جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 42

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج42، ص: 1

اشارة

ج42، ص: 2

ج42، ص: 3

ج42، ص: 4

ج42، ص: 5

ج42، ص: 6

ج42، ص: 7

[تتمة القسم الرابع في الأحكام]

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين

[كتاب القصاص]

اشاره

كتاب القصاص بالكسر فعال من قص أثره إذا تتبعه، و المراد به هنا استيفاء أثر الجناية من قتل أو قطع أو ضرب أو جرح، فكان المقتص يتبع أثر الجاني فيفعل مثل فعله، و يقال: اقتص الأمر فلانا من فلان إذا اقتص له منه.

و الأصل فيه- و قبل الإجماع و السنة المتواترة(1) قوله تعالى «وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ»(2).

«مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»(3).


1- 1 الوسائل- الباب- 1- و غيره من أبواب القصاص في النفس.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 179.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 32.

ج 42، ص: 8

«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى، فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ، فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ»(1).

«وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ»(2).

«وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً، فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً»(3).

«وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ»(4).

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على المطلوب و لو بالعموم، نحو قوله تعالى «وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ»(5).

«وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها، فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ»(6).

«وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ»(7).

«وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ»(8).


1- 1 سورة البقرة: 2 الآية- 178.
2- 2 سورة الأنعام: 6- الآية 151.
3- 3 سورة الإسراء: 17- الآية 33.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 45.
5- 5 سورة شورى: 42- الآية 40.
6- 6 سورة شورى: 42- الآية 40.
7- 7 سورة النحل: 16- الآية 126.
8- 8 سورة البقرة: 2- الآية 194.

ج 42، ص: 9

و على كل حال فالقتل للمؤمن ظلما من أعظم الكبائر، قال الله تعالى(1)«وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً» الآية.

و في

خبر جابر بن يزيد(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله) «أول ما يحكم الله عز و جل فيه يوم القيامة الدماء، فيوقف ابني آدم فيفصل بينهما ثم الذين يلونهما من أصحاب الدماء حتى لا يبقى أحد من الناس بعد ذلك حتى يأتي المقتول بقاتله يشخب دمه في وجهه، فيقول: أنت قتلته فلا يستطيع أن يكتم الله حديثا».

و مر النبي (صلى الله عليه و آله)(3) بقتيل فقال: «من لهذا؟

فلم يذكر له أحد، فغضب ثم قال: و الذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السماء و الأرض لأكبهم الله في النار».

و عنه (صلى الله عليه و آله) أيضا(4): «لو اجتمعت ربيعة و مضر على قتل امرئ مسلم قيدوا به».

و عن الصادق (عليه السلام)(5) «أنه وجد في ذؤابة سيف رسول الله (صلى الله عليه و آله) صحيفة، فإذا فيها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم إن أعتى الناس على الله يوم القيامة من قتل غير قاتله و ضرب غير ضاربه».

و عنه (عليه السلام) أيضا(6)«في رجل قتل رجلا مؤمنا قال:

يقال له: مت أي ميتة شئت: إن شئت يهوديا و إن شئت نصرانيا و إن شئت مجوسيا».


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 93.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 6.
3- 3 المستدرك- الباب- 2- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5.
4- 4 المستدرك- الباب- 2- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 10

و عنه (عليه السلام) أيضا(1) «لا يدخل الجنة سافك دم و لا شارب خمر و لا مشاء بنميم».

و «لا يزال المؤمن في فسحة من ذنبه ما لم يصب دما حراما، قال: و لا يوفق قاتل المؤمن عمدا للتوبة»(2).

و عن ابن مسلم(3)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ- الآية- فقال: له مقعد لو قتل الناس جميعا لم يرد إلا ذلك المقعد».

و في آخر(4)عنه (عليه السلام) أيضا قلت له: «كيف كأنما قتل الناس جميعا و إنما قتل واحدا؟ فقال: يوضع في موضع من جهنم إليه ينتهي شدة عذاب أهلها، لو قتل الناس جميعا لكان إنما يدخل ذلك المكان، قلت: فإنه قتل آخر، قال: يضاعف عليه».

خبر حنان بن سدير(5)عن الصادق (عليه السلام) في تفسيرها أيضا قال: «هو واد في جهنم لو قتل الناس جميعا كان فيه، و لو قتل نفسا واحدة كان فيه».

إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على المبالغة في أمر القتل، بل و على تفسير الآية المزبورة بما عرفت، و لعله أوجه من جميع ما قيل فيها من الوجوه في التشبيه المعلوم عدم إرادة حقيقته، ضرورة منافاته الحس و العقل و العدل، و حاصله المبالغة في شأن القتل و الاحياء، و لا ينافي ذلك زيادة العقاب و الثواب على من فعل المتعدد منهما كما أشار (ع)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 8 و فيه« في فسحة من دينه.».
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 10.

ج 42، ص: 11

إليه بقوله: «يضاعف عليه» و إن اتحدوا جميعا في واد واحد و في مقعد كذلك.

و كيف كان ف هو قسمان:

[القسم الأول في قصاص النفس]

اشاره

الأول في قصاص النفس و النظر فيه يستدعي فصولا:

[الفصل الأول في الموجب]
اشاره

الأول في الموجب و هو إزهاق النفس المعصومة و إخراجها من التعلق بالبدن المكافئة و المساوية لنفس المزهق في الإسلام و الحرية و غيرهما من الشرائط الآتية أو الأعلى عمدا عدوانا.

و ترك الأخير في النافع، قيل: و لعله للاستغناء عنه بالمعصومة، فان المقتول قصاصا أو دفاعا غير معصوم الدم بالنسبة إلى القاتل و إن كان معصوما بالنسبة إلى غيره، فلا يصدق على نفسه إطلاق المعصومة المنساق منه الكل، و الصبي و المجنون خارجان بالعمد الذي لا يتحقق منهما بعد أن كان عمدهما خطأ، كما اعترف به فيما يأتي من كلامه.

و لكن فيه أنه حينئذ لا يشمل المقتول ظلما و إن كان عليه قصاص لغير القاتل، فالأولى إرادة العصمة ذاتا، فلا بد حينئذ من زيادة العدوان و لو لأنه حينئذ

أوضح من احتمال إرادة المعصومة بالنسبة إلى القاتل المحتاج إلى قيد، و الأمر سهل.

ج 42، ص: 12

و حينئذ فلو قتل غير معصوم الدم كالحربي و الزاني المحصن و المرتد و كل من أباح الشرع قتله فلا قصاص و إن أثم في بعض الصور، باعتبار كون قتله حدا مباشرته للحاكم و إن كان غير معصوم الدم في نفسه، و كذا لو قتل غير المكافى ء له، كالمسلم يقتل الذمي و الحر العبد و الأب الابن بخلاف العكس الذي يكون المقتول فيه أعلى.

و على كل حال فلا إشكال و لا خلاف في أنه يتحقق العمد بقصد البالغ العاقل إلى القتل ظلما بما يقتل غالبا بل و بقصده الضرب بما يقتل غالبا عالما به و إن لم يقصد القتل، لأن القصد إلى الفعل المزبور كالقصد إلى القتل، بل قيل يفهم من الغنية الإجماع عليه، و لعله كذلك، بل يعضده المعتبرة المستفيضة.

كالصحيح(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يرفع عنه الضرب حتى مات أ يدفع إلى أولياء المقتول؟ قال: نعم، و لكن لا يترك يعبث به، و لكن يجهز عليه بالسيف»

و نحوه خبر سليمان بن خالد(2)و خبر موسى بن بكير(3)و غيرهما من النصوص الشاملة بإطلاقها لمن قصد القتل بالمفروض الذي هو مما يقتل مثله غالبا و عدمه و لكن قصد الفعل.

بل يكفي قصد ما سببيته معلومة عادة و إن ادعى الفاعل الجهل به، إذ لو سمعت دعواه بطلت أكثر الدماء، كما هو واضح.

بل الظاهر عدم تحقق العمد الذي هو عنوان القصاص إلا مع جمع القيود المزبورة عدا الأخير، ضرورة كون عمد الصبي و المجنون خطأ شرعا و كذا لو قتله بعنوان أنه حيوان أو جماد أو نحو ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس الحديث 10.

ج 42، ص: 13

نعم لو قصد القتل بما يقتل نادرا فاتفق القتل به ف ان فيه على ما قيل قولين، و لكن الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها صدق إطلاق الأدلة أن عليه القصاص بل الأشهر، بل لعل عليه عامة المتأخرين، كما اعترف به في الرياض، بل لم أجد فيه خلافا و إن أرسل، بل في كشف اللثام نسبته إلى ظاهر الأكثر، و لكن لم نتحققه.

نعم يظهر من اللمعة نوع تردد فيه، و لعله مما عرفت و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي(1)«العمد كل ما اعتمد شيئا فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة فهذا كله عمد، و الخطأ من اعتمد شيئا فأصاب غيره».

و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج(2) «قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يخالف يحيى بن سعيد قضاتكم؟ قلت: نعم، قال: هات شيئا مما اختلفوا فيه، قلت: اقتتل غلامان في الرحبة فعض أحدهما صاحبه، فعمد المعضوض إلى حجر فضرب به رأس الذي عضه فشجه فكبر فمات، فرفع ذلك إلى يحيى بن سعيد فأقاده، فعظم ذلك على ابن أبي ليلى و ابن شبرمة و كثر فيه الكلام، و قالوا: إنما هذا الخطأ فوداه عيسى بن علي من ماله، قال: فقال: إن من عندنا ليقيدون بالوكزة، و إنما الخطأ أن يريد الشي ء فيصيب غيره».

و في صحيحه الآخر(3) عنه (عليه السلام) أيضا «إنما الخطأ أن تريد شيئا فتصيب غيره، فأما كل شي ء قصدت إليه فأصبته فهو العمد».


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
3- 3 لم نعثر على هذه الصحيحة في كتب الأخبار، و ليس لعبد الرحمن في تفسير قتل العمد و الخطأ إلا روايتان: الأولى ما تقدمت، و الثانية ما ستأتي عن تفسير العياشي.

ج 42، ص: 14

و في

خبره المروي عن تفسير العياشي(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إنما الخطأ أن تريد شيئا فتصيب غيره، فأما كل شي ء قصدت إليه فأصبته فهو العمد».

و قول أحدهما (عليهما السلام) في المرسل(2) كالصحيح: «قتل العمد كل ما عمد به الضرب فعليه القود، و إنما الخطأ أن تريد الشي ء فتصيب غيره».

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(3): «لو أن رجلا ضرب رجلا بخزفة أو بآجرة أو بعود فمات كان عمدا»

مؤيدا ذلك كله بعدم مدخلية الآلة لغة و عرفا في الصدق.

و من

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي العباس(4)«قلت له: أرمي الرجل بالشي ء الذي لا يقتل مثله، قال: هذا خطأ، ثم أخذ حصاة صغيرة فرمى بها، قلت: أرمي الشاة فأصيب رجلا، قال:

هذا الخطأ الذي لا شك فيه، و العمد الذي يضرب بالشي ء يقتل بمثله».

و المرسل عن ابن سنان(5)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطأ شبه العمد أن يقتله بالسوط أو بالعصا أو بالحجارة: إن دية ذلك تغلظ، و هي مائة من الإبل».

و خبر زرارة و أبي العباس(6)عنه (عليه السلام) أيضا قال:

«إن العمد أن يتعمده فيقتله بما يقتل مثله، و الخطأ أن يتعمده و لا يريد أن يقتله فقتله بما لا يقتل مثله، و الخطأ الذي لا شك فيه أن يتعمد شيئا آخر فيصيبه».


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 18.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 11.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 13.

ج 42، ص: 15

و مرسل ابن أبي عمير(1) المروي عن تفسير العياشي عن أحدهما (عليهما السلام) «مهما أريد تعين القود، و إنما الخطأ أن تريد الشي ء فتصيب غيره»

فان الحصر المزبور ظاهر في المطلوب، بل قوله (عليه السلام): «مهما» إلى آخره كذلك أيضا بناء على أن المراد ما يراد به القتل عادة منه فتأمل.

و خبر زرارة (2)المروي فيه أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الخطأ أن تعمده و تريد قتله بما لا يقتل مثله، و الخطأ ليس فيه شك أن تعمد شيئا آخر فتصيبه».

و خبره الآخر(3) عنه (عليه السلام) أيضا «العمد أن تعمده فتقتله بما مثله يقتل».

و مرسل يونس(4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إن ضرب رجل رجلا بعضا أو بحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلم فهو شبيه العمد، فالدية على القاتل، و إن علاه و ألح عليه بالعصا أو بالحجارة حتى يقتله فهو عمد يقتل به، و إن ضربه ضربة واحدة فتكلم ثم مكث يوما أو أكثر من يوم فهو شبيه العمد».

مؤيدا ذلك كله بالاحتياط، و بأن الآلة لما كانت مما لا تقتل عادة فمجامعة القصد معها كعدمه، بل هو كالقصد بلا ضرب، و بإمكان حمل


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 16 و فيه« كلما أريد به ففيه القود.» كما في البحار ج 104 ص 395 و تفسير العياشي ج 1 ص 264.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 17 و فيه« إن الخطأ أن يعمده و لا يريد قتله.» كما في المستدرك- الباب- 11- من تلك الأبواب- الحديث 5 و البحار ج 104 ص 395 و تفسير العياشي ج 1 ص 264.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 20.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5.

ج 42، ص: 16

العمد في النصوص المتقدمة على شبيه العمد، لمقابلته بالخطإ المحض.

لكن لا يخفى عليك أن الاحتياط لا يجب مراعاته بعد ظهور الأدلة، و ربما كان معارضا لحق الغير، و التعليل المزبور لا حاصل له، و أن الجمع المزبور مناف لما تضمنه بعضها من التصريح بالقود في العمد، و أنه ليس بأولى من حمل هذه النصوص على صورة عدم القصد إلى القتل، كما هو الغالب في الضرب بما لا يقتل إلا نادرا و إن كان في بعضها «يريد قتله» بل هذا أولى من وجوه لا تخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه، و بعد ضعف جملة منها و لا جابر، و معتبر السند منها غير مقاوم لتلك من وجوه أيضا.

و قد بان لك من ذلك كله أن العمد يتحقق به كسابقه.

و هل يتحقق أيضا مع القصد إلى الفعل الذي يحصل به الموت و إن لم يكن قاتلا في الغالب إذا لم يقصد به القتل أو قصد العدم كما لو ضربه بحصاة أو عود خفيف؟ فيه روايتان(1) أشهرهما عملا كما في النافع و المسالك أنه ليس بعمد يوجب القود بل لا أجد فيه خلافا بين المتأخرين، بل عن الغنية الإجماع عليه، للنصوص السابقة المنجبرة و المعتضدة هنا بما سمعت مضافا إلى ظهورها في ما نحن فيه و لو من الغلبة التي ذكرناها، فترجح حينئذ بذلك كله على إطلاق النصوص الأولة المقابلة لها أو عمومها، فتقيد أو تخصص بها.

خلافا للمحكي عن المبسوط من أنه عمد أيضا كالسابق، إما مطلقا كما حكاه عنه بعض، لا طلاق النصوص السابقة(2) المعارض لإطلاق الأخرى المرجح عليه هنا بالاعتضاد بالشهرة و الإجماع المحكي، و إما في الأشياء المحددة خاصة، كما هو مقتضى عبارته المحكية عن مبسوطة في كشف اللثام


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 17

على طولها، فان محصلها كما اعترف هو به الفرق بين المحدد و غيره، فلا يعتبر في عمد الأول القصد بخلاف الثاني.

و هو شي ء غريب إن أراد به من حيث العرف، و إن أراد من حيث الشرع فلم نجد ما يشهد له سوى

خبر عبد الله بن زرارة (1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا ضرب الرجل بحديدة فذلك العمد»

الذي لا يصلح به نفسه الخروج عما عرفت من وجوه مع احتماله القصد إلى القتل بذلك أيضا، و أما بعض النصوص السابقة المطلقة فلا إشارة في شي ء منها إلى التفصيل المزبور، و من ذلك يعلم الاتفاق على عدم العمل به، فلا بد من تقييده بذلك أو بما عليه الأصحاب من الحمل على صورة القصد إلى القتل، و لعل الثاني أولى لما عرفته من الوجوه السابقة.

و لكن الانصاف مع ذلك كله عدم خلو الفرق بين الصورتين بالقصد و عدمه من الاشكال بعدم مدخلية القصد في صدق القتل عرفا.

اللهم إلا أن يقال هو كذلك في صدق القتل بخلاف العمد إلى القتل، فإنه مع عدم القصد إليه و لا إلى فعل ما يحصل به القتل غالبا لا يصدق العمد إليه، بل لا يقال قتله متعمدا أي إلى قتله.

أو يقال: إنه لا فرق بينهما في الصدق العرفي، و لكن الأدلة الشرعية تكفي في الفرق بينهما في الأحكام، فأجرت على الأخير حكم الخطأ شبه العمد بخلاف الأول.

و العمدة في تنزيل إطلاق النصوص المزبورة على ذلك الشهرة المحققة و المحكية و الإجماع المحكي و لو لا ذلك لكان المتجه فيه القصاص، لصدق القتل عمدا على معنى حصوله على جهة القصد إلى الفعل عدوانا الذي حصل


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 9 و هو خبر الفضل ابن عبد الملك بسند الصدوق قده كما في الفقيه ج 4 ص 77- الرقم 239.

ج 42، ص: 18

به القتل و إن كان مما يقتل نادرا، إذ ليس في شي ء من الأدلة العمد إلى القتل، بل و لا العرف يساعد عليه، فإنه لا ريب في صدق القتل عمدا على من ضرب رجلا عاديا غير قاصد للقتل أو قاصدا عدمه فاتفق ترتب القتل على ضربه العادي منه المتعمد له.

و ربما يشهد لذلك ما تسمعه منهم من إجراء حكم العمد على الضرب بالآلة التي لا يقتل مثلها و لكن اتفق سرايتها حتى قتلت، و ليس ذلك إلا للصدق المزبور و ليس في الأدلة ما يخرجه كما ستسمع تحريره.

و قد تحصل من ذلك أن الأقسام ثلاثة: عمد محض، و هو قصد الفعل الذي يقتل مثله، سواء قصد القتل مع ذلك أو لا، و قصد القتل بما يقتل نادرا، و شبه العمد قصد الفعل الذي لا يقتل مثله مجردا عن قصد القتل، و الخطأ أن لا يقصد الفعل و لا القتل أو يقصده بشي ء فيصيب غيره.

ثم العمد قد يحصل بالمباشرة، و قد يحصل بالتسبيب و أما الشرط فلا يجب به قصاص أصلا، و لكن قد تجب به الدية بالشروط التي ستعرفها إنشاء الله، و لعله لعدم صدق القتل به عمدا، إذ المراد به ما يقف عليه تأثير المؤثر، و لا مدخل له في العلة للزهوق، أي لا تأثير له، كحفر البئر بالنسبة إلى الوقوع فيها، إذ الوقوع مستند إلى علته، و هي التخطي، بخلاف العلة التي يستند الازهاق إليها ابتداء، أو بواسطة، كالجراحات القاتلة بالسراية، فإنها تولد السراية، و السراية مولدة للموت أو بوسائط، كالرمي المولد للجرح المولد للسراية المولدة للموت.

و ربما قيل: إنها المباشرة، و لكن الظاهر أن المراد بها إيجاد أقرب العلل إلى الزهوق، أي المؤدية إليه ابتداء.

و أما السبب فهو ماله أثر في التوليد للموت كما للعلة، و لكن يشبه الشرط من وجه، و مراتبه ثلاثة: الإكراه و شهادة الزور و تقديم الطعام

ج 42، ص: 19

المسموم للضيف، و سيأتي للمصنف التعرض لها في الأثناء و إن أطنب الفاضل في القواعد فيها.

و لكن التحقيق عدم الثمرة لذلك بعد صدق اسم القتل عمدا أو خطأ بهما، إذ ليس في شي ء من الأدلة عنوان الحكم بلفظ المباشرة و السبب، و إنما الموجود، «قتل متعمدا» و نحوه، فالمدار في القصاص مثلا على صدقه، نعم ما لا يحصل فيه الصدق المزبور يحتاج إلى الدليل في ضمانه القصاص أو الدية، و ينبغي الاقتصار عليه و على ما يلحق به مما يستفاد من فحوى دليله أو من الإجماع أو من غيره كما أطنبنا في ذلك في كتاب الغصب(1)فلاحظ و تأمل، فإن المقام قريب منه.

و كان ذكر السبب و المباشرة هنا لفائدة الاشتراك في الثاني و غيره مما تعرفه في مطاوي البحث، و إلا فمع صدق القتل بهما عمدا لا فرق بينهما، كما هو واضح.

[أما المباشرة]

أما المباشرة فكالذبح و الخنق باليد و سقي السم القاتل بإيجاره في حلقه و الضرب بالسيف و السكين و المثقل و الحجر الغامز و الكابس على البدن لثقله و الجرح في المقتل و لو بغرز الإبرة و نحو ذلك مما يرجع إلى صدق القتل مباشرة.

و لكن أطنب في القواعد و شرحها للاصبهاني فيها و قالا: «إنها نوعان: الأول أن يضربه بمحدد، و هو ما يقطع و يدخل في البدن كالسيف و السكين و السنان و ما في معناها مما يحدد فيجرح و يقطع من الحديد و الرصاص و النحاس و الذهب و الفضة و الزجاج و الحجر و القصب و الخشب، فهذا كله إذا جرح به

جرحا كبيرا يقتل مثله غالبا، فهو قتل عمدا إذا تعمده، و إن جرحه بأحد ما ذكر جرحا صغيرا لا يقتل مثله غالبا كشرطة


1- 1 راجع ج 37 ص 46- 53.

ج 42، ص: 20

الحجام أو غرزة بإبرة أو شوكة فإن كان في مقتل كالعين و الفؤاد و الخاصرة و الصدغ و أصل الاذن و الأنثيين و المثانة و نقرة النحر فمات فهو عمد أيضا، لأنه مما يقتل غالبا، و إن كان في غير مقتل فان كان قد بالغ في إدخالها فهو كالكبير من الجرح، لأنه قد يشتد ألمه و يفضى إلى القتل، فإذا بالغ مبالغة كذلك فقد فعل ما يقتل غالبا و إن كان الغرز يسيرا أو جرحه جرحا يسيرا كشرطة الحجام فإن بقي المجروح من ذلك ضمنا- أي مريضا زمنا- حتى مات أو حصل بسببه تشنج أو تأكل أو ورم حتى مات فهو عمد كما في المبسوط، لتحقق العلم بحصول القتل بفعله، كما إذا سرى الجرح فمات، فإنه يوجب القصاص، فالضابط في القصاص العلم العادي بتسبب موت المقتول من فعله المعتمد به. الثاني أن يضربه بمثقل يقتل مثله غالبا كاللت- أي الدبوس و هو فارسي- و المطرقة و الخشبة الكبيرة و الحجارة الكبيرة أو يضربه بحجر صغير أو عصا، أو يلكزه بها في مقتل أو في حال ضعف المضروب بمرض أو صغر أو في زمن مفرط في الحر و البرد، و بالجملة بحيث يقتله بتلك الضربة غالبا بحسب الزمان و حال المضروب و محل الضرب، أو يكرر الضرب عليه حتى يقتله بما يقتل من العدد غالبا عادة، و هو أيضا يختلف باختلاف الزمان و باختلاف حال المضروب كما في المبسوط، و كل ذلك يوجب القود و إن لم يقصد القتل بذلك أو ادعى الجهل بإفضائه إلى القتل عادة، فإنه لو سمع منه ذلك أدى إلى إهدار دماء المسلمين، أما لو ضربه بشي ء صغير جدا كالقلم و الإصبع في غير مقتل أو مسه بالكبير من غير ضرب و لا مس عنيف و لم يكن مما يقتل مثله- و بالجملة فعل ما لا يحتمل استناد القتل إليه عادة و لا نادرا- فلا قود و لا دية، لأنه لم يقتل عمدا و لا خطأ، و إنما اتفق موته مع فعل من أفعاله، و كذا يجب القصاص بالذبح و نحوه مما لا يدخل في الضرب بمحدد أو مثقل،

ج 42، ص: 21

و الخنق الذي هو كذلك».

و لكن ذلك كله كما ترى لا يرجع إلى محصل بعد ما عرفت أن المدار على صدق القتل عمدا، سواء كان مباشرة أو تسبيبا، بل لم نجد شيئا منهما عنوانا في شي ء من الأدلة، كما أن جملة مما ذكروه في السبب يعد مباشرة عرفا، و قد ذكر الفاضل الخنق تارة بالمباشرة و أخرى بالتسبيب، و نحوه وقع للمصنف، نعم ما سمعته من الضابط المزبور في القصاص موافق لما ذكرناه، هذا كله في المباشرة.

[أما التسبيب]
اشاره

و أما التسبيب فله مراتب:

[المرتبة الأولى انفراد الجاني بالتسبيب المتلف]
اشاره

الأولى انفراد الجاني بالتسبيب المتلف، و فيه صور:

[الصورة الأولى لو رماه بسهم فقتله قتل]

الأولى لو رماه بسهم فقتله قتل لا لأنه مما يقصد به القتل غالبا ضرورة كونه أعم من ذلك، بل لما سمعته من صدق القتل عمدا و إن لم يقصد القتل به، بل و إن قصد عدمه فاتفق القتل، بل لو أراد برميه غير المقتل فأصاب المقتل، فان ذلك كله من العمد الموجب للقصاص لما عرفته، و لا يرد التأديب و نحوه مما لم يكن عدايا فيه، نعم خرج من ذلك الصورة المزبورة خاصة للأدلة المذكورة.

و كذا لو رماه بحجر المنجنيق، و كذا لو خنقه بحبل و لم يرخ عنه حتى مات أو أرسله منقطع النفس و إن لم يكن ميتا أو غير منقطع بل تردد و لكن بقي ضمنا زمنا في جسده بلاء من الخنق المزبور حتى مات بل في كشف اللثام «طالت المدة قدرا يقتل الخنق في مثله غالبا أو لا، قصد القتل أو لا لما عرفت» أي من الضابط المزبور.

لكن في المتن متصلا بذلك أما لو حبس نفسه يسيرا لا يقتل مثله لمثله غالبا ثم أرسله فمات ففي القصاص تردد ينشأ مما سمعته سابقا.

و لكن الأشبه بأصول المذهب و قواعده القصاص إن قصد القتل، و الدية إن لم يقصد أو اشتبه القصد (11) لما تقدم، إذ ذلك

ج 42، ص: 22

فرع من المسألة السابقة كما اعترف به في المسالك و غيرها، بل قد عرفت عدم الخلاف فيه بناء على أن المحكي عن الشيخ إنما هو في المجدد دون غيره، نعم لو كان ضعيفا لمرض أو صغر يموت بمثله فهو عمد و إن لم يقصد القتل، كما صرح به بعضهم.

و في القواعد «و كذا لو داس بطنه أو عصر خصيتيه حتى مات أو أرسله منقطع القوة أو ضمنا حتى مات» و في كشف اللثام «فالقصاص أتى منهما بما يقتل غالبا أو لا، قصد القتل أو لا، و إن أتى بما يقتل نادرا و مات عقبه من غير أن يتعقبه ضمنه، فان قصد القتل فالقصاص و إلا الدية، و هما يختلفان بالشدة و الضعف و طول المدة و قصرها، و ضعف المقتول و قوته».

و هذا صريح في الفرق في ما لا يقتل مثله بين أن يعقب مرضا و عدمه، فالأول القصاص و إن لم يقصد القتل به، و إلا فإن قصد فالقصاص، و مع عدمه الدية، و ربما كان ظاهر المصنف أيضا و ستسمع تحقيقه.

[الصورة الثانية إذا ضربه بعصا مكررا ما لا يحتمله مثله بالنسبة إلى بدنه و زمانه]

الصورة الثانية: إذا ضربه بعصا مكررا ما لا يحتمله مثله بالنسبة إلى بدنه و زمانه من حيث الضعف و المرض و الصغر و نحوها و الحر البرد فمات فهو عمد بلا خلاف نصا و فتوى و لا إشكال سواء قصد القتل أو لا.

قال الصادق (عليه السلام) في مرسل يونس(1) السابق: «و إن علاه و ألح عليه بالعصا أو بالحجارة حتى يقتله فهو عمد يقتل به».

و في الصحيح(2)«سألت الصادق (عليه السلام) عن رجل ضرب رجلا بعضا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات أ يدفع إلى المقتول فيقتله؟


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.

ج 42، ص: 23

قال: نعم».

و نحوهما غيرهما من النصوص(1).

و لو ضربه دون ذلك فأعقبه مرضا و مات فالبحث فيه كالأول و في القواعد و شرحها التصريح بأن عليه القصاص كالمخنوق المرسل ضمنا حتى مات.

و في المسالك «لأن ضربه و إن لم يكن قاتلا غالبا و لا قصده إلا أن أعقابه للمرض الذي حصل به التلف صير الأمرين بمنزلة سبب واحد، و هو مما يقتل غالبا و إن كان الضرب على حدته مما لا يقتل، و يؤيده ما سيأتي من أن سراية الجرح عمدا يوجب القود و إن كان الجرح غير قاتل، و هذا من أفراده، لأن المرض مسبب من الجرح، و منه نشأ الهلاك، فكان في معنى السراية، و بهذا الحكم صرح في القواعد و التحرير، و لا يخلو من إشكال، لأن المعتبر كما تقدم إما القصد إلى القتل أو فعل ما يقتل غالبا، و المفروض هنا خلاف ذلك، و إنما حدث القتل من الضرب و المرض المتعقب له، و المرض ليس من فعل الضارب و إن كان سببا فيه، و لأجل هذا الاشكال فسر بعضهم «الأول» في قول المصنف: «فالبحث كالأول» بما فصله سابقا في الصورة الأولى من قوله: «أما لو حبس نفسه يسيرا لا يقتل مثله غالبا- إلى قوله-: أشبهه القصاص إن قصده القتل، و الدية إن لم يقصد» فيكون الحكم هنا أن الضرب المتعقب للمرض عمدا إن قصد به القتل فالقصاص، و يوجب الدية إن لم يقصد، لا أنه عمد مطلقا، و هذا التفسير و إن وافق الظاهر من الحكم إلا أنه غير مراد للمصنف، لأنه حكمه و حكم غيره في خصوص هذه المسألة بكونه عمدا مطلقا، و العلامة فرض المسألة على وجه لا يحتمل سوى ذلك، و إن كانت عبارة المصنف بقرب المسألة الأخرى محتملة احتمالا مرجوحا».


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 24

قلت: هو كذلك حتى لو كانت السراية فيه نادرة، و لكن لعل الوجه فيه ما ذكرناه من كون الجميع عمدا لما عرفته من الصدق العرفي من غير اعتبار قصد القتل و لا كون الشي ء مما يقتل مثله غالبا، إذ ذلك عمد إلى القتل لا قتله عامدا، و العنوان في الأدلة الثاني الذي تشهد له النصوص السابقة لا الأول الذي و إن شهدت له النصوص الأخر في الجملة إلا أنه لا جابر لها، لكن خرج عن ذلك صورة عدم تعقب المرض، للنصوص المزبورة، و بقيت هي تحت الضابط و لو لعدم انجبار تلك النصوص بالنسبة إلى هذه الصورة المؤيدة بنصوص سراية

الجرح الغير القاتل مثله و الاتفاق ظاهرا هنا، لا ما سمعته من كونه مع السراية مما يقتل غالبا و لا فحوى سراية الجرح، إذ هما معا كما ترى، و الله العالم.

و مثله لو حبسه و منعه الطعام و الشراب فان كان مدة لا يحتمل مثله البقاء فيها صحة و مرضا و شبعا و جوعا و ريا و عطشا فمات فهو عمد بلا خلاف و لا إشكال، و إن لم يكن كذلك، بل كان مدة يحتمل مثله البقاء فيها و لكن أعقبه ذلك مرضا علم أنه مسبب عنه مات به أو ضعف قوة كذلك حتى تلف فيه فهو عمد و إن لم يرد القتل، لما عرفته و إن لم يكن تولد ذلك غالبا منه، و يختلف ذلك باختلاف الناس قوة و حالا و زمانا.

نعم في ثبوت القصاص مع جهل الجاني بالحال في القواعد إشكال، و لعله من تحقق القتل مما يقتل مثله عادة و تعمده، و من الجهل بأنه ممن يقتله. و فيه أن مقتضى ما ذكرناه القصاص، ضرورة صدق العمد إلى فعل يترتب عليه الموت.

بل فيها أيضا «فإن نفيناه ففي إيجاب كل الدية أو نصفها إحالة للهلاك على الجوعين إشكال» و نحوه في جريان الإشكالين ضرب المريض

ج 42، ص: 25

بما يقتله مع الجهل بحاله.

و لكن فيه أن مقتضاه عدم القصاص فيه في صورة العلم إلا مع رد نصف الدية في متابعة الجوع الأول الذي هو غير مضمون على الجاني، و هو معلوم العدم، فالتحقيق ثبوت الدية كلا للصدق مع عدم دليل على التوزيع في مثله، و لعله لذا استضعف النصف في محكي التحرير، و الله العالم.

[الصورة الثالثة لو طرحه في النار فمات قتل به]

الصورة الثالثة: لو طرحه في النار فمات قتل به إذا كان على وجه لا يتمكن من التخلص لكثرتها أو لضعفه، أو لأنه في وهدة أو نحو ذلك، أو لأنه منعه هو منه.

بل في المتن و لو كان قادرا على الخروج بمعنى عدم مانع ظاهر من نحو ما عرفت و لكن يمكن عدم خروجه لأنه قد يشده و يدهش لأن النار قد تشنج الأعصاب بالملاقاة مثلا فلا يتيسر الفرار و مقتضاه ثبوت القصاص حينئذ كالمحكي عن الإرشاد و التلخيص.

و في المسالك توجيهه بعد فرض موضوع المسألة في من مات فيها و اشتبه الحال هل كان قادرا فتركه تخاذلا أم لا بأن «التسبب المقتضى للضمان و هو الإلقاء متحقق مع الشك في المسقط، و هو القدرة على الخروج مع التهاون فيه، و لا يسقط الحكم بثبوت أصل القدرة ما لم يعلم التخاذل عن الخروج، لاحتمال أن يعرض له ما يوجب العجز من دهشة و تحير أو تشنج أعضائه و نحو ذلك».

و على كل حال فمقتضى الجميع ثبوت القصاص، و لكن عن الخلاف القطع بعدمه، بل هو ظاهر القواعد أو صريحها أيضا، قال: «و لو تركه في نار فتمكن من التخلص منها لقلتها أو لكونه في طرفها يمكنه الخروج بأدنى حركة فلم يخرج فلا قصاص، و في الضمان للدية إشكال، أقربه السقوط إن علم أنه ترك الخروج تخاذلا، و لو لم يعلم ذلك ضمنه و إن

ج 42، ص: 26

قدر على الخروج، لأن النار قد ترعبه و تدهشه و تشنج أعضاءه بالملاقاة، فلا يظفر بوجه التخلص».

و من هنا قال في كشف اللثام: «إنها تعطي القطع بعدم القصاص مطلقا و التردد في سقوط الدية، ثم استقربه إذا علم الإهمال تخاذلا- ثم قال-: و مبني الوجهين على تعارض ظاهرين و أصلين، فان الظاهر من حال الإنسان أن لا يتخاذل عن الخروج حتى يحترق و ظاهر النار المفروضة سهولة الخروج عنها، و أنه لا يحترق بها إلا من تعمد اللبث فيها، و الأصل براءة الذمة، و الأصل عدم الشركة في الجناية، و الاحتياط يقوى ما في الكتاب».

قلت: قد يقال: إن مبنى المسألة على تحقق صدق قتله، فان حصل اتجه القصاص حينئذ مع فرض كونه الشي ء مما يقتل مثله غالبا و إلا فمع قصد القتل به أو إذا لم يقصد عدم القتل به و إن لم يحصل فالمتجه سقوطها معا.

و دعوى أن مجرد الإلقاء سبب للضمان واضحة المنع، ضرورة عدم دليل على كونه كذلك، فليس هنا إلا صدق قتله، و الاحتياط في الدماء لو سلم عدم اقتضائه للقصاص و لو للشبهة بناء على أنه كالحد في ذلك لكنه لا يقتضي ضمان الدية مع عدم العلم بالترك تخاذلا، فالتحقيق مراعاة الصدق المذكور على الوجه المزبور و لو بملاحظة الظاهر الذي لا ينافيه بعض الاحتمالات، هذا كله مع عدم العلم.

أما لو علم أنه ترك الخروج تخاذلا بالقرائن أو بإقراره فلا قود قطعا لأنه هو الذي أعان على نفسه بلبثه الذي هو كون غير كون الإلقاء، فيستند القتل إليه لا إلى الجاني.

و منه يقدح أن لا دية له أيضا، لأنه مستقل بإتلاف

ج 42، ص: 27

نفسه و إن كان الجاني قد جنى عليه بالإلقاء فيها، إلا أن ذلك ليس سببا مقتضيا للضمان مع فرض قدرته على التخلص.

و لا كذلك لو جرح فترك المداواة فمات المتفق على ضمان الجاني فيه لأن السراية المزهقة للنفس مع ترك المداواة من آثار الجرح المضمون على الجاني ابتداء و سراية، و التقصير بترك المداواة لا ينافي استناد السراية إلى الجرح و كونها من آثاره.

و أما التلف بالنار ف ليس بمجرد الإلقاء و لا بأثره بل بالإحراق بالنار المتجدد بعد الإلقاء الذي لو لا المكث لما حصل (11) فهو شي ء غير الأول، نعم على الملقى ضمان ما شيطته النار عند وصوله إليها إلى أن يخرج منها في أول أوقات الإمكان.

و لو لم يمكنه الخروج إلا إلى ماء مغرق فخرج فغرق ففي القواعد في الضمان إشكال، و لو لم يمكنه إلا بقتل نفسه فالإشكال أقوى، و الأقرب الضمان، لأنه صيره في حكم غير مستقر الحياة، و وافقه عليه في ظاهر كشف اللثام، لكن فيه- مع فرض بقائه على اختياره- عدم صدق نسبة القتل إلى الأول لا مباشرة و لا تسبيبا، ضرورة عدم كون ذلك من توليد الأول.

و كذا البحث لو طرحه في اللجة (12) فإن كان على وجه لا يتمكن من التخلص من الغرق فعمد قطعا، و لو ألقى العالم بالسباحة في ماء مغرق فترك السباحة حتى مات و لكن لم يعلم أنه عن تخاذل أو عن دهشة و نحوها ففيه البحث السابق الذي منه يعلم الحكم في باقي الصور، إذ لا فرق بين النار و الماء.

و لو غرقه آخر لقصد التخليص من التلف أو من زيادة الألم ففي القواعد الأقرب الحوالة بالضمان على الأول، فإن كان وارثا منع من

ج 42، ص: 28

الإرث، و كذا في صورة ضمان الثاني.

و فيه أنه لا وجه للمنع من الإرث بعد عدم صدق أنه القاتل، و خصوصا على تقدير ضمان الثاني الذي مبناه أنه القاتل لا الأول، و دعوى كون المانع له التهمة و إزالة استقرار الحياة حكما لا حاصل لها بعد عدم ثبوت عنوان الممنوع، كما أنه لا حاصل لدعوى كون الضمان على الأول و إن كان الذي غرقه الثاني، لأنه الذي صيره غير مستقر الحياة بخلاف الثاني الذي هو محسن، ضرورة حصول الموت بفعل الثاني لا الأول الذي زال أثر فعله، فهو في الحقيقة كما لو قتله الآخر لتخليصه من زيادة الألم، فإنه لا إشكال في كون الضمان عليه إلا الأول، و الله العالم.

و لو فصده فترك هو شده فنزف دما حتى مات أو ألقاه في ماء فأمسك نفسه تحته مع القدرة على الخروج فلا قصاص و لا دية بلا خلاف و لا إشكال في الأخير، لأنه القاتل دون الملقي باعتبار أن الكون المتأخر عن كون الإلقاء مستند إليه.

و أما الأول ففي القواعد الاشكال فيه، و في كشف اللثام «من استناد الموت إلى تفريط، و كون الفصد غير مهلك عادة، و أصل عدم وجوب الشد على الفصاد إلا مع نقص المفصود لصغر أو جنون أو إغماء، و هو خيرة الإرشاد و التخليص، و من استناده إلى سراية الجرح فهو كغيره من الجراحات التي يهمل المجروح مداواتها، و ربما احتمل تضمين الطبيب إذا كان بأمره، فإنه معالجة» و نحوه في المسالك و مجمع البرهان.

قلت: ظاهر المصنف و غيره ممن ذكر المسألة هنا فرض المسألة في الفصد عدوانا لا مداواة، و لعل الفرق بينه و بين السراية بترك المداواة أن الفصد بنفسه غير قاتل، و إنما الذي قتله خروج الدم المستند كونه إلى إبقائه، فهو كاللبث في النار في استناد الموت إلى أمر لم يكن من فعل

ج 42، ص: 29

الجاني و لا من آثاره، بخلاف سراية الجرح نفسه التي هي من آثار الجرح و إن ترك المداواة إثما، أو يقال: إن الفارق بينهما العرف، و الله العالم.

[الصورة الرابعة السراية عن جناية العمد توجب القصاص مع التساوي]

الصورة الرابعة: السراية عن جناية العمد توجب القصاص مع التساوي بلا خلاف أجده فيه، بل الظاهر الاتفاق عليه، كما اعترف به في كشف اللثام، بل فيه أن إطلاقهم يشمل كل جراحة، قصد بها القتل أم لا، كانت مما تسري غالبا أم لا.

و على كل حال فلو قطع يده عمدا فسرت قتل الجارح، و كذا لو قطع إصبعه عمدا بآلة تقتل غالبا فسرت لكن لم يظهر لنا وجه للتقييد المزبور، كما اعترف به الكركي في حاشية الكتاب، و ذلك لما عرفت من إيجاب السراية القصاص على كل حال من غير فرق بين الآلات و الجراحات و النيات.

و لعله لذا غير الفاضل في القواعد التعبير المزبور، قال: «لو سرت جناية العمد ثبت القصاص في النفس، فلو قطع إصبعه عمدا لا بقصد القتل فسرت إلى نفسه قتل الجارح» نعم في كشف اللثام «و لكن فيه نظر».

و قد سبقه إلى ذلك في المسالك، فإنه بعد أن ذكر أن مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كون الجناية مما توجب السراية غالبا أو القتل كذلك و عدمه، و لا بين أن يقصد بذلك القتل و عدمه، و أن الفاضل صرح بهذا التعميم قال: «و تمشية هذا الإطلاق على قاعدة العمد السابقة لا تخلو من إشكال».

قلت: قد مضى ما يستفاد منه ذلك و إن كان الانصاف عدم خلوه عن النظر أيضا.

[الصورة الخامسة لو ألقى نفسه من علو على انسان عمدا و كان الوقوع مما يقتل غالبا فهلك الأسفل فعلى الواقع القود]

الصورة الخامسة: لو ألقى نفسه من علو على انسان عمدا و كان

ج 42، ص: 30

الوقوع مما يقتل غالبا أو أنه قصد القتل به فهلك الأسفل فعلى الواقع القود لما عرفت و لو لم يكن يقتل غالبا و لا قصد به القتل كان خطأ شبيه العمد، فيه الدية مغلظة و على كل حال دم الملقى نفسه هدر.

لكن لا يخفى عليك ما في إطلاقه، اللهم إلا أن يريد به البناء على ما سبق، و من هنا صرح بالتقييد في القواعد «و لو وقع لا عن عمد فلا شي ء» كما في كشف اللثام.

ل

خبر عبيد بن زرارة(1) عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن رجل وقع على رجل فقتله، فقال: ليس عليه شي ء».

و في

صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «في الرجل يسقط على الرجل فيقتله، قال: لا شي ء عليه، قال: و من قتله القصاص فلا دية له».

و في

خبر عبيد بن زرارة الآخر(3) «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل وقع على رجل من فوق البيت فمات أحدهما، قال: ليس على الأعلى شي ء و لا على الأسفل شي ء».

و ظاهر الجميع عدم شي ء عليه حتى الدية، و لعله لعدم صدور فعل منه ينسب إليه و لو خطأ، بخلاف النائم و الساهي و نحوهما ممن يصدر الفعل منهم و لو من دون شعور، و ربما يأتي إن شاء الله زيادة تحقيق لذلك.

و لو ألقاه غيره قاصدا للأسفل أن يقتله أقيد الدافع به و بالواقع إن كان الوقوع مما يقتل الواقع غالبا أو قصد قتله أيضا، و لو قصد قتله بالدفع أو كان الوقوع مما يقتل غالبا و لم يقصد إيقاعه على الأسفل ضمن


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.

ج 42، ص: 31

ديته، لأنه من الخطأ المحض و قتل بالواقع.

و لكن في

خبر ابن رئاب و عبد الله بن سنان(1)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل دفع رجلا على رجل فقتله، فقال: الدية على الذي وقع على الرجل فقتله لأولياء المقتول، قال: و يرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه، قال: و إن أصاب المدفوع شي ء فهو على الدافع أيضا».

و في كشف اللثام هو محمول على أنه لم يعلم إلا وقوعه و لم يعلم تعمده و لا دفع غيره له.

و لكنه كما ترى، ضرورة صراحة الخبر في خلافه أو لا، و عدم وجوب الدية على الوجه المزبور بعد التسليم ثانيا، خصوصا بعد ما سمعته منه من عدم شي ء عليه مع الوقوع لا عن عمد و هذا منه، لأن الفرض كونه مدفوعا للغير، فالوجه الرجوع بالدية على الدافع، خصوصا بعد معلومية مثل ذلك في المال، بل ذكروا في كتاب الغصب أن الضمان من أول وهلة على المكره دون المكره بالفتح و إن كان قد أتلف هو المال و لكن بالإكراه، و ليس هو كقاعدة الغرور، فلاحظ و تأمل. اللهم إلا أن يقال: إن ذلك هنا كذلك تعبدا، و ربما يأتي إن شاء الله في الأثناء تتمة له.

هذا و في

صحيح الحلبي(2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل ينفر برجل فيعقره و يعقر دابة رجل آخر، قال: هو ضامن لما كان من شي ء»

و هو موافق للضوابط.

و لكن في

خبر أبي بصير(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.

ج 42، ص: 32

- عن رجل كان راكبا على دابة فمس رجلا ماشيا حتى كاد أن يوطئه فزجر الماشي الدابة عنه فخر عنها فأصابه موت أو جرح، قال: ليس الذي زجر بضامن، إنما زجر عن نفسه».

و قد يشكل بأن زجره عن نفسه لا ينافي ضمانه بعد نسبة الفعل إليه إذ الإذن الشرعية إنما تدفع الإثم، نحو ما سمعته في تأديب الولد و غيره، و ليس ذا من الدفاع الذي لا يتعقبه ضمان سيما بعد إمكان تنبيه صاحب الدابة و إمكان التنحي

عنها و غير ذلك، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك كتقصير الراكب المكلف بعدم إضرار دابته الغير فتأمل، و ربما يأتي إن شاء الله زيادة تحقيق لذلك، و الله العالم.

[الصورة السادسة قال الشيخ: لا حقيقة للسحر]

الصورة السادسة: قال الشيخ: لا حقيقة للسحر لقوله تعالى(1)«وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» و قوله تعالى(2):

«يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى» و قوله تعالى(3)«سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ» بل عن التبيان له «كل شي ء خرج عن العادة الجارية لا يجوز أن يتأتى من الساحر، و من جوز للساحر شيئا من هذا فقد كفر، لأنه لا يمكنه مع ذلك العلم بصحة المعجزات الدالة على النبوة، لأنه أجاز مثله من جهة الحيلة و السحر».

و لكن في الأخبار ما يدل على أن له حقيقة و أن منه ما هو من المطبب تأثيرا و علاجا(4) بل فيها ما يدل على وقوعه في زمن النبي (صلى الله عليه و آله) حتى قيل: انه سحر بحيث يخيل إليه


1- 1 سور البقرة: 2 الآية 102.
2- 2 سورة طه: 20- الآية 66.
3- 3 سورة الأعراف: 7- الآية- 116.
4- 4 البحار- ج 63 ص 21.

ج 42، ص: 33

كأنه فعل الشي ء و لم يفعله، و فيه نزلت المعوذتان(1) بل لعله قوله تعالى(2):

«فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ» دال عليه، بل تأثيره أمر وجداني شائع بين الخلق قديما و حديثا.

و التحقيق كما ذكرناه في محله أنه أقسام: فمنه تخييلى و منه مؤثر حقيقة، و لا ينافي ذلك الإقرار بالمعجزات التي يجب على الله تعالى بيان حالها عند الدعوى الكاذبة، على أن التخييلي منه أيضا مؤثر و لو تأثيرا تخييليا، و هو شي ء وجداني و إن كان ما يراه هو ليس كما يراه في الواقع.

و لكن مع ذلك قال المصنف و لعل ما ذكره الشيخ قريب، غير أن البناء على الاحتمال أقرب.

و على كل حال فلو سحرة فمات لم يوجب قصاصا و لا دية على ما ذكره الشيخ، و كذا لو أقر أنه قتله بسحره لأن المفروض عدم الحقيقة له، فهو كما لو قال: قتلته بنظري أو نحو ذلك مما يعلم عدم أثر له.

و على ما قلناه من الاحتمال يلزمه الإقرار لعموم دليله، بل في المسالك «لا طريق إلى معرفته بالبينة، لأن الشاهد لا يعرف قصده و لا شاهد تأثير السحر، و إنما يثبت بإقرار الساحر، فإذا قال: قتله سحري فمن قال لا تأثير له لم يوجب بالإقرار عليه شيئا، و الأقوى الثبوت على القولين، عملا بإقراره و إلغاء للمنافي على القول به، ثم من قال مع ذلك: إن سحرة مما يقتل غالبا فقد أقر بالعمد، و إن قال: نادرا استفسر، فان أضاف إليه قصده قتله فهو عمد أيضا، و إلا فهو شبيه العمد، و إن قال: أخطأت من اسم غيره إلى اسمه فهو إقرار بالخطإ، فيلزمه حكم ما أقر به، و لكن في صورة الخطأ لا يلزم إقراره العاقلة،


1- 1 البحار- ج 63 ص 25.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 102.

ج 42، ص: 34

بل تجب الدية في ماله، نعم لو صدقوه أخذناهم بإقرارهم».

قلت: قد يناقش (أولا) بإمكان إثباته بالبينة برؤية عمل السحر الذي يشاهد أثره و يعرفه من له معرفة بالسحر من الثقات أيضا، و حينئذ فلا يحتاج إلى تعرف قصده و استفساره و لا إلى غير ذلك مما ذكر (و ثانيا) بأن ما ذكره من الأقوى خروج عن المسألة، ضرورة عدم كون البحث في العبارة المزبورة المشتملة على تعقب الإقرار بما ينافيه، إذ يمكن تفسيرها على وجه لا يصدر منه إلا نسبة القتل إلى سحرة.

و من الغريب ما في مجمع البرهان من تبعيته في ثبوت القصاص به على التقديرين و إن لم يكن بالعبارة المزبورة، أخذا

بعموم «إقرار العقلاء»(1)

مع جواز القتل به خوفا و إن لم يكن له حقيقة، و هو كما ترى واضح الوهم و إن نشأ مما في المسالك، لكن قد عرفت أن مراده مسألة تعقب الإقرار بالمنافي، لا أن السحر قد يقتل خوفا و إن قلنا بأنه لا حقيقة له، فإنه بناء على أنه لا حقيقة له لا يؤثر شيئا حتى الخوف فضلا عن أن يؤدي إلى القتل و إن كان القول المزبور قد عرفت ما فيه، على أنه يمكن فرض المسألة لو قال: قتلته بسحر لم يحدث فيه

خوفا و لكن أحدث فيه موتا أو مرضا قاتلا له و إن كان هو في بلاد بعيدة عن الساحر.

و بالجملة التحقيق ما عرفته.

و لو قال: قتله دعائي أو حسدي أو نحو ذلك فلم أجد به تصريحا لكن الأصل البراءة من الضمان بذلك، لعدم معرفته، و على تقديرها لا يخلو القول بالضمان من وجه، بل قد يثبت القصاص.

اللهم إلا أن يقال: إن ذلك و نحوه ليس من الأسباب المتعارف


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار- الحديث 2 و المستدرك- الباب- 2- منه- الحديث 1.

ج 42، ص: 35

التضمين بها، بل يمكن نحو ذلك القول في السحر مع القول بتأثيره، إلا أن ظاهرهم الإنفاق على الضمان به مع القول بأنه مؤثر و العلم بحصول الأثر فيه و لو بالإقرار، و مثله يأتي في الدعاء و الحسد و نحوهما، هذا تفصيل الكلام في السحر من حيث إطلاق الأدلة.

و أما ما في الأخبار(1) من أنه يقتل الساحر ففي المتن و قال الشيخ في الخلاف: يحمل ذلك على قتله حدا لفساده، لا قودا و هو كذلك، لعدم تقييد قتله بذلك، بل ظاهرها قتله من حيث سحرة و إن لم يقتل به أحدا، و الله العالم.

[المرتبة الثانية أن ينضم إليه مباشرة المجني عليه]
اشاره

المرتبة الثانية من مراتب السبب أن ينضم إليه مباشرة المجني عليه، و فيه أيضا صور:

[الصورة الأولى لو قدم له طعاما مسموما فان علم و كان مميزا فلا قود و لا دية]

الأولى: لو قدم له طعاما مسموما بما يقتل مثله غالبا أو قصد القتل به أو أعقب مرضا فمات به الآكل فان علم به و كان مميزا و إن لم يكن بالغا بل و مختارا كما تعرف ذلك في المرتبة الرابعة فلا قود و لا دية (11) بلا خلاف و لا إشكال، لكونه هو القاتل نفسه بمباشرته عالما بالحال لا المقدم و (12) و إن كان

تقديمه مؤثرا في الجملة، لكن تأثير شرطية كمناولته السكين لمن ذبح نفسه بها عاقلا (و ما وقع من الحسن و الرضا (عليهما السلام)(2)من الاقدام على الطعام المسموم محمول على علم خارج عن علم التكليف أو غير ذلك مما هو مذكور في محله)(3).


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية الحدود من كتاب الحدود و التعزيرات.
2- 2 البحار- ج 44 ص 153- 154 و ج 49 ص 294 و 301.
3- 3 ما بين القوسين جاء في النسخة الأصلية المبيضة بعد قوله: «بالغرور واضح الضعف» الآتي في ص 36، و في النسخة الأصلية المخطوطة بقلم المصنف قده جاءت هذه الجملة في الهامش، لكن أشير بالعلامة لموضوع التخريج في موردين: أحدهما ما جاء في هذه الطبعة، الثاني ما جاء في سائر الطبعات و النسخة الأصلية المبيضة، و الموضع المناسب لها هو ما جاء في هذه الطبعة.

ج 42، ص: 36

نعم لو (إن خ ل) لم يعلم بالحال فأكل فمات فللولي القود عندنا لأن حكم المباشرة سقط بالغرور سواء خلطه بطعام نفسه و قدمه إليه أو أهداه إليه أو خلطه بطعام الآكل و لم يعلم أو بطعام أجنبي و ندبه إليه من غير شعور أحد من الآكل و الأجنبي، و لو علم الأجنبي و شارك في التقديم كان شريكا في الجناية، فما عن الشافعي من قوله بنفي القود ترجيحا للمباشرة التي عرفت سقوطها بالغرور واضح الضعف.

هذا و في مجمع البرهان «لو قدم شخص إلى غيره طعاما مسموما فأكله ذلك الغير عالما بالسم و كونه قاتلا لا شي ء على المقدم من القصاص و الدية، لأنه السبب القوي بل المباشر، فهو القاتل لنفسه لا غير، و إن جهل أحدهما يكون المقدم قاتل عمد، فعليه القصاص مع علمه بهما، و الدية عليه مع جهله بأحدهما».

و فيه منع كون المقدم قاتل عمد مع فرض علم المتناول بأن في الطعام شيئا قاتلا و لكن لم يعلم أنه سم، ضرورة عدم مدخلية جهله بالسم في إقدامه على قتل نفسه، بل قد يشك في ذلك لو علم بأن فيه سما خاصة، حيث إنه أقدم على ما يحتمل فيه القتل.

و كذا منع ثبوت الدية مع جهل المقدم بالحال بأن كان الواضع غيره، للأصل و أولوية المباشرة مع التساوي، و ضمان الطبيب للمريض المختار في التناول إنما هو للدليل، و لا ينافي ذلك ما تسمعه من المصنف و الفاضل و غيرهما من ثبوت الدية في ما لو حفر بئرا في داره فدعا غيره فوقع في

ج 42، ص: 37

البئر و إن كان ناسيا لضعف المباشرة بالغرور، لوضوح الفرق بينهما بكونه الفاعل للسبب و إن كان قد نسيه، بخلاف الفرض الذي هو أولى أو مساو لما ذكروه من عدم الضمان على الدافع الجاهل لشخص فوقع في البئر المحفورة بالطريق عدوانا، معللين له بقوة السبب الذي هو حفر البئر على دفع الجاهل و وقوع المدفوع.

و من ذلك يعلم النظر في ما سمعته منه إن أراد ما يشمل ذلك من الجهل بأحدهما، بل لا يخفى عليك ما فيه من إطلاق ثبوت الدية بذلك مع أن من أفراده ما لو علم بكونه قاتلا و لكن لم يعلم أنه سم، فان المتجه فيه القصاص لا الدية، بل و كذا لو علم بأنه سم و جهل بكونه قاتلا و قصد القتل به أو أعقب مرضا أدى إلى ذلك اتجه أيضا القول بالقصاص.

و لو كان السم الموضوع في الطعام مما لا يقتل غالبا و لم يقصد القتل به و لم يعقب مرضا أدى إلى موته به ففيه البحث السابق.

و لو اختلف هو و الولي في جنسه أو قدره فالقول قوله، و على الوالي البينة، فإن قامت و ثبت أنه مما يقتل غالبا فادعى الجهل بأنه كذلك فعن التحرير احتمل القود، و لأن السم من جنس ما يقتل غالبا فأشبه ما لو جرحه و قال: لم أعلم أنه يموت به، و عدمه لجواز خفائه، فكأن شبهة في سقوط القود، فتجب الدية، و في كشف اللثام «الأقوى الثاني إذ حصلت الشبهة».

قلت: قد يقال، إن الأقوى الأول بعد فرض ثبوت العمد إلى القتل منه، لعموم «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(1) و صدق القتل عمدا و غير ذلك.

و لو قصد بالتقديم قتل غير الآكل بأن قدم إليه بظن أنه الغير لكونه في ظلمة أو من وراء حجاب أو نحو ذلك ضمن دية الآكل، لأنه خطأ.


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 38

و لو جعل السم القاتل مثله غالبا في طعام صاحب المنزل أو مع قصد ذلك به أو المعقب مرضا يترتب عليه الموت فوجده صاحبه فأكله فمات قال الشيخ في الخلاف و المبسوط: عليه القود بل في المسالك نسبته إلى الأشهر لضعف

المباشرة بالغرور، و لصدق القتل عامدا لغة و عرفا، بل لعله نحو التقديم الذي هو ليس إلجاء، و إنما هو داع للأكل و الطريق المتعارف في القتل بالسم الذي هو كالآلة.

و من هنا قال في مجمع البرهان: «و ينبغي التفصيل، و هو أنه إن كان الملقي عالما بأنه سم قاتل و أكل الآكل جاهلا بذلك فعليه القصاص، لأنه تعمد القتل أو أدى إليه غالبا، لأن إلقاءه مع عدم مانع من أكله بمنزلة فعل السبب، و لأنه لو لم يكن مثل هذا موجبا للقود للزم منه وجود قتل كثير مع عدم القصاص، بل يلزم عدم القود في مقدم الطعام المسموم أيضا، إذ لا إلجاء أيضا، و كذا في أمثال ذلك، و هو ظاهر البطلان و فتح للفساد و القتل الكثير، و هو مناف لحكمة شرع القصاص، فتأمل.

و إن أكل عالما لا شي ء عليه، فان الآكل هو القاتل نفسه لا غير، و إن فعل جاهلا فعليه الدية، لعدم قصد القتل و لا إلى موجبه التام و لو نادرا، فلا يكون عامدا، مع ثبوت عدم إبطال دم امرء مسلم، و عدم اعتبار القصد و العمد في الدية، فتأمل». و إن كان لا يخلو بعضه من نظر يعلم مما قدمناه سابقا إلا أنه جيد في ثبوت القصاص و إن قال المصنف فيه إشكال لقوة المباشرة و عدم إلجائه إلى الأكل و لا قدمه إليه.

نعم تثبت الدية لترتب القتل على فعله و عدم بطلان دم امرء مسلم، فهو حينئذ كحفر البئر إن لم يكن أقوى و إن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه. و أضعف منه ما عن بعض العامة من القول

ج 42، ص: 39

بانتفاء الضمان رأسا.

نعم هو كذلك لو جعل السم في طعام نفسه و جعل في منزله فدخل إنسان فأكله عاديا، فلا ضمان بقصاص و لا دية، للأصل بعد أن كان الآكل متعديا بدخول دار غيره و أكله من طعامه، بل لو قصد قتله بذلك لم يكن عليه شي ء، مثل أن يعلم أن ظالما يريد هجوم دار فيترك السم في الطعام ليقتله مع فرض توقف دفعه على ذلك.

بل لعله كذلك لو دخل رجل بإذنه فأكل الطعام المسموم بغير إذنه، لأنه المتعدي بأكله، بل في كشف اللثام و إن كان ممن يجوز له الأكل من بيوتهم، و لكن لا يخلو من نظر، نعم لا ضمان لو سم طعاما و وضعه في منزل الآكل و لم يخلطه بطعامه و لا جعله حيث يشتبه عليه بل أكله و هو يعلم أنه ليس له، و لو جعله بحيث يشتبه عليه كان عليه الدية، كما في كشف اللثام.

[لصورة الثانية لو حفر بئرا بعيدة في الطريق و دعا غيره مع جهالته فوقع فمات فعليه القود]

الصورة الثانية: لو حفر بئرا بعيدة القعر في الطريق مثلا يقتل الوقوع فيها غالبا و دعا غيره مع جهالته على وجه يسقط فيها بمجيئه فجاء فوقع فمات فعليه القود، لأنه مما يقصد به القتل غالبا و لأن ذلك و نحوه كيفية القتل به عادة، فيندرج في عنوان القاتل عمدا، بل و كذا إن كان مما يقتل نادرا و قصد به القتل أو أعقبه مرضا مات به، أما إذا لم يقصد و لم يعقبه زمانة ففيه البحث السابق، و كذا الكلام لو جعل البئر في ملك الواقع، إذ هو نحو وضع السم في طعام الغير.

و لو كان دعاؤه إياه لا على وجه يقتضي وقوعه فيه و لا تقصد ذلك إلا أنه اتفق مجيئه في طريق وقع فيه بلا شعور منه فالظاهر الدية و إن كان قد أطلق المصنف و غيره، بل ربما منه وقع إشكال للأردبيلي،

ج 42، ص: 40

حيث قال: «لكن يرد على أمثاله شي ء، و هو أن الموجب للقصاص هو قتل العمد المحض، و هو قصد القتل أو الفعل القاتل غالبا، و تحققهما في كل ما أوجبوا فيه القتل محل التأمل، فتأمل» و فيه أن ذلك كله كذلك مع ملاحظة التقييد المزبور، و الله العالم.

[الصورة الثالثة لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمي فإن كان مجهزا فالأول جارح و القاتل هو المقتول]

الصورة الثالثة: لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمي ف في المسالك «إن كان الجرح الأول متلفا و قد انتهى المجروح إلى حركة المذبوح فالأول هو القاتل» و هو كذلك مع فرض صحة الفرض و إن لم يكن كذلك بل لم يكن الجرح متلفا بنفسه و إنما كان الدواء السمي مجهزا على وجه يسند القتل إليه فالأول جارح و القاتل هو المقتول ف لا قصاص حينئذ بل و لا دية له و لكن لوليه القصاص في الجرح إن كان الجرح يوجب القصاص و إلا كان له أرش الجراحة لعدم جناية له غير ذلك، فهو مثل ما لو جرحه شخص و قتله آخر، فان الجارح عليه جرحه و على القاتل القتل.

و إن لم يكن مجهزا و كان الغالب فيه السلامة فاتفق الموت به و بالجرح الأول سقط ما قابل فعل المجروح لعدم ضمانه على الجارح و هو نصف الدية كما في نظائره و (11) حينئذ ف للولي قتل الجارح بعد رد نصف الدية (12) لأن ذلك هو الثابت شرعا في كيفية استيفاء نصف القتل الذي هو مقتضى جنايته.

و كذا لو كان غير مجهز و كان الغالب معه التلف (13) لما عرفت و تعرف إن شاء الله من الاشتراك في الجناية بين الجانيين لا الجنايات و إن تعددت من واحد و اتحدت من آخر من غير فرق بين القوي و الضعيف فيها بعد العلم باستناد الموت إليهما أو عدم العلم باستناده إلى أحدهما بناء

ج 42، ص: 41

على إسناده حينئذ إلى الجميع عرفا لانتفاء المرجح و إن كان لا يخلو من نظر.

نعم عن العامة قول بنفي القصاص، لأن إحدى الجنايتين غير مضمونة، و آخر بنفي القصاص إذا كان الغالب مع السم السلامة، لحصول الموت من عمد و خطأ شبيه به، و لا ريب في ضعفهما.

و كذا الكلام (البحث خ ل) لو خاط نفسه أو غيره بأمره جرحه في لحم حي فسرى منهما فمات فان كانت مجهزة فلا قود و إلا سقط بإزائها ما قابل فعل المجروح، و كان للولي قتل الجارح بعد رد نصف الدية لما عرفت، و للعامة ما سمعت، و لو كانت الخياطة في لحم ميت فالظاهر عدم السراية لها، و الله العالم.

[المرتبة الثالثة أن ينضم إليه مباشرة حيوان]
اشاره

المرتبة الثالثة: أن ينضم إليه مباشرة حيوان، و فيه صور:

[الصورة الأولى إذا ألقاه إلى البحر فالتقمه الحوت قبل وصوله فعليه القود]

الأولى: إذا ألقاه إلى البحر الذي يقتل مثله غالبا أو قصد به القتل فالتقمه الحوت قبل وصوله إليه فعليه القود عند الشيخ و الفاضلين و غيرهما لأن الإلقاء في البحر إتلاف بالعادة و إن لم يبتلعه الحوت، فهو كما لو ألقى من علو يقتل مثله فأصابته سكين فقتلته، فكأنه ابتلعه بعد الغرق، و لأن القصد إلى السبب المعين يستلزم القصد إلى مطلق القتل، ضرورة وجود المطلق في المقيد و مطلق القتل صادق في المعين.

و قيل و إن كنا لم نتحقق القائل منا قبل المصنف لا قود، لأنه لم يقصد إتلافه بهذا النوع الذي هو المتيقن من عنوان القود، فهو حينئذ كما لو رمى من شاهق فاستقبله غيره فقده. و (11) من هنا قال المصنف هو قوى (12) نعم تتعين الدية.

لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من صدق القاتل

ج 42، ص: 42

عمدا على مثله فضلا عن قوله تعالى «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» و نحوه مما لا إشكال في شموله لمثل ذلك الذي هو في الحقيقة كما لو وصل إلى البحر فالتقمه الحوت بعد وصوله الذي صرح الفاضل بكونه عمدا و إن استشكل في الأول لوصوله قبله إلى المهلك، بل لعل التلف بالإلقاء إلى البحر من أفراده ذلك و إن كان الغالب منها الغرق.

نعم لو اختطفه طير و نحوه مما لا مدخلية له في التلف بالإلقاء في البحر أمكن حينئذ عدم القود، و تعين الدية على إشكال فيه بعد أن كان المقصود الفعل القاتل و إن قتل بغيره مما هو نادر أيضا فضلا عن الغالب، و لعل الفرق بين المقام و بين المقدود نصفين بعد إلقائه من شاهق كون القاد قابلا للضمان قصاصا أو دية بخلافه في الفرض الذي هو كفصل في البئر، اللهم إلا أن يدعى عدم الفرق عرفا في نسبة القتل بين الجميع، و فيه منع.

نعم لو ألقاه في ماء قليل لا يغرق غير قاصد بذلك قتله فأكله سبع لوقوعه فيه أو التقمه حوت أو تمساح كان عليه الدية للتسبيب، دون القود، لعدم قصده ما يقتله، هذا كله في قصد الإلقاء إلى البحر.

أما لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القود بلا خلاف و لا إشكال لأن الحوت ضار بالطبع فهو كالآلة التي يصدق معها اسم القتل عمدا، كما هو واضح.

[الصورة الثانية لو أغرى به كلبا عقورا فقتله فالأشبه القود]

الصورة الثانية: لو أغرى، به كلبا عقورا مثلا مما يقتل غالبا أو قصد القتل به مع ندرته فضلا عن عدم العلم بحاله فقتله فالأشبه بأصول المذهب و قواعده أن عليه القود، لأنه كالآلة التي لا ينسب القتل إليها، فالقاتل عمدا هو لا هي و إن كان الكلب له شبه اختيار به ينسب القتل ظاهرا إليه، لكن القاتل حقيقة المغري عرفا دونه.

ج 42، ص: 43

و كذا لو ألقاه إلى أسد ضار مثلا بحيث لا يمكنه الاعتصام منه و لو بفرار و نحوه فقتله سواء كان في مضيق أو برية خلافا لبعض العامة، ففرق بينهما، و هو واضح الضعف بعد وضوح نسبة القتل إليه عرفا، و كون الأسد كالآلة نحو ما سمعته في إغراء الكلب، نعم لو كان الأسد لا يفترس غالبا كان الإلقاء إليه من الأسباب النادرة، أما لو جهل حاله و لم يقصد القتل أمكن كونه كالضاري، لأن فيه صفة الافتراس، و لصدق أنه قاتل عمدا، و خروج النادر للدليل لا يقتضي خروج المجهول كما عرفت تحقيقه في ما تقدم.

هذا و في القواعد متصلا بما عرفت «و لو فعل به الأسد ما لا يقتل غالبا ضمن الدية و لا قصاص» و في كشف اللثام «إذ لم يصدر منه مباشرة للقتل و لا تسبيب لما يقتل غالبا إلا إذا قصد به القتل فكما تقدم غير مرة».

و فيه أن مفروض البحث الإلقاء و الجمع المؤديان إلى ذلك غالبا، فهو حينئذ كالضرب بالسيف قاصدا المقتل فاتفق وقوعه في ما لا يقتل إلا نادرا لو مات به.

[الصورة الثالثة لو أنهشه حية قاتلا فمات قتل به]

الصورة الثالثة: لو أنهشه حية نهشا قاتلا بأن قبضها و ألقمها شيئا من بدنه ضغطها أم لا فمات قتل به و إن لم يقصد القتل بذلك، لكونه مما يقتل غالبا.

و كذا لو طرح عليه حية طرحا قاتلا فنهشته فهلك ف ان الأشبه أيضا وجوب القود، لأنه مما جرت العادة بالتلف معه (11) بل هو الكيفية المتعارفة في القتل بها، فيصدق حينئذ أنه القاتل عمدا، بل و كذا لو جمع بينه و بينها في مضيق لا يمكنه الفرار منها، خلافا لما عن العامة من عدم القود به، لأنها تهرب من

ج 42، ص: 44

الأسنان في المضيق بخلاف السبع، بل في كشف اللثام هو ظاهر المبسوط، و قد أشار في التحرير إلى احتماله لقوله: «فالأشبه ذلك» يعني القود، و لكن في الجميع ما لا يخفى، و الله العالم.

[الصورة الرابعة لو جرحه ثم عضه الأسد و سرتا لم يسقط القود]

الصورة الرابعة: لو جرحه ثم عضه الأسد و سرتا لم يسقط القود عندنا خلافا لبعض العامة.

و لكن هل يرد فاضل الدية أي النصف؟

الأشبه نعم لاستناد موته إلى سببين إنما فعل أحدهما، و قد يحتمل العدم، لأن الجرح الآخر غير مضمون، و هو واضح الضعف، و حينئذ فإن عفا الولي على الدية فإنما عليه نصفها، و لو نهشته مع ذلك حية فمات من الجميع فعليه الثلث من الدية مع العفو، و إن اقتص منه رد عليه الثلثان، لاستناد الموت إلى أسباب ثلاثة، و قد يحتمل أن يكون عليه النصف، و لا ينظر إلى عدد الحيوان، لاشتراك الكل في عدم الضمان، فيعد غير المضمون من الجراحات و إن تكثرت واحدة إلا أنه خلاف ما عليه الأصحاب، بل و خلاف الاعتبار، نعم هو كذلك في الجراحات المتعددة من حيوان واحد نحو ما سمعته في الإنسان.

و كذا لو شاركه في الجناية أبوه الذي لا يقتص منه أو اشترك عبد و حر في قتل عبد فان القصاص يجب على الأجنبي و العبد، خلافا لأبي حنيفة دون الأب و الحر، لكن يؤخذ منهما نصف الدية أو نصف القيمة و تدفع إلى المقتص منه، و لو عفا الولي على الدية أخذ من كل نصفها، و كذلك العامد إذا شاركه الإنسان المخطئ فيدفع عاقلة المخطئ نصف الدية إلى العامد و يقتص منه، خلافا للمحكي عن ابن سعيد.

[الصورة الخامسة: لو كتفه و ألقاه في أرض مسبعة فافترسه الأسد اتفاقا فلا قود]

الصورة الخامسة: لو كتفه و ألقاه في أرض مسبعة فافترسه

ج 42، ص: 45

الأسد اتفاقا فلا قود، و لكن فيه الدية و نحوه في القواعد و في كشف اللثام «فإن الإلقاء المذكور ليس مما يغلب أداؤه إلى الافتراس» و في المسالك: «لأن فعل السبع يقع باختياره، و طبعه مختلف في ذلك اختلافا كثيرا، فليس الإلقاء في أرضه مما يقتل غالبا، نعم تجب الدية لكونه سببا في القتل».

و فيه أن ذلك يجري حتى لو ألقاه إلى السبع، كما أن في الأول أن فرض كونها مسبعة يقتضي ذلك، و لو سلم فالمتجه القصاص أيضا مع قصد احتمال حصول الافتراس، لصدق أنه القاتل عمدا عرفا، بل هو كذلك أيضا لو لم يفترسه الأسد و لكن جرحه جرحا لا يقتل مثله و مات بسرايته، و لعله لذا قال في مجمع البرهان: «و يحتمل القود أيضا، لأنه قتل نفسا بالتسبيب، فيدل «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(1) عليه، و هو بعيد إذا لم يكن قاصدا للقتل و إلقائه في فم السبع، و إلا فليس ببعيد، فإن إلقاء المربوط في محل السبع و لو كان مجيئه إليه نادرا لا يخلو عن قصد القتل، بل و لو ثبت عدم قصده، فان فعله موجب لذلك، و ينبغي التأمل في ذلك، و هو فرع التأمل في معنى العمد، و قد مر فنذكر» و إن كان لا تخلو عبارته من تشويش في الجملة.

[المرتبة الرابعة أن ينضم إليه مباشرة إنسان آخر]
اشاره

المرتبة الرابعة: أن ينضم إليه مباشرة إنسان آخر، و فيه صور:

[الصورة الأولى لو حفر واحد بئرا فوقع آخر بدفع ثالث فالقاتل الدافع دون الحافر]

الأولى: لو حفر واحد بئرا فوقع آخر بدفع ثالث فالقاتل الدافع دون الحافر بلا خلاف أجده فيه، لأنه المباشر للقتل بما يقتل و هو الإلقاء، دون الحافر الذي هو السبب البعيد و بمنزلة الشرط.

و كذا لو ألقاه من شاهق فاعترضه آخر فانقد بسيف مثلا نصفين قبل وصوله إلى الأرض ف ان القاتل


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية- 45.

ج 42، ص: 46

عرفا هو المعترض و إن كان لو لم يعترضه لقتل أيضا بسقوطه إلى الأرض إلا أنه صار كالشرط بعد أن طرأ عليه مباشرة مستقلة، و من هنا لم يكن فرق بين

علم الملقي بالحال و عدمه إلا إذا قصد اعتراضه بالسيف و كان المعترض مجنونا مثلا فان القود حينئذ عليه، إذ هو كالقائه إلى السبع، و هو واضح.

و لو أمسك واحد و قتل الآخر فالقود على القاتل لأنه المباشر دون الممسك لكن الممسك يحبس أبدا بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن الخلاف و الغنية و غيرهما الإجماع عليه، للمعتبرة المستفيضة.

منها

صحيح الحلبي (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجلين أمسك أحدهما و قتل الآخر قال:

يقتل القاتل، و يحبس الآخر حتى يموت غما، كما كان حبسه عليه حتى مات غما».

و خبر سماعة(2) قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل شد على رجل ليقتله و الرجل فار منه فاستقبله رجل آخر فأمسكه عليه حتى جاء الرجل فقتله، فقتل الرجل الذي قتله، و قضى على الآخر الذي أمسكه أن يطرح في السجن أبدا حتى يموت فيه، لأنه أمسك على الموت»

و غيرهما من النصوص.

و عن المقنعة بعد أن ينهك عقوبة، و في

خبر أبي المقدام(3) «أن الصادق (عليه السلام) أمر به فضرب جنبه، و حبسه في السجن، و وقع على رأسه يحبس عمره، و يضرب كل سنة خمسين جلدة».


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
3- 3 المستدرك الباب- 16- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 عن دعائم الإسلام مرسلا.

ج 42، ص: 47

و لو نظر لهما ثالث أي كان عينا لهم و ربية لم يضمن لكن تسمل عيناه أي تفقأ بالشوك أو تكحل بمسمار محمي، للإجماع في محكي الخلاف، و ل

خبر السكوني(1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) المنجبر بعمل الأصحاب، بل قيل: إنه مقطوع به في كلامهم، قال فيه: «إن ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): واحد منهم أمسك رجلا، و أقبل الآخر فقتله، و الآخر رآهم، فقضى في الرؤية- و في نسخة «الرئية» و في الثالثة «الربيعة»- أن تسمل عيناه، و في الذي أمسك أن يسجن حتى يموت كما أمسك، و قضى في الذي قتل أن يقتل»

و الله العالم.

[الصورة الثانية إذا أكرهه على القتل فالقصاص على المباشر]
اشاره

الصورة الثانية: إذا أكرهه على القتل بأن توعده الظالم القادر بالقتل مثلا إن لم يقتله ف الحكم فيه عندنا نصا(2) و فتوى بل الإجماع بقسميه عليه أن القصاص على المباشر الكامل دون الآمر المكره بل و لا دية، بل و لا كفارة، بل و لا يمنع من الميراث و إن استشكل فيه في القواعد، و ذلك لأن الإكراه و إن ولد في المكره داعية القتل التي سببها من المكره و لكن الأصل في القصاص كونه على المباشر الذي هو المكره، لأنه القاتل لغة و عرفا.

بل لا يتحقق الإكراه شرعا عندنا في القتل بعد استحقاق القتل شرعا على المباشر، فلم يدفع عنه شيئا شرعا بفعل ما أكره عليه كي يكون من الإكراه المرفوع عن الناس حكمه و لكن يتحقق في ما عداه (11) من قطع اليد و الجرح و نحوهما بخلاف القتل، فإنه إنما يتحقق إذا جاز دفع الخوف بفعل المكره عليه و لا يخاف من شي ء أعظم


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 48

من القتل و لا يجوز هنا دفع الخوف على النفس بذلك، بل في

الصحيح(1) «إنما جعلت التقية ليحقن بها الدماء، فإذا بلغ الدم فلا تقية»

و نحوه الموثق(2) فهو حينئذ قاتل عمدا ظلما لاستبقاء نفسه كقتل شخص ليأكله في المخمصة الذي لا يعد به أنه مضطر.

نعم في رواية على بن رئاب الصحيحة عن زرارة (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) يحبس الآمر بقتله حتى يموت (3)

- قال: «في رجل أمر رجلا بقتل رجل فقتله، قال: يقتل به الذي ولي قتله، و يحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت»

و لا بأس بالعمل بها بعد صحتها و عمل غير واحد من الأصحاب بها، فما عساه يظهر من المتن من التوقف في ذلك في غير محله.

و لو وجبت الدية للعفو أو عدم التكافؤ كانت على المباشر أيضا، و من العامة من نفى عنهما القود و الدية، و منهم من أوجب القود على المكره وحده، و للشافعي قولان: أحدهما اشتراكهما في الجناية، فعليهما القصاص، و عند العفو الدية نصفين، و الآخر القود على المكره، و على المباشر نصف الدية، و عند العفو على المكره أيضا نصف الدية، و ضعف الجميع واضح عندنا.

نعم هذا الحكم الذي ذكرناه إذا كان المقهور بالغا عاقلا، و أما لو كان غير مميز كالطفل و المجنون فالقصاص على المكره بلا خلاف و لا إشكال لأنه ما بالنسبة إليه كالآلة في نسبة القتل، و لا يرد عدم القطع على السيد لو أمرهما


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 1 من كتاب الأمر بالمعروف.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 2 من كتاب الأمر بالمعروف.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 49

بالسرقة، لوضوح الفرق بعدم صدق السرقة عليه بالأمر بخلاف صدق القتل الذي يحصل بالمباشرة و التسبيب.

و يستوي في ذلك الحر و العبد لكن في

خبر إسحاق بن عمار(1) عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله، فقال: يقتل السيد به»

و في

خبر السكوني(2) عنه (عليه السلام) أيضا: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله، فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام): و

هل عبد الرجل إلا كسوطه أو كسيفه؟ يقتل السيد و يستودع العبد في السجن» و في الفقيه «حتى يموت»

بعد أن رواه بإسناده إلى قضايا علي (عليه السلام).

بل عن الخلاف «اختلفت روايات أصحابنا في أن السيد إذا أمر عبده بقتل غيره فقتله فعلى من يجب القود، فروي في بعضها أن على السيد القود، و في بعضها أن على العبد القود، و لم يفصلوا- إلى أن قال-:

و الوجه في ذلك أنه إن كان العبد مميزا عاقلا يعلم أن ما أمر به معصية فإن القود على العبد، و إن كان صغيرا أو كبيرا لا يميز و اعتقد أن جميع ما يأمر به سيده واجب عليه فعله كان القود على السيد».

و جعلهما في التهذيب مخالفين للقرآن حيث نطق أن «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ(3)ثم أولهما بمن كانت عادته أن يأمر عبده بقتل الناس و يغريهم بذلك و يلجئهم إليه، فإنه يجوز للإمام أن يقتل من هذا حاله، لأنه مفسد في الأرض، قيل: و وافقه الحلبيان على ذلك، كما أنه المحكي عنه في الاستبصار، و يكون جمعا بينهما و بين الصحيحة السابقة.

إلا أنه كما ترى في غاية البعد، مع أنه إنما يرفع التعارض بالإضافة


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 50

إلى ما دلا عليه من قتل السيد، و أما بالإضافة إلى ما دلا عليه من تخليد العبد في السجن فلا، بل ظاهر الصحيحة يقتضي قتله دونهما، و الأوفق بالأصول ترجيح الصحيحة و إن حمل الخبران على صورة إفساد السيد فإن إفساد بمجرده لا يدرأ القتل عن العبد بعد مباشرته له، مضافا إلى منع اقتضاء فعل الإفساد المزبور القتل حدا إلا أن يكون محاربا.

و لعله لذا قال الكاشاني في الوافي: «أقول: في مخالفتهما للقرآن نظر، و لا سيما بعد تعليله (عليه السلام) بأن العبد بمنزلة الآلة، و في التأويل بعد، بل لا ينافيان شيئا من المحكمات حتى يحتاج إلى مثل هذه التكلفات، للفرق البين بين العبد و الأجنبي» إلى آخره و إن كان لا يخفى عليك ما فيه أيضا.

بل و ما في ذلك كله بعد المفروغية من الحكم المزبور حتى ما في الخلاف من معذورية الجاهل و أن القود على السيد، و الخبران المزبوران مطرحان أو محمولان على ما قيل من كون العبد صغيرا كالآلة و إن كان فيه أنه لا يتم في أحدهما المشتمل على تخليد العبد في السجن، إذ لم نجد.

قائلا به كذلك في العبد الصغير الذي هو مع تمييزه عمده خطأ فضلا عما إذا كان آلة لفقده التمييز أو غير ذلك، و الله العالم.

و لو كان المباشر مميزا عارفا غير بالغ و هو حر فلا قود على أحد منهما، كما في القواعد و غيرها، لعدم بلوغ المباشر و عدم كونه آلة و لكن الدية على عاقلة المباشر الذي عمده خطأ إلا أنه قد يناقش بأن الظاهر تحقق الإكراه بالنسبة إليه فإنه لا يقاد منه إذا قتل، و إذا تحقق فالسبب أقوى، فينبغي القود، نعم إذا لم يتحقق إلا الأمر اتجه ما ذكر، فتأمل جيدا.

و قال بعض الأصحاب كالشيخ في محكي المبسوط و النهاية

ج 42، ص: 51

و ابن البراج في محكي المهذب و الجواهر يقتص منه إن بلغ عشرا مستندا في الأول إلى أنه قضية عموم أخبارنا، بل يؤيده ما دل(1) على جواز عتقه و صدقته و طلاقه و وصيته، و عن الوسيلة «أن المراهق كالعاقل» و عن المقنع و المقنعة «يقتص منه إن بلغ خمسة أشبار، ل

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني(2): «إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه، و إذا لم يكن بلغ خمسة أشبار قضي بالدية».

و هو مع أنه ضعيف مطرح عند المعظم كالقول الأول، للأصل و الاحتياط و عموم النصوص الناطقة بأن

«عمد الصبي و خطأه واحد(3)

و «رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ»(4)

و نصوص حد البلوغ(5) و غير ذلك، فالعمل حينئذ على المشهور، هذا كله في الحر المميز غير البالغ.

و أما الكلام في المملوك المميز غير البالغ فالذي يقتضيه أصول المذهب و قواعده أن حكمه نحو ما ذكرناه في الحر، فان كان مكرها كان القصاص على المكره الذي هو أقوى من المباشر و إلا ف تتعلق الجناية برقبته، و لا قود عليه لأن الفرض عدم بلوغه، و لا على الآمر لعدم مباشرته و لا إكراهه، و ليست هي حينئذ إلا كغيرها من جناية الخطإ الصادرة منه بالغا.


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من كتاب الوقوف و الصدقات- الحديث 1 و الباب- 44- من كتاب الوصايا و الباب- 32- من أبواب مقدمات الطلاق- الحديث 2 و 6 من كتاب الطلاق.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب العاقلة- الحديث 2 من كتاب الديات.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب مقدمات العبادات- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات و الباب- 12- من كتاب الحجر.

ج 42، ص: 52

و لكن في الخلاف و محكي السرائر إن كان المملوك صغيرا أو مجنونا سقط القود عنهما معا و وجبت الدية على السيد الآمر و إلا أطلنا دم المقتول.

و عن المبسوط أنه اضطرب كلامه، فتارة أوجب القود على الآمر حرا كان المأمور أو عبدا، و أخرى أوجب الدية على عاقلة المأمور حرا أو عبدا.

و عن الوسيلة «أن المأمور إن كان حرا بالغا عاقلا أو مراهقا اقتص منه، و إن كان حرا صبيا أو مجنونا و لم يكره لزمت الدية عاقلته، و إن أكره كان نصف الدية على عاقلته و نصفها على الآمر المكره، و إن كان عبدا للآمر صغيرا أو كبيرا غير مميز اقتص من الآمر و إلا فمن القاتل- قال-: و إذا لزم القود المباشر خلد الآمر في الحبس، و إن لزم الآمر خلد المباشر فيه إلا أن يكون صبيا أو مجنونا».

و عن أبي علي «لو أمر رجلا عاقلا عالما بأن الآمر ظالم بقتل رجل أقيد القاتل به و حبس الآمر في السجن حتى يموت، و إن كان المأمور عبدا أو جاهلا أو مكرها لا يأمن بمخالفته إتلاف نفسه أزلت القود عنه و أقدت الآمر و حبست القاتل حتى يموت بعد تعزير له، و أمرته بالتكفير لتولي القتل بنفسه».

و لا يخفى عليك ما في الجميع من النظر من وجوه، خصوصا بعد أن لم نعثر على مستند لذلك و لا لبعضه إلا الخبرين(1) المزبورين في العبد المعارضين

بالأقوى منهما من وجوه، و لذا قال المصنف و الأول أظهر لكن قد عرفت ما في إطلاقه و غيره في الحر و العبد المميزين غير البالغين، و التحقيق ما سمعته.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و 2.

ج 42، ص: 53

بل الظاهر تخليد السيد في السجن بأمره، لما عرفته من النص السابق، اللهم إلا أن يمنع شموله لنحو الفرض، و فيه أن الظاهر، تخليد الآمر مطلقا في السجن حتى في صورة عدم القود من المباشر لصغره و إن توقف فيه بعض الأفاضل، و لكن في غير محله، و الله العالم.

[فروع]
[الأول لو قال اقتلني أو لأقتلنك لم يسغ القتل]

فروع:

الأول:

لو قال كامل لآخر مثلا اقتلني أو لأقتلنك لم يسغ القتل بلا خلاف بل و لا إشكال لأن الإذن لا ترفع الحرمة الحاصلة من نهي المالك الحقيقي و لكن لو أثم و باشر لم يجب القصاص عند الشيخ في محكي المبسوط و الفاضل في التلخيص و الإرشاد، بل في المسالك أنه الأشهر لأنه أسقط حقه بالاذن فلا يتسلط الوارث الذي هو فرع على المقتول.

و منه ينقدح عدم الدية حينئذ التي تنتقل من الميت و لو في آخر جزء من حياته إلى الوارث لا ابتداء، بدليل نفوذ وصاياه و قضاء ديونه منها، إذ لو كانت للوارث ابتداء لم يكن كذلك.

نعم قد يناقش في أصل سقوط القصاص بكون الاذن غير مبيح فلا يرتفع به العدوان، كما لو قال: اقتل زيدا و إلا قتلتك، فيدخل في عموم أدلة القصاص، نحو ما لو أكره على قتل الغير، اللهم إلا أن يشك في شمول أدلة القصاص بل و الدية لمثله، و الأصل البراءة، و لا أقل من أن يكون ذلك شبهة يسقط بها قتله بناء على أنه كالحدود في ذلك، لكن لا يخفى عليك ما في الجميع، إلا أن يندرج في الدفاع، فيتجه حينئذ

ج 42، ص: 54

سقوط القصاص و الدية و الإثم.

و لو قال الكامل للناقص ذلك لم يكن قصاص، لنقصه لا لقوله، و الدية على البحث السابق، و بالعكس لا إشكال في ثبوت القصاص، و أما الناقصان فالثابت الدية، كما هو واضح.

و لو كان الآمر المكره هو الوارث للمقتول كان له القصاص، لعموم الأدلة، و لا يسقط حقه بإكراهه.

[الثاني لو قال اقتل نفسك فان كان مميزا فلا شي ء على الملزوم]

الثاني:

لو قال: اقتل نفسك من غير إكراه له على ذلك ففعل فان كان المأمور مميزا فلا شي ء على الملزوم أي الآمر و إن كان سببا إلا أن المباشر أقوى منه و إلا يكن مميزا فعلى الملزم القود كما في القواعد و غيرها، لقوة السبب حينئذ على المباشر، و خصوصا مع الإكراه المتصور في حقه و إن كان في تحقق إكراه العاقل هنا إشكال باعتبار أنه لا معنى للاضطرار إلى قتل نفسه خوفا من قتله.

لكن في المسالك و كشف اللثام «نعم لو كان التخويف بنوع من القتل أصعب من النوع الذي قتل به نفسه فدفعه به اتجه حينئذ تحقق الإكراه، و ترتب القصاص حينئذ على المكره الذي هو أقوى من المباشر».

و قد يناقش بأن ذلك لا يقتضي جواز قتله لنفسه المنهي عنه، فلا حكم لاكراهه المزبور، و حينئذ يكون المباشر أقوى من السبب، و احتمال الجواز باعتبار شدة الأمر المتوعد به مناف لإطلاق دليل المنع، و إلا لجاز للعالم بأنه يموت عطشا مثلا أن يقتل نفسه بالأسهل من ذلك، فتأمل جيدا.

ج 42، ص: 55

[الثالث يصح الإكراه في ما دون النفس]

الثالث:

يصح الإكراه في ما دون النفس لعموم دليله المقتصر في تخصيصه على المتيقن الذي هو النفس فلو قال: اقطع يد هذا و إلا قتلتك كان له قطعها دفعا لإتلاف نفسه بما ليس إتلافا فلا قصاص حينئذ عليه، لعدم العدوان، نعم هو على المكره الذي هو أقوى حينئذ من المباشر.

لكن في القواعد الاشكال فيه من ذلك و من عدم المباشرة، فتجب عليه الدية دون القصاص، و فيه أن وجوبها ليس إلا لقوة السبب على المباشرة، و هو مقتض للقصاص دونها، كما هو واضح.

و لو قال: اقطع يد هذا أو هذا أو لأقتلنك فاختار المكره أحدهما ففي القصاص على الآمر تردد، منشأه أن التعيين، عرى عن الإكراه فيكون المباشر مختارا في ذلك، إذ الأمر بالكلي الذي منه الأمر الإكراهي ليس أمرا بجزئي من جزئياته على التعيين و إن كان هو لا يتحقق إلا بأحدهما.

و لكن الأشبه بأصول المذهب ثبوت القصاص على الآمر كما عن التحرير لأن الإكراه تحقق، و التخلص غير ممكن إلا بأحدهما فاختياره حينئذ من ضرورة الإكراه الملجإ إلى إبراز الكلي في الوجود الذي لا يتم إلا بإيجاده في شخص معين، نحو الإكراه على معين من غير تعيين وقت فاختاره المكره، و مع الإغضاء عن ذلك كله فالعرف كاف في ثبوت المطلوب، كما هو واضح.

[الرابع لو أكرهه على صعود شجرة مثلا فزلق رجله و مات وجب الضمان على المكره]

الرابع لو أكرهه على صعود شجرة مثلا فزلق رجله و مات وجب

ج 42، ص: 56

الضمان على المكره، و لكن الأقرب ثبوت الدية لا القصاص كما عن التحرير، نعم إن كان الغالب في مثل الفرض السقوط المهلك فالإكراه عليه كالإكراه على تناول السم، و إلا فان لم يقصد به القتل فلا إشكال في سقوط القصاص عنه، و إن قصد فبناء على ما تقدم عليه القصاص، و يحتمل الفرق بين فعل ما يقتل نادرا و الإكراه عليه، و الله العالم.

[الصورة الثالثة لو شهد أربعة بما يوجب رجما أو قتلا و ثبت أنهم شهدوا زورا لم يضمن الحاكم و كان القود على الشهود]

الصورة الثالثة: لو شهد اثنان مثلا بما يوجب قتلا كالقصاص و الارتداد و نحوهما أو شهد أربعة بما يوجب رجما كالزنا و ثبت أنهم شهدوا زورا بعد الاستيفاء لم يضمن الحاكم الآمر و لا الحداد المباشر و كان القود على الشهود، لأنه تسبيب متلف بعادة الشرع فكان أقوى من المباشرة التي أخرجها التسبيب المزبور عن كونها عدوانا، و كانت هي من توليده.

و في

مرسل ابن محبوب(1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل، فقال: إن قال الراجع: وهمت ضرب الخد و غرم الدية، و إن قال: تعمدت قتل».

و في

خبر مسمع(2) عنه (عليه السلام) أيضا «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في أربعة شهدوا على رجل أنهم رأوه مع امرأة يجامعها فرجم ثم رجع واحد منهم، قال: يغرم ربع الدية إذا قال: شبه علي فان رجع اثنان و قالا: شبه علينا غرما نصف الدية، و إن رجعوا و قالوا: شبه علينا غرموا الدية، و إن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا جميعا».


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 57

و في

خبر الفتح بن يزيد الجرجاني(1)عن أبي الحسن (عليه السلام) «في أربعة شهدوا على رجل أنه زنى فرجم ثم رجعوا و قالوا: قد وهمنا يلزمون الدية، و إن قالوا: إنما تعمدنا قتل أي الأربعة شاء ولي المقتول ورد الثلاثة ثلاثة أرباع الدية إلى أولياء المقتول الثاني، و يجلد الثلاثة كل واحد منهم ثمانين جلدة، و إن شاء ولي المقتول أن يقتلهم رد ثلاث ديات على أولياء الشهود الأربعة، و يجلدون ثمانين كل واحد منهم، ثم يقتلهم الإمام»

إلى غير ذلك من النصوص.

نعم لو علم الولي بزور الشهود و باشر القصاص كان القصاص عليه دون الشهود، لقصده إلى القتل العدوان من غير غرور فهو أقوى من السبب، و لو لم يباشره و إنما باشره حداد القاضي فالقصاص على الشهود على إشكال من استناد القتل إلى الشهادة و الطلب جميعا، فالولي و الشهود شركاء في الدم، و من أن الشهادة أقرب و أقوى من المباشرة فمن الطلب أولى، و لأنها السبب في سببية الطلب.

و لكن ذلك كله كما ترى، بل يمكن دعوى قوة الطلب عليها، و صيرورتها كالشرط بالنسبة إليه، فيختص القصاص به حينئذ، فلا أقل من المساواة المقتضية للتشريك، و عليه ففي التنصيف للضمان أو التقسيم على رؤوسهم إشكال من أن شهادتهما معا سبب واحد، و من صدور الجناية منهم، فتوزع عليهم كجراحات صدرت من ثلاثة فسرت، و لعل الثاني أقوى، و كذا الكلام لو شهدا ثم رجعا و اعترفا بتعمد الكذب بعد القتل، فعليهما القصاص.

و لو أمر نائب الإمام (عليه السلام) العام أو الخاص بقتل من ثبت قتله بالبينة و هو يعلم فسق الشهود ففي القواعد و شرحها للاصبهاني «هو


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.

ج 42، ص: 58

شبهة في حقه من حيث إن مخالفة السلطان تثير فتنة عظيمة، و من كون القتل ظلما في علمه» و في الأخير «فلو اعترف بعلمه فعليه القصاص إلا أن يعتذر بتلك الشبهة، فيدرأ عنه، و تثبت الدية».

قلت: لعل الظاهر وجوب الامتناع عليه و الحاكم لا يكلفه بذلك بعد علمه بالحال، و حينئذ فلو باشر كان عليه القصاص، و الله العالم.

[الصورة الرابعة لو جنى عليه فصيره في حكم المذبوح و هو أن لا تبقى حياته مستقرة و ذبحه الآخر فعلى الأول القود و على الثاني دية الميت]

الصورة الرابعة: لو جنى عليه فصيره في حكم المذبوح و هو أن لا تبقى حياته مستقرة فلا إدراك و لا نطق و لا حركة له اختياريين و ذبحه الآخر فعلى الأول القود لأنه القاتل و على الثاني دية الميت التي ستعرفها إن شاء الله، لأنه قطع رأس من هو بحكم الميت.

و لو كانت حياته مستقرة فالأول جارح يلحقه حكم الجرح أرشا أو قصاصا و الثاني قاتل، سواء كانت جناية الأول مما يقضي معها بالموت غالبا كشق الجوف و الأمة أو لا يقضي به كقطع الأنملة لأنه أي الثاني قطع سراية جراحة الأول بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك إلا من مالك، فجعل الأول قاتلا إذا كانت جراحته تقضي بالموت و لو بعد يوم أو يومين مثلا، و هو واضح الضعف.

نعم لو فعلا معا و كان فعل كل منهما مزهقا فهما معا قاتلان، و كذا لو لم يكونا مزهقين و لكن مات بهما، و لو كان أحدهما المزهق دون الآخر فهو القاتل.

هذا و في القواعد «و لو قتل مريضا مشرفا وجب القود» و هو كذلك، لصدق القتل عرفا، لكن في كشف اللثام «و إن لم يكن بقيت له حياة مستقرة، لصدق القتل، و الفرق بينه و بين من جنى عليه جناية لم تبق له حياة مستقرة وقوع جنايتين مضمونتين عليه، و إنما نوجب القصاص على أدخلهما في تلف النفس، لا أن المريض ربما انتهى إلى مثل تلك الحالة

ج 42، ص: 59

ثم برأ للاشتراك، نعم يصلح ضميمة إلى ما قلناه».

و فيه ما لا يخفى بناء على ما يظهر منهم من أن المراد بعدم استقرار الحياة ما عرفت، فمع فرض كون المريض كذلك لا وجه للقود فيه، و من الغريب قوله: «لا أن» إلى آخره، ضرورة عدم برء لهما مع الحال المزبور، و الله العالم.

[الصورة الخامسة لو قطع واحد يده و آخر رجله فاندملت إحداهما ثم هلك فمن اندمل جرحه فهو جارح و الآخر قاتل يقتل بعد رد دية الجرح المندمل]

الصورة الخامسة: لو قطع واحد يده مثلا و آخر رجله فاندملت إحداهما ثم هلك بسراية الأخرى فمن اندمل جرحه فهو جارح، و الآخر قاتل يقتل و لكن بعد رد دية الجرح المندمل لأن الفرض كمال الجاني و نقص المقتول الذي أخذ أو استحق عوض العضو البائن الذي لم يبرأ جرحه قصاصا أو دية فيرد عليه حينئذ نصف الدية، و نحوه في القواعد و لكن قال: «على إشكال» و لعل منشأه أن الدية للنفس وحدها و إلا سقط القصاص عمن قتل مقطوع اليدين أو الرجلين، قلت: قد يفرق بين ذلك و بين المقام بأن الجرحين كانا مضمونين عليهما على وجه لو سريا و قتل أحدهما استحق نصف الدية من الآخر بخلاف المقطوع سابقا، اللهم إلا أن يقال: إنه بعد الاندمال صار كالجرح السابق، و الاستحقاق مع السراية لا يقتضي ثبوته مع عدمها، ضرورة وضوح الفرق بينهما، و الله العالم.

