جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 41

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج 41، ص: 1

اشارة

ج 41، ص: 2

ج 41، ص: 3

ج 41، ص: 4

ج 41، ص: 5

ج 41، ص: 6

[تتمة القسم الرابع في الأحكام]

[كتاب الشهادات]

اشارة

ج 41، ص: 7

الجزء الحادي و الأربعون

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الشهادات المستفيض في الكتاب (1) و السنة (2)

ذكرها و ذكر أحكامها:

جمع شهادة، و هي لغة: الحضور، و منه قوله تعالى (3) «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ» أو العلم الذي عبر بعضهم عنه بالاخبار عن اليقين، و شرعا إخبار جازم عن حق لازم للغير واقع من غير حاكم، و قد تقدم لنا في كتاب القضاء (4) كلام في ذلك و أن المرجع فيها العرف الذي يصلح فارقا بينها و بين غيرها من الأخبار، و يأتي إن شاء الله.

نعم في المسالك و غيرها «أن بالقيد الأخير يخرج إخبار الله و رسوله (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) و إخبار الحاكم حاكما آخر، فان ذلك لا يسمى شهادة».


1- «1» سورة البقرة: 2- الآية 282 و سورة النساء: 4- الآية 6 و 15 و سورة النور: 24- الآية 4 و 6 و 13 و سورة الطلاق: 65- الآية 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- و غيره من كتاب الشهادات.
3- «3» سورة البقرة: 2- الآية 185.
4- «4» راجع ج 40 ص 107.

ج 41، ص: 8

و فيه منع عدم تسمية الأخير شهادة، و لو قيل بخروج إخباره بالحق حال إرادة إنشاء الحكم به لكان أولى، ضرورة عدم تسمية مثله شهادة عرفا، من غير فرق بين الحاكم و غيره، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك من نحو إخباره بالأحكام الشرعية، فإنها ليس شهادة قطعا، و الأمر سهل بعد معلومية كون مرجع هذا التعريف إلى تحقيق المعنى العرفي للشهادة.

و من هنا كان الأصوب إيكال ذلك إلى العرف، للقطع بعدم معنى شرعي مخصوص لها، و الغالب في المعاني العرفية عدم إمكان ذكر حد تام لها شامل لجميع أفرادها، و لذا أطنب القمي في قوانينه بعد أن ذكر التعريف المزبور عن أول الشهيدين في قواعده، و ذكر عنه الإشكال في بعض الأفراد أنها شهادة أو رواية، كرؤية الهلال و المترجم و المقوم و القاسم و المخبر عن طهارة الثوب و القبلة و الوقت بعد أن جعل موضوع الشهادة الأمر المخصوص و موضوع الرواية الأمر العام، و أطال في النقض عليه و تحرير كلامه، و لكنه لم يأت بالمميز العام بينهما، حتى ارتكب تأصيل أصل غير أصل للأحكام المترتبة عليها من اعتبار التعدد و نحوه.

و الأولى ما ذكرناه من إيكال الفرق بينهما إلى العرف، فكل ما عد فيه أنه من الشهادة اعتبر فيه التعدد و غيره من الأحكام الثابتة لها، و إلا كان من غيرها، و الظاهر وفاء العرف بذلك من غير مدخلية لاعتبار الحاكم و غيره من القيود المزبورة، و الله العالم.

و كيف كان ف النظر يقع في أطراف خمسة:

ج 41، ص: 9

[الطرف الأول في صفات الشهود]

[الوصف الأول البلوغ]

الأول في صفات الشهود و يشترط ستة أوصاف:

الأول البلوغ، فلا تقبل شهادة الصبي غير المميز إجماعا بقسميه و لا غيره ما لم يصر مكلفا في غير الدماء.

و قيل: تقبل مطلقا إذا بلغ عشرا، و هو متروك بل اعترف غير واحد بعدم معرفة القائل به و إن نسب إلى الشيخ في النهاية، و لكنه وهم.

نعم يدل عليه- مضافا إلى إطلاق الشهادة كتابا (1) و سنة (2)

و أولوية غير الدم منه-

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر طلحة ابن زيد (3)

«شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهلهم»

و خبر أبي أيوب الخراز (4)

«سألت إسماعيل بن جعفر متى تجوز شهادة الغلام؟ فقال: إذا بلغ عشر سنين، قال: قلت: و يجوز أمره؟

فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) دخل بعائشة و هي بنت عشر سنين، و ليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره و جازت شهادته».


1- «1» راجع التعليقة «1» من ص 7.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- و غيره من كتاب الشهادات.
3- «3» الوسائل- الباب- 22- من كتاب الشهادات- الحديث 6.
4- «4» الوسائل- الباب- 22- من كتاب الشهادات- الحديث 3.

ج 41، ص: 10

و فيه أن الإطلاق بالتبادر و غيره مخصوص بالبالغ، و معارض بعموم كثير من النصوص الدالة على اعتبار أمور كثيرة في الشاهد منفية في الصبي قطعا كالعدالة و نحوها، و منع الأولوية المزبورة.

و الخبران- مع ضعف سنديهما و لا جابر- محتملان للحمل على الصورة الآتية، على أن الثاني منهما لم يسند إلى معصوم، بل لا يخفى عليك ما في متنه، فان حكم الرجل و المرأة لا يجب أن يكون واحدا في كل شي ء، ألا ترى إلى الأمر الذي جعل جامعا؟ فان صاحب العشر سنين من الرجال لا يتأتى منه النكاح غالبا، و مع ذلك كله معارضان بالنصوص الكثيرة الدالة على اعتبار البلوغ في قبول شهادة الصبيان التي تحملوها حال الصغر (1)

و على عدم قبول شهادتهم إلا في القتل (2)

كما ستسمع، و لا ريب في رجحانها عليها من وجوه: منها سلب عباراته، حتى أنه لا يقبل إقراره على نفسه، و منها عدم الوثوق بقوله، لعلمه بعدم مؤاخذته على الكذب، و لعل حملهما على إرادة بيان إمكان جواز أمر الغلام بالعشر لاحتلام و نحوه أو في الجملة و لو من الدماء أولى.

و على كل حال ففي المسالك أنه نقل جماعة منهم الشيخ فخر الدين الاتفاق على عدم قبول شهادة من دون العشر حتى في الدم، و إنما الخلاف في من زاد عن ذلك و إن كنا لم نتحققه، بل في الكفاية أن الموجود في الإيضاح أن من لم يبلغ العشر لا تقبل شهادته في غير القصاص و القتل و الجراح إجماعا، و ظاهره عدم الإجماع على ذلك في القتل و الجراح، و ربما كان ظاهر جملة من العبارات التي جعل فيها العنوان الصبي، كما عن الخلاف و الإسكافي.


1- «1» الوسائل- الباب- 21- من كتاب الشهادات.
2- «2» الوسائل- الباب- 22- من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 11

و كيف كان فقد اختلفت عبارات الأصحاب في قبول شهادتهم في الجراح و القتل تبعا لاختلاف النصوص فروى جميل في

الحسن كالصحيح (1)

عن أبي عبد الله (عليه السلام) تقبل شهادتهم في القتل و يؤخذ بأول كلامهم قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تجوز شهادة الصبيان، قال: نعم في القتل، يؤخذ بأول كلامه، و لا يؤخذ بالثامنة»

و مثله

روى محمد بن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا بطريق فيه العبيدي عن يونس (2) قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شهادة الصبي، قال:

فقال: لا إلا في القتل يؤخذ بأول كلامه، و لا يؤخذ بالثاني».

و قال الشيخ في النهاية: تقبل شهاداتهم في الجراح و القصاص و قال في الخلاف: تقبل شهادتهم في الجراح ما لم يتفرقوا إذا اجتمعوا على مباح بل اقتصر غير واحد كالمصنف في النافع و غيره على الجراح، بل هو معقد إجماع محكي الخلاف و الانتصار بل و الغنية، لكن زيد فيها الشجاج، كما زيد في محكي المقنعة و المراسم و الجامع، نعم عن النهاية كما سمعت و السرائر و الوسيلة الشجاج و القصاص، و يمكن اتحاد المراد في الجميع بدعوى إرادة ما يشمل القتل من الجراح و الشجاج و بالعكس، خصوصا بعد النظر إلى استدلال من عبر بالجراح بنصوص القتل (3)

كما عن الانتصار و الغنية إلا أنه في التحرير و الدروس قد صرح باشتراط أن لا يبلغ الجراح النفس.

و لكن قد يشكل بأن النصوص في القتل كالخبرين السابقين و في ما كتبه

الرضا (عليه السلام) في العلل التي كتبها لمحمد بن سنان (4) في شهادة


1- «1» الوسائل- الباب- 22- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 22- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 22- من كتاب الشهادات.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 50.

ج 41، ص: 12

النساء «لا تجوز شهادتهن إلا في موضع ضرورة، مثل شهادة القابلة و ما لا يجوز للرجال أن ينظروا إليه كضرورة تجوز شهادة أهل الكتاب إذا لم يكن غيرهم، و في كتاب الله عز و جل (1) «اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ- أي مسلمين- أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» كافرين، و مثل شهادة الصبيان على القتل إذا لم يوجد غيرهم».

و في

خبر السكوني (2) عن الصادق (عليه السلام) أنه «رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ستة غلمان كانوا في الفرات فغرق واحد منهم، فشهد ثلاثة منهم على اثنين أنهما غرقاه، و شهد اثنان على الثلاثة أنهم غرقوه فقضى بالدية ثلاثة أخماس على الاثنين و خمسين على الثلاثة»

و من هنا أشكله في المسالك بأن مراعاة النصوص تقتضي دخول القتل، و طرحها يقتضي إخراج الجراح أيضا.

بل من ذلك ينقدح النظر في مختار المصنف، فإنه قال و التهجم على الدماء بخبر الواحد خطر، فالأولى الاقتصار على القبول في الجراح بناء على إرادة ما لا يشمل القتل من الجراح في كلامه بالشروط الثلاثة: بلوغ العشر و بقاء الاجتماع إذا كان على مباح لغيرهم كالرمي و نحوه تمسكا بموضع الوفاق.

اللهم إلا أن يقال: إن مقصود المصنف طرح النصوص و الرجوع إلى الإجماع، و المتيقن منه الجراح بالشروط الثلاثة، إذ قد عرفت اختلاف الأصحاب في التعبير عن ذلك، و لعل ذلك أيضا الوجه في ما سمعته من التحرير و الدروس، ضرورة عدم انحصار الدليل في النصوص المزبورة، بل يمكن طرحها و الرجوع إلى إجماع الأصحاب، و المتيقن من جهة الاختلاف المزبور الجراح مع الشروط الثلاثة.


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 106.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب موجبات الضمان- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 41، ص: 13

نعم قد يناقش فيه بمنع كون ذلك هو المتيقن، بل لا بد مع ذلك من اعتبار أن لا يوجد غيرهم كما سمعته عن الرضا (عليه السلام) في ما كتبه لمحمد بن سنان (1)

و اعتبار الأخذ بأول كلامهم الذي حكاه في كشف اللثام عن الشيخين في المقنعة و النهاية و المرتضى و سلار و بني حمزة و زهرة و إدريس و يحيى و المصنف في النافع، و جعله في التحرير و الدروس رواية، بل هو أولى من الاجتماع على المباح الذي قد اعترف غير واحد بعدم معرفة دليله بخلافه، فإنك قد عرفت اشتمال الخبرين المزبورين (2)

عليه. و دعوى استفادته من فحوى العلة التي في البالغين كما ترى. بل و أولى من الشرطين الآخرين اللذين قد عرفت ضعف سند دليلهما.

بل قد يناقش أيضا باحتمال اختصاص الحكم المزبور في ما بينهم، كما هو مقتضى المحكي من عبارة الخلاف و خبر طلحة المتقدم (3)

بل يمكن تنزيل إطلاق كثير من الأصحاب عليه، بل قد يؤيده في الجملة خبر السكوني (4)

السابق المشتمل على الدية، بل بناء على فهم القيدية منه يدل على عدم قبول شهادتهم على غيرهم، فيتجه الجمع حينئذ بينه و بين الخبرين (5)

المزبورين بالإطلاق و التقييد.

بل منه ينقدح حينئذ اختصاص قبول شهادتهم في الدية، لأن عمدهم خطأ، و هذا هو المناسب لعدم التهجم على الدماء بشهادتهم على وجه يقتص بها من البالغين في نفس أو طرف، كما أنه المناسب لشدة الأمر في الدماء و عدم إبطالها، فيختص حينئذ قبول شهادتهم في ما بينهم


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 50.
2- «2» الوسائل- الباب- 22- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 22- من كتاب الشهادات- الحديث 6.
4- «4» الوسائل- الباب- 2- من أبواب موجبات الضمان- الحديث 1 من كتاب الديات.
5- «5» الوسائل- الباب- 22- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

ج 41، ص: 14

لإيجابها الدية و لو كان المشهود به القتل، و لعل ذلك هو الموافق للنصوص و غيرها، ضرورة أن رفع اليد من القتل و قصر الحكم على الجراح الذي لم يصل إلى حد القتل مع اشتمال الخبرين المعتبرين اللذين هما الأصل في هذا الحكم المفتي به عند الأصحاب عليه مما لا وجه له، على أن الجراح الذي يشهدون به قد يسري إلى النفس.

و دعوى بطلان شهادتهم حينئذ واضح البطلان، بل رفع اليد عن ذلك شبيه رفع اليد عن النصوص و الفتاوى، و القول بعدم قبول شهادة الصبيان في قتل أو جراح للأصول و العمومات المقتضية عدم قبول شهادة غير البالغ لفقد وصف العدالة و غيرها، كما يحكى عن فخر المحققين، و ربما مال إليه بعض الناس. لكن لا يخفى عليك ما فيه من إمكان دعوى منافاته للمقطوع به من النصوص و الفتاوى، بل نفى الخلاف غير واحد عن قبول شهادتهم في الجناية في الجملة كما حكى الإجماع على ذلك غير واحد أيضا، بل يمكن دعوى تحصيله.

و بذلك كله ظهر لك أن ما ذكرناه هو الأقوى و إن قل المصرح به لكن لا وحشة مع الحق و إن قل القائل به، على أنك قد عرفت اختصاص عبارة الشيخ الذي هو الأصل في إخراج الفروع من أصولها بجناية بعضهم على بعض، و أنه يمكن تنزيل إطلاق غيره عليه.

بل من ذلك ينقدح النظر في ما ذكره غير واحد من أن الوجه في الشرط الثالث الاقتصار على المتيقن في أمر الدماء، إذ قد عرفت أن الأمر راجع إلى مال و إن تعلق بالدماء، فيتجه حينئذ اعتبار ما اقتضته الأدلة المعتبرة دون غيره مما ينفيه إطلاقها، كما أنه بان لك النظر في كثير من الكلمات المسطورة في هذا المبحث.

و على كل حال فظاهر النصوص و الفتاوى اختصاص الحكم

ج 41، ص: 15

في شهادة الصبيان دون الصبية الباقية على مقتضى الأصول و العمومات الدالة على عدم قبول شهادتها.

[الوصف الثاني كمال العقل]

الوصف الثاني: كمال العقل، فلا تقبل شهادة المجنون المطبق إجماعا بقسميه، بل ضرورة من المذهب أو الدين على وجه لا يحسن من الفقيه ذكر ما دل على ذلك من الكتاب و السنة.

أما من يناله الجنون أدوارا ف هو كالمطبق حال جنونه نعم لا بأس بشهادته في حال إفاقته لاندراجه في الأدلة حينئذ كتابا (1) و سنة (2)

لكن بعد استظهار الحاكم بما يتيقن معه حضور ذهنه و استكمال فطنته و إلا طرح شهادته بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل و لا إشكال، بل صريح كشف اللثام اعتبار ذلك حال التحمل و الأداء، و فيه أن المعتبر الثاني، إذ العدالة و الضبط و التيقظ ترفع القدح فيه و إن كان قد تحملها في حال جنونه، مضافا إلى تناول إطلاق أدلة قبولها له.

و كذا من يعرض له السهو غالبا فربما سمع الشي ء و أنسى بعضه فيكون ذلك مغيرا لفائدة اللفظ و ناقلا لمعناه كما شاهدناه في بعض الأولياء فحينئذ يجب الاستظهار عليه حتى يستثبت ما يشهد به على وجه يطمئن الحاكم بعدم غفلته في ما شهد به و لو لكون المشهود به مما لا يسهى فيه، بل عبارة المتن و القواعد و غيرهما صريحة في اعتبار يقين الحاكم بذلك، لكنه لا يخلو من إشكال.

و كذا المغفل الذي في جبلته البله فربما استغلط، لعدم تفطنه لمزايا الأمور و تفاصيلها و يدخل عليه الغلط و التزوير من حيث لا يشعر


1- «1» راجع التعليقة «1» من ص 7.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- و غيره من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 16

ف الأولى بل الواجب الاعراض عن شهادته ما لم يكن المشهود به من الأمر الجلي الذي يتحقق الحاكم استثبات الشاهد به و أنه لا يسهو في مثله

و في الخبر (1) عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى (2)«مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» قال: «ممن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفته و تيقظه في ما يشهد به و تحصيله و تمييزه فما كل صالح مميز محصل و لا كل مميز صالح».

[الوصف الثالث الايمان]

الوصف الثالث: الايمان بالمعنى الأخص الذي هو الإقرار بإمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) فلا تقبل شهادة غير المؤمن و إن اتصف بالإسلام لا على مؤمن و لا على غيره إلا ما ستعرف لاتصافه ب الكفر فضلا عن الفسق و الظلم المانع من قبول الشهادة بلا خلاف أجده فيه، بل عن جماعة الإجماع عليه، بل لعله من ضروري المذهب في هذا الزمان، للأصل بعد اختصاص إطلاقات الكتاب و السنة و لو للتبادر و غيره بالمؤمن، خصوصا نحو «رِجالِكُمْ» (3) و «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ» (4) بناء على المعلوم من مذهب الإمامية من اختصاص الخطاب بالمشافهين دون غيرهم، و ليس المخالف بموجود في زمن الخطاب و لو سلم العموم فقد عرفت الخبر (5)

المفسر لقوله تعالى «تَرْضَوْنَ» برضا دينه، و لا ريب في كونه غير مرضي الدين.

هذا كله على القول بإسلامه أما على القول بالكفر كما هو مذهب جماعة قد حكى بعضهم الإجماع عليه فلا إشكال في عدم قبول شهادته لكفره، فلا يدخل في إطلاق ما دل (6)

على شهادة المسلم، و لو سلم فهو


1- «1» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 23.
2- «2» سورة البقرة: 2- الآية 282.
3- «3» سورة البقرة: 2- الآية 282.
4- «4» سورة البقرة: 2- الآية 282.
5- «5» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 23.
6- «6» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 18 و 22.

ج 41، ص: 17

معارض بإطلاق ما دل على عدم قبول شهادة الكافر، بناء على أن إطلاق الكفر عليهم لكونهم كفارا حقيقة، أو لجريان أحكامهم عليهم التي منها عدم قبول الشهادة، و لو سلم التعارض فالرجوع إلى الأصل متعين.

كل ذلك مضافا إلى ما ورد في النصوص من لعن المخالفين و الدعاء عليهم (1)

و أنهم مجوس هذه الأمة (2)

و شر من اليهود و النصارى (3)

و أنهم لغير رشدة (4)

.

و بالجملة لا يمكن إحصاء وجوه الدلالة في النصوص على عدم قبول شهادتهم: منها إطلاق الكفر، و منها الفسق، و منها الظلم، و منها كونهم غير رشدة، و منها رد شهادة الفحاش و ذي المخزية في الدين، و منها ممن ترضون دينه و أمانته، و منها اعتبار العدالة التي قد ذكر في النصوص (5)

ما هو كالصريح في عدم تحققها في مخالفي العقيدة إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة بل الصريحة عند متتبعي آثارهم و العارفين بلسانهم و لحن خطابهم و رمزهم، و خصوصا في الأمر المخالف للتقية إذا أرادوا الجمع بينها و بين الواقع.

و لعل من ذلك ما في

الصحيح (6)

«قلت للرضا (عليه السلام):

رجل طلق امرأته و أشهد شاهدين ناصبيين، قال: كل من ولد على فطرة الإسلام و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته»

إذ من المعلوم عدم إرادته بذلك بيان قبول شهادة الناصب الذي هو كافر بلا خلاف


1- «1» البحار- ج 27 ص 222 و 228 و 235.
2- «2» راجع ج 36 ص 94 التعليقة «2».
3- «3» الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف- الحديث 5 من كتاب الطهارة.
4- «4» البحار- ج 27 ص 147- الرقم 9 و ص 156 الرقم 30.
5- «5» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات.
6- «6» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 5.

ج 41، ص: 18

و لا إشكال، بل

قوله (عليه السلام): «كل من ولد على فطرة الإسلام»

إلى آخره كالصريح في إرادة الشيعة و لو بضميمة

قولهم (عليهم السلام) (1): «ما على فطرة إبراهيم غيرنا و غير شيعتنا»

على أن معرفة الصلاح في نفسه لا يكون إلا في الشيعة، بخلاف المخالفين الذين هم عين الفساد.

هذا و لكن في المسالك بعد أن اعترف أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على اشتراط الايمان، قال: «و ينبغي أن يكون هو الحجة» ثم ذكر الاستدلال بصدق الفاسق و الظالم عليه إلى أن قال: «و فيه نظر، لأن الفسق إنما يتحقق بفعل المعصية المخصوصة مع العلم بكونها معصية، أما مع عدمه بل مع اعتقاده أنها طاعة بل من أمهات الطاعات فلا، و الأمر في المخالف للحق في الاعتقاد كذلك، لأنه لا يعتقد المعصية، بل يزعم أن اعتقاده من أهم الطاعات، سواء كان اعتقاده صادرا عن نظر أم تقليد، و مع ذلك لا يتحقق الظلم أيضا، و إنما يتفق ذلك ممن يعاند الحق مع علمه به، و هذا لا يكاد يتفق و إن توهمه من لا علم له بالحال و العامة مع اشتراطهم العدالة في الشاهد يقبلون شهادة المخالف لهم في الأصول ما لم يبلغ خلافه حد الكفر أو يخالف اعتقاده دليلا قطعيا بحيث يكون اعتقاده ناشئا من محض التقصير، و الحق أن العدالة تتحقق في جميع أهل الملل مع قيامهم بمقتضاها بحسب اعتقادهم، و يحتاج في إخراج بعض الأفراد للدليل، و سيأتي في شهادة أهل الذمة في الوصية ما يدل عليه و على ما ذكره المصنف من فسق المخالف، فاشتراط الايمان بخصوصه مع ما سيأتي من اشتراط العدالة لا حاجة إليه، لدخوله فيه».

و هو من غرائب الكلام المخالف لظاهر الشريعة و باطنها، إذ من


1- «1» الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 14 من كتاب الخمس.

ج 41، ص: 19

ضرورة المذهب عدم المعذورية في أصول الدين التي منها الإمامة، بل ما حكاه من العامة لا يوافق ما ذكره، ضرورة المخالفة في الفرض للدليل القطعي الناشئ عن تقصير، و من الغريب دعوى معذورية الناشئ اعتقاده عن تقليد، و بالجملة لا يستأهل هذا الكلام ردا، إذ هو مخالف لأصول الشيعة، و من هنا شدد النكير عليه الأردبيلي، و في كشف اللثام أنه من الضعف بمكانة.

نعم في الرياض «و أما الجواب عن الاستدلال بالفسق و الظلم بأن الفسق إنما يتحقق بمعاندة الحق مع العلم به فحسن إن اختير الرجوع في بيان معنى الفسق و الظلم إلى العرف، حيث إن المتبادر منهما مدخلية الاعتقاد في مفهومهما، و أما إن اختير الرجوع إلى اللغة فمنظور فيه، لعدم مدخلية الاعتقاد في مفهومهما فيها» معرضا بما سمعته منه.

و قد عرفت أن التدبر في مجموع كلامه يقتضي نفيه المعصية، و ليس مبنى كلامه على إطلاق اسم الفسق و الظلم عليهما، و إلا فلا وجه للنظر بناء على ما ذكره، ضرورة تقدم المعنى العرفي على اللغوي، نعم المتجه منع عدم صدق الفاسق على المخالف في العقيدة و الفرض عدم معذوريته في الاعتقاد المزبور الذي دخل به في قسم الكافرين فضلا عن الفاسقين و الظالمين و أي فسق أعظم من فساد العقيدة التي لم يعذر صاحبها، و على كل حال فلا تقبل شهادة غير المؤمن.

نعم تقبل شهادة الذمي خاصة في الوصية كذلك إذا لم يوجد من عدول المسلمين، من يشهد بها للكتاب (1)» و السنة(2)


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 106.
2- «2» الوسائل- الباب- 40- من كتاب الشهادات و الباب- 20- من كتاب الوصايا.

ج 41، ص: 20

و الإجماع بقسميه كما فصلنا ذلك في كتاب الوصايا (1)

و لا يشترط في ذلك كون الموصى في غربة كما عن المتأخرين و ظاهر أكثر القدماء، بل لعل قول المصنف هنا كالمحكي عن التحرير و باشتراطه رواية مطرحة مشعر بالإجماع عليه، و أراد بالرواية

خبر حمزة بن حمران (2) عن الصادق (عليه السلام) «اللذان منكم مسلمان و اللذان من غيركم من أهل الكتاب، و إنما ذلك إذا كان الرجل المسلم في أرض غربة فيطلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين أشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما»

و عن الإسكافي و الحلبي صريحا و المبسوط و الغنية ظاهرا العمل بها، بل ربما يفهم من الأخيرين الإجماع عليه.

و لكن الأقوى في النظر ورود ذلك فيها- كالآية (3)و غيرها من نصوص (4) المسألة- مورد الغالب، فلا تعارض إطلاق كثير من النصوص (5)

بل في الرياض و عموم جملة معتبرة منها باعتبار تضمنها التعليل

(6) بأنه «لا يصلح ذهاب حق أحد»

و لا أقل من التعارض بين مفهوم التعليل و بين مفهوم الحصر و الشرط، و لا ريب في أن الترجيح للأول و لو للشهرة العظيمة، و إن كان فيه ما فيه، ضرورة عدم كون ذلك علة يرجع إليها، بل هي من الحكمة و لكن ما عرفته سابقا كاف في إثبات المقصود، مضافا إلى ما يظهر بالتأمل الجيد في نصوص المسألة من عدم مدخلية السفر في ذلك، فلاحظ و تأمل.


1- «1» راجع ج 28 ص 347- 352.
2- «2» الوسائل- الباب- 20- من كتاب الوصايا- الحديث 7.
3- «3» سورة المائدة: 5- الآية 106.
4- «4» الوسائل- الباب- 20- من كتاب الوصايا- الحديث 7.
5- «5» الوسائل- الباب- 20- من كتاب الوصايا.
6- «6» الوسائل- الباب- 20- من كتاب الوصايا.

ج 41، ص: 21

و على كل حال فلا يلحق بأهل الذمة فساق المسلمين في الحكم المزبور لحرمة القياس عندنا، لكن عن التذكرة «لو وجد مسلمان فاسقان فان كان فسقهما بغير الكذب و الخيانة فالأولى أنهما أولى من أهل الذمة، و لو كان فسقهما يتضمن اعتماد الكذب و عدم التحرز عنه فأهل الذمة أولى».

و قال أيضا: «و لو وجد مسلمان مجهولا العدالة فهما أولى من شهود أهل الذمة» و مال إليه في المسالك.

و لا يخفى عليك ما فيه، و إن وجه أول كلامه بأنهما شاركا الذميين في الفسق، و فسق الكفر أعظم، بل يمكن إرادة الصدق و الامانة من العدل في الآية، و الأخير بأن الكفر معلوم الفسق فيقدم عليه المستور، خصوصا إذا قلنا: إن الأصل في المسلم العدالة.

هذا مع أن الأخبار اشترطت عدم وجود المسلمين، ضرورة كون ذلك كله لا يوافق أصول الإمامية، و النصوص محمولة على إرادة عدم مقبولي الشهادة من المسلمين لا مطلقا كما هو واضح، و قد تقدم تمام الكلام في المسألة في كتاب الوصايا (1).

و كيف كان ف يثبت الإيمان بمعرفة الحاكم أو قيام البينة أو الإقرار لكن في المسالك «و مرجع الثلاثة إلى الإقرار، لأن الإيمان أمر قلبي لا يمكن معرفته من معتقده إلا بالإقرار، و لكن المصنف اعتبر الوسائط بينه و بين المقر» و فيه أنه و إن كان أمرا قلبيا لكن له آثار و لوازم يمكن بها معرفته بدون الإقرار كما هو مشاهد في كثير من الناس، بل السيرة القطعية عليه كغيره من الأمور الباطنة، و لهذا قال المصنف ما سمعت لا لما ذكره، و الأمر سهل.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه تقبل شهادة المؤمن الجامع


1- «1» راجع ج 28 ص 347- 352.

ج 41، ص: 22

للشرائط الآتية على جميع الناس و لهم بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعل في قوله تعالى (1) «وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» إشعارا به، و في

النبوي (2): «لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دين إلا المسلمين، فإنهم عدول على أنفسهم و غيرهم»

و في الصحيح (3): «تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل و لا تجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين»

و في آخر (4): «تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب».

و أما الكافر الحربي فلا تقبل شهادته على غيره و لو من أهل ملته فضلا عن المسلمين بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن الإيضاح الإجماع عليه.

و هل تقبل شهادة الذمي على الذمي؟ قيل و القائل المشهور:

لا تقبل و كذا على غير الذمي بل عن جماعة الإجماع على عدم قبوله على المسلم في غير الوصية، بل لا خلاف معتد به أيضا في عدم قبولها على غير أهل ملته للأصل و غيره، و خصوص

موثق سماعة (5) سأل الصادق (عليه السلام) «عن شهادة أهل الذمة، فقال: لا تجوز إلا على أهل ذمتهم»

مضافا إلى النبوي السابق (6)

و الصحيح الآتي (7).

خلافا للمحكي عن أبي علي، فأجاز شهادة الكفار بعضهم على بعض و إن اختلف الملتان مع العدالة في دينهم، و هو مع شذوذه لا مستند


1- «1» سورة البقرة: 2- الآية 143.
2- «2» المستدرك- الباب- 32- من كتاب الشهادات- الحديث 4.
3- «3» الوسائل- الباب- 38- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 38- من كتاب الوصايا- الحديث 3.
5- «5» الوسائل- الباب- 20- من كتاب الوصايا- الحديث 5.
6- «6» المستدرك- الباب- 32- من كتاب الشهادات- الحديث 4.
7- «7» الوسائل- الباب- 40- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 23

له إلا

صحيح الحلبي (1) في الجملة سأل الصادق (عليه السلام) «هل تجوز شهادة أهل الذمة على غير أهل ملتهم؟ قال: نعم إن لم يوجد من أهل ملتهم جازت شهادة غيرهم أنه لا يصلح ذهاب حق أحد».

و في

خبر ضريس الكناسي (2)

«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة أهل ملة هل تجوز على رجل من غير أهل ملتهم؟ فقال:

لا إلا أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم، فان لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية، لأنه لا يصلح ذهاب حق امرء مسلم، و لا تبطل وصيته».

و هما- مع عدم دلالتهما على تمام المدعى بل الثاني منهما لا يوافق إطلاق الخصم- محمولان على إرادة بيان قبول خصوص شهادتهم على المسلم في خصوص الوصية، كما صرح به في الخبر الثاني، بل لعل التعليل في الأول يرشد إلى ذلك بقرينة وجوده في نصوص (3)

قبول شهادتهم في الوصية.

و لكن مع ذلك كله قال في كشف اللثام: «و هو قوي إذا كان الشاهد ذميا و المشهود عليه حربيا، كما هو ظاهر الخبر لصحته، و لأن علينا رعاية الذمة، فلا علينا أن نحكم لهم بشهادتهم على أهل الحرب» و فيه- مع ما عرفت و تعرف أيضا- أنه لا يصلح معارضا لما دل على عدم قبول شهادتهم من الأدلة العامة و الخاصة بعد أن عرفت عدم العمل به من أحد إلا من الإسكافي.

نعم قيل و القائل الشيخ في محكي الخلاف و النهاية تقبل شهادة كل ملة على ملتهم بل في الخلاف نسبته إلى أصحابنا و لكن


1- «1» الوسائل- الباب- 40- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 20- من كتاب الوصايا الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 20- من كتاب الوصايا.

ج 41، ص: 24

اشترط الترافع إلينا و هو استناد إلى

رواية سماعة (1)

عن الصادق (عليه السلام) «سأله عن شهادة أهل الذمة، فقال: لا تجوز إلا على ملتهم (أهل ذمتهم خ ل)».

و في كشف اللثام «هو قوي إلزاما لأهل كل ملة بما تعتقده و إن لم يثبت عندنا لفسق الشاهد و ظلمه عندنا».

و لكن مع ذلك لا ريب أن المنع كما هو المشهور على ما اعترف به غير واحد أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها معلومية اشتراط الإسلام و الايمان و العدالة في الشاهد المعلوم انتفاؤها إجماعا في الفرض، فالخبر المزبور و إن قلنا: إنه من الموثق لا يصلح مخصصا لذلك، سيما مع موافقته للمحكي عن أبي حنيفة و الثوري، و عدم العمل به إلا من الشيخ الذي مقتضى المحكي عنه ضعفه عنده، لأن في سنده العبيدي، و قد قال: «إنه ضعيف استثناه أبو جعفر بن بابويه من رجال نوادر الحكمة، و قال: إني لا أروي ما يختص بروايته» مع أن المحكي عن مبسوطة أيضا اختيار المنع مطلقا، بل قد سمعت اشتراطه في محكي الخلاف بالترافع إلينا.

و قد قال في محكي المختلف: «إنما نقول به لأنه إذا ترافعوا إلينا و عدلوا الشهود عندهم فإن الأولى هنا القبول».

بل عن المقداد في التنقيح الميل إليه أيضا بالمعنى المزبور، قال بعد أن حكى عن الخلاف ما سمعت: «و هذا في الحقيقة قضاء بالإقرار، لما تقدم أنه إذا أقر الخصم بعدالة الشاهد حكم عليه» و قد سمعت ما في كشف اللثام، و إن كان قد يناقش في الأخير بأن ذلك عند القائل به مع الجهل بحالهما لا مع العلم بفسقهما كما هو المفروض، بل هو من مسألة رضا


1- «1» الوسائل- الباب- 20- من كتاب الوصايا- الحديث 5.

ج 41، ص: 25

الخصم بالحكم عليه بشهادة الفاسقين، و قد عرفت عدم جواز الحكم بذلك و إن رضي.

بل التحقيق أيضا ذلك في الأول أيضا، لاشتراط العدالة، و في الأولين بأن ليس الحكم بخلاف ما أنزل الله تعالى من أحكام الذمة، بل و لا من إلزامهم بما ألزموا به أنفسهم في ما بينهم، ضرورة كون الأحكام مشتركة بين الجميع وضعيها و تكليفيها، فمتى ترافعوا إلينا وجب إقامة الحكم الثابت شرعا عليهم، لأن خلافه حكم بغير ما أنزل الله، و إنما مقتضى الذمام عدم التعرض لهم في أحكامهم في ما بينهم، كما أن مقتضى الإلزام بما ألزموا به أنفسهم الاذن لنا في تناول ما يقتضيه دينهم فيهم إلزاما لهم بذلك لا الحكم في ما بينهم بما هو في دينهم المنسوخ الذي هو في زمان نبينا (صلى الله عليه و آله) حكم بغير ما أنزل الله تعالى، فالمتجه حينئذ عدم القبول مطلقا من غير فرق بين الشهادة عليهم و لهم، و الله العالم.

[الوصف الرابع العدالة]
اشارة

الوصف الرابع: العدالة كتابا (1) و سنة (2)

مستفيضة أو متواترة و إجماعا بقسميه إذ لا طمأنينة مع التظاهر بالفسق الذي قد تواتر عنهم (عليهم السلام) رد شهادته (3)

و قد مر الكلام مفصلا في المراد منها و في طريق إثباتها و في البحث عن الكبائر و الصغائر و في اعتبار المروة فيها و غير ذلك في كتاب الصلاة (4)و تقدم بعض الكلام فيها أيضا في كتاب القضاء (5).


1- «1» سورة الطلاق: 65- الآية 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات.
3- «3» الوسائل- الباب- 30- من كتاب الشهادات.
4- «4» راجع ج 13 ص 275- 323.
5- «5» راجع ج 40 ص 111- 113.

ج 41، ص: 26

و لا خلاف و لا ريب في زوالها بمواقعة الكبائر كالقتل و الزنا و اللواط و غصب الأموال المعصومة و نحوها مما علم من الشرع عظم معصيته.

و كذا بمواقعة الصغائر مع الإصرار فعلا بالإكثار منها بلا توبة أو حكما بالعزم على فعلها بعد الفراغ منها، لما

ورد عنهم (عليهم السلام) (1)

«لا صغيرة مع الإصرار، كما لا كبيرة مع الاستغفار».

و عن أبي بصير (2) أنه سمع الصادق (عليه السلام) «يقول:

لا و الله لا يقبل الله شيئا من طاعة الله على الإصرار على شي ء من معاصيه».

و قال الباقر (عليه السلام) في خبر جابر (3): «الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله تعالى و لا يحدث نفسه بتوبة، فذلك الإصرار».

و عن سماعة (4)

«سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول:

لا تستقلوا قليل الذنوب، فان قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا».

و في

خبر زياد (5) عن الصادق (عليه السلام) «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه: ائتونا بحطب، فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها حطب، قال:

فليأت كل انسان بما قدر عليه، فجاؤوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): هكذا تجتمع


1- «1» الوسائل- الباب- 47- من أبواب جهاد النفس- الحديث 11 و الباب- 48- منها الحديث 3 من كتاب الجهاد.
2- «2» الوسائل- الباب- 48- من أبواب جهاد النفس الحديث 1 من كتاب الجهاد.
3- «3» الوسائل- الباب- 48- من أبواب جهاد النفس الحديث 4 من كتاب الجهاد.
4- «4» الوسائل- الباب- 43- من أبواب جهاد النفس- الحديث 2 من كتاب الجهاد.
5- «5» الوسائل- الباب- 43- من أبواب جهاد النفس- الحديث 3 من كتاب الجهاد.

ج 41، ص: 27

الذنوب، ثم قال: إياكم و المحقرات من الذنوب، فان لكل شي ء طالبا ألا و إن طالبها يكتب ما قدموا و آثارهم و كل شي ء أحصيناه في إمام مبين».

و عن أبي بصير (1) أنه سمع الباقر (عليه السلام) يقول: «اتقوا المحقرات، فان لها طالبا، يقول أحدكم: أذنب و أستغفر، إن الله عز و جل يقول(2) نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ».

أو بفعل الصغائر في الأغلب فإنه بحكم الإصرار المستمر، بل في كشف اللثام «و إن أظهر الاستغفار عنها كلما فعلها لدلالته على قلة المبالاة و عدم الإخلاص في التوبة».

و لعل ذلك أحد الأقوال في الإصرار الذي قيل فيه: إنه الإكثار منها، سواء كان من نوع واحد أو أنواع مختلفة، و قيل: إنه المداومة على واحد منها، و قيل: يحصل بكل منهما.

و قيل: إنه عدم التوبة، و لعله

للخبر (3) الوارد في تفسير قوله تعالى (4) وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا» قال: «الإصرار من يذنب الذنب و لا يستغفر و لا يحدث نفسه بتوبة»

لكنه ضعيف السند، على أنك قد عرفت وقوع الصغيرة مكفرة لا تحتاج إلى توبة، بل ستسمع من الفاضل أنه لا يمكن وقوع العزم على عدم الصغيرة منه التي لا زالت تقع من الإنسان.

بل لعله مخالف لكلام أهل اللغة، فعن الجوهري «أصررت على


1- «1» الوسائل- الباب- 43- من أبواب جهاد النفس الحديث 4 من كتاب الجهاد.
2- «2» سورة يس: 36- الآية 12.
3- «3» الوسائل- الباب- 48- من أبواب جهاد النفس الحديث 4.
4- «4» سورة آل عمران: 3- الآية 135.

ج 41، ص: 28

الشي ء: أي أقمت و دمت عليه» و عن ابن الأثير «أصر على الشي ء:

إذا ألزمه و داومه و ثبت عليه» و عن القاموس «أصر على الأمر لزم» و نحوه عن ابن فارس.

و يمكن إرجاع الخبر و كلام أهل اللغة إلى ما عن الشهيد من أن «الإصرار فعلي، و هو الدوام على نوع واحد بلا توبة أو الإكثار من جنس الصغائر بدونها، و حكمي و هو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ» بل يمكن دعوى العرف على كون الإصرار على الفعل بالمعنى المزبور.

و على كل حال فلا خلاف أجده كما اعترف به بعضهم في أن الإكثار من الصغائر و لو من أنواع مختلفة من دون توبة قادح في العدالة، بل عن التحرير الإجماع عليه.

إنما الكلام في الصغيرة التي قد عزم على فعلها مرة أخرى أو العزم على إيقاع الصغائر، و الظاهر عدم إحراز وصف العدالة معه و لو للشك في وجودها معه كما ستعرف تحقيق هذا الأصل في كل معصية لم يعلم كونها كبيرة أو صغيرة، هذا كله في الصغيرة على الحال الذي عرفت.

أما لو كان وقوعها في الندرة فقد قيل بل هو المشهور لا يقدح و إن لم تعلم التوبة، لوقوعها مكفرة باجتناب الكبائر و لعدم الانفكاك منها إلا في ما يقل، فاشتراطه التزام للأشق المنافي لقوله تعالى (1) «ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» و نحوه.

و قيل و القائل ابن إدريس يقدح بناء على ما ذهب إليه من عدم الصغائر إلا بالإضافة و لا عسر لإمكان التدارك بالاستغفار و التوبة المقدورين للإنسان في كل زمان.


1- «1» سورة الحج: 22- الآية 78.

ج 41، ص: 29

و فيه أن تعرف ذلك منه يحتاج إلى زمان طويل، بل عن الفاضل رده بأن التوبة من شرطها العزم على ترك المعاودة، و لا شك أن الصغائر لا ينفك منها الإنسان فلا يصح منه هذا العزم غالبا، فلا يمكن التوبة في أغلب الأحوال. و في صحيح ابن أبي يعفور (1)

اقتصر على اجتناب الكبائر في تعريف العدل.

كل ذلك مضافا إلى ما عرفته من أن الصغائر في الندرة من اللمم الذي يقع مكفرا باجتناب الكبائر و بفعل الطاعات كما هو مقتضى الكتاب و السنة، فلا حاجة حينئذ إلى التوبة. نعم لا ينبغي منه العزم على العود الذي به يكون مصرا، و قد عرفت أنه لا صغيرة مع الإصرار كما لا كبيرة مع الاستغفار، بل هذا الخبر مشعر بعدم الحاجة إلى الاستغفار للصغيرة من دون إصرار كما هو واضح.

و من ذلك كله و غيره ظهر لك أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده.

هذا و ربما توهم واهم من أصحابنا أن الصغائر لا تطلق على الذنب إلا مع القول ب الإحباط الذي هو بمعنى الموازنة بين الأعمال الصالحة و المعاصي، فكل ذنب يحبط بالطاعة فهو صغيرة، و كل ذنب يحبط الطاعة هو كبيرة.

و هذا بالاعراض عنه حقيق ضرورة أن المعروف بين الإمامية عدم القول بالإحباط، كما أن المعروف بينهم تقسيم الذنب إلى كبير و صغير فلا مدخلية للقول المزبور بذلك قطعا فإن إطلاقها أي الصغائر عند الفقهاء بالنسبة إلى غيرها من الكبائر، سواء قلنا بكون كل معصية كبيرة أو معاص مخصوصة و هو واضح.


1- «1» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 30

نعم لا تمنع اصطلاح القائلين بالإحباط على ذلك، إذ لكل فريق اصطلاح و لكن عليه لا تتحقق الصغيرة في نوع من أنواع المعاصي، ضرورة أن القائل به يعتبر الأكثر من الطاعة و المعصية فيثبته أجمع أو يثبت منه ما زاد عن مقابله من أي نوع كان من أنواع المعاصي، فربما كانت المعصية المخصوصة تحبط عن شخص و تبقى على آخر.

و كيف كان ف لا يقدح في العدالة ترك المندوبات و لو أصر مضربا عن الجميع إذ الورع و العدالة في ما يجب عليه و يحرم نعم قال المصنف و الفاضل و غيرهما ما لم يبلغ ذلك حدا يؤذن بالتهاون بالسنن بل في المسالك «لو اعتاد ترك صنف منها كالجماعة و النوافل و نحو ذلك فكترك الجميع، لاشتراكهما في العلة المقتضية لذلك، نعم لو تركها أحيانا لم يضر».

و لكن الانصاف عدم خلوه من البحث إن لم يكن إجماعا، ضرورة عدم المعصية في ترك جميع المندوبات أو فعل جميع المكروهات من حيث الاذن فيهما فضلا عن ترك صنف منها و لو للتكاسل و التثاقل منه، و احتمال كون المراد بالتهاون الاستخفاف فيه يدفعه أن ذلك من الكفر و العصيان و لا يعبر عنه ببلوغ الترك حد التهاون، كما هو واضح.

بقي شي ء: و هو أن المصنف لم يتعرض للمروة في قادح العدالة و كأنه لم يجعل تركها قادحا أو يتوقف في ذلك، و هو قول محكي عن بعض العلماء من حيث إن منافيها مناف للعادة لا الشرع، و المحكي عن الأشهر اعتبارها في الشهادة، سواء جعلناها شطرا من العدالة كما هو المشهور بناء على أن العدل هو الذي تعتدل أحواله دينا و مروة و حكما أم خارجة عنها و صفة برأسها.

قال في محكي المبسوط: «العدالة شرعا أن يكون عدلا في الدين

ج 41، ص: 31

و في المروة و في الأحكام، أما العدل في الدين أن يكون مؤمنا لا يعرف منه شي ء من أسباب الفسق، و في المروة أن يكون مجتنبا للأمور التي تسقط المروة مثل الأكل في الطرقات و مد الرجل بين الناس و لبس الثياب المصبغة و ثياب النساء و ما أشبه ذلك، و في الأحكام أن يكون بالغا عاقلا لنقص أحكام الصبي و المجنون».

و قد أغرب في القواعد حيث جعلها جزء من العدالة و عرفها بأنها كيفية نفسانية تبعث على ملازمة التقوى و المروة، ثم جعلها شرطا آخر لقبول الشهادة بعد ذلك.

و في المسالك «و كيف كان فالوجه أنه لا تقبل شهادة من لا مروة له، لأن طرح المروة إما أن يكون لخبل و نقصان أو قلة مبالاة و حياء، و على التقديرين يبطل الثقة و الاعتماد على قوله، أما الأول فظاهر، و أما قليل الحياء فمن لا حياء له يصنع ما شاء، كما ورد في الخبر (1)».

و على كل حال فالمروة لغة: الإنسانية كما عن الصحاح، أو الرجولية أي الكمال فيهما كما عن العين و المحيط، و في الاصطلاح كما في كشف اللثام هيئة نفسانية تحمل الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق و جميل الأفعال و العادات.

و في المسالك «في ضبط المروة عبارات متقاربة: منها أن صاحبها هو الذي يصون نفسه من الأدناس، و لا يشينها عند الناس، أو الذي يتحرز عما يسخر منه و يضحك به، أو الذي يسير بسيرة أمثاله في زمانه و مكانه، فمن ترك المروة لبس ما لا يليق بأمثاله، كما إذا لبس الفقيه مثلا لباس الجندي و تردد به في البلاد التي لم تجر عادة الفقهاء فيها بلبس هذا النوع من الثياب، و كما إذا لبس التاجر ثوب الحمالين و نحوهم بحيث


1- «1» البحار- ج 71 ص 333 و 335 و 336.

ج 41، ص: 32

يصير مضحكة، و منه المشي في الأسواق و المجامع مكشوف الرأس مثلا إذا كان الشخص ممن لا يليق به مثله، و كذا مد الرجلين في مجالس الناس، و منه الأكل في الأسواق إلا أن يكون الشخص سوقيا أو غريبا لا يكترث بفعله، و منه أن يقبل الرجل زوجته أو أمته بين يدي الناس أو يحكي لهم ما يجري في الخلوة، أو يكثر من الحكايات المضحكة، و منه أن يخرج من حسن العشرة مع الأهل و الجيران و المعاملين، و يضايق في اليسير الذي لا يستقصي فيه، و منه أن يبتذل الرجل المعتبر بنقل الماء و الأطعمة إلى بيته إذا كان ذلك عن شح و ظنة، و لو كان عن استكانة أو اقتداء بالسلف التاركين للتكلف لم يقدح ذلك في المروة، و كذا لو كان يلبس ما يجد و يأكل حيث يجد، لتقلله و براءته من التكلفات العادية و يعرف ذلك بما يناسب حال الشخص في الأعمال و الأخلاق و ظهور محامل الصدق عليه» إلى غير ذلك مما ذكره غيره أيضا، و قد تقدم منا في العدالة جملة من الكلام فيها.

و نقول هنا زيادة على ذلك: إنه لا إشكال في رد الشهادة بمنافيها إذا رجع إلى محرم أو خبل، لمنافاة الأول للتقوى، و الثاني لكمال العقل و أما ما لا يرجع إلى ذلك فقد يشكل اعتباره في الشهادة أو العدالة بإطلاق الأدلة.

اللهم إلا أن يكون مستنده- بعد فتوى المعظم- فحوى ما ورد في رد شهادة السائل بكفه سيما

صحيح ابن مسلم (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «رد رسول الله (صلى الله عليه و آله) شهادة السائل الذي يسأل بكفه، قال أبو جعفر (عليه السلام): لأنه لا يؤمن على الشهادة، و ذلك لأنه إن أعطي رضي و إن منع سخط».


1- «1» الوسائل- الباب- 35- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

ج 41، ص: 33

و لعل منه ينقدح اندراجه في الظنين الذي استفاضت النصوص في رد شهادته، منها:

خبر ابن سنان (1)

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

ما يرد من الشهود؟ قال: فقال: الظنين و المتهم، قال: قلت:

فالفاسق و الخائن، قال: ذلك يدخل في الظنين».

مضافا إلى ما استدل به أيضا من

قول الكاظم (عليه السلام) (2): «لا دين لمن لا مروة له، و لا مروة لمن لا عقل له»

و إن كان لا يخلو من نظر، ضرورة إرادة الكمال الزائد على وصف العدالة منه.

على أن المروة في النصوص غير ما ذكره الأصحاب مما سمعته، فإنها في بعضها (3)

إصلاح المعيشة،

و في آخر (4)

«أنها ستة: ثلاثة منها في الحضر، و هي: تلاوة القرآن و عمارة المساجد و اتخاذ الاخوان، و ثلاثة في السفر، و هي: بذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي الله سبحانه»

و نحوه آخر (5)

و هي كما ترى ليس ما سمعته من الأصحاب.

نعم قيل: إنه يشعر به ما في بعض

النصوص (6)

«من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته، و وجبت أخوته، و حرمت غيبته».

و فيه أيضا ما لا يخفى، فالعمدة حينئذ ما ذكرناه، مؤيدا بفتوى المعظم، و بنحو هذه الأمور، و بأصالة عدم ترتب أحكام العدالة على فاقدها بعد عدم الوثوق بإطلاق يتناوله و لو لما عرفت، خصوصا بعد


1- «1» الوسائل- الباب- 30- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- «2» أصول الكافي ج 1- ص 19.
3- «3» روضة الكافي ص 241- الرقم 331 ط طهران.
4- «4» الوسائل- الباب- 49- من آداب السفر- الحديث 14.
5- «5» الوسائل- الباب- 49- من آداب السفر- الحديث 1.
6- «6» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 15.

ج 41، ص: 34

إمكان إرادته من السداد و التمييز و التحصيل و نحوها مما وجد في نصوص (1) العدالة و قبول الشهادة، بل قد يقال: إن فاقدها غير مرضي الشهادة عرفا، فلا يدخل في قوله تعالى (2) «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ» بل إن جعلت العدالة الاستواء في أمثال ذلك خرج الفاقد لها قطعا، ضرورة خروجه عن الاعتدال الذي عليه غالب الناس، فتأمل.

هذا و لكن لم يحرروا أنه بم تعود العدالة أو قبول الشهادة لمن وقع منه شي ء مما ينافيهما أو لا يقدح اتفاق وقوع ذلك منه إلا إذا كان كثيرا أو مصرا و لو بالعزم على فعل أمثاله، فمتى لم يكثر منه ذلك و لا عزم على استدامة فعله قبلت شهادته، فيكون حكمه حكم الصغيرة حينئذ، و لا يبعد ذلك، و الله العالم.

[هنا مسائل]
[المسألة الأولى كل مخالف في شي ء من أصول العقائد ترد شهادته]

و كيف كان ف هنا مسائل:

الأولى كل مخالف في شي ء من أصول العقائد ترد شهادته، سواء استند في ذلك إلى التقليد أو إلى الاجتهاد لعدم معذوريته على كل حال، من غير فرق بين أصولها و فروعها الاعتقادية و غيرهما مما علم ضرورة من الدين أو المذهب، لاشتراك الجميع في عدم المعذورية الموجبة للكفر فضلا عن الفسق.

نعم لا ترد شهادة المخالف في الفروع من معتقدي الحق إذا لم


1- «1» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 23.
2- «2» سورة البقرة: 2- الآية: 282.

ج 41، ص: 35

يخالف الإجماع المعلوم أو الخبر المتواتر كذلك أو غيرهما من الأدلة القطعية و لا يفسق و إن كان مخطئا باجتهاده الذي يكتب له حسنة مع خطأه.

و المراد بالإجماع الذي علم دخول المعصوم (عليه السلام) فيه على وجه لم يكن للاجتهاد محل. و قد يلحق بذلك ما اتفق عليه فقهاء الفرقة المحقة و استقرت عليه كلمتهم مع اختلاف الأعصار و الأمصار، بناء على أن مثل ذلك كاشف عن الواقع الذي لم يتخلف عنه الامام (عليه السلام) إذ هو مع الحق و الحق معه، فتارة يعلم الحق بقوله، و أخرى يعلم الحق بغيره من الطرق، فيعلم أنه قول الامام (عليه السلام) لعدم تخلفه.

بل قد يقال بعدم جواز خلافهم و إن لم يعلم الواقع بذلك، و لكن يعلم منه أنه موافق للاجتهاد الصحيح على وجه يفسد معه كل اجتهاد بمعنى كشفه عن وجود دليل معتبر لا يجوز مخالفته باجتهاد، و لعله على ذلك جرت سيرة سائر المليين في الإنكار على كل من خالف ما استقرت عليه شرائعهم، و عد أنه من المبدعين في الدين.

هذا و لكن في المسالك «المراد بالأصول التي ترد شهادة المخالف فيها أصول مسائل التوحيد و العدل و النبوة و الإمامة و المعاد، و أما فروعها من المعاني و الأحوال و غيرهما من فروع علم الكلام فلا يقدح الخلاف فيها لأنها مباحث ظنية و الاختلاف فيها بين علماء الفرقة الواحدة كثير شهير، و قد عد بعض العلماء جملة مما وقع الخلاف فيه منها بين المرتضى و شيخه المفيد فبلغ نحوا من مائة مسألة فضلا عن غيرهما، و المراد بالفروع التي لا تقدح فيها المخالفة المسائل الشرعية الفرعية، لأنها مسائل اجتهادية، و لأن الأصول التي تبنى عليها من الكتاب و السنة كلها ظنية، و ينبغي أن يراد بالإجماع الذي تقدح مخالفته فيها إجماع المسلمين قاطبة أو إجماع الإمامية

ج 41، ص: 36

مع العلم بدخول قول المعصوم (عليه السلام) في جملة قولهم، لأن حجية الإجماع في قولهم على أصولهم لا مطلق إجماعهم، إذ لا عبرة بقول غير المعصوم منهم مطلقا، و ما لم يعلم دخول قوله في قولهم فلا عبرة بقولهم و إن كثر القائل، و قد تمادى بعضهم فسمى مثل ذلك إجماعا بل سمى المشهور و مخالفة مثل ذلك غير قادح بوجه من الوجوه، كما تقتضيه قواعدهم الدالة على حجية الإجماع، فتنبه لذلك لئلا تقع في الغلط اغترارا بظاهر الاصطلاح و اعتمادا على الدعوى».

و لا يخفى عليك محال النظر من كلامه بعد الإحاطة و التأمل في ما ذكرناه، و قد تنبه لبعضها المقدس الأردبيلي (رحمه الله) فناقشه في قوله: «كلها ظنية» فقال: «المسائل الأصولية التي تبتنى عليها الفروع الفقهية ليست كلها ظنية، بل منها يقينية و منها ظنية، و لا يجوز الخلاف في الأولى، و يجوز في الثانية لدليل أقوى، و إنما أطلقوا أنه يجوز الخلاف في الفروع و أنه لا يخرج عن العدالة و عن قبول الشهادة دون الأصول لأن الأغلب في الأول ذلك و في الثاني بالعكس».

