لا يعلمها حتى أمضي أنا، فقالوا: ذلك لك فبعثوا من نظر إليها، فقال: ما رأيت مثلها قط فاشتروها منه بعشرة آلاف درهم و دفعوا إليه الدراهم فمضى بها، فلما أمعن أتوها فقالوا لها: قومي و ادخلي السفينة، قالت: و لم قالوا: قد اشتريناك من مولاك، قالت: ما هو بمولاي قالوا: لتقومين أو لنحملنك فقامت و مضت معهم، فلما انتهوا إلى الساحل لم يأمن بعضهم بعضا عليها فجعلوها في السفينة التي فيها الجواهر و التجارات و ركبوا هم في السفينة الأخرى فدفعوها فبعث اللّٰه عز و جل عليهم رياحا فغرقتهم و سفينتهم و نجت السفينة التي كانت فيها

حتى انتهت إلى جزيرة من جزائر البحر و ربطت السفينة ثم دارت في الجزيرة فإذا فيها ماء و شجر فيه ثمر فقالت:

هذا ماء أشرب منه و ثمر آكل منه أعبد اللّٰه عز و جل في هذا الموضع.

فأوحى اللّٰه عز و جل إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن يأتي ذلك الملك

الوافي، ج 26، ص: 353

فيقول: إن في جزيرة من جزائر البحر خلقا من خلقي فاخرج أنت و من في مملكتك حتى تأتوا خلقي هذا و تقروا له بذنوبكم ثم تسألوا ذلك الخلق أن يغفر لكم فإن غفر لكم غفرت لكم فخرج الملك بأهل مملكته إلى تلك الجزيرة فرأوا امرأة فتقدم إليها الملك، فقال لها: إن قاضي هذا أتاني فخبرني أن امرأة أخيه فجرت فأمرته برجمها و لم يقم عندي البينة فأخاف أن أكون قد تقدمت على ما لا يحل لي فأحب أن تستغفري لي، فقالت: غفر اللّٰه لك اجلس، ثم أتى زوجها و لا يعرفها، فقال: إنه كان لي امرأة و كان من فضلها و صلاحها، و إني خرجت عنها و هي كارهة لذلك فاستخلفت أخي عليها فلما رجعت سألته عنها فأخبرني أخي أنها فجرت فرجمها و أنا أخاف أن أكون قد ضيعتها فاستغفري لي، فقالت:

غفر اللّٰه لك، اجلس فأجلسته إلى جنب الملك.

ثم أتى القاضي، فقال: إنه كان لأخي امرأة و إنها أعجبتني فدعوتها إلى الفجور فأبت فأعلمت الملك أنها قد فجرت و أمرني برجمها فرجمتها و أنا كاذب عليها فاستغفري لي، قالت: غفر اللّٰه لك، ثم أقبلت على زوجها، فقالت: اسمع ثم تقدم الديراني فقص قصته و قال: أخرجتها بالليل و أنا أخاف أن يكون قد لقيها سبع فقتلها، فقالت: غفر اللّٰه لك اجلس،

ثم تقدم القهرمان فقص قصته، فقالت للديراني، اسمع غفر اللّٰه لك، ثم تقدم المصلوب: فقص قصته، فقالت: لا غفر اللّٰه لك، قال: ثم أقبلت على زوجها، فقالت: أنا امرأتك و كل ما سمعت فإنما هو قصتي و ليست لي حاجة في الرجال، و أنا أحب أن تأخذ هذه السفينة و ما فيها و تخلي سبيلي فأعبد اللّٰه عز و جل في هذه الجزيرة فقد ترى ما لقيت من الرجال، ففعل و أخذ السفينة و ما فيها و خلى سبيلها و انصرف الملك و أهل مملكته".

الوافي، ج 26، ص: 354

[3]
اشارة

25454- 3 (الكافي- 8: 385 رقم 585) أحمد بن محمد بن أحمد، عن علي بن الحسن، عن ابن زرارة، عن محمد بن الفضيل، عن الثمالي، عن أبي جعفر ع قال" كان في بني إسرائيل رجل عابد و كان محارفا لا يتوجه في شي ء فيصيب فيه شيئا، فأنفقت عليه امرأته حتى لم يبق عندها شي ء فجاعوا يوما من الأيام فدفعت إليه نصلا من غزل و قالت له: ما عندي غيره انطلق فبعه و اشتر لنا شيئا نأكله، فانطلق بالنصل ليبيعه فوجد السوق قد غلقت و وجد المشترين قد قاموا و انصرفوا، فقال: لو أتيت هذا الماء فتوضأت منه و صببت علي منه و انصرفت.

فجاء إلى البحر فإذا هو بصياد قد ألقى شبكته فأخرجها و ليس فيها إلا سمكة ردية قد مكثت عنده حتى صارت رخوة منتنة فقال له: بعني هذه السمكة و أعطيك هذا الغزل تنتفع به في شبكتك، قال: نعم، فأخذ السمكة و دفع إليه الغزل و انصرف بالسمكة إلى منزله فأخبر زوجته الخبر فأخذت السمكة لتصلحها فلما شقتها بدت من جوفها لؤلؤة فدعت زوجها فأرته

إياها فأخذها و انطلق بها إلى السوق فباعها بعشرين ألف درهم و انصرف إلى منزله بالمال فوضعه فإذا سائل يدق الباب و يقول: يا أهل الدار تصدقوا رحمكم اللّٰه على المسكين، فقال له الرجل: ادخل، فدخل، فقال له: خذ أحد الكيسين، فأخذ أحدهما و انطلق، فقالت له امرأته: سبحان اللّٰه بينما نحن مياسير إذ ذهبت بنصف يسارنا فلم يكن ذلك بأسرع من أن دق السائل الباب فقال الرجل ادخل فدخل فوضع الكيس مكانه، ثم قال: كل هنيئا إنما أنا ملك من ملائكة ربك إنما أراد ربك أن يبلوك فوجدك صابرا شاكرا، ثم ذهب".

بيان

" المحارف" بفتح الراء المبخوس الحظ و هو خلاف المبارك.

الوافي، ج 26، ص: 355

[4]
اشارة

25455- 4 (الكافي- 8: 362 رقم 552) محمد، عن ابن عيسى، و القميان جميعا، عن علي بن حديد، عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر ع قال: سأله حمران، فقال: جعلني اللّٰه فداك لو حدثتنا متى يكون هذا الأمر فسررنا به فقال" يا حمران إن لك أصدقاء و إخوانا و معارف، إن رجلا كان فيما مضى من العلماء و كان له ابن لم يكن يرغب في علم أبيه و لا يسأله عن شي ء و كان له جار يأتيه و يسأله و يأخذ عنه فحضر الرجل الموت فدعا ابنه، فقال له: يا بني إنك قد كنت تزهد فيما عندي و تقل رغبتك فيه و لم تكن تسألني عن شي ء و لي جار قد كان يأتيني و يسألني و يأخذ مني و يحفظ عني فإن احتجت إلى شي ء فأته، و عرفه جاره فهلك الرجل و بقي ابنه.

فرأى ملك ذلك الزمان رؤيا فسأل عن الرجل فقيل له: قد هلك، فقال الملك: هل ترك ولدا قيل له: عم ترك ابنا، فقال: ائتوني به، فبعث إليه ليأتي الملك، فقال الغلام: و اللّٰه ما أدري لما يدعوني الملك و ما عندي علم و لئن سألني عن شي ء لأفتضحن، فذكر ما كان أوصاه أبوه به فأتى الرجل الذي كان يأخذ العلم من أبيه، فقال له: إن الملك قد بعث إلي يسألني و لست أدري فيم بعث إلي، و قد كان أبي أمرني أن آتيك إن احتجت إلى شي ء، فقال الرجل: و لكني أدري فيما بعث إليك فإن أخبرتك فما أخرج اللّٰه لك من شي ء فهو بيني و بينك،

فقال: نعم.

فاستحلفه و استوثق منه أن يفي له، فأوثق له الغلام، فقال: إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا فقل له: هذا زمان الذئب، فأتاه الغلام، فقال له الملك: أ تدري لما أرسلت إليك فقال: أرسلت إلى تريد أن تسألني عن رؤية رأيتها أي زمان هذا فقال له الملك: صدقت فأخبرني أي زمان هذا فقال له: زمان الذئب، فأمر له بجائزة فقبضها

الوافي، ج 26، ص: 356

الغلام و انصرف إلى منزله و أبى أن يفي لصاحبه، و قال: لعلي لا أنفد هذا المال كله و لا آكله حتى أهلك و لعلي لا أحتاج و لا أسأل عن مثل هذا الذي سئلت عنه.

فمكث ما شاء اللّٰه ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه يدعوه فندم على ما صنع و قال: و اللّٰه ما عندي علم آتيه به و ما أدري كيف أصنع بصاحبي و قد غدرت به و لم أف له، ثم قال: لآتينه على كل حال و لأعتذرن إليه و لأحلفن له فلعله يخبرني فأتاه فقال له: إني قد صنعت الذي صنعت و لم أف لك بما كان بيني و بينك و تفرق ما كان في يدي و قد احتجت إليك فأنشدك أن لا تخذلني و أنا أوثق لك ألا يخرج لي شي ء إلا كان بيني و بينك، و قد بعث إلي الملك و لست أدري عما يسألني فقال: إنه يريد أن يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا، فقل له: هذا زمان الكبش.

فأتى الملك فدخل عليه فقال: لما بعثت إليك فقال: إنك رأيت رؤيا و إنك تريد أن تسألني أي زمان هذا فقال له: صدقت فأخبرني أي زمان هذا فقال: هذا زمان

الكبش فأمر له بصلة، فقبضها و انصرف إلى منزله و تدبر [في] رأيه في أن يفي لصاحبه أو لا يفي [له] فهم مرة أن يفعل و مرة أن لا يفعل، ثم قال: لعلي [أن] لا أحتاج إليه بعد هذه المرة أبدا و أجمع رأيه على الغدر فترك الوفاء، فمكث ما شاء اللّٰه ثم إن الملك رأى رؤيا فبعث إليه فندم على ما صنع فيما بينه و بين صاحبه، و قال: بعد غدر مرتين كيف أصنع و ليس عندي علم ثم أجمع رأيه على إتيان الرجل فأتاه فناشده اللّٰه تعالى و سأله أن يعلمه و أخبره أن هذه المرة يفي له و أوثق له و قال: لا تدعني على هذه الحال فإني لا أعود إلى العذر و سأفي لك فاستوثق منه.

فقال: إنه يدعوك يسألك عن رؤيا رآها أي زمان هذا قال: ليسألك

الوافي، ج 26، ص: 357

فأخبره أنه زمان الميزان، قال: فأتى الملك فدخل عليه فقال له: لم بعثت إليك فقال: إنك رأيت رؤيا و تريد أن تسألني أي زمان هذا فقال:

صدقت فأخبرني أي زمان هذا قال: هذا زمان الميزان، فأمر له بصلة فقبضها و انطلق بها إلى الرجل فوضعها بين يديه و قال: قد جئتك بما خرج لي فقاسمنيه، فقال له العالم: إن الزمان الأول كان زمان الذئب و إنك كنت من الذئاب و إن الزمان الثاني كان زمان الكبش يهم و لا يفعل و كذلك كنت أنت تهم و لا تفي، و كان هذا زمان الميزان و كنت فيه على الوفاء فاقبض مالك لا حاجة لي فيه و رده عليه".

بيان

" إن لك أصدقاء و إخوانا و معارف" كأن المراد أنهم و إن كانوا أصدقاء

و إخوانا لك إلا أنهم لا يصادقونك على أنفسهم و أموالهم و لا يفون لك بعهود الإخوة لأن الزمان لا يقتضي ذلك و ذلك لا يظهر أمرنا إذ لا يساعده الزمان و لا يوجد عليه الأعوان لأنه زمان الذئب و الكبش فإذا جاء زمان الميزان يظهر أمرنا ثم استشهد له بالقصة" لعلي لا أنفد هذا المال" كأنه أراد به إن لم يف لصاحبه بالمال كان يستغني به بقية العمر و لا يحتاج.

الوافي، ج 26، ص: 359

باب قصة نبينا صلى اللّٰه عليه و آله و سلم و غزواته

[1]
اشارة

25456- 1 (الكافي- 8: 300 رقم 459) علي، عن أبيه، عن البزنطي، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ع قال" لما ولد النبي ص جاء رجل من أهل الكتاب إلى ملإ من قريش فيهم هشام بن المغيرة و الوليد بن المغيرة و العاص بن هشام و أبو وجزة بن أبي عمرو بن أمية و عتبة بن ربيعة فقال: أ ولد فيكم مولود الليلة فقالوا: لا، قال: فولد إذا بفلسطين غلام اسمه أحمد به شامة كلون الخز الأدكن و يكون هلاك أهل الكتاب و اليهود على يديه و قد أخطاكم و اللّٰه يا معشر قريش.

فتفرقوا و سألوا فأخبروا أنه ولد لعبد اللّٰه بن عبد المطلب غلام فطلبوا الرجل فلقوة، فقالوا: إنه قد ولد فينا و اللّٰه غلام، قال: قبل أن أقول لكم أو بعد ما قلت لكم قالوا: قبل أن تقول لنا، قال: فانطلقوا بنا إليه حتى ننظر إليه، فانطلقوا حتى أتوا أمه، فقالوا: أخرجي ابنك حتى ننظر إليه، فقالت: إن ابني و اللّٰه لقد سقط و ما سقط كما يسقط الصبيان، لقد اتقى الأرض بيديه و رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج منه نور حتى

الوافي،

ج 26، ص: 360

نظرت إلى قصور بصري و سمعت هاتفا في الجو يقول: لقد ولدتيه سيد الأمة فإذا وضعتيه فقولي: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد و سميته محمدا، قال الرجل: فأخرجيه، فأخرجته فنظر إليه ثم قلبه و نظر إلى الشامة بين كتفيه فخر مغشيا عليه فأخذوا الغلام فأدخلوه إلى أمه و قالوا: بارك اللّٰه لك فيه.

فلما خرجوا أفاق، فقالوا له: ما لك ويلك فقال: ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم القيامة هذا و اللّٰه من يبيرهم، ففرحت قريش بذلك، فلما رآهم قد فرحوا، قال: فرحتم، أما و اللّٰه ليسطون بكم سطوة يتحدث بها أهل المشرق و المغرب و كان أبو سفيان يقول يسطو بمصره".

بيان

" الدكنة" لون يضرب إلى السواد" و قد أخطاكم" أي مضى عنكم إلى فلسطين لأن الأمر كان مرددا بين أن يكون فيكم أو فيهم فلما قلتم لم يولد فيه أبان أنه ولد بفلسطين لأنه قد ولد البتة" اتقى الأرض بيديه" أي وضع يديه على الأرض حين سقوطه لئلا يؤذيه السقوط" و البصري" موضع بالشام" يبيرهم" يهلكهم" و السطوة" القهر بالبطش و كلام أبي سفيان استفهام إنكار أي لا يسطو بأهل بلده.

[2]
اشارة

25457- 2 (الكافي- 8: 302 رقم 460) حميد، عن محمد بن أيوب، عن محمد بن زياد، عن أسباط بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" كان حيث طلقت آمنة بنت وهب و أخذها المخاض بالنبي ص حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب ع فلم تزل معها حتى وضعت، فقالت إحداهما للأخرى: هل

الوافي، ج 26، ص: 361

ترين ما أرى فقالت: و ما ترين قالت: هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق و المغرب فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبو طالب ع فقال لهما: ما لكما من أي شي ء تعجبان فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت، فقال لها أبو طالب: ألا أبشرك فقالت: بلى، فقال: أما إنك ستلدين غلاما يكون وصي هذا المولود".

بيان

" الطلق" وجع الولادة كالمخاض.

[3]
اشارة

25458- 3 (الكافي- 8: 261 رقم 375) محمد، عن أحمد، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" إن من وراء اليمن واديا يقال له وادي برهوت لا يجاوز ذلك الوادي إلا الحيات السود و البوم من الطير، في ذلك الوادي بئر يقال لها برهوت يغدى و يراح إليها بأرواح المشركين، يسقون من ماء الصديد، خلف ذلك الوادي قوم يقال لهم الذريح لما أن بعث اللّٰه تعالى محمدا ص صاح عجل لهم فيهم و ضرب بذنبه فنادى فيهم يا آل دريح- بصوت فصيح- أتى رجل بتهامة يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا اللّٰه، قالوا: لأمر ما أنطق اللّٰه هذا العجل قال: فنادى فيهم ثانية فعزموا على أن يبنوا سفينة فبنوها و نزل فيها سبعة منهم، و حملوا من الزاد ما قذف اللّٰه في قلوبهم، ثم رفعوا شراعها و سيبوها في البحر فما زالت تسير بهم حتى رمت بهم بجدة، فأتوا النبي

الوافي، ج 26، ص: 362

ص فقال لهم النبي ص: أنتم أهل الذريح نادى فيكم العجل قالوا: نعم، قالوا: أعرض علينا يا رسول اللّٰه الدين و الكتاب، فعرض عليهم رسول اللّٰه ص الدين و الكتاب و السنن و الفرائض و الشرائع كما جاء من عند اللّٰه و ولى عليهم رجلا من بني هاشم سيره معهم فما بينهم اختلاف حتى الساعة".

بيان

قال في النهاية في حديث علي ع شر بئر في الأرض برهوت هي بفتح الباء و الراء بئر عميقة بحضرموت لا يستطاع النزول إلى قعرها و يقال برهوت بضم الباء و سكون الراء.

[4]
اشارة

25459- 4 (الكافي- 8: 262 رقم 376) علي، عن أبيه، عن البزنطي، عن أبان، عن حديد، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" لما أسري برسول اللّٰه ص أصبح فقعد فحدثهم بذلك، فقالوا له: صف لنا بيت المقدس قال: فوصفه لهم و إنما دخله ليلا فاشتبه عليه النعت، فأتاه جبرئيل ع فقال: انظر هاهنا فنظر إلى البيت فوصفه و هو ينظر إليه ثم نعت لهم ما كان من عير لهم فيما بينهم و بين الشام، ثم قال: هذا عير بني فلان تقدم مع طلوع الشمس يتقدمها جمل أورق أو أحمر، قال: و بعثت قريش رجلا على فرس ليردها، قال: و بلغ مع طلوع الشمس، قال قرطة بن عمرو:

يألفها من أن لا أكون لك جذعا حين تزعم أنك أتيت بيت المقدس و رجعت من ليلتك".

الوافي، ج 26، ص: 363

بيان:

الأورق من الإبل الذي في لونه بياض إلى السواد و الجدع بالجيم و المهملتين الخصم و المجادعة المخاصمة.

[5]

25460- 5 (الكافي- 8: 364 رقم 555) محمد، عن أحمد، عن علي ابن الحكم، عن الكاهلي، عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه تعالى وَ مٰا تُغْنِي الْآيٰاتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لٰا يُؤْمِنُونَ قال" لما أسري برسول اللّٰه ص أتاه جبرئيل بالبراق فركبها فأتى بيت المقدس فلقي من لقي من إخوانه من الأنبياء ع، ثم رجع فحدث أصحابه إني أتيت بيت المقدس و رجعت من الليلة و قال جاءني جبرئيل بالبراق فركبتها و آية ذلك أني مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان و قد أضلوا جملا لهم أحمر و قد هم القوم في طلبه، فقال بعضهم لبعض إنما جاء الشام و هو راكب سريع و لكنكم قد أتيتم الشام و عرفتموها فاسألوه عن أسواقها و أبوابها و تجارها، فقالوا: يا رسول اللّٰه كيف الشام و كيف أسواقها قال: و كان رسول اللّٰه ص إذا سئل عن الشي ء لا يعرفه شق عليه حتى يرى ذلك في وجهه قال: فبينما هو كذلك إذ أتاه جبرئيل ع، فقال: يا رسول اللّٰه هذه الشام قد رفعت إليك، فالتفت رسول اللّٰه ص فإذا هو بالشام و أبوابها و أسواقها و تجارها، فقال: أين السائل عن الشام فقالوا له: فلان و فلان، فأجابهم رسول اللّٰه ص في كل ما سألوه عنه فلم يؤمن منهم إلا قليل و هو قول اللّٰه تعالى وَ مٰا تُغْنِي الْآيٰاتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لٰا يُؤْمِنُونَ".

الوافي، ج 26، ص: 364

ثم قال أبو عبد اللّٰه ع" نعوذ بالله أن لا نؤمن بالله و برسوله، آمنا

بالله و برسوله".

[6]
اشارة

25461- 6 (الكافي- 8: 376 رقم 567) حميد، عن الدهقان، عن الطاطري، عن محمد بن زياد بياع السابري، عن أبان، عن عبد اللّٰه بن عطاء، عن أبي جعفر ع قال" أتى جبرئيل رسول اللّٰه ص بالبراق أصغر من البغل و أكبر من الحمار، مضطرب الأذنين، عينيه في حافره، و خطاه مد بصره، و إذا انتهى إلى جبل قصرت يداه و طالت رجلاه، فإذا هبط طالت يداه و قصرت رجلاه، أهدب العرف الأيمن له جناحان من خلفه".

بيان

كأن كون عينه في حافره كناية عن معرفته بما يضع حافره عليه و كون خطاه مد بصره عن كون قطعه الطريق على قدر معرفته به و رؤيته له و كأن يداه و رجلاه لقطع الأرض و جناحاه لقطع السماء و الأهدب الرجل الذي يكثر أشفار عينيه و لعله هنا عبارة عن كثرة عرفه.

[7]
اشارة

25462- 7 (الكافي- 8: 267 رقم 418) محمد، عن ابن عيسى، عن ابن أبي عمير و الثلاثة، عن الحسين بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" لما أرادت قريش قتل النبي ص قالت:

كيف لنا بأبي لهب فقالت أم جميل: أنا أكفيكموه أنا أقول له إني أحب أن تقعد اليوم في البيت فتصطبح فلما أن كان من الغد و تهيأ المشركون للنبي ص قعد أبو لهب و امرأته يشربان فدعا أبو طالب عليا ع فقال له: يا بني اذهب إلى عمك أبي لهب فاستفتح عليه

الوافي، ج 26، ص: 365

فإن فتح لك فادخل و إن لم يفتح لك فتحامل على الباب و اكسره و ادخل عليه فإذا دخلت عليه، فقل له: يقول لك أبي: إن امرأ عمه عينه في القوم ليس بذليل، قال: فذهب أمير المؤمنين ع فوجد الباب مغلقا فاستفتح فلم يفتح له فتحامل على الباب و كسره و دخل فلما رآه أبو لهب قال له: ما لك يا بن أخي فقال له: إن أبي يقول لك: إن امرأ عمه عينه في القوم ليس بذليل، قال له: صدق أبوك فما ذاك يا بن أخي فقال له:

يقتل ابن أخيك و أنت تأكل و تشرب فوثب و أخذ سيفه فتعلقت به أم جميل فرفع يده و لطم وجهها لطمة ففقأ عينها فماتت و

هي عوراء، و خرج أبو لهب و معه السيف فلما رأته قريش عرفت الغضب في وجهه، فقالت:

ما لك يا أبا لهب فقال: أبايعكم على ابن أخي ثم تريدون قتله و اللات و العزى لقد هممت أن أسلم، ثم تنظرون ما أصنع فاعتذروا إليه و رجع".

بيان

أبو لهب كان عم النبي ص و أم جميل كانت امرأة أبي لهب و هي حمالة الحطب التي ذكرها اللّٰه تعالى في القرآن و كانت أخت أبي سفيان و الاصطباح الشرب بالغداة و عين القوم شريفهم و يقال العين للديدبان و لعل المراد به هاهنا الثاني لأنه أضيف إلى المرء دون القوم و يستفاد من قوله أبايعكم على ابن أخي أنه كان بايعهم على نصرتهم بشرط أن لا يؤذوا رسول اللّٰه ص.

[8]

25463- 8 (الكافي- 8: 277 رقم 419) عنه، عن أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر ع قال" كان إبليس يوم بدر يقلل المسلمين في أعين الكفار و يكثر الكفار في أعين المسلمين فشد عليه جبرئيل بالسيف فهرب منه و هو يقول: يا جبرئيل أني مؤجل، حتى وقع في

الوافي، ج 26، ص: 366

البحر"، قال زرارة: فقلت لأبي جعفر ع: لأي شي ء كان يخاف و هو مؤجل قال" يقطع بعض أطرافه".

[9]
اشارة

25464- 9 (الكافي- 8: 110 رقم 91) حميد، عن الدهقان، عن الطاطري، عن محمد بن زياد بن عيسى بياع السابري، عن أبان قال:

حدثني فضيل الرحمي.

قال: كنت بمكة و خالد بن عبد اللّٰه أمير و كان في المسجد عند زمزم، فقال: ادعوا لي قتادة، قال: فجاء شيخ أحمر الرأس و اللحية فدنوت لأسمع، فقال خالد: يا قتادة أخبرني بأكرم وقعة كانت في العرب، و أعز وقعة كانت في العرب، و أذل وقعة كانت في العرب، فقال: أصلح اللّٰه الأمير أخبرك بأكرم وقعة كانت في العرب و أعز وقعة كانت في العرب، و أذل وقعة كانت في العرب واحدة، قال خالد:

و يحك واحدة! قال: نعم أصلح اللّٰه الأمير، قال: أخبرني قال: بدر، قال: و كيف ذا قال: إن بدرا أكرم وقعة كانت في العرب بها أكرم اللّٰه تعالى الإسلام و أهله و هي أعز وقعة كانت في العرب، بها أعز اللّٰه الإسلام و أهله و هي أذل وقعة كانت في العرب، فلما قتلت قريش يومئذ ذلت العرب، فقال له خالد: كذبت لعمر اللّٰه إن كان في العرب يومئذ من هو أعز منهم، ويلك يا قتادة أخبرني ببعض أشعارهم قال: خرج أبو جهل يومئذ و قد أعلم ليرى مكانه

و عليه عمامة حمراء و بيده ترس مذهب و هو يقول:

ما تنقم الحرب الشموس مني بازل عامين حديث السن

لمثل هذا ولدتني أمي

الوافي، ج 26، ص: 367

فقال: كذب عدو اللّٰه إن كان ابن أخي لأفرس منه- يعني خالد بن الوليد و كانت أمه قشرية ويلك يا قتادة من الذي يقول:

أوفي بميعادي و أحمي عن حسب

فقال: أصلح اللّٰه الأمير ليس هذا يومئذ، هذا يوم أحد خرج طلحة ابن أبي طلحة و هو ينادي من يبارز فلم يخرج إليه أحد، فقال: إنكم تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار و نحن نجهزكم بأسيافنا إلى الجنة فليبرزن إلي رجل يجهزني بسيفه إلى النار و أجهزه بسيفي إلى الجنة فخرج إليه علي بن أبي طالب ع و هو يقول:

أنا بن ذي الحوضين عبد المطلب و هاشم المطعم في العام السغب

أوفي بميعادي و أحمي عن حسب

فقال خالد لعنه اللّٰه: كذب لعمري و اللّٰه أبو تراب ما كان كذلك، فقال الشيخ: فالأمير اعلم أيها الأمير ائذن لي في الانصراف، قال: فقام الشيخ يفرج الناس بيده و خرج و هو يقول: زنديق و رب الكعبة، زنديق و رب الكعبة.

بيان

النقمة" المكافأة بالعقوبة و الشموس النفور من الدواب و كأنه شبه الحرب

الوافي، ج 26، ص: 368

بها لصعوبتها، و يستفاد من كلام ابن الأثير أن هذا قول أمير المؤمنين صلوات اللّٰه عليه لأبي جهل اللعين قال في نهايته في حديث الديات أربع و ثلاثون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفات و منه حديث علي بن أبي طالب ع بازل عامين حديث السني البازل من الإبل الذي تم ثماني سنين و دخل في التاسعة و حينئذ يطلع نابه و تكمل قوته

ثم يقال له بعد ذلك بازل عام و بازل عامين يقول أنا مستجمع الشباب مستكمل القوة انتهى كلامه.

و الأفرس كأنه من الفروسة بمعنى الحذاقة بركوب الخيل، و القشير كزبير أبو قبيلة.

قال في القاموس ذو الحوضين عبد المطلب و اسمه شيبة أو عامر بن بن هاشم و العام السغب أي المحل و السغب الجوع.

[10]

25465- 10 (الكافي- 8: 375 رقم 563) محمد، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن ذريح، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" لما خرجت قريش إلى بدر و أخرجوا بني عبد المطلب معهم خرج طالب ابن أبي طالب فنزل رجازهم و هم يرتجزون و نزل طالب بن أبي طالب يرتجز و يقول:

يا رب إما تعززن بطالب في مقنب في هذه المقانب

في منقب المغالب المحارب بجعله المسلوب غير السالب

و جعله المغلوب غير الغالب

فقالت قريش إن هذا ليغلبنا فردوه".

الوافي، ج 26، ص: 369

[11]
اشارة

25466- 11 (الكافي- 8: 375 ذيل رقم 563) و في رواية أخرى عن أبي عبد اللّٰه ع أنه كان أسلم.

بيان

" التعزير" و العزر بتوسيط الزاي بين المهملتين الإعانة و التقوية و النصر، و المقنب ما بين الثلاثين إلى الأربعين من الجمل و المجرور في جعله للمقنب في الموضعين.

[12]
اشارة

25467- 12 (الكافي- 8: 277 رقم 420) علي، عن أبيه، عن البزنطي، عن هشام، عن أبان، عمن حدثه، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" قام رسول اللّٰه ص على التل الذي عليه مسجد الفتح في غزوة الأحزاب في ليلة ظلماء قرة، فقال: من يذهب فيأتينا بخبرهم و له الجنة فلم يقم أحد، ثم أعادها، فلم يقم أحد" فقال أبو عبد اللّٰه ع بيده: و ما أراد القوم! أرادوا أفضل من الجنة ثم قال: من هذا فقال: حذيفة، فقال: أ ما تسمع كلامي منذ الليلة و لا تكلم اقترب، فقام حذيفة و هو يقول: القر و الضر جعلني اللّٰه فداك منعني أن أجيبك.

فقال رسول اللّٰه ص: انطلق حتى تسمع كلامهم و تأتيني بخبرهم فلما ذهب قال رسول اللّٰه ص اللهم احفظه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله حتى ترده، و قال له رسول اللّٰه ص: يا حذيفة لا تحدث شيئا حتى تأتيني، فأخذ سيفه و قوسه و حجفته، قال حذيفة: فخرجت و ما بي من ضر و لا

الوافي، ج 26، ص: 370

قر فمررت على باب الخندق و قد اعتراه المؤمنون و الكفار، فلما توجه حذيفة قام رسول اللّٰه ص و نادى: فلما توجه حذيفة قام رسول اللّٰه ص و نادى: يا صريخ المكروبين و يا مجيب المضطرين اكشف همي و غمي و كربي فقد ترى حالي و حال أصحابي، فنزل عليه جبرئيل ع، فقال: يا رسول اللّٰه إن اللّٰه تعالى قد

سمع مقالتك و دعاءك و قد أجابك و كفاك هول عدوك، فجثا رسول اللّٰه ص على ركبتيه، و بسط يديه، و أرسل عينيه، ثم قال: شكرا شكرا كما رحمتني و رحمت أصحابي، ثم قال رسول اللّٰه ص: قد بعث اللّٰه عليهم ريحا من سماء الدنيا فيها حصى و ريحا من السماء الرابعة فيها جندل.

قال حذيفة: فخرجت فإذا أنا بنيران القوم و أقبل جند اللّٰه الأول ريح فيها حصى فما تركت لهم نارا إلا أذرتها و لا خباء إلا طرحته، و لا رمحا إلا ألقته، حتى جعلوا يتترسون من الحصى فجعلنا نسمع وقع الحصى في الأترسة، فجلس حذيفة بين رجلين من المشركين فقام إبليس في صورة رجل مطاع في المشركين، فقال: أيها الناس إنكم قد نزلتم بساحة هذا الساحر الكذاب، ألا و إنه إن يفوتكم من أمره شي ء فإنه ليس بسنة مقام قد هلك الخف و الحافر، فارجعوا و لينظر كل رجل منكم من جليسه.

قال حذيفة: فنظرت عن يميني فضربت بيدي، فقلت: من أنت فقال: معاوية، فقلت للذي عن يساري: من أنت فقال: سهيل بن عمرو، قال حذيفة: و أقبل جند اللّٰه الأعظم فقام أبو سفيان إلى راحلته ثم صاح في قريش: النجاء النجاء، و قال طلحة الأزدي: لقد زادكم محمد بشر، ثم قام إلى راحلته و صاح في بني أشجع: النجاء النجاء و فعل عيينة ابن حصين مثلها، ثم فعل الحارث بن عون المزني مثلها ثم فعل الأقرع ابن حابس مثلها، و ذهب الأحزاب و رجع حذيفة إلى رسول اللّٰه ص

الوافي، ج 26، ص: 371

فأخبره الخبر" و قال أبو عبد اللّٰه ع" إنه كان شبيها بيوم القيامة".

بيان

" قرة باردة بيده" أي مشيرا بيده" و

المستتر في ثم قال للنبي ص" و الحجفة" بتقديم المهملة على الجيم الترس الذي من جلود ليس فيها خشب و لا عصب و إرسال العينين كناية عن البكاء أذرتها أطارتها و أذهبتها" و النجاء" ممدودا بمعنى الإسراع أي أسرعوا إسراعا.

[13]
اشارة

25468- 13 (الكافي- 8: 322 رقم 503) الثلاثة و غيره، عن ابن عمار، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" لما خرج رسول اللّٰه ص في غزوة الحديبية خرج في ذي القعدة فلما انتهى إلى المكان الذي أحرم فيه أحرموا و لبسوا السلاح فلما بلغه أن المشركين قد أرسلوا إليه خالد بن الوليد ليرده، قال: ابغوني رجلا يأخذني على غير هذا الطريق فأتي برجل من مزنية أو من جهينة فسأله فلم يوافقه فقال:

ابغوني رجلا غيره فأتي برجل آخر إما من مزنية و إما من جهينة، قال:

فذكر له فأخذه معه حتى انتهى إلى العقبة فقال: من يصعدها حط اللّٰه عنه كما حط اللّٰه عن بني إسرائيل فقال لهم ادْخُلُوا الْبٰابَ سُجَّداً .. نَغْفِرْ لَكُمْ خَطٰايٰاكُمْ قال: فابتدرها خيل الأنصار: الأوس و الخزرج، قال:

و كانوا ألفا و ثمانمائة، فلما هبطوا إلى الحديبية إذا أمراه معها ابنها على القليب فسعى ابنها هاربا فلما أثبتت أنه رسول اللّٰه ص صرخت به هؤلاء الصابئون ليس عليك منهم بأس فأتاها رسول

الوافي، ج 26، ص: 372

اللّٰه ص فأمرها فاستقت دلوا من ماء فأخذه رسول اللّٰه ص فشرب و غسل وجهه فأخذت فضلته فأعادته في البئر فلم تبرح حتى الساعة.

و خرج رسول اللّٰه ص فأرسل إليه المشركون أبان بن سعيد في الخيل فكان بإزائه، ثم أرسل الخليس فرأى البدن و هي تأكل بعضها أوبار بعض، فرجع و لم يأت رسول اللّٰه ص و قال

لأبي سفيان يا أبا سفيان أما و اللّٰه ما على هذا حالفناكم على أن تردوا الهدي عن محله، فقال: اسكت فإنما أنت أعرابي، فقال: أما و اللّٰه لتخلين عن محمد و ما أراد أو لأنفردن في الأحابيش، فقال: اسكت حتى تأخذ من محمد ولثا، فأرسلوا إليه عروة بن مسعود و قد كان جاء إلى قريش في القوم الذين أصابهم المغيرة بن شعبة كان خرج معهم من الطائف و كانوا تجارا فقتلهم و جاء بأموالهم إلى رسول اللّٰه ص أن يقبلها و قال: هذا غدر و لا حاجة لنا فيه.