[فرع لو جرحه اثنان كل واحد جرحا فمات فادعى أحدهما اندمال جرحه و صدقه الولي لم ينفذ تصديقه على الآخر]
اشاره

فرع:

لو جرحه اثنان مثلا كل واحد جرحا فمات فادعى أحدهما اندمال جرحه و صدقه الولي نفذ على نفسه و لم ينفذ تصديقه على الآخر ل أن الإقرار حجة على المقر خاصة، مضافا إلى

ج 42، ص: 60

ما في المتن من أنه قد يحاول أخذ دية الجرح من الجارح و الدية من الآخر، فهو متهم في تصديقه، و لأن المنكر مدع للأصل الذي هو عدم الاندمال فيكون القول قوله مع يمينه فلا يتسلط الولي عليه بالقصاص مجانا و لا بالدية تماما بناء على انفراده بالقتل، و إنما يتسلط عليه بقدر قسطه من الدية، بناء على سراية الجرحين فيأخذه خاصة منه أو يرده عليه، و يقتص منه بعد يمينه أنه ما اندمل الجرح الآخر، و ليس له أن يأخذ من المقر له إلا أرش جناية ما صدقه عليه من الجرح الغير الساري أو يقتص منه في خصوص ذلك العضو، كما هو واضح، و به صرح في القواعد و كشف اللثام و غيرهما.

لكن قد يناقش في ما سمعته من التهمة بأنه لا يتم بناء على دفع عوض المندمل إلى المقتص منه دون الولي، بل منه تنقدح المناقشة أيضا في غير ذلك مما سمعته. نعم لو قلنا بأن الدية تامة أو القصاص للولي مضافا إلى ما يأخذه من عوض المندمل اتجه ذلك.

اللهم إلا أن يفرق بين القصاص و الدية، فيدفع عوض المندمل إلى المقتص منه إن أريد القصاص، و أما إذا أريد الدية فلا يدفع إليه شي ء، بل تؤخذ منه تامة مضافا إلى عوض المندمل، و حينئذ تتجه التهمة المزبورة.

و لكن في الفرق نظر بل و منع، على أنك قد سمعت التفريع على ذلك بأنه ليس له المطالبة بالاقتصاص مجانا، فالكلام حينئذ غير منقح، و التحقيق ما عرفته أولا من عدم استحقاق المقتص منه على المندمل جرحه شيئا إلا أن إقرار الولي لا ينفذ في حقه، لكونه من الإقرار في حق الغير بالنسبة إلى ذلك.

و لو صدقه الشريك دون الولي نفذ في حقه دون الولي، و في كشف اللثام «فليس له المطالبة بشي ء من الدية إذا أريد الاقتصاص منه،

ج 42، ص: 61

و لا الامتناع من كمال الدية إذا طولب به» و هو مبنى على عدم مطالبته بدية المندمل، و الأمر سهل.

[الصورة السادسة لو قطع يده من الكوع و آخر ذراعه فهلك قتلا به]

الصورة السادسة التي هي أيضا من صور اشتراك الاثنين فما زاد في الجناية التي تقدم أكثر أحكامها، و منها ثبوت القصاص عليهما لو مات بسرايتهما معا، و لكن قد وقع الشك في بعض أفرادها، و هي ما إذا دخلت الأولى في الثانية كما لو قطع أحدهما يده من الكوع مثلا و آخر ذراعه فهلك و في كشف اللثام من تلك اليد أو غيرها، و فيه أنه خلاف مفروض المسألة بل و دليلها.

و من هنا كان الأظهر عند المصنف أنه متى كان كذلك قتلا به، لأن سراية الأول لم تنقطع بالثاني بشياع ألمه قبل الثانية على وجه تأثرت به الأعضاء الرئيسة ثم انضم إليه ألم الثانية، فأشبه ما إذا أجاف أحدهما جائفة و جاء أحر و وسعها فمات، فان القصاص عليهما، و الاحتمال الآخر المقابل لذلك اختصاص القصاص بالثاني، لانقطاع سراية الجرح الأول بالثاني، لدخوله في ضمنه، و الألم السابق لم يبلغ حد القتل، نعم يلحق الأول حكم جنايته خاصة، نحو ما لو جرحه شخص و أزهق نفسه آخر.

و فيه أن ما نحن فيه ليس كذا أي لو قطع واحد يده و قتله الآخر، لأن السراية انقطعت بالتعجيل للازهاق بخلاف القطع من المرفق مثلا، فان الروح معه باقية و الألم الحادث على النفس و الأعضاء الرئيسة باق من الجنايتين.

و حاصل الفرق أن الجرحين إن كان إهلاكهما بالسراية كالقطعين و الاجافتين فالقود عليهما، و إلا بل كان أحدهما القتل و الآخر الجراحة السارية فالقود على القاتل، و على الجارح الآخر القصاص في الطرف أو ديته.

ج 42، ص: 62

و لكن مع ذلك في الأولى إشكال كما عن التحرير، لمنع بقاء سراية الأول، بل الظاهر انقطاعها و اضمحلالها إلا إذا كانت بآلة مسمومة يسري جراحها عادة، و لعله لا يخلو من قوة ما لم يعلم بقاء أثر الأولى على وجه يسند القتل إليه و إلى الثانية.

و لو كان الجاني في الفرض واحدا دخلت دية الطرف في دية النفس إجماعا منا بقسميه إذا كانت قد ثبتت أصالة. و أما إذا ثبتت صلحا فالإشكال مع إطلاق الصلح عليها عوض القصاص ينشأ من دخول قصاص الطرف في النفس و عدمه، كما ستسمع إن شاء الله.

و هل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس؟ اضطربت فتوى الأصحاب فيه ففي النهاية و محكي التحرير و الإرشاد و التلخيص يقتص منه إن فرق ذلك، و إن ضربه ضربة واحدة لم يكن عليه أكثر من القتل و اختاره في المسالك و الروضة، بل نسبه في الأخير إلى أكثر المتأخرين.

و هي رواية محمد بن قيس(1)عن أحدهما (عليهما السلام)

«في رجل فقأ عين رجل و قطع أنفه و أذنيه ثم قتله، فقال: إن كان فرق ذلك اقتص منه ثم يقتل و إن كان ضربه ضربة واحدة ضربت عنقه و لم يقتص منه».

بل قيل و

حسنة حفص بن البختري(2) سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل ضرب رجلا فذهب سمعه و بصره و اعتقل لسانه ثم مات فقال: إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتص منه ثم قتل و إن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل و لم يقتص منه»

و إن كان قد يناقش بأنها ظاهرة في السراية التي ليست هي محل البحث، اللهم إلا أن يقال: إن


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.

ج 42، ص: 63

إطلاق الجواب فيه شامل لصورة المسألة.

نعم قد يدل عليه أيضا التعليل في ما تسمعه من صحيح أبي عبيدة(1) مؤيدا ذلك كله بما قيل من ثبوت القصاص في الأولى عند فعلها، و الأصل عدم زواله بخلاف ما إذا اتحدت الضربة و إن كان ستعرف ما فيه.

هذا و في موضع من المبسوط و الخلاف يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس و هو خيرة المحكي عن التبصرة و الجامع و هي رواية أبي عبيدة(2)

الصحيحة

عن أبي جعفر (عليه السلام)

«سأله عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ و ذهب عقله، فقال: إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة و لا يعقل ما قال و لا ما قيل له فإنه ينتظر به سنة، فان مات في ما بينه و بين السنة أقيد به ضاربه، و إن لم يمت في ما بينه و بين سنته و لم يرجع إليه عقله أغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله، قال: فما ترى في الشجة شيئا، قال: لا، لأنه إنما ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين، و هي الدية، و لو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنى كائنا ما كان إلا أن يكون فيهما الموت، فيقاد به ضاربه بواحده، و يطرح الأخرى، قال: و إن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنت ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت، فيقاد به ضاربه، قال: و إن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات كائنة ما كانت ما لم يكن فيها


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ديات المنافع- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ديات المنافع- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 64

الموت،»

و لما روى(1) من «أنه إذا مثل انسان بغيره و قتله لم يكن عليه إلا القتل و لم يجز التمثيل به.» و في موضع آخر من الكتابين لا يدخل قال فيهما لو قطع يد رجل ثم قتله قطع ثم قتل بل قيل: هو خيرة السرائر و نكت النهاية، و إليه مال ابن زهرة، للأصل و العمومات التي منها قوله تعالى(2)«فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ».

و الأقرب عند المصنف في الكتاب و إن توقف في النافع كالمختلف و ظاهر القواعد و إن نفى البأس في الأول عما سمعته من ابن إدريس ما تضمنته النهاية ل ما عرفته من ثبوت القصاص بالجناية الأولى و الأصل عدم التداخل و لا كذا لو كانت الضربة واحدة.

و كذا لو كان الموت بسراية جرح ه كمن قطع يد غيره فسرت إلى نفسه، فالقصاص في النفس لا في الطرف بلا خلاف كما في كشف اللثام، بل الاتفاق محكي عليه في الرياض، و حينئذ فلو قطع يده و سرى فمات بذلك اقتيد منه بضرب عنقه، و ليس عليه قطع يده، لكن في كشف اللثام «نعم لو قطع الولي يده ثم ضرب عنقه لم يكن عليه شي ء» قلت: لا يخلو من نظر.

و على كل حال فقد يناقش في ما ذكره المصنف دليلا للأقرب بأن أدلة القصاص شاملة لاتحاد الضربة و تعددها، و خروج السراية بالإجماع و غيره لا يقتضي خروج الفرض، و دعوى أنه من باب السراية التي لا ينافيها عموم الأدلة- لقضاء العرف بأنه ما جنى عليه إلا جناية واحدة فيكون قتله خاصة اعتداء بما اعتدى و الزائد تعد خارج- واضحة المنع


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب القصاص في النفس.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 194.

ج 42، ص: 65

في مفروض المسألة و إن تم ما ذكر في السراية.

نعم قد يقوى ذلك، لاتفاق أكثر النصوص و الفتاوى عليه، فتخصص العمومات حينئذ بذلك، بخلاف ما لو تعدد الضرب الباقي على مقتضى العمومات و الاستصحاب بل و الاعتبار، ضرورة عدم اقتضاء التداخل فيه أنه لو قطع يده مثلا في سنة ثم يده الأخرى في أخرى ثم رجله كذلك ثم قتله عدم لزوم غير القود عليه أو دية النفس، فينبغي اشتراط اتحاد الوقت أو تقاربهما، و لكنه غير منضبط.

و لا يعارض جميع ذلك الصحيح الواحد الذي عارضه المصنف في نكت النهاية ب

خبر إبراهيم بن عمر(1) «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل ضرب رجلا بعصا فذهب سمعه و بصره و لسانه و عقله و فرجه و انقطع جماعه و هو حي بست ديات»

و إن كان وجه المعارضة في مفروض المسألة غير واضح، اللهم إلا أن يكون وجهه أن ليس ذلك إلا لتعدد الجنايات و إن كانت الضربة واحدة، و لا فرق بين حالي الحياة و الموت و إن كان فيه أن النص و الفتوى فارقان، نعم يمكن حمل الصحيح المزبور على الموت بالسراية من الضربات المتعددة، فإنه يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس حينئذ، و لعل

قوله (عليه السلام)(2): «إلا أن يكون فيهما الموت- أو- فيها»

ظاهر في ذلك أو لا يأبى الحمل عليه، خصوصا بعد الالتفات إلى ما في غيره، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ديات المنافع- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الديات المدفع- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 66

[مسائل في الاشتراك]
اشاره

مسائل في الاشتراك:

[المسألة الأولى إذا اشترك جماعة في قتل واحد قتلوا به]

الأولى:

إذا اشترك جماعة في قتل واحد قتلوا به مع الكمال و لكن على معنى أن الولي بالخيار بين قتل الجميع بعد أن يرد عليهم ما فضل عن دية المقتول، فيأخذ كل واحد منهم ما فضل من ديته عن جنايته، و بين قتل البعض و يرد الباقون دية جنايتهم على ولي المقتول قصاصا و إن فضل للمقتولين فضل قام به الولي الذي هو قد استوفى أزيد من حقه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى معلومية كون شرع القصاص لحقن الدماء، فلو لم يجب

عند الاشتراك لاتخذ ذريعة إلى سفكها، و إلى صدق كون المجموع قاتلا، فيندرج في قوله تعالى(1)«وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» إلا أنه منهي عن الإسراف في القتل، و لعل منه قتلهم أجمع من دون رد ما زاد على جنايتهم عليهم، ضرورة ظهور النصوص(2)التي هي دليل المسألة أيضا في توزيع النفس على الجانبين، فيجب على كل واحد منهم بنسبة الجميع، فان كانوا اثنين فعلى كل واحد النصف، أو ثلاثة فالثلث و هكذا.

فلو قتل الولي الاثنين مثلا كان المساوي لحقه واحدا مركبا منهما، إذ على كل واحد منهما نصف نفس، فيبقى لكل واحد منهما عليه نصف نفس لا تدارك لها إلا بالدية، فيرد على ولي كل منهما نصف دية، و هكذا


1- 1 سورة الإسراء: 17- الآية 33.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 67

في الثلاثة فصاعدا، فلو قتل واحدا من الثلاثة أدى له الاثنان ثلثي ديته.

و لو قتل منهم اثنين ففي المسالك «أدى إلى أولياء كل واحد نصف ديته و أخذوا من الثالث ثلث دية» فيجتمع لكل واحد من أولياء المقتولين ثلثا ديته، و يسقط ما قابل جنايته، و هو الثلث، و في كشف اللثام في الفرض «أدى الثالث ثلث الدية و الولي ثلثي الدية».

و فيه أن المتجه ما سمعته من المسالك من تأدية الثالث ثلث الدية عوضا عما يخصه من الجناية، و يضيف إليه الولي دية كاملة، فيصير لكل واحد من المقتولين ثلثا دية، و هو فاضل ديته عن جنايته، و لأن الولي استوفى نفسين بنفس، فيرد دية نفس، و لعل المراد مما في كشف اللثام تأدية الولي ما يكمل به لكل منهما ثلثا الدية، و ليس هو إلا الدية الكاملة مضافة إلى الثلث الذي أداء الثالث، فإنه حينئذ يكون لكل من المقتولين ثلثا ديته، و هو الزائد على قدر جنايته.

و على كل حال فلا إشكال في الحكم المزبور عندنا، لقاعدة لا ضرر و لا ضرار منضمة إلى عموم أدلة القصاص، و للإجماع بقسميه عليه، و للنصوص المستفيضة.

قال ابن يسار(1): «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) في عشرة قتلوا رجلا، فقال: إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعا و غرموا تسع ديات، و إن شاؤوا تخيروا رجلا و أدى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الآخر عشر الدية كل رجل منهم، قال: ثم الوالي بعد يلي أدبهم و حبسهم».

و قال ابن مسكان(2): «قال الصادق (عليه السلام) في رجلين قتلا رجلا: إذا أراد أولياء المقتول قتلهما أدوا دية كاملة و قتلوهما، و تكون الدية بين أولياء المقتولين، فإن أرادوا قتل أحدهما فقتلوه أدى


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4.

ج 42، ص: 68

المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول».

و قال هو (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي(1)«في عشرة اشتركوا في قتل رجل: تخير أهل المقتول»

فأيهم شاؤوا قتلوا، و يرجع أولياؤه على الباقين بتسعة أعشار الدية».

إلى غير ذلك من النصوص التي تقدم بعضها أيضا، بل ظاهرها أو صريحها تعلق ما زاد على جناية المقتول بغيره من الجاني المتروك دون الولي و إن كان مقتضى القواعد التزام الولي بها، لأنه المباشر للإتلاف و إن كان له حق على الآخر، فيؤدي هو له، و يرجع بما يستحقه على الآخر.

بل ظاهرها أيضا عدم اعتبار تقديم الأداء في الاقتصاص، نعم ظاهر المصنف و غيره اعتباره من المقتص لو أراد قتل الجميع، كما هو ظاهر لفظ «ثم» في صحيح أبي مريم(2)الذي ستسمعه في المسألة الثانية فلاحظ و تأمل، و ستسمع إن شاء الله بعض الكلام فيه في ما يأتي إن شاء الله.

و على كل حال فما عن بعض العامة- من أنه ليس للولي إلا قتل واحد منهم و يأخذ حصة الآخرين، و لا يقتل الجميع- واضح الفساد عندنا و إن كان مرويا في طرقنا، ك

حسن أبي العباس(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا اجتمع العدة في رجل واحد حكم أن يقتل أيهم شاء و ليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد، إن الله عز و جل يقول(4):

وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً، فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القصاص في النفس- الحديث- 8.
4- 4 سورة الإسراء: 17- الآية 33.

ج 42، ص: 69

، و إذا قتل الثلاثة واحدا خير الولي أي الثلاثة شاء أن يقتل و يضمن الآخران ثلثي الدية لورثة المقتول»

و لكنه شاذ قاصر عن معارضة غيره من وجوه، فليحمل على الندب أو التقية أو غيرهما.

و كذا ما عن آخر منهم أيضا من استحقاق الولي دم كل واحد منهم مجانا من غير رد، كما إذا قذف جماعة واحدا و استوفى الحد من الجميع.

و ما عن ثالث منهم أيضا من فض القصاص عليهم، على معنى استحقاق الولي عشر الدم في العشرة إلا أنه لا يمكن استيفاؤه إلا باستيفاء الباقي، و قد يستوفى من المتعدي غير المستحق عليه إذا لم يمكن استيفاء المستحق إلا به، كما لو أدخل الغاصب المغصوب في بيت ضيق و احتيج في رده إلى قلع الباب و هدم الجدار، و الضرر هو الذي أدخله على نفسه، إذ هما أيضا كما ترى مجرد تهجس و تخمين لا يوافق عقلا و لا نقلا.

و كيف كان ف تتحقق الشركة مثلا بأن يفعل كل منهم ما يقتل لو انفرد كأن أمسكوه جميعا فألقوه من شاهق أو في النار أو البحر أو جرحوه جراحات قاتلة أو اشتركوا في تقديم الطعام المسموم أو ما يكون له شركة في السراية كل ذلك مع القصد من كل منهم إلى الجناية.

و لو اتفق جمع على واحد و ضربه كل واحد سوطا فمات وجب القصاص على الجميع بلا فرق بين ضارب السوط الأول و ضارب الأخير، لاستواء الكل في

سببية الموت، إذ كما أنه لو اكتفى الأول لم يمت فلو لم يكن الأول لم يمت بالأخير.

و عن العامة قول بأنه لا قصاص، و آخر إذا وقع منهم اتفاقا دون ما إذا تواطؤوا عليه، و هما معا كما ترى.

نعم قد يشك في ثبوت القصاص على الجميع لو فرض ترتب الأسواط

ج 42، ص: 70

و كان موته من السوط الأخير، بل ينبغي الجزم بعدمه لو فرض كونه على وجه يسند إليه الموت نحو إسناده في الجرح الذي يحصل به الموت دون سرايته للمجروح سابقا، و بالجملة المدار على صدق الاشتراك و الاتحاد.

و على كل حال ف لا يعتبر التساوي في عدد الجناية، بل لو جرحه واحد جرحا و الأخر مائة أو ضرباه بسوط كذلك ثم سرى الجميع فالجناية قصاصا عليهما بالسوية على الوجه الذي عرفت و لو طلب الدية كانت الدية عليهما نصفين.

و كذا لا يعتبر التساوي في جنس الجناية، فلو جرحه أحدهما جائفة و آخر أمه بل لو جرحه أحدهما و ضربه الآخر فمات كان الحكم كذلك.

[المسألة الثانية يقتص من الجماعة في الأطراف كما يقتص في النفس]

المسألة الثانية:

يقتص من الجماعة في الأطراف كما يقتص في النفس بلا خلاف و لا إشكال فلو اجتمع جماعة على قطع يده أو قلع عينه فله الاقتصاص منهم جميعا بعد رد ما يفضل لكل واحد منهم عن جنايته، و له الاقتصاص من أحدهم، و يرد الباقون دية جنايتهم نحو ما سمعته في النفس، لفحوى ما سمعته فيها، و ل

صحيح أبي مريم الأنصاري(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل، قال: إن أحب أن يقطعهما أدى إليهما دية يد يقتسمانها ثم يقطعهما، و إن أحب أخذ منهما دية يد، و إن قطع يد أحدهما رد الذي لم يقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية».


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب القصاص الطرف- الحديث 1.

ج 42، ص: 71

و بالجملة لا إشكال في اتحاد الطرف و النفس في ذلك، نعم يفترقان في أن الاشتراك في الأخير يتحقق بموته بالأمرين أو الأمور سواء اجتمعت أو تفرقت بخلاف الأول فإنه لا تتحقق الشركة في ذلك إلا بأن يحصل الاشتراك في الفعل الواحد المقتضي للقطع كأن يشهدوا عليه بما يوجب القطع ثم يرجعوا أو يكرهوا إنسانا على قطعه أو يلقوا صخرة على طرفه فتقطعه أو يضعوا حديدة على المفصل و يعتمدوا عليها أجمع و نحو ذلك.

ف أما لو انفرد كل واحد بقطع جزء من يده لم يقطع يد أحدهما، و كذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده و الآخر تحت يده و اعتمدا حتى التقتا فلا قطع في اليد على أحدهما، لأن كلا منهما منفرد بجنايته لم يشاركه الآخر فيها حتى الجزء الأخير الذي تحصل به الإبانة التي هي من جملة القطع لا شي ء خارج عنه كالموت، و حينئذ فعليه القصاص في جنايته حسب إن أمكن، و إلا فلا قصاص، كما هو واضح. فلا شركة حينئذ إلا مع الاشتراك في القطع على الوجه الذي عرفت حتى يكون الحكم فيه نحو ما سمعته في النفس.

و كذا تتحقق الشركة لو قطع أحدهم بعض اليد من غير إبانة و الثاني في موضع آخر كذلك و الثالث في موضع ثالث و سرى الجميع حتى سقطت اليد، نحو تحققها في النفس إذا جرحوه جراحات فسرت الجميع، كما صرح به الفاضل في القواعد و شرحها للاصبهاني، فتأمل.

ج 42، ص: 72

[المسألة الثالثة لو اشترك في قتله امرأتان قتلتا به و لا رد]

المسألة الثالثة:

لو اشترك في قتله امرأتان قتلتا به و لا رد، إذ لا فاضل لهما عن ديته

و سأل محمد بن مسلم(1)في الصحيح أبا جعفر (عليه السلام) عن ذلك فقال: «يقتلان به، ما يختلف فيه أحد».

و لو كن أكثر كان للولي قتلهن بعد رد فاضل ديتهن يقسم عليهن بالسوية إن كن متساويات في الدية بأن كن جميعا حرائر مسلمات و إلا بأن كان فيهن مثلا ذمية أو أمة لا تبلغ قيمتها دية الحرة أكمل لكل واحدة منهن ديتها على اختلافها بعد وضع أرش جنايتها.

و كن ثلاثا قتلهن و رد دية امرأة إلى الجميع، و له قتل اثنتين منهن فترد الثالثة ثلث دية الرجل إليهما بالسوية، لأن كلا منهن جنت الثلث، و له قتل واحدة فترد الباقيتان عليها ثلث ديتها، و على الولي نصف دية الرجل، فان جنايتهما توازي ثلثي دية الرجل، و أولياؤه استوفوا بقتل امرأة نصفها، بقي لهم النصف الآخر يأخذونه من الباقيتين و كل منهن إنما جنت الثلث فزادت دية كل على جنايتها بقدر ثلث ديتها.

و لو قتل الرجلان امرأة فلأوليائها القصاص بعد رد فاضل دية الرجلين عن جنايتهما- و هو دية و نصف- عليهما فيرد إلى كل واحد ثلاثة أرباع ديته، و هو واضح.

و لو اشترك رجل حر و امرأة كذلك في قتل رجل حر مسلم فعلى كل واحد منهما نصف الدية مع الاتفاق عليها


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 15.

ج 42، ص: 73

و للولي قتلهما معا بعد رد نصف الدية الذي هو زائد على حقه و لكن يختص الرجل ب ه أي الرد المزبور وفاقا للأكثر بل المشهور، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما تسمعه من المقنعة، إذ لا فاضل عن قدر جنايتها، و المستوفي من الرجل ضعف جنايته، فيكون الرد مختصا به.

بل قد يدل عليه في الجملة

خبر أبي بصير(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سئل عن غلام لم يدرك و امرأة قتلا رجلا خطأ، فقال: إن خطأ المرأة و الغلام عمد، فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما، و يردون على أولياء الغلام خمسة آلاف درهم، و إن أحبوا أن يقتلوا الغلام قتلوه و ترد المرأة على أولياء الغلام ربع الدية، و إن أحب أولياء المقتول أن يقتلوا المرأة قتلوها، و يرد الغلام على أولياء المرأة ربع الدية، قال: و إن أحب أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية، و على المرأة نصف الدية»

و إن كان هو مختل المتن من وجوه لا تخفى.

و قال المفيد في المقنعة: يقسم الرد بينهما أثلاثا بناء على تقسيم الجناية بينهما كذلك، لأن الجاني نفس و نصف نفس جنت على نفس فيكون الجناية بينهما أثلاثا بحسب ذلك و لكنه كما ترى ليس بمعتمد بل هو واضح الفساد.

و حينئذ ف لو قتل الولي المرأة فلا رد (11) لعدم استيفاء أزيد من جنايتها التي هي نصف نفس و (12) يبقى له على الرجل نصف الدية، و لو قتل الرجل ردت المرأة عليه (13) أو على وليه نصف ديته (14) الذي هو قدر جنايتها بلا إشكال بل


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 74

و لا خلاف إلا ما قيل عن النهاية و المهذب من نصف ديتها، و هو ضعيف بل في نكت النهاية و هم، و لعله كذلك و إن دل عليه خبر أبي بصير(1)السابق المختل من وجوه هذا أحدها، بل ربما وجه بمثل ما وجه به كلام المفيد من أنها جنت نصف جناية الرجل إلا أنه أيضا كما ترى.

و كيف كان ففي المتن و القواعد أن كل موضع يوجب الرد فإنه يكون مقدما على الاستيفاء و لعله لزيادة المستوفي على الحق قبل الرد.

لكن في كشف اللثام «و يعارضه أنه لا يستحق الفاضل ما لم يستوف، و لذا كان أكثر الأخبار و فتاوى الأصحاب إنما تضمنت الرد على الورثة أو الأولياء».

قلت: هو كذلك في النصوص(2)حيث يكون الرد من الشريك، و أما إذا كان من ولي المقتول فقد سمعت صحيح أبي مريم(3) و ستسمع في ما يأتي إن شاء الله في الشرائط النصوص الدالة على تقديم فاضل دية الرجل إذا أريد قتله بالمرأة(4) المعتضد بقول الأصحاب: «اقتص منهم بعد رد الفاضل» كما أشرنا إلى ذلك سابقا، و لعل وجه الأول أن الشركة في الفعل اقتضت الضمان المزبور قهرا على الشريك، لأن فعل كل منهما باعتبار صار كأنه فعل الآخر بخلاف ما إذا أراد قتل الجميع، إذا لم يكن له حتى يدفع كي يستحق استيفاء حقه، لقاعدة لا ضرر و لا ضرار، و في الحقيقة هو كالتقابض في المعاوضة، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب القصاص في النفس.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 75

[المسألة الرابعة إذا اشترك عبد و حر في قتل حر عمدا فللأولياء أن يقتلوهما]

المسألة الرابعة:

إذا اشترك عبد و حر في قتل حر عمدا قال في النهاية: للأولياء أن يقتلوهما و يؤدوا إلى سيد العبد ثمنه أو يقتلوا الحر، و يؤدي سيد العبد إلى ورثة المقتول خمسة آلاف درهم، أو يسلم العبد إليهم، أو يقتلوا العبد و ليس لمولاه على الحر سبيل و نحوه عن المقنعة و الإصباح و المهذب.

إلا أنه كما ترى شي ء غريب لا ينطبق على قاعدة و لا اعتبار، بل هما معا على خلافه، ضرورة اقتضائهما في الأولى رد نصف دية الحر على وليه، لأن جنايته ليست إلا نصفا و عدم رد شي ء على مولى العبد إلا ما يزيد على قدر جنايته، و في الثانية يرد مولى العبد على ولي الحر العبد يسترقه أو منه قدر جنايته، فان كان ذلك نصف الدية و إلا أكمله الولي، أو يرد مولى العبد العبد على ولي المقتول يسترقه أو منه قدر جنايته، و هو يغرم نصف الدية لولي المقتول، و في الثالثة يرد الولي على المولى ما زاد على قدر جنايته و يبقى له على الحر نصف دية، أو يرد الحر ذلك فان زاد رجعة إلى الولي.

و من هنا قال المصنف و غيره الأشبه بأصول المذهب و قواعده أن مع قتلهما يؤدون إلى الحر نصف ديته الذي هو الزائد على قدر جنايته و لا يرد على مولى

العبد شي ء ما لم يكن قيمته أزيد من نصف دية الحر، فيرد عليه الزائد ما لم يتجاوز دية الحر، فان تجاوزها رد إليها و لم يرد على مولاه إلا نصفها.

و إن قتلوا الحر خاصة ففي القواعد و غيرها «أدى مولى العبد نصف دية الحر أو يدفع العبد ليسترقه ورثته، و ليس لهم قتله».

ج 42، ص: 76

و إليه يرجع ما في المسالك من أنه «إن كان المقتول الحر خاصة فالمردود على وليه نصف ديته، و هو واضح، و أما مولى العبد فيلزمه أقل الأمرين من جنايته- و هو نصف الدية- و من قيمة عبده، لأن الأقل إن كان هو الجناية فلا يلزم الجاني سواها، و إن كان هو قيمة العبد فلا يجني على أكثر من نفسه، و لا يلزم مولاه الزائد، ثم إن كان الأقل هي قيمة العبد فعلى ولي المقتول كمال نصف الدية لأولياء الحر».

قلت: قد يقال: إن المتجه بحسب القواعد ضمان الولي للحر نصف الدية، و يبقى له الحق على العبد، فان شاء استرقه إذا كانت قيمته قدر جنايته، و إلا استرق منه ما يقابلها و بقي الزائد لمولاه، و إن نقصت فليس له على المولى شي ء، لأنه لا يجني على أكثر من نفسه، و ذلك لعدم دليل يقتضي استحقاق ولي الحر المقتول على العبد شيئا إلا القياس على ما جاء في الأحرار، و ليس من مذهبنا، اللهم إلا أن يكون من التنقيح المعلوم بإجماع و نحوه أو يكون مستنده خبر أبي بصير(1) الذي عرفت اختلاله من وجوه.

و إن قتلوا العبد خاصة و كانت قيمته مساوية لجنايته أي نصف دية الحر أو أقل فلا شي ء لمولاه، و يبقى للولي على الحر نصف الدية و إن كانت قيمته زائدة عن نصف دية المقتول أدوا إلى مولاه الزائد و لو مما يأخذونه من نصف الدية من الحر فان استوعبت الدية بتمامها دفع كله إليه، و إن زاد عليها رد إليها، لعدم تجاوز قيمة العبد في الجناية دية الحر و إلا تستوعبها قيمته بل كانت أقل دفع للمولى الزائد على قدر الجناية و كان تمام الدية لأولياء الأول.


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 77

و في هذه اختلاف للأصحاب: منها ما سمعته من النهاية و غيرها، و منها ما عن الكافي و السرائر من أنه يقتلهما و يرد قيمة العبد على سيده و ورثة الحر.

و لكن في كشف اللثام: «يمكن بناؤه على مساواة قيمته دية الحر، فيرد نصفها على سيده و نصفها على ورثة الحر».

و هو كما ترى في غاية البعد، خصوصا بعد قولهما: «و إن اختار قتل الحر فعلى سيد العبد نصف ديته لورثته، و إن اختار قتل العبد قتله و أدى الحر إلى سيده نصف قيمته» و إن كان يمكن تنزيله أيضا على ما لا ينافي ذلك، و من هنا قال في المسالك: «و لا يخفى ضعف ذلك على إطلاقه».

قلت: و أما ما سمعته من النهاية و محكي المقنعة و المهذب و الإصباح من أنه في صورة قتل العبد خاصة ليس للمولى على الحر سبيل، بل عن ابن زهرة نسبته إلى الأكثر و أنه الظاهر في الروايات فان كان المراد به ما أشرنا إليه من عدم رجوع للمولى على الشريك و إنما رجوعه على الولي القاتل فهو حسن، و إلا فلا وجه له في صورة زيادة قيمته على قدر جنايته.

و كيف كان ف ما اخترناه أنسب ب قواعد المذهب في الجنايات، و عليه عمل المشهور، بل ما سمعته من الأقوال السابقة لا يفي به إلا نصوص خاصة لم نعثر على شي ء منها، نعم في

خبر إسحاق بن عمار(1)«إن شاء قتل الحر و إن شاء قتل العبد، فان اختار قتل الحر ضرب جنبي العبد»

و ليس فيه شي ء مما سمعته منهم.

و عن الاستبصار أن قوله (عليه السلام): «ضرب» إلى آخره.


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 7.

ج 42، ص: 78

لا يدل على أنه لا يجب على مولاه أن يرد على ورثة المقتول الثاني نصف الدية أو يسلم العبد إليهم، لأنه لو كان حرا لكان عليه ذلك على ما بيناه، فحكم العبد حكمه على السواء، و إنما يجب مع ذلك التعزير كما يجب على الأحرار.

و بالجملة لا إشكال في شي ء منها بحمد الله إلا ما أشرنا إليه من مساواة حكم شركة الأحرار للمقام، و عليه فلا إشكال في أنه ليس لأولياء الحر المقتول قصاصا قتل العبد مع دفعه إليهم، لعدم تعلق حق جناية لهم في رقبته، و إنما كانت للمقتول الأول الذي فرض عدم إرادة وليه القتل، و عن الغنية الإجماع على ذلك، و قد سمعت القطع به من الفاضل أيضا، و الله العالم.

[المسألة الخامسة لو اشترك عبد و امرأة في قتل حر مسلم فللأولياء قتلهما]

المسألة الخامسة التي تعلم مما سمعته في سابقتها و هي ما لو اشترك عبد و امرأة في قتل حر مسلم فللأولياء قتلهما بلا خلاف و لا إشكال و لا رد على المرأة لعدم بقاء شي ء لها زائد على جنايتها التي هي نصف نفس و لا على العبد إلا أن تزيد قيمته عن نصف الدية الذي هو قدر جنايته. فيرد حينئذ على مولاه الزائد ما لم يتجاوز دية الحر التي يرد إليها.

و لو قتلت المرأة به خاصة كان لهم استرقاق العبد كما في غيره من جناية العمد إلا أن يكون قيمته زائدة عن نصف دية المقتول الذي هو جناية العبد فيرد على مولاه ما فضل (11) إن شاء، و إلا بقي على ملكه مشتركا معهم.

ج 42، ص: 79

و إن فداه و رضي الولي ففي كشف اللثام «فداه بقيمته إن لم تزد على النصف، و إلا فبالنصف» و فيه أن ذلك يتبع التراضي و لو بالزائد على النصف، اللهم إلا أن يدعي أن الفداء شرعا كذلك، فمع الرضا به يتعين عليه القبول على الوجه المزبور أو أن إطلاقه يقتضي ذلك، و الله العالم.

و إن قتلوا العبد خاصة و قيمته بقدر جنايته أي نصف الدية أو أقل فلا رد على مولاه لعدم فوات شي ء زائد على قدر الجناية عليه و على المرأة دية جنايتها أي النصف الآخر تؤديه إليهم و إن كانت قيمته أكثر من نصف الدية ردت عليه المرأة ما فضل من قيمته، فان استوعب دية الحر فذاك و إلا كان الفاضل لورثة المقتول أولا نحو ما سمعته سابقا، و ذلك كله واضح بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا.

مع أن

صحيح ضريس(1) دال على بعض ذلك، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة و عبد قتلا رجلا خطأ، فقال:

إن خطأ المرأة و العبد مثل العمد. فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما، قال: فان كان قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم، و إن أحبوا أن يقتلوا المرأة و يأخذوا العبد أخذوا إلا أن تكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم، فليردوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم و يأخذوا العبد أو يفتديه سيده، و إن كانت قيمة العبد أقل من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلا العبد»

و إن كان في متنه بعض الاختلال، كالحكم بأن خطأ المرأة و العبد عمد، و إطلاق دفع الزائد و أخذ العبد الذي ينبغي تقييده برضا المولى، كإطلاق فداء المولى الذي ينبغي تقييده برضا


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.

ج 42، ص: 80

الأولياء، إلا أن ذلك لا ينافي الاستدلال على بعض الأحكام المزبورة التي قد صرح فيه بها في صورة العمد، و الله العالم.

[المسألة السادسة لو اشترك رجل و خنثى في قتل رجل فللولي قتلهما]

المسألة السادسة:

لو اشترك رجل و خنثى في قتل رجل فللولي قتلهما بعد رد الفاضل من ديتهما و هو النصف من الرجل و الربع من الخنثى التي ديتها ثلاثة أرباع دية الرجل أي نصف دية المرأة و نصف دية الرجل.

و لو كان معهما امرأة قتلوا و رد عليهم دية و ربع، للرجل ثلثا دية، و للمرأة سدسها، و للخنثى ثلثها و نصف سدسها.

و يظهر ذلك بفرض الدية اثني عشر جزء، فدية المرأة ستة، و دية الخنثى تسعة، و كل منهما و من الرجل إنما جنى الثلث، ففضل للرجل الثلثان ثمانية أجزاء، و للمرأة جزءان، و للخنثى خمسة، و المجموع خمسة عشر.

و قال المفيد في ما حكي عنه بناء على مختاره من تقسيم الجناية على الرجل و المرأة أثلاثا: «فيكون للرجل ثلث و تسع من اثني عشر ألف درهم و خمسمائة درهم، و هو خمسة آلاف درهم و خمسمائة درهم و خمسة و خمسون درهما و نصف و حبتان و ثلثا حبة، و للخنثى الثلث، و هو أربعة آلاف درهم و مائة و ستة و ستون درهما و ثلثا درهم، و للمرأة خمس و تسع خمس، فيكون ألفي درهم و سبعمائة و سبعة و سبعين درهما و أربعة دوانيق و خمس حبات و ثلث حبة، فذلك تكملة الاثنى عشر ألف درهم و خمسمائة درهم» انتهى.

قيل: و ذلك لأن للرجل ضعف ما للأنثى، و للخنثى نصف ما للرجل و نصف ما للأنثى، فإذا جزأنا ما يرد عليهم خمسة و أربعين كان

ج 42، ص: 81

للرجل عشرون، و للمرأة عشرة، و للخنثى خمسة عشر، و ذلك ما ذكره، و أراد بالحبة حبة شعير.

و لو اشترك رجل و خنثى في قتل امرأة قتلا بعد رد ثلاثة أرباع الدية إلى الرجل، لأنه إنما جنى بقدر نصف ديتها، و رد نصف الدية إلى الخنثى لذلك. و إن جامعهما امرأة رد عليهم قدر دية رجل و خنثى موزعة على الجميع كل على نسبته و قتلهم.

و بما ذكرناه و ذكره المصنف ظهر لك الحال في جميع صور المباشرة و التسبيب انفرادا و اجتماعا و إن أطنب بها في القواعد و غيرها على وجه يفيد الناظر فيها تشويشا، و لكن حاصلها لا يخرج عما ذكرناه، و الحمد لله تعالى.

[الفصل الثاني في الشروط المعتبرة في القصاص]
اشاره

الفصل الثاني في الشروط المعتبرة في القصاص و هي خمسة:

[الشرط الأول التساوي في الحرية أو الرق]
اشاره

الأول:

التساوي في الحرية أو الرق على معنى عدم قتل الحر بالعبد لا العكس، كما ستعرف إن شاء الله فيقتل الحر بالحر كتابا(1)


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 178.

ج 42، ص: 82

و سنة(1)و إجماعا بقسميه، بل و ضرورة، بل و بالحرة و لكن مع رد فاضل ديته النصف بلا خلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة التي مر بعضها.

(و منها)

خبر أبي بصير(2)عن أحدهما (عليهما السلام) «إن قتل رجل امرأة و أراد أهل المرأة أن يقتلوه أدوا نصف الدية إلى أهل الرجل»

و (منها)

خبر أبي بصير(3)عن أحدهما (عليهما السلام) أيضا «قلت له: رجل قتل امرأة، فقال: إن أراد أهل المرأة أن يقتلوه أدوا نصف ديته و قتلوه، و إلا قبلوا نصف الدية».

و (منها)

خبر أبي مريم(4) عن أبي جعفر (عليه السلام) «أتى رسول الله (صلى الله عليه و آله) برجل ضرب امرأة حاملا بعمود القسطاط فقتلها، فخير رسول الله (صلى الله عليه و آله) أولياءها أن يأخذوا الدية خمسة آلاف و يقتلوه»

إلى غير ذلك من النصوص.

و لو امتنع الولي من رد الفاضل أو كان فقيرا ففي القواعد «الأقرب أن له المطالبة بدية الحرة و إن لم يرض القاتل، إذ لا سبيل إلى طل الدم».

و فيه أن المتجه العدم بناء على أن الأصل فيها القود، و الدية إنما تثبت صلحها موقوفا على التراضي، فمع عدم رضا القاتل لتقف مطالبته بالقصاص على بذلك

الولي الزائد، و امتناعه عن ذلك لا يوجب الدية، بل و كذا فقره، بل أقصاه التأخير إلى وقت الميسرة، و ليس مثل ذلك طلا، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل- الباب- 19 و 31- من أبواب القصاص في النفس.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5.

ج 42، ص: 83

و كذا تقتل الحرة بالحرة و بالحر كتابا(1)و سنة(2) مستفيضة أو متواترة و إجماعا بقسميه، و ما في بعض

النصوص(3) عن جعفر (عليه السلام) «أن رجلا قتل امرأة فلم يجعل علي (عليه السلام) بينهما قصاصا و ألزمه الدية»

محمول على نفيه من دون رد، أو على جواز الصلح على الدية في ما فيه القصاص أو غير ذلك.

و على كل حال فإذا قتلت الحرة بالحر لا يؤخذ ما فضل من دية الحر من تركتها أو من الولي كما في الخبر(4) الآتي على الأشهر بل المشهور، بل لا نجد فيه خلافا و إن أشعرت به عبارة المتن و غيره، مع احتمال إرادة الأشهر رواية، فان في

صحيح الحلبي(5)عن الصادق (عليه السلام) «إن قتلت المرأة الرجل قتلت به، و ليس لهم إلا نفسها»

و في

صحيح ابن سنان(6)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في امرأة قتلت زوجها متعمدة، إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها، و ليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه»

و في

خبر هشام بن سالم(7) عنه (عليه السلام) أيضا «في المرأة تقتل الرجل، قال: لا يجني الجاني على أكثر من نفسه»

إلى غير ذلك من النصوص الموافقة لقوله تعالى(8)«أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» و غيره من أدلة القصاص.

بل لم نعثر على ما ينافيها من النصوص إلا

خبر أبي مريم(9) عن


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 178.
2- 2 الوسائل- الباب- 19 و 33- من أبواب القصاص في النفس.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث- 16.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث- 17.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث- 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث- 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث- 10.
8- 8 سورة المائدة: 5- الآية 45.
9- 9 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث- 17.

ج 42، ص: 84

أبي جعفر (عليه السلام) قال «في امرأة قتلت رجلا، قال: تقتل، و يؤدي وليها بقية المال»

المخالف للكتاب(1)و السنة(2)و القاصر سندا و لا جابر له، بل رماه غير واحد بالشذوذ الموافق مع ذلك للعامة المحتمل للإنكار و الاستحباب، و مع ذلك قد عرفت عدم قائل بمضمونه، كما اعترف به غير واحد، بل حكى آخر الإجماع على خلافه.

نعم قيل: يحكى عن الراوندي حمل الرواية على يسار المرأة و الصحاح على إعسارها، و ظاهره المخالفة في الجملة، و

عن تفسير علي بن إبراهيم(3)«أن قوله تعالى(4)الْحُرُّ بِالْحُرِّ. وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى ناسخ لقوله تعالى(5) النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»

و ظاهره أنه لا يكتفى بالقصاص منها.

و في المروي عن رسالة المحكم و المتشابه بإسناده(6) عن علي (عليه السلام) في حديث «و من الناسخ ما كان مثبتا في التوراة من الفرائض في القصاص، و هو قوله تعالى(7)وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ- إلى

آخرها- فكان

الذكر و الأنثى و الحر و العبد شرعا، فنسخ الله ما في التوراة بقوله تعالى(8) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى، فنسخت هذه الآية وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ».

و في الوسائل «النسخ هنا بمعنى التخصيص، فلا ينافي ما مر من أنها محكمة، لبقاء العمل بها بعده» و أشار بذلك إلى

موثق زرارة(9) عن أحدهما (عليهما السلام) «في قول الله عز و جل(10) النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس.
3- 3 المستدرك- الباب- 30- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 178.
5- 5 سورة المائدة: 5- الآية 45.
6- 6 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس الحديث 19.
7- 7 سورة المائدة: 5- الآية 45.
8- 8 سورة البقرة: 2- الآية 178.
9- 9 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس الحديث 11.
10- 10 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 85

- الآية- قال: هي محكمة».

و هو حسن، و إلا فطرح الرواية الأولى متعين، للإجماع بقسميه على جواز قصاص الذكر من الأنثى و بالعكس، مضافا إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة(1)و خبر أبي مريم(2)على تقدير العمل به لا ينافيه، إذ هو أمر آخر.

و أغرب من ذلك ما عن بعض من أن قوله تعالى(3)«الْحُرُّ بِالْحُرِّ» الآية منسوخ بقوله تعالى(4)«النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» الذي هو حكاية ما في التوراة، مع أن الأصل عدم النسخ، و لا منافاة بينهما، و على تقديره فهو بالتعميم و التخصيص، فيخص حينئذ قوله تعالى:

«النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» إلى آخرها بقوله تعالى «الْحُرُّ بِالْحُرِّ».

و بالجملة لا تأمل في الحكم المزبور، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، مضافا إلى ما عرفت.

هذا كله في النفس، أما الأطراف فلا خلاف و لا إشكال في أنه يقتص للرجل منها من دون رجوع له زائد عن الجرح.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه يقتص للمرأة من الرجل في الأطراف من غير رد، و تتساوى ديتهما في ذلك ما لم يبلغ جراحة المرأة ثلث دية الحر أو تتجاوزه على خلاف تسمعه إن شاء الله.

ثم إنها إذا بلغته أو تجاوزته دية أو جناية ترجع إلى النصف من الرجل فيهما معا ف لا يقتص لها منه إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 17.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 178.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 86

مع رد التفاوت على حسب ما سمعته في النفس، للنصوص(1) المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب من غير خلاف محقق أجده فيه، بل عن الخلاف الإجماع عليه.

قال أبان بن تغلب في الصحيح(2): «قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال:

عشر من الإبل، قلت: قطع اثنين، قال: عشرون، قلت: قطع ثلاثا، قال: ثلاثون، قلت: قطع أربعا، قال: عشرون، قلت: سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون و يقطع أربعا فيكون عليه عشرون!! إن هذا كان يبلغنا و نحن بالعراق فنبرأ ممن قاله، و نقول: الذي جاء به شيطان، فقال: مهلا يا أبان، إن هذا حكم رسول الله (صلى الله عليه و آله) إن المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف، يا أبان إنك أخذتني بالقياس، و السنة إذا قيست محق الدين».

و في

حسن جميل أو صحيحه و غيره(3)«سأله بين المرأة و الرجل قصاص، قال: نعم في الجراحات حتى يبلغ الثلث سواء، فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل و سفلت المرأة»

إلى غير ذلك من النصوص.

نعم عن الشيخ في النهاية ما لم تتجاوز الثلث، قال فيها:

«و تتساوى جراحهما ما لم تتجاوز ثلث الدية، فإذا بلغ ثلث الدية نقصت المرأة و يزيد الرجل».

و لعله لنحو

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور(4): «فإذا جاز الثلث كان في الرجل الضعف»

و في

خبر أبي بصير(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قصاص الطرف.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 1 من كتاب الديات.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.

ج 42، ص: 87

جراحات المرأة و الرجل سواء إلى أن تبلغ ثلث الدية، فإذا جاز ذلك تضاعف جراحة الرجل على جراحة المرأة ضعفين»

و في الصحيح(1) «الرجال و النساء في القصاص السن بالسن و الشجة بالشجة و الإصبع بالإصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية، فإذا جازت الثلث جرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية و دية النساء ثلث الدية»

إلى غير ذلك من النصوص.

و في كشف اللثام «و أخبار الأول أكثر و أصح، لكن ربما يمكن فهم التجاوز من نحو

قوله (عليه السلام): «فإذا بلغت الثلث ارتفع الرجل»

فان مثل هذه العبارة ليست بعزيزة في إرادة المجاوزة، و لعله للإشارة إليه وقع ما سمعته من عبارة النهاية. و على الجملة فلعل الإجماع منعقد على التساوي قبل بلوغ الثلث، و على أنه إذا بلغته أو جاوزته كانت المرأة على النصف».

و فيه منع تعارف التعبير عن المجاوزة بذلك، و ستسمع احتمال المراد في النهاية، و دعوى كون الإجماع على الوجه الذي ذكره واضحة المنع، خصوصا بعد ملاحظة عدم الفائدة في جعل الشرط أحدهما، ضرورة الاستغناء بأولهما عن ثانيهما، و احتمال كون المراد من الإجماع المزبور أن الشرط أحد الأمرين على القولين- بمعنى لا قائل بغيرهما- لا يفيد شيئا في تحقيق المسألة، فليس إلا الترجيح فيها، و لا ريب في كونه الثلث لأن النصوص المعارضة- مع قصور سند جملة منها و عدم مكافأتها لما مر من وجوه شتى- غير واضحة الدلالة إلا من حيث مفهوم اشتراط الجواز في الذيل، و هو معارض بمفهوم الغاية في الصدر، و الجمع بينهما كما يمكن بصرف مفهوم الغاية إلى الشرط كذا يمكن بالعكس، فلا يمكن الاستدلال


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 16.

ج 42، ص: 88

بها إلا مع المرجح المفقود في المقام إن لم نقل بوجوده على الخلاف من جهة الشهرة و الصحاح المستفيضة و حكاية الإجماع المتقدمة. و بالجملة فدلالة النصوص على خلافها غير واضحة، لتعارض المفهومين فيها بلا شبهة.

و من هنا ينقدح وجه التردد في نسبة الخلاف إلى النهاية، و قريب منها عبارة الإرشاد، و لو لا شهرة نسبة الخلاف إلى النهاية لأمكن القول بأن النص بالتجاوز عن الثلث فيها إنما وقع مسامحة أو نظرا إلى كون البلوغ إلى الثلث من دون زيادة و لا نقيصة من الأفراد النادرة غاية الندرة، بل قد يقال- بعد فرض تعارض الأدلة و تكافئها من كل وجه-:

إن الأصل كون المرأة على الضعف من الرجل و لو باستقراء غير المقام.

فقد ظهر لك أنه لو قطع الرجل إصبعا و إصبعين أو ثلاثا من المرأة قطع مثلها منه قصاصا من غير رد، و لو أخذت الدية أخذت كدية أصابعه، و لو قطع أربعا منها لم تقطع الأربع منه إلا بعد رد دية إصبعين، و لو أخذت منه الدية أخذت منه عشرين بعيرا دية إصبعين منه، كما سمعت التصريح به في خبر أبان بن تغلب(1).

و هل لها إذا قطع الأربع منها القصاص في إصبعين منه من دون رد؟ إشكال من تحقق العمل بمقتضى التفاوت بينهما و هو الأخذ لها بالنصف مما له» و أنه كان لها قطعهما إذا قطعت منها اثنتان فقط فلها ذلك إذا قطعت منها أربع، لوجود المقتضى و هو قطع اثنين و انتفاء المانع، فإن الزائد لا يصلح مانعا، و من أنه خارج عن فتوى الأصحاب و الأخيار، فان الوارد فيها إما أخذ الدية عشرين من الإبل مثلا أو القصاص و رد عشرين عليه، و هو ليس شيئا منهما، و قصاص البعض ليس قصاصا، و منع


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 89

انتفاء المانع، فإن الزيادة في الجناية كما منعت أخذ ثلاثين من الإبل فلم لا تمنع القصاص في إصبعين.

و لكن لا يخفى عليك ما في الأخير، ضرورة اقتضاء إطلاق ما في النص و الفتوى من الرجوع إلى النصف مع التجاوز أن لها القصاص في الإصبعين.

اللهم إلا أن يقال: إن التنصيف في الأربعة مشاع فلا طريق إلى استيفائه إلا بدفع الفاضل و قطع الأربع، و إلا فالاثنان ليس نصف الأربعة على الوجه المزبور الذي هو بعد التجاوز استحقاقها في كل إصبع نصفا، نحو قتل النفس المقتضى لاستحقاق قتل نصف نفس الرجل.

و فيه أن الدليل غير منحصر في التنصيف المزبور، بل هو غيره مما عرفت، مضافا إلى صدق التنصيف بذلك عرفا، نعم يقوى الاشكال لو طلبت القصاص في ثلاث و العفو عن الرابع، بل الظاهر العدم، لكونه مخالفا للتنصيف الحاصل بالزيادة المزبورة، فليس لها إلا الإصبعان قصاصا أو دية، لانحصار حقها فيهما فتتخير حينئذ بين قطعهما و بين قطع الأربع و رد الزائد.

نعم قد يقال: إن لها ذلك مع الرد بناء على تخييرها فيه بين رد دية الإصبعين و قطع الأربع و بين رد دية واحد و قطع الثلاث، كما أنها مخيرة في القصاص من دون رد بين قطع الإصبعين و بين قطع واحد و أخذ دية الآخر و إن كنت لم أجد من صرح بذلك.

و على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه ليس للرجل الامتناع من ذلك بأن يقول لها: إما أن تأخذي الدية و لا تقطعي شيئا من أصابعي أو تقطعي الأربع و تردي علي دية اثنين، و إن احتمل بناء على أن الثابت لها بالأصالة إنما هو الدية أو القصاص في الأربع مع رد الفاضل، و أما

ج 42، ص: 90

القصاص في اثنين فهو عوض عنهما فلا يثبت لها إلا صلحا، و لكنه كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و لو طلبت الدية لم يكن لها أكثر من دية إصبعين، و ليس لها أن تطلب دية ثلاث و تعفو عن الرابع، لمخالفته ما سمعته من النص و الفتوى.

نعم الظاهر أن الحكم المزبور إذا كان القطع للأربع بضربة واحدة، و أما لو كان بأربع ضربات يقطع بكل واحدة إصبعا أو بضربتين يقطع بكل منهما إصبعين فالظاهر ثبوت دية الأربع أو القصاص في الجميع من غير رد كما صرح به غير واحد، إذ كل ما جنى عليها جناية يثبت لها حكمها، و لا دليل على سقوطه بلحوق جناية أخرى، و الجناية الأخيرة إنما هي قطع ما دون الأربع فلها حكمها، و لا تسقط بسبق أخرى، و الله العالم.

و يقتل العبد بالعبد كتابا(1)و سنة(2)و إجماعا في الجملة و بالأمة، و الأمة بالأمة و بالعبد إذا كانا لمالك واحد و اختار القصاص، تساويا قيمة أو تفاوتا، لأنه معنى القصاص، و مقتضى إطلاق «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(3)و «الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ»(4)و

سأل إسحاق بن عمار(5)الصادق (عليه السلام) «عن رجل له مملوكان قتل أحدهما صاحبه إله أن يقيده به دون السلطان إن أحب ذلك؟ قال: هو ماله يفعل فيه ما شاء، إن شاء فعل، و إن شاء عفا».

و كذا لو كانا لمالكين و تساويا بالقيمة أو تفاوتا و كان القاتل الناقص،


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 178.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القصاص في النفس.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 45.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 178.
5- 5 الوسائل- الباب- 44- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 91

أما العكس ففي القواعد الأقرب أنه لا بد من الرد، و تبعه عليه غيره، لأن القيمة في المملوك بمنزلة الدية في غيره، و قواه في المسالك، و ظاهره في التحرير التوقف كاللمعتين، و لكن فيه أنه كالاجتهاد في مقابلة إطلاق النص كتابا(1)و سنة(2)و الفتوى، بل عن الوسيلة التصريح بالقصاص من غير رد، كما هو مقتضى إطلاق غيره، نعم لو لم يقتل و أراد الاسترقاق استرق منه بقدر قيمة عبده، كما ستعرف إن شاء الله البحث فيه.

و لا يقتل حر و لو أنثى فضلا عن الذكر و الخنثى بعيد و لا أمة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع عليه بقسميه، مضافا إلى ظاهر الآية(3)و

قول النبي (صلى الله عليه و آله)(4) «لا يقتل حر بعبد»

و قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(5): «من السنة أن لا يقتل حر بعبد»

و قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي و غيره(6): «لا يقتل الحر بالعبد»

و إلى غير ذلك من غير فرق بين عبد نفسه و عبد غيره و القن و المدبر و أم الولد و المكاتب المشروط و المطلق حتى إذا أدى الكثير بناء على عدم خروجه عن حكم الرق بالنسبة إلى ذلك، و سواء كانت قيمة العبد أقل من دية الحر أو أكثر أو مساوية،


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القصاص في النفس.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 178.
4- 4 المستدرك- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5 و سنن البيهقي- ج 8 ص 35.
5- 5 سنن البيهقي ج 8 ص 34.
6- 6 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 و 3 و 5.

ج 42، ص: 92

بعبد نفسه واضح الفساد عندنا.

نعم قيل و القائل الشيخ في كتابي الأخبار و ابنا حمزة و زهرة و سلار و أبو الصلاح على ما حكى إن اعتاد الحر قتل العبيد له أو لغيره قتل حسما للجرأة و للفساد، بل عن كشف الرموز نسبته إلى الشيخ و أتباعه و إن قيل: إنه أوهمه فيه بعض من تأخر عنه، بل عن الغنية نفي الخلاف فيه على الظاهر، و عن أبي

علي أنه أطلق قتله إذا اعتاد قتل عبيده، و قال في عبيد الغير: إذا عرفت بقتلهم قتل في الثالثة أو الرابعة.

و على كل حال فذلك لما عرفت، و ل

خبر الفتح بن يزيد الجرجاني(1)عن أبي الحسن (عليه السلام) «في رجل قتل مملوكه أو مملوكته قال:

إن كان المملوك له أدب و حبس إلا أن يكون معروفا بقتل المماليك فيقتل به».

و خبر يونس(2)عنهم (عليهم السلام) قال: «سئل عن رجل قتل مملوكه، قال: إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضربا شديدا و أخذ منه قيمة العبد، فتدفع إلى بيت مال المسلمين، و إن كان معودا بالقتل قتل به».

و خبر السكوني(3)عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) «إن عليا (عليه السلام) قتل حرا بعبد»

بناء على تنزيله على المعتاد،


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1. عن أبي الفتح الجرجاني، و لكن الموجود في الكافي ج 7 ص 303 و التهذيب ج 10. ص 192 و الاستبصار ج 4 ص 273 عن الفتح بن يزيد الجرجاني.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 9.

ج 42، ص: 93

و لكنها- مع أنها ظاهرة في قتل مماليكه لا الأعم منهم و من غيرهم- ضعيفة و لا جابر، و دعوى أنه نفى الخلاف المزبور بعد تبين عدمه كما ترى.

و ما في الرياض- من أنه حسن و النصوص شاهدة عليه، و لا منافاة بينها و بين ما مر من الأدلة بعدم قتل الحر بالعبد، لظهورها في النفي على جهة القصاص و نحن نقول به، و لكن لا ينافي ثبوته من جهة الفساد- يدفعه أنها قاصرة عن ثبوته أيضا من هذه الجهة، ضرورة أنك قد عرفت عدم القتل حدا بمطلق الفساد، بل هو في المحارب الذي لا يندرج فيه مثل ذلك، و على تقديره فهو خروج عما نحن فيه.

و حينئذ فالمتجه عدم قتله به مطلقا، كما هو المحكي عن الشيخين و الصدوق و ابن أبي عقيل و الجعفي و ابني البراج و حمزة و الصهرشتي و الطبرسي و ابن إدريس و الفاضلين و غيرهم، بل عليه كافة الأصحاب عدا من عرفت.

و على تقديره فلا رد للفاضل من ديته على قيمة المقتول إذا قتل به لاعتياده و إن حكي عن المراسم و الوسيلة و الجامع، لظهور كلامهم، بل هو صريح المحكي عن ابن زهرة منهم في أن ذلك حد لا قصاص كي يتجه الرد، و احتماله حتى على الأول واضح الفساد.

لكن في القواعد الإشكال في ذلك، و لعله للإشكال في أنه قصاص- كما يشعر به لفظ «به» في الأخبار- أو حد، كما عن الشيخ و غيره، و لكن المحكي عن أكثر القائلين به عدم ذكر الرد، فلا بأس بحمل الباء على السببية، و الله العالم.

و لو قتل المولى عبده القن عمدا كفر كفارة الجمع و عزر و لم يقتل به بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل

ج 42، ص: 94

و لا إشكال في الأول، لعموم الأدلة و خصوص النصوص(1)المصرح فيها بأنها كفارة جمع، و لا ينافيها ما في بعضها(2)من ظهور التخيير أو الاستحباب الذي يمكن إرجاعه إلى غيره، و يكون الحكم مفروغا منه، و كذا في الثاني الذي نص عليه خبرا يونس و الجرجاني المتقدمان (3)و غيرهما، و

في بعضها(4)«ضربه مائة و حبسه»

بل عن الجامع ما في خبر جابر(5)عن أبي جعفر (عليه السلام) من نفيه عن مسقط رأسه.

و إنما الكلام في ما قيل من أنه يغرم قيمته و يتصدق بها و القائل المشهور، بل في غاية المراد «هو قريب من المتفق عليه، فان أكثر الأصحاب نصوا على الصدقة بثمنه، كالشيخين و سلار و أبي الصلاح و ابن البراج و الصهرشتي و ابن حمزة و الطبرسي و ابني زهرة و إدريس، و هو قول صاحب الفاخر إلا أنه

ذكره عقيب قتله تقريبا، و ما وجدت فيه مخالفا إلا ابن الجنيد، فإنه أورده بصيغة و روي» و عن الغنية نفي الخلاف فيه، و في كشف الرموز «لا أعرف فيه مخالفا» و عن المهذب البارع «أنه قريب من الإجماع» و في المسالك «لم يخالف صريحا إلا ابن الجنيد، فإنه أورده بصيغة و روي» و هو المحكي أيضا عن فخر المحققين، قيل: و كأنه مال إليه الآبي و أبو العباس.

لكن و مع ذلك كله قال المصنف و في المستند ضعف سندا و دلالة مشعرا بالميل إلى العدم كالفاضل و المقداد، بل هو صريح ثاني الشهيدين في المسالك و ظاهر الأردبيلي أو صريح، و ذلك لأن مستنده


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب القصاص في النفس.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 37- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 9.

ج 42، ص: 95

خبر يونس(1)المتقدم المرسل بناء على إرادة الصدقة مما فيه من أخذ القيمة و جعلها في بيت المال و

خبر مسمع(2)عن الصادق (عليه السلام) «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) رفع إليه رجل عذب عبده حتى مات فضربه مائة نكالا، و حبسه سنة، و غرمه قيمة العبد، فتصدق بها عنه»

و في طريقها سهل بن زياد، و ضعفه مشهور، و محمد بن الحسن ابن شمون، و هو غال ضعيف جدا، و عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، و هو ضعيف و ليس بشي ء، المشتمل مع ذلك على الحبس سنة و لا قائل به، بل هو قضية عين فيمن عذب عبده حتى مات، و هو أخص من المفروض، فلا يصلحان قاطعين للأصل المعتضد بخلو النصوص المعتبرة المستفيضة(3) الواردة في مقام البيان و الحاجة عن ذلك.

و لكن في ذلك كله- مع أن الرواية المزبورة رواها في الفقيه بطريقه إلى السكوني الذي لا يخفى سكون الأصحاب إلى روايته، و خصوصا في هذه الأبواب، و لذا عد بعض خبره من القوي- أنه مناف لما تحقق في الأصول من جبر نحوهما بالأقل مما عرفت، فضلا عنه و عن عمل ابني زهرة و إدريس اللذين لا يعملان إلا بالقطعيات، و خلو المعتبرة عنه غير قادح بعد اشتمالهما عليه، بل أقصاه أنه كالإطلاق و التقييد، و اشتمال الخبر على الحبس الذي لم يقل

به أحد غير قادح في الحجية في غيره بعد انجباره، على أنه يمكن أن يكون ذلك من التعزير المنوط بنظر الحاكم.

كل ذلك مضافا إلى المعتبرة المستفيضة(4) الآتية الدالة على عدم قتل الحر بالعبد، و أنه يلزم الجاني بالقيمة و يعزر، فإنها مطلقة


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب القصاص في النفس.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 96

لا تنصيص في شي ء منها بكون الجاني مولى للمجنى عليه أم غيره فينسحب الحكم فيها بتغريمه القيمة إلى هنا أيضا، غاية الأمر سكوتها عن مصرفها، و حيث ثبتت القيمة بإطلاقها كان مصرفها الفقراء إجماعا، و لعل الوجه في عدم استدلالهم بها تخيل اختصاصها بحكم التبادر بالجاني غير المولى، و أثره بعد تسليمه مندفع بفتوى الأصحاب على العموم، كما الدفع بها ما توجه على ما مر من النصوص، فالمسألة بحمد الله خالية عن الاشكال.

و على كل حال ف في بعض الروايات(1) و أفتى به بعض الأصحاب أنه إن اعتاد ذلك قتل به و قد عرفت تحقيق الحال فيه، و الله العالم.

و لو قتل الحر عبدا لغيره عمدا أغرم قيمته يوم قتل و لكن لا يتجاوز بها دية الحر و لا بقيمة المملوكة دية الحرة بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص.

ففي

خبر أبي بصير(2)عن أحدهما (عليهما السلام) إلى أن قال:

«و لا يقتل حر بعبد، و لكن يضرب ضربا شديدا و يغرم ثمنه دية العبد».

و في

خبره الآخر(3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا يقتل حر بعبد و إن قتله عمدا، و لكن يغرم ثمنه و يضرب ضربا شديدا إذا قتله عمدا، و قال: دية المملوك ثمنه».

و في

خبر سماعة(4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «يقتل العبد بالحر و لا يقتل الحر بالعبد، و لكن يغرم ثمنه و يضرب ضربا شديدا حتى لا يعود».


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب القصاص في النفس.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.

ج 42، ص: 97

و في

الصحيح (1)عنه (عليه السلام) أيضا «لا يقتل الحر بالعبد، و إذا قتل الحر العبد غرم ثمنه و ضرب ضربا شديدا».

و في آخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا قتل الحر العبد غرم قيمته و أدب، قيل: فان كانت قيمته عشرين ألف درهم، قال: لا يجاوز بقيمة العبد دية الأحرار».

و في

خبر ابن مسكان(3)عنه (عليه السلام) أيضا «دية العبد قيمته و إن كان نفيسا فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم، و لا يجاوز به دية الحر».

و في

خبر الحسن بن صالح(4)عنه (عليه السلام) أيضا «في رجل حر قتل عبدا قيمته عشرون ألف درهم، فقال: لا يجوز أن يجاوز بقيمة عبد أكثر من دية حر»

إلى غير ذلك من النصوص.

فما عن ابن حمزة منا- من ردها إلى أقل من دية الحر و لو بدينار و الشافعي و مالك من اعتبار القيمة ما بلغت- واضح الفساد، بل لا نعلم مستندا للأول إلا الفرق بين الحر و المملوك، و هو كالاجتهاد في مقابلة النص، و إلا دعوى ما تسمعه من

مرسل الإيضاح(5)«أن العبد لا يتجاوز بقيمته دية مولاه»

بناء على إرادة البلوغ من التجاوز فيه، و لكنه كما ترى لا يستأهل أن يسطر.

نعم لم أجد في شي ء مما وصل إلى من النصوص ذكر الأمة، و لكن ظاهر الأصحاب بل صريح جماعة بل قيل إنه إجماع أنها كذلك ما لم تتجاوز دية الحر، و لولاه لأشكل الحال، ضرورة كون الأصل عدم الرد، مضافا إلى ظاهر النصوص السابقة من عدم تجاوز دية الحر


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ديات النفس- الحديث 2 من كتاب الديات.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ديات النفس- الحديث 5 من كتاب الديات.
5- 5 إيضاح الفوائد ج 4 ص 583.

ج 42، ص: 98

لا الحرة، فلا يجدي حينئذ إرادة الأمة من العبد كما حكي عن القاموس، إذ مقتضاه حينئذ ما ذكرناه، و مرسل الإيضاح الذي لم نجده في شي ء من نصوصنا يقتضي عدم تجاوز قيمة العبد الذكر دية مولاته إذا كانت أنثى، و عدم تجاوز قيمة الأمة دية مولاها الذكر، و هو معلوم العدم، فليس حينئذ إلا الإجماع المزبور.

و لو جنى عليه جناية فنقصت قيمته ثم مات من تلك الجناية ضمن قيمته كملا، و لا يكتفى منه بأرش الجناية و القيمة يوم الموت، فقد يكون أقل من تمام قيمته، و النقص إنما حصل من فعله.

و لو كان المقتول ذميا مملوكا لذمي أو أمة ذمية لذمية لم يتجاوز بقيمة الذكر دية مولاه و لا بقيمة الأنثى دية الذمية بلا خلاف أجده فيه، بل كأنه إجماع، و هو العمدة، و إلا فلا دليل له من (في خ ل) النصوص السابقة، نعم في المسالك و محكي الإيضاح إرسال

خبر «أن العبد لا يتجاوز بقيمته دية مولاه»(1)

و لم نجده في ما حضرنا من النصوص كما اعترف به في كشف اللثام، مع أنه لا يتم في صورة ملك الذكر لأنثى و بالعكس، كما عرفت.

و لو كان للذمي عبد مسلم وجب بيعه عليه، فان قتل قبل ذلك فالأقرب أن ديته قيمته ما لم تتجاوز دية الحر المسلم و إن تجاوزت دية مولاه، لإطلاق النص و

الفتوى مع ما له من شرف الإسلام. و ربما احتمل اعتبار عدم الزيادة على دية مولاه، لعدم استقرار الذمي على ملك المسلم، و لما عن الإيضاح من

عموم الخبر «أن العبد لا يتجاوز بقيمته دية مولاه»(2)

و في المسالك نسبته إلى الرواية. و لا يخفى عليك ما في ذلك بعد الإحاطة بما ذكرناه.


1- 1 إيضاح الفوائد: ج 4 ص 583.
2- 2 إيضاح الفوائد: ج 4 ص 583.

ج 42، ص: 99

و العبد الذمي للمسلم كالمسلم في أن ديته قيمته ما لم تتجاوز دية الحر المسلم كما نص عليه الفاضل و غيره، لإطلاق النصوص السابقة، و خصوص خبر الإيضاح(1) و كون الرد على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على اليقين.

فما عساه يظهر من عبارة النافع بل هو المحكي عن صريح الأردبيلي- من اعتبار عدم تجاوز دية الحر الذمي و الحرة الذمية- لا يخلو من نظر، و من الغريب ما في الرياض حيث إنه بعد أن ذكر المختار قال: فان تم إجماعا و إلا فوجهه غير واضح، إذ قد عرفت أن الأمر بالعكس، و الله العالم.

و لو قتل العبد حرا قتل به، و لا يضمن المولى جنايته، لكن ولي الدم بالخيار فيه بين قتله و استرقاقه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة بعد استفاضة النصوص المعتبرة فيه.

ففي الصحيح(2)عن أحدهما (عليهما السلام) «في العبد إذا قتل الحر دفع إلى أولياء المقتول فان شاؤوا قتلوه، و إن شاؤوا استرقوه».

و في مرسل أبان بن تغلب(3)عن الصادق (عليه السلام) «إذا قتل العبد الحر دفع إلى أولياء المقتول، فان شاؤوا قتلوه، و إن شاؤوا حبسوه، و إن شاؤوا استرقوه يكون عبدا لهم».

و في خبر يحيى بن أبي العلاء(4)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا قتل العبد الحر فلأهل المقتول إن شاؤوا قتلوا، و إن شاؤوا استعبدوا».

و في خبر ابن مسكان(5)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا قتل


1- 1 إيضاح الفوائد ج 4 ص 583.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 6.

ج 42، ص: 100

العبد الحر فدفع إلى أولياء الحر فلا شي ء على مواليه».

إلى غير ذلك من النصوص المؤيدة بالنسبة إلى الأخير بما دل من النصوص أيضا على أن

الجاني لا يجني على أكثر من نفسه(1)

و أن المولى لا يضمن جناية عبده(2)

و أن العبد لا يغرم أهله وراء نفسه شيئا(3)

و بالنسبة إلى الأول بالإجماع و غيره.

و حينئذ ف ليس لمولاه فكه مع كراهية الولي لما سمعته من النصوص الظاهرة في كون التخيير إليه، و

خبر الوابشي(4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم ادعوا على عبد جناية تحيط برقبته فأقر العبد بها، قال: لا يجوز إقرار العبد على سيده، فإن أقاموا البينة على ما ادعوا على العبد أخذ العبد بها أو يفتديه مولاه»

لا صراحة فيه في كون الجناية عمدا» و على تقديره فهو قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه.

و لا ريب في ظهوره أيضا بعدم توقف استرقاقه على رضا المولى، كما هو ظاهر الأصحاب بل عن الغنية الإجماع عليه. و احتماله- لأن قتل العمد يوجب القصاص، و لا يثبت المال عوضا عنه إلا بالتراضي، و استرقاقه من جملة أفراده- كالاجتهاد في مقابلة ظاهر التخيير في النصوص المقتضي لعدم اعتبار

رضاه، مؤيدا بالاعتبار، و هو أن الشارع سلطه على إتلافه بدون رضا المولى المستلزم لزوال ملكه عنه، فازالته مع إبقاء نفسه أولى،


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و 10 و 18.
2- 2 الوسائل- الباب- 8 و 9 و 10- من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ديات النفس- الحديث 2 من كتاب الديات.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات و الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4.

ج 42، ص: 101

لما يتضمن من حقن دم المؤمن المطلوب للشارع، و الله العالم.

و لو جرح حرا جرحا موجبا للقصاص كان للمجروح الاقتصاص منه كتابا(1)و سنة(2)و إجماعا فإن طلب الدية فكه مولاه بأرش الجناية بالغا ما بلغ، أو بأقل الأمرين منه و من قيمته على القولين اللذين مر الكلام فيهما في باب الاستيلاد.

و لو امتنع المولى كان للمجروح استرقاقه إن أحاطت به الجناية، و إن قصر أرشها كان له عليه أن يسترق منه بنسبة الجناية من قيمته، و إن شاء طالب ببيعه و له من ثمنه أرش الجناية، فإن زاد ثمنه فالزيادة للمولى.

لكن لم يحضرني من النص ما يدل على ذلك إلا

صحيح الفضيل بن يسار(3)عن الصادق (عليه السلام) «في عبد جرح حرا قال: إن شاء الحر اقتص منه، و إن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته، و إن كانت الجراحة لا تحيط برقبته افتداه مولاه، فان أبى مولاه أن يفتديه كان للحر المجروح من العبد بقدر دية جراحته و الباقي للمولى، يباع العبد فيأخذ المجروح حقه و يرد الباقي على المولى».

و صحيح زرارة(4)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في عبد جرح رجلين، قال: هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته».

و هما معا غير دالين على تمام ما سمعت، بل ظاهرهما عدم اعتبار رضا المولى في استرقاق الجميع مع الإحاطة، نعم في أولهما اعتبار إباء المولى عن الفداء في استرقاق قدر الجناية منه مع فرض عدم الإحاطة،


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القصاص الطرف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القصاص الطرف- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 102

و ليس فيه أن للمجنى عليه طلب البيع، و إنما فيه «يباع» إلى آخره، و المراد منه بيان كونه مشتركا بينهما، فمع فرض اتفاقهما على بيعه يكون الثمن بينهما على قدر استحقاقهما.

و من ذلك يعلم ما في القواعد أيضا من أن الأقرب أن له الافتكاك و إن كره المجروح إذا أراد الأرش، بل قيل: إنه يحكى عن المبسوط، و قواه في الإيضاح و الشهيد في حواشيه، لأصالة عدم تسلط الغير على مال الغير، و لأن الواجب في العمد القصاص، ضرورة منافاته في الجملة للخبر(1)المزبور، بل و لما سمعته في القتل.

و ما في كشف اللثام- من الفرق بأن لولي المقتول التسلط على إزالة ملك المولى عنه بالقتل فكذا الاسترقاق، و ليس للمجروح التسلط على الإزالة، فإن القصاص في الجرح لا يزيل الملك، فإذا رضي بالأرش رضي عن القصاص بالدية من مال المولى، فله الخيار في أي مال له يضعها- لا يرجع إلى حاصل يعول عليه في الأحكام الشرعية فضلا عن أن يعارض الصحيح المزبور مؤيدا بما في

صحيح زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في عبد جرح رجلين قال: هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته»

مع إمكان تقرير نحوه في المقام أيضا بالنسبة إلى العضو.

و لعله لذا قال في القواعد في قصاص الأطراف: «و له استرقاقه إن ساوت قيمته الجناية أو قصرت، و له ما قابلها إن زادت، و لا خيار للمولى» بل و كذا ما فيها أيضا من أنه «لو لم يفتكه المولى كان للمجروح بيعه أجمع إن أحاطت الجناية برقبته، و بيع ما يساوي الجناية منه إن لم تحط» ضرورة عدم دلالة الصحيح المزبور على ذلك، اللهم إلا أن يريد


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 103

كان له ذلك بعد استرقاقه أجمع أو القدر.

و من ذلك يظهر لك أن المتجه التعبير بمضمون صحيحة الفضيل(1)بل قد يقال: إن له استرقاق ما قابل الجناية قهرا على المولى كما سمعته من القواعد، بل

ظاهر كشف اللثام موافقته على ذلك هناك، فلا بأس حينئذ بحمل ما في الصحيح المزبور على ضرب من الندب أو غيره.

و على كل حال فليس للمجروح قتله و إن أحاطت الجناية برقبته، كما ليس للرجل قتل المرأة إذا قطعت إحدى يديه أو كلتيهما، و لا قتل الرجل إذا قطع يديه أو رجله، لأن «الْجُرُوحَ قِصاصٌ»(2)و هو واضح، كوضوح عدم الفك للمولى قهرا لو طلب المجروح القصاص، و الله العالم.

و لو قتل العبد عبدا عمدا فالقود لمولاه بلا خلاف و لا إشكال كتابا(3)و سنة(4)فان قتل حينئذ جاز، و إن طلب الدية تعلقت برقبة الجاني لظهور النصوص في أن جناية العبد في رقبته(5)و منه يعلم عدم تعين القصاص على المولى، بل له العفو عنه، و أخذ حقه من نفس الرقبة، و لو لفحوى ما سمعته في جناية العبد على الحر الذي هو أولى من العبد في ذلك و إن قلنا: إن الواجب في الأحرار القصاص، و الدية لا تثبت إلا صلحا، و قد سمعت تصريح النصوص أن


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 45.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 178.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب القصاص في النفس.
5- 5 الوسائل- الباب- 41 و 45- من أبواب القصاص في النفس و الباب- 3- من أبواب قصاص الطرف.

ج 42، ص: 104

دية العبد قيمته(1)فحينئذ إذا عفا المولى عن القصاص لم يكن له إلا قيمة عبده التي هي ديته في رقبة العبد، و معنى كونها فيها أن له استرقاقه عوضها إن شاء و لو بمعونة ما سمعته في جنايته على الحر، و ليس ذلك من القياس الباطل، بل هو من فهم لحنهم (عليهم السلام) و لو بمعونة كلام الأصحاب.

و حينئذ فإن تساوت القيمتان كان لمولى المقتول استرقاقه مع عدم فداء المولى له، بل و معه إذا لم يرض ولي المقتول، كما صرح به الفاضل و غيره، لظهور النصوص في الحر(2)في كون الخيار بيد ولي المجني عليه في العمد، و لأن له قتله و إزالة ملكه عنه، فالاسترقاق أولى، و دعوى أن العفو على المال يقتضي التخيير في المال إلى سيد القاتل لا حاصل لها بعد ما ذكرناه.

و على كل حال ف لا يضمنه مولاه بلا خلاف و لا إشكال، لما عرفت من أن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، و أن السيد لا يعقل عبده و لكن لو تبرع فكه بقيمة الجناية أو بأقل الأمرين منها و من قيمة العبد على القولين، إلا أنه مع رضا ولي المجني عليه، إذ لا دليل على أن الخيار في ذلك لسيد القاتل، بل قد عرفت في الحر ظهور الأدلة في كون الخيار في جناية العمد بيد ولي المجني عليه، كما عرفت أن فحواها يقتضي ذلك هنا أيضا.

و إن كانت قيمة القاتل أكثر فلمولاه منه بقدر قيمة المقتول التي هي ديته و صار حقه منحصرا فيها، فليس له التعدي و إن قلنا بكون


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 105

القصاص له من غير رد، لظاهر قوله تعالى(1)«الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ».

و إن كانت قيمته أقل فلمولى المقتول قتله أو استرقاقه قهرا على المالك، لما عرفت من الفحوى في الحر و غيرها.

و على كل حال فقد عرفت أنه لا يضمن مولى القاتل الذي لا يجني على أكثر من نفسه شيئا، إذ المولى لا يعقل عبدا لو قتل حرا فضلا عن العبد، هذا كله في العمد.

و أما لو كان القتل خطأ فليس إلا الدية في رقبة الجاني، و لكن كان مولى القاتل بالخيار بلا خلاف و لا إشكال بين فكه بقيمته مطلقا أو بأقل الأمرين منها و من قيمة المقتول التي هي ديته على القولين اللذين تقدم البحث فيهما و لا تخيير لمولى المجني عليه في ذلك فيلزم بالقبول و بين دفعه إلى أولياء المقتول يسترقونه، لأن حقهم تعلق برقبته لا في ذمة المولى و إن كان له التخيير المزبور.

لكن في

صحيح ابن مسلم(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «عن مكاتب قتل رجلا خطأ، قال: فان كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المملوك يدفع إلى أولياء المقتول، فان شاؤوا قتلوا و إن شاؤوا باعوا».

و ظاهره تعين الدفع، إلا أنه شاذ لم أجد عاملا به، مضافا إلى ما فيه من القتل خطأ، و احتمال حمله على إرادة ما يقابل الصواب لا العمد يخرجه عن مفروض المسألة، و لعل الصواب ما عن الفقيه «إن شاؤوا استرقوه و إن شاؤوا باعوه».

و (11) على كل حال فإذا اختار الدفع كان له منه ما يفضل


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 178.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.

ج 42، ص: 106

عن قيمة المقتول التي ليس لوليه غيرها، إذ هي ديته فيكون الزائد عليها للمالك و ليس عليه ما يعوز لما عرفت من أن السيد لا يعقل عبده.

و لو اختلف الجاني و مولى العبد في قيمته يوم قتل فالقول قول الجاني مع يمينه إذا لم يكن للمولى بينة للأصل و

خبر أبي الورد أو حسنه(1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل عبدا خطأ، قال: عليه قيمته، و لا يتجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم، قلت: و من يقومه و هو ميت؟ قال: إن كان لمولاه شهود أن قيمته كانت يوم قتله كذا و كذا أخذ بها قاتله، و إن لم يكن له شهود على ذلك كانت القيمة على من قتله مع يمينه يشهد بالله تعالى بأنه ما له قيمة أكثر مما قومته، فان أبى أن يحلف ورد اليمين على المولى حلف المولى، فان حلف المولى أعطى ما حلف عليه، و لا يتجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم»

و الله العالم.

و المدبر كالقن في الجناية، لإطلاق الأدلة أو عمومها، ضرورة عدم خروجه بالتدبير الذي هو وصية بالعتق أو كالوصية به عن المملوك الذي هو عنوان الجناية.

و حينئذ ف لو قتل عمدا على وجه يترتب عليه القصاص قتل لعموم دليله و إن شاء الولي استرقاقه كان له ذلك على الوجه الذي سمعته في غيره. و لو قتل خطأ كان له الحكم السابق أيضا.

و حينئذ فإن فكه المولى بأرش الجناية أو بأقل الأمرين منه و من قيمته بقي على التدبير إجماعا بقسميه، و كذا في صورة العمد مع التراضي بالفداء و إلا سلمه (11) لولي المجني عليه للرق ف (12) يسترقه


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 107

على الوجه السابق.

إنما الكلام في أنه إذا مات الذي دبره بعد أن استرقه ولي المجني عليه في صورتي العمد و الخطأ هل ينعتق لبقاء حكم التدبير و إن انتقل عن ملك الأول إلا أنه انتقل مدبرا؟ قيل و القائل ابن إدريس و أكثر المتأخرين بل في الرياض عامتهم لا، لأنه وصية أو كالوصية و الفرض أنه قد خرج عن ملكه بالجناية المقتضية لاستحقاق الاسترقاق المفروض تحققه و من المعلوم بطلان الوصية بنحو ذلك فيبطل التدبير و من هنا جعله في كشف الرموز الأشبه أي بأصول المذهب، بل صرح بذلك في محكي المهذب البارع.

كل ذلك مضافا إلى

صحيح أبي بصير(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن رجل مدبر قتل رجلا عمدا، فقال: يقتل به، قلت:

و إن قتله خطأ قال: يدفع إلى أولياء المقتول، فيكون لهم، فان شاؤوا استرقوه، و ليس لهم قتله- ثم قال-: يا أبا محمد إن المدبر مملوك»

و هو مع النظر إلى ذيله و إلى ما سمعته في نصوص المكاتب(2)نص في الباب كما اعترف به غير واحد.

فما في كشف اللثام- بعد الاعتراف بأنه كذلك «و عندي فيه نظر»- لا يخفى عليك ما فيه، و على تقدير تسليمه فالشهرة السابقة جابرة لدلالته، و كذا ما فيه أيضا قبل ذلك من منع بطلان التدبير بالانتقال، قال:

«و قد مر في التدبير» مع أنه على ما قيل لم يذكر في التدبير إلا قوله:

«و سيأتي في الجنايات الخلاف» كما أنك قد عرفت في محله(3)أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب القصاص في النفس.
3- 3 راجع ج 34 ص 218- 220.

ج 42، ص: 108

وصية أو كالوصية.

و قيل و القائل الشيخان في المقنعة و النهاية و الصدوق على ما حكي عنه لا يبطل التدبير بل ينعتق و لعله لازم ما حكي عن أبي علي من أنه يدفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت مولاه، ثم يستسعى في قيمته، و اختاره في كشف اللثام «استصحابا للتدبير إلى أن يعلم المزيل، و ل

حسن جميل(1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن مدبر قتل رجلا خطأ من يضمن عنه؟ قال: يصالح عنه مولاه، فان أبى دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبره، ثم يرجع حرا لا سبيل عليه»

و

لخبر هشام بن أحمد(2)- بالدال أو بالراء على ما عن الكافي و بعض نسخ الاستبصار- و على التقديرين هو غير مذكور في كتب الرجال، نعم عن بعض الأخبار(3)أنه الذي اشترى أم الرضا لأبي الحسن (عليهما السلام) قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن مدبر قتل رجلا خطأ، قال: أي شي ء رويتم في هذا الباب؟ قال: روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: يتل برمته إلى أولياء المقتول، فإذا مات الذي دبره عتق، قال: سبحان الله فيطل دم امرء مسلم، قلت: هكذا روينا، قال: غلطتم على أبي يتل برمته إلى أولياء المقتول، فإذا مات الذي دبره استسعى في قيمته».

و فيه أن الاستصحاب مقطوع بما عرفت، و حسن جميل قاصر عن معارضة الصحيح(4)المعتضد بما سمعت و بقاعدة عدم بطلان دم امرء مسلم لو فرض موت مولاه بعد دفعه بلحظة و بغيرها، مع أنه لا صراحة


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ديات النفس- الحديث 5 من كتاب الديات.
3- 3 البحار- ج 49 ص 7- 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 109

فيه بالاسترقاق، لأعمية الدفع إليهم منه و من الدفع للخدمة على أن يكون المراد احتسابها عن الدية مع بقاء العبد على الملكية، بل يمكن حمل الخبر الثالث الذي لا جابر له على ذلك.

و حينئذ يكون كما ذكره المصنف في كتاب التدبير(1)من أنه لمولاه أن يبيع خدمته إن ساوت الجناية، فيبقى على تدبيره، و إن كان قد عرفت الكلام في بيعها أو الصلح عليها سابقا، و قد يقال: إن المراد الدفع على الوجه المزبور صلحا عن جنايته. كل ذلك بعد قصورهما عن المعارضة لما عرفت من وجوه.

بل لا ظهور فيهما في ما يقوله الخصم من الاسترقاق ثم العود حرا بموت السيد، و إنما ظاهرهما الدفع للخدمة إلى أن يموت السيد، فيكون أمرا خارجا عن القولين، و مقتضاه حينئذ بقاء التدبير لبقاء العبد على ملك مالكه، و إنما للمجني عليه استخدامه لا استرقاقه.

و عن ابن إدريس إنه يمكن حمل الرواية على أنه كان التدبير عن نذر واجب لا يجوز الرجوع فيه، ثم قال: «و الأقوى عندي في الجميع أنه يسترق سواء كان عن نذر أم لم يكن، لأن السيد ما رجع عن التدبير، و إنما صار عبدا بحق» و فيه أنه يمكن القول بالتزام السيد الفداء في صورة الخطأ مع فرض النذر.

و كيف كان ف مع القول بعتقه بموت سيده هل يسعى في فك رقبته أو لا يستسعى؟ فيه خلاف و في المتن الأشهر أنه لا يسعى(2) إلا أني لم أجده لأحد غير


1- 1 راجع ج 34 ص 240.
2- 2 الموجود في الشرائع: الطبعة الحجرية و طبعة النجف الأشرف و المطبوع على هامش كتاب المسالك« الأشهر أنه يسعى».

ج 42، ص: 110

ما يظهر من المفيد و إن كان يشهد له خبر جميل(1) السابق، لكنه مناف لقاعدة الضرر و غيرها.

و ربما قال بعض و هو الشيخ في المحكي من نهايته و كتابي الأخبار- يسعى في دية المقتول لأنها المضمونة عليه.

و لكن لعله و هم ضرورة صيرورة رقبته ملكا لهم عوضا عنها، فمع فوات الرقبة يكون عليه قيمتها. و من هنا كان المحكي عن الصدوق و أبي علي الاستسعاء في قيمة نفسه، لظاهر الخبر المزبور (2)و لما عرفت من أنها هي التي عوض عنه.

بل الظاهر السعي في قيمة ما استرقوه منه كلا أو بعضا، و لذلك اختار في المسالك و كشف اللثام و محكي الإيضاح الاستسعاء في أقل الأمرين من قيمة نفسه و دية المقتول لو مات سيده قبل استرقاقه، بل لعل الظاهر إرادة الصدوق و أبي علي الاستسعاء في ما يقابل دية المقتول من القيمة إن زادت عليها لو مات المولى قبل استرقاقه، لعدم بطلان التدبير بالجناية التي لا تقتضي الخروج عن ملك المالك و الفرض تعلقها برقبته فمع فرض تعذر الاسترقاق يسعى في فك نفسه بالأقل من الأمرين إن لم تكن الجناية موجبة لقتله أو كانت و لم يرد قتله.

بل قيل: يمكن إرادة الشيخ من دية المقتول قيمة العبد الذي لا يطالب بأكثر من نفسه، و لا بأس به و إن استبعده بعضهم.

و بذلك كله ظهر لك أن الأقوى بطلان التدبير بالاسترقاق قبل موت المولى، كما أن الأقوى على القول بعدم البطلان الاستسعاء في فك ما استرق من رقبته كلام أو بعضا نحو ما لو مات مولاه قبل أن يسترق الذي قد عرفت حكمه أيضا، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ديات النفس- الحديث 5 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 111

و المكاتب المطلق إن لم يؤد من مكاتبته شيئا أو كان مشروطا فهو كالقن لما سمعته في

الصحيح السابق(1)من أنه «إن كان مولاه اشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المماليك»

إلى آخره الذي قد سمعت الكلام فيه سابقا، و لكن الحكم لا خلاف فيه، و في

صحيح أبي ولاد الحناط(2)«فان لم يكن أدى من مكاتبته شيئا فإنه يقاص للعبد منه، و يغرم المولى كل ما جنى المكاتب، لأنه عبده ما لم يؤد من مكاتبته شيئا»

و لعل المراد بالغرامة ما سمعته في حكم جناية المملوك و قد تقدم في الكتابة(3) تمام الكلام في ذلك.

و إن كان مطلقا و قد أدى من مال الكتابة شيئا تحرر منه بحسابه بلا خلاف و لا إشكال فإذا قتل حينئذ حرا أو مساويا في قدر الحرية أو أزيد عمدا قتل به قطعا و إن قتل مملوكا أو أقل منه حرية فلا قود لعدم التساوي، و لما سمعته في صحيح أبي ولاد(4)و مفهوم قوله تعالى(5)«الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ» و لكن تعلقت الجناية العمدية بذمته و بما فيه من الرقية مبعضة، فيسعى في نصيب الحرية (11) إن لم يكن عنده مال بأداء ما بإزائها من المقتول، كما هو الضابط في كل مقام في التبعيض.

و في كشف اللثام «كما ينص عليه

صحيح أبي ولاد الحناط(6)سأل الصادق (عليه السلام) «عن مكاتب اشترط عليه مولاه حين كاتبه جنى إلى رجل جناية، فقال: إن كان أدى من مكاتبته شيئا غرم من جنايته


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
3- 3 راجع ج 34 ص 348- 350.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 178.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.

ج 42، ص: 112

بقدر ما أدى من مكاتبته للحر، فان عجز من حق الجناية شيئا أخذ ذلك من مال المولى الذي كاتبه، قال: فان كانت الجناية بعبد فقال:

على مثل ذلك يدفع إلى مولى العبد الذي جرحه المكابت، و لا تقاص بين العبد و بين المكاتب إذا كان المكاتب قد أدى من مكاتبته شيئا».

و فيه أن ظاهر صدر الخبر المزبور كون المكاتب مشروطا، و من المعلوم عدم تحرر شي ء منه بأداء البعض، نعم عن الفقيه روايته بهذا السند «عن مكاتب جنى على رجل جناية» إلى آخره، و هو أوضح في الدلالة بالنسبة إلى ذلك و إن كان فيه إشكال أيضا من غير هذه الجهة، و لكن الأمر سهل لكون الحكم مفروغا منه في المقام و غيره.

و يسترق الباقي منه لأنه بحكم المملوك أو يباع في نصيب الرق من قيمته و إن أمكنه أو كان في يده ما يفي بقيمة المقتول، لأنه لما فيه من الرقية يتعلق من جنايته ما بإزائها برقبته.

نعم ينبغي أن يراد البيع برضاهما بعد الاسترقاق كما سمعته سابقا، و إلا فلم أجد دليلا عليه إلا ما سمعته من صحيح ابن مسلم(1)السابق الذي هو غير نقي، بل لا دليل على أصل الحكم إلا ما تقدم سابقا في نصوص المملوك(2)بدعوى شمولها للمملوك و لو بعضا، أو بفحواها و لو بمعونة فتوى الأصحاب.

و على كل حال فتبطل الكتابة فيه حينئذ، لانتقاله إلى مالك آخر، و لا ينافيه عدم بطلان التدبير على القول به للنص(3)و الله العالم.

و لو قتل قنا أو حرا أو مبعضا خطأ فعلى الامام بقدر


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.

ج 42، ص: 113

ما فيه من الحرية لأنه عاقلته إن لم يكن له عاقلة،

قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم(1)الذي تقدم صدره سابقا:

«و إن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط و كان قد أدى من مكاتبته شيئا فإن عليا (عليه السلام) كان يقول: يعتق من المكاتب بقدر ما أدى من مكاتبته، و أن على الامام أن يؤدي إلى أولياء المقتول، من الدية بقدر ما أعتق من المكاتب، و لا يبطل دم امرء مسلم، و أرى أن يكون ما بقي على المكاتب مما لم يؤده فلأولياء المقتول يستخدمونه حياته بقدر ما بقي عليه، و ليس لهم أن يبيعوه»

و هو صريح في المطلوب.

و أما الجزء الآخر ف المولى بالخيار بين فكه ب بذل الأرش عن نصيب الرقية من الجناية أو بأقل الأمرين على القولين و بين تسليم حصة الرق لولي المقتول ليقاص بالجناية نحو ما سمعته في قتل القن خطأ، إذ لا فرق بين المملوك كلا أو

بعضا في ذلك، فتبطل الكتابة حينئذ لما عرفت، و بالجملة فما ذكره المصنف في حكم المكاتب هو الذي يقتضيه أصول المذهب و قواعده، كما اعترف به غير واحد، و في كشف الرموز نسبته إلى الشيخ في النهاية و أتباعه و المتأخرين، بل في المسالك إلى أكثر المتأخرين، بل عن التنقيح إلى أكثر الأصحاب و الحلبيين، بل في مجمع البرهان إلى المشهور.

و لكن مع ذلك كله

في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(2) (عليهما السلام) إذا أدى نصف ما عليه فهو بمنزلة الحر قال فيها: «سألته عن مكاتب فقأ عين مكاتب أو كسر سنة ما عليه؟ قال: إن كان أدى نصف مكاتبته فديته دية حر، و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ديات النفس- الحديث 3 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 114

كان دون النصف فبقدر ما عتق، و كذلك إذا فقأ عين حر، و سألته عن حر فقأ عين مكاتب أو كسر سنه ما عليه؟ قال: إن كان أدى نصف مكاتبته يفقأ عن الحر أو ديته إن كان خطأ فهو بمنزلة الحر، و إن كان لم يؤد النصف قوم فأدى بقدر ما أعتق منه، و سألته عن المكاتب إذا أدى نصف ما عليه، قال: هو بمنزلة الحر في الحدود و غير ذلك من قتل و غيره، و سألته عن مكاتب فقأ عين مملوك و قد أدى نصف مكاتبته، قال: يقوم المملوك و يؤدي المكاتب إلى مولى المملوك نصف ثمنه».

و في المتن و غيره من كتب المتأخرين عن المصنف أن الشيخ قد رجحها في الاستبصار و ضعفها (رفضها خ ل) في غيره لكن في كشف اللثام «و اعلم أن الذي في الاستبصار أن حكمه حكم الحر في دية أعضائه و نفسه إذا جنى عليه لا في جناياته و إن تضمنها الخبر، فيحتمل أن يكون إنما يراه كالحر في ذلك خاصة، كما يرى الصدوق مع نصه في المقنع على ما سمعته في موضعين متقاربين، قال: و إذا فقأ حر عين مكاتب أو كسر سنه فان كان أدى نصف مكاتبته فقأ عين الحر أو أخذ ديته إن كان خطأ، فإنه بمنزلة الحر، و إن كان لم يؤد النصف قوم فأدى بقدر ما أعتق منه، و إن فقأ مكاتب عين مملوك و قد أدى نصف مكاتبته قوم المملوك و أدى المكاتب إلى مولى العبد نصف ثمنه».

قلت: المعروف في الحكاية عنه ما عرفت، و المحكي عنه أنه روى في أول الباب

خبر محمد بن قيس(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتب قتل يحتسب منه ما عتق منه، فيؤدى دية الحر و ما رق منه دية العبد»

ثم قال: «و لا ينافي هذا الخبر ما رواه

علي بن جعفر (2) و ساق الخبر إلى قوله (عليه السلام):


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ديات النفس- الحديث 2 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ديات النفس- الحديث 3 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 115

«من قتل و غيره»

ثم جمع بينهما بحمل الخبر الأول على التفصيل الذي تضمنه الخبر الأخير فقال: «يحتسب فيؤدي منه بحساب الحرية ما لم يكن أدى نصف ثمنه، فإذا أدى ذلك كان حكمه حكم الأحرار على ما تضمنه الخبر الأخير» و ظاهره المطابقة لما هو المشهور عنه في الحكاية.

و على كل حال فلم نجد عاملا بالخبر المزبور عداه فيه، مع إمكان أن يكون ذكره فيه جمعا بين الأخبار لا قولا في المسألة، و على تقديره فهو شاذ، بل في المسالك «في طريق الرواية جهالة تمنع من العمل بها» و إن كان لا يخلو من نظر، إلا أنها على كل حال لا تصلح للخروج بها عن الأصول، و كذا ما سمعته في ذيل صحيح بن مسلم(1)و إن حكي عن ظاهر المفيد، و نفى عنه البأس في المختلف.

و يمكن أن يراد بالصحيح منعهم عن بيعه كله لا ما تملكوه من الحصة، بل لعل ظاهر الاستخدام فيه يقتضي الملكية، و لعله إلى ذلك أشار في المسالك بقوله: «في بعض الأخبار دلالة على المشهور» و إن قال في الرياض: «لم أقف عليه، بل في الصحيح ما ينافي جواز بيعه» لكن قد عرفت إمكان ما سمعته منه، و الله العالم.

بل و كذا ما عن المقنع من أن المكاتب إذا قتل رجلا خطأ فعليه من الدية بقدر ما أداه من مكاتبته، و على مولاه ما بقي من قيمته، فان عجز المكاتب فلا عاقلة له، فإنما ذلك على إمام المسلمين» و إن وافقه

خبر عبد الله بن سنان(2)عن الصادق (عليه السلام) «عليه من ديته بقدر ما أعتق، و على مولاه ما بقي من قيمة المملوك، فان عجز المكاتب فلا عاقلة له، و إنما ذلك على إمام المسلمين»

لكنه قاصر عن معارضة


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 116

ما عرفت من وجوه، بل قيل: يمكن حمل ما فيه من قوله: «على المولى» إلى آخره على أن المراد تخيير مولاه بين فكه و تسليمه، ليوافق الصحيح بالمعنى المزبور و الأصول و المشهور، و يخرج عن موافقة المقنع و إن كان لا يخفى عليك ما فيه.

نعم قد عرفت قصور الخبر المزبور عن معارضة ما عرفت، خصوصا بعد قدح بعض بإسماعيل بن مرار في طريقه و إن كان قيل:

إن الشواهد الدالة على حسن حاله كثيرة، إلا أنه على كل حال قاصر عن إثبات الحكم المزبور المخالف للأصول و القواعد.