قلت: و أولى بالمناقشة ما ذكره في فروع الأصول من المعاني و الأحوال و أنها مباحث ظنية مع أن أكثرها قطعي بالتواتر و بالضرورة أو غيرهما، خصوصا بالنظر إلى هذا الزمان، فإنه قد يصير النظري قطعيا كعصمة الأئمة (عليهم السلام) عن السهو و النسيان و إن خالف في ذلك الصدوق و كنفي الجسمية في الواجب تعالى و غير ذلك.

ج 41، ص: 37

[المسألة الثانية لا تقبل شهادة القاذف]

المسألة الثانية:

لا تقبل شهادة القاذف مع عدم اللعان أو البينة أو إقرار المقذوف بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى الكتاب (1) و السنة المستفيضة (2)

نعم لو تاب و أصلح قبلت توبته بلا خلاف أيضا، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى الكتاب (3) و السنة المستفيضة (4)

التي ستسمع جملة منها.

نعم قد يظهر من

خبر القاسم بن سليمان (5) خلاف العامة في ذلك قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حدا ثم يتوب و لا يعلم منه إلا خيرا تجوز شهادته، قال: نعم ما يقال عندكم؟ قلت: يقولون توبته في ما بينه و بين الله تعالى، و لا تقبل شهادته أبدا، فقال: بئس ما قالوا، كان أبي يقول: إذا تاب و لم يعلم منه إلا خيرا جازت شهادته»

و من ذلك اتجه حمل

خبر السكوني (6) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «ليس أحد يصيب حدا فيقام عليه ثم يتوب إلا جازت شهادته إلا القاذف، فإنه لا تقبل شهادته، إن توبته كان في ما بينه و بين الله تعالى»

على التقية على أن الاستثناء المزبور قد اختص به بعض نسخ التهذيب، و قد خلا عنه البعض الآخر و الكافي الذي هو أضبط من التهذيب، فلا إشكال في المسألة من هذه الجهة.


1- «1» سورة البقرة: 24- الآية 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 36- من كتاب الشهادات.
3- «3» سورة البقرة: 24- الآية 5.
4- «4» الوسائل- الباب- 36- من كتاب الشهادات.
5- «5» الوسائل- الباب- 36- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
6- «6» الوسائل- الباب- 36- من كتاب الشهادات- الحديث 6.

ج 41، ص: 38

و إنما الكلام في حد التوبة فعن الصدوقين و العماني و الشيخ في النهاية و الشهيدين و المقداد و غيرهم بل في الرياض الظاهر أنه المشهور بين المتأخرين بل المتقدمين، بل عن الشيخ أنه الذي يقتضيه مذهبنا، إذ لا خلاف بين الفرقة أن من شرط ذلك أن يكذب نفسه، و حقيقة الإكذاب أن يقول: كذبت في ما قلت، بل في أول كلامه نفي الخلاف بيننا و بين أصحاب الشافعي أن من شرط التوبة منه إكذاب نفسه و عن ابن زهرة الإجماع عليه أن يكذب نفسه و إن كان صادقا و يوري باطنا

للنبوي (1)

«توبة القاذف إكذاب نفسه».

و لخبر أبي الصباح الكناني (2)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القاذف بعد ما يقام عليه الحد ما توبته؟ قال: يكذب نفسه، قلت:

أ رأيت إن أكذب نفسه و تاب أ تقبل شهادته؟ قال: نعم».

و مرسل يونس عن بعض أصحابه (3) عن أحدهما (عليهما السلام) «سأله عن الذي يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد الحد إذا تاب، قال:

نعم، قلت: و ما توبته؟ قال: يجي ء فيكذب نفسه عند الامام، و يقول: قد افتريت على فلانة و يتوب مما قال».

و صحيح ابن سنان (4)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحدود إذا تاب أتقبل شهادته؟ فقال: إذا تاب، و توبته أن يرجع في ما قال، و يكذب نفسه عند الامام و عند المسلمين، فإذا فعل فان على الامام أن يقبل شهادته بعد ذلك».

و لا يشكل هذا بأن فيه كذبا، إذ لعله صادق في قذفه، لما عرفت


1- «1» تفسير الدر المنثور ج 5- ص 20.
2- «2» الوسائل- الباب- 36- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 36- من كتاب الشهادات- الحديث 4.
4- «4» الوسائل- الباب- 37- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 39

من إمكان التخلص منه بالتورية، و لو بقصد ما في الآية الشريفة (1) الدالة على كذب القاذفين إذا لم يأتوا بالشهداء و ان كانوا صادقين.

و من ذلك يظهر لك ضعف ما قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط و ابن إدريس و يحيى بن سعيد و الفاضل: إن الحد في توبته أن يكذبها إن كان كاذبا و يخطئها في الملإ إن كان صادقا فيقول:

القذف باطل و لا أعود الى ما قلت تخلصا من الكذب و قد عرفت أن الأول مروي (2)

«5»- بالطريق الصحيح و غيره من عندنا و عند العامة، فكان خلافه من الاجتهاد في مقابلة النص، بل في المسالك هو تعريض بقذف جديد غير الأول، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى الأول، ثم لا يخفى عليك أن التدبر في كلماتهم يقتضي قولين في المسألة، كما هو المحكي أيضا عن أصحاب الشافعي، فما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين- من أن في المسألة أربعة أقوال: أحدها المشهور، و الثاني قول: القذف باطل و لا أعود مطلقا سواء كان صادقا أو كاذبا، و الثالث- و هو الذي اختاره الفاضل- التفصيل بين الصادق و الكاذب، فالأول يقول ذلك، و الثاني يعترف بتكذيب نفسه، و الرابع ما عن ابن حمزة من أنه إن كان صادقا قال: الكذب حرام و لا أعود إلى مثل ما قلت و أصلح، و إن كان كاذبا قال: كذبت في ما قلت- لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة أن الذي حكاه عن الفاضل حتى رده بأنه إحداث قول آخر هو الذي حكاه المصنف في المتن، و الظاهر أنه أراد حكايته عن الشيخ (رحمه الله).

كما أنه لا يخفى عليك أيضا عدم الاكتفاء بإكذاب نفسه خاصة عن


1- «1» سورة النور: 24- الآية 13.
2- «2» الوسائل- الباب- 36- من كتاب الشهادات و تفسير الدر المنثور ج 5 ص 20.

ج 41، ص: 40

التوبة و إن أوهمه بعض النصوص (1)

السابقة، و لكنه محمول على البعض الآخر.

نعم يحكى عن العماني و جماعة اعتبار كون الإكذاب عند الامام، بل عن الأول زيادة و جماعة من المسلمين، بل في الرياض يظهر من الإيضاح و التنقيح و الصيمري عدم الخلاف في اعتبار ذلك، حيث قالوا:

و على الأقوال كلها لا بد من إيقاع ذلك عند من قذف عنده و عند الحاكم الذي حده، فإذا تعذر ففي ملأ من الناس.

قلت: إن النصوص المزبورة و إن كان بعضها مطلقا و الآخر مقيدا بكونه عند الامام و الثالث بكونه عنده و عند المسلمين إلا أن الظاهر إرادة إجهاره بذلك لا كونه شرطا في التوبة فضلا عما ذكروه من اشتراط كون اعترافه عند من قذف عنده و عند الحاكم الذي حده كما هو واضح، و كذلك ما عساه يظهر من أكثر النصوص أيضا من اعتبار وقوع الحد الذي لا يقع في مثل زماننا قبل التوبة، فإن ظاهر الفتاوى و بعض النصوص تحققها من دون ذلك.

و كيف كان ف في اشتراط إصلاح العمل زيادة عن التوبة تردد و خلاف، فعن الخلاف و جامع المقاصد و متشابه القرآن لابن شهراشوب أنه لا بد مع التوبة التي هي الإكذاب من ظهور عمل صالح منه و إن قل، قيل: و هو ظاهر الغنية و الإصباح، و في المبسوط و السرائر أنه لا بد منه إذا قذف سب لا إذا قذف قذف شهادة، لافتراقهما في ثبوت فسق القاذف قذف سب بالنص و فسق الآخر بالاجتهاد.

و عن الوسيلة و ظاهر المقنع و النهاية ما هو الأقرب عند المصنف من الاكتفاء في إصلاح العمل بالاستمرار، لأن


1- «1» الوسائل- الباب- 36- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 41

بقاءه على التوبة إصلاح و لو ساعة و عن الفاضل في المختلف جعل النزاع لفظيا، لأن البقاء على التوبة شرط في قبول الشهادة و هو كاف في إصلاح العمل لصدقه عليه، و في كشف اللثام هو بعيد عن عبارات الشيخ و ابني إدريس و سعيد.

قلت: الأصل في ذلك قوله تعالى (1) «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا» و التأمل الجيد بعد معلومية عدم افتراق كلامهم (عليهم السلام) عن القرآن حتى يردا الحوض يقتضي كون المراد بالإصلاح إكذاب نفسه بين الناس الذي يكون به إصلاح لما أفسده من عرض المقذوف بقذفه، و ذلك لظهور النصوص (2)

أو صراحتها في مغفرة ذنب القاذف بالتوبة و إكذاب نفسه، و أنه لا يحتاج بعد ذلك الى أمر آخر، و الآية ذكرت التوبة و الإصلاح، فيعلم حينئذ كون المراد ذلك، لأن كلامهم (عليهم السلام) كالتفسير لها.

و بذلك يظهر لك النظر في جملة من الكلمات حتى عبارة المصنف و الفاضل و غيرهما الظاهرة في اعتباره أيضا، و لكن يكفي فيه استمرار التوبة و لو ساعة، بل و ما في الرياض أيضا، فإنه بعد أن ذكر اشتراط الإصلاح بعد التوبة قال: «و فسره الأكثر بالاستمرار عليها و لو ساعة» ثم حكى عن فخر الإسلام أنه قال: «هذا المعنى متفق عليه، و إنما الخلاف في الزائد عليه، و هو إصلاح العمل، فقال ابن حمزة: يشترط مطلقا أي في الصادق و الكاذب، و لم يشترط الشيخ في النهاية مطلقا، و قال في المبسوط: في الكاذب لا الصادق، و هو اختيار ابن إدريس، احتج المصنف بأن الاستمرار على التوبة و الإكذاب إصلاح، و فيه نظر لوجوب


1- «1» سورة النور: 24- الآية 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 36- من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 42

حمل المطلق على المقيد مع اتحاد القضية» انتهى.

و ظاهره الميل إلى قول ابن حمزة، لما ذكره من حمل مطلق الرواية على الآية المقيدة، و هو حسن إلا أن الاشكال في تعيين المراد من الإصلاح هو إصلاح العمل أو إصلاح الحال و النفس بمنعها عن ظهور ما ينافي العدالة بكل وجه، و التبادر للأول، و الإطلاق للثاني، و لعله أظهر، لأصالة الإطلاق مع الشك في التبادر المقيد له ببعض أفراده، و مع ذلك أشهر، و ربما يشير إليه

الخبر (1) القريب من الصحيح المتضمن لقوله (عليه السلام):

«إذا تاب و لم يعلم منه إلا خير جازت شهادته»

إلى آخره، بل فيه مواضع للنظر.

و التحقيق ما عرفت من عدم اعتبار أزيد من التوبة و إكذاب النفس حتى الاستمرار المزبور فضلا عما ذكره من إصلاح النفس بالمعنى الذي بينه إن كان مراده به زيادة على ما ذكرناه، كما هو مقتضى استحسانه حمل المطلق على المقيد على معنى تقييد إطلاق النص بالتقييد في الكتاب المجيد، و إلا فمع الإغضاء عما ذكرناه لا إشكال في انسياق اعتبار عمل صالح زائد على التوبة إن لم نجعل العطف فيها تفسيريا، و الله العالم.

و كيف كان ف لو أقام القاذف بينة ب ما أوقعه من القذف عند الحاكم أو صدقه المقذوف بناء على كونه كالبينة أو أعظم فلا حد عليه و لا ترد شهادته كما أنه كذلك لو كان القذف موجبا للعان و قد لاعن.


1- «1» الوسائل- الباب- 36- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

ج 41، ص: 43

[المسألة الثالثة اللعب بآلات القمار كلها حرام كالشطرنج و النرد]

المسألة الثالثة لا ريب و لا خلاف في أن اللعب بآلات القمار كلها حرام كالشطرنج و النرد الذي في بعض الأخبار أنه أشد من الشطرنج (1)

و أن اللاعب به كمثل الذي يأكل لحم الخنزير (2)

و الأربعة عشر و هي قطعة من خشب فيها حفر في ثلاثة أسطر و يجعل في الحفر حصى صغار مثلا للعب بها و غير ذلك كالخاتم الذي يلعب به في زماننا و نحوه سواء قصد الحذق أو اللهو أو القمار ففي خبر الحسين بن زيد (3)

و

السكوني (4) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أن النبي (صلى الله عليه و آله) نهى عن اللعب بالنرد و الشطرنج».

و عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (5)

أنه قال لقوم كانوا يلعبون


1- «1» المستدرك- الباب- 29- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 من كتاب التجارة.
2- «2» المستدرك- الباب- 83- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2 من كتاب التجارة.
3- «3» الوسائل- الباب- 104- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 6 من كتاب التجارة.
4- «4» الوسائل- الباب- 102- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 9 من كتاب التجارة عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه و آله.
5- «5» المستدرك- الباب- 81- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 6 من كتاب التجارة.

ج 41، ص: 44

بالشطرنج «ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ».

و عن جابر (1) عن الباقر (عليه السلام) «لما أنزل الله تعالى على رسوله (صلى الله عليه و آله) إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ (2) قالوا: يا رسول الله ما الميسر؟

فقال: كل ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز»

و قد ورد (3) أيضا «أن اتخاذها كفر بالله العظيم، و أن اللعب بها شرك، و تقليبها كبيرة موبقة، و السلام على اللاهي كفر، و مقلبها كالناظر إلى فرج أمه، و مثل الذي يلعب بها من غير قمار كمثل الذي يضع يده في الدم و لحم الخنزير، و أن مثل الذي يلعب بها كمثل الذي يصر على الفرج الحرام».

و في

خبر أبي بصير (4)

«الشطرنج و النرد هما الميسر».

و عن الرضا (عليه السلام) في رسالته إلى المأمون المروية في عيون أخبار الرضا (5)

بأسانيد متعددة لا تخلو عن اعتبار على ما قيل عد الميسر و هو القمار من الكبائر.

و عن النبي (صلى الله عليه و آله) (6)

«من لعب بالنرد فقد عصى الله تعالى و رسوله».


1- «1» الوسائل- الباب- 35- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 4 من كتاب التجارة.
2- «2» سورة المائدة: 5- الآية 90.
3- «3» المستدرك- الباب- 82- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2 و الباب 83- منها- الحديث 2 من كتاب التجارة.
4- «4» الوسائل- الباب- 104- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2 من كتاب التجارة.
5- «5» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد النفس- الحديث 33 من كتاب الجهاد.
6- «6» المستدرك- الباب- 83- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 4 من كتاب التجارة.

ج 41، ص: 45

و قال الصادق (عليه السلام) لزيد الشحام و غيره (1): «الرجس من الأوثان الشطرنج».

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر عمر بن زيد (2): «إن لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار إلا من أفطر على مسكر أو مشاحن أو صاحب شاهين، قال: و أي شي ء صاحب الشاهين، قال: الشطرنج».

و في خبر العلاء بن سيابة (3)

«سمعته يقول: لا تقبل شهادة صاحب النرد و الأربعة عشر، و صاحب الشاهين يقول: لا و الله و بلى و الله مات و الله شاه و قتل و الله شاه و ما مات و لا قتل»

إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على رد شهادة اللاعب بالشطرنج و النرد و المقامر.

و من الغريب بعد ذلك ما في المسالك «و ظاهر النهي أنها من الصغائر، فلا تقدح في العدالة إلا مع الإصرار» و تبعه عليه في الرياض معللا له بضعف النصوص المقتضية لكونه من الكبائر و لا جابر، إذ قد عرفت التصريح بأنها كبيرة موبقة.

مضافا إلى ما عرفت من أن الكبيرة ما كانت كذلك عند أهل الشرع و لا ريب في أن القمار عندهم من أعظم المعاصي، و يكفي في الجابر تعاضد النصوص و الفتاوى على أن الأصل في كل معصية أن يكون كبيرة، لأن الأصل عدم تكفيرها، و لعموم الأمر (4)

بالتوبة من كل معصية إلا ما علم أنها صغيرة، و لا يعارض ذلك باستصحاب العدالة، لأنا نقول:

إنها عندنا اجتناب الكبائر في نفس الأمر، و لا يتم ذلك إلا باجتناب


1- «1» الوسائل- الباب- 102- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1. من كتاب التجارة.
2- «2» الوسائل- الباب- 102- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 4. من كتاب التجارة.
3- «3» الوسائل- الباب- 33- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 86- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

ج 41، ص: 46

المشكوك فيه أنه منها، و لا وجه لاستصحاب حال الاجتناب السابق عن الجميع إلى حال ارتكاب المشكوك فيه، ضرورة أنه حال آخر، على أن الأول إنما كان العلم بحصول العدالة للعلم باجتناب الكبائر التي قد كان في ضمن اجتناب الجميع، و لا علم هنا قطعا حال ارتكاب المجهول كونها كبيرة، فلا استصحاب قطعا بناء على معنى العدالة عندنا الذي هو عبارة عن الاجتناب المزبور، و على أن الكبيرة العظيمة عند الشارع و تارة أخرى يخفى حالها (1) نعم ما علم من الشرع من الذنوب المحقرة هي لا تقدح في العدالة إلا مع الإصرار الذي قد عرفت فتأمل، فإن هذا الأصل نافع في كثير من المواضع.

و بذلك كله ظهر لك الحال في المسألة و غيرها، بل قوله في المسالك:

«ظاهر النهي» إلى آخره لا يكاد يفهم له معنى، و أغرب منه ما عن الشافعي من عدم تحريم الشطرنج و النرد، و إنما هما مكروهان، و الثاني أشد كراهة من الأول، و الله العالم.

[المسألة الرابعة شارب المسكر ترد شهادته و يفسق]

المسألة الرابعة:

شارب المسكر ترد شهادته و يفسق بلا خلاف فيه عندنا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر خمرا كان أو نبيذا أو بتعا أو منصفا أو فضيخا و لو شرب منه قطرة خلافا لما عن الشافعي، فقال: من شرب يسيرا من النبيذ أحده و لا أفسقه


1- «1» هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، و في النسخة المخطوطة بقلمه الشريف: «و تارة و أخرى يخفى حالها» و العبارة علي كل حال مشوشة.

ج 41، ص: 47

و لا أرد شهادته، بل عن أبي حنيفة لا أحده و لا أفسقه و لا أرد شهادته.

و كذا الفقاع الذي هو خمر قد استصغره الناس.

و كذا العصير العنبي إذا غلا من نفسه أو بالنار و إن لم يشتد على الأصح فإنه حرام عندنا و لو لم يسكر إلا أن يغلي حتى يذهب ثلثاه فيحل حينئذ.

و أما غير ه من العصير كالمتخذ من الزبيب أو التمر فالأصل على أنه حلال ما لم يسكر كما حققناه في محله فضلا عن غيرهما.

و لا بأس باتخاذ الخمر للتخليل نصا (1)

و فتوى سواء كان بعلاج أو غيره، بل لعل الظاهر ما في كشف اللثام من أنه لا يحكم بفسق متخذ الخمر إلا إذا علم أنه لا يريد به التخليل، و الله العالم

[المسألة الخامسة مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب يفسق فاعله]

المسألة الخامسة (11) لا خلاف في أن الغناء و هو عند المصنف و الفاضل في الإرشاد و التحرير مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب يفسق فاعله و ترد شهادته، و كذا مستمعه (12) بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه،

قال الصادق (عليه السلام) (2) في خبر عنبسة: «استماع اللهو و الغناء ينبت النفاق كما ينبت الماء الزرع»

و في

خبر أبي الصباح و محمد بن


1- «1» الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأشربة المحرمة من كتاب الأطعمة و الأشربة.
2- «2» الوسائل- الباب- 101- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 41، ص: 48

مسلم (1) في قوله تعالى (2) «وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ» قال:

«الغناء»

سواء استعمل في شعر أو قرآن أو دعاء أو تعزية و لو على سيدنا الحسين (عليه السلام) أو غيرها لإطلاق النهي عنه، بل قد فسر به «الزُّورَ» (3) و «قَوْلَ الزُّورِ» (4) في كثير من الأخبار (5)

و في كثير منها (6)

لَهْوَ الْحَدِيثِ (7).

و قال الصادق (عليه السلام) في خبر أسامة (8): «الغناء عشر النفاق»

و في خبره الآخر (9)

«بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، و لا تجاب فيه الدعوة، و لا تدخله الملائكة».

و قال الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (10): «الغناء مما وعد الله به النار، و تلا هذه الآية وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (11)».


1- «1» الوسائل- الباب- 99- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 5 من كتاب التجارة.
2- «2» سورة الفرقان: 25- الآية 72.
3- «3» سورة الفرقان: 25- الآية 72.
4- «4» سورة الحج: 22- الآية 30.
5- «5» الوسائل- الباب- 99- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2 و 3 و 5 و 8 و 9 و 20 و 26 من كتاب التجارة.
6- «6» الوسائل- الباب- 99- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 6 و 7 و 11 و 16 و 20 و 25 من كتاب التجارة.
7- «7» سورة لقمان: 31- الآية 6.
8- «8» الوسائل- الباب- 99- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 10 من كتاب التجارة عن أبي أسامة و فيه «الغنا عش النفاق» إلا ان في بعض نسخ الكافي «عشر النفاق».
9- «9» الوسائل- الباب- 99- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 من كتاب التجارة.
10- «10» الوسائل- الباب- 99- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 6 من كتاب التجارة.
11- «11» سورة لقمان: 31- الآية 6.

ج 41، ص: 49

و أما ما روي من

قوله (صلى الله عليه و آله) (1): «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»

فقد يراد به الاستغناء كما

روي (2) أن «من قرأ القرآن فهو غني لا فقر بعده».

و عن الصدوق «و لو كان كما يقوله أنه الترجيع بالقراءة و حسن الصوت لكانت العقوبة قد عظمت في ترك ذلك و أن من لم يرجع صوته بالقراءة فليس من النبي (صلى الله عليه و آله) حيث قال: ليس منا» إلى آخره، و لا بأس بالحداء قولا و استماعا للأصل و أمر النبي (صلى الله عليه و آله)(3) به، و هو قسيم الغناء، أو المراد ما لم يصل إلى حد الغناء، و حينئذ هو كغيره من أنواع الإنشاد.

و يحرم من الشعر و غيره ما تضمن كذبا أو هجاء مؤمن أو تشبيبا بامرأة معروفة غير محللة أو غلام بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه. مضافا إلى ما في الكتاب (4) و السنة (5)

من تحريم إيذاء المؤمنين و إغراء الفساق بالامرأة و الولد، نعم لا بأس بهجو أعداء الدين، و

قد ورد (6)

أنه (صلى الله عليه و آله) أمر حسانا بهجو المشركين، و قال: «إنه أشد عليهم من رشق النبل».

و عن المبسوط كراهة التشبيب بالزوجة و الأمة، و لا ترد الشهادة بذلك، و كذا من شبب بامرأة مبهما، و عن بعضهم رد الشهادة بالتشبيب


1- «1» المستدرك- الباب- 20- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 8 و 9 من كتاب الصلاة.
2- «2» الوسائل- الباب- 6- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 3 من كتاب الصلاة.
3- «3» سنن البيهقي ج 10 ص 227.
4- «4» سورة الأحزاب: 33- الآية 58.
5- «5» الوسائل- الباب- 145- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
6- «6» سنن البيهقي- ج 10 ص 238.

ج 41، ص: 50

بالامرأة، لما فيه من سقوط الامرأة، قلت: قد يقال بحرمته مع فرض تأذيها بذلك و هتك حرمتها.

و ما عداه مباح إنشاء و إنشادا، و قد كان للنبي (صلى الله عليه و آله) شعراء يصغي إليهم، فيهم حسان بن ثابت و عبد الله بن رواحة و استنشد الشريد شعر أمية بن أبي الصلت فاستمع إليه(1)

بل قد يستحب بل قد يجب.

و لكن الإكثار منه من حيث نفسه مع قطع النظر عن جهة أخرى ترجحه مكروه للنهي خصوصا ليلة الجمعة و يومها و للصائم (2)

بل عن الخلاف كراهة إنشاده مطلقا مستدلا عليه بالإجماع و ب

قوله (صلى الله عليه و آله) (3): «لأن يمتلئ بطن الرجل (جوف أحدكم خ ل) قيحا أحب إلى من أن يمتلئ شعرا»

قال: «فان قالوا: المعني منه ما كان فحشا أو هجوا، و قال أبو عبيدة: معناه الاستكثار منه بحيث يكون الذي يتعلمه من الشعر و يحفظه أكثر من القرآن و الفقه قلنا: نحن نعمله على عمومه و لا نخصه إلا بدليل، و قوله تعالى (4):

«وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ» يدل على ذلك، و قد مر تفصيل الكلام في كثير من هذه الأحكام في كتاب المكاسب (5)».


1- «1» سنن البيهقي- ج 10 ص 226 و 227.
2- «2» الوسائل- الباب- 51- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1 من كتاب الصلاة و المستدرك الباب- 43- منها- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 51- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3 من كتاب الصلاة و المستدرك الباب- 43- منها الحديث 1 و سنن البيهقي ج 10 ص 244.
4- «4» سورة الشعراء: 26- الآية 224.
5- «5» راجع ج 22 ص 60- 62.

ج 41، ص: 51

[المسألة السادسة العود و الصنج و غير ذلك من آلات اللهو حرام]

المسألة السادسة لا خلاف أيضا في أن العود و الصنج و غير ذلك من آلات اللهو حرام بمعنى أنه يفسق فاعله و مستمعه بل الإجماع بقسميه عليه:

قال الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة (1): «لما مات آدم (ع) شمت به إبليس و قابيل، فاجتمعا في الأرض، فجعل إبليس و قابيل المعازف و الملاهي شماتة بآدم (عليه السلام) فكل ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فإنما هو من ذلك».

و في

خبر السكوني(2): «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

أنهاكم عن الزمر و المزمار و عن الكوبات و الكبرات».

و في خبر إسحاق بن جرير (3)

«أن شيطانا يقال له القفندر إذا ضرب في منزل الرجل أربعين صباحا بالبربط و دخل عليه الرجال وضع ذلك الشيطان كل عضو منه على مثله من صاحب البيت، ثم نفخ فيه نفخة فلا يغار بعدها حتى تؤتى نساءه فلا يغار».

و عن النبي (صلى الله عليه و آله) (4)

«أن الله حرم على أمتي الخمر و الميسر و النرد و المرز و الكوبة و القنين»

إلى غير ذلك من النصوص، و عن المبسوط و المرز: شراب الذرة، و الكوبة: الطبل، و القنين: البربط.

و كيف كان فعن الخلاف و المبسوط يكر الدف في الاملاك و الختان خاصة ل

قول النبي (صلى الله عليه و آله) (5):


1- «1» الوسائل- الباب- 100- من أبواب ما يكتسب به: الحديث 5 من كتاب التجارة.
2- «2» الوسائل- الباب- 100- من أبواب ما يكتسب به: الحديث 6 من كتاب التجارة.
3- «3» الوسائل- الباب- 100- من أبواب ما يكتسب به: الحديث 1 من كتاب التجارة.
4- «4» سنن البيهقي ج 7 ص 290.
5- «5» سنن البيهقي ج 7 ص 290.

ج 41، ص: 52

«أعلنوا النكاح و اضربوا عليه بالغربال»

يعنى الدف،

و قوله (صلى الله عليه و آله) (1)أيضا: «فصل ما بين الحرام و الحلال بالضرب بالدف عند النكاح»

و ربما قيد الدف هنا بما خلا عن الصنج، و عن ابن إدريس ما عن التذكرة من أن الأقوى الحرمة، لعموم النصوص الناهية و كثرتها و عدم صلاحية ما ذكر لتخصيصها، و قد مر الكلام فيه في المكاسب (2).

[المسألة السابعة الحسد معصية]

المسألة السابعة لا خلاف في أن الحسد و هو تمني زوال النعمة عن الغير أو هزوله معصية

تأكل الايمان كما تأكل النار الحطب (3)

و أن آفة الدين الحسد و العجب و الفخر (4)

و أن الحاسد ساخط لنعم الله تعالى صاد لقسمته بين عباده (5)

و أن ستة يدخلون النار قبل الحساب بستة منهم العلماء بالحسد (6).

و كذا بغضة المؤمن للنهي (7)

عن التعادي و التهاجر، و الأمر (8)

بالتحاب و التعاطف في النصوص التي لا تحصى، و لكن الظاهر أن ما يجده الإنسان من الثقل من بعض إخوانه لبعض أحوال و أفعال أو


1- «1» سنن البيهقي- ج 7 ص- 289.
2- «2» راجع ج 22 ص 49- 50.
3- «3» الوسائل- الباب- 55- من أبواب جهاد النفس- الحديث 1 من كتاب الجهاد.
4- «4» الوسائل- الباب- 55- من أبواب جهاد النفس- الحديث 5 من كتاب الجهاد.
5- «5» الوسائل- الباب- 55- من أبواب جهاد النفس- الحديث 6 من كتاب الجهاد.
6- «6» الوسائل- الباب- 56- من أبواب جهاد النفس- الحديث 6 من كتاب الجهاد.
7- «7» الوسائل- الباب- 136 و 144- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
8- «8» الوسائل- الباب- 124- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.

ج 41، ص: 53

لغير ذلك ليس من البغض إن شاء الله فإنه لا ينفك عنه أحد من الناس.

هذا و في كشف اللثام و غيره أنه لما كان كل منهما قلبيا قال:

و التظاهر بذلك قادح في العدالة بل في المسالك «و إن كانا محرمين بدون الإظهار» و لكن في محكي المبسوط «إن ظهر منه سب و قول فحش فهو فاسق، و إلا ردت شهادته للعداوة».

قال الصادق (عليه السلام) في خبر حمزة بن حمران (1): «ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق و الطيرة و الحسد، إلا أن المؤمن لا يستعمل الحسد»

فيمكن أن يقال: إن التظاهر بهما محرم، و يؤيده ما تسمعه من الأصحاب من عدم اقتضاء العداوة الدنيوية- المفسرة عندهم بسرور كل منهما بمساءة الآخر و بالعكس- فسقا، كما ستعرف إن شاء الله، و تفصيل الحال في الحسد و ما يتولد منه و ما يداوي به و أقسامه التي فيها الخفي جدا في كتب الأخلاق.

[المسألة الثامنة لبس الحرير للرجال في غير الحرب اختيارا محرم]

المسألة الثامنة:

لبس الحرير للرجال في غير الحرب اختيارا محرم بإجماع علماء الإسلام و نصوصهم ف ترد به الشهادة مع الإصرار أو بدونه، كما هو ظاهر المتن و القواعد و الإرشاد و محكي التحرير و التلخيص، لأنه كبيرة عند أهل الشرع أو بحكمها، للأصل الذي عرفته.

و في

خبر ليث المرادي (2) عن الصادق (عليه السلام) «أن


1- «1» الوسائل- الباب- 55- من أبواب جهاد النفس- الحديث 8 من كتاب الجهاد.
2- «2» الوسائل- الباب- 16- من أبواب لباس المصلي- الحديث 2 من كتاب الصلاة.

ج 41، ص: 54

رسول الله (صلى الله عليه و آله) كسى أسامة بن زيد حلة حرير فخرج فيها، فقال: مهلا يا أسامة، إنما يلبسها من لا خلاق له، فاقسمها بين نسائك».

و منه ينقدح احتمال اندراج لابس الحرير في نصوص المتشبهين بالنساء.

و كيف كان ف في التكأة عليه و الافتراش له فضلا عن التدثر به تردد و لكن الأقوى الجواز للأصل، بل هو مروي (1)

أيضا خلافا للشافعي و أحمد، و قد مر تمام الكلام في ذلك في لباس المصلى (2)».

و كذا يحرم التختم بالذهب بل و مطلق التحلي به للرجال بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (3)

التي مرت في لباس المصلى (4) و ذكرنا هناك حرمته و لو طليا أو تمويها، و منه الأعلام في الثياب كما عن الذكرى الاعتراف به، خلافا للمحكي عن المبسوط فأحل المموه و المجرى فيه إذا اندرس و بقي الأثر، و عن ابن حمزة حل المموه من الخاتم و المجرى فيه الذهب، فلاحظ و تأمل.


1- «1» الوسائل- الباب- 15- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- «2» راجع ج 8 ص 127- 128.
3- «3» الوسائل- الباب- 16- من أبواب لباس المصلى- الحديث 6 و الباب- 30- منها من كتاب الصلاة.
4- «4» راجع ج 8 ص 111.

ج 41، ص: 55

[المسألة التاسعة اتخاذ الحمام للأنس و الاستفراخ ليس بحرام]

المسألة التاسعة:

اتخاذ الحمام للأنس و إنفاذ الكتب و الاستفراخ ليس بحرام بلا خلاف أجده فيه على ما اعترف به غير واحد للأصل و غيره، بل قد يستفاد من النصوص استحباب اتخاذها، ففي

النبوي (1)

«أن رجلا شكا إليه (صلى الله عليه و آله) الوحدة، فقال: اتخذ زوجا من حمام»

و عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)

«ما من بيت فيه حمام إلا لم يصب ذلك البيت آفة من الجن، إن سفهاء الجن يمضون إلى البيت فيعبثون بالحمام و يدعون الإنسان»

و قال عبد الكريم بن صالح (3): «دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فرأيت على فراشه ثلاث حمامات خضر، فقلت: جعلت فداك هذا الحمام يقذر الفراش، فقال: لا إنه يستحب أن يسكن في البيت».

و إن اتخذها للفرجة و التطيير فهو جائز أيضا وفاقا للمشهور، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه، للأصل و

خبر العلاء (4)

«سمعته يقول: لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام»

و خبره الآخر (5)

«سأل الصادق (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام، قال لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق، قال: فان من قبلنا يقولون: قال عمر: هو الشيطان، فقال: سبحان الله أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال:

إن الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الخف و الحافر و الريش


1- «1» الوسائل- الباب- 31- من أبواب أحكام الدواب- الحديث 15 من كتاب الحج.
2- «2» الوسائل- الباب- 31- من أبواب أحكام الدواب- الحديث 8 من كتاب الحج.
3- «3» الوسائل- الباب- 34- من أبواب أحكام الدواب- الحديث 1 من كتاب الحج.
4- «4» الوسائل- الباب- 54- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
5- «5» الوسائل- الباب- 54- من كتاب الشهادات- الحديث 3.

ج 41، ص: 56

و النصل فإنها تحضره»

بناء على إرادة الطير من الحمام فيه لا الخيل كما يحكى عن لسان أهل مكة و إن كان قد يشهد له ما في ذيله، كما ذكرنا ذلك في كتاب السبق (1).

و لكنه على كل حال مكروه لما فيه من العبث و اللعب و تضييع العمر في ما لا يجدي، بل قد يكون في بعض الأحوال أو الأزمنة أو الأمكنة من منافيات المروة، خلافا للمحكي عن ابن إدريس، فعد اللعب به فسقا مسقطا للعدالة، و كذا اللعب بكل شي ء. و فيه منع واضح.

نعم الرهان عليها قمار لما عرفته في كتاب السبق (2) من اختصاص جوازه بالخف و الحافر من الحيوان. و قيل: «إن حفص بن غياث (3) وضع للمهدي العباسي في حديث «لا سبق» «أو ريش» ليدخل فيه الحمام تقربا إلى قلب الخليفة حيث رآه يحب الحمام، فلما خرج من عنده قال: أشهد أن قفاه قفا كذاب، ما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «أو ريش» و لكن أراد التقرب إلينا بذلك، ثم أمر بذبح الحمام» و منه يعلم ما في ذيل خبر العلاء (4)

السابق، و قد تقدم تفصيل ذلك في كتاب السبق و الرماية (5) و كتاب المكاسب.

و قد عرفت حرمة اللعب بآلات القمار و إن لم يكن عوض بل أريد بها الحذق أو اللهو، كما أنك عرفت حرمته في غير موضوع السبق و الرماية، أما المغالبة بلا عوض في غير ما أعد للهو و اللعب، و المقامرة فقد ذكرنا


1- «1» راجع ج 28 ص 217.
2- «2» راجع ج 28 ص 217.
3- «3» المستدرك- الباب- 4- من كتاب السبق و الرماية- الحديث 4 و فيه «جناح» بدل «ريش».
4- «4» الوسائل- الباب- 54- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
5- «5» راجع ج 28 ص 217.

ج 41، ص: 57

الكلام فيها مفصلا هناك (1) أيضا فلاحظ و تأمل.

[المسألة العاشرة لا ترد شهادة أحد من أرباب الصنائع المكروهة كالصياغة و بيع الرقيق]

المسألة العاشرة:

لا ترد شهادة أحد من أرباب الصنائع المكروهة كالصياغة و بيع الرقيق بلا خلاف أجده بيننا بل و لا من أرباب الصنائع الدنية كالحجامة و الحياكة و لو بلغت في الدناءة، كالزبال و الوقاد، لأن الوثوق بشهادته مستند إلى تقواه التي لا ينافيها ذلك، بل و لا تنافي مروته لأنها صنعة من الصنائع و إن نافت مروة من لم يتخذها صنعة أو خصوص بعض الناس في بعض الأحوال المخصوصة.

و إنما خالف في ذلك بعض العامة محتجا بأن اشتغالهم بهذه الحرف و رضاهم بها يشعر بالخسة و قلة المروة، خصوصا الحياكة، لاذراء الناس بهم، و عد الحياكة فضلا عن غيرها من صفات النقص، بل عن بعضهم إلحاق الصبغ و الصياغة بها، و عن ثالث الفرق بين من يليق به هذه الحرف و كانت صنعة آبائه و غيره، فترد شهادة الثاني دون الأول و مرجع الجميع إلى اعتبارات لا تصلح معارضة لإطلاق أدلة قبول شهادة العدل كتابا (2) و سنة (3).

ثم لا يخفى عليك أن المصنف و غيره ممن تعرض لذكر بعض ما يقدح في العدالة ليس غرضه حصر ذلك في ما ذكره، ضرورة عدم انحصار الأمر في ما ذكره، لمعلومية حرمة أمور كثيرة لم يذكروها كمعلومية


1- «1» راجع ج 22 ص 109.
2- «2» سورة الطلاق: 65- الآية 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 58

كونها من الكبائر، بل قد ذكر في كتب الأخلاق أمور كثيرة تقتضي القدح في العدالة لم تذكر في كتب الأصحاب، مع أن فيها روايات كثيرة مشتملة على المبالغة في نفي الايمان معها.

و قد ذكر الأردبيلي جملة منها، و من أخبارها، كهجر المؤمن، و ضرب الحجاب بينه و بينه و عدم الخروج إليه مع المجي ء إلى منزله (1).

و (منها) عدم إعانة من استعان به من إخوانه، و منعه الحاجة التي أرادها منه مع تمكنه من ذلك (2). و (منها) إخافة المؤمن (3).

و (منها) النميمة (4). و (منها) إذاعة سره (5). و (منها) مجالسة أهل المعاصي (6). و (منها) قطيعة الرحم (7). و (منها) خلف الوعد (8). و (منها) عدم بذل الجهد في قضاء حاجة المؤمن (9).

و (منها) الشماتة به (10). و (منها) إطاعة من عصى الله تعالى (11).


1- «1» الوسائل- الباب- 144 و 130- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
2- «2» الوسائل- الباب- 37- من أبواب فعل المعروف من كتاب الأمر بالمعروف.
3- «3» الوسائل- الباب- 162- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
4- «4» الوسائل- الباب- 164- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
5- «5» الوسائل- الباب- 157- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
6- «6» الوسائل- الباب- 38- من أبواب الأمر و النهي من كتاب الأمر بالمعروف.
7- «7» الوسائل- الباب- 149- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
8- «8» الوسائل- الباب- 49- من أبواب جهاد النفس- الحديث 4 و 6 و 11 من كتاب الجهاد.
9- «9» الوسائل- الباب- 25- من أبواب فعل المعروف- الحديث 5 و 9 و 10 من كتاب الأمر بالمعروف.
10- «10» الكافي ج 2 ص 359.
11- «11» الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 1 من كتاب الأمر بالمعروف.

ج 41، ص: 59

و (منها) سباب المؤمن (1). و (منها) سوء الظن (2). و (منها) الغيبة و البهتان (3). و (منها) طلب عثرات المؤمنين و عوراتهم (4).

و (منها) إيذاء المؤمنين و احتقارهم و الاستهزاء و السخرية بهم (5).

و (منها) التهاون في حقوق الوالدين (6)

. و (منها) المكر و الغدر و الخديعة و ترك النصيحة (7)

. و (منها) كون الرجل ذا وجهين و لسانين (8)

. و (منها) الرياء (9)

. و (منها) العجب (10).

و (منها) الكذب (11). و (منها) الظلم (12). و (منها) الفخر و الكبر (13)


1- «1» الوسائل- الباب- 158- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 و 4 من كتاب الحج.
2- «2» الوسائل- الباب- 161- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.
3- «3» الوسائل- الباب- 152 و 153- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
4- «4» الوسائل- الباب- 150- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
5- «5» الوسائل- الباب- 145 و 146 و 147- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج و البحار ج 75 ص 144 و سورة البراءة: 9- الآية 79.
6- «6» البحار- ج 74 ص 22- 86.
7- «7» الوسائل- الباب- 137- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج و الباب- 36- من أبواب فعل المعروف من كتاب الأمر بالمعروف و الباب- 21- من أبواب جهاد العدو من كتاب الجهاد.
8- «8» الوسائل- الباب- 143- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
9- «9» الوسائل- الباب- 11- من أبواب مقدمة العبادات.
10- «10» الوسائل- الباب- 23- من أبواب مقدمة العبادات.
11- «11» الوسائل- الباب- 138- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
12- «12» الوسائل- الباب- 77- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
13- 13 الوسائل- الباب- 59 و 75- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

ج 41، ص: 60

و (منها) سوء الخلق (1)

. و (منها) حب الدنيا (2)

. و (منها) حب الرئاسة (3)

. و (منها) الطمع (4)

. و (منها) التحكر (5)

.

و (منها) التعصب (6). و (منها) الغضب (7). و (منها) التدليس (8). و (منها) ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (9) إلى غير ذلك مما لم يشبع الكلام فيه الأصحاب، و إنما ذكر الكلام فيه مفصلا في كتب الأخلاق للعامة و الخاصة.

و لكن من المعلوم كون جملة من ذلك إنما هو لبيان تفاوت مراتب الناس في درجاتهم، و أن جامع ذلك هو الفرد الكامل، لا أن المراد انتفاء وصف العدالة منه إلا في ما علم حرمته من الكذب و الظلم و الغيبة و نحوها، و الله العالم.

[الوصف الخامس ارتفاع التهمة]
اشارة

الوصف الخامس: ارتفاع التهمة في الجملة بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، بل النصوص فيه مستفيضة أو متواترة.

قال عبد الله بن سنان (10): «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):


1- «1» الوسائل- الباب- 69- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
2- «2» الوسائل- الباب- 61- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
3- «3» الوسائل- الباب- 49- من أبواب جهاد النفس- الحديث 2 من كتاب الجهاد.
4- «4» الوسائل- الباب- 67- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
5- «5» الوسائل- الباب- 27- من أبواب آداب التجارة من كتاب التجارة.
6- «6» الوسائل- الباب- 57- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
7- «7» الوسائل- الباب- 49- من أبواب جهاد النفس- الحديث 2 من كتاب الجهاد.
8- «8» الوسائل- الباب- 86- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
9- «9» الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأمر و النهي من كتاب الأمر بالمعروف.
10- «10» الوسائل- الباب- 30- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 61

ما يرد من الشهود؟ فقال: الظنين و المتهم، قلت: فالفاسق و الخائن قال: ذلك يدخل في الظنين».

و سأله (عليه السلام) أيضا سليمان بن خالد (1)

«عن الذي يرد من الشهود، فقال: الظنين و الخصم، قلت: فالفاسق و الخائن، قال:

كل هذا يدخل في الظنين».

و سأله (عليه السلام) أبو بصير (2) أيضا «عن الذي يرد من الشهود، فقال: الظنين و المتهم و الخصم، قلت: فالفاسق و الخائن، قال: كل هذا يدخل في الظنين»

و نحوه خبر الحلبي (3) عنه (عليه السلام) أيضا.

و في

موثق سماعة (4)

«سألته عما يرد من الشهود، فقال: المريب و الخصم و الشريك و دافع مغرم و الأجير و العبد و التابع و المتهم، كل هؤلاء ترد شهادتهم».

و الظاهر أن المراد بالظنين هنا المتهم في دينه بقرينة إدخال الخائن و الفاسق فيه و عطف المتهم عليه و إن حكي عن الصحاح تفسيره بالمتهم، و حينئذ يكون المراد بالمتهم المعطوف على الظنين المتهم في خصوص الواقعة، و حينئذ فعطف «الخصم» عليه في خبر أبي بصير و غيره من عطف الخاص على العام.

و على كل حال فلا خلاف في عدم قدح مطلق التهمة، لاستفاضة النصوص (5)

في قبول شهادة الزوج لزوجته و بالعكس و الصديق لصديقه و غيرهما مما هو محل للتهمة، بل في كشف اللثام «وقع الاتفاق على أنها


1- «1» الوسائل- الباب- 30- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- ا لباب- 30- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 30- من كتاب الشهادات- الحديث 5.
4- «4» الوسائل- الباب- 32- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
5- «5» الوسائل- الباب- 25 و 26- من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 62

لا ترد بأي تهمة كانت» و في الدروس «ليس كل تهمة تدفع الشهادة بالإجماع، فإن شهادة الصديق لصديقه مقبولة» إلى آخره.

و حينئذ فلا بد من ضابط للتهمة التي ترد بها الشهادة، و حصرها في القواعد بستة، و لعله إلى نحو ذلك أشار المصنف بقوله: «و يتحقق المقصود ببيان مسائل» ضرورة إرادة انحصار ردها فيها.

و في الرياض «التحقيق في المسألة يقتضي الرجوع إلى إطلاق الأخبار المتقدمة نظرا إلى أنها بالإضافة إلى ما دل على قبول شهادة العدل عموما أو إطلاقا إما خاصة فيقيد بها أو عامة فيصير التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه، و حيث لا مرجح لأحدهما على الآخر من إجماع و غيره ينبغي الرجوع إلى حكم الأصول، و هو هنا عدم القبول مطلقا إلا أن يتردد في التهمة في بعض الأفراد أنها هل هي تهمة أو داخلة في إطلاق التهمة في النصوص المانعة عن قبول الشهادة معها كما سيأتي من شهادة الوصي أو الوكيل في ما لهما الولاية فيه مع عدم نفع لهما إلا خصوص التصرف فيه، فان قبول الشهادة في مثله أوفق بالأصل من حيث العموم الدال عليه على الإطلاق مع سلامته عن معارضة عموم هذه الأخبار لما عرفت من التأمل إما في أصل حصول التهمة أو دخولها في إطلاق التهمة المذكورة فيها، و إلى ما ذكرناه يشير كلام الفاضل الأردبيلي في مسألة شهادة الوصي و الوكيل حيث إنه- بعد أن حكى القول بعدم قبول شهادتهما للتهمة قال-:

و فيه تأمل، إذ لا نص فيهما بخصوصهما، و العقل لا يدرك التهمة فيهما، بل الولاية في مثل ذلك ضرر و تعب إلا أن تكون بجعل بحسب مقدار المال فتأمل، و لا إجماع، إذ نقل عن ابن الجنيد عدم رد شهادتهما في ما ذكر و عموم أدلة الشهادة يدل على القبول و العدالة تمنع، بل ظاهر حال المسلم يمنع من شهادة الزور، بل من التهمة الممنوعة، و وجوب الحمل على

ج 41، ص: 63

الصحة، و يؤيده

مكاتبة الصفار (1) الصحيحة قال: «كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقع (عليه السلام) إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدعي اليمين»

انتهى. ثم قال-: و قريب منه كلام الشهيد في الدروس حيث قال: و لو شهد الوصي بمال اليتيم فالمشهور الرد، و قال ابن الجنيد:

تقبل، و دفع بأن الوصي متهم بالولاية على المال، و في تأثير هذه التهمة نظر، و خصوصا في ما لا أجرة له على حفظه أو إصلاحه انتهى- ثم قال-: و هو في غاية الجودة و المتانة، و عليك بمراعاة هذه القاعدة، فإنها تنفعك في مواضع».

قلت: لعل التأمل في كلام الأردبيلي بل و الدروس يقتضي قبول الشهادة مع التهمة التي لم ينص على المنع منها بالخصوص، بل هو صريح كلامه في مسألة المختبئ، و هو خلاف ما ذكره من قاعدته المقتضية عدم القبول إلا مع الشك في أصل موضوع التهمة أو في اندراجها في الإطلاق.

و لعل التحقيق الاقتصار في منع التهمة للشهادة على ما ذكروه مما يرجع بها الشاهد إلى كونه مدعيا أو منكرا أو غير ذلك من الأمور المنصوصة المخصوصة، و ذلك للقطع من النص و الإجماع بعدم إرادة العنوانية في نصوص المتهم على وجه يراد أن المانع مصداقه إلا ما خرج مما هو أضعاف الداخل، بل المراد تهمة خاصة شرعية لا عرفية، فيقتصر على ما ذكر في النص و الفتوى، لأصالة عدم غيره فيبقى عموم قبول شهادة العدل بحاله.

و من هنا ذكر المصنف و غيره أفردا خاصة لها مع التصريح من بعضهم بعدم مانعيتها في غير ذلك، بل ظاهر المصنف أيضا ذلك حيث


1- «1» الوسائل- الباب- 28- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 64

إنه بعد أن ذكرها قال

[مسائل]
[المسألة الأولى لا تقبل شهادة من تجر شهادته نفعا]

و يتحقق المقصود في مسائل:

الأولى:

لا تقبل شهادة من تجر شهادته نفعا محققا إليه على وجه يكون في الحقيقة مدعيا كالشريك في ما هو شريك فيه بحيث تقتضي الشهادة المشاركة له فيه كما في الدروس و الروضة و الرياض، و ذلك بأن يقول: هو بيننا، أما لو شهد بأن له نصفه قبلت، كما صرح به بعض الشافعية، بل هو مقتضى التقييد في الكتب السابقة، بل هو أيضا مقتضى تعليل المنع في كشف اللثام و غيره بأنه مدع، ضرورة عدم جر النفع له في الفرض المزبور، و عدم كونه مدعيا.

بل هو مقتضى

قوله (عليه السلام) (1) في الخبر الآتي: «إلا في شي ء له فيه نصيب»

بل هو مقتضى

قوله (عليه السلام) في الخبر الآخر (2): «في ما هو بينهما»

فمقتضى ذلك قبول شهادة كل من الشريكين للآخر و لو كانا وارثين، و هو موافق لمرسل أبان (3) الآتي على ما رواه في التهذيب، نعم هو مناف له على رواية الكافي له

«لا يجوز» (4).

و يمكن حمله حينئذ على ما إذا كانت الشهادة تقتضي الشركة بأن قالا: هو لنا أجمع، فإن ذلك هو الممنوع من شهادة الشريك التي مرجعها


1- «1» الوسائل- الباب- 27- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
2- «2» المستدرك- الباب- 22- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 27- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
4- «4» لم يتعرض الكليني قده لمرسل أبان في الكافي، و قوله عليه السلام: «لا يجوز» إنما ورد في موثق عبد الرحمن البصري الآتي في ص 66.

ج 41، ص: 65

إلى كونه مدعيا، كما سمعت التعليل به في كشف اللثام، و كذا لو شهد مثلا أن زيدا أتلف من عمرو كذا أو استقرض منه كذا أو غصب منه كذا و كان المال مشتركا بين الشاهد و المشهود له.

بل ظاهر النص و الفتوى حينئذ بطلانها حتى بالنسبة إلى حصة الشريك و إن قلنا بتبعيض الشهادة في غيره، فيكون هذا الفرد خارجا منه حينئذ.

هذا و قد يقال: إن الممنوع شهادة الشريك لشريكه و لو بحصته المشاعة مع فرض خروج العين عنهما معا للتهمة شرعا، للنصوص (1)

بناء على أن المراد منها عدم قبول شهادته و لو بحصته في ما هو بينهما أو في شي ء للشاهد فيه نصيب لو ثبت أنه لهما، و ذلك لاشتراك الدعوى بينهما فيه و إن تقدم أحدهما و بقي الآخر على دعواه بحصته.

و منه يعلم حينئذ بطلان شهادة الاثنين لواحد من الشركاء و لو بحصته، كما هو مقتضى رواية الكافي لمرسل أبان الآتي (2)

.

بل لعل المغروس في ذهن كل من له في الفقه أدنى نصيب أنه لا يصح إثبات المال الذي يدعي به الثلاثة بشهادة الاثنين منهم لكل واحد، ضرورة كون الدعوى مشتركة بين الجميع، فلا تصح شهادة بعضهم لبعض، فتأمل جيدا فاني لم أر المسألة محررة، و ظاهر كلامهم الأول.

و صاحب الدين إذا شهد للمحجور عليه بمال يتعلق دينه به بخلاف غير المحجور عليه فإنه تقبل شهادته له و إن كان معسرا، لأن الحق متعلق بذمته لا بعين ماله، و احتمل بعضهم العدم، لأن المعسر لا مطالبة عليه، فإذا أثبت له شيئا أثبت المطالبة لنفسه، و ضعفه واضح.


1- «1» الوسائل- الباب- 27- من كتاب الشهادات.
2- «2» لم يتعرض الكليني قده لمرسل أبان في الكافي، و قوله عليه السلام: «لا يجوز» إنما ورد في موثق عبد الرحمن البصري الآتي في ص 66.

ج 41، ص: 66

و السيد لعبده المأذون فإن ما في يده لمولاه عندنا، نعم في المنع من شهادته لعبده المكاتب قولان، من انتفاء سلطنته عنه، و ظهور التهمة بعجزه، و خصوصا المشروط، و بالأول قطع الفاضل في القواعد، و بالثاني في محكي التحرير، و في المسالك و لعله أقوى.

و الوصي في ما هو وصي فيه ليدخل في ولايته، و

عن النبي (صلى الله عليه و آله) (1)

«أنه نهى أن تجاز شهادة الخصم و الظنين و الجار إلى نفسه منفعة»

و قد سمعت خبر سماعة (2).

و عن علي (عليه السلام) (3)

«لا تجوز شهادة الشريك لشريكه في ما هو بينهما، و تجوز في غير ذلك مما ليس فيه شركة».

و في مرسل أبان (4) المجمع على تصحيح ما يصح عنه، مع أنه في الفقيه من غير إرسال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه، قال: تجوز شهادته إلا في شي ء له فيه نصيب».

و في

موثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله (5) قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء شهد اثنان على واحد، قال: لا تجوز شهادتهما»

بناء على إرادة معنى اللام من لفظ «على» أو أن المراد على أمره، لكن رواه

في التهذيب (6)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء ادعى واحد و شهد الاثنان، قال: تجوز»

و يمكن حمله على ما إذا شهدا بحصته المشاعة التي لم تكن بينهما شركة بناء على قبول


1- «1» المستدرك- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 32- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
3- «3» المستدرك- الباب- 22- من كتاب الشهادات الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 27- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
5- «5» الوسائل- الباب- 27- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
6- «6» الوسائل- الباب- 27- من كتاب الشهادات- الحديث 4.

ج 41، ص: 67

شهادة الشريك لشريكه بنحو ذلك كما عرفت و إن كان الانصاف عدم خلو ذلك عن إشكال كما سمعت، خصوصا مع ملاحظة خبر اللصوص (1) الآتي.

و أما الوصي بل و الوكيل فالمشهور عدم قبول شهادتهما في ما لهما الولاية عليه، بل في الرياض أنها شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا كما هو ظاهر جماعة، بل ربما توجب المصير إليه، و لذا صار إليه أكثر من تأمل فيه بما تقدم، و منهم الشهيد المتقدم ذكره، فقد أفتى به في اللمعة.

و كذا في الدروس، فإنه بعد تنظيره السابق قال: «فلنذكر أسباب التهمة المضرة، فمنها ما تجر شهادته نفعا كالشريك- إلى أن قال-:

و الوصي في متعلق وصيته و غرماء المفلس و الميت و السيد لعبده، و منها أن يدفع ضررا، كشهادة العاقلة بجرح شهود جناية الخطأ، و شهادة الوكيل و الوصي بجرح الشهود على الموكل و الموصى» إلى آخر ما ذكره.

قلت: لا ينبغي التأمل في ذلك مع فرض الأجرة لهما على التصرف في المشهود عليه، بل و مطلقا إذا كانا هما المدعين، لمعلومية قيام الوصي و الوكيل مقام الموصى و الموكل المانع ذلك من صحة شهادتهما كالولي الإجباري للمولى عليه، ضرورة اندراجهما في

قوله (صلى الله عليه و آله) (2): «البينة على المدعي».