فأرسلوا إلى رسول اللّٰه ص فقالوا: يا رسول اللّٰه هذا عروة بن مسعود قد أتاكم و هو يعظم البدن، قال: فأقيموها فأقاموها، فقال: يا محمد مجي ء من جئت قال: جئت أطوف بالبيت و أسعى بين الصفا و المروة و أنحر هذه البدن و أخلي عنكم و عن لحمانها، قال: لا و اللات و العزى فما رأيت مثلك رد عما جئت له، إن قومك يذكرونك اللّٰه و الرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم و أن تقطع أرحامهم و أن تجري عليهم عدوهم، فقال رسول اللّٰه ص:

و ما أنا بفاعل حتى أدخلها، قال: و كان عروة بن مسعود حين تكلم رسول اللّٰه ص تناول لحيته و المغيرة قائم على رأسه فضرب بيده، فقال: من هذا يا محمد فقال: إن هذا ابن أخيك المغيرة.

الوافي، ج 26، ص: 373

فقال: يا أعور و اللّٰه ما جئت إلا في غسل سلحتك، قال: فرجع إليهم، فقال لأبي سفيان و أصحابه: لا و اللّٰه ما رأيت مثل محمد رد عما جاء له فأرسلوا إليه سهيل بن عمرو و حويطب بن عبد العزى فأمر رسول

اللّٰه ص فأثيرت في وجوههم البدن، فقالا مجي ء من جئت قال: جئت لأطوف بالبيت و أسعى بين الصفا و المروة و أنحر البدن و أخلي بينكم و بين لحمانها، فقالا: إن قومك يناشدونك اللّٰه و الرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم و تقطع أرحامهم و تجري عليهم عدوهم، قال: فأبى عليهما رسول اللّٰه ص إلا أن يدخلها.

و كان رسول اللّٰه ص أراد أن يبعث عمر فقال: يا رسول اللّٰه إن عشيرتي قليل و إني فيهم على ما تعلم و لكني أدلك على عثمان بن عفان فأرسل إليه رسول اللّٰه ص فقال:

انطلق إلى قومك من المؤمنين فبشرهم بما وعدني ربي من فتح مكة فلما انطلق عثمان لقي أبان بن سعيد فتأخر عن السرح فحمل عثمان بين يديه و دخل عثمان فأعلمهم و كانت المناوشة فجلس سهيل بن عمرو عند رسول اللّٰه ص و جلس عثمان في عسكر المشركين و بايع رسول اللّٰه ص و جلس عثمان في عسكر المشركين و بايع رسول اللّٰه ص المسلمين و ضرب بإحدى يديه على الأخرى لعثمان، فقال المسلمون: طوبى لعثمان قد طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل، فقال رسول اللّٰه ص:

ما كان ليفعل، فلما جاء عثمان قال له رسول اللّٰه ص أ طفت بالبيت فقال: ما كنت لأطوف بالبيت و رسول اللّٰه ص لم يطف به ثم ذكر القصة و ما كان فيها.

الوافي، ج 26، ص: 374

فقال لعلي ع: اكتب بسم اللّٰه الرحمن الرحيم، فقال سهيل:

ما أدري ما الرحمن الرحيم إلا أني أظن هذا الذي باليمامة، و لكن اكتب كما نكتب باسمك اللهم، قال: و اكتب هذا ما قاضى رسول اللّٰه ص سهيل بن عمرو،

فقال سهيل: فعلى ما نقاتلك يا محمد! فقال: أنا رسول اللّٰه و أنا محمد بن عبد اللّٰه، فقال الناس: أنت رسول اللّٰه، قال: اكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد اللّٰه، فقال الناس: أنت رسول اللّٰه و كان في القضية أن من كان منا أتى إليكم رددتموه إلينا و رسول اللّٰه ص غير مستكره عن دينه و من جاء إلينا منكم لم نرده إليكم.

فقال رسول اللّٰه: لا حاجة لنا فيهم و على أن نعبد اللّٰه فيكم علانية غير سر و إن كانوا ليتهادون السيور من المدينة إلى مكة و ما كانت قضية أعظم بركة منها لقد كاد أن يستولي على أهل مكة الإسلام.

فضرب سهيل بن عمرو على أبي جندل ابنه، فقال: أول ما قاضينا عليه، فقال رسول اللّٰه ص: هل قاضيت على شي ء فقال: يا محمد ما كنت بغدار، قال: فذهب بأبي جندل، فقال: يا رسول اللّٰه تدفعني إليه قال: و لم أشترط لك، قال: و قال: اللهم اجعل لأبي جندل مخرجا".

بيان

" هؤلاء الصابئون" أي الذين خرجوا من دين إلى آخر يقال صبأ الرجل صبوءا إذا خرج من دينه إلى آخر فلم تبرح حتى الساعة يعني أن البئر باقية إلى اليوم يستقى منها.

و في بعض النسخ فلم تنزح يعني لم ينفذ ماؤها و البدن جمع بدنة و هي ناقة أو بقرة تنحر بمكة" حالفناكم" بالمهملة من الحلف بالكسر بمعنى العهد، على أن

الوافي، ج 26، ص: 375

تردوا بدل من على هذا يعني ما عاهدناكم على أن تردوا هديا أن يبلغ محله فلما ذا تمنعون هدي محمد أن يبلغ محله و الأحابيش بالحاء المهملة و الباء الموحدة و الشين المعجمة الجماعة من الناس

ليسوا من قبيلة واحدة و الولث بالمثلثة العهد و المغيرة بن شعبة من المنافقين لعنهم اللّٰه" فأقيموها" يعني البدن" أخلي عنكم و عن لحمانها" أعطيكموها لتفعلوا بها ما شئتم يذكرونك اللّٰه من التذكير يعني ينشدونك و يقسمونك بالله و بالرحم التجنب عن فعل ذلك بهم و البارز في لحيته و رأسه للنبي ص و في بيده لعروة و المستتر في ضرب للمغيرة و السلحة النجو" فأثيرت" بالثاء المثلثة أي أزعجت و أنهضت، و المناوشة تداني بعضهم بعضا و أخذ بعضهم بعضا و يعني برحمان اليمامة مسيلمة الكذاب قاضي حاكم" فعلى ما نقاتلك" يعني ما قبلنا عنك أنك رسول اللّٰه و لو كنا قبلنا ذلك ما نقاتلك" فقال الناس" أي المسلمين" من كان منا" أي من المسلمين" أتى إليكم" يعني في حاجة" رددتموه إلينا" يعني لا تقتلوه و لا تكرهوه عن دينه" غير مستكره عن دينه" يعني لا يكره أحد من المسلمين أن يرجع عن دين رسول اللّٰه ص" لا حاجة لنا فيهم" أي فيمن جاء إلينا منهم ليتهادون من الهدية و يجوز أن يكون هذا الكلام كله من طرف المشركين و أن يكون هذا الشرط لهم على المسلمين كما يظهر من كتاب تفسير علي بن إبراهيم فإن هذا الحديث مذكور هناك على اختلاف في ألفاظه و على هذا يتغير المعنى و يصير البيان غير ما ذكرناه و ليقس ذلك على ما ذكروا" ليتهادون" من الهدية و السيور من الثياب الذي فيه خطوط على أبي جندل ابنه و كان قد أسلم عليه أي على رده إلينا هل قاضيت على شي ء استفهام إنكار يعني ما قاضيت فيه على شي ء كيف و هو مسلم و قد كان عندنا

و ليس ممن جاء إلينا بعد هذه المحاكمة و إنما لم يرد ص على سهيل القول بعد أن نفى عنه الغدر بأن ذلك ليس بغدر لكرمه و حيائه" لم اشترط لك" أي لم آت في أن لا أردك إليهم بنص في هذه المحاكمة بحيث لم يبق لهم مجال مجادلة.

الوافي، ج 26، ص: 376

[14]
اشارة

25469- 14 (الكافي- 8: 318 ح 502) محمد، عن ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء الخفاف، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" لما انهزم الناس يوم أحد عن النبي ص انصرف إليهم بوجهه و هو يقول: أنا محمد أنا رسول اللّٰه لم أقتل و لم أمت، فالتفت إليه فلان و فلان فقالا: الآن يسخر بنا أيضا و قد هزمنا و بقي معه علي ع و سماك بن خرشة أبو دجانة رحمه اللّٰه فدعاه النبي ص فقال: يا أبا دجانة انصرف و أنت في حل من بيعتك، فأما علي فأنا هو و هو أنا.

فتحول و جلس بين يدي النبي ص و بكى و قال: لا و اللّٰه و رفع رأسه إلى السماء و قال: لا و اللّٰه لا جعلت نفسي في حل من بيعتي إني بايعتك فإلى من أنصرف يا رسول اللّٰه إلى زوجة تموت أو ولد يموت أو دار تخرب و مال يفنى و أجل قد اقترب، فرق له النبي ص فلم يزل يقاتل حتى أثخنته الجراحة و هو في وجه و علي ع في وجه فلما سقط احتمله علي ع فجاء به إلى النبي ص فوضعه عنده، فقال:

يا رسول اللّٰه أوفيت ببيعتي قال: نعم، و قال له النبي ص خيرا، و كان الناس يحملون على النبي

ص الميمنة فيكشفهم علي ع فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبي ص، فلم يزل كذلك حتى تقطع سيفه بثلاث قطع.

فجاء إلى النبي ص فطرحه بين يديه و قال: هذا سيفي قد تقطع، فيومئذ أعطاه النبي ص ذا الفقار و لما رأى النبي ص اختلاج ساقيه من كثرة القتال رفع رأسه إلى السماء و هو يبكي، و قال: يا رب وعدتني أن تظهر دينك

الوافي، ج 26، ص: 377

و إن شئت لم يعيك، فأقبل علي ع إلى النبي ص فقال: يا رسول اللّٰه أسمع دويا شديدا و أسمع أقدم حيزوم و ما أهم أضرب أحدا إلا سقط ميتا قبل أن أضربه فقال: هذا جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل في الملائكة ثم جاء جبرئيل ع فوقف إلى جنب رسول اللّٰه ص، فقال: يا محمد إن هذه لهي المواساة، فقال ص: إن عليا مني و أنا منه، فقال جبرئيل و أنا منكما.

ثم انهزم الناس فقال رسول اللّٰه ص لعلي ع:

يا علي امض بسيفك حتى تعارضهم فإن رأيتهم ركبوا القلاص و جنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة و إن رأيتهم قد ركبوا الخيل و هم يجنبون القلاص فإنهم يريدون المدينة، فأتاهم علي ع فكانوا على القلاص، فقال أبو سفيان لعلي ع: يا علي ما تريد هو ذا نحن ذاهبون إلى مكة فانصرف إلى صاحبك فأتبعهم جبرئيل ع فكلما سمعوا وقع حافر فرسه جدوا في السير و كان يتلوهم فإذا ارتحلوا قالوا: هو ذا عسكر محمد قد أقبل فدخل أبو سفيان مكة فأخبرهم الخبر و جاء الرعاة و الحطابون فدخلوا مكة فقالوا: رأينا عسكر محمد كلما رحل أبو سفيان نزلوا يقدمهم فارس على فرس أشقر يطلب آثارهم.

فأقبل أهل مكة على أبي سفيان

يوبخونه ثم رحل النبي ص و الراية مع علي ع و هو بين يديه فلما أن أشرف بالراية من العقبة و رآه الناس نادى علي ع أيها الناس هذا محمد ص لم يمت و لم يقتل، فقال صاحب الكلام الذي قال: الآن يسخر بنا و قد هزمنا، هذا علي و الراية بيده حتى هجم

الوافي، ج 26، ص: 378

عليهم النبي ص و نساء الأنصار في أفنيتهم على أبواب دورهم و خرج الرجال إليه يلوذون به و يتوبون إليه و النساء نساء الأنصار قد خدشن الوجوه و نشرن الشعور و جززن النواصي و خرقن الجيوب و حزمن البطون على النبي ص فلما رأينه قال لهن خيرا و أمرهن أن يستترن و يدخلن منازلهن، و قال: إن اللّٰه تعالى وعدني أن يظهر دينه على الأديان كلها و أنزل اللّٰه على محمد ص و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضر اللّٰه شيئا الآية".

بيان

لما انهزم الناس يوم أحد روي أن سبب انهزامهم نداء إبليس فيهم أن محمدا قد قتل و كان النبي ص حينئذ في زحام الناس يقاتل و كانوا لا يرونه و فلان و فلان كناية عن الأولين و سماك بالتخفيف و خرشة بإعجام الخاء و إهمال الراء و دجانة بالتخفيف" أثخنته الجراحة" أي كثر فيه الجراح" لم يعيك" من الإعياء" و الدوي" الصوت أقدم أمر من الإقدام" حيزوم" يعني يا حيزوم بحذف حرف النداء و هو اسم فرس جبرئيل ع" إن هذه" يعني كثرة مقاتلة علي ع و ثبات قدمه بعد انهزام الناس لهي المواساة يعني المعاونة و النصرة

بالنفس و المهجة و القلاص جمع قلائص و هي جمع القلوص و هي الشابة من النوق و الناقة الطويلة القوائم خاص بالإناث" و الرعاء" جمع الراعي و الأشقر الأحمر و الخرم بالمعجمة و الراء الشق.

الوافي، ج 26، ص: 379

[15]
اشارة

25470- 15 (الكافي- 8: 376 رقم 565) حميد، عن ابن سماعة، عن الميثمي، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" بينا رسول اللّٰه ص في المسجد إذ خفض له كل رفيع من الأرض و رفع له كل خفيض حتى نظر إلى جعفر ع يقاتل الكفار قال: فقتل، فقال رسول اللّٰه ص: قتل جعفر و أخذه المغص في بطنه".

بيان

أريد بجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين حين بعثه إلى غزوة مؤتة و أريد بالخفض و الرفع كشف الحجب المانعة عن رؤية البعيد و المستتر في قال في قوله قال: فقتل لأبي عبد اللّٰه ع و البارز في أخذه للنبي صلى اللّٰه ع و المغص بالمعجمة ثم المهملة تقطيع في المعاء و وجع.

[16]

25471- 16 (الكافي- 8: 376 رقم 566) حميد، عن الدهقان، عن الطاطري، عن محمد بن زياد بياع السابري، عن أبان بن عجلان أبي صالح قال: سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول" قتل علي بن أبي طالب ع بيده يوم حنين أربعين".

[17]
اشارة

25472- 17 (الكافي- 8: 263 رقم 378) الثلاثة، عن ابن عمار، عن أبي عبد اللّٰه ع" أن رسول اللّٰه ص لما خرج من الغار متوجها إلى المدينة و قد كانت قريش جعلت لمن أخذه

الوافي، ج 26، ص: 380

مائة من الإبل، فخرج سراقة بن مالك بن جشعم فيمن يطلب فلحق برسول اللّٰه ص فقال له رسول اللّٰه ص:

اللهم اكفني شر سراقة بما شئت، فساخت قوائم فرسه فثنى رجله ثم اشتد فقال: يا محمد إني علمت أن الذي أصاب قوائم فرسي إنما هو من قبلك فادع اللّٰه أن يطلق لي فرسي فلعمري إن لم يصبك مني خير لم يصبك مني شر، فدعا رسول اللّٰه ص فأطلق اللّٰه تعالى فرسه فعاد في طلب رسول اللّٰه ص حتى فعل ذلك ثلاث مرات كل ذلك يدعو رسول الهّٰ ص فتأخذ الأرض قوائم فرسه فلما أطلقه في الثالثة قال: يا محمد هذه إبلي بين يديك فيها غلامي و إن احتجت إلى ظهر أو لبن فخذ منه و هذا سهم من كنانتي علامة و أنا أرجع فأرد عنك الطلب، فقال رسول اللّٰه ص:

لا حاجة لنا فيما عندك".

بيان

" ثنى رجله" كسعى عطف و رد بعضه على بعض و هو هنا كناية عن النزول عن الفرس و اشتد عدا من الشد بمعنى العدو.

[18]
اشارة

25473- 18 (الكافي- 8: 299 رقم 458) علي، عن أبيه، عن البزنطي، عن أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر ع قال" إن ثمامة ابن أثال أسرته خيل النبي ص و قد كان رسول اللّٰه ص قال: اللهم أمكني من ثمامة فقال له رسول اللّٰه ص: إني مخيرك واحدة من ثلاث: أقتلك، قال: إذا تقتل عظيما، قال: أو أفاديك، إذا تجدني غاليا، أو أمن عليك، قال: إذا

الوافي، ج 26، ص: 381

تجدني شاكرا، قال: فإني قد مننت عليك، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أنك محمدا رسول اللّٰه و قد و اللّٰه علمت أنك رسول اللّٰه حيث رأيتك و ما كنت لأشهد بها و أنا في الوثاق".

بيان

" المفاداة" الإطلاق بالفدية و المن الإطلاق بلا فدية.

[19]
اشارة

25474- 19 (الكافي- 8: 69 رقم 27) القمي، عن محمد بن سالم، و علي، عن أبيه جميعا، عن أحمد بن النضر و محمد، عن محمد بن أبي القاسم، عن الحسين بن أبي قتادة جميعا، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر ع قال" خرج رسول اللّٰه ص لعرض الخيل فمر بقبر أبي أحيحة فقال أبو بكر: لعن اللّٰه صاحب هذا القبر فو الله إن كان ليصد عن سبيل اللّٰه و يكذب رسول اللّٰه ص فقال خالد ابنه: بل لعن اللّٰه أبا قحافة فو الله ما كان يقري الضيف و لا يقاتل العدو، فلعن اللّٰه أهونهما على العشيرة فقدا فألقى رسول اللّٰه ص خطام راحلته على غاربها، ثم قال: إذا أنتم تناولتم المشركين فعموا و لا تخصوا فيغضب ولده، ثم وقف فعرضت عليه الخيل فمر به فرس، فقال عيينة بن حصين: إن من أمر هذا الفرس

الوافي، ج 26، ص: 382

كيت و كيت، فقال رسول اللّٰه ص: ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك، فقال عيينة: و أنا أعلم بالرجال منك، فغضب رسول اللّٰه ص حتى ظهر الدم في وجهه، فقال له: فأي الرجال أفضل فقال عيينة بن حصين: رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم و رماحهم على كواثب خيلهم ثم يضربون بها قدما قدما فقال رسول اللّٰه ص كذبت بل رجال أهل اليمن أفضل، الإيمان يماني و الحكمة يمانية و لو لا الهجرة لكنت امرأ من أهل اليمن، الجفاء و القسوة في الفدادين أصحاب الوبر، ربيعة و مضر من حيث يطلع قرن الشمس، و مذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة، و حضرموت خير من عامر بن صعصعة.

و

روى بعضهم خير من الحارث بن معاوية و بجيلة خير من رعل و ذكوان و إن يهلك الحيان فلا أبالي، ثم قال: لعن اللّٰه الملوك الأربعة جمدا و مخوسا و مشرحا و أبضعة و أختهم العمردة لعن اللّٰه المحلل و المحلل له، و من يوالي غير مواليه، و من ادعى نسبا لا يعرف، و المتشبهين من الرجال بالنساء، و المتشبهات من النساء بالرجال، و من أحدث حدثا

الوافي، ج 26، ص: 383

في الإسلام أو آوى محدثا و من قتل غير قاتله، أو ضرب غير ضاربه، و من لعن أبويه، فقال رجل: يا رسول اللّٰه أ يوجد رجل يلعن أبويه فقال: نعم، يلعن آباء الرجال و أمهاتهم فيلعنون أبويه لعن اللّٰه رعلا و ذكوان و عضلا و لحيان و المجدمين من أسد و غطفان و أبا سفيان بن حرب و سهيلا ذا الأسنان و ابني مليكة بن حزيم و مروان و هوذة و هونة".

بيان

" أحيحة" بضم الهمزة و المهملتين بينهما مثناة تحتانية مصغر و يسمى بها و يكنى و الخطام بالمعجمة ثم المهملة الزمام و الغارب أيضا بالمعجمة ثم المهملة ما بين العنق و السنام و الكواثب جمع كاثبة و هي من الفرس مجتمع كتفيه قدام السرج.

قال في النهاية: فيه أن الجفاء و القسوة في الفدادين و الفدادون بالتشديد الذين تعلو أصواتهم في حروثهم و مواشيهم واحدهم فداد، يقال فد الرجل إذا اشتد صوته و قيل هم المكثرون من الإبل و قيل هم الجمالون و البقارون

الوافي، ج 26، ص: 384

و الحمارون و الرعيان و قيل إنما هو الفدادين مخففا واحدها فدان مشددا و هي البقر التي يحرث بها و أهلها أهل جفاء و غلظة و

ربيعة و مضر أبوا قبيلتين و كانا أخوين و مذحج بالمعجمة ثم المهملة ثم الجيم على وزن مسجد أبو قبيلة باليمن و حضرموت اسم قبيلة اسمان جعلا واحدا و قد جاء اسم بلد أيضا و رعل بالمهملتين و ذكوان بالمعجمة قبيلتان و الحيان تثنية الحي يعني القبيلتين المذكورتين و حيان أبو قبيلة أيضا إلا أن التعريف يأبى عن حمله على ذلك.

قال في القاموس: في فصل المعجمة من باب المهملة مخوس كمنبر و مشرح و جمد و أبضعة بنو معديكرب الملوك الأربعة الذين لعنهم رسول اللّٰه ص و لعن أختهم العمردة قال: أسلموا ثم ارتدوا فقتلوا و قال في فصل الجيم من باب المهملة جمد بن معديكرب من ملوك كندة، أو هو بالتحريك و قال في فصل الموحدة من باب المهملة أبضعة ملك من كندة أخو مخوس و ضبط العمردة بفتحتين و تشديد الراء و لم يتعرض لضبط مشرح المحلل يعني المحرمة بالطلقات و أريد بالحدث القتل كما فسر في حديث آخر و يدخل في قوله ص و من لعن أبويه أبو بكر بن أبي قحافة لأنه لعن أبا أحيحة فلعن ابنه أباه كما مضى في صدر الحديث فهذا الكلام بعينه التعميم الذي أمر به ص هناك.

[20]

25475- 20 (الكافي- 8: 332 رقم 515) حميد، عن الدهقان، عن الطاطري، عن محمد بن زياد بياع السابري، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" كانت ناقة رسول اللّٰه ص القصواء إذا نزل عنها علق عليها زمامها قال: فتخرج فتأتي المسلمين فيناولها الرجل الشي ء و يناولها هذا الشي ء فلا تلبث أن تشبع قال: فأدخلت رأسها في خباء سمرة بن جندب، فتناول عنزة فضرب بها على

رأسها فشجها فخرجت إلى النبي ص فشكته".

الوافي، ج 26، ص: 385

باب قصة أمير المؤمنين ع و رد الشمس له

[1]
اشارة

25476- 1 (الكافي- 8: 338 رقم 536) السراد، عن هشام بن سالم، عن الثمالي، عن سعيد بن المسيب، قال: سألت علي بن الحسين عليهما السلام ابن كم كان علي بن أبي طالب ع يوم أسلم فقال: أ و كان كافرا قط، إنما كان لعلي ع حيث بعث اللّٰه تعالى رسول اللّٰه ص عشر سنين و لم يكن يومئذ كافرا و لقد آمن بالله و برسوله و سبق الناس كلهم إلى الإيمان بالله و برسوله و إلى الصلاة بثلاث سنين .. الحديث بطوله.

بيان

و قد مضى تمامه في كتاب الحجة.

[2]
اشارة

25477- 2 (الفقيه- 1: 203 رقم 608- 611) روي أن اللّٰه تبارك و تعالى رد الشمس على يوشع بن نون وصي موسى ع حتى صلى الصلاة التي فاتته في وقتها.

الوافي، ج 26، ص: 386

و قال النبي ص" يكون في هذه الأمة كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة".

و قال اللّٰه تعالى سُنَّةَ اللّٰهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّٰهِ تَبْدِيلًا و قال عز و جل وَ لٰا تَجِدُ لِسُنَّتِنٰا تَحْوِيلًا فجرت هذه السنة في رد الشمس على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع في هذه الأمة، رد اللّٰه عليه الشمس مرتين مرة في أيام رسول اللّٰه ص و مرة بعد وفاته ع.

أما في أيامه ع فروي عن أسماء بنت عميس أنها قالت:

بينما رسول اللّٰه ص نائم ذات يوم و رأسه في حجر علي ع ففاتته العصر حتى غابت الشمس، فقال ع" اللهم إن عليا كان في طاعتك و طاعة رسولك فاردد عليه الشمس" قالت أسماء: فرأيتها و اللّٰه قد غربت ثم طلعت بعد ما غربت و لم يبق جبل و لا أرض إلا طلعت عليه حتى قام علي ع فتوضأ و صلى ثم غربت.

و أما بعد وفاة النبي ص فإنه روي عن جويرية ابن مسهر أنه قال: أقبلنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر، فنزل أمير المؤمنين ع و نزل الناس، فقال علي ع" أيها الناس إن هذه أرض ملعونة قد عذبت في الدهر ثلاث مرات- و في خبر آخر مرتين- و هي تتوقع

الثالثة و هي إحدى المؤتفكات، و هي أول أرض عبد فيها وثن، و إنه لا يحل لنبي و لا لوصي

الوافي، ج 26، ص: 387

نبي أن يصلي فيها، و من أراد منكم أن يصلي فيها فليصل، فمال الناس عن جنبي الطريق يصلون و ركب هو بغلة رسول اللّٰه ص و مضى.

قال جويرية: فقلت: و اللّٰه لأتبعن أمير المؤمنين ع و لأقلدنه صلاتي اليوم، فمضيت خلفه فو الله ما جزنا جسر سوراء حتى غابت الشمس فشككت، فالتفت ع إلي و قال" يا جويرية أ شككت" فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فنزل على ناحية فتوضأ ثم قام فنطق بكلام لا أحسبه إلا كأنه بالعبراني، ثم نادى الصلاة فنظرت و اللّٰه إلى الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير فصلى العصر و صليت معه، فلما فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان فالتفت إلي، فقال" يا جويرية بن مسهر إن اللّٰه عز و جل يقول فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ، و إني سألت اللّٰه عز و جل باسمه العظيم فرد علي الشمس".

و روي أن جويرية لما رأى ذلك قال: وصي نبي و رب الكعبة.

بيان

" القذة" بضم القاف و تشديد الذال المعجمة ريش السهم، و المؤتفكات المدن التي قلبت على أهلها من أفكه إذا قلبه، و قد مضى حديث أسماء في أبواب الزيارات من كتاب الحج.

الوافي، ج 26، ص: 389

باب قصة أبي ذر رضي اللّٰه عنه

[1]
اشارة

25478- 1 (الكافي- 8: 297 رقم 457) القميان، عن عبد اللّٰه بن محمد، عن سلمة اللؤلؤي، عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" ألا أخبركم كيف كان إسلام سلمان و أبي ذر" فقال الرجل و أخطأ: أما إسلام سلمان فقد عرفته فأخبرني بإسلام أبي ذر فقال" إن أبا ذر كان في بطن مر يرعى غنما له فأتى ذئب عن يمين غنمه فهش بعصاه على الذئب فجاء الذئب عن شماله فهش عليه أبو ذر، ثم قال له أبو ذر: ما رأيت ذئبا أخبث منك و لا شرا، فقال له الذئب: شر و اللّٰه مني أهل مكة بعث اللّٰه إليهم نبيا فكذبوه و شتموه، فوقع في أذن أبي ذر فقال لامرأته: هلمي مزودي و إداوتي و عصاي.

ثم خرج على رجليه يريد مكة ليعلم خبر الذئب و ما أتاه به، فمشى حتى بلغ مكة فدخلها في ساعة حارة و قد تعب و نصب، فأتى زمزم و قد عطش، فاغترف دلوا فخرج له لبن فقال في نفسه: هذا و اللّٰه يدلني على أن ما خبرني الذئب و ما جئت له حق، فشرب و جاء إلى جانب من جوانب المسجد فإذا حلقة من قريش فجلس إليهم فرآهم يشتمون

الوافي، ج 26، ص: 390

النبي ص كما قال الذئب، فما زالوا في ذلك من ذكر النبي ص و الشتم له حتى جاء أبو طالب من آخر النهار فلما رأوه قال بعضهم لبعض: كفوا فقد جاء عمه،

قال: فكفوا فما زال يحدثهم و يكلمهم حتى كان آخر النهار.

ثم قام و قمت على أثره فالتفت إلي فقال: اذكر حاجتك فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم، قال: و ما تصنع به قلت: أؤمن به و أصدقه و أعرض عليه نفسي و لا يأمرني بشي ء إلا أطعته، فقال: و تفعل فقلت:

نعم، قال: فتعال غدا في هذا الوقت إلي حتى أرفعك إليه، قال: فبت تلك الليلة في المسجد حتى إذا كان الغد جلست معهم فما زالوا في ذكر النبي ص و شتمه حتى إذا طلع أبو طالب (ع) فلما رأوه قال بعضهم لبعض: أمسكوا فقد جاء عمه، فأمسكوا فما زال يحدثهم حتى قام فتبعته فسلمت عليه فقال: اذكر حاجتك فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم، قال: و ما تصنع به فقلت: أؤمن به و أصدقه و أعرض عليه نفسي و لا يأمرني بشي ء إلا أطعته، فقال:

________________________________________

كاشانى، فيض، محمد محسن ابن شاه مرتضى، الوافي، 26 جلد، كتابخانه امام امير المؤمنين علي عليه السلام، اصفهان - ايران، اول، 1406 ه ق

الوافي؛ ج 26، ص: 390

و تفعل فقلت: نعم، قال: قم معي.

فتبعته فدفعني إلى بيت فيه حمزة فسلمت عليه و جلست، فقال لي: ما حاجتك فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم، فقال: و ما حاجتك إليه قلت: أؤمن به و أصدقه و أعرض عليه نفسي و لا يأمرني بشي ء إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا رسول اللّٰه، قال:

فشهدت، فدفعني حمزة إلى بيت فيه جعفر، فسلمت عليه و جلست، فقال لي جعفر: ما حاجتك فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم، قال: و ما

الوافي، ج 26، ص: 391

حاجتك إليه فقلت: أؤمن به و أصدقه و أعرض عليه نفسي و

لا يأمرني بشي ء إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله، قال: فشهدت.

فدفعني إلى بيت فيه علي ع فسلمت عليه و جلست، فقال:

ما حاجتك فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم، قال: و ما حاجتك إليه قلت: أؤمن به و أصدقه و أعرض عليه نفسي و لا يأمرني بشي ء إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا رسول اللّٰه، قال: فشهدت فدفعني إلى بيت فيه رسول اللّٰه ص فسلمت عليه و جلست، فقال لي رسول اللّٰه ص: ما حاجتك فقلت: هذا النبي المبعوث فيكم، قال: ما حاجتك إليه قلت: أؤمن به و أصدقه و لا يأمرني بشي ء إلا أطعته، فقال: تشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا رسول اللّٰه، فقلت: أشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أن محمدا رسول اللّٰه، فقال لي رسول اللّٰه ص: يا أبا ذر انطلق إلى بلادك فإنك تجد ابن عم لك قد مات و ليس له وارث غيرك، فخذ ماله و أقم عند أهلك حتى يظهر أمرنا، قال: فرجع أبو ذر فأخذ المال و أقام عند أهله حتى ظهر أمر رسول اللّٰه ص فأتاه".

قال: فقال أبو عبد اللّٰه ع" هذا حديث أبي ذر و إسلامه رضي اللّٰه عنه، و أما حديث سلمان فقد سمعته" فقال: جعلت فداك حدثني بحديث سلمان، فقال" قد سمعته" و لم يحدثه لسوء أدبه.

بيان

نحن قد روينا عنه ع حديث إسلام سلمان رضي اللّٰه عنه أيضا بحمد اللّٰه و نذكره في الباب الذي يلي هذا الباب إن شاء اللّٰه.

الوافي، ج 26، ص: 392

[2]
اشارة

25479- 2 (الكافي- 8: 126 رقم 96) حميد، عن ابن سماعة، عن محمد ابن أيوب و علي، عن أبيه جميعا، عن البزنطي، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" أتى أبو ذر رسول اللّٰه ص فقال: يا رسول اللّٰه إني قد اجتويت المدينة أ فتأذن لي أن أخرج أنا و ابن أخي إلى مزينة فنكون بها فقال: إني أخشى أن تغير عليك خيل من العرب فتقتل ابن أخيك فيأتيني شعثا فتقوم بين يدي متكئا على عصاك فتقول: قتل ابن أخي و أخذ السرح، فقال: يا رسول اللّٰه بل لا يكون إلا خيرا إن شاء اللّٰه، فأذن له رسول اللّٰه ص فخرج هو و ابن أخيه و امرأته، فلم يلبث هناك إلا يسيرا، حتى غارت خيل لبني فزارة فيها عيينة بن حصين فأخذت السرح و قتل ابن أخيه و أخذت امرأته من بني غفار، و أقبل أبو ذر يشتد، حتى وقف بين يدي رسول اللّٰه ص و به طعنة جائفة، فاعتمد على عصاه و قال: صدق رسول اللّٰه أخذ السرح و قتل ابن أخي و قمت بين يديك على عصاي، فصاح رسول اللّٰه ص في المسلمين فخرجوا في الطلب فردوا السرح و قتلوا نفرا من المشركين".

بيان

" اجتويت المدينة" كرهت المقام بها، و" مزينة" قبيلة من مضر،" تغير" من الإغارة، و" السرح" بالمهملات المال السائم،" يشتد" يعدو.

الوافي، ج 26، ص: 393

[3]
اشارة

25480- 3 (الكافي- 8: 307 رقم 478) الاثنان، عن ابن أسباط، عن سعدان بن مسلم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" كان رجل بالمدينة يدخل مسجد الرسول ص فقال: اللهم آنس وحشتي و صل وحدتي و ارزقني جليسا صالحا، فإذا هو برجل في أقصى المسجد فسلم عليه و قال له: من أنت يا عبد اللّٰه فقال: أنا أبو ذر، فقال الرجل: اللّٰه أكبر اللّٰه أكبر، فقال أبو ذر: و لم تكبر يا عبد اللّٰه فقال: إني دخلت المسجد فدعوت اللّٰه أن يؤنس وحشتي و أن يصل وحدتي و أن يرزقني جليسا صالحا، فقال له أبو ذر: أنا أحق بالتكبير منك إذا كنت ذلك الجليس فإني سمعت رسول اللّٰه ص يقول أنا و أنتم على ترعة يوم القيامة حتى يفرغ الناس من الحساب، قم يا عبد اللّٰه فقد نهى السلطان عن مجالستي".

بيان

" الترعة" بالتاء المثناة الفوقانية و المهملتين الروضة تكون على مكان مشرف، و" السلطان" كناية عن عثمان.

[4]
اشارة

25481- 4 (الكافي- 8: 206 رقم 251) سهل، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن حفص التميمي قال: حدثني أبو جعفر الخثعمي قال: قال: لما سير عثمان أبا ذر إلى الربذة شيعة أمير المؤمنين ع و عقيل و الحسن و الحسين عليهما السلام و عمار بن ياسر رضي اللّٰه عنه فلما كان عند الوداع قال أمير المؤمنين ع: يا أبا ذر إنما غضبت لله فارج من غضبت له، إن القوم خافوك على دنياهم و خفتهم على دينك فأرحلوك عن الفناء و امتحنوك بالبلاء، و اللّٰه أن لو كان السماوات

الوافي، ج 26، ص: 394

و الأرض على عبد رتقا ثم اتقى اللّٰه جعل له منها مخرجا، فلا يؤنسك إلا الحق و لا يوحشك إلا الباطل.

ثم تكلم عقيل فقال: يا أبا ذر أنت تعلم أنا نحبك و نحن نعلم أنك تحبنا و أنت قد حفظت فينا ما ضيع الناس إلا القليل فثوابك على اللّٰه تعالى و لذلك أخرجك المخرجون و سيرك المسيرون فثوابك على اللّٰه تعالى فاتق اللّٰه و اعلم أن استعفاءك البلاء من الجزع و استبطاءك العافية من الإياس، فدع الإياس و الجزع و قل حسبي اللّٰه و نعم الوكيل.

ثم تكلم الحسن ع فقال: يا عماه إن اللّٰه تعالى قادر أن يغير ما ترى، و هو كل يوم في شأن، إن القوم منعوك دنياهم و منعتهم دينك، فما أغناك عما منعوك، و ما أحوجهم إلى ما منعتهم، فعليك بالصبر و إن الخير في الصبر، و الصبر من الكرم، و دع الجزع فإن الجزع لا يغنيك.