و كذا ما عن المراسم من أن على الامام أن يزن عنه بقدر ما عتق منه و يستسعى في البقية و إن نفى عنه البأس في كشف اللثام، ثم قال:

«فان لم يسع و لم يفكه المولى استرق بذلك القدر» ضرورة عدم موافقته لشي ء من النصوص و لا لقواعد، فالأصح حينئذ ما عرفت، و الله العالم.

و العبد إذا قتل مولاه عمدا جاز للولي قتله بلا خلاف و لا إشكال، و جاز له العفو عنه، و لا استرقاق هنا، لأنه من تحصيل الحاصل و إن كان ربما قيل به، و تظهر ثمرته لو كان مرهونا، فإنه حينئذ يسترقه بحق الجناية المقدم على الرهانة كي تبطل بذلك، لأنه سبب جديد غير الأول، إلا أنه كما ترى.

و كذا لو كان للحر عبدان فقتل أحدهما الآخر كان مخيرا بين قتل القاتل و بين العفو كما تقدم الكلام فيه في أول المبحث(1)و قد سمعت خبر إسحاق بن عمار(2)عن الصادق (عليه السلام) و لا استرقاق له، لما عرفت كما هو واضح.


1- 1 ص 90.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 117

و أوضح منه حكم الخطأ، و قد تقدم في بحث المكاتبة(1)كثير من أحكام جنايته و الجناية عليه، كما تقدم في بحث الاستيلاد(2)حكم جناية أم الولد خطأ.

و منه يعلم الحال في العمد الذي هو أولى من الخطأ في التعلق بالرقبة، و لذا كان الخيار فيه بيد المجني عليه أو وليه دون الخطأ، نعم ذلك كله بالنسبة إلى الأجنبي.

و أما بالنسبة إلى السيد فإذا قتلته خطأ تحررت من نصب ولدها، لعدم استحقاق السيد على ماله مالا، و ل

خبر غياث بن إبراهيم(3)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «قال علي (عليه السلام):

إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ فهي حرة ليس عليها سعاية»

و خبر وهب بن وهب(4)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) أنه كان يقول:

«إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ فهي حرة، و لا تبعة عليها، و إن قتلته عمدا قتلت به».

نعم في

خبر حماد بن عيسى(5)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ سعت في قيمتها»

و لم أجد به عاملا، و عن التهذيب حمله على الخطأ الشبيه بالعمد، لأنه الذي يتعلق برقبتها، فأما الخطأ المحض فإنه يلزم المولى، و فيه ما لا يخفى، كالمحكي عنه في الاستبصار من حمله على ما إذا مات ولدها، و الأولين على ما إذا كان باقيا، ضرورة عدم موافقة شي ء منهما للضوابط التي منها عدم استحقاق ذي المال على ماله مالا.


1- 1 راجع ج 34 ص 345- 357.
2- 2 راجع ج 34 ص 382- 383.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ديات النفس- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ديات النفس- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ديات النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 118

و على كل حال لا وجه لما عن بعضهم من استثناء هذين الصورتين من حرمة جواز بيع أم الولد: و هما ما إذا جنت على مولاها جناية تستغرق قيمتها و ما إذا قتلته خطأ، إذ هو كما ترى و نحوه استثناء مطلق جنايتها على الغير عمدا أو خطأ، فإن ذلك لا يقتضي جواز بيعها، بل في الأول للمجني عليه أو وليه استرقاقها، و هو غير البيع المنهي عنه سيدها، و في الثاني للمولى الفداء، فان أبى استرقها المجني عليه.

و على كل حال ليس بيعا من السيد لها كي يكون منهيا عنه، بل و لا غيره من النواقل الاختيارية الملحقة بالبيع، و قد سمعت سابقا أنه ليس من أحكام الجناية البيع في الجناية من السيد، و لا من المجني عليه قبل الاسترقاق، و ما في بعض النصوص و بعض العبارات من أن للمجني عليه المطالبة بالبيع محمول على ما إذا استرق، و على تقديره فليس بيعا من السيد الذي هو المنهي عنه، فتأمل جيدا.

نعم إذا استرقها المجني عليه ملكها ملكا تاما له بيعها، لأنه ليست أم ولد بالنسبة إليه، بل لا يبعد جواز شراء المولى إياها منه، و لا يلحقها حكم الاستيلاد، لأنه ملك جديد بسبب جديد غير الملك الأول الذي كان ناقصا بالاستيلاد، و بذلك يظهر لك النظر في كثير مما ذكر في بيع أم الولد، فلاحظ و تأمل.

[مسائل ست]
اشاره

مسائل ست:

[المسألة الأولى لو قتل حر حرين فليس لأوليائهما إلا قتله]

الأولى:

لو قتل حر حرين فصاعدا فليس لأوليائهما إلا قتله بلا خلاف أجده فيه، بل عن المبسوط و الخلاف الإجماع عليه كما ستعرف،

ج 42، ص: 119

للأصل و لما سمعته من النص(1)على أن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، و الدية في موجب القصاص لا تثبت إلا صلحا، فإذا اصطلحوا معه كان لكل مقتول ديته و إلا ف ليس لهما المطالبة بالدية التي قد عرفت عدم وجوبها إلا صلحا و خصوصا إذا قتلاه معا، بأن و كلا من يقتله استيفاء لهما أو تمكنا من ضرب عنقه دفعة على وجه يسند القتل إليهما. خلافا لبعض العامة فأوجب الدية أيضا.

و أي الوليين بدر استوفى حقه، سواء قتلهما معا أو على التعاقب، و سواء بدر ولي السابق أو اللاحق و إن أساء لو بادر ولي المتأخر على ما عن التحرير مستشكلا فيه بتساوي الجميع في سبب الاستحقاق، و هو في محله.

نعم لو تشاح الأولياء قدم ولي الأول و إن قتلهما دفعة أو أشكل الأمر أقرع إذا لم يقتلاه معا على الوجه الذي ذكرناه و إلا فهو أولى.

و كيف كان فبناء على ما ذكرناه لو قتله أحدهما دون الآخر و لو لأنه أراد القود و لم يرده الآخر ففي استحقاق الثاني الدية من تركة المقتول قولان: أحدهما نعم، كما عن ابني الجنيد و زهرة، و في القواعد «هو الأقرب» و في المسالك «هو الوجه» بل هو المحكي عن فخر الدين و المقداد، و الثاني لا، كما عن المبسوط و الخلاف و النهاية و الوسيلة و السرائر و الجامع و كتابي المصنف، بل هو المشهور، بل ظاهر محكي المبسوط الإجماع عليه، بل في كشف اللثام حكايته عنه و عن الخلاف صريحا، للأصل بعد ظهور الأدلة في أن الواجب القصاص و قد فات محله.

و كان مبنى الأول كما هو ظاهر المسالك و غيرها أن الواجب أحد


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و 10 و 18.

ج 42، ص: 120

الأمرين: القصاص أو الدية، كما دلت عليه الرواية(1)و ذهب إليه جميع من الأصحاب، مؤيدا بأن فيه جمعا بين الحقين، و أنه لولاه لزم بطلان دم المسلم المنهي عنه ب

قوله (عليه السلام)(2): «لا يطل دم امرء مسلم».

فالتحقيق حينئذ هنا مبني على التحقيق في تلك المسألة، و ستسمع الكلام فيها إن شاء الله، إذ مراد المصنف و غيره هنا بيان أن ليس للأولياء مع طلبهم القود إلا القتل، و ليس لهم مع ذلك دية، بتقريب أن عليه نفسين أو أزيد، فنفسه عوض أحدهما و الدية من ماله عوض الأخرى يشتركان فيها بعد أن اشتركا في القتل، إذ هو كما ترى اعتبار لا يطابق قواعد الإمامية، و من هنا اتفق الأصحاب على ما عرفت هذا كله في القتل.

و أما القطع ف لو قطع يمين رجل و مثلها من آخر قطعت يمينه بالأول و يسراه بالثاني بلا خلاف أجده فيه، بل عن صريح الخلاف و الغنية الإجماع عليه، مؤيدا بما يظهر منهم من الإجماع أيضا على أن من قطع يمينا و لا يمين له قطعت يسراه.

كل ذلك مضافا إلى

خبر حبيب السجستاني(3)عن الباقر (عليه السلام) المنجبر بما سمعت قال: «سألته عن رجل قطع يدي رجلين اليمينين، فقال: تقطع يمينه أولا و تقطع يساره للذي قطع يمينه أخيرا، لأنه إنما قطع يد الرجل الأخير و يمينه قصاص للرجل الأول، قال حبيب:


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القصاص في النفس.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و الباب- 46- منها- الحديث 2 و الباب- 2- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1 و الباب- 9- من أبواب ديات النفس- الحديث 5 و في الجميع « لا يبطل دم امرء مسلم».
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.

ج 42، ص: 121

فقلت: إن عليا (عليه السلام) إنما كان يقطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى، قال: فقال: إنما يفعل ذلك في ما يجب من حقوق

الله تعالى فأما ما كان من حقوق المسلمين فإنه يؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كان للقاطع يدان و الرجل باليد إن لم يكن للقاطع يدان، فقلت له: أما توجب عليه الدية إذا قطع يد رجل و تترك رجله؟ فقال:

إنما نوجب عليه الدية إذا قطع يد رجل و ليس للقاطع يدان و لا رجلان، فثم نوجب عليه الدية، لأنه ليس له جارحة فيقاص منها»

و بذلك كله يخص أو يقيد ما دل على اعتبار المماثلة في اليمنى.

فلو قطع يد ثالث قيل و القائل ابن إدريس و تبعه ثاني الشهيدين:

سقط القصاص إلى الدية لفوات المحل. و قيل و القائل المشهور قطعت رجله اليمنى بالثالث، و كذا لو قطع رابعا يده قطعت رجله اليسرى، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع على ذلك، للخبر(1)المنجبر بما سمعت بناء على جهالة حبيب فيه، و إلا فقد وصفه غير واحد بالصحة، و حمله على اطلاعهم على حال حبيب أولى من حمله على إرادة الصحة إليه التي لا تفيد الخبر حجية، فوسوسة ثاني الشهيدين حينئذ في غير محلها، هذا كله مع وجود الجارحة.

أما لو قطع و لا يد له و لا رجل أو قطع يد خامس و لم يرض الأربعة إلا بالقصاص كان عليه الدية بلا خلاف و لا إشكال للخبر(2)المزبور أيضا و لفوات محل القصاص الذي لا تفوت الدية بفواته في الأعضاء كما سمعته نصا و فتوى.

نعم ينبغي أن يعلم أن ما ذكرناه من القصاص عن اليد بالرجل للخبر المنجبر(3)بما عرفت، فيقتصر عليه في مخالفة العمومات، كما


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.

ج 42، ص: 122

صرح به بعض الأفاضل ناسبا له إلى قطع الفاضل في التحرير و غيره به، قال: خلافا للحلبي فعمم الحكم، فقال: «و كذلك في أصابع اليدين و الرجلين و الأسنان» و لعله نظر إلى ما في الرواية من العلة.

قلت: لا عبرة بها بعد عدم العمل بها، نعم قد يقال: يستفاد منها بل و من إطلاق «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ»(1)مثلا القصاص عن اليمنى باليسرى حال استحقاق اليمنى أو عدمها، و هكذا في جميع الأعضاء التي هي كذلك دون الانتقال من عضو إلى آخر لا يندرج تحت المطلق إلا في مثل اليد و الرجل للخبر(2)المزبور، بل قد يقال بالقصاص عن اليسرى باليمنى أيضا مع فقد اليسرى أو استحقاق القصاص فيها، لصدق «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ. وَ السِّنَّ بِالسِّنِ»(3)و نحو ذلك حال فقد المماثل، فتأمل جيدا فاني لم أجد ذلك، و ربما يأتي له تتمة إن شاء الله.

و لو قتل العبد حرين دفعة اشترك فيه ولياهما بلا خلاف كما في كشف اللثام، بل في المسالك و غيرها اتفاقا و على التعاقب كان لأولياء الأخير عند الشيخ في النهاية، لانتقاله بالجناية الأولى إلى ولي الأول، فإذا جنى الثانية انتقل منه إلى الثاني و هكذا، ل

خبر علي بن عقبة(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن عبد قتل أربعة أحرار واحدا بعد واحد، قال: هو لأهل الأخير من القتلى إن شاؤوا قتلوه، و إن شاؤوا استرقوه، لأنه إذا قتل الأول استحق أولياؤه، فإذا قتل الثاني استحق منهم فصار لأولياء الثاني، فإذا قتل الثالث استحق من أولياء الثاني فصار لأولياء الثالث، فإذا قتل الرابع استحق من أولياء الثالث


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 45.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.

ج 42، ص: 123

فصار لأولياء الرابع إن شاؤوا قتلوه و إن شاؤوا استرقوه».

و لكن في طريقها ضعف، و لا جابر له كي يصلح معارضا لما في رواية أخرى صحيحة يشتركان فيه ما لم يحكم به للأول و هي

صحيحة زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) «في عبد جرح رجلين قال: هو بينهما إن كانت الجناية محيطة بثمنه (بقيمته خ ل)، قيل له: فان جرح رجلا في أول النهار و جرح آخر في آخر النهار، قال: هو بينهما ما لم يحكم به الوالي في المجروح الأول، فان جنى بعد ذلك جناية فإن جنايته على الأخير».

و لا ريب أن هذه أشبه بأصول المذهب و قواعده، ضرورة عدم انتقاله بمجرد الجناية، و إنما هي سبب في استحقاق الاسترقاق(2)كالثانية، بل يمكن حمل الخبر الأول عليه، و من هنا كان ذلك خيرة المشهور، بل الشيخ أيضا في الاستبصار.

و على كل حال ف يكفي في الاختصاص أن يختار الولي استرقاقه و لو لم يحكم له الحاكم بذلك، لإطلاق أدلة الاسترقاق بلا خلاف أجده عدا ما يحكى عن ظاهر الاستبصار من اعتباره لظاهر الصحيح(3)المزبور الذي يمكن حمله- كما عن المختلف- على ما يجب أن يحكم به، و هو الانتقال المستند إلى الاختيار، لقصوره عن معارضة ظاهر غيره من النصوص المعتضد بعمل الأصحاب و غيره.

و حينئذ مع اختيار ولي الأول استرقاقه لو قتل بعد ذلك كان للثاني و هكذا، ضرورة اندراجه حينئذ في مملوك جنى فيلحقه حكمه، و لما سمعته في الصحيح السابق(4)من غير فرق في


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 124

ذلك بين العمد و الخطأ و إن توقف الاسترقاق في الثاني على عدم فداء السيد له، كما هو واضح.

هذا و في كشف اللثام «بقي هنا شي ء: و هو أن الوليين أو المجروحين إذا تساويا في الاستحقاق المستوعب للرقبة لوقوع الجنايتين دفعة أو مطلقا على المختار فهل لأحدهما المبادرة إلى الاسترقاق؟ قضية الفرق بين وقوعهما دفعة أو على التعاقب حيث خصوا التفصيل باختيار الأول الاسترقاق و عدمه بالتعاقب أن لا تجوز المبادرة في صورة وقوعها دفعة، و يجوز عند التعاقب، و ظاهر تخصيص الاختيار بالأول و الاختصاص بالثاني أنه عند التعاقب لا يجوز للأخير المبادرة، و عندي إنا إذا حكمنا بالتساوي في الاستحقاق مع التعاقب و

بدونه لا فرق بين الصورتين في جواز المبادرة أو عدمه، و لا بين الأول و الأخير عند التعاقب و إن كان الأول أولى لسبقه، و حينئذ فالتفصيل المذكور جار في الصورتين، فنقول: إذا قتل حرين دفعة اشتركا فيه ما لم يسبق أحدهما بالاسترقاق، فان سبق اختص بالآخر، و نقول عند التعاقب: إذا اختار أي من المجنيين أو الوليين الاسترقاق اختص بالآخر، بقي الكلام في صحة المبادرة مع التساوي في الاستحقاق وجهان: من عدم المرجح و عدم استحقاق أحد منهما جميع الرقبة، كما أن أحدا من ديان المفلس لا يستحق جميع أمواله و إن استوعبها دينه، و من صحيح زرارة(1)المتقدم و فتوى الأصحاب و أن المبادرة هنا لا تضر بالآخر بل تنفعه، و يزيد في القتل عدم انحصار الحق في الاسترقاق».

قلت: قد يقال: إن ظاهر الصحيح المزبور الاشتراك في الدفعي، فليس لأحد استرقاقه أجمع بعد اختيارهما الاسترقاق، و لو فعل و اختار


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 125

الثاني ذلك أيضا كان شريكا له، لإطلاق

قوله (عليه السلام): «هو بينهما»

و كذا في التعاقب إذا لم تكن الجناية الثانية متأخرة عن استرقاق الأول بجنايته، فإنه حينئذ للثاني استرقاقه و اختصاصه، أما إذا تعاقبت الجنايتان قبل اختيار الأول الاسترقاق فهو بينهما و إن سبق أحدهما- سواء كان الأول أو الأخير- إلى الاسترقاق، لكن إذا أراده مع ذلك كان شريكا، لإطلاق البينية في الصحيح، و حينئذ فيتحد حكم الدفعة و التعاقب بالمعنى المزبور.

و لعل الأصحاب لم يذكروا الفرق بينهما من هذه الجهة، و إنما ذكروه في مقابلة ما سمعته من الشيخ في النهاية، و أنه لا يتصور فيها تعقب الجناية لاسترقاق الأول بخلاف صورة التعاقب التي قد عرفت وقوعها على وجهين، و أما قولهم: «فان اختار الأول» إلى آخره، فليس مقصودهم اختصاصه بالاختيار، بل لكل منهما ذلك، لكنه لا يجدي بعد فرض وقوع الجنايتين قبله لكون العبد حينئذ بينهما، نعم لو اختار الأول ثم جنى على الثاني اختص به، و من هنا قيد المصنف و غيره ذلك بما إذا قتل بعد اختيار الأول، فتأمل جيدا. و ربما تسمع لذلك تتمة في المسألة الرابعة إن شاء الله.

[المسألة الثانية قيمة العبد مقسومة على أعضائه]

المسألة الثانية لا خلاف أجده بيننا في أن قيمة العبد مقسومة على أعضائه، كما أن دية الحر مقسومة على أعضائه ففي

خبر السكوني(1)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «جراحات العبيد على نحو جراحات


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ديات الشجاج و الجراح- الحديث 2 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 126

الأحرار في الثمن»

أي فكل ما فيه منه واحد ففيه كمال قيمته كاللسان و الذكر و الأنف، و ما فيه اثنان ففيهما قيمته، و في كل واحد نصف قيمته، و كذا ما فيه عشر كالأصابع ففي كل واحد عشر قيمته إلى غير ذلك مما هو معلوم في الحر الذي يجري مثله في العبد، إلا أنك قد سمعت النص و الفتوى على أن قيمة العبد ديته ما لم تتجاوز دية الحر.

و بذلك يظهر وجه دلالة

مقطوع يونس(1)على المطلوب، قال: «و إذا جرح العبد فقيمة جراحته من حساب قيمته»

أي كما أنه إذا جرح الحر فقيمة جراحته من حساب ديته، فإن قيمة العبد بمنزلة الدية في الحر.

و بالجملة الحر أصل للعبد في ما له دية مقدرة بلا خلاف و لا إشكال و أما ما لا تقدير له فالعبد أصل للحر فيه، و ذلك لأنه إذا جرح الحر و لا تقدير له ففيه الحكومة بلا خلاف و لا إشكال، و هي لا تتحقق إلا بفرض الحر عبدا خاليا من النقص الطاري بسبب الجناية، و يقوم حينئذ بأن يقال لو كان هذا عبدا فقيمته كذا ثم تفرضه متصفا بالنقص الحاصل منها و تقومه كذلك و يثبت التفاوت بين

القيمتين بنسبة إحداهما إلى الأخرى، و يأخذ التفاوت بينهما فيؤخذ من الدية بقدره من القيمة العليا، و بهذا المعنى كان العبد أصلا للحر في ما لا مقدار له.

و كيف كان فإذا جنى الحر على العبد بما فيه ديته كالأنف و اللسان فمولاه بالخيار بين إمساكه و لا شي ء له، و بين دفعه و أخذ قيمته، و كذا لو قطع يديه أو يده و رجله دفعة ألزمه القيمة أو أمسكه و لا شي ء له بلا خلاف أجده في ذلك، بل الإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ديات الشجاج و الجراح- الحديث 4.

ج 42، ص: 127

بقسميه عليه، و هو الحجة بعد

خبر أبي مريم(1)المنجبر بما عرفت عن أبي جعفر (عليه السلام) «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في أنف العبد أو ذكره أو شي ء يحيط بقيمته أنه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد و يأخذ العبد»

مؤيدا بقاعدة عدم الجمع بين العوض و المعوض.

نعم استثنى الأصحاب من ذلك الجاني الغاصب الذي يؤخذ بأشق الأحوال- و منه الجمع بين العوض و المعوض- وقوفا في ما خالف الأصل على المتيقن، خلافا للشافعي، و قد مر الكلام فيه في محله(2)و أما غير الغاصب فقد عرفت الحال فيه و استبعاده كالاجتهاد في مقابلة النص، هذا كله في قطع ما فيه الدية.

أما لو قطع يده خاصة فللسيد إلزامه بنصف القيمة و ليس له دفعه إلى الجاني و المطالبة بقيمته سليما خلافا للمحكي عن أبي حنيفة، و لا للجاني ذلك لو أراده إلا أن يتفقا فيكون بيعا أو نحوه.

و كذا الكلام في كل جناية لا تستوعب قيمته ضرورة كون ذلك مقتضى القواعد التي لا فرق فيها بين الجنايات، كما هو واضح.

و لو قطع يده قاطع و رجله آخر قال بعض الأصحاب و هو الشيخ في المبسوط يدفعه إليهما و يلزمهما الدية أي القيمة أو يمسكه بلا شي ء كما أو كانت الجنايتان من واحد و فيه أن الحكم مخالف للأصل، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن نصا و فتوى، و هو غير الفرض.

و من هنا كان الأولى القول ب أن له إلزام كل واحد منهما بدية جنايته و لا يجب دفعه إليهما (11) وفاقا لغيره من الأصحاب.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ديات الشجاج و الجراح- الحديث 3.
2- 2 راجع ج 37 ص 116- 119.

ج 42، ص: 128

و كذا الكلام لو تعدد الجانون و إن اجتمع عند المولى أضعاف قيمته، بل لعل ذلك ليس من الجمع بين العوض و المعوض، لانفراد كل جناية بحكمها، بل و كذا لو اشترك المتعدد في قطع ما فيه الدية و إن أمكن اندراجه في الخبر(1)إلا أنه لا جابر له في غير الجاني المتحد، بل قد يقال بذلك أيضا إذا كانت الجناية متعددة من واحد، للأصل المزبور، و الله العالم.

[المسألة الثالثة كل موضع نقول يفكه المولى فإنما يفكه بأرش الجناية]

المسألة الثالثة:

كل موضع نقول يفكه المولى فإنما يفكه بأرش الجناية زادت عن قيمة المملوك الجاني أو نقصت، و للشيخ قول آخر أنه يفديه بأقل الأمرين، و الأول مروي(2)و لكن الثاني أصح، كما تقدم الكلام فيه مرارا، و خصوصا في الكتابة(3)فلاحظ و تأمل.

[المسألة الرابعة لو قتل عبد واحد عبدين كل واحد لمالك مستقل فان اختار القود يقدم الأول]

المسألة الرابعة:

لو قتل عبد واحد عبدين كل واحد منهما لمالك دفعة اشتركا فيه قصاصا و استرقاقا، لكن لو بادر أحدهما فقتله أساء في وجه، و الأقوى خلافه، و على التقديرين لا يضمن شيئا، للأصل و لأن الشركة في القصاص على هذا الوجه، ضرورة عدم قابليته للتبعيض، فيراد منها


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ديات الشجاج و الجراح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ديات النفس- الحديث 5 من كتاب الديات.
3- 3 راجع ج 34 ص 349- 353.

ج 42، ص: 129

أن لكل منهما القصاص، و لا يختص بواحد، بخلاف الشركة في الاسترقاق الذي مرجعه إلى مال قابل للتبعيض.

و حينئذ فإذا قتله أحدهما لم يضمن حق الآخر بفوات محله، و احتمال غرم نصف القيمة لاشتراكهما في تعلق الحق بالرقبة واضح الفساد، ضرورة عدم تملكه النصف بمجرد الجناية، و تعلق الحق بالرقبة إنما هو على أن يكون القصاص لكل منهما كما عرفت، لعموم دليله.

نعم لما لم يتعقل استرقاقا لكل منهما له و تعقل الاشتراك فيه على التبعيض كان بينهما على قدر استحقاقهما لو استرقاه، بل لو استرق أحدهما منه مقابل عبده لم يسقط استحقاق القود للآخر، فله قتله من غير رد مقابل الجناية.

و ليس منه ما لو قتل عبدا لاثنين أو لجماعة فطلب بعضهم القيمة الذي ذكر المصنف و غيره فيه أنه كان له منه بقدر قيمة حصته من المقتول، و كان للباقين القود بعد رد حصة نصيب من طلب الدية عليه، ضرورة كون المقتول واحدا، فليس على القاتل إلا نفسه، فمع فرض رضا بعض الشركاء بالقيمة ينقص ما عليه، فلا وجه للقود منه بدون رد، فما توهمه بعض الناس أنه من المسألة في غير محله، كما هو واضح.

و لو كان قد قتلهما على التعاقب فان اختار القود قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط يقدم الأول، لأن حقه أسبق، و يسقط حق الثاني بعد قتله لفوات محل الاستحقاق.

و لفظه «فأما إن قتل عبد واحد عبدين لرجلين لكل واحد منهما عبد ينفرد به فان عفوا على مال تعلق برقبته قيمة كل واحد منهما، و يكون سيده بالخيار على ما فصلناه إذا قتل عبدا واحدا، فان اختارا القود قدمنا الأول، لأن حقه أسبق، فإذا قتله سقط حق الثاني، لأن

ج 42، ص: 130

حقه متعلق برقبته، فإذا هلك سقط حقه، كما لو مات، و إن اختار الأول العفو على مال تعلقت قيمة عبده برقبته، و كان سيد الثاني بالخيار، فان عفا على مال تعلقت قيمته أيضا، فصارت القيمتان في رقبته، و يكون لسيده الخيار على ما فصلناه في الواحد، و إن اختار الثاني القصاص فعل، فإذا قتله سقط حق الأول عن رقبته، لأنه تعلق بها لا غير، فإذا هلك تلف حقه، كما لو مات» انتهى.

و قيل: يشتركان فيه قصاصا و استرقاقا ما لم يختر مولى الأول استرقاقه قبل الجناية الثانية أو يعفو عنه مجانا أو على مال ضمنه مولاه كذلك ف انه يكون للثاني خاصة إن شاء قتله و إن شاء استرقه و إن شاء عفا عنه مجانا أو على مال يضمنه مولاه برضاه، ضرورة كونه حينئذ عبدا جنى على عبده و لا شركة لأحد معه فيه.

و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، إذ بدون ذلك يستوي الجنايتان في إثبات الاستحقاق برقبته و إن تعاقبتا، لإطلاق الأدلة و خصوص ما سمعته في جناية العبد على الحرين.

هذا و لكن في كشف اللثام «عندي أنه لا مخالفة للمبسوط لغيره، لأن عبارته التي سمعتها نص في اشتراكهما فيه قصاصا و استرقاقا، لكنها تتضمن أمرين: الأول أنهما إذا اختارا القصاص فأيهما قتله سقط حق التأخر، و كذا إذا اختار أحدهما القصاص سقط حق الآخر، كما مر في أولياء الأحرار، و المصنف و غيره موافق له في هذا السقوط، و الثاني أنهما إذا اختارا القود قدمنا الأول، لأن حقه أسبق، فهو أولى باستيفاء حقه، و هو كما مر النقل عنه في أولياء الحر المقتول، و هنا أيضا إن بادر الثاني فاستوفى القصاص أساء، و ليس عليه شي ء، و سقط حق الأول كما مر، و لم يذكره اكتفاء بما ذكره هناك، و الأمر كذلك في كل موضع

ج 42، ص: 131

اشترك فيه القصاص إذا لم يجتمعا على القتل دفعة».

قلت: يكفي في الخلاف أنه لا أولوية للأول باستيفاء حقه من القصاص و إن كان هو السابق، و إلا لكان أولى أيضا باستيفاء حقه بالاسترقاق و يمكن أن يكون من حكى الخلاف فهم من تعليل الشيخ الخلاف أيضا في الاسترقاق، فيقدم الأول لسبق حقه ثم الثاني، و الأمر سهل بعد أن عرفت أن الأصح الاشتراك.

و حينئذ فإن اختار الأول المال عن قيمة عبده و ضمن المولى على وجه تخلص رقبة العبد و يكون المال في ذمة المولى بصلح و نحوه تعلق حق الثاني برقبته بلا مشارك و كان له القصاص و الاسترقاق و العفو مجانا، و على مال في ذمة السيد برضا السيد فان قتله بقي المال في ذمة مولى الجاني للأول، إذ لا مدخلية له في بقاء العبد، و له استرقاقه بتمامه إذا كان مساويا لعبده بالقيمة و إن لم يكن له سابقا إلا النصف لمكان مزاحمة الأول، فلما ارتفعت بقيت الجناية على استحقاقها، و كذا الكلام لو كان الأمر بالعكس بأن اختار الثاني المال على الوجه المزبور، فإنه يبقى حق الأول على الوجه الذي سمعته.

و لو لم يضمن المولى و رضي الأول باسترقاقه تعلق به حقه و حق الثاني جميعا، ضرورة عدم سقوط حق الثاني باسترقاق الأول، بل هو باق على تخييره فان قتله الثاني سقط حق الأول لفوات محله و لا تركة له كالحر ليأتي فيه ما سمعته سابقا من احتمال أخذ الدية من تركته، و كذا إن رضي الثاني بتملكه فقتله الأول سقط حقه.

و ظاهر المصنف و الفاضل و غيرهما ممن تعرض لذلك أنه لا يغرم من اختار القصاص منهما للآخر قيمة ما استرقه، و لكن في كشف اللثام «و فيه

ج 42، ص: 132

نظر، لأنهما لما اشتركا في رقبته كان الظاهر أنه لا يجوز لأحد منهما قتله إلا إذا دفع إلى الآخر نصف قيمته، فإنه مال مشترك بينهما، و ليس كالحر، و قد سبقه إلى ذلك الشهيد في المحكي من حواشيه إلا أنه قال:

إن احتمال الضمان لم أقف عليه في مصنفات الأصحاب، و لا سمعته من العلماء الأنجاب و إن كان غير بعيد من الصواب».

قلت: قد سلف منا ما يعلم منه فساد الاحتمال المزبور، و ذلك لإطلاق ما دل على التخيير لولي المقتول في القصاص و غيره، و استرقاق أحدهما له لا يرفع ذلك، لأن الحق متعلق بعينه، و أدلة القصاص عامة.

ثم لا يخفى عليك أن ما وقع من المصنف و غيره من ضمان المولى يراد به ما أشرنا إليه من شغل ذمة المولى بمال عن حق المجني على المتعلق برقبة العبد بصلح و نحوه، و إلا فلا وجه للضمان المصطلح، إذ ليس هو في ذمة العبد، كما لا وجه لالتزام المولى بمجرد تعهده بذلك، ضرورة كونه كالوعد الذي لا يجب الوفاء به، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه، كما أن المراد من عفو المجني عليه على مال إسقاط حقه من القصاص، فيبقى له الفرد الآخر و هو الاسترقاق، فمع فرض صلح المولى عنه بمال يسقط ذلك الحق، و يتشخص له المال في ذمة المولى، فما أطنب فيه في المسالك لا يخفى عليك ما فيه.

و على كل حال ف ان لم يختر القصاص و استرق اشترك الموليان كما سمعته من المبسوط و صرح به الفاضل و غيره، و لم يختص بالثاني و إن كان اختيار استرقاق الأول أقدم، إذ ليس له إلا استرقاق مقدار ما يخصه من الشركة.

و لكن عن التحرير الوجه عندي أنه للثاني بعد استرقاق الأول له، و هو مبني على تعلق استرقاقه بتمامه، فإذا اختار الاسترقاق أيضا انتقل

ج 42، ص: 133

منه إليه، و مال إليه في المسالك.

و فيه أن فحوى ما سمعته في الخبر(1)يقتضي كونه مشتركا بينهما ما لم تكن الجناية الثانية بعد استرقاق الأول، و بذلك يتضح لك ما ذكرناه سابقا في كلام كشف اللثام، فلاحظ و تأمل. بل من ذلك يظهر لك ما في المسالك، من التشويش، و الله العالم و الهادي.

بقي شي ء: و هو أن الاشتراك المزبور بين الموليين على التنصيف مع فرض استيعاب قيمة كل من عبديهما لقيمة المجني عليه(2)و إن تفاوتاهما بالقيمة مع احتمال كون الاشتراك فيه على حسب قيمة عبديهما، لكنه بعيد، نعم لو تفاوت عبداهما على وجه يساوي أحدهما نصفه و الآخر جميعه أمكن القول باشتراكهما فيه على التفاوت، فيكون ثلثه لذي النصف و ثلثاه لذي الكل، لقاعدة لا ضرر و لا ضرار، أما لو كان قيمة أحدهما تساوي ثلثه و الآخر ثلثيه فلا إشكال في اشتراكه بينهما على التفاوت فتأمل جيدا، فاني لم أجد ذلك محررا في كلامهم، و في بعض العبارات إطلاق استحقاق النصف، و يمكن حملها على ما إذا كان مقتضى الشركة ذلك لتساوي العبدين مثلا، و الله العالم.

و لو قتل عبدا لاثنين مثلا اشتركا في القود و الاسترقاق ف ان طلب أحدهما القيمة و لم يدفعها المولى له ملك منه بقدر قيمة حصته من المقتول، و لم يسقط حق الثاني من القود مع رد قيمة حصة شريكه ضرورة عدم استحقاقه تمام نفسه بعد عفو الشريك.

و عن العامة قول بسقوط حقه، لأن القود لا يتبعض، و هو واضح الضعف عندنا بعد مشروعية الرد عندنا في نظائره.


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 هكذا في النسختين الأصليتين: المسودة و المبيضة، و الصحيح« لقيمة الجاني».

ج 42، ص: 134

و لو فكه مولاه بقائل أو كثير وجب على القاتل رد نصيب من عفا من قيمته على مولاه لا ما دفعه مولاه، و الله العالم.

[المسألة الخامسة لو قتل عشرة أعبد عبدا فعلى كل واحد عشر قيمته]

المسألة الخامسة:

لو قتل عشرة أعبد كل واحد لمولى عبدا فعلى كل واحد عشر قيمته أي العبد المقتول في رقبته، و للسيد الخيار بين قتل الجميع أو البعض و الاسترقاق فان قتل مولاه العشرة أدى إلى مولى كل واحد ما فضل عن جنايته إن كان و إلا ف لو لم تزد قيمة كل واحد عن جنايته التي هي عشر قيمة العبد المقتول فلا رد و لكن لو زادت قيمة المقتول عن دية الحر فالوجه ردها إليها و يجعل أصلا، و يكون على كل عبد عشرها، و كذا يرد قيمة كل واحد من العشرة إليها إن زادت، لإطلاق ما دل من النص(1)و الفتوى على ذلك.

و إن طلب الدية ف في المتن و التحرير مولى كل واحد بالخيار بين فكه بأرش جنايته و بين تسليمه ليسترق و قد عرفت سابقا أن الخيار بيد مولى المجني عليه بين استرقاق ما قابل الجناية من كل منهم و بين الرضا من المولى بالأرش.

و يمكن حمل العبارة على ما إذا جعل ولي المقتول إليه الخيار، و حينئذ يتجه استحقاق مولى المجني عليه أرش الجناية بالغا ما بلغ لا أقل الأمرين، ضرورة كون الأمر إليه كما أشرنا إليه سابقا، نعم لو كان الخيار بيد المولى كما في الخطأ لم يجب عليه إلا أقل الأمرين من أرش الجناية و من


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ديات النفس- من كتاب الديات.

ج 42، ص: 135

قيمة العبد، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، كما أنه لا يستحق ولي المجني عليه أزيد من أرش جنايته.

و على كل حال ف ان اختار مولى المجني على الاسترقاق و استوعبت جناية العبد قيمته استرقه أجمع و لا شي ء لسيده، كما لا شي ء عليه لو زادت و إلا كان

لمولى المقتول من كل واحد بقدر أرش جنايته و يبقى الباقي للسيد أو يرد على مولاه مع التراضي ما يفضل عن حقه، و يكون العبد بأجمعه له أو بالعكس مع التراضي فيبقى العبد بأجمعه لمولاه، إذ عرفت غير مرة أن الجناية تتعلق برقبة العبد، فليس لمولى المجني عليه إلزام مولى الجاني بالقيمة قهرا، كما أنه ليس لولي الجاني إلزام مولى المجني عليه بالرضا بالقيمة قهرا، كما هو واضح.

و لو قتل المولى بعضا جاز بلا خلاف و لا إشكال، لأن له القصاص من كل واحد و لكن يرد كل واحد من موالي الباقين على مولى المقتول قودا عشر الجناية إن كان البعض الذي قتله واحدا، و إلا رد من يبقى منهم مقدار ما عليه، و يغرم مولى المجني عليه الباقي فان لم ينهض ذلك بقيمة من يقتل (11) لعلو قيمته أو لتعدده أتم مولى المقتول ما يعوز (12) لأنه هو القاتل أو اقتصر على قتل من ينهض الرد بقيمته (13) كي لا يغرم شيئا كذا ذكره المصنف و غيره ممن تعرض لهذا الفرع.

لكن قد أشرنا سابقا أن المتجه غرامة مولى المجني عليه تسعة أعشار قيمة المقتول قودا لو كان واحدا مثلا و إن استحق هو من الجانين الباقين استرقاقا ما قابل جناية كل واحد منهم، و ليس لولي المقتول قودا استرقاقهم، لعدم كونهم جانين على عبده، كما ليس عليه قبول ذلك لو دفعه المقتص

ج 42، ص: 136

إليه لاستحقاقه القيمة، اللهم إلا أن يكون ذلك مقتضى الشركة في الجناية كما أشرنا إليه سابقا، و ذلك كله واضح بعد الإحاطة بما أسلفناه و إن أطنب فيه الفاضل في القواعد و شرحها للاصبهاني. و منه قوله فيها:

«لا يجبر فاضل أحدهم بنقصان الآخر إلا أن يكونا لمالك واحد» و فيه أن المتجه عدم الجبر مطلقا، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، فكل منهم يلاحظ لنفسه، و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه صح]

المسألة السادسة:

إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه صح لبقائه على ملكه، و عموم أدلة الترغيب فيه، و بناء على التغليب، و كون الأصل في قضية العمد القصاص دون الاسترقاق. و من المعلوم أنه لم يسقط القود بذلك، و لأن العتق أقوى من الجناية، لنفوذه في ملك الغير، و هو الشريك بخلافها.

و لكن مع ذلك لو قيل: لا يصح لأن لا يبطل حق الولي من الاسترقاق كان حسنا بل في النافع هو الأشبه، و في المسالك الأقوى، و اختاره الحلي و الآبي و أبو العباس و الفخر و المقداد على ما حكي عن بعضهم، بل عن الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجة للقائل بعد ما عرفت من اقتضاء العتق بطلان الحق المتعلق بعينه، و هو الاسترقاق الذي هو لازم جنايته، و بطلان اللازم يقتضي بطلان الملزوم.

نعم لو قيل ببقاء حق الاسترقاق له كما في التحرير و عن كفارات المبسوط ارتفع المحذور المزبور. قال في الأول: «فإن اقتص منه أو استرقه بطل عتقه، و إن عفا على مال أو افتكه مولاه عتق، و كذا لو عفا عنه».

ج 42، ص: 137

لكن يلزم منه محذور آخر كما في الرياض، و هو كون العتق موقوفا مع أن من شرطه التنجيز و عدم التعليق، اللهم إلا أن يمنع من ضرر مثل هذا التغليق، و يختص الممنوع منه بما يذكر في صيغة العتق لا ما كان موجبا لتوقفه من خارج، كما نحن فيه فتدبر، و هو كما ترى، ضرورة عدم كون ذلك من التعليق قطعا، بل هو من الكشف أو عدم اللزوم، و هما معا ليسا من التعليق، و لعل قوله فيه: «بطل» يقتضي الثاني، فيجزئ حينئذ لو كان عن كفارة، لصدق الامتثال و إن عادت إلى الرق بعد ذلك.

نعم قد يقال: إن الأولى من ذلك القول بالعتق المنجز اللازم ترجيحا لأدلة العتق المبني على التغليب، و المعلوم كون الأصل فيه اللزوم، بل ربما كان من المعلوم عند الشرع عدم عوده إلى الرق بعد حصوله، و تنزيلا لأدلة التخيير في العبد الجاني على ما إذا كان عبدا مؤيدا ذلك بما ذكروه في المبيع بالخيار المشترك من نفوذ العتق لو وقع من المشتري، بل قيل إنه لم يعرف القول بالبطلان فيه إلا لبعض الشافعية كالقول بتوقفه على إذن ذي الخيار.

و ربما كان هذا أولى مما في كشف اللثام، فإنه بعد أن ذكر أن الصحة بمعنى المراعاة قال: «و عندي الأظهر الصحة منجزة إذا كان المقتول حرا، و لا يبقى للولي إلا القود، و لا يبطل به العتق، و المراعاة إذا كان المقتول عبدا، فإنه ما لم يبطل العتق لم يقتص منه له، كما لا يسترق».

و فيه أن مقتضى ما ذكرناه عدم الفرق، و لا استبعاد في سقوطهما معا، كالذمي إذا قتل ذميا و أسلم. نعم يمكن القول فيه و في السابق بضمان السيد القيمة باعتبار إتلافه جهة المالية، و لقاعدة الضرر كما لو قتله، الذي صرح في القواعد بضمانه القيمة فيه و في قتل الأجنبي، بل صرح فيها

ج 42، ص: 138

بالضمان مع التفريط في حفظه حتى هرب، و أولى منه ما لو هربه هو، و ربما يشهد له ما تسمعه في صورة الخطأ، و هو لا يخلو من قوة و إن لم أجد به مصرحا. ثم إن قوله: «فإنه ما لم يبطل العتق» مناف لما صرح به الفاضل في القواعد بل و له في شرحها أيضا من أنه لو قتل العبد عبدا عمدا، فأعتق القاتل لم يسقط القصاص اعتبارا بحال الجناية، فلاحظ و تأمل.

هذا و في المتن و كذا البحث في بيعه وهبته و في القواعد «لو باعه أو وهبه وقف على إجازة الولي» و في شرحها للاصبهاني «لتعلق حقه بالرقبة، فلا ينتقل إلى الغير بدون إذنه، و لا يكفي علم المشتري و المتهب بالحال، كما لا يكفي في الرهن، و هنا قولان آخران: أحدهما الصحة منجزة و الآخر البطلان، و موضع التفصيل المتاجر».

قلت: قد ذكرنا هناك(1)أن الأقوى الصحة، لعموم الأدلة، و عدم ثبوت مانعية الحق المزبور لها، إلا أن المتجه بقاء حق الاسترقاق له، فان الانتقال إلى مالك آخر لا ينافيه بعد تعلقه بالعين، كتعلق حق الدين بالتركة الذي لا يمنع من نفوذ بيع الوارث و إن تسلط الديان على الفسخ مع عدم الوفاء، و حينئذ فينتقل العبد الجاني إلى المشتري مستحقا استرقاقه، فمع علمه لا خيار، و إلا كان له الخيار كما أوضحناه في محله.

و فرق واضح بين البيع و الهبة و بين العتق بناء على أن الحر لا يعود رقا بخلافهما، فانه يثبت فيهما تزلزل الملك.

بل قد يقال: بلزوم البيع للأصل مع ضمانه القيمة، نحو ما قلناه في المبيع بالخيار و إن كان بعيدا، لقوة تعلق حق الجناية و كونه في اليمين لا في العقد كالخيار.


1- 1 راجع ج 25 ص 134- 135.

ج 42، ص: 139

نعم قد يقال هنا: إن للمجني عليه الاسترقاق، و لا يبطل البيع، لأنه استرقه و هو في ملك المشتري، بل لا رجوع له بالثمن مع علمه بالحال، أما مع عدم علمه فقد يقال: له تفاوت ما بين قيمته مستحقا عليه الاسترقاق و سليما عن ذلك، كما أن له الفسخ لو علم بذلك قبل أن يسترقه المجني عليه، لأنه بحكم المعيب فتأمل جيدا، فانى لم أجد ذلك محررا، بل ربما تقدم في المتاجر منافاة له في الجملة، و لكن لا يخفى عليك قوته، هذا كله في القتل عمدا.

و أما لو كان القتل خطأ ف قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية يصح العتق و يضمن المولى الدية على رواية عمرو بن شمر عن جابر(1)عن أبي جعفر (عليه السلام)

قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في عبد قتل حرا خطأ فلما قتله أعتقه مولاه، قال: فأجاز عتقه و ضمنه الدية»

و لكن في عمرو ضعف و مع ذلك مرسلة و لا جابر لها.

و من هنا قيل و القائل ابن إدريس لا يصح إلا أن يتقدم ضمان الدية أو دفعها.

و لكن فيه أن تقدم الضمان بدون رضا المجني عليه غير مجد، بل و مع رضاه إلا أن يكون المراد به التزام السيد له في الذمة يصلح و نحوه، بل فيه أن ضعف الخبر المزبور غير مضر بعد أن كان مضمونه موافقا للضوابط التي أشرنا إليها في صورة العمد التي لا ريب في أولوية الخطأ منها بذلك، و حينئذ يتجه نفوذ العتق و ضمان السيد الدية باعتبار إتلافه الحق المالي.

و لا مدخلية لإعساره و ملاءته في الضمان بذلك و إن اعتبرها الفاضل


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 140

في القواعد في الصحة، قال: «و إلا فالأقرب المنع» و كأنه راعى في ذلك الجمع بين أدلة العتق و عدم ضياع الحق، و هو حاصل لو كان مليا بخلاف ما إذا كان معسرا، و فيه أنه يمكن كونه مماطلا مع ملاءته فلم يحصل الاحتياط لصاحب الحق، و احتمل في كشف اللثام الصحة مع الاستسعاء، و الكل تهجس،

و التحقيق ما عرفت من نفوذ العتق، أما البيع و الهبة فالظاهر مراعاة لزومهما بالأداء، نحو تركة الميت التي تعلق بها الدين، و الله العالم.

[مسائل في السراية]
اشاره

مسائل (فروع خ ل) في السراية:

[المسألة الأولى إذا جنى الحر على المملوك فسرت إلى نفسه فللمولى كمال قيمته]

الأولى:

إذا جنى الحر على المملوك جناية فلا قصاص عليه، لعدم المكافاة، و لكن لمولاه قيمة الجناية ف ان كانت يدا كان له نصف القيمة و لو سرت إلى نفسه فللمولى كمال قيمته ما لم تتجاوز دية الحر بلا خلاف و لا إشكال.

و لو تحرر و سرت إلى نفسه لم يجب القصاص الذي يعتبر فيه وقت الجناية، إلا أنه كان على الجاني دية حر لأنه مات حرا و للمولى منها أقل الأمرين من قيمة الجناية أو الدية عند السراية و ذلك لأن القيمة إن كانت أقل فهي المستحقة له، و الزيادة حصلت بعد الحرية فلا يملكها المولى، و إن نقصت مع السراية لم يلزم الجاني تلك النقيصة، لأن دية الطرف تدخل في دية النفس إذ الفرض أنه مات بتلك الجناية التي كانت تقتضي على تقدير الرقية تمام القيمة، لكونها جناية مضمونة لكنها سرت و هو حر، فلا تكون سرايتها له،

ج 42، ص: 141

و إنما له قيمة جنايته، نعم لو فرض أن قيمتها تمام الدية كما لو كانت أنفا أو يدين مثلا و فرض أن قيمته ألف دينار أخذها المولى و لم يكن للوارث شي ء، فالمراد بالدية حينئذ في كلام المصنف و غيره دية ذلك العضو، كما صرح به الأردبيلي، لا دية النفس، إلا أن يكون في الجناية ذلك كما فرضناه في الأنف و اليدين.

لكن في كشف اللثام ما يظهر منه منافاة للمعنى المزبور، قال في تفسير عبارة القواعد التي هي كعبارة المتن بعد أن جعل قوله فيها:

«عند السراية» ظرفا للأقلية: «و ذلك لأن الدية إن كانت أقل فليس له غيرها، لما عرفت من أن القيمة إنما تعتبر إذا لم تتجاوزها، فان تجاوزتها ردت إليها، و ليس منها لوارث المجني عليه شي ء، فان المولى استحقها حين الجناية، و إن كانت قيمة الجناية أقل فليس له غيرها، فإن السراية إنما حصلت بعد الحرية، و ليس للمولى مما يلزم بعدها شي ء، بل ما زاد منها على قيمة الجناية لوارث المجني عليه، و المراد بالدية دية النفس، إذ حين الجناية و إن لم تجب إلا دية العضو لكن سقط حكمها بالسراية، فإن من قطع إصبعا من رجل لم يكن عليه إلا دية الإصبع، فإن سرت فمات وجبت دية النفس، و من قطع يدي رجل و رجليه كانت عليه ديتان، فان سرت لم تكن عليه إلا دية واحدة، و قال المصنف:

لأن القيمة- يعني قيمة الجناية- إن زادت عند السراية، و ذلك لزيادة الدية عليها، فإنها عند السراية تدخل في دية النفس فبسبب الحرية و لا شي ء له فيها أي في زمان الحرية أي ما يلزم عندها أو لأجلها أو في الزيادة التي لها أو للزيادة لها، فمعنى هذه العبارة ما ذكرناه من قولنا و إن كانت قيمة الجناية أقل- إلى آخره- و إن نقصت قيمة الجناية عند السراية عما كانت عليه- و لا يتصور إلا إذا جنى عليه غيره بعد التحرير و سرت الجنايتان

ج 42، ص: 142

أو الجنايات- لم يلزم الجاني تلك النقيصة، بل نقصت على المولى لدخول دية الطرف في دية النفس عند السراية كما عرفت، فإذا كانت قيمة الجناية بقدر الدية ثم نقصت عنها حين السراية لم يكن للمولى إلا الناقص فأولى إذا كانت ناقصة عنها ابتداء ثم مثل لنقصانها حين السراية عما كانت عليه حين الجناية بقوله: فلو قطع يده» إلى آخر ما ذكره الفاضل نحو ما ذكره المصنف.

و يمكن أن يريد بقوله: «و المراد بالدية» إلى آخره، و لو بقرينة تعليله أنه بعد السراية ليس إلا دية النفس، لأن دية العضو تدخل فيها، و حينئذ يرجع كلامه إلى ما ذكرناه.

و أما احتمال كون العضو المقطوع و لو يدا فيه دية النفس- لو فرض أن العبد يساوي أربعة آلاف دينار مثلا و نصف قيمته ألفان فللعضو منها ألف دينار، لأنها لا تتجاوز دية الحر- فيدفعه أن الحر أصل للعبد في كل ما له مقدر، بمعنى أنه يرجع إليه عند التجاوز، فكما لا تتجاوز قيمته أجمع دية الحر كذلك أيضا لا تتجاوز قيمة أطرافه دية الحر فيها، فلا يستحق ليده حينئذ مثلا إلا خمسمائة دينار بالغا ما بلغت قيمته، لأنها لا تتجاوز دية الحر، و ليس لليد إلا نصفها. و بذلك يظهر لك النظر في بعض الكلمات.

هذا وفي المسالك بعد أن ذكر وجوب دية الحر على الجاني في مفروض المسألة قال: «و تكون بين المولى و الوارث، و أما الذي يثبت للمولى منها ففيه وجهان، أصحهما- و هو الذي قطع به المصنف و لم يذكر غيره و قبله الشيخ في المبسوط- أن الواجب له أقل الأمرين من كل الدية و من أرش الجناية، و هو في مثالنا نصف القيمة، لأن الأقل إن كان هو نصف القيمة بأن كانت قيمته عبدا مائة دينار فليس له

ج 42، ص: 143

الزيادة عليها، لأن الزيادة حدثت بالسراية حال الحرية، و لا حق له في ما زاد حالتها، و إن كان نصف القيمة أكثر من الدية كما لو كانت قيمته تزيد على ألف دينار فله كمال الدية لا غير، لأن الواجب بالجناية نقص بالسراية حال الحرية فكان من حق السيد و الباقي له بعد النقصان، لأن قيمة العبد لا تتجاوز دية الحر، و الثاني أن الواجب أقل الأمرين من كل الدية و كل القيمة، لأن الجناية حصلت بجناية مضمونة للسيد، و قد اعتبرنا السراية حيث أوجبنا دية النفس، فلا بد من النظر إليها في حق السيد، فيقدر موته رقيقا و موته حرا، و نوجب للسيد أقل العوضين فان كانت الدية أقل فليس على الجاني غيرها، و إعتاق السيد سبب النقصان و إن كانت القيمة أقل فالزيادة وجبت بسبب الحرية، و هي من فعل السيد، فليس للسيد إلا قدر القيمة الذي كان يأخذه لو مات رقيقا، و يعبر عن هذا الوجه بأن للسيد الأقل مما يلزم الجاني أخيرا بالجناية على الملك أولا، و من مثل نسبته من القيمة».

قلت: كان وجه التعبير المزبور النظر إلى اتحاد الجاني و تعدده، فالأول للأول و الثاني للثاني الذي يلحظ فيه نسبة جنايته إلى جناية غيره بالنسبة إلى قلة الجانين و كثرتهم، فإنك قد عرفت سابقا أن الاعتبار بالجانين لا بالجنايات، فيلحظ حينئذ نسبة الأول إليهم، و يأخذ من الدية أقل الأمرين منها و من قيمة العبد.

و إليه أشار المصنف بقوله متصلا بما سمعت مثل أن يقطع واحد يده و هو رق، فعليه نصف قيمته، فلو كانت قيمته ألفا كان على الجاني خمسمائة، فلو تحرر و قطع آخر يده و ثالث رجله أي بعد أن قطع الأول إحدى يديه و هو رق ثم سرى الجميع سقطت دية الطرف و ثبتت دية النفس و هي ألف لما عرفت من دخولها فيها

ج 42، ص: 144

فيلزم الأول الثلث بعد أن كان يلزمه النصف، فيكون للمولى الثلث من الدية إن كان هو قيمة جنايته، و إلا كان له أقل الأمرين كما تحقق سابقا و للورثة الثلثان من الدية فإن مقصوده من ذلك التمثيل للنقصان بالسراية.

لكن في مجمع البرهان «هنا إشكال، و هو أنه إذا كان الاعتبار بالجناية حال الجرح لا حال السراية كيف يكون على الجاني الأول أقل الأمرين من أرش جناية العضو و ديته حال السراية، بل ينبغي أن يكون أرش الجناية متعينا، فإنه إذا قطع الإصبع أو اليد لزم قيمة الجناية على الجاني و إن أعتق، فإنه لا اعتبار بعد ذلك بشي ء».

و فيه أن المراد بأقل الأمرين هو قيمة جناية العضو ما لم تزد على دية عضو الحر، بمعنى أن ذلك يؤخذ للمولى من الدية، لأن من المعلوم دخول الطرف في النفس، و لما قطع صار عليه دية الطرف، و لما سرت هذه دخل دية الطرف في النفس، و قد وجد حينئذ متلفات أخر و سرت الجميع، فينظر حينئذ إلى الجرح الأول، لأن الذي سرى ليس هو فقط، بل مع اثنين آخرين، فعليه ثلث هذه النفس، و لكن يلزم حينئذ إلزامه بثلث الدية لا بأقل الأمرين و هو مقتضى إطلاق المصنف، بل حكاه بعضهم قولا له.

و لكن فيه أنه ليس للمولى من سراية الجرح حال الحرية حظ و نصيب في الزيادة الحاصلة بالعتق، و هي الفاضل من القيمة، فليس له إلا ثلث القيمة إلا أن يتجاوز ثلث دية الحر فيتجه القول بالأقل.

و لعل إطلاق المصنف منزل على ما ذكره سابقا أن للمولى الأقل، فيكون المراد أن الأول عليه ثلث الدية للمولى إن كانت قيمة جنايته تبلغ ذلك، و إلا فليس له إلا قيمة جنايته دون سرايتها، فتأمل جيدا،

ج 42، ص: 145

فإن المسألة غير محررة في كلامهم، بل فيها خبط كثير، و الذي تقتضيه القواعد ما ذكرناه.

و منه يعلم النظر في ما قيل و القائل الشيخ في محكي الخلاف له أقل الأمرين هنا من ثلث القيمة أي قيمة العبد لا العضو و ثلث الدية لأنه لو جنى عليه و هو في ملك هذا المولى ثم جنى عليه الآخران و قد انتقل إلى ملك الغير و سرت الجنايات فمات عبدا كان على الأول للمولى الأول ثلث القيمة إن لم يزد على ثلث الدية، فإن زاد عليه فثلث الدية، فكذا إذا تحرر بعد الجناية الأولى، فإن أرش الجناية إن زاد بالحرية فلا شي ء للمولى من الزيادة.

و فيه أنه لا موجب للتثليث في المسألة إلا بعد الحرية، و لا قيمة للحر بخلاف الفرض، فالفرق واضح. و لذا قال المصنف و الأول أشبه بأصول المذهب التي مقتضاها عدم استحقاق السيد إلا قيمة جنايته دون سرايتها.

هذا و عن المبسوط «أن له أقل الأمرين من أرش الجناية أو ثلث الدية، إذ لا حق للسيد في الجنايتين الأخيرتين، فالجناية الأولى في حقه بمنزلة المنفردة، و هي لو انفردت و سرت كان على الجاني أقل الأمرين من الأرش و كمال الدية، فإذا شاركه الآخران كان عليه أقل الأمرين من الأرش و ثلثها».

و توقف في المختلف بين ما في الخلاف و المبسوط، و كأنه في المسالك فهم من المبسوط ما سمعته أولا من المصنف، و لذا حكاه عنه، فان كان كذلك فهو، و إلا- كما عساه ظاهر عبارته المقتضي أن للسيد أرش الجناية مع سرايتها- كان محلا للنظر.

و الانصاف أن عباراتهم لا تخلو من تشويش حتى عبارة المصنف

ج 42، ص: 146

و الفاضل في القواعد و غيرهما، و التحقيق ما عرفته، فإنه قد ذكرنا ما يستفاد منه توضيح المسألة.

و حاصله أن الجناية على العبد الذي تحرر فسرت إن كانت متحدة فليس على الجاني إلا دية حر، و يستحق المولى منها قيمة تلك الجناية غير سارية ما لم تزد على دية الحر فيرد إليها، و هو المراد بأقل الأمرين، كما أن المراد من دخول دية الطرف في النفس، بمعنى أنه لا يغرم الجاني للمولى قيمة يد عبد و للوارث دية حر، بل ليس عليه إلا دية الحر، و المولى يتبعه فيها بقيمة الجناية على الوجه المزبور، و ليس له من السراية شي ء، ضرورة حصولها عليه و هو حر، فلا تتبع حينئذ السراية هنا الجناية، و احتماله- كما هو مقتضى ما سمعته من الوجه الثاني المذكور في المسالك- واضح الضعف.

و أما مع تعددها بتعدد الجانين مثلا ثم سرت الجميع فيدخلها النقص عن حال انفرادها، لاستناد الموت إليها أجمع، فليس للمولى من الجناية الحاصلة حال الحرية نصيب، كما ليس له من سراية الأولى أيضا شي ء، و إنما له في نصيب الجناية الأولى التي هي نصف الدية أو ثلثها أو ربعها قيمة الجناية ما لم تزد على قيمة تلك الجناية في الحر على حسب ما سمعته في حال الانفراد، فتأمل جيدا، فإن المسألة في غاية التشويش في كلامهم، و ربما كان منشأه إطلاق الدية في كلامهم المنصرف إلى دية النفس، و قد عرفت أن المراد دية ذلك العضو أو توهم تبعية سراية الجناية حال الحرية لأصلها الذي كان حال الرق فيستحقها المولى، و قد عرفت فساده، و أن التحقيق كون الزيادة بسبب الحرية للوارث، و النقيصة بسببها عليه، لأنها من فعله، فلا تقدر الجناية الأولى مع سرايتها حال الحرية أنها جناية سارية على مملوك كي يستحقها مع سرايتها المولى، بل تقدر نفس الجناية و تختص به، فكأنها مندملة في حقه، فلا تلحظ سرايتها، بل لو كانت

ج 42، ص: 147

موجبة لتمام القيمة كالأنف مع فرض كون قيمته تبلغ دية الحر ثم جنى عليه بعد العتق آخر أو آخرون ثم سرى الجميع لم يكن له إلا نسبة الجناية الأولى مع غيرها بالنسبة إلى الجانين نصف أو ثلث أو ربع، إذ النقصان قد حصل من تحريره، فتأمل جيدا، و الله العالم و الهادي.

[المسألة الثانية لو قطع حر يده فأعتق ثم سرت فلا قود]

المسألة الثانية:

لو قطع حر يده فأعتق ثم سرت فلا قود بلا خلاف أجده فيه ل لأصل و عدم صدق «الْحُرُّ بِالْحُرِّ»(1)لو قتل به، و لذا اعتبر فيه التساوي المفقود في الفرض و لكن عليه دية حر مسلم، لأنها جناية مضمونة حين وقوعها فكان الاعتبار ب مقدار ها حين الاستقرار لأن الجناية ضمانها حينها، و استقرار المقدار باستقرارها، و الفرض أنها حاله تحقق بها إزهاق نفس حر، فلذا وجب عليه الدية لها، و يدخل فيها دية الطرف كما في غيره من الجراحات على ما عرفت تحقيقه سابقا و لكن للسيد منها نصف قيمته وقت الجناية (11) ما لم تتجاوز نصف دية الحر و إلا ردت إليها و لورثة المجني عليه ما زاد (12) على ذلك كما عرفت تحريره.

فلو قطع حر آخر رجله بعد العتق و سرى الجرحان فلا قصاص على الأول في الطرف (13) الذي يدخل في النفس و لا في النفس ل (14) ما عرفت من عدم التساوي بعد فرض وقوعها حال الرقية و إن كان قد سرت حال الحرية ف انه (15) إذا لم يجب القصاص في (16) ابتداء الجناية فلم يجب في سرايتها، و على الثاني القود بعد رد نصف ديته


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 178.

ج 42، ص: 148

لأن عليه نصف نفس، و لا يمكن استيفاؤه منه إلا بالرد كنظائره و لم يسقط القود عن قاطع الرجل لمشاركة الآخر في السراية و الفرض عدم قود عليه، فان ذلك لا يقتضي السقوط عنه بعد إطلاق الأدلة كما لا يسقط بمشاركة الأب للأجنبي و بمشاركة المسلم للذمي في قتل الذمي و إن لم يكن قصاص على الأب و لا على المسلم، كما هو واضح.

[المسألة الثالثة لو قطع يده و هو رق ثم قطع رجله و هو حر كان على الجاني نصف قيمته وقت الجناية لمولاه]

المسألة الثالثة لو قطع قاطع يده و هو رق ثم قطع ذلك القاطع رجله و هو حر و قد اندملتا معا كان على الجاني في الجناية الأولى نصف قيمته وقت الجناية لمولاه ما لم يتجاوز نصف دية الحر، و إلا رد إليه و ليس عليه قصاص لما عرفت من عدم التساوي، نعم عليه القصاص في الجناية حال الحرية (11) لحصول المساواة حينها فان اقتص المعتق (12) بالفتح جاز، و إن طالب بالدية كان له نصف الدية يختص به دون المولى (13) كما أن المولى اختص بالأولى دونه.

و لو سرتا فلا قصاص في الأولى (14) قطعا لعدم التساوي، و (15) لكن يثبت القصاص في (16) قطع الرجل (17) المفروض وقوعه حال الحرية لأنه (18) حينئذ مكافئ و هل يثبت القود (19) بذلك أيضا بعد فرض السراية بها و بالسابقة؟

قيل (20) و القائل الشيخ في المبسوط لا (21) يثبت لأن السراية عن قطعين أحدهما لا يوجب القود (22) منهما كما لو استند التلف إلى عمد و خطأ.

ج 42، ص: 149

و الأشبه ثبوته لما عرفت من إطلاق الدليل الذي لا ينافيه سقوط القود عن الشريك كالأب و الأجنبي و المسلم و الذمي في قتل الذمي، نعم له ذلك و لكن مع رده ما يستحقه المولى من الجاني من قيمة الجناية نصف الدية أو أقل.

و لو اقتصر الولي على الاقتصاص في الرجل أخذ المولى نصف قيمة المجني عليه وقت الجناية فإن كان تمام دية اليد فذاك و إلا كان الفاضل للوارث، فيجتمع له الاقتصاص و فاضل دية اليد إن كانت ديتها زائدة عن نصف قيمة العبد كما هو المفروض، و هو واضح.

هذا و في القواعد «و لو جرح عبد نفسه و أعتق ثم مات فلا دية، كما لو أتلف عبدا ثم أعتق» و شرحها في كشف اللثام «و لو جرح عبد نفسه و أعتق بعد ذلك ثم مات فلا دية عليه، لأن العبرة بحال الجناية، كما لو أتلف مالا حال كونه عبدا ثم أعتق لم يكن عليه الضمان اعتبارا بحال الجناية».

و فيه أن ضمان العبد للمال على وجه يتبع به بعد العتق مفروغ منه، بل لعله كذلك حتى لو كان المال لسيده.

ثم إن ظاهر التشبيه كون مفروض المسألة رفع «عبد» و نصب «نفسه» و ربما احتمل جرح المولى عبد نفسه على أن يكون المراد من التشبيه أنه كما لو جنى المولى على عبده بالمتلف ثم أعتقه، فإنه لا ضمان هنا فكذلك الجرح، و هو كما ترى، و الله العالم.

ج 42، ص: 150

[الشرط الثاني التساوي في الدين]
اشاره

الشرط الثاني:

التساوي في الدين، فلا يقتل مسلم بكافر مع عدم الاعتياد ذميا كان أو مستأمنا أو حربيا بلا خلاف معتد به أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض حد الاستفاضة أو متواتر كالنصوص: منها

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر محمد ابن قيس(1): «لا يقاد مسلم بذمي في القتل و لا في الجراحات، و لكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم»

و غيره على وجه لا يقدح في الأول خلاف الصدوق في المقنع، و لا في الثاني ما تسمعه من النصوص(2)الواردة بالمساواة بين المسلم و الذمي المخالفة لقوله تعالى(3)«وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا» إن كان الوارث كافرا، و يتم بعدم القول بالفصل، المحمولة على المتعود أو على التقية من بعض العامة، منهم أبو يوسف الذي يقول فيه الشاعر:

يا قاتل المسلم بالكافرجرت و ما العادل كالجائر

يا من ببغداد و أطرافهامن فقهاء الناس أو شاعر

جار على الدين أبو يوسف بقتله المسلم بالكافر

فاسترجعوا و ابكوا على دينكم و اصبروا فالأجر للصابر

و لكن يعزر لو قتل من يحرم قتله عليه بخلاف الحربي منهم حتى إذا لم يستأذن الإمام (عليه السلام) في ذلك و إن توقف الجهاد، لكن فرق بينه و بين قتله بدونه، بل و يغرم دية الذمي منهم


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 141.

ج 42، ص: 151

بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك نصا و فتوى.

نعم قيل و القائل المشهور إن اعتاد المسلم قتل أهل الذمة قتل، بل عن المهذب البارع أنه قريب من الإجماع، بل عن ظاهر الغنية نفي الخلاف فيه، بل عن الانتصار و غاية المراد و الروضة الإجماع عليه، بل قد يشهد للشهرة المزبورة أنه محكي عن أبي علي و الصدوق و الشيخين و علم الهدى و سلار و بني حمزة و زهرة و سعيد و المصنف في النافع و الفاضل في بعض كتبه، و

الشهيدين كذلك، و أبي الفضل الجعفي صاحب الفاخر و الصهرشتي و الطبرسي و الكيدري و الحلبي، و من هنا قال في غاية المراد: «الحق أن هذه المسألة إجماعية، فإنه لم يخالف فيها أحد منا سوى ابن إدريس، و قد سبقه الإجماع، و لو كان هذا الخلاف مؤثرا في الإجماع لم يوجد إجماع أصلا، و الفخر إنما هو متأخر عن ابن إدريس، و ظاهر المتن و القواعد و اللمعة التردد، و ليس خلافا».

كل ذلك مضافا إلى النصوص المنجبر ما يحتاج إليه منها سندا و دلالة بذلك، منها أخبار الهاشمي و فيها الصحيح.

ففي أحدها(1): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة؟ قال: لا إلا أن يكون تعود بقتلهم، فيقتل و هو صاغر».

و في الآخر(2): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دماء اليهود و المجوس و النصارى هل عليهم و على من قتلهم شي ء إذا غشوا المسلمين و أظهروا العداوة لهم؟ قال: لا إلا أن يكون معتادا لذلك فلا يدع قتلهم، فيقتل و هو صاغر».


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و فيه سقط.

ج 42، ص: 152

و في ثالث(1)عنه (عليه السلام) أيضا: «قلت: رجل قتل رجلا من أهل الذمة، قال: لا يقتل به إلا أن يكون متعودا للقتل».

و نحوه صحيح محمد بن الفضيل(2)عن الرضا (عليه السلام).

بل قد يحمل على ذلك

خبر ابن مسكان(3)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا قتل المسلم يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا. فأرادوا أن يقيدوا ردوا فضل دية المسلم و أقادوه».

و موثق سماعة(4) عنه (عليه السلام) أيضا: «في رجل مسلم يقتل رجلا من أهل الذمة، فقال: هذا حدث شديد لا يحتمله الناس، و لكن يعطي الذمي دية المسلم ثم يقتل به المسلم».

و خبر أبي بصير(5)عنه (عليه السلام) أيضا: «إذا قتل المسلم النصراني فأراد أهل النصراني أن يقتلوه قتلوه و أدوا فضل ما بين الديتين».

و في خبر أبي بصير(6): «سألته عن ذمي قطع يد مسلم، قال:

يقطع إن شاء أولياؤه و يأخذون فضل ما بين الديتين، و إن قطع المسلم يد المعاهد خير أولياء المعاهد، فان شاؤوا أخذوا ديته، و إن شاؤوا قطعوا يد المسلم و أدوا إليه فضل ما بين الديتين، و إذا قتله المسلم صنع كذلك».

و لعله لهذه النصوص قال المرتضى و الشيخان و ابنا حمزة و سعيد و سلار و الشهيدان جاز الاقتصاص منه بعد رد فاضل ديته بل ربما كان من معقد إجماع الأول، بل قيل: و الشهيد في غاية المراد، بل ظاهر اقتصار المصنف و غيره على نقل الأول عدم العبرة بغيره.


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 22- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.

ج 42، ص: 153

و على كل حال فتخص آية نفي السبيل(1) و

عموم «لا يقاد المسلم بالكافر»(2)

بذلك، و ما عن ابن إدريس من الإجماع إن أراد به ما يشمل محل النزاع فهو ممنوع، و إن أراد غيره فلا يفيد، و أقصاه العموم المخصص كالخبر المزبور.

و على كل حال لم يحك القول بالقتل حدا في غاية المراد إلا عن أبي علي و التقي. نعم في كشف اللثام حكايته عن المختلف و ظاهر الغنية، بل و عن الفقيه أنه يقتل عقوبة لخلافه على الامام، قال: «و الخلاف على الامام و الامتناع عليه يوجبان القتل فيما دون ذلك، كما جاء في المؤلي إذا وقف بعد أربعة أشهر أمره الإمام بأن يفي ء أو يطلق، فمتى لم يفي ء و امتنع من الطلاق ضربت عنقه، لامتناعه على إمام المسلمين، و قد

قال النبي (صلى الله عليه و آله): «من آذى ذمتي فقد آذاني»(3)

فإذا كان في إيذائهم إيذاء النبي (صلى الله عليه و آله) فكيف في قتلهم» بل فيه عنه أيضا وجوب القتل على من قتل واحدا من المعاهدين عمدا، لخلافه على الامام لا لحرمة الذمي، مستندا إلى ما سمعته من خبر أبي بصير(4)و قصر النهي عن قتله بالذمي على ما إذا لم يكن على شريطة الذمة. و عنه في المقنع أنه سوى بين الذمي و المسلم في أن الولي إن شاء اقتص من قاتله المسلم بعد رد فاضل الدية، و إن شاء أخذ الدية.

و هما معا كما ترى لا يستأهلان ردا كما عرفت، بل و سابقهما أي


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 141.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5 و فيه « لا يقاد المسلم بذمي».
3- 3 الفقيه ج 4 ص 93- الرقم 302.
4- 4 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4.

ج 42، ص: 154

القتل حدا بعد النصوص المزبورة المعتضدة بما عرفت، و لولاهما لأمكن القول به على معنى إيكال أمر ذلك إلى الامام، خصوصا بعد

خبر سماعة(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسلم قتل ذميا، فقال: هذا شي ء شديد لا يحتمله الناس، فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد و عن قتل الذمي، ثم قال: لو أن مسلما غضب على ذمي فأراد أن يقتله و يأخذ أرضه و يؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم(2)إذن يكثر في الذميين، و من قتل ذميا ظلما فإنه ليحرم على المسلم أن يقتل ذميا حراما، آمن بالجزية و أداها و لم يجحدها»

الذي جعله الشيخ شاهدا على الجمع بين ما دل على أن ديته ثمانمائة درهم و بين ما دل على أنها أربعة آلاف أو دية المسلم(3)بحمل الأول على غير المتعود و غيره على المتعود الذي يرجع في تنكيله إلى ما يراه الامام صلاحا.

مؤيدا ذلك بأن ظاهر بعض النصوص(4)المزبورة استيفاء الكافر منه ذلك، و لا ريب في أنه سبيل له، و ستعرف أنه حيث يكون للكافر قصاص على المسلم في طرف يستوفيه الامام دونه، كما تسمعه في مسألة المرتد.

بل و بغير ذلك مما دل على عدم قتل الواحد من الشيعة بألف من العامة إذا قام الحق(5) المستفاد من فحواها عدم قتل الواحد منهم بألف من الكفار و غيره.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ديات النفس- الحديث 2 و 4 من كتاب الديات.
4- 4 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب حد القذف- الحديث 2 من كتاب الحدود.

ج 42، ص: 155

اللهم إلا أن يقال: إن ذلك كله لا يقابل ما عرفت من النص(1)و الفتوى على قتله به قصاصا لا حدا، و فائدة ذلك واضحة، ضرورة سقوطه بالعفو و عدم استيفائه منه إلا بعد طلب الولي ورد الأولياء فاضل الدية على الأول بخلاف الثاني.

و من الغريب ما في الروضة من احتمال القول بالقتل حدا مع رد فاضل الدية، إذ هو- مع أنه إحداث قول يمكن دعوى الإجماع المركب على خلافه و إن سبقه إليه الكركي في حاشية الكتاب- غير واضح الوجه، و مناف لما سمعته من النصوص، فليس حينئذ إلا القول بقتله قصاصا.

نعم هو بعد تحقق التعود منه الذي هو عنوان قتله كذلك، بل الظاهر أنه يقتل بالأخير الذي يتحقق به صدق التعود و إن كان ما سبق له مدخلية في تحقيق ذلك، إلا أن ظاهر النصوص المزبورة ما ذكرناه، بل هو مقتضى الأصل أيضا، فحينئذ يرد أولياؤه الفاضل دونهم، و يسقط بعفوهم دونهم.

نعم لو قتل متعددا بعد تحقق التعود كان لأولياء كل منهم القود على نحو ما سمعته في المسلم إذا قتل مسلمين متعددين.

و المرجع في التعود العرف، و الظاهر عدم تحققه بالثانية و إن ثبت ذلك في الحيض لدليله، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف أجده في أنه يقتل الذمي بالذمي و إن اختلفت ملتهما، لعموم «النَّفْسَ»(2)و كون الكفر ملة واحدة، و ل

خبر السكوني(3)عن الصادق (عليه السلام) «أن


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 45.
3- 3 الوسائل- الباب- 48- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 156

أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: يقتص لليهودي و النصراني و المجوسي بعضهم من بعض، و يقتل بعضهم ببعض إذا قتلوا عمدا».

بل و كذا يقتل بالذمية لكن بعد رد فاضل الدية كالمسلمة و الذمية بالذمية و بالذمي من غير رجوع عليها بالفضل نحو ما سمعته في المسلمين الذين هم ملة واحدة أيضا، فما عن أبي حنيفة من عدم قتل الذمي بالمستأمن واضح الضعف، و مناف لأدلة القصاص كقوله تعالى(1)«النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» و غيره، فلا فرق حينئذ بين جميع الصور في ذلك.

نعم في كشف اللثام لا يقتل الذمي و لا المستأمن بالحربي، و لعله لأن الحربي غير محقون الدم، إلا أن مقتضى ذلك عدم القود و لو قتله حربي، و التزامه مشكل و إن جزم به الفاضل في القواعد، فإن أهل الذمة في ما بينهم كالحربيين، إذ لا ذمة لبعضهم على بعض، فالعمدة حينئذ الإجماع إن كان.

و لو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو و ماله إلى أولياء المقتول، و هم مخيرون بين قتله و بين استرقاقه على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في الانتصار و السرائر و الروضة و ظاهر النكت الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

صحيح ضريس(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في نصراني قتل مسلما يدفع إلى أولياء المقتول، فان شاؤوا قتلوا، و إن شاؤوا عفوا، و إن شاؤوا استرقوا، و إن كان معه عين مال له دفع إلى أولياء المقتول هو و ماله»

و في حسنه عنه (عليه السلام)


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 157

أيضا(1)

و حسن عبد الله بن سنان(2)عن الصادق (عليه السلام) «في نصراني قتل مسلما فلما أخذ أسلم، قال: أقتله به، قيل: فان لم يسلم، قال: يدفع إلى أولياء المقتول هو و ماله».

و الظاهر أن ذلك حكم قتله المسلم، لا لخروجه بذلك عن الذمة المبيح لنفسه قتلا و استرقاقا و لماله كما في كشف اللثام، بل و عن التقي و ابن زهرة و الكيدري، و إلا لجاز لغير أولياء المقتول، و هو خلاف النص و الفتوى.

نعم ظاهر المصنف و غيره من الأصحاب- بل هو صريح المحكي عن التحرير- عدم الفرق في أمواله بين ما ينقل منها و ما لا ينقل، و لا بين العين و الدين، و لعله للحسن الأخير الذي لا ينافيه ما في الأول من العين الذي لم يسق لإرادة ما يقابل العين ما فيه من الشرط.

و لا بين المساوي لفاضل دية المسلم و الزائد عليه المساوي للدية و الزائد عليها. خلافا للمحكي عن الصدوق من أنه يؤخذ من ماله فضل ما بين دية المسلم و الذمي، و للمحكي عن الحلبيين من جواز الرجوع على تركته و أهله بدية المقتول أو قيمته إن كان مملوكا.

و لا بين اختيار الأولياء قتله أو استرقاقه، خلافا لابن إدريس، فلم يجز أخذ المال إلا مع الاسترقاق، لأن مال المملوك لمولاه و إن قال في كشف اللثام: «و يحتمله الخبر و كلام الأكثر» إلا أنه كما ترى، ضرورة


1- 1 أشار إليهما في الوسائل- الباب- 49- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و ذكره في التهذيب ج 10 ص 190- الرقم 750 و فيه« و إن كان معه عين مال.» نعم روى الكليني قده في الكافي ج 7 ص 310 عن ضريس عن أبي جعفر عليه السلام و ليس فيه كلمة« عين» إلا أن حسن عبد الله بن سنان لم يروه غير الشيخ قده في التهذيب.
2- 2 أشار إليهما في الوسائل- الباب- 49- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و ذكره في التهذيب ج 10 ص 190- الرقم 750 و فيه« و إن كان معه عين مال.» نعم روى الكليني قده في الكافي ج 7 ص 310 عن ضريس عن أبي جعفر عليه السلام و ليس فيه كلمة« عين» إلا أن حسن عبد الله بن سنان لم يروه غير الشيخ قده في التهذيب.

ج 42، ص: 158

عدم موافقته نصوص المقام و لا قاعدة تقتضيه، فان الاسترقاق لا يقتضي ملكية مال المسترق، للأصل و غيره و إن خرج بالاسترقاق عن استدامة الملك، لكن ذلك لا يقتضي ملكية المسترق له، بل يبقى فيئا أو ملكا للإمام (عليه السلام) أو غير ذلك و أما نصوص المقام فلا إشعار في شي ء منها بتوقف ملك المال على الاسترقاق، بل ظاهرها خلافه كما هو واضح.

نعم في استرقاق ولده الصغار تردد أشبهه بقاؤهم على الحرية وفاقا لابن إدريس و من تأخر عنه، للأصل بعد خلو النصوص عن ذلك مع أنها في مقام البيان، خلافا للمحكي عن المفيد و سلار و ابن حمزة من استرقاقهم أيضا للتبعية، و لأنه بخروجه عن الذمة التحق بأهل الحرب، و من أحكامهم استرقاق أولادهم الصغار.

و فيه منع التبعية في ذلك، و جناية الأب لا تتخطاه، إذ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، و منع استلزام القتل خرق الذمة و إلا لاقتضى عدم اختصاص أولياء المقتول بذلك، كما هو واضح.

هذا كله في النفس، و أما الطرف فقد سمعت ما في خبر أبي بصير(1)و ربما يأتي بعض الكلام فيه إن شاء الله في قصاص الطرف فانتظره.

و لو أسلم قبل الاسترقاق لم يكن لهم إلا قتله كما لو قتل و هو مسلم بلا خلاف و لا إشكال للحسن(2)المتقدم.

و لو قتل الكافر كافرا و أسلم القاتل لم يقتل به لعدم المساواة و ألزم الدية إن كان المقتول ذا دية.

و يقتل ولد الرشيدة بولد الزنية بعد وصفه الإسلام لتساويهما


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 159

في الإسلام عندنا نعم من حكم بكفره من الأصحاب و إن أظهر الإسلام لا يقتله به، بل قيل لا يقتل به و هو صغير، لعدم إسلامه التبعي بعدم الأبوين له شرعا إلا أن يسبى، بناء على صحة سبي مثله، فيحكم حينئذ بإسلامه تبعا للسابي، و كأنه مبني على اشتراط المساواة في الدين في القصاص، للإجماع و نحوه، و إلا فما سمعته من النصوص(1)عدم قتل المسلم بالكافر، و ولد الزنا قبل وصفه الإسلام

لا يحكم بكفره، و لذا قلنا بطهارته، فيندرج في قوله تعالى(2)«النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» و غيره مما دل على القصاص، و الله العالم.

[مسائل من لواحق هذا الباب]
اشاره

مسائل من لواحق هذا الباب:

[المسألة الأولى لو قطع مسلم يد ذمي عمدا فأسلم و سرت إلى نفسه فلا قصاص]

الأولى:

لو قطع مسلم يد ذمي عمدا فأسلم و سرت إلى نفسه فلا قصاص في الطرف و لا قود في النفس. و كذا لو قطع يد عبد ثم أعتق و سرت، لأن التكافؤ في الإسلام و الحرية ليس بحاصل وقت الجناية كي يصدق قتل المسلم و الحر عمدا.

و كذا الصبي لو قطع يد بالغ ثم بلغ و سرت جنايته لم يقطع، لأن الجناية في الجميع لم تكن موجبة للقصاص حال حصولها فلا يتجدد لها للأصل و غيره مما عرفت.

نعم تثبت في الجميع دية النفس تامة في ذمة الأولين و عاقلة الأخير لأن الجناية (11) حال حصولها وقعت مضمونة


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 160

بالمال فكان الاعتبار بأرشها حين الاستقرار الذي هو المعتبر في مقدار المضمون، و به يحصل الفرق بين الدية و القصاص، و ذلك كله واضح في كل جناية موجبة للضمان بالمال حين صدورها، فتجدد لها حال لمقدارها، و الوجه فيه أنه يكفي في الدية استناد القتل إليه و لو بالتسبيب الذي لا ريب في حصوله هنا بالسراية المتولدة من فعله التي بها حصل إزهاق النفس المسلمة، و الله العالم.

[المسألة الثانية لو قطع يد حربي أو يد مرتد فأسلم ثم سرت فلا قود]

المسألة الثانية:

لو قطع يد حربي أو يد مرتد فأسلم ثم سرت فلا قود قطعا لما عرفت، بل و لا دية، لأن الجناية لم تكن مضمونة بقصاص و لا دية فلم تضمن سرايتها كالقطع بالسرقة و القصاص، و كذا في كل جناية غير مضمونة حال وقوعها فتجدد لها حال يضمن به ابتداؤها.

و قد يحتمل ضمان الدية اعتبارا بحال الاستقرار، بل لعله لا يخلو من قوة، بناء على ما عرفت من تحقق عنوانها بنسبة القتل إليه و لو بالسراية المتولد من فعله، و يزيده تأييدا ما تسمعه من الحكم بالدية لو رماه بسهم حربيا فأصابه مسلما، ضرورة اتحاد السراية مع الإصابة في التوليد من فعله، و عدم الدية بسراية السرقة و القصاص لدليله، و إلا فلا منافاة بين الاذن في الجناية مع الضمان بالسراية، بل لو قلنا بمنع جرحه المرتد على وجه يتحقق فيه ضمان للدية باعتبار تفويض قتله إلى الامام اتجه حينئذ اعتبار المقدار حال الاستقرار فيه كالمسألة السابقة.

و لو رمى ذميا بسهم فأسلم ثم أصابه فمات فلا قود فيه لعدم العمد إلى قتل المسلم و لكن فيه الدية تامة لصدق قتل المسلم.

ج 42، ص: 161

و كذا لو رمى عبدا فأعتق و أصابه فمات في عدم القود و ثبوت دية الحر، لما عرفت أو عدم طل دم امرء مسلم، بل ربما احتمل القود، لتحقق التكافؤ عند الجناية مع تعمدها و إن كان هو كما ترى.

و لو رمى حربيا أو مرتدا فأصابه بعد إسلامه فلا قود أيضا و لكن تثبت الدية هنا لأن الإصابة صادفت مسلما محقون الدم و ربما احتمل العدم اعتبارا بحال الرمي، و هو ضعيف.

و منه يعلم وجه القود في السراية بعد إسلامه، اللهم إلا أن يكون الحكم إجماعيا بينهم، و إلا فالمتجه ما سمعت.

و لو حفر بئرا فتردى فيه مسلما كان مرتدا مثلا عند الحفر وجب الضمان، لأن أول الجناية حين التردي، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا قطع المسلم يد مثله فسرت مرتدا سقط القصاص في النفس]

المسألة الثالثة:

إذا قطع المسلم يد مثله فسرت مرتدا سقط القصاص في النفس و الدية لحصول السراية فيها و هي هدر فلا مكافأة، نعم لم يسقط القصاص في اليد وفاقا للفاضل و غيره لأن الجناية حصلت موجبة للقصاص، فلم يسقط باعتراض الارتداد و للأصل و (11) غيره نعم يستوفى القصاص فيها وليه المسلم (12) دون الكافر الذي لم يجعل الله له سبيلا على المؤمنين فان لم يكن استوفاه الامام (عليه السلام) (13) خلافا لبعض العامة فجعله للإمام مطلقا بناء منه على أن المرتد كافر لا يرثه المسلم، فيكون وليه الامام (عليه السلام) و هو كما ترى.

و قال في المبسوط: الذي يقتضيه مذهبنا أنه لا قود (14) حتى في

ج 42، ص: 162

اليد و لا دية، لأن قصاص الطرف و ديته يدخلان في قصاص النفس و ديتها، و النفس هنا ليست مضمونة قصاصا و لا دية فكذا ما دخل فيها.

و هو يشكل بما أنه لا يلزم من دخول قصاص الطرف في قصاص النفس على القول به مع الاستيفاء سقوط ما ثبت من قصاص الطرف لعموم «وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ»(1)و غيره مع سقوط القود لمانع يمنع من القصاص في النفس إذ المسلم من الدخول إن قلنا به حال استيفاء النفس لا مطلقا، للأصل و غيره، بل لا معنى للدخول في الساقط إلا السقوط و هو عين المتنازع فيه.

هذا كله إذا مات مرتدا أما لو عاد إلى الإسلام فإن كان قبل أن تحصل سراية ثبت القصاص في النفس بلا خلاف أجده فيه بل و لا إشكال، للتكافؤ عند الجناية و في تمام أوقات السراية.

و إن حصلت سرايته و هو مرتد ثم عاد و تمت السراية حتى صارت نفسا ففي القصاص تردد، أشبهه ثبوت القصاص وفاقا للفاضل و غيره، بل و المحكي عن أبي علي و الشيخ في الخلاف لأن الاعتبار في الجناية المضمونة بحال الاستقرار و الفرض أنه مسلم حالته، فلا يسقط الضمان بالارتداد المتخلل بين الابتداء و الاستقرار بعد تحقق عنوان القصاص.

و قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط لا قصاص، لأن وجوبه مستند إلى الجناية و كل السراية و هذه بعضها هدر، لأنه حصل في حال الردة فلم تكن السراية بأجمعها مضمونة بعد فرض مقارنة بعضها لحال الارتداد، و القصاص لا يتبعض.

و كذا لو قطع مسلم يد مسلم فارتد المقطوع و مات مرتدا فلا قود عليه، و كذا لو قطع يد مرتد و أسلم المقطوع و مات مسلما فلا قود أيضا


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 163

و لكن تثبت الدية لئلا يبطل دم المسلم، و لوقوع الجناية مضمونة و العبرة في المقدار باستقرارها.

و عن بعض العامة أنه أوجب نصف الدية بناء على استناد الموت إلى مضمون و غير مضمون، كما إذا قطع يده فارتد فقطع آخر يده الأخرى و هو مرتد، و ربما احتمل أيضا القود بعد رد نصف الدية.

و الجميع كما ترى. ضرورة أن التخلل المزبور بعد عدم قدحه في تحقق عنوان القصاص و هو قتل المسلم عمدا لا يصلح مانعا و لا موجبا لرد النصف و لا بسقوطه.

و من هنا لو كانت الجناية خطأ ثبتت الدية، لأن الجناية صادفت محقون الدم و قد عرفت غير مرة أن العبرة في المقدار بالاستقرار ف كانت مضمونة في الأصل و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا قتل مرتد ذميا ففي قتله تردد]

المسألة الرابعة:

إذا قتل مرتد ذميا ففي قتله تردد كما في القواعد منشأه تحرم المرتد بالإسلام المانع من نكاحه الذمية، و من إرث الذمي له، و من استرقاقه، و المقتضى لوجوب قضاء الصلاة عليه لو أسلم و لكن مع ذلك يقوى أنه يقتل وفاقا للفاضل و غيره ممن تأخر عنه، بل و للمحكي عن المبسوط و الخلاف للتساوي في الكفر، كما يقتل النصراني باليهودي، لأن الكفر كالملة الواحدة و لإطلاق أدلة القصاص المقتصر في الخروج عنها على عدم قتل المسلم بالكافر، إذ لا دليل على اعتبار التساوي على وجه يقتضي خروج المفروض، بل لعل المراد من اشتراط

ج 42، ص: 164

التساوي في عبارة الأصحاب و لو بقرينة التفريع هو عدم قتل المسلم بالكافر.

و من ذلك يعلم عدم أثر لما سمعته من أحكام المرتد في سقوط القود عنه الذي يمكن مقابلته بما يقتضي كونه أسوأ حالا من الذمي، كوجوب قتله مع عدم التوبة دونه، و عدم حل ذبيحته إجماعا بخلاف الذمي الذي اختلف فيه، و عدم إقراره بالجزية و غير ذلك. نعم هذا كله مع بقائه على الارتداد.

أما لو رجع إلى الإسلام فلا قود قطعا و إن تكافئا حال الجناية،

لعموم «لا يقاد مسلم بكافر»(1)

و لجب الإسلام- الذي يعلو و لا يعلى عليه- ما قبله و لكن عليه دية الذمي كما في القواعد و غيرها مع إمكان القول بعدمها أيضا إن لم يكن إجماعا، باعتبار كون الواجب عليه القصاص، و الفرض سقوطه عنه بالإسلام، اللهم إلا أن يستفاد من الأدلة قيامها مقامه في كل مقام تعذر استيفاؤه على وجه يشمل الفرض، و ربما يأتي لذلك تتمة إن شاء الله.

[المسألة الخامسة لو جرح المسلم نصرانيا ثم ارتد الجارح و سرت الجراحة فلا قود]

المسألة الخامسة:

لو جرح المسلم نصرانيا ثم ارتد الجارح و سرت الجراحة فلا قود بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له لعدم التساوي حال الجناية التي لها مدخلية في إزهاق نفسه مع السراية، فلا يصدق عليه كافر تعمد قتل كافر، و من هنا لم تكف الكفاءة في إحدى الحالتين دون الأخرى، و لذا لم يقتص منه لو جرح مرتدا ثم أسلم، ففي الفرض لا يتغير الحكم


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5 و فيه « لا يقاد مسلم بذمي».

ج 42، ص: 165

بتغير حال الجارح إلى حالة تقتضي الكفاءة للنصراني كالارتداد بناء عليه.

و لكن لما كانت الجناية مضمونة عليه في الحالتين و المغير (و المعتبر خ ل) في مقدارها مع كونها مضمونة بحال السراية ضمن له دية الذمي و نحوه لو قتل مسلم ذميا ثم ارتد، فإنه لا يقتل به و إن قتلنا به المرتد اعتبارا بحال الجناية، كذا ذكروه مرسلين له إرسال المسلمات، فان كان إجماعا فلا تجب و إلا أمكن المناقشة، لعموم أدلة القصاص المقتصر في الخروج عنها على عدم قتل المسلم بالكافر، و لا دليل يدل على اعتبار المساواة في حال الجناية و سرايتها، و لا ريب في عدم صدق ذلك في الفرض، بل و لا في ما لو قتل مسلم ذميا ثم ارتد و عدم القصاص عليه في تلك الحال، لوجود الإسلام المانع من اقتضاء المقتضي و هو إزهاق النفس، فمع فرض عدمه يتجه العمل بما يقتضيه، و خروج المسلم الذي قتل و هو كافر لجب الإسلام ما قبله، و ل

قوله (عليه السلام)(1)«لا يقاد مسلم بكافر»

فالمانع حينئذ متحقق و إن تحقق المقتضي، و هو «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(2)و غيره، فتأمل جيدا.

[المسألة السادسة لو قتل ذمي مرتدا قتل به]

المسألة السادسة:

لو قتل ذمي مرتدا و لو عن فطرة قتل به بلا خلاف أجده فيه بل و لا إشكال لأنه محقون الدم بالنسبة إلى الذمي فيندرج في عموم أدلة القصاص، فما عن الشافعية- من القول بالمنع، لأنه مباح


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5 و فيه « لا يقاد مسلم بذمي».
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 166

الدم، فلا يجب القصاص بقتله كالحربي، و كما لو قتله مسلم، و تحريم قتله بغيره مع كونه مباح الدم لكفره لا يوجب إفادة القائل به، كما لو قتل الزاني المحصن غير الامام، و بهذا فارق من عليه القصاص إذا قتله غير المستحق، لأنه معصوم الدم بالنسبة إليه- واضح الضعف، ضرورة عدم كونه مباح الدم لكل أحد.

و في المسالك «يمكن بناء هذين الوجهين على ما تقدم في السابقة من أن المرتد أسوأ حالا من الذمي أو بالعكس».

و فيه ما أشرنا إليه سابقا من عدم اعتبار ذلك، إذ لا دليل على اعتبار المساواة في القصاص بالنسبة إلى ذلك، و إنما بناء المسألة على كونه مهدور الدم في نفسه و إن أثم غير الامام بقتله، فلا قصاص على قاتله بل و لا دية، لعدم احترام نفسه، أو أنه كذلك بالنسبة إلى الامام دون غيره، أو أنه بالنسبة للمسلمين غير محترم و إن أثموا أيضا بقتله من دون إذن الامام، بخلاف غيرهم، فان الاحترام الموجب للضمان باق، و ستسمع بعض الكلام في ذلك.

و على كل حال فهذا كله في قتل الذمي له أما لو قتله مسلم فلا قود قطعا لعدم المكافاة و في الدية تردد، و الأقرب عند المصنف و الفاضل و غيرهما أنه لا دية للأصل و عدم احترام نفسه و إن أثم غير الامام بقتله، و لكن قد يناقش بأن ذلك يقتضي عدم القود في الأول، فإن دعوى اختصاص عدم الاحترام بالنسبة للمسلمين خاصة لا دليل عليها، و من هنا احتمل وجوب الدية، لأنه محقون الدم بالنسبة إلى غير الامام.

لكن في المسالك «و هو ضعيف، بل غاية ما يجب بقتله بدون إذنه الإثم كغيره ممن يتوقف قتله على إذنه من الزاني و اللائط و غيرهما».

ج 42، ص: 167

و فيه ما عرفت من اقتضاء ذلك عدم القود على الذمي كما سمعت.

بل ينبغي عدم القود أيضا بقتل المرتد مرتدا مع أنه جزم به الفاضل في القواعد و شارحة الأصبهاني في كشفه معللا في الأخير بالتكافؤ مع تحرمها بالإسلام الموجب لعصمة الدم، نعم جزما فيهما بعدم قتل الحربي بالحربي، لأن المقتول غير معصوم الدم، و قد عرفت الاشكال فيه سابقا.

و بالجملة فالمدار على احترام النفس على وجه يجب على المكلف حفظها، و مرجع ذلك إلى الاستظهار من الأدلة، و إلا فمجرد وجوب القتل حدا لا يقتضي ذلك، خصوصا مع توبة المحدود و ندمه و أسفه إذا كان بحيث لا يسقط عنه الحد، كما لو فرض توبته بعد إقامة البينة عليه و حكم الحاكم عليه، فان دعوى عدم احترام نفسه مع هذا الحال بحيث يكون كبعض الحيوانات التي هي غير محترمة من جهة وجوب القتل عليه حدا لا يخفى عليك ما فيها، نعم قد يستظهر من بعض الأدلة في بعض الأفراد- و خصوصا في بعض أفراد الارتداد و نحوه مما يوجب القتل- ذلك و إن لم يجز تولي قتلهم أيضا إلا الإمام (عليه السلام) باعتبار كون إقامة الحد له لا لاحترامهم، و هذا و إن اقتضى سقوط الدية في المسلم أيضا لكنه يقتضي سقوطها و القود أيضا في غيره، و الله العالم.

و لو وجب على مسلم قصاص فقتله غير الولي كان عليه القود بلا خلاف و لا إشكال، لعموم أدلة القصاص التي لا ينافيها استحقاق القصاص عليه لآخر، فان ذلك لا يقتضي سقوط احترام نفسه مطلقا.

نعم لو وجب قتله بزنا أو لواط فقتله غير الامام (عليه السلام) لم يكن عليه قود و لا دية، لأن عليا (عليه السلام) قال

ج 42، ص: 168

لرجل قتل رجلا و ادعى أنه وجده مع امرأته: عليك القود إلا أن تأتي ببينة(1).

و عن سعيد بن المسيب(2) «أن معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري أن ابن أبي الحسين وجد رجلا مع امرأته فقتله و قد أشكل فسأل لي عليا (عليه السلام) عن هذا الأمر قال أبو موسى: فلقيت عليا (ع) قال: فقال:

و الله ما هذا في هذه البلاد يعني الكوفة، و لا هذا بحضرتي، فمن أين جاءك هذا؟ قلت: كتب إلي معاوية أن ابن أبي الحسين وجد مع امرأته رجلا فقتله و قد أشكل عليه القضاء فيه فرأيك في ذلك، فقال: أنا أبو الحسن إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد و إلا دفع برمته».

و لكن قد يشكل ذلك باختصاص الزوج في الحكم المزبور و إن قال في القواعد: «و هذا حكم ينسحب على كل قريب للرجل أو ولد أو مملوك، و هل ينسحب على الأجانب؟ إشكال، إلا أنه لا دليل عليه مع فرض عدم اندراجه في الدفاع، فالعمدة حينئذ ما سمعته أولا من دعوى ظهور الأدلة في عدم كونه محترم النفس إن ثبت مطلقا أو في بعض الأحوال لمطلق الناس أو لخصوص المسلمين، و لم يحضرني الآن من النصوص ما يشخص ذلك بجميع أفراده، و الله العالم.


1- 1 الظاهر أن المحقق قده نظر إلى خبر سعيد بن المسيب المروي في الموضع المشار إليه من الوسائل- و في المستدرك- الباب- 54- من تلك الأبواب و سنن البيهقي ج 8 ص 337.
2- 2 ذكر بعضه في الوسائل- الباب- 69- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 و تمامه في التهذيب ج 10 ص 314- الرقم 1168 و فيهما ابن أبي الجسرين بدل ابن أبي الحسين.

ج 42، ص: 169

[الشرط الثالث أن لا يكون القاتل أبا]
اشاره

الشرط الثالث:

أن لا يكون القاتل أبا، فلو قتل والد ولده لم يقتل به بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص من الطرفين.

منها

قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر حمران(1): «لا يقاد والد بولده، و يقتل الولد إذا قتل والده عمدا».

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل بن يسار(2): «لا يقاد الرجل بولده إذا قتله، و يقتل الولد إذا قتل والده».

كقوله (عليه السلام) أيضا في خبره الآخر(3): «لا يقتل الوالد بولده، و يقتل الولد بوالده».

و عن كتاب ظريف(4)«قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه لا قود لولد أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه فأصابه عيب من قطع و غيره و تكون له الدية و لا يقاد»

و منه يعلم عدم الفرق بين النفس و الطرف.

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى القطع بذلك منها إن لم تكن متواترة اصطلاحا.

و لكن عليه الكفارة لعموم الأدلة، بل كفارة الجمع و الدية لمن يرثه و التعزير بما يراه الحاكم، و لكن في

خبر جابر (5)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل يقتل بابنه أو عبده، قال: لا يقتل به، و لكن يضرب ضربا شديدا، و ينفى عن مسقط رأسه»


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4 و هو عن علاء بن فضيل.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 9.

ج 42، ص: 170

و لعله محمول على أن ذلك بعض أفراد ما يراه الحاكم.