لكن قد سمعت مكاتبة الصفار (3)

السابقة،

و في مكاتبته الأخرى (4) إلى أبي محمد (عليه السلام) أيضا «أ يجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيرا أو كبيرا بحق له على الميت أو على غيره و هو القابض للوارث الصغير و ليس للكبير بقابض؟ فوقع (عليه السلام) نعم و ينبغي للوصي أن


1- «1» الوسائل- الباب- 27- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 1- 5 من كتاب القضاء.
3- «3» الوسائل- الباب- 28- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 28- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 68

يشهد بالحق و لا يكتم شهادته»

و في كشف اللثام «ليس فيها إلا أن عليه الشهادة، و أما قبولها فلا» لكنه كما ترى.

و يمكن حملهما على قبول شهادة الوصي إذا كان المدعى للميت أحد ورثته، لما عرفته سابقا أن كل واحد منهم يقوم مقام الميت في ذلك، فليس الوصي حينئذ مدعيا، بل الوارث و إن كان بعد الثبوت يتعلق به حق الوصاية، و ربما يشهد لذلك

قوله (عليه السلام) في الأولى: «فعلى المدعي اليمين»

الظاهر في كون المدعى غيره، و لعل اليمين المزبورة استحبابا للاستظهار، نحو ما ورد في غيره من وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح (1)

أو يفرض كون المدعى عليه بدين ميتا فيكون اليمين للاستظهار.

و لو فرض تعدد الأوصياء فادعى أحدهم و شهد الآخر مثلا فيمكن القبول أيضا، و أقوى منه قبول الوكيل مع فرض عدم كونه مباشرا للدعوى، بل و لا هو وكيل فيها، و لكنه وكيله على بيع المال مثلا الذي عليه الدعوى، بل لو فرض تعدد الوكلاء على الدعوى و قام بذلك أحدهم و شهد الآخرون كان القبول أيضا لا يخلو من قوة.

و بالجملة قد عرفت أن مطلق التهمة و جر النفع غير مانع من الشهادة، بل مرجعه إلى ما ثبت في الأدلة المخصوصة أو رجع إلى الممنوع بعموم غيرها من كونه مدعيا و نحوه، و الوكيل بل الوصي ليس كذلك في جميع أحوالهما، فينبغي قبول شهادتهما، لعموم أدلة القبول، نعم في ما يكونان فيه مدعيين عرفا لا تقبل، بل ينبغي الجزم بقبول شهادة الوصي مثلا إذا فرض شهادته بما لا يرجع إلى ولايته، كما لو شهد بحق الوارث و كان وصيا على الثلث مثلا و فرض استيفاؤه له أو لم يشهد به، نحو


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب القاضي- الحديث 1 من كتاب القضاء.

ج 41، ص: 69

ما سمعته في الشريك.

و بالجملة ليس لهم كلام منقح في المقام، و ظاهر ما حضرني من نسخة نهاية الشيخ قبول شهادة الوصي مطلقا، و الانصاف عدم خلو القول حينئذ بالقبول مطلقا من إشكال واضح، و المكاتبتان لا يصلحان مع الاعراض عنهما في بعض الأفراد لمعارضة غيرهما مما يقتضي المنع، على أنه قد يدعى ظهورهما خصوصا الأولى منهما في كون المدعي غير الوصي فتأمل جيدا.

و كذا لا تقبل شهادة من يستدفع بشهادته ضررا كشهادة أحد العاقلة بجرح شهود الجناية، و كذا الوصي و الوكيل بجرح شهود المدعي على الموصى و الموكل ضرورة كون الجارح في الجميع هو المدعى عليه، فلا وجه لقبول شهادته في دفع الدعوى عنه، كما هو واضح.

هذا و في القواعد «أن من الشهادة الممنوعة أيضا أن يشهد أن فلانا جرح مورثه» و في كشف اللثام «فإنه يثبت الدية لنفسه أو القصاص إن شهد بعد الموت أو قبله و الجراح لم تندمل مع احتمال السريان عادة أو نص الشاهد باحتمال السريان و إن لم يسر و لم يستوعب الدين تركته التي منها الدية إن قلنا بتعلق حق الديان بأعيانها» و فيه نظر.

و لو شهد بمال لمورثه المجروح و لو جراحة سارية عادة أو المريض مرضا يعلم موته فيه قبل ما لم يمت قبل الحكم، لعموم الأدلة، و لا يقدح الانتقال إليه بعد الموت، و الفرق بين هذا و سابقه أن أثر الشهادة في الأول في ما بعد الموت، فليس هو إلا مدعيا لنفسه الدية أو القصاص بخلاف المفروض، فان المال فعلا للمورث.

ج 41، ص: 70

[المسألة الثانية العداوة الدينية لا تمنع القبول أما الدنيوية فإنها تمنع]

المسألة الثانية:

العداوة الدينية لا تمنع القبول قطعا فان المسلم تقبل شهادته على الكافر، أما الدنيوية فإنها تمنع بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص السابقة المتضمنة لرد شهادة الخصم (1) بناء على أن المراد منه العدو، كما فسره به بعضهم، و إلى

خبر السكوني (2) عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) «لا تقبل شهادة ذي شحناء أو ذي مخزية في الدين»

فان الشحناء هي العداوة، و

المروي عن معاني الأخبار (3)

«لا تجوز شهادة خائن و لا خائنة و لا ذي غمز على أخيه»

إلى آخره و من ذلك يعلم اندراج العدو في المتهم أيضا، فتكون النصوص السابقة (4)

دالة عليه أيضا، و على كل حال فلا إشكال في عدم قبول شهادته.

بل قال المصنف و غيره سواء تضمنت فسقا أو لم تتضمن و مقتضى ذلك تحققها مع العدالة، و لذا صرح غير واحد بقبول شهادته له و لغيره و عليه، بل عن آخر دعوى الإجماع عليه.

و لكن قد يشكل ذلك بناء على ما ذكروه من أنها تتحقق العداوة بأن يعلم من حال أحدهما السرور بمساءة الآخر و المساءة بسروره، أو يقع بينهما تقاذف بأن ذلك مقتض للفسق لما عرفت من حرمة الحسد و بغض المؤمن.

و من هنا قال في المسالك: «لا يخفى أن الفرح بمساءة المؤمن


1- «1» الوسائل- الباب- 30- من كتاب الشهادات.
2- «2» الوسائل- الباب- 32- من كتاب الشهادات- الحديث 5.
3- «3» الوسائل- الباب- 32- من كتاب الشهادات- الحديث 8.
4- «4» الوسائل- الباب- 30- من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 71

و الحزن بمسرته معصية، فإن كانت العداوة من هذه الجهة و أصر على ذلك فهو فسق، و ظهور الفسق مع التقاذف أوضح، فالجمع بين العداوة و قبول الشهادة لا يخلو من إشكال إلا أن يفسر الإصرار بالإكثار من الصغائر لا بالاستمرار على واحدة بخصوصه».

لكن في التحرير بعد أن ذكر تحقق العداوة بأن يعلم أن كل واحد منهما يفرح بمساءة صاحبه و يغتم بمسرته و يبغى له الشر قال: «و هذا القدر لا يوجب فسقا و ترد به الشهادة» و كأنه اعتبر في إيجاب ذلك الفسق الإظهار لا مطلقا.

و إليه يرجع ما في كشف اللثام حيث إنه قال: «في المتضمنة فسقا كما إذا قذف المشهود عليه أو ضربه أو اغتابه بلا سبب مبيح لذلك أو أظهر البغضة له و في غير المتضمنة فسقا كما إذا قذفه المشهود عليه أو ضربه أو آذاه بحيث علمت عداوته له و إن لم يظهرها» بل قال في ما لو وقع بينهما تقاذف: «هو لا يوجب إلا فسق البادي».

و في مجمع البرهان بعد أن ذكر الاشكال المزبور قال: «إلا ان تفرض العداوة لغير المؤمن من الكفار و المخالفين أيضا لو جوز بغضهما من حيث الدنيا أيضا، أو يقال قد لا تكون العداوة بالمعنى المذكور حراما، مثل أن تكون بعد حصول ضرر و أذاه منه له، مثل قتله و شتمه و أخذ ماله أو قتل أبيه و ولده و هتك عرضه و أمثال ذلك أو يكون القذف و السب بغير الزنا، بل بما هو نقص موجود فيه و لم يكن القاذف دائما عاصيا، مثل من أتى به مكافأة لا ابتداء، أو يقال إن البغض ليس بكبيرة بل صغيرة، فلا تضر بالشهادة و العدالة إلا مع الإصرار، و الفرض عدم الإصرار بأن تكون الشهادة في ابتداء وجودها من غير استمرار أو معه و لكن مع القول بأن

ج 41، ص: 72

الإصرار إنما يحصل بتكرر الذنب لا بالاستمرار أو يقال بعد التوبة، فتأمل فيه».

قلت: لا يخفى عليك التأمل في الجملة مما ذكره، خصوصا دعوى كونها من الصغائر مع تصريحه سابقا بأن الحسد و البغضة من الكبائر، و كذا الشهيد الثاني و غيره، بل أدلتهما ظاهرة في ذلك أيضا، و لعل الأولى القول بأعمية العداوة الدنيوية للمؤمن من الفسق، إذ يمكن تحققها من دون الحكم بالفسق حملا لفعله على الوجه الصحيح الذي منه اعتقاد مظلوميته، أو القول بأن التظاهر بها محرم و العمل على مقتضاها من سب و شتم و نحو ذلك فسق، كما عرفته أولا، و الأمر سهل.

و لو اختصت العداوة بأحدهما دون الآخر اختص بالرد.

و لو قذف المشهود عليه الشاهد قبل شهادته أو آذاه أو نحو ذلك ليتوصل إلى رد شهادته عليه و لم يعلم منه ما يقتضي عداوته بذلك قبلت شهادته عليه، بل في المسالك «و إن عاداه من يريد شهادته عليه و بالغ في خصومته فلم يجب و سكت ثم شهد قبلت شهادته عليه، و إلا اتخذ الخصماء ذلك ذريعة إلى إسقاط الشهادات» و يمكن تنزيله على ما ذكرنا لا على ما لو علم عداوته بذلك و لكن لم يظهر منه، فإن الأقوى حينئذ الرد، لما عرفت من أنها و إن كانت بحق توجب عدم القبول شرعا، و الله العالم.

و كذا لو شهد بعض الرفقاء لبعض على القاطع عليهم الطريق، لتحقق التهمة بتحقق مقتضى العداوة الدنيوية وفاقا للمشهور، ل

خبر محمد بن الصلت (1) المنجبر بالشهرة قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن رفقة كانوا في طريق فقطع عليهم الطريق فأخذوا اللصوص فشهد بعضهم لبعض، قال: لا تقبل شهادتهم إلا بإقرار


1- «1» الوسائل- الباب- 27- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

ج 41، ص: 73

اللصوص أو بشهادة من غيرهم عليهم»

و مقتضى إطلاقه كالفتاوى عدم الفرق بين تعرض الشهود في الشهادة لما أخذ منهم و عدمه، و ليس ذلك إلا لتحقق العداوة عرفا بالحال المزبور.

بل في كشف اللثام «أن الخبر و عبارة المصنف- التي هي نحو عبارة المتن- بإطلاقهما يشملان تعرضهم للشاهدين و عدمه، و تعرض الشاهدين لتعرضهم لهم و عدمه» و إن كان فيه أنه خلاف المنساق، بل في التحرير و عن غيره التصريح بأنه لو قالوا عرضوا لنا و أخذوا أولئك سمعت، نعم لا ريب في اقتضائهما عدم القبول في ما فرضناه.

لكن مع ذلك كله قال في الدروس: «و كذا تقبل شهادة رفقاء القافلة على اللصوص إذا لم يكونوا مأخوذين، و لو أخذ الجميع فشهد بعضهم لبعض و لم يتعرضوا لذكر ما أخذ لهم في شهادتهم قيل: لا يقبل، و القبول قوي، و ما هو إلا كشهادة بعض غرماء المديون لبعض، و كما لو شهدا لاثنين بوصية من تركة و شهد المشهود لهما للشاهدين بوصية منها أيضا» و مال إليه بعض من تأخر عنه.

بل مقتضى قبوله الشهادة المبعضة القبول هنا لو تعرضوا في الشهادة إلى ما أخذ منهم، فترد حينئذ في ما يتعلق بهم و تقبل في الآخر، و لذا حكاه عنه في المسالك في الفرض المزبور و إن لم يذكره في مفروض المسألة «و لو شهد لاثنين بصيغة واحدة يتهم في أحدهما ففي تبعيض الشهادة نظر، من أنها واحدة، و من تحقق المقتضي في أحد الطرفين و المانع في الآخر و هو أقرب، و كذا كل شهادة مبعضة».

و على كل حال ففيه- مع أنه كالاجتهاد في مقابلة النص المعمول به- أن الفرق بين المقامين واضح، ضرورة تحقق العداوة في الأول بخلاف المثالين، بل قد يقال: إن الأول بعد اتحاد السبب صار الجميع فيه

ج 41، ص: 74

بمنزلة الواحد في الدعوى المتحدة، فلا تقبل شهادة بعضهم لبعض، نعم ما ذكره من تبعيض الشهادة لا يخلو من قوة، ضرورة أنها كباقي الأسباب التي جاز فيها التبعيض، و قد يستثنى من ذلك شهادة الشريك، كما أومأنا إليه سابقا، فتأمل. هذا كله في شهادة العدو على عدوه.

أما لو شهد العدو لعدوه قبلت قطعا مع فرض بقاء وصف العدالة لانتفاء التهمة حينئذ فيبقى على عموم قبول شهادة العدل، و كذا شهادته لغير عدوه و عليه، و الله العالم.

[المسألة الثالثة النسب و إن قرب لا يمنع قبول الشهادة]

المسألة الثالثة:

النسب و إن قرب لا يمنع قبول الشهادة كالأب لولده و عليه، و الولد لوالده، و الأخ لأخيه و عليه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصا (1)

و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى عموم الأدلة و إطلاقها المقتضيين عدم الفرق بين الضميمة و عدمها، خلافا للمحكي عن الشيخ في النهاية فاعتبرها و لا دليل عليه.

نعم في قبول شهادة الولد على والده بمال أو حق خلاف المشهور نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة عدم القبول، بل عن موصليات المرتضى و الخلاف و الغنية و السرائر الإجماع عليه، بل في الخلاف نسبته أيضا إلى أخبار الفرقة، و في النهاية و

في خبر (2)

«لا تقبل شهادة الولد على والده»

و نحو ذلك عن الفقيه، و هذه بعد انجبارها بما عرفت صالحة للحجية أيضا، مضافا إلى ما قيل من ظاهر قوله تعالى (3):


1- «1» الوسائل- الباب- 26- من كتاب الشهادات.
2- «2» الوسائل- الباب- 26- من كتاب الشهادات- الحديث 6.
3- «3» سورة لقمان: 31- الآية 15.

ج 41، ص: 75

«وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً» فإنه ليس من المعروف الشهادة عليه و الرد لقوله و إظهار تكذيبه، بل ارتكاب ذلك عقوق مانع من قبول الشهادة.

خلافا لظاهر المرتضى و المحكي عن الإسكافي و إن كنا لم نتحققه، بل قيل: لا ظهور أيضا في كلام الأول كما تسمعه إن شاء الله، و حينئذ فلا خلاف محقق، و لكن مع ذلك كله قوى في الدروس الجواز، قال:

«عاشرها: انتفاء توهم العقوق، فلو شهد الولد على والده ردت عند الأكثر، و نقل الشيخ فيه الإجماع و الآية (1) و خبر داود بن الحصين (2)

و علي بن سويد (3)

يعطى القبول، و اختاره المرتضى، و هو قوي، و الإجماع حجة على من عرفه، و في حكمه الجد و إن علا على الأقرب».

و قد سبقه الفاضل في التحرير إلى التردد فيه حيث نسب القول بالمنع إلى الأشهر، و أما من تأخر عنه فأكثرهم قد مال إليه أيضا، و ذلك لإطلاق الأدلة و عمومها، و خصوص قوله تعالى (4)«كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ» و المناقشة بأعمية الإقامة من القبول واضحة الفساد.

و خبر داود بن الحصين (5) أنه سمع الصادق (عليه السلام) يقول:

«أقيموا الشهادة على الوالدين و الولد، و لا تقيموها على الأخ في الدين الضير، قلت: و ما الضير؟ قال: إذا تعدى فيه صاحب الحق الذي يدعيه قبله خلاف ما أمر الله به و رسوله، و مثل ذلك أن يكون لرجل على آخر دين و هو معسر و قد أمر الله بانظاره حتى ييسر، قال:


1- «1» سورة النساء: 4- الآية 135.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
4- «4» سورة النساء: 4- الآية 135.
5- «5» الوسائل- الباب- 19- من كتاب الشهادات- الحديث 3.

ج 41، ص: 76

فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ (1) و يسألك أن تقيم الشهادة و أنت تعرفه بالعسر، فلا يحل لك أن تقيم الشهادة في حال العسر».

و خبر علي بن سويد (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) قال:

«كتب إلى في رسالته و سألت عن الشهادة لهم: فأقم الشهادة لله و لو على نفسك أو الوالدين و الأقربين في ما بينك و بينهم، فان خفت على أخيك ضيما فلا».

مضافا إلى وضوح ضعف الحجة المزبورة أخيرا، ضرورة أن قول الحق و رده عن الباطل و تخليص ذمته من الحق عين المعروف، كما بينه

النبي (صلى الله عليه و آله) (3): بقوله «انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقيل: يا رسول الله كيف أنصره ظالما؟ قال: ترده عن ظلمه، فذلك نصرك إياه»

و حينئذ فالشهادة عليه و تخليص ذمته من الصحبة بالمعروف أيضا، و إلا لاقتضى عدم قبولها على الوالدة، بل إطلاق النهي عن عصيان الوالد يستلزم وجوب طاعته عند أمره له بارتكاب الفواحش و ترك الواجبات، و هو معلوم البطلان، خصوصا بعد

قوله (صلى الله عليه و آله) (4): «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»

الذي هو مقدم على كل أحد.

و الإجماعات المزبورة محل شك، إذ المحكي عن الإسكافي القول بالجواز،


1- «1» سورة البقرة: 2- الآية 280.
2- «2» الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
3- «3» الجامع الصغير للسيوطي- ج 1 ص 109.
4- «4» الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 7 و 10 من كتاب الأمر بالمعروف.

ج 41، ص: 77

بل في الانتصار «و مما انفردت به الإمامية القول بجواز شهادة ذوي الأرحام و القرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا من غير استثناء لأحد إلا ما يذهب إليه بعض أصحابنا معتمدا على خبر يرويه (1)

أنه لا يجوز شهادة الولد على الوالد و إن جازت شهادته له».

لكن قد يناقش بتخصيص العموم و الإطلاق بما عرفت، و بأن الآية (2) و الخبر (3)

ليس شي ء منهما نصا في الشهادة على الحي، و لا خلاف في قبولها على الميت كما عن ابن زهرة الإجماع على ذلك، بل هو مقتضى الاستدلال بآية الصحبة (4) بل ظاهرهم المفروغية منه في ما يأتي أيضا من كون العبرة في موانع الشهادة حال الأداء لا التحمل و المراد من الآية على الظاهر تقديم حقوق الله على النفس و الوالدين فضلا عن غيرهم، لا خصوص الشهادة بالمعنى الأخص.

و بضعف الخبرين اللذين سياقهما النهي عن إقامة الشهادة على الأخ في الدين إذا كان معسرا، و المبالغة فيه بأنه تجوز إقامتها على الوالدين و الأقربين و لا تجوز عليه، و لو سلم دلالتهما فلا جابر لهما، بل الموهن متحقق، بل من حكى الخلاف عنهم لم نتحققه، بل المحكي في المختلف و المسالك عن الإسكافي أنه لم يتعرض للمسألة، و المرتضى قد سمعت دعواه الإجماع في الموصليات، و عبارة الانتصار غير صريحة في الخلاف، بل قيل: و لا ظاهرة، فانحصر التشكيك في المسألة في الشهيد و من تأخر عنه، بل الشهيد هو قد اختار المنع في شرح الإرشاد، للإجماع المنقول المعتضد


1- «1» الوسائل- الباب- 26- من كتاب الشهادات- الحديث 6.
2- «2» سورة النساء: 4- الآية 135.
3- «3» الوسائل- الباب- 19- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
4- «4» سورة لقمان: 31- الآية 15.

ج 41، ص: 78

بما عرفت و بأصالة عدم القبول، بل قد سمعت تبين صحته (حجته خ ل) فمن الغريب قوله في الدروس: هو حجة على من عرفه» ضرورة اقتضاء ذلك إنكار حجيته و المعهود منه خلاف ذلك.

و على كل حال فلا ريب حينئذ في أن المنع أظهر سواء شهد بمال أو بحق متعلق ببدنه كالقصاص و الحد خلافا للشافعية من جواز شهادته عليه في الأول دون الثاني، و ضعفه واضح، نعم ينبغي الاقتصار على المتيقن، و هو الأب الأدنى دون الجد و دون الأم فضلا عن الأب الرضاعي.

و كذا تقبل شهادة الزوج لزوجته و عليها من دون ضميمة وفاقا للمشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخرين، بل هو إجماع في ما بينهم، لإطلاق الأدلة و عمومها و خصوص

صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «تجوز شهادة الرجل لامرأته و المرأة لزوجها إذا كان معها غيرها»

و خبر عمار بن مروان (2) قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أو قال: سأله بعض أصحابنا عن شهادة الرجل لامرأته، قال: إذا كان خيرا جازت شهادته لامرأته»

و موثق سماعة (3)

«سألته عن شهادة الرجل لامرأته، قال: نعم، و المرأة لزوجها، قال: لا إلا أن يكون معها غيرها».

و من الأول و الأخير يعلم الوجه في أنه يعتبر في قبول شهادة الزوجة لزوجها أن تكون مع غيرها من أهل العدالة كما عن جماعة من القدماء، بل في التحرير نسبته إلى الأصحاب و منهم كالشيخ في النهاية و القاضي و ابن حمزة على ما حكي عنهم من شرط في قبول شهادة الزوج الضميمة كالزوجة، و لا وجه


1- «1» الوسائل- الباب- 25- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 25- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 25- من كتاب الشهادات- الحديث 3.

ج 41، ص: 79

له لما سمعته من النصوص المصرحة بالفرق بينهما على وجه لا يصح قياسه عليها، و احتمال كون المراد بالصحيح إذا كان مع الشهادة غيرها لا خصوص الزوجة بعيد، بل مناف للتصريح بالتفصيل في الموثق، إلا أن يجعل «نعم» فيه ليس جوابا للسؤال الأول، بل هو مجرد خطاب كما هو متعارف الآن في المخاطبة، فيكون الجواب لهما معا

قوله (عليه السلام): «لا إلا أن يكون معها- أي الشهادة- غيرها»

لكنه كما ترى، فلا محيص عن ظهورهما في التفصيل، خصوصا بعد ملاحظة خبر ابن مروان.

و لعل وجه الفرق بينهما إنما هو اختصاص الزوج بمزيد القوة في المزاج أن تجذبه دواعي الرغبة بخلافها، فإنها ليس لها هذه الرتبة غالبا و إن كانت على العدالة، بل لا يبعد القول بعدم اعتبارها فيها أيضا كما هو المحكي عن المتأخرين كافة و ظاهر أكثر القدماء، لقوة احتمال ورود الشرط في الخبرين (1)

مورد الغالب و من عدم ثبوت الحق بالامرأة منفردة و لو مع اليمين إلا نادرا في الوصية بخلاف الزوج الذي قد يثبت الحق بشهادته مع اليمين، فلا يصلحان حينئذ مخصصين لعموم الأدلة.

بل يمكن جريان الاحتمال المزبور في عبارة المخالف، فيرتفع الخلاف حينئذ من البين، خصوصا النهاية قال: «لا بأس بشهادة الوالد لولده مع غيره من أهل الشهادة، و لا بأس بشهادة الولد لوالده، و لا تجوز شهادته عليه، و لا بأس بشهادة الأخ لأخيه و عليه إذا كان معه غيره من أهل الشهادات، و لا بأس بشهادة الرجل لامرأته و عليها إذا كان معه غيره من أهل العدالة، و لا بأس بشهادتها له و عليه في ما تجوز قبول


1- «1» الوسائل- الباب- 25- من كتاب الشهادات- الحديث 1 و 3.

ج 41، ص: 80

شهادة النساء فيه إذا كان معها غيرها».

قال في كشف اللثام: «و هي مسوية بين الزوجين و غيرهما، فلو كان مراده اشتراط الانضمام لاشتراطه في الباقي، فلعله إنما ذكره بناء على الغالب و اكتفاء بانضمام الشاهد عن انضمام اليمين» بل ما حضرني من نسخة الوسيلة ظاهر أو صريح في قبول شهادة كل منهما للآخر من دون ضميمة، فمن الغريب ما سمعته من التحرير.

و كيف كان ف الفائدة بين القولين تظهر لو شهد الزوج لها في ما تقبل فيه شهادة الواحد مع اليمين فإنه على القول بعدم اعتبار الضميمة يكفي يمينها في تناول المشهود عليه، و على القول باعتبارها لا يكفي، بل لا بد من غيره و تظهر الفائدة في الزوجة لو شهدت لزوجها في الوصية فإنه على الأول يثبت الربع، و على الثاني لا يثبت بشهادتها منفردة شي ء.

و لا خلاف بيننا في قبول شهادة الصديق لصديقه (1)

و إن تأكدت بينهما الصحبة و الملاطفة و المهاداة و غيرها من أنواع الموادة و التحاب، بل الإجماع بقسميه عليه لأن العدالة تمنع التسامح فتبقى حينئذ على عموم الأدلة و إطلاقها، خصوصا بعد ما عرفت أن المانع تهمة خاصة لا مطلق التهمة، خلافا لمالك و بعض الشافعية فردها مع الملاطفة و المهاداة، و ضعفه واضح.


1- «1» و في الشرائع: «و تقبل شهادة الصديق لصديقه».

ج 41، ص: 81

[المسألة الرابعة لا تقبل شهادة السائل في كفه]

المسألة الرابعة:

لا تقبل شهادة السائل في كفه إذا اتخذ ذلك صنعة و حرفة بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، ل

صحيح علي بن جعفر (1) عن أخيه موسى (عليه السلام) «سأله عن السائل الذي يسأل بكفه هل تقبل شهادته؟ فقال: كان أبي (ع) لا يقبل شهادته إذا سأل في كفه».

و في خبره المروي عن قرب الاسناد (2) عن أخيه موسى (عليه السلام) «عن السائل بكفه أ تجوز شهادته؟ فقال: كان أبي (عليه السلام) يقول: لا تقبل شهادة السائل بكفه».

و صحيح ابن مسلم (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «رد رسول الله (صلى الله عليه و آله) شهادة السائل الذي يسأل بكفه، قال أبو جعفر (عليه السلام): لأنه لا يؤمن على الشهادة، و ذلك لأنه إن أعطي رضي، و إن منع سخط» و عن الشيخ روايته بسنده أنه قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): شهادة السائل الذي يسأل بكفه لا تقبل»

إلى آخر الحديث السابق.

و إلى ما سمعته أشار المصنف بقوله لأنه يسخط إذا منع، و لأن ذلك يؤذن بمهانة النفس، فلا يؤمن على المال لاحتمال انخداعه، نعم قد يتجه الاقتصار في مخالفة إطلاق الأدلة و عمومها على المتيقن من النصوص المزبورة، و هو ما ذكرناه من متخذ ذلك حرفة و حينئذ


1- «1» الوسائل- الباب- 35- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 35- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 35- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

ج 41، ص: 82

ف لو كان ذلك منه مع الضرورة نادرا لم يقدح في شهادته كما صرح به جماعة، بل قيل: إنه الأشهر بين المتأخرين.

هذا و في المسالك تبعا للتحرير و الدروس «في حكم السائل الطفيلي- ثم قال-: و المراد بالسائل بكفه من يباشر السؤال و الأخذ بنفسه، و السؤال في الكف كناية عنه» و فيه ما لا يخفى من النظر في الأول مع فرض العدالة فيه، بل و الثاني، ضرورة كون المنساق منه من يدور على الأبواب و على الناس في سؤال الشي ء اليسير من الخبز و نحوه، لا كل من سأل بنفسه و لو كان على طريق من الوقار و إن صرح بالحاجة و طلب الإعانة و نحو ذلك، كما يستعمله الآن أكثر أبناء الزمان من طلبة العلم و الخدمة و غيرهم.

ثم إنه قد يستفاد من النصوص المزبورة بل و الفتاوى عدم حرمة السؤال بالكف فضلا عن غيره، و إلا لكان المتجه فيه تعليل رد الشهادة به، اللهم إلا أن يحمل ذلك على عدم الحكم بفسقه بمجرد سؤاله بالكف الذي يمكن أن يكون لضرورة، إذ فعل المسلم محمول على الوجه الصحيح مع الإمكان، فترد شهادته لسؤاله و إن كان على ظاهر العدالة.

و لكن لا يخفى عليك أن هذا بعد فرض معلومية حرمة السؤال و لو بالكف مع فرض عدم التدليس به، كما لو صرح بغنائه عن ذلك، و هو و إن كان مغروسا في الذهن و النصوص مستفيضة بالنهي عن سؤال الناس (1)

لكن كثيرا منها محمول على بعض مراتب الأولياء، و هو الغناء عن الناس و الالتجاء إلى الله تعالى و آخر محمول على المدلس بإظهار الحاجة و الفقر لتحصيل المال من الناس بهذا العنوان، و هم الذين يسألون الناس إلحافا عكس الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، و أما حرمة السؤال من


1- «1» الوسائل- الباب- 31 و 32- من أبواب الصدقة- من كتاب الزكاة.

ج 41، ص: 83

حيث كونه سؤالا و لو بالكف فلا دليل مطمئن به على حرمته و إن كان ذلك مغروسا في الذهن، فتأمل فإنه لم يحضرني كلام للأصحاب فيه منقح.

[المسألة الخامسة تقبل شهادة الأجير و الضيف و إن كان لهما ميل إلى المشهود له]

المسألة الخامسة:

تقبل شهادة الأجير و الضيف و إن كان لهما ميل إلى المشهود له لكن مجرد ذلك لا يقدح في شهادة العدل الدال على قبولها الكتاب و السنة و الإجماع، بل يرفع التهمة عنهما في ذلك تمسكهما بالأمانة التي هي من لوازم العدالة المزبورة، مع أنه لا خلاف بيننا في الثاني، كما اعترف به غير واحد، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، مضافا إلى

موثق أبي بصير (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا، قال: و يكره شهادة الأجير لصاحبه، و لا بأس بشهادته لغيره، و لا بأس بها له عند مفارقته»

و بالجملة فالحكم في الثاني واضح.

إنما الكلام في الأول الذي جزم المصنف بقبول شهادته وفاقا للمشهور بين المتأخرين، بل في المسالك نسبته إليهم، لعموم الأدلة و إطلاقها و خصوص الموثق المزبور بناء على إرادة المعنى المتعارف من لفظ الكراهة، و لكن المحكي عن أكثر المتقدمين كالصدوقين و الشيخ في النهاية و الحلبي و القاضي و ابن حمزة و ابن زهرة عدم القبول، للنصوص المستفيضة التي (منها) موثق سماعة (2)

السابق المشتمل على ذكر ما يرد من الشهود الذين منهم الأجير، و نحوه المرسل في الفقيه (3)

أيضا، و نحوه

خبر


1- «1» الوسائل- الباب- 29- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 32- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 32- من كتاب الشهادات- الحديث 7.

ج 41، ص: 84

العلاء بن سيابة (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يجير شهادة الأجير».

و (منها)

النبوي المروي عن معاني الأخبار (2)

«لا تجوز شهادة خائن و لا خائنة، و لا ذي غمز على أخيه، و لا ظنين في ولاء و لا قرابة، و لا القانع مع أهل البيت»

بناء على ما عن الصدوق من أنه الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم كالخادم لهم و التابع و الأجير.

و (منها)

الصحيح (3)

«عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه أ تجوز شهادته له بعد أن يفارقه؟ قال: نعم، و كذلك العبد إذا أعتق جازت شهادته»

الظاهر- بسبب التشبيه و التقرير- في ذلك أيضا.

و لا معارض لهذه النصوص المعتبر بعضها في نفسه فضلا عن الانجبار بما عرفت إلا العمومات المخصصة بها، و خبر أبي بصير (4)

السابق الممنوع إرادة الكراهة منه بالمعنى المصطلح، خصوصا بعد كثرة استعمالها في النصوص في غيره، على أنه لا وجه لإرادته منه هنا، ضرورة وجوب قبوله عينا مع اتحاده و كفاية مع غيره.

و منه يعلم أنه لا وجه لحمل النصوص المزبورة عليها إلا على إرادة الإشهاد الذي لا يوافقه خبر أبي بصير السابق الظاهر في شهادته لا إشهاده، بل و لا سياق النصوص المزبورة التي قد ذكر الأجير فيها مع غيره مما هو معلوم فيه المنع من قبول شهادته، بل حملها على إرادة الكراهة يقتضي خللا في نظم الكلام و استعمال اللفظ في الحقيقة و المجاز و لو بإرادة عموم المجاز.

و من هنا أشكل الحال على بعض الأفاضل، بل ظاهر الدروس ذلك


1- «1» الوسائل- الباب- 29- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 32- من كتاب الشهادات- الحديث 8.
3- «3» الوسائل- الباب- 29- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 29- من كتاب الشهادات- الحديث 3.

ج 41، ص: 85

أيضا حيث نقل الخلاف في المسألة مقتصرا عليه من دون ترجيح، بل في الرياض «و هو حسن إلا أن مقتضى الأصول حينئذ عدم القبول، كما مر نظيره» و فيه ما عرفته سابقا من أنه مع الشك ينبغي الرجوع إلى عموم أدلة القبول، لعدم تحقق التهمة المانعة حينئذ.

نعم يتجه العدم مع فرضها، كما إذا كان هناك تهمة بجلب نفع أو دفع ضرر، كما لو شهد بدفع الثوب لمن استأجره على قصارته أو خياطته، بل في التنقيح تقييد ذلك أيضا ببقاء الأجرة، و إن كان قد يناقش بعدم قبول شهادته مطلقا، ضرورة رجوعها إلى دعوى، لأن الفرض كونه الخياط و القصار، و يمكن حمل النصوص المزبورة على ذلك، كما صرح به بعضهم.

بل يمكن حملها أيضا على الكراهة بمعنى مرجوحية العمل بشهادته مع وجود غيره، بل ينبغي القطع بذلك أو غيره إن كان المراد مطلق الأجير بأي عمل من الأعمال، كما هو ظاهر إطلاقهم، لا خصوص الملازم و الخادم الذي يؤجر جميع منافعه الذي سمعته من الصدوق، بل لعله الظاهر من الخبر(1) المزبور، بل و من الصحيح (2)

بقرينة قوله (عليه السلام):

«فارقه» و حينئذ يكون ما في النصوص أخص من المدعي.

كما أنه بناء على ما سمعته من الصدوق من التفسير لا بد من التزام القدر المشترك، لعدم قائل منا معتد به بعدم جواز شهادة التابع غير الأجير، بل لا بد من ذلك أيضا في موثق سماعة (3)

و المرسل (4)

المذكور فيهما التابع مع الأجير، و قد عرفت أنه لا قائل معتد به بعدم قبول شهادته و بذلك تضعف دلالة الخبرين المزبورين، لكون المراد بالرد فيهما حينئذ


1- «1» الوسائل- الباب- 29- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 29- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 32- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
4- «4» الوسائل- الباب- 32- من كتاب الشهادات- الحديث 7.

ج 41، ص: 86

الأعم من الرد الواجب و المرجوح.

بل قد يقوى بقرينة خبر أبي بصير (1)

المنجبر بفتوى المتأخرين تعيين إرادة الرد الكراهي بالمعنى الذي ذكرناه، و من هنا يقوى ما عليه المتأخرون، لقوة إرادة الكراهة في النصوص المزبورة، خصوصا مع عدم الجابر لها في الحقيقة، لتعارض شهرة المتقدمين مع شهرة المتأخرين الموهنة لها، بل هي أرجح، كما أن من ذلك يعرف النظر في ما أطنب به في الرياض من ترجيح القول بعدم القبول، فتأمل جيدا.

[لواحق هذا الباب]
[المسألة الأولى الصغير و الكافر و الفاسق المعلن]

لواحق هذا الباب: و هي ست:

الأولى الصغير و الكافر و الفاسق المعلن و غيرهم ممن لا تجوز شهادته إذا عرفوا شيئا و تحملوه و هم في تلك الحال ثم زال المانع عنهم فأقاموا تلك الشهادة قبلت بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه لاستكمال شرائط القبول حينئذ، فيندرج في عموم الأدلة، مضافا إلى خصوص ما ورد من ذلك في الصغير و اليهودي و النصراني و غيرهم من المعتبرة المستفيضة أو المتواترة، نعم في

صحيح جميل (2) منها سأل الصادق (عليه السلام) «عن نصراني أشهد على الشهادة ثم أسلم بعد أ تجوز شهادته؟ قال: لا»

و هو مع شذوذه حمله الشيخ على التقية، و غيره على إرادة رد الشهادة التي شهدها حين الكفر أو غير ذلك.


1- «1» الوسائل- الباب- 29- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 39- من كتاب الشهادات- الحديث 7.

ج 41، ص: 87

و كذا الحال لو أقامها أحدهم في حال المانع فردت ثم أعادها بعد زوال المانع قبلت أيضا، ضرورة أن ردها للمانع لا ينافي قبولها بعد زواله، إذ كل منهما قد كان لأدلته.

و كذا الحال في العبد لو ردت شهادته على مولاه ثم أعادها بعد عتقه، أو الولد على أبيه فردت ثم مات الأب و أعادها ضرورة اتحاد المدرك في الجميع من العمومات و الإجماع و خصوص النصوص (1)

حتى لو كان عتق العبد للشهادة و إن كان في

خبر السكوني (2)

«قال علي (عليه السلام): و إذا أعتق العبد لموضع الشهادة لم تجز شهادته»

إلا أنه غير جامع لشرائط الحجية كي يصلح معارضا لغيره من الأدلة، و كذا

خبر إسماعيل بن مسلم (3) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «إن شهادة الصبيان إذا شهدوا و هم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها، و كذا اليهود و النصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم، و العبد إذا شهد على شهادة ثم أعتق جازت شهادته إذا لم يردها الحاكم قبل أن يعتق»

و يمكن حمله على ما إذا صدر الحكم من الحاكم، فإنه لا ينقض حينئذ، فتأمل.

أما الفاسق المستتر إذا أقام فردت بجرحه ممن له خبرة بباطن أمره ثم تاب فلا إشكال و لا خلاف في قبول شهادته.

و لكن تلك الشهادة لو أعادها ف قد يقال: إن هاهنا تهمة الحرص على دفع الشبهة عنه لاهتمامه بإصلاح الظاهر و دفع عار الكذب عنه بخلاف المتجاهر بالفسق و الكفر و غير البالغ و العبد و نحوهم ممن لا عضاضة عليهم في رد شهادتهم، بل ربما حكي ذلك قولا


1- «2» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 13.
2- «1» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات.
3- «3» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 13.

ج 41، ص: 88

و إن لم نعرف قائله.

و لكن لا ريب في أن الأشبه بأصول المذهب و قواعده القبول لما سمعته من الأدلة التي لا تصلح لمعارضتها نحو هذه الاعتبارات التي لا توافق أصولنا، خصوصا بعد ما عرفت من أن المانع التهمة الخاصة لا مطلقا، و في المسالك قد استحسن ذلك، و لكن قال:

«مع ظهور صدق توبته و الثقة بعدم استنادها إلى ما يوجب التهمة» و كأنه غير راجع إلى محصل.

و لو كان الكافر مستترا بكفره ثم أسلم و أعادها فالوجهان.

و كذا لو شهد على إنسان فردت شهادته لعداوة بينهما ثم زالت العداوة فأعاد تلك الشهادة، فإن كان مسرا للعداوة فالوجهان، و إلا لم يمنع، لأن الرد بالسبب الظاهر لا يورث عارا.

و لو شهد لمكاتبه بمال أو لعبده بنكاح فردت شهادته فأعادها بعد عتقهما، أو شهد اثنان من الشفعاء بعفو شفيع ثالث قبل أن يعفوا فردت شهادتهما ثم أعاداها بعد ما عفوا، أو شهد اثنان يرثان من رجل عليه بجراحة غير مندملة فردت شهادتهما ثم أعاداها بعد اندمال الجراحة قبلت في الجميع، و ربما جاء احتمال المنع من حيث التهمة بالرد، و هو ممنوع، لظهور هذه الموانع، فلا عار بالرد بها.

ج 41، ص: 89

[المسألة الثانية لا تقبل شهادة المملوك أصلا]

المسألة الثانية قيل و القائل ابن أبي عقيل منا و أكثر العامة لا تقبل شهادة المملوك أصلا ل

صحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام):

«العبد المملوك لا تجوز شهادته»

و صحيح الحلبي (2) عن الصادق (عليه السلام): «سألته عن شهادة ولد الزنا، فقال: لا و لا عبد»

و موثق سماعة (3)

السابق المذكور فيه العبد ممن يرد من الشهود، و مفهوم الشرط في الصحيح السابق (4)

المذكور في الآخر إلى غير ذلك من النصوص.

على أن الشهادة من المناصب الجليلة التي لا تليق بحال العبد كالقضاء، و لاستغراق وقته بحقوق المولى على وجه يقصر عن أدائها و عن تحملها، كما أومأ إليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) في

المروي من تفسير العسكري (5) الذي هو أحد أدلة المسألة أيضا قال: «كنا عند رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو يذكرنا بقوله تعالى وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ (6) قال: أحراركم دون عبيدكم، فان الله تعالى شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادة و أدائها»

و لأن نفوذ القبول على الغير نوع ولاية فيعتبر فيها الحرية، كما في سائر الولايات.

و قيل و القائل جماعة من الأصحاب على ما حكي منهم


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 10.
2- «2» الوسائل- الباب- 31- من كتاب الشهادات- الحديث 6.
3- «3» الوسائل- الباب- 32- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
4- «4» الوسائل- الباب- 29- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
5- «5» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 15.
6- «6» سورة البقرة: 2- الآية 282.

ج 41، ص: 90

نجيب الدين يحيى بن سعيد تقبل مطلقا على مولاه و غيره للعموم و الإطلاق و خصوص

صحيح ابن مسلم (1) عن الباقر (عليه السلام):

«تجوز شهادة العبد المسلم على الحر المسلم»

و لكن في نسخة «لا تجوز» و

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا»

و خبر بريد (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن المملوك تجوز شهادته، قال: نعم إن أول من رد شهادة المملوك لفلان»

و خبر محمد بن مسلم (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في شهادة المملوك إذا كان عدلا فإنه أجاز الشهادة، إن أول من رد شهادة المملوك عمر بن الخطاب، و ذلك أنه تقدم إليه مملوك في شهادة، فقال: إن أقمت الشهادة تخوفت على نفسي و إن كتمتها أثمت بربي، فقال: هات شهادتك، أما إنا لا نجيز شهادة مملوك بعدك».

و قيل: تقبل مطلقا إلا على مولاه كما عن الأكثر، و منهم الشيخان و المرتضى و سلار و القاضي و ابن إدريس جمعا بين الأدلة بمعلومية مناسبة المنع فيه للمنع في الولد بعد اشتراكهما في وجوب الطاعة و حرمة العصيان، و لما في المختلف من

صحيح الحلبي (5) عن الصادق (عليه السلام): «في رجل مات و ترك جارية و مملوكين تورثهما أخ له فأعتق العبدين و ولدت الجارية غلاما فشهدا بعد العتق أن مولاهما أشهدهما أنه كان يقع على الجارية، و أن الحمل منه، قال: تجوز شهادتهما، و يردان عبدين كما كانا».

و قيل- كما في القواعد و إن لم نعرف قائله نحو قول المصنف و منهم


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
5- «5» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 7.

ج 41، ص: 91

من عكس-: لا تقبل مطلقا إلا على المولى للجمع بين الأدلة أيضا.

و قيل- و القائل ابن الجنيد-: تقبل على مثله و على الكافر دون الحر المسلم للجمع بين النصوص أيضا، و شاهده مفهوم الوصف في

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم (1) على إحدى النسختين «لا تجوز شهادة العبد المسلم على الحر المسلم»

و صحيح محمد بن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام): «تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب، و قال: العبد المملوك لا تجوز شهادته»

و المرسل (3) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «إنه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض، و لا يقبل شهادتهم على الأحرار».

و قيل- و القائل أبو الصلاح-: تقبل لغير مولاه و عليه، و ترد له و عليه، جمعا أيضا بين الأخبار، لأن في شهادته لمولاه تهمة، و عليه عقوقا و عصيانا.

و قيل- و القائل ابنا بابويه-: لا بأس بشهادة العبد إذا كان عدلا لغير سيده، قال في المسالك: «و هو يعطي المنع مما عدا ذلك من حيث حيث المفهوم لا المنطوق و إطلاق شهادته لغير سيده يشتمل على شهادته له على سيده، و يخرج بمفهومها شهادته لسيده على غيره» و في

رواية ابن أبي يعفور (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن الرجل المملوك المسلم تجوز شهادته لغير مواليه، فقال: تجوز في الدين و الشي ء اليسير»

و في

صحيح جميل (5)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المكاتب تجوز شهادته، فقال: في القتل وحده».


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 12.
2- «2» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 10.
3- «3» ذكره الشيخ قده في الخلاف ج 3 ص 332 مسألة 19 من كتاب الشهادات.
4- «4» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 8.
5- «5» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 9.

ج 41، ص: 92

و لكن لا يخفى عليك مما ذكرنا أن الأشهر من بين الأقوال المزبورة القبول مطلقا إلا على المولى بل هو المشهور، بل عن الانتصار و الغنية و السرائر الإجماع عليه، كما عن الخلاف أيضا الإجماع على قبوله لمولاه و لغيره و على غيره.

و من ذلك يعلم ضعف القول الأول الذي لم يعرف قائل به منا عدا العماني الذي قد انعقد الإجماع على خلافه، و نصوصه و إن كثرت- و فيها الصحيح و غيره- محمولة على الشهادة على المولى أو على الكراهة أو على التقية التي قد أومأ إليها في النصوص السابقة، بل قيل: إنه مذهب الفقهاء.

بل و الثاني فإنه و إن حكي عن جماعة إلا أنه لم نتحقق ذلك إلا ما حكاه ثاني الشهيدين عن نجيب الدين، مع أنه لم ينسبه غيره إليه، بل في الرياض نسبته إلى الندرة، قال: «بل يستفاد من كثير مجهولية القائل به، و عدم معروفيته، بل لم يسمه أحد منهم عداه، فما هذا شأنه يكاد يقطع بمخالفته الإجماع».

نعم مال إليه هو مع جماعة من المتأخرين عنه، لعدم دليل صالح لإخراج شهادته على مولاه عن إطلاق الأدلة و عمومها بعد حمل النصوص المانعة على التقية و نحوها، و القياس على الولد- مع أنه ليس من مذهبنا- مبني على ثبوت الحكم في المقيس عليه.

و فيه أن الإجماعات المزبورة تكفي في الشهادة على ذلك، خصوصا مع تأيده بما أرسله عن كنز العرفان حيث قال: «و اختلف في شهادة العبد- إلى أن قال-: و عن أهل البيت (عليهم السلام) روايات أشهرها و أقواها القبول إلا على سيده خاصة، فتقبل لسيده و غيره و على غيره» و بأولويته من الولد بعدم القبول بناء على أن المنع فيه للعقوق،

ج 41، ص: 93

و بصحيح الحلبي(1)

السابق الذي مر الكلام فيه في كتاب الوصية (2) و إن كان قد يناقش بأن لفظ العتق لم يقيد به الامام (عليه السلام) ليكون دليلا على اعتباره في القبول، بل هو في لفظ الراوي بيانا للواقع، على أنه من مفهوم الصفة الذي في حجيته ما فيها، إلا أن ذلك لا ينافي التأييد به و لو للإشعار بتقرير السائل على سؤاله.

كما أنه قد يؤيد أيضا بالمعلوم المقطوع به عقلا و نقلا من عدم قبول إقرار العبد على نفسه باعتبار كونه إقرارا في حق المولى، و لو أن شهادته مقبولة عليه لقبل إقراره عليه بأنه باعه من زيد أو وهبه إياه مثلا أو غير ذلك، ضرورة كونه من الشهادة على المولى، و إن سمي إقرارا فإنه لا مائز بينهما بالنسبة إلى ذلك، و دعوى خروج الفرض عن محل النزاع واضحة الفساد، بل مقتضى إطلاق كلامهم عدم الفرق في ذلك بين الجميع، و لذا استدل الفاضل بصحيح الحلبي (3)

المزبور الذي هو في الحقيقة إقرار في حق المولى لو لم يكونا معتقين، و منه يعلم حينئذ عموم الدعوى للجميع، و حينئذ فلو قبلت شهادته على مولاه لقبل إقراره عليه في ما يتعلق بنفسه، لأنه شهادة في المعنى، و هو معلوم الفساد، و لا قائل بالفصل بالنسبة إلى ذلك، فتأمل جيدا.

و بذلك كله يظهر لك أيضا ضعف القول المزبور و إن مال إليه ثاني الشهيدين و بعض أتباعه إلا أن الظاهر مسبوقيتهم بالإجماع و استقرار مذهب الإمامية على خلافه لا أقل من ذلك كله يحصل الشك في إرادة هذا الفرد من إطلاق أدلة القبول، فيبقى على أصالة المنع، كما هو واضح.

و منه يعلم وضوح بطلان القول بعكس المشهور الذي لم يعرف قائله،


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 7.
2- «2» راجع ج 28 ص 355- 356.
3- «3» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 7.

ج 41، ص: 94

ضرورة اقتضائه طرح كل من النصوص المجوزة و المانعة مطلقا و دعوى الجمع بينها بذلك فرع التكافؤ المفقود قطعا، كالقطع بعدم الشاهد، بل صريح جملة من النصوص القبول للمولى.

و يقرب منه في الضعف أو الفساد قول ابن الجنيد، إذ لا دليل له إلا مفهوم الوصف في إحدى نسختي الصحيح (1)

المعارضة بالنسخة الأخرى، و أما صحيح ابن مسلم (2)

فهو من مفهوم اللقب المعلوم عدم حجيته، كمعلومية عدم الحجية في المرسل (3)

الذي لا جابر له و غير دال على تمام الدعوى، فدعوى الجمع بين النصوص المزبورة المعلوم وجهها عند الإمامية- بل فيها ما يرشد إلى وجه الجمع بينها- بالتقية كما ترى.

و كذا قول أبي الصلاح المنافي لخصوص ما تضمن من النصوص قبول شهادته لمولاه، و قد عرفت أن المدار في التهمة المانعة ما دل عليها الدليل الشرعي لا كل تهمة عرفية، و الدليل هنا يقتضي العكس لا عدم القبول للمولى، كما هو واضح.

بل و كذا ما عن ابني بابويه بناء على إرادتهما من العبارة المزبورة القبول و لو على مولاه و عدم القبول له، إذ قد عرفت ما يدفع كلا منهما.

و من الغريب أن الأقوال المفصلة بأجمعها قد ذكر السيد لها دعوى الجمع بين الأخبار، و لا ريب أن المشهور أولى منها و من غيرها، كما عرفته مفصلا.

و كيف كان ف لو أعتق العبد قبلت شهادته و لو على مولاه بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، بل و لا إشكال أيضا، لارتفاع المانع حينئذ كما استفاضت به


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 10.
3- «3» المتقدم في ص 91.

ج 41، ص: 95

النصوص: منها ما مر في الأجير (1)

و منها

الصحيح (2)

«عن الذمي و العبد يشهدان على شهادة ثم يسلم الذمي و يعتق العبد أ تجوز شهادته على ما كانا أشهدا عليه؟ قال: نعم إذا علم منهما خير بعد ذلك جازت شهادتهما»

إلى غير ذلك من النصوص.

نعم في

القوى (3)

«أن شهادة الصبيان إذا شهدوا و هم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها، و كذلك اليهود و النصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم، و العبد إذا شهد على شهادة ثم أعتق جازت شهادته إذا لم يردها الحاكم قبل أن يعتق، و قال علي (عليه السلام): إن أعتق العبد لموضع الشهادة لم تجز شهادته»

و ظاهره اعتبار عدم الرد قبل العتق في القبول بعده و لم يقل به أحد، فوجب حمله على الرد بفسق و نحوه، كما عن الشيخ و الصدوق، أو على إرادة افتقار عودها بعد العتق إذا ردت قبله و لو للعبودية.

و أما

قوله (عليه السلام): «و قال علي (عليه السلام)»

إلى آخره فقد يشعر بكونه شاهدا لسيده، و منه يستفاد عدم قبول شهادته له قبل العتق للتهمة، لكنه قاصر عن معارضة عموم الأدلة و خصوصها سنة و إجماعا محكيا و غيرهما، بل قد سمعت دعوى الشيخ في الخلاف الإجماع على قبول شهادته للمولى فلا بأس بحمله على التقية خصوصا و الراوي له السكوني الذي هو أحد قضاة العامة، و يمكن حينئذ عدم القبول على مذهب العامة باعتبار فساد العتق الفاقد للإخلاص، لكون الفرض أنه قد كان لموضع الشهادة فهو في الحقيقة باق على عبوديته، و الفرض عدم قبولها له حال


1- «1» الوسائل- الباب- 29- من كتاب الشهادات.
2- «2» الوسائل- الباب- 39- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 13.

ج 41، ص: 96

الرقية، فتأمل فقد بان لك بحمد الله تعالى الكلام في جميع المسألة.

و كذا بان لك حكم المدبر و المكاتب المشروط إذ هما كالقن في جميع ما عرفت، ضرورة عدم خروجهما بذلك عن المملوكية، فيندرجان في الأدلة المزبورة كأم الولد.

أما المطلق الذي لم يؤد شيئا فكذلك أيضا، أما إذا أدى من مكاتبته شيئا قال في النهاية: تقبل على مولاه بقدر ما تحرر منه، و فيه تردد، أقربه عند المصنف المنع وفاقا للمشهور بين من تعرض له، لما في كشف اللثام من صدق العبد و المملوك عليه، و لأن الرق مانع، فما لم يزل بتمامه لم يقبل، و لأنه لا تهتدي عقولنا إلى القبول في بعض المشهود فيه دون بعض، فلا نقول به إلا في ما أجمع عليه أو دل فيه دليل قاطع.

إلا أن الجميع كما ترى كما اعترف به الشهيد في نكت الإرشاد، حيث إنه بعد أن حكى الاستدلال بنحو ذلك مع زيادة الأصل قال:

«و في الجميع نظر» و هو كذلك، إذ الأولان مصادرة واضحة، و الأخير أقصاه أن عدم القبول على وفق قاعدة عدم جواز تبعيض السبب التي لا تنافي الدليل على جوازه، كما في كثير من أفراد المبعض في الميراث و غيره، و كذا دعوى استصحاب عدم القبول و غيره مما لا يصلح لمعارضة الدليل المخصوص الذي هو

خبر ابن مسكان عن أبي بصير (1)

«سأله عن شهادة المكاتب كيف تقول فيها؟ فقال: تجوز على قدر ما أعتق إن لم يكن اشترط عليه أنك إن عجزت رددناك، فان كان اشترط عليه ذلك لم تجز شهادته حتى يؤدي أو يستيقن أنه قد عجز، قال: قلت:

كيف يكون حساب ذلك؟ قال: إذا كان قد أدى النصف أو الثلث


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 14.

ج 41، ص: 97

فشهد لك بألفين على رجل أعطيت من حقك بحساب ما أعتق النصف من الألفين».

لكنه- مع إضماره و عدم الوجه الظاهر ل

قوله: «أو يستيقن أنه قد عجز»

- معرض عنه بين الأصحاب، بل ظاهر في التفريع على مقتضى قول العامة القائلين بعدم القبول حال الرقية و مشروعية القياس على غيره من أفراد المبعض، ضرورة ظهوره في كون الشهادة على غير مولاه التي قد عرفت قبولها عندنا، و هو رق فضلا عن كونه مكاتبا قد أدى نصف ما عليه، بل قد يشهد كون ذلك من الامام (عليه السلام) للتقية

صحيح الحلبي و محمد بن مسلم و أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) «في المكاتب يعتق نصفه هل تجوز شهادته في الطلاق؟ قال: إذا كان معه رجل و امرأة»

إذ من المعلوم أن المرأة لا تقبل شهادتها في الطلاق عندنا، فليس ذكرها حينئذ إلا للتقية، كما اعترف به الشيخ و غيره.

و على كل حال فالقول بكونه كالقن حينئذ هو الأقوى، للأصل و قاعدة عدم تبعيض السبب بعد وضوح قصور الخبر المزبور عن تخصيصهما و حرمة القياس على حكم غيره من أفراد المبعض في الإرث و نحوه.

ثم لا يخفى عليك أن مقتضى الخبر الأول قبول شهادته على مقدار ما فيه من الحرية، لكن على نحو غيره مما يقبل فيه ذلك باليمين أو بشاهد آخر معه.