ثم تكلم عمار رضي اللّٰه عنه،

فقال: يا أبا ذر أوحش اللّٰه من أوحشك و أخاف من أخافك إنه و اللّٰه ما منع الناس أن يقولوا الحق إلا الركون إلى الدنيا و الحب لها، إلا إنما الطاعة مع الجماعة و الملك لمن غلب عليه، و إن هؤلاء القوم دعوا الناس إلى دنياهم فأجابوهم إليها و وهبوا لهم دينهم فخسروا الدنيا و الآخرة و ذلك هو الخسران المبين.

ثم تكلم أبو ذر رضي اللّٰه عنه فقال: عليكم السلام و رحمة اللّٰه و بركاته بأبي و أمي هذه الوجوه فإني إذا رأيتكم ذكرت رسول اللّٰه ص

الوافي، ج 26، ص: 395

بكم و ما لي بالمدينة شجن و لا سكن غيركم و إنه ثقل على عثمان جواري بالمدينة كما ثقل على معاوية بالشام فإلى أن يسيرني إلى بلدة فطلبت إليه أن يكون ذلك إلى الكوفة فزعم أنه يخاف أن أفسد على أخيه الناس بالكوفة و آلى بالله ليسيرني إلى بلدة لا أرى بها أنيسا و لا أسمع بها حسيسا و إني و اللّٰه ما أريد إلا اللّٰه صاحبا و ما لي مع اللّٰه وحشة، حَسْبِيَ اللّٰهُ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ و صلى اللّٰه على محمد و آله الطيبين".

بيان

" فناء الدار" ما امتد من جوانبها،" أن يقولوا" يعني في نصرتك و أدفع الظلم عنك، و" الشجن" بالتحريك الحاجة، و" الحسيس" الصوت الخفي.

الوافي، ج 26، ص: 397

باب قصة سلمان رضي اللّٰه عنه

[1]

25482- 1 (الكافي- 8: 181 رقم 203) علي، عن بنان، عن صفوان ابن يحيى، عن حنان قال: سمعت أبي يروي عن أبي جعفر ع قال" كان سلمان جالسا مع نفر من قريش في المسجد فأقبلوا ينتسبون و يرفعون في أنسابهم حتى بلغوا سلمان، فقال له عمر بن الخطاب:

أخبرني من أنت و من أبوك و ما أصلك فقال: أنا سلمان بن عبد اللّٰه كنت ضالا فهداني اللّٰه بمحمد ص و كنت عائلا فأغناني اللّٰه بمحمد ص و كنت مملوكا فأعتقني اللّٰه بمحمد ص، هذا نسبي و هذا حسبي. قال: فخرج رسول اللّٰه ص و سلمان يكلمهم فقال له سلمان: يا رسول اللّٰه ما لقيت من هؤلاء جلست معهم فأخذوا ينتسبون و يرفعون في أنسابهم حتى إذ بلغوا إلي قال عمر بن الخطاب: من أنت و ما أصلك و ما حسبك فقال النبي ص فما قلت له يا سلمان قال:

قلت له: أنا سلمان بن عبد اللّٰه كنت ضالا فهداني اللّٰه تعالى ذكره بمحمد

الوافي، ج 26، ص: 398

ص و كنت عائلا فأغناني اللّٰه بمحمد ص و كنت مملوكا فأعتقني اللّٰه بمحمد ص، هذا نسبي و هذا حسبي. فقال رسول اللّٰه ص: يا معشر قريش إن حسب الرجل دينه، و مروءته خلقه، و أصله عقله، قال اللّٰه تعالى إِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثىٰ وَ جَعَلْنٰاكُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ، ثم قال النبي ص: يا سلمان ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى اللّٰه، و

إن كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل".

[2]
اشارة

25483- 2 (الفقيه- 4: 404 رقم 5874) المفضل، عن الصادق ع أنه قال" وقع بين سلمان الفارسي رضي اللّٰه عنه و بين رجل خصومة، فقال الرجل لسلمان: من أنت و ما أنت فقال سلمان: أما أولي و أولك فنطفة قذرة، و أما آخري و آخرك فجيفة منتنة، فإذا كان يوم القيامة و نصبت الموازين فمن ثقلت موازينه فهو الكريم، و من خفت موازينه فهو اللئيم".

بيان

و لنذكر حديث إسلام سلمان رضي اللّٰه عنه كما رويناه على ما وعدناه.

روى الشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابويه طاب ثراه في كتاب إكمال الدين و إتمام النعمة، بإسناده عن علي بن مهزيار، عمن ذكره، عن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: قلت: يا بن رسول اللّٰه ألا تخبرنا كيف كان سبب إسلام

الوافي، ج 26، ص: 399

سلمان الفارسي رحمة اللّٰه عليه قال" نعم، حدثني أبي صلوات اللّٰه عليه أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات اللّٰه عليه و سلمان الفارسي و أبا ذر و جماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبي ص فقال أمير المؤمنين ع لسلمان: يا با عبد اللّٰه ألا تخبرنا بمبدإ أمرك فقال سلمان:

و اللّٰه يا أمير المؤمنين لو أن غيرك سألني ما أخبرته، أنا كنت رجلا من أهل شيراز من أبناء الدهاقين، و كنت عزيزا على والدي، فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم و إذا أنا بصومعة و إذا فيها رجل ينادي أشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أن عيسى روح اللّٰه و أن محمدا حبيب اللّٰه، فرسخ وصف محمد في لحمي و دمي فلم يهنئني طعام و لا شراب، فقالت لي أمي: يا بني ما لك اليوم لم تسجد لمطلع

الشمس قال: فكابرتها حتى سكتت، فلما انصرفت إلى منزلي فإذا أنا بكتاب معلق من السقف، فقلت لأمي: ما هذا الكتاب فقالت: يا روزبه إن هذا الكتاب لما رجعنا من عيدنا رأيناه معلقا، فلا تقرب ذلك المكان فإنك إن قربته قتلك أبوك، قال: فجاهدتها حتى جن الليل و نام أبي و أمي فقمت فأخذت الكتاب و إذا فيه:

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم، هذا عهد من اللّٰه إلى آدم أنه خالق من صلبه نبيا يقال له: محمد، يأمر بمكارم الأخلاق و ينهى عن عبادة الأوثان، يا روزبه ائت وصي عيسى فآمن و اترك المجوسية، قال: فصعقت صعقة و زادني شدة، قال:

فعلم بذلك أبي و أمي فأخذوني و جعلوني في بئر عميقة، قالوا لي: إن رجعت و إلا قتلناك، فقلت لهم: افعلوا بي ما شئتم، حب محمد لا يذهب من صدري، قال سلمان: ما كنت أعرف العربية قبل قراءتي ذلك الكتاب، و لقد فهمني اللّٰه عز و جل العربية من ذلك اليوم، قال: فبقيت في البئر فجعلوا ينزلون إلي أقراصا صغارا، قال: قلت: فلما طال أمري رفعت يدي إلى السماء، فقلت: يا رب إنك حببت إلي محمدا و وصفته لي فبحق وسيلته عجل فرجي و أرحني مما أنا فيه.

الوافي، ج 26، ص: 400

فأتاني آت عليه ثياب بيض، فقال: قم يا روزبه، فأخذ بيدي و أتى بي إلى الصومعة فأنشأت أقول: أشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أن عيسى روح اللّٰه، و أن محمدا حبيب اللّٰه، فأشرف علي الديراني، فقال: أنت روزبه فقلت: نعم، فقال: اصعد فأصعدني إليه و خدمته حولين كاملين، فلما حضرته الوفاة، قال: إني ميت، فقلت له: فعلى من تخلفني فقال: لا أعرف أحدا يقول بمقالتي

هذه إلا راهبا بأنطاكية، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام و ادفع إليه هذا اللوح، و ناولني لوحا، فلما مات غسلته و كفنته و دفنته، و أخذت اللوح و سرت به إلى أنطاكية و أتيت الصومعة و أنشأت أقول: أشهد أن لا إله إلا اللّٰه و أن عيسى روح اللّٰه و أن محمدا حبيب اللّٰه، فأشرف علي الديراني فقال: أنت روزبه، فقلت: نعم، فقال: اصعد فصعدت إليه فخدمته حولين كاملين، فلما حضرته الوفاة، قال لي: إني ميت، فقلت: على من تخلفني فقال: لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه إلا راهبا بالإسكندرية، فإذا أتيته فأقرئه مني السلام و ادفع إليه هذا اللوح.

قال: لما توفي غسلته و كفنته و دفنته و أخذت اللوح و سرت به إلى الإسكندرية و أتيت الصومعة و أنشأت أقول: أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له و أن عيسى روح اللّٰه و أن محمدا حبيب اللّٰه، فأشرف علي الديراني، فقال: أنت روزبه فقلت: نعم، فقال: اصعد، فصعدت إليه و خدمته حولين كاملين، فلما حضرته الوفاة قال لي: إني ميت، فقلت: على من تخلفني فقال: لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه في الدنيا و إن محمد بن عبد اللّٰه بن عبد المطلب قد حانت ولادته فإن أتيته فأقرئه مني السلام، و ادفع إليه هذا اللوح.

قال: فلما توفي غسلته و كفنته و دفنته و أخذت اللوح و خرجت، فصحبت قوما، فقلت لهم: يا قوم اكفوني الطعام و الشراب أكفكم الخدمة قالوا: نعم، قال: فلما أرادوا أن يأكلوا شدوا على شاة فقتلوها بالضرب، ثم جعلوا بعضها كبابا و بعضها شواء فامتنعت من الأكل، فقالوا: كل، فقلت: إني غلام ديراني

الوافي، ج 26، ص: 401

و

إن الديرانيين لا يأكلون اللحم، فضربوني و كادوا يقتلونني، فقال بعضهم:

أمسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم فإنه لا يشرب، فلما أتوا بالشراب، قالوا:

اشرب، فقلت: إني غلام ديراني و إن الديرانيين لا يشربون الخمر، فشدوا علي و أرادوا قتلي، فقلت لهم: يا قوم لا تضربوني و لا تقتلوني فإني أقر لكم بالعبودية، فأقررت لواحد منهم فأخرجني و باعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي.

قال: فسألني عن قصتي، فأخبرته و قلت له: ليس لي ذنب إلا أني أحببت محمدا و وصيه، فقال اليهودي: و إني لأبغضك و أبغض محمدا، ثم أخرجني إلى خارج داره و إذا رمل كثير على بابه، فقال: و اللّٰه يا روزبه لئن أصبحت و لم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لأقتلنك، قال: فجعلت أحمل طول ليلتي فلما أجهدني التعب رفعت يدي إلى السماء، و قلت: يا رب إنك حببت إلي محمدا و وصفته لي، فبحق وسيلته عجل فرجي و أرحني مما أنا فيه، فبعث اللّٰه ريحا فقلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال اليهودي، فلما أصبح نظر إلى الرمل قد نقل كله، فقال: يا روزبه أنت ساحر و أنا لا أعلم فلأخرجنك من هذه القرية كيلا تهلكها.

قال: فأخرجني و باعني من امرأة سليمية فأحبتني حبا شديدا و كان لها حائط، فقالت: هذا الحائط لك كل منه ما شئت و هب و تصدق، قال: فبقيت في ذلك الحائط ما شاء اللّٰه، فبينا أنا ذات يوم في الحائط و إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تضلهم غمامة، فقلت في نفسي: و اللّٰه ما هؤلاء كلهم أنبياء و لكن فيهم نبي، قال: فأقبلوا حتى دخلوا الحائط و الغمامة تسير معهم، فلما دخلوا إذا فيهم

رسول اللّٰه ص و أمير المؤمنين ع و أبو ذر

الوافي، ج 26، ص: 402

و المقداد و عقيل بن أبي طالب و حمزة بن عبد المطلب و زيد بن حارثة، فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل و رسول اللّٰه ص يقول لهم كلوا الحشف و لا تفسدوا على القوم شيئا.

فدخلت على مولاتي، فقلت لها: يا مولاتي هبي لي طبقا من رطب، فقالت:

لك ستة أطباق، قال: فجئت فحملت طبقا من رطب، فقلت في نفسي: إن كان فيهم نبي فإنه لا يأكل الصدقة، و يأكل الهدية، فوضعته بين يديه، و قلت: هذه صدقة، فقال رسول اللّٰه ص: كلوا و أمسك رسول اللّٰه ص و أمير المؤمنين و عقيل بن أبي طالب و حمزة بن عبد المطلب و قال لزيد: مد يدك و كل فأكلوا، فقلت في نفسي: هذه علامة، فدخلت على مولاتي، و قلت لها: [هبي لي] طبقا آخر، فقالت: و لك ستة أطباق، قال: فجئت فحملت طبقا من رطب فوضعته بين يديه و قلت: هذه هدية، فمد يده، و قال:

بسم اللّٰه كلوا فمد القوم جميعا أيديهم و أكلوا، فقلت في نفسي هذه أيضا علامة.

قال: فبينما أنا أدور خلفه إذ حانت من النبي ص التفاتة فقال:

يا روزبه تطلب خاتم النبوة فقلت: نعم، فكشف عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجوم (معجون- خ ل) بين كتفيه عليه شعرات، قال: فسقطت على قدم رسول اللّٰه ص أقبلها فقال لي: يا روزبه أدخل إلى هذه المرأة و قل لها يقول لك محمد بن عبد اللّٰه تبيعينا هذا الغلام فدخلت، فقلت لها: يا مولاتي إن محمد بن عبد اللّٰه يقول لك تبيعينا هذا الغلام فقالت: قل له لا أبيعك إلا بأربعمائة

نخلة مائتي نخلة منها صفراء و مائتي نخلة منها حمراء، قال: فجئت إلى النبي ص فأخبرته.

فقال: ما أهون ما سألت، ثم قال: قم يا علي فاجمع هذا النوى كله فجمعه و أخذه فغرسه، ثم قال: اسقه فسقاه أمير المؤمنين فما بلغ آخره حتى خرج النخل و لحق بعضه بعضا، فقال لي: ادخل إليها و قل لها يقول لك محمد بن

الوافي، ج 26، ص: 403

عبد اللّٰه: خذي شيئك و ادفعي إلينا شيئنا، قال: فدخلت عليها و قلت ذلك لها، فخرجت و نظرت إلى النخل، فقالت: و اللّٰه لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة كلها صفراء، قال: فهبط جبرئيل فمسح جناحه على النخل فصار كله أصفر، قال: ثم قال لي: قل لها: إن محمدا يقول لك: خذي شيئك و ادفعي إلينا شيئنا، فقلت لها ذلك، فقالت: و اللّٰه لنخلة من هذه أحب إلي من محمد و منك، فقلت لها: و اللّٰه ليوم واحد مع محمد أحب إلي منك و من كل شي ء أنت فيه، فأعتقني رسول اللّٰه ص فسماني سلمانا".

قال طاب ثراه: قال مصنف هذا الكتاب، كان اسم سلمان روزبه بن خشبوذان و ما سجد قط لمطلع الشمس و إنما كان يسجد لله عز و جل و كانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقية و كان أبواه يظنان أنه إنما يسجد لمطلع الشمس كهيئتهم، و كان سلمان وصي وصي عيسى ع في أداء ما حمل إلى ما انتهت إليه الوصية من المعصومين، و هو" أبي" ع و قد ذكر قوم أن" أبيا" هو أبو طالب و إنما اشتبه الأمر بهم (به- خ ل) لأن أمير المؤمنين ع سئل عن آخر أوصياء عيسى ع فقال" أبي" فصحفه الناس و

قالوا" أبي" و يقال له" بردة" أيضا.

الوافي، ج 26، ص: 405

باب قصة نسب عمر و العباس

[1]
اشارة

25484- 1 (الكافي- 8: 258 رقم 372) الحسين بن محمد، عن أحمد ابن هلال، عن زرعة، عن سماعة قال: تعرض رجل من ولد عمر بن الخطاب بجارية رجل عقيلي فقالت له: إن هذا العمري قد آذاني فقال لها: عديه و أدخليه الدهليز فأدخلته فشد عليه فقتله و ألقاه في الطريق، فاجتمع البكريون و العمريون و العثمانيون و قالوا: ما لصاحبنا كفو لن نقتل به إلا جعفر بن محمد و ما قتل صاحبنا غيره و كان أبو عبد اللّٰه ع قد مضى نحو قبا فلقيته بما اجتمع القوم عليه، فقال: دعهم، فلما جاء و رأوه وثبوا عليه و قالوا: ما قتل صاحبنا أحد غيرك و ما نقتل به

الوافي، ج 26، ص: 406

أحدا غيرك، فقال: ليكلمني منكم جماعة فاعتزل قوم منهم فأخذ بأيديهم فأدخلهم المسجد فخرجوا و هم يقولون: شيخنا أبو عبد اللّٰه جعفر بن محمد معاذ اللّٰه أن يكون مثله يفعل هذا و لا يأمر به فانصرفوا، قال: فمضيت معه فقلت: جعلت فداك ما كان أقرب رضاهم من سخطهم، قال" نعم دعوتهم فقلت: أمسكوا و إلا أخرجت الصحيفة" فقلت: و ما هذه الصحيفة جعلني اللّٰه فداك فقال" إن أم الخطاب كانت أمة للزبير بن عبد المطلب فشطر بها نفيل فأحبلها فطلبه الزبير فخرج هاربا إلى الطائف فخرج الزبير خلفه فبصرت به ثقيف فقالوا: يا با عبد اللّٰه ما تعمل هاهنا قال: جاريتي شطر بها نفيلكم فهرب منه إلى الشام و خرج الزبير في تجارة له إلى الشام فدخل على ملك الدومة فقال له: يا با عبد اللّٰه لي إليك حاجة، قال: و ما حاجتك أيها

الملك فقال:

رجل من أهلك قد أخذت ولده فأحب أن ترده عليه، فقال: ليظهر لي حتى أعرفه.

فلما أن كان من الغد دخل على الملك فلما رآه الملك ضحك، فقال: ما يضحكك أيها الملك قال: ما أظن هذا الرجل ولدته عربية لما رآك قد دخلت لم يملك استه أن جعل يضرط، فقال: أيها الملك إذا صرت إلى مكة قضيت حاجتك، فلما قدم الزبير تحمل عليه ببطون قريش كلها أن يدفع إليه ابنه فأبى، ثم تحمل عليه بعبد المطلب، فقال: ما بيني و بينه عمل، أ ما علمتم ما فعل في ابني فلان و لكن امضوا أنتم إليه فكلموه، فقصدوه و كلموه فقال لهم الزبير: إن الشيطان له دولة و إن ابن هذا ابن الشيطان و لست آمن أن يترأس علينا و لكن أدخلوه من باب المسجد علي على أن أحمي له حديدة و أخط في وجهه خطوطا و أكتب عليه و على ابنه أن

الوافي، ج 26، ص: 407

لا يتصدر في مجلس و لا يتأمر على أولادنا و لا يضرب معنا بسهم، قال:

ففعلوا و خط وجهه بالحديدة و كتب عليه الكتاب و ذلك الكتاب عندنا، فقلت لهم: إن أمسكتم و إلا أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم، فأمسكوا".

و توفي مولى لرسول اللّٰه ص لم يخلف وارثا فخاصم فيه ولد العباس أبا عبد اللّٰه ع و كان هشام بن عبد الملك قد حج في تلك السنة فجلس لهم، فقال داود بن علي: الولاء لنا، و قال أبو عبد اللّٰه ع" بل الولاء لي"، فقال داود بن علي: إن

الوافي، ج 26، ص: 408

أباك قاتل معاوية، فقال" إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظ أبيك فيه الأوفر، ثم فر بجنايته"، و قال"

و اللّٰه لأطوقنك غدا طوق الحمامة"، فقال له داود بن علي: كلامك هذا أهون علي من بعرة في وادي الأزرق، فقال" أما إنه واد ليس لك و لا لأبيك فيه حق".

قال: فقال هشام: إذا كان غدا جلست لكم فلما أن كان من الغد خرج أبو عبد اللّٰه ع و معه كتاب في كرباسة و جلس لهم هشام فوضع أبو عبد اللّٰه ع الكتاب بين يديه فلما أن قرأه قال: ادعوا إلي جندل الخزاعي و عكاشة الضمري و كانا شيخين قد أدركا الجاهلية فرمى بالكتاب إليهما فقال: تعرفان هذه الخطوط قالا: نعم هذا خط العاص بن أمية و هذا خط فلان و فلان لقوم من قريش و هذا خط حرب ابن أمية فقال هشام: يا با عبد اللّٰه أرى خطوط أجدادي عندكم فقال:

نعم، قال: فقد قضيت بالولاء لك، قال فخرج و هو يقول:

إن عادت العقرب عدنا لها و كانت النعل لها حاضرة

قال: فقلت: ما هذا الكتاب جعلت فداك قال" إن نثيلة كانت أمة لأم الزبير و لأبي طالب و عبد اللّٰه فأخذها عبد المطلب فأولدها فلانا فقال له الزبير: هذه الجارية ورثناها من أمنا و ابنك هذا عبد لنا فتحمل عليه ببطون قريش، قال: فقال له: قد أجبتك على خلة على أن لا يتصدر ابنك هذا في مجلس و لا يضرب معنا بسهم، فكتب عليه كتابا و أشهد عليه فهو هذا الكتاب".

الوافي، ج 26، ص: 409

بيان:

" فشطر بها" أي قصد بها هذا الرجل يعني به نفيلا،" تحمل عليه ببطون قريش" أي جعلهم عنده شفعاء لنفسه،" في ذلك عمل" أي معاملة ابني فلان كناية عن العباس كما يدل عليه آخر الحديث و إن ابن هذا

يعني به الخطاب المتولد من تلك الأمة ابن الشيطان لأنه ولد من الزنى،" و لا يضرب معنا بسهم" أي لا يشرك معنا في أموالنا بنصيب، و" المولى" المعتق،" الولاء لنا" يعني نحن نرثه لقرابتنا من الرسول فإنه كان عباسيا و كان العباس عم الرسول ص و علي ابن عمه و العم أقرب فأولاده أولى بالميراث من أولاد علي ع،" بل الولاء لي" يعني بل أنا وارثه و ذلك لأن ابن العم إذا كان للأب و الأم فهو أولى من العم للأب وحده،" إن أباك" يعني به أمير المؤمنين ع قاتل معاوية، و كان هذا ذنبا عظيما عند السلطان لأن معاوية كان منهم،" حظ أبيك فيه الأوفر" و ذلك لأن أباه عبد اللّٰه بن العباس كان مع أمير المؤمنين ع في قتال معاوية و كان يسعى فيه سعيا بليغا،" ثم فر" يعني أباه عبد اللّٰه،" و قال" يعني أبا عبد اللّٰه ع،" لأطوقنك" كناية عن الاسترقاق،" فأولدها فلانا" يعني به العباس و كأنه كان مأذونا من قبل مواليها أو كان للزوج و الأب يومئذ نوع من التسلط فإن ذلك كان قبل ورود هذه الشريعة المطهرة فلا تثريب على عبد المطلب في ذلك و هذا لا ينافي دعوى عبودية العباس من الزبير لأنه حديث آخر على أن من الفقهاء من كان يلحق

الوافي، ج 26، ص: 410

ولد الأمة إلى أمه في الملك.

الوافي، ج 26، ص: 411

باب النوادر

[1]

25485- 1 (الكافي- 8: 366 رقم 557) أحمد بن محمد بن أحمد، عن النهدي، عن محمد بن الوليد، عن أبان، عن الفضيل، عن أبي جعفر ع قال" قال رسول اللّٰه ص لجعفر ع حين قدم من الحبشة: أي شي ء أعجب ما

رأيت قال: رأيت حبشية مرت و على رأسها مكتل، فمر رجل فزحمها و طرحها و وقع المكتل عن رأسها، فجلست، ثم قالت: ويل لك من ديان يوم الدين إذا جلس على الكرسي و أخذ للمظلوم من الظالم، فتعجب رسول اللّٰه ص.

[2]

25486- 2 (الكافي- 8: 366 رقم 531) حميد، عن ابن سماعة، عن الميثمي، عن أبان، عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" كان على عهد رسول اللّٰه ص رجل يقال له" ذو النمرة" و كان من أقبح الناس، و إنما سمي ذا النمرة من قبحه، فأتى النبي ص

الوافي، ج 26، ص: 412

فقال: يا رسول اللّٰه أخبرني بما فرض اللّٰه علي، فقال له رسول اللّٰه ص: فرض اللّٰه عليك سبع عشرة ركعة في اليوم و الليلة، و صوم شهر رمضان إذا أدركته، و الحج إذا استطعت إليه سبيلا، و الزكاة و فسرها له، فقال: و الذي بعثك بالحق نبيا ما أزيد ربي على ما فرض علي شيئا، فقال له النبي ص: و لم يا ذا النمرة فقال: كما خلقني قبيحا، قال: فهبط جبرئيل ع على النبي ص فقال: يا رسول اللّٰه إن ربك يأمرك أن تبلغ ذا النمرة عنه السلام و تقول له: يقول لك ربك تعالى أ ما ترضى أن أحشرك على جمال جبرئيل ع يوم القيامة فقال له رسول اللّٰه ص:

يا ذا النمرة هذا جبرئيل يأمرني أن أبلغك السلام و يقول لك ربك: أ ما ترضى أن أحشرك على جمال جبرئيل فقال ذو النمرة: فإني قد رضيت يا رب فو عزتك لأزيدنك حتى ترضى".

[3]
اشارة

25487- 3 (الكافي- 8: 215 رقم 263) سهل، عن محمد بن الحسين، عن أبي داود المسترق، عن سفيان بن مصعب العبدي قال: دخلت على أبي عبد اللّٰه ع فقال" قولوا لأم فروة تجي ء فتسمع ما صنع بجدها" قال: فجاءت فقعدت خلف الستر ثم قال: أنشدنا قال: فقلت:

فرو جودي بدمعك المسكوب

قال: فصاحت و صحن النساء، فقال أبو عبد اللّٰه

ع" الباب الباب" فاجتمع أهل المدينة على الباب، قال: فبعث إليهم أبو عبد اللّٰه ع" صبي لنا غشي عليه فصحن النساء".

بيان

لعل الراوي كان شاعرا و كان ممن يرثي الحسين ع، فلما دخل على

الوافي، ج 26، ص: 413

أبي عبد اللّٰه ع أراد ع منه أن ينشد له مرثية جده صلوات اللّٰه عليه و أصحابه و أراد أن تسمع أم فروة أمه لتبكي فتنال ثواب البكاء، فطلب مجيئها و قعودها خلف الستر، فلما صاحت النساء سمع الناس الصياح من داره ع فاجتمعوا على الباب فلما أحس ع بذلك نادى أهل مجلسه الباب الباب يعني ألزموه ثم وري للناس لئلا يطعنوا فيه.

[4]
اشارة

25488- 4 (الكافي- 8: 221 رقم 278) العدة، عن سهل، عن محمد ابن عبد الحميد العطار، عن يونس بن يعقوب، عن عمر أخي عذافر قال: دفع إلي إنسان ستمائة درهم أو سبع مائة درهم لأبي عبد اللّٰه ع فكانت في جوالقي فلما انتهيت إلى الحفيرة شق جوالقي و ذهب بجميع ما فيه و وافقت عامل المدينة بها فقال: أنت الذي شقت زاملتك و ذهب بمتاعك فقلت: نعم فقال: إذا قدمنا المدينة فأتنا حتى أعوضك، قال: فلما انتهيت إلى المدينة دخلت على أبي عبد اللّٰه ع فقال" يا عمر شقت زاملتك و ذهب بمتاعك" فقلت: نعم، فقال" ما أعطاك اللّٰه خير مما أخذ منك، إن رسول اللّٰه ص ضلت ناقته، فقال الناس فيها: يخبرنا عن السماء و لا يخبرنا عن ناقته، فهبط عليه جبرئيل ع فقال: يا محمد ناقتك في وادي كذا و كذا ملفوف خطامها بشجرة كذا و كذا، قال: فصعد المنبر و حمد اللّٰه و أثنى عليه، و قال: أيها الناس أكثرتم علي في ناقتي، ألا و ما أعطاني اللّٰه خير مما أخذ مني، ألا و إن ناقتي في وادي كذا و كذا ملفوف

خطامها بشجرة كذا و كذا، فابتدرها الناس فوجدوها كما قال رسول اللّٰه ص قال: ثم قال: ائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك فإنما هو شي ء دعاك اللّٰه إليه لم تطلبه منه".

الوافي، ج 26، ص: 414

بيان:

" ما أعطاك اللّٰه" يعني به المعرفة و الهداية،" و ما أعطاني اللّٰه" يعني به النبوة.

آخر أبواب القصص، و الحمد لله أولا و آخرا.

الوافي، ج 26، ص: 417

أبواب القراءات و تفسير الآيات و الإخبار عما هو آت

الآيات:

قال اللّٰه تعالى فَإِذٰا قَرَأْنٰاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنٰا بَيٰانَهُ.

و قال سبحانه أَلٰا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ.

الوافي، ج 26، ص: 419

باب القراءات

[1]
اشارة

25489- 1 (الكافي- 8: 289 رقم 435) العدة، عن سهل، عن السراد، عن محمد بن سليمان الأزدي، عن أبي الجارود، عن أبي إسحاق، عن أمير المؤمنين صلوات اللّٰه عليه و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل بظلمه و سوء سيرته و اللّٰه لا يحب الفساد.

بيان

يشبه أن يكون أمثال هذه القراءات من قبيل التفسير بتعيين المراد أو التأويل بما يجوز أن يراد و بعضها يحتمل أن يكون لزيادة الثناء و التمجيد كزيادات آية الكرسي الآتية و هو من قبيل كذلك اللّٰه ربي في آخر سورة التوحيد و أمثاله مما مضى في كتاب الصلاة و على التقادير ليس شي ء منها داخلا في القرآن و لا محسوبا منه إلا ما كان من قبيل تبديل لفظ بآخر فإنه من الاختلاف في القراءة كالطواغيت في الحديث الآتي.

الوافي، ج 26، ص: 420

[2]

25490- 2 (الكافي- 8: 289 رقم 436) سهل، عن السراد، عن ابن رئاب، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر ع" و الذين كفروا أولياؤهم الطواغيت".

[3]

25491- 3 (الكافي- 8: 289 رقم 437) علي، عن أحمد، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سنان، عن أبي جرير القمي- و هو محمد بن عبيد اللّٰه و في نسخة عبد اللّٰه- عن أبي الحسن ع (له ما في السماوات و ما في الأرض و ما بينهما و ما تحت الثرى عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم- من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه).

[4]
اشارة

25492- 4 (الكافي- 8: 290 رقم 438) محمد بن خالد، عن حمزة، عن عبيد، عن إسماعيل بن عباد، عن أبي عبد اللّٰه ع" و لا يحيطون بشي ء من علمه إلا بما شاء- و آخرها- و هو العلي العظيم، و الحمد لله رب العالمين، و آيتين بعدها".

بيان

يعني إلى قوله: خالدون.

[5]

25493- 5 (الكافي- 8: 290 رقم 439) محمد، عن ابن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي بكر بن محمد، قال: سمعت

الوافي، ج 26، ص: 421

أبا عبد اللّٰه ع يقرأ" و زلزلوا- ثم زلزلوا- حتى يقول الرسول".

[6]

25494- 6 (الكافي- 8: 290 رقم 440) علي، عن أبيه، عن ابن أسباط، عن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع" و اتبعوا ما تتلوا الشياطين- بولاية الشياطين- على ملك سليمان" و يقرأ أيضا" سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة- فمنهم من آمن و منهم من جحد و منهم من أقر و منهم من بدل- و من يبدل نعمة اللّٰه من بعد ما جاءته فإن اللّٰه شديد العقاب".

[7]
اشارة

25495- 7 (الكافي- 8: 184 رقم 212) الثلاثة، عن ابن أذينة، عن العجلي قال: تلا أبو جعفر ع" أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فإن خفتم تنازعا في الأمر فارجعوه إلى اللّٰه و إلى الرسول و إلى أولي الأمر منكم" ثم قال" فكيف يأمر بطاعتهم و يرخص في منازعتهم إنما قال ذلك للمأمورين الذين قيل لهم: أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ".

بيان

قد مضى هذا الحديث في باب أنهم أهل الأمانات من كتاب الحجة إلا أنه قال: فردوه مكان فارجعوه و زاد بعد تمام الآية كذا نزلت.

الوافي، ج 26، ص: 422

[8]
اشارة

25496- 8 (الكافي- 8: 205 رقم 247) الثلاثة، عن حماد بن عثمان قال: تلوت عند أبي عبد اللّٰه ع: ذوا عدل منكم قال" ذو عدل منكم، هذا مما أخطأت فيه الكتاب".

بيان

لعل المراد أنه أريد بذي العدل في الآية الإمام المعصوم، و قد مضى في كتاب الحج.

[9]

25497- 9 (الكافي- 8: 205 رقم 248) العدة، عن سهل، عن البزنطي، عن رجل، عن أبي جعفر ع لا تسألوا عن أشياء- لم تبد لكم- إن تبد لكم تسؤكم.

[10]

25498- 10 (الكافي- 8: 205 رقم 249) علي، عن البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن محمد بن مروان قال: تلا أبو عبد اللّٰه ع" و تمت كلمة ربك- الحسنى- صدقا و عدلا" فقلت: جعلت فداك إنما نقرؤها و تمت كلمة ربك صدقا و عدلا، فقال" إن فيها الحسنى".

[11]

25499- 11 (الكافي- 8: 377 رقم 569) محمد، عن أحمد، عن علي ابن الحكم، عن علي، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ع قال:

الوافي، ج 26، ص: 423

تلوت: التائبون العابدون، فقال" لا، اقرأ: التائبين العابدين" إلى آخرها، فسئل عن العلة في ذلك، فقال" اشترى من المؤمنين التائبين العابدين".

[12]

25500- 12 (الكافي- 8: 378 رقم 570) العدة، عن سهل، عن يحيى بن المبارك، عن ابن جبلة، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: هكذا أنزل اللّٰه تعالى" لقد جاءنا رسول من أنفسنا عزيز عليه ما عنتنا حريص علينا بالمؤمنين رءوف رحيم".

[13]

25501- 13 (الكافي- 8: 378 رقم 571) محمد، عن أحمد، عن ابن فضال، عن الرضا ع" فأنزل اللّٰه سكينته- على رسوله- و أيده بجنود لم تروها"، قلت: هكذا قال" هكذا نقرؤها و هكذا تنزيلها".

[14]

25502- 14 (الكافي- 8: 183 رقم 208) علي، عن البرقي، عن أبيه، عن أبي عبد اللّٰه ع في قوله تعالى وَ كُنْتُمْ عَلىٰ شَفٰا حُفْرَةٍ مِنَ النّٰارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهٰا، بمحمد" هكذا و اللّٰه نزل بها جبرئيل على محمد ص".

الوافي، ج 26، ص: 424

[15]
اشارة

25503- 15 (الكافي- 8: 183 رقم 209) عنه، عن أبيه، عن عمر ابن عبد العزيز، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد اللّٰه ع" لَنْ تَنٰالُوا الْبِرَّ حَتّٰى تُنْفِقُوا ما تحبون، هكذا فاقرأها".

بيان

قد مضت أمثال هذه القراءات في كتاب الحجة متفرقة و مجتمعة مع تأويلها و أن المراد بها أنها هكذا في المعنى و الإرادة دون اللفظ و القراءة و مضى تحقيق ذلك في كتاب الصلاة.

الوافي، ج 26، ص: 425

باب تفسير الآيات

[1]

25504- 1 (الكافي- 8: 266 رقم 387) أحمد بن محمد الكوفي، عن علي بن الحسن بن علي، عن التميمي، عن هارون، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: قال لي" كتموا بسم اللّٰه الرحمن الرحيم فنعم و اللّٰه الأسماء كتموها، كان رسول اللّٰه ص إذا دخل إلى منزله و اجتمعت عليه قريش يجهر ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم و يرفع بها صوته فتولى قريش فرارا فأنزل اللّٰه تعالى في ذلك وَ إِذٰا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلىٰ أَدْبٰارِهِمْ نُفُوراً".

[2]

25505- 2 (الكافي- 8: 304 رقم 472) الثلاثة، عن إبراهيم صاحب الشعيري، عن كثير بن كلثمة، عن أحدهما عليهما السلام في قول اللّٰه عز و جل فَتَلَقّٰى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمٰاتٍ قال" لا إله إلا أنت سبحانك اللهم

الوافي، ج 26، ص: 426

و بحمدك عملت سوءا و ظلمت نفسي فاغفر لي و أنت خير الغافرين لا إله إلا أنت سبحانك اللهم و بحمدك عملت سوءا و ظلمت نفسي فاغفر لي و ارحمني و أنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم و بحمدك عملت سوءا و ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم".