و كذا لو قتله أب الأب و إن علا كما صرح به غير واحد، بل عن ظاهر الخلاف أو صريحه الإجماع عليه، بل لم أجد فيه خلافا، نعم تردد فيه المصنف في النافع و بعض الناس، لكنه في غير محله بناء على تناول الإطلاق له لغة و عرفا، بل و إن لم يكن كذلك و لكن في المقام يمكن إرادته من نحو

قول الصادق (عليه السلام)(1): «لا يقتل الأب بابنه»

بمعونة كلام الأصحاب و بأولوية الجد أو مساواته للأب في ذلك، فلا يقتل الجد حينئذ و إن علا بالأحفاد سواء قربوا أم بعدوا.

بل مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق بين المتكافئين في الإسلام و الحرية و نحوهما.

نعم للجلاد و الغازي أن يقتل أباهما مع أمر الإمام (عليه السلام) للعمومات و عصمة الإمام عندنا، بل عن التحرير أنهما لا يمنعان مع ذلك من الميراث، لأنه قتل سائغ، بل قد يقال بالجواز في الغازي بدون أمر الإمام (عليه السلام) و تمام الكلام فيه في كتاب الجهاد(2).

نعم يقتل الولد بأبيه إجماعا بقسميه و نصوصا(3)عموما و خصوصا مضافا إلى الكتاب(4).

و كذا الأم تقتل به بلا خلاف أجده فيه بيننا إلا من الإسكافي الذي وافق العامة هنا على ذلك قياسا على الأب و استحسانا.

و يقتل بها أيضا بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 6.
2- 2 راجع ج 21 ص 25.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب القصاص في النفس.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 171

عليه أيضا، مضافا إلى العموم، و خصوص

صحيح أبي عبيدة(1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل أمه، قال: يقتل بها صاغرا، و لا أظن قتله كفارة، و لا يرثها»

بل ظاهر النص و الفتوى عدم رد فاضل ديته عليه و إن لم أجد مصرحا به.

و كذا الأقارب كالأجداد و الجدات من قبلها و الاخوة من الطرفين و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات بلا خلاف أجده بيننا إلا من أبي علي و العامة في الأجداد و الجدات، و الله العالم.

[فروع]
[الأول إذا ادعى اثنان ولدا مجهولا فان قتله أحدهما قبل القرعة فلا قود]

الأول: إذا ادعى اثنان ولدا مجهولا كاللقيط فان قتله أحدهما قبل القرعة فلا قود، لتحقق الاحتمال في طرف القاتل فلم يثبت شرط القصاص الذي هو انتفاء الأبوة في الواقع، مضافا إلى إشكال التهجم على الدماء مع الشبهة. و كذا لو قتلاه معا بلا خلاف أجده بين من تعرض له هنا فيهما معا ف ان الاحتمال بالنسبة إلى كل واحد منهما باق.

و لكن ربما خطر في البال الاستناد إلى القرعة بل في كشف اللثام و غيره احتماله قويا، لإطلاق النص(2)و الفتوى بالإلحاق بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل، و عدم طل دم امرء مسلم، و عموم أدلة القصاص، و منع كون انتفاء الأبوة شرطا، بل أقصى الأدلة كون الأبوة كالمانع، فلا يتحقق مع الجهل بها، مضافا إلى معلومية تعلق القصاص بأحدهما في


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.

ج 42، ص: 172

صورة قتلهما معا، كمنع انتفاء محل القرعة بالنسبة إلى ذلك خاصة دون ميراثه و غيره.

و لكن في المتن و غيره هو تهجم على الدم فالأقرب الأول و فيه أن الأقرب بقاء حكم القرعة إن لم يكن إجماعا كما لو تقدمت القتل، فإنه لا إشكال و لا خلاف في القصاص بها على من لم تخرجه القرعة مع رد نصف الدية في صورة الاشتراك و بدونه في صورة الانفراد، و دعوى الفرق بين ما قبل القتل و بعده بأن القصاص في الأول تابع دون الثاني لا حاصل لها، كما هو واضح.

و لو ادعياه ثم رجع أحدهما و قتلاه توجه القصاص على الراجع بناء على انتفاء عنه بالرجوع و لو في حقه الذي منه القصاص إذا كان مستند اللحوق الدعوى، فيقتص منه حينئذ لكن بعد رد ما يفضل عن جنايته، و كان على الأب نصف الدية بعد انتفاء القصاص عنه و على كل واحد كفارة القتل بانفراده لا كفارة واحدة بينهما، لصدق القتل على كل منهما. و لو قتله الراجع خاصة اختص بالقصاص.

و لو رجعا معا اقتص منهما الوارث بعد رد دية نفس عليهما، بل الظاهر كون الحكم كذلك مع الرجوع بعد القتل، بل لو رجع من أخرجته القرعة كان أيضا كذلك بقي الآخر على الدعوى أو رجع، و إن حكى عن المبسوط اشتراط صحة رجوع من أخرجته القرعة ببقاء الآخر على الدعوى و إلا لم يصح. هذا كله في ولد التداعي من دون شي ء آخر.

[الثاني لو ولد مولود على فراش مدعيين له كالأمة أو الموطوءة في الشبهة في الطهر الواحد فقتلاه قبل القرعة لم يقتلا]

و أما لو ولد مولود على فراش مدعيين له كالأمة المشتركة أو الموطوءة في الشبهة في الطهر الواحد أو غير ذلك مما يحتاج لحوقه بأحدهما إلى القرعة حتى على مختار الشيخ في المحكي عن مبسوط في المطلقة ثلاثا فنكحت في عدتها ثم أتت بولد لتمام أكثر مدة

ج 42، ص: 173

الحمل من طلاق الأول و لستة أشهر من وطء الثاني من احتياج الإلحاق بأحدهما إلى القرعة فقتلاه قبل القرعة لم يقتلا عند المصنف و غيره ممن عرفت ل ما تقدم من تحقق الاحتمال بالنسبة إلى كل واحد منهما و كذا لو قتله أحدهما، و لا تكفي القرعة بعد القتل و فيه ما عرفت.

نعم لو رجع أحدهما ثم قتلاه فعن الشيخ في المبسوط لم يقتل الراجع بل هو المشهور على ما في المسالك بخلاف الأول.

و الفرق أن البنوة هنا تثبت بالفراش لا بمجرد الدعوى و لذا لا ينتفي عن الجاحد بجحوده.

و لكن في الفرق تردد كما في الإرشاد من احتمال الانتفاء أيضا، بل جزم الكركي في حاشية الكتاب بقتل الراجع أيضا، و في غاية المراد «التمثيل بالأمة و وطء الشبهة تنبيه على ما سمعته من تمثيل الشيخ الذي مذهب الفاضلين فيه أنه للثاني من دون قرعة، فعدلا عنه إلى التمثيل بما سمعت، و وجه النظر فيه واضح مما عرفت و من أن الرجوع هنا صحيح قطعا ناف للنسب عن الراجع من غير لعان فتنتفي الأبوة المانعة من القصاص، فيثبت عملا بمقتضى الأدلة و عدم المانع، و أما على ما مثله الشيخ فلا يتوجه نظر، لأن النفي هنا من غير لعان لا يمكن فعله، لاستناده إلى كل واحد منهما، فتحصل الشبهة الدار له، و العجب أن الفاضل في التحرير صورها في وطء الشبهة، ثم علل بأن البنوة ثابتة للفراش لا تنتفي إلا باللعان، مع وقوع الاتفاق على أنه لا لعان في وطء الشبهة، و قد ذكر هو في باب اللعان من ذلك الكتاب و من غيره، و الأصح أنه على تمثيل الشيخ و مذهبه الفرق حاصل قبل اللعان قطعا، و على تمثيلهما لا فرق قطعا».

ج 42، ص: 174

قلت: قد تقدم في كتاب اللعان(1)و في كتاب الإقرار(2)ما يعلم منه صحة الرجوع في المفروض و عدمها، و أنه قد يمنع انتفاؤه بالنفي، سيما بعد الإقرار به في خصوص الأمة التي علم وطؤها على وجه يصلح لكون الولد منه فضلا عن وطء الشبهة و الانقطاع إذا كان كذلك و إن أطلقوا أن الأمة مثلا و المنقطعة ينفى ولدها بالنفي، لكن يمكن تنزيله على غير الفرض، بل قد تقدم في كتاب الإقرار(3)احتمال عدم انتفاء من أقر بأنه ولده بنفيه، ل

قوله (عليه السلام)(4): «إذا أقر بالولد ساعة لم ينف عنه أبدا»

فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فبناء المسألة على ذلك في مثال الشيخ و غيره، و حينئذ يشكل قتل الراجع، و لعله لذا جزم الشيخ بل و الفاضل في غير الإرشاد من كتبه بعدم قتله، و احتمال أن قتله أخذ بإقراره و إن لم ينتف عنه بنفيه واضح الفساد.

و كيف كان فمما ذكرنا يظهر لك النظر في ما في كشف اللثام قال:

«و تردد فيه- أي الفرق- في الإرشاد كالشرائع من احتمال الانتفاء بالرجوع حتى في مثال المبسوط بناء على القرعة، و يؤيده عموم أدلة القصاص و الأخذ بالإقرار، نعم لا يتجه فيه الحكم بالانتفاء إن رجعا جميعا، لثبوت البنوة لأحدهما، قطعا بالفراش» إذ هو كما ترى، فان هذا الفراش إن كان مانعا من الانتفاء فالفرض حصوله لكل منهما، و إلا قبل الرجوع من كل منهما، و مبنى قول الشيخ على الأول، فلا وجه للاحتمال في مثاله، بل و لا وجه له في غيره أيضا بعد تحقق الفراشية المزبورة


1- 1 راجع ج 34 ص 39- 52.
2- 2 راجع ج 25 ص 160.
3- 3 راجع ج 25 ص 162.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ميراث ولد الملاعنة- الحديث 4 من كتاب الفرائض.

ج 42، ص: 175

المقتضية للحوق، و مشروعية اللعان في موضوعه لا يقتضي الانتفاء في غيره بمجرد النفي حتى في مثل الفرض الذي تحقق فيه الوطء المحتمل للتولد، فان النافي ليس له النفي و تمام الكلام في ذلك في كتاب اللعان(1)فلاحظ و تأمل لتعرف ذلك و غيره أيضا.

و منه ما لو نفى مولودا على فراشه باللعان ثم قتله قتل به أخذا بإقراره، و لانتفائه عنه شرعا، فانتفى المانع من القصاص.

فان عاد بعد اللعان و اعترف به ثم قتله ففي القواعد الأقرب القصاص، و لعله للأخذ بالإقرار، و لعموم أدلة القصاص مع الشك في المانع، و في كشف اللثام «و يحتمل العدم احتياطا في الدم و بناء على الاشتراط بانتفاء الأبوة مع الشك فيه، لاختلاف قوليه».

و فيه أن ذلك لا يقتضي سقوط القصاص الثابت بالأدلة الشرعية و إن ألزم بمقتضى الإقرار في حقه، نعم لو قتل لقيطا مجهول النسب و لم يكن قد نفاه عن نفسه ثم استلحقه لم يقتص منه، لإلحاقه به شرعا بمجرد الاستلحاق الخالي عن المعارض مع الاحتياط في الدم، و عدم الاختلاف في قوله في الاستلحاق و عدمه، و قد تقدم تمام الكلام في هذه المسائل في محالها، و الله العالم.

[الثالث لو قتل الرجل زوجته لا يثبت القصاص لولدها]

و لو قتل الرجل زوجته هل يثبت القصاص عليه لولدها منه قيل و القائل الشيخ و الفاضل بل المشهور على ما في المسالك:

لا يثبت إرثا كما لا يثبت أصالة لأنه لا يملك أن يقتص من والده له فضلا عن مورثه المنافي للمصاحبة بالمعروف.

و لو قيل يملك هنا أمكن اقتصارا بالمنع على مورد النص(2)


1- 1 راجع ج 34 ص 39- 52.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 176

الذي لا شك في انسياق غير الفرض منه، و الأولوية ممنوعة، و ما في المسالك- من أن استيفاء القصاص موقوف على مطالبة المستحق، و إذا كان هو الولد و طالب به كان هو السبب في القود، فيتناوله عموم النص أو إطلاقه- واضح الضعف، ضرورة ظهور

قوله (عليه السلام)(1)«لا يقاد والد بولد»

في كون المراد عدم قتله بقتله.

و كذا البحث لو قذفها الزوج فماتت قبل اللعان و الحد و لا وارث لذلك إلا ولده منها فإنه لا يملك استيفاء الحد من أبيه، لأنه لا يملك إذا قذفه فأولى أن لا يملكه هنا، و فيه ما عرفت، اللهم إلا أن يدعى اقتضاء فحوى الدليل فيهما ذلك على وجه ينطبق على أصول الإمامية، أو يقال: إن مقتضى الأمر(2)بالمصاحبة بالمعروف و لو كانا كافرين و غيره مما تضمنته الآية و الرواية(3)سقوط

ذلك، و نحوه في حق الوالد، فيحتاج الخارج للدليل لا العكس، و لتحقيق ذلك و استيعاب مقاماته مقام آخر، هذا كله في ولده منها.

أما لو كان لها ولد من غيره فله القصاص بعد رد نصيب ولده من الدية و له استيفاء الحد كاملا لأنه لا يوزع على الورثة كما عرفته في محله بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك و لا إشكال، لعموم الأدلة.

[الرابع لو قتل أحد الولدين أباه ثم الآخر أمه فلكل منهما على الآخر القود]

و لو قتل أحد الولدين أباه ثم الآخر أمه فلكل منهما على الآخر القود مختصا به، لأن القاتل لا يرث قصاصا من مقتوله و لا دية فإن تشاحا في الاقتصاص مع اتحادها في وقت الجناية أقرع


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 سورة لقمان: 31- الآية 15.
3- 3 الكافي ج 2 ص 157- 163.

ج 42، ص: 177

بينهما، و قدم في الاستيفاء من أخرجته القرعة ثم يقتص ورثة المقتول من الآخر، و إنما فائدة القرعة التعجيل في قتل أحدهما.

و حينئذ ف لو بدر أحدهما فاقتص قبل القرعة كان لورثة الآخر الاقتصاص منه و إن أثم هو بالمبادرة المزبورة إلا أنه استوفى حقه مع احتمال عدم الإثم، فإن لكل منهما استيفاء حقه من الآخر بمقتضى إطلاق الأدلة. و منه ينقدح عدم وجوب القرعة، نعم قد يقال بوجوبها عند تشاحهما في ذلك عند الحاكم، كما أنه قد يقال بتقديم الاقتصاص من الأقدم جناية إذا لم يقترنا، و الله العالم.

[الشرط الرابع كمال العقل]
اشاره

الشرط الرابع:

كمال العقل، فلا يقتل المجنون إجماعا بقسميه و نصوصا عموما كحديث(1)رفع القلم و غيره و خصوصا(2)مستفيضا حد الاستفاضة سواء كان المقتول

(قتل خ ل) عاقلا أو مجنونا و سواء كان مطبقا أو أدوارا إذا قتل حال أدواره، نعم تثبت الدية عندنا على عاقلته لأن عمده خطأ.

قال الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد(3): «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمدا».


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 و الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- و الباب- 11- من أبواب العاقلة من كتاب الديات.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب العاقلة- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 178

و قال الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني(1): «إن محمد ابن أبى بكر كتب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يسأله عن رجل مجنون قتل رجلا عمدا فجعل الدية على قومه و جعل عمده و خطأه سواء»

إلى غير ذلك.

فان لم تكن له عاقلة فعن النهاية و المهذب و الجامع أن الدية على بيت المال، و في كشف اللثام «و يوافقه خبر بريد العجلي(2)الآتي» و فيه- مع أنه لا صراحة فيه بل و لا ظهور في كونه قاتلا مجنونا- يمكن أن يكون المراد بيت مال الإمام، لأنه الوارث له، و لذا كان المحكي عن السرائر أنها على الامام دون بيت المال.

و كذا الصبي لا يقتل بصبي و لا ببالغ لأن البلوغ شرط في المشهور أيضا، بل عليه عامة المتأخرين، بل نسبه بعض إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، بل عن الغنية دعواه عليه صريحا، بل عن الخلاف عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، للأصل و الاحتياط في الدماء، و لحديث رفع القلم(3)المجمع عليه كما عن السرائر.

و خصوص

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم(4): «عمد الصبي و خطاؤه واحد».

و قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار(5):


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب العاقلة- الحديث 5 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 و الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب العاقلة- الحديث 2 من كتاب الديات.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب العاقلة- الحديث 3 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 179

«عمد الصبيان خطأ تحمله العاقلة».

كقوله في المروي عن قرب الاسناد(1): «عمد الصبي الذي لم يبلغ خطأ تحمله العاقلة».

و كأن المصنف اكتفى بذكر اشتراط كمال العقل عن ذكره بالخصوص باعتبار عدم كمال العقل فيه شرعا إلا بعد البلوغ، و الأمر سهل بعد معلومية كونه شرطا كالعقل الذي عرفت فيه عدم القصاص من المجنون مع صدور القتل منه مجنونا.

أما لو قتل العاقل ثم جن لم يسقط عنه القود بلا خلاف أجده بيننا سواء ثبت القتل بالبينة أو الإقرار و إن فرق بينهما في الرجم بالزنا، نعم عن بعض العامة منع الاقتصاص منه حال جنونه، و آخر إن جن قبل أن يقدم للقصاص و إلا اقتص منه.

و هما معا كما ترى منافيان للأصل و ل

خبر بريد العجلي(2)«إن أبا جعفر (عليه السلام) سئل عن رجل قتل رجلا عمدا فلم يقم عليه الحد و لم تصح الشهادة حتى خولط و ذهب عقله ثم إن قوما آخرين شهدوا عليه بعد ما خولط أنه قتله، فقال: إن شهدوا عليه أنه قتله حين قتله و هو صحيح ليس به علة من فساد عقل قتل به، و إن لم يشهدوا عليه بذلك و كان له مال يعرف دفعت إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل، و إن لم يترك مالا أعطي الدية من بيت المال و لا يطل دم امرء مسلم».

و كيف كان فلا إشكال في الحكم المزبور، كما لا إشكال معتد به في أن حكم الصبي ما عرفت.


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 و هو نقل بالمعنى.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و فيه «لا يبطل دم امرء مسلم» إلا أن الموجود في التهذيب ج 10 ص 232- الرقم 915 «لا يبطل دم امرء مسلم».

ج 42، ص: 180

و لكن في رواية مقطوعة و مرسلة في الكتب يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا و إن حكي عن الشيخ في النهاية و المبسوط و الاستبصار الفتوى بمضمونها إلا أنه لم نظفر بها مسندة كما اعترف به غير واحد من الأساطين، نعم النصوص(1)المسندة بجواز طلاقه و وصاياه و إقامة الحدود عليه موجودة، و لعل من رواها أراد هذه النصوص بإدخال القصاص في الحدود، أو أن مبنى ما تضمنته على ثبوت البلوغ بذلك، و لا فرق بينه و بين القصاص، و كيف كان فلم نقف عليها بالخصوص.

نعم في

المروي عن سليمان بن حفص و الحسن بن راشد(2)عن العسكري (عليه السلام) «أنه إذا بلغ ثمان سنين فجائز أمره في ماله، و قد وجبت عليه الفرائض و الحدود»

و لم نجد به عاملا.

و في رواية أخرى إذا بلغ خمسة أشبار اقتص منه و هي

رواية السكوني(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن رجل و غلام اشتركا في قتل رجل، فقال: إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه، و إذا لم يكن قد بلغ خمسة أشبار قضي بالدية»

إلا أنه زاد في المتن و غيره و محكي النهاية و تقام عليه الحدود.


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق و الباب- 44- من كتاب الوصايا و لم نعثر عاجلا على نص يدل على إقامة الحدود عليه.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 13 من كتاب الحدود و الباب- 15- من كتاب الوقوف و الصدقات- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 181

و على كل حال ففي كشف اللثام حكاية العمل بها عن الشيخين و الصدوقين و جماعة و إن كنا لم نتحقق الجماعة، لأن المحكي عن الأتباع موافقة المشهور.

و على كل حال ف الوجه أن عمد الصبي خطأ محض يلزم أرشه العاقلة حتى يبلغ الصبي خمس عشرة سنة وفاقا لمن عرفت، لما سمعت، بل في المسالك «هذه الروايات مع ضعف سندها شاذة مخالفة للأصول الممهدة، بل لما أجمع عليه المسلمون إلا من شذ فلا يلتفت إليها».

كل ذلك مضافا إلى ما مر في الحجر من النص(1)و الفتوى على عدم حصول البلوغ إلا بأماراته المعلومة التي يمكن حمل خبر السكوني(2)على ما إذا وجد أحدها مع الخمسة، بل و خبر العشر و إن كان نادرا، بل هي كافية في رده إن كان مراد القائل تحقق البلوغ بالعشر و بالخمسة أشبار، ضرورة قصورها عن تخصيصها بها من وجوه، و إن كان المراد أنه صبي يقتص منه فقد عرفت قصورها عن تقييد ما دل(3)على أن عمده خطأ من وجوه.

فمن الغريب وسوسة الأردبيلي في الحكم المزبور، من تخصيص القرآن الكريم و الأخبار المتواترة بالإجماع و أخبار الآحاد، مع أن بناء الفقه عليه، و من احتمال اختصاص حديث(4)رفع القلم بغير القصاص الذي قد


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الحجر.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب العاقلة من كتاب الديات.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 و الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 11.

ج 42، ص: 182

يقال: إنه من القلم الوضعي الذي لم يرفع عن الصبيان، و لذا يضمن لو أتلف مال الغير، و من احتمال الجمع بين النصوص بحمل ما دل على الاقتصاص منه في صورة القصد، و حمل ما دل على عدمه على صورة عدم القصد، و الكل كما ترى كاد يكون خرافة بعد ما عرفت.

و أغرب من ذلك أنه غير موافق لما هو المعلوم من احتياطه و تقدسه المانعين من التهجم على الدماء بمثل ذلك، خصوصا بعد عدم الموافق له على ما ذكره من القصاص من الصبي مطلقا.

نعم في كشف اللثام «أطلق ابن زهرة أن ظاهر القرآن الاقتصاص من الصغير» و الموجود في غنيته «و منها- أي شروط القصاص-: أن يكون القاتل بالغا كامل العقل، فان حكم العمد ممن ليست هذه حاله حكم الخطأ بدليل إجماع الطائفة، و منها: أن لا يكون المقتول مجنونا بلا خلاف، و منها: أن لا يكون صغيرا على

خلاف بينهم، و ظاهر القرآن يقتضي الاستفادة به» و نحوها عن عبارة السرائر، و هما صريحان في خلاف ذلك، و إنما استند إلى ظاهر القرآن فيما إذا قتله البالغ، لا فيما إذا قتل غيره.

و أما صحيح أبي بصير(1)- المتقدم في مسألة اشتراك الرجل و المرأة في القتل المتضمن أن خطأ المرأة و الغلام عمد جواب السؤال عن الغلام لم يدرك و امرأة قتلا رجلا- فهو محمول على قضية في واقعة يعلم الامام (عليه السلام) حالها و أن الغلام فيها مدرك، و أنهما تعمدا القتل، أو غير ذلك.

و بالجملة فالمسألة خالية من الاشكال على وجه لا يشكلها أمثال هذه النصوص المحتملة وجوها عديدة مع شذوذها و الاعراض عنها، نعم


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 183

ما عن التحرير من اشتراط الرشد مع البلوغ لا وجه له، إلا أن يريد به كمال العقل لا الرشد بالمعنى المصطلح، و الله العالم.

[فرع لو اختلف الولي و الجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته فالقول قول الجاني]

فرع:

لو اختلف الولي و الجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته فقال ولي المجني عليه قتلت و أنت بالغ أو أنت عاقل فأنكر و قال: قتلته و أنا صبي أو قبل الإفاقة و كان ذلك ممكنا فالقول قول الجاني مع يمينه بلا خلاف أجده بين من تعرض له لأن الاحتمال متحقق، فلا يثبت معه القصاص المنافي لأصل إبراءه، و المتوقف على حصول شرطه، و هو البلوغ و العقل، و الفرض عدم معلوميتهما و لكن تثبت فيه الدية في مالهما، للاعتراف بالقتل الذي يمضي في حقهما دون العاقلة.

و لا فرق في ذلك بين الجهل بالتأريخ و بين العلم بتاريخ أحدهما و الجهل بالآخر، كما هو مقتضى إطلاق الأصحاب في المقام و في غيره من نظائره، و هو مما يؤيد ما ذكرناه غير مرة من عدم اعتبار تأخر مجهول التأريخ عن معلومه، فيحكم حينئذ بالقصاص مع فرض الجهل بتأريخ البلوغ و الإفاقة، و

فرق واضح بين المقام و بين التداعي في البيع و نحوه مما كان فيه دعوى الفساد بعد الاعتراف بالبيع من تعقيب الإقرار بالمنافي.

نعم لو لم يعهد للقاتل حال جنون فادعاها كان القول قول المدعي، لأن الأصل السلامة، و لعله لذا قال المصنف و غيره: «بعد إفاقته» لكن و مع ذلك في المسالك احتمال تقديم قول الجاني أيضا، لقيام الاحتمال المانع من التهجم على الدماء. و فيه أن مثله أيضا لا يبطل به دماء المسلمين.

ج 42، ص: 184

و كأن التقييد في المتن بما بعد البلوغ احتراز عما لو قال القاتل أنا صغير فعلا و كان ممكنا، فان القول قوله أيضا، لكن بدون يمين، لعدم إمكان تحليفه، لأن التحليف لإثبات المحلوف عليه، و لو ثبت صباه بطلت يمينه، فما عن الشهيد من احتمال تحليفه أو القول به واضح الضعف، بل الظاهر تأخر إثبات الدية إلى زمن العلم ببلوغه، فان مضى على الإقرار أخذت منه و إلا فلا، و الله العالم.

و لو قتل البالغ الصبي قتل به على الأصح وفاقا للمشهور نقلا و تحصيلا، بل في المسالك هو المذهب و في محكي السرائر هو الأظهر بين أصحابنا و المعمول عليه عند المحصلين منهم، بل لم أجد فيه خلافا بين المتأخرين منهم، بل و لا بين القدماء عدا ما يحكى عن الحلبي من عدم قتله به، و هو مع أنه مناف لعموم الأدلة و خصوص

مرسل(1)المنجبر بما عرفت «كل من قتل شيئا صغيرا أو كبيرا بعد أن يتعمد فعليه القتل»

قال في كشف اللثام: لم نظفر له بمستند، و الحمل على المجنون قياس، و لا دليل على أنه يقتص من الكامل للناقص و إن كان قد يناقش بما تسمعه في صحيح أبي بصير(2) نعم هو قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه فيحمل على خصوص المجنون.

نعم لا يقتل العاقل بالمجنون حال قتله بلا خلاف أجده فيه، كما عن الغنية و غيرها الاعتراف به، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب، بل عن كشف الرموز الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

صحيح أبي بصير(3)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل رجلا مجنونا، فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 185

فلا شي ء عليه من قود و لا دية، و يعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين قال: و إن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه، و أرى أن على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون، و يستغفر الله عز و جل و يتوب إليه».

و في

خبر أبي الورد(1)«قلت لأبي عبد الله و أبي جعفر (عليهما السلام): أصلحك الله رجل حمل عليه رجل مجنون بالسيف فضربه المجنون ضربة فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه و قتله، قال:

أرى أن لا يقتل به و لا يغرم ديته، و تكون ديته على الامام».

و بالجملة فالحكم مفروغ منه و لو كان القاتل أدواريا فقتل حال عقله آخر كذلك لكن حال جنونه عملا بإطلاق النص و الفتوى و إن كان لا يخلو من نظر.

و على كل حال فلا خلاف في أنه حال سقوط القود يثبت على القاتل الدية إن كان عمدا أو شبيها بالعمد، و على العاقلة إن كان خطأ محضا بل و لا إشكال.

نعم لو قصد العاقل دفعه و كان متوقفا على قتله كان هدرا لا قصاص و لا دية على القاتل و لا على عاقلته بل و لا غيرهم كما عن النهاية و المهذب و السرائر و كشف الرموز و التنقيح و المقتصر و روض الجنان و مجمع البرهان و غيرها، بل عن غاية المرام أنه المشهور للأصل و فحوى نصوص الدفع(2)، لكن قد سمعت ما في رواية أبي بصير(3)من أن ديته في بيت المال و عن المفيد و الجامع


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب القصاص في النفس.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 186

الفتوى به، و لعله لا يخلو من وجه بناء على انسياق نصوص(1)الدفع لغيره من المحارب الظالم، فلا معارض للصحيح إلا الأصل المقطوع به، بل يمكن تخصيص نصوص الدفع(2)بناء على شمولها به أيضا، و لا ينافيه خبر أبي الورد(3)بعد حمله على الدفع، لإمكان إرادة على الإمام تأديته من بيت المال منه، و احتمال العكس و إن كان ممكنا أيضا إلا أن إرجاعه إلى الصحيح أولى منه، خصوصا بعد عدم قائل به، و الله العالم.

و في ثبوت القود على السكران الآثم في سكره تردد و خلاف و لكن الثبوت أشبه وفاقا للأكثر، كما في المسالك، بل قد يظهر من غاية المراد نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، بل في الإيضاح دعواه صريحا عليه ناسبا له مع ذلك إلى النص، ذكر ذلك في مسألة شارب المرقد و المبنج.

و لعله أراد بالنص

خبر السكوني(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان قوم يشربون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم، فرفعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فسجنهم فمات منهم رجلان و بقي رجلان، فقال:

أهل المقتولين: يا أمير المؤمنين أقدهما بصاحبينا، فقال علي (عليه السلام) للقوم: ما ترون؟ قالوا: نرى أن تقيدهما، قال علي (عليه السلام):

فلعل ذينك اللذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه، قالوا: لا ندري، فقال علي (عليه السلام): بل أجعل دية المقتولين على قاتل الأربعة، و آخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين»

فان

قوله (عليه السلام):

«فلعل»

ى آخره، ظاهر في المفروغية عن كون القود عليهما لو فرض


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب القصاص في النفس.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب القصاص في النفس.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب موجبات الضمان- الحديث 2 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 187

العلم بأن الباقين قتلا هما.

و لعله ل ذا قال الشيخ و غيره إنه كالصاحي في تعلق الأحكام مؤيدا بكونه ممنوعا من ذلك أشد المنع، فهو حينئذ من الجارح عن الاختيار بسوء اختياره المعامل معاملة المختار في إجراء الأحكام حتى طلاق زوجته و غيره من الأحكام، و إنما قضى عليه في الأربعة بما ذكره لعدم العلم بالحال، ك

صحيح محمد بن قيس(1) عن أبي جعفر (عليه السلام) «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في أربعة شربوا فسكروا فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا، فقتل اثنان و جرح اثنان، فضرب كل واحد منهم ثمانين جلدة، و قضى بدية المقتولين على المجروحين، و أمر أن يقاس جراحة المجروحين فيرفع من الدية، و إن مات أحد المجروحين فليس على أحد من أولياء المقتولين شي ء».

و لكن مع ذلك كله في المسالك لعل الأظهر عدم القصاص وفاقا للفاضل في الإرشاد بل و القواعد و إن قال: على إشكال مما عرفت من انتفاء العمد و الاحتياط في الدم، إلا أن الأقوى ما عرفت، نعم لا قود عليه لو كان السكر بعذر شرعي، للأصل بعد انتفاء القصد المعتبر، هذا كله في السكران.

أما من بنج نفسه بما لا يعد مسكرا أو شرب مرقدا كذلك لا لعذر فقد ألحقه الشيخ بالسكران في ثبوت القصاص عليه، بل عنه أيضا إلحاق شارب الأدوية المبنجة بغير عذر، كل ذلك للتساوي في زوال القصد بالاختيار لا لعذر، و وافقه الفخر في الإيضاح.

و لكن فيه تردد بل منع، لعدم الدليل على الإلحاق بعد فرض عدم صدق السكران على شي ء منهم و إمكان الفرق


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب موجبات الضمان- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 188

بشدة التوعد عليه دون غيره.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال نصا(1)و فتوى في أنه لا قود على النائم بل الإجماع بقسميه عليه لعدم القصد الذي يدرجه في اسم العمد و كونه معذورا في سببه و لكن عليه الدية في ماله عند الشيخين و يحيى بن سعيد و الفاضل على ما حكي عن بعضهم، بل عن السرائر نسبته إلى أصحابنا، قال: «لأنهم جميعا يوردونه في ضمان النفوس، و ذلك لا تحمله العاقلة بلا خلاف» لأنه شبيه عمد، و للمرسل(2)المنجبر بما سمعت، و لأصالة الضمان على المتلف دون غيره، و على العاقلة عند أكثر المتأخرين، بل قيل: عامتهم حتى المصنف في كتاب الديات، لأنه خطأ محض في الفعل و القصد.

هذا كله في النائم غير الظئر، و أما هي ففيها أقوال ثلاثة: ثالثها التفصيل من الأظئار للفخر و العزة و بينه للحاجة، فالأول في مالها، و الثاني على العاقلة، و تمام الكلام في ذلك كله في كتاب الديات إن شاء الله.

و في الأعمى تردد و خلاف أظهره عند المصنف و أكثر المتأخرين أنه كالمبصر في توجه القصاص بعمده للعمومات و لكن في رواية الحلبي(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن جنايته خطأ تلزم العاقلة

قال: «سألته عن رجل ضرب رأس رجل بمعول، فسالت عيناه على خديه فوثب المضروب على ضاربه فقتله، فقال (عليه السلام): هذان متعديان جميعا، فلا أرى على الذي قتل الرجل قودا، لأنه قتله حين قتله و هو أعمى، و الأعمى جنايته خطأ تلزم عاقلته يؤخذون


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب العاقلة- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 189

بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما، فان لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها ثلاث سنين، و يرجع الأعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه».

و عن أبي علي و الشيخ و الصهرشتي و الطبرسي و ابني البراج و حمزة بل و الصدوق في ظاهره العمل بها، بل في غاية المراد هذا القول مشهور بين الأصحاب، و به هذا الأثر، فجاز مخالفة الأصل له، و عن ثاني الشهيدين في روض الجنان موافقته على ذلك.

و يؤيده أيضا

خبر أبي عبيدة(1)عن الباقر (عليه السلام) «سألته عن أعمى فقأ عين رجل صحيحة متعمدا، فقال: يا أبا عبيدة إن عمد الأعمى مثل الخطأ، هذا فيه الدية من ماله، فان لم يكن له مال فإن دية ذلك على الامام، و لا يبطل حق المسلم».

و لكن في المسالك «هاتان الروايتان مشتركتان في الدلالة على أن عمد الأعمى خطأ و في ضعف السند، و مختلفتان في الحكم، و مخالفتان للأصول، لاشتمال الأولى على كون الدية تجب ابتداء على العاقلة و مع عدمها تجب على الجاني، و هذا مخالف لحكم الخطأ، و في الثانية مع جعله الجناية كالخطإ أوجب الدية على الجاني، و مع عدم ماله على الامام و لم يوجبها على العاقلة- ثم قال-: إنها ليست صريحة في مطلوبهم أيضا، لجواز كون قوله «خطأ» حالا، و الجملة الفعلية، بعده الخبر، و إنما يتم استدلالهم بها على تقدير جعله مرفوعا على الخبرية، و أما نصب «خطأ» على التمييز- كما فعله بعضهم- فهو خطأ واضح».

و عن المختلف الجواب عن الرواية الأولى بالحمل على قصد الدفع، و فيه- مع أنه مناف لظاهر الترتيب- أنه مخالف لما فيه من إلزام العاقلة


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 190

الدية، بل لا شي ء فيه حينئذ، كما أن في احتمال النصب منافاة لقوله (عليه السلام): «هذان متعديان» و للاستدلال، بل و لقوله: «فوثب المضروب».

بل لعل المناقشة في السند ضعيفة، لأن الأولى رواها في الفقيه عن العلاء بن رزين عن الحلبي، و طريقه إليه صحيح، و الثانية موثقة بعمار، و اختلافهما في الخارج عن موضوع المسألة غير ضائر، خصوصا بعد اتفاق القائلين على أنه على العاقلة عدا الصدوق في ظاهره، لأنه روى رواية الحلبي، و مقتضاه- إن كان باقيا على ما قدمه في كتابه من العمل بما يرويه فيه- العمل به، و على

تقديره فهو شاذ لأن المعروف بين القائلين كونه على العاقلة كعمد الصبي و المجنون، و على كل حال لا قدح في الرواية من هذه الجهة.

و دعوى عدم صلاحية أخبار الآحاد و إن صحت لتخصيص الكتاب قد ذكرنا فسادها في الأصول، و لكن الانصاف مع ذلك كله عدم الجرأة بها على تخصيص العمومات بعد مخالفة المتأخرين و احتمال إرادة أن الأعمى غالبا لا يعلم تعمده إلا بإقراره منها، و الله العالم.

[الشرط الخامس أن يكون المقتول محقون الدم]

الشرط الخامس:

أن يكون المقتول محقون الدم احترازا عن المرتد بالنظر إلى المسلم، فان المسلم لو قتله لم يثبت القود و إن أثم بعدم الاستئذان ممن إليه القتل، بل و إن تاب و كان مرتدا عن فطرة و قلنا بقبول توبته و بقي القتل عليه حدا.

و كذا الزاني و اللائط و غيرهما من كل من أباح الشرع

ج 42، ص: 191

قتله حدا، لكن قد عرفت البحث في ذلك(1)و في غيره ممن حده القتل بالنسبة للمسلم و الكافر و إن كان ظاهر المصنف هنا اختصاص ذلك بالمسلم دون الكافر.

و لذلك في كشف اللثام- بعد أن ذكر الشرط المزبور و هو كون المقتول معصوم الدم مفرعا عليه عدم القصاص من المسلم من كل من أباح الشرع قتله- قال: «و هذا أحد الوجهين في المسألة، و قد مر خلافه في بعض الصور».

و لكن في الرياض «و الأصل في هذا الشرط- بعد الإجماع الظاهر المصرح به في كثير من العبائر كالغنية و السرائر- الاعتبار و المعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر، ف

في الصحيح و غيره(2)«عن رجل قتله القصاص له دية، فقال: لا لو كان ذلك لم يقتص من أحد، و قال: من قتله الحد فلا دية له»

و بمعناهما كثير من المعتبرة، و نحوها

النصوص(3)الواردة في إباحة الدفاع و قتل المحارب».

قلت: لا إشكال و لا خلاف في عدم القصاص بقتل مثل هؤلاء الذي أشار إليه المصنف و غيره بقوله و مثله من هلك بسراية القصاص أو الحد و قد سمعت النصوص(4)الواردة فيها و في المقتول دفاعا، بل و ساب النبي (صلى الله عليه و آله) الذي قد ورد إهدار دمه لكل من سمعه بل و الأئمة (عليهم السلام)(5)ما لم يخش الفتنة من قتل


1- 1 راجع ص 11- 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 بطريقين.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب القصاص في النفس.
4- 4 الوسائل- الباب- 24 و 22- من أبواب القصاص في النفس.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب حد القذف من كتاب الحدود.

ج 42، ص: 192

بري ء و نحوه.

إنما الكلام في من كان عليه القتل حدا كالزاني المحصن و اللائط و المرتد عن فطرة و لو بعد التوبة يسقط القصاص عن قاتله المسلم أو مطلقا، و ليس في شي ء مما وصل إلينا من النصوص تعرض لذلك فضلا عن تواترها، نعم ظاهر الأصحاب الاتفاق على ذلك بالنسبة للمسلم، و قد تقدم الكلام في ذلك، و الله العالم.

[الفصل الثالث في دعوى القتل و ما يثبت به]
اشاره

الفصل الثالث في دعوى القتل و ما يثبت به

[الكلام في المدعي]
اشاره

و لكن قد تقدم في كتاب القضاء(1)البحث في اعتبار الجزم بالدعوى واقعا أو إبرازا، كما أنه لا خلاف و لا إشكال في أنه يشترط في المدعي البلوغ لسلب عبارة غير البالغ، بل في المتن و غيره و الرشد بل لا أجد خلافا بينهم فيه، و هو لا يخلو من وجه لو كان متعلق الدعوى مما حجر عليه فيه، أما لو كانت قصاصا مثلا فالظاهر صحة دعواه به، لعدم الحجر عليه فيه، نعم لو أراد الصلح عليه بمال اعتبر إذن الولي، بل قد يقال بصحة دعواه في ما يتعلق بالمال منه و إن

كان لا يدفع إليه و لا يقع الصلح معه، ضرورة عدم اقتضاء الحجر عليه أزيد من التصرف في المال.


1- 1 راجع ج 40 ص 153- 157.

ج 42، ص: 193

اللهم إلا أن يقال: إن الدعوى به نوع تصرف فيه، إذ قد يتوجه عليه اليمين مثلا فينكل عنه، فلا تصح منه، بل و لا في القصاص الذي قد يؤول إلى المال، و لعل ذلك هو الوجه في إطلاق المنصف و غيره اعتباره في المدعي كالبلوغ، و لكن الانصاف عدم خلو الإطلاق مع ذلك من إشكال، خصوصا بعد ما تسمعه من صحة الدعوى عليه به.

أما المدعي عليه فلا يشترط فيه شي ء منهما عندنا، بل و لا العقل، فلو ادعى على مجنون أو طفل صحت، و تولى الحكومة الولي، و ترتب عليه الأثر من دية أو قصاص خلافا للعامة، فاشترطوا فيه البلوغ و العقل.

و أولى من ذلك صحتها على السفيه المصرح بها في القواعد و غيرها لكماله و صلاحيته للخطاب، نعم قال فيها: «و يقبل إقراره بما يوجب القصاص لا الدية، و لو أنكر صح إنكاره لإقامة البينة، و يقبل يمينه و إن لم يقبل إقراره، لانقطاع الخصومة بيمينه» و هو صريح في صحة الدعوى عليه حتى بالمال، إلا أنه يصح إنكاره لأجل إقامة البينة عليه إن كانت، و تقبل يمينه إن حلف، و تنقطع الخصومة به و إن لم يقبل إقراره بل و لا رد اليمين بناء على أنه كالإقرار منه.

و من هنا قال في كشف اللثام: «إن نكل فان جعلنا اليمين المردودة كالإقرار لم يصح الرد هنا، و إن جعلناها كالبينة ردت، فإذا حلف المدعي فكأنه أقام بينة، و للعامة قول بعدم عرض اليمين بناء على أنه قد ينكل، فلا يمكن الرد لكون اليمين المردودة كالإقرار» و ظاهره المفروغية من الحكم عندنا، و من ذلك يتوجه ما سمعته سابقا من صحة الدعوى منه أيضا.

و كيف كان فالمراد من اعتبار ما سمعته في المدعي حالة الدعوى دون وقت الجناية فلو كان صبيا أو مجنونا حالة القتل صحت عند الكمال إذ قد تتحقق صحة الدعوى بالسماع المتواتر مثلا إن

ج 42، ص: 194

اعتبرنا الجزم فيها و إلا لم يحتج إليه.

نعم لا خلاف و لا إشكال في إنه يعتبر في صحتها أن يدعي على من يصح منه مباشرة الجناية، فلو ادعى على غائب وقت الجناية أنه القاتل لم يقبل للعلم بكذبها و كذا لو ادعى على جماعة يتعذر اجتماعهم على قتل الواحد كأهل البلد.

و لكن مع ذلك تقبل دعواه لو رجع إلى الممكن و لو بأن يفسر قتل الغائب بإرسال سم إليه و نحوه، و قتل أهل البلد بقتل الواحد بينهم مع عدم دفعهم عنه أو بغير ذلك، لإطلاق ما يقتضي صحة دعواه الثانية من

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «البينة على المدعي»

و غيره كما هو واضح.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه لو حرر الدعوى بتعيين القاتل و صفة القتل و نوعه سمعت دعواه فلو ادعى على جماعة مجهولين لم تسمع. و هل تسمع منه مقتصرا على مطلق القتل من دون ذكر صفته التي هي المباشرة و التسبيب و نحوهما و لا نوعه من العمد و الخطأ و شبه العمد؟ فيه تردد و خلاف أشبهه عند المصنف القبول (11) كما تسمع تحقيقه في المسألة الثانية إن شاء الله.

و لو قال: قتله أحد هذين (12) مثلا من دون تعيين لأحدهما بل قال: لا أعرفه عينا و أريد يمين كل واحد سمع (13) وفاقا للفاضل و ولده و الشهيدين و أبي العباس و الأردبيلي على ما حكي عن بعضهم إذ لا ضرر (14) عليهما في إحلافهما (15) مع حصوله عليه بالامتناع، و لزوم إهدار المسلم، و لأنه طريق يتوصل به إلى معرفة القاتل و استيفاء الحق منه، و لأن القاتل يسعى في إخفاء القتيل كي لا يقصد و لا يطالب، و تعسر


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 5 من كتاب القضاء.

ج 42، ص: 195

معرفته على الولي لذلك، فلو لم تسمع دعواه هكذا لتضرر، و هما لا يتضرران باليمين الصادقة، إلا أن الجميع كما ترى لا يقتضي استحقاق السماع على وجه يترتب عليه استحقاق اليمين.

نعم لو قلنا بحصول اللوث بالنكول أمكن ذلك، نحو ما ذكره المصنف و غيره من أنه لو أقام بينة على أن أحدهما القاتل سمعت لإثبات اللوث إن لو خص الوارث أحدهما بعد ذلك، كما صرح به غير واحد، فتثبت الدعوى حينئذ باليمين، كما

تسمعه في محله إن شاء الله، لكن مقتضاه أنه لو لم يعينه بعد ذلك لم تكن فائدة لها، فإنه لا يثبت الحق عليهما و لا على أحدهما بخصوصه، كما صرح به في المسالك، بل هو ظاهر غيره أيضا.

لكن في كتاب بعض المعاصرين «فتثبت الدية عليهما موزعة أو بالقرعة» بل قال فيه أيضا: «إنه معها لا تسمع منهم اليمين حينئذ، لأنهم قد يحلفون جميعا فيكذبون البينة» ثم احتمل الحلف من كل منهم و أنه لا تكذيب فيه، فإنه يحلف على براءة ذمته لا ذمة صاحبه.

و ما أدري ما الوجه في ما ذكره أولا من الإلزام بالدية مع حلفهم أو عدمه؟! و كأن هذا الوهم نشأ عليه من مسألة اليمين إذا نكلا معا أو أحدهما، فإنه قال بلزوم الدية، و لكن هل يقرع بينهم أو يوزع؟

احتمالان، و الأظهر الثاني، و لا يثبت بذلك إلا الدية و إن كانت الدعوى العمد، لأنه لا يعلم القاتل، ثم احتمل القصاص من الناكل إذا كان أحدهما، و إن نكلا معا كان الولي بالخيار، كما في صورة تعدد القاتل.

و جميعه كما ترى لا يستأهل أن يسود به الأوراق، خصوصا ما ذكره أخيرا، ضرورة الفرق بين الشركاء في القتل و بين المقام، حتى لو قال المدعي: إن القاتل له إما أحدهما أو مجموعهما.

ج 42، ص: 196

و من ذلك يعلم أنه لا حكم لنكولهما إلا اللوث بناء على ترتبه عليه، و كذا لو كان الناكل أحدهما خاصة فحلف المدعي أن القاتل أحدها، بل لو أقر بأن القاتل واحد منا و لا نعلمه بعينه، لأن كل واحد منا رماه ببندقة مثلا و لم تصبه إلا واحدة منها لا نعلمها أو قامت بينة بذلك لم يجب قصاص و لا دية، و فرق واضح بين المقام و بين قيام بينتين على شخصين الذي قيل فيه: إنهم ذكروا توزيع الدية عليهما عملا بالبينة، ضرورة اقتضاء كل منهما وجوبها على معين و لا ترجيح، فليس إلا التوزيع، كقسمة العين بالنصف بين المتداعيين عند تعارض البينتين، فتأمل جيدا.

بل لعل المتجه بناء على ما ذكرناه عدم سماع الدعوى المزبورة إلا بالبينة بناء على عدم حصول اللوث بالنكول، ضرورة عدم ترتب أثر حينئذ للنكول، اللهم إلا أن يراد الإلزام باليمين، كدعوى التهمة بناء على قبولها التي ليس للمدعي فيها أخذ المال من المتهم بنكوله إلا أن يقر، أو قلنا يقضى به عليه مطلقا حتى في دعوى التهمة على وجه يكون المال عوضا عن النكول عن حق اليمين، فهو حينئذ من المباح شرعا على هذا الوجه لا على عوض المال المدعى به، لكنه كما ترى دون إثباته خرط القتاد، و قد تقدم الكلام في كتاب القضاء(1).

بل لعل الظاهر عدم كون المقام من دعوى التهمة، فإن الفرض إبراز المدعي الجزم بكون القاتل أحدهما، و كونها تنحل إلى إبهام كل منهما لا يقتضي إجراء حكم دعوى التهمة. و من هنا يتجه القبول في المقام و إن قلنا بالعدم في دعوى التهمة.

بقي شي ء: و هو أن الفاضل في القواعد بعد أن ذكر سماع الدعوى في المقام و البينة قال: «و كذا دعوى الغصب و السرقة، أما القرض


1- 1 راجع ج 40 ص 153- 157.

ج 42، ص: 197

و البيع و غيرهما من المعاملات فإشكال ينشأ من تقصيره بالنسيان، و الأقرب السماع أيضا» و تبعه عليه غيره.

و فيه أنه لا لوث في المقام، فالبينة على أن زيد الغاصب أو عمرو لا فائدة فيها، اللهم إلا أن يقال: إن فائدتها انحصار الحق في أحدهما بالخصوص لو علم بعد ذلك براءة أحدهما و لو باعتراف الآخر بناء على الاكتفاء به في مثل ذلك، إلا أنه كما ترى شك في شك.

و كذا لو نكلا أو أحدهما عن اليمين و حلف المدعي على أن أحدهما الغاصب، فإنه ليس له على كل واحد منهما بالخصوص سبيل، لأصل براءة ذمته، و يحتمل أن يريد أصل سماع الدعوى بحيث يتوجه اليمين على كل منهما نحو يمين دعوى التهمة، فتأمل جيدا.

[مسائل]
[المسألة الأولى لو ادعى أنه قتل مع جماعة لا يعرف عددهم]

الأولى لو ادعى على شخص مثلا أنه قتل مع جماعة لا يعرف عددهم فان كان ذلك منه على وجه لا يتصور اجتماعهم على القتل لم تسمع للعلم بكذبها و إن لم يكن كذلك إلا أنه لم يحصرهم، فان ادعى قتلا يوجب الدية سمعت دعواه و إن لم يثبت على المدعى عليه شي ء معين، ضرورة توقف ذلك على معرفة عدد الشركاء و الفرض عدمه، فليس حينئذ إلا الصلح.

بل و كذا لو كانت الدعوى القتل عمدا فإنه لا يقضي بالقود و لا بالدية لتوقف الأول على رد ما فضل من ديته عن جنايته،

ج 42، ص: 198

و هو موقوف على معرفة عدد الشركاء، نعم يتجه ذلك بناء على ما يحكى عن بعض العامة من استحقاق القتل مع الاشتراك بغير رد، فيثبت حينئذ القود، و لكنه معلوم الفساد عندنا نصا(1)و فتوى، كذا قيل.

و لكن قد يقال بناء على ما عندنا يثبت القود له أيضا و إن ثبت عليه بعد استيفائه رد الفاضل المفروض عدم معلوميته، فيرجع إلى الصلح، بل لو قلنا بتقديم الرد أمكن القضاء بينهم بالصلح القهري ثم استيفاء القصاص، و ليس في الأدلة ما يقتضي الاشتراط على وجه إن لم يعلم سقط القصاص.

و تظهر الثمرة في ما لو فرض عصيان الولي و اقتص منه قبل رد الفاضل، فان الظاهر عدم ترتب غير رد الفاضل عليه، بل قد يقال:

إنه ليس على القاتل منه شي ء، و إنما هو في ذمة الشركاء، كما سمعت ظهور النصوص(2)فيه، و حينئذ تكون لأوليائه الخصومة معهم، و المراد الاستحقاق من حيث الدعوى و إلا فلو فرض بذلك ولي المجني عليه المتيقن مما يفضل عن جنايته و لو الدية تماما إلا شيئا كان له القصاص، هذا كله في القود.

و أما عدم القضاء بالدية فواضح بناء على أنها لا تجب في العمد، إلا صلحا بل و على غيره أيضا لعدم العلم بحصة المدعى عليه من الجناية و لكن ذلك كله لا ينافي سماع الدعوى فإنه يقضى حينئذ بالصلح قهرا حقنا للدم المعلوم شدة أمره عند الشارع، و لذلك خالفت الدعوى فيه الدعوى في المال في أمور كثيرة.

و من ذلك يعلم ضعف احتمال بطلان الدعوى المزبورة باعتبار إبهامها كالمال، و لذا لم يذكره المصنف، بل قيل و غيره من أرباب المتون، نعم


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القصاص في النفس.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 199

ذكره بعض الشارحين.

و على كل حال فما عرفت إنما هو إذا لم يحصرهم بحيث يمكن الحكم على المعين بحصته من الدية أو الفاضل، و إلا حكم له بالمتيقن، كما لو قال: قتله مع جماعة لا يزيدون على عشرة مثلا، فعشر الدية حينئذ متيقن يحكم به للولي على الجاني، بل لو أراد قتله في صورة العمد كان له ذلك بعد رد تسعة أعشار الدية عليه، و الله العالم.

[المسألة الثانية لو ادعى القتل و لم يبين عمدا أو خطأ الأقرب أنها تسمع]

المسألة الثانية:

لو ادعى القتل و لم يبين عمدا أو خطأ محضا أو شبيها بالعمد على وجه الانفراد أو الاشتراك الأقرب أنها تسمع، و لكن يستفصله القاضي، و ليس ذلك تلقينا بل تحقيقا للدعوى خلافا لبعض العامة فجعله تلقينا. و فيه منع بعد أن لم يكن مقصودا له.

و في المسالك «لأن التلقين أن يقول له: قتل عمدا أو خطأ جازما بأحدهما ليبني عليه المدعي، و الاستفصال أن يقول: كيف قتل عمدا أو خطأ؟ لتتحقق الدعوى» و فيه أن الثاني ضرب من التلقين أيضا إذا قصده.

و كيف كان ففي القواعد جعل من شرائط سماع الدعوى أن تكون مفصلة، لكن قال أيضا: «فلو أجمل استفصله الحاكم» و فيه أن مقتضى كون ذلك شرطا أن للحاكم الاعراض عنه حتى يذكرها مفصلة، إلا أن ظاهر قول المصنف: «الأقرب» إلى آخره أنها على إجمالها مسموعة، و لكن مع الاستفصال، بل هو ظاهر الفاضل أيضا، فالمتجه أن يقال

ج 42، ص: 200

بعدم لزوم الاستفصال مع فرض سماعها مجملة، نعم لو لم نقل بسماعها مجملة أمكن القول حينئذ بسماعها مع الاستفصال، لأن الأصل في الدعوى القبول حتى يتحقق أنها مجملة، فإذا استفصلها الحاكم و بان أنها مجملة عند المدعي أعرض عنها و إلا فلا.

و من ذلك يعلم ما في المسالك من تفريع الاستفصال و الاعراض على القول بسماع المجملة.

كما أن منه يعلم كون الاحتمال مانعا عند القائل به، لا أن التفصيل شرط، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله و لو لم يبين قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط طرحت دعواه و سقطت البينة بذلك إذ لا يمكن الحكم بها بدون العلم بالصفة من عمد أو خطأ، فلا تفيد الشهادة على مقتضاها و لا يمين.

و لكن فيه تردد و نحوه ما في القواعد و غيرها مما عرفت و من أن مقتضى الإطلاقات سماعها و إن رجع حينئذ إلى الدية في وجه أو الصلح عن الحق الثابت له في آخر، إذ قد يعلم الولي بصدور القتل من شخص و يجهل صفته، فلو لم تسمع دعواه لزم ضياع الحق و طل الدم، بل ظاهر المصنف اختياره في ما تقدم، بل ينبغي الجزم بذلك بناء على ما سمعته في المسألة السابقة.

نعم لو فرض كون الدعوى مجملة على وجه لا يترتب حكم على مجملها اتجه عدم سماعها، و قد تقدم تحقيق البحث في ذلك في كتاب القضاء(1).

بل لا وجه لعدم السماع هنا بناء على ترتب الدية مع ثبوت أصل القتل احتياطا في الدماء و اقتصارا على المتيقن و إن كان قد يشكل بمنع


1- 1 راجع ج 40 ص 153- 157.

ج 42، ص: 201

كون ذلك هو المتيقن، لأن القتل أعم من كونه موجبا للدية أو القتل، لكن يمكن دفعه بأنه يستفاد من استقراء

النصوص منها «لا يطل دم امرء مسلم»(1)

ثبوت الدية مع عدم العلم بالصفة، و ليس ذلك لإثبات كونه خطأ أو شبيه عمد كي يشكل بأنهما كالعمد بالنسبة إلى ما يقع في الخارج، بل هو أمر آخر مستفاد من الأدلة، فما عساه يظهر من بعض من إمكان تنقيح ذلك بالأصول لا يخلو من نظر، و الله العالم.

[المسألة الثالثة لو ادعى على شخص القتل منفردا ثم ادعى على آخر لم تسمع الثانية]

المسألة الثالثة:

لو ادعى على شخص مثلا القتل منفردا ثم ادعى على آخر لم تسمع الثانية، برأ الأول أو أشركه، لإكذابه نفسه بالدعوى الأولى و في القواعد جعل من شرائط صحة الدعوى عدم التناقض و فرع عليه ذلك، بل لو لم يحلف على الأولى و لم يمض الحكم بها لم يمكنه العود إليها أيضا، لتكذيبه إياها بالثانية، فمقتضى مؤاخذته بإقراره عدم سماعهما معا، نعم لو أن الثاني صدقه في دعواه ففي القبول وجهان: أحدهما أنه ليس له أن يؤاخذه بموجب تصديقه، لأن في الدعوى الأولى اعترافا ببراءة غير المدعى عليه، و أصحهما كما في المسالك و أقربهما في القواعد المؤاخذة، لأن الحق لا يعدوهما، و يمكن أن يكون كاذبا في الأولى أو غالطا أو ساهيا.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و الباب- 46- منها- الحديث 2 و الباب- 2- من أبواب دعوى القتل الحديث 1 و الباب- 8- منها- الحديث 3 و الباب- 10- منها- الحديث 5 و في الجميع« لا يبطل دم امرء مسلم» إلا أن الموجود في التهذيب ج 10 ص 167 و 332« لا يطل دم امرء مسلم».

ج 42، ص: 202

هذا و في المتن في أصل المسألة و فيه للشيخ قول آخر و ظاهره أنه قول بسماع الثانية، لكن في المسالك «الموجود في كلام الشيخ و غيره الخلاف في هذا القسم» و هو ما إذا صدقه الثاني على دعواه، و أن المرجح قبول دعوى المدعي الثانية، و حينئذ فيكون هذا القول مخالفا لإطلاق الأول عدم سماع الثانية المتناول لما إذا صدق المدعى عليه ثانيا و ما إذا كذب، و أما القول بأن الدعوى الثانية مسموعة مطلقا مع كونها مكذبة للأولى فلا يظهر به قائل».

قلت: يمكن القول بسماع الثانية إذا أظهر للأولى عذرا يقبل في حقه كما في غير المقام و إن لم أجد من ذكره هنا، بل لعل كلامهم في.

[المسألة الرابعة لو ادعى قتل العمد ففسره بالخطإ لم تبطل أصل الدعوى]

المسألة الرابعة يرشد إليه و هي لو ادعى قتل العمد ففسره بالخطإ لم تبطل أصل الدعوى، و كذا لو ادعى الخطأ و فسره بما ليس بخطإ فإنه قد اعترف في المسالك بأنها كالمتفرعة على السابقة قال: «و إنما فصلها عنها و حكم بالقبول، لأن كل واحد منهما قد يخفى مفهومه على كثير من الناس فقد يظن ما ليس بعمد عمدا فيتبين بتفسيره أنه مخطئ في اعتقاده، و بالعكس، و أيضا فقد يكذب في الوصف و يصدق في الأصل فلا ترد أصل الدعوى، و يعتمد على تفسيره و يمضى حكمه».

و لا يخفى عليك أن ذلك ليس إلا لإمكان العذر في حقه، و إلا فهو في دعوى العمد معترف ببراءة العاقلة، فلا يتمكن من مطالبته و لا تسمع دعواه عليه، و في دعوى الخطأ المحض معترف ببراءة الجاني، فلا تسمع دعواه بعد ذلك عليه. و من هنا احتمل غير واحد عدم السماع أيضا،

ج 42، ص: 203

و لكن المعروف في الفتوى السماع الذي مبناه ما عرفت، و هو مشترك بين المقامين.

و لو ادعى القتل فصالح على مال ثم قال بعد ذلك: ظلمته بأخذ المال مفسرا له بأن الدعوى كانت كاذبة استرد المال منه أخذا بإقراره، و أما لو فسره بأنه حنفي لا يرى القسامة و قد أخذه منه بها لم يسترد، لأن النظر في الحكم إلى رأي الحاكم المحق، و هو يرى الاستحقاق بها لا إلى رأي الخصمين، فالمال له شرعا و إن كان يزعم خلافه.

و دعوى أن ذلك لا بوافق أصولنا كما عن الأردبيلي بل يوافق أصول أبي حنيفة الذي يرى انقلاب الواقع بحكم الحاكم واضحة الفساد كما حررناه في كتاب القضاء(1)و غيره، و قلنا: إن ذلك هو معنى قولهم: «إن الفتوى تنقض بالحكم دون العكس» نعم هو كذلك في الموضوع و الحكم القطعيين، فإنه لا يتغير الواقع بحكم الحاكم بخلاف الحكم الاجتهادي و التقليدي.

و لو قال: هذا المال حرام مفسرا له بعدم ملك الباذل له فان عين له مالكا دفعه إليه، و إلا ففي إفرازه في يده مضمونا عليه أو لا أو أخذ الحاكم منه و حفظه

لمالكه وجهان، و قد تقدم الكلام في نظيره في الإقرار(2)و الغصب(3)و غيره من الكتب السابقة و على كل حال فليس على الباذل شي ء من غير بينة.

[أما الكلام في الدعوى]
اشاره

و كيف كان فلا خلاف كما لا إشكال في أنه تثبت الدعوى بالقتل بالإقرار أو البينة أو القسامة،

[أما الإقرار]

أما الإقرار فيكفي فيه المرة وفاقا للأكثر، بل عليه عامة المتأخرين عدا نادر،


1- 1 راجع ج 40 ص 94- 103.
2- 2 راجع ج 35 ص 58- 62.
3- 3 راجع ج 37 ص 230- 231.

ج 42، ص: 204

للعموم و خصوص ظاهر المرسل المرفوع(1)الآتي و غيره و لكن بعض الأصحاب كالشيخ و ابني إدريس و البراج و الطبرسي و يحيى ابن سعيد على ما حكي عنهم يشترط الإقرار مرتين و لا نعرف له وجها إلا الاحتياط في الدماء الذي لا يعارض الأدلة مع أنه معارض بمثله، و عدم بطلان دم المسلم، و لذا قبلت فيه في الجملة شهادة النساء و الصبيان و قسامة المدعي تحقيقا لقوله تعالى(2)«وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ» و إلا القياس على السرقة الممنوع عندنا، على أنه مع الفارق، ضرورة كونها من الحقوق الإلهية المبنية على التخفيف و المسامحة و لذا يسقط بالتوبة بخلاف حقوق الآدميين.

نعم يعتبر في المقر البلوغ و كمال العقل و الاختيار و الحرية فلا عبرة بإقرار الصبي و إن راهق و لا المجنون و لا المكره و لا الساهي و الغافل و النائم و السكران و لا العبد الذي إقراره يكون في حق المولى، كما

سأل الصادق (عليه السلام) أبو محمد الوابشي(3)الذي لم يذكر علماء الرجال على ما قيل فيه سوى أنه من أصحاب الصادق (عليه السلام) إلا أنه وصفه في الرياض بالقرب من الصحيح بناء منه على صحة الخبر برواية أحد من أصحاب الإجماع له، و هو أصل فاسد، بل قيل: إنه هو رجع عنه، فهو حينئذ غير

صحيح، و لكنه معتضد بالفتوى و القاعدة، قال: «سألته عن قوم ادعوا على عبد جناية تحيط برقبته فأقر العبد بها، فقال: لا يجوز إقرار العبد على سيده».

بل لو أعتق ففي مؤاخذته بإقراره وجهان، كما سمعت الكلام فيه في


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة:- 2- الآية 179.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.

ج 42، ص: 205

كتاب الإقرار(1)بل و في ما لو صدقه مولاه، و أنه يقبل لأن الحق لا يعدوهما، و ربما احتمل ضعيفا عدم القبول، بل و في ما لو أقر عليه مولاه دونه، فإنه يقبل و لكن يجب المال و يتعلق برقبة الجاني دون القصاص، فلاحظ و تأمل.

و لا فرق في العبد بين المدبر و أم الولد و المكاتب و إن انعتق بعضه و نفذ إقراره في نصيب الحرية لكن لا يقاد منه، بل يؤخذ الدية بالحساب، فان لم يؤدها حتى انعتق أقيد منه كما تقدم الكلام في ذلك كله في محله.

و لو أقر العبد المرهون لم ينفذ إقراره إلا مع تصديق المرتهن و إن صدقه المولى، لتعلق حقه به، نعم لو أقر الأجير الخاص فالظاهر نفوذ إقراره و إن لم يصدقه المستأجر، لأنه لا يكون بذلك كالرهن و إن كان لا يجوز له العمل لغير المستأجر، لأنه لا يكون بذلك كالرهن و إن كان لا يجوز له العمل لغير المستأجر إلا أنه تكليف في ذمته لا حق يتعلق بعينه، فيقتص منه و تبطل إجارته. هذا كله في ما سمعت من المحجور عليهم.

أما المحجور عليه لسفه أو فلس فيقبل إقراره بالعمد لعدم الحجر عليه، فتشمله العمومات و يستوفى منه القصاص في الحال من غير انتظار لفك حجره و أما الخطأ الشبيه بالعمد و نحوه مما يوجب عليه الدية فيثبت المال في ذمته بإقرار المفلس به و لكن لا يشارك الغرماء مع عدم تصديقهم و إن أسنده إلى ما قبل الحجر على إشكال تقدم الكلام فيه في كتاب المفلس(2)فلاحظ و تأمل كي تعرف الفرق بين الجناية و الإتلاف و بين غيرهما من المعاملات الاختيارية بالنسبة إلى الثبوت بالبينة و الإقرار و الإسناد إلى ما بعد الحجر و قبله، و الله الهادي.


1- 1 راجع ج 35 ص 108- 110.
2- 2 راجع ج 25 ص 293 و 352.

ج 42، ص: 206

و لو أقر واحد بقتله عمدا و آخر بقتله خطأ تخير الولي في تصديق أحدهما كما صرح به غير واحد، بل عن الانتصار الإجماع عليه، لأن إقرار كل منهما سبب في إيجاب مقتضاه على المقر به، و لا يمكن الجمع بين الأمرين، فيتخير و إن جهل الحال و ليس له على الآخر سبيل.

و يدل عليه مضافا إلى ذلك

خبر الحسن بن صالح(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وجد مقتولا فجاء رجلان إلى وليه، فقال أحدهما: أنا قتلته عمدا، و قال الآخر: أنا قتلته خطأ، فقال: إن هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ و أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل».

فما عن بعض العامة من قتلهما أو أخذ الدية منهما واضح الفساد، بل و كذا ما عن الغنية و الإصباح من تخير الولي بين قتل المقر بالعمد و أخذ الدية منهما نصفين، و الله العالم.

و لو أقر بقتله عمدا فأقر آخر أنه هو الذي قتله و رجع الأول درئ عنهما القصاص و الدية و ودي المقتول من بيت المال كما هو المشهور، بل في كشف الرموز أن الأصحاب ذهبوا إلى ذلك و لا أعرف مخالفا، بل عن الانتصار الإجماع عليه، بل قال أيضا: إنا نسند ما ذهبنا إليه إلى نص و توقيف.

و لعله هو قضية الحسن (عليه السلام) التي رواها

علي بن إبراهيم عن أبيه(2)قال: «أخبرني بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتي أمير المؤمنين (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1.

ج 42، ص: 207

برجل هو في خربة و بيده سكين متلطخ بالدم فإذا رجل مذبوح متشحط بدمه، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ما تقول؟ قال: أنا قتلته يا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: اذهبوا به فأقيدوه، فلما ذهبوا به ليقتلوه أقبل رجل مسرعا،

فقال: لا تعجلوا و ردوه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فردوه فقال: و الله يا أمير المؤمنين ما هذا قتل صاحبه أنا قتلته، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) للأول:

ما حملك على إقرارك على نفسك؟ فقال: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) و ما كنت أستطيع أن أقول، و قد شهدوا علي أمثال هؤلاء الرجال و أخذوني و بيدي سكين ملطخ بالدم و الرجل متشحط في دمه و أنا قائم عليه و خفت الضرب فأقررت، و أنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة، فأخذني البول فدخلت الخربة فوجدت الرجل يتشحط في دمه فقمت متعجبا، فدخل علي هؤلاء فأخذوني، فقال (عليه السلام):

خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن (عليه السلام) و قولوا: ما الحكم فيهما؟ قال: فذهبوا إلى الحسن (عليه السلام) و قصوا عليه قصتهما، فقال الحسن (عليه السلام): قولوا لأمير المؤمنين (عليه السلام):

إن كان هذا ذبح هذا فقد أحيا هذا، و قد قال الله تعالى وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً(1)فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ فخلى عنهما، و أخرج دية المذبوح من بيت المال».

و في التنقيح و غاية المرام عليها عمل الأصحاب، و عن السرائر نسبتها إلى رواية أصحابنا، و لم نجد مخالفا في ذلك إلا ثاني الشهيدين و أبا العباس في ما حكي عنه، لإرسال الخبر المزبور المنجبر بما عرفت على وجه يصلح قاطعا للأصل، و لاقتضاء ذلك إسقاط حق المسلم، لجواز التواطؤ


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 32.

ج 42، ص: 208

من المقرين على قتله و إسقاط القصاص و الدية، و هو كما ترى مجرد اعتبار لا يعارض ما سمعت من النص و الفتوى المشتمل على الكرامة للحسن (عليه السلام) باعتبار أنه لو كان غيره لأخذ بقاعدة الإقرار، إلا أنه لما كان مؤيدا بروح القدس و مسددا بتسديداته و الفرض أن الحكم عند الله تعالى شأنه على خلاف قاعدة الإقرار للحكمة التي ذكرها أبو محمد (عليه السلام) قضى فيها بما سمعت، و أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) إظهار أمر الحسن (عليه السلام) و أنه من معادن أسرار الله تعالى.

ثم إن ظاهر التعليل المزبور عدم الفرق بين وجود بيت المال و عدمه، بل لعله ظاهر الفتاوى أيضا و إن أشكله في المسالك و الرياض باقتضائه حينئذ ذهاب حق المقر له، بل مقتضى التعليل ذلك أيضا و إن لم يرجع الأول عن إقراره، إلا أن ظاهر الفتاوى تقييده بذلك، و يؤيده قاعدة الاقتصار في ما خالف الأصول على المتيقن، بل لو لا ظهور الاتفاق على النص المزبور المشتمل على كرامة الحسن (عليه السلام) أمكن حمل ما وقع من الحسن (عليه السلام) على أنه قضية في واقعة أو غير ذلك، و الله العالم.

[أما البينة]
اشارة

و أما البينة فلا يثبت ما يجب به القصاص في النفس أو الطرف إلا بشاهدين عدلين عند المصنف هنا و حينئذ لا يثبت بشاهد و امرأتين فضلا عن شهادة النساء منفردات.

و قيل و القائل الشيخ في المبسوط و الفاضل و غيرهما: يجب به القود بل هو مختار المصنف في كتاب الشهادات.

و قيل و القائل الشيخ أيضا في النهاية و ابن الجنيد و أبو الصلاح و القاضي و الفاضل في المختلف يثبت ذلك، و لكنه تجب به الدية دون القصاص جمعا بين الأدلة و لكن قال المصنف هو شاذ

ج 42، ص: 209

مع أن القائل به جماعة، و قد تقدم تحقيق الحال في ذلك في كتاب الشهادات.

و كذا تقدم البحث في أنه لا يثبت بشاهد و يمين كما هو المشهور، بل في الرياض الاتفاق عليه، أو يثبت بهما كما عن الشيخ و ابن إدريس، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه يثبت بكل منهما (بذلك خ ل) ما موجبه الدية كقتل الخطأ الشبيه بالعمد و غيره و الهاشمة و المنقلة و كسر العظام و الجائفة لكون الشهادة على المال الذي يثبت بشهادة النساء منفردات، بل و بالامرأتين مع اليمين، كما تقدم تحقيق ذلك كله في كتاب الشهادات أيضا.

و لو عفا من له القصاص على مال لم يثبت بشهادة النساء و إن انضممن بناء على عدم ثبوت القصاص، فان المال ليس من المشهود به، و إنما هو طرأ من خارج، و عن العامة وجه بالقبول إذا رجع إلى المال قبل الإثبات، كأن يقول: عفوت عن القصاص فاقبلوا مني شهادة رجل و امرأتين، و ضعفه واضح.

و لو شهد الرجل و الامرأتان على هاشمة مسبوقة بإيضاح بضربة واحدة ففي القواعد و الإرشاد و محكي حواشي الشهيد الأول و روض الجنان عدم القبول في الهشم الموجب للأرش، أي لم يترتب على الهشم أرش أصلا، لأنها شهادة واحدة ردت في بعضها، و هو الإيضاح الموجب للقصاص، فلا تقبل في الباقي، و لأن الهشم لا ينفصل من الإيضاح الممتنع بالشهادة فيمتنع ما لا يتم إلا به.

و فيه أنه لا بعد في ثبوته مع عدم ثبوت الإيضاح نحو ما سمعته في السرقة التي يثبت فيها المال بذلك دون الحد، كما أنه يمكن حصول الهشم بدون إيضاح، و لعله لذا تردد في عدم القبول في التحرير و غيره، بل

ج 42، ص: 210

عن المبسوط أنه قوى القبول، و مال إليه في كشف اللثام.

و لو شهدوا أنه رمى زيدا عمدا فمرق السهم فأصاب عمرا خطأ ثبت الخطأ دون العمد، لأنهما جنايتان، فإنه لا إشكال في قبول الثانية لو شهدوا أولا بأنه ضربه فأوضحه ثم ضربه ثانيا فهشمه للتعدد، و ما في بعض الكتب- من المناقشة في ذلك، و أنها شهادة واحدة بضربة واحدة، فاما أن تقبل فيهما أو تردد كذلك- واهبة.

و على كل حال ففي المتن و غيره أنه لا تقبل الشهادة بالقتل إلا صافية عن الاحتمال كقوله: ضربه بالسيف فمات أو فقتله أو فأنهر دمه من باب الافعال لا الانفعال، قال في القاموس:

«أنهر الدم: أظهره و أساله» فمات في حاله أو فلم يزل مريضا منها حتى مات و إن طالت المدة و زاد في التحرير في الأول «من الضربة» و في الثالث «من ذلك» و مقتضى عبارة المتن و القواعد و الإرشاد و محكي المبسوط عدم اعتبار ذلك، و لعله لأن الفاء للتسبيب الدال على أن موته بسبب ذلك، و كأنه في التحرير لم يكتف بها في الصراحة كما استظهره في المسالك، و من هنا قال: «عبارة التحرير في هذا الباب أجود، لأنه اقتصر على أمثلة صريحة».

قلت: لا ريب في عدم الصراحة التي ينتفي معها الاحتمال، لكن قد يشكل اعتبار ذلك إن لم يكن إجماعا بمعلومية حجية ظواهر الألفاظ، نعم لو فرض كون الاحتمال على وجه يفيد اللفظ الاجمال اتجه ذلك، لعدم الظهور حينئذ، أما مع عدمه فالمتجه اعتبار الظاهر و إن لم يكن صريحا، و من ذلك ينقدح الإشكال في أصل الشرط المزبور، و على تقديره فلا ريب في عدم الصراحة بقوله: ضرب فمات، و يمكن- بقرينة ما سمعته من التمثيل- إرادة نحو اعتبار هذه الظواهر في الشهادة بالقتل، خصوصا

ج 42، ص: 211

القصاص منه في مقابلة بعض الظواهر الذي يكون ظهوره اجتهاديا، لا أن المراد الصراحة التي ينتفى معها الاحتمال، فتأمل، و الله العالم بحقيقة الحال.

و لو أنكر المدعى عليه ما شهدت به البينة لم يلتفت إلى إنكاره قطعا و إن صدقها في الشهادة بالجناية و لكن ادعى الموت بغير الجناية التي شهدت البينة بها كان القول قوله مع يمينه للأصل و غيره، نعم لو تضمن ذلك تكذيب الشهادة كما لو صرح الشاهدان بموته منها لم يلتفت إلى دعواه.

و كذلك الحكم في الجراح الذي هو كالقتل في اعتبار الشرط المزبور فإنه لو قال الشاهد: ضربه فأوضحه أو اتضح من ضربته أو نحو ذلك قبل للصراحة في حصول الإيضاح من جنايته.

و أما لو قال: اختصما ثم افترقا و هو مجروح أو ضربه فوجدناه مشجوجا لم يقبل، لاحتمال أن يكون من غيره إذ لا ظهور في عبارة الشاهد فضلا عن الصراحة في كون ذلك منه، بل و كذا لو قال: (11) ضربه فجرى دمه (12) ما لم يقل من تلك الضربة.

أما لو قال: (13) ضربة فأجرى دمه قبلت (14) في الجراح و لو قال: أسال دمه فمات قبلت في الدامية (15) قطعا دون ما زاد (16) بناء على عدم صراحة قوله: «فمات» في التسبيب، لكنه مناف لما سمعته سابقا منه من جعل قول: «ضربه فمات» من العبارة الصافية عن الاحتمال، و نحو ذلك وقع للفاضل بل و للشيخ في المحكي من مبسوط، و الأمر سهل بعد أن عرفت تحقيق الحال.

و لو قال (17) الشاهد أوضحه و وجدنا فيه موضحتين (18) و عجز الشاهد عن تعيين موضحة المشهود عليه سقط القصاص،

ج 42، ص: 212

لتعذر المساواة في الاستيفاء إذ من المعلوم اعتبار تعيين محل الجراحة و مساحتها في ثبوت القصاص ف يرجع حينئذ إلى الدية بعد تعذر القصاص، بناء على أنها أحد الفردين في مطلق القصاص، أو في خصوص الجراح، أو في حال التعذر.

و ربما خطر في البال في الفرض أن له الاقتصاص بأقلها بناء على أنه المتيقن و فيه ضعف ظاهر لأنه استيفاء في محل لا يتحقق توجه القصاص فيه فلا متيقن حينئذ بعد اشتباه المحل.

و كذا لو قال الشاهد قطع يده و وجده مقطوع اليدين في عدم جواز القصاص منه حي يقول: هذه اليد و لا يكفي قوله (11) أى الشاهد: ضربه فأوضحه و لا شجه حتى يقول:

هذه الموضحة أو هذه الشجة (12) و إن لم يكن في رأسه إلا واحدة لاحتمال غيرها أكبر أو أصغر (13) فلا قصاص حتى يعينها، نعم تجب الدية كما عرفته سابقا، و احتمل عدمها بناء على أن الواجب القصاص و قد تعذر، و هي لا تثبت إلا صلحا، و هو ضعيف.

و (14) لا خلاف كما لا إشكال في أنه يشترط فيهما (15) أي المشاهدين التوارد على الوصف الواحد (16) كما في غير المقام فلو شهد أحدهما أنه قتله غدوة و الآخر عشية أو بالسكين و الآخر بالسيف أو بالقتل في مكان معين و الآخر في غيره لم يقبل (17) لأن كلا من المفعولين غير الآخر، و يمتنع وقوع القتل عليهما، و أحدهما لا يثبت به القتل.

و (18) لكن هل يكون ذلك لوثا؟ قال في المبسوط:

نعم (19) لاتفاقهما على حصول القتل، و ربما وافقت إحدى الشهادتين الدعوى، و سيأتي أن اللوث يحصل بشهادة الواحد و فيه إشكال

ج 42، ص: 213

لتكاذبهما المقتضي لتساقطهما، و لقاعدة الاقتصار على المتيقن في اللوث المخالف للقواعد، و المسلم منه شهادة الواحد بلا معارض، من غير فرق بين حصول الظن للحاكم من أحدهما بكونه أضبط و أعدل أو لا، فالأظهر حينئذ عدم اللوث كما في المسالك و غيرها.

أما لو شهد أحدهما بالإقرار و الآخر بالمشاهدة لم يثبت القتل لاختلاف المشهود به و لكن كان لوثا لعدم التكاذب بل التعاضد، و الله العالم.

[هنا مسائل]
اشاره

و هنا مسائل:

[المسألة الأولى لو شهد أحدهما بالإقرار بالقتل مطلقا و شهد الآخر بالإقرار عمدا ثبت القتل]

الأولى:

لو شهد أحدهما بالإقرار بالقتل مطلقا و شهد الآخر بالإقرار عمدا ثبت القتل الذي اتفقا عليه دون الوصف الذي انفرد به أحدهما و كلف المدعى عليه البيان، فإن أنكر القتل لم يقبل منه، لأنه إكذاب للبينة و إن قال: عمدا قتل مع تصديق الولي له لإقراره و إن قال: خطأ و صدقه الولي فلا بحث، و إلا فالقول قول الجاني مع يمينه لأنه من التفسير الذي يرجع به إليه، و لأنه كذي اليد على صفة فعله.

و حينئذ فلا فرق بين دعوى الخطأ و العمد لو فرض إنكار الولي، و من هنا قال الفاضل في القواعد: «و إن فسر بمهما كان أي من العمد و الخطأ قبل: و القول قوله مع اليمين إذا لم يصدقه الولي» فلا يتوهم من إطلاق المتن القبول في العمد و التفصيل في الخطأ الاختلاف بينهما في ذلك، ضرورة عدم الفرق، و حينئذ فإن حلف و إلا جعل ناكلا

ج 42، ص: 214

و حلف الولي، نعم مع ثبوت الخطأ بيمينه تكون الدية في مسألة دون العاقلة الذي لا ينفذ إقرار الغير في حقه، و كذا لو ثبت باليمين المردودة و إن قلنا إنهما كالبينة لكن في حق المتخاصمين دون غيرهما مع أن التحقيق كونهما أصلا برأسه، كما تقدم تحقيقه في محله.

و لو شهد أحدهما بالقتل عمدا و الآخر بالقتل المطلق و أنكر القاتل العمد و ادعاه الولي كانت شهادة الواحد لوثا و حينئذ ف يثبت الولي دعواه بالقسامة إن شاء لعدم التكاذب بين الشاهدين، ضرورة عدم تضمن شهادة الآخر الصفة، فكان الآخر كالشاهد الواحد ابتداء من غير أن يشهد معه غيره، بخلاف ما إذا تضمنت شهادة الآخر المناقضة الذي تقدم الكلام فيه آنفا، بل و بخلاف المسألة السابقة التي مبناها على الإقرار الذي لا يثبت به اللوث المخالف للأصل، كما تعرفه في محله إن شاء الله.

و لو شهد أحدهما بالقتل عمدا و الآخر بالقتل خطأ ففي القواعد «في ثبوت أصل القتل إشكال» و لعله من الاتفاق عليه، و من التكاذب و إن كان لا يخفى عليك ما في الأول المشترك بين جميع صور التكاذب في كيفيات الفعل و زمانه و مكانه.

كما أنه لا يخفى عليك حال ما في التحرير من كون شهادة الواحد هنا لوثا بعد ما عرفت سابقا من عدم اللوث به مع المعارض، بل و لا ما في دفع الاشتراك المزبور بأن الاختلاف في المكان مثلا اختلاف في فعل واحد، و التكاذب فيه ظاهر، فليس هناك أمر مشترك بخلاف العمد فان هناك أمرين: القتل و كونه عمدا، إذ قصد القتل و اختياره و تعمده غيره، فصارا كأنهما اتفقا في القتل و اختلفا في فعل آخر و هو القصد، فأحدهما يدعيه و الآخر ينفيه، فأحدهما يقول قصد القتل، و الآخر يقول

ج 42، ص: 215

ما قصده، مع اتفاقهما على صدور القتل عنه، أو بأن مرجع العمد و الخطأ إلى القصد، و هو قد يخفى بخلاف الآلة و المكان و نحو ذلك، فان الاختلاف اختلاف في أمرين وجودين، و لهذا استشكل في العمد و الخطأ دونها، إذ هما معا كما ترى، ضرورة تحقق التناقض في الاختلاف بكل ما يجعل قيدا أو وصفا للفعل من غير فرق بين الفرض و الآلة و غيرهما، لامتناع الصدق فيهما معا و هو معنى التناقض، و الخفاء و عدمه لا يجدي بعد شهادة العدل به، و الله العالم.

[المسألة الثانية لو شهدا بقتل على اثنين فشهد المشهود عليهما على الشاهدين أنهما هما القاتلان]

المسألة الثانية:

لو شهدا أي العدلان مثلا بقتل على اثنين فشهد المشهود عليهما على الشاهدين أنهما هما القاتلان على وجه لا يتحقق معه التبرع و لا وقوع الشهادة على الدعوى قبل تحريرها أو قلنا إن الشهادة في الحسبة التي منها ذلك إن تحقق التبرع بها أو حصلت قبل تحرير الدعوى لا يقتضي إسقاط الشهادة أو غير ذلك مما يصح معه تصوير المسألة من تعدد الوكيل و نحوه سأل الحاكم الولي فإن صدق الولي الأولين حكم له و طرحت شهادة الآخرين التي لم يدع بها أحد و المشتملة على العداوة و التهمة بالتخلص عن مقتضى شهادة الأولين و إن صدق الجميع في وقتين مثلا أو صدق الآخرين سقط الجميع للتكذيب و للتهمة كما ذكره غير واحد، بل لم أجد فيه خلافا بين من تعرض له، و هو كذلك مع فرض حصول الدعوى من المدعي بمقتضى شهادة الأولين و عدمه، ضرورة لزوم ذلك على كل تقدير.

نعم لو فرض إمكان ارتفاع التهمة عن الأخيرين و قلنا تقبل شهادتهما

ج 42، ص: 216

حسبة قبل تحرير الدعوى أمكن حينئذ الفرق بين سبق الدعوى و عدمه، فيتم ما ذكره المصنف على فرض سبق الدعوى، لحصول تكذيب الأولين معه بخلاف ما إذا لم تسبق الدعوى، فإنه حينئذ يكون مخيرا في الأخذ بكل منهما ما لم يكن مصدقا لأحدهما، و إلا أخذ بها من غير فرق بين الأولين و الأخيرين.

هذا و لقد أطنب في محكي المبسوط في تصوير المسألة باعتبار أن الشهادة على القتل لا تسمع إلا بعد تقديم الدعوى و تحريرها، و لا بد فيها من تعيين القاتل، فكيف يسأل المدعى بعد شهادة الفريقين. و باعتبار عدم سماع الشاهد قبل أن يستشهد أيضا.

و تبعه في المسالك و أقصى ما ذكر في الجواب عنه إما بأن تقديم الدعوى على الشهادة إنما يشترط إذا كان المدعى ممن يعتبر عن نفسه دون غيره كالصبي و المجنون، و المشهود له هنا القتيل، و لذا تقضى ديونه من ديته و تنفذ وصاياه، و هو لا يعبر عن نفسه، و إما بأن المسألة مفروضة في ما إذا لم يعلم الولي القاتل، و الشهادة قبل الدعوى مسموعة و الحال هذه، و إما بأن ذلك يورث ريبة للحاكم فيسأله الحاكم احتياطا في الدماء، و إما بأن تفرض في ما إذا وكل المدعي وكيلين على الدعوى فادعى أحدهما على اثنين و الآخر على اثنين، و شهد كل اثنين على الآخرين.

و إن كان قد يشكل الأول بعدم تماميته في دعوى القصاص، و بمنافاته إطلاقهم عدم قبول الشهادة حسبة في حقوق الآدميين المحضة، و الثاني بإمكان إعلام الشاهد المستحق للقتل حتى يقدم الدعوى ثم يشهد الشاهدان فالأخيران حينئذ أولى الأربعة.

و لو شهد المشهود عليهما بالقتل عمدا أو خطأ به على غير الشاهدين لم يقبل أيضا، للتهمة بدفع الضرر عن أنفسهما بالقصاص أو الدية، و الله العالم.

ج 42، ص: 217

[المسألة الثالثة لو شهدا لمن يرثانه أن زيدا جرحه بعد الاندمال قبلت]

المسألة الثالثة:

لو شهدا لمن يرثانه أن زيدا جرحه بعد الاندمال قبلت بلا خلاف و لا إشكال لعموم الأدلة، نعم لا تقبل لو شهدا قبله، لتحقق التهمة باحتمال السراية فتكون الشهادة حينئذ جارة نفعا يشبه به الشهادة لنفسه، و لكن قال المصنف على تردد و هو في محله و إن لم أجده لغيره، و لعله مما عرفت و مما أسلفناه في كتاب الشهادات من عدم ثبوت الرد بمطلق التهمة، بل هو في أشياء خاصة لا يدخل فيها المفروض.

و كيف كان ف لو اندمل الجرح بعد الإقامة فأعادا الشهادة قبلت، لانتفاء التهمة حينئذ خلافا لبعض العامة فلم يقبلها للرد السابق، و هو مناف للعمومات.

و لو شهدا لمن يرثانه بالمال و هو مريض قبلت، و الفرق أن الدية يستحقانها ابتداء إذ لا تثبت إلا بعد الموت الذي يمنع ملك المثبت لها و (11) أما في (12) الصورة الثانية (13) ف يستحقانها عن ملك الميت (14) ضرورة ملك المريض للمال حال مرضه، و ربما تصرف فيه بحيث لا يرجع إلى الوارث بخلاف الدية، و تعلق ديونه و نفوذ وصاياه فيها للدليل.

و لو شهدا بالجرح، و هما محجوبان عن الإرث ثم مات الحاجب في حياة المجروح أو بالعكس فالنظر إلى وقت الشهادة لا موت المجروح و لا حكم الحاكم، و تبطل مع التهمة لا بدونها، و الله العالم.

ج 42، ص: 218

[المسألة الرابعة لو شهد شاهدان من العاقلة بفسق شاهدي القتل فان كان القتل عمدا أو شبيها به أو كانا ممن لا يصل إليها العقل حكم بهما]

المسألة الرابعة:

لو شهد شاهدان من العاقلة بفسق شاهدي القتل فان كان القتل عمدا أو شبيها به أو كانا ممن لا يصل إليها العقل لوجود الأقرب حكم بهما للعمومات و طرحت شهادة القتل بالجرح و إن كانا ممن يعقل عنه لم تقبل، لأنهما حينئذ يدفعان عنهما الغرم فتتحقق التهمة المانعة عن القبول.

و لو كانا من فقراء العاقلة عند الشهادة قبلت كما عن المبسوط، لعدم الضمان عليهما، فلا تهمة، و كذا لو كانا من الأباعد الذين لا يعقلون عند الشهادة لوجود الأقارب، و احتمال أن الفقير قد يحتمل لو أيسر و البعيد كذلك لو مات القريب فهما متهمان بدفع ضرر متوقع يدفعه عدم دليل يقتضي تخصيص ما دل على قبول شهادة العدل بذلك.

و ربما فرق بين الفقير و البعيد فلا يقبل في الأول و يقبل في الثاني، لقرب احتمال الغنى بخلاف الموت، و هو كما ترى مجرد اعتبار و إن كان ربما يوهمه ظاهر اقتصار المتن، بل حكي عن التحرير التصريح به، لكنه واضح الضعف، بل لا يوافق أصول الإمامية، و الله العالم.

[المسألة الخامسة لو شهد اثنان أنه قتل و آخران على غيره أنه قتله سقط القصاص]

المسألة الخامسة:

لو شهد اثنان أنه قتل عمدا منفردا و شهد آخران على غيره أنه قتله كذلك منفردا و قلنا بصحة التبرع بالشهادة بالدم، أو كان للمدعي وكيلان فادعى كل منهما، أو قلنا إن للمدعي عليه براءة

ج 42، ص: 219

نفسه بإقامة البينة على أن القاتل غيره- و بالجملة حيث يصح التصوير و لا رجحان لإحداهما على الأخرى، أو قلنا لا دليل على اعتبار الترجيح بينهما في المقام كما يقتضيه إطلاقهم، و لعله للاحتياط في الدماء كما أنه لم يعتبر أحد القرعة هنا، و لعله لذلك أيضا- و كيف كان فعن الشيخين و القاضي و الصهرشتي و أبي منصور الطبرسي و الفاضل في بعض كتبه و ولده و أبي العباس أنه إذا كان الأمر كذلك سقط القصاص و وجبت الدية عليهما نصفين، و لو كان خطأ محضا كانت الدية على عاقلتهما، و لعل وجه ه الاحتياط في عصمة الدم لما عرض من الشبهة بتصادم البينتين.

و تفصيل ذلك أن القصاص يسقط بعدم معلومية مورده بعد تعارض البينتين فيه، فلا يمكن التهجم عليه بقتل واحد منهما فضلا عن قتلهما معا الذي قد حكى الإجماع غير واحد على عدمه في المقام فضلا عن قول: «قطعا» من غير واحد أيضا، و هو كذلك خصوصا بعد العلم ببراءة أحدهما الذي يجب ترك أخذ الحق مقدمة له، لا العكس مقدمة لوصول الحق، فلا يقتص منهما و لا من أحدهما، لعدم الأولوية، فليس إلا السقوط سيما مع القول بكون القصاص كالحد في السقوط بالشبهة، بل و إن لم نقل به مطلقا فلا بد من القول به في المقام، لما عرفت بعد أن لم يكن دليل على التخيير في العمل بأيهما على وجه يشمل المقام إلا القياس على تخيير المجتهد في الخبرين المتعارضين أو على ما تسمعه في المسألة الآتية من التخيير مع تعارض البينة و الإقرار، و هو معلوم البطلان عندنا.

و أما ثبوت الدية عليهما فلعدم بطلان دم المسلم، و تساويهما في قيام البينة على كل منهما، و فحوى التنصيف في المشهود به عند تعارضهما.

و إلى بعض ما قلنا يرجع الاستدلال بأنه إن لم نقل بذلك يلزم أحد

ج 42، ص: 220

محالات ثلاثة: إما طل دم المسلم إن لم نوجب شيئا، أو إيجاب شي ء بغير سبب إن أوجبناه على غيرهما، أو الترجيح بلا مرجح إن أوجبناه على أحدهما بعينه، فليس إلا الوجوب على أحدهما لا بعينه أو عليهما، و الثاني هو المطلوب، و الأول إن لم يرد به الثاني فهو المحال الأول.

و لكن فيه- مع أن ذلك لا يرجع إلى دليل شرعي معتبر، ضرورة إمكان أن له حكما شرعا لا نصل إليه- أنه يمكن التخيير في الرجوع على كل منهما، كما عن المحقق الثاني الجزم به، بل لعله محتمل ما تسمعه من عبارة المصنف في النكت، أو على بيت المال المعد لمثل ذلك، أو القرعة التي هي لكل أمر مشكل، و عدم بطلان دم المسلم أعم من ذلك كله و من غيره مما هو عند الشارع مما لا نعرفه، و التساوي في إقامة البينة لا يقتضي التوزيع المزبور الخارج عن البينتين، بل و لا غيره، و الحمل على التنصيف في المشهود به قياس لا نقول به.

فالتحقيق عدم انطباق ذلك على القواعد الشرعية، نعم يمكن إن يكون لهم به رواية لم تصل إلينا، بل عن السرائر و التحرير التصريح بها، بل في المسالك أن عبارة الشيخين تقتضي ذلك، بل قيل: إن الذي يشهد به التتبع لما في المقنعة و النهاية ذلك، إلا أن ذلك كله لا يجوز معه الفتوى بذلك و إن ظنه بعض الناس قائلا أنه خبر مرسل منجبر بفتوى من عرفت، لكنه ليس فقها يعتد به، خصوصا بعد احتمال إرادتهما الرواية التي تسمعها في المسألة الآتية، و هي صريحة في خلاف الشيخ، نعم فيها أنه لو أراد الولي الدية كانت عليهما بالسوية إلا أنها في غير المفروض، و القياس عندنا محرم.

فتحقق من ذلك كله أن المتجه بحسب القواعد سقوط القود و الدية حتى يتبين الحال، و دعوى أن ذلك خرق للإجماع المركب واضحة الفساد

ج 42، ص: 221

لمن أحاط بأطراف المسألة، و خصوصا بعد ذكر الشيخ في ما حكي عنه ذلك احتمالا، بل هو الذي اختاره في المسالك.

و أما ما ذكره المصنف من أنه يحتمل هذا وجها آخر، و هو تخير الولي في تصديق أيهما شاء، كما لو أقر اثنان كل واحد بقتله منفردا فهو و إن كان محكيا عن ابن إدريس- محتجا عليه بقوله تعالى(1)«فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» إذ نفي القتل عنهما ينافي ذلك، و بأن البينة قائمة على كل منهما بوجوب القود فلا وجه لسقوطه، و بأنا قد أجمعنا على أنه لو شهد اثنان على واحد بأنه القاتل فأقر آخر بالقتل يتخير الولي في التصديق و الإقرار كالبينة- لكنه كما ترى، ضرورة دلالة الآية على ثبوت السلطان للولي مع علم القاتل لا في مثل المقام الذي لا إشكال في كونه إسرافا في القتل إذا قتلهما، خصوصا مع براءة أحدهما، بل و كذا لو قتل أحدهما المحتمل أنه بري ء، و البينتان قد كذبت كل منهما الأخرى، و الإجماع الذي ذكره مع أنه ممنوع لا يمكن قياس المقام عليه بعد حرمته في مذهبنا و لذا قال المصنف الأول أولى و قد عرفت البحث فيه.

هذا و للمصنف تفصيل في نكتب النهاية تبعه عليه تلميذه الآبي في كشف الرموز و أبو العباس في ما حكي عنه و المقداد، بل كأنه مال إليه الشهيدان، فإنه بعد أن أورد كلام السائل عن عبارة النهاية موردا عليها بأنه لم يعمل بشي ء من الشهادتين فإيجاب الدية عليهما حكم بغير بينة و لا إقرار، ثم الشهادة ليست بأنهما

اشتركا، قال: «الجواب الوجه أن الأولياء إما أن يدعوا القتل على أحدهما أو يقولوا: لا نعلم، فان ادعوه على أحدهما قتلوه، لقيام البينة على الدعوى، و تهدر البينة الأخرى،


1- 1 سورة الإسراء: 17- الآية 33.

ج 42، ص: 222

فلا يكون لهم على الآخر سبيل، و إن قالوا: لا نعلم فالبينتان متعارضتان على الانفراد لا على مجرد القتل، فيثبت القتل من أحدهما و لا يتعين، و القصاص يتوقف على تعيين القاتل فيسقط، و تجب الدية، لأنه ليس نسبة القتل إلى أحدهما أولى من نسبته إلى الآخر» انتهى.

و فيه أنه تخصيص لكلام الشيخين و الجماعة بالصورة الثانية، و هو مناف لإطلاقهم المبني ظاهرا على اعتبار البينة الثانية و إن كانت على التبرع، و عليه يتجه التعارض حينئذ و إن صدق الولي أحدهما، بل لو لم نقل باعتبارها أمكن تصوير المسألة في الوكيلين، و أما احتمال عدم اعتبارها في خصوص المقام و إن قلنا باعتبارها في غيره فلا أعرفت له وجها و إن حكى في كشف اللثام القطع به عن المصنف في النكت.

ثم إنه احتمل غير واحد من أتباع المصنف في ما عرفت ثبوت اللوث لو ادعى الولي عليهما، و هي صورة لم يذكرها المصنف في ما سمعت من عبارته المشتملة على صورة دعوى الولي على أحدهما أو يقول:

لا علم لي، أما إذا ادعى عليهما معا فيتجه ثبوت اللوث باعتبار اتفاق الأربعة على القتل و القاتل و إن اختلفوا في التعيين، فيحلف حينئذ الولي و يثبت له القصاص مع رد فاضل الدية عليهما.

و فيه أن مقتضاه الثبوت أيضا في تكاذب الشاهدين في المكان أو الزمان أو الآلة، ضرورة الاتفاق منهما أيضا على القتل و القاتل و لكن اختلفا في الزمان أو المكان أو الآلة، بل لعله أولى من المقام الذي فيه التكاذب في تعيين القاتل دونهما، و قد عرفت عدم اللوث فيه للتكاذب فهنا أولى.

و بذلك كله ظهور لك أن المسألة لم يستقر على شي ء منها إجماع محقق كي يقال إن ما ذكره خرق له، ضرورة بقائها في قالب الاشكال عندهم، حتى أن الفاضل في الرياض لم يخرج منها على حاصل معتد به، كما لا يخفى

ج 42، ص: 223

على من تأمله فلاحظ و تأمل، و الموافق للضوابط ما سمعت، و لكن الاحتياط مهما أمكن لا ينبغي تركه، و الله العالم.

[المسألة السادسة لو شهدا أنه قتل زيدا عمدا فأقر آخر هو القاتل و برأ المشهود عليه فللولي قتل المشهود عليه و يرد المقر نصف ديته]

المسألة السادسة:

لو شهدا أنه قتل زيدا عمدا فأقر آخر هو القاتل و برأ المشهود عليه ف عن الشيخين و أبي علي و الحلبي و القاضي و الكيدري و يحيى بن سعيد و ابني حمزة و زهرة أن للولي قتل المشهود عليه و يرد المقر نصف ديته، و له قتل المقر و لا رد، لإقراره بالانفراد، و له قتلهما بعد أن يرد على المشهود عليه نصف ديته دون المقر، و لو أراد الدية كانت عليهما نصفين بل هو الظاهر من الآبي أيضا، و مال إليه الشهيدان، بل هو المشهور قطعا، بل في الرياض «قد صرحوا بشهرة الرواية مشعرين ببلوغها درجة الإجماع، و لعله كذلك، فقد أفتى به الشيخ و أتباعه و الإسكافي و الحلبي و غيرهم، بل لم نر لهم مخالفا عدا من مر، و عبائرهم غير صريحة في المخالفة عدا الحلي و فخر الدين» إلى آخره.