و أما الثاني فقد قيل: إن مقتضاه كون شهادته مع عتق نصفه شهادة امرأة، و حينئذ فلا يثبت مع اليمين بشهادته شي ء، بل و لا مع الرجل أيضا، لأن الامرأة ليست حجة مع الرجل و لا مع اليمين.

و فيه أنه لا دلالة في الصحيح المزبور على كونه كالامرأة مطلقا،


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 11.

ج 41، ص: 98

بل أقصاه في مفروض السؤال، بمعنى أنه تتم البينة في الطلاق مع شهادته بشهادة رجل و امرأة، و هذا لا يقتضي كونه كالامرأة في جميع الأحوال فتأمل.

و منه يظهر لك ما في التفريع على ذلك و على مقتضى الخبر الأول في غاية المراد، حيث إنه بعد أن ذكر خبري أبي بصير قال: «و يتفرع على ظاهر الرواية و ظاهر الفتاوى فروع: الأول: لو شهد معه عدل آخر بمائة مثلا يثبت بشهادتهما خمسون، و له أن يحلف مع الشاهد الآخر على الخمسين الأخرى، و ظاهر الرواية يدل على جعله كالمرأة، فحينئذ لا يثبت بشهادتهما شي ء أصلا، كما لو شهد رجل و امرأة خاصة، و لو انضم إليهما امرأة ثبت المال، و على ظاهر الفتاوى تثبت الخمسون بشهادة الثلاثة و له الحلف على الخمسين الأخرى، لأن الخمسين الأخرى لم يشهد بها في الحقيقة سوى رجل و امرأة، و تظهر الفائدة في الرجوع. الثاني: لو شهد وحده بمال على السيد فللمشهود له الحلف على نصفه، و على مفهوم الرواية لا حكم لشهادته، لأنه كالمرأة الواحدة. الثالث: لو شهد بالوصية بالمال ثبت ربع ما يشهد به على مفهوم الرواية، و على الآخر يثبت نصفه، و له أن يحلف معه إن قلنا باليمين هنا، و هو الأقرب. الرابع: لو شهد على مولاه بالقتل عمدا أو شبهه أو الخطأ في احتمال مع شاهد آخر فعلى مفهوم الرواية لا يثبت القتل، بل يكون لوثا، و على ظاهر كلام الأصحاب يحتمل ثبوت نصف القتل على معنى ثبوت نصف الدية أو القود بعد رد ما قابل الباقي، و يحتمل الانتفاء أصلا، و أشد إشكالا منه الشهادة في الحدود» و لا يخفى عليك ما في بعضه أيضا.

و كذا ما في كشف اللثام قال: «ثم على تقدير السماع بقدر الحرية يحتمل اشتراطه بانضمام رجل إليه، و هو الأحوط، و يحتمل العدم، و على

ج 41، ص: 99

الأول يحتمل القبول بعين ذلك القدر كما هو الظاهر من الخبر، حتى إذا انضم إلى من تحرر نصفه رجل كامل الحرية لم يسمع إلا في النصف، لأنه الذي اجتمع عليه شاهدان، و هو الأحوط، و يحتمل تقسيم المشهود به بحسب ما في الشاهدين من الحرية، فيسمع في المثال في ثلاثة أرباع، و يحمل الخبر على انضمام مثله إليه، أو على أنه يثبت نصف الألفين بما فيه من الحرية و ما بإزائه من حرية الآخر، و إن كان يثبت ربعهما أيضا بما في الآخر من باقي الحرية، و على الثاني يحتمل السماع بإزاء الحرية مطلقا، حتى إذا تحرر منه عشر سمعت شهادته في العشر، فإذا تحرر تسعة أعشاره سمعت في تسعة أعشاره، و يحتمل أن لا تسمع ما لا يتحرر ربعه فما زاد، و لا تسمع إلا في الربع إلى النصف، و على كل فلا بد من قصر السماع على ما تسمع فيه شهادة امرأة واحدة خصوصا ما ذكره من الاحتمال، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا سمع الإقرار مثلا صار شاهدا و إن لم يستدعه المشهود عليه]

المسألة الثالثة:

إذا سمع الإقرار مثلا صار شاهدا و إن لم يستدعه المشهود عليه أو المشهود له، فيندرج حينئذ في ما دل على وجوب أدائها عينا أو كفاية على حسب غيره من الشهود، ضرورة عدم اعتبار الاشهاد في صدق اسم الشهادة، و الأمر الإرشادي بالإشهاد أعم من ذلك.

و كذا لو سمع اثنين يوقعان عقدا كالبيع و الإجارة و النكاح، و كذا لو شاهد الغصب أو الجناية، و كذا لو قال له الغريمان أو أحدهما:

لا تشهد علينا فسمع منهما أو من أحدهما ما يوجب حكما بل و كذا لو خبأ فنطق المشهود عليه مسترسلا خلافا لشريح فقط،

ج 41، ص: 100

كما عن المبسوط و السرائر، و عن الخلاف زيادة النخعي و الشعبي و مالك، إلا أنه إنما رد شهادته إذا كان المشهود عليه مغفلا يخدع مثله، و ضعف الجميع واضح.

و في غاية المراد «لا خلاف عندنا أن المختبئ شهادته مقبولة لوجود المقتضي، و ليس من باب الحرص على الشهادة المقتضي للرد، لأن الحاجة ربما مست إلى ذلك، و لدخولها تحت قوله تعالى (1) «إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ» و لأن الحرص هنا ليس على الإقامة بل على التحمل، و ذهب شريح إلى عدم قبولها، و هو منقول عن مالك، و يقال: إنه قول ضعيف للشافعي- إلى أن قال-: و يظهر من كلام ابن الجنيد ذلك، حيث قال: أو كان من خدع فستر عنه لم يكن له أن يشهد عليه، و قد سبقه الإجماع أو تأخر عنه».

قلت: هذا هو العمدة بناء على ما ذكرناه سابقا من أنه ليس المانع مطلق التهمة، بل هي التهمة الخاصة التي يكشف عنها الأدلة، و إلا فهذا و مثله يبقى على عموم الأدلة، و أما دعوى عدم التهمة فيه عرفا مطلقا ففيه أن بعض أفراده ليس بأقل منها في المتبرع بالشهادة الذي ستسمع الإجماع على عدم قبول شهادته، و الاحتياج إلى ذلك لو سلم كونه دليلا لمشروعية مثله فلا يقتضي الصحة مطلقا حتى إذا لم تدع الحاجة، فالعمدة حينئذ ما عرفت.

نعم عن أبي علي و الحلبي التخيير في المسألة الأولى بين الإقامة و عدمها إذا لم يستدع للشهادة من المشهود له أو المشهود عليه، و لعله للأصل و ل

صحيح ابن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا سمع الرجل


1- «1» سورة الزخرف: 43- الآية 86.
2- «2» الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشهادات الحديث 1.

ج 41، ص: 101

الشهادة و لم يشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد و إن شاء سكت»

و صحيح هشام بن سالم (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا سمع الرجل الشهادة و لم يشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد و إن شاء سكت، و قال:

إذا أشهد لم يكن له إلا أن يشهد»

و خبر محمد بن مسلم (2)

«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يحضر حساب الرجلين فيطلبان منه الشهادة على ما سمع منهما، قال: ذلك إليه إن شاء شهد و إن شاء لم يشهد، و إن شهد شهد بحق قد سمعه، و إن لم يشهد فلا شي ء، لأنهما لم يشهداه».

و فيه- مع فرض كون المراد عدم وجوب إقامتها حتى مع توقف الحق عليها- أن الأصل مقطوع بما دل عليه العقل المقطوع به من النقل كتابا (3) و سنة (4)

بل و إجماعا من إيجاب إقامة الشهادة على من هي عنده، و إنها بمنزلة الأمانة التي يجب على من عنده أداؤها و إن لم يستأمنه إياها صاحبها نحو الثوب الذي أطارته الريح و غيره، و النصوص محمولة على عدم التوقف عليه.

كما أومأ إلى ذلك

موثق ابن مسلم (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا سمع الرجل الشهادة و لم يشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد و إن شاء سكت إلا إذا علم من الظالم فيشهد، و لا يحل له إلا أن يشهد»

و مرسل يونس (6) عن الصادق (عليه السلام) «إذا سمع الرجل الشهادة و لم يشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد و إن شاء سكت إلا إذا علم من الظالم


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشهادات الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشهادات الحديث 5.
3- «3» سورة الطلاق: 65- الآية 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 1 و 2- من كتاب الشهادات.
5- «5» الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشهادات الحديث 4.
6- «6» الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشهادات الحديث 10.

ج 41، ص: 102

فيشهد، و لا يحل له أن لا يشهد»

مؤيدا ذلك ب

خبر ابن أشيم (1)

«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل طهرت امرأته من حيضها، فقال: فلانة طالق و قوم يسمعون كلامه لم يقل لهم أشهدوا أ يقع الطلاق عليها؟ قال: هذه شهادة أ فيتركها معلقة؟! قال: و قال الصادق (عليه السلام): العلم شهادة إذا كان صاحبه مظلوما».

و لعله إلى ذلك يرجع ما في نهاية الشيخ قال: «و من علم شيئا من الأشياء و لم يكن قد أشهد عليه ثم دعي إلى أن يشهد كان بالخيار في إقامتها و في الامتناع منها، اللهم إلا أن يعلم أنه إن لم يقمها بطل حق مؤمن، فحينئذ يجب عليه إقامة الشهادة» و نحوه ما عن جامع ابن سعيد.

بل و المحكي عن الصدوق أيضا، فإنه بعد أن روى أخبار الخيار في الفقيه قال: «هو إذا كان على الحق غيره من الشهود، فمتى علم أن صاحب الحق المظلوم و لا يجي ء حقه إلا بشهادته وجب عليه إقامتها، و لم يحل له كتمانها، فقد

قال الصادق (عليه السلام) (2): «العلم شهادة إذا كان صاحبه مظلوما».

بل يمكن أن يكون غيرهم ممن لم يصل إلينا كلامهم كذلك أيضا كما هو ظاهر المحكي عنهم في الدروس، فلاحظ و تأمل.

و لعل الفرق حينئذ بين من أشهد و من لم يشهد الوجوب على الأول إلا أن يعلم قيام الغير على حسب غيره من الواجب الكفائي الذي قد يكون عينيا بالعرض، و عدم الوجوب أصلا على الثاني إلا أن يعلم ظلم المشهود عليه المشهود له بإنكار حقه مثلا. و بذلك يظهر لك قوة القول بالتفصيل المزبور عملا


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشهادات- الحديث 8 و 9 و الظاهر أن ذيله مرسلة الصدوق قده.
2- «2» الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشهادات- الحديث 9.

ج 41، ص: 103

بالنصوص المزبورة.

و لكن في كشف اللثام قد احتمل تنزيل النصوص المذكورة على عدم الوجوب العيني لوجود ما يثبت به الحق المشهود به و غيره، و استشهد على ذلك بما سمعته من النهاية و جامع المقاصد ثم قال:

«فقولهما (عليهما السلام) (1): «و لم يشهد عليها»

بمعنى أنه لم يشهد عليها للاكتفاء عنه بغيره، و

قوله (عليه السلام) في الخبر الثاني (2): «فيطلبان منه الشهادة»

بمعنى أنهما يطلبانها منه مع الاستغناء عنه بغيره، ل

قوله (عليه السلام) أخيرا: «لأنهما لم يشهداه»

أي استغنيا عنه بغيره، و احتمل في النصوص الثلاثة الأول أن يراد بسماع الشهادة سماعها و هي تقام عند الحاكم، بل هو الظاهر، فيكون الاستغناء عنه أظهر، و يكون المعنى أنه إذا سمع الشهود يشهدون بحق و لم يشهد عليه أي لم يطلب منه الشهادة للاكتفاء بغيره كان بالخيار- ثم قال-: و يحتمل أن يراد بسماع الشهادة سماع الاشهاد و التحمل، أي إذا سمع الرجل يشهد على حق و الشهود يتحملون الشهادة و لم يدع هو إلى التحمل كان بالخيار بين التحمل و عدمه- ثم قال-: و يحتمل الثاني- أي خبر ابن مسلم الأخير (3)

- أن يراد أنهما يطلبان منه تحمل الشهادة، فهو بالخيار بين التحمل و العدم بناء على وجود الغير أو عدم وجوب التحمل على الخلاف، فان شهد شهد بحق، أي إن تحمل لزمه الأداء و إلا فلا، لأنهما لم يشهداه أي لم يتحمل الشهادة لهما فأشهدا غيره و اكتفيا به، فلم يجب عليه الأداء عينا للاستغناء عنه- ثم قال-: و نفى النزاع المعنوي في المختلف تنزيلا لكلام غير الشيخ على كلامه».


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشهادات- الحديث 1 و 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشهادات- الحديث 5.
3- «3» الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشهادات- الحديث 5.

ج 41، ص: 104

قلت: لا يخفى عليك ما في جميع ذلك، بل و لا ما في دعوى لفظية النزاع، بل قد عرفت أن كلام الشيخ ظاهر أو صريح في ما ذكرناه في النصوص التي يمكن أيضا تنزيل كلام ابن الجنيد، و الصدوق و الحلبي عليه، و ما أدرى ما الذي دعاه إلى هذه الاحتمالات الواهية في النصوص المزبورة المذكور وجهها فيها؟! كما أني لا أدري وجه دعوى لفظية النزاع و النصوص مصرحة بالفرق في الحكم بين الموضوعين، و كلام المفتي بها أصرح منها في ذلك.

و مما ذكرنا يعلم النظر في ما أطنب فيه في الرياض، بل و ما في المسالك، بل و ما في غيرها من الكتب كما تسمع تمام التحقيق في ذلك في ما يأتي إن شاء الله و إن كان ما ذكرناه هنا تاما لا غبار فيه، و الله هو العالم.

[المسألة الرابعة التبرع بالشهادة قبل السؤال يطرق التهمة فيمنع القبول]

المسألة الرابعة:

التبرع بالشهادة في حقوق الآدميين قبل السؤال من الحاكم في مجلس الحكومة يطرق التهمة إلى الشاهد أنه شهد للمدعي زورا بسبب حرصه على ذلك فيمنع القبول بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، بل في كشف اللثام أنه مما قطع به الأصحاب سواء كان قبل دعوى المدعي أو بعدها، و لعله العمدة في الحكم المزبور، لا التعليل بالتهمة الواقع من كثير، إذ قد عرفت أن المدار فيها على ما يثبت من الأدلة شرعا لا كل تهمة عرفية، ضرورة أن المختبئ لسماع الشهادة بلا استدعاء أقرب من المتبرع بتطرق التهمة، مع أنك

ج 41، ص: 105

قد عرفت قبول شهادته عندنا، لعدم الدليل على اعتبار هذه التهمة و إن كانت متحققة في العادة، كما صرح به الأردبيلي هنا، و هو مؤيد لما ذكرناه سابقا في أول البحث ردا على من اعتمد على إطلاق التهمة في النصوص إلا ما خرج، حتى جعل ذلك أصلا يرجع إليه، على أن ظاهر كلامهم أو صريحه رد المتبرع بشهادته و إن انتفت التهمة عنه بقرائن الأحوال، ككون المشهود له عدوا له و المشهود عليه صديقا له أو غير ذلك، أو علم منه أن ذلك كان منه جهلا بالحكم الشرعي، و غير ذلك.

و من الغريب التزام فاضل الرياض قبول شهادة المتبرع في هذه الفروض مدعيا انصراف إطلاق الأصحاب إلى الغالب الذي تحصل معه التهمة لا ما يشمل هذه الأفراد.

نعم قد يقال: إن دليل كون التبرع تهمة شرعية الإجماع المزبور، فيمنع و إن فقد التهمة عرفا كالشريك و العدو و نحوهما ممن ردت شهادته، أو يقال إن مبنى المنع هنا اعتبار الاذن ممن له الحق في سؤال الشهود، كما تقدم سابقا في كتاب القضاء (1) و حينئذ تكون الشهادة قبل ذلك نحو اليمين ممن عليه قبل الاذن من صاحب الحق.

و ربما يرشد إلى ذلك أن غير واحد من الأصحاب ذكر احتمال قبول شهادة المتبرع في المجلس الآخر، بل في المسالك و غيرها اختياره، و لو أن المانع التهمة كان المتجه الرد مطلقا، أما بناء على أن المانع ما ذكرناه يتجه القبول حينئذ، بل يتجه في ذلك المجلس أيضا بعد الاذن من صاحب الحق بسؤالهم، و هذا جيد جدا إلا أنه ينافيه تعليل المصنف و غيره بالتهمة، فالأولى القول إنه تهمة شرعا بدليل الإجماع المزبور المؤيد

بالنبوي


1- «1» راجع ج 40 ص 191- 192.

ج 41، ص: 106

المذكور في معرض الذم و إن لم يكن من طرقنا (1)

«ثم يجي ء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها»

و آخر (2)

«ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد»

و ثالث (3)

«تقوم الساعة على قوم يشهدون من غير أن يستشهدوا»

مع ما

ورد (4)

«من أنها تقوم على شرار الخلق»

إلا أن المتجه حينئذ الاقتصار على ما علم كونه موردا للإجماع.

أما غيره الذي منه القبول في المجلس الآخر و منه أيضا كون المشهود به من حقوق الله تعالى كشرب الخمر أو الزنا بل منه أيضا الشهادة للمصالح العامة كالقناطر و المدارس و نحوها فلا يمنع التبرع بالشهادة القبول فيها وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أيضا، بل لم يعرف الخلاف في ذلك إلا ما يحكى عن الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار، مع أن المحكي عنه في المبسوط موافقة المشهور، و لا ينافي ذلك قول المصنف: «و فيه تردد»، كما ستسمع إشكال الفاضل فيه في بعض كتبه، إذ هو لا ينافي استقرار المذهب على الأول، بل هو الأقوى إذ لا مدعي لها بالخصوص، لاختصاص الحق به تعالى أو لاشتراكه بين الكل.

على أنه لو جعل التبرع بالشهادة فيها مانعا لتعطلت الأولى. بل في كشف اللثام «و كذا الثانية، لاشتراك أهل تلك المصلحة كلهم فيها، فلو شرطنا الابتداء بالدعوى لم يبتدئ بها إلا بعضهم، و الشهادة لا تثبت حينئذ إلا قدر نصيبهم، و هو مجهول، لتوقفه على نسبة محصور إلى غير


1- «1» مسند أحمد- ج 4 ص 426.
2- «2» سنن ابن ماجه ج 2 ص 64.
3- «3» دعائم الإسلام ج 2 ص 506.
4- «4» البحار ج 6 ص 18 و صحيح مسلم ج 6 ص 54.

ج 41، ص: 107

محصور، و لأن المصلحة إذا عمت عدول المؤمنين بأجمعهم كانت الشهادة منهم دعوى، فلو توقفت على دعوى غيرهم كان ترجيحا من غير مرجح مع لزوم الدور، بل قيل: و لأن الشهادة بحقوق الله تعالى نوع من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و هما واجبان، و الواجب لا يعد تبرعا، قيل: و للجمع بين ما مر من الخبرين (1)

و

قوله (صلى الله عليه و آله) (2): «أ لا أخبركم بخير الشهود؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد».

و لكن مع ذلك كله قال و فيه تردد مما عرفت و من التهمة المزبورة، بل في الرياض «ليس في شي ء مما ذكر ما يفيد تقييد الأدلة المانعة عن قبول الشهادة مع التهمة بعد حصولها كما هو فرض المسألة بحقوق الآدميين خاصة و مجرد عدم المدعي لحقوق الله تعالى لا يدفع التهمة و لا يفيد التقييد المزبور، إذ لا دليل على إفادته له من إجماع أو رواية، و أداء عدم القبول فيها إلى سقوطها لا دلالة فيه على أحد الأمرين أصلا، و لا محذور في سقوطها مع عدم قبولها، بل هو مطلوب، لبناء حقوق الله تعالى على التخفيف اتفاقا نصا و فتوى، و لو سلم فإنما يؤدى إلى السقوط لو رد مطلقا، سواء كان في مجلس الشرع أو غيره، أما لو خص الرد بالأول كما هو رأي بعض في حقوق الآدميين فلا يؤدي إلى السقوط، لإمكان قبوله لو أدى في مجلس آخر من غير تبرع ثانيا و النبوي الأخير بعد الإغماض عن سنده غير دال على القبول هنا خاصة، بل هو عام لما سبق من حقوق الآدميين و لم يقل به- كما مضى- أحد، و تقييدها بالمقام


1- «1» المشار إليه هو قوله صلى الله عليه و آله: «ثم يفشو الكذب.» و «تقوم الساعة على قوم.» المتقدمان في ص 106.
2- «2» سنن البيهقي ج 10 ص 159 مع اختلاف يسير.

ج 41، ص: 108

فرع وجود دليل عليه أو قرينة، و ليسا» إلى غير ذلك مما ذكره في هذا المبحث من غرائب الكلام، و منشأه دعوى ظهور إطلاق الأدلة في منع مطلق التهمة لقبول الشهادة، و الأردبيلي الذي هو الأصل في هذا الكلام قد اعترف في مسألة شهادة المختبئ أن المدار على ما ثبت من النص أو الإجماع من أفراد التهمة لا مطلقها، و من أنصف و تأمل رأى أن أكثر ما ذكره السيد في الرياض هنا ساقط لا يوافق فتاوى الأصحاب، بل و لا قواعد الباب، و التحقيق ما عرفت من القبول في المقام، لعدم الإجماع، بل مظنته في العكس، بل على احتمال كون مبنى المنع في التبرع عدم الاذن من صاحب الحق يتجه القبول هنا، لعدم مدع بالخصوص.

و بالجملة فالمسألة مفروغ منها، بل ما كان للمصنف التردد في ذلك.

و مما ذكرنا تعرف الوجه في الحق المشترك بين الله تعالى و بين الآدمي، و أنه القبول في حق الله تعالى و الرد في حق الآدمي، فيقطع بالسرقة بشهادة المتبرع و لا يغرم، اللهم إلا أن يقال: إن محل الإجماع الرد في حق الآدمي الخالص دون المشترك، فيبقى على عموم أدلة القبول خصوصا في الحق المشترك الذي لا يقبل التوزيع، هذا.

و لكن في كشف اللثام «و الظاهر الرد في الحق المشترك و القطع في السرقة دون الغرم، و يحتمل القبول في الطلاق و العتاق و الرضاع و الخلع و العفو عن القصاص و النسب، لغلبة حق الله تعالى فيها، و لذا لا تسقط بالتراضي، و في شراء الأب إذا ادعاه هو أو ابنه وجهان، من أن الفرض عتقه و حق الله فيه غالب، و من توقفه على العوض الذي لا يثبت، و يقوى الثبوت إذا ادعاه الابن، للاعتراف بالعوض، و الفرق بينه و بين الخلع أن العوض غير مقصود في الخلع بخلافه في الشراء، فيمكن ثبوت

ج 41، ص: 109

الطلاق دون العوض، و يحتمل ثبوت العوض فيهما تبعا لحق الله تعالى شأنه» انتهى.

و لا يخفى عليك الوجه في جميع ذلك بعد الإحاطة بجميع ما ذكرناه، خصوصا بناء على أن المنع من التبرع لعدم الاذن ممن له الحق، فإن الأمر حينئذ سهل، ضرورة إمكان عود الشهادة بالإذن كعود اليمين مع الإذن، إذ لا بطلان للشهادة من رأس، بل هو كذلك أيضا على الوجه الآخر إذا لم نقل إن المانع التهمة العرفية، بل الإجماع المزبور المقتصر فيه على المورد المتيقن.

كما لا يخفى عليك إمكان المناقشة في بعض ما ذكره من أفراد الحق المشترك بأن الظاهر في بعضها كونه من حق الآدميين، و عدم السقوط بالتراضي لا ينافي ذلك من حيث حكم الإيقاع الذي لا يقبل الفسخ به مثلا أو غير ذلك، و لذا لو أقر أحدهما أو تصادقا عليه جرى عليه حكم الإقرار و التصادق، و الله العالم.

[المسألة الخامسة المشهور بالفسق إذا تاب لتقبل شهادته لا تقبل]

المسألة الخامسة:

المشهور بالفسق إذا تاب لتقبل شهادته و لو المردودة الوجه أنها لا تقبل حتى يستبان استمراره على الصلاح و إن لم يكن فيه تهمة التعبير برد الشهادة، بل لأن المفروض عدم توبة حقيقة، ضرورة كونها الندم على ما وقع من المعصية و العزم على عدم الوقوع في ما يأتي و أن ذلك امتثالا لأمر الله تعالى شأنه، إذ الظاهر كونها من العبادات المعتبر فيها النية و الإخلاص، بل عن التجريد اعتبار كون الترك لقبح الذنب فيها، بل عنه أيضا اعتبار كون ذلك عن الجميع لا البعض خاصة و إن

ج 41، ص: 110

كان الأقوى خلافه في الأخير، و أما الأول فالظاهر أنه قريب مما ذكرنا، و إلا كان الأقوى خلافه أيضا.

و على كل حال فالتوبة لقبول الشهادة ليست توبة حقيقة، بل يمكن أن تكون هي فسقا آخر باعتبار منافاة ذلك للإخلاص المعتبر فيها، و لكن مع ذلك قال الشيخ و ابن سعيد في المحكي عن جامعه يجوز أن يقول الحاكم للفاسق تب أقبل شهادتك و في القواعد بعد أن حكاه عنه: «و ليس بجيد نعم لو عرف استمراره على الصلاح قبلت» و في كشف اللثام «أو أنه تاب حين تاب بإخلاص النية و تصميم العزم» و تبع بذلك الشهيد في الدروس، حيث إنه بعد أن حكى ذلك عن الشيخ قال: «و هذا يتم إذا علم منه التوبة بقرائن الأحوال».

و في المسالك بعد أن حكى المشهور قال: «و ذهب الشيخ في موضع من المبسوط إلى الاكتفاء بإظهار التوبة عقيب قول الحاكم له: تب أقبل شهادتك، لصدق التوبة المقتضي لعود العدالة مع انتفاء المانع، فيدخل تحت عموم قبول شهادة العدل، و أجيب بمنع اعتبار توبته حينئذ، لأن التوبة المعتبرة هو أن يتوب عن القبيح لقبحه، و هنا ظاهرها أنها لا لقبحه بل لقبول الشهادة، و فيه نظر، لانه لا يلزم من قوله: تب أقبل شهادتك كون التوبة لأجل ذلك، بل غايته أن تكون التوبة علة في القبول أما أنه غاية لها فلا، و أيضا فالمأمور به التوبة المعتبرة شرعا لا مطلق التوبة، فالمغياة بقبول شهادته ليست كذلك، نعم مرجع كلامه إلى أن مضى الزمان المتطاول ليس بشرط في ظهور التوبة، و الأمر كذلك إن فرض غلبة ظن الحاكم بصدقه في توبته في الحال و إلا فالمعتبر ذلك».

قلت: و مرجع ذلك إلى كون النزاع مع الشيخ لفظيا، و هو خلاف ما فهمه المصنف و غيره، و ظني أن الشيخ يجتزئ لأصل الصحة بمجرد

ج 41، ص: 111

إظهار التوبة في تحققها المقتضي لإجراء الأحكام عليها التي منها قبول الشهادة، للنصوص المستفيضة (1)

التي تقدم سابقا جملة منها في توبة القاذف الدالة على قبول شهادة الفاسق إذا تاب، بل لا خلاف فيه في الظاهر. و فيه أن التوبة لما كانت من الأمور القلبية- ضرورة كونها الندم و العزم و هما معا قلبيان و إخباره بحصولهما لا دليل على الاجتزاء به، بل ظاهر الأدلة خلافه- فليس حينئذ إلا تعرفهما بالآثار الدالة على ذلك، نحو غيرهما من الأمور الباطنة، و لا يجدى أصل الصحة في حصول التوبة، ضرورة كون مورده الفعل المحقق في الخارج المشكوك في صحته و فساده كالبيع و الصلاة و نحوهما لا الأفعال القلبية التي لم يعلم حصولها، كما هو واضح. و بذلك ظهر لك وجه البحث على أحسن وجه فتأمل.

و على كل حال فقد عرفت حقيقة الحال في التوبة، لكن ذكر غير واحد أن المعصية التي يتاب عنها إن لم يكن فيها حق لله و لا للعباد كالاستمتاع بما دون الوطء و كالوطء في الحيض و نحو ذلك فلا شي ء عليه سوى الندم و العزم المزبورين على الوجه الذي عرفت.

و إن كان تعلق بها حق مالي كمنع الزكاة و الخمس و الغصب و نحوها مما يتعلق بأموال الناس فيجب مع ذلك براءة الذمة منه بأن يؤدي الزكاة و يرد أموال الناس إن بقيت و يغرم بدلها إن لم تبق أو يستحل من المستحق فيبرؤه منها، و لو كان معسرا نوى الغرامة له إذا قدر.

و إن تعلق بالمعصية حق ليس بمالي كما لو زنى أو شرب فان لم يظهر فيجوز أن يظهره و يقربه فيقام عليه الحد، و يجوز أن يستره و هو الأولى، فإن ظهر فقد فات الستر فيأتي الحاكم ليقيم عليه الحد إلا أن يكون ظهوره قبل قيام البينة عليه عند الحاكم، كما سيأتي من سقوط الحد بالتوبة قبل


1- «1» الوسائل- الباب- 36- من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 112

قيام البينة مطلقا.

و إن كان حقا للعباد كالقصاص و القذف فيأتي المستحق و يمكنه من الاستيفاء، فان لم يعلم المستحق وجب في القصاص أن يخبره، و يقول:

أنا الذي قتلت أباك فلزمني القصاص، فإن شئت فاقتص و إن شئت فاعف.

و في القذف و الغيبة إن بلغه فالأمر كذلك، و إن لم يبلغه فوجهان من أنه حق آدمي فلا يزول إلا من جهته- و في المسالك و إليه ذهب الأكثر- و من استلزامه زيادة الأذى و وغر القلوب، و على الأول فلو تعذر الاستحلال منه بموته أو امتناعه فليكثر من الاستغفار و الأعمال الصالحة عسى أن تكون عوضا عما يأخذه يوم القيامة من حسناته إن لم يعوضه الله عنه، و لا اعتبار فيه بتحليل الوارث و إن ورث حد القذف، أما الحق المالي إذا مات مستحقه فإنه ينتقل إلى وراثه و يبرأ بدفعه إليهم و بابرائهم منه و هكذا، فينتقل من وارث إلى آخر، و متى دفع هو أو أحد من ورثته أو بعض المتبرعين إلى الوارث في بعض الطبقات برئ منه و إن بقي إلى يوم القيامة ففي مستحقه حينئذ أوجه.

قلت: الظاهر عدم اعتبار الخلوص من توابع الذنب في التوبة منه التي قد عرفت أنها الندم على وقوعه منه و العزم على عدم إيقاعه، و دعوى أن الندم على ذلك لا يتحقق إلا بالخلاص مما تبعه و منه واضحة الفساد، ضرورة كون ذلك واجبا آخر، نعم لو فرض كون التابع من أفراد الذنب الذي فرض التوبة عنه اتجه حينئذ ذلك، لعدم تحققها حينئذ بدونه، كما لو تاب عن ظلم الناس و الفرض وجود ما لهم عنده، فلا توبة في الحقيقة عن ذلك إلا مع الخروج عما في يده و إرجاعه إليهم بطريقه الشرعي، و إلا هو باق على الظلم، بخلاف ما لو تاب عن قتل الناس مثلا و إن قصر ببذل القصاص من نفسه، إذ هو ذنب آخر، و قلنا

ج 41، ص: 113

بجواز التبعيض في التوبة، و يمكن تنزيل كلام من أطلق على ذلك.

بل قد يظهر من البهائي في أربعينه المفروغية من ذلك، فإنه بعد أن ذكر جملة من الكلام في التوبة و الخروج من توابع الذنوب نحو ما سمعته منهم قال: «و اعلم أن الإتيان بما تستتبعه الذنوب من قضاء الفوائت و أداء الحقوق و التمكين من القصاص و الحد و نحو ذلك ليس شرطا في صحة التوبة، بل هذه واجبات برأسها، و التوبة صحيحة بدونها، و بها تصير أكمل و أتم».

و هو صريح في ما قلناه، و لا ينافي ذلك ما ورد في بعض النصوص المحمولة على إرادة التوبة من سائر الذنوب، نحو

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) في تفسير قوله تعالى (2)

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً»: «إن التوبة تجمعها ستة أشياء: على الماضي من الذنوب الندامة، و للفرائض الإعادة، و رد المظالم، و استحلال الخصوم و أن تعزم على أن لا تعود، و أن تذيب نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية، و أن تذيقها مرارة الطاعات كما أذقتها حلاوة المعاصي».

و قوله (عليه السلام) أيضا (3)

و قد سمع قائلا يقول: استغفر الله تعالى شأنه: «ثكلتك أمك أ تدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العليين، و هو اسم واقع على ستة معان: أولها: الندم على ما مضى، الثاني العزم على ترك العود إليه أبدا، الثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله سبحانه أملس ليس عليك تبعة، الرابع:

أن تعمد إلى فريضة ضيعتها فتؤدي حقها، الخامس: أن تعمد إلى اللحم


1- «1» لم أعثر عليه عاجلا في كتب الأخبار و التفاسير.
2- «2» سورة التحريم: 66- الآية 8.
3- «3» الوسائل- الباب- 87- من أبواب جهاد النفس- الحديث 3 من كتاب الجهاد.

ج 41، ص: 114

الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم و ينشأ بينهما لحم جديد، السادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية».

إذ لا يخفى عليك كون المراد التوبة من سائر الذنوب، بل الظاهر إرادة الفرد الكامل منها، ضرورة أنه كما لا يكفي في جلاء المرآة قطع الأنفاس و الأبخرة المسودة لوجهها بل لا بد من صقلها و إزالة ما حصل بجرمها من السواد كذلك لا يكفي في جلاء القلب من ظلمات المعاصي و كدوراتها مجرد تركها و عدم العود إليها، بل يجب محو آثار تلك الظلمات بأنوار الطاعات، فإنه كما يرتفع إلى القلب من كل معصية ظلمة و كدورة كذلك يرتفع إليه من كل طاعة نور و ضياء، بل الأولى محو ظلمة كل معصية بنور طاعة تضادها، بأن ينظر التائب إلى سيئاته مفصلة و يطلب لكل سيئة منها حسنة تقابلها، فيأتي بتلك الحسنة على قدر ما أتى بتلك السيئة، فيكفر استماع الملاهي مثلا باستماع القرآن و الأحاديث و المسائل الدينية، و هكذا كما يعالج الطبيب الأمراض بأضدادها، و قد تكفل علماء الأخلاق ببيان أمثال هذه المقامات، و على كل حال فهذه أمور أخر غير التوبة عن نفس الذنب التي هي الندم على فعله، بل في التحرير عن بعضهم عدم اعتبار العزم على عدم العود إليها و إن كان الظاهر خلافه، لأن العزم المزبور لازم لذلك الندم غير منفك عنه.

ثم إن ظاهر الكلام المزبور الخروج عن الحق المالي بالإيصال إلى صاحبه و لو الوارث البعيد، بل و إن كان من متبرع على وجه لم يبق عليه شي ء. و فيه أن الظلم بحبس المال عن صاحبه لا يرتفع بالإيصال إلى الوارث، و إنما يفيد الوصول إلى الوارث ارتفاع الظلم عنه بنفس المال، و أما حق الحبس فالظاهر تعلقه به، اللهم إلا أن يقال إن التوبة تكفر ذلك، و فيه

ج 41، ص: 115

ما فيه، فإنها لا ترفع حقوق الناس، و إنما هي ترفع عقاب الذنب من حيث التوعد عليه من الله تعالى شأنه عقلا أو سمعا على خلاف لهم في ذلك، و أما حق الناس فلا بد من وصوله إلى مستحقيه و لا طريق لهذا الحق و أمثاله مما ليس لأحد العفو عنه إلا صاحبه إلا التوسل إلى الله تعالى شأنه بتحمل ذلك عنه و الإلحاح عليه في ذلك و التضرع و الابتهال و نحوهما، فلعل الله تعالى يعوضه يوم القيامة بما يرضيه عن مظلمته كما هو الرجاء به، و إلى ذلك أشير في الأدعية المأثورة عنهم (عليهم السلام).

و من ذلك يظهر أن المال الذي لم يوصله إلى وارثه إلى آخر الأبد تصح مطالبة الجميع به و إن كان الأخير منهم يطالب بعينه و غيره يطالب به من حيث حبسه، و قاعدة العدل تقتضي الانتصاف منه للجميع.

و لكن في

صحيح عمر بن يزيد (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام):

«إذا كان للرجل على الرجل دين فمطله حتى مات ثم صالح ورثته على شي ء فالذي أخذ الورثة لهم، و ما بقي فهو للميت يستوفيه منه في الآخرة، و إن هو لم يصالحهم على شي ء حتى مات و لم يقض عنه فهو للميت يأخذه به»

ما ينافي ما ذكرنا، و قد عمل به غير واحد، و لكن المسألة قليلة الجدوى، فإن الأمر ذلك اليوم إلى من لا يشتبه عليه الحال، و ينتصف للجماء من القرناء، و له كتاب على عبيده لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها، و من يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ، و في المقام أبحاث كثيرة ذكر جملة منها علماء الكلام، و أخرى علماء الأخلاق.

و قد ذكرنا نحن ما يتعلق في الغيبة و أنه لا بد فيها من الاستحلال


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من كتاب الصلح- الحديث 4.

ج 41، ص: 116

أو يكفي فيها الاستغفار في كتاب المكاسب (1) و منه يستفاد الحكم في غيرها، و النصيحة التامة للعبد الإكثار من الحسنات التي يرجى معها إذهاب السيئات و لو بتعويض الله تعالى شأنه و إرضائهم، فإنه المالك للجميع، و الله العليم الرؤوف الرحيم.

[المسألة السادسة إذا حكم الحاكم ثم تبين في الشهود ما يمنع القبول فان كان متجددا بعد الحكم لم يقدح]

المسألة السادسة:

إذا حكم الحاكم ثم تبين في الشهود ما يمنع القبول فان كان متجددا بعد الحكم لم يقدح بلا خلاف فيه بيننا بل و لا إشكال، و إن كان حاصلا بعد الإقامة قبل الحكم فسيأتي البحث فيه إن شاء الله و إن كان حاصلا قبل الإقامة على وجه يقتضي وجوده حال الشهادة التي فرض كون الحكم بها و خفي عن الحاكم نقض هو بل و غيره من الحكام الحكم ضرورة بيان فساد ميزان القضاء حينئذ، نعم لو فرض الاختلاف في الاجتهاد لم ينقضه هو لو فرض تغير رأيه فضلا عن غيره، هذا و في المسالك «و طريق ثبوت فسقهما سابقا بحضور جارحين لهما بأمر سابق على الشهادة».

قلت- بعد تنزيل كلامه على إرادة استمراره إلى حين الشهادة التي قد حكم بها من السابق-: قد يشكل ذلك بمنافاته لمشروعية القضاء الذي هو الفصل المبني على الدوام و التأبيد و أنه لا تجوز الدعوى عنده و لا عند حاكم آخر، ضرورة أن البينة المزبورة لا تقتضي العلم بفساد ميزان الحكم، خصوصا مع إمكان معارضتها بأقوى منها حال القضاء أو بالجرح لها أو بغير ذلك، فلا ينقض الحكم المحمول شرعا على الوجه الصحيح المبني على


1- «1» راجع ج 22 ص 72.

ج 41، ص: 117

الدوام و التأبيد الموافق للحكمة المزبورة بالبينة المفروضة، خصوصا بعد سؤال الحاكم الجرح للخصم فعجز عنه ثم إنه تيسر له بعد ذلك شاهدان، بل لو فرض بقاء حق الجرح له بعد الحكم لم تبق فائدة للحكم، بل ليس الفصل فصلا.

نعم لو بان الجرح على وجه يعلم خطأ الحاكم فيه لغفلة و نحوها اتجه ذلك، و يمكن تنزيل كلام الأصحاب على ذلك، بل لعل حكمهم بعدم النقض بالتغيير بالاجتهاد مما يرشد إلى ذلك، ضرورة كون السبب فيه عدم معلومية الخطأ المشترك في المقامين، و قد تقدم في كتاب القضاء (1) ما له نفع في المقام، فلاحظ و تأمل، و يأتي إن شاء الله، و الله العالم.

[الوصف السادس طهارة المولد]

الوصف السادس: طهارة المولد، فلا تقبل شهادة ولد الزنا أصلا على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في محكي الانتصار و الخلاف و الغنية و السرائر، لا للحكم بكفره شرعا و إن وصف بالإسلام و صار من عدوله، لعدم الدليل على ذلك بحيث يخص به ما دل على إسلام المسلم و صيرورته عدلا بما ذكر في الأدلة الشرعية، كما بينا ذلك في كتاب الطهارة (2) بل للنصوص المعتبرة المستفيضة المروية في الكتب الأربعة و غيرها التي فيها الصحيح و غيره المنجبر بما عرفت و بتعاضد الأدلة.

ك

صحيح الحلبي (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن شهادة ولد الزنا، فقال: لا و لا عبد».

و خبر أبي بصير (4)

«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ولد


1- «1» راجع ج 40 ص 113- 114.
2- «2» راجع ج 6 ص 68- 71.
3- «3» الوسائل- الباب- 31- من كتاب الشهادات- الحديث 6.
4- «4» الوسائل- الباب- 31- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 118

الزنا أ تجوز شهادته؟ فقال: لا، فقلت: إن الحكم بن عيينة يزعم أنها تجوز، فقال: اللهم لا تغفر ذنبه، ما قال الله للحكم وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ» (1) و عن بصائر الدرجات روايته مسندا إلى أبان بن عثمان، و كذا عن الكشي في كتاب الرجال مع زيادة «فليذهب الحكم يمينا و شمالا، فو الله ما يؤخذ العلم إلا من أهل بيت ينزل عليهم جبرئيل».

و خبر محمد بن مسلم (2) قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا تجوز شهادة ولد الزنا».

و خبر زرارة (3): «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لو أن أربعة شهدوا عندنا بالزنا على رجل و فيهم ولد الزنا لحددتهم جميعا، لأنه لا تجوز شهادته، و لا يؤم الناس».

و في المروي عن تفسير العياشي عن الحلبي (4) عن الصادق (عليه السلام) «ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز له شهادة، و لا يؤم الناس، لم يحمله نوح في السفينة و قد حمل فيها الكلب و الخنزير».

و في المرسل (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أن نوحا حمل الكلب في السفينة و لم يحمل ولد الزنا»

إلى غير ذلك من النصوص.

و من الغريب ما في المسالك من المناقشة في سند النصوص إلا صحيح الحلبي منها ثم قال: «و لكن دلالته لا تخلو من قصور» ثم حكى عن ابن إدريس التعليل بالكفر، و عن المرتضى الاستدلال بما

ورد «أن


1- «1» سورة الزخرف: 43- الآية 44.
2- «2» الوسائل- الباب- 31- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 31- من كتاب الشهادات- الحديث- 4.
4- «4» الوسائل- الباب- 31- من كتاب الشهادات- الحديث- 9.
5- «5» الوسائل- الباب- 31- من كتاب الشهادات- الحديث- 10.

ج 41، ص: 119

ولد الزنا لا ينجب»

و عن ابن الجنيد «أنه شر الثلاثة» (1)

و غير ذلك مما تكون المناقشة فيه واضحة. ثم ذكر بعد ذلك ما يقتضي الميل إلى قبول شهادته، إذ فيه ما لا يخفى من أنه لا حاجة إلى صحة السند بعد الانجبار و الاعتضاد بما عرفت، مع أنه أطنب بعض الأفاضل في فساد مناقشته في السند، فان كثيرا منها معتبر.

و أغرب من ذلك كله أنه بعد أن حكى عن الشيخ في المبسوط نقله عن قوم القبول و أنه قال: «هو قوي لكن أخبار أصحابنا تدل على أنه لا تقبل شهادته» قال: «و مجرد معارضة أخبار أصحابه لا تقتضي الرجوع عما قواه، و يجوز العدول عن الأخبار لوجه يقتضيه، فقد وقع له كثيرا، و وجه العدول واضح، فان عموم الأدلة من الكتاب (2) و السنة (3)

على قبول شهادة العدل ظاهرا يتناول ولد الزنا، و من ثم ذهب إليه أكثر من خالفنا».

قلت: و هو دليل فساده، لأن الله قد جعل الرشد في خلافهم، و قد سمعت ما ذكره الامام (عليه السلام) في الحكم، بل لعل هذه النصوص إشارة إليهم، فإن كثيرا منهم فاقد طيب الولادة كما أومأت إليه نصوص تحليل الخمس (4)

و الذي أوقعهم في الوهم إعراضهم عن أهل بيت الوحي (صلوات الله عليهم) كما أنك قد سمعت عن الشيخ الإجماع على عدم قبول شهادته، بل لعل قوله هنا: «أخبار أصحابنا» مشعر بكون الحكم مفروغا منه عندهم و العمومات قد خصصها من خرجت


1- «1» البحار- ج 5 ص 285.
2- «2» سورة الطلاق: 65- الآية 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات.
4- «4» الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.

ج 41، ص: 120

منهم، و ما كنا لنؤثر أن يقع من مثله التشكيك في هذا الحكم المعروف بين قدماء الإمامية و متأخريهم.

نعم قيل و القائل الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار و ابن حمزة في المحكي عنه تقبل شهادته في اليسير من المال مع تمسكه بالصلاح، و به رواية نادرة هي

رواية عيسى بن عبد الله (1) المشترك- كما قيل-: بين الثقة و غيره عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن شهادة ولد الزنا، فقال: لا تجوز إلا في الشي ء اليسير إذا رأيت منه صلاحا»

التي أجاب عنها في المختلف بالقول بالموجب، فان قبول شهادته باليسير يعطى المنع من قبول اليسير من حيث المفهوم، إذ لا يسير إلا و هو كثير بالنسبة إلى ما دونه، فإذا لا نقبل شهادته إلا في أقل الأشياء و ليس بكثير بالنسبة إلى ما دونه، إذ لا دون له و مثله لا يملك، و إن كان لا يخلو من مناقشة إلا أنه لا بأس به، خصوصا إذا كان غرض الامام (عليه السلام) التخلص بذلك عن التقية، فيكون رمزا منه إلى ما صرح به في غير هذا الخبر، فإن التقية توجب أعظم من ذلك.

بل في

المروي عن قرب الاسناد عن علي بن جعفر (2) عن أخيه (عليه السلام) «سأله عن ولد الزنا هل تجوز شهادته؟ قال: نعم تجوز شهادته و لا يؤم، و ليس لك إلا لها»

لكن في الوسائل أنه رواه

علي بن جعفر في كتابه (3) عن أخيه (عليه السلام) «لا تجوز شهادته و لا يؤم»

و على كل حال فالمسألة مفروغ منها.

نعم ذلك لا يقتضي عدم إجراء حكم الإسلام بل و الايمان بل و العدالة عليه في غير مورد النص و الفتوى، بل قد يحتمل صحة الطلاق مع


1- «1» الوسائل- الباب- 31- من كتاب الشهادات- الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 31- من كتاب الشهادات- الحديث 7.
3- «3» الوسائل- الباب- 31- من كتاب الشهادات- الحديث 8.

ج 41، ص: 121

حضوره و حضور عدل و إن كان لا تقبل شهادته به، لكن قد يمنع باعتبار ظهور صحيح الحلبي و غيره في عدم جواز شهادته مطلقا و أنه ناقص عن مرتبة الشهادة في كل ما اعتبرها الشارع فيه، بخلاف غير موضوع الشهادة من رواية أو غيرها، فلا بأس، هذا كله في المعلوم حاله و لو شرعا أنه ابن زنا.

و أما لو جهلت حاله قبلت شهادته و إن نالته بعض الألسن بلا خلاف لا إشكال، لإطلاق الأدلة و عمومها، نعم في الرياض يحتمل العدم في صورة النسبة عملا بالإطلاق من باب المقدمة، و فيه أنه لا وجه لها مع أصل شرعي كالفراش و نحوه يقتضي خلافها، بل و لو لم يكن فراش على الأصح في نحوه مما جاء النهي فيه على طريق المانعية الظاهرة في اختصاص المعلوم دون المشكوك فيه الداخل في العمومات، هذا إن لم نقل بظهور أصل شرعي في الحكم بطهارة مولد كل من لم يعلم أنه ابن زنا، و الله العالم.

[الطرف الثاني في ما به يصير الشاهد شاهدا]

اشارة

الطرف الثاني في ما به يصير الشاهد شاهدا و الضابط العلم إلا ما خرج مما تسمعه من الشهادة بالاستفاضة لقوله تعالى (1) «وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ»

و قوله تعالى (2):


1- «1» سورة الإسراء: 17- الآية 36.
2- «2» سورة الزخرف: 43- الآية 86.

ج 41، ص: 122

«إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ»

و ل قوله (صلى الله عليه و آله) «1» و قد سئل عن الشهادة:

«هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع»

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر علي بن غياث «2»: «لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك»

و في

خبر السكوني «3» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تشهد بشهادة لا تذكرها، فإنه من شاء كتب كتابا و نقش خاتما»

و خبر الحسين بن سعيد «4» قال: «كتب إليه جعفر بن عيسى: جعلت فداك جاءني جيران لنا بكتاب زعموا أنهم أشهدوني على ما فيه و في الكتاب اسمي بخطي قد عرفته و لست أذكر الشهادة و قد دعوني إليها فأشهد لهم على معرفتي أن اسمي في الكتاب و لست أذكر الشهادة أو لا تجب الشهادة علي حتى أذكرها كان اسمي في الكتاب أو لم يكن؟

فكتب (عليه السلام): لا تشهد»

و قد سمعت

قول الصادق (عليه السلام) «5»: «العلم شهادة إذا كان صاحبه مظلوما»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة صريحا و ظاهرا على اعتبار العلم في الشهادة.

بل هو الظاهر من معناها عرفا أيضا، و لذا نفى الخلاف عن اعتبار ذلك فيها غير واحد، و المراد أنه بالعلم يكون متحملا للشهادة فيجب عليه إقامتها و يجري عليه جميع الأحكام، و هذا معنى قوله في الدروس:

«و الضابط في تحمل الشهادة العلم بالسماع أو الرؤية أو بهما، فيكفي الاستفاضة في تسعة: النسب و الملك المطلق و الوقف و النكاح و الموت و الولاية و الولاء و العتق و الرق، و المراد بها إخبار جماعة يتاخم قولهم العلم، و قيل:

يحصله، و قيل: يكفي شاهدان بناء على اعتبار الظن».

__________________________________________________

«1» المستدرك- الباب- 15- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

«2» الوسائل- الباب- 8- من كتاب الشهادات- حديث 3.

«3» الوسائل- الباب- 8- من كتاب الشهادات- حديث 4.

«4» الوسائل- الباب- 8- من كتاب الشهادات- حديث 2.

«5» الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشهادات- الحديث 9.

ج 41، ص: 123

لكن في كشف اللثام «خلافا للشيخين و سلار و الصدوقين و ابني الجنيد و البراج كما سلف و عملوا ب

خبر عمر بن يزيد «1»

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل يشهدني على شهادة فأعرف خطي و خاتمي و لا أذكر من الباقي قليلا و لا كثيرا قال: فقال لي: إذا كان صاحبك ثقة و معه رجل ثقة فاشهد له»

و استضعفه الشيخ في الاستبصار أولا ثم ذكر أنه إذا كان الشاهد الآخر يشهد و هو ثقة جاز له أن يشهد إذا غلب على ظنه صحة خطه لانضمام شهادته، و روى الصدوق هذه الرواية ثم قال:

«و روي «2»

أنه لا تكون الشهادة إلا بعلم، من شاء كتب كتابا و نقش خاتما».

و في الدروس نسبته إلى الأكثر، قال: «و لا تجوز الإقامة إلا مع الذكر، و لا عبرة بالخط و إن أمن التزوير عند الحلبيين، و قال الأكثر:

إذا كان المدعي ثقة و شهد آخر ثقة أقامها، لرواية عمر بن يزيد عن الصادق (عليه السلام)» بل عن المختلف نسبته إلى المشهور بين القدماء.

لكن مع ذلك كله لا يخفى عليك قصوره عن معارضة ما عرفت و إن كان صحيحا مرويا في الكتب الأربعة مع إمكان حمله على حصول العلم من ذلك بحقية المشهود عليه و إن لم يذكره تفصيلا، بل يمكن تنزيل كلام بعضهم على ذلك، على أنه لم نتحقق نسبته إلى الأكثر.

قال في الرياض: «يمكن التأمل في شهرة الصحيحة المزبورة بين القدماء كما هي، لدلالتها على اعتبار كون المدعي أيضا ثقة و لم يعتبره من الجماعة غير والد الصدوق (رحمهما الله) خاصة، فالعامل بها على هذا نادر، فطرحها أو تقييدها بصورة حصول العلم كما فعل في المختلف فيها و في أقوال العاملين بها أيضا متعين، فالمصير إلى ما عليه المتأخرون

__________________________________________________

«1» الوسائل- الباب- 8- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

«2» الفقيه ج 3 ص 43 الرقم 146.

ج 41، ص: 124

متجه، سيما مع كونه أحوط، كما صرح به الشيخ في الاستبصار و القاضي».

قلت: مع أنه قد يقال: إن التعارض بين الصحيح المزبور و بين الأدلة السابقة تعارض العموم من وجه، لأنه و إن كان خاصا صريحا من وجه لكنه عام لصورتي حصول العلم بالمشهود به بشهادة الثقة و إخبار المدعي الثقة و عدمه، و الأدلة المتقدمة و إن كانت عامة لهذين الصورتين لكنها خاصة باشتراط العلم، و لعله لذا كان ظاهر ما سمعته من الدروس التردد بل و المصنف في النافع لتعارض الشهرتين إلا أنه لا ريب في ترجيح تلك الأدلة عليها لكثرتها، بل عن السرائر أنها أكثر من أن تحصى و أنها متواترة، و الإجماع على مضمونها، على أن الشهرة المتأخرة أرجح من الشهرة المتقدمة، بل قد عرفت قوة الظن بإرادة بيان جواز الشهادة مع العلم و إن لم يذكر التفصيل، لا أن المراد جواز الشهادة من دون علم و لا تذكر، فالأقوى حينئذ بقاء الضابط فيه على حاله.

نعم قد يستفاد من صحيحة معاوية بن وهب «1»

و غيره جواز الشهادة بالاستصحاب،

قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

الرجل يكون في داره ثم يغيب عنها ثلاثين سنة و يدع فيها عياله، ثم يأتينا هلاكه و نحن لا ندري ما أحدث في داره و لا ما أحدث له من الولد، إلا أنا لا نعلم أنه أحدث في داره شيئا و لا حدث له ولد و لا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل أن هذه الدار دار فلان بن فلان مات و تركها ميراثا بين فلان و فلان، أو نشهد على هذا؟ قال: نعم، قلت: الرجل يكون له العبد و الأمة فيقول:

أبق غلامي و أبقت أمتي فيؤخذ في البلد، فيكلفه القاضي البينة أن هذا غلام فلان لم يبعه و لم يهبه أ فنشهد على هذا إذا كلفناه و نحن لم نعلم أنه

__________________________________________________

«1» الوسائل- الباب- 17- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

ج 41، ص: 125

أحدث شيئا؟ فقال (عليه السلام): كل ما غاب من يده المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد به».

لكن في

خبره الآخر «1»

«قلت له: إن ابن أبي ليلى يسألني الشهادة عن هذه الدار مات فلان و تركها ميراثا و أنه ليس له وارث غير الذي شهدنا له، فقال: اشهد بما هو علمك»

قلت: إن ابن أبي ليلى يحلفنا الغموس، فقال: احلف إنما هو على علمك، و يمكن أن يريد بعلمه الحاصل له من الاستصحاب بقرينة الخبر السابق كما أنه يمكن حمل الأول على إرادة حصول هذا العلم باعتبار خلطته و اطلاعه كما أومأ إليه الفاضل هنا في التحرير، و تقدم سابقا كلام المصنف و غيره في الشهادة بنفي الوارث و تفصيلهم بين البينة الكاملة و غيرها، و ذكرنا نحن بعض الكلام هناك، فلاحظ و تأمل.

لكن في التنقيح هنا «يكفي حصول العلم بالمشهود به حين التحمل و إن جوز حصول النقيض في ما بعد في كثير من الصور، كالشاهد بدين مع تجويز رده، و الشاهد بملك مع تجويز انتقاله، و الشاهد بزوجية امرأة مع تجويز طلاقها، بل يكفيه الاستصحاب» و في وسائل الحر «باب جواز البناء في الشهادة على استصحاب بقاء الملك و عدم المشارك في الإرث» ثم نقل الروايات المزبورة، و ربما توهم من هذا و نحوه أن العلم معتبر في الشهادة حال التحمل لا حال الأداء، و قد سمعت عبارة الدروس.

لكن لا يخفى عليك إجمال هذا الكلام، ضرورة أن من الواضح اعتبار الجزم و العلم في الشهادة كتابا «2» و سنة «3»

كما عرفت، بل قد عرفت تعريفها بذلك، فلا يكون الشاهد شاهدا و هو غير عالم، و حينئذ

__________________________________________________

«1» الوسائل- الباب- 17- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

«2» راجع ص 121 و 122.