[3]

25506- 3 (الكافي- 8: 305 ذيل رقم 472) و في رواية أخرى في قوله تعالى فَتَلَقّٰى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمٰاتٍ قال" سأله بحق محمد و علي و الحسن و الحسين و فاطمة ع".

[4]
اشارة

25507- 4 (الكافي- 8: 308 رقم 481) محمد، عن ابن عيسى، عن الحسين، عن النضر، عن زرعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: في قول اللّٰه تعالى وَ كٰانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فقال" كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد ص ما بين عير و أحد فخرجوا يطلبون الموضع فمروا بجبل يسمى حداد فقالوا: حداد و أحد سواء فتفرقوا عنده فنزل بعضهم بتيماء و بعضهم بفدك و بعضهم بخيبر، فاشتاق الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا منه و قال لهم: أمر بكم ما بين عير و أحد، فقالوا له: إذا مررت بهما فأذنا بهما، فلما توسط بهم أرض المدينة، قال لهم: ذاك عير و هذا أحد فنزلوا عن ظهر إبله، و قالوا: قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة لنا في إبلك فاذهب حيث شئت و كتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك و خيبر: أنا قد أصبنا الموضع فهلموا إلينا، فكتبوا إليهم: أنا قد استقرت بنا الدار و اتخذنا الأموال و ما أقربنا منكم، فإذا كان ذلك فما أسرعنا

الوافي، ج 26، ص: 427

إليكم فاتخذوا بأرض المدينة الأموال فلما كثرت أموالهم بلغ تبع فغزاهم فتحصنوا منه فحاصروهم و كانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبع فيلقون إليهم بالليل التمر و الشعير فبلغ ذلك تبع فرق لهم و آمنهم فنزلوا إليه فقال لهم: إني قد استطبت بلادكم و لا أراني إلا مقيما فيكم، فقالوا له: إنه ليس

ذاك لك، إنها مهاجر نبي و ليس ذاك لأحد حتى يكون ذلك، فقال لهم:

فإنني مخلف فيكم من أسرتي من إذا كان ذلك ساعده و نصره فخلف حيين الأوس و الخزرج فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود و كانت اليهود تقول لهم: أما لو قد بعث فيكم محمد ص ليخرجنكم من ديارنا و أموالنا، فلما بعث اللّٰه تعالى محمدا ص آمنت به الأنصار و كفرت به اليهود و هو قول اللّٰه تعالى وَ كٰانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ مٰا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّٰهِ عَلَى الْكٰافِرِينَ".

بيان

" تيماء" بتقديم المثناة الفوقانية على التحتانية الفلاة و اسم موضع،" فأذنا" من الإيذان بمعنى الإشعار و الإعلام.

[5]

25508- 5 (الكافي- 8: 310 رقم 482) علي، عن أبيه، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه تعالى وَ كٰانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ مٰا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ قال" كان قوم فيما بين محمد و عيسى صلى اللّٰه عليهما و كانوا يتوعدون أهل الأصنام بالنبي ص

الوافي، ج 26، ص: 428

و يقولون: ليخرجن نبي فليكسرن أصنامكم و ليفعلن بكم و يفعلن، فلما خرج رسول اللّٰه ص كفروا به".

[6]

25509- 6 (الكافي- 8: 316 رقم 498) محمد، عن أحمد، عن محمد بن خالد و الحسين، عن النضر، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ع في قول اللّٰه تعالى إِنَّ اللّٰهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طٰالُوتَ مَلِكاً قٰالُوا أَنّٰى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنٰا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ قال" لم يكن من سبط النبوة و لا من سبط المملكة قال إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ و قال إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّٰابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمّٰا تَرَكَ آلُ مُوسىٰ وَ آلُ هٰارُونَ فجاءت به الملائكة تحمله و قال اللّٰه تعالى إِنَّ اللّٰهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي فشربوا منه إلا ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، فمنهم من اغترف و منهم من لم يشرب، فلما برزوا قال الذين اغترفوا لٰا طٰاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجٰالُوتَ وَ جُنُودِهِ و قال الذين لم يغترفوا كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ مَعَ الصّٰابِرِينَ".

[7]

25510- 7 (الكافي- 8: 317 رقم 499) عنه، عن أحمد، عن الحسين، عن فضالة، عن يحيى الحلبي، عن عبد اللّٰه بن سليمان، عن أبي جعفر ع أنه قرأ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّٰابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ

الوافي، ج 26، ص: 429

وَ بَقِيَّةٌ مِمّٰا تَرَكَ آلُ مُوسىٰ وَ آلُ هٰارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلٰائِكَةُ قال: كانت تحمله في سورة البقرة.

[8]
اشارة

25511- 8 (الكافي- 8: 317 رقم 500) الأربعة، عمن أخبره، عن أبي جعفر ع في قول اللّٰه تعالى أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّٰابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمّٰا تَرَكَ آلُ مُوسىٰ وَ آلُ هٰارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلٰائِكَةُ قال" رضراض الألواح فيها العلم و الحكمة".

بيان

" رضراض الألواح" مكسوراتها و كل شي ء كسرته فقد رضرضته.

[9]
اشارة

25512- 9 (الكافي- 8: 198 رقم 237) العدة، عن سهل، عن السراد، عن عمر بن يزيد و غيره، عن بعضهم، عن أبي عبد اللّٰه ع و بعضهم عن أبي جعفر ع في قول اللّٰه تعالى أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقٰالَ لَهُمُ اللّٰهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيٰاهُمْ فقال" إن هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام و كانوا سبعين ألف بيت و كان الطاعون يقع فيهم في كل أوان، فكانوا إذا أحسوا به خرج من المدينة الأغنياء لقوتهم و بقي فيها الفقراء لضعفهم، فكان الموت يكثر في الذين أقاموا و يقل في الذين خرجوا، فيقول الذين خرجوا لو كنا أقمنا لكثر فينا الموت، و يقول الذين أقاموا لو كنا خرجنا لقل فينا الموت، قال:

فاجتمع رأيهم جميعا أنه إذا وقع الطاعون فيهم و أحسوا به خرجوا كلهم

الوافي، ج 26، ص: 430

من المدينة، فلما أحسوا بالطاعون خرجوا جميعا و تنحوا عن الطاعون حذر الموت فساروا في البلاد ما شاء اللّٰه.

ثم إنهم مروا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها و أفناهم الطاعون فنزلوا بها، فلما حطوا رحالهم و اطمأنوا بها قال اللّٰه تعالى لهم: موتوا جميعا فماتوا من ساعتهم و صاروا رميما تلوح و كانوا على طريق المارة فكنستهم المارة فنحوهم و جمعوهم في موضع فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له حزقيل، فلما رأى تلك العظام بكى و استعبر و قال: يا رب لو شئت لأحييتهم الساعة كما أمتهم فعمروا بلادك و ولدوا عبادك و عبدوك مع من يعبدك من خلقك، فأوحى اللّٰه إليه: أ فتحب ذلك قال: نعم

يا رب فأحيهم، قال: فأوحى اللّٰه تعالى إليه أن قل كذا و كذا، فقال الذي أمره اللّٰه تعالى أن يقوله".

فقال أبو عبد اللّٰه ع" و هو الاسم الأعظم، فلما قال حزقيل ذلك الكلام نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض فعادوا أحياء ينظر بعضهم إلى بعض يسبحون اللّٰه تعالى و يكبرونه و يهللونه، فقال حزقيل عند ذلك: أشهد أن اللّٰه على كل شي ء قدير".

قال عمر بن يزيد: فقال أبو عبد اللّٰه ع" فيهم نزلت هذه الآية".

بيان

" حزقيل" بالحاء المهملة و الزاي على وزن زنبيل و سيجي ء على وزن زبرج.

[10]

25513- 10 (الكافي- 8: 200 رقم 241) محمد، عن أحمد، عن الحسين، عن النضر، عن محمد بن أبي حمزة، عن يعقوب بن شعيب، عن عمران بن ميثم، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" قرأ رجل على أمير

الوافي، ج 26، ص: 431

المؤمنين ع فإنهم لا يكذبونك و لكن الظالمين بآيات اللّٰه يجحدون فقال: بلى و اللّٰه لقد كذبوه أشد التكذيب و لكنها مخففة" لا يكذبونك" لا يأتون بباطل يكذبون به حقك".

[11]

25514- 11 (الكافي- 8: 199 رقم 239) محمد، عن ابن عيسى، عن الحسين، عن محمد بن الحصين، عن خالد بن يزيد القمي، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه تعالى وَ حَسِبُوا أَلّٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال" حيث كان النبي ص بين أظهرهم فعموا و صموا حيث قبض رسول اللّٰه ص ثُمَّ تٰابَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ حيث قام أمير المؤمنين ع قال ثُمَّ عَمُوا وَ صَمُّوا إلى الساعة".

[12]

25515- 12 (الكافي- 8: 200 رقم 240) العدة، عن سهل، عن السراد، عن ابن رئاب، عن الحذاء، عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه تعالى لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ عَلىٰ لِسٰانِ دٰاوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قال" الخنازير على لسان داود و القردة على لسان عيسى بن مريم عليهما السلام".

[13]

25516- 13 (الكافي- 8: 200 رقم 242) القميان، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن

الوافي، ج 26، ص: 432

قول اللّٰه تعالى وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرىٰ عَلَى اللّٰهِ كَذِباً أَوْ قٰالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ ءٌ قال" نزلت في ابن أبي سرح الذي كان عثمان استعمله على مصر و هو ممن كان رسول اللّٰه ص يوم فتح مكة هدر دمه و كان يكتب لرسول اللّٰه ص فإذا أنزل اللّٰه إن اللّٰه عزيز حكيم كتب: فإن اللّٰه عليم حكيم فيقول له رسول اللّٰه ص: دعها فإن اللّٰه عليم حكيم، و كان ابن أبي سرح يقول للمنافقين: إني لأقول من نفسي مثل ما يجي ء به فما يغير علي فأنزل اللّٰه تعالى فيه الذي أنزل".

[14]
اشارة

25517- 14 (الكافي- 8: 201 رقم 243) الثلاثة، عن ابن أذينة، عن محمد، قال: قلت لأبي جعفر ع: قول اللّٰه تعالى ذكره وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ فقال" لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إن رسول اللّٰه ص رخص لهم لحاجته و حاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم و لكنهم يقتلون حتى يوحد اللّٰه تعالى و حتى لا يكون شرك".

بيان

" رخص لهم" يعني في بقائهم على الشرك.

الوافي، ج 26، ص: 433

[15]

25518- 15 (الكافي- 8: 202 رقم 244) الثلاثة، عن ابن عمار، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: سمعته يقول في هذه الآية يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرىٰ إِنْ يَعْلَمِ اللّٰهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّٰا أُخِذَ مِنْكُمْ قال" نزلت في العباس و عقيل و نوفل" و قال" إن رسول اللّٰه ص نهى يوم بدر أن يقتل أحد من بني هاشم و أبو البختري فأسروا فأرسل عليا ع فقال: انظر من هاهنا من بني هاشم، قال: فمر علي ع على عقيل بن أبي طالب فحاد عنه، فقال له عقيل: يا بن أم علي أما و اللّٰه لقد رأيت مكاني.

قال: فرجع إلى رسول اللّٰه ص و قال: هذا أبو الفضل في يد فلان و هذا عقيل في يد فلان و هذا نوفل بن حارث في يد فلان، فقام رسول اللّٰه ص حتى انتهى إلى عقيل فقال له:

أبا يزيد قتل أبو جهل، فقال: إذا لا تنازعون في تهامة، فقال: إن كنتم أثخنتم القوم و إلا فاركبوا أكتافهم، قال: فجي ء بالعباس فقيل له: افد نفسك و افد ابني أخيك، فقال: يا محمد تتركني أسأل قريشا في كفي، فقال: أعط ما خلفت عند أم الفضل و قلت لها: إن أصابني في وجهي هذا شي ء فأنفقيه على ولدك و نفسك، فقال له: يا بن أخي من أخبرك بهذا فقال: أتاني به جبرئيل ع من عند اللّٰه تعالى، فقال و محلوفه: ما علم بهذا أحد إلا أنا و هي، أشهد أنك رسول اللّٰه.

قال: فرجع الأسرى كلهم مشركين إلا العباس و عقيل و نوفل و فيهم

نزلت هذه الآية قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرىٰ إِنْ يَعْلَمِ اللّٰهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً إلى آخر الآية".

الوافي، ج 26، ص: 434

[16]

25519- 16 (الكافي- 8: 327 رقم 504) علي، عن أبيه، عن البزنطي، عن أبان، عن البقباق، عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه تعالى أَوْ جٰاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقٰاتِلُوكُمْ أَوْ يُقٰاتِلُوا قَوْمَهُمْ قال" نزلت في بني مدلج لأنهم جاءوا إلى رسول اللّٰه ص فقالوا: إنا قد حصرت صدورنا أن نشهد أنك رسول اللّٰه ص فلسنا معك و لا مع قومنا عليك" قال: قلت: فكيف صنع بهم رسول اللّٰه ص قال" وادعهم إلى أن يفرغ من العرب ثم يدعوهم فإن أجابوا و إلا قاتلهم".

[17]

25520- 17 (الكافي- 8: 364 رقم 554) علي، عن أبيه، عن حماد، عن اليماني، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه تعالى وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ فقال" هو رسول اللّٰه ص".

[18]

25521- 18 (الكافي- 8: 379 رقم 573) الثلاثة، عن عبد اللّٰه بن سنان، قال: سئل أبو عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه تعالى وَ لَوْ شٰاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّٰاسَ أُمَّةً وٰاحِدَةً وَ لٰا يَزٰالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلّٰا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ فقال" كانوا أمة واحدة فبعث اللّٰه النبيين ليتخذ عليهم الحجة".

الوافي، ج 26، ص: 435

[19]
اشارة

25522- 19 (الكافي- 8: 82 رقم 40) حميد، عن ابن سماعة، عن أحمد بن عديس، عن أبان، عن شعيب أنه سأل أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه عز و جل مٰا كٰانَ النّٰاسُ إِلّٰا أُمَّةً وٰاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا فقال" كان قبل نوح أمة ضلال فبدا لله فبعث المرسلين و ليس كما يقولون لم يزل و كذبوا، بفرق في ليلة القدر و ما كان من شدة أو رخاء أو مطر بقدر ما يشاء تعالى أن يقدر إلى مثلها من قابل".

بيان

لعل المراد بقولهم لم يزل إن الأمر كان لم يزل على وتيرة واحدة لم يختلف باختلاف الأزمنة و مر الدهور و كذلك يكون فيما لا يزال لا يختلف.

[20]

25523- 20 (الكافي- 8: 144 رقم 115) السراد، عن جميل بن صالح، عن سدير، عن أبي جعفر ع قال" أخبرني جابر بن عبد اللّٰه أن المشركين كانوا إذا مروا برسول اللّٰه ص حول البيت طأطأ أحدهم ظهره و رأسه هكذا و غطى رأسه بثوبه حتى لا يراه رسول اللّٰه ص فأنزل اللّٰه تعالى أَلٰا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلٰا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيٰابَهُمْ يَعْلَمُ مٰا يُسِرُّونَ وَ مٰا يُعْلِنُونَ.

[21]

25524- 21 (الكافي- 8: 158 رقم 151) سهل، عن عمرو بن

الوافي، ج 26، ص: 436

عثمان، عن ابن المغيرة، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّٰه ع في قوله تعالى فَلَمّٰا نَسُوا مٰا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ قال" كانوا ثلاثة أصناف: صنف ائتمروا و أمروا فنجوا، و صنف ائتمروا و لم يأمروا فمسخوا ذرا، و صنف لم يأتمروا و لم يأمروا فهلكوا".

[22]

25525- 22 (الكافي- 8: 199 رقم 238) السراد، عن حنان بن سدير، عن أبي جعفر ع قال: قلت له: أخبرني عن قول يعقوب ع لبنيه اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ أ كان يعلم أنه حي و قد فارقه منذ عشرين سنة قال" نعم" قال: قلت: كيف علم قال" إنه دعا في السحر و سأل اللّٰه عز و جل أن يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه بريال و هو ملك الموت، فقال له بريال: ما حاجتك يا يعقوب قال له: أخبرني عن الأرواح تقبضها مجتمعة أو متفرقة قال:

بل أقبضها متفرقة روحا روحا، قال: فأخبرني هل مر بك روح يوسف فيما مر بك فقال: لا، فعلم يعقوب أنه حي فعند ذلك قال لولده اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ".

[23]

25526- 23 (الكافي- 8: 223 رقم 281) سهل، عن محمد بن عبد الحميد، عن يونس، عن عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه تعالى فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ قال" فتنة في دينه أو جراحة لا يأجره اللّٰه عليها".

الوافي، ج 26، ص: 437

[24]

25527- 24 (الكافي- 8: 229 رقم 294) وهيب، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: سألته عن قول اللّٰه تعالى وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ مٰا آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قال" هي إشفاقهم و رجاؤهم يخافون أن يرد عليهم أعمالهم إن لم يطيعوا اللّٰه تعالى و يرجون أن يقبل منهم".

[25]
اشارة

25528- 25 (الكافي- 8: 248 رقم 349) محمد، عن ابن عيسى، عن محمد بن خالد و الحسين جميعا، عن النضر، عن الحلبي، عن ابن مسكان، عن زيد بن الوليد الخثعمي، عن أبي الربيع الشامي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذٰا دَعٰاكُمْ لِمٰا يُحْيِيكُمْ قال" نزلت في ولاية علي ع" قال: و سألته عن قول اللّٰه عز و جل وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّٰا يَعْلَمُهٰا وَ لٰا حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ الْأَرْضِ وَ لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ قال: فقال" الورقة السقط و الحبة الولد و ظلمات الأرض الأرحام و الرطب ما يحيا من الناس و اليابس ما يقبض و كل ذلك في إمام مبين".

قال: و سألته عن قول اللّٰه تعالى قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كٰانَ عٰاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ فقال" عنى بذلك أي انظروا في القرآن و اعلموا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم و ما أخبركم عنه" قال: فقلت

الوافي، ج 26، ص: 438

فقوله تعالى وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلٰا تَعْقِلُونَ قال" تمرون عليهم في القرآن، إذا قرأتم القرآن، فقرأ ما قص اللّٰه عليكم من خبرهم".

بيان

" في إمام مبين" يعني في اللوح المحفوظ، و هذا كقوله سبحانه وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ و هو تفسير للكتاب المبين و لعله إنما سمي بالإمام لتقدمه على سائر الكتب و إنما فسر السير في الأرض بالنظر في القرآن لمشاركتهما في كونهما طريقا إلى معرفة أحوالهم" وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ" أي حين دخولكم في الصباح نزلت في قوم لوط يعني إنكم يا

أهل مكة لتمرون على منازلهم في متاجركم إلى الشام فإن سدوم التي هي بلدتهم في طريقه.

[26]

25529- 26 (الكافي- 8: 252 رقم 354) محمد، عن ابن عيسى، عن محمد بن خالد و الحسين جميعا، عن النضر، عن يحيى بن عمران، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه تعالى وَ آتَيْنٰاهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قلت: ولده كيف أوتي مثلهم معهم قال" أحيا له من ولده الذين كانوا ماتوا قبل ذلك بآجالهم مثل الذين هلكوا يومئذ".

[27]

25530- 27 (الكافي- 8: 252 رقم 355) يحيى الحلبي، عن المثنى،

الوافي، ج 26، ص: 439

عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع في قوله تعالى كَأَنَّمٰا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً قال" أ ما ترى البيت إذا كان الليل كان أشد سوادا من الخارج فكذلك هم يزدادون سوادا".

[28]

25531- 28 (الكافي- 8: 267 رقم 390) محمد بن أحمد بن الصلت، عن عبد اللّٰه بن الصلت، عن يونس، عن المفضل بن صالح، عن محمد الحلبي، أنه سأل أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه تعالى اعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا قال" العدل بعد الجور".

[29]

25532- 29 (الكافي- 8: 166 رقم 181) علي، عن أبيه و العدة، عن سهل، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن الطيار، عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه عز و جل سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي الْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ قال" خسف و مسخ و قذف" قال: قلت حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ قال" دع ذا ذاك قيام القائم".

[30]

25533- 30 (الكافي- 8: 381 رقم 575) القميان، عن الوشاء، عن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: سألته عن قول اللّٰه تعالى سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي الْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ قال" يريهم في أنفسهم المسخ و يريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم

الوافي، ج 26، ص: 440

فيرون قدرة اللّٰه عز و جل في أنفسهم و في الآفاق قلت له: حتى يتبين لهم أنه الحق، قال" خروج القائم هو الحق من عند اللّٰه عز و جل، يراه الخلق لا بد منه".

[31]

25534- 31 (الكافي- 8: 287 رقم 432) علي بن محمد، عن علي ابن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر ع في قوله تعالى قُلْ مٰا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. إِنْ هُوَ إِلّٰا ذِكْرٌ لِلْعٰالَمِينَ.

قال" هو أمير المؤمنين ع" وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ قال" عند خروج القائم".

و في قوله تعالى وَ لَقَدْ آتَيْنٰا مُوسَى الْكِتٰابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ قال" اختلفوا كما اختلفت هذه الأمة في الكتاب و سيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى تنكره ناس كثير فيقدمهم فيضرب أعناقهم".

و أما قوله تعالى وَ لَوْ لٰا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّ الظّٰالِمِينَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ قال" لو لا ما تقدم فيهم من اللّٰه تعالى ذكره ما أبقى القائم منهم واحدا".

و في قوله تعالى وَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ قال" بخروج القائم"

الوافي، ج 26، ص: 441

و قوله تعالى وَ اللّٰهِ رَبِّنٰا مٰا كُنّٰا مُشْرِكِينَ قال" يعنون بولاية علي ع" و في قوله تعالى وَ قُلْ جٰاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْبٰاطِلُ قال"

إذا قام القائم ع ذهبت دولة الباطل".

[32]

25535- 32 (الكافي- 8: 269 رقم 397) محمد، عن أحمد و العدة، عن سهل جميعا، عن السراد، عن جميل بن صالح، عن الحذاء قال: سألت أبا جعفر ع عن قول اللّٰه تعالى الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ قال: فقال" يا با عبيدة إن لهذا تأويلا لا يعلمه إلا اللّٰه و الراسخون في العلم من آل محمد ص، إن رسول اللّٰه ص لما هاجر إلى المدينة و ظهر الإسلام كتب إلى ملك الروم كتابا و بعث به مع رسول يدعوه إلى الإسلام و كتب إلى ملك فارس كتابا يدعوه إلى الإسلام و بعثه إليه مع رسوله، فأما ملك الروم فعظم كتاب رسول اللّٰه و أكرم رسوله، و أما ملك فارس فإنه استخف بكتاب رسول اللّٰه ص و مزقه و استخف برسوله.

و كان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم و كان المسلمون يهوون أن يغلب ملك الروم ملك فارس و كانوا لناحيته أرجا منهم لملك فارس، فلما غلب ملك فارس ملك الروم كره ذلك المسلمون و اغتموا به فأنزل اللّٰه تعالى بذلك كتابا [قرآنا] الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ يعني غلبتها فارس في أدنى الأرض: و هي الشامات و ما حولها، و هم:

يعني و فارس من بعد غلبهم: الروم، سيغلبون: يعني يغلبهم المسلمون

الوافي، ج 26، ص: 442

فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّٰهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ.

بِنَصْرِ اللّٰهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشٰاءُ تعالى فلما غزا المسلمون و افتتحوا فرح المسلمون بنصر اللّٰه تعالى".

قال: قلت: أ ليس اللّٰه تعالى يقول فِي بِضْعِ سِنِينَ و قد مضى للمؤمنين سنون كثيرة مع رسول اللّٰه ص و في إمارة أبي

بكر و إنما غلب المؤمنون فارس في إمارة عمر فقال: أ لم أقل لك إن لهذا تأويلا و تفسيرا و القرآن- يا با عبيدة- ناسخ و منسوخ، أ ما تسمع لقول اللّٰه تعالى لِلّٰهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ يعني إليه المشيئة في القول أن يؤخر ما قدم و يقدم ما أخر في القول إلى يوم تحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين فذلك قوله تعالى وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللّٰهِ أي يوم تحتم القضاء بالنصر".

[33]
اشارة

25536- 33 (الكافي- 8: 311 رقم 485) العدة، عن البرقي، عن أبيه، عن ابن سنان، عن الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر ع فقال" يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة" فقال: هكذا يزعمون، فقال أبو جعفر ع" بلغني أنك تفسر القرآن" قال له قتادة: نعم، فقال له أبو جعفر ع بعلم تفسره أم بجهل" قال:

لا، بل بعلم، فقال له أبو جعفر ع" فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت و أنا أسألك" قال قتادة: سل، قال" أخبرني عن قول اللّٰه تعالى في سبإ وَ قَدَّرْنٰا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهٰا لَيٰالِيَ وَ أَيّٰاماً آمِنِينَ فقال قتادة

الوافي، ج 26، ص: 443

ذلك من خرج من بيته بزاد [حلال] و راحلة و كراء حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتى يرجع إلى أهله.

فقال أبو جعفر ع" نشدتك بالله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال و راحلة و كراء حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته و يضرب مع ذلك ضربة فيها احتياجه" قال قتادة: اللهم نعم، فقال أبو جعفر ع" ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك

فقد هلكت و أهلكت و إن كنت أخذته من الرجال فقد هلكت و أهلكت، ويحك يا قتادة ذلك من خرج من بيته بزاد حلال و راحلة و كراء حلال يؤم هذا البيت عارفا بحقنا يهوانا قلبه كما قال الهّٰ تعالى فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّٰاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ و لم يعن البيت فيقول إليه، فنحن و اللّٰه دعوة إبراهيم ع التي من هوانا قلبه قبلت حجته و إلا فلا، يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنم يوم القيامة" قال قتادة: لا جرم و اللّٰه لا فسرتها إلا هكذا، فقال أبو جعفر ع" ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به".

بيان

هكذا وجد هذا الحديث في نسخ الكافي و يشبه أن يكون قد سقط منه شي ء و ذلك لأن ما ذكره قتادة لا تعلق له بقوله تعالى سِيرُوا فِيهٰا لَيٰالِيَ وَ أَيّٰاماً آمِنِينَ و إنما يتعلق بقوله وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً و كذلك ما قاله الإمام ع

الوافي، ج 26، ص: 444

و فيما ورد عن الصادق ع من سؤال تفسير الآيتين عن أبي حنيفة دلالة أيضا على ما ذكرناه من السقوط و هو

ما رواه في علل الشرائع بإسناده عنه ع أنه قال لأبي حنيفة: أنت فقيه أهل العراق فقال:

نعم، قال: فبم تفتيهم قال: فبكتاب اللّٰه و سنة نبيه، قال: يا أبا حنيفة تعرف كتاب اللّٰه حق معرفته و تعرف الناسخ من المنسوخ فقال: نعم، فقال: يا أبا حنيفة لقد ادعيت علما، ويلك ما جعل اللّٰه ذلك إلا عند أهل الكتاب الذي أنزله عليهم، ويلك و لا هو إلا عند الحاضر من ذرية نبينا و ما أراك تعرف من كتابه حرفا، فإن كنت

كما تقول و لست كما تقول فأخبرني عن قول اللّٰه تعالى سِيرُوا فِيهٰا لَيٰالِيَ وَ أَيّٰاماً آمِنِينَ أين ذلك من الأرض قال: أحسبه ما بين مكة

الوافي، ج 26، ص: 445

و المدينة، فالتفت أبو عبد اللّٰه ع إلى أصحابه فقال: أ تعلمون أن الناس يقطع عليهم ما بين المدينة و مكة فيؤخذ أموالهم و لا يأمنون على أنفسهم و يقتلون قالوا: نعم، فسكت أبو حنيفة فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن قول اللّٰه تعالى وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً أين ذلك من الأرض قال: الكعبة، قال: أ فتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها فسكت .. الحديث.

[34]
اشارة

25537- 34 (الكافي- 8: 395 رقم 596) محمد، عن أحمد، عن السراد، عن جميل بن صالح، عن سدير قال: سأل رجل أبا جعفر ع عن قول اللّٰه تعالى فَقٰالُوا رَبَّنٰا بٰاعِدْ بَيْنَ أَسْفٰارِنٰا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فقال" هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض، و أنهار جارية، و أموال ظاهرة، فكفروا بأنعم اللّٰه و غيروا ما بأنفسهم فأرسل اللّٰه عليهم سيل العرم فغرق قراهم، و أخرب ديارهم، و أذهب بأموالهم، و أبدلهم مكان جناتهم جَنَّتَيْنِ ذَوٰاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْ ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ثم قال اللّٰه تعالى ذٰلِكَ جَزَيْنٰاهُمْ بِمٰا كَفَرُوا وَ هَلْ نُجٰازِي إِلَّا الْكَفُورَ".

الوافي، ج 26، ص: 446

بيان:

" العرم" الجرز أضيف إليه السيل لأنه نقب عليهم سدا حقن به الماء فسال، و قد فسر بمعان أخر، و قد مضى منا الكلام فيه، و" الخمط" شجر الأراك، و قيل كل شجر ذي شوك، و قيل نبت مر، و" الأثل" نوع من الطرفاء لا يكون عليه ثمرة إلا نادرا كالعفص و لكنه أصغر، و" السدر" معروف.

[35]

25538- 35 (الكافي- 8: 178 رقم 199) علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن محمد بن زياد، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه تعالى الَّذِينَ إِذٰا ذُكِّرُوا بِآيٰاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهٰا صُمًّا وَ عُمْيٰاناً قال" مستبصرين ليسوا بشكاك".

[36]

25539- 36 (الكافي- 8: 178 رقم 200) عنه، عن علي، عن إسماعيل بن مهران، عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول في قول اللّٰه تعالى وَ لٰا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ فقال" اللّٰه أجل و أعدل و أعظم من أن يكون لعبده عذر لا يدعه يعتذر به، و لكنه فلج فلم يكن له عذر".

[37]

25540- 37 (الكافي- 8: 178 رقم 201) علي، عن علي بن الحسين،

الوافي، ج 26، ص: 447

عن محمد الكناسي قال: حدثنا من رفعه إلى أبي عبد اللّٰه ع في قوله تعالى وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لٰا يَحْتَسِبُ قال" هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء و ليس عندهم ما يتحملون به إلينا فيسمعون حديثنا، و يقتبسون من علمنا، فيرحل قوم فوقهم، و ينفقون أموالهم، و يتعبون أبدانهم حتى يدخلوا علينا، فيسمعوا حديثنا، فينقلوه إليهم، فيعيه أولئك و يضيعه هؤلاء، فأولئك الذين يجعل

الوافي، ج 26، ص: 448

اللّٰه تعالى لهم مخرجا و يرزقهم من حيث لا يحتسبون".

و في قول اللّٰه تعالى هَلْ أَتٰاكَ حَدِيثُ الْغٰاشِيَةِ قال" الذين يغشون الإمام إلى قوله تعالى لٰا يُسْمِنُ وَ لٰا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ قال" لا ينفعهم و لا يغنيهم، لا ينفعهم الدخول و لا يغنيهم القعود".

[38]
اشارة

25541- 38 (الكافي- 8: 84 رقم 44) محمد، عن ابن عيسى، عن السراد، عن جميل بن صالح، عن أبي مريم، عن أبي جعفر ع قال: سألته عن قول اللّٰه تعالى وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبٰابِيلَ. تَرْمِيهِمْ بِحِجٰارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قال" كان طير ساف جاءهم من قبل البحر، رءوسها كأمثال رءوس السباع و أظفارها كأظفار السباع من الطير، مع كل طائر ثلاثة أحجار: في رجليه حجران و في منقاره حجر، فجعلت ترميهم بها حتى جدرت أجسادهم فقتلهم بها، و ما كان قبل ذلك رئي شي ء من الجدري و لا رأوا ذلك من الطير قبل ذلك اليوم و لا بعده،

الوافي، ج 26، ص: 449

قال: و من أفلت منهم يومئذ انطلق حتى إذا بلغوا حضرموت و هو واد دون اليمن، أرسل اللّٰه عليهم سيلا

فغرقهم أجمعين، قال: و ما رئي في ذلك الوادي ماء قط قبل ذلك اليوم بخمس عشرة سنة، قال: فلذلك سمي حضرموت حين ماتوا فيه".

بيان

" طير ساف" بالتشديد أي دان من الأرض في طيرانه و قد مضى كثير من تفسير الآيات في كتاب الحجة متفرقة و جملة منه في أواخره مجتمعة.

الوافي، ج 26، ص: 451

باب الإخبار عما هو آت

[1]
اشارة

25542- 1 (الكافي- 8: 36 رقم 7) محمد، عن أحمد، عن بعض أصحابه و الثلاثة جميعا، عن محمد بن أبي حمزة، عن حمران قال: قال أبو عبد اللّٰه ع و ذكر هؤلاء عنده و سوء حال الشيعة عندهم، فقال" إني سرت مع أبي جعفر المنصور و هو في موكبه و هو على فرس و بين يديه خيل و من خلفه خيل و أنا على حمار إلى جانبه، فقال لي: يا با عبد اللّٰه قد كان ينبغي لك أن تفرح بما أعطانا اللّٰه من القوة و فتح لنا من العز و لا تخبر الناس إنك أحق بهذا الأمر منا و أهل بيتك فتغرينا بك و بهم، قال: فقلت: و من رفع إليك هذا عني فقد كذب، فقال لي: أ تحلف على ما تقول قال: فقلت: إن الناس سحرة يعني يحبون أن يفسدوا قلبك علي فلا تمكنهم من سمعك فإنا إليك أحوج منك إلينا.

فقال لي: تذكر يوم سألتك هل لنا ملك أو تراه لنا فيها فقلت: نعم طويل عريض شديد فلا تزالون في مهلة من أمركم و فسحة من دنياكم حتى تصيبوا منا دما حراما في شهر حرام في بلد حرام، فعرفت أنه قد حفظ الحديث، فقلت: لعل اللّٰه أن يكفيك فإني لم أخصك بهذا و إنما هو

الوافي، ج 26، ص: 452

حديث رويته ثم لعل غيرك من أهل بيتك أن يتولى ذلك، فسكت عني، فلما رجعت إلى منزلي أتاني بعض موالينا فقال: جعلت فداك و اللّٰه

لقد رأيتك في موكب أبي جعفر و أنت على حمار و هو على فرس و قد أشرف عليك يكلمك كأنك تحته، فقلت بيني و بين نفسي: هذا حجة اللّٰه على الخلق و صاحب هذا الأمر الذي يقتدي به و هذا الآخر يعمل بالجور و يقتل أولاد الأنبياء و يسفك الدماء في الأرض بما لا يحب اللّٰه و هو في موكبه و أنت على حمار، فدخلني من ذلك شك حتى خفت على ديني و نفسي.

قال: فقلت: لو رأيت من كان حولي و بين يدي و من خلفي و عن يميني و عن شمالي من الملائكة لاحتقرته و احتقرت ما هو فيه، فقال: الآن سكن قلبي، ثم قال: إلى متى هؤلاء يملكون أو متى الراحة منهم فقلت:

أ ليس تعلم أن لكل شي ء مدة قال: بلى، فقلت: هل ينفعك علمك أن هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طرفة العين إنك لو تعلم حالهم عند اللّٰه و كيف هي كنت لهم أشد بغضا، و لو جهدت أو جهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشد مما هم فيه من الإثم لم يقدروا فلا يستفزنك الشيطان فإن العزة لله وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لٰكِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لٰا يَعْلَمُونَ.

أ لا تعلم أن من انتظر أمرنا و صبر على ما يرى من الأذى و الخوف هو غدا في زمرتنا، فإذا رأيت الحق قد مات و ذهب أهله، و رأيت الجور قد شمل البلاد، و رأيت القرآن قد خلق و أحدث فيه ما ليس فيه، و وجه على الأهواء، و رأيت الدين قد انكفى كما ينكفئ الماء، و رأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، و رأيت الشر ظاهرا لا ينهى عنه

و يعذر أصحابه، و رأيت الفسق قد ظهر و اكتفى الرجال بالرجال و النساء بالنساء، و رأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله، و رأيت الفاسق يكذب و لا

الوافي، ج 26، ص: 453

يرد عليه كذبه و فريته، و رأيت الصغير يستحقر الكبير، و رأيت الأرحام قد تقطعت، و رأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه و لا يرد عليه قوله، و رأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة، و رأيت النساء يتزوجن بالنساء.