و الأصل في هذه الأحكام المخالفة للضوابط رواية زرارة(1)

في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام): قال «سألته عن رجل شهد عليه قوم أنه قتل عمدا فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقاد به، فلم يبرحوا حتى أتاهم رجل فأقر عند الوالي أنه قتل صاحبهم عمدا، و أن هذا الذي شهد عليه الشهود بري ء من قتل صاحبكم، فلا تقتلوه و خذوني بدمه، فقال أبو جعفر (عليه السلام): إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقر على نفسه فليقتلوه و لا سبيل لهم على


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1.

ج 42، ص: 224

الآخر، و لا سبيل لورثة الذي أقر على نفسه على ورثة الذي شهد عليه، فان أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوه و لا سبيل لهم على الذي أقر، ثم ليؤد

الذي أقر على نفسه إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية، قلت: أ رأيت إن أرادوا أن يقتلوهما جميعا؟ قال: ذلك لهم، و عليهم أن يردوا إلى أولياء الذي شهدوا عليه نصف الدية خاصة دون صاحبه ثم يقتلوهما به، قلت: فإن أرادوا أن يأخذوا الدية، فقال:

الدية بينهما نصفان، لأن أحدهما أقر و الآخر شهد عليه، قلت: و كيف جعل لأولياء الذي شهد عليه على الذي أقر نصف الدية حين قتل و لم يجعل لأولياء الذي أقر على أو لأولياء الذي شهدوا عليه و لم يقر؟ فقال (عليه السلام): لأن الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقر، الذي شهد عليه لم يقر و لم يبرئ صاحبه، و الآخر أقر و برأ صاحبه، فلزم الذي أقر و برأ ما لم يلزم الذي شهد عليه و لم يبرئ صاحبه».

و لا ريب في مخالفتها للقواعد من وجوه، إذ في قتلهما معا إشكال، لانتفاء الشركة في القتل كما هو مقتضى البينة و الإقرار، و خصوصا مع علم المدعي بعدم ذلك و كذا الإشكال في إلزامهما بالدية نصفين بعد عدم ثبوت المقتضى لاشتراكهما، بل هو مقتضى للعدم، بل و في إلزام المقر برد النصف، ضرورة أنه إن كان ذلك لاعترافه ببراءة المقتول فالمتجه رد الجميع، و إلا فلا وجه لرد النصف، بل و غير ذلك.

و من هنا قال المصنف و القول بتخيير الولي في قتل أحدهما خاصة كالاقرارين وجه قوي بل اختاره في السرائر، و تبعه عليه الفاضل في التحرير و ولده في الإيضاح و أبو العباس في المهذب و المقتصر، بل و المقداد في التنقيح على ما حكي عنهم، و نفى عنه البأس

ج 42، ص: 225

في المختلف غير أن الرواية من المشاهير رواية في كتب الاستدلال و عملا، فلا بأس بالخروج بمثلها عن القواعد، كما في غير المقام، بل لعل طرحها و العمل بما تقتضيه القواعد كالاجتهاد في مقابلة النص.

بقي الكلام في ما ذكره المصنف في نكت النهاية، فإنه بعد أن ذكر المسألة قال: «هذا كله بتقدير أن يقول الورثة لا نعلم القاتل، أما لو ادعوا على أحدهما سقط الآخر» و تبعه على ذلك أبو العباس و المقداد و الفاضل الأصبهاني، و لعله كذلك و إن خلت عنه أكثر العبارات، ضرورة أنه مع فرض كون الدعوى على المقر لا عبرة بالبينة بعد توافق من له الحق و عليه على خلافها، كما لا عبرة بالإقرار بعد دعوى المدعي على غيره و قيام البينة له بذلك و علمه بكذب المقر، أما إذا لم يكن دعوى من المدعي و لا طريق له إلا البينة و الإقرار فالحكم ما عرفت، و الله العالم.

[المسألة السابعة لو ادعى قتل العمد و أقام شاهدا و امرأتين ثم عفا لم يصح]

المسألة السابعة قال في المبسوط: لو ادعى قتل العمد و أقام شاهدا و امرأتين و قلنا بعدم ثبوت القصاص بهما ثم عفا عن حقه لم يصح، لأنه عفا عما لم يثبت، و فيه إشكال ظاهر إذ العفو لا يتوقف على ثبوت الحق عند الحاكم لإطلاق دليله المقتضي للسقوط بصدور صيغته من صاحب الحق و إن لم يثبته عند الحاكم، بل و إن لم يعلم به على إشكال فيه يظهر من بعض النصوص، و تظهر الفائدة في سقوط الدعوى به بعد ذلك و الإبراء من الدية بحكم العفو، كما أن غير القصاص من الحقوق التي تسقط بالإسقاط مثله في ذلك، و الله العالم.

ج 42، ص: 226

[أما القسامة]
اشاره

و أما القسامة فهي الأيمان تقسم على جماعة يحلفونها كما في الصحاح، أو الجماعة الذين يحلفونها كما في القاموس، و لا يبعد صدقها عليهما كما عن المصباح، و عن غير واحد أنها لغة اسم للأولياء الذين يحلفون على دعوى الدم، و في لسان الفقهاء اسم للأيمان، و على التقديرين هي اسم أقيم مقام المصدر، يقال: أقسم أقساما و قسامة، و هي الاسم له، يقال: أكرم إكراما و كرامة، و لا اختصاص لها بأيمان الدماء لغة، و لكن الفقهاء خصوصا بها.

و صورتها أن يوجد قتيل في موضع لا يعرف من قتله و لا تقوم عليه بينة و يدعي الولي على واحد أو جماعة و يقترن بالواقعة ما يشعر بصدق الولي في دعواه فيحلف على ما يدعيه، و يحكم له بما ستعرف إن شاء الله، و عن ابن الأثير أن القسامة جاهلية و أقرها الإسلام، و قيل: ربما يظهر من أخبارنا(1) أنها من وضع رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ستسمع الخبر(2)المشتمل على لفظ «من قبل» المحتمل قراءته على وجهين، و لكن لا فائدة في ذلك.

و كيف كان فيستدعي البحث عنها مقاصد:

[المقصد الأول في اللوث]
اشاره

الأول في اللوث: و هو لغة القوة أو من التلوث، و هو التلطخ، و على كل حال فهو مناسب لما تسمعه من المراد به هنا في لسان الفقهاء و إن لم نجده في شي ء مما وصل إلينا من النصوص، إلا أنه لا ريب في اعتباره عندنا فيها.

من غير فرق بين النفس و الأعضاء و إن حكى عن الشيخ في المبسوط


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب دعوى القتل.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب دعوى القتل- الحديث 5.

ج 42، ص: 227

عدم اعتباره في الثاني، لكن لم نتحققه، لما قيل من أنه وقع فيه بعض العبارات الموهمة لذلك على لسان العامة، بل عن السرائر أن عليه في النفس إجماع المسلمين و في الأعضاء إجماعنا، و في محكي الخلاف «إذا كان مع المدعي للدم لوث و هو تهمة على المدعى عليه بأمارات ظاهرة بدأ به في اليمين يحلف خمسين يمينا، دليلنا إجماع الفرق و أخبارهم» و في الغنية «و القسامة لا تكون إلا مع النهمة بأمارات ظاهرة، يدل على ذلك إجماع الطائفة» و عن ابن الأثير أن «في حديث القسامة ذكر اللوث» و عن مجمع البحرين «القسامة تثبت مع اللوث» و لم نجد مخالفا في ذلك من من العامة و الخاصة إلا عن الكوفي منهم، فإنه قال: «لا اعتبر اللوث و لا أرى بحثه، و لا أرى جعل اليمين في جانب المدعي» و كم له من نحو ذلك و إلا فهي من الضروريات بين علماء المسلمين، و النصوص فيها من الطرفين متواترة أو قطعية المضمون.

قال العجلي(1): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القسامة فقال: الحقوق كلها البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه إلا في الدم خاصة، فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلا منهم فوجدوه قتيلا، فقالت الأنصار: إن فلان اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) للطالبين:

أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقده به برمته، فان لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلا أقده برمته، فقالوا: يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا، و إنا لنكره أن نقسم على ما لم نره، فوداه رسول الله (صلى الله عليه و آله) من

عنده، و قال: إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرجة من عدوه حجزه مخافة


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 3.

ج 42، ص: 228

القسامة أن يقتل به فيكف عن قتله، و إلا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلا ما قتلناه و لا علمنا قاتلا و إلا أغرموا الدية إذا وجدوا قتيلا بين أظهرهم إذا لم يقسم المدعون».

و قال أبو بصير(1): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القسامة أين كان بدؤها؟ فقال: كان من قبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما كان بعد فتح خيبر تخلف رجل من الأنصار عن أصحابه فرجعوا في طلبه فوجدوه متشحطا في دمه قتيلا، فجاءت الأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالت: يا رسول الله قتلت اليهود صاحبنا، فقال: ليقسم منكم خمسون رجلا على أنهم قتلوه، فقالوا:

يا رسول الله انقسم على ما لم نره؟ قال: فيقسم اليهود، فقالوا:

يا رسول الله من يصدق اليهود؟! فقال: أنا إذا أدي صاحبكم، فقلت له: كيف الحكم فيها؟ قال: إن الله حكم في الدماء ما لم يحكم في شي ء من حقوق الناس لتعظيمه الدماء، لو أن رجلا ادعى على رجل عشرة آلاف درهم أو أقل من ذلك أو أكثر لم يكن اليمين على المدعي و كانت اليمين على المدعي عليه، فإذا ادعى الرجل على القوم الدم أنهم قتلوا كانت اليمين لمدعي الدم قبل المدعى عليهم، فعلى المدعي أن يجي ء بخمسين رجلا

يحلفون أن فلانا قتل فلانا فيدفع إليهم الذي حلف عليه، فان شاؤوا عفوا و إن شاؤوا قبلوا الدية، و إن لم يقسموا كان على الذين ادعي عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا و لا علمنا له قاتلا، فان فعلوا أدى أهل القرية الذين وجد فيهم، و إن كان بأرض فلاة أديت


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب دعوى القتل- الحديث 5 و فيه «لا يبطل دم امرء مسلم» و كذلك في الكافي ج 7 ص 362 إلا أن الموجود في التهذيب ج 10 ص 167- الرقم 663 «لا يبطل دم امرء مسلم» .

ج 42، ص: 229

ديته من بيت المال، فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول:

لا يطل دم امرء مسلم».

و قال زرارة(1): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القسامة، فقال: هي حق، إن رجلا من الأنصار وجد قتيلا في قليب من قلب اليهود، فأتوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا: يا رسول الله إنا وجدنا رجلا منا قتيلا في قليب من قلب اليهود، فقال: ائتوني بشاهدين من غيركم، قالوا: يا رسول الله ما لنا شاهدان من غيرنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فليقسم خمسون رجلا منكم على رجل ندفعه إليكم، قالوا: يا رسول الله و كيف نقسم على من لم نره؟! قال: فتقسم اليهود، قالوا: يا رسول الله و كيف ترضى باليهود و ما فيهم من الشرك أعظم؟! فوداه رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال زرارة: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنما جعلت القسامة احتياطا لدماء الناس لكي ما إذا أراد الفاسق أن يقتل رجلا أو يغتال رجلا حيث لا يراه أحد خاف ذلك، فامتنع من القتل».

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر الآخر(2): «إن الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم، حكم في أموالكم أن البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه، و حكم في دمائكم أن البينة على من ادعي عليه و اليمين على من ادعى لكيلا يطل دم امرء مسلم».

و في الحسن أو الصحيح(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قد


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب دعوى القتل- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 4 عن أبي بصير، و فيه «لئلا يبطل دم امرء مسلم»
3- . 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 2.

ج 42، ص: 230

سأله عن القسامة كيف كانت؟ فقال: «هي حق، و هي مكنونة عندنا، و لو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضا ثم لم يكن شي ء، و إنما القسامة نجاة للناس».

و في

خبر عبد الله بن سنان(1) المشتمل على قتل الأنصاري أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قلت: كيف كانت القسامة؟ فقال:

أما إنها حق، و لو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضا، و إنما القسامة حوط يحاط به الناس».

إلى غير ذلك من النصوص التي قد يتوهم من ظاهرها عدم اعتبار اللوث فيها و إن كان المورد في بعضها وجدان القتيل في قلب اليهود أو القرية أو نحوهما مما فيه لوث أو كاللوث، لكن ذلك لا يدل على الاشتراط على وجه يخص به عموم الروايات التي سمعتها. و من هنا أشكل الحال على الأردبيلي حتى قال: «كأن لهم على ذلك إجماعا أو نصا ما اطلعت عليه».

قلت: قد عرفت في ما تقدم ما يقوم بذلك، مضافا إلى معلومية مخالفة القسامة للقواعد المعلومة بكون اليمين على المدعى، و تعدد الأيمان فيها، و جواز حلف الإنسان لإثبات حق غيره، و عدم سقوط الدعوى بنكول من توجهت عليه اليمين إجماعا على ما في المسالك، بل ترد اليمين على غيره، و غير ذلك، بل

عنه (صلى الله عليه و آله)(2) «لو يعطى الناس بأقوالهم لاستباح قوم دماء قوم و أموالهم».

فالمتجه الاقتصار فيها على المتيقن، خصوصا بعد ما سمعت، مضافا إلى ما في الرياض من أن النصوص أكثرها في قضية عبدا الله بن سهل المشهورة


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1.
2- 2 سنن البيهقي ج 10 ص 252 مع اختلاف في اللفظ.

ج 42، ص: 231

و فيها اللوث بلا شبهة، و غيرها بين ما مورد الأسئلة فيها وجدان القتيل في محل التهمة، و هي كالأولة، و بين مطلقة، و لكن إطلاقها لبيان أصل المشروعية لا لبيان ثبوتها على الإطلاق، فهو حينئذ من قبيل المجملات بلا شبهة.

هذا مع أن عدم اعتبار اللوث يستلزم عدم الفرق بين قتيل يوجد في قرية أو محلة أو نحو ذلك من الأمثلة الآتية و قتيل يوجد في سوق أو فلاة أو جهة، مع أن الفتاوي و النصوص مطبقة بالفرق بينهما بثبوت القسامة في الأول دون الثاني.

و من جملة تلك النصوص

صحيح مسعدة(1)عن الصادق (عليه السلام) «كان أبي إذا لم يقم المدعون البينة على من قتل قتيلهم و لم يقسموا بأن المتهمين قتلوا حلف المتهمين بالقتل خمسين يمينا بالله ما قلناه و لا علمنا له قاتلا، ثم تؤدى الدية إلى أولياء القتيل ذلك إذا قتل في حي واحد، فأما إذا قتل في عسكر أو سوق مدينة تدفع الدية إلى أوليائه من بيت المال».

و فيه دلالة من وجهين كما لا يخفى على من تدبر سياقه.

قلت: و أظهر منه

قول الصادق (عليه السلام) في خبر زرارة(2): «إنما جعلت القسامة ليغلظ بها في الرجل المعروف بالشر المتهم، فان شهدوا عليه جازت شهادتهم»

و لكن العمدة ما عرفته من الإجماع السابق، ضرورة منع الإجمال في الإطلاقات المزبورة الفارقة بين الدماء و الأموال، و صحيح مسعدة(3) لا ظهور فيه في الاشتراط على وجه إن لم تحصل أمارة للحاكم لم تشرع القسامة، و لا الخبر الآخر(4)و الفرق المزبور بين قتيل الزحام و غيره إنما هو بالنسبة إلى أداء الدية لا في اللوث، كما ستعرفه في نصوصه، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 7.

ج 42، ص: 232

و على كل حال ف لا قسامة مع ارتفاع التهمة و عدم الأمارة التي تورث ظنا بصدق المدعي بلا خلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه ف للولي إحلاف المنكر يمينا واحدة كما في غيره من الدعوى و لا يجب التغليظ عليه فيها عددا أو قولا أو غيرهما و إن دعاه إليه الولي أو الحاكم، خلافا للنافع في أحد قوليه، فأوجب خمسين يمينا على منكر القتل مطلقا، و هو واضح الضعف.

و لو نكل فعلى ما مضى في كتاب القضاء من القولين حينئذ: القضاء عليه بالنكول أو مع يمين المدعى كما أشبعنا الكلام فيه في محله(1)فلاحظ و تأمل.

ثم المراد ب اللوث أمارة يغلب معها الظن للحاكم بصدق المدعي و إلا فالمدعي الحالف على دعواه لا بد من الجزم فيه قطعا كالشاهد و لو واحدا، و كما لو وجد

متشحطا بدمه و عنده ذو سلاح عليه الدم، أو في دار قوم أو في محلة منفردة عن البلد لا يدخلها غير أهلها و إن لم يكن بينهم و بينه عداوة، نعم لو كانت المحلة يدخلها غير أهلها نهارا لا ليلا فان وجد قتيلا فيها ليلا ثبت اللوث دون النهار و بالعكس، و عن جماعة اعتبار العداوة مع ذلك، كما عن آخر التفصيل بين من يطرقها غير أهلها و بين من لم يطرقها، و ستعرف التحقيق إن شاء الله أو في صف مقابل الخصم بعد المراماة.

و لو وجد في قرية مطروقة أو (11) في حلة من حلال العرب أو في محلة (منفردة خ) مطروقة و إن انفردت فان كان هناك عداوة فهو لوث و إلا فلا لوث، لأن الاحتمال متحقق هنا (12) على وجه لا يغلب الظن معه بخلافه مع العداوة، بل لعله قضية عبد الله بن سهل


1- 1 راجع ج 40 ص 182- 189.

ج 42، ص: 233

مع أهل خيبر من ذلك، ضرورة كون اليهود أعداء للأنصار، و ليس أخيار القتيل لوثا، كما صرح به بعضهم مع احتماله في بعض الأفراد.

و لو وجد قتيلا بين القريتين فاللوث لأقربهما إليه و مع التساوي في القرب فهما سواء في اللوث كما صرح به جماعة، بل عن الغنية الإجماع عليه لحسن الحلبي(1)بإبراهيم بن هاشم

و خبر سماعة(2) أو موثقه عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن الرجل يوجد قتيلا في القرية أو بين قريتين، قال: يقاس ما بينهما فأيهما كانت أقرب ضمنت»

مؤيدا ب

خبر محمد بن قيس(3) أو صحيحه «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل قتل في قرية أو قريبا من قرية أن يغرم أهل تلك القرية إن لم توجد بينة على أهل تلك القرية إنهم ما قتلوه».

و في

صحيح ابن مسلم(4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل وجد في قبيلة و على باب دار قوم فادعى عليهم، قال: ليس عليهم شي ء، و لا يبطل دمه»

و نحوه ما في صحيحي ابن سنان.(5) لكن في محكي التهذيب و الاستبصار بعد نقل الخبرين الأولين «إنما يلزم أهل القرية أو القبيلة إذا وجد القتيل بينهم إن كانوا متهمين بالقتل و امتنعوا من القسامة، فأما إذا لم يكونوا متهمين أو أجابوا إلى القسامة فلا دية عليهم، و يؤدي من بيت المال» مستشهدا على ذلك بصحيح مسعدة(6) السابق و ب

حبر علي بن الفضيل(7) عن أبي عبد الله (ع)


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب دعوى القتل- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب دعوى القتل- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب دعوى القتل- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1 بطريقين.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 5.

ج 42، ص: 234

«إذا وجد رجل مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعا ما قتلوه، و لا يعلمون له قاتلا، فإن أبوا أن يحلفوا غرموا الدية بينهم في أموالهم سواء بين جميع القبيلة من الرجال المدركين».

و نحو ذلك ما عن النهاية و المراسم من التقييد بالتهمة الظاهرة، بل و كذا عن ابن إدريس نافيا عنه البأس في محكي المختلف.

و في كشف اللثام تقييد الفرض الأول بأن لا يطرقهما غير أهلهما و لا عداوة بينه و بينهم أو كانت العداوة بينه و بين أهلهما جميعا و إن كان يطرقهما غير أهلهما، و الثاني- أي المساواة- بما إذا لم يثبت العداوة لإحداهما دون الأخرى، و إلا كان اللوث لها و إن كانت أبعد.

و عن الشهيد في حواشيه اشتراط العداوة في جميع هذه المسائل إلى غير ذلك من كلماتهم المحكية في أمثلة متعددة التي توجب تشويشا للناظر فيها.

و لم يظهر لنا وجه معتد به لذلك، ضرورة أنه بعد أن ذكروا كون المدار في اللوث على حصول أمارة تفيد الحكم ظنا بصدق المدعي من غير اعتبار أمارة خاصة لم يكن فائدة في التعرض للأمارات، فان قرائن الأحوال مختلفة أشد اختلاف لا يمكن حصرها، و النصوص المزبورة لا تعرض فيها للقسامة، و إنما اقتصرت على وجوب الدية، و مقتضى الجميع بينها ما تضمنه صحيح

مسعدة(1)و خبر الفضيل(2) من وجوب الدية إلا إذا علم الأولياء براءتهم و أن القاتل غيرهم، و هذا حكم آخر غير القسامة، نعم لما كان اللوث أمارة تفيد الحاكم ظنا بصدق المدعي لو ادعى فهناك يجري حكم القسامة، بخلاف ما إذا لم يدع، فإن الدية حينئذ عليهم إلا مع البينة على أن القاتل غيرهم أو القسامة أو براءة الأولياء لهم.

و لو وجد مقطعا في قبائل فديته على من وجد وسطه و صدره فيها،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 5.

ج 42، ص: 235

ل

خبر فضيل بن عثمان الأعور(1)عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) «في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة و وسطه و صدره في قبيلة و الباقي في قبيلة، قال: ديته على من وجد في قبيلته صدره و بدنه».

و منه يعلم حصول اللوث لو ادعاه الولي، كما أفتى به الفاضل في القواعد، ضرورة كونه أمارة، و لذا وجبت الدية، و كان الوجه في ذكر الأصحاب هذه الأشياء بخصوصها لأنها منصوصة، و لأنها أمارات توجب الظن، فيترتب عليها اللوث لو ادعاه الولي فتأمل.

و ظاهر الخبر المزبور أن ذلك حكم خارج عن حكم القريتين، كما هو ظاهر الفاضل في القواعد و المفيد في المقنعة.

لكن عن السرائر روى أصحابنا أنه إذا كانت القريتان متساويتين إليه في المساحة كانت ديته على أهل الموضع الذي وجد فيه قلبه و صدره، و ليس على الباقين شي ء إلا أن يتهم آخرون، فيكون الحكم فيهم إما إقامة البينة أو القسامة.

و هو كما ترى غير ما سمعته من الخبر المزبور الذي مضمونه هو المحكي عن المقنعة، نعم زاد فيها إلا أن يتهم أولياء المقتول أهل موضع آخر، فلاحظ و تأمل فإني لم أعثر على من تعرض للفرع المزبور إلا من عرفت، كما أني لم أجد مصرحا بما ذكرناه من وجوب الدية في المقامات المزبورة على من عرفت من دون بينة أو إقرار أو قسامة من المدعي أو امتناع عنها من المدعي عليه، بل

ظاهر كلامهم في انحصار المثبت للدم في ذلك خلافه، نعم ذكروا أن ذلك موجب للوث المقتضي لثبوت الحق بالقسامة من المدعي أو الامتناع عنها من المدعى عليه، كما تسمعه من الشيخ (رحمه الله) و غيره فتأمل جيدا. هذا كله في المقتول في الأماكن التي سمعتها.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب دعوى القتل- الحديث 6.

ج 42، ص: 236

أما من وجد قتيلا في زحام على قنطرة أو بئر أو جسر أو مصنع فديته على بيت المال ما لم يحصل لوث على معين و كذا لو وجد في جامع عظيم أو شارع، و كذا لو وجد في فلاة بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن الغنية الإجماع عليه، مضافا إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة.

منها:

خبر عبد الملك(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «من مات في زحام الناس يوم الجمعة أو يوم عرفة أو على جسر لا يعلمون من قتله فديته من بيت المال».

و خبر ابني سنان (2)و بكير عنه (عليه السلام) أيضا «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل وجد مقتولا لا يدرى من قتله، قال: إن كان عرفت له أولياء يطلبون ديته أعطوا ديته من بيت مال المسلمين و لا يبطل دم امرء مسلم- إلى أن قال-: و قضى (عليه السلام) في رجل زحمه الناس يوم الجمعة فمات أن ديته من بيت مال المسلمين».

و خبر محمد بن مسلم(3)عن الباقر (عليه السلام) «ازدحم الناس يوم الجمعة في إمرة علي (عليه السلام) بالكوفة فقتلوا رجلا فودى ديته إلى أهله من بيت مال المسلمين».

و خبر السكوني(4) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «قال علي (عليه السلام): من مات في زحام جمعة أو عيد أو عرفة أو على


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب دعوى القتل- الحديث 5 و هو عن مسمع بن عبد الملك.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب دعوى القتل- الحديث 2.
4- 4 أشار إليه في الوسائل- الباب- 6- من أبواب دعوى القتل- الحديث 5 و ذكره في الفقيه ج 4 ص 122- الرقم 427.

ج 42، ص: 237

بئر أو على جسر لا يعلمون من قتله فديته على بيت المال».

و خبر أبي بصير(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إن وجد قتيل بأرض فلاة أديت ديته من بيت المال، فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا يطل دم امرء مسلم».

و خبر سوار(2)عن الحسن (عليه السلام) «أن عليا (عليه السلام) لما هزم طلحة و الزبير أقبل الناس منهزمين، فمروا بامرأة حامل على ظهر الطريق، ففزعت منهم و طرحت ما في بطنها حيا، فاضطرب حتى مات، ثم ماتت أمه من بعده، فمر بها علي (عليه السلام) و أصحابه و هي مطروحة و ولدها على الطريق، فسألهم عن أمرها، قالوا له: إنها كانت حاملا ففزعت حين رأت القتال و الهزيمة، قال: فسألهم أيهم مات قبل صاحبه، قالوا: إن ابنها مات قبلها، قال: فدعى بزوجها أب الغلام الميت فورثه من ابنه ثلثي الدية، و ورث أمه ثلث الدية، ثم ورث الزوج من امرأته الميتة نصف ثلث الدية الذي ورثته من ابنها الميت، و ورث قرابة الميت الباقي، قال: ثم ورث الزوج من دية امرأته الميتة نصف الدية، و هو ألفان و خمسمائة درهم، و ورث قرابة الميتة نصف الدية، و هو ألفا و خمسمائة درهم، و ذلك أنه لم يكن لها ولد غير الذي رمت به حين فزعت، قال: و أدى ذلك كله من بيت مال البصرة».

و من ذلك يعلم أن المراد من

قوله (عليه السلام) في خبر السكوني(3):


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب دعوى القتل- الحديث 3 و فيه « لا يبطل دم امرء مسلم».
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب موانع الإرث- الحديث 3 من كتاب الفرائض.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب دعوى القتل- الحديث 3.

ج 42، ص: 238

«ليس في الهايشات عقل و لا قصاص، و الهايشات الفزعة تقع بالليل و النهار فيشج الرجل فيها أو يقع قتيل لا يدري من قتله و شجه»

أي على غير بيت المال، بل يشهد له ما عن الكافي متصلا بالخبر المزبور،

و قال أبو عبد الله (عليه السلام) في حديث آخر(1)«رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): «فوداه من بيت المال».

إلى غير ذلك من النصوص المعلوم كون المراد منها ذلك مع عدم اللوث على معين و ادعاه الولي و إلا ترتب حكمه، و كأن الإطلاق فيها مبني على الغالب، كإطلاق الدية على من عرفت في قتيل القرية و نحوها، ضرورة عدمها مع عدم التهمة أيضا، و لكن يترتب اللوث لو ادعاه عليها أو على غيرها مع فرض تحققه، و ذلك كله واضح بحمد الله.

و لكن قد يشكل ما ذكره المصنف و غيره من أنه لا يثبت اللوث بشهادة الصبي و لا الفاسق و لا الكافر و لو كان مأمونا في نحلته، نعم لو أخبر جماعة من الفساق أو النساء مع ارتفاع المواطاة منهم قطعا أو مع ظن ارتفاعها كان لوثا معللين للأول بعدم اعتبار أخبارهم شرعا، بل في كشف اللثام زيادة المرأة و إن كانت ثقة معللا لها بما عرفت.

إلا أن ذلك كله كما ترى، ضرورة كون المدار على الظن لا على المعتبر فيه شرعا، و إلا لم يفد أيضا أخبار الجماعة المزبورين الذين منهم الفساق. و من هنا قال في المسالك: «و لو شهد جماعة ممن تقبل رواياتهم كالعبيد و النسوة و أفاد خبرهم الظن فهو لوث و إن احتمل التواطؤ على الكذب كاحتماله في شهادة العدل، و إن لم تقبل رواياتهم كالصبي و الفسقة و أهل الذمة فالمشهور عدم إفادة قولهم اللوث، لأنه غير معتبر شرعا، و لو


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب دعوى القتل- الحديث 4.

ج 42، ص: 239

قيل بثبوته مع إفادتهم الظن كان حسنا لأن مناطه الظن، و هو قد يحصل بذلك».

و أشكل من ذلك قولهم و لو كان الجماعة صبيانا أو كفارا لم يثبت اللوث ما لم يبلغ حد التواتر مع أن بلوغه حد التواتر يوجب ثبوت القتل لا اللوث، و حمله في كشف اللثام على الشياع.

و فيه أنه لا دليل على اعتباره أيضا لما سمعته من النصوص الدالة بإطلاقها على سماع دعوى المدعي في الدماء، أقصى ما تقيدت من جهة الإجماع و غيره بعدم القسامة مع عدم أمارة توجب ظنا، و حينئذ فمتى حصل الظن بصدق المدعي من أمارة من أماراته سمعت دعواه بالقسامة من غير فرق بين أسباب الظن، بل و أفراده، إذ الظاهر إرادة حصول الظن من قول المصنف و غيره: «يغلب» إلى آخره في تعريف اللوث، لا اعتبار الظن الغالب، نحو ما عبروا به في الشك في عدد الركعات من غلبة الظن نصا(1)و فتوى، و إلا كان منافيا لإطلاق الأدلة، بل و لما ذكروه من الأمارات التي تفيد الظن، لا الظن الغالب، و منه المتآخم للعلم، نعم لا بد من الانتقاد للأفراد المشتبهة بالظن، فان بعض أفراد الشك قد تشتبه به، و إلا فمتى حصل ثبت الحكم، و احتمال القول بأن الإطلاق علم تقييده باللوث، و المتيقن منه ظن مخصوص يدفعه ما عرفت من عدم وجود لفظ اللوث، و على تقديره فقد عرفت ما ذكروه في تفسيره و ما ذكروه من الأمثلة له، و أنه على تقديره لا دليل عليه، و ليس المقام من التقييد بالمحل، كما هو واضح، نعم لا بد من وجود أمارة تقتضي الظن بصدق المدعي.

و من هنا قال المصنف و غيره يشترط في اللوث


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة من كتاب الصلاة.

ج 42، ص: 240

خلوصه عن الشك، فلو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح ملطخ بالدم مع سبع من شأنه قتل الإنسان بطل اللوث، لتحقق الشك بتعارض الأمارتين.

و لو قال الشاهد فضلا عن الشاهدين قتله أحد هذين كان لوثا عند الشيخ، فإذا عين الولي أحدهما كان عليه القسامة، قال و لو قال: إن فلانا قتل أحد هذين القتيلين لم يكن لوثا لأن ذلك لا يوقع في القلب صدق ولي أحدهما إذا ادعى القتل عليه بالتعيين.

و لكن في الفرق تردد كما ذكره المصنف و غيره، إلا أن ذلك محتمل، لكونه لا لوث في شي ء منهما، للاشتراك في الإبهام المانع من حصول الظن بالمعين، و محتمل لكونه لوثا فيهما باعتبار حصول الأمارة على دعوى المدعي و لو في الجملة.

و لكن في المسالك «الظاهر هو الفرق، لأن قول الشاهد: إن الشخص المعين قتل أحد هذين يفيد الظن بكونه قاتلا من غير اعتبار التعيين، فحلف أحد الوليين بأنه القاتل يوافق ما ظن فيه، بخلاف شهادته على أحد الرجلين أنه قاتل المعين، فإنه لا يحصل الظن بأحدهما على الخصوص ليثبت عليه القتل و مقتضاه حصول اللوث بالثاني عكس ما سمعته من الشيخ».

و فيه منع واضح، بل هو مناف لما ذكره هو و غيره في المسألة السابعة، و هي لو أقام البينة على أحدهما، و احتمال القول إن إطلاق الأدلة يقتضي سماع دعوى المدعي في نحو ذلك لعدم معلومية خروج هذا الفرد منها يدفعه- مع أن مقتضاه عدم الفرق بينهما- ما عرفته من الإجماع على اعتبار الأمارة التي تشهد بصدق المدعي المقيد للإطلاق المزبور،

ج 42، ص: 241

و لا ريب في عدم حصولها على المعين منها للاشتراك، فلا بد من أمارة أخرى على المعين حتى يكون لوثا، و إلا فلا يكفي القدر المشترك، إلا أن ذلك يقتضي الإشكال في المسألة السابعة التي حكموا فيها بسماع البينة على أحدهما لإثبات اللوث.

لكن قد يقال: إن ظاهر قضية عبد الله بن سهل التي هي الأصل في مشروعية القسامة بل و غيرها مما ذكر نصا(1)و فتوى من ثبوت اللوث في القرية و القريتين و المحلة و الدار و نحو ذلك مما لوثه ليس إلا على القدر المشترك دون تعيين الاكتفاء بالقسامة على المعين بوجوده قتيلا في قليب من قبلهم مثلا أو في القرية أو في الدار، بل هو صريح بعضها، مع أن الأمارة قد كانت على أصل قتل اليهود له لا على رجل معين منهم، فليس هو إلا للاكتفاء بالقدر المشترك.

و لعل ذلك هو الوجه في ما ذكروه في المسألة السابعة من ثبوت اللوث مع دعوى المدعى على المعين بعد إقامة البينة على أن القاتل أحدهما، بل لعله هو الذي دعى الشيخ إلى التفصيل بين المثالين باعتبار ظهور النص في الأول بخلاف الثاني، و إن كان قد يناقش بأن ذلك فيها مثال لحصول الأمارة الشاهدة بصدق المدعي من غير فرق في ذلك بين القاتل و المقتول، و كأن المصنف و غيره لحظوا ذلك فذكروا التردد في الفرق، فيكون المراد لهم أنه لوث فيهما لا أنه ليس لوثا فيهما فتأمل.

و لا يشترط في اللوث وجود أثر القتل على الأشبه بأصول المذهب و إطلاق الأدلة، بل لا أجد فيه خلافا بيننا إلا من أبي علي، إذ قد يخلو القتل عن ذلك، نعم عن أبي حنيفة اشتراطه، فقال: إن لم يكن جراحة و لا دم فلا قسامة، و إن كان جراحة ثبتت، و إن لم يكن


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب دعوى القتل.

ج 42، ص: 242

و كان دم فان خرج من أذنه ثبتت، لا إن خرج من أنفه، و هو كما ترى و إن حكى عن الشيخ في المبسوط أنه قواه.

و كذا لا يشترط في القسامة حضور المدعي عليه كما في غير المقام من أفراد الحكم على الغائب، خلافا لبعض العامة ممن لم ير الحكم على الغائب مطلقا أو في خصوص الدم في القسامة احتياطا فيه و استضعافا للوث، و عن التحرير عدم القطع به، بل جعله أقرب مشيرا إلى احتمال الاشتراط، و الأصح ما عرفت، و الله العالم.

[مسألتان]
اشاره

مسألتان:

[المسألة الأولى لو وجد قتيلا في دار فيها عبده كان لوثا]

الأولى:

لو وجد قتيلا في دار فيها عبده كان لوثا عندنا لإطلاق الأدلة و حينئذ ف للورثة القسامة إذا ادعوا على العبد أنه القاتل عمدا أو خطأ لفائدة التسلط ب ذلك على القتل، أو لافتكاكه بالجناية لو كان رهنا لتقدم حق الجناية على الرهن، خلافا لبعض العامة، فمنع من القسامة، و لا وجه له لو أريد بها إثبات الأول، أما الثاني فقد يشكل إن لم يكن إجماعا بعدم اندراج نحوه في روايات الاسترقاق الذي يتبعه بطلان الرهانة، ضرورة ورودها في الجاني على غير المالك الذي لا يتصور في حقه استرقاق رقيقة، فلاحظ و تأمل.

ج 42، ص: 243

[المسألة الثانية لو ادعى الولي أن واحدا من أهل الدار قتله جاز إثبات دعواه بالقسامة]

المسألة الثانية:

لو ادعى الولي أن واحدا من أهل الدار قتله بعد أن وجد مقتولا فيها جاز إثبات دعواه بالقسامة لوجود اللوث، لكن ذلك بعد العلم بكون المدعى عليه في الدار و لو ببينة أو إقرار فلو أنكر كونه فيها وقت القتل كان القول قوله مع يمينه للأصل و غيره و لم يثبت اللوث، لأن اللوث يتطرق إلى من كان موجودا في تلك الدار وقت القتل و لا يثبت ذلك إلا بإقراره أو البينة كما هو واضح.

و مما ذكره المصنف هنا و ما تقدم في تكاذب الشاهدين و يأتي يعلم ما يسقط به اللوث و ما يثبت به و إن لم ينضمها بعدد مخصوص كما في القواعد، فإنه قد جعل مسقطات اللوث أمورا ستة مع أن في عد بعضها مسقطا توسعا، فلاحظ و تأمل.

[المقصد الثاني في كميتها]

المقصد الثاني في كميتها و هي في قتل العمد خمسون يمينا فتوى و نصا(1)مستفيضا أو متواترا كالمحكي من الإجماع المشعر بعدم الاعتداد بخلاف ابن حمزة، حيث قال: إنها خمسة و عشرون في العمد إذا كان هناك شاهد واحد، و هو مع ندرته غير واضح الوجه عدا ما قيل من أنه مبني على أن الخمسين بمنزلة شاهدين، و هو اعتبار ضعيف لا تساعده الأدلة، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 9 و 10 و 11- من أبواب دعوى القتل.

ج 42، ص: 244

إطلاقها على خلافه ف لا ريب في سقوطه، و أنه لا بد من الخمسين.

نعم إن كان له أي المدعي قوم جازمون بما ادعاه حلف كل واحد يمينا إن كانوا عدد القسامة إجماعا محكيا عن الخلاف و الغنية، مضافا إلى ما تقدم من النصوص(1)التي مقتضى إطلاقها كإطلاق الفتاوى و معقد الإجماع عدم الفرق بين الوارث للقصاص أو الدية و غيره، بل صرح به بعضهم مرسلا له إرسال المسلمات، نعم ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يحصل من خبرهم تواتر، و في كشف اللثام تبعا للروضة «و إن زادوا أحلف منهم عدد القسامة، و إليهم الخيرة» و لم أجده لغيرهما، و لعله لإطلاق النصوص(2)الخمسين، لكن عن الشهيد أنه قال:

«لو كانوا أكثر من خمسين حلف كل واحد يمينا» و هو مناف لظاهر النصوص(3)و الفتاوى.

و إن نقصوا عنه أي المدعى و قومه الباذلون لليمين كررت عليهم الأيمان حتى يكملوا القسامة كما صرح به غير واحد، بل عن الغنية الإجماع عليه، بل عنها و عن الخلاف أنه إن كان الولي واحدا أقسم خمسين إجماعا، بل زاد في الثاني نسبته إلى أخبار الفرقة أيضا إلا أن التكرير المزبور يقسم عليهم بالسوية، و على حسب حصصهم على ما سيأتي من الخلاف، و مع ثبوت الكسر عليهم الإتمام كيف شاؤوا. و عن الشهيد «لو كانوا تسعة و أربعين أقرع بينهم على اليمين الباقين».

و فيه أنه لا إشعار في شي ء من النصوص بالقرعة، و إنما هو حق لهم مختارون فيه، حتى أن لهم جميعا الامتناع منه، فلا إشكال حينئذ كي يكون محلا للقرعة، فلو كانوا ثلاثة مثلا حلف كل منهم ستة عشر


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب دعوى القتل.
2- 2 الوسائل- الباب- 9 و 10 و 11- من أبواب دعوى القتل.
3- 3 الوسائل- الباب- 9 و 10 و 11- من أبواب دعوى القتل.

ج 42، ص: 245

يبقى اثنتان يحلفهما اثنان منهم، فان كان ولي الدم منهم واحدا أو اثنين حلفهما ولي الدم، و لا حاجة إلى أن يحلف كل منهم سبع عشرة كما عن المبسوط و الوسيلة و إن كان يمكن أن يكون وجهه أن القسمة بينهم بالسوية و لا تكون مع استيفاء القسامة إلا بذلك و إن اقتضى ذلك الزيادة على الخمسين، فإنها غير منافية، و لعل الأول أولى بناء على ظهور الأدلة في إرادة الخمسين منهم كيف شاؤوا، و الفرض أن الحق لهم، فان لم يفعلوا ضاع الحق الذي لهم.

نعم في اعتبار حلف خصوص الولي على وجه لا يجزؤه يمين غيره إشكال، و كذا الكلام في المنكر من أن ذلك هو الأصل في اليمين سواء كانت من المدعى لإثبات دعواه أو من المنكر لاسقاطها، و أقصى ما خرج هنا بالأدلة حال الإجماع، و من إطلاق النصوص(1)حلف الخمسين على وجه يكون كالكفائي بالنسبة إلى الولي و قومه، من غير فرق بين صدورها منهم أجمع على التوزيع أو على التفريق، و لا بين الولي و غيره، و لعله لا يخلو من قوة، بل ربما كان هو الظاهر من بعض النصوص(2)المشتملة على أن المدعي يجي ء بخمسين يحلفون أن فلانا قتل فلانا، و ظاهره كون الخمسين غيره أو الأعم فلاحظ و تأمل.

نعم في قسامة الجروح يحلف هو مع الستة أو بعضهم كما تسمعه في

رواية ظريف(3)إن كان قوله في الكافي: «و تفسيره»

منها لا منه، و لعله غير ما نحن فيه من قسم الولي فتأمل.

و لو لم يكن له قوم أو كانوا فامتنعوا من الحلف- علموا بالحال


1- 1 الوسائل- الباب- 9 و 10 و 11- من أبواب دعوى القتل.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب دعوى القتل- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب دعوى القتل- الحديث 2.

ج 42، ص: 246

أو لا- حلف المدعي خمسين يمينا كما ذكره غير واحد، بل في الرياض نفي الخلاف فيه و في المدعى عليه إذا لم يقسم المدعي، بل عن الغنية الإجماع عليه.

و حينئذ فكيفيتها أن يحلف المدعى و أقاربه أولا، فإن بلغوا العدد المعتبر حلف كل واحد منهم يمينا، و إلا كررت عليه الأيمان بالسوية أو التفريق، و التخيير إليهم، كما لو زاد عددهم عن العدد المعتبر، و لو لم يكن للمدعي قسامة أو امتنعوا كلا أو بعضا لعدم العلم أو اقتراحا حلف المدعي و من وافقه إن كان، و إلا كررت عليه الأيمان حتى يأتي بالعدد كملا، و لو لم يحلف و كان للمنكر من قومه قسامة حلف كل منهم حتى يكملوا العدد، و لو لم يكن له قسامة يحلفون كررت عليه حتى يأتي تمام العدد.

و هذا التفصيل كما هو و إن لم يستفد صريحا من أخبار القسامة إلا أنه لا خلاف أجده فيه، بل عليه الإجماع عن الغنية كما عرفت، بل يمكن استفادته أيضا من التأمل في النصوص، فإنه و إن ذكر في بعضها(1)الأمر بأن يقسم خمسون رجلا إلا أن

في آخر(2)«فليتموا قسامة خمسين رجلا»

و هو مع قراءته بالإضافة يكون ظاهرا في إرادة خمسين يمينا، بل لعل صحيح مسعدة(3)السابق ظاهر أيضا فيه، بل لعل غيره من النصوص كذلك و لو بمعونة الاتفاق المزبور، نعم في بعض النصوص(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب دعوى القتل- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 3 و فيه «فأقيموا قومة خمسين رجلا».
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1 و سنن البيهقي ج 8 ص 119.

ج 42، ص: 247

قصة عبد الله بن سهل تقديم حلف المدعى عليه أولا ثم المدعي، و لكن غيره من النصوص و الفتاوى و الإجماع بقسميه على العكس، فيحمل ذلك على عدم إرادة الترتيب منه كما هو واضح.

و كيف كان فلا بد من الخمسين في قتل العمد حتى إذا لم يكن إلا الولي حلفها أجمع بلا خلاف و لا إشكال، و ستسمع ما يدل عليه في الجملة في قسامة الأعضاء.

و أما في الخطأ المحض و الشبيه بالعمد ف خمس و عشرون يمينا على الوجه الذي عرفته في العمد

للصحيح أو الحسن كالصحيح(1)قال أبو عبد الله (عليه السلام): «في القسامة خمسون رجلا في العمد، و في الخطأ خمسة و عشرون رجلا»

و في

خبر أبي عمرو المتطبب(2)المشتمل على عرضه ما أفتى به أمير المؤمنين (عليه السلام) في الديات على الصادق (عليه السلام) إلى أن قال: «و القسامة جعل في النفس على العمد خمسين رجلا و جعل في النفس على الخطأ خمسة و عشرين رجلا»

مؤيدا ذلك بمناسبته لأخفية الخطأ الموجب للدية من العمد الموجب للقود، و نحوه حسن يونس(3)عن الرضا (عليه السلام).

و لكن مع ذلك من الأصحاب من سوى بينهما و هو المفيد و الديلمي و الحلي و غيرهم، و اختاره الفاضل و ولده و الشهيدان، بل في الروضة نسبته إلى الشهرة

، بل عن السرائر الإجماع عليه و إن كنا لم نتحققهما و هو و إن كان أوثق في الحكم باعتباره زيادة الإيمان التي مقتضى الأصل عدم الثبوت إلا بها و لكن التفصيل أظهر في المذهب وفاقا للشيخ و القاضي و الصهرشتي و ابن حمزة و الفاضل


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب دعوى القتل.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب دعوى القتل- الحديث 2.

ج 42، ص: 248

في بعض كتبه، كالشهيدين و المقداد و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل هو المشهور كما اعترف به الفاضل، بل عن الغنية نسبته إلى رواية الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، بل عن الشيخ دعواه عليه صريحا، و هو الحجة بعد ما سمعته من النصوص(1)التي لا معارض لها إلا ما تقدم من نصوص عبد الله بن سهل(2)الظاهرة أو الصريحة في كون الدعوى فيه قتل العمد، مع أنها قضية في واقعة، و كذا غير ذلك من النصوص(3)المشتمل على حكمة شرعية القسامة، كل ذلك مع أن أقصاه الإطلاق المقيد بما عرفت، و أما دعوى أنه أحوط ففيه أنه كذلك مع بذل الزائد على ذلك، أما مع الامتناع فلا احتياط.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أنه لو كان المدعون جماعة قسمت عليهم الخمسون بالسوية في العمد و الخمس و العشرون في الخطأ أو بالتفاوت لو فرض كونهم وارثين.

لكن التحقيق عدم اقتضاء التفاوت فيه التفاوت في الأيمان، كما أن بالتحقيق كون القسمة المزبورة راجعة إلى اختيارهم باعتبار كون الحق لهم، فهم مختارون فيه و في كيفية إثباته على حسب ما عرفته سابقا.

لكن أطلق المصنف هنا القسمة بينهم بالسوية، و تبعه الفاضل في القواعد، بل في شرحها للاصبهاني ذكورا كانوا أم إناثا أو مختلفين وارثين بالسوية أو لا بها أو غير وارثين، لاشتراكهم في الدعوى و انتفاء دليل على التفاضل و لا يفيده التفاضل في الإرث، على أنه ليس بشرط.

و فيه (أولا) أن النصوص صريحة في كون الحالف خمسين رجلا.


1- 1 الوسائل- الباب- 9 و 10- من أبواب دعوى القتل.
2- 2 سنن البيهقي ج 8 ص 117- 125.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل.

ج 42، ص: 249

و (ثانيا) من ليس بوارث لا دعوى له، و إنما يحلف عن أهل الدعوى.

و (ثالثا) ليس في شي ء من النصوص القسمة المزبورة على وجه الإلزام لهم بها بحيث إن لم تحصل الأيمان كذلك لم يثبت الحق، بل يمكن دعوى صراحة النصوص بخلافه، إذ قد عرفت أن المستفاد منها ما ذكرناه من توقف الحق على حصول الخمسين يمينا من المجموع: المدعي و قومه.

و من ذلك يظهر لك أيضا ما في المحكي عن المبسوط من قسمتها بينهم على حسب الحصص، و احتمله الفاضل في القواعد، لأنهم يحلفون خلافة عن القتيل، فيحلف كل بقدر خلافته، و لذا ترى الأيمان تنقص بحساب نقص ديات الجراحات و الأعضاء عن دية النفس، فيحلف الذكر حينئذ ضعف الأنثى مع تكميل المنكسر، فلو فرض أن الولي ابن و بنت حلف الابن أربعا و ثلاثين و البنت سبع عشرة و هكذا، فان جامعهما خنثى احتمل مساواته للذكر و إن أخذ من الدية أقل، لاحتمال الذكورية، فلا تثبت دعواه يقينا بأقل، فيحلف كل منه و من الذكر عشرين و الأنثى عشرا، و يحتمل أن لا يحلف إلا الثلث، كما لا يرث سواه، و هو سبع عشرة بتكميل المنكسر، و الذكر ثلاثا و عشرين بتكميله أيضا، و الأنثى اثنا عشر بتكميله أيضا، فان مات وارث للقتيل بسطت حصته من الأيمان على ورثته كذلك أيضا.

إلا أن ذلك كما ترى لا إشارة في شي ء من النصوص السابقة إليه، بل يمكن دعوى القطع من التأمل فيها بخلافه، فلاحظ و تأمل، فإن الكلمات في المقام لا يخلو من تشويش و اضطراب، خصوصا بعد ملاحظة ما يأتي لهم في الغائب و الصغير و غيرهما.

و كيف كان فلو فرض أن في الحالفين غير وارث و لا مدع و كان عدلا متعددا أمكن حينئذ إقامته بينة على ثبوت القتل، و لا يحتاج إلى

ج 42، ص: 250

القسامة، و كذا الكلام في قوم المنكر الذي يكتفى ببينته لو أقامها عن قسامته و لو بأن يقيمها أنه في حال القتل كان في مكان كذا، و الله العالم.

و لو كان المدعي عليهم في القتل أكثر من واحد ففيه أي الاكتفاء منهم بالخمسين لو لم يحلف المدعي تردد و خلاف أظهره وفاقا للمبسوط و غيره ممن تأخر عنه أن على كل واحد خمسين يمينا منه أو من قومه الذين يحلفون على براءته كما لو انفرد في الدعوى عليه لأن كل واحد منهم تتوجه عليه دعوى بانفراده فهو حينئذ منكر يلزم باليمين، و الفرض أنها هنا خمسون.

خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف فاكتفى بالخمسين منهم أجمع مدعيا عليه الإجماع و إن كنا لم نقف على ما يشهد بصحة ذلك، نعم قد سمعت ما في بعض

النصوص(1) من أنه «إذا ادعى الرجل على القوم أنهم قتلوا كانت اليمين لمدعي الدم قبل المدعى عليه، فعلى المدعي أن يجي ء بخمسين يحلفون أن فلانا قتل فلانا فيدفع إليهم الذي حلف عليه.

و إن لم يقسموا فان على الذين ادعى عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلناه»

و ظاهره كفاية الخمسين و إن كان المدعى عليهم القوم، بل لعل إطلاق غيره أيضا كذلك.

لكن فيه- مع أنه لا جابر له في محل البحث، لعدم تحقق ما سمعته من الإجماع، بل لعل المحقق خلافه- أنه يمكن دعوى ظهوره في العكس و إن ذكر فيه القوم كما يشعر به عبارة قسامة المدعي.

و حينئذ فالمراد من الدعوى على القوم باعتبار كونها على واحد منهم، و النصوص(2) الواردة في قضية سهل و إن كان في جملة منها الدعوى على


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب دعوى القتل- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب دعوى القتل و سنن البيهقي ج 8 ص 117- 125.

ج 42، ص: 251

اليهود إلا أن التدبر فيها أجمع يقتضي كون المراد واحدا منهم من الدعوى عليهم، حتى أن في

الصحيح(1)منها «فقدت الأنصار رجلا منهم فوجدوه قتيلا، فقالت الأنصار: إن فلان اليهودي قتل صاحبنا»

و الفرض أن القضية واحدة، فلا بد من الجمع بينهما بما ذكرناه، و حينئذ يبقى ما تقتضيه القاعدة من حلف المنكر على حالها.

و لا يشكل ذلك بما إذا تعدد المدعون باعتبار اشتراكهم في الميراث مع أن القسامة منهم أجمع خمسون اتفاقا و لا يراد من كل مدع منهم ذلك، لإمكان الفرق بينهما بالنصوص أولا، و بأن الحق للقتل و ينتقل منه إلى وارثه، و هو واحد ثانيا.

و كيف كان ف لو كان المدعى عليه واحدا فأحضر من قومه خمسين يشهدون ببراءته و لم يكن فيهم بينة مقبولة حلف كل واحد منهم يمينا إن شاؤوا، و حكم ببراءته قصاصا و دية و لو كانوا أقل من الخمسين كررت عليهم الأيمان حتى يكملوا العدد على حسب ما عرفته في المدعي.

و كذا قد عرفت أيضا أنه لو لم يكن للولي المدعي قسامة و لا حلف هو كان له إحلاف المنكر خمسين يمينا إن لم تكن له قسامة من قومه، و إن كان له قوم كان كأحدهم بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك إلا في اعتبار خصوص حلف الولي معهم الذي عرفت البحث فيه سابقا.

كما لا خلاف و لا إشكال في براءته مع القسامة، و ما في صحيح مسعدة(2) السابق يراد منه أداء الدية من البيت المال، ضرورة كونه حينئذ قتيلا لم يعرف له قاتل، و الفرق بينه و بين قتيل العسكر أو السوق


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 6.

ج 42، ص: 252

أن الأخير تؤخذ ديته من بيت المال ابتداء لا بعد القسامة بخلافه، فإنه بعد القسامة.

نعم قد يقال في قتيل القرية مثلا: إنه بالقسامة يبرأ المعين لا أهل القرية أجمع، فتؤخذ ديته منها حينئذ إذا لم يعين الولي و لم يحصل قسامة، لإطلاق ما تقدم من النصوص السابقة. و يمكن حمل صحيح مسعدة(1)على ذلك.

لكن فيه أنه بعد تعيين الولي المعين فهو إقرار منه بعدم قتل غيره من أهلها له، فإذا فرض براءته بالقسامة لم يكن له على أهلها سبيل، بل لعله كذلك بالنسبة إلى بيت المال و إن أرسله في الرياض و إرسال المسلمات مستدلا عليه بصحيح مسعدة(2)السابق، إلا أنى لم أجد المسألة محررة في كلامهم، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف لو امتنع المنكر عن القسامة و لو يمينا واحدة و لم يكن له من يقسم عنه من قومه ألزم الدعوى بمجرد النكول كما عن السرائر و الجامع، بل قيل إنه الأشهر، و عليه عامة متأخري أصحابنا، و هو كذلك بناء على القضاء بمجرد النكول في غير المقام الذي تقدم البحث فيه مفصلا في كتاب القضاء(3)بل لعله كذلك، و إن لم نقل به هناك، ل

قوله (عليه السلام) في الصحيح السابق(4): «و إلا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلا ما قتلنا و لا علمنا له قاتلا و إلا أغرموا الدية إذا وجد قتيلا بين أظهرهم إذا لم يقسم المدعون»

و الخبر الآخر(5)أيضا المنجبر سندا بما عرفت،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 6.
3- 3 راجع ج 40 ص 182- 189.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 5.

ج 42، ص: 253

و فيه أيضا «إذا وجد مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعا ما قتلوه و لا يعلمون له قاتلا، فإن أبوا أن يحلفوا أغرموا الدية في ما بينهم في أموالهم سواء بين جميع القبيلة من الرجال المدركين»

مؤيدا ذلك كله بأن اليمين هنا على المدعي أصالة، و إنما حلف المنكر بنكول المدعي أو رده، فإذا نكل لم يعد إلى المدعي.

لكن و مع ذلك قيل و القائل الشيخ في المبسوط:

له رد اليمين على المدعي كما في غير المقام، لعموم أدلته و خصوصا فيه، للاحتياط في الدماء، بل في ظاهر عبارته الإجماع عليه و إن كان هو كما ترى.

و عليه فهل ترد القسامة أم يكتفى بيمين واحدة؟ وجهان، و ظاهر عبارته المحكية عنه في كشف اللثام على طولها يعطي رد القسامة، و ربما قيل: إن قلنا: إن الخمسين يمين واحدة فله الرد و إلا فلا، و الجميع واضح الضعف بعد الإحاطة بما عرفت و إن أطنب في المبسوط بذكر ما يقتضي ذلك، لكنه لا حاصل له على وجه يعارض ما ذكرناه.

و لا خلاف عندنا بل و لا إشكال في أنه تثبت القسامة في الأعضاء كالنفس، بل في التنقيح عن المبسوط عندنا، كالمحكي عن الخلاف، للاشتراك في حكمة مشروعيتها، و النصوص الخاصة(1)التي تسمعها إن شاء الله.

نعم يعتبر فيها نحو ما سمعته في القتل أن تكون مع التهمة أي اللوث كما صرح به غير واحد، بل عن السرائر الإجماع عليه، و هو الحجة بعد ما سمعته سابقا من أدلة اللوث، خلافا للمحكي عن المبسوط، فلم يعتبره، كما عن أكثر العامة أو جميعهم عدا الشافعي في تفصيل له،


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب دعوى القتل- الحديث 2.

ج 42، ص: 254

و لعله لإطلاق النصوص(1)السابقة كون اليمين على المدعي في الدم المقتصر في تقييدها باللوث على النفس دون الأعضاء. و لكن فيه أنه مقيد بما عرفت و لو للإجماع فيهما.

إنما الكلام في أنه كم قدرها فيها؟ ف قيل كما عن المفيد في محكي كتاب النساء و سلار و ابن إدريس خمسون يمينا كالنفس احتياطا في الدماء إن كانت الجناية تبلغ الدية كالأنف و الذكر و إلا فبنسبتها من خمسين يمينا في العمد و في الخطأ خمس و عشرون بناء على القول بها فيه، بل قيل: إنه خيرة أكثر المتأخرين لكنهم لم يذكروا الخمس و عشرين في الخطأ، و إنما أطلقوا ذكر الخمسين و في المسالك أنه مذهب الأكثر بقول مطلق، بل عن غيرها أنه المشهور، بل عن السرائر الإجماع عليه، لكن قيل: يحتمل أن يريد منه أن الثبوت بالخمسين مجمع عليه.

و قال آخرون و هم الشيخ و أتباعه ست أيمان في ما فيه دية النفس و بحسابه من ست في ما فيه دون الدية، و هي رواية أصلها ظريف و غيره كما يقضى به ملاحظة الكافي و التهذيب و الفقيه، بل قيل: إنه الأشهر بل في كشف اللثام و غيره أنه المشهور، بل عن الخلاف و المبسوط ظاهر الإجماع، بل عن الغنية الإجماع عليه صريحا، و هو الحجة بعد

المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(2)في الكافي و التهذيب و الفقيه بطرق فيها الصحيح و الموثق و الحسن و غيرها من أنه «جعل القسامة في

النفس على العمد خمسين رجلا، و فيها على الخطأ خمسة و عشرين رجلا، و على ما بلغت ديته من الجراح ألف دينار ستة نفر، فما كان دون ذلك فبحسابه من


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب دعوى القتل- الحديث 2.

ج 42، ص: 255

ستة نفر- إلى أن قال-: و تفسير ذلك»

إلى آخر ما ذكره مما هو نحو ما عند الأصحاب، إلا أن الظاهر كون قول: «و تفسير ذلك» إلى آخره من الكليني لا من الرواية، كما لا يخفى على من تأمل، و قد اعترف به بعض الأفاضل، لكن يكفينا في الاستدلال ما قبل قوله: «و تفسيره» مؤيدا ذلك بأن الجناية هنا أخف، فناسبها التخفيف في اليمين.

و لا معارض لذلك سوى دعوى مخالفة القسامة للأصل، فيقتصر فيها على المتيقن الذي هو الخمسون مطلقا أو في خصوص العمد و الخمس و العشرون في الخطأ التي هي كما ترى بعد الحجة الشرعية، و سوى إطلاق بعض النصوص(1)إن القسامة في العمد خمسون، و في الخطأ خمس و عشرون الواجب تقييده بما عرفت، و سوى دعوى الإجماع المزبور المعتضد بدعوى الشهرة المذكورة التي قد سمعت احتمال إرادة أن الثبوت بالخمسين متيقن منها، بل لعله الظاهر، و إلا كان بين الخطإ، ضرورة كون المشهور بين من تقدم عليه خلافه، نعم ربما كان ذلك مشهورا بعده، مع أنه غير محقق أيضا، لأنه خيرة الفاضل في بعض كتبه و الشهيدين و المقداد، و على تقديره فهو معارض بالشهرة القديمة المحققة التي لا يقدح فيها خروج المفيد و الديلمي، و ربما كان العذر لابن إدريس عدم عمله بأخبار الآحاد و إن صحت، أما غيره فلا عذر له إلا ظن ضعف الخبر، كما في المسالك، و قد عرفت فساده، و أنه مروي بطرق فيها الصحيح و الموثق و غيرهما، مضافا إلى اعتضاده بما عرفت، فلا ريب في أنه الأقوى.

و كيف كان فان كان في العضو أقل من دية فبحساب النسبة إليها من خمسين على الأول إلى أن يبلغ خمس عشر الدية أو أقل، ففيه يمين


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1.

ج 42، ص: 256

واحدة، لأنها لا تتبعض، و كذا إن بلغ ثلث عشر الدية، فإن فيه حينئذ يمينين و هكذا. و على المختار بحساب النسبة من الستة إلى أن يبلغ سدس الدية أو ينقص ففيه يمين واحدة.

و أما احتمال عدم اعتبار النسبة في الأقل و يكون فيه القسامة خمسون أو ستة أو تنتفي رأسا و يكون كسائر الدعاوي فلم نعثر على قائل به و إن كان هو محتملا، خصوصا في الأول، إلا أن الأقوى ما عرفت من ملاحظة النسبة مطلقا.

إن كان كسر في اليمين أكمل بيمين، لعدم تبعضه، ففي اليد الواحدة خمس و عشرون على الأول، و ثلاثة على الثاني، و في الإصبع الواحدة خمس أيمان على الأول، لأنها عشر الخمسين، كما أن دية الإصبع عشر الدية، و يمين واحدة على الثاني، لأنه لا عشر للستة إلا الكسر الذي عرفت عدم تبعضه، فلا بد من يمين.

و كذا الكلام في الجراح، ففي الموضحة ثلاث أيمان على الأول، لأن ديتها نصف عشر و نصف عشر الخمسين يمينان و نصف، و قد عرفت عدم تبعضه، و على الثاني يمين واحدة لذلك أيضا و هو واضح، و الله العالم.

و لا خلاف أيضا كما لا إشكال في أنه يشترط في القسامة علم المقسم كما في غيرها و لا يكفي الظن و إن كان غالبا، و لذا لم يقسم الأنصار، و قد مر في كتاب القضاء(1) تحقيق ذلك فلاحظ، و لكن في كشف اللثام عن الشيخ في المبسوط الاكتفاء بالظن، و هو بعيد قلت: كأنه (رحمه الله) لحظ أول كلامه الذي هو للعامة، و إلا فإنه قد صرح في المقام و غيره في ما حكي عن مبسوطة


1- 1 راجع ج 40 ص 242.

ج 42، ص: 257

بأنه لا يجوز عندنا أن يحلف إلا على علم.

و في قبول قسامة الكافر على دعواه على المسلم في الخطأ و العمد في النفس و غيرها تردد و خلاف أظهره عند المصنف المنع وفاقا للشيخ و الفاضل و ولده و والده و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، لأنها على خلاف الأصل، و مورد النص(1)قسامة المسلم، بل في

الحسن كالصحيح(2)«إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة»

و في آخر(3)«إنما جعلت القسامة احتياطا لدماء المسلمين»

ففي الكافر تبقى على أصالة عدم ثبوت الحق بها، و لأنها يثبت بها القود في القتل عمدا و الكافر لا يستحقه على المسلم، و عن الخلاف «و لو أوجبنا عليه الدية لأوجبنا بيمين كافر ابتداء على مسلم مالا، مع علمنا بأنهم يستحلون دماء المسلمين و أموالهم، و لأنها سبيل منفي عن الكافر على المسلم، و لتقرير النبي (صلى الله عليه و آله) الأنصار على آبائهم قبول قسامة اليهود، و لذا أداه هو (صلى الله عليه و آله) من بيت المال».

و لكن الجميع كما ترى، ضرورة الخروج عن الأصل بإطلاق

قوله (عليه السلام): «القسامة حق، و لولاها لقتل الناس بعضهم بعضا»(4)

و «القسامة نجاة للناس»(5)

و غير ذلك مما يظهر منه مشروعية القسامة للناس كافة الذي هو مقتضى أصالة الاشتراك، و ليس المراد من الخبرين الأولين أنها شرعت لهم خاصة كي يكون معارضا بها، فيحتاج فيه إلى الجميع بالإطلاق و التقييد، كما تخيله بعض مشايخنا، و عدم ثبوت القود بها لعدم استحقاق الكافر له على المسلم لا ينافي ثبوت القتل عمدا بها لاستحقاق


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1 و فيه « إنما جعلت القسامة احتياطا للناس».
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل- الحديث 2.

ج 42، ص: 258

الدية، كما لو قامت البينة، و وجوب المال بها ابتداء على المسلم كالشاهد و اليمين غير مناف لشي ء من الأدلة، بل إطلاقها يقتضيه. و منه يعلم عدم كونها

سبيلا، ضرورة عدم كون الحق على الوجه الشرعي سبيلا منفيا، و تقرير النبي (صلى الله عليه و آله) الأنصار على الآباء و أدائه من نفسه إنما كان سياسة، لا لعدم جواز قسامتهم، و إلا لم يأمر (صلى الله عليه و آله) بها، فان ذلك صريح في ثبوتها، بل هو دليل على المشروعية بناء على اتحاد الدعوى مع الإنكار في القبول كما هو واضح، فالأقوى حينئذ ثبوتها في الكافر كالمسلم و وفاقا للشيخ في محكي المبسوط و غيره من الأصحاب، و الله العالم.

و لمولى العبد و الأمة مع اللوث إثبات دعواه على القتل عمدا أو خطأ بالقسامة و لو كان المدعى عليه حرا لا يثبت عليه إلا المال و لا تتعلق الجناية برقبته تمسكا بعموم الأحاديث خلافا للمحكي عن أبي علي للأصل المقطوع بما عرفت، و لأن العبد كالحيوان الذي مرجعه إلى القياس، ضرورة ثبوتها في دماء الناس أحرار و عبيدا و إن كانوا أموالا لا غيرهم، بل الظاهر ترتبها لو أقام المولى شاهدا على قتل مملوكه قتلا يوجب الدية، و لا تكفي اليمين الواحدة معه، و إن استشكل فيه الفاضل لدخوله في المال، لكن الأقوى ما عرفت.

و يقسم المكاتب المطلق و المشروط في قتل عبده مع اللوث ك ما يقسم الحر لأنه بحكم الحر ما دام مكاتبا، فيندرج في إطلاق الأدلة و عمومها، نعم لو نكل عن الحلف و فسخت الكتابة بموت أو عجز لم يكن لمولاه القسامة، أما لو عجز أو مات قبل نكوله يحلف و يثبت حقه، و لعله لانتقال حق القسامة حينئذ إلى السيد كسائر الورثة بخلاف الأول الذي هو كوارث المدعي الحر الناكل عن القسامة.

ج 42، ص: 259

و القسامة في أعضاء العبد كالقسامة في نفسه في تولي السيد لها، و لا يتولاها العبد، لعدم حق له بعد أن كان مملوكا للسيد.

و لو وجد العبد مجروحا فأعتقه مولاه ثم مات بالسراية وجبت ديته كما عرفت. و لكن للسيد أقل الأمرين من الدية أو القيمة، فإن كانت الدية أقل حلف السيد مع اللوث خاصة، لأنه المستحق، و إن كانت القيمة أقل حلف السيد للقيمة و الوارث للفاضل.

و لو أوصى المولى بقيمة العبد المقتول لا برقبته حلف الوارث القسامة كما في القواعد و شرحها، و لعله لأن الرقبة كانت ملكا له، و قد عرفت أن للسيد القسامة، و لا ينافي ذلك أن ما يثبت بحلفه يكون ملكا للموصى له، إذ لا يمتنع أن يحلف على إثبات حق إذا ثبت كان لغيره، كما لو خلف الرجل تركة و دينا له و عليه، فان وارثه يحلف على الدين و إن كان إذا ثبت كان لغيره.

إلا أنه لا يخلو من نظر، لكونه من الحلف لإثبات مال الغير، و فرق بينه و بين المثال الذي يملكه الوارث و إن استحق عليه، و في القواعد أيضا «فإن امتنع الوارث ففي إحلاف الموصى له إشكال» و لعله من أنه أجنبي عن الرقبة- كما هو واضح- و عن القيمة، فإنها ما لم تثبت و لم تنتقل إلى الوارث لم تنتقل إليه كما أنه لو لم يقتل و بيع انتقل الثمن إلى البائع و هو الوارث ثم إليه كما عن المبسوط، و من أن القيمة حق له مع ما في توقف استحقاقه هنا على الانتقال إلى الوارث من المنع، فإن القيمة ملك له بحسب الوصية، و من أنك قد عرفت إشكال حلف الوارث الذي ذكرناه، بل لا يخلو الجزم بالأول و الاشكال في الأخير من تناف في الجملة، و الله العالم.

و لو ارتد الولي منع القسامة كما صرح به الفاضل و ولده

ج 42، ص: 260

و الشهيدان و غيرهم على ما حكى عن بعض، نعم لم أجده لمن تقدم على المصنف إلا للشيخ في محكي المبسوط، قال: «الأولى أن لا يمكن الامام من القسامة مرتدا لئلا يقدم على يمين كاذبة، فمتى خالف وقعت موقعها، لعموم الأخبار، و قال شاذ: لا يقع و هو غلط، لأنه اكتساب، فهو غير ممنوع منه في مدة الإمهال، و هي ثلاثة أيام». و الظاهر أن نظر المصنف إليه و لذا قال لو خالف وقعت موقعها، لأنه لا يمنع من الاكتساب و حمل قوله: «الأولى» على لزوم ذلك لا ندبه.

و لكن قال و تبعه تلميذه الفاضل و يشكل هذا بما أن الارتداد يمنع الإرث، فيخرج عن الولاية فلا قسامة فلا يتم حينئذ إطلاقه الحكم المزبور الشامل للمرتد بقسميه و الولي الوارث و السيد لو فرض ارتداده و لما إذا كان الارتداد بعد القتل أو قبله و لما إذا كان المدعى عليه مسلما أو كافرا.

و لا ريب في توجه الاشكال المزبور على الإطلاق المذكور، ضرورة عدم الحق له في الإرث لو فرض أن ارتداده كان قبل القتل فلا قسامة، كما أنه لو فرض كون ارتداده عن فطرة لم يستحقه و لو بعد القتل لخروج جميع ماله بالارتداد عن ملكه، فلا قسامة حينئذ و إن كان المقتول عبدا، إلى غير ذلك مما لا يخفى تطبيقه على القواعد المعلومية في الوارث و السيد و في الفطري و الملي و في تقدم الردة على القتل و تأخرها عنه.

نعم قد يقال: إن التأمل في عبارة الشيخ و لو في آخرها يقتضي كون الموضع الملي، لأنه الذي يمهل ثلاثة أيام لا الفطري، و أن ارتداده قد كان بعد القتل، و حينئذ لا يتجه الإيراد المزبور، ضرورة عدم خروجه بالارتداد عن الملك السابق، فهو باق على ولايته المستحق بها

ج 42، ص: 261

القسامة و لو كان المدعى عليه مسلما.

و دعوى منعه منها للإقدام على اليمين الكاذبة يدفعها عدم البأس مع الاستحقاق، و لذا تقبل أيمان الكفار في كل دعوى يتوجه بها عليهم، مع أنه يمكن فرضه حال عدم علم الحاكم بارتداده إلا بعد حلفه، بل و في كون الحالف غيره بناء على الاجتزاء بيمين الغير عن الولي.

و كذا دعوى كونه محجورا عليه بالتصرف الذي منه القسامة، ضرورة عدم دليل على منعه من التصرف على وجه يشمل القسامة التي ليست من التصرف المتلف للمال، بل هي من المحققة له، و حينئذ فإن عاد إلى الإسلام استوفى حقه بما حلفه في الردة من غير حاجة إلى الاستئناف، و إن مات أو قتل فيها انتقل إلى ورثته عندنا.

و لو تخللت الردة بين الأيمان فإن اشترطنا فيها الموالاة لأنها يمين واحدة كان عليه الاستئناف إن أخلت بالموالاة و إلا فلا.

و إن كان الولي قد ارتد لا عن فطرة فإن عاد الإسلام قبل قسمة الميراث كان له الحلف و إلا فلا.

و بذلك كله ظهر لك ما يثبت فيه القسامة للمرتد و ما لا يثبت في السيد و الوارث على وجه لا ينافي ما تقدم لنا من ثبوت القسامة للكافر على المسلم و إن ظنه بعض الناس لكنه في غير محله.

بقي شي ء: و هو أن من المعلوم عدم صحة القسامة إلا بإذن الحاكم، فمع فرض وجوب منعه منها لا يتصور وقوعها مع المخالفة على وجه تصادق موقعها، و فرض ذلك في حال عدم علم الحاكم بارتداده خلاف ظاهر العبارة أو صريحها، فليس إلا حمل الأولوية على ضرب من الرجحان مع إمكانه، فمع مخالفته و حلف تكون القسامة واقعة موقعها، و حينئذ لا ينبغي الحكاية عن الشيخ وجوب المنع، على أنه مناف لاستحقاقه لها

ج 42، ص: 262

و إلا لم تقع موقعها، فكيف يتجه لزوم منعها منه مع طلبه لها و استحقاقه إياها؟ فتأمل جيدا.

و يشترط في اليمين ذكر القاتل و المقتول، و الرفع في نسبهما بما يزيل الاحتمال، و ذكر الانفراد أو الشركة، و نوع القتل من عمد أو خطأ كما في بعض كتب الفاضل و بعض متأخري المتأخرين، و لكن الأصل في ذلك ما في محكي المبسوط من احتياج اليمين التي يقسم بها إلى أربعة أشياء و ذكر ما سمعته، نعم عنه ما في كشف اللثام من الاكتفاء بالإشارة، و في الأخير منهما لا يكفي الإضمار و لو صرح بالاسم أو الإشارة قبله، لاحتمال الرجوع إلى الله تعالى شأنه.

و قال في محكي المبسوط أيضا: إنه يحتاج في يمين المدعى عليه إلى ذكر ستة أشياء: يقول ما قتل فلانا، و لا أعان على قتله، و لا ناله من فعله، و لا بسبب فعله شي ء، و لا وصل بشي ء إلى بدنه، و لا أحدث شيئا مات منه، أما القتل فلا بد منه، و قوله: «و لا أعان» لدفع الشركة، و قوله: «و لا ناله» لأنه قد يرميه بسهم أو غيره فيقتله، و قوله: «و لا بسبب فعله» لأنه قد يرميه بحجر فيقع على حجر فيطير الثاني فيصيبه فيقتله، و قوله: «و لا وصل إلى بدنه بشي ء» لرفع سقيه السم، و قوله: «و لا أحدث سببا مات منه» لأنه قد ينصب سكينا أو يحفر بئرا فيتلف بسببه» ثم اعترض على نفسه بأن الدعوى إذا لم تسمع إلا محررة فإذا حلف على ما تحررت عليه كفى، و أجاب بوجهين: «أحدهما أن هذه اليمين مفروضة في ما إذا أطلقت الدعوى و قلنا: إنها تسمع مطلقة، و الثاني أنها في من لا يعبر عن نفسه لصغر أو جنون، فينصب الحاكم له أمينا يستوفى له اليمين، فيحتاط له كالاحتياط باليمين في الدعوى عليه مع البينة».

ج 42، ص: 263

إلا أن ذلك كما ترى، بل لم أجده لغيره في المدعى عليه، نعم قد عرفت موافقة غيره له في ما سمعته منه في المدعي، و كأن الذي دعاه إلى ذلك كله ما في النصوص(1)هنا من التعرض لصفة اليمين في الجملة، نحو إن فلانا قتل فلانا، و في المدعى عليه ما قتلنا و لا علمنا له قاتلا إلى آخر ما سمعته في النصوص.

لكن من المعلوم إرادة الاستظهار في ذلك من حيث كون الدعوى في الدماء، لا أن اليمين في المقام مخالفة لها في غيره من المقامات.

على أنه إن أريد بذلك التحرز عن التورية التي تكون في قلب الحالف ففيه أن ذلك و أضعافه غير مجد في دفع ذلك، و من هنا كان في الإثم و غيره على نية المحلف دون الحالف.

و لعله لذا اقتصر غير من عرفت من أساطين الأصحاب على ذكر كيفية اليمين هنا بما هو كالصريح في أنه كغيره من الدعاوي، بل ينبغي الجزم بذلك بعد تحرير الدعوى على وجه لا اشتباه في شي ء منها و وقوع اليمين على مقتضاها، كما اعترف به الفاضل، بل قد سمعت ما في محكي المبسوط من أن ذلك في الدعوى المطلقة بناء على صحتها و أما الإعراب ف في القواعد و محكي المبسوط و غيره أنه إن كان من أهله كلف و إلا قنع بما يعرف معه القصد أي و إن رفع قوله:

«و الله» أو نصبه بل عن التحرير أنه أطلق الاجتزاء به مرفوعا و إن كان لحنا، لعدم تغير المعنى به، و لعل ترك الأكثر التعرض لذلك للاتكال على ما ذكروه في غير المقام في الصيغ من اعتبار ذلك مع القدرة، ضرورة اتحاد ما هنا معه في أصالة عدم ترتب الحكم على غير المعهود و المتيقن في جميع الصيغ التي منها صيغة اليمين في المقام، بخلاف غير


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب دعوى القتل.

ج 42، ص: 264

القادر المستفاد الاكتفاء بما يتمكن منه من فحوى الاجتزاء بإشارة الأخرس، كما أوضحناه في محله بل أوضحنا أيضا جملة من أحكام اليمين في كتاب القضاء(1) و الحمد لله.

و هل يعتبر أيضا أن يذكر الحالف في اليمين أن النية نية المدعي بكسر العين على معنى نيته حين حرر الدعوى أو فتحها على معنى الدعوى؟ قيل: نعم دفعا لتوهم الحالف أن النية في ذلك إليه، فيغير اليمين عن وجهها، و عن التحرير

نسبته إلى قوم، و لكن لم نعرف أحدا منهم، نعم نسبة غير واحد إلى الشيخ في المبسوط، و عبارته المحكية عنه أنه بعد أن ذكر احتياج اليمين إلى الأربعة قال: «و الرابع يذكر نوع القتل من العمد و الخطأ، و النية في اليمين نية الحاكم، و الفائدة في اعتبار هذه الصفات أن كل أحد لا يعلم أن الأمر هكذا، فربما يعتقد أن النية نية الحالف، فيغير اليمين عن جهتها، فلهذا يحلف بهذه الأوصاف».

و ظاهره كون الواو استئنافا لا عطفا، مؤيدا ذلك كله بمعلومية كون ذلك من الأحكام الشرعية، و لا مدخلية لذكر الحالف له المحتمل أيضا التورية فيه، و مراده بقوله: «و الفائدة» إلى آخره دفع ما عساه يقال من عدم احتياج ذكر الأمور الأربعة بعد انصراف اليمين إلى ما ينويه الحاكم، و هو ما ادعاه المدعي سواء قيدت بما يصرفها إليه أو لا، فأجاب بأنه و إن كان كذلك لكن ربما يعتقد أن له أن ينوي بها ما يشاء حين الحلف من القيود التي ادعاها غيرها، بل التورية أيضا، فيحتاط لدفع ذلك بذكر القيود في ألفاظ الأيمان.

و هو و إن كان فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا إلا أنه


1- 1 راجع ج 40 ص 225- 303.

ج 42، ص: 265

أجنبي عن اشتراط ذكر ذلك في اليمين، و إلا كان خامسا لا رابعا.

و على تقديره فلا ريب في أن الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها إطلاق الأدلة فضلا عما تعرض لخصوص صفة اليمين من النصوص السابقة أنه لا يجب كغيره من الأيمان، كما هو واضح، و الله العالم.

[المقصد الثالث في أحكامها]

المقصد الثالث في أحكامها التي منها عندنا نصا(1)و فتوى ثبوت القصاص بها في العمد إجماعا بقسميه، خلافا لأبي حنيفة و الشافعي في الجديد، فأوجبا بها الدية مغلظة في مال الجاني، و هو اجتهاد في مقابلة النص النبوي(2)و غيره (3)و ثبوت الدية على القاتل في عمد الخطأ بلا خلاف أجده فيه بل و لا إشكال و على العاقلة في الخطأ المحض كما هو المشهور على ما في كشف اللثام، لظهور النصوص في أنها كالبينة في ذلك.

لكن في محكي التحرير و إن كان القتل خطأ ثبتت الدية على القاتل لا على العاقلة، فإن العاقلة إنما تضمن الدية مع البينة لا مع القسامة، و عن الشهيد في الحواشي أنه قواه، بل قد يؤيده

خبر زيد(4)عن آبائه (عليهم السلام) «لا تعقل العاقلة إلا ما قامت عليه البينة»

إلا أنه لا جابر له، و الظاهر إرادة ما قابل الإقرار من الحصر المزبور فيه، و إلا كان معارضا بظاهر ما دل على إثبات الدعوى بها مما هو أرجح منه


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل.
2- 2 سنن البيهقي ج 8 ص 117.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب دعوى القتل.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العاقلة- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 266

من وجوه، كما هو واضح.

و لو ادعى على اثنين مثلا و له على أحدهما لوث حلف خمسين يمينا و ثبتت دعواه على ذي اللوث بلا خلاف و لا إشكال، لإطلاق الأدلة و كان على الآخر يمين واحدة كالدعوى في غير الدم أو فيه بلا لوث، و احتمال وجوب الخمسين هنا مع عدم دعوى اللوث كما توهمه بعض الناس في غاية السقوط، و حينئذ فإذا حلفها اندفعت عنه الدعوى كما في كل منكر، فان رد اليمين على المدعي حلف، و كذا لو نكل بناء على عدم القضاء بمجرده، و على كل حال لا يتقدم المدعي هنا إجماعا كما عرفت الكلام فيه سابقا.

نعم في المسالك في دخوله في جملة الخمسين أو كونه خارجا عنها القولان السابقان في ما إذا تعدد المدعى عليه.

و فيه أن القولين في ما إذا تعدد المدعى عليه مع وجود اللوث لا في مثل الفرض الذي فيه اليمين المردودة أو يمين النكول التي لا مدخلية لها في يمين اللوث، فالمتجه عدم دخولها على القولين، كما هو واضح، بل هو أيضا غير اليمين المردودة على مدعي اللوث، فان احتمال وجوب الخمسين فيه أيضا لا يخلو من وجه.

ثم إن أراد قتل ذي اللوث بعد الثبوت عليه بالقسامة رد عليه نصف ديته لاعترافه بأنه أحد القاتلين، و كذا لو ثبت على الآخر باليمين المردودة و أراد قتله.

و لو كان أحد الوليين غائبا و هناك لوث حلف الحاضر وحده أو مع قومه خمسين يمينا و يثبت حقه لإطلاق الأدلة المقتضي لعدم منع غيبة الشريك

الحاضر عن إثبات حقه بالعدد المزبور الذي لو لم يكن الشريك غائبا لم يتعين عليه حلفه أجمع، إلا أنه لما كانت الدعوى و لو جزء منها

ج 42، ص: 267

لا تثبت مع افتتاح القسامة إلا بتمامها تعين عليه ذلك، فله حينئذ استيفاء حقه بعد الإثبات و لم يجب عليه الارتقاب و إن كان قودا بناء على عدم حبسه إلى قدوم الغائب و إن احتمل لكنه ضعيف جدا، لأنه إذا جاز القصاص مع عفو الباقين فمع الغيبة أولى، و للمحكي من إجماع الشيخ في الخلاف و ظاهر المبسوط و السيدين علم الهدى و أبي المكارم، و لقاعدة تسلط كل ذي حق على حقه، و عدم الضرر و الضرار و غير ذلك.

و على كل حال ف لو حضر الغائب و أراد استيفاء حقه حلف بقدر نصيبه، و هو في الفرض خمس و عشرون يمينا.

و إن كان الوارث ثلاثة أحدهم غائب حلف الحاضران خمسين كل منهما خمسة و عشرون، فإذا حضر الثالث حلف الثلث و جبر المنكسر، فيحلف سبع عشرة، و لو كان الحاضر منهم واحدا حلف خمسين و أخذ نصيبه. ثم إن حضر الآخران معا حلف كل منهما سبع عشرة، و إن حضر أحدهما حلف خمسا و عشرين، إذ قد لا يحضر الثالث أو لا يدعي، فإذا حضر الثالث حلف سبع عشرة، و عليه فقس.

و في المسالك «و نظير ذلك ما إذا حضر أحد الشركاء، فإنه يأخذ جميع المبيع بالشفعة، فإذا قدم آخر شاركه بالنصف، فإذا حضر ثالث كان المبيع بينهما أثلاثا و هكذا، إلا أن الفرق بينهما فورية الشفعة بخلاف المقام، فليس له فيها أن يقول: لا آخذ إلا بقدر حصتي، فإن الشفعة تبطل بذلك بخلاف المقام، فان له تأخير القسامة حتى يقدم الغائب».

لكن لا يخفى عليك أنه بعد فرض الحكم بذلك في النظير كما عرفت الكلام فيه في محله لا يقتضي ثبوت الحكم هنا كذلك، ضرورة عدم انطباقه على الضوابط، لأن القسامة إن كانت كالبينة في إثبات الحق- كما

ج 42، ص: 268

هو مقتضى ما سمعته سابقا من النص و الفتوى و أن من مخالفتها للقواعد ثبوت الحق بيمين آخر و إن لم يكن شريكا معه فيه بناء على الاكتفاء بقسامة القوم دونه- فالمتجه حينئذ عدم احتياج الغائب إلى يمين مع فرض تصديقه الحاضر، لحصول الخمسين المثبتة للحق في نفسه و إن كانت هي كذلك في حق خصوص المدعي دون غيره، فالمتجه حينئذ حلف الآخر تمام الخمسين، لعدم مدخلية ما وقع من الأول في إثبات حقه، و أن ما وقع منه مقدمة منه ليأخذ نصيبه، إذ لو حلف بعضا منها و لو أكثرها لم يثبت الحق، ضرورة اتفاق النص و الفتوى على أن المثبت تمامها دون البعض، فلا تكفي الخمسين و عشرون للثاني، كما لم تكن تكفي الأول.

و احتمال الفرق- أن إلزام الأول بالخمسين لاحتمال عدم حلف الآخر و عدم دعواه، فتوقف إثبات نصيبه على تمام القسامة، بخلاف الثاني الذي قد سبقه الأول بتمام القسامة إلا أنه قد كان لإثبات نصيبه فليس على الغائب إلا المقدار الذي عليه لو كان حاضرا مع الأول- كما ترى مناف لما يظهر من نصوص القسامة، بل و ما سلف من الفتاوى من أنها متى حصلت ثبت الحق لأهله من غير فرق بين الحالف منهم و غيره مع فرض كونه مدعيا، و أنه لا يعتبر فيها حصول الأيمان منهم موزعة عليهم على قدر نصيبهم على وجه إن لم يحصل اليمين من بعضهم على قدر استحقاقه لم يثبت له حق و لا أن كل ذي حق منهم يحلف تمام الخمسين على وجه تبلغ ألف يمين أو أزيد الذي يمكن القطع بعدمه من النصوص و الفتاوى.

و من هنا احتمل الأردبيلي الاكتفاء بقسامة الحاضر في حق الغائب، و لكن احتمل مع ذلك إلزامه بتمام الخمسين لإثبات حقه كالحاضر، و لعله لأن دعواه غير دعوى الأول، فلا بد له من الحلف تمام الخمسين كالأول، إذ لا قسامة مثبتة للحق دون ذلك و إن كان في الأخير منافاة أيضا لما سمعته.

ج 42، ص: 269

اللهم إلا أن يدعى أن المتيقن من النص و الفتوى الاكتفاء بالخمسين للمدعين دون من لم يدع منهم لصغر أو جنون أو غيبة، فإنه حينئذ على دعواه، و طريق إثباتها كاثبات غيرها بالبينة أو الإقرار أو القسامة اقتصارا في ما خالف عدم ثبوت حق لشخص بيمين آخر على خصوص المدعين دون غيرهم.

إلا أن هذا أيضا مناف لما سمعته منهم من حلف الغائب نصف القسامة إن كانوا اثنين، أو ثلثها إن كانوا ثلاثة و كان الحاضر منهم واحدا و الغائب اثنين (اثنان خ ل) و قد حضرا معا، و إلا حلف الحاضر منهما خمسا و عشرين و أخذ حقه اكتفاء بما قسمة الأول، و لاحتمال عدم حلف الآخر، فان كان إجماعا كما يقضى به إرسال من تعرض له من الشيخ و الفاضلين و الشهيدين و غيرهم من الشارحين إرسال المسلمات فهو الحجة، و إلا كان المتجه ثبوت الحق بالقسامة لكل مدع حاضر أو غائب، بل و للصغير و المجنون مع قيام الولي عنهما بالدعوى، بل لا يبعد كونها كالبينة بالنسبة إلى ذلك.

هذا و قد ألحق الفاضل و غيره الصبي و المجنون بالغائب. و إليه أشار المصنف بقوله و كذا لو كان أحدهما صغيرا و هو كذلك بناء على كون الحكم كذلك في الغائب، نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يدع الولي عنهما مع المدعين فتأمل.

ثم قال في كشف اللثام بعد تمام الكلام في المسألة على حسب ما سمعته من الأصحاب: «هذا إذا استوفى الحاضر حقه من الدية و أما إذا اقتص فلا يمين على الغائب إذا حضر».

و لا ريب في عدم تمام إطلاقه، ضرورة أن الغائب لا يخلوا إما أن يصدق الحاضر أو لا، و على الأول إما أن يرضى بفعله أو لا، فان لم

ج 42، ص: 270

يصدقه دفع المقتص إلى ورثة المدعى عليه الفاضل عن نصيبه، و إن صدقه و رضي بفعله فيحتمل عدم القسامة عليه للورثة، كما أنه ليس له حينئذ مطالبتهم و لا مطالبة أخيه بشي ء مع احتمال أن للورثة إلزامه باليمين أو مطالبة أخيه بنصيبه، و إن صدقه و لم يرض بالقصاص كان له أن يحلف القسامة و يطالب أخاه أو الورثة بنصيبه أو يتخير في الرجوع على كل منهما، فان رجع على الورثة رجعوا على أخيه، وجوه ستعرف تحقيق الحال فيها، و أن الأقوى منها الأول، و لعل في عبارته سقطا، لكن عثرت على نسخة الأصل فوجدته قد ألحق بما سمعته «إن اعترف به الحاضر و لم يأخذ نصيبه من الدية من تركة القاتل» و الظاهر عدم وفائه بما ذكرنا، و الله العالم.

و لو أكذب أحد الوليين صاحبه بأن قال: لم يقتله، بل كان غائبا يوم القتل، و إنما قتله فلان أو اقتصر على نفي القتل عنه أو قال: إنه بري ء من الجراحة و مات حتف أنفه لم يقدح ذلك في اللوث، و حلف لإثبات حقه خمسين يمينا كما عن الخلاف و المبسوط و القواعد و المسالك و غيرها، لعموم أدلة القسامة عند اللوث، و إمكان كون كذب المكذب عن خطأ أو سهو أو عداوة أو غرض، و لأنه لو منع التكذيب لاشتراط القسامة بعدمه، فلا تصح إذا كان بعض الورثة غائبا أو صغيرا حتى يحضر أو يكمل فلا يكذب، و لأنه كسائر الدعاوي التي لا تسقط بتكذيب أحد الوارثين حق الآخر منها، إذ اللوث دلالة تنقل اليمين إلى حقية المدعي، فتكذيب أحد الوارثين لا يمنع الآخر من اليمين، كما لو ادعى أحد الوارثين دينا للمورث و أقام عليه شاهدا واحدا و كذبه الثاني، فإن التكذيب لا يمنعه من أن يحلف مع شاهده.

لكن مع ذلك قد استشكل فيه الفاضل، و لعله مما عرفت و من أن

ج 42، ص: 271

إنكار الثاني يدل على أنه ليس بقاتل، لأن النفوس مجبولة على الانتقام من قاتل المورث، و إذا ذهب ظن القتل بطلت القسامة.

و بذلك يفرق بين المقام الذي مداره الظن و بين الحلف مع الشاهد، بل و بين المكذب و بين الصغير و الغائب و غيرهما ممن لم يكذب فان للمدعي أن يقسم اتفاقا، إلا أنه كما ترى، ضرورة عدم استلزام ذلك ذهاب الظن بعد ما سمعته من الاحتمالات المزبورة، نعم ربما يذهب الظن في بعض المقامات، و ليس الكلام فيه، إنما الكلام في الفرض من حيث التكذيب، و الأصح ما عرفت.

و حينئذ فلو قال أحدهما: قتل أبانا زيد و قال الآخر: بل عمرو أقسم كل واحد على من عينه بعد ثبوت اللوث و لو بالبينة على أن القاتل أحدهما، و أخذ نصف الدية، و لو قال أحدهما: قتله زيد و آخر: لا أعرفه و قال الأخر: قتله عمرو و آخر: لا أعرفه فلا تكاذب، لاحتمال الآخر في الأول عمرا و في الثاني زيدا، و لكن يأخذ كل منهما ممن عينه ربع الدية بعد القسامة إن أوجبت الدية، و لو قال الأول بعد ذلك: تبين لي أن الذي لم أكن أعرفه عمرو حلف و طالبه بربع آخر، و كذا لو قال الثاني: تبين لي أن الذي لم أكن أعرفه زيد، و لو قال كل منهما: تبين لي أن الآخر غير الذي ذكره أخي حصل التكاذب، فان قلنا تبطل القسامة رد إلى كل واحد منهما ما أخذ منهما، و إلا أقسم كل واحد منهما على من عينه ثانيا، و أخذ منه ربع الدية حيث تكون هي الواجب.

و لو قال أحدهما: قتله هذا وحده و قال الثاني بل هذا مع آخر فعلى المختار من عدم الابطال حلف الأول على الذي عينه و استحق نصف الدية، و حلف الثاني عليهما و استحق النصف: على كل واحد الربع.

نعم بناء على الابطال بالتكاذب يحتمل أن يقال: إنه حصل في

ج 42، ص: 272

النصف فلا يستحقانه بالقسامة، فيحلف الأول على الذي عينه و يأخذ الربع و يحلف الآخر عليه و يأخذ الربع، و لا يحلف على الآخر، لتكذيب الأخ له في شركته، و يحتمل سقوط حكم اللوث من أصله كما إذا شهد لشخصين فردت شهادته لأحدهما سقطت الشهادة للآخر على وجه، و الله العالم.

و إذا مات الولي قبل أن يحلف قام وارثه مقامه بلا خلاف و لا إشكال، لانتقال الحق و حججه إليه كسائر الحقوق فان مات في أثناء الأيمان قال الشيخ (رحمه الله): يستأنف الأيمان، لأنه لو أتم لاثبت حقه بيمين غيره إذ الحق انتقل إليه بعد ما كان لمورثه و لم يكن شريكا له في الدعوى، و لأن الخمسين كيمين واحدة، و لو مات في أثنائها لزم الوارث استئنافها.

لكن قد يناقش- كما عساه يشعر به نسبة المصنف و غيره إليه- يمنع كون القسامة كاليمين الواحدة في جميع اللوازم، و لذا توزع على جماعة، و لا يجب الاستئناف لو تخلل الجنون، و ثبوت الحق بيمين الغير من شأن القسامة، اللهم إلا أن يقال: إنها كذلك لكن الوارث لم يكن مستحقا إلا بعد موت المورث، على أن الحق إذا كان للمقتول و الورثة يحلفون بحكم الخلافة و ضممنا إيمان بعضهم إلى بعض لإثبات حق الموروث فأولى أن يكمل يمين المورث في إثبات حقه بيمين الوارث.

نعم قد يقال: إن الثبوت بالقسامة على خلاف الأصل و المتيقن من دليلها غير الفرض، و من ذلك احتمل بعض اعتبار الموالاة فيها و إن كان إطلاق الأدلة يقتضي خلافه.

و لو مات بعد كمال العدد ثبت للوارث حقه من غير يمين.

و إذا مات من لا وارث له فلا قسامة، لأن وارثه الامام (عليه السلام)

ج 42، ص: 273

و إحلافه كفر، و الله العالم.

[مسائل]
اشاره

مسائل:

[المسألة الأولى لو حلف مع اللوث و استوفى الدية ثم شهد اثنان أنه كان غائبا في حال القتل بطلت القسامة]

الأولى:

لو حلف المدعي مع اللوث و استوفى الدية ثم شهد اثنان أنه كان غائبا في حال القتل غيبة لا يتقدر (لا يقتدر خ ل) معها القتل أو مريضا أو محبوسا كذلك ففي القواعد و غيرها بطلت القسامة و استعيدت الدية تقديما للبينة على اللوث الذي هو أمر ظني، بل في كشف اللثام «و كذا لو اقتص بالقسامة أخذت منه الدية ما لم يعترف بتعمد الكذب و إلا اقتص منه» نعم في المسالك «لو قال الشهود: لم يقتله هذا و اقتصروا عليه لم تقبل شهادتهم».

قلت: قد يناقش في أصل الحكم بأنه مناف لذهاب اليمين بما فيها، كما في غير المقام من الدعاوي، كما أنه قد يناقش في ما سمعته من المسالك بإطلاق ما دل على قبول شهادة العدلين و إن كانت هنا نفيا، لاحتمال صدقها بما يرجع إلى إثبات و إن لم يذكراه فتأمل جيدا.

[المسألة الثانية لو حلف و استوفى الدية ثم قال هذه حرام فإن فسره بكذبه في اليمين استعيدت منه و إن فسره بأنه لا يرى القسامة لم يعترضه]

المسألة الثانية:

لو حلف و استوفى الدية ثم قال: هذه حرام سئل فإن فسره بكذبه في اليمين عمدا أو سهوا استعيدت منه الدية و إن فسره بأنه حنفي لا يرى القسامة لم يكن للمدعى عليه أن يعترضه بمطالبته بإعادة الدية، لتقدم اجتهاد الحاكم على

ج 42، ص: 274

زعمه، نعم لو ردها إليه باختياره أخذها منه.

و إن فسر ذلك بأن الدية ليست ملكا للباذل فان عين المالك ألزم دفعها إليه مؤاخذة له بإقراره الذي هو حجة عليه نفسه و لذا لا يرجع على القاتل بمجرد قوله إلا إذا صادقة، فإن له الرجوع عليه حينئذ كما لو ادعاها المالك و أقام بينة و إن لم يعينه ففي القواعد و غيرها أقرت في يده نعم في المسالك لو رأى الحاكم أخذها منه لأنه مال مجهول المالك جاز، و لكن قد تقدم تحقيق الحال في ذلك في كتاب(1)الإقرار فلاحظ.

[المسألة الثالثة إذا استوفى بالقسامة فقال آخر أنا قتلته منفردا كان الولي بالخيار]

المسألة الثالثة:

إذا استوفى بالقسامة أو لم يستوف بعد أن حلفها فقال آخر: أنا قتلته منفردا قال الشيخ في الخلاف: كان الولي بالخيار بين البقاء على مقتضى القسامة و بين العمل على مقتضى الإقرار و قال في المبسوط: ليس له ذلك، لأنه لا يقسم إلا مع العلم، فهو مكذب للمقر (11) و مقر بأنه لا يستحق عليه شيئا فكيف له أن يأخذ منه. و في المسالك جعل محل البحث ما إذا صدقه، و إلا فلا إشكال في عدم رجوعه عليه مع تكذيبه له.

و فيه أنه لا وجه للرجوع على الأول بعد تصديق الثاني في ما أقربه، ضرورة اعترافه حينئذ بأن يمينه خطأ و دعواه باطلة، و إن أريد بالتصديق العمل بمقتضى إقراره و إن لم يعلم صدقه ففيه أنه مناف لما وقع منه من


1- 1 راجع ج 35 ص 59- 63.

ج 42، ص: 275

الحلف المقتضي لعلمه بما حلف عليه، و فرض عروض الشك له بعد الإقرار و الإتيان بالقسامة يقتضي عدم الرجوع على الأول أيضا، لأن الثابت من صحة القسامة الأخذ بها لمن هو باق على مقتضاها.

و في المسالك بعد أن حكى عن الشيخ التخيير لليمين و الإقرار قال:

«و أجيب عن الأول بأن كذب الحالف ممكن، و إكذابه إنما لم يسمع إذا تضمن إنزال ضرر بالغير لا بمجرد إقرار ذلك الغير، و هنا لم يضرب الثاني بغير إقراره، و لأنه لو أقر بقبض وديعته من المستودع فأنكر ثم رجع عن إقراره كان

له مطالبة المستودع لاعترافه، و لو أقر له بشي ء فأنكر تملكه ثم عاد و ادعاه قبل، فحينئذ لا تنافي بين الإقرار بالمنافي و بين الرجوع عنه- ثم قال: و فيه نظر، لأن غاية هذا أن يجوز الرجوع على الثاني، أما التخيير بمجرد الشهوة فلا، نعم لو أكذب نفسه و أراد الرجوع على المقر ينبغي أن لا يمنعه الشارع، لتمكين المقر له بإقراره كنظائره السابقة و غيرها، و على التقديرين إذا أكذب نفسه وجب عليه رد ما أخذه من المحلوف عليه و إن لم نقل برجوعه على المقر، لاعترافه بعدم استحقاقه شيئا على الأول» و قد تبع بذلك كله ما في غاية المراد، و مرجعه في الحقيقة إلى عدم التخيير.