«3» راجع ص 121 و 122.

ج 41، ص: 126

فالمراد بالشهادة بالاستصحاب إن كان بالمستصحب فهي شهادة بعلم لا بالاستصحاب، إذ لا ريب في أن من شهد اليوم بأن عمرا استقرض مثلا من زيد كذا عام أول، أو فلانة قد تزوجت فلانا، أو فلانا قد غصب من فلان كذا درهما فهو شاهد بما علم مثل الشمس و مثل كفه، و لا مدخلية للاستصحاب في ذلك، و ليست الشهادة به، و تجويز النقيض بل ظنه به لا ينافي الشهادة المزبورة، بل علمه كذلك.

و إن أريد الشهادة بالاستصحاب بمعنى الشهادة الآن بشغل ذمته و كونها زوجته و إن لم يكن عالما بذلك بل كان مستند ذلك علمه السابق فلا ريب في عدم صدق تعريف الشهادة عليه، بل هو شاهد بما لا يعلم، و خصوصا إذا قال: أشهد الآن بشغل ذمته الآن و لكن لا أدري وفاه أم لا، فإنه متناقض قطعا، و ليس بشهادة كذلك، فان الاستصحاب و إن قلنا بحجيته شرعا لكنه ليس حجة في جواز الشهادة به الظاهرة لغة و عرفا في الجزم بالمشهود به و كونه مثل الشمس، نعم هو يشهد بالمعلوم عنده كذلك، و الحاكم يجري حكم الاستصحاب مع فرض عدم المعارض، لا أنه حجة شرعا يسوغ له الكذب، فان ظاهر عبارة الشاهد بل صريحها كونه معلوما لديه حسا لا شرعا، و من هنا لم تجز الشهادة بشهادة العدلين إلا على طريق التحمل و كونها شهادة فرع لا أصل.

و حينئذ فلا بد من حمل الخبر المزبور على جواز الشهادة لحصول ضرب من العلم، أو لأن الاستصحاب كاف و لكن القضاة لا يكتفون إلا بالشهادة على الوجه المزبور، فسوغ له ذلك استنقاذا لمال المسلم أو على غير ذلك، كما أنه يجب إرادة ما يكون به الشاهد شاهدا من التحمل المزبور، لا أن المراد به الفرق بين الشهادة حال الأداء و حال التحمل، إذ هو واضح الفساد، لأن الشهادة حال واحد و معنى واحد كما هو واضح.

ج 41، ص: 127

و أما ما روي من جواز الشهادة على إقرار المرأة إذا حضر من يعرفها فمبني على استثناء مسألة التعريف من الضابط المزبور، ففي

خبر ابن يقطين «1» عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) «لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة و ليست بمسفرة إذا عرفت بعينها أو حضر من يعرفها، فأما إذا كانت لا تعرف بعينها و لا يحضر من يعرفها فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها و على إقرارها دون أن تسفر و ينظرون إليها» و رواه الصدوق إلى قوله (عليه السلام): «من يعرفها» ثم زاد «و لا يجوز عندهم أن يشهد الشهود على إقرارها دون أن تسفر فينظر إليها».

و لكن في

صحيح الصفار «2» قال: «كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها محرم هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر و يسمع كلامها و إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك و هذا كلامها أو لا تجوز له الشهادة عليها حتى تبرز و يثبتها بعينها؟ فوقع (عليه السلام): تتنقب و تظهر للشهادة»

و عن الصدوق أن هذا التوقيع عندي بخطه (عليه السلام) و هو محمول على التقية المستفادة من

قوله (عليه السلام) في الأول «و لا يجوز عندهم»

و ربما يأتي لذلك تتمة إن شاء الله في مسألة اجتزاء الأعمى بالتعريف.

__________________________________________________

«1» الوسائل- الباب- 43- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

«2» الاستبصار- ج 3 ص 19- الرقم 58 و الفقيه ج 3 ص 40- الرقم 132 عن أبي محمد الحسن بن علي (ع) و من الغريب أنه لم يرو في الوسائل في المشار إليه إلا خبر علي بن يقطين، و من المحتمل قويا أن يكون ذلك ساقطا عند الطبع، فان الشيخ الحر (قده) ذكر في الفهرس بعد عنوان الباب أن فيه ثلاثة أحاديث و قد جاء في الكتاب حديث واحد.

ج 41، ص: 128

و كيف كان ففي المتن و غيره أن مستندها أي الشهادة إما المشاهدة أو السماع أو هما، فما يفتقر إلى المشاهدة الأفعال، لأن آلة السمع لا تدركها، كالغصب و السرقة و القتل و الرضاع و الولادة و الزنا و اللواط، فلا يصير شاهدا بشي ء من ذلك إلا مع المشاهدة و من هنا يقبل فيه شهادة الأصم كما هو المشهور، لعدم مدخلية السمع فيه.

و لكن في رواية جميل «1»

يؤخذ بأول قوله لا بثانيه و هي مع الطعن في سندها نادرة لم يعرف القول بها إلا من الشيخ في النهاية و تلميذه القاضي و ابن حمزة،

قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شهادة الأصم بالقتل، فقال: يؤخذ بأول قوله، و لا يؤخذ بالثاني»

بل عن بعضهم الجواب عنها بالقول بالموجب، فان قوله الثاني إن كان منافيا للأول رد رأسا، لأنه رجوع عما شهد به أولا فلا يقبل، و إن لم يكن منافيا لم يكن ثانيا، بل شهادة أخرى مستأنفة، و إن كان فيه ما فيه، بل قد يقال إن اختلاف قوليه مناف للضبط و العدالة المعتبرين في الشاهد، اللهم إلا أن يفرض افتراق زماني القولين طويلا بحيث لا ينافي الضبط المعتبر في الشهادة، و كيف كان فالأمر سهل.

إنما الكلام في اشتراط العلم بالمشاهدة الظاهرة بالابصار، فلو علم حينئذ شي ء من ذلك بالتواتر أو بالخبر المحفوف بالقرائن أو بغير ذلك من طرق العلم لم تجز له الشهادة، مع أنك قد عرفت أن الضابط العلم الذي لا ينحصر طريقه بذلك مع عموم أدلة القبول، و من هنا توقف فيه الأردبيلي و الخراساني، و في كشف اللثام «و لعله يمكن استناد الشهادة فيها إلى التواتر، فإنه يفيد العلم كالمشاهدة، و يجوز أن يكون مراد

__________________________________________________

«1» الوسائل- الباب- 42- من كتاب الشهادات- الحديث 3.

ج 41، ص: 129

بجواز العلم بهذه الأمور بالسماع من الجماعة الكثيرة بقرائن أو غيرها بحيث تيقن و لم تبق عنده شبهة أصلا كسائر المتواترات و المحفوفات بالقرائن فلا مانع من الشهادة حينئذ لحصول العلم قال: «و نحوه صاحب الكفاية و هو في محله، إلا أن ظاهر كلمة الأصحاب الإطباق على الحكم المزبور، فان تم حجة و إلا فالرجوع إلى العموم أولى، إلا أن يمنع بتخيل أن ما دل عليه متضمن للفظ الشهادة، و هي لغة الحظور، و هو بالنسبة إلى العالم الغير المستند علمه إلى الحس من مثل البصر و غيره مفقود. إذ قد يقال له عرفا و لغة: إنه غير حاضر للمشهود، و اشتراط العلم المطلق في ما مر من الفتوى و النص غير مستلزم لكفاية مطلقه بعد احتمال أن يكون المقصود من اشتراطه التنبيه على عدم كفاية الحظور الذي لم يفد غير الظن، بل لا بد من إفادته العلم القطعي، و محصله حينئذ أنه لا بد مع الحظور من العلم لا أن مطلقه يكفي، هذا و ربما كان في النبوي و نحوه اشعار باعتبار الرؤية و نحوها مما يستند إلى الحس الظاهري مع أن القطع المستند إلى الحس الباطني ربما يختلف شدة و ضعفا، و لذا يختلف كثيرا، فلعل الشاهد المستند علمه إليه يظهر عليه خلاف ما شهد به، فكيف يطمئن بشهادته، و هذا الخيال و إن اقتضى عدم الاكتفاء بالعلم المستند إلى التسامع و الاستفاضة في ما سيأتي إلا أن الإجماع كاف في الاكتفاء به فيه، مضافا إلى قضاء الضرورة و مسيس الحاجة إليه اللذين استدلوا بهما للاكتفاء به فيه، و هذا أوضح شاهد على أن الأصل في الشهادة عندهم القطع المستند إلى الحس الظاهري اعتبارا منهم فيها للمعنى اللغوي مهما أمكنهم، و هذا الوجه من الخيال و إن كان ربما لا يخلو عن نظر إلا أن غاية الإشكال الناشي منه و من الفتاوى و العمومات الرجوع إلى حكم الأصل و مقتضاه، و لا ريب أنه عدم القبول، فإذا الأجود ما قالوه لكن مع تأمل».

ج 41، ص: 130

و هو من غرائب الكلام، ضرورة اقتضائه عدم صحة الشهادة لنا الآن لأمير المؤمنين (عليه السلام) بنصب النبي (صلى الله عليه و آله) له إماما يوم غدير خم، لأنه واصل إلينا بطريق التواتر و لم نكن حاضرين وقت النصب، و لا على أبي بكر و عمر بغصب فدك من الزهراء البتول (سلام الله عليها) بل و لا غير ذلك مما وصل إلينا بالتواتر أو بالأخبار المحفوفة بالقرائن، بل و ليست شهادتنا أن لا إله إلا الله تعالى شأنه و أن محمدا (ص) عبده و رسوله شهادة حقيقة، لعدم الحضور فيها.

و بالجملة لا ريب في سقوط الكلام المزبور خصوصا مع ملاحظة ما ورد «1»

من صحة شهادة الأعمى إذا أثبت زيادة على ما عرفت من كون المدار على العلم، بل لعل الأصحاب لا يخالفون في ذلك، و إنما غرضهم في الكلام المزبور استثناء ما يثبت بالسماع و إن لم يصل إلى حد العلم في الأمور السبعة أو الأزيد كما تعرف، لا اعتبار كون الشهادة بطريق البصر بحيث لا يجوز غيره و إن حصل العلم القطعي حتى بالتواتر و نحوه مما ينتهي إلى المشاهدة أيضا بالواسطة، و قد عرفت سابقا أن الشهادة عرفا هي الاخبار الجازم على الوجه المزبور من غير مدخلية للحضور فيها، كما أنك عرفت في الأصول استفادة العلم الضروري من المتواتر الذي هو كعلم المشاهدة، بل من المعلوم أيضا عدم اختصاص الشهادة عندهم بالرؤية و السماع اللذين ذكروهما، ضرورة صدقها على المعلوم بغيرهما من الحواس الخمس كالذوق في المذوقات و الشم في المشمومات و اللمس في الملموسات.

و من الغريب قوله: «و هذا أوضح» إلى آخره، ضرورة أن من اعتبر العلم بالاستفاضة لم يخرجه عن الضابط المزبور حتى يحتاج إلى إجماع أو غيره، نعم من اكتفى فيها بمطلق الظن أو الظن المتآخم للعلم أخرجها

__________________________________________________

«1» الوسائل- الباب- 42- من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 131

عن الضابط المزبور، للأدلة التي ذكروها، كما أن من المعلوم عندهم خروج الشهادة عن المعنى اللغوي الذي هو بمعنى الحضور، إذ قد عرفت تعريفهم لها بالاخبار الجازم، بل الظاهر عدم اعتبار كون العلم بالحواس الخمس فيها، ضرورة صدق العلم المعتبر فيها مع الحاصل منها و من غيرها فالتحقيق حينئذ كونه هو الضابط فيها.

نعم قد يشتبه على بعض المتسرعين معرفته، فيتخيل الظن الغالب علما، كما أنه قد يقطع مما لا يفيد القطع، و هذا الذي أشار إليه أنه غالبا يتخلف، خصوصا إذا انضم إليه بعض الأغراض النفسانية بخلاف العلم الحاصل بالأمور المفيدة له عرفا عند المستقيمين الخالين عن الأغراض الذين لهم قابلية النقد و التمييز بين المراتب، فإنه لا يتخلف غالبا، و اتفاق تخلصه غير قادح، كما أنه قد يتخلف العلم بالحس لاشتباه و نحوه، و الله العالم.

و أما ما يكفي فيه السماع ف في المتن هنا النسب و الموت و الملك المطلق، لتعذر الوقوف عليه مشاهدة في الأغلب، و يتحقق كل واحد من هذه بتوالي الأخبار من جماعة لا يضمهم قيد المواعدة أو يستفيض ذلك حتى يتاخم بحد العلم، و في هذا عندي تردد ثم ذكر بعد ذلك النكاح و الوقف، و نحوه غيره.

لكن فيه أن المراد بالسماع هنا التسامع المسمى بالشياع تارة و بالاستفاضة أخرى، و هو غير الذي جعله قسيما للمشاهدة بقوله: «و مستندها إما المشاهدة أو السماع أو هما» ضرورة كون المراد به ما يعلم بالسمع الذي تجوز فيه شهادة الأعمى كما هو ظاهره في القسم الثالث، فلا إشكال في سماجة العبارة و ما شابهها، و أسمجها عبارة الدروس المزبورة، نعم أحسنها عبارة الإرشاد، حيث قال في ذكر شرائط الشاهد «العلم، و هو شرط في جميع ما يشهد به إلا النسب و الملك المطلق و الموت و النكاح و الوقف

ج 41، ص: 132

و العتق و الولاء، فقد اكتفى في ذلك بالاستفاضة بأن يتوالى الأخبار من جماعة من غير مواعدة، أو يشتهر حتى يقارب العلم» إلى آخره، و الأمر سهل.

إنما الكلام في أصل المسألة، و هو الاكتفاء بالتسامع، و ظاهرهم الإنفاق عليه في الجملة و إن حكي عن الإسكافي الاقتصار فيه على النسب خاصة، و عن الإصباح ثلاثة: النسب و الموت و الملك المطلق، و النافع و التبصرة أربعة بحذف الموت و زيادة النكاح و الوقف، و في القواعد و محكي المبسوط و الوسيلة و جامع المقاصد و الاقتصاد و التلخيص سبعة، بزيادة العتق و ولاية القاضي على ما في المتن، و عن الوسيلة و جامع المقاصد «الولاء» بدل «الولاية» و في التحرير ثمانية بزيادة الولاء و عن غيره زيادة تاسع، و هو الرق، و في شرح الصيمري عشرة بزيادة العدالة، بل قال:

«هذا هو المحقق من فتاوى الأصحاب» بل قيل بزيادة سبعة عشر إليها، و هي العزل و الرضاع و تضرر الزوجة و التعديل و الجرح و الإسلام و الكفر و الرشد و السفه و الحمل و الولادة و الوصاية و الحرية و اللوث و الغصب و الدين و الإعسار و لم نعثر في شي ء من النصوص الواصلة إلينا على ما يستفاد منه حكم ذلك إلا

مرسل يونس «1»

«خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ بها بظاهر الحكم: الولايات و المناكح و الذبائح و الشهادات و الأنساب»

و الخبر المشتمل على قضية إسماعيل و إعطائه الدراهم لشارب الخمر «2»

و قد ذكرناهما في كتاب القضاء «3» و ذكرنا الكلام فيهما، و قد اشتمل الأول منهما

__________________________________________________

«1» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 3.

«2» الوسائل- الباب- 6- من كتاب الوديعة- الحديث 1.

«3» راجع ج 40 ص 55- 56.

ج 41، ص: 133

على غير ما ذكره الأصحاب. و كيف كان فقد اتفق الجميع على ثبوت النسب به.

نعم في المسالك و بعض أتباعه التشكيك في ثبوته بالنسبة إلى الأم و الجدات، لإمكان رؤية الولادة، و فيه أن ذلك و إن كان ممكنا إلا أنه لا يطلع عليه غالبا إلا النساء بالأقاويل منهن، و لذا اكتفى بشهادتهن، فهو في الحقيقة مما لا يمكن رؤيته في العادة، على أنه بالنسبة إلى الجدات العاليات غير ممكن، لأن شهادة الفرع في الثالثة غير مسموعة، و التواتر بحيث يرجع إلى محسوس في الطبقة الأولى متعذر أو متعسر، و من هنا أطلق الأصحاب النسب من غير فرق بين الأب و الأم.

هذا و لكن في المسالك «و صفة التسامع في ذلك أن يسمع الشاهد الناس ينسبون المشهود بنسبه إلى ذلك الرجل أو القبيلة، و لا يعتبر التكرار و لا امتداد مدة السماع و إن كان الحكم به آكد، بل لو حضر جماعة لا يرتاب في صدقهم فأخبروه دفعة واحدة على وجه أفاد الفرض جاز له الشهادة، و يعتبر مع انتساب الشخص و نسبة الناس أن لا يعارضهم ما يورث التهمة و الريبة، فلو كان المنسوب إليه حيا فأنكر لم تجز الشهادة، و لو كان مجنونا جازت كما لو كان ميتا، و فيه وجه بالمنع، لاحتمال أن يفيق فينكر، و هل يقدح في ذلك طعن من يطعن في النسب؟

وجهان أظهرهما مراعاة الشرط، و هو الظن المتآخم أو العلم».

قلت: بناء على أن الشياع من الطرق الشرعية لإثبات ما يثبت به لا يجدى معه إنكار المنكر و لا طعن الطاعن، بل ليس ذكر الأصحاب له هنا و في كتاب القضاء إلا لإرادة القضاء به مع تحققه على المنكر كالبينة، و ستسمع كثيرا من كلامهم المتضمن للإثبات به على من ينكر مضمونه، و لو لا ذلك لأمكن القول بكونه طريقا لإجراء الأحكام عليه في يد الناس،

ج 41، ص: 134

بمعنى الاذن للناس في إجراء أحكام الواقع على المشاع، فيعامل ولد زيد المشاع معاملة غيره، و كذا الموت و غيرهما مما جرت السيرة و الطريقة على استعماله بالشياع المزبور غير ملتفتين إلى كونه موافقا للواقع و عدمه، لا أنه طريق للقضاء و التخاصم على وجه بحيث لو أنكر المنسوب إليه مثلا الولد يحكم عليه بالشياع، و كذا لو أنكر أحد الورثة موت المورث يحكم عليه بالشياع إلا أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على أنه في ما يثبت به طريق للحاكم أيضا كالبينة و غيرها من الموازين الشرعية بل يمكن أيضا استفادته من المرسل المزبور «1»

و حينئذ فإذا ثبت الشياع في ما يثبت به و لو ببينة عادلة أنفذ الحاكم الحكم على مقتضاه.

نعم قد يقال إن الشياع المسمى بالتسامع مرة و بالاستفاضة أخرى معنى وحداني و إن تعددت أفراده بالنسبة إلى حصول العلم بمقتضاه و الظن المتآخم له و مطلق الظن إلا أن الكل شياع و تسامع و استفاضة، فمع فرض قيام الدليل على حجيته من سيرة أو إجماع أو ظاهر المرسل «2»

أو خبر إسماعيل «3»

أو غير ذلك لم يختلف الحال في أفراده المزبورة التي من المقطوع عدم مدخليتها فيه، بل هي في الحقيقة ليست من افراده، و إنما هي أحوال تقارن بعض أفراده كما نجده بالوجدان بملاحظة أفراده.

و لكن على كل حال فإثبات حجيته و القضاء به و إجراء الأحكام عليه لا يقتضي جواز الشهادة بمضمونه و إن لم يقارنه العلم، لما عرفته من اعتبار العلم في الشهادة و كونه كالشمس و الكف، نعم يشهد الشاهد بوجوده و الحاكم ينفذ الحكم على مقتضاه إلا في صورة إفادته العلم، فللشاهد أن يشهد بمقتضاه حينئذ بناء على الاكتفاء به فيها من أي طريق يحصل

__________________________________________________

«1» الوسائل- الباب- 22- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 1 من كتاب القضاء.

«2» الوسائل- الباب- 22- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 1 من كتاب القضاء.

«3» الوسائل- الباب- 6- من كتاب الوديعة- الحديث 1.

ج 41، ص: 135

و لذا لم تجز الشهادة بمقتضى الاستصحاب من الملك الآن أو مقتضى البينة الشرعية بناء على عموم حجيتها.

و بذلك كله يظهر لك سقوط البحث في أنه هل يعتبر فيه الظن المتآخم أو العلم و أن في ذلك قولين، بل في الرياض جعل الأقوال ثلاثة بزيادة مطلق الظن و نسبة كل قول إلى قائل و ذكر الأدلة لذلك، إذ قد عرفت أن هذه الأحوال لا مدخلية لها في حجية الشياع.

كما أنه ظهر لك منه أن الشياع و التسامع و الاستفاضة على أحوال ثلاثة: أحدها استعمال الشائع المستفيض و إجراء الأحكام عليه، و الثاني القضاء به، و الثالث الشهادة بمقتضاه، أما الأول فالسيرة و الطريقة المعلومة على أزيد مما ذكره الأصحاب فيه، فان الناس لا زالت تأخذ الفتوى بشياع الاجتهاد، و تصلى بشياع العدالة، و تجتنب بشياع الفسق، و غير ذلك مما هو في أيدي الناس، و أما القضاء به و إن لم يفد العلم فالأولى الاقتصار فيه على السبعة بل الخمسة بل الثلاثة بل النسب خاصة، لأنه هو المتفق عليه بين الأصحاب، و أما الشهادة به فلا تجوز بحال إلا في صورة مقارنته للعلم بناء على الاكتفاء به في الشهادة مطلقا.

و ظني أن من يقف على كلامنا هذا يستبشعه و يستنكره، لخلو كلام الأصحاب عن تحريره على الوجه المزبور، و إنما فيها الاطناب بذكر المناسبات التي لا تصلح دليلا شرعيا، و إنما هي أشبه شي ء بالعلل النحوية التي تذكر بعد السماع، بل جملة منها حقيقة بأن لا تسطر لما فيها من تشويش الذهن، و منعه عن الوصول إلى الحق، خصوصا الأذهان المعتادة على التقليد و إثبات عصمة لغير المعصوم و نسأل الله تعالى التأييد و التسديد.

و لعله لما عرفت قال الشيخ: لو شهد عدلان فصاعدا صار السامع متحملا و شاهد أصل، لا شاهدا على شهادتهما، لأن

ج 41، ص: 136

ثمرة الاستفاضة الظن المنافي للشهادة العرفية، و مع ذلك جازت الشهادة به، و ليس إلا لكونه معتبرا شرعا في إثبات المظنون بها، إذ لا دليل بالخصوص على جواز الشهادة بها إلا دليل ثبوت هذه الأمور بها إن كان و هو بعينه حاصل بهما ضرورة كونه ظنا معتبرا شرعا في إثبات المشهود به، فإذا كان ذلك كافيا في جواز الشهادة به اتجه جوازها به من غير فرق بين الاستفاضة و الشهادة.

و هو ضعيف لا لأن الظن يحصل الواحد الفاسق، لما عرفت أن ذلك ليس مبنى كلامه، بل ضعفه لما عرفت من منع جواز الشهادة بالأصل الذي هو الاستفاضة فضلا عن الفرع، إذ الإثبات بذلك شي ء و الشهادة بمقتضاه شي ء آخر، و كون ذلك علما شرعيا لا يقتضي تحقق مسماها المعتبر فيه العلم العرفي لا ما جعله الشارع بحكم العلم بالنسبة إلى إجراء الأحكام كما هو واضح، و منه يظهر لك النظر في جملة من الكلام هنا.

[فرع]

فرع لو سمعه يقول الكبير: هذا ابني مثلا و هو ساكت أو قال: هذا أبي و هو ساكت قال الشيخ في المبسوط: صار متحملا، لأن سكوته في معرض ذلك رضا بقوله عرفا، و هو جيد إن انضم إلى ذلك قرائن أفادت العلم بالحال، أنما السكوت من حيث إنه سكوت ف- بعيد كونه دالا على الرضا عرفا، بل ممنوع لاحتماله غير الرضا قطعا احتمالا مساويا لاحتمال الرضا، و ليس في الأدلة الشرعية ما يقتضي

ج 41، ص: 137

الحكم برضاه، نحو ما ورد (1) في سكوت البكر، مع أن الأقوى في ذلك اعتماد القرائن أيضا.

[تفريع على القول بالشهادة بالاستفاضة]
[الأول الشاهد بالاستفاضة لا يشهد بالسبب]

تفريع على القول بالشهادة بالاستفاضة و إن لم تفد العلم.

الأول: الشاهد بالاستفاضة لا يشهد بالسبب مثل البيع و الهبة و الاستغنام، لأن ذلك لا يثبت بالاستفاضة التي هي طريق لإثبات أمور مخصوصة فلا يعزي الشاهد الملك إليه مع فرض إثباته بالشهادة المستندة إلى الاستفاضة و إلا كان كاذبا في النسبة المزبورة التي لا طريق له شرعي و لا عرفي إلى تحققها كي يشهد بها.

أما لو عزاه إلى الميراث مثلا صح، لأنه يكون عن الموت الذي يثبت بالاستفاضة بلا خلاف و إن احتمل عدم ثبوته بها، لإمكان المشاهدة فيه، لكن لا يخفى عليك تعسره غالبا، و لكن لو عزاه في الأول و كان على وجه لم يخرج به عن العدالة ففي قبول شهادته بالملك دونه وجه قوي، و ذلك لأن الفرق حينئذ بينه و بين الثاني بالنسبة إلى ذلك تكلف، لأن الملك إذا (11) فرض صحة ثبوته بالاستفاضة (2) لم تقدح الضميمة (12) إليه بكونه عن بيع مع حصول ما يقتضي جواز الشهادة (13) خصوصا بعد ما تقدم من جواز التبعيض في الشهادة، بل ينبغي الجزم بذلك إذا فرض كون الشهادة بالملك و أنه عن شراء مثلا، أما إذا كانت بلفظ الشراء فقد يشكل ثبوت الملك بها لصدق كونها شهادة واحدة، و لأن عدم ثبوت الفصل يقتضي عدم ثبوت الجنس الذي في ضمنه، و الفرض عدم استفاضته إلا به، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك من قبيل إثبات السرقة بالنسبة إلى المال دون القطع، و مرجعه إلى إجراء


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب عقد النكاح من كتاب النكاح.
2- «2» و في الشرائع «لأن الملك إذا ثبت بالاستفاضة.

ج 41، ص: 138

الأحكام صرفا لا إثبات موضوع فتأمل جيدا.

و على كل حال ففي المسالك «تظهر الفائدة في ما لو كان هناك مدع آخر و له شهود بالملك و سببه من غير استفاضة، فإن بينته تترجح على بينة هذا الذي لم تسمع إلا في المطلق المجرد عن السبب، و في القسم الأول- أي الذي يثبت فيه السبب بها- يتكافئان، و لو كانت بينة الآخر شاهدة له بالملك المطلق رجحت بينة ذي السبب الذي يثبت بالاستفاضة عليه و كافأت بينة الآخر الذي لم يثبت سببها بالاستفاضة».

و هو جيد لكنه مبني على مساواة بينة الاستفاضة لغيرها، و قد يناقش فيه بما تعرفه من عدم معارضتها لليد فضلا عن بينة الملك، و بأنه مع فرض كون المستفاد منها ظنا و لو المتآخم للعلم لا تعارض الجازمة، و الله العالم.

[الثاني إذا شهد بالملك مستندا إلى الاستفاضة لا يفتقر إلى مشاهدة اليد و التصرف]
اشارة

الثاني: إذا شهد بالملك مستندا إلى الاستفاضة هل يفتقر سماعها إلى مشاهدة الشاهد بها اليد و التصرف بالبناء و الهدم مثلا ممن استفاض له الملك لإمكان الاطلاع على ذلك فيضم إليها و يقوم مقام ذكر السبب أو يفتقر الشاهد بالملك بها إلى مشاهدة اليد و التصرف لضعف دلالتها عليه بدونهما بخلاف ما إذا اجتمعت الثلاثة فإنه أقصى الممكن؟

و على كل حال ف- الوجه أنه لا يشترط، لإطلاق ما دل على قبول شهادة العدل، و اليد و التصرف ليسا من الأسباب، فلو فرض اشتراط الاطلاع على السبب لم يقوما مقامه، كما أن الملك المستفاد منها بناء على أنها طريق من طرقه لا يفتقر الشهادة به بعد إلى شي ء آخر زائد عليها نحو الملك المستفاد من كل واحد منهما.

و أما لو كان لواحد يد و للآخر سماع مستفيض احتمل

ج 41، ص: 139

ترجيح السماع لأنه يفيد الملك الحالي، و قد تقدم في القضاء (1) أن البينة بالملك مقدمة على اليد، لأن اليد تحتمل غير الملك من العارية و الإجارة بل و الغصب بخلاف الملك ف انه صريح في معناه.

و لكن الوجه عند المصنف ترجيح اليد، لأن السماع قد يحتمل إضافة الاختصاص المطلق المحتمل للملك و غيره، فلا تزال اليد بالمحتمل.

و فيه أنه إنما يتم كما في المسالك «إذا كان محصله أن الدار لفلان مثلا، فان اللام تحتمل الملك و الاختصاص الذي هو أعم منه، أما إذا كان محصله أن الدار ملك فلان لم يتم، لأنه صريح في المقصود بخلاف اليد، ثم قال: و لا بد من فرض المسألة على الوجه الأول ليتم التعليل، و يناسب الحكم المتقدم من ترجيح الملك على اليد و إن كان إطلاق البينة المستند إلى الاستفاضة أعم من ذلك».

قلت: صريح كلامه الأول الشهادة بالملك، و حينئذ يكون ما ذكره من الاحتمال على تقديره بمعنى أنه و إن اشتهر الملك لكن يمكن كون الواقع الاختصاص و شاع الملك، أو أن المراد بالملك الشائع الاختصاص و إن كان هو كما ترى، ضرورة ضعف الاحتمال المزبور بالنسبة إلى احتمال اليد، نعم لو فرض كون الشياع على وجه النسبة و الإضافة أمكن دعوى قوة الاحتمال فيه بالنسبة إلى احتمال اليد، بل قد يتوقف في أصل حجيته فضلا عن معارضة اليد، لأنه إنما يثبت الملك، و الفرض عدم شيوعه بل شيوع شي ء ظاهر فيه، و هو غير شيوعه، و لم يثبت حجية الشياع في ما يظهر منه الملك، بل هو أشبه شي ء بالشيوع الإطلاقي في إثبات النسب كما يقال سيد فلان و لم يشع فلان سيد، و فلان الخزاعي دون فلان من خزاعة.


1- «1» راجع ج 40 ص 444.

ج 41، ص: 140

[مسائل ثلاث]
[المسألة الأولى لا ريب في أن التصرف بالبناء و الهدم و الإجارة بغير منازع يشهد له بالملك المطلق]

مسائل ثلاث:

الأولى لا ريب بل لا خلاف كما في الكفاية في أن التصرف بالبناء و الهدم و الإجارة و نحو ذلك بعنوان الملك بغير منازع ينازعه في ذلك يشهد له بالملك المطلق إذا كان مع ذلك استفاضة أيضا، بل في المسالك و عن الشيخ الإجماع عليه، بل المشهور ذلك و إن لم يكن معه استفاضة، بل لعل ظاهر نفي الريب فيه في المتن مع ذكره الإشكال في اليد دونه كونه مجمعا عليه، بل عن الخلاف التصريح به، بل عن المبسوط نسبته إلى روايات الأصحاب مشعرا به أيضا و إن كنا لم نعثر منها إلا على

خبر حفص بن غياث (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال له رجل: إذا رأيت شيئا في يدي رجل أ يجوز لي أن اشهد أنه له؟

قال: نعم، قال الرجل: إنه في يده و لا أشهد أنه له فلعله لغيره، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فيحل الشراء منه؟ قال: نعم، قال أبو عبد الله (عليه السلام): فلعله لغيره من أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكا لك ثم تقول بعد ذلك الملك هو لي و تحلف عليه، و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟! ثم قال الصادق (عليه السلام): لو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق».

بل ظاهره الاكتفاء باليد فضلا عن التصرف المزبور الذي هو المشهور أيضا على ما قيل، بل قيل: لا خلاف فيه محقق و إن استشكل فيه المصنف في ما تسمع و لم يستشكل في التصرف، و هو و إن كان ضعيف


1- «1» الوسائل- الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 2 من كتاب القضاء.

ج 41، ص: 141

السند إلا أنه منجبر بما عرفت، بل في المسالك «أنه موافق للقوانين الشرعية و لكن لم نعثر على غيره من النصوص».

نعم في الرياض «قريب منه

الصحيح المروي في الوسائل عن علي ابن إبراهيم في تفسيره في حديث فدك (1)

«أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر: تحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى في المسلمين، قال: لا، قال: فان كان يد المسلمين على شي ء يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك أسأل البينة على ما تدعيه على المسلمين، قال: فإذا كان في يدي شي ء فادعى فيه المسلمون تسألني البينة على ما في يدي و قد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و بعده و لم تسأل المؤمنين البينة على ما ادعوه علي كما سألتني البينة على ما ادعيته عليهم»

الخبر.

و لو لا أن لليد أثرا في إفادة الملك لما كان لذكره وجه، فتدبر. و قريب منها النصوص الكثيرة الواردة في تعارض البينات (2)

الدالة على ترجيح بينة ذي اليد أو الخارج إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في دلالة اليد على الملكية».

و فيه ما لا يخفى من كون محل البحث الشهادة على ما يقتضيه ظاهر اليد و هو الملك، لا اقتضاء نفس اليد الملك، فان ذلك لا إشكال فيه و لا بحث، ضرورة عدم التلازم بين كونها طريقا شرعيا ظاهريا للحكم بالملك و بين الشهادة على الملك التي قد عرفت اعتبار العلم فيها لغة و عرفا، و إجراء حكم الملك المعلوم للأمارة الشرعية لا يقتضي العلم بكونه ملكا و إلا لاقتضى الاستصحاب و شهادة العدلين و غيرهما ذلك أيضا، و هو معلوم البطلان.

و في المسالك «و اعتبر في التصرف التكرر، لجواز صدور غيره من


1- «1» الوسائل- الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 2 من كتاب القضاء.
2- «2» الوسائل- الباب- 12- من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.

ج 41، ص: 142

غير المالك كثيرا، و كذلك عدم المنازع، إذ لو وجد لم يحصل الظن الغالب بملك المتصرف».

و لا حد للمدة التي يتصرف فيها و يضع يده على الملك، بل ضابطها ما أفادت الأمر المطلوب من الاستفاضة، بل عن الخلاف التصريح بعدم الفرق بين الطويلة و القصيرة، و عن المبسوط جعل القصيرة نحو الشهر و الشهرين غير كاف، و نقل قولين في الطويلة كالسنة فقيل: يجوز، و قيل: لا تجوز الشهادة بالملك، لوقوع ذلك من غير المالك كالوكيل و المستأجر و الغاصب، فإنهم أصحاب يد و تصرف و خصوصا الإجارة، لأنها و إن تكررت فقد تصدر من المستأجر مدة طويلة، و من الموصى له بالمنفعة، و كذا الرهن قد يصدر من المستعير متكررا، و اقتصر على نقل القولين و لم يرجح أحدهما، و في كشف اللثام «و قطع في التبصرة بالعدم (1) بناء على أن مثل ذلك يتفق كثيرا في الزمان القصير من غير المالك» و في التحرير احتمال الفرق بين الإجارة المتكررة و بين التصرف بالبناء و الهدم و البيع و الرهن.

إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا تخلو من تشويش، ضرورة أنه إذا كان المدار على التصرف الذي يجوز الشراء منه معه و الحلف عليه بعد الشراء منه لو وقعت فيه مخاصمة كما هو ظاهر الخبر المزبور، فاليد فضلا عن التصرف المزبور كاف في ذلك، حتى لو ظن عدم الملكية له، و إن كان المراد من ذلك حصول العلم بالملك من ذلك أو مرتبة


1- «1» و في كشف اللثام المطبوع «و قطع في القصيرة بالعدم» تتمة لما ذكره الشيخ قده في المبسوط حيث نقل عنه و قال: «و فرق في المبسوط بين المدة الطويلة و القصيرة، فحكى في الطويلة قولين: جواز الشهادة و عدمه و لم يرجح، و قطع في القصيرة بالعدم.».

ج 41، ص: 143

خاصة من الظن كما يظهر مما سمعته من المسالك فلا حاجة إلى هذه الكلمات، بل يكون ذلك هو الضابط، و أفراده مختلفة، و من ذلك يظهر لك عدم صحة الإجماع المزبور، بل لعله لذا توقف في الحكم المزبور جماعة، بل عرفت أنه ظاهر الشيخ أيضا، حيث اقتصر على نقل القولين من غير ترجيح، بل في النافع الأولى الشهادة بالتصرف دون الملكية، لأنه دلالة على الملك و ليس بملك.

و في المتن أما من في يده دار فلا شبهة في جواز الشهادة له باليد، و هل يشهد له بالملك المطلق؟ قيل: نعم، و هو المروي (1) و فيه إشكال من حيث إن اليد لو أوجبت الملك لم يسمع دعوى من يقول الدار التي في يد هذا لي، كما لا تسمع لو قال: ملك هذا لي.

و لا يخفى عليك أن مثله جار في التصرف فلا وجه للفرق بينهما، و لقد أطنب في الرياض بما لا محصل له عند التأمل، ضرورة أن مرجعه الاستناد إلى الخبر المزبور المجبور بدعوى الشهرة العظيمة، بل عدم الخلاف بل الإجماع بل و بإطلاق النصوص (2)

القاضية بدلالة اليد على الملكية المعتضدة بالضرورة بين المسلمين، و قد عرفت أن الأخير لا مدخلية له في ما نحن فيه.

و منه يعلم أن مراد حاكي الإجماع ذلك أيضا بل و نافي الخلاف، بل إذا أمكن حمل كلام المشهور عليه كان من حسن الظن المأمور به المؤمن، ضرورة أن المعنى المزبور غير قابل لمجي ء الخبر به، لرجوعه إلى جواز التدليس و الكذب في أخذ أموال الناس، إذ قد عرفت سابقا أن بينة الملك لا تعارضها بينة التصرف، لأن الأولى نصة و الثانية ظاهرة، و النص لا يعارض بالظاهر، فإذا فرض في ما نحن فيه أن للخصم بينة بملك


1- «1» الوسائل- الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 2- من كتاب القضاء.
2- «2» الوسائل- الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.

ج 41، ص: 144

العين و الآخر بينة بالتصرف يجوز لبينته أن تشهد بالملك و الفرض أن لا علم لها إلا بالتصرف كي تعارض البينة الأخرى و يفزع إلى الترجيح، و هل هو إلا تدليس محض و كذب واضح و تطرق لأخذ المال بغير الطرق الشرعية؟ و مثله لا يقبل فيه خبر الواحد، فلا بد من حمل الخبر المزبور (1)

على صورة حصول العلم بالملك من ذلك، أو على الشهادة مسندا له إلى اليد، أو على إرادة الشهادة به اتكالا على علم الحاكم بأن مأخذه من ذلك، أو على إرادة النسبة بأنه له التي هي من توابع الملك بمعنى الإطلاق المتعارف لا الشهادة عند الحاكم التي يختلف الحكم باختلافها، بل ظاهر

قوله (عليه السلام) في الآخر: «لو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق»

أو صريحه كون العمل على ملك ذي اليد الذي لا منازع له، لا الشهادة التي ذكرناها، فإنه لا مدخلية لسوق المسلمين فيها، بل الشهادة بالواقع الذي يعلمه لا ينافي قيام السوق، و لا يتوقف قيامه على الكذب و التدليس، بل قوله (عليه السلام) أخيرا: «و لا يجوز أن تنسبه» كالصريح في إرادة هذا المعنى من الشهادة المزبورة لا التي تقام عند الحاكم و يختلف الحكم باختلافها.

و لعل هذا المعنى المذكور في الرواية هو الذي أشار إليه في الرياض بأن الضرورة تقتضي الحكم بملكية اليد، و هو كذلك، لكنه غير الشهادة به، فإنها من الطرق الشرعية لإثبات حكم الملك كغيرها من الطرق التي منها إخبار المرأة بخلوها من الحيض و من الزوج و غيرهما مما يقبل فيه خبرها لكن لا تجوز الشهادة بذلك.

و من الغريب ما في كشف اللثام من تشبيه الشهادة بمقتضى الطرق الشرعية بالشهادة على أثر الأسباب الشرعية، فإنها أيضا محتملة للفساد


1- «1» الوسائل- الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 2 من كتاب القضاء.

ج 41، ص: 145

كما تحتمل الطرق التخلف.

و فيه أولا أن من الواضح الفرق بينهما، ضرورة أن الشارع قد جعل السبب في الظاهر سببا للأثر فيه على وجه لم يتخلف عن مقتضاه بخلاف الطريق، فإنه قد جعله طريقا مع تخلفه، إذ التصرف قد يجامع غير الملك بخلاف البيع الصحيح بحسب الظاهر، فإنه لا يتخلف عن أثره فيه كالسبب في الواقع، و إن أبيت عن ذلك و فرضت صورة يختلف فيها الشهادة بالسبب و بأثره لم تجوز الشهادة بالأثر أيضا، بل لا بد فيها إذا كانت عند الحاكم من الشهادة بالسبب نفسه.

و لعله لذا أوجب الأصحاب ذكر السبب في الشهادة بالجرح، و لم يجوزوا الشهادة بالأثر، لاحتمال كونه غير مسبب عند الحاكم، و ليس هو إلا للتجنب عن التدليس و التلبيس و نحوهما، و منه المقام حتى مع عدم المعارض أيضا، لأن الشهادة بالأثر تقطع معارضة الخصم لو أرادها، و الفرض أن واقع الشاهد غيره، أو على غير ذلك مما يوافق القوانين الشرعية.

و من ذلك يعرف أنه لا وجه لما في المسالك من دعوى موافقة الخبر المزبور للقوانين الشرعية، إذ من المعلوم أنها تقتضي كون الشاهد لا يشهد إلا بعلم و إلا على مثل الشمس و مثل الكف، و الفرض أنه يشهد بمشكوك فيه أو مظنون العدم و إن جوز الشارع شراءه ممن في يده كذلك، لكن ذلك لا يقتضي الشهادة بملكيته له، إذ من المعلوم أن الشارع لم تكن له حقيقة شرعية في الشهادة، بل و لا مراد شرعي، بل هي باقية على المعنى الذي هو الاخبار الجازم على الوجه المخصوص: فأي مدخلية للثبوت الشرعي في تحقق معناها العرفي، نعم إذا أراد الشهادة على مثل الشمس يشهد بالتصرف نفسه و باليد نفسها، فيحكم الحاكم بمقتضاها.

و من ذلك كله يظهر لك عدم الفرق بين اجتماع الاستفاضة و التصرف

ج 41، ص: 146

و اليد و افتراقها مع فرض عدم حصول العلم و إن وقع في جملة من العبارات الإجماع على جواز الشهادة به مع اجتماع الثلاثة و أنها أقصى الممكن، لكن ذلك يجب حمله على صورة استفادة العلم أو غير ذلك مما سمعته في الخبر المزبور، و إلا فالمعنى المذكور لا يجدي فيه هذه الإجماعات المنافية للعقل و النقل بل لما هو كضروري المذهب و الدين، على أن الشهادة بخلاف ما عند الشاهد ليس أقصى الإمكان، ضرورة أن من الممكن الشهادة له بنفس الواقع، و هو التصرف و اليد و الاستفاضة، و ما رأيت أحدا تنبه لما ذكرناه إلا الأردبيلي، فإنه قد ذكر بعضا منه، بل قال في آخر كلامه لا تجوز الشهادة بدون العلم حتى مع اجتماع الثلاثة.

و يظهر أيضا من الشهيد في النكت في المقام أنه لا تجوز بالملك إلا مع استفادة العلم من طريقه، و قد سمعت عبارة المصنف في النافع و تعليله المقتضي لعدم جواز الشهادة حتى مع اجتماع الثلاثة، بل تعليل المصنف هنا يقتضي ذلك، و لا أظنك بعد التأمل في ما ذكرنا تغتر بنقل إجماع أو خبر منجبر أو غير ذلك.

اللهم إلا أن يقال: إنك بعد ما عرفت من أنه لا حقيقة شرعية للشهادة و لا مراد شرعي، بل هي باقية على المعنى العرفي، فكل ما صحت النسبة فيه عرفا من الطرق الشرعية و الأسباب الشرعية جازت الشهادة به لا من حيث كونها طريقا شرعيا كي ينقض بشهادة الشاهدين و نحوهما، بل لصدق النسبة عرفا، و هذا هو المراد بقولهم: إن الشهادة مع اجتماع الثلاثة أقصى الممكن، كما أنه يلوح من اعتبار التصرف طويلا و اليد كذلك و غير ذلك من الاعتبارات أن المراد ما به يتحقق النسبة العرفية من هذه الطرق الشرعية، فربما شك بعضهم في تحقق النسبة المزبورة بالتصرف القصير و بالإجارة و باليد المجردة و نحو ذلك، و حينئذ يكون المدار

ج 41، ص: 147

في الشهادة بمقتضى الأسباب و الطرق على ما يتحقق بها النسبة العرفية، أي كونه مالا له و ملكا من أملاكه، و كذلك اليمين، أما ما كان من الطرق الشرعية ما لا يحصل معها النسبة العرفية و إن حكم شرعا من جهتها بالملك فلا يشهد بها كالاستصحاب و شهادة العدلين و نحوهما.

و هذا أقصى ما يمكن أن يقال في المقام، إلا أنه ينبغي أن يعلم أنه و إن جاز ذلك لكن في مقام خوف التدليس باعتبار تعارض البينات مثلا ينبغي المحافظة على بيان الواقع، و لا يخفى عليك جريان جميع ما ذكرنا في الشياع و غيره، و الله العالم.

[المسألة الثانية الوقف و النكاح يثبت بالاستفاضة]

المسألة الثانية: قال المصنف الوقف و النكاح يثبت بالاستفاضة، أما على ما قلناه أي من اعتبار العلم فيها فلا ريب فيه لأنه ليس وراءه شي ء و أما على الاستفاضة المفيدة لغالب الظن فلأن الوقف للتأبيد، فلو لم يسمع فيه الاستفاضة لبطلت الوقوف مع امتداد الأوقات و فناء الشهود، و أما النكاح فلأنا نقضي بأن خديجة (عليها السلام) زوجة النبي (صلى الله عليه و آله) كما نقضي بأنها أم فاطمة (عليها السلام) و لو قيل إن الزوجية تثبت بالتواتر كان لنا أن نقول التواتر لا يتم إلا إذا استند السماع إلى محسوس، و من المعلوم أن المخبرين لم يخبروا عن مشاهدة العقد و لا عن إقرار النبي (صلى الله عليه و آله) بل نقل الطبقات مستند إلى الاستفاضة التي هي مستند الطبقة الأولى، و لعل هذا أشبه بالصواب.

و لكن لم يعلم غرض المصنف بهذا الكلام، إذ هو إن كان لبيان

ج 41، ص: 148

ثبوت النكاح و الوقف بالاستفاضة بمعنى القضاء بهما بذلك فقد ذكر في كتاب القضاء (1) أنه يثبت بها السبعة، و احتمال اعتبار العلم في القضاء بها بغيرهما بخلافهما فيكفي الاستفاضة المفيدة لغلبة الظن لما ذكره من الدليل يصعب البرهان عليه، بل النسب أولى منهما بذلك، كما أنه يصعب إن كان المراد جواز الشهادة بمقتضاها فيهما خاصة و إن لم تفد العلم بخلاف غيرهما، فيعتبر في الشهادة بمقتضاها فيه العلم و إن كان هو الذي فهمه منه بعضهم.

و أورد على كلامه الأخير في المسالك بأن الطبقة الأولى السامعين للعقد المشاهدين للمتعاقدين بالغون حد التواتر و زيادة، لأن النبي (صلى الله عليه و آله) كان ذلك الوقت من أعلى قريش، و عمه أبو طالب (ع) المتولي لتزويجه كان حينئذ رئيس بني هاشم و شيخهم و من إليه مرجع قريش، و خديجة أيضا كانت من أجلاء بيوتات قريش، و القصة في تزويجها مشهورة، و خطبة أبي طالب (ع) في المسجد الحرام بمجمع من قريش ممن يزيد عن العدد المعتبر في التواتر، فدعوى معلومية عدم استناد الطبقة الأولى إلى مشاهدة العقد و سماعه ظاهرة المنع، و إنما الظاهر كون ذلك معلوما بالتواتر لاجتماع شرائطه، فلا يتم الاستدلال به على هذا المطلوب.

و فيه أن جلالتهم و شهرتهم و غير ذلك لا تقتضي معلومية مشاهدة العقد لعدد التواتر، كما نرى الآن بالوجدان في تزويج بنات السلاطين و أولادهم لا يبلغ المشاهدون للفظ العقد فيه ذلك، نعم يستفيض و يشتهر ذلك على وجه يحصل العلم بذلك، و إن لم يكن بطريق التواتر فلا أقل من احتمال كونه كذلك، فدعوى معلومية التواتر واضحة المنع أيضا، و لعل الأولى دعوى حصول العلم من الاستفاضة المزبورة و إن لم يحرز اجتماع


1- «1» راجع ج 40 ص 55.

ج 41، ص: 149

شرائط التواتر فيها، نحو غيرها من أفراد الاستفاضة في البلدان و الملوك و غير ذلك.

[المسألة الثالثة الأخرس يصح منه تحمل الشهادة]

المسألة الثالثة:

الأخرس يصح منه تحمل الشهادة لإطلاق الأدلة و أداؤها و حينئذ يبنى على ما يتحققه الحاكم من إشارته القائمة مقام اللفظ من غيره في إقرار و عقد و غيرهما و إن جهلها اعتمد فيها على ترجمة العارف بإشارته كغيره ممن لا يعرف لغته نعم يفتقر إلى مترجمين بناء على أن الترجمة من الشهادة المعتبر فيها التعدد، و قد ذكرنا الاشكال فيه سابقا (1).

و على كل حال لا يكون المترجمان شاهدين على شهادته بل يثبت الحكم بشهادته أصلا لا بشهادة المترجمين فرعا و ذلك لأن شهادته عبارة عن إشارته التي أبداها، كاللفظ التركي مثلا عن صاحبه و إنما فسره المترجمان، نعم لو لم تقع منه إشارة بمحضر الحاكم لم يصح شهادتهما بناء على عدم سماع شهادة الفرع مع حضور شاهد الأصل.

هذا و لكن في النافع و الرياض ما حاصله أنه لو أراد أن يشهد انسان على الأخرس بإقراره فليشهد بالإشارة التي رآها منه دالة عليه، و لا يقيمها بالإقرار الذي فهمه منها، لاحتمال خطائه في الفهم فيتحقق الكذب.

قال في الأخير: «و لعله مراد من علل المنع بنفس الإقرار بالكذب المطلق لاحتماله كالحلي و غيره، و إلا فيشكل الحكم بإطلاق الكذب، فقد يعلم


1- «1» راجع ج 40 ص 106- 107.

ج 41، ص: 150

الشاهد بإقراره و يحصل له القطع به من إشارته فلا يكون كذبا، فكيف يعلل به، اللهم إلا أن يكون المراد أن الإقرار حقيقة في الاخبار عن الحق باللفظ الدال عليه بحكم التبادر و غيره، فيكون بالإشارة مجازا و إرادته من الإقرار المطلق المنصرف إلى اللفظ بغير قرينة غير جائز، و إطلاقه من دونهما يعين كونه كذبا، و فيه نظر، فان خرسه قرينة حال واضحة على إرادته الاخبار بالإشارة من الإقرار دون الحقيقة، فلا كذب».

قلت: قد يقال: (أولا) أن إشارة الأخرس كاللفظ من غيره، فيكتفى بالظاهر منها كما يكتفى بالظاهر منه في جميع المواضع، و لكن الانصاف عدم خلو هذا عن النظر. و (ثانيا) لا ينبغي الإشكال في جواز الشهادة عليه بالإقرار بمعنى الالتزام مع القطع بالمراد من إشارته، بل لعله كذلك في غير الأخرس أيضا، على أن المفهوم من إشارة الأخرس غالبا يستند إلى قرائن الأحوال التي لا يمكن نقلها أو يتعسر، فتكليف الشاهد بنقلها متعذر أو متعسر، و قد عرفت أن مدار الشاهد على العلم، و مما ذكرنا يظهر لك الحال في الترجمة أيضا، فتأمل. و الله العالم.

[لا بأس في شهادة من اجتمع له الحاستان في ما يفتقر إلى السماع و المشاهدة كالنكاح و البيع]

الثالث من مستند علم الشاهد ما يفتقر غالبا إلى السماع و المشاهدة كالنكاح و البيع و الشراء و الصلح و الإجارة و غيرها من عقد أو إيقاع فإن حاسة السمع تكفي في فهم اللفظ و يحتاج إلى البصر لمعرفة اللافظ و حينئذ ف- لا بأس في شهادة من اجتمع له الحاستان، أما الأعمى فتقبل شهادته في العقد قطعا، لتحقق الآلة الكافية في فهمه، فان انضم إلى شهادته معرفان جاز له الشهادة على العاقد مستندا إلى تعريفهما كما يشهد المبصر على تعريف غيره و يكون شاهد أصل لا فرع بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الرياض، بل عن ظاهر السرائر الإجماع عليه، و في الكفاية قالوا: و لعله لإطلاق

خبر

ج 41، ص: 151

محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن شهادة الأعمى، فقال: نعم إذا أثبت»

بناء على أن المراد من إثباته ما يشمل شهادة العدلين، مضافا إلى ما سمعته سابقا من النصوص (2)

الدالة على جواز الشهادة على المرأة إذا حضر من يعرفها، و أن ما في بعضها (3)

من وجوب كشفها عن وجهها و أنه لا يجزئ شهادة العدلين محمول على التقية.

و من هنا جزم في الرياض بأن شهادة التعريف مستثناة من ضابط الشهادة الذي هو العلم الذي قد عرفت عدم اندراج مثل هذا العلم الشرعي فيه.

نعم توقف الفاضل في القواعد في صورة من صوره، و هي ما لو شهد على شخص ثم اشتبه عليه مع آخر و شك في أنه تحمل الشهادة على أحدهما فشهد اثنان عنده بالتعيين، ففي إلحاقه بالتعريف حين التحمل حتى يجوز له الآن أداء الشهادة على العين إشكال من أن هذه الشهادة ليست إلا تعريفا للمشهود عليه، و من أن التعريف تعيين للاسم و النسب للشخص الحاضر المشهود عليه بخصوصه و هي ليست كذلك، و هو الأقوى كما في كشف اللثام، لعدم اندراجه في ما دل عليها.

هذا و لكن في الرياض «قد ذكر جماعة من الأصحاب و منهم الحلي في السرائر و الفاضل في التحرير و غيره أنه حيث ما أسند شهادته إلى شهادتهما لا يذكرها مطلقة، بل يقول: أشهد على فلان بتعريف فلان و فلان».

قلت: و لعله المراد مما في المتن أيضا، بل في كشف اللثام إرساله إرسال المسلمات، و مقتضاه عدم قبول الشهادة إذا لم تكن على الوجه


1- «1» الوسائل- الباب- 42- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
2- «2» المتقدمة في ص 127.
3- «3» الوسائل- الباب- 43- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 152

المزبور، لما فيه من إيهام المعرفة بنفسه و قطع الطريق على الخصم لو أراد جرح شهود التعريف مثلا، بل هذا يومئ إلى أن شهادة التعريف من شهادة الفرع أو بحكمها الذي ستعرف أنه كذلك فيها، و حينئذ ينقدح من هذا أنه لا استثناء لهذه الصورة من ضابط العلم، بل أقصاه الاجتزاء بشهادة الشاهد هنا على تعريف غيره، بل استثناء ذلك من قاعدة اعتبار التعدد في شهادة الفرع، و عدم حضور المشهود عنه أولى من دعوى استثنائه من الضابط المزبور بعد فرض عدم جواز ذكرها له مطلقة، أو يقال: إن شهادة التعريف على تشخيص الموضوع، فهي أشبه شي ء بالترجمة، إذ الشهادة إنما هي بالإقرار مثلا، فتأمل جيدا.

و كيف كان ف- لو لم يحصل ذلك أي المعرفان و عرف هو صوت العاقد معرفة يزول معها الاشتباه قيل و القائل الشيخ في محكي الخلاف مستدلا عليه بالإجماع و الأخبار لا يقبل، لأن الأصوات تتماثل.

و الوجه وفاقا للمشهور كما في المسالك أنها تقبل، فان الاحتمال يندفع باليقين و لو بانضمام قرائن أخر إلى معرفة صوته فانا بتكلم على تقديره و به يندرج في عموم أدلة قبول شهادة العدل، و دعوى عدم إمكان حصوله تشكيك في الوجدان، و إلا لم يجز أن يطأ حليلته، و هو مناف للضرورة، و دعوى الاكتفاء في ذلك بالظن بخلاف الشهادة لا تستأهل جوابا كغيرها من الاعتبارات المحكية عن العامة القائلين بالمنع، و هم من عدا مالك و أحمد على ما في المسالك، و من الغريب تجويزهم الوطء لزوجته و عدم قبول شهادته عليها إذا أقرت و هي تحته بدرهم.