و رأيت النبإ قد كثر، و رأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة اللّٰه فلا ينهى و لا يؤخذ على يديه، و رأيت الناظر يتعوذ بالله مما يرى المؤمن فيه من الاجتهاد، و رأيت الجار يؤذي جاره و ليس له مانع، و رأيت الكافر فرحا لما يرى في المؤمن، مرحا لما يرى في الأرض من الفساد، و رأيت الخمور تشرب علانية و يجتمع عليها من لا يخاف اللّٰه تعالى، و رأيت الآمر بالمعروف ذليلا، و رأيت الفاسق فيما لا يحب اللّٰه قويا محمودا، و رأيت أصحاب الآيات يحتقرون و يحتقر من يحبهم، و رأيت سبيل الخير منقطعا و سبيل الشر مسلوكا، و رأيت بيت اللّٰه قد عطل و يؤمر بتركه، و رأيت الرجل يقول ما لا يفعله.

و رأيت الرجال يتسمنون للرجال و النساء للنساء، و رأيت الرجل معيشته من دبره و معيشة المرأة من فرجها، و رأيت النساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرجال، و رأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر و أظهروا الخضاب و امتشطوا كامتشاط المرأة لزوجها، و أعطوا الرجال الأموال على فروجهم و تنوفس في الرجال و يغاير عليه الرجال، و كان صاحب المال أعز من المؤمن، و كان الربا ظاهرا لا يعير،

و كان الزنى تمتدح به النساء، و رأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرجال، و رأيت أكثر الناس و خير بيت من يساعد النساء على فسقهن، و رأيت المؤمن محزونا محتقرا ذليلا، و رأيت البدع و الزنى قد ظهر، و رأيت الناس يشهدون

الوافي، ج 26، ص: 454

بشهادة الزور، و رأيت الحرام يحلل، و رأيت الحلال يحرم.

و رأيت الدين بالرأي و عطل الكتاب و أحكامه، و رأيت الليل لا يستخفى به من الجرأة على اللّٰه، و رأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه، و رأيت العظيم من المال ينفق في سخط اللّٰه، و رأيت الولاة يقربون أهل الكفر و يباعدون أهل الخير، و رأيت الولاة يرتشون في الحكم، و رأيت الولاية قبالة لمن زاد، و رأيت ذوات الأرحام ينكحن و يكتفى بهن، و رأيت الرجل يقتل على التهمة و على الظنة و يتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه و ماله، و رأيت الرجل يعير على إتيان النساء، و رأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور، يعلم ذلك و يقيم عليه، و رأيت المرأة تقهر زوجها و تعمل ما لا يشتهي و تنفق على زوجها، و رأيت الرجل يكري امرأته و جاريته و يرضى بالدني من الطعام و الشراب.

و رأيت الأيمان بالله كثيرة على الزور، و رأيت القمار قد ظهر، و رأيت الشراب يباع ظاهرا ليس له مانع، و رأيت النساء يبذلن أنفسهن لأهل الكفر، و رأيت الملاهي قد ظهرت يمر بها، لا يمنعها أحد أحدا، و لا يجترئ أحد على منعها، و رأيت الشريف يستذله الذي يخاف سلطانه، و رأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، و رأيت من يحبنا

يزور و لا تقبل شهادته، و رأيت الزور من القول يتنافس فيه، و رأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه و خف على الناس استماع الباطل، و رأيت الجار يكرم الجار خوفا من لسانه، و رأيت الحدود قد عطلت و عمل فيها بالأهواء، و رأيت المساجد قد زخرفت، و رأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب، و رأيت الشر قد ظهر و السعي

الوافي، ج 26، ص: 455

بالنميمة، و رأيت البغي قد فشا، و رأيت الغيبة تستملح و يبشر بها الناس بعضهم بعضا، و رأيت طلب الحج و الجهاد لغير اللّٰه.

و رأيت السلطان يذل للكافر المؤمن، و رأيت الخراب قد أديل من العمران، و رأيت الرجل معيشته من بخس المكيال و الميزان، و رأيت سفك الدماء يستخف بها، و رأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا و يشهر نفسه بخبث اللسان ليتقى و يسند إليه الأمور، و رأيت الصلاة قد استخف بها، و رأيت الرجل عنده المال الكثير ثم لم يزكه منذ ملكه، و رأيت الميت ينبش من قبره و يؤذى و تباع أكفانه، و رأيت الهرج قد كثر، و رأيت الرجل يمسي نشوان و يصبح سكران لا يهتم بما الناس فيه، و رأيت البهائم تنكح، و رأيت البهائم يفرس بعضها بعضا و رأيت الرجل يخرج إلى مصلاه و يرجع و ليس عليه شي ء من ثيابه، و رأيت قلوب الناس قد قست و جمدت أعينهم و ثقل الذكر عليهم، و رأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه، و رأيت المصلي إنما يصلي ليراه الناس، و رأيت الفقيه يتفقه لغير الدين، يطلب الدنيا و الرئاسة، و رأيت الناس مع من غلب.

و رأيت طالب الحلال يذم و يعير و طالب

الحرام يمدح و يعظم، و رأيت الحرمين يعمل فيها مما لا يحب اللّٰه، و لا يمنعهم مانع و لا يحول بينهم و بين العمل القبيح أحد، و رأيت المعازف ظاهرة في الحرمين، و رأيت الرجل يتكلم بشي ء من الحق و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول هذا عنك موضوع، و رأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض و يقتدون بأهل الشر، و رأيت مسلك الخير و طريقه خاليا لا يسلكه أحد، و رأيت الميت يهزأ به (يمر به- خ ل) فلا يفزع له أحد، و رأيت كل عام يحدث فيه من الشر و البدعة أكثر مما كان، و رأيت الخلق

الوافي، ج 26، ص: 456

و المجالس لا يتابعون إلا الأغنياء، و رأيت المحتاج يعطى على الضحك به و يرحم لغير وجه اللّٰه.

و رأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، و رأيت الناس يتسافدون كما تسافد البهائم لا ينكر أحد منكرا تخوفا من الناس، و رأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة اللّٰه و يمنع اليسير في طاعة اللّٰه، و رأيت العقوق قد ظهر و استخف بالوالدين و كانا من أسوإ الناس حالا عند الولد و يفرح بأن يفتري عليهما، و رأيت النساء و قد غلبن على الملك و غلبن على كل أمر لا يؤتى إلا ما لهن فيه هوى، و رأيت الرجل يفتري على أبيه و يدعو على والديه و يفرح بموتهما، و رأيت الرجل إذا مر به يوم و لم يكتسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شراب مسكر كئيبا حزينا يحسب أن ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره، و

رأيت السلطان يحتكر الطعام.

و رأيت أموال ذوي القربى يقسم في الزور و يتقامر بها و يشرب بها الخمور، و رأيت الخمر يتداوى بها و توصف للمريض و يستشفى بها، و رأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ترك التدين به، و رأيت رياح المنافقين و أهل النفاق دائمة و رياح أهل الحق لا تحرك، و رأيت الأذان بالأجر و الصلاة بالأجر، و رأيت المساجد محتشية ممن لا يخاف اللّٰه، يجتمعون فيها للغيبة و أكل لحوم أهل الحق و يتواصفون فيها شراب المسكر، و رأيت السكران يصلي بالناس و هو لا يعقل و لا يشان بالسكر و إذا سكر أكرم و اتقي و خيف و ترك، لا يعاقب و يعذر بسكره، و رأيت من يأكل أموال اليتامى يحمد بصلاحه، و رأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر اللّٰه، و رأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع.

و رأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسق و الجرأة على اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 457

يأخذون منهم و يخلونهم و ما يشتهون، و رأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى و لا يعمل القائل بما يأمر، و رأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها، و رأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه اللّٰه و يعطى لطلب الناس، و رأيت الناس همتهم بطونهم و فروجهم، لا يبالون بما أكلوا و ما نكحوا، و رأيت الدنيا مقبلة عليهم، و رأيت أعلام الحق قد درست فكن على حذر و اطلب إلى اللّٰه تعالى النجاة و اعلم أن الناس في سخط اللّٰه تعالى و إنما يمهل لهم لأمر يراد بهم فكن مترقبا و اجتهد ليراك اللّٰه تعالى في خلاف ما هم عليه فإن نزل بهم العذاب

و كنت فيهم عجلت إلى رحمة اللّٰه و إن أخرت ابتلوا و كنت قد خرجت مما هم فيه من الجرأة على اللّٰه تعالى و اعلم أن اللّٰه لٰا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ و أن رَحْمَتَ اللّٰهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ".

بيان

" السحر" ما لطف مأخذه و دق و قد يطلق على الخداع و التعليل و كل من هذه المعاني مناسب لما فسر به من إفساد القلب و إنما قال ع: إنا إليك أحوج، لتسلطه على قتله و أخذ ماله إن هذا الأمر إذا جاء بكسر الهمزة مستأنف فلا يستفزنك لا يستخفنك فإذا رأيت الحق قد مات جواب إذا هذه قوله ع في أواخر الحديث فكن على حذر،" قد خلق" أي درس و المستتر في يضحك منه راجع إلى من يمتدح،" من الاجتهاد" أي في طاعة اللّٰه لما يرى في المؤمن أي من سوء الحال، و" المرح" شدة الفرح و النشاط،" أصحاب الآيات" أي أهل العلم و الحكمة أو أصحاب الأئمة فإنهم آيات اللّٰه.

و في بعض النسخ" الآثار" أي آثار علم النبوة،" لا يعير" بالمهملة من التعيير بمعنى التوبيخ،" تصانع زوجها على نكاح الرجال" أي الزنى و المصانعة الرشوة و في المثل من صانع بالمال لم يحتشم من طلب الحاجة، و" رأيت الليل لا يستخفى

الوافي، ج 26، ص: 458

به" يعني يبارزون بالمعاصي نهارا لا ينتظرون مجي ء الليل ليستخفوا به،" قد أديل من العمران" من الدولة أي صار الخراب عمرانا و العمران خرابا،" نشوان و سكران" متقاربان، و" الفرس" في الأصل دق العنق ثم استعمل في كل قتل و في بعض النسخ يورش من التوريش بمعنى التحريش و كأنه الصواب، و" المعازف" الملاهي، و" السفاد" نزو الذكر على

الأنثى و إنما يطلق في الحيوانات، و" دوام رياح المنافقين أو قيامها" على اختلاف النسخ كناية عن انتظار أمرهم و نفاق نفاقهم و نظيره عد،" تحرك رياح أهل الحق" فهو كناية عن تشويش أمرهم و كساد حقهم.

[2]
اشارة

25543- 2 (الكافي- 8: 69 رقم 25) العدة، عن سهل، عن موسى بن عمر الصيقل، عن أبي شعيب المحاملي، عن عبد اللّٰه بن سليمان، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" قال أمير المؤمنين ع: ليأتين على الناس زمان يظرف فيه الفاجر و يقرب فيه الماجن و يضعف فيه المنصف، قال: فقيل له: متى ذاك يا أمير المؤمنين فقال: إذا اتخذت الأمانة مغنما، و الزكاة مغرما، و العبادة استطالة، و الصلة منا، فقال: متى ذاك يا أمير المؤمنين فقال: إذا تسلطن النساء و سلطن الإماء و أمر الصبيان".

بيان

" الظرف" محركة الكياسة، و" المجون" أن لا يبالي الإنسان ما صنع، و" الاستطالة" التطاول.

[3]

25544- 3 (الكافي- 8: 306 رقم 476) الأربعة، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" قال رسول اللّٰه ص: سيأتي على أمتي زمان يخبث فيه سرائرهم و تحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا و لا

الوافي، ج 26، ص: 459

يريدون به ما عند اللّٰه ربهم، يكون دينهم رياء، لا يخالطهم خوف يعمهم اللّٰه منه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم".

[4]

25545- 4 (الكافي- 8: 307 رقم 479) الأربعة، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" قال أمير المؤمنين صلوات اللّٰه عليه: قال رسول اللّٰه ص: سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه و من الإسلام إلا اسمه، يسمون به و هم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة و هي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة و إليهم تعود".

[5]

25546- 5 (الكافي- 8: 221 رقم 276) الاثنان، عن الوشاء، عن عبد الكريم بن عمرو، عن عمار بن مروان، عن الفضيل بن يسار قال:

قال أبو عبد اللّٰه ع" إذا رأيت الفاقة و الحاجة قد كثرت و أنكر الناس بعضهم بعضا فعند ذلك فانتظر أمر اللّٰه تعالى" قلت: جعلت فداك هذه الفاقة و الحاجة قد عرفتهما فما إنكار الناس بعضهم بعضا قال" يأتي الرجل منكم أخاه فيسأله الحاجة فينظر إليه بغير الوجه الذي كان ينظر إليه و يكلمه بغير اللسان الذي كان يكلمه به".

[6]
اشارة

25547- 6 (الكافي- 8: 177 رقم 198) العدة، عن سهل، عن بكر بن صالح، عن محمد بن سنان، عن ابن وهب قال: تمثل أبو عبد اللّٰه ع ببيت شعر لابن أبي عقيب:

و ينحر بالزوراء منهم لدى الضحى ثمانون ألفا مثل ما تنحر البدن و روي غيره البذل ثم قال لي" تعرف الزوراء" قال: قلت: جعلت

الوافي، ج 26، ص: 460

فداك يقولون إنها بغداد، قال" لا"، ثم قال" دخلت الري" قلت: نعم، قال" أتيت سوق الدواب" قلت: نعم، قال" رأيت الجبل الأسود عن يمين الطريق تلك الزوراء يقتل فيها ثمانون ألفا منهم ثمانون رجلا من ولد فلان كلهم يصلح للخلافة" قلت: و من يقتلهم جعلت فداك قال" يقتلهم أولاد العجم".

بيان

" البازل" من الإبل ما انشق نابه و إنما في السنة التاسعة أو الثامنة، و لعل فلان كناية عن العباس لما روي من استئصالهم في آخر الزمان.

آخر أبواب القراءات و تفسير الآيات و الإخبار عما هو آت، و الحمد لله أولا و آخرا.

الوافي، ج 26، ص: 463

أبواب المخلوقات و ما في السماوات و الأرض و ما بينهما من الآيات

الآيات:

اشارة

قال اللّٰه تعالى إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلٰافِ اللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمٰا يَنْفَعُ النّٰاسَ وَ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ مِنَ السَّمٰاءِ مِنْ مٰاءٍ فَأَحْيٰا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّيٰاحِ وَ السَّحٰابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

و قال عز و جل وَ فِي خَلْقِكُمْ وَ مٰا يَبُثُّ مِنْ دٰابَّةٍ آيٰاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.

و قال عز و جل قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدٰاداً ذٰلِكَ رَبُّ الْعٰالَمِينَ. وَ جَعَلَ فِيهٰا رَوٰاسِيَ مِنْ فَوْقِهٰا وَ بٰارَكَ فِيهٰا وَ قَدَّرَ فِيهٰا أَقْوٰاتَهٰا فِي أَرْبَعَةِ أَيّٰامٍ سَوٰاءً لِلسّٰائِلِينَ. ثُمَّ اسْتَوىٰ إِلَى السَّمٰاءِ وَ هِيَ دُخٰانٌ فَقٰالَ لَهٰا وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيٰا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ.

الوافي، ج 26، ص: 464

فَقَضٰاهُنَّ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَ أَوْحىٰ فِي كُلِّ سَمٰاءٍ أَمْرَهٰا وَ زَيَّنَّا السَّمٰاءَ الدُّنْيٰا بِمَصٰابِيحَ وَ حِفْظاً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.

و قال حكاية عن خليله ع فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقٰالَ إِنِّي سَقِيمٌ.

و قال حكاية عنه ع وَ إِذٰا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ.

و قال حكاية عن عزيز مصر يٰا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيٰايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيٰا تَعْبُرُونَ ..

بيان

فسر الأرض بما في جهة السفل من الأجرام البسيطة و خلقها في يومين بخلق أصل لها مشترك ثم خلق أنواعها و صورها.

و في تفسير علي بن إبراهيم المنسوب إلى أهل البيت ع أي في وقتين ابتداء الخلق و انقضاؤه و كذا قال في قوله" فَقَضٰاهُنَّ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ فِي يَوْمَيْنِ" و لعل معنى هذا التفسير ما يقوله أهل المعرفة من تجدد الخلق في كل آن و أنه تعالى

كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، و" الرواسي" الجبال، و" بارك فيها" أكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النباتات و الحيوانات أقواتها أرزاق أهلها و منافعهم و معايشهم في أربعة أيام، في تفسير علي بن إبراهيم يعني في أربعة أوقات و هي التي يخرج اللّٰه فيها أقوات العالم، ثم فسر الأوقات بالفصول

الوافي، ج 26، ص: 465

الأربعة التي يتم بها نضج الأقوات سواء مستوية بلا زيادة و لا نقصان،" لِلسّٰائِلِينَ" أي هذا التقدير لأجل الطالبين المحتاجين إليها من المقتاتين،" ثُمَّ اسْتَوىٰ" أي توجه على الاستقامة و الأمر بالإتيان كناية عن تكوينهما و إنشائهما من غير امتناع منهما طوعا أو كرها كناية عن لزوم تأثير قدرته فيهما و إنما خلق الأرض غير مدحوة ثم دحاها بعد خلق السماء كما قال" وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذٰلِكَ دَحٰاهٰا" فمعنى ائتيا ائتي يا أرض مدحوة قرارا لسكانك و ائت يا سماء سقفا مبنيا عليهم بمصابيح يهتدى بها و حفظا من استراق السمع بالثواقب،" فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ" أي في علم النجوم أو كتابها أو أحكامها لأنهم كانوا يتعاطون علم النجوم فأوهمهم أنه استدل بأمارة في علم النجوم على أنه يسقم،" فَقٰالَ إِنِّي سَقِيمٌ" أي مشارف للسقم و هو من معاريض الكلام و قد مضى في الحديث أنه ما كان سقيما و ما كذب و إنما نوى أنه سقيم في دينه أي مرتاد و ربما يقال أنه نوى أن من كان آخر أمره الموت فهو سقيم.

الوافي، ج 26، ص: 467

باب المخلوقات و ابتدائها

[1]
اشارة

25548- 1 (الكافي- 8: 94 رقم 67) محمد، عن أحمد، عن الحسين،

الوافي، ج 26، ص: 468

عن محمد بن داود، عن محمد بن عطية، قال: جاء إلى أبي جعفر ع رجل من أهل

الشام من علمائهم، فقال: يا با جعفر جئت أسألك عن مسألة قد أعيت علي أن أجد أحدا يفسرها و قد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس، فقال كل صنف منهم شيئا غير الذي قال الصنف الآخر، فقال له أبو جعفر ع" ما ذاك" قال: فإني أسألك عن أول ما خلق اللّٰه من خلقه فإن بعض من سألته، قال: القدر و قال بعضهم: القلم، و قال بعضهم: اللوح.

فقال أبو جعفر ع" ما قالوا شيئا، أخبرك أن اللّٰه تعالى كان و لا شي ء غيره، و كان عزيزا، و لا أحد كان قبل عزه و ذلك قوله سبحانه سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّٰا يَصِفُونَ و كان الخالق قبل المخلوق و لو كان أول ما خلق من خلقه الشي ء من الشي ء إذا لم يكن له انقطاع أبدا و لم يزل اللّٰه إذا و معه شي ء ليس هو يتقدمه و لكنه كان إذ لا شي ء غيره و خلق الشي ء الذي جميع الأشياء منه، و هو الماء الذي خلق الأشياء منه فجعل

الوافي، ج 26، ص: 469

نسب كل شي ء إلى الماء و لم يجعل للماء نسبا يضاف إليه و خلق الريح من الماء ثم سلط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقية ليس فيها صدع و لا نقب و لا صعود و لا هبوط و لا شجرة.

ثم طواها فوضعها فوق الماء ثم خلق اللّٰه النار من الماء فشققت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء اللّٰه أن يثور فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع و

لا نقب و ذلك قوله السَّمٰاءُ بَنٰاهٰا. رَفَعَ سَمْكَهٰا فَسَوّٰاهٰا. وَ أَغْطَشَ لَيْلَهٰا وَ أَخْرَجَ ضُحٰاهٰا قال: و لا شمس و لا قمر و لا نجوم و لا سحاب ثم طواها فوضعها فوق الأرض ثم نسب الخليقتين فرفع السماء قبل الأرض فذلك قوله عز ذكره وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذٰلِكَ دَحٰاهٰا يقول: بسطها".

فقال له الشامي: يا با جعفر قول اللّٰه تعالى أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ كٰانَتٰا رَتْقاً فَفَتَقْنٰاهُمٰا فقال له أبو جعفر ع" فلعلك تزعم أنهما كانتا رتقا ملتزقتان ملتصقتان ففتقت

الوافي، ج 26، ص: 470

إحداهما من الأخرى" فقال: نعم، فقال أبو جعفر ع" استغفر ربك فإن قول اللّٰه (كٰانَتٰا رَتْقاً) يقول: كانت السماء رتقا لا تنزل المطر و كانت الأرض رتقا لا تنبت الحب فلما خلق اللّٰه تعالى الخلق و بث فيها من كل دابة فتق السماء بالمطر و الأرض بنبات الحب" فقال الشامي:

أشهد أنك من ولد الأنبياء و أن علمك علمهم.

بيان

أعيا عليه الأمر و تعيا و تعايا إذا لم يهتد لوجه مراده،" ما قالوا شيئا" أي شيئا ينفعك و إن كان صحيحا كما يأتي بيانه و لعله أشار بالماء الذي خلق الأشياء منه إلى المادة التي خلق منها الأشياء بإفاضة الصور عليها و إنما سماها الماء لقبولها التشكلات بسهولة و إنما جعلها أول ما خلق مع أنها متأخرة عن الصورة في الوجود لثباتها على حالها مع توارد الصور عليها فهي من هذا الوجه متقدمة على جميع الصور و إنما جعلها أولا مع أن خلق الأرواح متقدم على خلق الأجسام لأن السائل إنما سأل عن أول ما خلق من عالم الخلق دون الأمر كما كان ظاهرا من حاله و

مبلغ علمه و سؤاله، قوله" فجعل نسب كل شي ء إلى الماء" ناظر إلى قوله عز و جل وَ جَعَلْنٰا مِنَ الْمٰاءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ، و" الريح" إشارة إلى ما يفيض من عالم الأمر إلى عالم الخلق آنا فآنا و إنما سماه ريحا لوقوعه دفعة من غير زمان، فكان أنسب ما يشبه به من الأجسام في السرعة و النفوذ هو الريح لكونها أسرع الأجسام حركة و لك أن تحمل الماء و الريح على معنييهما المتعارف من دون تأويل لأن المادة لا تخلو قط من صورة إلا أنه ينبغي أن تعلم أن القابل من الماء لأن يخلق منه شي ء آخر إنما هو مادته دون صورته فتدبر،

الوافي، ج 26، ص: 471

و على هذا فالوجه في اختيار الماء و الريح للتقديم من بين العناصر توسطهما بينها فهما أشد قبولا لأن يخلق منهما الطرفان جميعا من أحد الطرفين لأن يخلق منه الآخر، و كذا القول في تقديم الماء على الريح و تقديم الأربعة على السماء.

[2]
اشارة

25549- 2 (الكافي- 8: 95 رقم 68) محمد، عن أحمد، عن السراد، عن العلاء، عن محمد و الحجال، عن العلاء، عن محمد قال: قال لي أبو جعفر ع" كان كل شي ء ماء و كان عرشه على الماء فأمر اللّٰه تعالى الماء فاضطرم نارا ثم أمر النار فخمدت فارتفع من خمودهما دخان فخلق اللّٰه السماوات من ذلك الدخان و خلق الأرض من الرماد ثم اختصم الماء و النار و الريح، فقال الماء: أنا جند اللّٰه الأكبر، و قالت الريح: أنا جند اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 472

الأكبر، و قالت النار: أنا جند اللّٰه الأكبر، فأوحى اللّٰه إلى الريح أنت جندي الأكبر".

بيان

أريد بالعرش العالم بمجموعه كما مضى في الأبواب الأخيرة من الجزء الأول عن الصادق ع و لا يخفى بناؤه على المخلوق الأول.

[3]
اشارة

25550- 3 (الكافي- 8: 89 رقم 55) محمد، عن أحمد، عن السراد، عن جميل بن صالح، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: سألته عن الأرض على أي شي ء هي قال" هي على حوت"، قلت:

فالحوت على أي شي ء هو قال" على الماء"، فقلت: فالماء على أي شي ء هو قال" على صخرة"، قلت: فعلى أي شي ء الصخرة قال" على قرن ثور أملس"، قلت: فعلى أي شي ء الثور قال" على الثرى"، قلت:

فعلى أي شي ء الثرى فقال" هيهات عند ذلك ضل علم العلماء".

بيان

في هذا الحديث رموز و إنما يحلها من كان من أهلها.

[4]
اشارة

25551- 4 (الكافي- 8: 145 رقم 116) محمد، عن أحمد، عن السراد، عن مؤمن الطاق، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر ع قال" إن اللّٰه خلق الجنة قبل أن يخلق النار، و خلق الطاعة قبل أن يخلق المعصية، و خلق الرحمة قبل الغضب، و خلق الخير قبل الشر، و خلق الأرض قبل السماء، و خلق الحياة قبل الموت، و خلق الشمس قبل القمر،

الوافي، ج 26، ص: 473

و خلق النور قبل الظلمة".

بيان

إنما خلقت الجنة قبل النار لأن الجنة إنما خلقت من الطاعة و النار من المعصية و الطاعة قبل المعصية، لأن الطاعة قبول الأمر و المعصية ترك قبوله، فلا بد من قبول ليترك، و مثله القول في قبلية الرحمة على الغضب و الخير على الشر، فإن الغضب و الشر إنما يرجعان إلى العدم كما حققناه في كتاب عين اليقين، و أما قبلية خلق الأرض على السماء فلما مر، و السر فيه تقدم المركز على المحيط بالطبع لأن المحيط إنما يتحدد بالمركز و لاستحالة الخلإ، و أما قبلية الحياة على الموت فلأن الموت عدم الحياة عما من شأنه أن يكون حيا، و أما قبلية الشمس على القمر فلاستفادة نوره منها، و أما قبلية النور على الظلمة فلأن الظلمة عدم النور عما من شأنه أن يكون منيرا.

[5]
اشارة

25552- 5 (الكافي- 8: 145 رقم 117) عنه، عن عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول" إن اللّٰه تعالى خلق الخير يوم الأحد و ما كان ليخلق الشر قبل الخير، و في يوم الأحد و الإثنين خلق الأرضين، و خلق أقواتها في يوم الثلاثاء، و خلق السماوات يوم الأربعاء و يوم الخميس، و خلق أقواتها يوم الجمعة و ذلك قوله تعالى خَلَقْنَا السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ".

الوافي، ج 26، ص: 474

بيان:

إن قيل إن الأيام إنما تتقدم و تتمايز بحركة الفلك فكيف خلقت السماوات في الأيام المتمايزة قبل تمايزها، قلنا مناط تمايز الأيام إنما هو حركة الفلك الأعلى دون السماوات السبع و المخلوق في الأيام المتمايزة إنما هو السماوات السبع و الأرض و ما بينهما دون ما فوقهما و لا يلزم من ذلك خلاء لتقدم الماء الذي خلق منه الجميع على الجميع.

قال بعض أهل العلم: خلق اللّٰه الزمان مستديرا و الأوقات فيه مقدرة و ذلك أن اللّٰه خلق الفلك الأطلس و دار و لم يتعين اليوم و لا ظهر له عين لأنه كماء الكوز في النهر قبل أن يكون في الكوز، فلما فرض اللّٰه فيه الاثني عشر فرضا و وقف شخص يجري عليه ذلك الفلك و جعل لهذا الشخص بصر عاين به تلك الفروض و ميز بعضها عن بعض بعلامات جعلت فيها، فلما غاب عنه ما عينها ثم ما برح حتى عاد إليه مرة أخرى علم أن الفلك قد دار دورة واحدة فسمى تلك الدورة يوما، ثم بعد ذلك خلق له كوكبا نيرا سماه شمسا و طلع له في نظره من خلف حجاب الأرض فما زال يتبع

بصره حركة ذلك الكوكب إلى أن غاب عنه جرمه فسمى ذلك نهارا، ثم ما زال في ظلمة إلى أن طلع ذلك الكوكب فسمى هذا ليلا فكان اليوم مجموع الليل و النهار فتبين أن الليل و النهار و اليوم و الشهر و السنة لا وجود له في عينه و إن ذلك نسب و إضافات و إن الموجود إنما هو عين الكوكب و الفلك لا عين الوقت و الزمان، فالزمان عبارة عن أمر متوهم فرض فيه هذه الأوقات.

[6]
اشارة

25553- 6 (الكافي- 8: 148 رقم 129) علي، عن الاثنين، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" قال النبي ص: ما خلق اللّٰه تعالى خلقا إلا و قد أمر عليه آخر يغلبه فيه و ذلك أن اللّٰه تعالى لما

الوافي، ج 26، ص: 475

خلق البحار السفلى فخرت و زخرت و قالت: أي شي ء يغلبني فخلق الأرض فسطحها على ظهرها فذلت، ثم إن الأرض فخرت و قالت: أي شي ء يغلبني فخلق الجبال فأثبتها على ظهرها أوتادا من أن تميد بما عليها فذلت الأرض و استقرت، ثم إن الجبال فخرت على الأرض فشمخت و استطالت و قالت: أي شي ء يغلبني فخلق الحديد فقطعها فقرت الجبال و ذلت، ثم إن الحديد فخر على الجبال و قال: أي شي ء يغلبني فخلق النار فأذابت الحديد فذل الحديد.

ثم إن النار زفرت و شهقت و فخرت و قالت: أي شي ء يغلبني فخلق الماء فأطفأها فذلت، ثم إن الماء فخر و زخر و قال: أي شي ء يغلبني فخلق الريح فحركت أمواجه و أثارت ما في قعره و حبسته عن مجاريه فذل الماء، ثم إن الريح فخرت و عصفت و أرخت أذيالها و قالت: أي شي ء يغلبني فخلق الإنسان فبنى

و احتال و اتخذ ما يستتر به من الريح و غيرها فذلت الريح، ثم إن الإنسان طغى و قال: من أشد مني قوة فخلق اللّٰه له الموت فقهره فذل الإنسان، ثم إن الموت فخر في نفسه فقال اللّٰه تعالى: لا تفخر فإني ذابحك بين الفريقين: أهل الجنة و أهل النار، ثم لا أحييك أبدا فترجى أو تخاف، و قال أيضا: و الحلم يغلب الغضب، و الرحمة تغلب السخط، و الصدقة تغلب الخطيئة"، ثم قال أبو عبد اللّٰه ع" و ما أشبه هذا مما قد يغلب غيره".

بيان

" زخرت" أي امتدت و طالت و ارتفعت،" تميد" تتحرك،" فشمخت" تكبرت و ارتفعت، و" عصفت" اشتدت، و" أرخت أذيالها" أرسلتها كأنه كناية عن تجبرها و عتوها، و" غيرها" أي نحو المطر و البرد و الحر و كل ما يؤذي.

الوافي، ج 26، ص: 476

و في بعض النسخ" عزلها" أي عزل الريح،" فإني ذابحك"

روي عن النبي ص أنه قال" يؤتى بالموت كأنه كبش أملح فينادي فيقال:

يا أهل الجنة: هل تعرفون الموت، فينظرونه فيعرفونه، فيقال لأهل النار: هل تعرفون الموت، فينظرونه و يعرفونه، فيذبح بين الجنة و النار، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت و يا أهل النار خلود بلا موت، فذلك قوله عز و جل وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ

و يقال إنه يأتي يحيى على نبينا و عليه السلام و بيده الشفرة فيضجع الموت و يذبحه و سره أن من يحيا الحياة الأبدية فله أن يذبح الموت دون من لا يموت و لا يحيا، و النبيون كنفس واحدة و إنما يتمايزون بما كان يغلب على كل منهم من صفات الخير و كان يحيى علما بإماتة نفسه

في الدار الدنيا بالموت الإرادي المستلزم للحياة الأبدية قال اللّٰه عز و جل لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا.

[7]

25554- 7 (الكافي- 8: 153 رقم 143) محمد، عن أحمد، عن التميمي، عن صفوان، عن خلف بن حماد، عن الحسين بن زيد الهاشمي، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء النبي ص و بناته و كانت تبيع منهن العطر، فجاء النبي ص و هي عندهن فقال: إذا أتيتنا طابت بيوتنا، فقالت: بيوتك بريحك أطيب يا رسول اللّٰه، قال: إذا بعت فأحسني و لا تغشي فإنه أتقى و أبقى للمال، فقالت: يا رسول اللّٰه ما أتيت بشي ء من بيعي و إنما أتيت أسألك عن عظمة اللّٰه تعالى، فقال: جل جلال اللّٰه سأحدثك عن بعض ذلك، ثم قال: إن هذه الأرض بمن عليها عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قي و هاتان بمن فيهما و من عليهما عند

الوافي، ج 26، ص: 477

التي تحتهما كحلقة ملقاة في فلاة قي و الثالثة حتى انتهى إلى السابعة، و تلا هذه الآية خَلَقَ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ.

و السبع الأرضين بمن فيهن و من عليهن على ظهر الديك كحلقة ملقاة في فلاة قي و الديك له جناحان جناح في المشرق و جناح في المغرب و رجلاه في التخوم و السبع و الديك بمن فيه و من عليه على الصخرة كحلقة ملقاة في فلاة قي و السبع و الديك و الصخرة بمن فيها و من عليها على ظهر الحوت كحلقة ملقاة في فلاة قي و السبع و الديك و الصخرة و الحوت بمن فيه و من عليه على البحر المظلم كحلقة ملقاة في فلاة قي و

السبع و الديك و الصخرة و الحوت و البحر المظلم على الهواء الذاهب كحلقة ملقاة في فلاة قي، و السبع و الديك و الصخرة و الحوت و البحر المظلم و الهواء على الثرى كحلقة ملقاة في فلاة قي.

ثم تلا هذه الآية لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا وَ مٰا تَحْتَ الثَّرىٰ ثم انقطع الخبر عند الثرى، و السبع و الديك و الصخرة و الحوت و البحر المظلم و الهواء و الثرى بمن فيه و من عليه عند السماء الأولى كحلقة في فلاة قي، و هذا كله و السماء الدنيا بمن عليها و من فيها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قي، و هاتان السماءان و من فيها و من عليها عند التي فوقهما كحلقة في فلاة قي، و هذه الثلاث بمن فيهن و من عليهن عند الرابعة كحلقة في فلاة قي حتى انتهى إلى

الوافي، ج 26، ص: 478

السابعة، و هن و من فيهن و من عليهن عند البحر المكفوف عن أهل الأرض كحلقة في فلاة قي، و هذه السبع و البحر المكفوف عند جبال البرد كحلقة في فلاة قي، و تلا هذه الآية وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمٰاءِ مِنْ جِبٰالٍ فِيهٰا مِنْ بَرَدٍ، و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة قي، و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهواء عند حجب النور كحلقة في فلاة قي، و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهواء و حجب النور عند الكرسي كحلقة في فلاة قي، ثم تلا هذه الآية وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ لٰا

يَؤُدُهُ حِفْظُهُمٰا وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهواء و حجب النور و الكرسي عند العرش كحلقة في فلاة قي، و تلا هذه الآية الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ.

[8]
اشارة

25555- 8 (الكافي- 8: 155 ذيل رقم 143) و في رواية الحسن: الحجب قبل الهواء الذي تحار فيه القلوب.

بيان

القي بالكسر و التشديد فعل من القواء و هي الأرض القفر الخالية، و لعل التشبيه بالحلقة إشارة إلى كرؤيتها و إحاطتها، و بالفلاة إلى سعتها، و في هذا الحديث من الرموز و الإشارات ما لا يبلغ علمنا إلى حله و لعل اللّٰه يرزقنا حله من فضله وَ مٰا ذٰلِكَ عَلَى اللّٰهِ بِعَزِيزٍ.