و في كشف اللثام جعل التخيير بين أن يصدقه و يكذب نفسه و بين أن يكذبه و يثبت على ما كان عليه، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، فإذا أكذب نفسه فقد أقر بعدم استحقاق شي ء على الأول، و لما أقر الثاني بالقتل أخذ بإقراره.

و الجميع كما ترى مناف لظاهر التخيير المقتضى جواز رجوعه على كل منهما نحو البينتين و الإقرارين، و ذلك لا يتم إلا إذا قلنا بعدم اعتبار الحلف من الولي و أن له الأخذ بوقوعها من قومه مثلا أو مع غيرهم ممن

ج 42، ص: 276

حلف من الأولياء، فإنه حينئذ ليس بحالف و لا عالم، و إنما له أمارتان يتخير في الأخذ بكل منهما، نحو ما سمعته في الإقرارين و البينتين مع عدم الدعوى منه بمقتضى واحد منهما.

و على هذا يتجه ما في الخلاف، كما أنه يتجه ما في المبسوط في خصوص الحالف العالم الذي هو مكذب للمقر بإقراره المستمر على ذلك، و حينئذ لا خلاف بين الكتابين.

و نظيره يتفرع على ما عند العامة من جواز الحلف بالظن، فإذا حلف و ثبت حقه بالقسامة فأقر آخر كان له الرجوع على كل منهما، لحصول الأمارتين له، و الفرض عدم علم له بما ينافي، كما أنه لا إشكال في جواز الرجوع له على المقر بعد تكذيب نفسه و مصادقة المقر له على ذلك، لأن الحق لا يعدوهما فتأمل جيدا.

[المسألة الرابعة إذا اتهم و التمس الولي حبسه حتى يحضر بينته ففي إجابته تردد]

المسألة الرابعة:

إذا اتهم رجل بالدم و التمس الولي الحاكم حبسه حتى يحضر بينته ففي إجابته تردد و لكن المحكي عن الشيخ و أتباعه و الصهرشتي و الطبرسي ذلك، و تبعه الفاضل في القواعد و غيره و مستند الجواز

رواية السكوني(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام، فإن جاء الأولياء ببينة و لفظ الخبر «أولياء المقتول» ثبتت و إلا خلى سبيلهم و لفظ الخبر «سبيله».


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب دعوى القتل.

ج 42، ص: 277

و لكن في المستند (السكوني خ ل) ضعف بالسكوني يمنع من العمل به في ما خالف أصل البراءة و غيره، إذ هو تعجيل عقوبة لا مقتضي له و لذا كان خيرة الحلي و الفخر وجده و غيرهم على ما حكي العدم.

و في محكي المختلف «التحقيق أن نقول: إن حصلت التهمة للحاكم بسبب لزوم الحبس ستة أيام عملا بالرواية و تحفظا للنفوس عن الإتلاف، و إن حصلت لغيره فلا عملا بالأصل» و فيه أنه خروج عن إطلاق الرواية.

كتقييد المصنف أصل الحكم بالتماس المدعي الخالي عنه لفظ الخبر بل و فتوى الشيخ، نعم لو لم يرد حبسه لم يكن للحاكم ذلك، ضرورة كون الحق له، و لعل المصنف أخذ ذلك من اعتبار طلب ذي الحق في الأخذ له بحقه.

و على كل حال فلا يخلو العمل بالخبر المزبور هنا من قوة، لاعتضاده بعمل من عرفت، و حكاية الإجماع على العمل بأخبار الراوي المزبور الذي في غالب رواياته التوقيع عنه المؤيد بتتبع كثير من المقامات المنفرد في روايتها، و بغير ذلك مما يقتضي السكون إلى رواياته، و خصوصا في المقام المطلوب فيه الاحتياط و التحفظ.

بل عن الإسكافي الحبس سنة و إن لم نجد له شاهدا، و يمكن قراءته بالتاءين لا بالنون، فيكون موافقا للشيخ أيضا، كالمحكي عن ابن حمزة من التقييد بالثلاثة، فإنه لا شاهد له سوى القياس على التأجيل بها في غير المقام.

نعم الظاهر اختصاص الحكم بالقتل دون الجراح اقتصارا في ما خالف الأصل على المتيقن من الخبر المزبور، بل لعله الظاهر منه بقرينة آخره و إن أطلق الدم في صدره، و الله العالم.

ج 42، ص: 278

[الفصل الرابع في كيفية الاستيفاء]
اشاره

الفصل الرابع في كيفية الاستيفاء لكن لا بد أن يعلم أنه لا خلاف معتد به بيننا في أن قتل العمد يوجب القصاص لا الدية عينا قطعا بل ضرورة، و لا تخييرا، بل عن ابن إدريس نفي الخلاف فيه تارة و نسبته إلى الأصحاب أخرى و الإجماع عليه ثالثة، بل قال: «إنه ظاهر الكتاب(1)و المتواتر من الأخبار(2)و أصول مذهبنا» و في المبسوط أنه الذي نص عليه أصحابنا و اقتضته أخبارهم، بل عن الخلاف عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، بل في الغنية الإجماع عليه أيضا، بل هو محصل، إذ لم يحك الخلاف إلا عن العماني و الإسكافي، بل الأول منهما لا صراحة في كلامه فيه، قال: «فان عفا الأولياء لم يقتل و كانت عليه الدية لهم» و هي محتملة للوجوب عليه حفظا للنفس لا التخيير كما ستعرفه و لذا اقتصر غير واحد على نسبة الخلاف فيه إلى الثاني، و عبارة المقنعة و النهاية و المراسم و إن أوهم صدرها ذلك حتى توهمه بعض الناس فشدد النكير لكنها صريحة بعد ذلك في موافقة الأصحاب.

و يدل عليه- مضافا إلى ذلك- ظاهر قوله تعالى:


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 194 و سورة المائدة: 5- الآية 45.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 279

«النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(1). «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ»(2)و غيرها من آيات القصاص الذي معناه فعل المماثل و النصوص المتواترة(3)المتضمنة لوجوب القود من غير إشعار بالتخيير الذي مقتضى الأصل عدمه أيضا، و خصوص المعتبرة التي منها

صحيح ابن سنان(4)عن الصادق (عليه السلام) «من قتل مؤمنا متعمدا أقيد منه إلا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فإن رضوا بالدية و أحب ذلك القاتل فالدية اثنا عشر ألف»

الخبر.

و إلى قاعدة الإتلاف المقتضية للضمان بالمثل، و غير ذلك مما لا يكافؤه النبويان اللذان لم نجدهما في طرقنا:

أحدهما(5)«من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما أن يفدى و إما أن يقتل»

و الثاني(6)«من أصيب بدم أو خبل- و الخبل الجراح- فهو بالخيار بين إحدى ثلاث: إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو»

الواجب تقييدهما بما عرفت في العقل و الفداء على معنى و أراد القاتل ذلك، ك

خبر العلاء بن الفضيل(7)عن الصادق (عليه السلام) إنه قال: «و العمد هو القود أو يرضى ولي المقتول»

بل لعله ظاهر في إرادة وجوب القود أو تحصيل رضا الولي، و هو لا نزاع فيه.

كما أنه لا إشكال في حمل المطلق المزبور على المقيد في صحيح


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 194.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القصاص في النفس.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ديات النفس- الحديث 19 من كتاب الديات.
5- 5 سنن البيهقي- ج 8 ص 52.
6- 6 سنن البيهقي- ج 8 ص 53.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ديات النفس- الحديث 13 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 280

ابن سنان الذي سمعته خصوصا مع ملاحظة غلبة رضا الجاني بالدية إذا طلبها الولي.

و أما الاستدلال له بأن ولي الدم إذا رضي بالدية و أمكن القاتل دفعها كان ذلك ذريعة إلى حفظ نفسه فيجب عليه حفظها كما يجب اقتداؤها بالمال مع القدرة حيث يتوقف عليه مطلقا ففيه أولا أنه لا يقتضي ثبوت التخيير للولي أصالة بين القصاص و الدية، بل هو أمر آخر إن تم اقتضى وجوب بذل الزائد عليها و لو أضعافها مع القدرة و رضا الولي.

و من هنا مال جماعة من أصحابنا المخالفين لابن الجنيد في القول المزبور إلى القول بوجوب البذل على الجاني، كالفاضل و ولده، حيث قربا الوجوب، بل عن الشهيد في الحواشي نفي البأس عنه تارة، و فيه قوة أخرى، بل حكاه عن ابن إدريس، و في اللمعة «و في وجوبها على الجاني بطلب الولي وجه، لوجوب حفظ نفسه» و نفي عنه البأس في الروضة و إن ظنه أنه قول ابن الجنيد، لكنه اشتباه، و ظاهر المسالك القول به أو الميل إليه، و عن الكركي أنه جيد، و نفى عنه البعد في مجمع البرهان، بل أطنب بعض مشايخنا في المفروغية من وجوب ذلك عليه عقلا و نقلا و جبره عليه و أكثر من نقل العبارات و الأمارات، إلا أنه بعد التأمل لم يأت بشي ء يعتد به.

بل ظاهر ما تسمعه من المصنف إن شاء الله و الفاضل في القواعد و الإرشاد أو صريحه بل و صريح التحرير عدم الوجوب، بل هو الذي فهمه غير واحد من المشهور، بل هو مقتضى الصحيح المزبور و الأصل و غيره، و لا دليل على وجوب حفظ النفس في المقام بعد تعلق حق الغير بها و الأمر بإعطاء القصاص، و على كل حال فالفرض أنه بعد تسليمه لا مدخلية له في ما ذكره ابن الجنيد من التخيير الأصلي للولي، ضرورة

ج 42، ص: 281

كونه تكليفا على الجاني لاحقا للولي عليه، كما هو واضح.

و كيف كان فلو عفا الولي على مال لم يسقط القود، و لم تثبت الدية إلا مع رضا الجاني عندنا خلافا لما سمعته من أبي علي من كونه أحد فردي التخيير الذي يسقط بالإسقاط و يبقى الآخر، كما عن الشافعي و أحمد و جماعة من العامة من وجوب الدية بالعفو و إن لم يرض الجاني.

إنما الكلام في المراد من العفو على مال الذي اشتهر التعبير به، فان كان المراد تعليق عفوه على الدية فلا ريب في بطلانه للتعليق و إن رضي الجاني بذلك، و إن أريد به الشرطية الإلزامية في صيغة إنشاء العفو- كما هو مقتضى قول المصنف: «و لو عفا» و لم يشترط- فهو مبني على لزوم الشرط في الإيقاع مع رضا المشترط عليه، و هو لا يخلو من بحث بل منع إلا في مثل الخلع و نحوه مما ثبت بالأدلة، و لذا ذكر غير واحد أنه على المختار لا تثبت الدية إلا صلحا، بل يمكن في الفرض المزبور حصول العفو و عدم لزوم الشرط على الجاني و إن كان الأقوى خلافه، باعتبار اقتران قصد العافي بالمال و لو على جهة الشرطية الإلزامية، و لذا قلنا في العقود إن بطل الشرط بطل العقد، فتأمل جيدا، فان مبنى صحة ذلك و لزومه على دعوى استفادته من الأدلة و إن كان لم يحضرنا منها ما يدل عليه بالخصوص، نعم قد يقال: إن إطلاق النصوص(1)صحة العفو على مال- المنزل على ما إذا رضي الجاني- يدل عليه، مؤيدا بإطلاق أدلة العفو الشامل للفرض و غيره.

و لو عفا و لم يشترط المال سقط القود، و لم تثبت الدية عندنا لما عرفته من أن الواجب القصاص، فمع فرض سقوطه من دون اشتراط للمال لم يجب بعد شي ء، رضي الجاني أو لم يرض، أطلق العفو أو صرح


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 282

ينفي المال، لانحصار الحق في القصاص، فإذا عفا فقد عفا عن كل ما وجب له، فما عن العامة من القول بثبوت الدية مع إطلاق العفو واضح الفساد، نعم يأتي ثبوت الدية على قول الإسكافي، لعدم انحصار الحق عنده في القود الذي هو أحد فردي التخيير، فسقوطه لا ينافي بقاء الآخر.

و لو بذل الجاني القود لم يكن للولي غيره عندنا لما عرفت و لكن لو طلب الدية أو الأقل أو الأكثر فبذلها الجاني صح بلا خلاف و لا إشكال و أما لو امتنع لم يجبر على البذل كما في القواعد و الإرشاد للأصل و غيره مما سمعته سابقا من تعلق الحق به و نحوه، و حينئذ فاما أن يقتص منه أو يعفو عنه مجانا، إذ لا يجب عليه إلا بذل نفسه كما في التحرير، و هو صريح في ما ذكرناه من عدم وجوب حفظ النفس، و إلا لاتجه جبره على ذلك مع امتناعه، و على كل حال لا يجبر الولي على القبول لو بذل الجاني و لو أضعاف الدية بلا خلاف و لا إشكال.

نعم لو لم يرض الولي بالدية بل طلب الزائد جازت المفاداة بالزيادة و لو أضعاف الدية بلا خلاف و لا إشكال، و لكن لا يجب بناء على ما عرفت من عدم الجبر الذي ذكره المصنف و غيره ممن سمعت، بل لعل إطلاق المشهور وجوب بذلك النفس على الجاني يقتضي ذلك، ضرورة أن المتجه عليه بناء على وجوب حفظ النفس عدم بذلها إلا مع الانحصار، و هو معلوم العدم.

و لا يقضى بالقصاص في النفس بسراية الجرح ما لم يتيقن التلف بالجناية (11) و لو بالبينة العادلة أو الإقرار و مع الاشتباه يقتصر على القصاص (12)

أو الأرش في الجناية لا في النفس (13) التي لم يثبت استحقاق القصاص فيها، ضرورة أعمية الجناية من ذلك كما هو واضح.

ج 42، ص: 283

و يرث القصاص من يرث المال كما عن المبسوط و السرائر في موضع منها و التحرير و المختلف و الإرشاد و الإيضاح و اللمعة و المسالك و الروض و الروضة، بل عن المبسوط نسبته إلى الأكثر، بل قد يظهر من ابن فضال الإجماع عليه كما ستسمع، من غير فرق بين الذكور و الإناث المتقربين بأنفسهم أو بالذكور أو بالإناث، لعموم أدلة الإرث من آية أولي الأرحام(1)و غيرها، و إطلاق قوله تعالى(2)«فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» بناء على إرادة الوارث من الولي فيها و غيرها مما هو نحو من سائر نصوص القصاص.

عدا الزوج و الزوجة، فان هما لا يستحقان قصاصا إجماعا بقسميه نعم لهما نصيبهما من الدية إن أخذت الدية صلحا مثلا في عمد أو أصلا في خطأ محض أو شبه العمد و العمد الذي يوجب الدية كقتل الوالد الولد و نحوه بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لم أجد فيه مخالفا من العامة إلا من ابن أبي ليلى بناء منه على زوال الزوجية بالوفاة، و لا ريب في فساده، لما عرفت، بل قد يعطيه عموم نصوص الإرث أيضا، و لا ينافي ذلك ما في

خبر السكوني(3)من أن أمير المؤمنين (عليه السلام) «لا يورث المرأة من دية زوجها شيئا، و لا يورث الرجل من دية امرأته و لا الاخوة من الأم من الدية شيئا»

بعد ضعفه و لا جابر و احتماله التقية أو كون القاتل أحدهما خطأ.

و قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و الاستبصار و مختصر الفرائض لا يرث القصاص إلا العصبة دون الاخوة و الأخوات من


1- 1 سورة الأنفال: 8- الآية- 75.
2- 2 سورة الإسراء: 17- الآية 33.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب موانع الإرث- الحديث 4 من كتاب الفرائض.

ج 42، ص: 284

الأم و من يتقرب بها و هو الأظهر عند المصنف كما عن الشهيد في الحواشي، بل عن الحلي في موضع من السرائر إن كلالة الأم لا ترث الدية و لا القصاص و لا القود بلا خلاف، بل قيل: إنه قد يظهر من المقنعة و الخلاف و الكافي بناء على أن إرث القصاص مترتب على إرث الدية، قلت: بل ينبغي على ذلك أن يكون خيرة غيرها أيضا، لما ستعرفه من أن الأكثر أو المشهور على عدم إرث المتقرب بالأم لها لكن ستعرف إمكان الفرق بين القصاص و الدية بما ستسمع.

و قيل: ليس للنساء و إن تقربن بالأب عفو و لا قود و لكن لم أعرف القائل به و إن حكي عن المبسوط و كتابي الأخبار إلا أني لم أتحققه، نعم عن المهذب و الإيجاز و جنايات الخلاف أنه لا يرث الدية النساء ممن يتقرب بالأب كما لا يرثها من يتقرب بالأم مطلقا، و من المعلوم أولوية القصاص من ذلك، فالعفو حينئذ منهن في غير محله، و في كشف اللثام حكاه الشيخ في المبسوط عن جماعة من الأصحاب، و رواه

علي بن الحسن بن فضال بسنده عن أبي العباس(1)أنه قال للصادق (عليه السلام): «هل للنساء قود أو عفو؟ قال: لا، و ذلك للعصبة»

قال علي بن الحسن: «هذا خلاف ما عليه أصحابنا» قلت: هو كذلك بل خلاف مقتضى الأدلة أيضا.

و كذا يرث الدية من يرث المال من غير استثناء، كما عن جراح المبسوط و الخلاف في الميراث و الوسيلة و المقتصر و المختلف و الإرشاد في الجنايات و الروض، بل نسبه غير واحد إلى السرائر أو موضع منها و إن أطنب في الرياض في فساد هذه النسبة، و لكن المثبت غير المنافي،


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب موجبات الإرث- الحديث 6 من كتاب الفرائض.

ج 42، ص: 285

مع أن الأمر فيه سهل، لعموم الأدلة و إطلاق موثقة عمار(1)و غيره و ما عن العميدي من أن سنده الرواية فإن أراد المطلقة فهو حق و إن أراد رواية خاصة صريحة فلم نعثر عليها.

و من هنا كان البحث فيه كالأول، غير أن الزوج و الزوجة يرثان من الدية على التقديرات كلها بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، إنما الكلام في غيرهما، و الكلام فيه كالكلام في القصاص عند المصنف.

بل حكي استثناء المتقرب بالأم هنا عن المقنعة و النهاية و الخلاف و الكافي و السرائر في الميراث و موضع من الجنايات و الرسالة البصرية و التنقيح و تعليق النافع و المسالك و غيرها من كتب متأخري المتأخرين، بل نسبه غير واحد إلى الأكثر، بل عن الخلاف الإجماع عليه، مضافا إلى ما سمعته من السرائر، للنصوص المستفيضة التي فيها الصحيح و الموثق و غيرهما.

ففي الأول(2)«يرثها الورثة على كتاب الله و سهامهم إذا لم يكن على المقتول دية إلا الاخوة و الأخوات من الأم، فإنهم لا يرثون من ديته شيئا»

و نحوه آخران(3) لكن بدون ذكر الأخوات فيهما.

و في الموثق(4)«لا يرث الاخوة من الأم من الدية شيئا».

و في الخبر(5)«هل للاخوة من الأم من الدية شي ء؟ قال: لا»


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب موانع الإرث- الحديث 1 من كتاب الفرائض و هو خبر إسحاق بن عمار كما تقدم في ج 39 ص 45 و أشار قده إليه أيضا في ص 47 منه.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب موانع الإرث- الحديث 1 من كتاب الفرائض.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب موانع الإرث- الحديث 4 بطريقين- من كتاب الفرائض.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب موانع الإرث- الحديث 5 من كتاب الفرائض.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب موانع الإرث- الحديث 6 من كتاب الفرائض.

ج 42، ص: 286

إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة بما عرفت المتمم ما فيها من خصوص الاخوة و الأخوات من الأم بعدم القول بالفصل و إن احتمله بعض، و بأولويتهم من المتقرب بها من غيرهم، لظهورها في العرف الذي هو المناط في حجيتها و إن كان قد يناقش في حجيته مثل هذه الأولوية، و لعله لذا تردد فيها بعضهم، إلا أن الأول كاف في إثبات المطلوب، و به يقيد و يخص إطلاق و عموم ما دل على إرث الجميع لها.

بقي الكلام في شي ء: و هو الجميع بين خيرة الأكثر هنا و بين خيرتهم إرث القصاص من يرث المال عدا الزوج و الزوجة الظاهر في عدم الفرق بين المتقرب بالأم و غيرها كما صرح به بعضهم، بل و بين قولهم: إن الدية التي تثبت صلحا في القصاص يرثها من يرث المال مطلقا، و ليس إلا الفرق بين

القصاص و ديته و بين دية الخطأ و غيره مما تثبت فيه الدية أصالة، بدعوى ظهور نصوص المقام فيها خاصة، أو اقتصارا على ما خالف عموم أدلة الإرث و إطلاقه على المتيقن الذي عرفته دون القصاص و الدية التي تثبت عنه. و منه يعلم حينئذ عدم استفادة حكم إرث القصاص من حكمه في الدية بدعوى المساواة أو الأولوية الذي منه أفتى المصنف بما سمعت، فتأمل جيدا، فان كلامهم لا يخلو من تشويش، و قد تقدم بعض الكلام في المسألة في كتاب المواريث(1)فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف إذا كان الولي للقصاص واحدا جاز له المبادرة من غير إذن الامام (عليه السلام) أو نائبه، كما عن موضع من المبسوط و اختاره الفاضل و ولده و الشهيدان و أبو العباس و المقدس الأردبيلي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل في المسالك نسبته إلى الأكثر، و في الرياض إلى أكثر المتأخرين بل عامتهم.


1- 1 راجع ج 39 ص 47- 48.

ج 42، ص: 287

و في محكي الخلاف «لا ينبغي أن يقتص بنفسه، لأن ذلك للإمام (عليه السلام) أو من يأمره بلا خلاف» و عن الغنية و لا يستقيد إلا سلطان الإسلام أو من يأذن له في ذلك، و هو ولي من ليس له ولي، إلى أن نفى الخلاف في ذلك كله، و فهم منهما بعض الناس اعتبار الإذن مائلا إليه، و هو القول الآخر المحكي عن المقنعة و المهذب و موضع آخر من المبسوط و اختاره الفاضل في القواعد.

و لعل وجهه ما سمعته من الغنية و الخلاف و ما في بعض الأخبار من الاشعار- كما في الرياض- و هو

قول الباقر (عليه السلام)(1): «من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل و لا جراحة»

و قريب منه غيره مؤيدا بالاحتياط و بما قيل من أنه يحتاج في إثبات القصاص و استيفائه إلى النظر و الاجتهاد، و لاختلاف الناس في شرائطه و في كيفية استيفائه، لخطر أمر الدماء.

و إن كان هو كما ترى، ضرورة كون المفروض اعتبار الاذن بعد العلم بحصول مقتضى القصاص، و علم المستوفي بالشرائط عند مجتهده على وجه لم يفقد إلا الاذن، و الاحتياط غير واجب المراعاة عندنا، و نفي الخلاف المزبور غير محقق المعقد، لاحتمال إرادة الكراهة منه، بل قيل:

إنه الظاهر. قلت: خصوصا بعد أن كان المتجه المحكي عنه فيه عدم التعزير على ذلك، و لو كان محرما وجب التعزير عليه، و على تقديره فهو موهون بمصير أكثر المتأخرين إلى خلافه، و بأنه ليس بحجة، و كذا الكلام في معقد نفي الخلاف في الغنية الذي هو في نفسه غير موثوق به و لا بإرادة الإجماع منه على المطلوب، بل قيل: إنه ظاهر في خصوص من اعتاد قتل العبيد و أهل الذمة الذي هو من الحدود لا القصاص،


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 8.

ج 42، ص: 288

و الاشعار المزبور بعد تسليمه لا يصلح للحجية، فلا دليل حينئذ يعتد به في معارضة إطلاق الأدلة أو عمومها المقتضي كونه كالشفعة و غيرها من الحقوق التي لا يعتبر في استيفائها إذن الامام (عليه السلام).

و لكن مع ذلك الأولى و الأحوط توقفه على إذن الامام (عليه السلام) خروجا عن شبهة الخلاف و احتياطا في الدماء و أما ما قيل من أنه تحرم المبادرة كما سمعته فلا دليل معتد به عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه.

و على كل حال فليس المراد من الحرمة بناء على القول بها إلا أنه يعزر لو بادر و إلا فلا قصاص عليه و لا دية بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة أنه قد استوفى حقه و إن أثم بترك الاستئذان، بل عن الشيخ في الخلاف نفي التعزير عنه أيضا، و هو غير مناسب للحرمة، فذلك قرينة منه على إرادة الكراهة من معقد نفي خلافه كما ذكرناه سابقا.

و كيف كان ففي المتن و غيره أنه تتأكد الكراهة في قصاص الطرف و منه يعلم ثبوت الكراهة بمخالفة الأولوية المزبورة، و الوجه فيهما ما عرفته من الخلاف في ذلك، فيكون فعله شبهة منهيا عنها نهي تنزيه، و خصوصا في الطرف المحكي عن المهذب و المقتصر الإجماع على توقف الاقتصاص فيه على الاذن و إنما الخلاف في النفس و إن كان التتبع لكلمات الأصحاب يشهد بخلاف الإجماع المزبور الذي يحتمل أنه استنبطه حاكيه من توهم كون قصاص الطرف من الحدود المعلوم توقفها على ذلك، و لجواز التخطي فيه مع كون المقصود معه بقاء النفس بخلاف القتل، و لكونه في معرض السراية، و لئلا تحصل مجاحدة، إلى غير ذلك مما يناسب شدة الكراهة في استيفائه بدون إذن الامام (عليه السلام) لا المنع، إذ هي جميعا كما ترى، فالإجماع المزبور حينئذ

ج 42، ص: 289

في غير محله، و الله العالم.

و إن كانوا أي الأولياء جماعة لم يجز الاستيفاء إلا بعد الاجتماع مع الاذن من الامام (عليه السلام) على القول به عند الفاضل و الشهيدين و المقداد و الأردبيلي و الكاشاني، بل في غاية المرام أنه المشهور على معنى استيفائهم إياه أجمع إما بالوكالة لأحد خارج عنهم أو بالإذن لواحد منهم لا أن المراد ضرب كل واحد منهم إياه، نعم قد يتصور في بعض الأفراد ضرب الجميع إياه بالسيف ضربة واحدة.

فإن وقعت المنازعة في الاذن لمن يستوفيه منهم و كانوا كلهم من القادرين على استيفائه أقرع، و لو كان فيهم من لا يحسنه كالامرأة و المريض و الضعيف فالأقرب إدخاله في القرعة أيضا و لو بأن يوكل في استيفائه.

و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف يجوز لكل منهم المبادرة، و لا يتوقف على إذن الآخر و هو المحكي عن أبي علي و علم الهدى و القاضي و الكيدري و ابني حمزة و زهرة، بل في مجمع البرهان نسبته إلى الأكثر، بل عن المرتضى و الخلاف و الغنية و ظاهر المبسوط الإجماع عليه، بل عن الخلاف نسبته إلى أخبار الفرقة أيضا، و هو الحجة بعد تأييده ببناء القصاص على التغليب، و لذا إذا عفا الأولياء إلا واحدا كان له القصاص مع أن القاتل قد أحرز بعض نفسه، و بأنه إذا جاز القصاص مع عفو الباقين و إحراز القاتل بعض نفسه فمع السكوت أو الجهل و عدم الإحراز أولى، و بأن ثبوت السلطان للولي يقتضي تسلط كل واحد منهم على ذلك منفردا، كما هو مقتضى الإضافة، و إلا لم يتم له السلطان، و بأن الباقين إما أن يريدوا قتله أو الدية أو العفو، و الفرض أن الأول قد حصل، و الدية مبذولة من القاتل، و العفو باق في محله، فان المقصود به المثوبة و هي موجودة، و بأنه مخالف لما أجمع عليه العامة أو معظمهم الذين جعل الله

ج 42، ص: 290

الرشد في خلافهم، و بأن اشتراك الحق المزبور ليس على حسب غيره من الأموال التي لا يجوز التصرف فيها بدون إذن الشريك، بل المراد من اشتراكه أن لكل واحد منهم استيفاءه لا كونه بينهم على الحصص، و لا أنه حق للمجموع من حيث كونه كذلك، ضرورة عدم تعقل الأول، و منافاة الثاني لبقائه مع عفو البعض، و غرم الدية إنما هو لدليله لا لاشتراكه، بل لعل ذلك ظاهر كل ما يستفاد من كون القصاص لأوليائه من كتاب أو سنة بعد العلم بعدم إرادة المجموع من حيث كونه كذلك، و لعله لذا نسبه في ما سمعته من الخلاف إلى أخبار الفرقة.

و من ذلك يعلم ما في دليل الأول الذي هو الاشتراك في حق لا يقبل التبعيض، فلا بد من اتفاق الجميع على استيفائه، بل لا دليل لهم غيره، إذ قد عرفت أن ذلك يقتضي استبداد كل واحد منهم نحو الخيار و الشفعة الموروثين، لا اعتبار الاجتماع في استيفائه الذي قد يترتب عليه ضرر لو كان الشريك غائبا أو قاصرا، و لذا حكي عن ظاهر المبسوط الإجماع أيضا على عدم اعتبار الاذن فيه، بل هو مندرج في معقد إجماع الغنية، بل عن الخلاف دعوى إجماع الفرقة و أخبارهم عليه أيضا، و ستسمع الكلام فيه إن شاء الله.

و من الغريب بعد ذلك كله معارضة ما سمعت بما عن غاية المرام من الشهرة التي إن لم تحتمل إرادة المتأخرة كانت خطأ قطعا، مضافا إلى معارضتها بما سمعته من الأردبيلي من دعواها على خلافه، بل و إلى ما يظهر من كلمات القدماء و إجماعاتهم من كون ذلك معلوما من مذهبهم في مقابلة العامة، و أنه مفروغ منه عندهم حتى ردوهم بكونه مجمعا عليه عندنا، فلو سلم اقتضاء قاعدة الشركة ذلك كان المتجه الخروج عنها ببعض ما عرفت فضلا عن جميعه.

ج 42، ص: 291

و حينئذ فلا إشكال في جواز الاستيفاء من دون إذن لكن يضمن حينئذ حصص من لم يأذن بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماعات المزبورة كلها عليه، نعم قد يقال بظهورها في اعتبار الضمان قبل القتل، إلا أن الأقوى كونه ضمانا شرعيا على معنى كون الاستيفاء المزبور من أسباب الضمان على المستوفي فلا وجه لاعتبار سبقه.

هذا كله على المختار.

أما على الأول فيحتمل كونه كذلك و إن أثم، بل هو الأقوى، ضرورة عدم اندراجه في موضوع القصاص بعد أن كان من المستحقين له، لكن مع ذلك احتمله الفاضل و تبعه غيره، لأنه استوفى أكثر من حقه، فهو عاد في الزائد على حقه فيترتب عليه القصاص، بل قد يقال- بعد عدم جواز الاستيفاء له- إنه يكون كقتل الأجنبي له الذي لا ريب في ترتب القصاص عليه.

و حينئذ يتجه وجوب دية الأب المقتول أولا في تركة الجاني بناء على وجوبها كذلك بفوات محل القصاص، لأنه لم يقع قتل الجاني قصاصا، فيكون كما لو قتله أجنبي، فإن اقتص وارث الجاني من الابن القاتل أخذ وارث المقتص منه و الابن الآخر الدية من تركة الجاني و كانت بينهما نصفين، و إن عفا على الدية فللأخ الذي لم يقتل نصف الدية في تركة الجاني، و للأخ القاتل النصف أيضا و لكن عليه دية الجاني بتمامها، و يقع الكلام في التقاص فقد يصير النصف بالنصف قصاصا و يأخذ وارث الجاني النصف الآخر، و قد يختلف المقدر بأن يكون المقتول رجلا و الجاني امرأة، فيحكم في كل منهما بما يقتضيه الحال.

و الأمر في ذلك سهل بعد سقوط ذلك من أصله على المختار، ضرورة عدم القصاص عليه بعد أن كان مستوفيا لحقه، و عدم صدق القتل ظلما عليه

ج 42، ص: 292

و غير ذلك مما هو واضح، و لا أقل من أن يكون شبهة دارئة عنه ذلك و لو لأجل الخلاف فيه، قال الشهيد في غاية المراد: «و يتفرع على القولين التعزير لو قتل و عدمه، أما القتل فالأقرب عندنا أنه لا يقتل لأنه مهدر بالنسبة إليه في بعضه، و لأنه شبهة، لتجويز علماء المدينة و الشيخ استبداد كل وارث، و الخلاف في إباحة السبب شبهة».

نعم في المسالك تبعا للقواعد في رجوع أخيه بالنصف المستحق له أوجه: أحدهما على أخيه القاتل، لأنه المستوفي لحقه، نحو ما إذا أودع إنسان وديعة و مات عن اثنين فأتلفها أحدهما من دون تفريط من المودع، فإنه يختص بالرجوع عليه دون المودع. ثانيها الرجوع على تركة الجاني، لأنه بتعديه في القتل صار كما لو قتل أجنبي، فإن الرجوع حينئذ على تركة الجاني بفوات محل القصاص، و فرق واضح بين ذلك و بين مسألة الوديعة بعدم ضمان الوديعة على المودع، بخلاف نفس الجاني المضمونة عليه لو مات أو قتله أجنبي، و لأنه لو كانت دية المقتول أولا أقل من دية القاتل بأن كان مسلما و الجاني ذميا فقتله أحد ابني المسلم لأن له قتله و له استرقاقه فالواجب على الابن القاتل نصف دية الذمي، و الثابت لأخ القاتل نصف دية المسلم، فان قلنا: إنه يأخذ حقه من أخيه لم يكن له أن يأخذ مجموع حقه، فلا رجوع له حينئذ إلا على تركة الجاني و إن كان على المستوفي أن يؤدي إلى ورثة المقتول ما زاد على حقه و هو نصف ديته. و ثالثها التخيير بين أخذ حقه من أخيه و من تركة الجاني تنزيلا لهما منزلة الغاصب و المتلف من يده، و هذا أقوى، و هو الذي رجحه في القواعد و ولده في الشرح، و لكن إن رجع على تركة الجاني كان على المستوفي أن يرد على ورثته ما زاد على حقه، و إن رجع على المستوفي و كان القاتل أقل دية من المقتول الأول كان للمستوفي أخذ الفاضل من تركة القاتل».

ج 42، ص: 293

قلت: قد يقال: إن الثاني منهما مناف لما سمعته من الإجماع على ضمان الأخ حصص الباقين، و احتمال إرادة تأدية المقتص له و لو إلي ورثة المقتص منه من الضمان خلاف الظاهر، بل يمكن القطع بعدمه، بل لعله مناف للثالث أيضا، ضرورة تعلق الحق بذمته بعد أن كان مأذونا في الاستيفاء على الوجه المزبور، بل لا وجه للرجوع على تركة الجاني بعد استيفاء تمام الحق منه على الوجه الشرعي كما هو المفروض.

على أنك قد عرفت أن الضمان المزبور على خلاف مقتضى القواعد و إنما كان لدليله المستفاد من حكم العفو و غيره مما سيأتي أو من الإجماع المحكي أو غير ذلك، فيكون هو المتبع، و مقتضاه تعلق ضمان الحصص بذمة المستوفي، فتأمل جيدا.

و حينئذ فلو أبرأ أخاه بري ء، بخلاف ما لو أبرأ وارث الجاني الذي لا حق له عليه، نعم لو أبرأ وارث الجاني الابن القاتل من الدية إذا قلنا بثبوتها له عليه لم يسقط النصف الذي ثبت عليه لأخيه، و أما النصف الثابت للوارث فيبني على أن التقاص هل يحصل في الديتين بنفس الوجوب أم لا؟ فان قلنا به فالعفو لغو، لحصول السقوط، و إن قلنا لا يحصل حتى يتراضيا صح الإبراء و سقط ما وجب للوارث على الابن القاتل من النصف في تركة الجاني، و إن قلنا: إن حق الذي لم يقتل في تركة الجاني لا على أخيه فلوارث الجاني على الابن القاتل دية تامة، و له في تركة الجاني نصف الدية، فيقع النصف في التقاص، و يأخذ وارث الجاني منه النصف، و حينئذ فابراء الذي لم يقتل أخاه لاغ، لأنه لا شي ء له عليه، و لو أبرأ وارث الجاني صح، و لو أسقط وارث الجاني الدية عن الابن القاتل فان قلنا يحصل التقاص بنفس الوجوب فقد سقط النصف كما وجب، و يؤثر الإسقاط في النصف الآخر، فلا يبقى

ج 42، ص: 294

لأحدهما على الآخر شي ء، و إن قلنا: لا يقع التقاص إلا بالتراضي سقط حق الوارث بإسقاطه و بقي للابن القاتل نصف الدية في تركة الجاني، كذا في المسالك، و لا يخلو بعضه من نظر فتأمل جيدا.

و ينبغي للإمام (عليه السلام) و نائبه أن يحضر عند الاستيفاء شاهدين عارفين فطنين بمواقعة و شرائطه احتياطا في الدماء و لإقامة الشهادة إن حصلت مجاحدة بين المقتص و أولياء المقتص منه فيؤدي ذلك إلى أخذ الدية أو قضاء القاضي بعلمه مع احتمال اتهامه، و قد عبر غير واحد بالاستحباب، و يمكن أن يكون المراد مما في المتن و نحوه و إن كنا لم نعثر على أثر فيه بالخصوص، و ما سمعته أقصاه الإرشاد الذي يمكن منع كونه مستحبا مع عدم ورود الأمر به، و لكن الأمر في الندب سهل للتسامح.

و أن يعتبر الآلة لئلا تكون مسمومة مفسدة للبدن بتقطع و نحوه مما يحصل به هتك حرمته و تعسر غسله و دفنه، و لا ريب في عدم وجوب الاعتبار للأصل و غيره.

نعم قد يظهر من المصنف و غيره ممن عبر كعبارته عدم جواز الاستيفاء بالآلة المسمومة، و به صرح في القواعد و المسالك و محكي المبسوط، و لكن لا شي ء عليه من دية أو غيرها إلا التعزير الذي صرح به في المبسوط قال: «لأنه بمنزلة جناية عليه بعد استيفاء القصاص، فهو كما لو قتله ثم عاد فقطعه أو حرقه» و لكن عن موضع آخر منه بعد الحكم بأنه لا يقتص بالمسموم لعدم إمكان تغسيله، قال: «إن مقتضى المذهب الجواز، لأنه يغسل أولا و يكفن ثم يقام عليه القود، و لا يغسل بعد موته».

قلت: لكن ذلك لا يدفع هتك الحرمة الحاصل بالتهري و نحوه،

ج 42، ص: 295

نعم لو لم يحصل ذلك منه عادة إلا بعد الدفن اتجه جوازه، لعدم زيادة العقوبة و عدم هتك الحرمة فيبقى على إطلاق الأدلة. و خصوصا إذا كان قد قتل بها و إن كان الأولى العدم مطلقا، هذا كله في قصاص النفس.

أما في قصاص الطرف فلا خلاف و لا إشكال في تحريمه.

لأن المقصود معه بقاء النفس، و المسموم يجهز عليه غالبا و حينئذ ف لو كانت الآلة مسمومة فحصلت منها جناية بسبب السم ضمنه الولي المباشر مع العلم بلا خلاف و لا إشكال، فيدفع نصف الدية إليه، لأن موته كان من أمرين: أحدهما مضمون و الآخر غير مضمون، أو يقتل بعد رد نصف الدية إليه، نحو ما سمعته سابقا في ما لو جرح مرتدا فأسلم ثم جرحه آخر فمات من سراية الجرحين، و كذا الحال لو سرى السم فجنى على عضو آخر و لم يؤد إلى الموت، فإنه يضمن ما جنى عليه السم دية و قصاصا.

و من ذلك كله يعلم ما في المسالك من أنه لا قصاص عليه لو مات به، لأن تلفه من مستحق و غير مستحق فيجب عليه نصف الدية، و أنه لو علم أن مثله يوجب الموت اقتص منه بعد أن يرد عليه نصف الدية.

و لو كان المستوفي غير الولي فالضمان على الولي إن دفع إليه الآلة المسمومة، و هو لا يعلم، و لو علم فكالولي. هذا و لكن في قواعد الفاضل «و إن كانت الجناية طرفا و حصلت جناية بالسم ضمنه المباشر إن علم، و إلا فلا يضمنه إلا أن يكون هو الولي فيضمن، أما غيره فالحوالة في الضمان على الولي إن دفع اليه آلة مسمومة و لم يعلم» و لعل وجه الفرق بينهما أن على الولي البحث عن حال السيف، فهو مفرط بتركه، و أما غيره فهو بمنزلة آلة له ليس عليه إلا استعمال السيف الذي تناوله، قيل:

و أما إن لم يكن السيف مما ناوله الولي إياه بل كان سيف نفسه أو تناوله

ج 42، ص: 296

من غيره فعليه البحث، و عليه الضمان، و لكن لا يخفى عليك ما في ذلك، و الله العالم.

و يمنع من الاستيفاء بالآلة الكالة تجنبا للتعذيب بلا خلاف أجده

للنبوي(1)«إذا قتلتم فأحسنوا القتلة»

و للأمر باراحة الذبيحة و تحديد الشفرة للذبح(2)ففي الآدميين أولى و لكن لو فعل أساء و عزر و لا شي ء عليه من دية و نحوها، و ظاهر الأصحاب أو صريحهم عدم الفرق في ذلك بين من قد قتل بالكال أو لا، و لكن في المسالك بعد اعترافه بأن الأصحاب على ما سمعت احتمل جواز قتله بالكال حينئذ، لعموم الأمر(3)بالعقوبة المماثلة التي ستعرف الحال في نظائرها.

و لا يقتص إلا بالسيف، و لا يجوز التمثيل به، بل يقتصر على ضرب عنقه و لو كانت جنايته بالتغريق أو بالتحريق أو بالمثقل أو بالرضخ وفاقا للأكثر كما في المسالك، بل المشهور كما في غيرها، بل عن المبسوط «عندنا» تارة «و مذهبا» أخرى، بل عن الغنية «لا يستقاد إلا بضرب العنق، و لا يجوز القتل بغير الحديد و إن فعل ذلك بلا خلاف» بل في التنقيح و الروضة الإجماع عليه، بل في محكي الخلاف إجماع الفرقة و أخبارهم على أنه إذا قتل غيره بما فيه القود من السيف و الحرق و الغرق و الخنق أو منع من الطعام و الشراب أو غير ذلك فإنه لا يستقاد منه إلا بحديدة، و لا يقتل مثل ما قتله.

و هو الحجة بعد النهي في أخبار كثيرة عن المثلة به(4)و أنها


1- 1 سنن البيهقي- ج 8 ص 60.
2- 2 سنن البيهقي- ج 8 ص 60.
3- 3 سورة النحل: 16- الآية 126.
4- 4 الوسائل- الباب- 62- من أبواب القصاص في النفس و المستدرك الباب- 51- منها.

ج 42، ص: 297

لا تجوز في الكلب العقور(1)و أنها من الإسراف في القتل المنهي عنه(2).

و خبر موسى بن بكير(3)عن الكاظم (عليه السلام) «في رجل ضرب رجلا بعصا فلم يرفع العصا حتى مات، قال: يدفع إلى أولياء المقتول، لكن لا يترك يتلذذ به، و لكن يجاز عليه بالسيف»

و نحوه حسن الحلبي(4)

و صحيح الكناني(5)«سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه حتى مات أ يدفع إلى ولي المقتول فيقتله؟ قال: نعم، و لا يترك يعبث به، و لكن يجيز عليه»

و مثله من دون تفاوت صحيح سليمان بن خالد(6)إلى غير ذلك من النصوص.

و لم نجد خلافا في ذلك إلا ما يحكي عن أبي علي من جواز قتله بمثل ما قتل مطلقا في رواية، و إن وثق بأنه لا يتعدى في أخرى، و ربما حكي عن ابن أبي عقيل أيضا، و عن الجامع أنه يقتص بالعصا ممن ضرب بها، كل ذلك للآية(7) و

النبوي(8)«من حرق حرقناه و من غرق غرقناه»

و في آخر(9)«أن يهوديا رضخ رأس جارية بالحجارة فأمر (صلى الله عليه و آله) فرضخ رأسه بالحجارة».

نعم في المختلف بعد الاستدلال له بالآية «و هو وجه قريب» و في


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب القصاص في النفس و المستدرك الباب- 51- منها.
2- 2 الوسائل- الباب- 62- من أبواب القصاص في النفس.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 12.
7- 7 سورة البقرة:- 2 الآية 194.
8- 8 سنن البيهقي- ج 8 ص 43.
9- 9 سنن البيهقي- ج 8 ص 42.

ج 42، ص: 298

المسالك «لا بأس به» و في مجمع البرهان «الظاهر الجواز إن لم يكن إجماع، و الظاهر عدمه كما يفهم من شرح الشرائع» مع أنه قال في الروضة:

«و هو متجه لولا الاتفاق على خلافه» قلت: بل و مع عدمه(1)ضرورة عدم الجابر للنبوي الأول(2)المعارض بغيره من النصوص (3)التي فيها النبوي و غيره، و الآخر(4)قضية في واقعة في اليهودي، و الآية(5)بعد خروج كثير

من أفراد الاعتداء منها و ما سمعته من النصوصو غيرها يجب حملها على إرادة المماثلة في أصل الاعتداء في القتل، فلا ريب في ضعف القول المزبور و إن جنح إليه من عرفت.

بل الظاهر الاقتصار في الكيفية المزبورة على ضرب الرقبة، كما هو الموجود في عبارات الأصحاب من المقنعة إلى الرياض، فان ضرب بالسيف لا عليها فان كان عن عمد عزر، و لكن لا يمنع بعد من الاستيفاء إن أحسنه، و إن ادعى الخطأ صدق بيمينه إن كان قد وقع في ما يخطئ بمثله، كما إذا وقع على الكتف و نحوه، و إن كان بموضع لا يقع الخطأ بمثله كأن وقع بوسطه أو رجله لم يسمع و عزر، و لكن على كل حال لا يمنع من الاستيفاء إن أحسنه، خلافا لما عن بعض العامة فمنعه، و لا ريب في ضعفه.


1- 1 هكذا في النسختين الأصليتين: المسودة و المبيضة، و العبارة مشوشة، و الأولى هكذا « قلت: بل لا يمكن الالتزام به مع عدمه» أي عدم الإجماع و الاتفاق، فان قوله قده: « ضرورة عدم الجابر» إلى آخره تمهيد لإسقاط القول بالجواز.
2- 2 سنن البيهقي ج 8 ص 43.
3- 3 الوسائل- الباب- 62- من أبواب القصاص في النفس و سنن البيهقي ج 8 ص 63.
4- 4 سنن البيهقي ج 8 ص 42.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 194.

ج 42، ص: 299

و على كل حال فالأولى مراعاة الرقبة، بل الأولى كونه بالسيف كما في أكثر العبارات و إن زيد في النافع و محكي المبسوط «و ما جرى مجراه» و عبر في محكي النهاية و الخلاف و الغنية بالحديد، بل ظاهر الأصحاب اعتبار الضرب دون النحر و الذبح، نعم في الروضة تقييده بما إذا كان الجاني أبانه، و إلا ففي جوازه نظر من صدق استيفاء «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(1)و من بقاء حرمة الآدمي. قلت: لعل الأقوى الأول، هذا و ليعلم أنه لو خالف لم يترتب عليه غير التعزير في جميع ذلك.

ثم إن الظاهر استثناء القتل بالسحر الذي عمله محرم على قول ابن الجنيد، و كذا القتل بالجماع قبلا و دبرا و بايجار الخمر، و عن العامة قول بأنه إذا أوجره خمرا يوجره ماء حتى يموت، و لو قتله باللواط اتخذ آلة شبيهة بآلة اللواط فيصنع به مثل ذلك حتى يموت مراعاة لما يمكن من المماثلة التي من المعلوم عدم وجوب مراعاتها من كل وجه كما عرفت، و لكن لو فعل كذلك لم يكن عليه إلا الإثم دون الضمان، لأنه مهدور الدم بالنسبة إليه، نعم ستعرف الكلام في خصوص من جرح جراحات للاقتصاص حتى ظن أنه مات ثم بري ء.

و كذا لا ضمان أيضا على من اقتص من الملتجئ إلى الحرم و إن أثم لعموم آيات الأمن(2) و الإجماع، كما عن الخلاف و

قوله (صلى الله عليه و آله)(3): «إن أعتى الناس على الله القاتل غير قاتله و القاتل في الحرم»

و لكن يضيق عليه في المطعم و المشرب إلى أن يخرج منه ثم


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 126 و سورة آل عمران- الآية 97 و سورة إبراهيم: 35- الآية 14 و سورة القصص: 57- الآية 28 و سورة العنكبوت: 67- الآية 29.
3- 3 المستدرك- الباب- 8- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 7.

ج 42، ص: 300

يستوفى منه.

بل عن النهاية و المهذب إلحاق مشاهدة الأئمة (عليهم السلام) بل لعله ظاهر المحكي عن السرائر أيضا، و لا بأس به.

نعم لو جنى في الحرم اقتص منه فيه كما لم ير له حرمة، و الإحرام لا يقتضي التأخير، لعدم الدليل.

و لو التجأ إلى بعض المساجد غير المسجد الحرام أخرج منه و أقيم عليه القود حذرا من تلويث المسجد، فان طلب القصاص في المسجد تعجيلا كان له ذلك و منع من التلويث، بأن يفرش فيه الأنطاع و نحوه إن لم يحرم إدخال النجاسة مطلقا و إلا لم يجب إليه.

و لو هرب إلى ملك إنسان أخرجه الحاكم أو الولي بإذنه أو قلنا باستقلاله، و استوفى منه خارجا مع عدم إذن المالك للمنع عقلا و شرعا من شغل ملك الغير من دون إذنه، و الله العالم.

و أجرة من يقيم الحدود و يستوفى القصاص إذا لم يستوفه الولي و لا تبرع به من بيت المال لأنها من المصالح العظيمة المعد لها فان لم يكن بيت المال أو كان هناك ما هو أهم منه كالجهاد كانت الأجرة على المجني عليه دون المستوفي كما عن الخلاف، لأنها من مئونة التسليم الواجب على الجاني فهي كأجرة الكيال الواجبة على البائع، و لعل الأقوى وجوبها على المستوفي كما عن المبسوط، لأنه عامل له، فأجرته عليه، و إنما على الجاني التمكين لا الفعل، و لذا لو أراد أن يقتص من نفسه لم يمكن منه إلا بإذن الولي، و على الأول ففي القواعد «إن لم

يكن له مال فان كان القصاص على النفس استدان الامام على بيت المال، و إن كان على الطرف استدان على الجاني» و لكن لا يخلو من نظر، و في كشف اللثام «و على قول المبسوط إن لم يكن للمستوفى مال

ج 42، ص: 301

استدان» قلت: يأتي مثله في الأول أيضا.

و لو قال الجاني: أنا استوفي له القصاص مني و لا أبذل أجرة احتمل عدم القبول، لأنه للتشفي، و إنما يحصل بالمستحق أو من ينوب عنه، فصار كدافع المبيع إذا قال: أنا أتولى الكيل و لا أدفع أجرة، فإنه لا يقبل منه، لاحتمال الخيانة، و يحتمل القبول لتعين الفعل و المحل و القصد إلى إتلافه عوضا عن المجني عليه، و لا يتفاوت باختلاف الفاعل، و الفرق بينه و بين الكيل بعدم إمكان الخيانة فيه بخلافه، و لو قال المستحق أعطوني الأجرة من بيت المال أو من مال الجاني و أنا استوفي بنفسي أجيب إليه، لأنه عمل يستحق به الأجرة غير لازم عليه، كما لو قال المشتري أو البائع أعطوني الأجرة لأكتال حقي من المبيع أو الثمن، و الله العالم.

و لا يضمن المقتص في الطرف سراية القصاص بلا خلاف و لا إشكال، للأصل و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني(1): «من اقتص منه فهو قتيل القرآن»

و في حسن الحلبي(2)«أيما رجل قتله الحد أو القصاص فلا دية له»

و سأله الشحام(3) أيضا «عن رجل قتله القصاص هل له دية؟ فقال: لو كان لم يقتص من أحد»

إلى غير ذلك من النصوص(4)التي يمكن دعوى تواترها أو القطع بمضمونها.

نعم لو تعدى في اقتصاصه بأن زاد في ماله مثلا ضمن أيضا بلا خلاف و لا إشكال، لصدق الجناية حينئذ بغير حق فان قال: تعمدت اقتص منه في الزائد إن

أمكن و إن قال: أخطأت أخذ منه دية العدوان هذا إذا لم يكن المستحق نفسا، و إلا كما لو كانت الجناية قطع طرف سرى إلى النفس مثلا فاقتص الولي بقطع الطرف لكنه


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 302

تعدى حتى سرى إلى غيره أو النفس فلا ضمان، لأنه مهدورة بالنسبة إليه، و هو واضح.

و لو خالفه المقتص منه في دعوى الخطأ كان القول قول المقتص مع يمينه لأنه أعرف بنيته و للأصل، و لو ادعى حصول الزيادة باضطراب المقتص منه أو بشي ء من جهته ففي كشف اللثام قبل و لم يضمن، و فيه ما لا يخفى.

و كل من يجري بينهما القصاص في النفس يجري في الطرف للاشتراك في المقتضى و الشرائط التي عرفتها سابقا المقتضية اتحاد حكم الجملة و الأبعاض سواء اتفقوا في الدية أو اختلفوا، لإطلاق الأدلة، و إن كان لو اقتص من الكامل دفع إليه الفاضل، و عن أبي حنيفة اشتراط التساوي.

و من لا يقتص له في النفس لا يقتص له في الطرف لما عرفته من اتحاد حكم الجملة و الأبعاض نصا و فتوى، و الله العالم.

[هنا مسائل]
اشاره

و هنا مسائل:

[المسألة الأولى إذا كان القتيل له أولياء لا يولى عليهم كانوا شركاء في القصاص]

الأولى:

إذا كان القتيل له أولياء كاملون لا يولى عليهم كانوا شركاء في القصاص على الوجه الذي قد عرفت البحث فيه سابقا(1)بالنسبة إلى اعتبار الاذن في استيفاء كل واحد له و عدمه.

فان حضر بعض و غاب الباقون عن البلد أو عنه قال الشيخ في الخلاف و محكي المبسوط للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية إن أرادوا نصيبهم منها و كذا


1- 1 راجع ص 289- 290.

ج 42، ص: 303

لو كان بعضهم صغارا أو مجنونين، بل عن الخلاف إجماع الفرقة و أخبارها عليه، و عن المبسوط عندنا، بل هو من معقد إجماع الغنية، و هو واضح الوجه بناء على عدم اعتبار الاذن، أما عليه فلعل وجهه ترتب الضرر على الحاضر أو الكامل بالتأخير الذي هو معرض زوال الحق، و حبسه إلى أن يقدم الغائب و يبلغ الصبي و يفيق المجنون أو يموتوا فيقوم ورثتهم مقامهم أو يرضى الحاضر الكامل بالدية ضرر على القاتل و تعجيل عقوبة لا دليل عليه و إن احتمله الفاضل في القواعد مقدمة لحفظ حقوقهم و جمعا بين مصلحة التعيش و الاستيثاق، بل مقتضى إطلاقه ذلك و إن لم يرج إفاقة المجنون منهم، إلا أنه كما ترى.

و قال الشيخ فيهما أيضا لو كان الولي صغيرا أو مجنونا قتلت أمه مثلا و له ولي أب أو جد أو غيرهما لم يكن لأحد أن يستوفى القصاص حتى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون أو يموتا سواء كان القصاص في الطرف أو النفس بل عن الخلاف منهما و ظاهر المبسوط الإجماع عليه، و لعله لعدم ثبوت الولاية على مثل ذلك مما لا يمكن تلافيه كالعفو عن القصاص و لو على مال و الطلاق و العتق، فهو على استحقاقه بعد الكمال.

و لكن فيه إشكال لعموم الولاية مع المصلحة أو عدم المفسدة المقتضية للجواز، كما هو المحكي عن الفاضل في الإرشاد و حجر القواعد، و ولده في الإيضاح هنا و في الحجر، و الشهيدين في الحواشي و الروضة و المسالك، و الكركي في حجر جامع المقاصد، و الكاشاني في المفاتيح و إن كنا لم نتحقق بعض ذلك، كما لم نتحقق ما في الروضة من نسبة مراعاة المصلحة إلى الشيخ و أكثر المتأخرين، و كذا ما عن لقطة التذكرة و التحرير و الإرشاد و جامع المقاصد و مجمع البرهان و المسالك من

ج 42، ص: 304

جواز القصاص للإمام (عليه السلام) في ما إذا جنى على طرف اللقيط، بل عن الأخير نسبته إلى الأكثر، نعم هو الأقوى في النظر، لما عرفته من عموم الولاية كتابا نحو قوله تعالى(1)«وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى» و غيره(2)و سنة(3).

و قال الشيخ أيضا بناء على المنع يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي و يفيق المجنون لما عرفته من الجمع بين الحقين و كونه مقدمة لحفظ حقوقهم.

و هو أشد إشكالا من الأول و خصوصا في المجنون الذي لا ترجى إفاقته، ضرورة كونه ضررا و تعجيل عقوبة لا دليل عليهما و أشد من ذلك إشكالا احتمال تجويز العفو على مال ثم تجويز القصاص للصغير، كما هو واضح. و قد تقدم في كتاب الحجر(4)و اللقطة(5)بعض الكلام في ذلك، فلاحظ و تأمل.

[المسألة الثانية إذا زادوا على الواحد فلهم القصاص]

المسألة الثانية قد عرفت أنه لا خلاف و لا إشكال في أن الأولياء إذا زادوا على الواحد فلهم القصاص على الوجه الذي تقدم و لو اختار بعضهم الدية و أجاب القاتل إلى ذلك جاز بلا خلاف و لا إشكال


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 220.
2- 2 سورة الأنعام: 6- الآية 152.
3- 3 الوسائل- الباب- 15 و 16- من أبواب عقد البيع من كتاب التجارة.
4- 4 راجع ج 26 ص 108.
5- 5 راجع ج 38 ص 190.

ج 42، ص: 305

فإذا سلم ذلك إليه أو صار في ذمته على وجه ارتفع حقه من القصاص سقط القود عن الجاني بالنسبة إلى غيره أيضا على رواية متعددة فيها الصحيح و غيره لكنها في خصوص العفو.

(منها)

صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله(1)سئل الصادق (عليه السلام) «عن رجلين قتلا رجلا عمدا و له وليان فعفا أحد الوليين، فقال (عليه السلام): إذا عفا بعض الأولياء درئ عنهما القتل و طرح عنهما من الدية بقدر حصته إن عفا، و أديا الباقي من أموالهما إلى الذين لم يعفوا».

و (منها)

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر إسحاق(2): «من عفا عن الدم من ذي سهم له فيه فعفوه جائز، و يسقط الدم، و يصير دية، و ترفع عنه حصة الذي عفا».

و (منها)

خبر زرارة (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجلين قتلا رجلا عمدا و له وليان فعفا أحد الوليين، فقال: إذا عفا عنه بعض الأولياء درئ عنهما القتل و طرح عنهما من الدية بقدر حقه إن عفا، و أديا الباقي من أموالهما إلى الذي لم يعف، و قال: عفو كل ذي سهم جائز».

و خبر أبي مريم(4)عنه (عليه السلام) أيضا «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في من عفا من ذي سهم، فان عفوه جائز، و قضى في أربعة إخوة عفا أحدهم، قال: فتعطى بينهم الدية و ترفع عنهم حصة الذي عفا».


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و فيه « و طرح عنهما من الدية بقدر حصة من عفا.».
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 54- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3 و فيه « و طرح عنهما من الدية بقدر حصة من عفا.».
4- 4 الوسائل- الباب- 54- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.

ج 42، ص: 306

و خبر أبي ولاد(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قتل و له أولاد صغار و كبار أ رأيت إن عفا أولاده الكبار، فقال: لا يقتل، و يجوز عفو الأولاد الكبار في حصصهم فإذا كبر الصغار كان لهم أن يطلبوا حصتهم من الدية».

و في الفقيه «روى أنه إذا عفا واحد من أولياء الدم ارتفع القود»(2).

و الجميع كما ترى قد تضمنت العفو، و لعل استدلال المصنف بها على الفرض بناء منه على عدم الفرق بين الأمرين، لكن ينافيه الجزم بعد ذلك بعدم سقوط القصاص بعفو البعض الذي نسبه في المسالك و غيرها إلى الأصحاب، و في محكي الخلاف إلى إجماع الفرقة و أخبارها، كما عن ظاهر المبسوط و غاية المرام و صريح الغنية الإجماع على المفروض أيضا مؤيدا بعدم العثور فيه على مخالف منا، كما اعترف به غير واحد و إن كان قد يشعر به نسبة بعض له إلى

الأشهر و آخر إلى المشهور، بل قد يشعر ما في المتن من نسبته إلى رواية بنوع تردد فيه كنسبته إلى الرواية من الصدوق أيضا، بل و فيه أيضا و المشهور أنه لا يسقط، و للآخرين القصاص بعد أن يردوا عليه نصيب من فاداه لكنه في غير محله إذ قد عرفت أن النصوص المزبورة في صورة العفو التي لم يحك فيها خلاف و لا تردد المحمولة(3)على التقية أو الندب أو على ما إذا لم يرد من يريد القود نصيب العافي من الدية إلى أولياء المقتص منه أو على درء


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5.
3- 3 هكذا في النسختين الأصليتين، و العبارة غير نقية، و كلمة« المحمولة.» صفة. للنصوص، و لو كانت« محمولة.» حتى تكون خبرا بعد خبر كان أولى.

ج 42، ص: 307

القتل في حصة العافي أو على رضا الباقين بحصتهم من الدية أو غير ذلك مما لا بأس به بعد إعراض الطائفة عنها و معارضتها بغيرها مما هو أقوى منها من وجوه كما ستسمع.

و على كل حال فالمسألة مفروغ منها، سواء دفع الجاني مقدار نصيب العافي من الدية أو أقل أو أكثر لم يسقط حق الآخر من القصاص بعد بذل مقدار نصيب الشريك من الدية إلى المقتص منه أو وليه و إن كان الذي بذله أزيد من ذلك، كما صرح به غير واحد.

بل لو امتنع الجاني من بذل نصيب من يريد الدية جاز لمن أراد القول أن يقتص بعد رد نصيب شريكه من الدية إليه بلا خلاف و لا إشكال حتى على القول بعدم جواز المبادرة بدون إذن الشريك، ضرورة سقوط حقه من القود بعد عفوه على الدية، نعم لو لم يصرح بالعفو و اقتصر على طلب الدية احتمل توقف استيفاء الآخر على الاذن منه على القول المزبور، لأصالة بقاء حقه، مع احتمال العدم أيضا لسقوطه بطلب الدية، و على كل حال لو فعل لم يكن عليه إلا مقدار نصيب الآخر من الدية، كما هو واضح.

و لو عفا البعض مجانا لم يسقط القصاص بلا خلاف و لا إشكال فحينئذ للباقين أن يقتصوا بعد رد نصيب من عفا على القاتل بل لم أجد من تأمل أو تردد فيها و إن كانت النصوص المزبورة فيها، بل الإجماع صريحا و ظاهرا من غير واحد عليه، مضافا إلى

صحيح أبي ولاد(1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل قتله امرأة و له أب و أم و ابن، فقال الابن: أنا أريد أن أقتل قاتل أبي،


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و فيه « عن رجل قتل و له.»

ج 42، ص: 308

و قال الأب: أنا أعفو، و قالت الأم أنا آخذ الدية، فقال (عليه السلام): فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية، و يعطي ورثة القاتل السدس من الدية حق الأب الذي عفا و ليقتله».

و روى جميل بن دراج(1)عن بعض أصحابه يرفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) «في رجل قتل و له وليان فعفا أحدهما و أبي الآخر أن يعفو فقال: إن الذي لم يعف إن أراد أن يقتله قتل، و رد نصف الدية على أولياء المقاد منه».

و منه يستفاد عدم وجوب تقديم ذلك في القصاص و إن كان ذلك ظاهر كثير من العبائر، بل ربما كان في الصحيح الأول نوع إشعار به، و لا ريب انه أحوط و إن كان في تعينه نظر و قد مر بعض الكلام في نظيره سابقا.

و كيف كان فلا إشكال في استحقاق القصاص للباقين، نعم عن بعض العامة سقوطه و تعين الدية حينئذ، و عليه ما سمعته من النصوص(2)و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا أقر أحد الوليين أن شريكه عفا عن القصاص على مال لم يقبل إقراره على الشريك]

المسألة الثالثة:

إذا أقر أحد الوليين أن شريكه عفا عن القصاص على مال لم يقبل إقراره على الشريك لأنه إقرار في حق الغير و لا يسقط القود في حق أحدهما، و للمقر أن يقتل لكن بعد أن يرد نصيب شريكه من الدية فان صدقه فالرد له، و إلا كان للجاني، و الشريك على حاله


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 309

في شركته في القصاص و نحوهما عبارة القواعد و الإرشاد و محكي التحرير.

و لا يخفى عليك ما فيها أجمع من الغش، و قد تنبه إلى بعضه في المسالك، فقال: «و قوله: «و الشريك» إلى آخره بعد تفصيله الرد على تقدير قتل الشريك إما مبنى على عدم وقوع القصاص أو يريد بشركة القصاص ما يشمل القود و أخذ عوض النفس اللازمة لاستحقاقه على تقدير فواته» و لم يتنبه إلى فرض موضوع المسألة الظاهر في كون الدعوى على الشريك أنه أسقط حقه من القصاص بالمال المؤدى له من الجاني أو من شريكه إن أراد القصاص، فان ذلك يكفي في سقوط حقه من القصاص و استحقاقه الدية من الشريك إن أراد القصاص، كما سمعته في صحيح أبي ولاد(1)و حينئذ فالمتجه في ذلك إذا فرض كونه قبل الاقتصاص دفع المقر مقدار النصيب للشريك مع التصديق، و مع التكذيب يدسه في ماله و إن ظلم باستيفاء القصاص معه، لا أنه يدفع للجاني أو وليه.

اللهم إلا أن يكون عوض مظلمة المقتص منه باقتصاصه منه بعد عفوه عنه بزعم المقر، و ليس على الجاني أو وليه في ذلك شي ء و إن لم يعلم صدقه، لأنه مقر بالاستحقاق لهم نحو المقر لزيد مثلا بمال، فان له أخذه و إن لم يعلم صدقه.

و لكن فيه أن الثابت للمقتص منه حينئذ بزعم المقر القصاص على الشريك العافي لا الدية، و أيضا قد كان دفع النصيب من المقر ليستقل بالقتل، فمع فرض اشتراكهما في استيفاء القصاص مباشرة منهما يتوجه عدم استحقاق النصيب المزبور على المقر لا للشريك و لا للمقتص منه.

و على كل حال يكون الغرض من المسألة بيان استحقاق النصيب من الدية و إن اشترك الوليان في استيفاء القصاص عملا بالإقرار و إن كان


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 310

فيه ما عرفت، لا أن المراد من موضوع المسألة العفو على مال بمعنى الصلح مع المقتص منه، و إلا لوجب التعرض لتصديقه في ذلك و تكذيبه و دفعه المال إليه و عدمه بل و غير ذلك مما ينبغي التعرض له على التقدير المزبور، فعدمه منهم دليل على عدم فرض موضوع المسألة كذلك.

و منه يعلم ما في شرحها في المسالك بل و غيرها.

كما أن الظاهر فرضها قبل وقوع الاقتصاص من المقر كي يتجه ما ذكروه من الشركة في القصاص مع فرض عدم التصديق، إذ حمله على إرادة ما يشمل أخذ العوض كما سمعته من المسالك في غاية البعد، و لو فرض استقلال الشريك بالقصاص كان للمقر نصيبه من الدية على الشريك أو في مال الجاني أو على التخيير على البحث السابق، و كذا لو كان المستقل فيه المقر بظاهر الشرع و في الواقع ليس له إلا المال على المقر إن صدق في ما ذكره عنه، بل الظاهر عدم التغرير عليه بمبادرته من دون إذن الشريك و إن قلنا به في غيره للشبهة بادعائه العفو على شريكه المسقط لمراعاة إذنه، فتأمل جيدا، فإن المسألة غير محررة في كلامهم، مع أنه لا مدرك لها إلا القواعد العامة، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا اشترك الأب و الأجنبي في قتل ولده أو المسلم و الذمي في قتل ذمي فعلى الشريك القود]

المسألة الرابعة:

إذا اشترك الأب و الأجنبي في قتل ولده أو المسلم و الذمي في قتل ذمي فعلى الشريك القود لعدم سقوطه عنه بعدم ثبوته على الآخر، ضرورة كونه كعفو البعض الذي لا يسقط القصاص للآخر و لكن يقتضي المذهب أن يرد عليه الآخر نصف ديته لأنه شريك في القتل و إن لم يكن عليه قصاص من حيث كونه والدا أو مسلما، إلا أن

ج 42، ص: 311

ذلك لا يرفع ضمان النصف للمقتص منه الذي ليس عليه إلا نصف بمقتضى الشركة.

و كذا لو كان أحدهما عامدا و الآخر خاطئا كان القصاص على العامد بعد الرد على المقتص منه نصف ديته و لكن هنا الرد من العاقلة التي هي الضامنة للخطإ المحض، نعم لو كان خطأ شبيها بالعمد كان الرد من الجاني.

و كذا لو شاركه سبع و نحوه ممن لم يكن له أهلية الضمان لم يسقط القصاص عن الشريك لكن يرد عليه الولي نصف ديته بلا خلاف نجده في شي ء من ذلك عندنا نصا(1)و فتوى لبناء القصاص على التغليب، فلا يسقط حينئذ عمن له شركة فيه و إن لم يستند القتل إليه، نعم إن لم تكن شركة بأن كانت جناية العامد مثلا خدشة و نحوها مما لا أثر لها في القتل لم يكن إلا أرشها، و كذا لو كان الآخر هو المستقل في القتل كما لو جرحه أحدهما و قطع رقبته آخر فان القصاص على القاطع لاستقلاله بالقتل.

و كأن المصنف أشار بذلك إلى خلاف بعض العامة، فمنهم من قال في اشتراك العامة و الخاطئ: إنه لا قود على أحدهما، بل و كذا العمد و شبه العمد، و منهم من قال في شريك الأب: إنه لا قصاص على أحدهما، و وافق في مسألة الخاطى و العامد، و منهم من ألحق شريك السبع بشريك الخاطى في نفي القصاص عنه، كل ذلك منهم لقياس أو استحسان أو نحوهما مما هو معلوم البطلان عندنا، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك(2)فلاحظ.


1- 1 الوسائل- الباب- 12 و 34- من أبواب القصاص في النفس.
2- 2 راجع ص 44.

ج 42، ص: 312

[المسألة الخامسة للمحجور عليه استيفاء القصاص لاختصاص الحجر بالمال]

المسألة الخامسة: لا خلاف بيننا في أن للمحجور عليه لفلس أو سفه استيفاء القصاص، لاختصاص الحجر عليهما بالمال و ذلك ليس منه حتى على القول بأن الواجب في العمد أحد الأمرين، فإن ذلك لا يجعله ماليا، بل لا يجب على الأول اختيار الدية، إذ هو تكسب لا يجب عليه، كما أنه ليس استيفائهما القصاص تصرفا ماليا كي يمنعا منه.

نعم لو عفا المفلس على مال أقل من الدية أو أكثر أو مساو و رضي القاتل قسمه على الغرماء كغيره من الأموال التي يكتسبها، و لهما العفو مجانا فضلا عن العفو على الأقل من الدية بناء على المختار من عدم وجوب غير القود بقتل العمد، أما على القول بأن الواجب أحد الأمرين فالمتجه عدم جواز عفوهما عن المال منهما كما هو واضح.

و لو قتل و عليه دين فإن أخذ الورثة الدية صرفت في ديون المقتول و وصاياه ك باقي ماله بلا خلاف معتد به و لا إشكال بل الإجماع بقسميه عليه، كما يشهد له ملاحظة كلماتهم في المواريث و الوصايا و الحجر و الرهن و غيرها.

قال عبد الحميد بن سعيد(1): «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن رجل قتل و عليه دين و لم يترك مالا و أخذ أهله الدية من قاتله أ عليهم أن يقضوا الدين؟ قال: نعم، قلت: و هو لم يترك شيئا،


1- 1 أشار إليه في الوسائل- الباب- 24- من أبواب الدين و القرض- الحديث 1 من كتاب التجارة و ذكره في التهذيب ج 6 ص 192- الرقم 416.

ج 42، ص: 313

قال: إن أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين»

و نحوه غيره(1)في الدلالة على أن الدية و إن أخذت صلحا حكمها حكم تركة الميت كما تقدم الكلام في المواريث(2)و غيرها، فلاحظ و تدبر كي تعرف أن القول بأنها لا تصرف في الدين شاذ غير معروف القائل، و كذا القول بالفرق بين دية الخطأ فيقضى منها ديونه و بين دية العمد فلا تقضى، و إن كان قد يشهد لهما بعض الاعتبارات، إلا أنه كالاجتهاد في مقابلة النصوص و الفتاوى و الإجماع، و الله العالم.

و هل للورثة استيفاء القصاص من دون ضمان ما عليه من الديون التي لا تركة عنده في مقابلها؟ قبل و القائل ابن إدريس و من تأخر عنه، بل عن ظاهر الأول أو صريحه الإجماع و إن كنا لم نتحققه:

نعم تمسكا ب الأصل و العمومات التي منها الآية(3)و هي «فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» و غيرها من الكتاب(4)و السنة(5)و هو أولى بل أصح، و لا ينافي ذلك كون الدية تركة لو أخذت، كما هو واضح.

و قيل و القائل الشيخ في النهاية لا يجوز، بل في غاية المراد حكايته عن أبي علي و القاضي و أبي الصلاح و ابن زهرة و الصهرشتي و الكيدري و صفي الدين محمد بن معد العلوي، بل في الدروس نسبته إلى المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه.


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الدين و القرض- الحديث 1 من كتاب التجارة.
2- 2 راجع ج 39 ص 44- 46.
3- 3 سورة الإسراء: 17- الآية 33.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 178.
5- 5 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 314

و كيف كان ف هو مروي في

خبر أبي بصير(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يقتل و عليه دين و ليس له مال فهل للأولياء أن يهبوا دمه لقاتله؟ فقال: إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فان وهب أولياؤه دمه للقاتل فجائز و إن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدية للغرماء»

إلا أنه مع موافقته للعامة ضعيف لا يصلح للخروج عن عموم الأدلة و إطلاقها، كما اعترف به المصنف في النكت، بل عنه فيها نسبة قول الشيخ إلى الندرة.

و عن الطبرسي حمله على ما إذا بذل القاتل الدية، فإنه يجب حينئذ قبولها، و لا يجوز للأولياء القصاص إلا بعد الضمان، فان لم يبذلها جاز القود من غير ضمان.

و فيه- مع أنه خرق للإجماع المركب- أنه لا فرق بين البذل و عدمه بالنسبة إلى عموم الأدلة، نعم الخبر المزبور مختلف المتن باعتبار فرقه بين الهبة و بين القود، فجوز للوارث الأول دون الثاني، و هما معا مشتركان في تفويت حق الدين، بل و باعتبار قوله (عليه السلام) فيه: «إن أصحاب الدين هم الخصماء» المناسب لتفريع عدم جواز الهبة.

كل ذلك مع أن المحكي عن أبي علي في المختلف أنه قال: «لا يجوز للأولياء العفو إلا إذا ضمنوا الدية» و نقلوا خلافه في المقام، و ليس ذلك إلا لاتحاد الحكم في المقامين.

و لكن عبارة النهاية لا تخلو من تشويش في الجملة، قال: «لم يكن لأوليائه القود إلا بعد أن يضمنوا الدية عن صاحبهم، فان لم يفعلوا لم يكن لهم القود، و جاز لهم العفو بمقدار ما يصيبهم» و يمكن أن يريد عفوهم عن الزائد على مقدار الدين مما يصيبهم.


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الدين و القرض- الحديث 2 من كتاب التجارة.

ج 42، ص: 315

و بالجملة ما فيه من الفرق المزبور في غاية الإشكال، خصوصا بعد ما عن المبسوط من «أن الذي رواه أصحابنا أنه لم يكن لوليه العفو على غير مال و لا القود إلا أن يضمنوا حق الغرماء».

بل و بعد ما في

خبر أبي بصير(1)الآخر أيضا المروي في التهذيب و الفقيه قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قتل و عليه دين و ليس له مال فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله و عليه دين، فقال:

إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فان وهب أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية للغرماء و إلا فلا».

بل و

خبره الآخر(2)المروي عن الفقيه أيضا عن أبي الحسن موسى ابن جعفر (عليهما السلام) «قلت له: جعلت فداك رجل قتل رجلا متعمدا أو خطأ و عليه دين و مال و أراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل، فقال: إن وهبوا دمه ضمنوا الدين قلت: فإنهم أرادوا قتله، قال:

إن قتل عمدا قتل قاتله و أدى عنه الامام الدين من سهم الغارمين، قلت:

فان هو قتل عمدا و صالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى من الدين؟ على أوليائه من الدية أو على إمام المسلمين؟ قال: بل يؤدوا دينه من ديته التي صالح عليها أولياؤه، فإنه أحق بديته من غيره»

فإنه على العكس من الأول.

و بذلك يظهر لك عدم الوثوق بهذه النصوص و إن أمكن القول بأن ما دل منها على الضمان في خصوص القود مجبور بالشهرة المحكية في الدروس و الإجماع المحكي في الغنية، بل قد يقال بذلك أيضا في صورة العفو بناء على عدم الفرق بين المسألتين، إلا أن الجرأة على مخالفة


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 59- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2. و هو خبر علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام كما في الفقيه ج 4 ص 83.

ج 42، ص: 316

العمومات المزبورة- المعتضدة بالأصل و ببعض ما في النصوص المذكورة و بالشهرة المتأخرة، بل و بما يظهر من نسبه المصنف ما في النهاية إلى الندرة من

الشهرة المتقدمة التي يوهن بها إجماع ابن زهرة- في غاية الصعوبة و لا أقل من الشك، و قد عرفت أن الأصل يقتضي العدم، و الله سبحانه هو العالم.

[المسألة السادسة إذا قتل جماعة على التعاقب ثبت لولي كل واحد منهم القود]

المسألة السادسة:

إذا قتل الواحد جماعة على التعاقب ثبت لولي كل واحد منهم القود بلا خلاف و لا إشكال لصدق سببه في كل واحد و حينئذ ف لا يتعلق حق واحد بالآخر للأصل و غيره، بل يتعلق حق الجميع به، فان اجتمعوا على المطالبة فقتلوه مباشرة منهم أو وكلوا أجمع من يقتله فقد استوفوا حقوقهم بلا خلاف فيه بيننا بل و لا إشكال، إذ ليس لهم عليه إلا نفسه، لأن الجاني لا يجني على أكثر منها، خلافا لعثمان البستي (البثى خ ل) فإنه قال: «إذا قتلوه سقط من الديات واحدة و كان لهم في تركته الباقي من الديات» و لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه.

و إن لم يجتمعوا فهل الحق للسابق أو لمن تخرجه القرعة أو يكون لكل واحد منهم المبادرة إلى قتله؟ وجوه منشأها استحقاق السابق القصاص منفردا من غير معارض، و كون السبب الموجب للقصاص هو قتل النفس المكافئة، و هو متساو في الكل من غير فرق بين المتقدم و المتأخر فتتعين القرعة، و أنه لا إشكال بعد فرض استحقاق كل منهم إزهاق نفسه مجانا،

ج 42، ص: 317

و لعل أقواها الأخير، فلو اقتص المتأخر حينئذ بلا قرعة لم يكن عليه إساءة و لا تعزير بخلافه على الأولين، و ذلك ثمرة الوجوه، إذ لا شي ء عليه غيرها قطعا، ضرورة استيفائه حقه، فان احتمال استحقاق القصاص للأول منهم دون غيره أو لمن أخرجته القرعة كذلك معلوم العدم نصا(1)و فتوى.

و حينئذ فإن استوفى الأول مثلا لسبقه أو بالقرعة أو لمبادرته سقط حق الباقين لا إلى بدل كما عن الشيخين و بني حمزة و البراج و سعيد و إدريس و الشهيد، بل عن المبسوط و الخلاف الإجماع عليه، لأن الواجب القصاص عندنا و قد فات محله، و الدية لا تجب إلا صلحا، و الفرض عدمه، و ثبوتها في من قتل و هرب

و مات و في من خلصه أولياء المقتول لدليله، فلا يقاس عليه ذلك، و ليس المقام من اشتراك الأولياء في القصاص المقتضى لضمان المستوفي حصص الباقين كما عرفت، ضرورة استحقاق كل منهم القصاص مستقلا لا مدخلية له في الآخر كما هو واضح. و لكن قال المصنف على تردد.

بل عن أبي علي و الفاضل في الإرشاد و موضع من القواعد و ولده في موضعين من الإيضاح و المقداد أن لغيره الدية، لأن الجاني قد أتلف على كل واحد منهم نفسا كاملة لا تعلق لها بباقي النفوس المتلفة و إنما يملك الجاني بدلا واحدا، فكان لمن لم يقتص الدية، لتعذر البدل، و لئلا يبطل دم امرء مسلم، و لفحوى ما تسمعه لو قتله أجنبي أو مات، و لأن الولي لو انفرد كان له القصاص أو العفو على الدية.

و فيه أنه و إن كان قد أتلف على كل واحد منهم نفسا كاملة إلا أنه لم يرتب الشارع عليه غير بذل نفسه، لأن الجاني لا يجني على أكثر منها،


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 318

و عدم بطلان دم المسلم- مع أنه لا يقتضي كونه على تركة الجاني و معارض بالخبر المزبور المعتضد بالأصل و إجماعي الخلاف و المبسوط و غيرهما- يمكن تنزيله على غير الفرض الذي عرض له البطلان بفوات المحل، و أما الأخير فواضح الفساد بناء على ما عرفت من عدم وجوب غير القود بقتل العمد، و أن الدية إنما تثبت صلحا، فإن أريد ثبوتها هنا كذلك فلا إشكال، إلا أن المفروض خلافه، كما هو واضح.

و لو بادر أحدهم غير الأول فقتله فقد أساء بناء على ترجيح السابق عليه و لكن سقط حق الباقين أيضا و فيه الاشكال السابق بل الخلاف من تساوي الكل في سبب الاستحقاق و لكن ذلك لا يقتضي ثبوت الدية في مال الجاني بعد عدم تقصيره و استيفاء الحق منه و صيرورة المال بموته لوارثه، و لا ضمان المستوفي لحقه الدية للباقين المعلوم عدمه هنا في مذهب الإمامية، ضرورة عدم الاشتراك في حق القصاص الذي عرفت الكلام فيه سابقا.

و بذلك كله ظهر لك أنه لو عفا بعض المستحقين على مال أو بدونه كان للباقين القصاص من غير ضمان لشي ء، و في

صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله(1)«سألته عن رجل قتل رجلين عمدا و لهما أولياء فعفا أولياء أحدهما و أبى الآخرون، فقال: يقتل الذين لم يعفوا و إن أحبوا أن يأخذوا الدية أخذوها».

و لا فرق في جميع ما ذكرناه بين قتل الواحد الجماعة دفعة بأن ألقى عليهم جدارا مثلا أو على التعاقب إلا في تقديم السابق في الاقتصاص و إلا فالقود أيضا ثابت لكل واحد منهم مستقلا، و ليس اتحاد السبب موجبا للاشتراك في القصاص المقتضي للضمان لو استوفى أحدهم، كما هو


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.

ج 42، ص: 319

واضح، و حينئذ فالبحث الأول جار بعينه.

و لو قتله أجنبي خطأ ففي القواعد كان للجميع الدية عليه بالسوية و أخذ ولي كل واحد منهم من تركته كمال حقه على إشكال، و فيه ما لا يخفى و إن وافقه عليه الأصبهاني في شرحه لها، ضرورة كون دية الخطأ من جملة التركة، فالكلام في تعلق حق من له القصاص بعد فوات محله في غير المسألة المنصوصة هو الكلام السابق.

و احتمال القول إن الدية عوض الرقبة التي كانت مستحقة لهم فينتقل العوض إليهم نعم في التكملة الإشكال المزبور يدفعه عدم اقتضاء ذلك انتقال العوض، إذ ليست هي مالا، و إنما هي عوض شرعي يستحقه الوارث، و لا دليل على انتقاله لمن يكون له القصاص، و أولى من ذلك ما لو قتله أجنبي عمدا و دفع الدية صلحا مع الورثة، اللهم إلا أن يكون إجماعا أو دليلا معتدا به في إثبات ذلك، و الله العالم.

[المسألة السابعة لو وكل في استيفاء القصاص فعزله قبل القصاص ثم استوفى فان علم فعليه القصاص]

المسألة السابعة:

لو وكل في استيفاء القصاص فإنه لا خلاف و لا إشكال في صحته، بل الإجماع بقسميه عليه، كما تقدم الكلام فيه في كتاب الوكالة(1).

و حينئذ ف لو عزله قبل استيفائه القصاص ثم استوفى فان علم الوكيل بالعزل و مع ذلك استوفاه فعليه القصاص بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة تحقق عنوانه فيه، نعم لو ادعى النسيان قيل: إنه لا يقتل و تكون الدية في ماله، و فيه بحث.


1- 1 راجع ج 27 ص 382.

ج 42، ص: 320

و إن لم يعلم بالعزل فلا قصاص عليه و لا دية قطعا، تمكن الموكل من إعلامه و لم يفعل أو لا، بناء على عدم الانعزال إذا لم يبلغه العزل، و كذا لو قلنا بتوقفه على الاشهاد و الفرض عدمه، أما على القول بالانعزال بمجرد العزل فلا قصاص قطعا، لعدم تحقق عنوانه، و لكن عليه الدية للمباشرة، و يرجع بها على الموكل للغرور، كما أن الموكل يرجع على ورثة الجاني على ما في كشف اللثام و محكي التحرير، و لا يخلو من نظر بل عن مجمع البرهان الظاهر أنه لا شي ء على الوكيل، و لعله لأن السبب فيه أقوى من المباشر و لو ادعى الولي عليه العلم فالقول قول الوكيل بيمينه. هذا كله في العزل.

أما لو عفا الموكل عن القصاص فان كان بعد استيفائه فلا حكم، و كذا لو اشتبه، لأصالة بقاء الحق و براءة المستوفي عن القصاص و الدية، و إن كان قبله و قد علم به الوكيل و استوفاه فعليه القصاص.

و إن كان قد عفا ثم استوفى الوكيل و لما يعلم فلا قصاص أيضا لعدم العدوان و لكن عليه الدية للمباشرة، و يرجع بها على الموكل لأنه غار كمن قدم الطعام المغصوب، و كونه محسنا بالعفو لا ينافي ترتب حكم الغرور عليه خصوصا مع إمكان إعلامه بالعفو فلم يفعل، بل ربما احتمل رجوع ورثة الجاني عليه ابتداء و إن كان فيه منع، كمنع الفرق بين صورتي التمكن من الاعلام و لم يفعل و عدمه، فيرجع عليه في الأولى دون الثانية، ضرورة ترتب الغرور على فعله مطلقا.

و على كل حال فاحتمال عدم وجوبها على المستوفي- لأنه عفا بعد خروج الأمر من يده فيكون لغوا كعفوه بعد خروج السهم من يده مثلا و لأن القتل يباح له في الظاهر فلا يتجه التضمين به- واضح الفساد، إذ هما معا كما ترى، ضرورة خروجه في الأول عن الاختيار دون القرض،

ج 42، ص: 321

و إباحة الدم في الظاهر لا تنافي التضمين كما في نظائره، بل الظاهر وجوب الكفارة أيضا حتى على القول بعدم وجوب الدية، لعموم دليلها، و لكن لا رجوع بها على الموكل و إن توقف فيه الفاضل باعتبار كونه معذورا، لحكم الحاكم له بذلك.

هذا و في المسالك «ثم إن كان الموكل قد عفا مجانا أو مطلقا و قلنا:

إن العفو مطلقا لا يوجب الدية فلا شي ء، و إن عفا على الدية أو قلنا:

إن إطلاق العفو موجب لها فله الدية في تركة الجاني إن أوجبنا بقتل الوكيل الدية، و إن لم نوجب و أهدرنا دم الجاني فلا دية للموكل، لخروج العفو على هذا التقدير عن الإفادة و وقوعه لغوا».

و فيه نظر، و لعله يريد ما في كشف اللثام، فإنه بعد أن ذكر ما سمعته في العفو قال: «هذا إذا عفا مجانا، أما لو عفا على مال فلا ضمان على الوكيل، لأنه لا يصح إلا صلحا إلا أن يكون برضا الجاني و لم يعلم به الوكيل، فتجري فيه الأوجه الثلاثة» أي ضمان الوكيل و الرجوع على الموكل، أو عدم الضمان، أو الضمان بدون رجوع، و لكن قد عرفت أن الأصح الأول، و لكن يضمن الدية و يرجع بها لا خصوص المصالح عليه.

و لو اقتص الوكيل بعد موت الموكل جاهلا بموته ففي القواعد «إن كان باذن الحاكم فالدية في بيت المال» و لعله لأنه من خطأ الحكام، و لكن لا يخلو من بحث، و في كشف اللثام «و إلا فعليه الدية، و يرجع بها على تركة الموكل، أو لا يرجع و لورثة الموكل الدية من تركة الجاني إن لم يسقط الاستحقاق بفوات المحل» فتأمل، و الله العالم.

ج 42، ص: 322

[المسألة الثامنة لا يقتص من الحامل حتى تضع]

المسألة الثامنة:

لا يقتص من الحامل حتى تضع و لو تجدد حملها بعد الجناية و كان من زنا بلا خلاف أجده، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، لكونه إسرافا في القتل، و لغير ذلك مما هو واضح و معلوم من روايات الحدود(1)و غيرها، نعم هو كذلك مع تحقق الحمل بالأمارات الدالة عليه، فان لم يكن و لا ادعته فلا إشكال في القصاص منها و إن احتمل، للأصل و غيره.

فان ادعت الحمل و شهدت لها القوابل الأربعة بذلك ثبت الحمل و إن تجردت دعواها قيل: لا يؤخذ بقولها، لأن فيه دفعا للولي عن السلطان مع أن الأصل عدمه.

و لو قيل يؤخذ بقولها فيؤخر حتى يعلم حالها كان أحوط احتياطا يلزم مراعاته، كما جزم به الفاضل في الإرشاد و ولده و الشهيدان و الكركي و الأردبيلي على ما حكي عن بعضهم، لأن للحمل أمارات تظهر و أمارات تخفى، و هي عوارض تجدها الحامل من نفسها و تختص بمراعاتها على وجه يتعذر إقامة البينة عليها، فيقبل قولها فيه كالحيض و نحوه مما دل عليه الأدلة(2)في قبول قولها فيهما، بل لعل قوله تعالى(3):

«وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ» ظاهر في تصديقها و لا أقل من الشبهة المقتضية تأخير ذلك إلى أن يعلم الحال.

بل لم نجد مخالفا صريحا، فان المصنف و الفاضل في القواعد و الشيخ


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب حد الزنا- الحديث 1 و 4 و 5 و 6 و 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 228.

ج 42، ص: 323

في محكي المبسوط و إن ذكروا أن الأولى الاحتياط لكن يمكن إرادتهم الاحتياط اللازم، بل لعله الظاهر من عبارة المتن.

ثم إن الظاهر أيضا عدم جواز قتلها بعد الوضع حتى يشرب الصبي اللبأ الذي ذكر غير واحد ما ذكره الشيخ و الفاضل و الشهيد و غيرهم من أنه لا يعيش الصبي بدونه و إن كان الوجدان يشهد بخلافه، كما اعترف به في المسالك، إلا أنه يمكن أن يكون ذلك غالبا، و يكفي حينئذ في تأخير القتل عنها.

بل الظاهر عدم جواز قتلها أيضا إذا توقف حياة الصبي عليها لعدم وجود ما يعيش به غيرها، لأنه إذا وجب الانتظار احتياطا للحمل فبعد الوضع و تيقن وجوده أولى، بل احتمل غير واحد القصاص عليه لو بادر إلى القصاص و الحال

هذه عالما بالحال، لصدق قتله التسببي، نحو ما لو حبس رجلا و منعه الطعام أو الشراب حتى مات جوعا أو عطشا، و يحتمل العدم، لعدم صدق التسبيب إلى قتله على وجه يترتب عليه القصاص، لأنه كمن غصب طعام رجل أو سلبه فتركه حتى مات جوعا أو بردا لكن يمكن حصول الغذاء له إلا أنه اتفق العدم.

و منه ينقدح احتمال وجوب المبادرة إلى القصاص إلا أن الأقوى العدم فيه، نعم قد يقوى عدم القصاص عليه بموت الطفل إذا لم يكن قد قصد بذلك قتله أو لم يكن مثله سببا معتادا في قتله و إن أثم بالمبادرة إلى القصاص من أمه و ترتب عليه موت الطفل، و لكن الظاهر ثبوت الدية عليه، لعدم إبطال دم المسلم، و لترتبها على الشرائط التي هي أضعف من ذلك، كحفر البئر و نحوه، هذا كله إذا لم يوجد ما يعيش به.

أما مع وجوده و لو من شاة أو مراضع متعددة يتناوبن عليه أو نحو ذلك فالظاهر أن له القصاص و إن قيل استحب له الصبر لئلا يفسد خلقه

ج 42، ص: 324

و نشوؤه بالألبان المختلفة، بل ربما احتمل العدم لذلك حتى لو وجدت مرضعة راتبة، لأن لبن أمه أوفق بطبعه و إن كان فيه منع واضح حتى مع القول بمثله في الحدود التي مبناها التخفيف، بخلاف حقوق الناس التي لا يجوز تأخيرها مع طلب أهلها بمثل هذه الاعتبارات.

و إلى ذلك كله أشار المصنف بقوله و هل يجب على الولي الصبر حتى يستقل الولد بالاغتذاء؟ قيل: نعم دفعا لمشقة اختلاف اللبن، و الوجه تسليط الولي إن كان للولد ما يعيش به غير لبن الأم، و التأخير إن لم يكن ما يعيش به و إن كنا لم نجد القائل المزبور، نعم ذكره غير واحد احتمالا.

و لو طلب الولي المال من الحامل أو ذات الولد الرضيع لم يجب عليها إجابته كغيرها.

و كذا لا يجوز أن يقتص من الحامل في الطرف حذرا من موتها بالسراية فيهلك ولدها أو سقوط الحمل بألمها، بل لا يجوز القصاص منها بعد الوضع أيضا ما لم يوجد المرضع أو يستغني الولد بالغذاء حذرا من السرية إلى نفسها.

و لو قتلت المرأة قصاصا فبانت حاملا فالدية على الولي القاتل لها بدون إذن الحاكم، بل و مع إذنه مع علمهما بالحال أو جهلهما أو علم القاتل دون الحاكم، لأنه المباشر، و أما الإثم فعلى من علم منهما.

هذا و في المسالك وجهان آخران في صورة علمهما: أحدهما ضمان الحاكم، لأن الاجتهاد و النظر إليه، و البحث و الاحتياط عليه، و فعل الولي صادر عن رأيه و اجتهاده، فهو كالآلة، و الثاني الضمان عليهما بالسوية، لأن الأول مباشر و أمر الحاكم كالمباشرة فيشتركان في الضمان.

و هما معا كما ترى، بل تعليل الأول منهما لا يناسب فرض علمهما بالحال.

ج 42، ص: 325

ثم قال فيها أيضا: «و كذا الوجوه الثلاثة في صورة جهلهما بالحال» و لا يخفى عليك ما في الأخيرين أيضا، ضرورة قوة المباشرة على غيرها، و كذا ما عن التحرير من كون الدية في بيت المال مع جهلهما.

و أغرب من ذلك احتمال الوجهين في الحاكم أيضا مع جهله و علم الولي المباشر، لتقصيره في البحث، فيشارك المباشر أو يختص، إذ هو واضح الضعف بل الفساد.

نعم لو كان المباشر جاهلا به و علم الحاكم ضمن الحاكم الآذن في القصاص للغرور، مع أنه احتمل فيه ضمان المباشر لقوة المباشرة، بل هو الذي يقتضيه إطلاق المحكي عن المبسوط إلا أنه واضح الضعف مع فرض استناد المقتص إلى حكم الحاكم بأنها خلية.

ثم ضمان الدية على الولي حيث يكون في شبه العمد من ماله، و في الخطأ المحض على العاقلة، و ضمان الحاكم مع الخطأ المحض على بيت المال، و في العمد في ماله.

و لو لم يعلم الحاكم بالحمل فأذن ثم علم فرجع عن الاذن و لم يعلم الولي برجوعه فقتل ففي المسالك بني على ما إذا عفا الولي عن القصاص و لم يعلم الوكيل، و قد تقدم. قلت: المتجه كونه على المباشر أيضا، إذ هو كالجاهلين، و الله العالم.

[المسألة التاسعة لو قطع يد رجل ثم قتل آخر قطعناه أولا ثم قتلناه]

المسألة التاسعة:

لو قطع يد رجل ثم قتل آخر قطعناه أولا ثم قتلناه جمعا بين الحقين و كذا لو بدأ الجاني بالقتل ثم القطع توصلا إلى استيفاء الحقين فان سبق ولي المقتول فقتله أساء و استوفى حقه

ج 42، ص: 326

و لا ضمان عليه، و أخذت دية اليد من تركته بناء على وجوب الدية في مثله، فتأمل.

و لو سرى القطع في المجني عليه و الحال هذه فان كان قبل القصاص تساوى وليه و ولي المقتول في استحقاق القتل، و صار كما لو قتلهما، و قد سبق حكمه، و إن كانت السراية بعد القصاص ففيه أقوال:

أحدها- و هو المحكي عن المبسوط- أنه كان للولي أي ولي المقطوع نصف الدية من تركة الجاني، لأن قطع اليد بدل عن نصف الدية و الثاني ما قيل من أنه لا يجب له في تركة الجاني شي ء، لأن الدية لا تثبت في العمد إلا صلحا و الفرض عدمه، و القصاص قد فات محله، و الثالث الرجوع بالدية أجمع، لأن للنفس دية على انفرادها، و الذي استوفاه في العمد وقع قصاصا، فلا يتداخل، و في المسالك اختار هذا العلامة في التحرير، و هو متجه، بل في كشف اللثام أنه المشهور، قلت: المتجه الوسط للأصل و غيره.

و لو قطع يديه فاقتص منه ثم سرت جراحة المجني عليه جاز لوليه القصاص في النفس لوجود سببه، و لا ينافيه القطع السابق الواقع عوضا عن بدله، بل لا شي ء له عوضه بعد أن كان قد وقع قصاصا و إن كان لولا الاستيفاء لدخل في النفس كما هو واضح.

و لو قطع يهودي يد مسلم فاقتص المسلم ثم سرت جراحة المسلم كان للولي قتل الذمي بلا رد، لعموم الأدلة و لأن السراية جناية خارجة لم يقع بإزائها قصاص، نعم لو طالب بالدية (11) ففي المبسوط كان له دية المسلم إلا دية يد الذمي، و هي أربعمائة درهم (12) عوض اليد التي استوفاها و كانت تدخل في النفس لو لم تستوف، و لو كان القصاص في اليدين معا و طلب الدية كانت له إلا ثمان مائة درهم.

ج 42، ص: 327

و كذا قال أيضا في ما لو قطعت المرأة يد رجل فاقتص ثم سرت جراحته كان للولي القصاص في النفس بلا رد و لكن لو طالب بالدية كان له ثلاثة أرباعها و الربع الآخر عوض اليد التي استوفاها، و عن العامة قول بنقص نصف الدية بناء على أنه باقتصاص يد اليهودي و المرأة رضي أن يكون ذلك عوضا عن يده.

و لو قطعت يديه و رجليه فاقتص منها ثم سرت جراحاته كان لوليه القصاص في النفس بلا رد لما عرفت. و لكن ليس له المطالبة ب الدية هنا لأنه استوفى ما يقوم مقام الدية و كذا قال أيضا في رجل قطع يدي رجل فاقتص منه ثم سرت كان لوليه القصاص دون الدية التي استوفى ما يقوم مقامها، ثم قال: «و ليس ها هنا قتل أوجب قودا، و لا يعفى عنه على مال إلا هذه المسألة».

و (11) لكن في المتن و غيره في هذا كله تردد، لأن للنفس دية على انفرادها (12) أوجبتها السراية التي هي جناية أخرى و ما استوفاه وقع قصاصا (13) عن جناية غيرها، فلا يقوم مقام شي ء منها فضلا عنها، و ظاهرهم التوقف في خصوص ذلك، مما ذكره الشيخ دون غيره، مع أنه قد يتوقف في ما ذكره في الذمي الذي قد عرفت أنه بقتله المسلم يدفع هو و ماله للمسلم، فان شاء استرقه و إن شاء قتله، بل قد يتوقف أيضا في ما ذكره من الدية التي عرفت أنها لا تجب إلا صلحا، فقد تزيد و قد تنقص و قد تساوى، فما ذكره من النقصان المزبور- الظاهر في تسلط الولي على الدية قهرا على الجاني و لكن ليست تامة، بل لا بد من تنقيصها المقدار- كما ترى.

بل قد يتوقف أيضا في القصاص من غير رد شي ء بعد أن بان أن ما استوفاه من قطع اليد قد وقع في غير محله باعتبار السراية المقتضية

ج 42، ص: 328

لدخول قصاص الطرف في النفس و كذا الدية، فلا بد مع إرادته القصاص أن يرد دية اليد التي قد بان أن استيفاءها كان في غير محله.