و بالجملة ف قد ظهر لك مما ذكرنا ان الأعمى تصح شهادته متحملا و مؤديا عن علمه و عن الاستفاضة في ما يشهد به

ج 41، ص: 153

بالاستفاضة إذ هو حينئذ كالمبصر بعد فرض حصول عنوان شهادة المبصر له من أي طريق يكون، هذا و قد يستفاد من كلامهم و اجتزائهم باليقين في الأعمى و لو كان المشهود به من المبصرات حتى لو شهد على الهلال بعد حصول اليقين له بذلك قبل أن ما ذكروه من السمع و المشاهدة ليس شرطا في صحة الشهادة و إن كان يوهمه بعض عباراتهم السابقة التي اغتر فيها بعض الناس، بل مقصودهم أنها طرق للمشهود عليه غالبا، و إلا فالضابط العلم كما ذكروه في أول الباب و أوضحنا الحال فيه سابقا.

و لو تحمل شهادة و هو مبصر ثم عمى فان عرف نسب المشهود به أقام الشهادة عليه بلا خلاف و لا إشكال و إن شهد على العين و عرف الصوت يقينا جاز أيضا بناء على المختار، و كذا لو عرفه بغير الصوت على وجه اليقين، نعم في الاجتزاء هنا له بتعريف العدلين إشكال، أقواه العدم، لما عرفته في نظيره.

أما شهادته على المقبوض بيده حتى أدى الشهادة عليه فماضية قطعا حتى عند المانعين في الصورة السابقة. لكن في المسالك و ربما قيل باطراد المنع هنا، لأن التصوير المذكور فيه عسر، فاللائق حسم الباب كحسمها في قبول شهادة الفاسق، و إن غلب على الظن صدقه في بعض الموارد، و كأنه من خرافات العامة، ضرورة أن العسر لا يصلح مانعا بعد فرض حصوله، و الفرق بين الفاسق و الأعمى النهي (1)

عن الركون إلى خبر الأول و إن ظن صدقه دون الأعمى، فإن المانع من قبول شهادته عدم علمه بالمشهود عليه و له، لا من حيث هو أعمى، فإذا فرض العلم المزبور لم يكن ثم مانع و لذا لا إشكال و لا خلاف في أنه تقبل شهادته إذا ترجم للحاكم عبارة إقرار أعجمي مثلا


1- «1» سورة النبإ: 49- الآية 6 و الوسائل- الباب- 30- من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 154

حاضر عنده لانتفاء المانع، إذ الفرض أن الحاكم يعرف المشهود عليه، فلا تتوقف شهادة الأعمى على ترجمة عبارته على البصر، كما هو واضح.

[الطرف الثالث في أقسام الحقوق]

[أما حق الله]

الطرف الثالث في أقسام الحقوق المتكثرة و إن كانت هي على تكثرها قسمان: حق لله تعالى شأنه و حق لآدمي و لكن كل منهما أقسام و على كل حال

فالأول منه ما لا يثبت إلا بأربعة رجال، كالزنا و اللواط و السحق بلا خلاف في ثبوت الثلاثة بذلك، قال الله تعالى (1):

«وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ» و قال أيضا (2):

«لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ» و قال (3) «فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ»

و قال سعد: «يا رسول الله أ رأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم» (4).

و لم نعثر في النصوص على ما يدل على اعتبار الأربعة في الأخيرين، نعم فيها ثبوت اللواط بالإقرار أربعا (5)

كما أن فيها كون المساحقة في النساء


1- «1» سورة النور: 24- الآية 4.
2- «2» سورة النور: 24- الآية 13.
3- «3» سورة النساء: 4- الآية 15.
4- «4» سنن البيهقي- ج 8 ص 230.
5- «5» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد اللواط من كتاب الحدود.

ج 41، ص: 155

كاللواط في الرجال (1) و فيها أيضا تشديد أمرهما خصوصا الأول منهما، فان ظاهرها كونه أشد من الزنا، على أن إثباتهما بذلك لا خلاف فيه كما عرفت، بل لا خلاف معتد به في اعتبار ذلك فيهما كما ستعرف إن شاء الله، و الوجه في ذلك أنه تعبد محض، بل هو من الأدلة على بطلان القياس في الأحكام، ضرورة كون القتل أعظم منه، نعم قد يقال: إن حكمته طلب الستر مهما أمكن، و المحافظة على عدم الهتك.

و كيف كان ف- في إيتان البهائم قولان، أصحهما و أشهرهما بل المشهور ثبوته بشاهدين لإطلاق ما دل على الثبوت بهما خلافا للمحكي عن الشيخ، فلا بد من أربعة، للأصل المقطوع بما عرفت و مشاركة الزنا و نحوه في الهتك الذي هو كما ترى بعد حرمة القياس كما هو واضح.

و يثبت الزنا خاصة من بين الثلاثة بثلاثة رجال و امرأتين و برجلين و أربع نساء، غير أن الأخير لا يثبت به الرجم و يثبت به الجلد كل ذلك للمعتبرة المستفيضة التي لا يعارضها ظاهر الكتاب (2) إن كان، ك

صحيح عبد الله بن سنان (3)

«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال، و لا يجوز في الرجم شهادة رجلين و أربع نسوة، و يجوز في ذلك ثلاثة رجال و امرأتان»

و حسن الحلبي (4)

«سألته عن شهادة النساء في الرجم. فقال: إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان، فإذا كان رجلان و أربع نسوة لم يجز في الرجم»

و قد


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد السحق و القيادة- الحديث 3 من كتاب الحدود.
2- «2» المتقدم في ص 154.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 10.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 3.

ج 41، ص: 156

يستشعر من التقييد بالرجم القبول في الجلد المصرح به في

موثقه الآخر (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان وجب عليه الرجم، و إن شهد عليه رجلان و أربع نسوة فلا تجوز شهادتهم، و لا يرجم، و لكن يضرب حد الزاني»

مؤيدا ب

خبر عبد الرحمن (2) عن الصادق (عليه السلام) «تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال»

منضما إلى التصريح بنفي الرجم فيه في النصوص السابقة، و لا ينافيه إطلاق النصوص الآتية (3)

المنزل على نفي ثبوت الحد بشهادتين في غير الصورتين في الزنا.

و حينئذ فيثبت الجلد بشهادة رجلين و أربع نسوة دون الرجم وفاقا للمحكي عن الشيخ و ابني إدريس و حمزة و اختاره الفاضل في القواعد، و خلافا للمحكي عن الصدوقين و أبي الصلاح و الفاضل في المختلف، فلا حد أصلا، للأصل، و لأنه لو ثبت بشهادتهن الزنا لثبت الرجم، و التالي باطل للأخبار الكثيرة الدالة على نفيه فالمقدم مثله، بيان الملازمة دلالة الإجماع على وجوب الرجم على المحصن الزاني، فإن ثبت هذا الوصف ثبت الحكم و إلا فلا، و استوجهه في المسالك، و هو كالاجتهاد في مقابلة النص.

و ما عن الخلاف أنه روى أصحابنا أنه يجب الرجم بشهادة رجل و أربع نسوة و ثلاثة رجال و امرأتين لم نتحققه في الأدلة، بل المتحقق خلافه كما سمعت، و لذا كان المحكي عن المقنع و الفقيه أنه لا تجوز فيه شهادة رجلين و أربع نسوة، بل عن ظاهر الحسن و المفيد و سلار رد شهادتهن في الزنا مطلقا للنصوص على ردها في الحدود (4) و رد شهادة رجلين


1- «1» الوسائل- الباب- 30- من أبواب حد الزنا- الحديث 1 من كتاب الحدود.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 21.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 29.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 30.

ج 41، ص: 157

و أربع في الرجم (1) و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم (2): «إذا شهد ثلاثة رجال و امرأتان لم تجز في الرجم»

و إن كان فيه ما فيه لما عرفت، و الصحيح المزبور قد حمله الشيخ على التقية أو فقد شرط من شروط القبول، و هو جيد.

نعم غير الزنا من اللواط و السحق باق على مقتضى ما دل على اعتبار الأربعة رجال، مؤيدا ب

صحيح جميل و ابن حمران (3) قالا للصادق (عليه السلام): «هل تجوز شهادة النساء في الحدود، قال: في القتل وحده»

و قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر غياث بن إبراهيم (4): «لا تجوز شهادة النساء في الحد و لا في القود»

و نحوه في خبر موسى ابن إسماعيل (5)

و بابتناء الحدود على التخفيف و درئها بالشبهات، فإطلاق المحكي عن علي بن بابويه تقبل في الحدود إذا شهد امرأتان و ثلاثة رجال منزل على الزنا، كخبر عبد الرحمن (6)

المتقدم سابقا، و كذا كلام ولده في المحكي عن مقنعه، بل عنه في المختلف إبدال الحدود بالزنا، نعم في محكي الوسيلة إضافة السحق إلى الزنا في ثبوته بامرأتين و ثلاثة رجال، لكنه في الجنايات قال: «إن كلا من اللواط و السحق يثبت بما يثبت به الزنا» إلا أنه نسب فيها ثبوت الزنا بثلاثة و امرأتين أو رجلين و أربع إلى القيل، و في الغنية «لا تقبل في الزنا إلا شهادة أربعة رجال أو ثلاثة و امرأتين، و كذا حكم اللواط و السحق بدليل إجماع الطائفة» و في الدروس عن


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 10 و الباب- 30- من أبواب حد الزنا- الحديث 1 من كتاب الحدود.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 28.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث- 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث- 29.
5- «5» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث- 30.
6- «6» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث- 21.

ج 41، ص: 158

ظاهر ابن الجنيد مساواة اللواط و السحق للزنا في الثبوت بشهادة الزنا».

و على كل حال هو نادر، بل مما ذكرنا يعلم ما في إجماعه و إن كان يشهد له إطلاق خبر عبد الرحمن (1)

المتقدم سابقا، و كون اللواط كالزنا، و أن السحق في الزنا كاللواط في الرجال، الا أنه معارض بما هو أرجح منه من النصوص السابقة و لو لاعتضادها بالشهرة العظيمة.

و على كل حال فقد ظهر لك أنه لا يثبت الزنا بل و لا شي ء من الثلاثة بغير ذلك الذي عرفته حتى شهادة رجل و ست نساء في الزنا و إن حكي عن الخلاف ثبوت الجلد به، إلا أن الأصل و ظاهر الأدلة السابقة المعتضد بالشهرة العظيمة أو الإجماع ينفيه، و لكن لا يخفى عليك ما في عبارة المتن من السماجة، و كان الأولى عد اللواط و السحق قسما و الزنا قسما آخر، كما صنع في الدروس، و الأمر سهل بعد وضوح المقصود.

و منه أي ما هو حق لله تعالى ما يثبت بشاهدين عدلين و هو ما عدا ذلك من الجنايات الموجبة للحدود كالسرقة و شرب الخمر و الردة و القذف و إن كان في الأول حق الناس أيضا، كالقذف و غيرها مما لا حد فيه، كالزكاة و الخمس و الكفارات و النذور و الإسلام، بل قيل:

و كذا ما يشتمل على الحقين كالبلوغ و الولاء و العدة و الجرح و التعديل و العفو عن القصاص، لإطلاق ما دل على قبولهما من الكتاب (2) و السنة (3)

و في

خبر مسمع بن عبد الملك (4) عن أبي عبد الله (ع)


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 21.
2- «2» سورة الطلاق: 65- الآية 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات.
4- «4» الوسائل- الباب- 51- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 159

«أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يحكم في زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيان و شهد له ألف بالبراءة يجيز شهادة الرجلين و يبطل شهادة الألف، لأنه دين مكتوم»

و في

خبر عمرو بن خالد (1) عن زيد ابن علي عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام): قال: «سئل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الناصب فقال: إذا جاء رجلان عدلان فيشهدان عليه فقد حل دمه»

إلى غير ذلك من النصوص بالخصوص و العموم، مع أصالة عدم الثبوت بغير ذلك.

و حينئذ ف لا يثبت شي ء من حقوق الله تعالى بشاهد و امرأتين و لا بشاهد و يمين و لا بشهادة النساء منفردات و إن كثرن بلا خلاف أجده فيه، للنصوص المتقدمة سابقا في بحث الشاهد و اليمين من كتاب القضاء (2) و قد ذكرنا تحقيق الحال هناك فلاحظ و تأمل، هذا كله في حقوق الله تعالى.

[أما حقوق الآدمي]
[الأول منها ما لا يثبت إلا بشاهدين]

و أما حقوق الآدمي فثلاثة:

الأول منها ما لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين فلا يجزئ فيه النساء منضمة فضلا عن الانفراد، و لا اليمين مع الشاهد، و في الدروس ضبط الأصحاب ذلك بكل ما كان من حقوقهم ليس مالا و لا المقصود منه المال» و في كشف اللثام «و هو ما يطلع عليه الرجال غالبا و ما لا يكون مالا و لا المقصود منه المال» و لكن لم أقف في النصوص على ما يفيده، بل فيها ما ينافيه.

و كيف كان فالذي عده المصنف من ذلك كغيره هو الطلاق بل عن الغنية الإجماع عليه، لكن عن المبسوط أنه قوى ثبوته


1- «1» الوسائل- الباب- 51- من كتاب الشهادات- الحديث 2 و فيه «الساحر» بدل «الناصب» كما في التهذيب ج 6 ص 283- الرقم 780.
2- «2» راجع ج 40 ص 272- 273.

ج 41، ص: 160

بشهادة النساء منضمات، بل في المسالك نسبته إلى جماعة أيضا و إن كنا لم نتحقق منهم إلا ما يحكى عن أبي علي أنه قال: «لا بأس بشهادتهن مع الرجال في الحدود و الأنساب و الطلاق».

و على كل حال لا ريب في ضعفه، للأصل و النصوص الكثيرة

كصحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه سئل عن شهادة النساء في النكاح فقال: يجوز إذا كان معهن رجل و كان علي (عليه السلام) يقول: لا أجيزها في الطلاق».

و خبر إبراهيم الحارثي (2)

«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: تجوز شهادة النساء في ما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه و يشهدوا عليه، و تجوز شهادتهن في النكاح، و لا تجوز في الطلاق و لا في الدم».

و خبر محمد بن الفضيل (3)

«سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قلت له: تجوز شهادة النساء في نكاح أو طلاق أو رجم؟ قال:

تجوز شهادة النساء في ما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه و ليس معهن رجل، و تجوز شهادتهن في النكاح إذا كان معهن رجل، و تجوز شهادتهن في حد الزنا إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان، و لا تجوز شهادة رجلين و أربع نسوة في الزنا و الرجم و لا تجوز شهادتهن في الطلاق و لا الدم»

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى كونه مقطوعا به منها إن لم يمكن دعوى تواترها، و مع ذلك سالمة عن المعارض بالخصوص.

نعم في كشف اللثام احتمال كون المراد شهادتهن حين الطلاق، و هو مع بعده فيها ما لا يقبله، كالمروي عن العلل و العيون بأسانيده إلى

محمد بن سنان (4)عن الرضا (عليه السلام) في ما كتب إليه من


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 5.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 7.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 50.

ج 41، ص: 161

العلل «و علة ترك شهادة النساء في الطلاق و الهلال لضعفهن عن الرؤية و محاباتهن النساء في الطلاق، فلذلك لا تجوز شهادتهن إلا في موضع ضرورة، مثل شهادة القابلة، و ما لا يجوز للرجال أن ينظروا إليه»

و غيره.

و في

خبر داود بن الحصين (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهن- إلى أن قال-:

و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار، و لا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين، فقلت: أتى ذكر الله تعالى فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ(2) فقال: ذلك في الدين إذا لم يكن رجلان فرجل و امرأتان و رجل واحد و يمين المدعي إذا لم يكن امرأتان، قضى بذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام) بعده عندكم»

و غيرهما، و من الأخير يستفاد عدم الاجتزاء فيه أيضا بالشاهد و اليمين، و قد تقدم الكلام فيه في كتاب القضاء (3).

و أما الخلع فظاهر المصنف و الأكثر على ما في كشف اللثام بل المشهور في المسالك أنه كالطلاق في اعتبار الشاهدين فيه و إن كان المدعى به الزوج، لأنه حينئذ و إن تضمن مالا إلا أنه طلاق، و في المسالك متضمن أيضا البينونة، و الحجة لا تتبعض، و المقصود منه بالذات البينونة و المال تابع كما في كشف اللثام، نعم قال فيه: «لا بد من النزاع في البينونة أو الطلاق، فلو اتفقا على الطلاق و اختلفا في أنه بالخلع أو لا فلا شبهة في أنه نزاع في المال إلا أن تكون المرأة هي المدعية له لتبطل رجعته»


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 35.
2- «2» سورة البقرة: 2- الآية 282.
3- «3» راجع ج 40 ص 272- 275.

ج 41، ص: 162

قلت: قد عرفت تحقيق ذلك في كتاب القضاء في بحث الشاهد و اليمين (1)» بل عن بعض ثبوته إن ادعاه الزوج بشاهد و امرأتين، لثبوت المال بهم، و المال هنا ليس إلا عوضا للطلاق، فيتبعه في الثبوت.

و أما الوكالة و الوصية إليه و النسب و رؤية الأهلة و إن استلزم الأخيران الإرث و حلول آجال الديون فالمشهور فيها أيضا ذلك، بل عن الغنية الإجماع عليه في الأهلة، كما أن النصوص في الأهلة مستفيضة، منها

قول الصادق (عليه السلام) في خبر حماد بن عثمان (2): «لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال، و لا يقبل في الهلال إلا رجلان عدلان»

و قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح العلاء (3): «لا تجوز شهادة النساء في الهلال».

نعم

قال الصادق (عليه السلام) في خبر داود بن الحصين (4): «لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلا شهادة رجلين عدلين، و لا بأس في الصوم بشهادة النساء و لو امرأة واحدة»

و لا دلالة فيه على ثبوت الهلال بذلك، بل أقصاه جواز الصوم استظهارا. هذا و لكن عن المبسوط أنه قوى قبول الشاهد و الامرأتين في جميع ذلك، و قد سمعت كلام أبي علي السابق، كما أنك قد سمعت ما تقدم لنا في كتاب القضاء في بحث الشاهد و اليمين (5) فلاحظ و تدبر.

بل منه يعلم الحال في العتق و القصاص و النكاح و إن قال المصنف هنا فيها تردد، أظهره كما في القواعد أيضا ثبوته بالشاهد و المرأتين وفاقا للمحكي عن المبسوط في الأول و الثاني و للمحكي عن المقنع و الاستبصار في الثاني، و يلزمه القول أيضا بالثبوت بالشاهد


1- «1» راجع ج 40 ص 276- 277.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 17.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 18.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 36.
5- «5» راجع ج 40 ص 276- 277.

ج 41، ص: 163

و اليمين، لاتحاد ما يثبت بهما، أما العتق فلأنه مالي أو من حقوق الآدميين التي هي موضوع الشاهد و اليمين في النصوص (1)

و يندرج فيها حينئذ النكاح و القصاص، مضافا إلى ما فيهما من النصوص بالخصوص المتقدمة سابقا في النكاح.

مضافا إلى

خبر زرارة (2) سأل الباقر (عليه السلام) «عن شهادة النساء تجوز في النكاح، قال: نعم و لا تجوز في الطلاق- إلى أن قال-:

قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم، قال: لا»

و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر الكناني (3): «شهادة النساء تجوز في النكاح- و قال فيه أيضا-: تجوز شهادتهن في الدم مع الرجال»

و في

صحيح جميل و ابن حمران (4) سألا الصادق (عليه السلام) «أ تجوز شهادة النساء في الحدود؟ قال: في القتل وحده، إن عليا (عليه السلام) كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم»

و في مضمر زيد الشحام (5)

«قلت:

أ فتجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال: نعم»

و في خبر أبي بصير (6) المضمر «سألته عن شهادة النساء، فقال: تجوز شهادة النساء وحدهن على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه، و تجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهن رجل»

إلى غير ذلك من النصوص.

بل لا أجد لها معارضا في النكاح إلا

خبر السكوني (7) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «أنه كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في نكاح و لا طلاق و لا في حدود إلا في الديون و ما لا يستطيع الرجال النظر إليه»

و هو- مع قصوره عن معارضة الأخبار السابقة من وجوه-


1- «1» الوسائل- الباب- 14- من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 11.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 25.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 1.
5- «5» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 32.
6- «6» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 4.
7- «7» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 42.

ج 41، ص: 164

محتمل لإرادة شهادتهن منفردات، كما في

خبر إسماعيل بن عيسى (1)

«سألت الرضا (عليه السلام) هل تجوز شهادة النساء في التزويج من غير أن يكون معهن رجل؟ قال: لا هذا لا يستقيم».

نعم هي متعارضة في الدم كما سمعته في النصوص السابقة، مضافا إلى ما في

خبر محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

«قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في غلام شهدت عليه امرأة أنه دفع غلاما في بئر فقتله، فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة»

و عن الصدوق روايته بإسقاط قوله: «بحساب» و في

خبر عبد الله بن الحكم (3)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة شهدت على رجل انه دفع صبيا في بئر فمات، فقال: على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة»

و ما في

خبر محمد بن مسلم (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا تجوز شهادة النساء في القتل»

و ما في

خبر غياث (5)عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «لا تجوز شهادة النساء في الحدود و لا في القود»

و ما في

خبر موسى بن إسماعيل بن جعفر (6) عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «لا تجوز شهادة النساء في الحدود و لا في القود».

و عن الشيخ الجمع بينها بعدم قبول شهادتهم و لو مع الرجال في القصاص، أما الدية فتثبت بشهادتهن، و نسبه المصنف في كتاب القصاص إلى الندرة، لكن في المسالك نسبته إلى جمع كثير و إن كنا لم نتحققه مع شدة مخالفته للقواعد، ضرورة كون المفروض شهادتهن بما يقتضي القصاص، نعم لا بأس بقبول شهادتهن بالقتل المقتضي للدية، و إذا أمكن الجمع بين النصوص بذلك كان أولى، و إلا كان الترجيح للنصوص النافية


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 39.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 26.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 33.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 28.
5- «5» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 29.
6- «6» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 30.

ج 41، ص: 165

قبول شهادتهن فيه، و أما الجمع بينها بحمل النافية على شهادتهن منفردات و المثبتة على صورة الانضمام مع رجل فلا يقبله ظاهر بعضها أو أكثرها.

هذا و في المسالك «و اعلم أن محل الاشكال شهادتهن منضمات إلى الرجال، أما على الانفراد فلا تقبل شهادتهن قطعا، و شذ قول أبي الصلاح بقبول شهادة امرأتين في نصف دية النفس و العضو و الجراح و المرأة الواحدة في الربع» قلت: و هو كذلك إذا كان المراد بالانفراد حتى عن اليمين» أما معه فالظاهر قبول المرأتين في ما يوجب الدية كالرجل مع اليمين، لما عرفته سابقا و تعرفه عن قريب إن شاء الله.

ثم إنه لا يخفى عليك أنا قد ذكرنا في كتاب القضاء (1) أن المستفاد من النصوص ثبوت كل حق من حقوق الآدميين بالشاهد و اليمين إلا ما خرج بأدلة مخصوصة من إجماع أو غيره، و من ذلك ينفتح لك باب عظيم في جميع محال الخلاف، و الظاهر قيام المرأتين مع اليمين مقامه في ذلك كقيام المرأتين مع الشاهد مقامه في موضوعه، كما تسمع تحرير ذلك إن شاء الله.

[الثاني ما يثبت بشاهدين و بشاهد و امرأتين و بشاهد و يمين]

و الثاني منها أي حقوق الآدمي ما يثبت بشاهدين و بشاهد و امرأتين و بشاهد و يمين، و هو الديون و الأموال، كالقرض و القراض و الغصب، و عقود المعاوضات. كالبيع و الصرف و السلم و الصلح و الإجارة و المساقاة و الرهن و الوصية له و الجناية التي توجب الدية كالخطإ و شبه العمد و قتل الحر العبد و الأب الولد و المسلم الذمي و الصبي و المجنون و غيرهما، و المأمومة و الجائفة و كسر العظام و غير ذلك مما كان متعلق الدعوى فيه مالا أو مقصودا منه المال، فان ذلك هو الضابط عندهم لهذا القسم.


1- «1» راجع ج 40 ص 274.

ج 41، ص: 166

قال الله تعالى (1) «وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ» و في

صحيح الحلبي (2) عن الصادق (عليه السلام) «تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين، قال:

نعم»

و في

خبر محمد بن خالد الصيرفي (3)

«كتبت إلى الكاظم (عليه السلام) في رجل مات و له أم ولد و قد جعل لها سيدها شيئا في حياته ثم مات، فكتب: لها ما أتاها سيدها في حياته معروف ذلك لها، يقبل على ذلك شهادة الرجل و المرأة و الخدم غير المتهمين»

و قال الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (4): «لو كان الأمر إلينا أخذنا بشهادة الرجل الواحد إذا علم منه خبر مع يمين الخصم في حقوق الناس»

و قال الصادق (عليه السلام) في خبره (5) أيضا: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يجيز في الدين شهادة رجل واحد و يمين صاحب الدين»

و في

خبر أبي بصير (6): «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقضي بشاهد واحد و يمين»

و قد سمعت ما في خبر داود بن الحصين عن الصادق (عليه السلام) (7)

إلى غير ذلك من الأدلة المعتضدة بفتوى الأصحاب قديما و حديثا.

نعم عن الخلاف و موضع من المبسوط منع قبول امرأتين و رجل في الوديعة، و حمله الفاضل- على ما قيل- على دعوى الودعي لا المالك، و فيه


1- «1» سورة البقرة: 2- الآية 282.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 47 عن يحيى بن خالد الصيرفي و في الفقيه ج 3 ص 32 الحسين بن خالد الصيرفي.
4- «4» الوسائل- الباب- 14- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 12 من كتاب القضاء.
5- «5» الوسائل- الباب- 14- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 1 من كتاب القضاء.
6- «6» الوسائل- الباب- 14- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 5 من كتاب القضاء.
7- «7» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 35.

ج 41، ص: 167

أن الودعي ينفى عنه الضمان و هو مال، و عن النهاية أنه لم يذكر إلا الدين، و عن المقنع إلا قبول شهادتهن في الدين، و عن المراسم و الغنية و الإصباح ضم اليمين إلى الشاهد في الدين خاصة و امرأتين في الديون و الأموال، لكن عن المختلف أنه لا منافاة بين ما في النهاية و ما في غيرها، لأن مقصوده من الدين المال، و هذا جار في غيرها أيضا، نعم عن الإصباح منها و يقضي بشهادة الواحد مع يمين المدعي في الديون خاصة، و قيل:

كل ما كان مالا أو المقصود منه المال، و لا ريب في ضعفه، بل قد عرفت سابقا ظهور النصوص في إثبات جميع حقوق الآدميين به.

نعم قد يناقش في ثبوت غير الدين بالشاهد و المرأتين، لاختصاص الأدلة المزبورة حتى الآية (1) بذلك، خصوصا بعد ما سمعته من خبر داود بن الحصين (2)

الوارد في تفسيرها، و خبر محمد بن خالد (3)

الوارد في الوصية ظاهر في إرادة ثبوتها بشهادة جنس الرجل و جنس الامرأة، لأنها وصية.

لكن قد يدفع بظهور ما في ذيل الآية (4) من الاشهاد على البيع في إرادة الاشهاد السابق الذي كان منه الرجل و المرأتان متمما بعدم القول بالفصل، و بظهور خبر محمد بن خالد (5)

المزبور في أن الشاهد و اليمين قائم مقام الشاهد و المرأتين، و حينئذ فهما أولى من اليمين مع الرجل، و بما ورد (6)

من إثبات الحق بالامرأتين مع اليمين.

بل الظاهر ثبوت ذلك كله بهما مع اليمين وفاقا للمشهور شهرة


1- «1» سورة البقرة: 2- الآية 282.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 35.
3- «3» المتقدم في ص 166.
4- «4» سورة البقرة: 2- الآية 282.
5- «5» المتقدم في ص 166.
6- «6» الوسائل- الباب- 15- من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.

ج 41، ص: 168

عظيمة، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه، ل

صحيح منصور بن حازم (1) قال: «حدثني الثقة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال:

إذا شهد لصاحب الحق امرأتان و يمينه فهو جائز»

و نحوه صحيحه الآخر (2)

من دون إرسال، و يمكن أن يكون قد سمعه مشافهة تارة و بواسطة الثقة أخرى، و المناقشة في صحتهما بعد التسليم لا تقدح، للانجبار بما سمعت مؤيدا في الجملة بما في

صحيح الحلبي (3) عن الصادق (عليه السلام) «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أجاز شهادة النساء في الدين و ليس معهن رجل»

بعد الإجماع إلا النادر على عدم قبولهن بدون اليمين في الدين كما ستعرف، و

حسنه عنه (عليه السلام) أيضا (4)

«أن رسول الله (ص) أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين أن حقه لحق»

و بغير ذلك مما يدل بإطلاقه على قيام الامرأتين مقام الرجل.

فما في النافع كما هو صريح المحكي عن السرائر و التنقيح و قضاء التحرير و إن رجع عنه في الشهادات و ظاهر سلار و الغنية من العدم لا يخلو من منع و إن كان الحلي منهم معذورا على أصله، و لذا قال: «جعلهما بمنزلة رجل يحتاج إلى دليل و ليس، و حملهما على الرجل قياس، و الإجماع غير منعقد، و الأخبار غير متواترة، فإن وجدت فهي نوادر شواذ، و الأصل براءة الذمة، فمن أثبت بشهادتهما حكما شرعيا فإنه يحتاج إلى أدلة قاهرة، أما إجماع أو تواتر أخبار أو قرآن و جميع ذلك خال منه» أما على أصولنا فلا يأتي ذلك، لما عرفت، و لأن الشارع قد أقام في الديون كلا من المرأتين و اليمين مقام الرجل، فيقوم المجموع مقام رجلين، لاشتماله على كلا البدلين، و هذا و إن لم يكن قاطعا لاحتمال استناد القبول في الموضعين


1- «1» الوسائل- الباب- 15- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 4 من كتاب القضاء.
2- «2» الوسائل- الباب- 15- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 1 من كتاب القضاء.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 20.
4- «4» الوسائل- الباب- 15- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 3- من كتاب القضاء.

ج 41، ص: 169

إلى وجود أقوى شطري الحجة، لكن لا يخلو من التأييد في الجملة.

و من الغريب ما سمعته من ابن إدريس و تبعه المقداد من دعوى ندرة النصوص المزبورة و شذوذها مع أنه لم نر لها رادا قبله و لا من تأخر عنه إلا النادر، لاختلاف فتوى المصنف، و الفاضل في التحرير قد رجع عن ذلك فيه فضلا عن قطعه بالحكم في باقي كتبه، و من هنا يمكن دعوى تحصيل الإجماع على ذلك، بل قد يستفاد من الأدلة المزبورة أن موضوعهما موضوع الشاهد و اليمين، و هو كل حق، لإطلاق الخبر المزبور.

و تنقح من جميع ما ذكرنا اتحاد موضوع الثلاثة أي الشاهد و اليمين و الشاهد و المرأتين مع اليمين، و هو كل حق آدمي أو المالي منه خاصة على البحث الذي قدمناه في الشاهد و اليمين، نعم لا تقبل شهادة النساء منفردات في شي ء من ذلك و إن كثرن بلا خلاف محقق أجده و إن أرسله في محكي السرائر لصحيح الحلبي (1)

السابق الذي لا دلالة فيه على الانفراد عن اليمين، و

عن الحسن قد روي عنهم (عليهم السلام) «أن شهادة النساء إذا كن أربع نسوة في الدين جائز»

ثم ذكر أنه لم يقف على حقيقته، و أنه لم يصح عنده من طريق المؤمنين.

و كيف كان فقد بان لك مما ذكرناه الوجه في قول المصنف:

و في الوقف تردد، أظهره وفاقا للمحكي عن المبسوط و ابن إدريس و البراج أنه يثبت بشاهد و امرأتين و بشاهد و يمين إن كان على محصور، و لكونه من حقوق الناس قطعا، بل تجري عليه جميع أحكام الملك عدا الامتناع عن نقله، و ذلك لا يخرجه عن الملكية كأم الولد، على أنه قد يجوز بيعه في بعض الأحوال، خلافا للمحكي عن الخلاف بناء على عدم الانتقال سواء قلنا بالانتقال إليه تعالى أو البقاء على ملك الواقف،


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 20.

ج 41، ص: 170

و احتمل القبول عليه أيضا، خصوصا على البقاء على ملك الواقف بناء على أن المقصود من الوقف المنفعة، و هي مال.

و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قلناه هنا و بما أسلفناه في كتاب الوقف (1) من انتقال الموقوف إلى الموقوف عليه إن عاما فعام و إن خاصا فخاص.

و كذا الكلام في حقوق الأموال كالأجل و الخيار اشتراطا و انقضاء و الشفعة و فسخ العقد المتعلق بالأموال و قبض نجوم الكتابة أو غيرها من الأموال، لأن جميعها حق آدمي، بل المقصود منها أجمع ثبوت مال أو زواله، بل و كذا النجم الأخير من الكتابة و إن توقف فيه الفاضل في القواعد، لكنه في غير محله، خصوصا بناء على ما ذكرناه.

[الثالث ما يثبت بالرجال و النساء منفردات و منضمات]

و الثالث من حقوق الآدمي ما يثبت بالرجال و النساء منفردات و منضمات، و هو الولادة و الاستهلال و عيوب النساء الباطنة كالقرن و نحوه لا الظاهرة كالعرج و نحوه، و ضابطه ما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا بلا خلاف أجده في ثبوت ذلك بشهادتهن منفردات كما اعترف به في كشف اللثام، لمسيس الحاجة و للمعتبرة المستفيضة.

كصحيح العلاء (2) عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته هل تجوز شهادتهن وحدهن؟ قال: نعم في العذرة و النفساء»

و خبر داود بن سرحان (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أجيز شهادة النساء في الغلام صاح أو لم يصح، و في كل شي ء لا ينظر إليه الرجال تجوز شهادة النساء فيه»

و قال الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (4): «تجوز شهادة النساء وحدهن في كل ما لا يجوز للرجال النظر إليه،


1- «1» راجع ج 28 ص 88.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 18.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 12.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 10.

ج 41، ص: 171

و تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر السكوني (1): «أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بامرأة بكر زعموا أنها زنت فأمر النساء فنظرن إليها فقلن هي عذراء، فقال: ما كنت لأضرب من عليها خاتم من الله تعالى، و كان يجيز شهادة النساء في مثل هذا»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبره الآخر (2)

«في امرأة ادعت أنها قد حاضت ثلاث حيض في شهر واحد: كلفوا نسوة من بطانتها أن حيضها كان في ما مضى على ما ادعت، فان شهدن صدقت، و إلا فهي كاذبة»

و في مضمر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3)

«سألته عن المرأة يحضرها و ليس عندها إلا امرأة أ تجوز شهادتها أم لا تجوز؟

فقال: تجوز شهادة النساء في المنفوس و العذرة»

و في صحيح الحلبي و حسنه (4)

«تجوز شهادة النساء في المنفوس و العذرة»

و في خبر ابن بكير (5)

«تجوز شهادة النساء في النفاس و العذرة»

و في خبره الآخر (6)

«تجوز شهادة النساء في العذرة و كل عيب لا يراه الرجال»

و في خبر زرارة (7) عن أحدهما (عليهما السلام) «في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا، فقالت: أنا بكر، فنظرن إليها النساء فوجدنها بكرا، فقال: تقبل شهادة النساء»

إلى غير ذلك من النصوص التي مر جملة منها، و يمكن دعوى القطع بها بالنسبة إلى ذلك أو تواترها.

و أما الثبوت بهن منضمات أو بالرجال فهو المشهور كما في كشف اللثام، للعمومات و معلومية كون الرجال هم الأصل في الشهادة، بل


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 13.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 37.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 21.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 2 و 46.
5- «5» لم أعثر على هذا الخبر في كتب الأخبار مع التتبع في مظانه.
6- «6» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 9.
7- «7» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 44.

ج 41، ص: 172

لم أتحقق فيه خلافا و إن حكي عن القاضي أنه قال: لا يجوز أن يكون معهن أحد من الرجال، لكن يمكن أن يريد الحرمة بدون الضرورة على الأجانب فإن تعمدوا ذلك خرجوا عن العدالة، لا أنه لا يجوز لهم الاطلاع مع الضرورة أو لا تقبل شهادتهم و إن اتفق اطلاعهم عليه لحلية أو من غير عمد أو قبل عدالتهم، و على تقديره فلا ريب في ضعفه، ضرورة ظهور النصوص المزبورة في جواز شهادتهن بذلك المشعر بجواز غيره كما هو واضح.

و كيف كان ف في قبول شهادة النساء منفردات في الرضاع خلاف أقربه الجواز أيضا كما في القواعد و غيرها، بل هو المحكي عن المفيد و سلار و ابن حمزة أيضا، لاندراجه في النصوص السابقة، ضرورة كونه من الأمور التي لا يطلع عليها إلا النساء غالبا و ما لا يجوز للرجال النظر إليه، مؤيدا بإطلاق

قول الباقر (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور (1): «تقبل شهادة المرأة و النسوة إذا كن مستورات»

و بالمفهوم في

مرسل ابن بكير (2) عن الصادق (عليه السلام) «في امرأة أرضعت غلاما و جارية قال: يعلم ذلك غيرها؟ قلت: لا، قال: لا تصدق إن لم يكن غيرها».

فما عن الأكثر من العدم بل ظاهر المبسوط و صريح الخلاف الإجماع عليه للأصل و إمكان اطلاعهم عليه، بل عن الأول منهما عن أصحابنا أنهم رووا لا يقبل شهادة النساء في الرضاع لا يخلو من نظر، ضرورة انقطاع الأصل بما عرفت، و منع الإجماع المزبور، بل مظنة في العكس كما هو ظاهر المحكي عن ناصريات السيد، بل الشيخ نفسه رجع عن القول بالمنع إلى القول بالقبول في المحكي من شهادات المبسوط الذي هو كما قيل


1- «1» الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 20.
2- «2» الوسائل- الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالرضاع- الحديث 3 من كتاب النكاح.

ج 41، ص: 173

متأخر عن الخلاف و الشهادات فيه متأخرة عن الرضاع، و أما الرواية فمع إرسالها غير موجودة في الأصول و لا مقبولة عند الشيخ في الموضع الذي نقلها، فإنه حكاها في شهادات المبسوط، و قد عرفت أنه أفتى فيها بالقبول.

بل لعل مبنى الرواية المزبورة بل و الإجماع على خروج الرضاع عما يعسر اطلاع الرجال عليه، إذ لا ريب في أن ظاهر الأصحاب و الأخبار عدم قبول شهادة النساء حتى في ما هو كذلك بمعنى أن ذلك هو الأصل فيه، و العمدة تحقق الموضوع و بيان أن الرضاع مما يعسر اطلاع الرجال عليه أو لا يعسر، و لكن قد عرفت سابقا شهادة الوجدان على تعسر اطلاع الرجال عليه خصوصا بعد تحريم نظر الرجال إلى مثل ذلك من النساء، فلا ريب في أن الأقوى القبول، و الله العالم.

هذا و في ما حضرني من نسخ الشرائع متصلا بذلك و يقبل شهادة امرأتين مع رجل في الديون و الأموال و شهادة امرأتين مع اليمين، و لا تقبل فيه شهادة النساء منفردات و لو كثرن إلا أنه لا يخفى عليك عدم مناسبته للعنوان، و لعله لذا لم يشرحها في ما حضرني من نسخة المسالك، لسقوط ذلك من نسخته، و على فرض صحتها فقد تقدم الكلام في ذلك مفصلا.

و تقبل شهادة المرأة الواحدة بلا يمين في ربع ميراث المستهل و في ربع الوصية و الاثنين في النصف و الثلاثة في الثلاثة أرباع و الأربعة في تمام المال بلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف و السرائر الإجماع عليه، و قد تقدم في الوصية (1) النصوص الدالة على ذلك فيها.

و في صحيح عمر بن يزيد (2)

«سألته عن رجل مات و ترك امرأته و هي حامل فوضعت بعد موته غلاما ثم مات الغلام بعد ما وقع إلى الأرض


1- «1» راجع ج 28 ص 352- 353.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 6.

ج 41، ص: 174

فشهدت المرأة التي قبلتها أنه استهل و صاح حين وقع إلى الأرض ثم مات، قال: على الامام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام»

و في رواية ابن سنان (1) عنه (عليه السلام) قال: «و إن كانتا امرأتين قال:

تجوز شهادتهما في النصف من الميراث»

و عن الفقيه بعد ما حكى صحيح عمر بن يزيد قال و في رواية أخرى (2): «إن كانت (كانتا خ ل) امرأتين تجوز شهادتهما في نصف الميراث، و إن كن ثلاثة نسوة جازت شهادتهن في ثلاثة أرباع الميراث، و إن كن أربعا جازت شهادتهن في الميراث كله»

و عليه يحمل ما سمعته في النصوص (3)

من قبول شهادة القابلة وحدها في المنفوس. لكن عن ابن إدريس و ابن حمزة اشتراط عدم الرجال، و إطلاق النص حجة عليهما.

و لا تقبل عندنا شهادة الواحدة في غير ذلك، نعم عن الكافي و الغنية و الإصباح ثبوت ربع الدية بشهادتها أيضا لخبري (4) ابني قيس و الحكم المتقدمين سابقا اللذين لم يجمعا شرائط الحجية، فالأصل حينئذ و غيره بحاله، كما هو واضح.

و قد تقدم الكلام في كتاب الوصية (5) في قيام الرجل مقام المرأة أو الاثنتين أو لا يثبت بشهادته شي ء، و أن أضعف الوجوه الأخير على ما هو الظاهر من بعضهم، بل في القواعد لم يذكره احتمالا، و الثاني لا يخلو من قوة كما اعترف به العلامة الطباطبائي في مصابيحه و إن لم نجد به قائلا، و لكن الإنصاف أن الأخير أقواها بعد حرمة القياس و الاستحسان و عدم


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 45.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 48.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 2 و 10 و 45 و 46.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 26 و 33.
5- «5» راجع ج 28 ص 353.

ج 41، ص: 175

إحاطة العقل بمصالح الأحكام، كما ذكرناه في الوصية.

و هل للمرأة مثلا تضعيف المشهود به؟ وجهان، أقواهما العدم، و ربما يؤيده أنه

سئل الصادق (عليه السلام) في مرسل يونس (1)

«عن الرجل يكون له على الرجل حق فيجحد حقه و يحلف عليه إذ ليس عليه شي ء و ليس لصاحب الحق على حقه بينة يجوز له إحياء حقه بشهادة الزور إذا خشي ذهاب حقه، قال: لا يجوز ذلك لعلة التدليس».

لكن في كشف اللثام «الأقوى الحل و إن حرم التزوير لكونه إقرارا بالقبيح، و في

مرسل عثمان بن عيسى (2) قيل للصادق (عليه السلام):

«يكون للرجل من إخواني عندي شهادة و ليس كلها يجيزها القضاة عندنا، قال: إذا علمت أنها حق فصححها بكل وجه حتى يصح له حقه»

- ثم قال-: و لعله إشارة إلى ما ذكرنا من التورية».

و فيه أنه لا دلالة له على ذلك، بل أقصاه أنه ك

خبر داود بن الحصين (3) أنه سمعه يقول: «إذا شهدت على شهادة فأردت أن تقيمها فغيرها كيف شئت و رتبها و صححها ما استطعت حتى يصح الشي ء لصاحب الحق بعد أن لا تكون تشهد إلا بحق، فلا تزيد في نفس الحق ما ليس بحق، فإنما الشاهد يبطل الحق و يحق الحق، و بالشاهد يوجب الحق، و بالشاهد يعطى، و إن للشاهد في إقامة الشهادة بتصحيحها بكل ما يجد إليه السبيل من زيادة الألفاظ و المعاني و التغيير في الشهادة مما به يثبت الحق أو يصححه و لا يؤخذ به زيادة على الحق مثل أجر الصائم القائم المجاهد بسيفه في سبيل الله تعالى».


1- «1» الوسائل- الباب- 18- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 176

نعم لا بأس بدفع الباطل عنه بباطل آخر، ل

خبر الحكم أخي أبي عقيلة (1)

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن لي خصما تتكثر علي بالشهود الزور و قد كرهت مكافأته مع أني لا أدري أ يصلح لي ذلك أم لا؟ قال: فقال: أما بلغك ما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان يقول: لا توروا أنفسكم و أموالكم بشهادات الزور؟ فما على امرئ من وكف في دينه و لا مأثم من ربه أن يدفع ذلك عنه، كما أنه لو دفع بشهادته عن فرج حرام أو سفك دم حرام كان ذلك خيرا له، و كذلك مال المرء المسلم».

و لو شهدت الخنثى المشكل في الوصية و الاستهلال ثبت الربع بناء على ثبوته بالرجل، و إلا لم يثبت بشهادتها شي ء.

و إذا اجتمع في الشي ء حقان كان لكل حكمه، فلو شهد على السرقة مثلا رجل و امرأتان ثبت المال دون القطع، بل في القواعد «و لو علق العتق بالنذر على الولادة فشهد أربع نساء بها ثبت الولادة و لم يقع النذر» بل في محكي التحرير «و لو شهد رجل و امرأتان بالنكاح فان قبلنا فيه شهادة الواحد و المرأتين فلا بحث، و إلا ثبت المهر دون النكاح» و هو كما ترى لا يخلو من بعد.

و كيف كان فقد يستفاد مما عرفت من توقف ثبوت تمام الحق بلا يمين في الوصية و ميراث المستهل على أربع أن كل موضع يقبل فيه شهادة النساء لا يثبت بأقل من أربع كما هو المشهور للأصل، بل يمكن دعوى القطع به من الكتاب (2) و السنة (3)

أن المرأتين


1- «1» الوسائل- الباب- 18- من كتاب الشهادات الحديث 2.
2- «2» سورة البقرة: 2- الآية 282.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 177

يقومان مقام الرجل في الشهادة، و هو ظاهر قوله تعالى (1) «أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى».

فما عن المفيد- من أنه تقبل شهادة امرأتين مسلمتين مستورتين في ما لا تراه الرجال كالعذرة و عيوب النساء و النفاس و الحيض و الولادة و الاستهلال و الرضاع و إذا لم يوجد على ذلك إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه، و نحوه في محكي المراسم، بل عن متاجر التحرير «لو اشترى جارية على أنها بكر فقال المشتري: أنها ثيب أمر النساء بالنظر إليها و يقبل قول امرأة في ذلك»- واضح الضعف و إن كان قد يشهد له ظاهر

قول الباقر (عليه السلام) في خبر أبي بصير (2): «تجوز شهادة امرأتين في الاستهلال»

و صحيح الحلبي (3) سأل الصادق (عليه السلام) «عن شهادة القابلة وحدها في الولادة، قال: تجوز شهادة الواحدة»

و في صحيح عبد الله بن سنان (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «و تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس».

إلا أنها لقصورها عن معارضة غيرها من وجوه يتجه حينئذ حملها على إرادة القبول في الجملة، لما عرفت من ثبوت بعض الحق بنسبة الشهادة في الاستهلال و الوصية.

و عن السيد في الناصرية «يجيز أصحابنا ان تقبل في الرضاع شهادة


1- «1» سورة البقرة: 2- الآية 282.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 41.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 10.

ج 41، ص: 178

المرأة الواحدة تنزيها للنكاح عن الشبهة و احتياطا فيه» و احتج على ذلك بالإجماع و

الحديث النبوي (1)

«دعها، كيف و قد شهدت بالرضاع»

و عليه يرتفع الخلاف في الواحدة و إن بعد التنزيل. و عن أبي الصلاح و يحكم بشهادتهما منفردتين في ما لا يعاينه الرجال من أحوالهن، و يلزمه الحكم بهما في الرضاع أيضا لدخوله فيه» نعم ظاهره عدم الاكتفاء بالواحدة، و ربما يشهد له ظاهر

قوله (عليه السلام): «لا يصدق إن لم يكن» في مرسل ابن بكير (2)

المتقدم، لكن قد عرفت قصور ذلك و نحوه عن مقاومة ما سمعته من الأدلة، فلا بد من تنزيل ذلك و نحوه عليها أو على ما لا ينافيها، و الله العالم.

[مسائل ثلاث]
[المسألة الأولى الشهادة ليست شرطا في شي ء من العقود]

مسائل ثلاث:

الأولى:

الشهادة ليست شرطا في صحة شي ء من العقود و الإيقاعات عندنا إلا الطلاق و الظهار، للأصل المستفاد من إطلاق ما يقتضي الصحة من الكتاب (3) و السنة (4)

كما تقدم ذلك في مواضعه و لكن يستحب في النكاح و الرجعة و كذا في البيع و الدين، و الخلاف في ذلك نادر، كما عرفت البحث فيه في محاله مفصلا.


1- «1» سنن البيهقي ج 7 ص 463 و سنن الدارقطني ج 4 ص 177 مع اختلاف في اللفظ.
2- «2» الوسائل- الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالرضاع- الحديث 3 من كتاب النكاح.
3- «3» سورة المائدة: 5- الآية 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 1 و 6- من أبواب الخيار من كتاب التجارة.

ج 41، ص: 179

[المسألة الثانية حكم الحاكم تبع للشهادة]

المسألة الثانية قد تقدم في كتاب القضاء (1) أن حكم الحاكم عندنا تبع للشهادة، فإن كانت محقة نفذ الحكم ظاهرا و باطنا و إلا نفذ ظاهرا لا باطنا و بالجملة الحكم ينفذ عندنا ظاهرا لا باطنا، و لا يستبيح المشهود له ما حكم له إلا مع العلم بصحة الشهادة أو الجهل بحالها

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) (2): «إنما أنا بشر، و إنكم تختصمون إلى، و لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، و إنما أقضي على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشي ء فلا يأخذ به، فإنما أقطع له قطعة من النار».

خلافا لأبي حنيفة فحكم باستباحة المحكوم له و إن علم بطلانه، من غير فرق بين المال و البضع، و قد خالف في ذلك ضرورة المذهب أو الدين، خصوصا في ما اقتضى نكاح المحارم و نحوها، و لا غرو فكم له من مثل ذلك.

و من الجهل بحال الشهادة ما لو شهد له شاهدا عدل بحق لا يعلم به، و حينئذ جاز له أخذه بحكم الحاكم، لأن شهادة العدلين طريق شرعي ما لم يعلم الفساد، نعم لو توقف الثبوت بهما على يمين- كما إذا كان المشهود عليه بدين ميتا- لم يجز له الحلف بشهادتهما، بناء على اعتبار العلم فيه حسا لا شرعا على نحو ما سمعته في الشهادة (3).


1- «1» راجع ج 40 ص 113- 114.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 3 من كتاب القضاء.
3- «3» راجع ص 121- 131.

ج 41، ص: 180

[المسألة الثالثة إذا دعي من له أهلية التحمل وجب عليه]

المسألة الثالثة:

إذا دعي من له أهلية التحمل لها مع عدم خوف الضرر وجب عليه وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة و قيل و القائل ابن إدريس خاصة في ما أجد كما اعترف به في الرياض! لا يجب، و الأول مع شهرته و مناسبته لحكم سياسة نظام العالم مروي (1) بل هو ظاهر قوله تعالى(2) «وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» خصوصا بعد

صحيح هشام بن سالم (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) فيه قال:

«قبل الشهادة» و في قوله تعالى (4) «وَ مَنْ يَكْتُمْها» قال: «بعد الشهادة»

و خبر داود بن سرحان (5) عنه (عليه السلام) أيضا أنه قال: «لا يأب الشاهد أن يجيب حين يدعى قبل الكتاب»

و خبر محمد ابن الفضيل (6) عن أبي الحسن (عليه السلام) في قول الله عز و جل: «وَ لا يَأْبَ» إلى آخره، فقال: «إذا دعاك الرجل لتشهد له على دين أو حق لم يسع لك أن تتقاعس عنه»

و موثق سماعة (7) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «وَ لا يَأْبَ» إلى آخرها، فقال: «لا ينبغي لأحد إذا دعي على شهادة يشهد عليها أن يقول: لا أشهد لكم»

و نحوه

خبر


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من كتاب الشهادات.
2- «2» سورة البقرة: 2- الآية 282.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من كتاب الشهادات الحديث 1.
4- «4» سورة البقرة: 2- الآية 283.
5- «5» الوسائل- الباب- 1- من كتاب الشهادات الحديث 6.
6- «6» الوسائل- الباب- 1- من كتاب الشهادات الحديث 7.
7- «7» الوسائل- الباب- 1- من كتاب الشهادات الحديث 5.

ج 41، ص: 181

الكناني (1)عنه (عليه السلام) أيضا مع زيادة «و ذلك قبل الكتاب»

إلى غير ذلك.

فما عن ابن إدريس من أن المراد بالآية أداؤها لا تحملها لظهور لفظ المشتق في ذلك كأنه اجتهاد في مقابلة النص و إن كان ربما يشهد له ما عن

تفسير العسكري (2) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قول «وَ لا يَأْبَ» إلى آخرها «من كان في عنقه شهادة فلا يأب إذا دعي لإقامتها، و ليقمها و لينصح فيها، و لا تأخذه فيها لومة لائم، و ليأمر بالمعروف و ينه عن المنكر»

لكن قال فيه أيضا و في

خبر آخر (3): «إنها نزلت في ما إذا دعي لسماع الشهادة أبى، و أنزلت في من امتنع عن أداء الشهادة إذا كانت عنده «وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ، وَ مَنْ يَكْتُمْها إلى آخرها».

نعم قد يقال باحتمال الكراهة في الآية، لأنها على طولها مشتملة على الآداب، بل ملاحظة ما قبلها و ما بعدها- و إنها على مساق واحد، خصوصا ما كان منها مثل اللفظ المزبور، نحو قوله تعالى «وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ» فضلا عن قوله تعالى «وَ لا تَسْئَمُوا» إلى آخرها- يورث الظن القوي بكون ذلك منها أيضا، مؤيدا بإشعار لفظ «لا ينبغي» و نحوه في النصوص المزبورة بل إنفاق معظمها على هذا اللفظ و نحوه ظاهر في ذلك أيضا، بل شدة التوعد على كتمانها و زيادة المبالغة فيه مع تركه على التحمل فيه إشعار آخر أيضا، بل قد يظهر من الصدوق المفروغية من عدم الوجوب، حيث إنه بعد أن

روى في المحكي من فقيهه «قيل للصادق (عليه السلام) (4): إن شريكا يرد شهادتنا، فقال: لا تذلوا أنفسكم»


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من كتاب الشهادات- الحديث 2 و لكن ليس فيه تلك الزيادة و هي موجودة في حسن الحلبي المروي في نفس الباب- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشهادات- الحديث 7.
3- «3» الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشهادات- الحديث 8.
4- «4» الوسائل- الباب- 53- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

ج 41، ص: 182

قال: «ليس يريد بذلك النهي عن إقامتها، لأن إقامة الشهادة واجبة، إنما يعني بها تحملها، يقول: لا تتحملوا الشهادة فتذلوا أنفسكم بإقامتها عند من يردها» بل هو فتوى المصنف في النافع قال: «و يكره أن يشهد لمخالف إذا خشي أنه لو استدعاه إلى الحاكم ترد شهادته» و لعل غيرها أيضا كذلك، إلى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة التي تظهر للفقيه الممارس بأدنى تأمل في نصوص المقام.

فالإنصاف عدم خلو القول بعدم وجوبه و أنه مستحب بل تركه مكروه من قوة و إن كان الفاضل في المختلف بعد أن حكى عن ابن إدريس عدم الوجوب و استدلاله بالأصل و ظهور الآية في الأداء و كون الوارد في ذلك من أخبار الآحاد قال: «و نسبة ذلك إلى أنه من أخبار الآحاد مع دلالة القرآن عليه و استفاضة الأخبار به و فتوى متقدمي علمائنا به جهل منه و قلة تأمل» اللهم إلا أن يريد ذلك بالنسبة إلى استدلاله، لما عرفت من ظهور الآية و لو بقرينة النصوص في إرادة التحمل.

نعم قد يحتمل أن يراد في الآية بناء على إرادة من تلبس بالشهادة منها الإشارة إلى مضمون النصوص المستفيضة (1)

و هو أن من دعي إلى تحمل الشهادة فتحملها وجب عليه إقامتها و من تحملها بلا استدعاء لم يجب عليه إقامتها إلا في صورة خاصة، و هي إذا علم الظلم، و حينئذ فيكون المعنى و لا يأب الشهداء عن أداء الشهادة إذا دعوا إلى تحملها و إلا فلا يجب، فيتوافق حينئذ مضمون النصوص المزبورة مع الآية، إلا أنه خلاف ما تقدم في النصوص الواردة في تفسيرها.