الوافي، ج 26، ص: 479

باب أن لله تعالى قبابا غير هذه القبة

[1]

25556- 1 (الكافي- 8: 231 رقم 301) محمد، عن أحمد، عن أبي يحيى الواسطي، عن عجلان أبي صالح قال: دخل رجل على أبي عبد اللّٰه ع فقال له: جعلت فداك هذه قبة آدم ع قال" نعم و لله قباب كثيرة، ألا إن من خلف مغربكم هذا تسعة و ثلاثين مغربا أرضا بيضاء مملوءة خلقا يستضيئون بنوره لم يعصوا اللّٰه تعالى طرفة عين، ما يدرون خلق آدم أم لم يخلق، يبرءون من فلان و فلان".

[2]
اشارة

25557- 2 (الكافي- 8: 231 رقم 300) محمد، عن أحمد، عن الوشاء، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن الثمالي قال: قال لي أبو جعفر ع ليلة و أنا عنده و نظر إلى السماء فقال" يا با حمزة هذه قبة أبينا آدم ع و إن لله تعالى سواها تسعة و ثلاثين قبة فيها خلق ما عصوا اللّٰه طرفة عين".

بيان

كان ذلك إشارة إلى عالم المثال فإنه عالم نوراني نوره من نور نفسه، و لذا قال

الوافي، ج 26، ص: 480

يستضيئون بنوره، أي بنور ذلك العالم.

و في حديث آخر" أرضا بيضاء ضوءها منها

كما يأتي و فلان و فلان كناية عن الأولين و إنما يبرءون منهما لأنهم مجبولون على الخير فلا محالة يبرءون من منبع الشر و نقل عن الحكماء الأقدمين: أن في الوجود عالما مقداريا غير العالم الحسي لا تتناهى عجائبه و لا تحصى مدنه من جملة تلك المدن جابلقا و جابرصا و هما مدينتان عظيمتان لكل منهما ألف باب لا يحصى ما فيهما من الخلائق و قال بعض أهل العلم في كل نفس خلق اللّٰه عوالم يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ لٰا يَفْتُرُونَ، و خلق اللّٰه من جملة عوالمها عالما على صورنا إذا أبصرها العارف يشاهد نفسه فيها" ثم قال" و كل ما فيها حي ناطق و هي باقية لا تفنى و لا تتبدل و إذا دخلها العارفون إنما يدخلون بأرواحهم لا بأجسامهم فيتركون هياكلهم في هذه الأرض الدنيا و يتجردون و فيها مدائن لا تحصى بعضها يسمى مدائن النور لا يدخلها من العارفين إلا كل مصطفى مختار، و كل حديث و آية وردت عندنا فصرفها العقل عن ظاهرها وجدناها على ظاهرها في هذه الأرض و كل

جسد يتشكل فيه الروحاني من ملك و جن و كل صورة يرى الإنسان فيها نفسه في النوم فمن أجساد هذه الأرض، انتهى كلامه.

و نحن قد بينا ذلك بالبراهين في كتابنا المسمى ب" عين اليقين" فليطالعه ثمة من كان من أهله.

و روى محمد بن الحسن الصفار رحمه اللّٰه في بصائر الدرجات بإسناده عن الحسن بن علي عليهما السلام قال" إن لله مدينتين إحداهما بالمشرق و الأخرى بالمغرب عليهما سور من حديد و على كل مدينة منها سبعون ألف ألف مصراع

الوافي، ج 26، ص: 481

من ذهب و فيها سبعون ألف ألف لغة يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبه و أنا أعرف جميع اللغات و ما فيهما و ما بينهما و ما عليهما حجة غيري و غير الحسين أخي".

و بإسناده عن أبي عبد اللّٰه، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أمير المؤمنين ع قال" إن لله بلدة خلف المغرب يقال لها جابلقا و في جابلقا سبعون ألف أمة ليس منها أمة إلا مثل هذه الأمة، فما عصوا اللّٰه طرفة عين فما يعملون من عمل و لا يقولون قولا إلا الدعاء على الأولين و البراءة منهما و الولاية لأهل بيت رسول اللّٰه ص".

و بإسناده عن أبي عبد اللّٰه ع قال" إن من وراء أرضكم هذه أرضا بيضاء ضوءها منها، فيها خلق يعبدون اللّٰه لا يشركون به شيئا يتبرءون من فلان و فلان".

و بإسناده عن أبي جعفر ع قال" إن اللّٰه خلق جبلا محيطا بالدنيا من زبرجد أخضر و إن خضرة السماء من خضرة ذلك الجبل، و خلق خلفه خلقا لم يفترض عليهم شيئا مما افترض على خلقه من صلاة و زكاة و كلهم يلعن رجلين من هذه الأمة"

و

سماهما.

أقول: إنما وصف الجبل بالأخضر لتوسطه بين ذلك العالم الروحاني الموصوف بالنور و البياض، و هذا العالم الجسماني الموصوف بالظلمة و السواد.

و بإسناده عن أبي عبد اللّٰه ع قال" إن وراء عين شمسكم هذه أربعين عين شمس فيها خلق كثير و إن من وراء قمركم أربعين قمرا فيها خلق كثير لا يدرون أن اللّٰه خلق آدم أم لم يخلقه ألهم إلهاما لعنة فلان و فلان".

الوافي، ج 26، ص: 483

باب الشمس و علة كسوفها

[1]
اشارة

25558- 1 (الكافي- 8: 157 رقم 148) علي و العدة، عن سهل جميعا عن العبيدي، عن يونس، عن الكناني، عن الأصبغ بن نباتة قال:

قال أمير المؤمنين ع" إن للشمس ثلاثمائة و ستين برجا كل برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب، فتنزل كل يوم على برج منها فإذا غابت انتهت إلى حد بطنان العرش فلم تزل ساجدة إلى الغد ثم ترد إلى موضع مطلعها و معها ملكان يهتفان معها و إن وجهها لأهل السماء و قفاها لأهل الأرض و لو كان وجهها لأهل الأرض لأحرقت الأرض و من عليها من شدة حرها.

و معنى سجودها ما قال تعالى أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبٰالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ النّٰاسِ".

الوافي، ج 26، ص: 484

بيان:

أريد بالبرج ما يسمى عند أهل الحساب بالدرجة و هي ما يحصل من تقسيم كل ما يسمى عندهم برجا إلى ثلاثين جزءا، و التمثيل بجزيرة العرب لتبيان السعة، و" بطنان العرش" وسطه فيكون مبالغة في البطن أو دواخله فيكون جمع بطن و السجود كناية عن الخضوع و الانقياد كما فسر في آخر الحديث و هي عبادتها الذاتية التي جبلت عليها و سخرت لها من الحركة الدورية الشوقية الكمالية المعهودة لها، و" الملكان" كناية عن سائقها و قائدها فإن كل حركة لا بد فيها من جذب و دفع و بعبارة أخرى من طلب و هرب و بعبارة ثالثة مما منه الحركة و ما إليه الحركة أو كناية عن الأمر العقلي الذي هو ملك علمي يحرك جرمها شوقا و عشقا كتحريك المعلم للمتعلم و الأمر النفساني

الذي هو ملك عملي يحرك جرمها مزاولة و مباشرة كتحريك الروح للبدن، و هتافهما معها كناية عن حملهما إياها على الحركة كأنهما يقولان لها سيري و تحركي و اعبدي ربك و اسجدي له، و لعل وجهها كناية عن روحانيتها، و قفاها عن جرمها، أو كون وجهها إلى السماء توجهها بالذات إلى ما فوقها في عبادتها لتكميل ذاتها و لو كانت متوجهة بروحانيتها إلى أهل الأرض بتلك العبادة العظيمة المجهدة التي لا يطيقها الأجرام لكانت محرقة لها مفنية إياها من شدة حرها فإن الروحانيات إذا تجلت للجسمانيات على ما هي عليها لاحترقت الجسمانيات من سبحات نورها.

[2]
اشارة

25559- 2 (الكافي- 8: 241 رقم 332) العدة، عن سهل، عن علي بن حسان، عن علي بن أبي النوار، عن محمد، قال: قلت لأبي جعفر ع:

جعلت فداك لأي شي ء صارت الشمس أشد حرارة من القمر

الوافي، ج 26، ص: 485

قال" لأن اللّٰه خلق الشمس من نور النار و صفو الماء، طبقا من هذا و طبقا من هذا حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار، فمن ثم صارت أشد حرارة من القمر" قلت: جعلت فداك و القمر فقال" إن اللّٰه تعالى ذكره خلق القمر من ضوء نور النار و صفو الماء، طبقا من هذا و طبقا من هذا، حتى إذا كانت به سبعة أطباق ألبسها لباسا من ماء فمن ثم صار القمر أبرد من الشمس".

بيان

شبه الصورة النوعية الشمسية بالنار حيث قال: ألبسها لباسا من نار، لإضاءتها و شبه مادتها بالماء لما مر بيانه و عبر عن صفاء صورتها بنور النار و عن صفاء مادتها بصفو الماء و عن شدة نورها و كونه أضعاف نور النار بالطبقات السبع و شبه الصورة النوعية القمرية بالماء حيث قال ألبسها لباسا من ماء لصقالتها و شبه مادته بالماء لما مر و عبر عن صفاء صورته بضوء نور النار لأن نوره مستفاد من الشمس و عن شدته بالطبقات و لما كانت الكيفيات تابعة للصور فرع كلا من الحرارة و البرودة على ما شبه الصورة به هذا ما خطر بالبال في توجيه الحديث على قانون الحكمة و العلم عند اللّٰه سبحانه و تعالى.

[3]
اشارة

25560- 3 (الكافي- 8: 83 رقم 41) علي، عن أبيه، عن السراد، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن الحكم بن مستورد، عن

الوافي، ج 26، ص: 486

(الفقيه- 1: 539 رقم 1506) علي بن الحسين عليهما السلام قال" إن من الأقوات التي قدرها اللّٰه للناس مما يحتاجون إليه البحر الذي خلقه اللّٰه بين السماء و الأرض، قال: و إن اللّٰه قد قدر فيها مجاري الشمس و القمر و النجوم و الكواكب و قدر ذلك كله على الفلك، ثم وكل بالفلك ملكا و معه سبعون ألف ملك، فهم يديرون الفلك فإذا أداروه دارت الشمس و القمر و النجوم و الكواكب معه فنزلت في منازلها التي قدرها اللّٰه تعالى فيها ليومها و ليلتها فإذا كثرت ذنوب العباد و أراد اللّٰه تعالى أن يستعتبهم بآية من آياته أمر الملك الموكل بالفلك أن يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس و القمر و النجوم و

الكواكب فيأمر الملك أولئك السبعين ألف ملك أن يزيلوه عن مجاريه.

قال فيزيلونه فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري في الفلك، قال: فيطمس ضوؤها و يتغير لونها، فإذا أراد اللّٰه أن يعظم الآية طمس الشمس في البحر على ما يحب اللّٰه أن يخوف خلقه بالآية قال: و ذلك عند انكساف الشمس، قال: و كذلك يفعل بالقمر، قال: فإذا أراد اللّٰه أن يجليها أو يردها إلى مجراها أمر الملك الموكل بالفلك أن يرد الفلك إلى مجراه فيرد الفلك فترجع الشمس إلى مجراها، قال: فتخرج الشمس من

الوافي، ج 26، ص: 487

الماء و هي كدرة، قال: و القمر مثل ذلك".

قال: ثم قال علي بن الحسين عليهما السلام" أما إنه لا يفزع لهما و لا يرهب بهاتين الآيتين إلا من كان من شيعتنا فإذا كان كذلك فافزعوا إلى اللّٰه تعالى ثم ارجعوا إليه".

بيان

" من الأقوات" أي من جملة أسباب الأقوات البحر الذي خلقه اللّٰه كأنه ع كنى بالبحر عن جرم القمر الذي هو مظلم في نفسه و إنما يستضي ء أكثر من نصفه دائما بنور الشمس و هو في الأرض كالبحر المحيط بالأرض في السماء فإنه أيضا مظلم مستنير بالشمس و مما يؤيد هذا قول الباقر ع في الحديث السابق،" ألبسها لباسا من ماء" و إنما كان القمر بين السماء و الأرض لأنه ليس تحته سماء،" قدر فيها" أي في السماء فإن مجاري الكل فيها، و" القمر" عبارة عن ذلك البحر مع اعتبار استنارته، و" الملك" عبارة عن النفس الناطقة الفلكية، و" السبعون ألف ملك" عن روحانياتها إذ قد ورد ما من موضع قدم في السماء إلا و فيه ملك إما راكع أو ساجد، و" طمس الشمس في البحر"

كناية عن طمس ضوئها كله بالكسوف الكلي كما أشير إليه بقوله ع و ذلك عند انكساف الشمس يعني كلها،" و كذلك يفعل بالقمر" أي يطمس ضوؤه في البحر يعني البحر المحيط بالأرض و هو أيضا بين السماء و الأرض، و على هذا التوجيه لا منافاة بين هذا الحديث و بين ما يقوله المنجمون الذين لا يتخلف حسابهم في ذلك إلا إذا خرق اللّٰه العادة لمصلحة رآها كما يكون في آخر الزمان و ذلك لأنهم يقولون إن سبب كسوف الشمس حيلولة جرم القمر بوجهه المظلم بيننا و بينها و سبب خسوف القمر حيلولة جرم الأرض مع البحر المحيط بينها و بينه و يصح

الوافي، ج 26، ص: 488

حسابهم في ذلك في جميع الأحيان.

و قال في الفقيه: إن الذي يخبر به المنجمون من الكسوف فيقف على ما يذكرونه ليس من هذا الكسوف في شي ء و إنما يجب الفزع إلى المساجد و الصلاة عند رؤيته لأنه مثله في المنظر و شبيه له في المشاهدة كما أن الكسوف الواقع مما ذكره سيد العابدين ع إنما وجب الفزع فيه إلى المساجد و الصلاة لأنه آية تشبه آيات (آية- خ ل) الساعة و كذلك الزلازل و الرياح و الظلم و هي آيات تشبه آيات الساعة فأمرنا بتذكر القيامة عند مشاهدتها و الرجوع إلى اللّٰه تعالى بالتوبة و الإنابة و الفزع إلى المساجد التي هي بيوته في الأرض و المستجير بها محفوظ في ذمة اللّٰه تعالى ذكره، انتهى كلامه و لا يخفى ما فيه من التكلف إلا أن يؤول بما يئول إلى الأول أو معنى أعلى منه.

الوافي، ج 26، ص: 489

باب الزلزلة و عللها

[1]

25561- 1 (الكافي- 8: 255 رقم 365) علي بن محمد، عن

صالح بن أبي حماد، عن بعض أصحابه، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" إن الحوت الذي يحمل الأرض أسر في نفسه أنه إنما يحمل الأرض بقوته فأرسل اللّٰه إليه حوتا أصغر من شبر و أكبر من فتر فدخل في خياشيمه فصعق، فمكث بذلك أربعين يوما ثم إن اللّٰه تعالى رأف به و رحمه و خرج فإذا أراد اللّٰه تعالى بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت إلى ذلك الحوت فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض".

[2]
اشارة

25562- 2 (الفقيه- 8: 542 رقم 1512) قال الصادق ع" إن اللّٰه تعالى خلق الأرض فأمر الحوت فحملتها فقالت: حملتها بقوتي، فبعث اللّٰه إليها حوتا قدر فتر فدخلت في منخرها فاضطربت أربعين صباحا فإذا أراد اللّٰه تعالى أن يزلزل أرضا تراءت لها تلك الحوتة الصغيرة فزلزلت الأرض فرقا".

الوافي، ج 26، ص: 490

بيان:

" الفتر" بالكسر ما بين طرف الإبهام و المشيرة، و" الفرق" بالتحريك الخوف و سر هذا الحديث و معناه مما لا يبلغ إليه أفهامنا.

[3]

25563- 3 (الفقيه- 1: 542 رقم 1511) قال الصادق ع" إن ذا القرنين لما انتهى إلى السد جاوزه فدخل في الظلمات فإذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع فقال له الملك: يا ذا القرنين أ ما كان خلفك مسلك فقال له ذو القرنين: من أنت قال: أنا ملك من ملائكة الرحمن موكل بهذا الجبل، و ليس من جبل خلقه اللّٰه إلا و له عرق متصل إلى هذا الجبل فإذا أراد اللّٰه عز و جل أن يزلزل مدينة أوحى إلي فزلزلتها".

[4]

25564- 4 (التهذيب- 3: 290 رقم 874) ابن محبوب، عن العباس ابن معروف، عن علي بن مهزيار عن الحسين بن سعيد، عن عبد اللّٰه بن عمرو، عن حماد بن عثمان، عن جميل، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: سألته عن الزلزلة فقال: أخبرني أبي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّٰه ص: إن ذا القرنين .. الحديث.

[5]

25565- 5 (الفقيه- 1: 543 رقم 1513) قال الصادق ع" إن اللّٰه تبارك و تعالى أمر الحوت بحمل الأرض و كل بلد من البلدان على فلس من فلوسه، فإذا أراد اللّٰه تعالى أن يزلزل أرضا أمر الحوت أن يحرك ذلك الفلس فيحركه، و لو رفع الفلس لانقلبت الأرض بإذن اللّٰه تعالى".

الوافي، ج 26، ص: 491

[6]
اشارة

25566- 6 (الفقيه- 1: 543 رقم 1514) و سأل سليمان الديلمي أبا عبد اللّٰه ع عن الزلزلة ما هي فقال" آية" فقال: و ما سببها قال" إن اللّٰه تعالى وكل بعروق الأرض ملكا فإذا أراد اللّٰه أن يزلزل أرضا أوحى إلى ذلك الملك أن حرك عرق كذا و كذا قال: فيحرك ذلك الملك عرق تلك الأرض التي أمر اللّٰه تعالى فتتحرك بأهلها" قال: قلت:

فإذا كان ذلك فما أصنع قال" صل صلاة الكسوف فإذا فرغت خررت لله عز و جل ساجدا، و تقول في سجودك: يا من يمسك السماوات و الأرض أن تزولا و لئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا، يا من يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، أمسك عنا السوء إنك على كل شي ء قدير".

بيان

قال في الفقيه: و الزلزلة قد تكون من هذه الوجوه الثلاثة و ليست هذه الأخبار بمختلفة.

أقول: و يمكن إرجاع ما ذكره أهل النظر في علتها إلى بعض هذه الوجوه كما بيناه في كتاب" عين اليقين".

[7]

25567- 7 (الفقيه- 1: 544 رقم 1515) علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر ع و شكوت إليه كثرة الزلازل في الأهواز

الوافي، ج 26، ص: 492

و قلت: ترى لي التحويل عنها فكتب ع" لا تتحولوا عنها و صوموا الأربعاء و الخميس و الجمعة و اغتسلوا و طهروا ثيابكم و ابرزوا يوم الجمعة و ادعوا اللّٰه فإنه يرفع عنكم" قال: ففعلنا فسكنت الزلازل.

[8]
اشارة

25568- 8 (الكافي- 8: 255 رقم 366) علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن الحضرمي، عن تميم ابن حاتم قال: كنا مع أمير المؤمنين ع فاضطربت الأرض فدحاها بيده ثم قال لها" اسكني ما لك" ثم التفت إلينا و قال" أما إنها لو كانت التي قال اللّٰه لأجابتني و لكنها ليست بتلك".

بيان

هذا الحديث رواه في العلل أيضا بإسناده إلى تميم بن حاتم على اختلاف في بعض ألفاظه قال: فضربها بيده، مكان: فدحاها بيده، و هو الصواب، و قال:

أما إنها لو كانت الزلزلة التي ذكرها اللّٰه في كتابه لأجابتني أراد ع قوله إذا زلزلت الأرض زلزالها و إنما كانت غيرها لأن زلزلة القيامة بخلاف زلزلة الدنيا و إنما كانت أجابته لو كانت زلزلة القيامة لأنه صاحب القيامة و هو المراد بالإنسان في قوله سبحانه وَ قٰالَ الْإِنْسٰانُ مٰا لَهٰا كما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره و في العلل و الخرائج عنه ع قال" أنا الإنسان و إياي تحدث أخبارها".

الوافي، ج 26، ص: 493

باب الرياح و أصنافها

[1]

25569- 1 (الكافي- 8: 91 رقم 63) محمد، عن ابن عيسى، عن السراد، عن ابن رئاب و هشام بن سالم، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر ع عن الرياح الأربع الشمال و الجنوب و الصبا و الدبور و قلت: إن الناس يذكرون أن الشمال من الجنة و الجنوب من النار فقال" إن لله جنودا من رياح يعذب بها من يشاء ممن عصاه و لكل ريح منها ملك موكل بها فإذا أراد اللّٰه أن يعذب قوما بنوع من العذاب أوحى إلى الملك الموكل بذلك النوع من الريح التي يريد أن يعذبهم بها قال: فيأمرها الملك فتهيج كما يهيج الأسد المغضب، قال: و لكل ريح منهن اسم أ ما تسمع قوله تعالى كَذَّبَتْ عٰادٌ فَكَيْفَ كٰانَ عَذٰابِي وَ نُذُرِ. إِنّٰا أَرْسَلْنٰا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ و قال تعالى الرِّيحَ الْعَقِيمَ و قال رِيحٌ فِيهٰا عَذٰابٌ أَلِيمٌ و قال

الوافي، ج 26، ص: 494

فَأَصٰابَهٰا إِعْصٰارٌ فِيهِ نٰارٌ فَاحْتَرَقَتْ و ما ذكر من الرياح

التي يعذب اللّٰه بها من عصاه، قال: و لله تعالى رياح رحمة لواقح و غير ذلك ينشرها بين يدي رحمته منها ما يهيج السحاب للمطر، و منها رياح تحبس السحاب بين السماء و الأرض، و رياح تعصر السحاب فتمطره بإذن اللّٰه، و منها رياح مما عدد اللّٰه في الكتاب، فأما الرياح الأربع: الشمال و الجنوب و الصبا و الدبور فإنما هي أسماء الملائكة الموكلين بها، فإذا أراد اللّٰه أن يهب شمالا أمر الملك الذي اسمه الشمال فيهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الشمال حيث يريد اللّٰه من البر و البحر، و إذا أراد اللّٰه أن يبعث جنوبا أمر الملك الذي اسمه الجنوب فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الجنوب في البر و البحر و حيث يريد اللّٰه، و إذا أراد اللّٰه أن يبعث ريح الصبا أمر الملك الذي اسمه الصبا فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الصبا حيث يريد اللّٰه تعالى في البر و البحر، و إذا أراد اللّٰه أن يبعث دبورا أمر الملك الذي اسمه الدبور فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الدبور حيث يريد اللّٰه من البر و البحر".

ثم قال أبو جعفر ع" أ ما تسمع لقوله ريح الشمال و ريح الجنوب و ريح الدبور و ريح الصبا إنما تضاف إلى الملائكة الموكلين بها".

[2]
اشارة

25570- 2 (الفقيه- 1: 545 رقم 1522) ابن رئاب، عن أبي بصير ..

الحديث إلى قوله: من البر و البحر أخيرا على اختلاف في ألفاظه.

الوافي، ج 26، ص: 495

بيان:

زاد في الفقيه بعد قوله و رياح تعصر السحاب فتمطره بإذن اللّٰه تعالى:

و رياح تفرق السحاب، و ذكر اليماني، مكان الشامي في الجميع، و" الشمال" الريح التي تهب من ناحية القطب، و" الجنوب" ما يهب من مقابلها، و" الصبا" ما يهب من موضع مطلع الشمس إذا استوى الليل و النهار، و" الدبور" ما يهب من مقابلها كلها بفتح الأول، و" الصرصر" الشديد الهبوب أو الشديد البرد من الصر و هو البرد،" في يوم نحس مستمر" دائم الشؤم قد استمر عليهم حتى أهلكهم أو استمر على كبيرهم و صغيرهم حتى لم يبق منهم نسمة.

و روي أنه كان في أربعا في آخر الشهر لا تدور، و" العقيم" التي لا تلقح كما يأتي تفسيرها، و" الأعصار" ريح تثير الغبار و يرتفع إلى السماء كأنها عمود و يقال هي ريح تثير سحابا ذات رعد و برق و إنما أضاف الرياح إلى الملائكة لأن لكل شي ء في هذا العالم ملكوتا في عالم أعلى منه به حياته و تسبيحه كما قال اللّٰه سبحانه فَسُبْحٰانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.

[3]

25571- 3 (الكافي- 8: 92 رقم 64) محمد، عن أحمد، عن السراد، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر ع قال" إن لله تعالى رياح رحمة و رياح عذاب فإن شاء اللّٰه أن يجعل العذاب من الرياح رحمة فعل، قال: و لن يجعل الرحمة من الريح عذابا قال: و ذلك أنه لم يرحم قوما قط أطاعوه و كانت طاعتهم إياه وبالا عليهم إلا من بعد تحولهم من طاعته، قال: و كذلك فعل بقوم يونس لما آمنوا رحمهم اللّٰه بعد ما قد كان قدر عليهم

العذاب و قضاه ثم تداركهم برحمته فجعل

الوافي، ج 26، ص: 496

العذاب المقدر عليهم رحمة فصرفه عنهم و قد أنزله عليهم و غشيهم و ذلك لما آمنوا به و تضرعوا إليه، قال: و أما الريح العقيم فإنها ريح عذاب لا تلقح شيئا من الأرحام و لا شيئا من النبات و هي ريح تخرج من تحت الأرضين السبع و ما خرجت منها ريح قط إلا على قوم عاد حين غضب اللّٰه عليهم فأمر الخزان أن يخرجوا منها على مقدار يسعه الخاتم.

قال: فعتت على الخزان فخرج منها على مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد قال: فضج الخزان إلى اللّٰه تعالى من ذلك فقالوا: ربنا إنها قد عتت عن أمرنا إنا نخاف أن يهلك من لم يعصك من خلقك و عمار بلادك قال: فبعث اللّٰه تعالى إليها جبرئيل فاستقبلها بجناحه فردها إلى موضعها و قال (فقال- خ ل) لها: أخرجي على ما أمرت به، قال: فخرجت على ما أمرت به و أهلكت قوم عاد و من كان بحضرتهم".

[4]

25572- 4 (الفقيه- 1: 547 رقم 1523) قال الصادق ع" نعم الريح الجنوب، تكسر البرد عن المساكين و تلقح الشجر و تسيل الأودية".

[5]

25573- 5 (الفقيه- 1: 547 رقم 1524) و قال علي ع" الرياح خمسة، منها العقيم فنعوذ بالله من شرها".

[6]

25574- 6 (الفقيه- 1: 547 رقم 1525) و كان النبي ص إذا هبت ريح صفراء أو حمراء أو سوداء تغير وجهه و اصفر [لونه] و كان كالخائف الوجل حتى تنزل من السماء قطرة من مطر فيرجع إليه لونه و يقول" جاءتكم الرحمة".

الوافي، ج 26، ص: 497

[7]

25575- 7 (الفقيه- 1: 544 رقم 1517) و قال علي ع" للريح رأس و جناحان".

[8]

25576- 8 (الفقيه- 1: 544 رقم 1518) و روي عن كامل قال: كنت مع أبي جعفر ع بالعريض فهبت ريح شديدة فجعل أبو جعفر ع يكبر ثم قال" إن التكبير يرد الريح".

[9]

25577- 9 (الفقيه- 1: 544 رقم 1519) و قال ع" ما بعث اللّٰه تعالى ريحا إلا رحمة و عذابا، فإذا رأيتموها فقولوا: اللهم إنا نسألك خيرها و خير ما أرسلت له، و نعوذ بك من شرها و من شر ما أرسلت له، و كبروا و ارفعوا أصواتكم بالتكبير فإنه يكسرها".

[10]

25578- 10 (الفقيه- 1: 544 رقم 1520) و قال رسول اللّٰه ص" لا تسبوا الرياح فإنها مأمورة، و لا الجبال، و لا الساعات، و لا الأيام، و لا الليالي فتأثموا و يرجع إليكم".

[11]

25579- 11 (الفقيه- 1: 545 رقم 1521) و قال ع" ما خرجت ريح قط إلا بمكيال إلا زمن عاد فإنها عتت على خزانها فخرجت في مثل خرق الإبرة فأهلكت قوم عاد".

[12]
اشارة

25580- 12 (الكافي- 8: 217 رقم 265) محمد، عن ابن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه ع قال

الوافي، ج 26، ص: 498

" إن لله تعالى ريحا يقال لها: الأزيب لو أرسل منها مقدار منخر ثور لأثارت ما بين السماء و الأرض و هي الجنوب".

بيان

إنما تسمى الجنوب بالأزيب إذا عدلت عن مهبها كالصبا و تسميان حينئذ بالنكباء و نكباء الشمال و الدبور تسمى بالصائبة.

[13]
اشارة

25581- 13 (الكافي- 8: 271 رقم 401) القمي، عن بعض أصحابه، عن محمد بن الفضيل، عن العرزمي قال: كنت مع أبي عبد اللّٰه ع جالسا في الحجر تحت الميزاب و رجل يخاصم رجلا و أحدهما يقول لصاحبه و اللّٰه ما تدري من أين تهب الريح، فلما أكثر عليه، قال له أبو عبد اللّٰه ع" فهل تدري أنت" قال: لا، و لكني أسمع الناس يقولون فقلت أنا لأبي عبد اللّٰه ع: جعلت فداك من أين تهب الريح فقال" إن الريح مسجونة تحت هذا الركن الشامي فإذا أراد اللّٰه تعالى أن يخرج منها شيئا أخرجه إما جنوب فجنوب و إما شمال فشمال و فصبا و دبور فدبور" ثم قال" من آية ذلك أنك لا تزال ترى هذا الركن متحركا أبدا في الشتاء و الصيف و الليل و النهار".

بيان

________________________________________

كاشانى، فيض، محمد محسن ابن شاه مرتضى، الوافي، 26 جلد، كتابخانه امام امير المؤمنين علي عليه السلام، اصفهان - ايران، اول، 1406 ه ق

الوافي؛ ج 26، ص: 498

لعل المراد بتحرك الركن تحرك الهواء المطيف به.

الوافي، ج 26، ص: 499

باب المطر و أسبابه

[1]
اشارة

25582- 1 (الكافي- 8: 239 رقم 326) علي، عن الاثنين، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" كان علي ع يقوم في المطر أول ما يمطر حتى يبتل رأسه و لحيته و ثيابه، فقيل له: يا أمير المؤمنين الكن الكن، فقال: إن هذا ماء قريب عهد بالعرش، ثم أنشأ يحدث فقال: إن تحت العرش بحرا فيه ماء ينبت أرزاق الحيوانات فإذا أراد اللّٰه تعالى أن ينبت به ما يشاء لهم رحمة منه لهم أوحى اللّٰه إليه فمطر ما شاء من سماء إلى سماء حتى يصير إلى سماء الدنيا فيما أظن فيلقيه إلى السحاب و السحاب بمنزلة الغربال، ثم يوحي اللّٰه إلى الريح أن اطحنيه و أذيبيه ذوبان الماء، ثم انطلقي به إلى موضع كذا و كذا فأمطري عليهم فيكون كذا و كذا عبابا و غير ذلك، فتقطر عليهم على النحو الذي يأمرها به فليس من قطرة تقطر إلا و معها ملك حتى يضعها موضعها و لم تنزل من السماء قطرة من مطر إلا بعدد معدود و وزن معلوم إلا ما كان من يوم الطوفان على عهد نوح ع فإنه نزل ماء منهمر بلا وزن و لا عدد" قال و حدثني أبو عبد اللّٰه

الوافي، ج 26، ص: 500

ع قال" قال لي أبي ع: قال أمير المؤمنين ع:

قال رسول اللّٰه ص: إن اللّٰه تعالى جعل السحاب غرابيل للمطر، حتى يذيب البرد حتى يصير ماء لكيلا يضر به شيئا يصيبه،

فالذي ترون فيه من البرد و الصواعق نقمة من اللّٰه يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ". ثم قال" قال رسول اللّٰه ص:

لا تشيروا إلى المطر و لا إلى الهلال فإن اللّٰه يكره ذلك".

بيان

" العباب" بالضم معظم السيل و كثرته و ارتفاعه، و" المنهمر" المنصب في كثرة و تتابع فإنه لم ينقطع أربعين يوما و من أراد أن يطلع إلى شي ء من أسرار هذا الحديث فليراجع إلى كتاب عين اليقين و آخر الحديث يحتمل معنيين أحدهما الإشارة باليد و الثاني الإشارة إلى كيفية حدوثهما صريحا من دون رمز فإن ذلك يضر باعتقاد العامة و المعنى الثاني أقرب و يشهد له قول اللّٰه تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَ الْحَجِّ فعدل عما سألوه إلى أمر آخر.

[2]

25583- 2 (الكافي- 8: 218 رقم 267) علي، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن رزيق، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" ما أبرقت قط في ظلمة ليل و لا ضوء نهار إلا و هي ماطرة".

[3]
اشارة

25584- 3 (الكافي- 8: 218 رقم 268) محمد، عن ابن عيسى، عن الحسين، عن أبي العزرمي رفعه قال: قال أمير المؤمنين ع

الوافي، ج 26، ص: 501

و سئل عن السحاب أين يكون قال" يكون على شجر على كثيب على شاطئ البحر يأوي إليه فإذا أراد اللّٰه تعالى أن يرسله أرسل ريحا فأثارته و وكل به ملائكته يضربونه بالمخاريق و هز البرق فيرتفع ثم قرأ هذه الآية اللّٰهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيٰاحَ فَتُثِيرُ سَحٰاباً فَسُقْنٰاهُ إِلىٰ بَلَدٍ مَيِّتٍ الآية و الملك اسمه الرعد".

بيان

" المخراق" المنديل يلف ليضرب به و هز البرق أي حركه و في بعض النسخ و هو البرق و لعله أصوب لما ورد في حديث آخر عنه ع أنه قال:

البرق مخاريق الملائكة، كما يأتي و يأتي أيضا أن البرق سوط الملك.

[4]

25585- 4 (الفقيه- 1: 524 رقم 1491) حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّٰه ع أنه قال" إن اللّٰه تبارك و تعالى إذا أراد أن ينفع بالمطر أمر السحاب فأخذ الماء من تحت العرش، و إذا لم يرد النبات أمر السحاب فأخذ الماء من البحر، قيل: إن ماء البحر مالح قال إن السحاب يعذبه".

[5]

25586- 5 (الفقيه- 1: 525 رقم 1492) سعدان، عنه ع أنه قال" ما من قطرة تنزل من السماء إلا و معها ملك يضعها الموضع الذي قدرت له".

[6]

25587- 6 (الفقيه- 1: 525 رقم 1493) و قال النبي ص

الوافي، ج 26، ص: 502

" ما أتى على أهل الدنيا يوم واحد منذ خلقها اللّٰه عز و جل إلا و السماء فيها يمطر فيجعل اللّٰه ذلك حيث يشاء".

[7]

25588- 7 (الفقيه- 1: 525 رقم 1494) قال رسول اللّٰه ص" ما خرجت ريح قط إلا بمكيال إلا زمن عاد فإنها عتت على خزانها فخرجت في مثل خرق الإبرة فأهلكت قوم عاد و ما نزل مطر قط إلا بوزن إلا زمن نوح ع فإنه عتا على خزانة فخرج في مثل خرق الإبرة فأغرق اللّٰه فيه قوم نوح ع".

[8]

25589- 8 (الفقيه- 1: 525 رقم 1495) قال أمير المؤمنين ع" السحاب غربال المطر، لو لا ذلك لأفسد كل شي ء وقع عليه".

[9]

25590- 9 (الفقيه- 1: 525 رقم 1496) سأل أبو بصير أبا عبد اللّٰه ع عن الرعد أي شي ء يقول قال" إنه بمنزلة الرجل يكون في الإبل فيزجرها هاي هاي كهيئة ذلك" قال: قلت: جعلت فداك فما حال البرق فقال" تلك مخاريق الملائكة تضرب السحاب فتسوقه إلى موضع قضى اللّٰه عز و جل فيه المطر".

[10]

25591- 10 (الفقيه- 1: 526 رقم 1497) و قال ع" الرعد صوت الملك، و البرق سوطه".