و به يتضح نقصان ديتها من الدية لو أرادها، خصوصا بعد ما عرفته هناك من عدم الفرق بين القصاص و الدية، فتدخل دية الطرف في دية النفس حيث يدخل قصاصه في قصاصها، و الفرض في المقام أن القطع الأول قد سرى فيدخل الطرف فيه قصاصا و دية بخلاف يد زيد التي بان أن قطعها قد كان في غير محله، فلا بد من دية لها لعدم دخولها في الاقتصاص منه، و لو قلنا بعدم الدخول اتجه عدم نقصان الدية، فقول الشيخ بنقصان الدية دون الرد في القصاص منه لا يخلو من تدافع.

لكن قد يجاب عن الأول بإمكان القول بأن دفع الذمي و ماله إلى المسلم باختياره، فان لم يختر ذلك و أراد معاملته معاملة غيره كان له.

و لكن فيه أنه خلاف ظاهر دليله، نعم قد يقال: إن المراد نقصان الأربعمائة درهم من ماله الذي يأخذه معه، إلا أنه خلاف ظاهر العبارة المتضمنة وجوب دية المسلم عليه إلا ذلك، فالأولى أن يقال: إن ذلك قد وقع من الشيخ في البحث مع العامة جريا على ما عندهم لا ما عندنا و إن تبعه عليه غيره غفلة عن حقيقة الحال.

و عن الثاني بإمكان فرضه بالعفو على ما يستحقه من الدية شرعا برضا المجني عليه و قلنا بصحة ذلك.

و أما التهاتر فلا بد من القول فيه بمنع الدخول مع فرض الاستيفاء، فلا يكون واقعا في غير موقعه، فيكون له القصاص بلا رد و له الدية تامة لا ناقصة كما ادعاه الشيخ، ضرورة انفراد النفس بالدية التي جنايتها السراية دون القطع، و هو جيد، و لكن الظاهر عدم موافقته لكلام جماعة منهم في غير المقام، فلاحظ و تأمل.

ج 42، ص: 329

[المسألة العاشرة إذا هلك قاتل العمد سقط القصاص]

المسألة العاشرة:

إذا هلك قاتل العمد و لو بدون تقصير منه بهرب و نحوه و لا تفريط بعدم التمكين سقط القصاص قطعا و هل تسقط الدية أيضا؟ قال في المبسوط: نعم و أنه الذي يقتضيه مذهبنا و تردد فيه في الخلاف و لكن عنه أنه استحسنه في آخر كلامه، بل هو المحكي عن ابن إدريس و الكركي و ظاهر المختلف و غاية المراد و مجمع البرهان و غيرها، لما عرفته من أن الواجب في العمد القصاص، و أن الدية لا تجب إلا صلحا، فالأصل حينئذ بل الأصول فضلا عن ظاهر الأدلة يقتضي ذلك.

لكن في القواعد و الإرشاد و التبصرة وجوبها في تركة الجاني، بل قيل: إنه خيرة الخلاف في أول كلامه، ل

قولهم (عليهم السلام)(1): «لا يبطل دم امرء مسلم»

و لقوله تعالى(2)«فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» و لأنه كمن قطع يد رجل و لا يد له، فان عليه الدية، فكذا النفس.

إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء (عدم ظ) بطلان دم المسلم بعد تسليم شموله للفرض كون الدية في تركة الميت التي هي للوارث الذي مقتضى الأصل براءة ذمته من ذلك، و السلطان إنما هو على القتل لا على الدية و القياس على مقطوع الطرف مع وضوح الفرق


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و الباب- 46- منها- الحديث 2 و الباب- 2- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1 و الباب- 8- منها- الحديث 3 و الباب- 10- منها- الحديث 5 و الباب- 4- من أبواب العاقلة- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 سورة الإسراء: 17- الآية 33.

ج 42، ص: 330

ليس من مذهبنا، فلا دليل معتد به حينئذ يخرج به.

نعم في رواية أبي بصير الموثقة(1)المروية في التهذيب و الكافي بتفاوت يسير إذا هرب فلم يقدر عليه حتى مات أخذت من ماله، و إلا فمن الأقرب فالأقرب

قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه، قال:

إن كان له مال أخذت الدية من ماله، و إلا فمن الأقرب فالأقرب، فان لم يكن له قرابة آداه الإمام، فإنه لا يبطل دم امرء مسلم»

و نحوه

خبر البزنطي(2) عن أبي جعفر (عليه السلام) أو مرسله لعدم رواية البزنطي عن الباقر (عليه السلام) أو أن المراد بأبي جعفر هنا الجواد (عليه السلام) «في رجل قتل رجلا عمدا ثم فر فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال أخذ منه، و إلا أخذ من الأقرب فالأقرب»

و في الفقيه رواه كذلك بسند متصل إلى أبي بصير(3) عن أبي جعفر (عليه السلام).

و على كل حال فلا دلالة في شي ء منها على مطلق الهلاك، و من هنا كان المحكي عن أبي على و علم الهدى و الشيخ في النهاية و ابن زهرة و القاضي و التقي و الطبرسي و ابن حمزة و الكيدري و غيرهم الفتوى بمضمونه، بل في غاية المراد و المسالك و التنقيح نسبته إلى أكثر الأصحاب تارة و إليهم أخرى، بل عن الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد تبينه و اعتضاده بالنصوص التي لا يحتاج الموثق منها إلى جابر، و غيره مجبور بما عرفت، بل و بالاعتبار، لأنه بهربه أخذ بدفع الواجب عليه حتى تعذر، فكأنه باشر التفويت،


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب العاقلة- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 أشار إليه في الوسائل- الباب- 4- من أبواب العاقلة- الحديث 1 و ذكره في الفقيه ج 4 ص 124 الرقم 430.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب العاقلة- الحديث 3 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 331

فوجب عليه عوضه، كما دل عليه

صحيح حريز(1)«سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل قتل رجلا عمدا فرفع إلى الوالي فدفعه إلى أولياء المقتول فوثب قوم فخلصوه من أيديهم، فقال: أرى أن يحبس الذين خلصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل، قيل: فان مات القاتل و هم في السجن، قال: فان مات فعليهم الدية»

و إشكاله بأنه لا يتم في من مات فجأة من دون تقصير بهرب و نحوه يدفعه ما ستعرفه من اختصاص الحكم عندنا بذلك.

و على كل حال فما في السرائر- من أن قول الشيخ غير واضح، لأنه خلاف الإجماع و ظاهر الكتاب(2)و المتواتر من الأخبار(3)و أصول المذهب، و هو أن موجب قتل العمد القود دون الدية، فإذا فات محله و هو الرقبة فقد سقط لا إلى بدل، و انتقاله إلى مال الميت أو مال أوليائه حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، و لن نجده أبدا، و هذه أخبار آحاد و شواذ أوردها شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا، و قد رجع عن هذا القول في مسائل خلافه و أفتى بخلافه، و هو الحق اليقين- لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و لقد كفانا مئونة الجرأة عليه الفاضل في المختلف، فإنه شدد النكير عليه في دعوى مخالفة الإجماع و المتواتر من النصوص و إن كان الظاهر إرادته ذلك بالنسبة إلى أصل إيجاب القود بقتل العمد لا في خصوص المسألة.

و منه يعلم حينئذ ما في نسبة دعوى الإجماع على خلاف المختار،


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 178 و سورة المائدة: 5- الآية 45.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 332

نعم ما فيه من دعوى رجوع الشيخ عن ذلك في الخلاف ليس في محله، ضرورة كون الشيخ مترددا أو مائلا إلى العدم أولا، و ثانيا في غير مفروض المسألة كما عرفت، لا في ما نحن فيه من الهرب حتى مات، و دعوى عدم الفرق بين الموضوعين واضحة المنع.

و منه يعلم ما في عنوان غير واحد من المتأخرين المسألة بمن هلك و نحوه، خصوصا الشهيد في اللمعة فإنه قال: «و لو هلك قاتل العمد فالمروي أخذ الدية من ماله و إلا فمن الأقرب فالأقرب» مع أنه صرح في غاية المراد بنسبة تخصيص الحكم في الهارب حتى يموت إلى الروايات و أكثر كلام الأصحاب، بل الظاهر منها ذلك بالنسبة إلى الأقرب فالأقرب من الورثة الذي هو أيضا من معقد إجماع الغنية، و ما في المسالك من ان المتأخرين على عدمه لم نتحققه، بل ادعى غير واحد الإجماع المركب على ذلك منهم، و لا استبعاد في الحكم الشرعي، خصوصا بعد أن كان إرثه لهم.

و دعوى أن ذكر الهرب و الموت في بعض النصوص المزبورة(1)في سؤاله لا في الجواب، بل خبر أبي بصير(2)لا ذكر فيه للموت في السؤال فضلا عن

الجواب و من هنا جعل غير واحد العنوان الهالك يدفعه عدم استقلال في الجواب على وجه يخصصه ما في السؤال، لكن قيل إن التعليل فيها بعدم بطلان دم المسلم يقتضي ذلك، و فيه أنه ظاهر في كونه تعليلا لتأدية الامام (عليه السلام) له لا أصل الحكم، و لعله لذا كان ظاهر الأصحاب الاقتصار على خصوص الهارب الميت، نعم يمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب القصاص في النفس و الباب- 4- من أبواب العاقلة- من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب العاقلة- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 333

إلحاق غير الهرب من أحوال الامتناع به مع أن المسألة مخالفة لما عرفته من الأصل و غيره، فيناسبها الاقتصار على المتيقن، و الله العالم.

[المسألة الحادية عشرة لو اقتص من قاطع اليد ثم مات المجني عليه بالسراية ثم الجاني وقع القصاص بالسراية موقعة]

المسألة الحادية عشرة:

لو اقتص من قاطع اليد مثلا ثم مات المجني عليه بالسراية ثم الجاني وقع القصاص بالسراية موقعة ضرورة كونه حينئذ كمن باشر قتله بعد موت المجني عليه. و كذا لو قطع يده ثم قتله فقطع الولي يد الجاني ثم سرت إلى نفسه فإنه أيضا قد وقع القصاص بها موقعه بلا خلاف أجده في شي ء منهما بين من تعرض لذلك كالشيخ و الفاضلين و الشهيدين بل في المسالك أنه لواضح.

لكن قد يقال: إن السراية على الجاني هدر، و لذا لو مات و بقي المجني عليه لم يكن له شي ء إجماعا، فلا تقوم مقام النفس المضمونة بالجناية و سرايتها، فيحتمل أن يكون عليه نصف الدية، لأنه استوفى ما يقوم مقام النصف الآخر، أو الدية على المشهور، فإنه لا ضمان للنفس إلا دية مستقلة كما في القواعد و إن لا يكون له شي ء لا لوقوع القصاص موقعه بل لفوات محل القصاص، و قد يجاب بأن السراية و إن لم تكن مضمونة إلا أن يسند الفعل بسببها إلى المقتص فيصدق عليه أنه قتله بعد جنايته، فتأمل جيدا، فإنه دقيق.

أما لو سرى القطع إلى الجاني أولا ثم سرى قطع المجني عليه لم تقع سراية الجاني قصاصا، لأنها حاصلة قبل سراية المجني عليه فتكون هدرا لا قصاصا لكونها غير مضمونة بلا خلاف أجده بين من تعرض له

ج 42، ص: 334

من الشيخ و الفاضلين و الشهيدين، إذ لا يكون القصاص سلفا.

و حينئذ فاحتمال كونه كالأول في الوقوع موقعه بل عن المبسوط حكايته عن بعض العامة، لأنه كما لو قتله المجني عليه ثم سرى قطعه، فإنه لا رجوع على تركة الأول بشي ء، و لأنه جرح مماثل فلا يزيد حكم أحدهما على الآخر واضح الضعف، ضرورة الفرق بين القتل و القطع، فإنه مع القتل يصير جانيا بعد أن كان مجنيا عليه بخلاف القاطع قصاصا السائغ له، فلا يقوم مقام القتل المتعقب له، و تماثل الجرحين في الماهية لا يمنع من تخالفهما في بعض العوارض إذا حصل مقتضية، و هو هنا موجود، فان الجرح الأول سبب لإزهاق نفس معصومة فيجب ضمانها، و ليس الآخر بإزاء النفس، بل بإزاء الطرف و سرايته غير مضمونة، فتبقى النفس بغير عوض، فليس حينئذ إلا ما سمعته أولا، و كأنه صريح في ترتب الدية كلا أو بعضا على المجني عليه و إلا فلا فائدة في بيان عدم احتسابه قصاصا.

و لكن في المسالك «ثم على الأول هل يلزم الجاني شي ء أم لا؟

يبنى على ما تقدم من أن فوات محل القصاص هل يوجب الانتقال إلى الدية أم لا؟ فان لم نقل به فات، و إن قلنا بالدية احتمل رجوع ولي المجني عليه على تركة الجاني بنصف الدية، لأنه استوفى ما يقوم مقام نصف الدية و أن يرجع بمجموع الدية، لأن ما استوفاه وقع قصاصا عن اليد قبل أن تدخل في النفس، فإذا فاتت النفس على وجه مضمون وجب بدلها حيث فات محل القصاص بتمام الدية، و قد تقدم القول في نظيره».

قلت: قد تقدم بناء وجوب الدية في المقام و نظائره على المسألة السابعة التي هي فوات محل القصاص بعد تعلقه بخلاف ما لو حصل بوجه و لا محل له، كمن قطع يد شخص و لا يد له المفروغ من ثبوت الدية له،

ج 42، ص: 335

كما يقتضي به إرساله إرسال المسلمات، و المقام منه. و لعل منه أيضا ما في كشف اللثام من أنه لو مات الجاني لا بالسراية، فلم يقتص منه في النفس مع استحقاقه عليه فتؤخذ الدية من تركته على المشهور كلها، و في المبسوط نصفها لاستيفاء ما يقوم مقام النصف و إن أنكر بعض الناس عليه الشهرة إلا أنه في غير محله، بل يمكن دعوى الاتفاق عليه، فتأمل جيدا.

[المسألة الثانية عشرة لو قطع يد انسان فعفا المقطوع ثم قتله القاطع فللولي القصاص في النفس]

المسألة الثانية عشرة:

لو قطع يد انسان فعفا المقطوع عن يده ثم قتله القاطع فللولي القصاص في النفس لعموم أدلته لكن بعد رد دية اليد لأنه لا يقتل الكامل كمثل هذا بالناقص إلا بعد ذلك، لما تسمعه من خبر سورة(1)و غيره، لا للقياس على المرأة الذي هو باطل عندنا، كما لا يؤخذ منه إلا دية الناقص و الفرض أن المقطوع بعد عفوه صار كذلك، و في القواعد ذلك أيضا على إشكال، و لعله مما سمعت و من أن القتل بعد العفو عن القطع كالقتل بعد اندمال الجرح، فللولي كمال الدية أو القصاص بلا رد، بل في كشف اللثام هو عندي أقوى.

قلت: هو كذلك لو لا ما تسمعه من النص(2)المعتضد بما ستعرف، و كذا ما عن المبسوط من الفرق بين القصاص و الدية، فيقنص منه بلا رد بخلاف الدية، ناسبا له إلى مذهبنا، قال: أما القصاص فلأن قصاص الطرف لا يدخل في النفس، بدليل أنه لو قطع يده فسرى إلى نفسه كان لوليه القطع و القتل معا، فلما عفا عن القصاص في الطرف لم يدخل في قصاص النفس، فكان له القصاص منها، و يفارق الدية، لأن أرش


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 336

الطرف يدخل في بدل النفس بدليل أنه لو قطع يده فسرى إلى نفسه كان فيه دية النفس لا غير، و لم يستحق دية اليد و دية النفس أيضا، فلهذا دخل أرش الطرف في دية النفس، فأوجبنا عليه نصف الدية، فبان الفصل بينهما» إذ هو كما ترى دليله عين دعواه و إن حكى عن الفخر خاصة موافقته على ذلك، و قد عرفت سابقا تحقيق الحال في دخول الطرف في النفس، و الفرق بين الضربة الواحدة و المتعددة.

و أضعف منه ما حكاه فيه أيضا وجهان من احتمال نفي القصاص رأسا و ثبوت نصف الدية، أما سقوط القصاص فلأن القتل بعد القطع بمنزلة السراية، فهو كالجناية الواحدة عفا عن بعضها، فيسقط القصاص عن جميعها، و أما نصف الدية فلأن العفو قد استوفى بعضها، و ظني أنه للعامة الذين هم محل هذه الخرافات، و إلا فأصحابنا أجل من ذلك، و إن تبعه في حكايته احتمالا في غاية المراد و المسالك، لكنه واضح الفساد مخالف للكتاب و السنة و الإجماع، ضرورة إزهاقه نفسا مكافئة معصومة، و هو عنوان القصاص، و العفو عن القطع لا يقتضي العفو عن القتل أو قطع آخر، و ليس هو إلا كقتل شخص آخر له، نعم لو مات بسراية ما عفا عنه أمكن ذلك إذا ظهر منه العفو عن جميع ما يترتب على الجرح، كما هو واضح.

كل ذلك مضافا إلى

المرسل(1)«في رجل شج رجلا فوضحه ثم طلبها منه فوهبها له ثم انتفضت به فقتله، فقال: هو ضامن للدية إلا قيمة الموضحة، لأنه وهبها و لم يهب النفس»

و حينئذ فالتحقيق ما سمعته من النص المعتضد بما تسمع الذي به يخرج عن مثل قوله تعالى(2)


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ديات الشجاج و الجراح- الحديث 1.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 337

«النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» لو كان فيه منافاة للرد، كما أن منه يظهر الفرق بين فاقد اليد خلقة و بين العافي عن يده.

و كذا لو قتل مقطوع اليد قتل بعد أن يرد عليه دية يد لكن إن كان المجني عليه أخذ ديتها أو قطعت في قصاص، و لو كانت قطعت في غير جناية و لا أخذ لها دية قتل القاتل من غير رد، و هي

رواية سورة بن كليب(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)- قال: «سئل عن رجل قتل رجلا عمدا و كان المقتول أقطع اليدين، فقال: إن كانت قطعت في جناية جناها على نفسه أو كان قطع يده و أخذ دية يده من الذي قطعها فأراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدوا إلى أولياء قاتله دية يده التي قيد منها و يقتلوه، و إن شاؤوا طرحوا عنه دية يده و أخذوا الباقي، قال:

و إن كان يده قطعت من غير جناية جناها على نفسه و لا أخذ لها دية قتلوا قاتله و لا يغرم شيئا، و إن شاؤوا أخذوا دية كاملة، هكذا و جدنا في كتاب علي (عليه السلام)».

و هي صحيحة إلى سورة، و أما هو فقد يظهر من بعض النصوص حسن حاله(2)بل قد يظهر من رواية الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عنه في عرق الحائض(3)اعتمادها عليه، فهي حسنة كما في المسالك، مضافا إلى رواية الشيخ لها في التهذيب، بل عمل بها ابن إدريس الذي لا يعمل إلا بالقطعيات، بل لم نعرف من ردها صريحا إلا ما سمعته من الشيخ، و يحكى عن الفخر، نعم توقف فيه غير واحد.

مؤيدة مع ذلك ب

خبر الحسن بن الجريش(4)عن أبي جعفر الثاني (ع)


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 رجال الكشي ص 322 240.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب النجاسات- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1 و الصحيح الحسن بن الحريش.

ج 42، ص: 338

الذي أشار المصنف إلى مضمونه بقوله

و كذا لو قطع كفا بغير أصابع قطعت كفه بعد رد دية الأصابع

(1)- قال: «قال أبو جعفر الأول (عليه السلام) لعبد الله بن عباس: يا ابن عباس أنشدك الله هل في حكم الله اختلاف؟ قال: لا، قال: فما ترى في رجل ضربت أصابعه بالسيف حتى سقطعت فذهب فأتى رجل آخر فأطار يده فأتي به إليك و أنت قاض كيف أنت صانع؟ قال: أقول لهذا القاطع: أعط دية كفه، و أقول لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت أو أبعث إليهما ذوي عدل، قال: فقال له: جاء الاختلاف في حكم الله، و نقضت القول الأول، أبى الله أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود و ليس تفسيره في الأرض، أقطع يد قاطع الكف أصلا ثم أعط دية الأصابع، هكذا حكم الله عز و جل».

و نحوه ما عن الكليني من المرسل(1)في باب شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر و تفسيرها من كتاب الحجة من الكافي عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) و قد عمل به الشيخ و المصنف و غيرهما، بل عن المبسوط أنه رواه أصحابنا، بل في غاية المراد و المسالك عمل به الأكثر، بل عن الخلاف و المبسوط الإجماع على أن من قطع ذراع رجل بلا كف كان للمجني عليه القصاص ورد دية، بل عن الخلاف منهما نسبته إلى أخبار الفرقة أيضا، بل عن الغنية الإجماع على أنه إذا كانت يد المقطوع ناقصة أصابع أن له قطع يد الجاني ورد الفاضل.

بل لم نعرف له رادا إلا ابن إدريس بناء منه على أصله، فقال:

«إنه مخالف لأصول المذهب، إذ لا خلاف بيننا أنه لا يقتص العضو الكامل للناقص- إلى أن قال-: و الأولى الحكومة في ذلك و ترك القصاص


1- 1 الكافي ج 1 ص 247.

ج 42، ص: 339

و أخذ الأرش» نحو ما سمعته من ابن عباس المخالف لقوله تعالى(1):

«وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ» و غيره، و الفاضل في المختلف و إن نفى البأس عنه لكن قال:

«و نحن في هذه المسألة من المتوقفين» فانحصر الخلاف فيه خاصة بناء على أصله.

و حينئذ فضعف الخبر المزبور بسهل و الحسن إن كان منجبر بما عرفت، كما ان احتمال ضرب الأصابع فيه مفسر بخبر سورة(2)السابق المراد من الأخذ فيه ما يشمل صورة العفو و لو باعتبار أنه أخذ للعوض الذي هو الثواب، بل يظهر من غير المقام تنزيل العفو منزلة الأداء، و بذلك كله تخصص العمومات إن قلنا بظهورها في عدم الرد، و إلا فلا منافاة، بل قد يظهر من الأخير أن ذلك هو مقتضى الجمع بين قوله تعالى(3):

«وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ» «و النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(4)و بين قاعدة الضرر و الضرار و التساوي في الاقتصاص المبني على التغليب، فيكون عاما لمحل الخبر و غيره، فتأمل جيدا، فإنه نافع جدا.

و لو ضرب ولي الدم الجاني قصاصا و تركه ظنا منه أنه قتله و كان به رمق فعالج نفسه و بري ء لم يكن للولي القصاص في النفس حتى يقتص منه بالجراحة أولا، و هذه رواية أبان بن عثمان(5)عمن أخبره عن أحدهما (عليهما السلام) أنه

قال: «أتي عمر بن الخطاب برجل قتل أخا رجل فدفعه إليه و أمره بقتله، فضربه الرجل حتى رأى أنه قتله، فحمل إلى منزله فوجدوا به رمقا فعالجوه حتى برأ، فلما خرج أخذه أخو المقتول، و قال له: أنت قاتل أخي و لي أن أقتلك، فقال له: قد قتلتني


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 5.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 45.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 45.
5- 5 الوسائل- الباب- 61- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.

ج 42، ص: 340

مرة فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله، فخرج و هو يقول: أيها الناس قد و الله قتلني مرة فمروا به إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخبروه خبره، فقال: لا تعجل عليه حتى أخرج إليك، فدخل على عمر، فقال: ليس الحكم فيه هكذا، فقال: ما هو يا أبا الحسن؟ قال: يقتص هذا من أخي المقتول الأول ما صنع به ثم يقتله بأخيه، فنظر أنه إن اقتص منه أتى على نفسه فعفا عنه و تتاركا».

و لكن في أبان ضعف بالناووسية مع إرساله السند.

و من هنا كان الأقرب عند المصنف و جميع من تأخر عنه أنه إن ضربه الولي بما ليس له الاقتصاص به كالعصا و نحوها اقتص منه إن كان الجرح مما فيه القصاص و أخذ أرشه إن لم يكن كذلك و إلا بأن اقتص منه بالسيف مثلا و لكن جرحه به جراحات كان له قتله ثانيا كما لو ظن أنه أبان عنقه بضربة ثم تبين خلاف ظنه بعد انصلاحه، فهذا له قتله و لا يقتص من الولي بما وقع فيه من الضرب بالسيف لأنه فعل سائغ (11) له و دمه هدر بالنسبة إليه، بل صرح غير

واحد بإمكان حمل الخبر المزبور عليه، لعدم صراحته في الإطلاق، مع كونه قضية في واقعة لا عموم فيها.

لكن فيه أنه مناف لما تقدم من أنه لو خالف المقتص الكيفية المذكورة في القصاص أثم و لا شي ء عليه، لأنه مهدور الدم بالنسبة إليه، بل قد يشكل إطلاقهم عدم الاقتصاص في الأول في صورة فعل الجاني بالأول كذلك.

و لذا قال في السرائر: «من قتل غيره فسلمه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه فضربه الولي ضربات و جرحه جراحات عدة فتركه ظنا منه أنه

ج 42، ص: 341

مات و كان به رمق و الرمق بقية الحياة فحمل و دووي ثم جاء الولي و طلب منه القود كان له ذلك بعد أن يرد عليه دية الجراحات التي جرحه أو يقتص منه، هذا إذا لم يكن جرح المجني عليه المقتول الأول جراحات عدة، بل قتله بضربة واحدة، أما إذا كان جرحه جراحات عدة فللولي أن يقتص منه بعد ذلك و يقتله» و لكنه كما ترى غير ما ذكره المصنف.

و كذا ما في الوسيلة، قال: «و ليس له المثلة بالمقتص منه و لا تعذيبه و لا ضربه حتى يموت و إن فعل هو بصاحبه ذلك، فإن ضربه عمدا على غير المقتل و قتله في الحال عزر، و إن تركه حتى بري ء ثم أراد أن يستقيد منه لم يكن له ذلك إلا بعد أن يقتص منه في الجرح إن كان مما يدخله القصاص أو يدفع إليه الأرش إن لم يدخله القصاص» و في محكي النهاية و إن لم أجده في ما حضرني من نسختها «إذا جاء الولي و طلب منه القود كان له ذلك و عليه أن يرد عليه دية الجراحات التي جرحه أو يقتص له منه».

و كيف كان فلا يخفى عليك أن هذا كله و تفصيل المصنف و من تأخر عنه لا يخلو عن العمل بالخبر المزبور في الجملة، ضرورة اقتضاء الاعراض عنه عدم ضمان شي ء من جراحات الجاني لا قصاصا و لا دية سواء كانت بآلة القصاص أو بغيرها كما ظنه عمر بن الخطاب، لأنه مهدور الدم بالنسبة إليه، كتابا(1)و سنة(2)و إجماعا نعم تحرم المثلة عندنا، و تجب كيفية خاصة في الاقتصاص منه، و لكن ذلك كله من الأحكام الشرعية التي لا يترتب عليها غير التعزير و

الإثم لا الضمان و لم نجد بذلك قائلا، فلا محيص عن العمل بالخبر المزبور مع الاقتصار فيه على نحو محله،


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 178.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 342

لا مطلق الجرح و إن لم يكن بالحال المخصوص.

و لا بأس به خصوصا بعد رواية المحمدين الثلاثة له و عمل مثل ابن إدريس به و نسبة العمل به إلى الشيخ و أتباعه و عدم تحقق ناووسية أبان، بل عن بعض الأفاضل أنه أطنب في بيان حسن حاله.

بل عن الأردبيلي أن الوجود في نسخة الكشي التي عنده كان من القادسية، قرية معلومة لا من الناووسية: الفرقة المطعونة، على أن ناووسيته قد أخبر بها ابن فضال الذي هو مثله في فساد العقيدة، فإن قبل خبره فيه مع فساد عقيدته قبلنا خبره هنا مع فساد عقيدته، على أنه معارض بما عن الكشي من أن العصابة قد أجمعت على تصحيح ما يصح عنه و الإقرار له بالعفة بناء على ظهور ذلك في كونه إماميا، و إلا فالجمع بينهما يقتضي كونه موثقا، و هو حجة، فلم يبق إلا الإرسال المنجبر بما عرفت.

على أنه قيل: قد رواها في الفقيه بسند صحيح إلى أبان بلا إرسال بعده، لأنه قال: و في رواية أبان بن عثمان أن عمر بن الخطاب إلى آخره(1).

و بالجملة فالخبر المزبور صالح للعمل، بل يمكن دعوى الإجماع على العمل به في الجملة كما عرفت، فالأولى حينئذ العمل به بإطلاقه، و الله العالم.


1- 1 الفقيه ج 4 ص 128- الرقم 452.

ج 42، ص: 343

[القسم الثاني في قصاص الطرف]

اشاره

القسم الثاني في قصاص الطرف و هو ما دون النفس و إن لم يتعلق بالأطراف المشهورة من اليد و الرجل و الأنف و غيرها، كالجرح على البطن و الظهر و نحوهما، و لا خلاف كما لا إشكال في أصل القصاص فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب عموما(1)و خصوصا(2)و السنة المتواترة(3).

و موجبه الجناية بما يتلف العضو غالبا قصد الإتلاف به أو لم يقصده أو الإتلاف بما قد يتلف لا غالبا مع قصد الإتلاف على حسب ما سمعت الكلام فيه و في المباشرة و التسبيب في قتل العمد، ضرورة عدم الفرق فيه بين النفس و الطرف.

و كذا يشترط في جواز الاقتصاص فيه ما يشترط في قصاص النفس من انتفاء الأبوة و من التساوي في الإسلام و الحرية أو يكون المجني عليه أكمل لما عرفت سابقا من أن من لا يقتص منه في النفس لا يقتص منه في الأطراف بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل و لا إشكال، بل عن صريح الغنية و ظاهر غيرها الإجماع عليه، بل هو محصل، مضافا إلى


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 178 و 194.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 45.
3- 3 الوسائل- الباب- 12 و 13- من أبواب القصاص الطرف.

ج 42، ص: 344

ما في النصوص السابقة من ظهور اعتبار التساوي في الحرية في القصاص طرفا و نفسا: ك

قوله (عليه السلام)(1)في أم الولد: «يقاص منها للمماليك، و لا قصاص بين الحر و العبد»

بل و غير الحرية مما تقدم سابقا(2)كما هو واضح.

و حينئذ فيقتص فيه للرجل من الرجل بل و من المرأة، و لا يؤخذ له الفضل على نحو ما سمعته في النفس(3)و يقتص لها منه ا و من الرجل و لكن بعد رد التفاوت في النفس و الطرف كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا(4)بل و في تساوي ديتهما ما لم تبلغ ثلث دية الحر ثم يرجع إلى النصف فيقتص لها منه مع رد التفاوت في ما تجاوز ثلث دية الرجل، و لا رد في ما نقص عن الثلث و في ما بلغه خلاف، فلاحظ و تأمل.

و يقتص للذمي من الذمي و الحربي و لا يقتص له من مسلم لعدم التكافؤ و للحر من العبد إن شاء و إن شاء استرقه إن أحاطت جنايته بقيمته، و الخيار له في ذلك لا للمولى كما صرح به الفاضل في القواعد هنا، لظاهر

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(5)«في عبد جرح رجلين هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته»

و أظهر منه ما في

صحيح الفضيل(6)عن الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 راجع ص 81- 192.
3- 3 راجع ص 83.
4- 4 راجع ص 85.
5- 5 الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القصاص الطرف- الحديث 1.

ج 42، ص: 345

«إن شاء اقتص منه و إن شاء أخذه إن كانت الجناية تحيط برقبته»

الحديث.

و بهما يخرج في العبد عن قاعدة إيجاب جناية العمد القصاص دون الدية، نحو ما سمعته في جنايته على النفس التي حكي الإجماع عليها، مضافا إلى ظاهر النصوص المستفيضة فيها(1).

و دعوى الفرق بين القتل و الجرح- بأن له إزالته عن ملك المالك بالقتل فبالأولى تكون له إزالته بالاسترقاق بخلاف الجرح، فان القصاص فيه لا يزيل الملك- كالاجتهاد في مقابلة النصوص، و نحوها الاستناد إلى قاعدة القصاص التي قد عرفت وجوب الخروج عنها بما سمعت، و قد تقدم الكلام في ذلك كله، و قلنا هناك: إن ظاهر خبر الفضيل اعتبار إحاطة الجناية بالرقبة في ذلك بخلاف ما إذا لم تحط، كما أنه ذكرنا أيضا خلاف الفاضل و غيره في ذلك، فلاحظ و تأمل.

و لا يقتص للعبد من الحر في الطرف و إن ساوت قيمته دية الحر أو زادت كما لا يقتص له منه في النفس لعدم المكافئة المعتبرة في القصاص بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، كما عرفت الكلام فيه سابقا(2).

و يقتص للعبد من المساوي له في رق الكل، و كذا من الأمة، و لها منه بعد رد الفاضل إن بلغت الثلث أو جاوزته، كما صرح به في كشف اللثام بناء منه على مساواة الأمة للحرة في ذلك، ل

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني(3)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام):


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 راجع ص 91- 93.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القصاص الطرف- الحديث 1.

ج 42، ص: 346

«جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن»

و لإطلاق صحيح جميل(1)السابق الذي يمكن حمله على غيره من النصوص(2)الواردة في الحر و الحرة، فلا رد حينئذ، خصوصا بعد أن لم نجد ذلك لغيره، بل و لا من حكى عنه.

بل لعل أصل المسألة لا تأتي في العبد، ضرورة أن الدية في الحر لها مقدر، فالمرأة تقاص من الرجل ما لم تبلغ الثلث من الدية، فإذا بلغته سفلت المرأة و ارتفع الرجل و صارت على النصف بخلاف العبد، لأن ديته قيمته، و هي مختلفة باختلاف العبيد، و ربما تكون الأمة أعلى منه قيمة.

اللهم إلا أن يفرض في عبد و أمة متساويي القيمة أو أن العبد أعلى، فحينئذ يقال: إن الأمة تقاصه ما لم تبلغ ثلث قيمة العبد، فإذا بلغته سفلت الأمة و ارتفع العبد، و صارت على النصف من قيمة العبد، و هو شي ء يمكن القطع بعدمه من النص و الفتوى، و ما في خبر السكوني يراد منه المساواة في جراحات الأحرار و العبيد، بمعنى أن الجرح في الحر الذي له نصف دية الحر مثلا له في العبد نصف قيمته، و هكذا. لا ما يشمل ما نحن فيه، كما هو واضح، فالمتجه حينئذ بقاء العبد و الأمة على المقاصة في القيمة كيف ما كانت.

و يجوز لمولى المجني عليه الصلح على ما تراضيا به، و في كشف اللثام «و منه استرقاق ما بإزاء نسبة عضو عبده إلى قيمته إن لم تزد على دية الحر» و لعله بناء على اعتبار ذلك في قيمة القاطع على نحو قيمة المقطوع،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القصاص الطرف- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس و الباب- 1- من أبواب قصاص الطرف.

ج 42، ص: 347

بدعوى ظهور النصوص(1)في عدم تجاوز قيمة العبد دية الحر في باب الجناية قاطعا كان أو مقطوعا، و لكن لا يخلو من نظر و بحث باعتبار انسياق المجني عليه منها لا مطلقا، فلاحظ و تأمل.

على أن المسألة مفروضة في الصلح، و هو لا يتقدر بقدر، بل يجب ما يتراضيان به، فله حينئذ استرقاق كله به و إن زادت قيمة عضوه على كل قيمة المجني عليه، لكونه حينئذ كالصلح عن الكثير بالقليل، أما ما قابل الجناية منه فقد عرفت عدم احتياجه إلى الصلح، بل له استرقاقه قهرا.

و لا يقتص للقن من المكاتب إذا تحرر بعضه كغيره من المبعضين، و يقتص له من المدبر و أم الولد، لبقائهما على الرقية، و يجوز استرقاق المدبر كلا أو بعضا، و في بطلان التدبير و عدمه الخلاف السابق.

و لمن انعتق منه أكثر القصاص من الأقل عتقا، كما أن للمساوي القصاص من مثله، كما تقدم ذلك في قصاص النفس(2).

بل قد تقدم أيضا(3)الكلام في اشتراط التساوي في القيمة أو نقص الجاني، على معنى إن زادت قيمة الجاني لم يكن لمولى الآخر الاقتصاص إلا بعد رد التفاوت، لأن القيمة في المملوك بمنزلة دية الحر، و كما تنقسم الدية على أعضاء الحر فكذا القيمة، و كما يجب الرد إذا زادت دية عضو الجاني كالرجل على دية عضو المجني عليه كالمرأة فكذا القيمة و عدمه، لإطلاق نحو «وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ»(4).

و بالجملة كل ما عرفته من شرائط القصاص في النفس


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القصاص في النفس.
2- 2 راجع ص 111.
3- 3 راجع ص 104.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 348

معتبر في القصاص في الطرف و يزيد اعتبار التساوي في السلامة من الشلل و في المحل و في الأصالة و الزيادة فلا تقطع اليد الصحيحة مثلا بالشلاء بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به بعضهم، بل عن ظاهر المبسوط أو صريحه و صريح الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجة بعد إطلاق

قول الصادق (عليه السلام) في خبر سليمان بن خالد(1): «في رجل قطع يد رجل شلاء أن عليه ثلث الدية»

بل قيل: و قوله تعالى(2)«فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ»- «وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ»(3)و إن كان فيه أن الظاهر المماثلة في أصل الاعتداء و العقاب على وجه يصدق كونه مقاصة، فلا ينافي ما دل على القصاص من قوله تعالى(4)«وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ» و غيره، إلا أن الأمر سهل بعد عدم انحصار الدليل فيه، إذا الحكم مفروغ منه عندهم و قد حكي الإجماع صريحا و ظاهرا عليه.

بل هو كذلك و لو بذلها الجاني كما صرح به الفاضل و الشهيدان فإنه لا يكفي في التسويغ، كما إذا رضي الحر القاتل للعبد بالقود لم يجز أن يقاد منه، نعم في القواعد و كشف اللثام «و لكن لا يضمن القاطع مع البذل شيئا و إن أثم و استوفى حقه كما في المبسوط للأصل» و إن كان هو لا يخلو من إشكال بل منع، ضرورة عدم حق له غير الدية كي يكون مستوفيا له، بل قد يشكل أيضا ما قيل من احتمال ضمان ثلث الدية، لأن دية الشلاء سدس الدية، و الصحيحة نصفها بأن المتجه ترتب القصاص


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 194.
3- 3 سورة النحل: 16- الآية 126.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 349

على القاطع لا الدية إلا إذا قلنا بعدمه مع الاذن من ذي اليد بالقطع ابتداء من دون قصاص.

و تقطع الشلاء بالصحيحة لعموم الأدلة، بل لا يضم إليها أرش، للأصل و غيره بعد تساويهما في الجرم و نحوه، و إنما اختلافهما في الصفة التي لا تقابل بالمال، كالرجولية و الأنوثة و الحرية و العبودية و الإسلام و الكفر، فإنه إذا قتل الناقص منهم بالكامل لم يجبر بدفع أرش خصوصا بعد

قولهم (عليهم السلام)(1): «إن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه».

فحينئذ لا إشكال في قطع الشلاء بالصحيحة إلا أن يحكم أهل الخبرة أنها لا تنحسم لو قطعت، لبقاء أفواه عروقها مفتحة أو احتملوا ذلك احتمالا راجحا أو

مساويا على وجه يتحقق الخوف المعتد به ف لا تقطع بل يعدل حينئذ إلى الدية تفصيا من خطر السراية على النفس التي هي أعظم من الطرف، و كذا لو كان كل منهما شلاء بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن الغنية الإجماع عليه، بل و لا إشكال، ضرورة وجوب المحافظة على النفس مما يزيد على أصل القطع من العوارض التي منها الشلل المزبور، لكن نسبة غير واحد له إلى الشهرة قد يشعر بالخلاف إلا أنا لم نتحققه.

نعم قيل: إن المشهور قطع يد المحارب و السارق و إن كانت شلاء من غير اعتبار حكم أهل الخبرة، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه.

و ربما فرق بأن المراد القطع فيهما و إن استلزم تلف النفس بخلاف القصاص المبني على حرمة أخذ الزائد على الحق و إن كان قد يناقش بأن الحدود أولى بمراعاة ذلك من جهة بنائها على التخفيف، فالأولى حمل


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 10.

ج 42، ص: 350

الإطلاق المزبور على ما صرح به غير واحد من اعتبار المراعاة فيه أيضا.

و كيف كان فالمراد بالشلل يبس اليد و الرجل بحيث لا تعمل و إن بقي فيها حس أو حركة ضعيفة، و عن بعضهم اعتبار بطلانهما، و لذا تسمى اليد الشلاء ميتة. و فيه أنه إطلاق مجازي، ضرورة أنها لو كانت كذلك لأنتنت.

هذا و لكن في المسالك «من شرائط القصاص في الطرف تساويهما في السلامة لا مطلقها، لأن اليد الصحيحة تقطع بالبرصاء، بل المراد سلامة خاصة، و هي التي تؤثر التفاوت فيها أو يتخيل تأثيره كالصحة و الشلل».

قلت: لا كلام في عدم القصاص بين الصحيحة و الشلاء بعد الاتفاق عليه نصا و فتوى، أما ما لا يصدق عليه اسم الشلل مما هو مؤثر فيها أيضا فلا دليل على عدم القصاص به بعد قوله تعالى(1)«وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ» و صدق

«اليد باليد»(2)

نعم يجبر ضرر المقتص منه بدفع التفاوت من المقتص بناء على ما أشرنا إليه من خبر الحسن بن الجريش(3)المشتمل على قضية ابن عباس، لكن لم أجد من أقعد القاعدة المزبورة على وجه يعمل عليها في غير محل النص.

و على كل حال فظاهرهم الاتفاق على أنه لا أثر للتفاوت في البطش و نحوه، فتقطع يد الأيد بيد الضعيف، و رجل المستقيم برجل الأعرج، كما ستعرف إن شاء الله.

و لو كان بعض أصابع المقطوع شلاء ففي القواعد و كشف اللثام


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1 و الصحيح الحسن بن الحريش كما في كتب التراجم.

ج 42، ص: 351

و محكي المبسوط لم يقتص من الجاني الصحيح الأصابع في الكف، بل في أربع الأصابع الصحيحة، و يؤخذ منه ثلث دية إصبع صحيحة عوضا عن الشلاء، و حكومة ما تحتها و ما تحت الأصابع الأربع من الكف، و هو كذلك بناء على إلحاق كل ما فيه شلل باليد.

و لو كان الأمر بالعكس فكانت أصابع المجني عليه صحيحة و إصبع من أصابع الجاني في اليد الموافقة للمقطوعة شلاء قطعت كف الجاني، لأن الناقص يقطع بالكامل، نعم إن خيف السراية لشلل تلك الإصبع اقتص منه في الأصابع الصحيحة، و أخذ دية إصبع صحيحة و حكومة في الكف أجمع كالسابقة، و لا تتبع الكف الأصابع.

و أما اعتبار التساوي في المحل مع وجوده فلا خلاف فيه، بل ربما ظهر من محكي الخلاف نفيه بين المسلمين، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه ف تقطع اليمين باليمين و اليسار باليسار و الإبهام بمثلها و هكذا.

نعم عن الأكثر بل المشهور بل عن الخلاف و الغنية إجماع الفرقة عليه مع زيادة أخبارهم عليه في الثاني أنه إن لم تكن يمين قطعت يساره، و لو لم يكن له يمين و لا يسار قطعت رجله استنادا إلى الرواية التي هي

صحيحة حبيب السجستاني(1)المروية في الكتب الثلاثة بل و المحاسن على ما قيل قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين،

فقال: يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أولا، و تقطع يساره للذي قطعت يمينه أخيرا، لأنه إنما قطع يد الرجل الآخر و يمينه قصاص للرجل الأول، قال:

فقلت: إن عليا (عليه السلام) إنما كان يقطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى،


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.

ج 42، ص: 352

فقال: إنما كان يفعل ذلك في ما يجب من حقوق الله تعالى، فأما ما يجب من حقوق المسلمين فإنه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص، اليد باليد إذا كانت للقاطع يدان، و الرجل باليد إذا لم تكن للقاطع يد، فقلت له:

أما توجب عليه الدية و تترك رجله؟ فقال: إنما نوجب عليه الدية إذا قطع يد رجل و ليس للقاطع يدان و لا رجلان، ثم نوجب عليه الدية، لأنه ليست له جارحة يقتص منها».

و هي معلومة الصحة إلى حبيب و أما هو ففي المسالك لا نص على توثيقه، قال: «و حينئذ فإطلاق جماعة من الأصحاب صحة الرواية مدخول أو محمول على الصحة الإضافية، كما تقدم في نظائره، و هذا هو السر في نسبة المصنف الحكم إلى الرواية من غير ترجيح».

قلت: قد يقال بكفاية شهادة وصفها بالصحة في المختلف و الإيضاح و المهذب البارع و التنقيح، بل في الروضة نسبة وصفها بذلك إلى الأصحاب، على أن المذكور في ترجمته أنه كان شاريا و رجع إلى الباقر و الصادق (عليهما السلام) و انقطع إليهما، بل عن صاحب البلغة الحكم بكونه ممدوحا، بل عن الفاضل المتبحر وحيد عصره- و خصوصا في الحديث و الرجال- الآغا محمد باقر عن جده أنه حكم بأنه ثقة.

كل ذلك مضافا إلى انجباره بما عرفت، بل لم نعثر على راد له غير الحلي و ثاني الشهيدين في بعض المواضع من بعض كتبه على أصليهما الفاسدين و الفخر في خصوص قطع الرجل باليد.

بل و إلى تأييده بما قيل من أنه استيفاء لمساوي الحق مع تعذر اليمين كالقيمة في المتلفات، و الدية مع تعذر القصاص، و المساواة الحقيقة لو اعتبرت لما جاز التخطي من اليد اليمنى إلى اليد اليسرى كما لا يجوز لو كانت الجناية واحدة.

ج 42، ص: 353

و إن كان قد يناقش بأنه لو كفت المساواة دية لجاز قلع العين إذا فقدت اليدان و الرجلان، و قياس الرجل على اليد التي يمكن دعوى حصول المقاصة فيها باعتبار الصدق- و من هنا حكى عليه الإجماع في المسالك و محكي المهذب البارع و المقتصر، و نفي فيه الخلاف في التنقيح و الرياض- لا وجه له، لكن العمدة ما عرفت.

نعم ليس في الخبر المزبور ترتيب في الرجلين، و إنما هو موجود في معقد إجماع الخلاف و الغنية، و لعله كاف في إثبات ذلك بعد عدم العلم بخطئه.

و أما قطع اليد اليمنى باليد اليسرى مع عدم اليمين له فقد ذكره بعضهم، و يمكن استفادته من النص و الفتوى أيضا.

بل قد يقال أيضا بقطع اليد بالرجل إذا لم يكن له رجلان عكس الأولى، لفحوى الخبر المزبور، بل لعل التعليل فيه ظاهر في ذلك.

هذا كله في خصوص اليدين و الرجلين دون غيرهما، لقاعدة الاقتصار على المتيقن في ما خالف العمومات، كما صرح به غير واحد، خلافا للحلي فعمم الحكم، حيث قال: «و كذلك القول في أصابع اليدين و الرجلين و الأسنان» و لعله نظر إلى العلة في الرواية التي ظاهر الأصحاب- عداه- عدم العمل بها في ذلك، حتى في العينين مثلا، فلا تقلع اليمنى باليسرى مع عدمها، و بالعكس و إن كان لو لا ذلك لأمكن القول به، للخبر المزبور المؤيد بإطلاق قوله تعالى(1)«الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» مثلا بعد تخصيص اعتبار الترتيب بصورة الإمكان، فتأمل.

و على كل حال ف كذا الكلام في ما لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت يداه و رجلاه بالأول فالأول، و كان لمن


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 354

يبقى الدية كما لو جنى فاقد اليدين و الرجلين، ضرورة اتحاد المدرك في المسألتين، و قد تقدم الكلام في هذه سابقا فلاحظ و تأمل و تدبر، و الله سبحانه العالم.

و يعتبر التساوي بالمساحة في الشجاج طولا و عرضا بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه مضافا إلى أدلة القصاص و العدل، فلا تقابل ضيقة بواسعة و لا يقنع بضيقة عن واسعة.

نعم قد صرح غير واحد بأنه لا يعتبر نزولا بل يعتبر (يراعى خ ل) حصول اسم الشجة بل ظاهر كشف اللثام و محكي المفاتيح الإجماع، بل في الرياض أن عليه إجماعنا المصرح به في جملة من العبائر لتفاوت الرؤوس في السمن و الهزال و غلظ الجلد و رقته على وجه لو اعتبر انتفى القصاص، فقطع النظر عنه كما قطع عن الصغر و الكبر في الأطراف، و من هنا قال في محكي المبسوط: «العمق في الشجاج كالمساحة في الأطراف، و المساحة في الشجاج كالاسم في الأطراف» و مقتضاه أنه لو كان عمق المتلاحمة مثلا نصف أنملة جاز في القصاص الزيادة عليه ما لم ينته إلى السمحاق، و هو خلاف العدل، كما أن اختلاف الرؤوس في ما سمعت لا يقتضي سقوط اعتباره، ضرورة إمكان القول باعتبار الممكن و أخذ الأرش للزائد كما ذكروا في المساحة طولا من أنه لا بد من اعتبار التساوي فيها و ان استلزم استيعاب رأس الجاني لصغره، و لا يكمل الزائد من القفا و لا من الجبهة، بل يقتصر على ما يحتمله العضو. و يأخذ للزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح من الدية، فإن كان الباقي ثلثا مثلا فله ثلث دية تلك الشجة، و هكذا. فالعمدة حينئذ الإجماع إن تم، كما هو واضح.

و لا يثبت القصاص في ما في قصاص ه تغرير بنفس

ج 42، ص: 355

أو طرف كالجائفة و المأمومة اللتين لا خلاف نصا و فتوى في عدم القصاص فيهما، بل الإجماع بقسميه عليه،

و في المقطوع(1)«الجائفة- ما وقعت في الجوف- ليس لصاحبها قصاص إلا الحكومة»

و نحوه في آخر(2).

كل ذلك مضافا إلى وجوب المحافظة على النفس و الطرف المحترمين، فيتعذر حينئذ استيفاء الحق مع حصول التعزير عليهما به، بل و كذا التعزير بالزيادة عليه باعتبار تعسر حصول المماثلة أو تعذرها إذ هو من التعزير أيضا.

و احتمال الاقتصار على الأقل مع دفع الأرش للزائد ممكن، بل جزم به المصنف في كتاب الديات، كالمحكي عن المبسوط و قواعد الفاضل و تحريره، لكن عن الخلاف عدم جوازه مستدلا بإجماع الفرقة و أخبارهم، و في الرياض «ظاهر الأصحاب على الظاهر المصرح به في المسالك الاقتصار على الدية مطلقا». قلت و لعله لعدم صدق القصاص فيه.

نعم يثبت في الحارصة و الباضعة و السمحاق و الموضحة و في كل جرح لا تغرير في أخذه بزيادة على الحق أو بتلف طرف آخر و سلامة النفس معه غالبة لعموم الأدلة المعتضد بالإجماع بقسميه عليه، بل و بالمحكي من نفي الخلاف فيه دون ما كان فيه التعزير المزبور.

فلا يثبت في الهاشمة و لا المنقلة و لا في كسر شي ء من العظام لتحقق التعزير الذي ذكرناه فيه و ل

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(3): «لا قصاص في عظم»

و في المقطوع(4)«و المنقلة- و هي ينتقل منها العظام- و ليس فيها قصاص إلا الحكومة»

بل عن المبسوط و الخلاف و الغنية و السرائر نفي الخلاف في الجميع.

و لعله كذلك، فاني لم أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن الشيخين


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.

ج 42، ص: 356

و ابن حمزة و سلار في المقنعة و النهاية و الوسيلة و المراسم، مع أن الأولين و إن أثبت فيهما القصاص في جميع الجراح إلا أنه استثنى المأمومة و الجائفة فيهما، معللا ذلك بأن فيهما تغريرا بالنفس، و مقتضاه تعديته في كل ما فيه ذلك، و لا ريب في تحققه في الهاشمة و المنقلة.

و من هنا اعتذر الفاضل في المختلف عن الشيخين بأن الهشم و النقل خارجان عن الجراح الذي أثبتنا فيه القصاص، و حينئذ فيرتفع الخلاف منهما و ينحصر في ابن حمزة المصرح بثبوت القصاص في الهاشمة و المنقلة.

و هو مع ندرته واضح الضعف، كوضوح الاعراض عن إطلاق

الموثق(1) كالصحيح «و أما ما كان من الجراحات في الجسد فان فيها القصاص أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها»

و عما في

الصحيح(2)«عن السن و الذراع يكسران عمدا أ لهما أرش أو قود؟ فقال: قود، قلت: فإن أضعفوا الدية، قال: إن أرضوه بما شاء فهو له»

و إن حكي عن ظاهر الشيخين العمل به مقيدا بما إذا كان المكسور لا يرجى صلاحه.

و لعله ل

مرسل جميل(3)عن أحدهما (عليهما السلام) «في رجل كسر يد رجل ثم برئت يد الرجل، قال: ليس في هذا قصاص»

الذي هو مستند ما في محكي المراسم من أنه لا قصاص في ما يبرأ و يصح، و إنما القصاص في ما لا يبرأ، إلا أنه مناف في الجملة لما فيها أيضا من أنه لما عد الجراحات قال: «لا قصاص في شي ء منها إلا في سبع منها ما عدا الجائفة و المأمومة، لأن فيهما تغريرا بالنفس» ضرورة أن كثيرا منها قابلة للبرء، و يمكن إرادته خصوص المكسور فيكون موافقا لما سمعته


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.

ج 42، ص: 357

من الشيخين و عن أبي الصلاح، و أما الكسر و المنقل و المنجبر و الجرح الملتئم و المأمومة و الجائفة و ما يجري مجراه فلا قصاص في شي ء منها.

إلا أن ذلك كله كما ترى لا يصلح للخروج به عما يقتضيه عموم الأدلة من جواز القصاص مع عدم التعزير المزبور من غير مدخلية للبرء و عدمه، و من عدمه مع التعزير المزبور و لو بتعذر المماثلة أو تعسرها بعد الاعتضاد بما سمعت من حكاية نفي الخلاف و الإجماع و غير ذلك، و حينئذ فالمدار عليه، و الله العالم.

و هل يجوز الاقتصاص قبل الاندمال؟ قال في المبسوط: لا، لما لا يؤمن من السراية الموجبة لدخول الطرف فيها فلم يعلم حينئذ قبل العلم بحالها أن حقه القصاص في الطرف أو النفس و في

موثق إسحاق أو حسنه(1)عن جعفر (عليه السلام) «أن عليا (عليه السلام) كان يقول: لا يقضى في شي ء من الجراحات حتى تبرأ».

و قال في الخلاف بالجواز لكن مع استحباب الصبر، و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها العمل بعموم قوله تعالى:

«وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ»(2)«فَمَنِ اعْتَدى»(3)«وَ إِنْ عاقَبْتُمْ»(4)خصوصا بعد ما قيل من دلالة الفاء على ذلك بلا مهلة و إن كان فيه نظر واضح، و منها أصالة البراءة من وجوب الصبر، و أصالة عدم حصول السراية، بل و أشهر، بل لم نجد فيه مخالفا عدا ما سمعته من المبسوط مع أن المحكي عنه أنه قال: «التأخير فيه أحوط» و هو بعينه الاستحباب


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب موجبات الضمان- الحديث 2 من كتاب الديات.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 45.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 194.
4- 4 سورة النحل: 16- الآية 126.

ج 42، ص: 358

الذي أشار إليه في الخلاف، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف، و الموثق محمول على إرادة عدم القضاء في الجرح الذي لا يعلم حال إفساده حتى يبرأ، لا الجرح الذي تحقق فيه موجب القصاص و شك في حصول المسقط.

و منه يعلم ما في الأول المبني على أن السراية كاشفة عن عدم حق له إلا قصاص النفس، و هو ممنوع، ضرورة تحقق الموجب حتى لو علم السراية كان له القصاص فعلا لحصول الموجب، نعم لو لم يفعل فاتفق حصولها دخل قصاص الطرف فيه، و من هنا لا يجب عليه رد دية العضو بعد حصولها لو فرض قطعه قبلها، كما تقدم بعض الكلام في ذلك سابقا.

و حينئذ ف لو قطع عدة من أعضائه عمدا كان له المبادرة إلى القصاص قبل الاندمال أو السراية لما عرفت.

و لو كان خطأ جاز أخذ دياتها أجمع و لو كانت أضعاف الدية لما عرفت من وجود المقتضى و انتفاء المانع بالأصل، بل قيل:

لو كان ظن السريان أو وهمه موجبا لزوال ما ثبت في الواقع لكانت القوة فعلا، و هو غير جائز، و لأنه لولاه لم يستقر استحقاق فإنه لا استحقاق إلا و يمكن براءة المستحق عليه منه، و التالي باطل، و لأنه يلزم منع المستحق عن حقه المالي بمجرد الشبهة مع ثبوت الموجب، و لا أثر للشبهة في سقوط المال، و لأن شرط البقاء على الجنايات شرط في استمرار الملك لا في ابتدائه و أخذ شرط في غيره من الأغلاط و إن كان لا يخفى عليك ما في الجميع من المصادرة بعد الإحاطة بما ذكرناه، ضرورة بناء ذلك كله على أن السراية مسقطة لا كاشفة، و هو محل البحث بل المنع عند الخصم.

و من هنا قيل و القائل الشيخ في المبسوط و ابن البراج في المهذب و الفاضل في التحرير و الإرشاد و الشهيد في غاية المراد و الأردبيلي على ما حكي عن بعضها يقتصر على دية النفس

ج 42، ص: 359

المعلوم استحقاقها له على كل حال حتى يندمل ثم يستوفى الباقي أو يسري، فيكون له ما أخذ بل في المسالك أنه الأشهر، بل في مجمع البرهان أنه المشهور، بل في محكي المبسوط أنه الذي يقتضيه مذهبنا، بل في المتن هنا و هو أولى، لأن دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقا محكيا مستفيضا بل محصلا، فلا يتسلط على المال بمجرد ظن البقاء أو احتماله الذي لا يعارض يقين البراءة.

و لكن ذلك لا يقتضي الكشف، فإنه أعم منه و من الإسقاط الذي يمكن كونه مفاد الأدلة، فإن أدلة إيجاب الدية في الخطأ تقتضي ترتبها بحصول السبب، و ذلك لا ينافي التداخل عند حصول السراية إلا أن ذلك يقتضي مثله في القصاص، و لذا كان المحكي عن المبسوط فيهما عدم الجواز، نعم يشكل ذلك على غيره ممن قال بجواز المبادرة إلى القصاص و إن قلنا بالدخول دون الدية كالمصنف و غيره. و يمكن إرادة المصنف الأولوية الندبية.

لكن قد عرفت أنه في القصاص لم يحك الخلاف فيه إلا عن المبسوط، و هو غير متحقق، بخلافه في المقام الذي قد سمعت حكاية الشهرة على عدم الجواز، بل لعل ظاهر محكي المبسوط الإجماع، اللهم إلا أن يفرق بين القصاص و الدية، و هو مشكل جدا فتأمل. و على كل حال فالأمر منحصر عندنا في القولين.

و أما القول بأنه ليس له المطالبة بشي ء فالظاهر أنه للعامة و إن حكاه بعض أصحابنا، بل ربما احتمل في عبارة المبسوط، إلا أنه لوضوح فساده- ضرورة ثبوت دية له على كل حال- يجب تنزيه الشيخ عنه.

ثم على القول بتعجيل الأخذ ثم حصلت السراية يجب إرجاع الزائد عن دية النفس و ما اندمل من الجراح لما عرفته من الدخول، كما هو

ج 42، ص: 360

واضح، و الله العالم.

و كيفية القصاص في الجراح أن يحلق الشعر الذي على المحل إن كان عليه شعر يمنع من سهولة استيفاء المثل، و أن يربط الرجل الجاني على خشبة أو غيرها بحيث لا يضطرب حالة الاستيفاء ثم يقاس محل الشجة بخيط و شبهه، و يعلم طرفاه في مثله و هو موضع الاقتصاص من الجاني ثم يشق من إحدى العلامتين إلى الأخرى، فإن شق على الجاني الاستيفاء دفعة جاز أن يستوفي منه في أكثر من دفعة و إن لم يمكنه الاستيفاء و كل غيره.

فان زاد المقتص في جرحه لاضطراب الجاني فلا شي ء عليه، لاستناد التفريط إليه باضطرابه، و إن لم يكن يضطرب اقتص من المستوفي إن تعمد، و طولب بالدية مع الخطأ.

و يقبل قوله في دعوى الخطأ مع اليمين، و إن ادعى الاضطراب قدم قول الجاني للأصل، و إن كان الأصل البراءة ترجيحا للمباشرة.

و في قدر المأخوذ منه مع الخطأ إشكال ينشأ من أن الجميع موضحة واحدة حقيقة، فيقسط ديتها على الأجزاء، فيلزمه ما قابل الزيادة منها حسب، كما لو أوضح جميع الرأس و رأس الجاني أصغر، فإنا نستوفي القصاص في الموجود، و لا يلزمه بسبب الزيادة دية موضحة بكمالها، بل تقسط، و يلزمه منها ما قابل الزيادة حسب، و عن الكركي أنه استجوده، و من أنها موضحة كاملة برأسها، لأن الزيادة جناية و ليست من جنس الأصل شرعا، فإنه قصاص بخلاف مستوعب الرأس بالايضاح في المثال، فان هناك موضحة واحدة حقيقة و شرعا، فإنها بجميعها جناية كما عن المبسوط، و لعله لا يخلو من قوة.

و يؤخر استيفاء القصاص في الأطراف من شدة الحر و البرد إلى

ج 42، ص: 361

اعتدال النهار حذرا من السراية و لما سمعته في الحدود، بل الظاهر وجوب ذلك كما هو المستفاد من عبارة المصنف و غيرها، نعم الظاهر اختصاص ذلك في قصاص الطرف دون النفس المراد إزهاقها على كل حال، فما عن بعض من كون ذلك على الاستحباب كما عن آخر من عدم الفرق بين الطرف و النفس في ذلك كما ترى.

و لا يقتص إلا بحديدة حادة غير مسمومة و لا كالة مناسبة لاقتصاص مثله كالسكين و نحوها لا بالسيف و الكال و نحوهما.

و لو قلع عين انسان فهل له قلع عين الجاني بيده؟ الظاهر ذلك، لإطلاق الأدلة، بل لا أجد خلافا بيننا في أصل الجواز و إن قال المصنف الأولى انتزاعها بحديدة معوجة فإنه أسهل بل في القواعد الأقرب ذلك، لكنه ليس إشارة إلى خلاف كما اعترف به في كشف اللثام و غيره، نعم عن الشافعي في أحد قوليه عدم جواز القصاص إلا بحديدة، بل قد يكون القلع باليد أسهل من الحديدة، فيصير حينئذ أولى من الحديدة، و خصوصا مع فرض كون الجاني قلعها بيده، فإن المماثلة فيه حينئذ أتم.

نعم لو فرض أن الجاني قلعها بحديدة و فرض كونه أسهل كان الأولى مراعاة المماثلة و إن كان لو لم يراعها لم يستحق عليه تعزيرا و تأديبا، كما في كشف اللثام، و لعله لعدم الدليل على حرمته بعد أن لم يكن مثله، و قد أطلق «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ»(1)من دون اعتبار كيفية خاصة، و لكن لا يخلو من نظر مع فرض زيادة العقاب، فإنه إيلام غير مستحق يندرج في الظلم، بل الأولى للمجني عليه مراعاة الأسهل و إن جنى عليه بالأصعب، و لكن لو استوفاه بالأصعب المماثل لم يكن عليه شي ء، أما لو جنى عليه بالأسهل فاستوفاه بالأصعب كان عليه التعزير، و الله العالم.


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 362

و لو كانت مساحة الجراحة في المجني عليه تستوعب عضو الجاني و تزيد عليه لصغره لم يخرج في القصاص إلى العضو الآخر و لا يجرح ذلك العضو جرحا آخر كي يساوي الجناية بلا خلاف أجده فيه، للأصل بعد عدم صدق اسم القصاص عليه.

و حينئذ فمتى كان كذلك اقتصر في القصاص على ما يحتمله العضو، و في الزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح الدية فمع فرض كونه موضحة قد سرت مساحتها و قسطت الدية عليها، فإذا كان المتخلف ثلثا أو ربعا اعطي من دية الموضحة ذلك، و لو لم يكن للجرح دية مقدرة أعطي ما قابل المتخلف مما تقتضيه الحكومة في ديته و لو فرضه مملوكا و تقويمه صحيحا بغير جراحة ثم يقوم مجروحا بتلك الجراحة كلها ثم تقاس زيادة الجراحة بالنسبة إلى الجميع، فان كانت نصفها أخذ نصف الأرش و هكذا.

و يحتمل أن يقوم مجروحا بتلك الزيادة خاصة و يؤخذ جميع ما قابلها، بل لعل هذا أولى، ضرورة عدم اعتبار المستوفاة، و على كل حال فهو كمن قطع كفا كاملة و كانت كفه تنقص إصبعا مثلا اقتص منه و أخذ دية الإصبع.

فما عن بعض العامة من التخيير بين الدية أو الاقتصاص بلا رد كما يقتص لليد الكبيرة من اليد الصغيرة واضح الضعف، خصوصا بعد ما عرفت أن المساحة في الشجاج عندنا كالاسم في الأطراف، فلا يتحقق تمام القصاص بها إلا بمراعاة المساحة فيها بخلاف اليد مثلا الصادق تحقق القصاص فيها بقطعها صغيرة أو كبيرة، و لذا أطلق «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ»(1)مع شدة اختلافها صغرا و كبرا و غيرهما.


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 363

و من هنا لو كان المجني عليه صغير العضو بأن كان مساحة رأسه على النصف من رأس الجاني فاستوعبته الجناية لم يستوعب في المقتص منه و اقتصر على مقدار مساحة الجناية و إن كانت في المجني عليه في تمام الرأس و في الجاني في النصف و التخيير في ذلك من الرأس إلى المقتص أو الحاكم أو من حيث ابتداء الجاني وجوه.

و كذا العكس بأن كان نصف رأس المجني عليه مثلا يستوعب رأس الجاني و قد استوعبت الجراحة النصف فأريد القصاص استوعب رأس الجاني، لأنه مثله في المساحة و إن كانت في إحداهما في تمام الرأس و الأخرى في نصفه.

و حينئذ فلو أوضح جميع الرأس بأن سلخ الجلد و اللحم عن جملة الرأس فإن تساوى الرأسان في القدر فعل به ذلك، و إن كان الجاني أكبر شبح من رأسه بذلك القدر، و الخيار إلى المقتص في المقدم و المؤخر و الوسط، كما في القواعد، لعدم المرجح، و يحتمل التفويض إلى الحاكم أو الابتداء بما ابتدأ منه الجاني و اختاره في المسالك، و لعل الأقوى الأول، و لو كان أصغر استوفى القدر الموجود و غرم المفقود على حسب ما عرفته من التقسيط، و لو اختصت الجناية بجانب من الرأس اختص القصاص به.

نعم لو كان رأس الجاني صغيرا و كانت الجناية في المقدم مثلا ففي المسالك و كشف اللثام يمد الجرح في القصاص إلى المؤخر إن اقتضت المساواة في المساحة ذلك و بالعكس، لأن الرأس عضو واحد و إن اختص بعضه باسم، و يحتمل قويا الاقتصار على ما يسعه المقدم و غرامة الزائد على النسبة، و كون الرأس اسما للمجموع لا يقتضي التجاوز عن محل القصاص المعتبر عدمه في تحققه عرفا، فإنه المدار في ذلك، و الظاهر عدم تحققه في الفرض.

ج 42، ص: 364

نعم لو كانت الجناية مستوعبة لرأس المجني عليه لصغره كان له القصاص من أي جانب من رأس الجاني، فإن الجميع قصاص بالنسبة إليه لأن الفرض استيعابها رأس المجني عليه، فلا فرق بين المقدم و المؤخر.

و بالجملة فالمدار على الصدق عرفا و الاسم العام لذي الأجزاء المختلفة كالرأس و اليد و الرجل لا مدخلية له.

و أولى من ذلك خروج الوجه فلا تكمل جنايته من الرأس و لا العكس و إن كانت خيرة المصنف في الديات و محكي التحرير أنه مع الرأس عضو واحد، بل في

خبر الحسن بن صالح الثوري(1)«أن الوجه من الرأس»

لكن ذلك لا يقتضي ما عرفت.

و حينئذ فلو أوضح جبينه و رأسه بضربة واحدة فهما جنايتان، فله القصاص في إحداهما و الدية عن الأخرى، و كذا لو قطع الأذن فأوضح العظم المتصل بها.

و لو شجه في رأسه مثلا بضربة واحدة فأوضحه في بعضها خاصة فله دية الموضحة التي هي أبعد عمقا، إذ لا تتفاوت ديتها بتفاوتها طولا و قصرا، قيل: و ليست جنايتين ليكون له دية موضحة و دية أخرى لما دونها.

و قد يشكل بأنها كذلك و لو مع اتحاد الضربة، و لذا لو أراد القصاص استوفى في الموضحة و في الباقي مثله، بل قالوا: لو أوضحه اثنتين و بينهما حاضر متلاحم اقتص منه كذلك، و إن أخذ الدية أخذ دية موضحتين و متلاحمة، فتأمل، و الله العالم.

و لو قطعت أذن إنسان ف ألصقها المجني عليه بالدم الحار لم يسقط بذلك القصاص بلا خلاف أجده فيه إلا من الإسكافي، لوجود


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب ديات الشجاج و الجراح- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 365

المقتضى الذي لا دليل على عدم اقتضائه بالإلصاق الطاري، خصوصا مع عدم الإقرار عليه، فليس له حينئذ الامتناع حتى تزال كما عن المبسوط و المهذب لأن الأمر في إزالتها مع إمكانها إلى الحاكم أو من يتمكن من ذلك من باب النهي عن المنكر باعتبار كونها ميتة لا يجوز معها الصلاة، بل لو قلنا للجاني حق الإزالة باعتبار المساواة في الشين لم يكن له الامتناع من القصاص الذي تحقق مقتضية بذلك فما يظهر من بعض الناس من تفريع ذلك على القولين في غير محله.

و لو اقتص منه ثم ألصقها المجني عليه ففي المتن و النافع و محكي المقنعة كان للجاني إزالتها لتحقق المماثلة في الشين المستفادة من

حسن إسحاق بن عمار أو موثقه(1)عن أبي جعفر عن أبيه (عليهما السلام) الذي هو الأصل في المسألة قال: «إن رجلا قطع من بعض أذن الرجل شيئا فرفع ذلك إلى علي (عليه السلام) فأقاده فأخذ الآخر ما قطع من أذنه فرده على إذنه بدمه فالتحمت و برئت، فعاد الآخر إلى علي (عليه السلام) فاستقاده، فأمر بها فقطعت ثانية، و أمر بها فدفنت، و قال (عليه السلام): إنما يكون القصاص من أجل الشين».

و في محكي الخلاف «إذا قطع أذنه قطعت أذنه، فان أخذ الجاني أذنه فألصقها فالتصقت كان للمجنى عليه أن يطالب بقطعها و إبانتها، و قال الشافعي: ليس له ذلك، لكن وجب على الحاكم أن يجبره على قطعها، لأنه حامل نجاسته، و دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم».

و في محكي المبسوط «لو قال المجني عليه قد ألصق أذنه بعد أن


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1 عن جعفر عن أبيه عليهما السلام.

ج 42، ص: 366

ابنتها أزيلوها روى أصحابنا أنها تزال و لم يعللوا».

و في التنقيح «لا خلاف في جواز إزالتها، لكن اختلف في العلة، فقيل: ليتساويا في الشين، و قيل: لكونه ميتة، و يتفرع على الخلاف أنه لو لم يزلها الجاني و رضي بذلك كان للإمام إزالتها على القول الثاني، لكونه حامل نجاسة، فلا تصح الصلاة مع ذلك».

و لا يخفى عليك عدم المنافاة بين التعليلين بعد قضاء الأدلة بهما، و هي الخبر المزبور المعتضد بما عرفت المنجبر بالعمل كما في الرياض، و ما دل على نجاسة القطعة المبانة من حي و عدم جواز الصلاة بمثلها، و إن كان ولي المطالبة على الأول المجني عليه، و على الثاني غيره كباقي أفراد النهي عن المنكر، نعم قد يظهر من اقتصار بعض على إحداهما عدم النظر إلى الآخر.

و لعله لذا قال المصنف و قيل و القائل الحلي و الفاضل في التحرير على ما حكي عنهما لا يثبت له طلب الإزالة، بل إن كانت فهي للحاكم أو لمن يتمكن لأنها ميتة تمنع من صحة الصلاة.

و التحقيق الالتفات إليهما، فمع العضو يبقى حق النجاسة، و مع سقوط النجاسة إما لعدم انفصالها تماما فلا تكون مبانة من حي أو لحصول ضرر يسقط وجوب الإزالة بالنسبة إلى الصلاة دون غيرها يبقى حق المساواة في الشين، بل لا يكون حق غيره بناء على عدم جريان حكم الميتة عليها بعد التحامها و نفوذ الروح فيها، بل قد يمنع بطلان الصلاة بها لكونها كالمحمول. و على كل حال فذلك أمر خارج عما نحن فيه.

و كذا الحكم لو قطع بعضها شحمتها أو غيرها، ضرورة عدم الفرق بين الكل و البعض في جميع ما ذكرناه.

ج 42، ص: 367

بل و كذا لو قطعها أو بعضها فتعلقت بجلدة ثم ألصقها المجني عليه ثبت القصاص أيضا لأن المماثلة ممكنة فيندرج في جميع ما دل عليه، خلافا لما عن بعض العامة من عدم جواز المقاصة هنا لتعذر المماثلة و أنه لو ألصقها سقط القصاص و الدية عن الجاني، و يرجع الأمر إلى الحكومة، حتى لو قطع آخر الاذن بعد الالتصاق لزمه القصاص أو الدية الكاملة، و هو واضح الضعف.

نعم لا نجاسة هنا، لعدم الإبانة، و في طلب الإزالة مع فرض عدم الالتصاق في الجاني البحث السابق، فتأمل جيدا.

و لو جاء آخر فقطعها من ذلك الموضع بعد الالتحام ثبت القصاص، كما لو شجه آخر أو جرحه في موضع الشجة و الجرح بعد الاندمال، لعموم الأدلة، و ربما احتمل العدم، إذ ليس في عضو قصاصان، و هو واضح المنع.

و يثبت القصاص في العين بلا خلاف و لا إشكال و لو كان الجاني أعور خلقة أو بآفة سماوية أو بجناية، لعموم الأدلة و إن كان لو اقتص منه عمى، فان الحق أعماه

قال محمد بن قيس(1): «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أعور فقأ عين صحيح قال: تفقأ عينه، قال: قلت: يبقى أعمى، قال: الحق أعماه»

و في مرسلة أبان(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألت عن أعور فقأ عين صحيح متعمدا، قال: تفقأ عينه، قلت: فيكون أعمى، قال: الحق أعماه»

و السند منجبر بالاتفاق ظاهرا عليه، بل عن الخلاف إجماع الفرقة و أخبارها


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
2- 2 أشار إليه في الوسائل- الباب- 15- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1 و ذكره في الكافي ج 7 ص 321 و التهذيب ج 10 ص 276.

ج 42، ص: 368

عليه. و لا رد للأصل و ظاهر قوله تعالى(1)«الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» بل و الخبرين(2)و إن كان لو جنى عليه ابتداء كان له تمام الدية نصا(3)و فتوى.

أما لو قلع عينه الصحيحة أعور مثله اقتص منه من غير رد بلا خلاف و لا إشكال.

و لو قلعها ذو عينين اقتص له بعين واحدة إن شاء، و هل له مع ذلك نصف الدية؟ قيل كما عن المفيد و الحلي و الفاضل في التحرير:

لا رد و إن كنا لم نتحققه فيه و إن قال: فيه قوة، بل المحكي عن الأول منهم القول الآخر، فلعل له قولين ل لأصل و ظاهر نحو قوله تعالى(4)«وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ».

و قيل كما عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع و الإيضاح و غاية المراد و المقتصر و ظاهر المقنع و المهذب البارع، بل هو المحكي عن أبي علي و القاضي و الطبرسي و الصهرشتي، بل و عن المفيد و أبي الصلاح، بل عن المختلف نفي البأس به، بل مال إليه في النافع و حواشي الشهيد و الروض و الروضة و المفاتيح و الرياض على ما حكي عن بعضها- نعم تمسكا بالأحاديث الدالة على ذلك.

ك

صحيح محمد بن قيس(5)قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام):

قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أعور أصيبت عينه الصحيحة ففقئت أن تفقأ إحدى عيني صاحبه، و يعقل له نصف الدية، و إن شاء


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قصاص الطرف.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 45.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب ديات الأعضاء.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 2 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 369

أخذ دية كاملة و يعفى عن عين صاحبه».

و خبر عبد الله بن الحكم(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل صحيح فقأ عين رجل أعور، فقال: عليه الدية كاملة، فإن شاء الذي فقئت عينه أن يقتص من صاحبه، و يأخذ منه خمسة آلاف درهم فعل، لأن له الدية كاملة و قد أخذ نصفها بالقصاص»

و بهما يقطع الأصل و يخص العموم في قوله تعالى «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» لو كان و قلنا إنها مقررة في شرعنا.

مضافا إلى معلومية وجوب الدية تامة بعين الأعور خلقة أو بآفة من الله، بل نفى عنه الخلاف غير واحد، بل عن الخلاف و الغنية و المختلف و غاية المراد و التنقيح و المهذب البارع و الرياض الإجماع عليه، و هو الحجة بعد ما في حسنة الحلبي(2)و خبر أبي بصير(3) في عين الأعور الدية، فوسوسة الأردبيلي و من تأخر عنه في ذلك في غير محلها، و حينئذ تتجه له المطالبة بالنصف.

نعم لو كان قد ذهبت عينه بجناية جان لم يكن له إلا نصف الدية بلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، و عن ديات كشف اللثام أنه اتفاقي، و هو الحجة، مضافا إلى الاعتبار و إطلاق النصوص(4) أن في العين نصف الدية، و وضوح الفرق بين الخلقي و ما ألحق به المشابه للأنف و نحوه مما هو عضو واحد و بين المستوفي عوضها مثلا، و إطلاق النصوصمنزل على ذلك لما عرفت.

و على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا أن هذا لا الأول


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 4 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 1 من كتاب الديات و هو حسنة الحلبي.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 3 من كتاب الديات.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ديات الأعضاء من كتاب الديات.

ج 42، ص: 370

أولى من وجوه، بل يبعد القول بأن فيها الدية كاملة و إذا اقتص تجزؤه عين واحدة بلا رد.

و عن أبي علي تخيير الجاني(1)بين قلع عيني صاحبه و دفع خمسمائة دينار و قلع إحداهما و أخذ ذلك، و هو- مع شذوذه و عدم وضوح مستنده و مخالفته لظاهر النص السابق- غريب، فان العينين إما أن تساويا عينه فلا رد و إلا فلا قلع.

و نحوه ما في المسالك من أن «القول الأول لا يخلو من قوة، و الرواية تصلح شاهدا مؤيدا بوجوب الدية لهذه الجناية كاملة على تقدير الخطأ» ضرورة

صراحتها في القصاص، فمع فرض كونها صالحة دليلا فهي حجة فيه، و إلا فلا فيهما معا.

و فرق واضح بين الرد من الأنثى للاقتصاص من الذكر في الشي ء الواحد لا في الاثنين بواحد باعتبار أنها نصف الرجل و بين المقام، و لذا لو اقتص للرجل منها لم يكن له أزيد من الطرف الواحد بالآخر كما هو واضح.

ثم إن الظاهر كون التخيير للأعور بين آخذ الدية كاملة و بين القصاص بإحدى العينين و أخذ نصف الدية، كما صرح به غير واحد، بل قيل:

إنه المشهور بين المتقدمين حتى كاد أن يكون إجماعا منهم، بل عن الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجة بعد ظهور الخبرين(2)في ذلك الذي لا داعي إلى حمله على التراضي إلا ما سمعته في قصاص النفس من كون الواجب القود و أنه لا تجب الدية إلا صلحا الذي يمكن تخصيصه بما عرفت، بل قد يقال بذلك في مطلق قصاص الطرف، لتضمن كثير من نصوصه التخيير المزبور الذي لا داعي إلى حمله على صورة التراضي، فلاحظ و تأمل.


1- 1 هكذا في النسختين الأصليتين: المسودة و المبيضة، و الصحيح« تخيير المجني عليه».
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 2 و 4 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 371

و على كل حال فليس له قلع العينين بعينه قطعا نصا(1)و فتوى إلا ما سمعته من الإسكافي، كما أنه لا يقتضي ما ذكرناه هنا الرد عليه عند الاقتصاص منه، ضرورة وضوح الفرق بينهما بما

أشار إليه (عليه السلام) من أن «الحق أعماه»(2)

و لعله لكونه عاديا هناك لم يستحق شيئا بخلافه هنا فإنه معتدى عليه.

و لو قلع عينا عمياء قائمة فلا قصاص لها من عين صحيحة اتفاقا، لنقصها، و عليه ثلث ديتها أو الربع كما ستعرفه في محله إن شاء الله.

نعم لا فرق في ثبوت القصاص بين الصحيحة و الحولاء و العمشاء و الخفشاء و الجهراء و العشياء، فتقلع كل منهما (منها خ ل) بالأخرى، لكون التفاوت بينها بالنفع، إذ الحول إعوجاج، و العمش خلل في الأجفان يقتضي سيلان الدمع غالبا،

و الخفش عدم حدة في البصر بحيث يرى من بعد أو عدم البصر في الليل خاصة أو في يوم غيم أو فساد الأجفان أو صغر العين، و الجهر عدم البصر نهارا ضد العشاء الذي هو عدم البصر ليلا، فيندرج الجميع تحت قوله تعالى(3)«الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» كما هو واضح.

و لو جنى عليه ف أذهب ضوء العين دون الحدقة توصل في المماثلة بالطرف التي لا تقتضي تغريرا بعضو آخر أو بنفس أو بزيادة كالذر فيها بالكافور و نحوه.

و لعل منه ما قيل من أنه يطرح على الأجفان قطن مبلول لئلا تحترق الأجفان و يقابل بمرآة محماة مواجهة للشمس


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 2 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 372

حتى تذوب الناظرة و تبقى الحدقة و هي

رواية رفاعة(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن عثمان أتاه رجل من قبيس بمولى له قد لطم عينه فأنزل الماء فيها و هي قائمة ليس يبصر بها شيئا، فقال له: أعطيك الدية فأبى، قال: فأرسل بهما إلى علي (عليه السلام) و قال: احكم بين هذين، فأعطاه الدية فأبى، قال: فلم يزالوا يعطونه حتى أعطوه ديتين، فقال: ليس أريد إلا القصاص، قال: فدعا علي (عليه السلام) بمرآة فحماها، ثم دعا بكرسف فبله، ثم جعله على أشفار عينيه و على حواليها ثم استقبل بعينيه عين الشمس، قال: و جاء بالمرآة، و قال:

انظر فنظر، فذاب الشحم و بقيت عينه قائمة و ذهب البصر».

بل ربما استظهر من الشيخ و غيره تعيين الاستيفاء بذلك، بل لعل نسبة المصنف و الشهيد له إلى القيل مشعر بذلك، بل قيل: و في الخلاف «عليه إجماع الفرقة و أخبارهم» و في الروضة «القول باستيفائه على هذا الوجه هو المشهور» و إن كان هو واضح الضعف، ضرورة عدم دلالة في الخبر على التعيين على وجه يصلح مقيدا لإطلاق الأدلة بعد أن كان قضية في واقعة، و المحكي عن الشيخ في

المبسوط أنه قال: «يستوفى بما يمكن من حديدة حارة أو دواء يذر من كافور و غيره».

و على كل حال فالظاهر عدم المنافاة بين ما في العبارة و نحوها و بين ما في الخبر المزبور من مواجهة الجاني للمرآة المواجهة للشمس أو مواجهته أولا للشمس ثم يؤتى بالمرآة المحماة كما في الخبر، إذ من المعلوم كون المراد ما يستعمل الآن في الإحراق بالمنظرة المقابلة لقرص الشمس، و لكن إذا أريد السرعة في ذلك حمئت النظرة في النار ثم فتحت عين الجاني في مقابل عين الشمس ثم يجاء بالمنظرة الحارة و يقابل بها قرص الشمس


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1.

ج 42، ص: 373

لتستفيد حرارتها فتذيب شحمة العين و تبقى الحدقة، و لو فرض عدم التمكن إلا بإحراق الحدقة أو الأجفان سقط القصاص و انتقل إلى الدية، كما في نظائره.

و لو كانت عين المجني عليه شاخصة بيضاء و أمكن الاقتصاص منه بحيث يساويه في ذلك فعل و لو بعلاج بعد القصاص بما يورث العين بياضا و شخوصا، و لو لم يمكن العلاج فلا شي ء، ضرورة كونه حينئذ كاختلاف صورة شجة المقتص منه و المقتص بعد الاندمال في الحسن و القبح، و الله العالم.

و يثبت القصاص في الحاجبين و شعر الرأس و اللحية و الأهداب و نحوها، لعموم الأدلة، و عن التحرير القطع بذلك، إلا الأهداب فلم يتعرض لها، و عن حواشي الشهيد على القواعد المنقول أنه «لو جنى على اللحية و الرأس حتى أزال الشعر و الجلد فإنه يقتص فيهما، و إن لم يكن للجاني شعر اقتص منه في الجرح و أخذ منه الدية في الشعر، و إن جنى على الشعر خاصة كان في شعر الرأس الدية و كذا اللحية، و إن نبتت ثانيا فلا قصاص و فيه الأرش، و يثبت في بقية الشعر الأرش دون القصاص» إلى آخره.

و في القواعد «و يثبت القصاص في الأهداب و الأجفان أي مجتمعين و منفردين للعموم، و في شعر الرأس و اللحية و الحاجبين على إشكال ينشأ من أنه إن لم يفسد المنبت فالشعر يعود، و إن أفسده فالجناية على البشرة و الشعر تابع، أي فان كان إفساده بما يمكن الاقتصاص له اقتص، و هو قصاص للبشرة لا الشعر، و إلا تعينت دية الشعر على التفصيل الآتي في محله و أرش البشرة إن جرحت».

و لكن فيه أن ذلك بعينه جار في الأهداب، و عوده لا ينافي القصاص فيه،

ج 42، ص: 374

نعم في

خبر مسمع(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة، فإذا نبتت فثلث الدية»

و نحوه خبر السكوني(2).

و في مرسل علي بن خالد أو حديد(3)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له: الرجل يدخل الحمام فيصب عليه صاحب الحمام ماء حارا فيمتعط شعر رأسه فلا ينبت، قال: عليه الدية كاملة»

و نحوه خبر سليمان بن خالد(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا.

و في

خبر سلمة بن تمام(5)قال: «إهراق رجل قدرا فيها مرق على رأس رجل فذهب شعره فاختصموا في ذلك إلى علي (عليه السلام) فأجله سنة، فجاء فلم ينبت شعره فقضى عليه بالدية»

و ظاهرها و لو بترك الاستفصال ثبوت الدية في الشعر على كل حال، و لعله لعدم التمكن من المماثلة فالمتجه كون المدار على ذلك.

ثم المراد من الحاجبين في المتن الشعر النابت على العظم، و لذا لم يقل شعر الحاجبين لكن في القاموس الحاجبان: العظمان فوق العينين بلحمهما و شعرهما، أو الحاجب الشعر النابت على العظم، و كلامهم في الديات يعطي إرادة نفس الشعر من الحاجبين. و كيف كان فالحكم فيهما واضح.


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 أشار إليه في الوسائل- الباب- 37- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 1 من كتاب الديات و ذكره في الفقيه ج 4 ص 112.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 2 من كتاب الديات.
4- 4 أشار إليه في الوسائل- الباب- 37- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 2 و ذكره في الفقيه ج 4 ص 111 و التهذيب ج 10 ص 250.
5- 5 الوسائل- الباب- 37- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 3 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 375

نعم لو كان حاجب المجني عليه لا شعر فيه و أريد القصاص فيه من الجاني الذي على حاجبه شعر أشكل الحال فيه باعتبار اقتصاص القصاص التغرير بالشعر الذي هو كالعضو الآخر، و لذا يثبت له دية مستقلة.

و كذا الكلام في الأجفان التي لا إشكال في ثبوت القصاص فيها مع التساوي للعموم.

أما لو خلت أجفان المجني عليه عن الأهداب ففي القواعد في القصاص إشكال، قيل: من تبعيتها للأجفان كالنابت على الأيدي من الشعور فيقتص كما يقتص من اليد الشعراء، و كما يقتص للمرأة من الرجل نفسا و طرفا، و هو كما ترى، ضرورة وضوح الفرق بين ذلك و بين الفرض، و ذلك أن لها وحدها دية، فهي كعضو برأسه، و سيأتي الكلام في أن فيها الدية أو الأرش، و في أن فيها شيئا إذا كانت مع الأجفان أو لا، و على كل حال فإن أوجبناه رجع الجاني بالتفاوت دية أو أرشا تحرزا من الظلم، و لكن قد عرفت أن المتجه سقوط القصاص، للتغرير بغير المجني عليه، و نحوه يجري في الحاجب.

و على كل حال فان نبت الشعر المجني عليه قبل الاستيفاء فلا قصاص كما في القواعد، و لعله لخوف أن لا ينبت، و إلا فلا بعد في القصاص فيه، و على تقدير عدم القصاص فالأرش، و الله العالم.

و يثبت القصاص أيضا في قطع الذكر بلا خلاف، بل في كشف اللثام و محكي التحرير الإجماع عليه، لعموم الأدلة.

و يتساوى في ذلك له أيضا ذكر الشاب و لو رضيعا و الشيخ و الصبي و البالغ و الفحل و الذي سلت خصيتاه إذا لم يؤد إلى شلل فيه، كما عن الخلاف و السرائر و الأغلف و المختون بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل و لا من غيرنا إلا من مالك،

ج 42، ص: 376

فلم يثبت القود بين الفحل و مسلول الخصيين، لأنه لا منفعة فيه، و فيه أن ذلك نقص في الماء لا فيه، فيندرج في العموم بعد الاشتراك في الاسم و الخلقة و السلامة.

نعم لا يقاد الصحيح بذكر العنين كما صرح به الفاضل و ثاني الشهيدين و غيرهما، و لعله لكون العنن من الشلل أو بحكمه المانع من القصاص، كما سمعته في اليد المحمولة على المثال.

لكن في

خبر السكوني(1)«في ذكر العنين الدية»

و هو مشعر بالمساواة و فيه أنه أعم، فإن المجنون لا يقتل بالعاقل، مع أن في قتله الدية، مع أن المشهور كما قيل على أنه يثبت بقطعه ثلث الدية بل عن الخلاف إجماع الفرقة و أخبارها عليه، و يأتي إن شاء الله تمام الكلام فيه، فالخبر حينئذ غير معمول به.

و لكن يقطع بالصحيح كما سمعته في اليد، و في التفاوت ما عرفت، و لا يقطع الصحيح بالمشلول بلا خلاف.

و المراد به أن يكون منقبضا لا ينبسط و لو في الماء الحار، أو منبسطا لا ينقبض و لو في الماء البارد، و إن التذ صاحبه و أمنى بالمساحقة و أولد، و هو معنى ما في محكي المبسوط من أنه قد استرسل فلا ينتشر و لا يقوم و لا ينقبض و لا ينبسط كالخرقة.

و يقطع الأشل بالأشل و بالصحيح إلا إذا خيف منه عدم الانحسام على حسب ما سمعته في اليد.

و يثبت القصاص أيضا ببعضه كالكل، لعموم الأدلة. و الظاهر أن الحشفة عضو برأسها، فتقطع بمثلها، صغرت أو كبرت، و في بعضها على النسبة إن نصفا فنصف و هكذا كغيرها من أصل الذكر، إذ لا عبرة


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 2 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 377

بالمساحة هنا، و إلا لأفضت إلى قطع جميع القصير ببعض الطويل.

و كذا يثبت في الخصيين القصاص بلا خلاف بل و لا إشكال للعموم، بل و كذا في إحداهما مع التساوي في المحل إلا أن يخشى ذهاب منفعة الأخرى فلا يجوز بلا خلاف أجده فيه أيضا بل و لا إشكال للتغرير الذي سمعته سابقا فتؤخذ ديتها

حينئذ أما مع عدم الخشية فلا بأس بالقصاص لما عرفت، سواء كان المجني عليه صحيح الذكر أو عنينا، لثبوت أصل المماثلة و إن كان النقص في عضو آخر، و دعوى أن منشأ العنانة في الأنثيين لم نتحققها، على أن قطعهما لا يبطل من الذكر سوى الإيلاد و قد أبطله الجاني من المجني عليه أيضا، نعم لو خيف منه على الذكر الشلل أو التعنن و لم يحصل ذلك في المجني عليه بل كان كذلك أو بقي على الصحة فالدية.

و لو قطع الذكر و الخصيتين اقتص له سواء قطعهما دفعة أو على التعاقب، بدأ بالذكر أو الخصيتين، أدى قطع الخصيين إلى تعنن أو شلل في الذكر أو لا، فلا يتوهم أنه إن قطع الأنثيين فشل الذكر ثم قطع الذكر لم يقتص له من ذكره الصحيح، لأن الشلل إنما جاء من جنايته، و في كشف اللثام «نعم إن كان أدى دية شلله استردها، و عن بعض العامة أنه إذا قطع الخصيان أولا لم يكن في الذكر إلا الحكومة، لأنهما إذا قطعتا ذهبت منفعته، إذ لا يخلق الولد من مائه» و هو كما ترى، و الله العالم.

و يثبت القصاص أيضا في الشفرين كما يثبت في الشفتين بلا خلاف أجده فيه بيننا، للعموم نعم عن بعض العامة عدمه بناء على أنهما لحم ليس له حد ينتهي إليه كالأليتين و لحم العضد و الفخذ، و هو واضح الفساد، لظهور حدهما عرفا، فان المراد بهما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم.

ج 42، ص: 378

و لا فرق في ثبوت القصاص بين البكر و الثيب و الصغيرة و الكبيرة و الصحيحة و الرتقاء و القرناء و العقلاء و المختونة و غيرها و المفضاء و السليمة، لعدم التفاوت فيهما، فإن البكارة و الرتق و الإفضاء و أضدادها إنما تتعلق بالباطن، و الختن إنما يكون فوق الفرج في الهيئة الشبيهة بعرف الديك.

و لو أزالت بكر بكارة أخرى بإصبعها اقتص منها مع إمكان المساواة و إلا فالدية، و عن الفخر و الشهيد إطلاق تعينها، و لعله للتغرير باعتبار عدم إدراكها بالبصر لأنها من البواطن.

نعم و لو كان الجاني على الامرأة رجلا فلا قصاص عليه كالعكس لو قطعت الذكر أو الخصيين بلا خلاف أجده فيه، لعدم المحل و لكن عليه ديتها و عليها ديته.

نعم في رواية عبد الرحمن بن سيابة(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) إن لم يؤد ديتها قطعت لها فرجه

قال: «إن في كتاب علي (عليه السلام) لو أن رجلا قطع فرج امرأة لأغرمنه لها ديتها، فان لم يؤد إليها ديتها قطعت لها فرجه»

و هي متروكة هنا كما في كشف اللثام و إن لم يكن في سندها من يتوقف فيه إلا عبد الرحمن، و عن البلغة أنه ممدوح، بل عن تعليق الإغارة أنه يروي عنه الأجلاء، و أنه مقبول الرواية، و أنه هو الذي أمره الصادق (عليه السلام) بتفريق المال في عيال من أصيب مع زيد(2)و ما رواه الكشي(3)عنه فلعله كان في أول حاله، على أنه قابل للتوجيه، و طريقه غير صحيح.

و لو كان المجني عليه خنثى فان تبين أنه ذكر فجنى عليه رجل


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.
2- 2 رجال الكشي ص 287- الرقم 169- 171 و أمالي الصدوق- المجلس 54- الحديث 13.
3- 3 رجال الكشي ص 334- الرقم 253.

ج 42، ص: 379

كان في ذكره و أنثييه القصاص، و في الشفرين الحكومة بلا خلاف و لا إشكال للعمومات في الأول، و لكون الشفرين حينئذ لحما زائدا و لو كان الجاني على المزبور امرأة كان في المذاكير الدية لعدم المحل و في الشفرين الحكومة أيضا لأنهما كما عرفت ليسا أصلا فيه، بل هو لحم زائد، إذ الفرض تبين كونه ذكرا.

و لو تبين أنه امرأة فلا قصاص على الرجل فيهما معا، لعدم المحل و لكن عليه في الشفرين ديتهما كغيرها من النساء و في المذاكير الحكومة بلا خلاف و (11) لا إشكال، لأنها حينئذ فيها لحم زائد.

نعم لو جنت عليه امرأة كان في الشفرين القصاص (12) لعموم الأدلة و في المذاكير الحكومة (13) بلا خلاف و لا إشكال.

و لو كان الجاني خنثى مشكلا أيضا لم يكن له قصاص إلا مع العلم بحالهما، لاحتمال المخالفة، و أصل البراءة، و الشبهة، و عدم صدق الذكر بالذكر مثلا بعد

اشتباه الحال و (14) عموم «وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ»(1)بعد العلم بإرادة قصاصها على الوجه المزبور غير مجد، كما هو واضح.

نعم لو لم يصبر حتى يستبان حاله فان طالب بالقصاص لم يكن له (15) سواء كان من مثله أو من معلوم الذكورة أو الأنوثة و كذا لو طلب الذكر أو الأنثى القصاص منه قبل ظهور حاله ل (16) اشتراط المماثلة و لم تعلم مع تحقق الاحتمال و (17) قبل ظهور الحال.

نعم لو طالب بالدية أعطي اليقين، و هو (18) مقدار دية الشفرين (19) أو الذكر أو الخصيتين، لأن له دية نفس على كل حال و (20) حينئذ ف لو تبين بعد ذلك أنه رجل أكمل له دية الذكر و الأنثيين و الحكومة في الشفرين (21) فان ذلك هو المستحق له، و قد وصل


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 380

إليه من ديته، فيبقى له دية أخرى و حكومة في الشفرين أو تبين أنه أنثى كان له ما أخذه من الدية و أعطى الحكومة في الباقي الذي هو الذكر و الخصيتان كما هو واضح.

و لو قال: أطالب بدية عضو من الثلاثة مع بقاء القصاص في الباقي لم يكن له لأن أحد الثلاثة زائد قطعا لا قصاص فيه و لا دية، فلا يتم له الجمع بين الدية و القصاص في الثلاثة نعم لو طالب بالحكومة لعضو مع بقاء القصاص في غيره صح لأن ذلك له في الواقع فطالب ما هو حق له و لكن يعطي أقل الحكومتين على تقدير كون المذاكير زائدة أو كون الشفرين زائدين، فأقل الأمرين ثابت على كل تقدير، فإذا أخر القصاص إلى أن يتبين الحال فظهر ذكرا و كان أقل الحكومتين النقص بالشفرين اقتص بالمذاكير، و إن كان أقلهما نقص المذاكير أكمل له حكومة الشفرين و اقتص في المذاكير، و على هذا القياس لو ظهر أنثى.

و يحتمل أن يريد المصنف بالعضو مجموع المذاكير أي الذكر و الخصيان و مجموع الشفرين، و عدم إجابته حينئذ لو طلب الدية في أحدهما معينا له و القصاص في الآخر للتناقض، فإنه إنما يستحق دية عضو له فيه القصاص، و إذا استحقه في عضو لم يستحقه في الباقي، و لما لم يعف عن الباقي المعين احتمل ظهور أصالته فيه فيستحق القصاص فيه فلا يستحق دية الآخر، نعم إن ظهرت

أصالة ما أخذ ديته لغا استيفاؤه القصاص في الباقي، و كانت له الحكومة فيه إلا أن يوجد في الجاني مثله.

و لو قال: أطلب حكومة في عضو مع القصاص في الباقي أجيب إليه، و أعطي أقل الحكومتين، لموافقته الواقع، فإنه يستحق القصاص في أحدهما و الحكومة في الآخر، لكن إن ظهرت أصالة ما أخذ حكومته

ج 42، ص: 381

التي هي الأقل اقتص له فيه، و حبست الحكومة للآخر و أكملت أو أكملت الحكومة دية لذلك العضو.

و عن العامة قول بأنه لا يعطى حكومة للجهل، و آخر بأنه يعطى حكومة ما قطع منه أخيرا، لأن القيمة بعد الجناية أقل منها قبلها، و الأصح ما ذكرناه.

و إن بقي الاشكال و آيس من الوضوح لم يقتص له في عضو، و كان له نصف دية كل عضو و الحكومة في نصفه مراعاة للاحتمالين، كما صرح به هنا في كشف اللثام، و له نظائر فيها و في غيرها، و لكنه لا يخلو من بحث.

هذا و في القواعد و محكي المبسوط أنه لا قصاص في الأليتين، لتعذر المماثلة، إذ لا ينفردان عن سائر الأعضاء بمفصل و نحوه، و لذلك لا يجري في أبعاضهما أيضا و لكن عن التحرير الثبوت فيهما، و يناسبه ثبوت الدية فيهما و نصفها في إحداهما كما سيأتي، و عدم الانفصال ممنوع، فإنهما ناتيان عن استواء الفخذ و الظهر، و لعله الأقوى، و الله العالم.

و يقطع العضو الصحيح بالمجذوم إذا لم يسقط منه شي ء لعموم الأدلة المقتصر في تخصيصها على خصوص الشلل، و في محكي الوسيلة و التحرير أن ذكر المجذوم إذا لم يسقط منه شي ء يساوي المقابل، و نحوه في الإرشاد و مجمع البرهان.

لكن في القواعد و شرحها للاصبهاني «و لا يقطع العضو الصحيح بالمجذوم و إن لم يسقط منه شي ء، فإنه معرض له، و يقطع المجذوم بالصحيح و لا يضم إليه أرش، و لا يشترط تساوي خلقه اليد و منافعها و في سائر العلل من البرص و نحوه و الصحة فيها، لعموم الأدلة و الفتاوى».