و كيف كان ف الوجوب على القول به على الكفاية عند المتأخرين كافة للأصل و لأولويته بذلك من الإقامة التي


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 183

ستعرف استفاضة الإجماع على كفايتها و حينئذ ف لا يتعين إلا مع عدم غيره ممن يقوم بالتحمل كغيره من الكفائي، إلا أنه كما ترى، ضرورة انقطاع الأصل بظهور الأدلة كتابا (1) و سنة (2)

في العينية، و لا قرينة على إرادة الكفائية نحو تغسيل الميت و دفنه اللذين لم يشرع فيهما التكرار حتى يراد وقوعه من كل مكلف، بل المراد إيجاد أصل الطبيعة من أي مكلف بخلاف المقام الذي لا مانع فيه من وجوب التحمل على كل من يدعى إلى الشهادة، كما هو ظاهر قوله تعالى (3) «وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ» و غيره من النصوص (4)

السابقة، بل فائدته ظاهرة، لاحتمال الغفلة و النسيان و الغيبة و الفسق و الموت و غير ذلك، و القياس على الإقامة مع بطلانه عندنا ستعرف الكلام في المقيس عليه، و لعله لذا كان المحكي عن ظاهر المفيد و الحلبي و القاضي و الديلمي و ابن زهرة العينية.

و استبعاد التزام الوجوب بدعوى المائة و المائتين إلى التحمل عليهم أجمع لا يقتضي القول بالكفائية التي هي ليست أولى من التزام الندبية حينئذ فرارا من الاستبعاد المزبور، بل لعل الأخيرة أولى، لما عرفته سابقا.

و لعل هذا أيضا من مؤيدات الندب، بل قد يؤيده أيضا أنه على القول بالوجوب يتجه التزامه على كل من دعي إليه و إن لم يكن له أهلية التحمل لفسق مثلا، لإطلاق الأدلة، و لاحتمال الفائدة بتحصيل الشياع و تجدد العدالة له، و غير ذلك. هذا كله في التحمل.

أما الأداء فلا خلاف في وجوبه بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب و السنة كقوله تعالى (5) «وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ»


1- «1» سورة البقرة: 2- الآية 282.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من كتاب الشهادات.
3- «3» سورة البقرة: 2- الآية 282.
4- «4» الوسائل- الباب- 1- من كتاب الشهادات.
5- «5» سورة البقرة: 2- الآية 283.

ج 41، ص: 184

و في

خبر جابر (1) المروي بعدة طرق في كتب متعددة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ مسلم أو ليزوي مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة و لوجهه ظلمة مد البصر، و في وجهه كدوح تعرفه الخلائق باسمه و نسبه، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): ألا ترى إن الله تعالى يقول وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ (2)»

و في حديث المناهي (3)

«نهى عن كتمان الشهادة، قال: و من كتمها أطعمه الله تعالى لحمه على رؤوس الخلائق، و هو قول الله عز و جل وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ (4)»

و في

حديث النص على مولانا الرضا (عليه السلام) (5) أنه قال: «و إن سئلت عن الشهادة فأدها، فإن الله تعالى يقول إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (6) و قال وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً (7)»

إلى غير ذلك من النصوص، إلا أنها أجمع كما ترى ظاهرة في الوجوب عينا.

إلا أن ظاهر الأصحاب الإطباق على الكفائية بل استفاض في عباراتهم نقل الإجماع و نفي الخلاف على ذلك، مؤيدا بظهور كون الحكمة في وجوب الأداء و حرمة الكتمان ضياع الحق، و من المعلوم عدم توقف ذلك على شهادة الجميع، و أنه يكفي فيه ما يقوم به من الشهود دون ما زاد، و هذا معنى الكفائي.

نعم ظاهر الأكثر عدم الفرق في ذلك بين كون تحمل الشهادة بالاستدعاء و عدمه، لصدق اسمها على وجه تندرج في ما سمعته من الأدلة


1- «1» الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
2- «2» سورة الطلاق: 65- الآية 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشهادات- الحديث 4.
4- «4» سورة البقرة: 2- الآية 282.
5- «5» الوسائل- الباب- 2- من كتاب الشهادات- الحديث 5.
6- «6» سورة النساء: 4- الآية 58.
7- «7» سورة البقرة: 2- الآية 140.

ج 41، ص: 185

على وجوب الأداء و حرمة الكتمان، خلافا للمحكي عن جماعة كالشيخ و ابن الجنيد و أبي الصلاح و القاضي و ابني زهرة و حمزة، فلم يوجبوا الأداء مع عدم الاستدعاء للتحمل إلا إذا علم فوات الحق، للنصوص التي قدمناها سابقا في مسألة صيرورة الشاهد شاهدا لو سمع الإقرار و إن لم يدع للشهادة (1) و ذكرنا تحقيق الحال هناك و أن ما ذكره الفاضل في المختلف من لفظية النزاع في غير محله، كالاحتمالات المذكورة في كشف اللثام للنصوص المزبورة.

و منه يعلم ما في الذي أطنب به في الرياض هنا، حيث إنه بعد أن ذكر النصوص المزبورة دليلا للكفائية التي حكي الإجماعات المتعددة عليها و بها خرج عن مقتضى العينية التي هي مفاد الأدلة السابقة قال: «و بالجملة دلالة هذه النصوص بعد ضم بعضها إلى بعض على عدم الوجوب و كونه كفاية لا عينا في ما زاد عدد الشهود على العدد المعتبر شرعا واضحة، و لا إشكال فيها من هذه الجهة، بل الاشكال فيها إنما هو من حيث دلالتها على التفصيل بين صورتي الاستدعاء للتحمل للشهادة فيجب الإقامة عينا مطلقا و لو زاد عددهم عن المعتبر شرعا، و عدمه فيجب كفاية مع الزيادة و عينا مع عدمها، و هو مخالف لما عليه جمهور أصحابنا المتأخرين حيث حكموا بوجوب الإقامة كفاية مطلقا و لو في الصورة الأولى مع الزيادة، و ادعوا إجماعاتهم المتقدمة على ذلك كذلك، إلا أن جمهور قدماء الأصحاب كالشيخ في النهاية و الإسكافي و القاضي و الحلبي و ابني زهرة و حمزة على التفصيل المتقدم إليه الإشارة، و استدل لهم زيادة على ذلك بأنه مع عدم الاستدعاء لم يؤخذ منه التزام، بخلاف ما إذا تحمل قصدا فإنه يكون ملتزما كضمان الأموال، و المسألة عند العبد محل تردد- إلى أن


1- «1» راجع ص 99- 104.

ج 41، ص: 186

قال-: إن الأقرب الأول» أي التفصيل المزبور ثم ذكر ما ذكر.

و لا يخفى عليك ما فيه من النظر من وجوه، حتى تحريره للخلاف على الوجه الذي ذكره، فإنك قد عرفت تصريح النهاية و غيرها بعدم الوجوب أصلا إلا مع العلم بالظلم في صورة عدم الاستدعاء للتحمل، كما هو مضمون النصوص، و ليس هو من الوجوب الكفائي قطعا، و إلا كان مقتضاه الوجوب إلا إذا علم قيام الغير مقامه، فيسقط كما هو ضابط الوجوب الكفائي.

و أغرب من ذلك حمله في ما تركناه من كلامه الإجماعات المحكية على الكفائية على صورة عدم الاستدعاء للتحمل التي هي إن لم تكن مرجوحة الاندراج في إطلاق كلامهم فهي مساوية للصورة الأخرى، ثم قال بعد ذلك: «و من هنا يظهر جواب آخر عن الإجماعات المحكية على وجوب الإقامة كفائية على الإطلاق، لوضوح كون المدعى فيها كفائية في نفسه المجامعة للعينية بالعرض، و لا مانع في كون الاستدعاء من العوارض».

و هو من غرائب الكلام، فالتحقيق في المسألة ما عرفت، و هو الوجوب كفاية في صورة الاستدعاء للتحمل و عدم الوجوب أصلا في صورة عدم الاستدعاء إلا إذا علم الظلم كما أوضحناه سابقا و نقول هنا زيادة على ذلك: يمكن أن يكون محل كلامهم في المقام خصوص الشهادة في صورة المخاصمة التي تقام عند الحاكم، و أما الشهادات في غيرها كالشهادة بالاجتهاد و العدالة و نحوها مما لا ترجع إلى مخاصمة عند الحاكم و لا يراد إثباتها عنده فلا يبعد القول بوجوبها عينا على كل من كانت عنده، و لا مدخلية لكيفية التحمل فيها، لظهور الأدلة السالمة عن المعارض بالنسبة إلى ذلك بعد تنزيل الإجماعات المزبورة على غير هذه الصورة التي لا غرض بمقدار مخصوص منها، بل ربما كان الغرض تعدد الشهادة فيها لكونه أتم

ج 41، ص: 187

للمقصود، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا يخفى عليك الحال في حكم الكفائي في صورة وجوبه ف ان من المعلوم وجوبه على المكلف به و أنه إن قام به غيره سقط عنه، فان امتنعوا عنه أجمع لحقهم الذم و العقاب و أنه لو عدم الشهود إلا اثنان تعين عليهما بل لو بقي واحد تعين عليه أيضا و إن لم يقم به تمام الحجة إن كان الحق مما يثبت بالشاهد و اليمين و إلا فلا إن لم يحتمل وجوب (وجود ظ) من يتم معه العدد، بل قد يقال بوجوب الأداء عليه و إن لم يحتمل، لإطلاق الأدلة، و ربما كان للمشهود له به نفع.

هذا و في الرياض «قالوا: و لو لم يعلم صاحب الحق بشهادة الشاهد وجب عليه تعريفه إن خاف بطلان الحق بدون شهادته و لا بأس به».

قلت: المتجه فيه بناء على ما عرفت أنه إن كان متحملا لها باستدعاء و لكن نسيه مثلا صاحب الحق وجب عليه الشهادة بطلب صاحب الحق لها ممن كانت عنده ما لم يعلم قيام الغير بها على نحو غيرها، نعم لو خاف سقوطها بالتبرع بها عرف صاحب الحق ذلك ليدعوه لها بالخصوص، و إن لم يكن تحمله لها باستدعاء لم يجب عليه إلا إذا علم الظلم بدونها.

هذا و في الرياض «و لو لم يكن الشهود عدولا فإن أمكن ثبوت الحق بشهادتهم و لو عند حاكم الجور وجب الاعلام أيضا للعموم، و إلا فوجهان، أجودهما الوجوب لذلك مع إمكان حصول العدالة بالتوبة».

قلت: كان الأجود أيضا وجوب الشهادة عليهم إذا دعوا إليها و لو عند حاكم العدل.

و على كل حال ف لا يجوز لهما أي الشاهدين التخلف عن أداء الشهادة حيث تجب عليهما إلا أن تكون

ج 41، ص: 188

الشهادة مضرة بها ضررا معتدا به أو بأحد المؤمنين أو المشهود عليه أو له غير مستحق فإنها لا تجب حينئذ بلا خلاف أجده فيه، لقاعدة لا ضرر و نفي العسر و الحرج،

و في الخبر (1)

«أقم الشهادة- إلى أن قال-: و إن خفت على أخيك ضيما فلا»

و في آخر (2)

«قلت له:

رجل من مواليك عليه دين لرجل مخالف يريد أن يعسره و يحبسه و قد علم الله تعالى أنه ليس عنده و لا يقدر عليه و ليس لغريمه بينة هل يجوز له أن يحلف له ليدفعه عن نفسه حتى ييسر الله تعالى له و إن كان عليه الشهود من مواليك قد عرفوه أنه لا يقدر هل يجوز أن يشهدوا عليه؟ قال؟ لا يجوز أن يشهدوا عليه و لا ينوى ظلمه؟»

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي لا يعارضها ما في بعض نسخ الخبر الأول بدون «فلا». و بالجملة إقامة الشهادة كغيرها من الواجبات التي تسقط مع الضرر.

و احترز بالمستحق عما لو كان للمشهود عليه حق على الشاهد يطالبه عليه على تقدير الشهادة و يمهله به أو يسامحه بدونها، فلا يعد ذلك عذرا، لأنه مستحق عليه مع فرض قدرته على الوفاء به كما هو واضح.

هذا و في المسالك «و اعلم أن إطلاق الأصحاب و الأخبار يقتضي عدم الفرق في التحمل و الأداء بين كونه في بلد الشاهد و غيره مما يحتاج إلى مشقة، و لا بين السفر الطويل و القصير مع الإمكان، هذا من حيث السعي أما المئونة المحتاج إليها في السفر من الركوب و غيره فلا يجب على الشاهد تحملها، بل إن قام بها المشهود له و إلا سقط الوجوب، فان الوجوب في الأمرين مشروط بعدم توجه ضرر على الشاهد غير مستحق، و إلا سقط الوجوب» قلت: قد يقال إن السفر الطويل و نحوه من المشقة و العسر أيضا فتأمل جيدا، و الله العالم.


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 189

[الطرف الرابع في الشهادة على الشهادة]

الطرف الرابع في الشهادة على الشهادة و هي مقبولة عندنا في الجملة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعل المحكي منه على ذلك متواترة، كما أنه يمكن دعوى القطع به من مجموع النصوص المستفاد منها ذلك صريحا و فحوى، ك

خبر محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الشهادة على شهادة رجل و هو بالحضرة في البلد، قال: نعم، و لو كان خلف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه من أن يحضر و يقيمها فلا بأس بإقامة الشهادة على شهادته»

و غيره من النصوص التي تسمعها في الأثناء العاضدة له مضافا إلى ما عرفته من الإجماع و غيره التي منها يعلم أن لا وجه لوسوسة بعض الناس في سنده.

فما في

خبر غياث بن إبراهيم (2) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «أن عليا (عليه السلام) قال: لا تقبل شهادة رجل على رجل حي و إن كان باليمين»

شاذ أو محمول على التقية، كما قيل و إن كان فيه ما فيه، لما ستعرف من ظهور الخبرين الآتيين في اكتفاء أبي حنيفة بالواحد، فالأولى حمله على ما في

خبره الآخر (3) عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «أن عليا (عليه السلام) كان لا يجيز شهادة رجل


1- «1» الوسائل- الباب- 44- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 44- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 44- من كتاب الشهادات- الحديث 4.

ج 41، ص: 190

على شهادة رجل إلا شهادة رجلين على شهادة رجل»

و خبر طلحة بن زيد (1) عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «انه كان لا يجيز شهادة رجل على رجل إلا شهادة رجلين على رجل»

و في الفقيه (2) قال الصادق (عليه السلام): «إذا شهد رجل على شهادة رجل فان شهادته تقبل، و هي نصف شهادة، و إن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبت شهادة رجل واحد».

و كيف كان ف هي مقبولة في حقوق الناس غير الحد منها عقوبة كانت كالقصاص، أو غير عقوبة كالطلاق و النسب و العتق، أو مالا كالقراض و القرض و عقود المعاوضات، أو ما لا يطلع عليه الرجال غالبا كعيوب النساء و الولادة و الاستهلال و غير ذلك مما هو حق آدمي غير الحد بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع أيضا بقسميه عليه، لإطلاق نصوص المقام المعتضد بعموم ما دل (3)

على قبول شهادة العدلين في ما يشهدان به الشامل لمفروض البحث، و بقضاء الضرورة إلى ذلك، فان شهود الواقعة قد يتفق المانع من الحضور بموت و غيبة و غيرهما.

نعم لا تقبل في الحدود المبنية على التخفيف و الدرء بالشبهة، و ل

خبر طلحة بن زيد (4) عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «إنه كان لا يجيز شهادة على شهادة في حد»

و خبر غياث بن إبراهيم (5) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «قال علي (عليه السلام):

لا تجوز شهادة على شهادة في حد».


1- «1» الوسائل- الباب- 44- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 44- من كتاب الشهادات- الحديث 5.
3- «3» سورة الطلاق: 65- الآية 2 و الوسائل- الباب- 51- من كتاب الشهادات.
4- «4» الوسائل- الباب- 45- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
5- «5» الوسائل- الباب- 45- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

ج 41، ص: 191

بل مقتضاهما عدم الفرق فيها سواء كانت لله محضة كحد الزناء و اللواط و السحق أو مشتركة بينه تعالى و بين الآدمي كحد السرقة و القذف و إن كان المجمع عليه نقلا و تحصيلا الأولى منها، و أما الأخيران و نحوهما ف على خلاف فيهما إلا أن المشهور كما اعترف به غير واحد ذلك أيضا، لعموم الخبرين السابقين المعتضدين بما عرفت.

خلافا للمحكي عن المبسوط و ابن حمزة و فخر الإسلام و الشهيد في النكت، و اختاره في المسالك قال: «لعدم دليل صالح للتخصيص بعد ضعف الخبرين المزبورين» و فيه ما لا يخفى من انجبار الضعف بما عرفت فلا ريب في أنه الأقوى، نعم يقوى جريانها في حقوق الله غير الحد كالزكاة و أوقاف المساجد و الجهات العامة و الأهلة كما نص عليه في المسالك، للإطلاق المؤيد بإشعار الاقتصار على الحد بالقبول في غيره.

لكن قد يتوهم من المتن و غيره عدم جريانها في ذلك، بل في كشف اللثام «و كذا لا تثبت في سائر حقوق الله تعالى كما قطع به الأصحاب، و منه الأهلة» و لذا قال في التذكرة: «لا يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة عند علمائنا، لأصالة البراءة و اختصاص ورود القبول بالأموال و حقوق الآدميين».

و لكن لا يخفى عليك أن عموم الأدلة و إطلاق خصوصها يقتضي ثبوتها، و يمكن إرادة المصنف و غيره من حقوق الآدمي ما يشمل ذلك كله، خصوصا بعد اقتصارهم في المنع على الحد، بل قد عرفت القول بثبوتها في الحد المشترك تغليبا لحق الآدمي و إن كان الأصح ما عرفت، كما أنه يقوى ثبوت غير الحد من الأحكام المترتبة على موضوع الحد بها، كنشر الحرمة بأم الموطوء و أخته و بنته و بنت العمة و الخالة بالزناء بهما، و كثبوت المهر للمزني بها المكرهة و غير ذلك، ضرورة أنك قد عرفت غير مرة

ج 41، ص: 192

عدم التلازم بين سقوط الحد المبني على التخفيف و الدرء بالشبهة و بين سقوطها، فتبقى على مقتضى عموم الأدلة، و كون الجميع معلول علة واحدة لا يقتضي ذلك بعد ما عرفت من سقوط أحدها بالشبهة التي لا تنافي الثبوت ظاهرا بالنسبة إلى غيره، خصوصا في مثل العلل الشرعية التي هي معرفات.

نعم الظاهر عدم ثبوت التعزير بها في ما يوجبه، لاحتمال كون المراد بالحد هنا ما يشمله، لاشتراكه معه في البناء على التخفيف، بل صريح المصنف في ما يأتي ذلك.

و كذا لا تقبل الشهادة الثالثة فصاعدا بلا خلاف أجده فيه، بل حكى غير واحد الإجماع عليه في بحث الشياع، بل في الرياض منافي ظاهر التحرير و المسالك و صريح الغنية و المحكي عن الماتن و المقدس الأردبيلي و غيرهم الإجماع عليه أيضا، و هو الحجة، مضافا إلى الأصل بعد اختصاص ما دل على قبول الشهادة على الشهادة بالثانية دون ما زاد، و خصوص

الخبر (1) المنجبر بما عرفت «و لا تجوز شهادة على شهادة على شهادة».

و كيف كان ف لا بد في شهادة الفرع أن يشهد اثنان بلا خلاف و لا إشكال لما سمعته من النصوص و لأن المراد إثبات شهادة الأصل، و هو لا يتحقق بشهادة الواحد الذي هو نصف البينة و حينئذ لو شهد على كل واحد اثنان صح بلا خلاف فيه بيننا و بين من أجاز شهادة الفرع من العامة.

و كذا في الصحة عندنا لو شهد اثنان على شهادة كل واحد من شاهدي الأصل بل و كذا لو شهد شاهد أصل و هو مع آخر على شهادة أصل آخر إذ كونه شاهد أصل لا ينافي كونه مع


1- «1» الوسائل- الباب- 44- من كتاب الشهادات- الحديث 6.

ج 41، ص: 193

ذلك شاهد فرع و كذا لو شهد اثنان على جماعة كفى شهادة الاثنين على كل واحد منهم، و كذا لو كان شهود الأصل شاهدا و امرأتين فشهد على شهادتهم اثنان أو كان الأصل نساء أربعا في ما تقبل فيه شهادتهن منفردات كفى شهادة اثنين عليهن كل ذلك و غيره لعموم الأدلة المقتضية قبول شهادة العدلين اتحد المشهود به أو تعدد، و كذا المشهود عليه.

خلافا للمحكي عن الشافعي في أحد قوليه فاعتبر المغايرة في شهود كل فرع، و حينئذ يعتبر شهود أربعة على الشاهدين، و على الرجل و المرأتين ستة، و على الأربع نساء ثمانية و هكذا.

و ضعفه واضح حتى على ما قيل من أن مبنى الخلاف في جواز كون الأصل فرعا و عدمه، على أن الإشهاد على الشهادة هل هو لإثبات الشهادة أو لحكم النيابة عنها؟ فعلى الأول الذي هو مذهب الأصحاب يجوز أن يكون الأصل فرعا، لا على الثاني الذي احتمله في الدروس، لأنه لا يصح أن يكون نائبا عن نفسه و غيره، لأن قيامه بنفسه يستدعي استغناءه عن الغير، و نيابته تقتضي افتقاره، فلا يجتمعان، إذ قد يقال بكفاية التغاير الاعتباري عليه نحو ما سمعته في اتحاد الموجب و القابل، و الأمر سهل بعد وضوح الحال عندنا، لكن في الرياض بعد أن ذكر الإطلاق دليلا للأصحاب حاكيا له عن جمع قال: «و في التمسك به لو لا الإجماع نظر» و لا أعرف وجه النظر الذي أضمره في نفسه، كما أني لم أعرف أحدا سبقه إلى ذلك.

نعم في القواعد الإشكال في الاجتزاء باثنين في شهود الزناء بالنسبة إلى ترتب نشر الحرمة و المهر لا الحد من أن المقصود حق الآدمي من المهر و غيره، و من أنه تابع للزناء و نحوه فلا يثبت إلا بثبوته و لا يثبت

ج 41، ص: 194

إلا بأربعة، و أنه لا بد في الأصل من أربعة، و هو لا يكون أسوأ حالا من الفرع، أو من أن الفرع نائب عن الأصل فيشترط الأربعة، أو لا يثبت به إلا شهادة الأصل فيكفي الاثنان.

و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا، على أن الذي سمعته من العامة هو أحد قولي الشافعي، و إلا فالذي يظهر من خبري البزنطي (1)

و ابن هلال (2) عن الرضا (عليه السلام) اكتفاؤهم بالواحد على شهادة المائة،

قال في الأول: «سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: قال أبو حنيفة لأبي عبد الله (عليه السلام): تجيزون شهادة و يمين، قال:

نعم قضى به رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قضى به علي (عليه السلام) بين أظهركم بشاهد و يمين، فتعجب أبو حنيفة فقال أبو عبد الله (عليه السلام): العجب من هذا أنكم تقضون بشاهد واحد في مائة شاهد، فقال: لا نفعل، فقال: بلى تبعثون رجلا واحدا فيسأل عن مائة شاهد فتجيزون شهادتهم بقوله، و إنما هو رجل واحد»

و قال في الثاني: «إن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال له أبو حنيفة: كيف تقضون باليمين مع الشاهد الواحد؟ فقال جعفر (عليه السلام): قضى به رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قضى به علي (عليه السلام) عندكم، فضحك أبو حنيفة، فقال له جعفر (عليه السلام): أنتم تقضون بشهادة واحد على شهادة مائة، فقال: ما نفعل، فقال: بلى، يشهد مائة فترسلون واحدا يسأل عنهم تجيزون شهادتهم بقوله»

و منه يعلم ما في حمل الخبر الأول على التقية، اللهم إلا أن يراد منهما الاجتزاء بالواحد في التعريف، لكنه مع أنه خلاف ظاهرهما خلاف المعهود منهم، بل ظاهر ما سمعته من نصوص الشهادة على الامرأة عدم اجتزائهم بشهود التعريف


1- «1» الوسائل- الباب- 14- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 17- من كتاب القضاء.
2- «2» الوسائل- الباب- 14- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 13- من كتاب القضاء.

ج 41، ص: 195

مع التعدد فضلا عن الاتحاد، و الله العالم.

و كيف كان ف للتحمل مراتب مأخوذة من معنى الشهادة على الشهادة، و إلا فليس في النصوص لها أثر، نعم في

خبر عمر بن جميع (1) عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) قال:

«اشهد على شهادتك من ينصحك، قال: أصلحك الله كيف؟ يزيد و ينقص، قال: لا و لكن يحفظها عليك، و لا تجوز شهادة على شهادة على شهادة»

و في المسالك و غيرها «أنه لا يجوز للفرع التحمل إلا إذا عرف أن عند الأصل شهادة جازمة بالمشهود عليه» بل في الرياض نفي الخلاف فيه، لأنه المتبادر و المعنى الحقيقي للشهادة على الشهادة، قلت:

لكن طريقه إلى ذلك لفظ الأصل و لو بأن يؤديه بعنوان أنه شهادة، أو يعتبر مع ذلك أمر آخر، و ستعرف تحقيق الحال فيه.

و على كل حال ف أتمها أي المراتب أن يقول شاهد الأصل: اشهد أو أشهدتك على شهادتي أني أشهد على فلان بن فلان لفلان بن فلان بكذا، و هو الاسترعاء أي التماس شاهد الأصل رعاية شهادته و الشهادة بها، أو يقول: إذا استشهدت على شهادتي فقد أذنت لك في أن تشهد، و ربما قيل: إن الاسترعاء هو أن يقول: أشهدك عن شهادتي، و الفرق بين «عن» و «على» أن قوله: «أشهدك على شهادتي» تحميل، و قوله: «عن شهادتي» إذن في الأداء، فكأنه يقول: أدها عني، إذ لإذنه أثر في ذلك، ألا تراه لو قال له بعد التحميل: «لا تؤد عني تلك الشهادة» امتنع عليه الأداء، و من هنا يحكى عن بعضهم ترجيح «عن» على «على» بل ناقش في «على» بأنها تقتضي كون الشهادة مشهودا عليها، و إنما هي مشهود بها، و المشهود


1- «1» الوسائل- الباب- 44- من كتاب الشهادات- الحديث 6 عن عمرو بن جميع.

ج 41، ص: 196

عليه الشاهد، و لا بد من التمييز بين المشهود به و له و عليه.

لكن لا يخفى عليك ما في هذه الكلمات التي هي في الحقيقة من اللغو، و هي بالعامة أليق منها بالخاصة، ضرورة كون المراد واضحا و نصوص المقام مملوة من لفظ «الشهادة على الشهادة» و ليس هو إلا لظهور المراد بها، و الاذن لا مدخلية لها في ذلك، إلا أن يستفاد من عدمها الرجوع عن الشهادة، و هو خروج عما نحن فيه، فالمدار حينئذ على تحميل الأصل ذلك بعنوان أنها شهادة منه. و على كل حال فلا خلاف في جواز التحمل بالاسترعاء المزبور كما اعترف به غير واحد، بل في جملة من الكتب الإجماع عليه.

و أخفض منه أي الاسترعاء أن تسمعه يشهد عند الحاكم فإنه يجوز له التحمل به و إن لم يسترعه، كما صرح به جماعة، لصدق كونها شهادة على شهادة إذ لا ريب في تصريحه هناك بالشهادة بل إقامته إياها عند الحاكم العدل للحكم بها أقوى من التصريح الأول في الاسترعاء أو مساو له، بل للحاكم أن يشهد بها عند حاكم آخر، فما عن ظاهر ابن الجنيد- من منع التحمل بها لأنه خص القبول بالاسترعاء المزبور- واضح الضعف، ضرورة عدم اعتبار التحميل في صحة التحمل لإطلاق أدلة المقام و غيرها.

بل ذكر غير واحد- منهم الشيخ في المحكي من مبسوطة- أنه يليه أي يقرب من ذلك في جواز التحمل أن يسمعه يقول عند غير الحاكم أنا أشهد على فلان بن فلان لفلان بن فلان بكذا، أو يذكر السبب، مثل أن يقول: من ثمن ثبوت أو عقار، إذ هي صورة جزم و شهادة عرفا، فتندرج في ما دل من الشهادة على الشهادة، بل تندرج في جميع الأدلة.

ج 41، ص: 197

و لكن قال المصنف و تبعه الفاضل فيه تردد من ذلك، و من اعتياد التسامح بأمثال ذلك في غير مجلس الحكومة، و احتمال الوعد و غيره، فلا يقين بإرادة المعنى الحقيقي للشهادة بذلك، خصوصا بعد استقراء حال كثير من القائلين نحو ذلك بطلب الشهادة منهم بما قالوه بعد المرافعة و المخاصمة و امتناعهم من ذلك، فلا يقين حينئذ بشهادة الأصل، و قد عرفت عدم الخلاف في اعتباره، هذا مع الكيفية المزبورة.

أما ما لو لم يذكر سبب الحق بل اقتصر على قوله:

أشهد لفلان على فلان بكذا فقد جزم غير واحد بأنه لم يصر متحملا بذلك لاعتياد التسامح بمثله و إن قال المصنف في الفرق بين هذه و بين ذكر السبب إشكال معترضا به على ما عن المبسوط باعتبار اشتمالها أيضا على الجزم الشهادي الذي ليس للعدل التسامح بمثله، فالواجب إما القبول فيهما أو الرد كذلك، و الأول بعيد، بل لم يقل به أحد، فتعين الثاني، لكن لم نجد ذلك لغيره، فإن الأصل في هذه المراتب الشيخ في محكي المبسوط، و من تأخر عنه قد وافقه على ذلك في ما حكي عنه إلا ما سمعته من تردد المصنف و الفاضل في الثالثة و إشكال المصنف خاصة في الأخيرة. و لا يخفى عليك ما في الجميع.

و من هنا أعرض جماعة من المتأخرين عن ذلك كله، و جعلوا المدار على ما عرفته سابقا من اعتبار علم الفرع بشهادة الأصل من دون فرق بين الصور كلها، حتى لو فرض عدمه في صورة الاسترعاء لقيام احتمال المزج و نحوه لم يجز التحمل، كما أنه لو فرض حصوله في الصورة الأخيرة صار متحملا.

قلت: لكن لا يخلو من إجمال أيضا، فإنه إن أريد العلم بذلك زيادة على ما يستفاد من العبارة الدالة عليه كان مطالبا بدليله، ضرورة معلومية

ج 41، ص: 198

حجية المفهوم من الألفاظ في الإقرارات و الوصايا و نحوها، و إن أريد العلم و لو بمقتضى دلالة اللفظ كان المتجه جعل ذلك هو المدار لا العلم الموهم خلاف ذلك، بل يمكن دعوى صراحة بعض الكلمات فيه، و لذا فرقوا بين الإقرار و المقام بأن المقر مخبر عن نفسه و الشاهد مخبر عن غيره الذي قد يتساهل فيه، فيحتاج فيه إلى الاحتياط بخلاف المخبر عن نفسه، و لذا لم تقبل شهادة الفاسق و المغفل و غيرهما، و يقبل إقرارهما.

و التحقيق أن الإنشاء الشهادي الذي قد قدمنا في أول الكتاب الفرق بينه و بين المعنى الاخباري ذاتا متى تحقق و لو بعبارة دالة عليه جازت الشهادة عليه، إذ هو كغيره من الإنشاء الذي يكتفى في الشهادة عليه بإيجاده بالعبارة الدالة عليه كالبيع و الإجارة و الطلاق و غيرها، و حينئذ فالمتجه جعل المدار على هذا، إلا أن تنضم قرائن تقتضي الشك في إرادته من العبارة الدالة عليه كغيره من أفراد الإنشاء.

و من ذلك يظهر لك أنه إن كان مراد الجماعة ما ذكرناه فمرحبا بالوفاق و إلا كان محلا للنظر بل و المنع، لما عرفت من عدم الدليل بالخصوص على هذه المراتب، و إنما الموجود صدق الشهادة على الشهادة، فيدور الحال مدارها.

بل منه يظهر لك النظر في ما ذكره المصنف و غيره من تفصيل شاهد الفرع و كيفية تحمله قال ففي صورة الاسترعاء يقول: أشهدني فلان على شهادته، و في صورة سماعه عند الحاكم يقول: أشهد أن فلانا شهد عند الحاكم بكذا، و في صورة السماع لا عنده يقول: أشهد أن فلانا شهد على فلان لفلان بكذا بسبب كذا إن كان المراد من ذلك الوجوب كما صرح به في المسالك قال: «لأن الغالب في الناس الجهل بطريق التحمل، فربما استند إلى سبب لا يجوز التحمل به، و لما عرفته من

ج 41، ص: 199

الاختلاف في المراتب، فربما أطلق الشهادة و كانت مستندة إلى سبب يجوز عنده و لا يجوز عند الحاكم» ضرورة عدم الدليل على ذلك، بل إطلاق الأدلة خصوصا نصوص المقام يقتضي خلافه، لما عرفت من كون المراد على صدق الشهادة على الشهادة، مضافا إلى ما عرفت من كون المقام على حسب غيره من أفراد الشهادة، فليس ما يشهد به الشاهد من الشهادة إلا كغيره مما يشهد به الذي لا يعتبر فيه شي ء من ذلك كما هو واضح.

و لا تقبل شهادة الفرع إلا عند تعذر حضور شاهد الأصل عند المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عن الخلاف الإجماع عليه، بل قيل: لا يكاد يتحقق فيه خلاف حتى من الخلاف و إن حكي فيه عن بعض الأصحاب، و قيل: مال إليه، لدعواه الإجماع على الاشتراط، و عدم وضوح ميلة إلى ما نقله عن البعض إلا من حيث ذكره دليله ساكتا عليه، و لعل وجهه اكتفاؤه في رده بالإجماع الذي قدمه، و لعل البعض الذي نقل الخلاف عنه هو والد الصدوق كما عن جماعة حكايته عنه، لكن عن مختلف الفاضل إنكاره بعد أن حكى نسبته إليه عن الحلي، و يحتمل أن يكون هو الإسكافي كما عن الدروس حكايته عنه إلى أن قال: «و كيف كان فلا ريب في ندرته و مخالفته الإجماع الظاهر و المحكي».

قلت: و لكن مع ذلك كله ففي كشف اللثام تبعا له «الأقوى عدم الاشتراط، كما يظهر من الخلاف الميل إليه، لضعف هذه الأدلة، و الأصل القبول، قال الشيخ: و أيضا روى أصحابنا أنه إذا اجتمع شاهد الأصل و الفرع و اختلفا فإنه تقبل شهادة أعدلهما، حتى أن في أصحابنا من قال:

إنه تقبل شهادة الفرع و تسقط شهادة الأصل» و مثله المقدس الأردبيلي حاكيا له عن الصدوق.

ج 41، ص: 200

و فيه أنه يكفي في قطع الأصل خبر محمد بن مسلم (1)

المتقدم المنجبر بالإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة أو الإجماع المحصل و بما قيل من أن الفرع أضعف، و لا جهة للعدول إليه عن الأقوى إذا أمكن، و من الافتقار إلى البحث عن الأصل و الفرع جميعا، و هو زيادة مئونة و إن كانا هما كما ترى، و بما سمعته من الأدلة على وجوب الإقامة على شاهد الأصل و بغير ذلك مما هو إن لم يكن مثبتا للمطلوب فلا أقل من الشك منه في تناول دليل الاجتزاء بشهادة الفرع للفرض، و الأصل عدم القبول، و ما ذكره من رواية أصحابنا لا ينافي ذلك كما ستعرف، و خصوصا بعد إمكان كون إنكار الأصل أو نسيانه من أسباب التعذر كما في كشف اللثام.

و كيف كان ف يتحقق العذر بالمرض و ما ماثله و بالغيبة و لا تقدير لها عندنا خلافا لبعض العامة، فاعتبر مسافة القصر، و منهم من اعتبر تعذر الرجوع إلى منزله ليبيت فيه و إنما ضابطه أي العذر عندنا مراعاة المشقة على شاهد الأصل في حضوره بحيث تصلح لإسقاط وجوب الإقامة عنه، كما هو مقتضى

قول الباقر (عليه السلام) (2): «إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه من أن يحضر و يقيمها»

فلا بد حينئذ في الاجتزاء بشهادة الفرع من العلم بتعذر الإقامة على شاهد الأصل، و لا يكفي تعذر إحضار صاحب الحق إياه.

و من هنا ينقدح إشكال بناء على ما سمعته من المسالك سابقا من أنه يجب على الشاهد السفر و لو طويلا لإقامة الشهادة، و هو عدم الاجتزاء حينئذ بشهادة الفرع بمجرد غيبة شاهد الأصل، لاحتمال تمكنه من الحضور، نعم يرتفع الاشكال بناء على ما قلناه من عدم وجوب ذلك على الشاهد، للضرر و العسر و الحرج، فتأمل.


1- «1» الوسائل- الباب- 44- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 44- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 201

ثم إن الظاهر مراعاة الشرط المزبور إلى حين إقامتها، فلو فرض ارتفاع العذر بعد إقامتها قبل حكم الحاكم لم يمنع ذلك من قبولها، نعم لو ارتفع قبل الإقامة لم يجز بها، كما تسمع تحقيق الحال فيه إن شاء الله.

و من ذلك يظهر الوجه في ما ذكره المصنف و غيره من أنه لو شهد شاهد الفرع فأنكر الأصل فالمروي العمل بشهادة أعدلهما، فإن تساويا أطرح الفرع ففي

الصحيح المروي في الكافي و التهذيب(1) و الفقيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال: لم أشهده، فقال: تجوز شهادة أعدلهما» و زاد في الفقيه «و إن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته»

و كذا في

صحيح ابن سنان (2) المروي في الكافي و التهذيب، لكن زاد في الأول عوض زيادة الفقيه في الخبر السابق «و لو كان عدلهما واحدا لم تجز الشهادة» و في الثاني «و لو كان عدلهما واحدا لم تجز شهادته».

و على كل حال ففي المتن و النافع و هو يشكل بما أن الشرط في قبول الفرع عدم الأصل و عن الشيخ في النهاية و القاضي و الصدوقين العمل بهما، بل و ابن حمزة لكن في ما إذا أنكر بعد الحكم، و أما قبله فيطرح الفرع، و قريب منه الفاضل في المختلف، و كأنهما لحظا بذلك الجمع بين ما دل على اشتراط تعذر حضور الأصل في سماع شهادة الفرع و بين الخبرين المزبورين بحملهما على ما بعد الحكم و السابقة على العكس، فيندفع حينئذ الإشكال الذي ذكره المصنف.


1- «1» الوسائل- الباب- 46- من كتاب الشهادات الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 46- من كتاب الشهادات- الحديث 3 و الموجود في الكافي ج 7 ص 399 «و لو كان أعدلهما واحدا لم تجز شهادته عدالة فيهما» و في التهذيب ج 6 ص 256 «و لو كان أعدلهما واحدا لم تجز شهادته».

ج 41، ص: 202

لكن فيه أنه لا شاهد لهذا الجمع، بل ظاهر ما تسمعه من المصنف و غيره تقييد جميع الأدلة المزبورة بعكس ذلك معربين عن عدم الخلاف في عدم الالتفات إلى الإنكار بعد الحكم معللين بنفوذه، فيستصحب، بل نسبه الأردبيلي إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، فلا إشكال حينئذ في فساده، و كذا ما عن الإسكافي من عدم الالتفات إلى إنكار الأصل و لو قبل الحكم مع أعدلية أحدهما أو تساويهما فيها، ضرورة منافاته لجميع الأدلة السابقة.

و من هنا تصدى المصنف لدفع الاشكال المزبور بقوله و ربما أمكن دفعه بفرض موضوع المسألة في ما لو قال الأصل: لا أعلم لا إذا كذب الفرع، و وافقه عليه الفاضل في القواعد و محكي التحرير و ولده في المحكي من شرحه.

لكنه كما ترى، إذ هو- مع منافاته للمشهور بين الأصحاب من عدم قبول شهادة الفرع مع حضور شاهد الأصل الذي هو أعم من إقامتها أو تركها لعدم العلم بها- لا شاهد له، بل لا وجه حينئذ للعمل بقول الأعدل إذا كان هو الأصل، ضرورة عدم شهادة له، فيتجه حينئذ العمل بشهادة الفرع و إن كان الأصل أعدل فضلا عن التساوي، بل قيل:

هو مناف لمنطوق الرواية، و هو «لم أشهده» و من هنا استوجه بعض الناس طرح الخبرين المزبورين ترجيحا لتلك الأدلة السابقة عليهما، خصوصا بعد اشتمال ظاهرهما على قبول شهادة الرجل الواحد على الواحد الذي هو مخالف لما عرفت من الإجماع و النصوص.

و في الرياض «هذا مذهب الشيخ في المبسوط و الحلي و ابن زهرة و الفاضلين و غيرهم. و بالجملة أكثر المتأخرين بل المشهور مطلقا كما في المسالك و غيرها، و زاد الأول فنسبه كالشهيد في النكت إلى عامة المتأخرين

ج 41، ص: 203

معربين عن دعوى إجماعهم عليه- ثم قال-: و لعله أقرب، للشهرة المرجحة للأدلة المتقدمة على هذه الرواية، سيما مع ما هي عليه من الكثرة و الاعتضاد من أصلها بالشهرة، بل الإجماع كما عرفته».

و عن ابن إدريس زيادة الاشكال السابق (أولا) بأن الفرع إنما يثبت شهادة الأصل، فإذا كذبه الأصل حصل الشك في المشهود به، فكيف يحكم على وفقه!!. و (ثانيا) بأنه إذا كذبه صار فاسقا عنده فما الفائدة في إثبات شهادته، بل يثبت كذب أحدهما و أيهما كذب بطلت الشهادة، و (ثالثا) بأن الشاهد إذا رجع قبل الحكم لم يحكم. و (رابعا) بأن الأصل لا حكم و لا شهادة و بقاء الأموال عند أربابها، و هذا حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل.

و في غاية المراد دفع أصل الإشكال بأنه لا يلزم من أنه يشترط في إحضار شاهد الفرع تعذر الأصل أن يكون ذلك في السماع، سلمنا لكن المراد إذا كان الأصل و الفرع متفقين، فإنه حينئذ لا يحتاج إلى شهادة الفرع للاستغناء بالأصل، و زيادة الكلفة بالبحث عن الجرح و التعديل، أما مع التناكر فيمتنع تناول العبارة، و بالجملة لم يصرحوا بأن ذلك مناف لشهادة الفرع، بل ظاهر كلامهم أن سماع شهادة الفرع مشروط بتعذر شاهد الأصل إذا كان يشهد، و المنكر لم يشهد».

قلت: لا يخفى عليك جامعية الخبرين لشرائط صحة العمل بهما سندا و عملا، فإن الأصحاب بالجملة قد عملوا بهما و إن اختلفوا في كيفيته حتى المصنف هنا و الفاضل في القواعد و غيرهما في صورة قول الأصل:

«لا أعلم» بل الفاضل الأصبهاني اختار عدم اشتراط قبول شهادة الفرع بتعذر حضور الأصل حاكيا له عن ظاهر الشيخ في الخلاف لهذين لخبرين الصحيحين، و كذا المقدس الأردبيلي بعد أن أطنب في فساد الجمع بين

ج 41، ص: 204

الصحيحين و بين الاشتراط المزبور. و بالجملة لا ريب في العمل بهما في الجملة من كثير من الأصحاب.

و المناقشة فيهما بظهورهما في الاجتزاء بشهادة الواحد في الفرع واهية، ضرورة إرادة الجنس من الرجل فيه، على أن مساقها لغير ذلك، بل الواحد فيها لا ينفي غيره.

و أما معارضة ما دل على اشتراط عدم حضور الأصل فعلى فرض كون الرجحان ينبغي الاقتصار فيه على مقدار المعارضة لا أزيد، و هو ما إذا كان قبل إقامة الشهادة، أما بعدها فليس في تلك الأدلة ما يقتضي اشتراطها أيضا بعدم حضور الأصل، بل ظاهر دليل الشرطية القبول حينئذ، فيبقى الخبران حينئذ سالمين عن المعارض في ذلك، فيعمل بمضمونهما.

و دعوى شمولهما أيضا لما بعد الحكم ممنوعة، على أنه يدفعها وقوع الحكم صحيحا فيستصحب، و لإطلاق ما دل على نفوذ حكم الحاكم ما لم يعلم بطلانه، و لا أقل من ترجيح ما دل على ذلك عليهما لو سلم تناولهما للحال المزبور بالشهرة العظيمة أو الإجماع ظاهرا كما سمعته من المقدس الأردبيلي (رحمه الله).

و أما ما ذكره ابن إدريس من الإشكالات السابقة فبعضها كالاجتهاد في مقابلة النص، و بعضها غير وارد، ضرورة عدم استلزام قوله: «لم أشهده» الكذب المقتضى للتفسيق، لاحتمال التوهم و النسيان و غيرهما، كما أن من المعلوم عدم كون ذلك رجوعا عن الشهادة كي يندرج في ما دل عليها، بل هي من مسائل التعارض التي يرجع فيها إلى الترجيح، بل لعل مراد المصنف بفرض المسألة في صورة «لم أعلم» هو عدم التكذيب و لو بقول: لم أشهده في ما أعلم، فلا يرد عليه حينئذ ما سمعت، بل يمكن على هذا أن يكون موافقا لما قلناه كما هو المحكي عن الشيخ

ج 41، ص: 205

و الصدوقين و القاضي.

و بذلك ظهر لك ما في كلام الجميع و إن كان لكل منه وجه حتى ما حكيناه عن الشيخ و الصدوقين و القاضي مما هو ظاهر الموافقة لما قلناه، لكنهم لم يخصوه في الصورة التي فرضناها، بل مقتضى كلامهم عدم اعتبار تعذر الأصل في قبول شهادة الفرع مطلقا و لو قبل الإقامة، و لا ريب في منافاته لما دل على ذلك، فالمتجه حينئذ الجمع بما ذكرناه.

و من الغريب عدم تنبه أحد من الأصحاب لذلك مع ظهوره و لو فرض كفاية ذلك في رفع اليد عنه- مضافا إلى إمكان دعوى دليل يعذر في عدم الإمكان مطلقا- خرج ما بعد الحكم و بقي غيره، فلا محيص عن القول المشهور، إذ لا أقل من الشك حينئذ في قبول شهادة الفرع في الفرض، فيبقى على أصالة عدم الثبوت كما لا محيص حينئذ عن التزام طرح الخبرين المزبورين، و لكن الإنصاف قوة القول الأول لعدم تحقق شهرة معتد بها تقتضي رفع اليد عن الصورة المزبورة، كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم و اطلع على تشويشها و عدم تنقيحها و ظهور الدليل المزبور في عدم الإمكان عند الإقامة، فلاحظ و تأمل.

ثم إنه بناء على العمل بالخبرين المزبورين يمكن دعوى الاستفادة من فحواهما جريان الترجيح بذلك في التعارض بين شهود الفرع أيضا، بمعنى أن كلا من شهود فرع عن أصل قد شهد بعكس الآخر عن الأصل و حينئذ فيقدم الأعدل، و مع التساوي يطرح، لعدم ثبوت شهادة الأصل نحو ما سمعته في السابق، ضرورة أولوية صورة تعارض الفروع من تعارض الأصل و الفرع بذلك، و لا قرعة بعد فرض عدم الإشكال حينئذ، لظهور الدليل في الطرح المقتضي هنا لعدم ثبوت شاهد الأصل كما لا ترجيح بالأكثرية، كما يومئ إليه الترجيح بالأعدلية في صورة تعدد الفرع و اتحاد

ج 41، ص: 206

شاهد الأصل، نعم الظاهر اعتبار الأعدلية في أول الفرعين، فيجزئ حينئذ وجودها في واحد منهما على مقتضى ظاهر الخبرين، فتأمل جيدا.

و مما ذكرنا ظهر لك الحال في ما لو شهد الفرعان ثم حضر شاهد الأصل ف انك قد عرفت أنه إن كان حضوره بعد الحكم لم يقدح في الحكم وافقا أو خالفا لأصالة الصحة و لاستصحابها و غيرهما و إن كان قبله و قبل إقامة الشهادة سقط اعتبار الفرع و بقي الحكم لشاهد الأصل لما عرفت من اشتراط قبول شهادته بتعذر حضوره، بل مقتضى واقعية الشرائط السقوط أيضا في صورة عدم العلم بحضوره و إن وقع الحكم مع الجهل بالحال لاختلال الميزان حينئذ كاختلالها في ما لو حكم بشهادة من لا تقبل شهادته على المشهود عليه غفلة ثم بان الأمر بعد ذلك و إن كان بعد إقامة الفرع الشهادة فالمشهور على ما قيل السقوط أيضا، و فيه البحث السابق.

و لو تغيرت حال الأصل بفسق أو كفر أو عداوة للمشهود عليه أو عبودية له لم يحكم بالفرع كما لو طرأت عليه قبل الحكم بشهادته لأن الحكم مستند إلى شهادة الأصل حتى على قول العامة بالنيابة، فإنه إذا بطل حكم شهادة المنوب بنحو ذلك بطل حكم شهادة النائب.

نعم لو طرأ الجنون أو الإغماء لم يؤثر بناء على عدم قدح طرو ذلك في شاهد الأصل بعد إقامتها و كذا العمى و إن افتقر أداء الشهادة إلى البصر، للاستغناء هنا ببصر الفرع، ضرورة كون هذه الطواري كالموت، فالمدار حينئذ في إبطال الطاري و عدمه على إفساد شهادة الأصل بطروه عليه و عدمه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك إلا ما سمعته من ابن حمزة و الفاضل في المختلف من الحكم بأعدلهما لو اختلف الأصل و الفرع بعد الحكم، و إلا ما يحكى عن الوسيلة و جامع المقاصد من إطلاق الحكم

ج 41، ص: 207

بشهادة الفرع لو طرأ غير الفسق، و لعلهما تسامحا في العبارة.

نعم قد يشكل الفرق بين طرو الجنون و الإغماء بعد الإقامة قبل الحكم و بين طرو الفسق مثلا بعدها، لأن المانع في الأخير إن كان صدق الحكم بشهادة فاسق حينئذ فهو متحقق فيهما أيضا، اللهم إلا أن يقال:

إن ظاهر الأدلة كون الفسق مقتضيا لعدم القبول بخلافهما، فان أقصاهما عدم قبول شهادتهما فتأمل جيدا.

و على كل حال فالأقوى عدم اعتبار تجديد التحمل مع طرو الموانع المزبورة إذا فرض زوالها بعد ذلك، لعدم اقتضاء طروها حصولها في السابق الذي منه حال التحمل شرعا و لا عرفا و المفروض كونه جامعا حال التحمل، فلا يقدح طرو الأمور المزبورة بعد في حال فرض زوالها في ما قبله لإطلاق أدلة القبول.

و تقبل شهادة النساء على الشهادة و لو الرجال و لكن في ما تقبل فيه شهادة النساء منفردات كالعيوب الباطنة و الاستهلال و الوصية في ظاهر المحكي عن الإسكافي و المبسوط، لإطلاق ما دل على قبول شهادتهن فيه الشامل لذلك أصلا و فرعا، بل الثاني منهما أولى بالقبول من الأول، بل في محكي الخلاف و المختلف جواز شهادتهن في ما يقبل فيه النساء مع الرجال من الديون و غيرها، لنحو ما سمعته أيضا، بل في الأول منهما الاستدلال بالأخبار و الإجماع، و زاد في الثاني منهما «أن شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل، فإذا شهد رجلان على رجل جاز أن تشهد أربع نسوة على ذلك الرجل قضية للتساوي» بل قد يستدل له أيضا بأنه قد ثبت قبول شهادتهن مع الرجال في ما يقصد به المال، و المقصود من شهادة الأصل المال.

و لكن مع ذلك كله فيه تردد بل أشبهه المنع

ج 41، ص: 208

وفاقا للمشهور، خصوصا المتأخرين، بل لم أقف فيهم على مخالف و إن تردد فيه بعضهم، لكنه في غير محله للأصل بعد ظهور النصوص (1)

السابقة في اعتبار الرجلين في الشهادة على الشهادة السالم عن معارضة الإطلاق المزبور الظاهر في قبول شهادتهن عليه نفسه الذي لا تطلع عليه الرجال غالبا، لا الشهادة عليه التي هي عكس ذلك، و الأولوية الواضحة المنع، بل و الإجماع المزبور المتبين خلافه. و لذا قال في كشف اللثام:

«دون ثبوته خرط القتاد» و وهنه في الرياض بندرة القائل بمضمونه عدا الناقل و نادر و الأخبار المرسلة التي لم نقف منها على خبر واحد، كما اعترف به أيضا بعضهم. و من هنا يقوى إرادة ما دل على قبول شهادة رجل و امرأتين منهما لكن كان عليه ضم الكتاب معها أيضا، إلا أنه لا يخفى عليك ظهورها في ما لا يشمل الشهادة على الشهادة، و التساوي المزبور لم يثبت عمومه للمفروض بوجه يقطع العذر شرعا، خصوصا بعد عدم حجية كل ظن للمجتهد و القياس و الاستحسان، و كذا الكلام في الأخير، ضرورة عدم ثبوته على وجه يشمل الفرض أيضا و إلا لأجزأ الشاهد و اليمين الثابت في النصوص (2)

إثباتهما لجميع حقوق الآدميين، فهما أولى من النساء في ذلك، و لا أظن أحدا يقول به، خصوصا بعد التصريح بعدم الاجتزاء به في الخبر السابق في إحدى النسختين.

ثم الفرعان العدلان إن سميا الأصل و عدلاه قبل حال التحمل و الأداء عندنا، لإطلاق الأدلة، نعم للعامة قول بالعدم بناء على أنه نائب عن الأصل، فتعديله بمنزلة تعديل نفسه و إن سمياه و لم يعدلاه سمعها الحاكم و بحث عن الأصل، و حكم مع ثبوت ما يقتضي


1- «1» الوسائل- الباب- 44- من كتاب الشهادات.
2- «2» الوسائل- الباب- 14- من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.

ج 41، ص: 209

القبول، و طرح مع ثبوت ما يمنع لو حضر و شهد بل يطرحه لو ثبت فسقه حال الشهادة ما لم يعلم بقاؤه على الشهادة حال عدالته، بل يقوى اعتبار تجديد التحمل، هذا كله لو سمياه.

أما لو عدلاه و لم يسمياه لم تقبل بلا خلاف أجده فيه بيننا، نعم يحكى عن ابن جرير الاكتفاء بذلك، و لا ريب في ضعفه، لأن الحاكم قد يعرفهم بالجرح، و لأنهم قد يكونون عدولا عند قوم و فساقا عند آخرين، إذ العدالة مبنية على الظاهر، و لأن ذلك يسد باب الجرح على الخصم، و من ذلك يعرف الوجه في ما قدمناه من وجوب تسمية شهود التعريف، فلاحظ.

و على كل حال فليس على شهود الفرع أن يشهدوا على صدق شهود الأصل و لا أن يعرفوا صدقهم، كما ليس عليهم تعديلهم أو معرفتهم بعدالتهم، لكن عن المفيد أنه قال: «لا يجوز لأحد أن يشهد على شهادة غيره إلا أن يكون عدلا عنده مرضيا» و لا أعرف له وجها، نعم لا يجوز له ذلك إذا علم الكذب، لأنه إعانة على الإثم.

و لو أقر باللواط أو بالزناء بالعمة و الخالة أو بوطء البهيمة ثبت بشهادة شاهدين لإطلاق الأدلة و تقبل في ذلك الشهادة على الشهادة لإطلاق الأدلة أيضا و إن كان لا يثبت بها حد و لكن يثبت انتشار حرمة النكاح على المقر و غيرها من الأحكام المترتبة على إقراره.

و كذا لا يثبت التعزير بناء على أنه من الحدود في وطء البهيمة بالشهادة على الشهادة على إقراره و لكن يثبت تحريم الأكل في المأكولة (11) على المقر و في الأخرى وجوب بيعها (12) عليه في بلد آخر (13) بناء على أن ذلك حكمها، كما قدمنا الكلام في ذلك.

ج 41، ص: 210

و لكن تخصيص المصنف الحكم هنا بالإقرار قد يشعر بالفرق بينه و بين نفس الفعل الذي هو سبب الحد لا الإقرار به الذي هو أعم من وقوعه منه و إن جعله الشارع طريقا مثبتا له لكن على وجه مخصوص، إلا أنه ذكر غير واحد أن الأصح عدم الفرق، لأن علل الشرع معرفات، و لذا ثبت بالشاهد و اليمين الغرم بالسرقة دون القطع.

و فيه إن كان المراد إثبات الزناء نفسه بالشاهدين بالنسبة إلى الأحكام دون الحد أن ذلك لا يقتضي إلا جواز وروده من الشرع، أما مع فرض عدمه- و ليس إلا الأدلة المزبورة- فالمتجه عدم تبعض أحكام الموضوع الواحد خصوصا بعد قوله تعالى (1) «فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ» الظاهر في عدم ثبوت الموضوع أصلا بدونهم، لا أنهم كاذبون بالنسبة إلى الحد دون غيره، نعم قد يقال بنحو ذلك في ما نحن فيه، لظهور الأدلة في إثبات شهادة الفرع شهادة الأصل في غير الحد، فيتجه حينئذ التبعيض فيها لا في أصل الزناء لو فرض حصول شاهدين، فتأمل جيدا.