الوافي، ج 26، ص: 503

[11]

25592- 11 (الفقيه- 1: 526 رقم 1498) روي أن الرعد صوت ملك أكبر من الذباب و أصغر من الزنبور، فينبغي لمن سمع صوت الرعد أن يقول: سبحان من يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلٰائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ.

[12]

25593- 12 (الفقيه- 1: 526 رقم 1499) قال الصادق ع" جاء أصحاب فرعون إلى فرعون فقالوا له: غار ماء النيل و فيه هلاكنا، فقال: انصرفوا اليوم، فلما أن كان من الليل توسط النيل و رفع يديه إلى السماء و قال: اللهم إنك تعلم أني أعلم أنه لا يقدر على أن يجي ء بالماء إلا أنت فجئنا به، فأصبح النيل يتدفق".

الوافي، ج 26، ص: 504

باب الملائكة و صنوفها

[1]

25594- 1 (الكافي- 8: 272 رقم 402) العدة، عن سهل و علي، عن أبيه جميعا، عن السراد، عن داود الرقي، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" ليس خلق أكثر من الملائكة إنه لينزل كل ليلة من السماء سبعون ألف ملك فيطوفون بالبيت الحرام ليلتهم و كذلك في كل يوم".

[2]
اشارة

25595- 2 (الكافي- 8: 272 رقم 403) السراد، عن عبد اللّٰه بن طلحة رفعه قال: قال النبي ص" الملائكة على ثلاثة أجزاء: جزء له جناحان، و جزء له ثلاثة أجنحة، و جزء له أربعة أجنحة".

بيان

لعله لم يرد خصوصية الأعداد و نفي ما زاد لما روي عن النبي ص أنه رأى جبرئيل ليلة المعراج و له ستمائة ألف جناح و كأنه إلى ذلك أشير بقوله تعالى بعد قوله مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مٰا يَشٰاءُ.

الوافي، ج 26، ص: 505

[3]

25596- 3 (الكافي- 8: 272 رقم 404) العدة، عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن معاوية بن ميسرة، عن الحكم بن عتيبة، عن أبي جعفر ع قال" إن في الجنة نهرا يغتمس فيه جبرئيل ع كل غداة ثم يخرج منه فينتفض فيخلق اللّٰه تعالى من كل قطرة تقطر منه ملكا".

[4]

25597- 4 (الكافي- 8: 272 رقم 405) عنه، عن بعض أصحابه، عن زياد القندي، عن درست، عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" إن لله تعالى ملكا ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير".

[6]

25598- 5 (الكافي- 8: 272 رقم 406) الاثنان، عن الوشاء، عن محمد بن الفضيل، عن أبي جعفر ع قال" إن لله ديكا رجلاه في الأرض السابعة و عنقه مثنية تحت العرش و جناحاه في الهواء إذا كان في نصف الليل أو الثلث الباقي من آخر الليل ضرب بجناحيه و صاح و قال:

سبوح قدوس ربنا اللّٰه الملك الحق المبين فلا إله غيره رب الملائكة و الروح، فتضرب الديكة بأجنحتها و تصيح".

[6]

25599- 6 (الفقيه- 1: 482 رقم 1395) قال أبو جعفر ع" إن لله تبارك و تعالى ملكا على صورة ديك أبيض، رأسه تحت العرش، و رجلاه في تخوم الأرض السابعة، و له جناح في المشرق و جناح في المغرب، لا تصيح الديوك حتى يصيح، فإذا صاح خفق بجناحيه، ثم قال:

سبحان اللّٰه، سبحان اللّٰه، سبحان اللّٰه العظيم الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ، قال:

فيجيبه اللّٰه تبارك و تعالى و يقول: لا يحلف بي كاذبا من يعرف ما تقول".

الوافي، ج 26، ص: 506

[7]

25600- 7 (الفقيه- 1: 483 رقم 1396) و روي أن فيه نزلت و الطير صافات كل قد علم صلاته و تسبيحه.

[8]

25601- 8 (الفقيه- 1: 483 رقم 1397) و روي أن حملة العرش اليوم أربعة: واحد منهم على صورة الديك يسترزق اللّٰه عز و جل للطير، و واحد على صورة الأسد يسترزق اللّٰه تعالى للسباع، و واحد على صورة الثور يسترزق اللّٰه تعالى للبهائم، و واحد منهم على صورة ابن آدم يسترزق اللّٰه تعالى لولد آدم، فإذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية، قال اللّٰه تعالى وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمٰانِيَةٌ.

الوافي، ج 26، ص: 507

باب أن إبليس ليس من الملائكة و إن دخل في مخاطبتهم

[1]

25602- 1 (الكافي- 8: 274 رقم 413) القميان، عن علي بن حديد، عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد اللّٰه ع عن إبليس أ كان من الملائكة أم كان يلي شيئا من أمر السماء فقال" لم يكن من الملائكة و لم يكن يلي شيئا من أمر السماء و لا كرامة" فأتيت الطيار فأخبرته بما سمعت فأنكره و قال: كيف لا يكون من الملائكة و اللّٰه تعالى يقول وَ إِذْ قُلْنٰا لِلْمَلٰائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلّٰا إِبْلِيسَ فدخل عليه الطيار فسأله و أنا عنده فقال له: جعلت فداك أ رأيت قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا في غير مكان فهي مخاطبة المؤمنين أ يدخل في هذا المنافقون قال" نعم يدخل في هذا المنافقون و الضلال و كل من أقر بالدعوة الظاهرة".

[2]
اشارة

25603- 2 (الكافي- 2: 412) الثلاثة، عن جميل قال: كان الطيار يقول لي: إبليس ليس من الملائكة و إنما أمرت الملائكة بالسجود لآدم فقال إبليس: لا أسجد، فما لإبليس يعصي حين لم يسجد و ليس هو

الوافي، ج 26، ص: 508

من الملائكة قال: فدخلت أنا و هو على أبي عبد اللّٰه ع قال:

فأحسن و اللّٰه في المسألة فقال: جعلت فداك أ رأيت ما ندب اللّٰه عز و جل إليه المؤمنين من قوله يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أ دخل في ذلك المنافقون معهم فقال" نعم و الضلال و كل من أقر بالدعوة الظاهرة و كان إبليس ممن أقر بالدعوة الظاهرة معهم".

بيان

يعني كما إن كل من أقر بالدعوة الظاهرة داخل في خطاب الذين آمنوا كذلك إبليس داخل في خطاب الملائكة لإقراره معهم بما يجب عليهم أن يقروا به.

الوافي، ج 26، ص: 509

باب سائر الخلق و أصناف الناس

[1]

25604- 1 (الكافي- 8: 220 رقم 274) الاثنان، عن أحمد بن محمد ابن عبد اللّٰه، عن العباس بن العلاء، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: سئل أمير المؤمنين ع عن الخلق، فقال" خلق اللّٰه ألفا و مائتين في البر و ألفا و مائتين في البحر و أجناس بني آدم سبعون جنسا و الناس ولد آدم ما خلا يأجوج و مأجوج".

[2]
اشارة

25605- 2 (الكافي- 8: 248 رقم 348) محمد، عن ابن عيسى، عن سعيد بن جناح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" ما خلق اللّٰه تعالى خلقا أصغر من البعوض، و الجرجس أصغر من البعوض، و الذي نسميه الولع أصغر من الجرجس، و ما في الفيل شي ء إلا و فيه مثله و فضل على الفيل بالجناحين".

بيان

" البعوض" البق الواحدة بعوضة، و" الجرجس" لغة في القرقس و هو البعوض الصغار.

الوافي، ج 26، ص: 510

[3]

25606- 3 (الكافي- 8: 220 رقم 275) الاثنان، عن الوشاء، عن مثنى، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" الناس طبقات ثلاث: طبقة هم منا و نحن منهم، و طبقة يتزينون بنا، و طبقة يأكل بعضهم بعضا بنا".

[4]

25607- 4 (الكافي- 8: 177 رقم 197) العدة، عن سهل، عن بكر بن صالح رفعه، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة، فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الإسلام أصل".

[5]
اشارة

25608- 5 (الكافي- 8: 246 رقم 345) العدة، عن سهل، عن موسى ابن جعفر، عن عمرو بن سعيد، عن خلف بن عيسى، عن أبي عبيد المدائني، عن أبي جعفر ع قال" إن لله تعالى ذكره عبادا ميامين مياسير، يعيشون و يعيش الناس في أكنافهم، و هم في عباده بمنزلة القطر، و لله تعالى عباد ملاعين مناكير، لا يعيشون و لا يعيش الناس في أكنافهم، و هم في عباده بمنزلة الجراد لا يقعون على شي ء إلا أتوا عليه".

بيان

" أتوا عليه" أي أفنوه.

الوافي، ج 26، ص: 511

باب النجوم

اشارة

الوافي، ج 26، ص: 513

[1]
اشارة

25609- 1 (الكافي- 8: 195 رقم 233) العدة، عن البرقي، عن ابن فضال، عن الحسن بن أسباط، عن عبد الرحمن بن سيابة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه ع: جعلت لك الفداء [إن] الناس يقولون: إن النجوم لا يحل النظر فيها و هي تعجبني فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شي ء يضر بديني و إن كانت لا تضر بديني فو الله إني لأشتهيها و أشتهي النظر فيها فقال" ليس كما تقولون، لا يضر بدينك" ثم قال" إنكم

الوافي، ج 26، ص: 515

تنظرون في شي ء منها كثيره لا يدرك و قليله لا ينتفع به، تحسبون على طالع القمر" ثم قال" أ تدري كم بين المشتري و الزهرة من دقيقة" قلت: لا و اللّٰه، قال" أ فتدري كم بين الزهرة و القمر من دقيقة" قلت

الوافي، ج 26، ص: 516

لا، قال" أ فتدري كم بين الشمس و بين السنبلة من دقيقة" قلت: لا و اللّٰه ما سمعته من أحد من المنجمين قط، قال" أ فتدري كم بين السكينة و بين اللوح المحفوظ من دقيقة" قلت: و اللّٰه ما سمعته من منجم قط، قال" ما بين كل واحد منهما إلى صاحبه ستون أو سبعون دقيقة" شك عبد الرحمن ثم قال" يا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل و وقع عليه عرف القصبة التي وسط الأجمة و عدد ما عن يمينها و عدد ما عن يسارها و عدد ما خلفها و عدد ما أمامها حتى لا يخفى عليه من قصب الأجمة واحدة".

بيان

روى ابن طاوس في كتاب فرج المهموم بإسناده عن محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه قال في كتاب تعبير الرؤيا بإسناده عن محمد بن سام قال:

قال

أبو عبد اللّٰه ع" قوم يقولون إن النجوم أصح من الرؤيا و ذلك إنما صحيحة حين لم ترد الشمس على يوشع بن نون و على أمير المؤمنين عليهما السلام فلما رد اللّٰه عز و جل الشمس عليهما ضل فيها علماء النجوم فمنهم مصيب و منهم مخطئ".

[2]
اشارة

25610- 2 (الكافي- 8: 351 رقم 549) العدة، عن أحمد و علي بن محمد جميعا، عن التيمي، عن محمد بن الخطاب، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أحمد بن عمر الحلبي، عن حماد الأزدي، عن هشام الخفاف، قال: قال لي أبو عبد اللّٰه ع" كيف بصرك بالنجوم" قال: قلت: ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم مني، قال" كيف دوران

الوافي، ج 26، ص: 517

الفلك عندكم" قال: فأخذت قلنسوتي عن رأسي فأدرتها، قال:

فقال" لئن كان الأمر على ما تقول فما بال بنات النعش و الجدي و الفرقدين لا يرون تدور يوما من الدهر في القبلة" قال: قلت: هذا و اللّٰه شي ء لا أعرفه و لا سمعت أحدا من أهل الحساب يذكره.

فقال لي" كم السكينة من الزهرة جزءا في ضوءها" قال: قلت: هذا و اللّٰه نجم ما سمعت به و لا سمعت أحدا من الناس يذكره، فقال" سبحان اللّٰه فأسقطتم نجما بأسره فعلى ما تحسبون!" ثم قال" فكم الزهرة من القمر جزءا في ضوئه" قال: قلت: هذا شي ء لا يعلمه إلا اللّٰه تعالى، ثم قال" فكم القمر جزءا من الشمس في ضوئها" قال: قلت: ما أعرف هذا، قال" صدقت" ثم قال" فما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب و في هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر و يحسب هذا لصاحبه بالظفر ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر فأين كانت النحوس" قال:

فقلت: لا و اللّٰه

ما أعلم ذلك، قال: فقال" صدقت إن أصل الحساب حق و لكن لا يعلم بذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم".

بيان

في حديث المنجم اليماني الذي رواه ابن طاوس في كتاب فرج المهموم عن الصادق ع أنه قال له أشياء أمثال ذلك ثم قال" فما اسم النجم الذي

الوافي، ج 26، ص: 518

إذا طلع هاجت الإبل" قال: لا أدري، قال" فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب" قال: لا أدري، قال" فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر" فقال: لا أدري، فقال له الصادق ع" صدقت في قولك لا تدري".

[3]

25611- 3 (الكافي- 8: 330 رقم 507) محمد، عن سلمة بن الخطاب، و العدة، عن سهل جميعا، عن علي بن حسان، عن علي بن عطية الزيات، عن معلى بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّٰه ع عن النجوم أ حق هي فقال" نعم إن اللّٰه تعالى بعث المشتري إلى الأرض في صورة رجل فأخذ رجلا من العجم فعلمه النجوم حتى ظن أنه قد بلغ، ثم قال له: انظر أين المشتري، فقال: ما أراه في الفلك و ما أدري أين هو، قال:

فنحاه و أخذ بيد رجل من الهند فعلمه حتى ظن أنه قد بلغ، و قال: انظر إلى المشتري أين هو، فقال: إن حسابي ليدل على أنك أنت المشتري،

الوافي، ج 26، ص: 519

قال: و شهق شهقة فمات و ورث علمه أهله فالعلم هناك".

[4]
اشارة

25612- 4 (الكافي- 8: 330 رقم 508) الثلاثة، عن جميل، عمن أخبره، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: سئل عن النجوم، فقال" ما يعلمها إلا أهل بيت من العرب و أهل بيت بالهند".

بيان

قال ابن طاوس رحمه اللّٰه في كتاب فرج المهموم بعد نقل هذا الحديث:

و روينا هذا الحديث بإسنادنا إلى محمد بن أبي عمير من كتاب أصله عن أبي عبد اللّٰه ع قال: ذكرت النجوم قال: فقال" ما يعلمها إلا أهل بيت بالهند و أهل بيت بالعرب" قال: و حدثني بعض علماء المنجمين أن الذين يعلمون علم النجوم بالهند أولاد وصي إدريس ع ثم قال: أراد بالعلم العلم التام البالغ أقصى الغايات الذي لا يخطئ أبدا و العلم بها من دون أستاذ و لا آلات لوجود من يعلم كثيرا من أحكام النجوم و يحصل لهم إصابات و لأن كثيرا من المنجمين يذكرون أنهم عرفوا علم النجوم من إدريس النبي صلى اللّٰه عليه و آله و من أهل الهند العالمين بالنجوم،

و نقل في هذا الكتاب من كتاب نزهة الكرام و بستان العوام تأليف محمد بن الحسين بن الحسن الرازي إن هارون الرشيد نفذ إلى موسى بن جعفر ع فأحضره فلما حضر عنده قال: إن الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم و إن معرفتكم بها معرفة جيدة و فقهاء العامة يقولون إن رسول اللّٰه ص قال: إذا ذكروا أصحابي فاسكتوا و إذا ذكروا القدر فاسكتوا و إذا ذكروا النجوم فاسكتوا و أمير المؤمنين ع كان أعلم الخلائق بعلم النجوم و أولاده و ذريته الذين يقولون الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها، فقال له الكاظم ع" هذا حديث

الوافي، ج 26، ص: 520

ضعيف و إسناده مطعون فيه

و اللّٰه تبارك و تعالى قد مدح النجوم و لو لا أن النجوم صحيحة ما مدحها اللّٰه تبارك و تعالى و الأنبياء عليهم السلام كانوا عالمين بها، و قد قال اللّٰه تعالى في حق إبراهيم خليل الرحمن صلوات اللّٰه عليه وَ كَذٰلِكَ نُرِي إِبْرٰاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ و قال في موضع آخر فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقٰالَ إِنِّي سَقِيمٌ فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها و ما قال" إِنِّي سَقِيمٌ" و إدريس ع كان أعلم أهل زمانه بالنجوم و اللّٰه تعالى قد أقسم بها فَلٰا أُقْسِمُ بِمَوٰاقِعِ النُّجُومِ. وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ و قال في موضع آخر وَ النّٰازِعٰاتِ غَرْقاً- إلى قوله- فَالْمُدَبِّرٰاتِ أَمْراً و يعني بذلك اثني عشر برجا و سبع سيارات و الذي يظهر بالليل و النهار بأمر اللّٰه عز و جل و بعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم و هو علم الأنبياء و الأوصياء و ورثة الأنبياء الذين قال اللّٰه تعالى وَ عَلٰامٰاتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ و نحن نعرف هذا العلم و ما نذكره فقال له هارون: بالله عليك يا موسى هذا العلم لا تظهروه عند الجهال و عوام الناس حتى لا يشقون عليك و يفتتن العوام به وعظ هذا العلم و ارجع إلى حرم جدك.

و في ربيع الأبرار: عن أمير المؤمنين صلوات اللّٰه عليه أنه قال" من اقتبس علما عن علم النجوم من حملة القرآن ازداد به إيمانا و يقينا ثم تلا إِنَّ فِي اخْتِلٰافِ اللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ الآية.

الوافي، ج 26، ص: 521

[5]
اشارة

25613- 5 (الفقيه- 2: 267 رقم 2402) عبد الملك بن أعين قال: قلت لأبي

عبد اللّٰه ع: إني قد ابتليت بهذا العلم فأريد الحاجة، فإذا نظرت إلى الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم أذهب فيها، و إذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة، فقال لي" تقضي" قلت: نعم قال" أحرق كتبك".

بيان

و ذلك لأن كثيره لا يدرك و قليله لا ينفع و لأن حكمة اللّٰه تقتضي أن لا يعلم الناس الأمور قبل وقوعها لأن العلم بها قبل وقوعها يؤدي في الأكثر إلى الفساد إلا لأهل التقى وَ قَلِيلٌ مٰا هُمْ و لهذا حرم الكهانة و نحوها و عليه يحمل ما رواه

في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين ع أنه قال لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج فقال له: يا أمير المؤمنين إن سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم، فقال ع" أ تزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء و تخوف الساعة التي من سار فيها حاق به الضر فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن و استغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب و دفع المكروه و ينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه لأنك بزعمك أنت الذي هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع و أمن الضر" ثم أقبل ع على الناس، فقال" أيها الناس إياكم و تعلم النجوم إلا ما يهتدي به في بر أو بحر فإنها تدعو إلى الكهانة، المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار، سيروا على اسم اللّٰه سبحانه".

الوافي، ج 26، ص: 522

و روي أنه قيل له ع عند خروجه إلى النهروان القمر في العقرب، فقال صلوات اللّٰه عليه" قمرنا أم

قمرهم".

[6]
اشارة

25614- 6 (الكافي- 8: 306 رقم 474) علي، عن أبيه، عن السراد، عن مالك بن عطية، عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّٰه ع عن الحر و البرد مما يكونان فقال لي" يا با أيوب إن المريخ كوكب حار و زحل كوكب بارد فإذا بدأ المريخ في الارتفاع انحط زحل و ذلك في الربيع فلا يزالان كذلك كلما ارتفع المريخ درجة انحط زحل

الوافي، ج 26، ص: 523

درجة ثلاثة أشهر حتى ينتهي المريخ في الارتفاع و ينتهي زحل في الهبوط فيجلو المريخ، فلذلك يشتد الحر فإذا كان في آخر الصيف و أول الخريف بدأ زحل في الارتفاع و بدأ المريخ في الهبوط فلا يزالان كذلك كلما ارتفع زحل درجة انحط المريخ درجة حتى ينتهي المريخ في الهبوط و ينتهي زحل في الارتفاع فيجلو زحل و ذلك في أول الشتاء و آخر الخريف، فلذلك يشتد البرد، و كلما ارتفع هذا هبط هذا و كلما هبط هذا ارتفع هذا فإذا كان في الصيف يوم بارد فالفعل في ذلك للقمر، و إذا كان في الشتاء يوم حار فالفعل في ذلك للشمس هذا تقدير العزيز العليم و أنا عبد رب العالمين".

بيان

لا ينافي هذا الحديث حدوث الحرارة في الصيف بارتفاع الشمس و البرودة في الشتاء بانخفاضها لجواز أن يكون لكلا الأمرين مدخل في ذلك أحدهما يكون سببا جليا و الآخر خفيا و إنما بين ع الخفي لخفائه دون الجلي لجلائه.

[7]
اشارة

25615- 7 (الكافي- 8: 257 رقم 369) العدة، عن سهل، عن الحسن ابن علي بن عثمان، عن أبي عبد اللّٰه المدائني، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" إن اللّٰه تعالى خلق نجما في الفلك السابع فخلقه من ماء بارد و سائر النجوم الستة الجاريات من ماء حار و هو نجم الأنبياء و الأوصياء و هو نجم أمير المؤمنين ع يأمر بالخروج من الدنيا و الزهد فيها و يأمر بافتراش التراب و توسد اللبن و لباس الخشن و أكل الجشب و ما خلق اللّٰه نجما أقرب إلى اللّٰه تعالى منه".

الوافي، ج 26، ص: 524

بيان:

أشار ع بهذا النجم إلى زحل و هو مطابق لما يراه المنجمون من نحوسة زحل و ذلك لأن نظرهم مقصور على النشأة الفانية و الدنيا و الآخرة ضرتان لا تجتمعان.

و في حديث المنجم الذي رواه ابن طاوس رحمه اللّٰه في كتاب فرج المهموم عن الصادق ع أنه قال له" ما عندكم في زحل في النجوم" فقال الرجل اليماني: جعلت فداك زحل نجم النحوس، قال له جعفر ع" لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين ع و هو نجم الأوصياء ع و هو النجم الثاقب الذي ذكره اللّٰه تعالى في كتابه" فقال: فقال له الرجل اليماني: ما يعني بالثاقب، قال جعفر بن محمد عليهما السلام" إن مطلعة في السماء السابعة و إنه يثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا فمن ذلك سماه النجم الثاقب".

الوافي، ج 26، ص: 525

باب الطب

[1]

25616- 1 (الكافي- 8: 88 رقم 52) محمد، عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن زياد بن أبي الحلال، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" قال موسى ع: يا رب من أين الداء قال: مني، قال: فالشفاء قال: مني قال: فما يصنع عبادك بالمعالج قال: يطيب بأنفسهم فيومئذ سمي المعالج الطبيب".

[2]

25617- 2 (الكافي- 8: 88 رقم 53) عنه، عن أحمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن الخراز، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" ما من داء إلا و هو سارع إلى الجسد ينتظر متى يؤمر به فيأخذه".

الوافي، ج 26، ص: 526

[3]

25618- 3 (الكافي- 8: 88 ذيل رقم 53) و في رواية أخرى: إلا الحمى فإنها ترد ورودا.

[4]
اشارة

25619- 4 (الكافي- 8: 230 رقم 297) محمد، عن أحمد، عن ابن سنان قال: سمعت أبا الحسن ع يقول" طبائع الجسم على أربعة: فمنها الهواء الذي لا تحيا النفس إلا به و بنسيمه و يخرج ما في الجسم من داء و عفونة، و الأرض التي قد تولد اليبس و الحرارة، و الطعام و منه يتولد الدم ألا ترى أنه يصير إلى المعدة فيغذيه حتى يلين ثم يصفو فتأخذ الطبيعة صفوه دما ثم ينحدر الثفل، و الماء و هو يولد البلغم".

بيان

كأنه أشير بطبائع الجسم إلى الأخلاط أعني المراد الأربع المشهورة إلا أنه ع عبر عن السوداء و الصفراء بما يلزمهما و جعل اليبس و الحرارة من مولدات الأرض لأن من جملة أسبابهما انعكاس الشعاع من الأرض.

الوافي، ج 26، ص: 527

[5]

25620- 5 (الكافي- 8: 190 رقم 218) محمد، عن ابن عيسى، عن البزنطي و ابن فضال، عن أبي جميلة، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" الحزم في القلب و الرحمة و الغلظة في الكبد و الحياء في الرئة".

[6]

25621- 6 (الكافي- 8: 190 ذيل رقم 218) و في حديث آخر لأبي جميلة: العقل مسكنة في القلب.

[7]

25622- 7 (الكافي- 8: 190 رقم 219) العدة، عن سهل، عن علي ابن حسان، عن موسى بن بكر قال: اشتكى غلام لأبي الحسن ع فسأل عنه، فقيل: إن به طحالا، فقال" أطعموه الكراث ثلاثة أيام" فأطعموه إياه فقعد الدم ثم برأ.

[8]
اشارة

25623- 8 (الكافي- 8: 191 رقم 220) محمد، عن غير واحد، عن ابن عيسى، عن محمد بن عمرو بن إبراهيم، قال: سألت أبا جعفر ع و شكوت إليه ضعف معدتي، فقال" اشرب الحزاء بالماء البارد" ففعلت فوجدت منه ما أحب.

بيان

" الحزاء" بالمهملة و الزاي ما يسمى بزوفرا و يكون الأكثر في كردستان و يوضع في الخل.

[9]
اشارة

25624- 9 (الكافي- 8: 191 رقم 221) محمد، عن ابن عيسى، عن بكر بن صالح قال: سمعت أبا الحسن الأول ع يقول" من به

الوافي، ج 26، ص: 528

الريح الشابكة و الحام و الإبردة في المفاصل تأخذ كف حلبة و كف تين يابس تغمرهما بالماء و تطبخهما في قدر نظيفة ثم تصفي به ثم تبرد ثم تشربه يوما و تغب يوما حتى تشرب منه تمام أيامك قدر قدح روي".

بيان

الحلبة ما يسمى بالفارسية شنبليله.

[10]

25625- 10 (الكافي- 8: 191 رقم 222) العدة، عن البرقي، عن محمد بن علي، عن نوح بن شعيب، عمن ذكره، عن أبي الحسن ع قال" من تغير عليه ماء الظهر فلينقع له اللبن الحليب و العسل".

[11]

25626- 11 (الكافي- 8: 160 رقم 160) العدة، عن سهل، عن ابن فضال، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" الحجامة في الرأس هي المغيثة تنفع من كل داء إلا السام، و شبر من الحاجبين إلى حيث بلغ إبهامه ثم قال: هاهنا".

[12]

25627- 12 (الكافي- 8: 273 رقم 407) محمد، عن ابن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عمار الساباطي، قال: قال أبو عبد اللّٰه ع" ما يقول من قبلكم في الحجامة" قلت: ما يزعمون أنها على الريق أفضل منها على الطعام، قال" لا، هي على الطعام أدر للعروق و أقوى للبدن".

الوافي، ج 26، ص: 529

[13]
اشارة

25628- 13 (الكافي- 8: 191 رقم 223) الحسين بن محمد، عن علي بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن حمران قال: قال أبو عبد اللّٰه ع" فيم يختلف الناس" قلت: يزعمون أن الحجامة في يوم الثلاثاء أصلح، قال: فقال لي" و إلى ما يذهبون في ذلك" قلت:

يزعمون أنه يوم الدم، قال: فقال" صدقوا فأحرى أن لا يهيجوه في يومه، أ ما علموا أن في يوم الثلاثاء ساعة من وافقها لم يرق دمه حتى يموت أو ما شاء اللّٰه".

بيان

" لم يرق دمه" أي لم يجف و لم يسكن.

[14]

25629- 14 (الكافي- 8: 192 رقم 224) العدة، عن سهل، عن يعقوب بن يزيد، عن رجل من الكوفيين، عن أبي عروة أخي شعيب أو عن العقرقوفي، قال: دخلت على أبي الحسن الأول ع و هو يحتجم يوم الأربعاء في الحبس، فقلت له: إن هذا يوم يقول الناس إن من احتجم فيه أصابه البرص، فقال" إنما يخاف ذلك على من حملته أمه في حيضها".

[15]

25630- 15 (الكافي- 8: 192 رقم 225) محمد، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" لا تحتجموا في يوم الجمعة مع الزوال فإن من احتجم مع الزوال في يوم الجمعة فأصابه شي ء فلا يلومن إلا نفسه".

الوافي، ج 26، ص: 530

[16]

25631- 16 (الكافي- 8: 273 رقم 408) محمد، عن أحمد، عن السراد، عن البجلي، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" اقرأ آية الكرسي و احتجم أي يوم شئت و تصدق و اخرج أي يوم شئت".

[17]

25632- 17 (الكافي- 8: 192 رقم 226) محمد، عن ابن عيسى، عن الحسن بن علي، عن أبي سلمة، عن معتب، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" الدواء أربعة: السعوط و الحجامة و النورة و الحقنة".

[18]
اشارة

25633- 18 (الفقيه- 1: 126 رقم 299) قال رسول اللّٰه ص" الداء ثلاثة و الدواء ثلاثة، فأما الداء فالدم و المرة، و البلغم، فدواء الدم الحجامة، و دواء البلغم الحمام، و دواء المرة المشي".

بيان

" المرة" بالكسر يقال للصفراء و السوداء و المشي بكسر الشين المعجمة و تشديد الياء الدواء المسهل سمي به لأنه يحمل شاربه على المشي و التردد إلى الخلاء فقيل من المشي.

[19]
اشارة

25634- 19 (الكافي- 8: 192 رقم 227) الثلاثة، عن ابن أذينة قال شكا رجل إلى أبي عبد اللّٰه ع السعال و أنا حاضر، فقال له" خذ في راحتك شيئا من كاشم و مثله من سكر فاستفه يوما أو يومين".

الوافي، ج 26، ص: 531

قال ابن أذينة: فلقيت الرجل بعد ذلك، فقال: ما فعلته إلا مرة واحدة حتى ذهب.

بيان

" الكاشم" الأنجدان.

[20]

25635- 20 (الكافي- 8: 193 رقم 228) محمد، عن ابن عيسى، عن سعيد بن جناح، عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" إن موسى بن عمران ع شكا إلى ربه تعالى البلة و الرطوبة فأمره اللّٰه أن يأخذ الهليلج، و البليلج، و الأملج فيعجنه بالعسل و يأخذه" ثم قال أبو عبد اللّٰه ع" هو الذي يسمونه عندكم الطريفل".

[21]
اشارة

25636- 21 (الكافي- 8: 193 رقم 229) محمد، عن أحمد، عن محمد بن خالد، عن محمد بن يحيى، عن أخيه العلاء، عن إسماعيل بن الحسن المتطبب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه ع: إني رجل من العرب و لي بالطب بصر و طبي طب عربي و لست آخذ عليه صفدا، فقال" لا بأس" قلت: إنا نبط الجرح و نكوي بالنار قال" لا بأس" قلت: و نسقي هذه السموم الأسمحيقون و الغاريقون قال" لا بأس" قلت: إنه ربما مات قال" و إن مات" قلت: نسقي عليه النبيذ قال" ليس في حرام شفاء، قد اشتكى رسول اللّٰه ص فقالت له عائشة: بك ذات

الوافي، ج 26، ص: 532

الجنب فقال: أنا أكرم على اللّٰه من أن يبتليني بذات الجنب، قال: فأمر فلد بصبر".

بيان

" الصفد" محركة العطاء، و" البط" الشق، و" اللد" صب الدواء في أحد شقي الفم.

[22]

25637- 22 (الكافي- 8: 194 رقم 230) الثلاثة، عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه ع: الرجل يشرب الدواء و يقطع العرق فربما انتفع به، و ربما قتله قال" يقطع و يشرب".

[23]

25638- 23 (الكافي- 8: 194 رقم 231) أحمد بن محمد الكوفي، عن ابن فضال، عن محمد بن عبد الحميد، عن الحكم بن مسكين، عن حمزة بن الطيار، قال: كنت عند أبي الحسن الأول ع فرآني أتأوه فقال" ما لك" قلت: ضرسي، فقال" لو احتجمت" فاحتجمت فسكن فأعلمته، فقال لي" ما تداوى الناس بشي ء خير من مصة دم أو مزعة عسل" قال: قلت: جعلت فداك ما المزعة عسل قال" لعقة عسل".

[24]

25639- 24 (الكافي- 8: 194 رقم 232) العدة، عن سهل، عن بكر بن صالح، عن الجعفري قال: سمعت أبا الحسن موسى ع يقول" دواء الضرس تأخذ حنظلة فتقشرها ثم تستخرج دهنها فإن كان الضرس مأكولا منحفرا تقطر فيه قطرات و تجعل منه في قطنة شيئا و تجعل في جوف الضرس و ينام صاحبه مستلقيا يأخذه ثلاث ليال فإن كان الضرس لا أكل فيه و كانت ريحا قطر في الأذن التي تلي ذلك

الوافي، ج 26، ص: 533

الضرس ليالي كل ليلة قطرتين، أو ثلاث قطرات يبرأ بإذن اللّٰه" قال و سمعته يقول" لوجع الفم و الدم الذي يخرج من الأسنان و الضربان و الحمرة التي تقع في الفم تأخذ حنظلة رطبة قد اصفرت فيجعل عليها قالبا من طين ثم تثقب رأسها و تدخل سكينا جوفها فتحك جوانبها برفق ثم تصب عليها خل خمر حامضا شديد الحموضة ثم تضعها على النار فتغليها غليانا شديدا ثم يأخذ صاحبه منه كل ما احتمل ظفره فيدلك به فمه و يتمضمض بخل و إن أحب أن يحول ما في الحنظلة في زجاجة أو بستوقة فعل و كلما فني خله أعاد مكانه و كلما عتق كان خيرا له إن شاء اللّٰه تعالى".

[25]
اشارة

25640- 25 (الكافي- 6: 379) محمد، عن أحمد بن محمد بن موسى، عن بعض أصحابه، عن إبراهيم بن أبي البلاد قال: أخذني العباس بن موسى و أمر فوجئ فمي فتزعزعت أسناني فلا أقدر أن أمضغ الطعام فرأيت أبي في المنام و معه شيخ لا أعرفه فقال أبي رحمه اللّٰه: سلم عليه، فقلت: يا أبة من هو فقال: هذا أبو شيبة الخراساني، قال: فسلمت عليه، فقال: ما لي أراك هكذا فقلت: إن

الفاسق العباس بن موسى أمر بي فوجئ فمي فتزعزعت أسناني، فقال لي: شدها بالسعد فأصبحت فتمضمضت بالسعد فسكنت أسناني.

بيان

" وجى ء" ضرب،" تزعزعت" تحركت، و" السعد" طيب معروف و هو أصل نبات يشبه الكراث إلا أنه أدق.

الوافي، ج 26، ص: 534

[26]

25641- 26 (الكافي- 6: 379) عنه، عن السراد، عن أبي ولاد قال: رأيت أبا الحسن ع في الحجر و هو قاعد و معه عدة من أهل بيته فسمعته يقول" ضربت علي أسناني فأخذت السعد فدلكت به أسناني فنفعني ذلك و سكنت عني".

[27]

25642- 27 (الكافي- 6: 379) العدة، عن البرقي، عن أبي الخزرج الحسن بن الزبرقان الأنصاري، عن الفضل بن عثمان، عن أبي عزيز المرادي قال: و هو خال أمي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول" اتخذوا في أسنانكم السعد فإنه يطيب الفم و يزيد في الجماع".

[28]

25643- 28 (الكافي- 6: 378) محمد، عن علي بن الحسن بن علي، عن أحمد بن الحسين بن عمر، عن عمه محمد بن عمر، عن رجل، عن أبي الحسن الأول ع قال" من استنجى بالسعد بعد الغائط و غسل به فمه بعد الطعام لم تصبه علة في فمه و لم يخف شيئا من أرياح البواسير".

[29]

25644- 29 (الكافي- 8: 382 رقم 577) العدة، عن سهل، عن بكر بن صالح و النوفلي و غيرهما يرفعونه إلى أبي عبد اللّٰه ع قال" كان رسول اللّٰه ص لا يتداوى من الزكام و يقول:

ما من أحد إلا و به عرق من الجذام فإذا أصابه الزكام قمعه".