و فيه أن ذلك يقتضي قطع الصحيح بالمجذوم، ضرورة عدم دليل

ج 42، ص: 382

يخصه بعد أن لم يكن داخلا في الشلل، بل لعله كذلك و إن سقط منه شي ء لا يخرجه عن اسم اليد الكاملة، و دعوى عدم صدق الاعتداء و العقاب بالمثل- مع منعها- تقتضي السلامة من سائر الأمراض، و هو معلوم العدم، و لو سلم فالمتجه- بناء على ما سمعته في خبر الحسن بن الحريش(1)المشتمل على قضية ابن عباس- قطع الصحيح به و دفع التفاوت لو كان لا عدم القصاص به، فلاحظ و تأمل، فإن كلامهم لا يخلو في المقام من اضطراب في الجملة، لكنه متفق بالنسبة إلى قطع المجذوم بمثله و بالصحيح، نعم هو كذلك بالنسبة إلى قطع الصحيح بالمجذوم الذي قد سمعت ما في القواعد و شرحها، و ستسمع ما في كشف اللثام في الأنف.

و كذا يقطع الأنف الشام بالعادم له كما يقطع الأذن الصحيحة بالصماء بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة كون الخلل في الشم و السمع إنما هو في الدماغ و الصماخ و نحوهما لا في نفس العضو، و يستوي في ذلك الأقنى و الأفطس و الكبير و الصغير للتساوي، بل في كشف اللثام «و يستوي الصحيح و العليل، فيقتص من الصحيح للجذوم ما لم يتناثر منه شي ء، فان تناثر بعضه ثبت القصاص بالنسبة إلى الباقي» و هو مناف لما سمعته منه سابقا، مع أن في إطلاقه القصاص في الباقي الشامل لما إذا ذهب طرفه بحثا.

و في قطع الصحيح بالمستحشف من الأنف و الاذن إشكال كما في القواعد، لكن قد يقوى العدم بناء على أنه شلل، فيجري عليه الحكم السابق في اليد، و عن حواشي الشهيد المنقول عدم القصاص، بل عن ظاهر ديات المبسوط الإجماع على أنه يجب على قاطعها ثلث الدية، و عن الخلاف الإجماع و الأخبار على أنه لو ضربها فاستحشفت كان عليه ثلثا


1- 1 راجع ص 350.

ج 42، ص: 383

ديتها، و عن المحقق الثاني عدم القصاص في الأنف المستحشف.

و يجرى القصاص في المارن كله أو بعضه، كما صرح به في القواعد و غيرها، لانفصاله عن القصبة انفصال الكف عن الساعد، إذ المراد به ما لان من الأنف

ثم قال في القواعد: «و لو قطع معه القصبة فإشكال، من حيث انفراده عن غيره، فأمكن استيفاؤه قصاصا، و من أنه ليس له مفصل معلوم» و عن المبسوط أن القصاص في المارن أو كمال الدية، و الحكومة في القصبة، و مال إليه أو قال به في كشف اللثام، بل عن الكركي اختياره، و عن حواشي الشهيد أنه المنقول.

و لعل الأقوى القصاص في الجميع فضلا عن المارن خاصة، لإمكان المماثلة عرفا، و لعله لذا جزم به في محكي التحرير، بل لعل الاشكال فيه في القواعد مناف لما جزم به من ثبوت القصاص في المارن، نعم لو قطع بعض القصبة لم يكن له القصاص إلا في المارن، لعدم الفصل فيها، و كونها من العظام التي لا قصاص في كسرها، فتتعين الحكومة فيها حينئذ.

و لو قطع المارن شخص فقطع القصبة آخر لأنفه مارن ففي كشف اللثام لم يقتص منه، كما لا يقتص من ذي أصابع قطع كفا بلا أصابع، و فيه البحث السابق الذي سمعته في خبر الحسن بن الجريش(1)المشتمل على قضية ابن عباس.

و لو قطعها فاقد المارن ففي القواعد و كشف اللثام احتمل القصاص للانفراد عن الغير و عدمه، لعدم المفصل، و قد عرفت أن الأقوى القصاص.

و لو قطع بعض الأنف و عن المبسوط بعض مارنه نسبنا


1- 1 راجع ص 350.

ج 42، ص: 384

المقطوع إلى أصله على وجه يعلم أنه نصف أو ثلث و هكذا ثم أخذنا من الجاني بحسابه أي ما نسبته إلى أنفه أو مارنه نسبة المقطوع من أنف المجني عليه إلى أنفه أو مارنه، و لم يؤخذ من الجاني ما يساوي في المساحة المقطوع من المجني عليه لئلا يستوعب أنف الجاني بتقدير أن يكون صغيرا و أنف المجني عليه كبيرا، فالنصف من أنف الجاني أو مارنه بالنصف من ذلك من المجني عليه ساواه في المساحة أو زاد أو نقص، و الثلث بالثلث. و بالجملة لا يراعى المساحة بين الأنفين حتى يقتص بقدر ما قطع و إن كان تمام الآخر، بل إنما يراعى

النسبة، كذا ذكره من تعرض لذلك كالشيخ و الفاضل و ثاني الشهيدين و الأصبهاني.

و لكنه لا يخلو من بحث، ضرورة اقتضائه قطع القليل بالكثير و بالعكس، بل لعله مناف لما سمعته سابقا في الشجاج من أنه لو كان رأس الشاج صغيرا استوعبناه و أخذنا أرش الزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح، بل و مناف لما سمعته من كون المدار على الاسم في الأطراف و المساحة في الشجاج، ضرورة خروج الفرض عنهما، فإنه لا اسم و لا مساحة، اللهم إلا أن يدعى استفادة النسبة المزبورة مما ورد من قوله تعالى(1):

«الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ» مثلا، و لكنه كما ترى، أو يدعى صدق القصاص بذلك عرفا، و لعل الأولى فيه التقاص بما يمكن منه عرفا و الرجوع في غيره إلى الدية، و الله العالم.

و كذا يثبت القصاص في أحد المنخرين بلا خلاف أجده بين من تعرض له مع تساوي المحل يمينا و شمالا، لعموم الأدلة الشامل لذلك، لأن له حدا ينتهى إليه، فهو كأحد الأصابع.


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 385

و كذا يثبت في الحاجز بينهما كما صرح به بعضهم، و هو المسمى بالروثة، أو بالوترة، و أن الروثة هي الأربية، أي طرف الأنف.

و كذا البحث في الأذن التي لا خلاف في القصاص فيها مضافا إلى الكتاب(1)و السنة(2)و الإجماع بقسميه و يستوي في ذلك الصغير و الكبير كسائر الأعضاء، بل تؤخذ الصحيحة بالمثقوبة ثقبا يعد كمالا لا نقصا.

نعم لو كان بحيث صار نقصا فكالخرم الذي أشار إليه المصنف بقوله:

و هل تؤخذ الصحيحة بالمخرومة؟ قيل كما عن الشيخ و ابن حمزة لا تؤخذ بها، لأنه ظلم و لكن يقتص إلى حد الخرم و الحكومة في ما بقي و تبعهما الفاضل و ثاني الشهيدين، و ربما احتمل بعض الناس الانتقال إلى الدية.

و كذا الكلام في المنقوبة نقبا يلحق بالخرم و المقطوع بعضها إلا أنه لو قيل: يقتص إذا رد دية الخرم كان حسنا و في كشف اللثام هو أشبه، لعموم «الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ»(3).

قلت: مضافا إلى ما سمعته سابقا في خبر الحسن بن الجريش(4)المشتمل على قضية ابن عباس، و حينئذ فالمتجه جريانه في جميع أمثال ذلك كما أشرنا إليه سابقا، إلا أن حملة من كلام الأصحاب ينافي ذلك في كثير من الأفراد، بل يمكن دعوى الإجماع منهم على خلافه، و من ذلك يعلم عدم خلو كلامهم عن الاضطراب، فلاحظ و تأمل.

و (11) كذا يثبت في السن القصاص (12) في الجملة كتابا(5)


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب قصاص الطرف و المستدرك- الباب- 9- منها- الحديث 3.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 45.
4- 4 المتقدم في ص 338. راجع التعليقة في ص 337.
5- 5 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 386

و سنة(1)و إجماعا بقسميه، و المراد به العظم المعروف، ثمان و عشرون واحدا: اثنتا عشر في مقاديم الفم: ثنيتان من فوق، و هما وسطها، و رباعيتان خلفهما، و نابان خلفهما، و مثلها من أسفل، و المآخير ستة عشر:

و هي في كل جانب ضاحك، و ثلاثة أضراس، و مثلها من أسفل، فتكون المآخير اثنتا عشر رحى و أربع ضواحك، و زاد الشافعي أضراس العقل، و هي النواجد أربعة، فتكون اثنين و ثلاثين، لكنه ليست غالبة في العادة.

و على كل حال فان كانت المقلوعة سن مثغر و هو من سقط سنه من أصله الذي يكون مدفونا في اللحم- وجب القصاص بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة اندراجه بعدم اعتياد عوده في ما دل على ذلك كتابا(2)و سنة(3)و إجماعا بقسميه، بل الظاهر ثبوته في كسر الظاهر منه و إن كان لا قصاص في كسر غيره من العظام، لعدم إمكان المماثلة، إلا أنه لما كان مشاهدا من أكثر جوانبه أمكن حصول المماثلة فيه، نعم لا يضرب بما يكسره، لإمكان التفاوت بين الضربين و أداء هذا الضرب إلى انقلاع الأصل أو ضعفه، و لكن يقطع بآلة حادة على وجه لا يحصل ذلك، فإن لأهل الصنعة آلات صالحة لذلك، بل و كذا لو كسر البعض.

و لو حكم أهل الخبرة بعوده لم يقتص إلى أن تمضي مدة يحصل معها اليأس كما صرح به جماعة، بل عن ظاهر المبسوط و غاية المراد عدم الخلاف فيه، فان لم تعد ثبت القصاص حينئذ.

و إن لم يحكم أهل الخبرة أو حكموا بعدم العود استوفى الحق، فان لم يعد فلا كلام و إن عادت قبل القصاص بعد اليأس أو قبله ناقصة أو متغيرة كان فيها الحكومة كما صرح به جماعة


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 4.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 45.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 4.

ج 42، ص: 387

و هي الأرش أي تفاوت ما بين قيمته بسن تامة لو فرض عبدا و بها متغيرة في الدية كما عن بعض، أو تفاوت ما بين كونه مقلوع السن مدة ثم تنبت متغيرة و بين كونه بسن في تلك المدة و بعدها غير متغيرة كما في غاية المراد، و تبعه في المسالك و غيرها، لأنه نقص حصل في تلك المدة، و لأنه لو لا اعتباره لم يمكن توجه الأرش إذا عادت كهيئتها، فإن ذلك الأرش لا يمكن إلا بأن يفرض عبدا مقلوع السن مدة ثم يعود و غير مقلوعها أصلا.

قلت: مقتضى ذلك عدم الأرش مع فرض عدم التفاوت، فلا يترتب عليه إلا التعزير، بل و مع التفاوت في وجه ستعرفه.

و على كل حال فمما ذكرنا يظهر لك الحكم إن عادت كما كانت ف انه لا قصاص و لا دية بلا خلاف محقق أجده فيه، للأصل و غيره.

نعم في المتن و لو قيل بالأرش كان حسنا و تبعه من تأخر عنه منهم الشهيد في غاية المراد قال: «و التحقيق أن يقوم مقلوعها مدة و غير مقلوعها أصلا، و إنما كان ذلك هو الوجه، لأنه نقص دخل على المجني عليه بسبب الجاني، فلا يهدر للحديث(1)و لزوم الظلم، و عود السن نافى القصاص أو الدية لا ذلك النقص، لاستحالة إعادة المعدوم، و هو فتوى الخلاف محتجا بالإجماع، لكنه فرضه في الصغير، و في المبسوط و قيل: لا أرش، لعودها كما كانت، و ربما ظن أنه لابن البراج، و يشكل بأنه نفى أن يكون فيها قصاص و دية، و هما لا يستلزمان نفي الأرش، على أنه (رحمه الله) تابع الشيخ، فإنه حكم في المبسوط أنه لا قصاص و لا دية ثم قوى وجوب الأرش عقيبه بلا فصل، و جعله أرش ذلك الجرح الحاصل بالقلع، و في الديات لم ينفهما و لم


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.

ج 42، ص: 388

يثبتهما و أوجب الأرش».

قلت: لعل المتجه في ذلك عدم ترتب غير التعزير مع فرض عدم التفاوت و معه أيضا، للأصل و عدم كون الحر مالا بدخله النقص في مثل ذلك، و كون العبد أصلا له في ما ليس له مقدر إنما هو في الجراحات، و ليس ذلك منها، بل لا يبعد عدم ضمان مثل ذلك في العبد إذا لم يكن غاصبا، إذ هي كما لو جنى عليه بما يقتضي فقد الصحة مدة ثم عادت، و كونه ظلما لا يقتضي غرامة مال، بل يكفي فيه التعزير.

نعم لو قلنا بأن عود السن المتجددة هبة جديدة من الله تعالى اتجه حينئذ ثبوت القصاص لا الأرش، إلا أنى لم أجده لأحد من أصحابنا اللهم إلا أن يكون مستفادا مما تسمعه في الصغير من النص و الفتوى بثبوت الأرش في سنة و إن عاد، بناء على عدم الفرق بينهما و إلا فلا وجه لثبوته و إن قال في المسالك تبعا لما في غاية المراد: «و في المسألة وجه ثالث بعدم سقوط القصاص معه، لأنه لم تجر العادة بإنبات سن المثغر، و ما اتفق نعمة و هبة جديدة من الله تعالى، فلا يسقط حقه به على الجاني، و على هذا فلا ينتظر، و لا يعرض على أهل الخبرة، و يناسب هذا الوجه ما سيأتي في دية الأسنان من حكم المصنف بأن سن المثغر إذا عادت بعد أخذ ديتها لم تستعد الدية، محتجا بأن الثانية غير الأولى، و هو يخالف ما حكم به هنا، و كذا صنع في القواعد».

قلت: لعل هذا من جملة الاضطراب الواقع لهم في المسألة، و التحقيق عدم القصاص و الدية مع عودها كاملة، سواء حكم بها أهل الخبرة أو لم يحكموا، و سواء كان عودها بعد اليأس أو قبله، للأصل و فحوى ما ثبت في سن غير المثغر العائدة كالأولى فإن الإجماع على عدم القصاص و الدية،

ج 42، ص: 389

بل هو إما الأرش أو التعزير كما ستعرف الكلام فيه مع القطع بأنها غير الأولى، و ليس ذلك إلا لأن العود مسقط لهما من غير فرق بين كونه عاديا أو غير عادي، فإن غير المعتاد بعد حصوله يكون كالمعتاد في الحكم، و من هنا ثبت القصاص في سن غير المثغر إذا اتفق تخلف العادة عن عوده، و لا أقل من الشك في ثبوت القصاص و الدية في المفروض، و الأصل البراءة.

نعم يتجه استعادة الدية لو كان قد أخذها كما عن المهذب، بل يتجه غرامة الدية للجاني لو كان قد اقتص منه، لظهور بطلان الاستيفاء المزبور إلا إذا عادت أيضا سن الجاني كما كانت، فلا غرامة، فما عن الشيخ و الفاضلين من عدم غرامة الدية في غير محله، و أولى من ذلك رد الدية لو كان قد أخذها منه و لم يقتص منه، و دعوى أن العائد هبة جديدة من الله تعالى تفسد جملة من الأحكام السابقة كما أشرنا إليه سابقا، و حينئذ فلو جنى عليه الجاني الأول و قلعها جديدا كان عليه ديتها، إذ لا مثل لها فيه، لأن الفرض الاقتصاص سابقا.

و في القواعد «و لو عاد سن المجني عليه بعد القصاص فقلعه الجاني ثانيا فان قلنا: إنه هبة فعليه ديتها، إذ لا مثل لها فيه، و إن قلنا: إنه بدل فالمقلوعة كسن طفل، لكل منهما دية على صاحبه و يتقاصان، و على الجاني حكومة» و نحوه عن المبسوط، لكنه كما ترى مجرد زبد لا حاصل له، و التحقيق ما عرفت من كونها بدلا، فيتجه حينئذ ما ذكره أخيرا إلا إذا نبت للجاني أيضا فيتجه فيه القصاص الوجود المماثل، هذا كله في سن المثغر.

أما سن الصبي الذي لم يثغر ف لا خلاف في أنه ينتظر بها، فان عادت ففيها الحكومة بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل عن الخلاف و السرائر الإجماع عليه، و

قال أحدهما (عليهما السلام)

ج 42، ص: 390

في مرسل جميل(1): «في سن الصبي يضربها الرجل فتسقط ثم تنبت، قال: ليس عليه قصاص، و عليه الأرش».

و المراد بها كما عن جماعة تفاوت ما بين كونه فاقد السن زمن ذهابها و واجدها لو كان عبدا.

لكن عن المبسوط أن المراد بها حكومة الجرح و إسالة الدم، قال:

«و إن عادت كما كانت فيه من غير تغيير و لا نقصان فلا دية فيها و لا قصاص، فأما إسالة الدم فان كان عن جرح في غير مغرزها و هو اللحم الذي حول السن و محيط بها ففيه حكومة، لأنه جناية على محل السن، و إن كان الدم في غير مغرزها قال قوم: فيه حكومة، و قال آخرون:

لا حكومة فيها و لا شي ء عليه، و الأول أقوى، و من قال بالثاني قال لأنه لم يجرح محل الدم، فهو كما لو لطمه فرعف، فإنه لا حكومة».

قلت: هو قريب مما ذكرناه سابقا إلا أن المتجه هنا- لإطلاق النص و الفتوى- ثبوته مع فرض تحققه لو كان المجني عليه عبدا، أما مع فرض عدمه فيتجه عدم ثبوت غير التعزير عليه، و الله العالم.

و كيف كان ف ان لا تعد أصلا كان فيها القصاص عند المشهور بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا محققا و إن حكى في المسالك قوله بالعدم، لأن سن الصبي فضلة في الأصل نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرة بعد أخرى، و سن البالغ أصلية، فلا تكون مماثلة لها، إلا أنه لم يعرف القائل به.

نعم قيل عن المهذب و الغنية و الكافي و الوسيلة و الإصباح و ديات المبسوط في سن الصبي بغير مطلقا بل عن الأخير هذا الذي


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.

ج 42، ص: 391

رواه أصحابنا و لم يفصلوا، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه، و في محكي المختلف عليه عمل الأكثر مفسرا لعدم التفصيل في المبسوط بالقود و عدمه و اختاره، لخبري مسمع(1)و

السكوني(2)عن الصادق (عليه السلام) «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في سن الصبي قبل أن يثغر بعيرا في كل سن»

إلا أنهما ضعيفان و لا جابر لهما محقق، بل لعل الموهن متحقق في صورة اليأس من العود، لما عرفت من الشهرة على ثبوت القصاص، بل و في صورة العود التي قد عرفت حكاية الإجماع فيها على الحكومة.

و لعله لذا قال في السرائر: «ما قاله في المبسوط لم يذهب أحد من أصحابنا إليه، و لا أفتى به، و لا وضعه في كتابه على ما أعلم» و إن قال في المختلف: «هذا جهل منه و قلة تحصيل، و أن أصله من شيخنا، و قد وضعه في كتابه، و كذا ابن الجنيد و أبو الصلاح و ابن حمزة كلهم أفتوا بقول شيخنا في المبسوط».

قلت: إن ابن الجنيد و إن حكى عنه في غاية المراد ذلك أيضا إلا أن المحكي عنه في غيرها أنه فصل بين عودها فبعير، و عدمها مع اليأس منها فالدية، و كان وجهه الجمع بين الأدلة بحمل خبري البعير(3)على حال العود، فتكون حكومة منصوصة و إن كان فيه ما فيه نحو المحكي عن الشيخ في احتمال الجمع بين البعير و الحكومة معا، إذ هو واضح الفساد.

و أما غيره فلم نعلم منهم ذلك حتى في صورة اليأس منها المتجه فيها وجوب القصاص، نعم إلا يبعد إرادتهم ذلك في خصوص العائدة فيكون


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 2 و 3.

ج 42، ص: 392

ذلك تقديرا للحكومة شرعا نحو ما سمعته من ابن الجنيد و لا بأس بحمل الخبرين على صورة موافقة البعير لها أو عدم العلم بالحال أما لو علم كونها على خلاف ذلك أشكل الاعتماد على الخبرين المزبورين بعد ضعفهما و وهنهما بما عرفت من الإجماع و غيره.

بقي شي ء: و هو أنه أطلق المصنف و غيره مدة انتظار العود، و ظاهرهم الرجوع فيه إلى العادة، لكن في القواعد «و لو كان غير مثغر انتظر سنة» و في الإرشاد «و لو عادت سن الصبي قبل السنة فالحكومة، و لو مات قبل اليأس فالأرش».

و في غاية المراد «التقييد في سن الصبي بالعود قبل السنة غريب جدا، فاني لم أقف عليه في كتب أحد من الأصحاب مع كثرة تصفحي لها، ككتب الشيخين و ابن البراج و ابن حمزة و ابن إدريس و ابن سعيد و غيرهم من القائلين بالأرش مع العود، و ابن الجنيد و من تبعه من القائلين فيه بالبعير مطلقا و لا في رواياتهم، و لا سمعته من واحد من الفضلاء الذين لقيتهم، بل الجميع أطلقوا الانتظار بها أو قيدوه بنبات بقية أسنانه بعد سقوطها، و هو الوجه، لأنه ربما قلع سن ابن أربع و العادة قاضية أنها لا تنبت إلا بعد مدة تزيد على السنة قطعا، و إنما هذا شي ء اختص به المصنف (رحمه الله) في ما علمته في جميع كتبه التي وقفت عليها، حتى أنه في التحرير علله بأنه الغالب، و لا أعلم وجه ما قاله، و هو أعلم بما قال، نعم في

رواية أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «السن إذا ضربت انتظر بها سنة، فان وقعت أغرم الضارب خمسمائة درهم، و إن لم تقع و اسودت أغرم ثلثي الدية»

و هذه و إن كانت صحيحة إلا أنها


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 4.

ج 42، ص: 393

لا تدل على المطلوب، إذ موضوعها «من ضربت و لم تسقط» و يمكن أن يعتذر له بأن المراد إذا قلعها في وقت تسقط فيه أسنانه، فإنه ينتظر به سنة و لا ريب أن هذا إذ ذلك غالب».

و عنه أيضا في حواشيه على القواعد «الانتظار سنة لم أجده في لفظ أحد منا خلا كتبه، و لو قرأ هنا سنه بالتشديد أمكن، و إلا فالحس يشهد بأن الصبي يثغر بلحوق سبع أو ثمان، و ربما كان قلع الجاني قبله بخمس أو ست».

قلت: لعل الأمر في ذلك سهل بعد معلومية إرادة الفاضل التحديد بحسب العادة.

و على كل حال ف لو مات الصبي المجني عليه قبل اليأس من عودها قضي لوارثه بالأرش كما في القواعد و محكي التحرير و الإرشاد، و في محكي المبسوط و المهذب عليه الدية، لأن القلع محقق و العود متوهم، فلا يسقط حقه بأمر متوهم، و ظاهره إرادة الدية، و في كشف اللثام تفسير الأرش بها لا الحكومة، كما عن التنقيح الجزم به.

و كيف كان فقد أشكله في غاية المراد بتقابل أصل البراءة من جانب و أصل عدم العود من آخر، قلت: لعل المتجه ملاحظة الأرش بمعنى التفاوت الملاحظ فيه غلبة العود، و بذلك يتجه إرادة الأرش من الدية لا العكس.

و لو عادت مائلة عن محلها أو متغيرة اللون أو قصيرا أو منثلما ففي القواعد و كشف اللثام «عليه الحكومة عن الأولى لقلعها و قد عادت، و عن نقص الثانية، لأن الظاهر أنه من فعله» و نحوه عن المبسوط، و لكنه لا يخلو من نظر كما في كشف اللثام، لإمكان منع كونه من فعله، و الظهور

ج 42، ص: 394

المزبور لو سلم لا يقتضي الضمان بعد أن لم يكن على صحته دليل، و الله العالم.

و لو اقتص البالغ بالسن من مثله فعادت سن الجاني دون المجني عليه لم يكن للمجنى عليه إزالتها وفاقا لابن إدريس و الفاضل و الشهيدين و الأردبيلي على ما حكي عن بعضهم لا حسبة كما سمعته في الأذن لأنها ليست بجنسه و لاحقا بناء على أنها هبة من الله تعالى، ضرورة كونه قد استوفى حقه بالقصاص، بل في القواعد و كشف اللثام «و بناء على أنها بدل الفائت، لزيادة الألم، و للشبهة، لاحتمال أن تكون هبة مجددة، إلا أنه لا يكون المجني مستوفيا لحقه، لأن سنه مضمون بالدية، لأنها لم تعد، و سن الجاني غير مضمونة بالدية، لأنها في الحكم كسن طفل غير مثغر ففيها الحكومة، فتنقص أي الحكومة عن دية سن و يغرم الباقي» و زاد في الأخير «و إن أزال المجني عليه العائدة أيضا كانت عليه ديتها، و له دية سنه، فيتقاصان، و عليه الحكومة لقلعه الأولى الذي فعله بزعم القصاص».

قلت: لعل المتجه بناء على أنها بدل الفائت القصاص فيها، ضرورة تبين بطلان الاستيفاء الأول بظهور كونها سن غير مثغر، فيقلعها حينئذ، و يضمن الحكومة، و لعله لذا قال في محكي الخلاف و المبسوط و الوسيلة بأن له إزالتها أبدا، بل في المبسوط أنه الذي يقتضيه مذهبنا، بل في الأول أن عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، و إن قال في السرائر: «إنه يضحك الثكلى يا سبحان الله من أجمع معه على ذلك؟! و أي أخبار لهم فيه؟! و إنما أجمعنا في الأذن لأنها ميتة لا تجوز الصلاة معها، لأنه حامل نجاسة و لإجماعنا و تواتر أخبارنا، فالتعدية إلى السن قياس، و هو باطل عندنا، و لأنه هبة مجددة من الله خلقة ليست تلك المقلوعة، فكيف تقلع أبدا؟!

ج 42، ص: 395

و هذا منه إغفال في التصنيف، فإنه قد رجع عنه في المبسوط».

لكن في المختلف «هذا جهل منه و قلة تأمل و عدم تحصيل، و ذلك لقصور فهمه و شدة جرأته على شيخنا و كثرة سوء أدبه مع قصوره أن يكون أقل تلاميذ شيخنا، و قوله: قد رجع عن ذلك في مبسوطة افتراء عليه، فإنه قد نقل فيه ثلاثة أقوال، و قال: إن هذا هو الذي يقتضيه مذهبنا».

قلت: و يمكن أن يكون الشيخ أشار بالأخبار إلى ما سمعته في الأذن من

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(1): «إنما يكون القصاص من أجل الشين»

الصريح في أن إزالتها لذلك لا لنجاستها، بل و إلى ما ورد(2)في سن غير المثغر التي أنبتت من عدم القصاص بها، إذ ليس هو إلا لانباتها، فلا يقلع بها سن المثغر التي لم تعد في العادة إن قلعت، و بنبات السن من المثغر في الفرض يظهر أنها بحكم غير المثغر و إن كان على خلاف العادة، فلا تصلح أن تكون قصاصا عن سن المثغر، و إلا لشرع القصاص لها بسن المثغر، فالمتجه حينئذ ما ذكره الشيخ، و هو الموافق لما ذكرناه في مطاوي البحث، و الله العالم.

و يشترط في قصاص الأسنان كغيره من الأعضاء التساوي في المحل حتى بالنسبة إلى الأصالة و الزيادة بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال، ضرورة توقف صدق القصاص عليه فضلا عن الاعتداء و العقاب بالمثل فلا يقلع سن بضرس طاحنة و لا بالعكس و لا ثنية برباعية أو ناب أو ضاحك و لا بالعكس، و لا رباعية مثلا من أعلى أو من الجانب الأيمن بمثلها من أسفل أو من الأيسر و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 396

فقد المماثل من الجاني كما عرفت ذلك في اليد.

و لا أصلية بزائدة قطعا بل في القواعد «و لا بالعكس مع تغاير المحل» و مقتضاه جواز قلع الزائدة بالأصلية مع اتحاد المحل بأن تنبت مع الأصلية من منبت واحد، لأنه حينئذ أخذ للناقص بدل الكامل، و لعله لذا ترك ذكر العكس في المتن بل و غيره، و في التفاوت ما عرفت سابقا.

و لكن في محكي التحرير «و لا بالعكس و إن اتحد المحل» و لعله لعدم كفاية النبات من منبت واحد في اتحاد المحل، إلا أنه لا يخلو من منع، ضرورة شهادة

العرف بتحقق زائدة متحدة المنبت مع الأصلية على وجه تعد مساوية لها في المحل عرفا، فلا حاجة إلى ما قيل من تصويرها بأن تقلع الأصلية ثم تنبت سن مكانها مع حكم أهل الخبرة بعدم العود و قلنا إنه هبة، و فيه مع وضوح فساده أن مقتضى ذلك كون دية هذا السن ثلث دية الأصلية، لأن الفرض كونها زائدة، و ذلك ديتها، و هو مناف لما يظهر منهم أن دية النابتة دية الأصلية، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه، و مع فرض عدم تحقق ذلك فالمتجه ما سمعته من التحرير، و الله العالم.

و كذا لا تقلع زائدة بزائدة مع تغاير المحلين بلا خلاف و لا إشكال فيه كالقصاص فيها مع الاتحاد للعموم.

و كذا حكم الأصابع الأصلية و الزائدة ضرورة اتحاد المدرك في الجميع و حينئذ ف تقطع الإصبع بالإصبع مع تساويهما في المحل و في الأصالة و الزيادة على حسب ما عرفته في الأسنان، هذا.

و قد ظهر مما تقدم أنه لا خلاف نصا و فتوى كما اعترف به في كشف اللثام. بل و لا إشكال في أن كل عضو يؤخذ قودا مع وجوده تؤخذ الدية مع فقده، مثل أن يقطع إصبعين و له واحدة

ج 42، ص: 397

فيقطع واحدة و تؤخذ منه دية الأخرى أو يقطع كفا تاما و ليس للقاطع أصابع و هكذا، و الله العالم.

[مسائل]
اشاره

مسائل:

[المسألة الأولى إذا قطع يدا كاملة و يده ناقصة إصبعا كان للمجني عليه قطع الناقصة]

الأولى:

إذا قطع يدا كاملة و يده ناقصة إصبعا كان للمجني عليه الدية تامة أو قطع الناقصة بلا خلاف و لا إشكال و لكن مع اختيار الثاني هل تؤخذ دية الإصبع المفقود من اليد التي قطعها قصاصا؟ قال في الخلاف و موضع من المبسوط نعم تؤخذ مطلقا سواء كانت مفقودة خلقة أو بآفة أو قصاصا أو بجناية قد استوفى أو استحق ديتها.

و تبعه الفاضل في التحرير و ثاني الشهيدين و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم بل ادعى في الخلاف الإجماع عليه، لأنه أقرب إلى المثل بعد تعذر الصورة، و لما عرفته من القاعدة، و هي كل عضو يؤخذ قودا لو كان تؤخذ الدية مع فقده، و عدم أخذ التفاوت في الشلاء لو قطعت بدل الصحيحة لأن الاختلاف في الصفة مع بقاء الجرم، فكانت كقتل العبد بالحر و المرأة بالرجل، بخلاف الفرض الذي قيل هو كمن أتلف عليه صاعي حنطة و وجد للمتلف صاعا، فان لصاحب الحق أخذه و المطالبة ببدل الفائت دون ما لو وجد له صاعي حنطة ردية مثلا، فإنه ليس له أخذهما و المطالبة بدل الفائت و إن كان فيه نظر واضح.

و قال في المبسوط: ليس له ذلك إلا أن يكون أخذ ديتها أو استحقها، أما إذا كانت مفقودة خلقة أو بآفة لم يستحق

ج 42، ص: 398

المقتص شيئا، و تبعه ابن البراج في محكي المهذب و الجواهر، لما سمعته من خبر سورة بن كليب(1)في القاتل إذا كان أقطع اليد، و لكن مقتضاه أن المقطوعة قصاصا بحكم المأخوذ ديتها كما عن موضع من المبسوط، بل يناسبه ما جزموا به في غير المقام في ما لو قطع إصبعا من رجل و يدا من آخر من أنه يقتص للأول في الإصبع و للآخر في اليد مع دفع دية الإصبع.

و على كل حال فقد عرفت أن الخبر المزبور مقصور على محله و إلا لكان مقتضاه عدم شي ء على من قطع يدا مثلا و لا يد له خلقة، و هو معلوم البطلان، فلا ريب في أن الأقوى الأول لا الثاني.

و أضعف منه ما يوجد في كلام بعض متأخري المتأخرين من عدم رد شي ء مع قطعها مطلقا سواء كانت مفقودة خلقة أو بآفة أو أخذ ديتها، لصدق

«اليد باليد»(2)

إذ هو- مع أنه خرق للإجماع- واضح الفساد، لعدم صدق المقاصد مع فرض الاختلاف المزبور.

و لو كان الأمر بالعكس بأن كان النقصان في يد المجني عليه ففي القواعد و المسالك و محكي التحرير لم يقطع يد الجاني، بل يقطع منها الأصابع التي قطعها و يؤخذ منه حكومة الكف، و زاد في الثاني و يؤخذ دية الجميع مع التراضي ثم قال: «و ربما قيل بالمنع من القصاص على هذا الوجه لعدم المماثلة، فلا نجيز أن تلقى حديدة القصاص في غير الموضع الذي ألقى عليه حديدة الجاني، و لعل هذا القول هو المحكي عن ابن إدريس، بل هو الذي فهمه بعضهم من عبارة الإرشاد «يقتص للكامل من الناقص، و لا يضم أرش، و لا يجوز العكس فتثبت الدية».

و لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا عند قول المصنف في المسألة الثانية عشر: «و كذا لو قطع كفا بغير


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.

ج 42، ص: 399

أصابع قطعت كفه بعد رد دية الأصابع» من ظهور خبر الحسن بن الجريش(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) في ذلك، بل يظهر منه أنه مقتضى العمومات أيضا، بل عرفت دعوى الشيخ الإجماع على نحوه، بل تقدم غير ذلك أيضا، فالمتجه الفتوى به في المقام كما عن الغنية و الإصباح، بل في الأولى منهما الإجماع عليه كما تقدم تحرير ذلك مفصلا، فلاحظ و تأمل.

و كذا الكلام لو نقصت بعض أصابع المقطوع أنملة و إن كان مقتضى ما سمعته أولا من الفاضل و غيره عدم قطع الجاني أيضا، بل إما الدية أو يقطع ما قابل الأصابع الكاملة، و يؤخذ دية باقي الإصبع

الباقية و حكومة الكف، و لكن فيه ما عرفت، و المتجه أن له قطعها مع دفع دية الأنملة.

و لو نقصت أصابع القاطع أنملة قطعت يده، و في الأنملة المفقودة ما عرفته في الإصبع.

و كذا الكلام لو كانت أصابع القاطع أو المقطوع بغير أظفار أو بعضها فان الحكم في الجميع متحد بناء على التعدية المستفادة من خبر الحسن بن الجريش(2)إلى غير المفروض فيه، كاتحاده على القول الآخر.

لكن في الإرشاد «لو كان ظفر المجني عليه متغيرا أو مقلوعا اقتص في الإصبع لكمال ديتها من غير ظفر» و معناه أن له القصاص من غير رد أرش، و عن الروض موافقته على ذلك، و كذا عن الأردبيلي على تأمل له، و لا يخفى عليك ما فيه بعد ما ذكرنا، و الله العالم.

و لو قطع إصبع رجل مثلا فسرت إلى كفه بحيث


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1 و هو خبر الحسن ابن الحريش كما ذكرناه في التعليقة ص 337 و 350.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 1 و هو خبر الحسن ابن الحريش كما ذكرناه في التعليقة ص 337 و 350.

ج 42، ص: 400

قطعت ثم اندملت ثبت القصاص فيهما بلا خلاف معتد به أجده فيه، لعموم الأدلة بعد كون السراية من فعله، بل عن المبسوط أنه الذي يقتضيه مذهبنا، لكن عنه في موضع آخر أنه أثبت في السراية الدية دون القصاص، و هو واضح الفساد، و أوضح منه فسادا ما عن أبي حنيفة من أنه لا حكم للسراية أصلا.

و هل له القصاص في الإصبع و أخذ الدية في الباقي و إن لم يرض الجاني؟ الوجه لا وفاقا للفاضل لإمكان القصاص فيهما مع تعمد الجناية عليهما، إذ السراية من توابع جنايته، فهو كمقطوع الكف عمدا بضربة واحدة في عدم جواز اقتراح ذلك له، بل لعل دخول الإصبع في الكف نحو دخول اليد مثلا في النفس لو جنى عليه بها فسرت إلى نفسه، فإنه ليس للولي القصاص في اليد و أخذ الدية عن النفس، بل في المسالك و غيرها «و لأن الواجب في العمد القود، و الدية لا تثبت إلا صلحا أو بسبب عارض، و هو مفقود هنا، حيث يمكن القود» و إن كان ذلك لا يخلو من نظر في قصاص الطرف، و لعل وجه الجواز تغاير المحل و كون الجناية على أحدهما بالمباشرة و على الآخر بالسراية التي هي في قوة السبب، فهما كجنايتين، لكنه كما ترى.

و لو قطع يده مثلا من مفصل الكوع ثبت القصاص بلا خلاف و لا إشكال، لعموم الأدلة بعد معلومية كون القصاص في ما دون النفس بجرح يشق أو عضو يقطع، و المراد به كل عضو ينتهي إلى مفصل، لأن له حدا ينتهي إليه، فلا تغرير في القصاص.

و لو قطع معها بعض الذراع اقتص في اليد من الكوع بلا خلاف أجده و له الحكومة في الزائد دون القصاص، لعدم المفصل و اختلاف أوضاع العروق و الأعصاب و عدم القصاص في كسر العظام.

ج 42، ص: 401

و لعل المراد بالحكومة هنا ما لا ينافي المحكي عن ابن إدريس من اعتبار المساحة، فلو قطع نصف الذراع كان عليه نصف ديته و هكذا و إن كان خلاف الظاهر، بل قد يشكل ما ذكره بعدم الدليل عليه، فان ثبوت الدية للعضو لا يقتضي التوزيع المزبور، فالأولى الأول، لكن ستعرف في كتاب الديات المفروغية من التوزيع المزبور الذي قد يقال إنه المفهوم من التقدير عرفا، مضافا إلى بعض النصوص(1)الدالة على ذلك بالخصوص، فلاحظ و تأمل.

نعم قد يشكل ما عن أبي علي من أن له القصاص من المرفق بعد رد الفاضل بأنه استيفاء زائد على الحق يخرج به عن أدلة القصاص و من هنا- لو لا ظهور الاتفاق- أمكن القول بالانتقال إلى الدية، لتعذر القصاص من محل الجناية، و لا دليل على ثبوته في غيرها، اللهم إلا أن يقال إنه قطع للكف و زيادة.

هذا و في محكي التحرير «و هل له أن يقطع الأصابع خاصة و يطلب الحكومة في الكف؟ الأقرب أنه ليس له ذلك، لإمكان أخذه قصاصا، فليس له الأرش» قلت: قد يقال بالجواز بعد عدم إمكان القصاص كاملا و جواز التبعيض له، فكما يجوز أخذ الكف يجوز أخذ الأصابع خاصة.

و لو قطعها من المرفق اقتص منه بلا خلاف و لا إشكال و لا يقتص في اليد، و يأخذ أرش الزائد كما قلناه في السابقة و ذلك لأن الفرق بين باعتبار تعذر استيفاء القصاص في الأولى من محل الجناية بخلافه في الثانية التي لم يتعذر فيها استيفاء الحق، و لا دليل على التبعيض المزبور، بل ظاهر الأدلة خلافه، خصوصا على


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ديات الأعضاء- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 42، ص: 402

القول بأن الواجب في مثله القصاص و لا ينتقل إلى الدية إلا مع الاتفاق أو العجز عن استيفاء الحق، و هما معا منتفيان، بل لا يخلو جوازه مع التراضي منهما من إشكال.

و كذا لو قطعها من المنكب اقتص منه و ليس له القصاص من المرفق و أخذ أرش الزائد.

نعم لو قطعها من العضد فلا قصاص منه، لما عرفت. بل يقتص من المرفق و في الباقي الحكومة، نحو ما سمعته في السابقة، و في جواز القصاص له من الكوع أو الأصابع و الحكومة في الباقي الكلام السابق.

و لو خلع عظم المنكب الذي هو المشط فان حكم أهل الخبرة بإمكان الاستيفاء بالمثل اقتص منه، و إلا فالدية أو الاستيفاء و الأرش في الباقي كما في كشف اللثام و محكي المبسوط و التحرير، نعم الظاهر اعتبار عدلين من أهل الخبرة كما في غير المقام.

ثم لا يخفى عليك جريان جميع ما ذكرناه في اليد في الرجل، ضرورة كون القدم كالكف، و الساق كالذراع، و الفخذ كالعضد، و الورك كعظم الكتف.

كما أنه لا يخفى عليك بعد ما ذكرنا حكم ما لو قطع نصف الكف، فإنه ليس له القصاص من موضع القطع لعدم المفصل كنصف الذراع، و لكن له قطع الأصابع و المطالبة بالحكومة في الباقي أو يعفو عنها، و في جواز قطع الأنامل و المطالبة بالحكومة للباقي الكلام السابق، و ليس له قطع الأنامل ثم يكملها بقطع الأصابع، لزيادة الألم، و لكن لو فعل أساء و لا ضمان عليه، و لكن عليه التعزير حتى لو كان الجاني قد فعل به كذلك في وجه للمثلة، و في آخر لا بأس به، لأنه اعتداء بالمثل، و الله العالم.

ج 42، ص: 403

[المسألة الثانية إذا كان للقاطع إصبع زائدة و للمقطوع كذلك ثبت القصاص]

المسألة الثانية قد عرفت أنه لا خلاف في اعتبار التساوي في الأصالة و الزيادة أو الزيادة في الجاني في القصاص، بل الظاهر الاتفاق عليه، كما اعترف به في كشف اللثام، فلا تقطع أصلية بزائدة اتحد المحل أو اختلف، لأن الكامل لا يؤخذ بالناقص، و لا زائدة بأصلية مع اختلاف المحل، لأن الاتحاد شرط، و تقطع بمثلها في الزيادة و المحل، و بالأصلية مع التساوي في المحل و فقدان الأصلية، لجواز أخذ الناقص بالكامل، و في المطالبة بفصل دية الأصلية الكلام السابق في اليد الشلاء، و عن المبسوط التصريح بالعدم هنا، و لا تقطع زائدة بمثلها مع تغاير المحل وجد المثل المساوي في المحل أو لا، فلا تقطع اليد الزائدة اليسرى بالزائدة اليمنى وجدت زائدة يمني أو لا، قصرا لخلاف الأصل على موضع النص و الفتوى مع احتمال الانسحاب، بل عمومها للزائدة.

و إذا كان للقاطع كفا مثلا إصبع زائدة في محل مخصوص من يمناه مثلا و للمقطوع كذلك ثبت القصاص، لتحقق التساوي في الزائدة و محلها كما هو المفروض، لا أن الزيادة لأحدهما في اليمنى و للآخر في اليسرى، و لا أن لأحدهما إبهاما و للآخر خنصرا، و ربما احتمل في نحو عبارة المتن عدم اعتبار تساوي المحل، فيكفي الزيادة في كل منهما و إن كانت في أحدهما إبهاما و في الآخر خنصرا، و هو في غير محله، لتصريح المصنف بذلك في اعتباره، مضافا إلى توقف اسم القصاص عليه.

و لو كانت الإصبع الزائدة للجاني خاصة فإن

ج 42، ص: 404

كانت خارجة عن الكف بأن تكون على الساعد مثلا اقتص منه فيه أيضا بلا خلاف و لا إشكال لأنها تسلم للجاني فلا تمنع حينئذ من استيفاء الحق و إن كانت في سمت الأصابع منفصلة ثبت القصاص في الأصابع الخمس دون الزائدة و دون الكف لأنها أزيد من الحق فلا حق له فيها، و سقط القصاص من الكف أيضا للتغرير بها، و هو كذلك إن لم يعمل بخبر الحسن بن الجريش السابق(1)و إلا اتجه له القطع و دفع الزائد. و بذلك و نحوه يظهر لك الاضطراب في كلامهم باعتبار الفتوى به تارة و الاعراض عنه أخرى.

و على كل حال فعلى الأول يتجه ما سمعت و كان للمجنى عليه في الكف الذي تعذر القصاص فيه للتغرير بالإصبع الزائدة حكومة.

و لو كانت الزائدة متصلة ببعض الأصابع جاز الاقتصاص في ما عدا الملتصقة، و له دية الإصبع التي تعذر القصاص فيها بالتصاق الزائدة فيها و الحكومة في الكف.

(11) و لو كانت نابتة على إصبع و أمكن قطع بعضها مع الأربع كما إذا كانت نابتة على الأنملة الوسطى من إصبع تقطع الأنملة العليا مع الأربع، و يأخذ ثلثي دية إصبع.

و عن العامة قول بأن الأصابع يتبعها ما تحتها من الكف، فما يقتص منها لا حكومة في ما تحتها، و ما يؤخذ بدلها الدية لا يؤخذ إلا ديتها، و لا يضاف إليها حكومة ما تحتها، و هو كما ترى مناف للعدل، و لعل مثله ما في كشف اللثام من أنه لو أمكن قطع ما تحت الأربع من الكف قطع، و كانت الحكومة في باقي الكف، ضرورة عدم جواز القطع عندنا من


1- 1 المتقدم في ص 338 راجع التعليقة في ص 337.

ج 42، ص: 405

غير المفصل، هذا كله إذا كانت الزائدة في الجاني خاصة.

أما لو كانت الزائدة في المجني عليه خاصة فله القصاص في الكف من الكوع و له دية الإصبع الزائدة، و هو ثلث دية الأصلية و إن أخذ الدية كان له دية الكف و دية الزائدة بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك، نعم احتمل بعض الناس سقوط دية الزائدة، لأنها لحم زائد كالسمن، و هو كما ترى.

و لو كان له أي المجني عليه أربع أصابع أصلية و خامسة غير أصلية لم تقطع يد الجاني إذا كانت أصابعه كاملة أصلية بلا خلاف و لا إشكال، لعدم قطع الكامل بالناقص المستلزم للزيادة في استيفاء الحق، نعم كان للمجني عليه القصاص في أربع لعموم الأدلة و أرش الخامسة أي ديتها بتعذر استيفائها و حكومة الكف كذلك أو لا يقتص و يطالب بدية الجميع.

أما لو (11) انعكس الأمر بأن كانت (12) بعض الأصابع التي ليست أصلية للجاني (13) خاصة ثبت القصاص (14) في الكف لأن الناقص يؤخذ بالكامل (15) و لكن يشترط كون الزائدة في سمت الأصلية بمعنى مساواتها لها في المحل الذي عرفته و (16) ذلك لأنه لو اختلف محل الزائدة لم يتحقق القصاص كما لا يقطع إبهام بخنصر.

(17) و لو كانت الزائدة في يد الجاني غير متميزة عن الأصلية باعتبار كونها في سمت أصابعه و على نسقها كما و كيفا لم تقطع اليد من الكوع، للزوم قطع الزائدة التي هي غير مستحقة له، بل في القواعد و غيرها و لا أربع من الخمس غير الإبهام أو شي ء من الأربع، لاحتمال قطع الزائدة، و لكن يقطع الإبهام و يطالب بدية باقي الأصابع، و حكومة الكف الخالية من الإبهام، فلو بادر و قطع الكف من الكوع استوفى حقه و أساء للزيادة،

ج 42، ص: 406

و عليه ديتها، و لو قطع الإبهام و أربعا منها أساء أيضا، لعدم جواز ذلك له، و لكن استوفى حقه و لو ناقصا، لجواز أن تكون فيها زائدة، و هي لا تؤخذ بالأصلية إلا مع فقد الأصلية، لمخالفتها الأصلية محلا و صفة، و يطالب بحكومة الكف.

و كذا لو قطع شخص إصبعا منها يحتمل الزيادة و الأصالة لم يكن عليه قصاص، لاحتمال أخذ الأصلية بالزائدة، و في وجوب دية الزائدة عليه لأصالة البراءة من الزائد أو نصف الديتين، و هي ستة و ستون دينارا و ثلثان لتكافؤ الاحتمالين، فيكون كجنين و لجته الروح و احتمل فيه الذكورة و الأنوثة، فان على قاتله نصف الديتين؟ وجهان أقواهما الثاني بملاحظة نظائره.

و في القواعد و يحتمل سدس دية الكف و سدس دية الزائدة، لأن الكف لو قطعت ضمنت بدية يد و دية إصبع زائدة، فعند الاشتباه قسطت الدية و دية الزائدة على الجميع.

و لو قطع صاحب الأصابع المفروضة إصبعا من يد لا زيادة فيها فلا قصاص مع اشتباه مثل المقطوعة منه بالزائدة، و عليه دية الإصبع الكاملة، فلو بدر المقطوع و قطع إصبعا أساء و استوفى حقه ناقصا، لاحتمال الزيادة.

هذا و قد يقال في أصل المسألة: إن له القصاص في ما قابل المقطوع من الأصابع المتعددة المتساوية، لكونها جميعها أصلية، فيكون له سبابتان مثلا، نعم لو علم أن فيها أصلا و زائدا و اشتبه اتجه حينئذ عدم القصاص.

و لعله لذا قال في الإرشاد: «و لو كان لقاطع اليد ست أصابع قطع خمس أصابعه، و دفع حكومة اليد، و لو كان فيها زائدة فاشتبهت

ج 42، ص: 407

فلا قصاص» و نحوه عن الروضة و مجمع البرهان، بل و التحرير، و لكن فيه أن المراد بكونها زائدة عدم الموافقة لغالب نوع الإنسان.

بل قد يشكل القصاص أيضا بعدم تساوي المحل في الفرض، ضرورة تفاوت ذلك في كل إصبع منها، و دعوى عدم اشتراطه هنا واضحة الفساد، ضرورة توقف اسم القصاص عليه، فتأمل جيدا.

و لو كان للأنملة طرفان فقطعهما قاطع فان كان للجاني أنملة مساوية في ذلك ثبت القصاص بلا خلاف و لا إشكال لتحقق التساوي و إلا اقتص و أخذ أرش الطرف الآخر لأنه لم يستوف تمام حقه، نعم عبر غير واحد بالأرش كالمتن، و في القواعد و محكي التحرير أخذ دية الزائدة، و هي ثلث دية الأنملة الأصلية، و عن المبسوط و المهذب أخذ الحكومة، و لعل مراد الجميع الدية المزبورة، نعم لو لم يكن الطرف أنملة مثلا على وجه لا يدخل في ما ثبت له مقدار اتجه الأرش الذي هو بمعنى الحكومة بخلاف الأول الذي ستسمع تصريح المصنف فيه بثلث دية الأنملة.

و لو كان الطرفان المزبوران للجاني خاصة فإن تميزت الأصلية و أمكن قطعها منفردة اقتص، لعموم الأدلة، و إلا لم يقتص منه للتغرير بزيادة على الجناية و كان للمجني عليه دية أنملته، و هو ثلث دية إصبع أو نصفها على ما تعرفه في محله إن شاء الله كما صرح به الشيخ و الفاضلان و غيرهم على ما حكي عن بعضهم بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له منهم، لكن قد يأتي احتمال قطع الجميع و دفع دية الزائدة بناء على ما سمعته في خبر الحسن بن الجريش(1)الذي تكرر الكلام فيه، و يأتي للمصنف قريبا الفتوى بما


1- 1 المتقدم في ص 338 راجع التعليقة في ص 337.

ج 42، ص: 408

يناسبه، بل قد يأتي احتمال قطع أحد الطرفين مع إمكانه، نحو ما سمعته في الأصابع الزائدة، إلا أني لم أجد من أفتى بغير ما سمعته من المصنف، و الله العالم.

و لو قطع من واحد الأنملة العليا و من آخر الوسطى فان سبق صاحب العليا و طالب بحقه اقتص له و كان للآخر الوسطى فله القصاص فيها و له العفو و إن

سبق صاحب الوسطى بالمطالبة أخر حقه إلى انتهاء حال الآخر فان اقتص صاحب العليا اقتص لصاحب الوسطى بعده، و إن عفا على مال أو بدونه كان لصاحب الوسطى القصاص بعده، و إن عفا على مال أو بدونه كان لصاحب الوسطى القصاص إذا رد دية العليا مقدمة لتحصيل حقه، كما عن الشيخ و الفاضل في بعض كتبه، لخبر الحسن بن الجريش(1)و غيره مما تقدم مؤيدا بكونه كعفو أحد الشريكين، و كرد الامرأة الزائد على الرجل، و غير ذلك من النظائر.

لكن قد يشكل ذلك بما ذكروه في المقام من عدم جواز الاعتداء بغير المثل، و باشتراط جواز القصاص في عضو بعدم التغرير بآخر، و إعراضهم عما في خبر الحسن(2)في كثير من الأفراد، و من هنا تردد في الحكم المزبور الفاضل في القواعد، بل في المسالك مال إلى العدم، بل هو المحكي عن الكركي أيضا، بل في المسالك مال إلى العدم، بل هو المحكي عن الكركي أيضا، بل في كشف اللثام هو أقوى، فإن شاء صاحب الوسطى أخذ الدية، و إن شاء صبر إلى أن يذهب العليا من الجاني بآفة أو جناية فيقتص، و قد عرفت غير مرة أن الأولى العمل بالخبر المزبور في غير محل الإجماع، كما أشرنا إليه غير مرة.

نعم قد يناقش بناء عليه في إطلاقه تأخير صاحب الوسطى إلى انتهاء ذي العليا في ما لو تضرر بذلك بعد أن كان له طريق إلى الاستيفاء


1- 1 راجع التعليقة في ص 337.
2- 2 راجع التعليقة في ص 337.

ج 42، ص: 409

بدفع الدية الذي لا دليل على اشتراطه بعفو الآخر، و الله العالم.

و لو بادر صاحب الوسطى فقطع قبل ذي العليا فقد أساء بناء على ما سمعته، و لكن قد استوفى حقه و زيادة، فعليه دية الزائد، و لصاحب العليا على الجاني دية أنملته بلا خلاف أجده بين من تعرض له، بل لم أجد من احتمل جواز رجوع ذي العليا على ذي الوسطى باعتبار كونه المتلف لحقه بالاستيفاء قبله فضلا عن احتمال تعين ذلك.

و إن قطع العليا من سبابتي يمني رجلين مثلا فللسابق منهما القصاص، و هل للاحق القصاص من اليسرى؟ احتمال، لورود قطع اليسرى باليمنى(1)كما عرفت، و اليد تشمل الكل و الأبعاض، و يحتمل العدم اقتصارا في ما خالف

الأصل على اليقين، قيل: و يعطيه كلام المبسوط، و بنى عليه أنه إن قطع عليا سبابة رجل ثم العليا و الوسطى من سبابة آخر قدم صاحب العليا، فان عفا كان للآخر القصاص، و إن اقتص كان للآخر القصاص الباقية، و أخذ دية العليا و إن انعكس قدم صاحب العليا و الوسطى، فان عفا كان لصاحب العليا للقصاص و إلا الدية، و ذلك كله واضح.

[المسألة الثالثة إذا قطع يمينا فبذل شمالا فقطعها المجني عليه من غير علم سقط القود]

المسألة الثالثة:

إذا قطع يمينا فبذل شمالا لما أريد القصاص منه فقطعها المجني عليه من غير علم بأنها الشمال قال في المبسوط: يقتضي مذهبنا سقوط القود لأن اليسار تكون بدلا عن اليمين في الجملة، و لصدق

«اليد باليد»(2).


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قصاص الطرف- الحديث 2.

ج 42، ص: 410

و لكن فيه تردد بل منع كما عن المهذب، بل هو خيرة أكثر المتأخرين، بل عن المبسوط أنه قوي أيضا، و ذلك لأن المتعين للقصاص قطع اليمين، فلا تجزئ اليسرى مع وجودها، و على هذا يكون القصاص في اليمنى باقيا، و لكن يؤخر حتى يندمل اليسار توقيا من السراية على النفس بتوارد القطعين المضمون أحدهما دون الآخر على ما في كشف اللثام، قال: «فيضمن نصف السراية، بخلاف ما لو قطع يدين، فإنه يوالي بين قطع يديه، فإن السراية إن حصلت فعن غير مضمون».

و فيه نظر أما (أولا) فلاحتمال عدم الضمان فيهما في الفرض، للجهل بالأول و الاستحقاق في الثاني. و أما (ثانيا) فقد يقال بضمانه هنا النفس و إن كان الجرحان معا غير مضمونين باعتبار اشتراط استيفاء القصاص في الطرف بعدم التغرير بها، فإذا اقتص مغررا بها ضمنها و إن لم تكن الجناية مضمونة لو اندملت فهو كما لو قطع اليد الشلاء التي حكم أهل الخبرة بعدم انحسامها. و لكن مع هذا كله و المسألة لا تخلو من إشكال.

و على كل حال فلا قصاص بقطع اليسار على المقتص قطعا كما في المسالك، لأن الفرض جهله و كون الباذل المقتص منه، فلا عمد فيه إلى قطعها عدوانا كي يتحقق موضوع القصاص.

ف أما الدية فإن كان الجاني سمع الأمر بإخراج اليمين و مع ذلك أخرج اليسار مع العلم بأنها لا تجزئ و قصده إلى إخراجها فلا دية أيضا كما عن المبسوط و الفاضل و غيرهما، لأن السبب فيه أقوى من المباشر، نحو تقديم الطعام للضيف و غيره.

و ما في المسالك- من إشكاله بأن الحكم في تقديم الطعام و نظائره مستند إلى العادة الغالبة مع اتفاق المسؤول و المبذول، و الأمر في المتنازع

ج 42، ص: 411

ليس كذلك، فان المسؤول إخراج اليمنى و المبذول اليسار، و لأن الاذن في هذا الفعل لا يؤثر في الإباحة، بخلاف الأمثلة المذكورة، فكان القول بثبوت الدية أوجه، و تبعه بعض من تأخر عنه- يدفعه عدم كون المنشأ الإذن منه و نحوه، بل ما عرفته من قوة السبب فيه على المباشر التي يكون الضمان بها على القوة من غير فرق بين المال و النفس.

بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين علم الباذل و جهله بالموضوع لدهشة و نحوها و بالحكم، فان القوة المزبورة مع جهل المستوفي بالحال متحققة، اللهم إلا أن يقال بوجوب معرفة كونها يمينا على المقتص، و لا يجدى بذلك المقتص منه لها في تعينها، فهو مقصر في قطعها اعتمادا على ذلك، و لكن لا قصاص عليه، لعدم العدوان عمدا فيه بخلاف الدية، و يمكن دفعه بأنه يكفي إقرار من عليه الحق بأنها اليمين، لعموم أدلة الإقرار، فتأمل.

نعم لو قطعها المجني عليه مع العلم بكونها اليسار ضمنها قطعا، لعموم الأدلة الذي لا يعارضه الاذن من ذي اليد صريحا فضلا عن الفعل الدال عليها بعد إلغاء الشارع لها و كونها بمنزلة العدم، لأنه لم يجعل الأمر في البدن إليه.

و لكن في غاية المراد «هي هدر، لأنه أخرج بينة الإباحة، و لا يضمن السراية، و يعزران لحق الله تعالى» و هو كما ترى. و أغرب من ذلك قوله فيها متصلا بما سمعت: «و لو سكت و لم يخرجها فقطعها و الحال هذه أي عالما بأنها اليسار فكالاخراج، لأنه سكوت في محل يحرم فيه بخلاف السكوت عن المال». و على كل حال فلا إشكال في عدم هدريتها.

نعم قال في المبسوط: سقط القود إلى الدية، لأنه بذلها للقطع و بذلك كانت شبهة في سقوط القود، و فيه إشكال

ج 42، ص: 412

بل منع واضح لأنه أقدم على قطع ما لا يملكه إذ الفرض علمه ف كيف يكون شبهة، بل هو كما لو قطع عضوا غير اليد باذن منه، و لا يكفي في الشبهة تولد الداعي فيه إلى قطعها ببذلها، بل الظاهر عدم مدخلية الجهل بالحكم الشرعي في جميع صور المسألة من غير فرق بين الباذل و القاطع، لأنه غير معذور في ذلك على كل حال، و حينئذ فالمتجه في المقام ثبوت القصاص عليه بها، كما أن المتجه بقاء القصاص له في يمينه، و كون اليسار تقطع عن اليمين مع فقدها لا يقتضي بدليتها عنها في المقام و إن اتفقا عليه، كما هو واضح.

و لكن احتمل في غاية المراد الرجوع إلى نية المقتص، فان قال:

عرفت أن اليسار لا تجزئ و لكن قصدت جعلها عوضا من تلقاء نفسي قوي السقوط، و إن قال: ظننت الاجزاء ففيه وجهان من حيث البناء على ظن خطأ و إن تضمنه العفو، و يلتفت هذا إلى أخذ العوض بلا تلفظ بالعفو، أما لو قال: استبحته بإباحته فالأقوى البقاء، فعلى الأول له قطع اليمين قصاصا بعد الاندمال حذرا من توالي القطعين بخلاف ما لو قطع يديه، و الفرق مشاركة المضمون، و إن سرى إلى نفسه تثبت الدية في ماله على ما قاله الشيخ.

و هو كما ترى لا حاصل معتد به له، بل و كذا باقي كلامه في المسألة فإنه أطنب فيها، و لكنه بلا حاصل معتد به و إن تبعه بعض من تأخر عنه.

و على كل حال ف كل موضع تضمن اليسار فيه دية أو قصاصا تضمن سرايتها كذلك لما عرفته من تبعية السراية للجناية في ذلك و حينئذ ف لا يضمنها أي السراية لو لم يضمن الجناية (11) لأن ما لا يضمن أصله لا تضمن سرايته، لكن قد عرفت سابقا الإشكال القوي في ما لو اقتص في الطرف مع

ج 42، ص: 413

خوف السراية بسبب شلل في الطرف مثلا، اللهم إلا أن يقال بضمان الطرف حينئذ باعتبار تعين الدية له دون القصاص، و لكنه كما ترى مع فرض اندمال الجرح و عدم السراية، فتأمل جيدا أو يقال: إنه بسرايته ينكشف ضمان أصل الجناية في الطرف و إن دخل هو في النفس حينئذ، و على كل حال فالكلية في اليسار تامة مع إرادة عدم الضمان من حيث تلك الجناية لا ما إذا فرض حصول الاسراء بسبب آخر من دواء أو جناية أخرى أو غير ذلك، و الله العالم.

و لو اختلفا فقال المجني عليه للجاني بذلتها أي اليسار مع العلم بأنها اليسار مجانا لا بدلا عن قطع اليمين بزعم جوازه فأنكر الباذل ذلك فالقول قول الباذل ليساره بيمينه لأنه أبصر بنيته و لأن الظاهر عدم بذلك العاقل كذلك، و لأن الأصل ثبوت العوض لقطع العضو المحترم، فان حلف أخذ الدية و إن نكل حلف الآخر إن احتيج إلى الرد، و ذهبت هدرا كما عن المبسوط و فيه نظر كما في كشف اللثام، و لعله لأنه مع تسليم دعوى المجني عليه لا يسقط الضمان عن المقتص مع علمه، فإن إباحته بمنزلة العدم بعد أن لم يجعل الشارع السلطان له على ذلك، و دعوى سقوط الضمان عنه بذلك و إن بقي حق الله يدفعها عدم الدليل على سقوطه به بعد عموم أدلته، و يمكن فرض الاختلاف المزبور على القول بسقوط الضمان على التقدير المزبور، و من هنا قال في المسالك: «فائدة هذا النزاع تظهر على القول بسقوط القصاص و الدية مع علم الباذل بكونها اليسار و أن المطلوب شرعا قطع اليمين سواء قلنا: إنها تقع بدلا بقصده أم لا».

و كيف كان ف لو اتفقا على بذلها بدلا لم تقع بدلا لكونه اتفاقا فاسدا بعدم الاذن شرعا في ذلك، ضرورة عدم مشروعية

ج 42، ص: 414

القصاص في غير محل الجناية، بل هو ليس قصاصا و لا إذن من الشارع للإنسان في بدنه.

و من هنا كان على القاطع ديتها مع اشتباهه و إلا فعليه القصاص و له القصاص في اليمين لأنها موجودة و قد بطل الاتفاق المزبور فهو على استصحاب بقاء حقه.

و لكن في هذا تردد من ذلك و من تضمنه العفو عما له من القصاص و إن لم يصح الاتفاق المزبور، و لعل من ذلك يحصل الإشكال أيضا في القصاص لليسار أو الدية، إذ احتمال ثبوت أحدهما على المقتص مع سقوط حقه أصلا في اليمين واضح الضعف، نعم قد يحتمل سقوط حقه من القصاص خاصة و الانتقال إلى الدية فيتقاصان حينئذ مع التساوي و إلا- كما لو كان أحدهما رجلا و الآخر امرأة- أعطي التفاوت من كان عليه.

و كيف كان فقد ظهر لك بالتأمل في ما ذكرناه حكم جميع الصور المذكورة في المقام، فإنه و إن جعلها في غاية المراد و المسالك بل و كشف اللثام ثمانية لكن جعلوا محل الكلام فيها مقامات ثلاث: التعزير و سقوط القصاص عن اليمين و ضمان اليسرى، و من المعلوم أن التعزير لا يكون إلا مع العلم الموجب للإثم دون الجهل، كمعلومية عدم سقوط القصاص عن اليمنى مع الاتفاق عليه منهما فضلا عن غيره و إن ذكروا وجوها في خلافه إلا أنها واضحة الضعف، كما عرفت الكلام فيه و في ضمان اليسرى في حال علم القاطع. و منه يعلم أن المدار على علم القاطع و جهله، لا المقتص منه، كما هو المحكي عن الشيخ، و على الجهل بالموضوع دون الحكم الشرعي.

و بذلك كله يظهر لك حال ما أطنب به في غاية المراد و كشف اللثام و غيرهما من حكاية كلام الشيخ و غيره، فلاحظ و تأمل.

ج 42، ص: 415

و لو كان المقتص طفلا أو مجنونا فبذل له الجاني غير العضو أو العضو فقطعه ذهب هدرا و بقي ما عليه من الاستحقاق بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له بل و لا إشكال، و كذا النفس إذ ليس للمجنون و لا للطفل ولاية الاستيفاء و لأن السبب فيه أقوى من المباشر فيكون الباذل مبطلا حق نفسه من غير فرق بين علم الباذل بالحكم الشرعي و جهله، نعم لو لم يعلم بجنونه و بذل له العضو الذي يراد منه القصاص أمكن القول بثبوت الدية على عاقلته، كما لو قطع من غير بذل، و يمكن العدم، لأن ضمان العاقلة على خلاف الأصل، و الفرض أنه الباذل، و عدم علمه بجنونه لا يرفع قوة السبب فيه.

و لو قطع يمين مجنون فوثب المجنون فقطع يمينه قيل و إن كنا لم نعرف القائل منا وقع الاستيفاء موقعه لأنه كما لو كان له وديعة فهجم عليها فأتلفها.

و فيه أنه في غير موقعه بعد أن لم يكن له أهلية الاستيفاء، ضرورة كونه حينئذ كالأجنبي، و عدم الضمان في الوديعة لعدم التفريط، لا لأنه استيفاء و إن كان هو مالا هنا له بخلاف اليمين، فإنه لا يسقط عنه الضمان و إن تلفت بغير تفريط.

و من هنا قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط:

لا يكون (11) ذلك قصاصا، لأن المجنون ليس له أهلية الاستيفاء و هو أشبه (12) بأصول المذهب و قواعده وفاقا للفاضل و ثاني الشهيدين و غيرهما و (13) حينئذ يكون قصاص المجنون باقيا على الجاني (14) كما في القواعد. و دية جناية المجنون على عاقلته (15) بلا خلاف فيه بيننا بل و لا إشكال.

ج 42، ص: 416

إنما الكلام في الأول، ففي كشف اللثام «يعنى من يساره أو من رجليه، فان فقد الجميع فالدية، و أطلق في المبسوط و التحرير بقاء الدية له» و كأنه أخذه مما عن الإيضاح و حواشي الشهيد من أن المراد ببقاء قصاص المجنون أحد أمرين: إما على القول بأنه إذا فقدت اليمين التي وجب القصاص فيها تقطع اليسار، أو بمعنى أنه ينتقل إلى حكم العمد مع فوات المحل، فعلى القول بسقوطه كما قاله بعضهم يسقط هنا، و على القول بالدية فهنا كذلك، فمع الصلح ظاهر، و مع امتناعه كما هو مقرر شرعا، لكن فيه أن من شرط القصاص نفسا و طرفا العقل، فلا يقتص منه، و لعله لذا أطلق الدية في المبسوط، على أن الخلاف المزبور إنما هو في النفس دون الطرف الذي لا معنى لتنزيل نحو العبارة عليه، ضرورة أنه لا وجه للبقاء على القول بسقوطه قصاصا و دية فلا يبعد إرادة المصنف و غيره من القصاص الدية، و الله العالم.

[المسألة الرابعة لو قطع يدي رجل و رجليه مثلا خطأ فمات]

المسألة الرابعة:

لو قطع يدي رجل و رجليه مثلا خطأ شبيها بالعمد و اختلفا فقال الولي: مات بعد الاندمال فيستحق من القاطع ديتين و قال الجاني: مات بالسراية كي لا يجب عليه إلا دية واحدة لدخول الطرف في النفس فان اتفقا على المدة و كان الزمان قصيرا لا يحتمل الاندمال عادة فالقول قول الجاني كما عن الشيخ و الفاضل و الشهيدين و غيرهم، لأصل البراءة المعتضد بالظاهر، و أصالة عدم حدوث سبب آخر، مع أنه لم يدعه الولي، بل توقف غير واحد في استحقاق اليمين للعلم بكذب دعواه في الاندمال و لم يدع سببا

ج 42، ص: 417

آخر و إن قال المصنف هنا تبعا للمحكي عن الشيخ: إن القول قوله مع يمينه لعموم

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «و اليمين على من أنكر»

و غيره مما يدل عليه، و لجواز أن يكون الموت بسبب حادث كلدغ حية و شرب سم مدنف، لكن قد يشكل أصل تقديم قول الجاني إذا لم يعلم استناد الموت إلى جنايته بأصالة بقاء استحقاق الديتين عليه بعد ثبوت سببه، و عدم العلم بالسراية، و ظهور الكذب بدعوى الاندمال لقصر الزمان لا يقتضي ثبوت السراية المقتضية لسقوط استحقاق الديتين، نعم لو قيل بعدم الاستحقاق باعتبار المراعاة اتجه ذلك، لكن قد عرفت سابقا أن السراية مسقطة لا كاشفة عن عدم الاستحقاق.

و على كل حال ف هذا مع قصر الزمان، و أما إن كان الزمان طويلا و أمكن الاندمال فيه فالقول قول الولي، لأن الاحتمالين متكافئان و الأصل وجوب الديتين و لم يعلم السراية المسقطة، و دعوى أن ثبوتها مراعى و ظهوره ظهور وهمي متزلزل لا عبرة به فلا استصحاب يدفعها أنه مبني على كون السراية كاشفة لا مسقطة، و قد عرفت سابقا فساده، فلاحظ و تأمل.

و لو اختلفا في المدة فقال الجاني: مات قبل أن تمضي مدة يندمل في مثلها إما مطلقا أو مع تعينها بالأيام، و قال الولي: بل مضت مدة تندمل في مثلها كذلك ف في المسالك وفاقا للمتن القول قول الجاني مع اليمين كما في القواعد و غيرها، لأن الأصل بقاء لمدة حتى يعلم انتفاؤها و بقاء الجناية و السراية حتى يعلم برؤها. و فيه نظر يعرف مما سبق و يأتي، مضافا إلى عدم صحة الأصلين المزبورين بحيث يثبت منهما قوله و يقطعان أصالة ثبوت استحقاق الديتين، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 3 من كتاب القضاء.

ج 42، ص: 418

أما لو كانت المسألة بالضد من الفرض الأول كما لو قطع يده فمات و ادعى الجاني الاندمال حتى لا يغرم إلا دية اليد و ادعى الولي السراية حتى يستحق دية النفس فالقول قول الجاني إن مضت مدة يمكن فيها الاندمال و في اليمين البحث السابق، و لكن هل يحلف أنه لم يمت بغير السراية؟ وجهان من الاحتمال و من انحصار دعوى الجاني في الاندمال، و على كل حال فيقدم قوله، لأن الأصل البراءة، و لا يعارضه أصل عدم الاندمال الذي لا يقضي بالسراية.

و منه يعلم صحة ما ذكرناه سابقا من ترجيح قول الولي في السابقة و لو مع قصر الزمان، ضرورة أن ظهور كذبه بدعوى الاندمال لقصر المدة لا يقتضي تحقيق السراية المسقطة التي مقتضى الأصل عدمها، مضافا إلى أصل ثبوت الديتين، و دعوى معارضة الأول بأصل البراءة و عدم حدوث سبب آخر من لدغ حية و نحوه و الثاني بأنه مراعى فلا يستصحب يدفعها انقطاع أصل البراءة بثبوت مقتضى الديتين، و أصالة عدم حدوث سبب آخر لا يقتضي الموت بالسراية، إذ لعله مات حتف أنفه، و ما عرفته سابقا من كون السراية مسقطة لا كاشفة، فلا مراعاة حينئذ.

هذا و لكن في المسالك في المقام «قد تعارض أصلا عدم الاندمال و براءة ذمة الجاني عما زاد عن النصف، فيقدم قول الجاني بشهادة الظاهر مع الأصل» و فيه أنه لا ظهور بإمكان المدة بالبرء، و على تقديره لا دليل على صحة الظهور المزبور، كما لا ظهور في الموت مع قصرها بالموت بالسراية، إذ لعله مات بسبب آخر، فتأمل جيدا.

و إن لم تمض مدة كذلك بأن كان الزمان قصيرا، فظاهر كلامهم أن القول قول الولي، لما عرفته من الظهور المزبور، و لكن فيه البحث السابق مع عدم العلم باستناد الموت إلى جنايته على وجه يتحقق صدق أنه

ج 42، ص: 419

قتله، و ستسمع ما يؤيده، و الله العالم.

و لو اختلفا في المدة فقال الجاني: قد مضت مدة يندمل في مثلها و قال الولي: ما مضت ف في المبسوط أن القول قول الولي لأن الأصل عدم مضي المدة، فالولي في هذه كالجاني في تلك و لكن فيه تردد لأصالة البراءة عما زاد على نصف الدية، و منه يعلم صحة ما ذكرناه سابقا في الصورة الأولى.

و لو ادعى الجاني أنه شرب سما أو لدغته حية أو نحو ذلك فمات و ادعى الولي موته من السراية ففي القواعد «قدم قول الولي مع قصر الزمان» و لعله لأن الأصل عدم حدوث غير الجناية، و لكن فيه أن ذلك لا يقتضي الموت بالسراية ف المتجه أن الاحتمال فيهما سواء إذ السراية أمر حادث، و الأصل عدم شرب السم مثلا كذلك.

و مثله الملفوف في كساء مثلا إذا قده (11) قاد نصفين و ادعى الولي أنه كان حيا و ادعى الجاني أنه كان ميتا إذ الاحتمالان (12) فيه أيضا متساويان (13) لا ترجيح لأحدهما على الآخر بمقتضى الأصول، لأن استصحاب حياته لا يقتضي أنه قده حيا إلا بالأصل المثبت الذي هو غير حجة كما تقرر في محله، و حينئذ موته بالقد أو بسبب آخر بالنسبة إلى الأصول على حد سواء ف (14) المتجه الرجوع إلى أصل آخر غيرهما، و هو يقتضي أن يرجح قول الجاني (15) كما عن الخلاف و الجواهر لأن (بما أن خ ل) الأصل عدم الضمان.

و (16) لكن مع ذلك فيه احتمال آخر ضعيف (17) و إن اختاره في الأول في القواعد، للأصل الذي قد عرفت البحث فيه، و لذا كان خيرة كشف اللثام و محكي التحرير فيه تقديم قول الجاني لما عرفت، و في الثاني

ج 42، ص: 420

في محكي السرائر، لأصالة الحياة التي قد عرفت عدم اقتضائها كون القد نصفين وقع عليه حالها، إذ هو ليس من أحكام المقدود كي يستصحب و إن استصحب حياته في وجوب النفقة عليه و نحوه مما هو من أحكامه شرعا بخلاف الفرض الذي هو ضده من قتله و نحوه من الأحكام العرفية، و لذا كان خيرة من عرفت تقديم قول الجاني أيضا فيه.

و أضعف من الاحتمال المزبور ما يحكى في الثاني عن العامة من أنه إن كان ملفوفا في الكفن قدم قول الجاني، لظهور الموت، و إلا فقول الولي، إذ هو مجرد اعتبار.

و لو ادعى الجاني شلل العضو المقطوع من حين الولادة أو عمى عينه المقلوعة كذلك و ادعى المجني عليه الصحة فإن كان العضو ظاهرا كالعين و الرجل ففي القواعد و محكي المبسوط و الخلاف قدم قول الجاني، لأصالة البراءة، و إمكان إقامة المجني عليه البينة على السلامة، و إن كان مستورا كالمذاكير ففي القواعد احتمل تقديم قول الجاني أيضا، للأصل المزبور، و قول المجني عليه كما عن المبسوط و الخلاف، لأصل الصحة، و فيه أنه لا يقتضي وقوع الجناية عليه كذلك.

و في كشف اللثام «و يكفي في البينة إذا قامت أن تشهد بالسلامة قبل الجناية مطلقا» و فيه أن استصحابها لا يثبت وقوع الجناية عليها أيضا سالمة فأصل البراءة حينئذ محكم.

و اختلف في المستور فقيل ما أوجب الشارع ستره، و قيل ما أوجبته المروة، فيشمل الفخذ و السرة و الركبة، و في كشف اللثام هو أظهر سواء وافق المروة فستره أو خالفها، إذ كما أن المروة تقتضي ستره كذلك تقتضي الغض عنه.

و فيه أنه ليس في شي ء من الأدلة العنوان المزبور كي يحتاج في تفسيره

ج 42، ص: 421

إلى ما سمعت، كما أنه ليس في شي ء منها مراعاة الاعتبار المذكور، و من هنا كان المحكي عن ابن إدريس تقديم قول المجني عليه مطلقا مدعيا عليه الإجماع، و هو لو تم كان حجة، و إلا ففيه البحث السابق، و عن بعض العامة تقديم قول الجاني مطلقا، و قد عرفت قوته، و الله العالم.

و لو ادعى الجاني تجدد العيب قبل الجناية احتمل تقديم الجاني مطلقا للأصل المزبور، و قول المجني عليه كذلك كما في كشف اللثام، و عن المبسوط لأصالة الصحة و الفرق بين الظاهر و الباطن، و لعل الأول لا يخلو من قوة، لما عرفت، و حينئذ فلا بد للبينة أن تشهد هنا بالسلامة حين الجناية.

و لو اقتصر الجاني على دعوى الشلل عند الجناية فإن أقام المجني عليه البينة بالسلامة عندها فلا كلام، و إن أقامها بها قبلها ففي كشف اللثام القول قوله إذا حلف أنه لم يتجدد للاستصحاب إلا إذا قام الجاني البينة، و فيه منع اقتضاء الاستصحاب السلامة عندها و إن لم تكن بينة فكدعوى الشلل خلقة، لكن قيل: لا بأس هنا بتقديم قول المجني عليه مطلقا، لعدم امتداد الوقت المشهود بالسلامة فيه، و اختصاصه بوقت الجناية الذي يكون في الخلوات غالبا، فيتساوى فيه الظاهر و الباطن في عسر إقامة البينة على حالهما.

و لو ادعى الجاني صغره وقت الجناية قدم قوله مع الاحتمال، لأصالة البراءة من القصاص، و لكن لو ادعى العاقلة بلوغه فالأصل حينئذ براءة ذمتهم، فتؤخذ الدية حينئذ من ماله لأنه الجاني.

و لو اختلفا في الوقت فادعى الجاني تقدم الجناية على البلوغ تعارض أصلا البراءة من القصاص و تأخر الجناية، و البراءة أقوى. و في الدية ما عرفت.

ج 42، ص: 422

و لو ادعى الجنون وقتها و عرفت له حال جنون ففي القواعد قدم قوله و إلا فلا، و لعل للأصل فيهما، و لكن لا يخلو من بحث.

و لو اتفقا على زوال العقل حال الجناية لكن ادعى المجني عليه السكر و الجاني الجنون قدم قول الجاني و إن لم يعرف حالة جنون، لأصل عدم العصيان و أصل البراء خصوصا الغافل.

و لو أوضحه في موضعين و بينهما حاجز ثم زال الحاجز و اتحدا فادعى الجاني زواله بإزالته و شقه مثلا لئلا يكون عليه إلا دية موضحة واحدة، و ادعى المجني عليه زواله بالإزالة منه لا من الجاني ليكون له دية موضحتين قدم قول المجني عليه استصحابا للتعدد و ثبوت دية موضحتين عليه.

و لو اتفقا على أن الجاني أزاله لكن قال المجني عليه: بعد الاندمال ليكون عليه ثلاث موضحات و قال الجاني: قبله ليكون عليه أرش موضحة واحدة فالقول في الموضحتين قول المجني عليه، لأن الجاني يدعي سقوط المطالبة بأرش إحداهما و في الموضحة الثالثة قول الجاني، لأن المجني عليه يدعي وجود الاندمال قبلها، و الأصل عدمه، و يدعي أرش موضحة ثالثة، و الأصل البراءة. و ليس هذا عملا بمتناقضين، لابتناء ثبوت أرش موضحتين على تقدم الاندمال على زوال الحاجز، و البراءة من أرش الثالثة على تأخره، لأنهما مبنيان على أصل واحد، و هو الاستصحاب لثبوت ما ثبت و البراءة عما لم يثبت، أو لاحتمال النقيضين من غير عمل بهما، أو لأن مثل ذلك في الأصول كثير.

و لو قتل من عهد كفره أو رقه فادعى الولي سبق الإسلام أو العتق قدم قول الجاني و لو اختلفا في أصل الكفر و الرق احتمل تقديم قول الجاني، لأصالة البراءة و الشبهة، و احتمل تقديم قول الولي في دار الإسلام، لأن الظاهر فيها الإسلام و الحرية، و لأنهما الأصل، نعم

ج 42، ص: 423

يعارضه ظهور الكفر في دار الكفر.

و لو داوى الإصبع المقطوعة فتأكل الكف فادعى الجاني تأكله بالدواء و المجني عليه تأكله بالقطع قدم قول الجاني مع شهادة أهل الخبرة بذلك، و إلا ففي القواعد قدم قول المجني عليه و إن اشتبه الحال، لأنه المداوي، فهو أعرف بصفته، و لأن العادة قاضية بأن الإنسان لا يتداوى بما يضره، و فيه بحث، و لعل الأقوى كونه كالأول، و الله العالم.

[المسألة الخامسة لو قطع الأول إصبع رجل ثم قطع يده الثاني اقتص الأول]

المسألة الخامسة:

لو قطع إصبع رجل من يده اليمنى مثلا و من بعد قطع يد رجل آخر يمينه اقتص الأول عن إصبعه، لعموم الأدلة ثم للثاني و رجع بدية إصبع ضرورة كونه كما إذا قطع يده الكاملة ذو يد ناقصة إصبعا فيرجع عليه بدية إصبع إما مطلقا أو مع كون الإصبع قطعت باستحقاق كما.

و لو انعكس بأن قطع اليد أولا ثم الإصبع من آخر اقتص للأول و ألزمه الثاني دية الإصبع إذ هو حينئذ بمنزلة من قطع إصبعا و لا إصبع له يماثلها بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بين من تعرض للمسألة كالشيخ و الفاضلين و الشهيدين و غيرهم، نعم في عبارة القواعد بل و الإرشاد تعقيد في بيان المعنى المزبور، بل ربما بسببه وقع الوهم من بعض الناس، و المراد ما عرفت، كما أنك عرفت سابقا(1)البحث في وجوب تقديم من تقدم في القصاص و عدمه و أنه على تقديره لو سبق المتأخر يأثم و لكن يقع ما فعله موقعه، لأنه استيفاء لحقه أيضا،


1- 1 راجع ص 316- 319.

ج 42، ص: 424

ففي الصورة الأولى لو قطع ذو اليد أولا أساء و رجع صاحب الإصبع بالدية، و في الثانية لو قطع ذو الإصبع أولا أساء و رجع ذو اليد بعد القطع بدية الإصبع، بل قد عرفت سابقا احتمال عدم الإساءة و إن تقدم المتأخر، و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا قطع إصبعه فعفا المجني عليه قبل الاندمال فان اندملت فلا قصاص]

المسألة السادسة:

إذا قطع إصبعه فعفا المجني عليه قبل الاندمال فان اندملت فلا قصاص إن كانت عمدا و لا دية إن كانت شبيه عمد لأنه إسقاط لحق ثابت عند الإبراء فيكون العفو عنه من أهله في محله بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك هو اتفاق، بل عن الخلاف إجماع الفرقة و أخبارهم عليه، نعم يحكى عن المزني من العامة عدم صحته بناء على أن العبرة في الجناية بحال الاندمال الذي هو حال الاستقرار فلا حكم للعفو قبله، و هو مخالف للكتاب(1)و السنة(2)و الإجماع، و لذا لو باع عبدا قد قطعت يده قبل الاندمال كان عوض الجناية للبائع لا للمشتري.

و لو كانت الجناية عمدا و قال عفوت عن الجناية سقط القصاص ضرورة كون المراد العفو عن موجبها الذي هو القود و الدية لأنها لا تثبت إلا صلحا و الفرض عدمه، بل لعله كذلك على القول بأن الواجب أحد الأمرين، لأن العفو عنها يقتضي العفو عن موجبها الذي هو التخيير فيسقط بغير دية، نعم لو قال: عفوت عن


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 178 و سورة الشورى: 42- الآية 40.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 425

القصاص لم تسقط الدية و بالعكس.

فما عن المبسوط من الفرق بين ما لو قال: عفوت عن الجناية فقط و بين قوله: عفوت عن عقلها و ديتها- لا يخلو من نظر على القولين، لما عرفت.

بل و كذا ما في كشف اللثام قال: «ثم إن صدر العفو عنها مع الصلح على الدية تثبت الدية، و إلا فلا، صرح بإسقاطها أو لا و إن قال: إنما أردت العفو عن القصاص على الدية بناء على أنها لا تثبت إلا صلحا و تثبت على القول الآخر ما لم يصرح بإسقاطها» إذ قد عرفت سقوطهما مع إطلاق العفو عن الجناية على القولين.

و لو قال: عفوت على الدية لم تثبت الدية على القول الأول إلا بالرضا منه بذلك، و لا يحتاج إلى صلح، فان الظاهر مشروعية العفو المزبور على الوجه المذكور

و لو لإطلاق الأدلة الشامل للمطلق و المشروط، أما على القول الآخر فهو اختيار لأحد الفردين.

و لو تنازعا فادعى الجاني العفو لا على مال و المجني عليه العفو على مال فالظاهر تقديم قول الجاني، لأن الأصل عدم ذكر الشرط مضافا إلى أصل براءته من الدية على المختار، و لذا قال في كشف اللثام: «على المشهور من أن قضية العمد القصاص وحده يقدم قول الجاني للأصل، و على الآخر قول الآخر للأصل أيضا، و في المبسوط أنه يقدم قوله، لأنهما مختلفان في إرادته، و فيه أن الإرادة لا تكفي على الأول» قلت:

بل و على الثاني بناء على ما ذكرناه، و منه يعرف النظر في ما سمعته منه.

نعم قد يقال: إن الأصل عدم سقوط حق المسلم إلا بقوله، و دعوى الإطلاق في الحقيقة رجوع إلى دعوى التقييد، ضرورة كونه كالقيد بالنسبة إلى إفادة المجانية، على أنه يمكن صدوره منه لا على وجه

ج 42، ص: 426

الشرطية التي تنفى بالأصل، بل قال: أريد المال مثلا و أصالة براءة ذمة الجاني عن الدية لا يقتضي صدور العفو مطلقا، فتأمل جيدا فان فيه بحثا أيضا.

و كيف كان ف لو قال: عفوت عن الجناية ثم سرت إلى الكف خاصة سقط القصاص في الإصبع بلا خلاف و لا إشكال، لأن الفرض العفو عنه دون ما استحقه بالسراية التي هي لم تكن حال العفو، فهي كالجناية الجديدة و من هنا كان له دية الكف كما في المسالك و محكي الإرشاد و الروض و مجمع البرهان، بل هو المحكي عن المبسوط أيضا و إن كان تعليله لا يخلو من نظر بل منع واضح، قال: ليس له القصاص في باقي الأصابع، بل و فيها، و الكف تابع لها- إلى أن قال-: لأنه لا قصاص في الأطراف بالسراية» ضرورة ثبوت القصاص في النفس بها، ففي الطرف بطريق أولى، و من هنا عدول بعضهم عن التعليل المزبور إلى أن في قطع الكف تغريرا بالإصبع المعفو عنه، فيسقط القصاص فيه، ضرورة كونه كقطع كف كامل بناقص.

و احتمال جواز القطع له مع رد دية الإصبع المعفو عنه كما سمعته في خبر الحسن(1)المشتمل على قضية ابن عباس لم نجده لأحد من أصحابنا هنا، و لعله لعدم التعدية فيه إلى هذا الفرض.

و قد يناقش بأنه لا يتم مع فرض مساواة كف الجاني للمجني عليه، فإنه يتجه حينئذ بقاء القصاص في الكف، كما أنه يتجه بقاؤه في الأصابع التي سقطت بسقوط الكف و تبقى الحكومة في الكف.

و لعله لذا قال في القواعد: «و لو أبرأه عن الجناية فسرت إلى الكف فلا قصاص في الإصبع، بل في الكف إن ساواه في النقص، أو في


1- 1 المتقدم في ص 338 راجع التعليقة في ص 337.

ج 42، ص: 427

الباقي من الأصابع، و يطالب بالحكومة أي في الكف إن لم يساوه» بل في كشف اللثام هو واضح، نعم قد يقال: إن عدم ذكر المصنف و من عبر عبارته القسم الأول باعتبار ذكرهم سقوط القصاص المقتضي لوجود الإصبع في كف الجاني، بل لعل اقتصار المصنف على دية الكف مشعر بثبوت القصاص في ما بقي من الأصابع، و الأمر سهل بعد وضوح المراد، و الله العالم.

و لو سرت جناية الإصبع التي فرض العفو عنها إلى نفسه كان للولي القصاص في النفس بلا خلاف و لا إشكال فيه عندنا، كما اعترف به غير واحد، بل عن المبسوط هو الذي رواه أصحابنا، بل عن الخلاف عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، ضرورة اندراجه في جميع ما دل على القصاص من قوله تعالى(1)«النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» و غيره، و العفو عن الجناية السابقة لا يقتضي العفو عن السراية، نعم به يكون كما لو قتل كامل ناقصا، فيقتص منه بعد رد دية ما عفا عنه من الإصبع.

لكن في القواعد الاشكال فيه، و تبعه ولده و الشهيد و المقدس الأردبيلي في ما حكي عنهم و لم أجده لغيرهم، نعم عن التحرير ذلك أيضا إلا أنه لم نتحققه. و كيف كان فلعله من دخول الطرف في النفس، فهو كقتل كامل بمن قطع يده غيره أو تلف بآفة، أو لأنه بعفوه عنه كأنه اقتص منه، فكما لا يغرم لو سرى الجرح بعد اقتصاصه عوضه فيقتله بالسراية من غير رد لما استوفاه فكذا المقام، إلا أنهما معا كما ترى.

و أضعف منه ما عن الأردبيلي من احتمال سقوط القصاص، لأنه قد عفا عن هذه الجناية فصار ما ثبت لها ساقطا، و باقي أثرها معفو عنه تبعا، لأنه غير مضمون حينئذ، لأن المتبادر من العفو عن الجناية العفو


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 428

عنها و عن جميع لوازمها، قال: «و هذا يجري في الكف، نعم لو قيل:

إن علم أن المراد العفو عن الواقع فقط أو أن العفو عن السراية لم يصح اتجه ذلك و إلا ففيه تأمل».

إذ هو كما ترى أيضا لا يرجع إلى حاصل، فان كون الجرح غير مضمون بالعفو لا يقتضي عدم الضمان بالسراية، و ما اشتهر من أن غير المضمون لا تضمن سرايته إنما هو في غير المضمون ابتداء، كالواقع بحق مثلا، و دعوى اقتضاء الإطلاق ذلك واضحة المنع لو قلنا بصحة العفو عن السراية، مع أنك ستعرف بطلانه.

و نحو ذلك ما عن الشافعي من سقوط القصاص بالعفو عن العضو، لأن القصاص لا يتبعض، ضرورة أن العفو عن الطرف لا يقتضي عدم المكافئة بالنفس، و لذا يقتص للأقطع من الكامل، لحصول المكافئة في النفس دون الطرف، و من هنا قلنا بالرد، فالمسألة حينئذ لا إشكال فيها بحمد الله تعالى.

و لو صرح بالعفو عن الجناية و عن سرايتها صح العفو مما كان ثابتا وقت الإبراء، و هو دية الجرح أو القصاص فيه.

أما القصاص في النفس أو الدية ففي صحة العفو و الإبراء عنهما تردد و خلاف، فعن الشيخ في الخلاف الأول، قيل:

و كأنه مال إليه أو قال به الشهيدان في غاية المراد و الروض و المقدس الأردبيلي في مجمع البرهان، لعموم قوله تعالى(1)«فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» و ثبوت الإبراء عن الجناية قبلها شرعا للطبيب و البيطار، فبينها و بين السراية أولى، و لأن الأصل صحة العفو المناسبة لما ورد(2)


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 45.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب القصاص في النفس.

ج 42، ص: 429

من الترغيب فيه شرعا ترغيبا يكون به عبادة، فيناسبه الصحة، و لأن الجناية على الطرف سبب لفوات النفس التي لا تباشر بالجناية، و وجود السبب كوجود المسبب، و لوجوب الوفاء بالوعد، و

عموم «المؤمنون عند شروطهم»(1).

و عن أبي علي و الشيخ في المبسوط و الفاضل و ولده و غيرهم الثاني لأنه إبراء مما لا يجب و أنه وصية للقاتل، و في جوازها و عدمه الخلاف المعروف و إسقاط لحق الغير، و هو الولي.

و من هنا قال في الخلاف: يصح العفو عنها و عما يحدث عنها، فلو سرت كان عفوه ماضيا من الثلث، لأنه بمنزلة الوصية و إن كان لا يخفى عليك ما فيه من منع كون العفو وصية أولا، و لو سلم فهي باطلة. خلافا للمحكي عن المبسوط لو صرح بها، ضرورة صحتها في ما هو للميت، و الفرض أن القصاص للوارث لا له، بل و الدية و إن تعلقت بها وصاياه و ديونه للدليل، اللهم إلا أن يقال: إن عوض نفسه قصاصا أو دية له، و من ينتقل إلى الوارث، و لكن فيه أيضا أنه لا وجه للوصية به قبل استحقاقه إياه المتوقف على إزهاق روحه، و وجود الجناية أعم من ثبوته حالها، ضرورة استناده إلى سرايتها التي هي غيرها، اللهم إلا أن يقال بصحة الوصية بمثل ذلك، للعمومات الشاملة له و لما يملكه بعد موته كالذي يصيده في شبكته التي نصبها حال جنايته. و لكن الجميع محل نظر و بحث.

و دعوى تناول «فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ»(2)و نحوه لمثله ممنوعة، و ثبوت الإبراء للطبيب على القول به لا يقتضي الثبوت هنا بعد حرمة القياس،


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور- الحديث 4 من كتاب النكاح.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 42، ص: 430

كمنع أصالة صحة العفو بعد عدم تناول العموم لمثله، و الترغيب فيه لمن هو أهل له لا يقتضي ذلك، و كونه عبادة واضح المنع، مع أنه لا يقتضي الصحة في الفرض.

و كذا دعوى أن وجود السبب بمنزلة وجود المسبب على وجه يثبت المطلوب، و الوعد لا يجب الوفاء به كما هو مفروغ منه في محله، مع أن الفرض ليس منه، و كذا

عموم «المؤمنون عند شروطهم»(1)

المراد به ما يلتزمونه بالملزم الشرعي لا به نفسه. فالتحقيق حينئذ عدم صحته، و حينئذ لا يترتب عليه شي ء.

فما عن أبي علي- من سقوط القصاص به و إن كان باطلا و الانتقال إلى الدية- لا وجه له، كما أنه لا وجه لسقوط القصاص بالعفو و لو قلنا بأنه وصية، ضرورة كون حق القصاص بناء على أنه للمجني عليه كباقي ما هو له إنما له فيه الثلث، و حينئذ بعفوه يكون كعفو أحد الشركاء في القصاص يؤدي للمقتص منه مقدار ما عفا الشريك ثم يقتص، اللهم إلا أن يقال إنه أوصى بالقصاص أجمع للمقتص منه فيغرم للوارث من ثلثه من غيره كغيره مما يوصى به، و لكن الجميع كما لا ترى ينطبق على فقه الإمامية، و التحقيق ما عرفت، و الله العالم.

[المسألة السابعة لو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته فإن قال أبرأتك لم يصح]

المسألة السابعة:

لو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته فإن قال المجني عليه للعبد أبرأتك من ذلك لم يصح كما عن المبسوط و غيره،


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور- الحديث 4 من كتاب النكاح.

ج 42، ص: 431

بل قيل: إنه المشهور، لأنه لا حق له في ذمته كي يكون مورد الإبراء، إذ هو مال للغير.

لكن مع ذلك ففي القواعد «لم يصح على إشكال» و في كشف اللثام «من تعلق الحق برقبته، و من أن رقبته حق للمولى فهو إبراء من لا حق له عليه».

قلت: لا يخفى عليك ما في الوجه الأول بعد ما ذكرناه، و من هنا قال في الكشف: «الأقرب أنه إن استحق تملك الرقبة خاصة فلا معنى لإبرائه، إذ لا معنى للإبراء عن النفس، و إن استحق القصاص تخير بينه و بين الاسترقاق كلا أو بعضا، فإذا أبرأه صح و انصرف إلى القصاص، فإنه الذي يصح إبراؤه عنه، و بقي له الاسترقاق ما لم يبرأ السيد، إلا أن يريد إسقاط القصاص و الاسترقاق جميعا، فإنه لا يصح إلا أن يتجوز بذلك عن إبراء السيد» و إن كان هو أيضا فيه ما فيه

بناء على ما عرفت من أن محل الإبراء الحقوق التي في الذمم، و ليس الفرض منها، فلا فرق بين استحقاق تملك الرقبة خاصة كما في الجروح التي لا قصاص فيها و بين ما إذا كان مخيرا بينه و بين القصاص، إلا أن يقال: إن حق القصاص شي ء يتعلق بذمة المكلف فيصح أن يكون موردا للإبراء كما إذا أبرأ الحر منه، و مع ذلك لا يخلو من إشكال، فإنه ليس تعلق دين، بل هو خطاب شرعي يشك في تعلق الإبراء به، و الأصل العدم بعد عدم عموم يتمسك به.

بل و على ما ذكرنا يأتي الإشكال أيضا في ما في القواعد و محكي المبسوط و غيره من أنه إن أبرأ السيد صح، لأن الجناية و إن تعلقت برقبة العبد فإنه ملك للسيد و في كشف اللثام «صح ذلك إن استحق الاسترقاق خاصة أو مع القصاص، فإنه كان استحق عليه

ج 42، ص: 432

أخذ العبد منه و استرقاقه أو بحيث إن شاء اقتص و إن شاء استرق، فإذا أبرأه سقط حقه» إلا أن ذلك كله كما ترى.

و لذا قال المصنف فيه إشكال كالمحكي عن التحرير من حيث إن الإبراء إسقاط لما في الذمة و ليس ذلك منه، نعم لو قال: عفوت عن أرش هذه الجناية أو موجبها صح و لا يجرى فيه الاشكال المذكور، لأن العفو لا يختص بما في الذمة، و احتمال تنزيل الإبراء المزبور على ذلك جيد إن حصلت قرينة تدل عليه غير حمله على الوجه الصحيح، و إلا فمشكل.

و لو كان القتل عمدا لخطأ و أبرأ الولي العاقلة لم يبرأ القاتل، ضرورة كونه إبراء لمن ليس عليه الحق، نعم لو قلنا كما عن قول للعامة من كون الدية على القاتل و العاقلة يتحملون عنه اتجه ذلك، لكنه معلوم الفساد عندنا، فيكون إبراء لمن لم يكن عليه حق.

كما لو أبرأ القاتل في الخطأ المحض الثابت بالبينة أو إقرار العاقلة، فإنه لا تبرأ العاقلة، نعم لو أبرأ القاتل في الأول أو قال: عفوت عن هذه الجناية أو أرشها و نحوه صح، كما هو واضح.

و بذلك يظهر لك ما في بعض نسخ الشرائع، إذ الموجود عندنا ما عرفته، و في آخر و لو أبرأ قاتل الخطأ المحض لم يبرأ و لو أبرأ العاقلة أو قال: عفوت عن أرش هذه الجناية صح، و لو كان القتل شبيه العمد فإن أبرأ القاتل أو قال عفوت عن أرش هذه الجناية صح، و لو أبرأ العاقلة لم يبرأ القاتل إذ هو عين ما ذكرناه سابقا، و الله العالم.

تم كتاب القصاص و الحمد لله أولا و آخرا و صلى الله على محمد و آله.

ج 42، ص: 433

إلى هنا- و الحمد لله- تم الجزء الثاني و الأربعون من كتاب جواهر الكلام، و قد بذلنا الجهد في تنميقه و تحقيقه و التعليق عليه و تصحيحه، فنشكره تعالى على ما وفقنا لذلك، و نسأله أن يديم توفيقنا لإخراج الجزء الأخير و هو الجزء الثالث و الأربعون في كتاب الديات، و به ختام هذه الموسوعة الكبيرة.

النجف الأشرف محمود القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.