[30]

25645- 30 (الكافي- 8: 382 رقم 578) محمد، عن ابن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" قال رسول اللّٰه ص: الزكام جند من جنود اللّٰه تعالى

الوافي، ج 26، ص: 535

يبعثه على الداء فينزله".

[31]

25646- 31 (الكافي- 8: 382 رقم 579) محمد، عن موسى بن الحسن، عن محمد بن عبد الحميد بإسناده رفعه إلى أبي عبد اللّٰه ع قال" قال رسول اللّٰه ص: ما من أحد من ولد آدم إلا و فيه عرقان عرق في رأسه يهيج الجذام و عرق في بدنه يهيج البرص، فإذا هاج العرق الذي في الرأس سلط اللّٰه عليه الزكام حتى يسيل ما فيه من الداء، و إذا هاج العرق الذي في الجسد سلط اللّٰه عليه الدماميل حتى يسيل ما فيه من الداء، فإذا رأى أحدكم به زكاما أو دماميل فليحمد اللّٰه على العافية" و قال" الزكام فضول في الرأس".

[32]

25647- 32 (الكافي- 8: 383 رقم 580) محمد، عن ابن عيسى، عن السراد، عن رجل قال: دخل رجل على أبي عبد اللّٰه ع و هو يشتكي عينيه، فقال له" أين أنت عن هذه الأجزاء الثلاثة: الصبر و الكافور و المر" ففعل الرجل ذلك فذهب عنه.

[33]

25648- 33 (الكافي- 8: 383 رقم 581) عنه، عن أحمد، عن السراد، عن جميل بن صالح قال: قلت لأبي عبد اللّٰه ع: إن لنا فتاة ترى الكواكب مثل الجرة، قال" نعم و تراه مثل الحب" قلت: إن في بصرها ضعف، فقال" اكحلها بالصبر و المر و الكافور أجزاء سواء" فكحلناها به فنفعها.

الوافي، ج 26، ص: 536

[34]

25649- 34 (الكافي- 8: 383 رقم 582) عنه، عن أحمد، عن داود بن محمد، عن محمد بن الفيض، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" كنت عند أبي جعفر- يعني أبا الدوانيق- فجاءته خريطة فحلها و نظر فيها فأخرج منها شيئا، فقال: يا با عبد اللّٰه أ تدري ما هذا قلت: و ما هو قال: هذا شي ء يؤتى به من خلف إفريقية من طنجة أو طيبة- شك محمد- قلت: ما هو قال: جبل هناك يقطر منه في السنة قطرات فتجمد و هو جيد للبياض يكون في العين يكتحل بهذا فيذهب بإذن اللّٰه تعالى، قلت: نعم أعرفه و إن شئت أخبرتك باسمه و حاله قال فلم يسألني عن اسمه، قال: و ما حاله فقلت: هذا جبل كان عليه نبي من أنبياء بني إسرائيل هاربا من قومه يعبد اللّٰه عليه فعلم به قومه فقتلوه فهو يبكي على ذلك النبي و هذه القطرات من بكائه و له من الجانب الآخر عين تنبع من ذلك الماء بالليل و النهار و لا يوصل إلى تلك العين".

[35]
اشارة

25650- 35 (الكافي- 8: 383 رقم 583) الثلاثة، عن سليم بن مولى علي بن يقطين أنه كان يلقى من رمد عينيه أذى قال: فكتب إليه أبو الحسن ع ابتداء من عنده" ما يمنعك أذى قال: فكتب إليه أبو الحسن ع ابتداء من عنده" ما يمنعك من كحل أبي جعفر ع، جزء كافور رباحي و جزء صبر أصفوطزي يدقان جميعا و ينخلان بحريرة يكتحل منه مثل ما يكتحل من الإثمد، كحلة في الشهر تحدر كل داء في الرأس و تخرجه من البدن" قال: فكان يكتحل به فما اشتكى عينيه حتى مات.

الوافي، ج 26، ص: 537

بيان:

" الرباحي" بالموحدة بين المهملتين.

[36]

25651- 36 (الكافي- 8: 291 رقم 441) محمد، عن ابن عيسى، عن عبد الرحمن بن حماد، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن الفيض، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه ع: يمرض منا المريض فيأمره المعالجون بالحمية، فقال" لكنا أهل بيت لا نحتمي إلا من التمر و نتداوى بالتفاح و الماء البارد" قلت: و لم تحتمون من التمر قال" لأن نبي اللّٰه ص حمى عليا ع منه في مرضه".

[37]

25652- 37 (الكافي- 8: 291 رقم 442) عنه، عن أحمد، عن السراد، عن ابن رئاب، عن الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول" لا ينفع الحمية المريض بعد سبعة أيام".

[38]

25653- 38 (الكافي- 8: 291 رقم 443) العدة، عن البرقي، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى ع قال" ليس الحمية أن تدع الشي ء أصلا لا تأكله و لكن الحمية أن تأكل من الشي ء و تخفف".

الوافي، ج 26، ص: 538

[39]

25654- 39 (الكافي- 8: 291 رقم 444) محمد، عن ابن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد اللّٰه ع" إن المشي للمريض نكس، إن أبي ع كان إذا اعتل جعل في ثوب فحمل لحاجته" يعني الوضوء و ذاك أنه كان يقول إن المشي للمريض نكس.

[40]
اشارة

25655- 40 (الكافي- 8: 265 رقم 384) محمد، عن ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عن كامل بن محمد، عن محمد بن إبراهيم الجعفي، عن أبيه قال: دخلت على أبي عبد اللّٰه ع فقال" ما لي أراك ساهم الوجه" فقلت: إن بي حمى الربع، فقال" ما يمنعك من المبارك الطيب إسحاق السكر ثم امخضه بالماء و اشربه على الريق و عند المساء" قال:

ففعلت فما عادت إلي.

بيان

" السهام" بالضم الضمرة و التغير و قد سهم وجهه سهوما.

[41]
اشارة

25656- 41 (الكافي- 8: 265 رقم 385) عنه، عن أحمد، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن بعض أصحابنا قال: شكوت إلى أبي عبد اللّٰه ع الوجع فقال" إذا أويت إلى فراشك فكل سكرتين" قال: ففعلت فبرأت و أخبرت به بعض المتطببين و كان أفره أهل بلادنا فقال: من أين عرف أبو عبد اللّٰه ع هذا، هذا من مخزون علمنا، أما إنه صاحب كتب فينبغي أن يكون أصابه في بعض كتبه.

الوافي، ج 26، ص: 539

بيان:

الفراهة و الفروهة الحذاقة.

[42]
اشارة

25657- 42 (الكافي- 8: 265 رقم 386) عنه، عن أحمد، عن جعفر بن يحيى الخزاعي، عن الحسين بن الحسن، عن عاصم بن يونس، عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: قال لرجل" بأي شي ء تعالجون محمومكم إذا حم" قال: أصلحك اللّٰه بهذه الأدوية المرة بسفايج و الغافث و ما أشبهه، فقال" سبحان اللّٰه الذي يقدر أن يبرئ بالمر يقدر أن يبرئ بالحلو" ثم قال" إذا حم أحدكم فليأخذ إناء نظيفا فيجعل فيه سكرة و نصفا، ثم يقرأ عليه ما حضر من القرآن ثم يضعها تحت النجوم و يجعل عليها حديدة فإذا كان بالغداة صب عليها الماء و مرسه بيده ثم شربه فإذا كان الليلة الثانية زاده سكرة أخرى فصارت سكرتين و نصفا فإذا كان الليلة الثالثة زاده سكرة أخرى فصارت ثلاث سكرات و نصفا".

بيان

قد مضى ما يقرب من هذا الخبر في باب السكر من أبواب أنواع المطاعم مع أخبار أخر من هذا الباب في تلك الأبواب.

[43]

25658- 43 (الكافي- 8: 109 رقم 87) محمد، عن ابن عيسى، عن الحسين، عن الجوهري، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم ع قال: قال لي" إني لموعوك منذ سبعة أشهر و لقد وعك ابني اثني عشر شهرا و هي تضاعف علينا أ شعرت أنها لا تأخذ في الجسد كله

الوافي، ج 26، ص: 540

و ربما أخذت في أعلى الجسد و لم تأخذ في أسفله و ربما أخذت في أسفله و لم تأخذ في أعلى الجسد كله" قلت: جعلت فداك إن أذنت لي حدثتك بحديث عن أبي بصير، عن جدك أنه كان إذا وعك استعان بالماء البارد فيكون له ثوبان، ثوب على جسده و ثوب في الماء يراوح بينهما ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار: يا فاطمة بنت محمد، فقال" صدق" فقلت: جعلت فداك فما وجدتم للحمى عندكم دواء فقال" ما وجدنا لها عندنا دواء إلا الدعاء و الماء البارد، إني اشتكيت فأرسل إلي محمد بن إبراهيم بطبيب له فجاءني بدواء فيه قي ء فأبيت أن أشربه لأني إذا قيئت زال كل مفصل عني".

[44]
اشارة

25659- 44 (الكافي- 8: 273 رقم 410) محمد، عن أحمد، عن محمد بن خالد رفعه إلى أبي عبد اللّٰه ع قال" الحمى يخرج في ثلاث:

العرق و البطن و القي ء".

بيان

أريد بالبطن الإسهال.

[45]

25660- 45 (الكافي- 8: 273 رقم 409) محمد، عن محمد بن الحسن، عن معاوية بن حكيم، عن عثمان الأحول قال: سمعت أبا الحسن ع يقول" ليس من دواء إلا و هو يهيج داء و ليس شي ء في البدن أنفع من إمساك اليد إلا عما يحتاج إليه".

الوافي، ج 26، ص: 541

باب النوم

[1]
اشارة

25661- 1 (الفقيه- 1: 502 رقم 1442) قال الباقر ع" النوم أول النهار خرق و القائلة نعمة، و النوم بعد العصر حمق، و النوم بين العشاءين يحرم الرزق، و النوم على أربعة أوجه: نوم الأنبياء ع على أقفيتهم لمناجاة الوحي، و نوم المؤمنين على أيمانهم، و نوم الكفار على أيسارهم، و نوم الشياطين على وجوههم".

بيان

الخرق بالضم و بالتحريك ضد الرفق و أن لا يحسن الرجل العمل و التصرف في الأمور و الحمق و المخروق المحروم و المعنى الأخير هنا أنسب بما يأتي من الأخبار و القائلة نصف النهار قال: قيلولة و تقيل نام فيه و هو قائل قال في الصحاح و قد يكون القائلة بمعنى القيلولة.

أقول: الحديث يحتمل المعنيين يحرم الرزق من باب ضرب و علم يمنعه و الاسم الحرمان.

الوافي، ج 26، ص: 542

[2]

25662- 2 (الفقيه- 1: 503 رقم 1443) و قال الصادق ع" من رأيتموه نائما على وجهه فأنبهوه".

[3]

25663- 3 (الفقيه- 1: 503 رقم 1444) و قال ع" ثلاثة فيهن المقت من اللّٰه عز و جل نوم من غير سهر، و ضحك من غير عجب، و الأكل على الشبع".

[4]

25664- 4 (الفقيه- 1: 503 رقم 1445) و أتى أعرابي إلى النبي ص، فقال: يا رسول اللّٰه إني كنت ذكورا و إني صرت نسيا، فقال" أ كنت تقيل" قال: نعم، قال" و تركت ذلك" قال: نعم، قال" عد" فعاد، فرجع إلى ذهنه.

[5]

25665- 5 (الفقيه- 1: 503 رقم 1447) روي عن أبي الحسن الأول ع أنه قال" قيلوا فإن اللّٰه يطعم الصائم في منامه و يسقيه".

[6]
اشارة

25666- 6 (الفقيه- 1: 503 رقم 1448) و روي: قيلوا فإن الشيطان لا يقيل.

بيان

يعني ليس عليكم سلطان في قيلولتكم.

الوافي، ج 26، ص: 543

[7]

25667- 7 (الفقيه- 1: 501 رقم 1439- التهذيب- 2: 138 رقم (538) العلاء، عن محمد، عن أحدهما ع قال: سألته عن النوم بعد الغداة، فقال" إن الرزق يبسط تلك الساعة فأنا أكره أن ينام الرجل تلك الساعة".

[8]

25668- 8 (الفقيه- 1: 502 رقم 1441- التهذيب- 2: 139 رقم (540) و قال الصادق ع" نومة الغداة مشئومة، تطرد الرزق، و تصفر اللون، و تقبحه و تغيره، و هو نوم كل مشئوم، إن اللّٰه تبارك و تعالى يقسم الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإياكم و تلك النومة".

(الفقيه- 1: 503 رقم 1449) و قال ع" نوم الغداة شؤم يحرم الرزق و يصفر اللون".

(ش) و كان المن و السلوى ينزل على بني إسرائيل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه، فكان إذا انتبه فلا يرى نصيبه احتاج إلى السؤال و الطلب.

[9]

25669- 9 (الفقيه- 1: 504 رقم 1450) و قال الرضا ع في قول اللّٰه تعالى فالمقسمات أمرا قال" الملائكة تقسم أرزاق بني آدم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فمن نام فيما بينهما نام عن رزقه".

الوافي، ج 26، ص: 544

[10]
اشارة

25670- 10 (التهذيب- 2: 139 رقم 541) الحديث عن الصادق ع.

بيان

لعل السر في ذلك أن بركة الأعمال و المكاسب إنما تكون في تلك الساعة و المرء يوفق للبركة في كل عمل يعمل فيها ما لا يوفق في غيرها من الساعات يعرفه من جربه و من هنا قال النبي ص: بورك في أمتي في بكورها.

[11]
اشارة

25671- 11 (التهذيب- 2: 320 رقم 1309) ابن محبوب، عن موسى بن عمر، عن معمر بن خلاد قال: أرسل إلي أبو الحسن الرضا ع في حاجة فدخلت عليه، فقال" انصرف فإذا كان غدا فتعال و لا تجي ء إلا بعد طلوع الشمس فإني أنام إذا صليت الفجر".

بيان

حمله في التهذيبين على الرخصة أو لعذر كان به ع.

[12]
اشارة

25672- 12 (التهذيب- 2: 321 رقم 1311) محمد، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: سأله رجل و أنا أسمع فقال: إني أصلي الفجر ثم أذكر اللّٰه بكل ما أريد أن أذكره مما يجب علي فأريد أن أضع جنبي فأنام قبل طلوع الشمس فأكره ذلك قال" و لم" قال: أكره أن تطلع الشمس من غير مطلعها، قال" ليس بذلك خفاء انظر من حيث يطلع الفجر فمن ثمة

الوافي، ج 26، ص: 545

تطلع الشمس و ليس عليك من حرج أن تنام إذا كنت قد ذكرت اللّٰه عز و جل".

بيان

لما كان السائل قد بلغه أنه إذا جاء وقت ظهور القائم ع فهنالك تطلع الشمس من مغربها فكان ينتظر ذلك الزمان فخاف إن هو نام قبل طلوعها حان حين ظهوره ع و طلعت الشمس من غير مطلعها و كان هو حينئذ نائما غافلا عنه فأجابه ع بأن هذا الأمر بين لا خفاء به لأن الشمس في كل يوم إنما تطلع من حيث يطلع الفجر في ذلك اليوم مشرقا كان أو مغربا و من ينام بعد الفجر فهو قد يرى مطلع الفجر في ذلك اليوم فيحصل له العلم لا محالة بمطلع الشمس فيه، و نفي الحرج عن النوم في هذا الخبر أيضا محمول على الجواز و الرخصة.

[13]
اشارة

25673- 13 (الفقيه- 1: 503 رقم 1446) أبو بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع أنه قال" خمسة لا ينامون: الهام بدم يسفكه، و ذو المال الكثير لا أمين له، و القائل في الناس الزور و البهتان عن غرض الدنيا يناله، و المأخوذ بالمال الكثير و لا مال له، و المحب حبيبا يتوقع فراقه".

بيان

السر في ذلك أن كل واحد من هؤلاء صار همه هما واحدا يصرف فيه فكره كله يلتمس الحيلة في التوسل إلى نيل مطلوبه أو الخلاص من مهروبة فلا يستطيع النوم، و قد مضى في كتاب الصلاة استحباب الطهارة عند المنام و ما يتعلق بالنوم من الأذكار.

الوافي، ج 26، ص: 546

باب الرؤيا

[1]

25674- 1 (الكافي- 8: 90 رقم 58) الثلاثة، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: سمعته يقول" رأى المؤمن و رؤياه في آخر الزمان على سبعين جزءا من أجزاء النبوة".

الوافي، ج 26، ص: 547

[2]

25675- 2 (الكافي- 8: 90 رقم 59) محمد، عن أحمد، عن معمر بن خلاد، عن الرضا ع قال" إن رسول اللّٰه ص كان إذا أصبح قال لأصحابه هل من مبشرات، يعني به الرؤيا".

[3]

25676- 3 (الكافي- 8: 90 رقم 60) عنه، عن أحمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر ع قال" قال رجل

الوافي، ج 26، ص: 548

لرسول اللّٰه ص في قول اللّٰه تعالى لَهُمُ الْبُشْرىٰ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا قال" هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه".

[4]

25677- 4 (الكافي- 8: 90 رقم 61) الثلاثة، عن سعد بن أبي خلف، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" الرؤيا على ثلاثة وجوه: بشارة من اللّٰه تعالى للمؤمن، و تحذير من الشيطان، و أضغاث أحلام".

[5]

25678- 5 (الكافي- 8: 91 رقم 62) العدة، عن البرقي، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن درست، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّٰه ع:

جعلت فداك الرؤيا الصادقة و الكاذبة مخرجهما من موضع واحد قال" صدقت أما الكاذبة المختلفة فإن الرجل يراها في أول ليلة في سلطان المردة الفسقة و إنما هي شي ء يخيل إلى الرجل يراها في أول ليلة في سلطان المردة الفسقة و إنما هي شي ء يخيل إلى الرجل و هي كاذبة مخالفة لا خير فيها، و أما الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة و ذلك قبل السحر فهي صادقة، لا يختلف إن شاء اللّٰه إلا أن يكون جنبا أو ينام على غير طهور أو لم يذكر اللّٰه تعالى حقيقة ذكره فإنها تختلف و تبطئ على صاحبها".

[6]

25679- 6 (الكافي- 8: 335 رقم 527) محمد، عن ابن عيسى، عن معمر بن خلاد قال: سمعت أبا الحسن ع يقول" ربما رأيت الرؤيا فأعبرها و الرؤيا على ما تعبر".

الوافي، ج 26، ص: 549

[7]
اشارة

25680- 7 (الكافي- 8: 335 رقم 528) عنه، عن أحمد، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم، قال: سمعت أبا الحسن ع يقول" الرؤيا على ما يعبر" فقلت له: إن بعض أصحابنا روى أن رؤيا الملك كانت أضغاث أحلام، فقال أبو الحسن ع" إن امرأة رأت على عهد رسول اللّٰه ص أن جذع بيتها قد انكسر، فأتت رسول اللّٰه ص فقصت عليه الرؤيا، فقال لها النبي ص:

يقدم زوجك و يأتي و هو صالح، و قد كان زوجها غائبا فقدم كما قال النبي ص، ثم غاب عنها زوجها غيبة أخرى فرأت في المنام كأن جذع بيتها قد انكسر، فأتت النبي ص فقصت عليه الرؤيا، فقال لها: يقدم زوجك و يأتي صالحا، فقدم على ما قال، ثم غاب زوجها ثالثة، فرأت في منامها أن جذع بيتها قد انكسر، فلقيت رجلا أعسر فقصت عليه الرؤيا، فقال لها الرجل السوء: يموت زوجك، قال: فبلغ ذلك النبي ص، فقال: ألا كان عبر لها خيرا".

بيان

أريد بالملك ملك مصر الذي كان في زمان يوسف ع و توجيه تطبيق الجواب على السؤال إن الرؤيا على ما يعبر كانت ما كان.

[8]
اشارة

25681- 8 (الكافي- 8: 336 رقم 529) العدة، عن سهل و علي، عن أبيه، عن السراد، عن عبد اللّٰه بن غالب، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر ع" أن رسول اللّٰه ص كان يقول: إن رؤيا المؤمن ترف بين السماء و الأرض على رأس صاحبها حتى يعبرها لنفسه أو يعبرها له مثله، فإذا عبرت لزمت الأرض فلا تقصوا رؤياكم إلا على من يعقل".

الوافي، ج 26، ص: 550

بيان:

" الرف" شبه الطاق يعني يكون معلقة شبه الطاق.

[9]

25682- 9 (الكافي- 8: 336 رقم 530) محمد، عن أحمد، عن محمد بن خالد، عن القاسم بن عروة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" قال رسول اللّٰه ص: الرؤيا لا تقص إلا على مؤمن خلا من الحسد و البغي".

[10]

25683- 10 (الكافي- 8: 291 رقم 445) الثلاثة، عن ابن أذينة أن رجلا دخل على أبي عبد اللّٰه ع فقال: رأيت كأن الشمس طالعة على رأسي دون جسدي، فقال" تنال أمرا جسيما و نورا ساطعا و دينا شاملا فلو غطتك لانغمست فيه و لكنها غطت رأسك أ ما قرأت فَلَمّٰا رَأَى الشَّمْسَ بٰازِغَةً قٰالَ هٰذٰا رَبِّي .. فلما أفلت تبرأ منها إبراهيم ع" قال: قلت: جعلت فداك إنهم يقولون: إن الشمس خليفة أو ملك فقال" ما أراك تنال الخلافة و لم يكن في آبائك و أجدادك ملك و أي خلافة و ملوكية أكبر من الدين و النور ترجو به دخول الجنة، إنهم يغلطون" قلت: صدقت جعلت فداك.

[11]

25684- 11 (الكافي- 8: 292 رقم 446) عنه، عن رجل رأى كأن الشمس طالعة على قدميه دون جسده، قال: مال يناله من نبات الأرض من بر أو تمر يطؤه بقدميه و يتسع فيه و هو حلال إلا أنه يكد فيه كما كد آدم ع.

الوافي، ج 26، ص: 551

[12]

25685- 12 (الكافي- 8: 292 رقم 447) علي، عن أبيه، عن الحسن ابن علي، عن أبي جعفر الصائغ، عن محمد، قال: دخلت على أبي عبد اللّٰه ع و عنده أبو حنيفة، فقلت له: جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة، فقال لي" يا بن مسلم هاتها فإن العالم بها جالس" و أومى بيده إلى أبي حنيفة، قال: فقلت: رأيت كأني دخلت داري و إذا أهلي قد خرجت علي فكسرت جوزا كثيرا و نثرته علي، فتعجبت من هذه الرؤيا، فقال أبو حنيفة: أنت رجل تخاصم و تجادل لئاما في مواريث أهلك فبعد نصب شديد تنال حاجتك منهم إن شاء اللّٰه تعالى، فقال أبو عبد اللّٰه ع" أصبت و اللّٰه يا أبا حنيفة"، قال: ثم خرج أبو حنيفة من عنده، فقلت: جعلت فداك إني كرهت تعبير هذا الناصب، فقال" يا بن مسلم لا يسوؤك اللّٰه، فما يواطئ تعبيرهم تعبيرنا و لا تعبيرنا تعبيرهم و ليس التعبير كما عبره".

قال: فقلت له: جعلت فداك فقولك: أصبت و اللّٰه و تحلف عليه و هو مخطئ قال" نعم حلفت عليه أنه أصاب الخطإ" قال: فقلت له: فما تأويلها قال" يا بن مسلم إنك تتمتع بامرأة فتعلم بها أهلك فتمزق عليك ثيابا جددا فإن القشر كسوة اللب" قال ابن مسلم: فو الله ما كان بين تعبيره و تصحيح الرؤيا إلا صبيحة الخميس فلما كان غداة الجمعة

أنا جالس بالباب إذ مرت بي جارية فأعجبتني فأمرت غلامي فردها ثم أدخلها داري فتمتعت بها فأحست بي و بها أهلي فدخلت علينا البيت فبادرت الجارية نحو الباب و بقيت أنا فمزقت علي ثيابا جددا كنت ألبسها في الأعياد.

و جاء موسى الزوار العطار إلى أبي عبد اللّٰه ع فقال له: يا

الوافي، ج 26، ص: 552

ابن رسول اللّٰه رأيت رؤيا هالتني، رأيت صهرا لي ميتا قد عانقني و قد خفت أن يكون الأجل قد اقترب، فقال" يا موسى توقع الموت صباحا و مساء فإنه ملاقينا، و معانقة الأموات للأحياء أطول لأعمارهم فما كان اسم صهرك" قال: حسين، فقال" أما إن رؤياك تدل على بقائك و زيارتك أبا عبد اللّٰه ع فإن كل من عانق سمي الحسين فإنه يزوره إن شاء اللّٰه".

و ذكر إسماعيل بن عبد اللّٰه القرشي قال: أتى إلى أبي عبد اللّٰه ع رجل فقال له: يا بن رسول اللّٰه رأيت في منامي كأني خارج من مدينة الكوفة في موضع أعرفه و كأن شبحا من خشب أو رجلا منحوتا من خشب على فرس من خشب يلوح بسيفه و أنا أشاهده فزعا مرعوبا، فقال له ع" أنت رجل تريد اغتيار رجل في معيشته، فاتق اللّٰه الذي خلقك ثم يميتك" فقال الرجل: أشهد أنك قد أوتيت علما و استنبطته من معدنه، أخبرك يا بن رسول اللّٰه عما فسرت لي: أن رجلا من جيراني جاءني و عرض علي ضيعته فهممت أن أملكها بوكس كثير لما عرفت أنه ليس لها طالب غيري، فقال أبو عبد اللّٰه ع" و صاحبك يتولانا و يبرأ من عدونا" فقال: نعم يا بن رسول اللّٰه رجل جيد البصيرة، مستحكم الدين، و أنا تائب إلى

اللّٰه تعالى و إليك مما هممت به و نويته، فأخبرني يا بن رسول اللّٰه لو كان ناصبا أ يحل لي اغتياله فقال" أد الأمانة إلى من ائتمنك و أراد منك النصيحة و لو إلى قاتل الحسين ع".

[13]

25686- 13 (الكافي- 8: 182 رقم 206) العدة، عن البرقي، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن الحلبي، عن ابن مسكان، عن زرارة، عن

الوافي، ج 26، ص: 553

أبي جعفر ع قال: رأيت كأني على رأس جبل و الناس يصعدون إليه من كل جانب حتى إذا كثروا عليه تطاول بهم في السماء و جعل الناس يتساقطون عنه من كل جانب حتى لم يبق منهم إلا عصابة يسيرة ففعل ذلك خمس مرات في كل ذلك يتساقط عنه الناس و تبقى تلك العصابة أما إن قيس بن عبد اللّٰه بن عجلان في تلك العصابة". قال:

فما مكث بعد ذلك إلا خمس حتى هلك.

[14]

25687- 14 (الكافي- 8: 183 رقم 207) عنه، عن البزنطي، عن حماد بن عثمان، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول" إن رجلا كان على أميال من المدينة فرأى في منامه فقيل له: انطلق فصل على أبي جعفر ع فإن الملائكة تغسله في البقيع فجاء الرجل فوجد أبا جعفر ع قد توفي".

[15]
اشارة

25688- 15 (الكافي- 8: 257 رقم 370) الحسين بن أحمد بن هلال، عن ياسر الخادم، قال قلت لأبي الحسن الرضا ع:

رأيت في النوم كأن قفصا فيه سبع عشرة قارورة إذا وقع القفص فتكسرت القوارير، فقال" إن صدقت رؤياك يخرج رجل من أهل بيتي يملك سبعة عشر يوما ثم يموت" فخرج محمد بن إبراهيم بالكوفة مع أبي السرايا فمكث سبعة عشر يوما ثم مات.

بيان

قد مضى أن الأحلام لم يكن فيما مضى و قد حدثت و العلة في ذلك في كتاب الجنائز.

الوافي، ج 26، ص: 554

باب العدوي و الطيرة

[1]
اشارة

25689- 1 (الكافي- 8: 196 رقم 234) محمد، عن ابن عيسى، عن السراد، عن النضر بن قرواش الجمال قال: سألت أبا عبد اللّٰه ع عن الجمال يكون بها الجرب أعزلها من إبلي مخافة أن يعديها جربها و الدابة ربما صفرت لها شي ء حتى تشرب الماء فقال أبو عبد اللّٰه ع" إن أعرابيا أتى رسول اللّٰه ص فقال:

يا رسول اللّٰه إني أصيب الشاة و البقرة و الناقة بالثمن اليسير و بها جرب فأكره شراءها مخافة أن يعدي ذلك الجرب إبلي و غنمي فقال له رسول اللّٰه ص: يا أعرابي فمن أعدى الأول، ثم قال رسول اللّٰه ص: لا عدوى، و لا طيرة، و لا هامة، و لا شؤم،

الوافي، ج 26، ص: 555

و لا صفر، و لا رضاع بعد فصال، و لا تعرب بعد هجرة، و لا صمت يوم إلى الليل، و لا طلاق قبل النكاح، و لا عتق قبل ملك، و لا يتم بعد إدراك".

بيان

" الهامة" بتخفيف الميم الجسد اللطيف يطير بالليل و العرب يزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره يصير هامة فتطير على قبره تقول اسقوني فإذا أدرك بثأره طارت و هذا الذي نفاه ص و قد مضى الهامة في كتاب الجنائز و المعايش أيضا.

و قال ابن الأثير في نهايته في بيان الصفر الذي في هذا الحديث: إن العرب

الوافي، ج 26، ص: 556

تزعم أن في البطن حية يقال لها الصفر تصيب الإنسان إذا جاء و تؤذيه و أنها تعدي فأبطل الإسلام ذلك، و قيل أراد به النسي ء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية و هو تأخير المحرم إلى صفر و يجعلون صفر هو الشهر الحرام فأبطله، و قال أيضا الصفر اجتماع الماء

في البطن كما يعرض للمستسقى، قال و الصفر أيضا دود يقع في الكبد و شراسيف الأضلاع فيصفر عنه الإنسان جدا و ربما قتله.

[2]

25690- 2 (الكافي- 8: 108 رقم 85) الخمسة، عن أبي عبد اللّٰه ع قال: سألته عن الوباء يكون في ناحية المصر فيتحول الرجل إلى ناحية أخرى أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره، فقال له" لا بأس إنما نهى رسول اللّٰه ص عن ذلك لمكان ربيئة كانت بحيال العدو فوقع فيهم الوباء فهربوا منه، فقال رسول اللّٰه ص:

الفار منه كالفار من الزحف كراهية أن تخلو مراكزهم".

[3]

25691- 3 (الكافي- 8: 108 رقم 86) الثلاثة، عن أبي مالك الحضرمي، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق، و الطيرة، و الحسد، إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده".

[4]

25692- 4 (الكافي- 8: 197 رقم 235) علي، عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن عمرو بن حريث قال: قال أبو عبد اللّٰه ع" الطيرة على ما تجعلها إن هونتها تهونت، و إن شددتها تشددت، و إن لم تجعلها شيئا لم تكن شيئا".

[5]

25693- 5 (الكافي- 8: 198 رقم 236) الأربعة، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" قال رسول اللّٰه ص: كفارة الطيرة التوكل".

الوافي، ج 26، ص: 557

باب النوادر

[1]

25694- 1 (الكافي- 8: 152 رقم 136) الأربعة، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" قال النبي ص: خلتان كثير من الناس فيهما مفتون: الصحة و الفراغ".

[2]

25695- 2 (الفقيه- 4: 406 رقم 5878) قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام" العافية نعمة خفية إذا وجدت نسيت، و إذا فقدت ذكرت".

[3]

25696- 3 (الكافي- 8: 152 رقم 140) محمد، عن أحمد، عن علي بن حديد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه ع قال" جبلت القلوب على حب من ينفعها و بغض من أضر بها".

[4]

25697- 4 (الفقيه- 4: 419 رقم 5917) الحديث مرسلا عن الصادق (الرضا- خ ل) ع.

الوافي، ج 26، ص: 558

[5]

25698- 5 (الكافي- 8: 150 رقم 131) علي، عن الاثنين، عن أبي عبد اللّٰه ع" أن النبي ص قال: ارحموا عزيزا ذل و غنيا افتقر و عالما ضاع في زمان جهال".

[6]

25699- 6 (الفقيه- 4: 394 رقم 5837) قال الصادق ع" إني لأرحم ثلاثة و حق لهم أن يرحموا: عزيز أصابته مذلة بعد العز، و غني أصابته حاجة بعد الغنى، و عالم يستخف به أهله و الجهلة".

[7]

25700- 7 (الفقيه- 4: 394 رقم 5838) و قال ع" خمس هن كما أقول: ليست لبخيل راحة، و لا لحسود لذة، و لا لمملوك وفاء، و لا لكذوب مروءة، و لا يسود سفيه".

[8]

25701- 8 (الفقيه- 4: 58 رقم 5092) قال الصادق ع" خمسة من خمسة محال: الحرمة من الفاسق محال، و الشفقة من العدو محال، و النصيحة من الحاسد محال، و الوفاء من المرأة محال، و الهيبة من الفقير محال".

[9]
اشارة

25702- 9 (الفقيه- 3: 555 رقم 4902) قال رسول اللّٰه ص" من أراد البقاء و لا بقاء فليباكر الغداء، و ليجود الحذاء، و ليخفف الرداء، و ليقل مجامعة النساء، قيل: يا رسول اللّٰه و ما خفة الرداء قال: قلة الدين".

بيان

ربما يروى هذا الحديث هكذا: من أراد النساء و لا نساء .. الحديث، و النساء التأخير في الأجل.

الوافي، ج 26، ص: 559

[10]
اشارة

25703- 10 (الكافي- 8: 215 رقم 262) العدة، عن سهل، عن محمد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب، قال: أنشد الكميت أبا عبد اللّٰه ع شعرا فقال:

أخلص اللّٰه لي هواي فما أغرق نزعا و لا تطيش سهامي

فقال أبو عبد اللّٰه ع" لا تقل هكذا: فما أغرق نزعا و لكن قل

فقد أغرق نزعا فلا تطيش سهامي

بيان

" النزع" مد القوس، و إغراق النازع في القوس استيفاؤه في المد، و" طيش السهم" عدوله عن الهدف، فلعل مراد الكميت أن يشكر اللّٰه عز و جل على صلاح حاله على وفق هواه مع عدم سعيه فيه على سبيل الاستعارة و التمثيل (و التخييل- خ ل) و المستتر في أغرق يرجع إلى اللّٰه أو إلى الهوى أو هو على صيغة المتكلم يقول: جعل اللّٰه عز و جل هواي خالصا لي بدون سعي مني فإن اللّٰه أو هواي ما استوفى أو إني ما أستوفي في مد قوسي نحو الهدف و مع ذلك يصيب سهامي فنهاه أبو عبد اللّٰه ع عن هذه الدعوى و ذلك لأن كل امرئ يهوى إصلاح حاله و يسعى في رفاه باله و يأبى اللّٰه أن يجري الأشياء إلا بالأسباب، فالصواب أن يجعل توفيق اللّٰه سبحانه إياه على سعيه و هواه و إجابته له على وفق ما يهواه سببا في نجح مرامه و إصابة سهامه و يقبل المنة من اللّٰه سبحانه في ذلك بأن جعل سعيه مشكورا و ذنبه مغفورا، و هكذا حالنا في تأليف هذا الكتاب و إتمامه و الإغراق في نزع قوس التوفيق لإصابة سهامه، و الحمد لله على ذلك و على سائر نعمة و أنعامه.

الوافي، ج 26، ص: 560

آخر أبواب المخلوقات و ما

في السماوات و الأرض و ما بينهما من الآيات، و بتمامها تم كتاب الروضة من أجزاء كتاب الوافي و يتلوه في الجزء الخامس عشر خاتمة الكتاب إن شاء اللّٰه، و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

وفقت لإتمام تصحيحه و مقابلته و تخريجه و تحقيقه في اليوم الخامس من جمادى الأولى المصادف لولادة عقيلة بني هاشم زينب الكبرى سلام اللّٰه عليها من شهور سنة السابعة عشرة و أربعمائة بعد الألف على مهاجرها السلام و أنا المصلي عليه و آله عدنان الشكرچي و وفقه اللّٰه لما ينفعه في غده قبل خروج الأمر من يده، آمين.

________________________________________

كاشانى، فيض، محمد محسن ابن شاه مرتضى، الوافي، 26 جلد، كتابخانه امام امير المؤمنين علي عليه السلام، اصفهان - ايران، اول، 1406 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.