و على كل حال فالأصح عدم اعتبار الأربعة في الفرع و إن اعتبرت في الشهادة على الزناء، فيكفي حينئذ الاثنان في ثبوت شهادتهم لإطلاق الأدلة و إن توقف فيه الفاضل في القواعد كما عرفت البحث فيه، و الله العالم.


1- «1» سورة النور: 24- الآية 13.

ج 41، ص: 211

[الطرف الخامس في اللواحق]

[القسم الأول في اشتراط توارد الشاهدين على المعنى الواحد]
[المسألة الأولى توارد الشاهدين على الشي ء الواحد شرط في القبول]

الطرف الخامس في اللواحق و هي قسمان:

القسم الأول في اشتراط توارد الشاهدين على المعنى الواحد، و تترتب عليه مسائل:

الأولى:

توارد الشاهدين على الشي ء الواحد شرط في القبول بلا خلاف و لا إشكال فإن اتفقا معنى حكم بهما و إن اختلفا لفظا ضرورة عدم العبرة به بعد اتفاقهما في المعنى إذ لا فرق بين أن يقولا مثلا:

غصب و بين أن يقول أحدهما: غصب و الآخر انتزع قهرا ظلما.

و كذا لا إشكال و لا خلاف في أنه لا يحكم بهما لو اختلفا معنى، مثل أن يشهد أحدهما بالبيع و الآخر بالإقرار بالبيع، لأنهما شيئان مختلفان و الفرض عدم شهادة غير الواحد بكل منهما، بل و كذا لو شهد أحدهما أنه غصبه من زيد أو أقر بغصبه منه و شهد الآخر أنه ملك زيد ثم تكمل الشهادة، لأعمية الغصب من كونه ملكا له، و كذا الكلام في البيع و الصلح و غيرهما من الأفعال المختلفة، نعم للشاهدين في غير مقام التدليس تصحيح الشهادة على وجه تكون مثمرة عند الحاكم،

ج 41، ص: 212

كما أشارت إليه النصوص (1)

بعد أن تكون على حق فيشهد شاهد البيع و الصلح مثلا على الملك من دون ذكر السبب و هكذا، فالمراد حينئذ عدم قبول شهادتهما لو اتفق إيرادهما لها عند الحاكم مختلفة كما هو واضح، و حينئذ مع الاختلاف لا يثبت شي ء منهما.

نعم لو حلف مع أحدهما ثبت ما شهد به تكاذبا أم لا، و إن نسب الاجتزاء باليمين في صورة التكاذب في الدروس إلى القيل مشعرا بتمريضه، لكنه في غير محله، لأن التكاذب المقتضي للتعارض الذي يفزع فيه للترجيح و غيره إنما يكون بين البينتين الكاملتين لا بين الشاهدين كما هو واضح.

[المسألة الثانية لو شهد أحدهما أنه سرق نصابا غدوة و شهد الآخر أنه سرق عشية لم يحكم]

المسألة الثانية:

لو شهد أحدهما أنه سرق نصابا غدوة و شهد الآخر أنه سرق نصابا عشية لم يحكم بالقطع بها، لأنها شهادة على فعلين لم يثبت أحدهما و كذا لو شهد الآخر أنه سرق ذلك النصاب بعينه عشية لتحقق التعارض مع اتفاقهما على اتحاد الفعل أو لتغاير الفعلين مع عدمه، لاحتمال رجوع النصاب منه ثم سرقه منه عشية مرة أخرى. و من ذلك يعلم ما في المسالك من توهم كون الأمرين علتين للمسألتين، فقال: «إن في العبارة لفا و نشرا مشوشا، فإن الأول للأخير و الأخير للأول» مع ظهور العبارة بل صريحها كون الأخيرين علتين للأخيرة على التقديرين، إذ الأولى قد فرغ منها و ذكر تعليلها ثم ابتدأ بالثانية بقوله: «و كذا» كما هو واضح.


1- «1» الوسائل- الباب- 4- من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 213

و على كل حال ليس للحاكم العمل على القدر المشترك بين الشاهدين بعد اختلافهما في القيد المقوم له و إن اتفقا على وحدته كما هو ظاهر كلام الأصحاب في القتل و غيره من الأفعال التي لا تقبل التعدد، و الله العالم.

[المسألة الثالثة لو قال أحدهما سرق دينارا و قال الآخر درهما يجوز أن يحكم مع يمين المدعي]

المسألة الثالثة لو قال أحدهما: سرق دينارا و قال الآخر: درهما أو قال أحدهما: سرق ثوبا أبيض و قال الآخر: أسود و بالجملة إذا كانت الشهادة على فعل فاختلف الشاهدان في زمانه أو مكانه أو صفة له تدل على تغاير الفعلين لم تكمل شهادتهما ففي كل واحد يجوز أن يحكم الحاكم مع يمين المدعي و لو الجميع لكن يثبت له الغرم و لا يثبت القطع الذي قد عرفت عدم ثبوته به.

و لو تعارض في ذلك بينتان على عين واحدة كما لو شهد اثنان على سرقة شي ء معين في وقت و آخران على سرقته في غيره على وجه يتحقق التعارض بينهما بأن لا يمكن بقاء العين من الوقت الأول إلى الثاني حتى يمكن أن تسرق أولا ثم ينتقل إلى مالكه ثم يسرق في الثاني سقط القطع للشبهة الناشئة من اختلافهما على الوجه المزبور و لكن لم يسقط الغرم بلا خلاف لثبوت سرقة العين باتفاق البينتين عليه.

و في محكي المبسوط تعارضت البينتان و تساقطتا و عندنا تستعمل القرعة و في كشف اللثام «أنه لا فائدة للقرعة هنا».

قلت: يمكن أن يكون مبنى كلام الشيخ على وجوب كون الحكم عن واحدة منهما، لعدم صلاحيتهما بعد التعارض لأن يكونا مستند حكمه،

ج 41، ص: 214

و لا يعلم ذلك إلا بالقرعة، و الفائدة حينئذ تظهر في الرجوع و غيره من الأحكام التي تلحق الشاهد، بل هو متجه إن لم يمنع وجوب اعتبار ذلك في حكم الحاكم، بل يجوز استناده إلى الجميع في ما اتفقا عليه من سرقة الثوب و إن اختلفا في وقت السرقة مثلا فتأمل جيدا.

و لو كان تعارض البينتين أي تواردهما لا على عين واحدة كما لو شهدت إحداهما على الثوب الأبيض مثلا و الأخرى على الثوب الأسود و لو في وقت واحد أو إحداهما على درهم و الأخرى على درهم آخر كذلك ثبت الثوبان و الدرهمان إذ لا تعارض بينهما و ثبت القطع أيضا، إذ لا شبهة، بل لو فرض اتحاد العين و أمكن التعدد بسرقتها مرتين في الوقتين كان الحكم كذلك أيضا بلا إشكال و لا خلاف، لكن عن القاضي إذا شهد اثنان أنه سرق هذا الحمار غدوة يوم بعينه و آخران أنه سرقه عشية ذلك اليوم تعارضتا و استعمل القرعة، و الحق أنه لا تعارض إلا أن يفرض الاتفاق على اتحاد الفعل، و حينئذ يتجه سقوط القطع للشبهة بالاختلاف و ثبوت الغرم المتفق عليه للبينتين، و على كل حال فلا قرعة، لأنها لا تفيد شيئا كما في كشف اللثام، و فيه الكلام السابق.

[المسألة الرابعة لو شهد أحدهما أنه باعه هذا الثوب غدوة بدينار و شهد الآخر أنه باعه ذلك الثوب بعينه في ذلك الوقت بدينارين لم يثبتا]

المسألة الرابعة لو شهد أحدهما أنه باعه هذا الثوب غدوة بدينار و شهد الآخر أنه باعه ذلك الثوب بعينه في ذلك الوقت بدينارين لم يثبتا، لتحقق التعارض في شهادة الشاهدين، ضرورة عدم جواز البيع في وقت واحد بثمنين و لكن كان له المطالبة بأيهما شاء مع اليمين و لا يكفيه الشاهد إن ادعى الدينار و لو شهد له مع كل واحد شاهد

ج 41، ص: 215

آخر ثبت الديناران إن ادعاهما و لغت البينة الأخرى، و لكن في محكي المبسوط و الجواهر أن البينتين متعارضتان فيقرع، و هو إنما يتم إذا كان لكل من الثمنين مدع، كأن يدعي المشتري أنه اشتراه بدينار و البائع بدينارين و على كل حال ف لا كذلك لو شهد واحد بالإقرار بألف و الآخر بألفين و لو في وقت واحد فإنه يثبت الألف بهما و الآخر بانضمام اليمين إلى الثاني، لعدم التعارض بين المشهود بهما و إن امتنع التلفظ بلفظين مختلفين في وقت واحد، فإن الشهادة بدينار لا تنفي الزائد، فيجوز أن لا يكون الشاهد سمع إلا دينارا، أو لم يقطع إلا به و تردد في الزائد، أو رأى أن لا يشهد إلا به لمصلحة يراها أو لا لها، بخلاف نحو البيع بدينار و بدينارين، فان العقد بدينار ينافي العقد بدينارين و إمكان فرض الإقرار على وجه ينافي الآخر غير قادح، ضرورة كون الكلام في عدم المنافاة بين الشاهدين فيه من حيث نفسه بخلاف البيع لا من حيث انضمام أمور خارجة فتأمل.

و لو شهد بكل واحد من الإقرارين شاهدان ثبت ألف بشهادة الجميع و الألف الآخر بشهادة اثنين كما هو واضح.

و كذا لو شهد أحدهما أنه سرق ثوبا قيمته درهم و شهد الآخر أنه سرقه و قيمته درهمان ثبت الدرهم بشهادتهما و الآخر بالشاهد و اليمين لانتفاء التنافي و إن امتنع كون قيمة الشي ء في الوقت الواحد دينارا و دينارين جميعا، لجواز أن لا يعرف أحدهما من قيمته إلا دينارا.

و لو شهد بكل صورة شاهدان ثبت الدرهم بشهادة الجميع و الآخر بشهادة الشاهدين بهما نحو ما سمعته في الإقرار، و للعامة قول بأنه لا يثبت إلا الدينار.

و لو شهد أحدهما بالقذف غدوة و الآخر عشية أو بالقتل كذلك

ج 41، ص: 216

لم يحكم بشهادتهما، لأنها شهادة على فعلين لم يكمل على شي ء منهما النصاب، بل في القتل هما متكاذبان.

أما لو شهد أحدهما بإقراره بالعربية و الآخر بالعجمية و أطلقا أو وقتا بوقتين مختلفين قبل لأنه إخبار عن شي ء واحد فيجوز أن يخبر تارة بالعربية و بالعجمية أخرى، أما لو وقتا بوقت واحد فلا يثبت شي ء للتكاذب، كما تقدم الكلام فيه سابقا.

و لو شهد أحدهما أنه أقر عنده أنه استدان أو باع أو قتل أو غصب يوم الخميس و آخر أقر أنه فعل ذلك يوم الجمعة لم يحكم إلا مع اليمين أو شاهد آخر ينضم إلى أحدهما، لأن المشهود به فعلان، بل هما في القتل متكاذبان، نعم يحكم بهما إن اختلف ظرف الإقرار مع اتفاق ظرف الأفعال أو الإهمال إلا أن يتعارضا كأن يقول أحدهما: أقر أول هذا الشهر ببغداد بكذا و قال الآخر: أقر به ثاني هذا الشهر بمصر.

و لو شهد اثنان بفعل و آخران على غيره من جنسه أو لا ثبتا إن أمكن الاجتماع، و ادعاهما، و إن لم يمكن الاجتماع أو أمكن و لم يدعه كان للمدعي أن يدعي أحدهما و يثبت بينته و يلغو الآخر، مثل أن يشهد اثنان بالقتل غدوة و آخران به عشية و كذا ما لا يمكن أن يتكرر كالولادة و الحج عن اثنين في سنة، و في محكي المبسوط إذا لم يمكن الاجتماع استعمل القرعة.

و في كشف اللثام «لا معنى لها إن كان الفعل مثل القتل و الولادة من أم واحدة و الاختلاف في الزمان و المكان، فإن القرعة لا تفيد شيئا، نعم إن كان الفعل مثل الولاة من أمين و اختلف المدعي فادعت هذه أنها ولدته و شهد به اثنان ثبتت القرعة و إن اتحد المدعي فلا بد من أن يعين هو الدعوى، و الشيخ إنما فرض المسألة في القتل و اختلافه زمانا أو

ج 41، ص: 217

مكانا و أثبت القرعة».

قلت: قد يظهر وجه كلام الشيخ مما ذكرناه في صورة ما لو كانت دعوى المدعي القتل مثلا و جاء بالأربعة شهود و اختلف كل اثنين منهم في الزمان أو المكان، و قلنا بوجوب تعيين إحدى البينتين في مستند الحكم لفائدة الغرم و الرجوع بعد ذلك و غيرهما، فإنه لا طريق حينئذ إلا القرعة، كما أشرنا إليه سابقا.

[القسم الثاني في الطواري]
[المسألة الأولى لو شهدا عند الحاكم و لم يحكم فماتا حكم بهما]

القسم الثاني في الطواري، و هي مسائل:

الأولى:

لو شهدا عند الحاكم و لم يحكم فماتا أو أحدهما أو جنى أو أغمي عليهما أو أحدهما حكم ب شهادت هما السابقة بلا خلاف أجده، لأصالة بقاء صحتها بعد عدم ما يدل على بطلانها بذلك، بل مقتضى إطلاق الأدلة خلافه، بل ظاهر النص و الفتوى عدم الفرق في ذلك بين الحد و غيره.

و كذا لو شهدا ثم زكيا بعد عروض العوارض السابقة من الموت و نحوه، إذ التزكية كاشفة عن صحة شهادتهما السابقة التي هي مستند الحكم السابق.

ج 41، ص: 218

[المسألة الثانية لو شهدا ثم فسقا قبل الحكم حكم بهما]

المسألة الثانية:

لو شهدا ثم فسقا و لو بالكفر قبل الحكم حكم بهما وفاقا للمحكي عن الحلي و أحد قولي الشيخ و الفاضل لأن مقتضى الأصل السابق كون المعتبر بالعدالة عند الإقامة و خلافا للمحكي عن الشيخ أيضا في القول الآخر و الفاضل في المختلف و الشهيدين و جماعة، بل قد سمعت تصريح المصنف سابقا بأنه لو طرأ فسق شاهد الأصل قبل الحكم بشهادة الفرع لم يحكم محتجا بأن الحكم مستند إلى شهادة الأصل، بل قيل: و هكذا فعل الشيخ في المبسوط و العلامة في التحرير، بل قد عرفت هناك عدم نقل خلاف في ذلك من أحد.

و لا يخفى عليك عدم الفرق بين المقامين، بل لعل عدم الحكم هنا أولى، نعم ما ذكروه دليلا للحكم في المقام من صدق الحكم بشهادة الفاسق، و كونه كما لو رجع عن الشهادة قبله، و كما لو كان وارثا و مات المشهود له قبل الحكم، و أن طرو الفسق يضعف ظن العدالة السابقة لبعد طروه دفعة واحدة كما ترى، ضرورة جريان مثل ذلك في الجنون و نحوه، نعم لو أمكن إثبات اقتضاء الفسق بطلان الشهادة ما لم يحكم بها اتجه ذلك لا أقل من الشك في قبولها في الفرض و لو من جهة انسياق غير الفرض من إطلاق الأدلة و الأصل العدم.

و ربما شهد لذلك استفاضة النصوص(1)

برد شهادة الفاسق مثلا بخلاف المجنون و المغمى عليه الراجعين في الحقيقة إلى كونهما كالميت الذي ليس له شهادة حال موته، فيبقى حكم شهادته الأولى على حالها بخلاف الفاسق و غيره


1- «1» الوسائل- الباب- 30- من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 219

مما ورد في النصوص رد شهادته الشامل لها بعد الإقامة قبل الحكم بها، و إلا لزم جواز الحكم بها قبل الإقامة لو فرض أنه حملها لغيره عدلا ثم فسق ثم بعد ذلك أقامها الفرع، و هو معلوم الفساد، و ليس إلا لاعتبار مقارنة جامعية العدالة و نحوها للشهادة حال الحكم، و لا يكفي الحال السابق فتأمل، هذا كله في حق الآدمي المحض.

و أما لو كان حقا محضا لله تعالى كحد الزناء و اللواط و شرب المسكر لم يحكم بشهادتهما بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك اتفاق الفريقين على ذلك لأنه مبني على التخفيف و ل لشبهة الدارئة للحد، ضرورة أنه نوع شبهة و ربما كان ذلك مؤيدا لما ذكرناه من الفرق بين الفسق مثلا و بين الجنون الذي قد عرفت ظهور اتفاقهم على عدم سقوط الحد فيه.

نعم في الحكم بحد القذف و القصاص تردد من اشتراكهما بين الله تعالى شأنه و الآدمي أشبهه عند المصنف الحكم لتعلق حق الآدمي به و فيه أن الدرء في الأول للشبهة التي لا فرق في الدرء بها بين الحد المختص و المشترك حتى القصاص إن قلنا: إنه من الحدود، اللهم إلا أن يقال: إنه شبهة بالنسبة إلى حق الله تعالى و غير شبهة في حق الآدمي باعتبار بناء الأول على التخفيف بخلاف الثاني، بل قد يؤيده أيضا.

[المسألة الثالثة لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما لم يحكم لهما بشهادتهما]

المسألة الثالثة: و هي لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما (11) فإنه لم يحكم (12) به بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك اتفاق الجميع عليه معللين له باقتضاء ذلك الحكم لهما بشهادتهما (13) و هو

ج 41، ص: 220

باطل قطعا، مع أنه قد كان وقت الشهادة لغيرهما و الفرض عدم بطلانها بالطاري كالفسق، بل في القواعد لا يحكم لهما و لا لشركائهما في الميراث بشهادتهما، و ليس ذلك إلا لأنه لا يحكم للمدعي بشهادته و لا شهادة شريكه و إن احتمل في المسالك و كشف اللثام القبول في حصة الشريك بل و في حقه، إلا أنا لم نجد به قائلا كما اعترف به في المسالك.

[المسألة الرابعة لو رجعا عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم]

المسألة الرابعة:

لو رجعا أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم بها و لو بعد الإقامة و لا غرم بلا خلاف أجده فيهما بيننا كما اعترف به غير واحد، بل في كشف اللثام الاتفاق على ذلك إلا من أبي ثور، للأصل بعد ظهور النصوص في كون ميزان الحكم غير المفروض، خصوصا بعد

مرسل جميل (1) عن أحدهما (عليهما السلام) الذي هو كالصحيح سيما بعد اعتضاده بما عرفت «في الشهود إذا شهدوا على رجل ثم رجعوا عن شهادتهم و قد قضي على الرجل ضمنوا ما شهدوا به و غرموه، و إن لم يكن قضي طرحت بشهادتهم و لم يغرم الشهود شيئا»

على أنه لا ترجيح لتقديم قولهم الأول على الثاني.

ثم إن اعترفوا بأنهم تعمدوا الكذب فهم فسقة و إن قالوا غلطنا أو أخطأنا فلا فسق، لكن في القواعد و المسالك لا تقل تلك الشهادة لو أعادوها، و لعله ل

حسن محمد بن قيس (2) عن الباقر (عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل شهد عليه رجلان


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 14- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 221

أنه سرق فقطع يده حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا: هذا السارق و ليس الذي قطعت يده، إنما اشتبهنا ذلك بهذا، فقضى عليهما أن غرمهما نصف الدية و لم يجز شهادتهما على الآخر»،

و ستسمع إطلاق النبوي (1)

و المرتضوي (2)

و إن لم أجد قائلا بإطلاقهما، و لذا كان الأولى تنزيلهما على ما بعد الحكم و الاستيفاء، فالعمدة حينئذ الحسن الأول إلا أنه مع ذلك و في كشف اللثام الأقوى القبول إذا كانا معروفين بالعدالة و الضبط، و لعله للعمومات التي يقصر الخبر المزبور عن تخصيصها. و لكن لا يخفى عليك إمكان منعه.

و لو كان المشهود به الزناء و اعترفوا بالتعمد حدوا للقذف، و لو قالوا:

غلطنا فعن المبسوط و الجواهر يحدان أيضا، و في المسالك وجهان أحدهما المنع، لأن الغالط معذور، و أظهرهما الوجوب، لما فيه من التغيير و كان من حقهم التثبت و الاحتياط، و على هذا فترد شهادتهم، و لو قلنا لأحد فلا رد، و يؤيده

مرسل ابن محبوب (3) عن الصادق (عليه السلام) «في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل، فقال: إن قال الراجع: أو همت ضرب الحد و أغرم الدية، و إن قال:

تعمدت قتل».

لكن فيه أن تكليف الغافل قبيح، فلا ريب في المعذورية، كما لا ريب في سقوط الحد معها، ضرورة أولويتها من الشبهة التي يدرأ بها، و لذا اختار في كشف اللثام السقوط لها، و المرسل مع عدم الجابر ليس بحجة، على أنه يمكن حمله على المقصر فتأمل. ثم إن قوله: «و على هذا


1- «1» الوسائل- الباب- 14- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 4- من أبواب آداب القاضي- الحديث 3 من كتاب القضاء.
3- «3» الوسائل- الباب- 12- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 222

لا يكاد يظهر له معنى محصل» موافق لما ذكره أولا، فتأمل.

و لو رجعا بعد الحكم و الاستيفاء و تلف المحكوم به لم ينقض الحكم إجماعا بقسميه، مضافا إلى المرسل (1)

السابق، و

النبوي (2) الخاص «إن شهد عندنا بشهادة ثم غيرها أخذنا بالأولى و أطرحنا الأخرى»

و عن هشام بن سالم (3) عن الصادق (عليه السلام) «كان أمير المؤمنين (ع) يأخذ بأول الكلام دون آخره»

و استصحاب الصحة، و إطلاق ما دل على صحة ما لم يعلم فساده، و الرجوع لا يدل على فساد الشهادة الأولى، إذ يمكن كون الرجوع كذبا، بل هو كالإنكار بعد الإقرار. و لكن كان الضمان مثلا أو قيمة أو قصاصا أو دية أو نحو ذلك مما ستعرفه على الشهود الذين هم السبب في الإتلاف على وجه القوة على المباشر عرفا كما هو واضح.

و لو رجعا بعد الحكم و قبل الاستيفاء فان كان حدا لله تعالى نقض الحكم في المشهور للشبهة الموجبة للسقوط في الحد المبني على التخفيف، بل و كذا لو كان للآدمي كحد القذف أو مشتركا بينه تعالى و بين الآدمي كحد السرقة لاشتراك الجميع في السقوط بعروض الشبهة، بل لا أجد في شي ء من ذلك خلافا محققا. نعم في القواعد عبر بلفظ الأقرب مشعرا باحتمال العدم، بل قال متصلا بذلك:

«و الاشكال في حدود الآدمي أقوى» و لعله لأنه حكم شرعي صدر عن أهله في محله، و لم يعلم له ناقض، و فيه أن ذلك لا ينافي الشبهة فتأمل.

نعم يقوى بقاء حكم التوابع التي لم يثبت بالشرع سقوطها بالشبهة


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 14- من كتاب الشهادات- الحديث 4.
3- «3» الوسائل- الباب- 4- من أبواب آداب القاضي- الحديث 3 من كتاب القضاء.

ج 41، ص: 223

نحو ما سمعته في شهادة الفرع، فيحرم أخت الغلام الموطوء و أمه و بنته، و أكل البهيمة الموطوءة المأكولة، و يجب بيع غيرها في بلد آخر، و كذا الحكم في المحكوم بردته إذا رجع الشهود قبل قتله، فإنه يسقط قتله للشبهة، لكن تبقى قسمة ماله و اعتداد زوجته، بل في القواعد لو رجعا قبل استيفاء القصاص لم يستوف.

و هل ينتقل إلى الدية إشكال، فإن أوجبناها رجع بها عليهما، مع أن في عد القصاص من الحدود التي تدرأ بالشبهة بحثا بل منعا، و لو سلم إلحاقه بها احتياطا في الدماء ففي الانتقال إلى الدية التي هي إنما تثبت في العمد صلحا و الفرض سقوطه بالشبهة منع آخر.

و من ذلك يظهر لك الحال في قول المصنف و في نقض الحكم في ما عدا ذلك من الحقوق تردد من المرسل (1) المزبور المعتضد باستصحاب الصحة و إطلاقها، بل ما قبل الاستيفاء مثل ما بعده بالنسبة إلى دلالة الدليل، و من إمكان التدارك بعد الشك بسبب الرجوع في حصول ميزان الحكم.

و لكن لا ريب في أن الأول أقوى حتى في العقوبات كالقتل و الجرح التي لا تدخل في الحدود عرفا و الفروج و إن احتمل في المسالك إلحاق هذه الثلاثة بالحدود، لعظم خطرها و عدم استدراك فائت البضع منها، لكنه كما ترى لا يصلح معارضا للدليل كما هو واضح.

و مما ذكرنا يظهر لك الحال أيضا في قوله أما لو حكم و سلم المال للمحكوم له فرجعوا و العين قائمة ف انه أولى بعدم النقض مما سمعت، و لذا كان الأصح وفاقا للمشهور أنه لا ينقض و لا تستعاد العين بل قيل: إن عليه عامة المتأخرين، بل و القدماء،


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 224

كما يفهم من المبسوط قال: «و إن رجعوا بعد الحكم و بعد الاستيفاء لم ينقض حكمه بلا خلاف إلا من سعيد بن المسيب و الأوزاعي، فإنهما قالا:

ينقض» إذ هو بإطلاقه شامل للمفروض، بل عن السرائر الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الأدلة السابقة في صورة التلف التي لا يخفى عليك جريانها في المقام.

هذا و لكن في النهاية و محكي الوسيلة و الكافي و القاضي ترد العين على صاحبها و لا غرامة على الشهود، لا لما ذكروه لهم من الوجوه الواضحة الفساد، بل لما عن جامع المقاصد من الرواية بذلك، بل قيل: يمكن أن تكون هي

رواية جميل (1) عن الصادق (عليه السلام) «في شاهد الزور، قال: إن كان الشي ء قائما بعينه رد على صاحبه، و إن لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل»

و إن كان فيه ما لا يخفى، ضرورة أعمية الرجوع من شاهد الزور الذي في الرواية المزبورة المراد به المعلوم كونه شاهد زور و الراجع لو صرح بكونه كذلك لم يعلم أنه كذلك، إذ يمكن كذبه في ذلك، كما هو واضح.

و مما سمعت يعلم أن الأول كما قال المصنف:

أظهر كما أنه منه يعلم ما في كشف اللثام من اختياره لهذا القول معللا له بأن الرجوع كشف عن بطلان ما استند إليه الحكم من الشهادة، لظهور كذبهم في أحد القولين، و الأصل براءتهم من الغرامة، إذ هو كما ترى.


1- «1» الوسائل- الباب- 11- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

ج 41، ص: 225

[المسألة الخامسة المشهود به إن كان قتلا أو جرحا فاستوفي ثم رجعوا فان قالوا تعمدنا اقتص منهم]

المسألة الخامسة:

المشهود به إن كان قتلا أو جرحا موجبا للقصاص فاستوفي ثم رجعوا فان قالوا تعمدنا اقتص منهم إن أمكن القصاص و إن قالوا: أخطأنا كان عليهم الدية في أموالهم لأنه شبيه عمد، و في كشف اللثام «لأنه لا يثبت بإقرارهم إلا أن تصدقهم العاقلة» و فيه تأمل و كان الوجه في التمسك بقولهم: عمدنا و أخطأنا أنه غالبا لا يعرف ذلك إلا من قبلهم.

و لو رجعوا و منع مانع من قول ذلك ففي الإلزام بالدية لأنه لا يبطل دم امرئ مسلم أو وقف الحكم حتى يعلم الحال و لو بأن ينتقل القصاص على فرضه إلى الدية بموت و نحوه وجهان لا يخلو أولهما من قوة.

و إن قال بعض: تعمدنا و بعض أخطأنا فعلى المقر بالعمد القصاص، و على المقر بالخطإ نصيبه من الدية، و لولي الدم قتل المقرين بالعمد أجمع ورد الفاضل عن دية صاحبه، و له قتل البعض و يرد الباقون قدر جنايتهم كل ذلك مع أنه لا خلاف في شي ء منه، بل لعل الإجماع بقسميه عليه، لقاعدة قوة السبب على المباشرة، و عمومات القصاص و ما ورد في كتاب القصاص (1) من حكم المشتركين في القتل عمدا و خطأ، مضافا إلى خصوص نصوص المقام التي تقدم، منها مرسل ابن محبوب (2) عن الصادق (عليه السلام) و حسن محمد بن قيس (3) عن الباقر (ع)


1- «1» راجع ج 42 ص 66- 81.
2- «2» الوسائل- الباب- 12- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 14- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 226

و منها

خبر السكوني (1) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال «في رجلين شهدا على رجل فقطعت يده ثم رجع أحدهما، فقال: شبه علينا غر ما دية اليد من أموالهما، و قال في أربعة شهدوا على رجل بأنهم رأوه مع امرأة يجامعها و هم ينظرون فرجم، ثم رجع واحد منهم، فقال:

يغرم ربع الدية إذا قال شبه علي، و إذا رجع اثنان و قال: شبه علينا غرما نصف الدية، و إن رجعوا كلهم و قالوا: شبه علينا غرموا الدية، فإن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا جميعا»

و من قوله (عليه السلام) الثاني يعلم أن المراد من قوله الأول: «رجع أحدهما فقال» إلى آخره، رجوعهما معا و إن كان المتكلم أحدهما بقرينة قوله: «شبه علينا» و لذا حكم بغرامتهما معا الدية.

هذا و في المسالك بعد أن ذكر ما في المتن قال: «و كذا لو شهدوا بالردة فقتل أو على المحصن فرجم أو على غير المحصن فجلد و مات منه، لكن هنا يلزمهم الدية، لأنه عمد شبيه الخطأ، لقصدهم الفعل المؤدي إلى القتل» و الظاهر إرادته بما بعد «لكن» الأخير، و هو ما لو شهدوا بما يوجب حدا لا قتلا فحد فمات ثم رجعوا، إذ الظاهر كما في القواعد أنهم يضمنون حينئذ الدية، و لم يقتل أحدهم، بل في كشف اللثام «و إن تعمدوا الكذب، لأنهم لم يباشروا القتل و لا سببوا لما يقتل غالبا» و يكون المراد من تعليله غير المؤدي غالبا و إن اتفق القتل به في الفرض.

و على كل حال فمما ذكرنا ظهر لك الوجه في ما لو قال أحد شهود الزناء مثلا بعد رجم المشهود عليه: تعمدت فان صدقه الباقون أي قالوا: تعمدنا أيضا كان لأولياء الدم قتل الجميع و يردون ما فضل عن دية المرجوم، و إن شاؤوا قتلوا واحدا و يرد


1- «1» الوسائل الباب- 14- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

ج 41، ص: 227

الباقون تكملة ديته بالحصص بعد وضع نصيب المقتول، و إن شاؤوا قتلوا أكثر من واحد و يرد الأولياء ما فضل عن دية صاحبهم، و أكمل الباقون من الشهود ما يعوز بعد وضع نصيب المقتولين بلا إشكال في شي ء من ذلك و لا خلاف، ضرورة كون الضابط أن الشهادة متى أوجبت القتل سواء كان ذلك بسبب الزناء أو بسبب القصاص أو الردة فالحكم ما عرفت من جواز قتل المتعمد و أخذ الدية من الخاطى، و حكم الرد مع زيادة المقتول على ما تسمع تفصيله إن شاء الله في بابه (1).

و كأن المصنف ذكر ذلك بالخصوص توطئة لذكر خلاف الشيخ فيه بخصوصه في الصورة التي أشار إليها بقوله اما لو لم يصدقه الباقون لم يمض إقراره إلا على نفسه فحسب فللولي حينئذ قتله و يرد فاضل الدية عليه و له أخذ ربع الدية منه، كما هو مقتضى العمومات و الأصول، مضافا إلى قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني (2)

السابق.

و لكن قال الشيخ في النهاية إن قال:

تعمدت يقتل و يرد عليه الباقون ثلاثة أرباع الدية و نحوه عن أبي علي و في القواعد «و ليس بجيد» بل في المتن لا وجه له.

قلت: لعله ل

حسن إبراهيم بن نعيم (3)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أربعة شهدوا على رجل بالزناء فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته، قال: فقال: يقتل الراجع و يؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية»

و لكن لقصوره عن معارضته القواعد التي منها عدم مؤاخذة


1- «1» راجع: ج 42 ص 56.
2- «2» الوسائل- الباب- 14- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 12- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

ج 41، ص: 228

أحد بإقرار غيره حمل على اعتراف الباقين بالخطإ، بل في المختلف حمل كلامهما على ذلك و إن كان فيه ما فيه، و كذا ينبغي حمل

خبر مسمع (1)عن الصادق (عليه السلام)- «في أربعة شهدوا على رجل بالزناء ثم رجع أحدهم فقال: شككت في شهادتي، قال: عليه الدية، قال: قلت:

فان قال: شهدت عليه متعمدا، قال: يقتل»

- على إرادة ربع الدية، و لو قال: تعمدت الكذب و ما ظننت قبول شهادتي في ذلك ففي القصاص إشكال، بل في القواعد كما عن المبسوط الأقرب العدم و لكنه شبيه عمد، فلا تجب إلا الدية مغلظة، قال فيها: «و كذا لو ضرب المريض لتوهمه أنه صحيح ما يحتمله الصحيح من الضرب دون المريض فمات على إشكال» خلافا للمحكي عن تحريره من اختيار القصاص فيهما، لاعترافه بتعمد ما يقتل غالبا، و في الإرشاد اختار الدية في الأول و القصاص في الثاني، و كأنه فرق بين المباشرة و التسبيب، و حاصل المسألتين أنه إذا باشر أو سبب عمدا ما يقتل غالبا بظن أنه لا يقتل فقتل فهل هو عمد أو شبيه عمد؟ و يأتي إن شاء الله في محله(2) تحقيق ذلك.

و لو صدق الباقون الراجع في كذبه بالشهادة أي أنه لم يشهد زناه لا في كذب الشهادة ففي القواعد اختص القتل به، و لا يؤخذ منهم شي ء، بل في كشف اللثام «و إن اعترفوا بأنه لم يكن شهود الزناء بالحق متكاملة، بل على الولي رد فاضل الدية» قلت: لا يخلو من نظر مع علمهم بالحال من أول الأمر.

و لو شهدا بالعتق مثلا فحكم ثم رجعا لم يرجع رقا فهو بمنزلة التالف، و لكن ضمنا القيمة وقت الحكم للمولى،


1- «1» الوسائل- الباب- 12- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
2- «2» راجع ج 42 ص 12- 13.

ج 41، ص: 229

خلافا لبعض العامة، فرده في الرق، و لا وجه له، لأصالة صحة الحكم و لكن لما كانا سببا في تلفه باعترافهما ضمناه، سواء قالا شهدنا بغير الحق تعمدا أو خطأ، لأنهما أتلفاه على كل حال بشهادتهما و المال يضمن بالتفويت.

و لا فرق في المشهود بعتقه بين أن يكون قنا أو مكاتبا أو مدبرا أو أم ولد أو معلق العتق بصفة، خلافا لبعض العامة في أم الولد، حيث قال: لا غرم.

و لو شهدا على تدبيره ثم رجعا بعد الحكم لم يغرما في الحال، لأن الملك لم يزل، فإذا مات ففي الغرامة وجهان: من جواز الرجوع له متى شاء إلا أن يشهدا به منذورا، و من أنهما سببا العتق، و لا يجب على المولى الرجوع، و اختار الأخير في المسالك و في كشف اللثام الأول، و لعله الأقوى، نعم لو كان رجوعهما بعد موت المولى أغرما للورثة.

و لو شهدا بكتابة عبده ثم رجعا فان عجز ورد في الرق فلا شي ء عليهما، لأنهما لم يفوتا شيئا، نعم في التحرير يحتمل أن يقال عليهما ضمان أجرة مدة الحيلولة إن ثبتت، و جزم به في المسالك، و إن أدى و عتق ضمنا جميع قيمته، لأنهما فوتاه بشهادتهما، و ما قبضه السيد من كسب عبده لا يحسب عليه، لأنه ماله، و يحتمل أن لا يضمنا إلا ما زاد من قيمته على النجوم إن زادت بناء على أن المكاتبة بيع للمملوك من نفسه بالنجوم و لو أراد تغريمهما قبل انكشاف الحال غرما ما بين قيمته سليما و مكاتبا، و لا يستفاد من المولى لو استرق، لزوال العيب بالرجوع، و هو فعل المولى لا فعلهما.

و كذا لو شهدا بالكتابة المطلقة ضمنا ما يعتق منه بإزاء ما يؤديه من النجوم أو ما زاد من قيمة الشقص على ما يؤديه منها و أجرة مدة

ج 41، ص: 230

الحيلولة إن كانت، و إن أراد التغريم قبل أداء شي ء منها غرما ما بين القيمتين.

و لو شهدا أنه أعتقه على مال هو دون القيمة فكالكتابة، لأنه يؤدي من كسبه.

و لو شهدا أنه وقف على مسجد أو جهة عامة فكالعتق، و لا يرد الوقف بالرجوع.

و لو شهدا باستيلاد أمته ثم رجعا في حياة المولى غرما ما نقصته الشهادة من قيمتها، و لا يستعاد إن مات الولد، لأنه ارتفاع عيب بفعله تعالى، أما لو قتلا ولدها فهل لهما الرجوع احتمال؟

[المسألة السادسة إذا ثبت أنهم شهدوا بالزور نقض الحكم]

المسألة السادسة:

إذا ثبت أنهم شهدوا بالزور و علم الحاكم بذلك و لو بالخبر المفيد له لا بالبينة لأنه تعارض و لا بالإقرار لأنه رجوع نقض الحكم لتبين اختلال ميزان الحكم، بل هو أولى بذلك من تبين الفسق و استعيد المال حينئذ فإن تعذر غرم الشهود كما سمعته في مرسل جميل (1)

السابق، و في

صحيح محمد بن مسلم (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في شاهد الزور ما توبته؟ قال: يؤدي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله إن كان النصف أو الثلث إن كان شهد هذا و آخر معه»

فلا إشكال حينئذ في ذلك.

و لو كان المشهود عليه قتلا ثبت عليهم القصاص و كان


1- «1» راجع ص 330 و لكنه ليس بمرسل.
2- «2» الوسائل- الباب- 11- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 231

حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا و أقروا بالعمد الذي قد عرفت عدم الاشكال فيه أيضا.

و لو باشر الولي القصاص و اعترف هو خاصة بالتزوير لم يضمن الشهود و كان القصاص على الولي كما عليه الدية لو اعترف بالخطإ، و لو رجع مع الشهود فوجهان: أجودهما أن القصاص أو الدية بكمالها عليه، لأنه المباشر، و هم معه كالممسك مع القاتل، و يحتمل كونه معهم كالشريك، لتعاونهم على القتل، و ليسوا كالممسك مع القاتل، فإنهم صوروه بصورة المحقين، و على هذا فعليهم جميعا القصاص أو الدية منصفة بالحساب، كما أنه ينبغي عليه أن لا يجب كمال الدية على الولي إذا رجع وحده، و هو واضح.

[المسألة السابعة إذا شهدا بالطلاق ثم رجعا لم ينقض الحكم]

المسألة السابعة:

إذا شهدا بالطلاق و حكم به الحاكم ثم رجعا لم ينقض الحكم، لما عرفته سابقا من الأصل و غيره ف لا إشكال حينئذ من هذه الجهة، نعم إن كان شهادتهما بعد الدخول من الزوج لم يضمنا شيئا خصوصا إذا كان الطلاق رجعيا و قد ترك الرجوع باختياره، للأصل، و لأنهما لم يفوتا عليه إلا منفعة البضع، و هي لا تضمن بالتفويت بلا خلاف معتد به أجده فيه، كما تقدم ذلك في كتاب النكاح، بل في الرياض هنا نسبته إلى جميع الأصحاب، و ربما يؤيده مضافا إلى ما ذكروه من عدم ضمانه بقتل الغير لها أو قتلها نفسها، و ما في كشف اللثام من أنه لو ضمن البضع بالتفويت لم ينفذ طلاق المريض إلا من الثلث، و لم ينفذ أصلا إذا أحاط الدين بالتركة و إن كان فيه ما فيه أنه

ج 41، ص: 232

لا يضمن البضع قطعا لو حبس المرأة عن زوجها حتى مات أو ماتت و غير ذلك مما قدمناه هناك.

و إن كان قبل الدخول ضمنا له نصف المهر المسمى لها إن كان، بناء على أن السبب في ذلك الطلاق لأنهما لا يضمنان إلا ما دفعه المشهود عليه بسبب الشهادة بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك إلا ما يحكى عن الشيخ في النهاية «إن شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته فاعتدت و تزوجت و دخل بها ثم رجعا وجب عليهما الحد، و ضمنا المهر للزوج الثاني، و ترجع المرأة إلى الأول بعد الاستبراء بعدة من الثاني» و تبعه القاضي في ما حكي عنه.

و لعله ل

صحيح محمد بن مسلم (1) عن الباقر (عليه السلام) «في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنه طلقها فاعتدت المرأة و تزوجت ثم إن الزوج الغائب قدم فزعم أنه لم يطلقها و أكذب نفسه أحد الشاهدين فقال: لا سبيل للأخير عليها، و يؤخذ الصداق من الذي شهد و رجع، فيرد على الأخير، و يفرق بينهما، و تعتد من الأخير، و ما يقربها الأول حتى تنقضي عدتها»

أو موثق إبراهيم بن عبد الحميد (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في شاهدين شهدا على امرأة بأن زوجها طلقها فتزوجت ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق، قال: يضربان الحد و يضمنان الصداق الزوج، ثم تعتد ثم ترجع إلى زوجها الأول».

إلا أن الأخير منهما كما ترى خال عن رجوع الشاهدين أو أحدهما، و حينئذ يشكل ضربهما الحد، كما أنه يشكل نقض الحكم بمجرد إنكار الزوج فهو حينئذ شاذ غير موافق لما سمعته من الشيخ و لا من غيره، و حمله على ما ذكره الشيخ ليس بأولى من حمله على تزويجها بشهادتهما من دون حكم


1- «1» الوسائل- الباب- 13- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 13- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 233

حاكم، ثم لما جاء الزوج رجعا عن الشهادة و اعترفا بأنهما شهدا زورا، فلا يكون به دلالة حينئذ على ما ذكره، بل في محكي المختلف لا بأس بحمل قول الشيخ على أنها تزوجت بمجرد الشهادة من غير حكم حاكم بذلك» و إن كان فيه ما فيه.

و أما الأول فهو مع خلوه عن الحد الذي ذكره الشيخ و الرجوع عن الشهادة أعم من إيجاب الحد، إذ لعله خطأ و المفروض فيه غيبة الزوج، كما هو ظاهر الثاني، بل في كشف اللثام «يمكن حمل الخبرين على أن الزوج كان غائبا كما نص عليه فيهما فلما حضر أنكر و أظهر فسق الشاهد أو ما يخرجه عن الأهلية» قلت: بل قد يقال: إن الرجوع في الحكم على الغائب ينقض الحكم، لعدم تمامية الحكم قبل حضور الخصم، فيحمل أحدهما حينئذ على الآخر، و يكونان مستند الحكم في ذلك، مؤيدا بإمكان كون ذلك من بقاء الغائب على حجته التي منها رجوع الشاهد عن شهادته، كمعارضة البينة ببينة أخرى، إذ معناه أن كل ما هو حجة له مع فرض عدم الحكم فهو باق عليها، و منها ذلك، و السبب عدم الفصل التام قبل حضوره، بل هو إجراء حكم الشهادتين، و لا ينافي ذلك إطلاقهم عدم نقض الحكم برجوع الشاهد المنصرف إلى غير المفروض.

و على كل حال فالخروج بهما في مفروض المتن عما تقتضيه القواعد المحكمة الدالة على عدم نقض الحكم التام و عدم الضمان مع الدخول مناف لأصول المذهب و قواعده، خصوصا مع ندرة العامل بهما حتى الشيخ، فإن المحكي عن خلافه و مبسوطة في صورتي الدخول و عدمه موافقة المشهور و إن حكى في المسالك عن موضع من المبسوط اختيار ضمان مهر المثل مع الدخول و نصفه مع عدمه، و عن موضع آخر منه اختيار أن المهر إن كان مقبوضا بيدها غرم الشاهدان جميع مهر المثل، لأن الزوج لا يتمكن

ج 41، ص: 234

من استرداد شي ء لزعمه أنها زوجته و أنها تستحق جميع الصداق، و إن كان قبل التسليم غرما النصف خاصة، لأنها لا تطالبه إلا بالنصف، و أنه مال إليه في التحرير أولا ثم أفتى بالمشهور إلا أنه لم نتحققه، نعم قواه و لكن مختاره المشهور.

قال في ما حكي عنه: «و إذا شهدا بالطلاق قبل الدخول ثم رجعا فان الحكم لم ينقض، و عليهما الضمان عند قوم، و ما يضمنان؟ قال قوم:

كمال المهر مهر المثل، و قال آخرون: نصف المهر، و هو الأقوى، و من قال بهذا منهم قال بنصف مهر المثل، و منهم من قال: نصف المسمى و هو الأقوى عندنا، و منهم من قال: إن كان المهر مقبوضا لزمهما كمال المهر، و إن لم يكن مقبوضا لزمهما نصف المهر، و الفصل بينهما إذا كان مقبوضا غرمه كله لا يسترد منه شيئا، لأنه معترف لها ببقاء الزوجية بينهما، فلما حيل بينهما رجع بكله عليهما، و ليس كذلك إذا كان قبل القبض، لأنه لا يلزمه إلا إقباض نصفه، فلهذا رجع عليهما بالنصف، و هو قوي».

و في التحرير بعد أن حكى عن الشيخ ما سمعت قال: «و عندي في هذه المسألة إشكال ينشأ من كون الرجوع إنما يثبت على الشاهد في ما يتلفه بشهادته، و وجوب نصف المهر قبل الدخول و المهر بعده لم يتلف من الزوج شيئا، لأنه واجب عليه، سواء طلق أو لم يطلق، فالحاصل أن شهادتهما بالطلاق قبل الدخول لم يتلفا نصف المهر، لأنه واجب عليه بعد العقد، و بعد الدخول لم يتلفا المهر، لاستقراره في ذمته بالدخول، و إنما أتلفا بشهادتهما البضع عليه، فيجب عليهما ضمانه، و إنما يضمن بمهر المثل، فيجب مهر المثل مع الدخول، لأنهما أتلفا البضع عليه، و نصفه قبل الدخول، لأنه إنما ملك نصف البضع، و لهذا إنما يجب عليه نصف

ج 41، ص: 235

المهر، و يحتمل ما ذكرناه أولا من تضمين نصف المسمى إن كان قبل الدخول، لأنهما ألزماه الزوج بشهادتهما و قراره عليه، فكان بمعرض السقوط بالردة و الفسخ من قبلهما، و عدم التضمين إن كان بعد الدخول، لأن المهر تقرر عليه بالدخول، فلم يفوتا عليه شيئا، و البضع غير متقوم فإنها لو ارتدت أو أسلمت أو قتلت نفسها أو فسخت نكاحها قبل الدخول برضاع من ينفسخ به نكاحها لم تغرم شيئا، و هذا هو الأقوى عندي».

و في كشف اللثام «و فيه أيضا أنا إن قلنا بالضمان بعد الدخول فلا ضمان إن كان الطلاق رجعيا، لتمكن الزوج من الرجعة، و لا يعجبني قولهم: إنهما قررا عليه النصف إذا شهدا قبل الدخول لأنه كان في معرض السقوط فكما كان في معرض السقوط قبل الدخول بما ذكر فهو في معرضة بعده بالإبراء أيضا، بل بعد التفويت أيضا، و لا ما استدلوا به على أن البضع غير متقوم، إذ بعد تسليم الجميع فوجوب مهر المثل على من استوفاه معارض قوي، و لا قوله (رحمه الله): إنه إنما ملك قبل الدخول نصف البضع، و إنما سقط عنه نصف المهر، لأنه لم يستوف العوض، و إنما وجب عليه النصف بالنص و الإجماع، و يحتمل أن تكون الحكمة فيه تنفير الناس عن الطلاق و أن يكون لانتهاك من عرضها بالعقد، و لعل الصواب أن لمسمى البضع قيمة لا تختلف بمرة أو مرات، و هي المسمى مع التسمية، و مهر المثل لا معها، فمن عقد على امرأة بمهر فكأنه اشترى مسمى بضعها به، فمن فوته عليه و قد استوفى فردا من أفراده لم يكن عليه شي ء، لأنه تسلم المثمن، و قد دخل حين تزوج بها على أن يكون لها تمام المهر و إن لم يطأها إلا مرة، و من فوته عليه و لم يستوف منه شيئا فقد فوت عليه المثمن بتمامه و لم يسلم له شي ء، مع أنه يجب عليه نصف المسمى بالنص و الإجماع، فهو غرامة يغرمها بلا عوض،

ج 41، ص: 236

فعلى مفوت العوض الغرامة».

قلت: قد يقال- بعد الإغضاء عن جملة من مناقشاته-: إن المتجه عدم ضمان شي ء إن لم يكن إجماعا بناء على أن الطلاق لم يسبب استحقاق شي ء، بل هو على فرض حصوله من الفواسخ و كان المهر كله واجبا بالعقد، و ليس هو معاوضة حقيقة، و لذا يجب جميعه على الأصح في صورة الموت، و لكن الدليل في الطلاق سقط نصفه و بقي النصف الآخر مستحقا بالعقد، و حينئذ فلم يغرماه بشهادتهما شيئا، إلا أنه كان له حبس المهر على التمكن من البضع و قد فات بالشهادة المزبورة، و هو أمر غير متقوم، مع أنه لا يتم في ما إذا كانت شهادتهما بعد دفعه المهر لها و إسقاط حقها من الحبس المزبور، و هذا وجه إشكال الفاضل في التحرير، إلا أنه لم أجده قولا لأحد من أصحابنا، نعم قد تشعر عبارة المبسوط السابقة بوجود قائل بعدم الضمان أصلا، و لعله الاتفاق المزبور كاف في الفتوى بضمان النصف الذي هو مستحق عليه باعترافه بالزوجية المقتضية وجوب النصفين عليه، نعم لو قلنا بأن الطلاق سبب في غرامة مقدار نصف المهر اتجه حينئذ تغريمهما ذلك، لفرض بقاء المهر في ذمته مستحقا عليه باعترافه، و هذا غرامة حدثت بسبب شهادة الطلاق، و قد عرفت في كتاب النكاح تحقيق الحال في ذلك فلاحظ و تأمل.

و لو لم يكن لها مسمى وجب نصف المتعة بناء على وجوبها.

و لو شهدا بنكاح امرأة فحكم به الحاكم ثم رجعا فان طلقها قبل الدخول لم يغرما شيئا، لأنهما لم يفوتا شيئا عليها، و إن دخل بها ثم طلقها أو لا و كان المسمى بقدر مهر المثل أو أكثر و وصل إليها فلا شي ء لها عليهما، لأنها قد أخذت عوض ما فوتاه عليها من البضع بناء على ضمانه و إن كان المسمى دونه أي مهر المثل فعليهما التفاوت، و إن لم يصل إليها

ج 41، ص: 237

المسمى ففي القواعد عليهما ضمان مهر مثلها، لأنه عوض ما فوتاه عليها، و فيه نظر.

هذا إذا كان المدعي للنكاح الرجل، و لو كان المدعي هو المرأة فإن طلق الزوج قبل الدخول بأن قال: إن كانت زوجتي فهي طالق ضمنا للزوج نصف المسمى، و إن كان الطلاق بعد الدخول فان كان المسمى الذي شهدا به أزيد من مهر المثل ضمنا الزيادة للزوج، و لا ضمان إن ساواه أو نقص، و لا يشكل ذلك بعدم جواز الدخول له لإنكاره الزوجية لأنه يمكن فرض دعوى الامرأة ذلك مع عدم علمه بالحال، فإنه يجوز له الدخول حينئذ بحكم الحاكم، فإذا فرض رجوع الشاهدين عما شهدا به من النكاح بمهر معلوم ضمنا له التفاوت بينه و بين المسمى على الوجه الذي عرفت.

و لو شهدا بعتق الزوجة فحكم الحاكم ففسخت النكاح ثم رجعا غرما القيمة للمولى- خلافا لبعض العامة- و مهر المثل للزوج إن جعلنا البضع مضمونا و إلا فلا.

و لو شهدا برضاع محرم بعد النكاح ففرق الحاكم بينهما ثم رجعا ضمنا مهر المثل على القول بضمان البضع و إلا فلا، و لا فرق في هذه الضمانات بين تعمد الشاهدين و خطأهما.

[فروع]
[الفرع الأول إذا رجعا معا ضمنا بالسوية]

فروع:

الأول قد ظهر لك مما ذكرناه نصا (1)

و فتوى أن الشاهدين على ما يثبت


1- «1» الوسائل- الباب- 11- من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 238

بهما إذا رجعا معا عن شهادتهما بعد الحكم بها و استيفاء المال ضمنا بالسوية لتساويهما في التسبب المقتضي لذلك فان رجع أحدهما ضمن النصف، و لو ثبت المشهود به بشاهد و امرأتين فرجعوا ضمن الرجل النصف و ضمنت كل واحد الربع لأنهما معا بمنزلة رجل، و لو كان ثبوته بشاهد و يمين ضمن الشاهد النصف، لأن الظاهر ثبوت الحق بهما معا و لو قيل بثبوته باليمين لا غرم عليه، كما أنه لو قيل بثبوته به وحده و اليمين شرط ضمن الكل، و ربما احتمل التنصيف على كل تقدير، إذ لا شك أن لكل منهما مدخلا في الثبوت، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في كتاب القضاء.

و لو أكذب الحالف نفسه اختص بالضمان، سواء رجع الشاهد أو لا، و كذا كل مقام يرجع فيه المدعي يختص بضمان ما استوفاه و لا غرم على الشاهد.

هذا كله لو كان الشاهد أقل عدد يثبت به المشهود عليه، أما لو شهد أكثر من العدد الذي يثبت به الحق كثلاثة مثلا في المال و القصاص و ستة في الزناء فرجع الزائد قبل الحكم أو بعده قبل الاستيفاء لم يمنع ذلك الحكم و لا الاستيفاء، و لا ضمان على أحد إن كان الرجوع قبل الحكم، و إن رجع بعد الاستيفاء أو بعد الحكم ضمن بقسطه وفاقا للمحكي عن الشيخ و يحيى بن سعيد، لثبوت الحكم بالجميع، و لصحيح ابن مسلم (1)

السابق الذي منه يعلم أنه لو رجع الثالث في الشهادة بالمال يضمن الثلث، و ربما احتمل عدم الضمان للاستغناء عنه في الحكم إلا أن يكون مرجحا بكثرة الشهود في صورة التعاوض للاحتياج إليه حينئذ في الحكم.

و لو شهد بالزناء ستة و رجع اثنان بعد القتل معترفين بالتعمد فعليهما


1- «1» الوسائل- الباب- 11- من كتاب الشهادات الحديث 1.

ج 41، ص: 239

القصاص بناء على المختار بعد رد ثلثي الدية عليهما، و لو قالا: أخطأنا فعليهما ثلث الدية، و إن رجع واحد فالسدس أو القصاص بعد رد خمسة أسداس الدية، و على الاحتمال لا شي ء عليهما.

و إن رجع ثلاثة مخطئين فعلى الأول يضمنون نصف الدية، و على الاحتمال ربعها بالسوية، لاشتراك العلة بينهم من غير مرجح، مع احتمال القرعة.

و إن رجع أربعة فالثلثان على المختار و النصف على الاحتمال.

و إن رجع خمسة فخمسة أسداس على الأول، و ثلاثة أرباع على الاحتمال.

و إن رجع الستة فلكل واحد السدس على القولين، بل منه يستفاد تأييد المختار، ضرورة أن المتجه على الاحتمال حينئذ الإقراع في الخارج عن الزائد على الحجة، فتأمل.

و مما ذكرنا يعلم الحال في ما لو كان الشاهد عشر نسوة مع شاهد رجل في ما لا يثبت بالنساء منفردات فرجع الرجل إذ المتجه بناء على ما ذكرنا أنه إذا رجع ضمن السدس لما عرفت من ثبوت الحكم بالجميع، لكن عن أبي يوسف و محمد أنه يضمن النصف لأنه نصف البينة و عليهن النصف، لأن الفرض توقف الثبوت على الرجل، و لا فرق فيهن بين اثنين و ألف، و لعله لذا قال المصنف:

و فيه تردد لكنه في غير محله، لما عرفت.

و لو رجعت امرأة واحدة منهن معه فعلى الراجع مثل ما عليه لو رجع الجميع، فعليه على المختار السدس و عليها نصف السدس، و على قول أبي يوسف عليه النصف و عليها نصف العشر، و على ما ذكرناه من الاحتمال لا شي ء عليها، بل و لا على كل من يرجع منهن مما زاد على الاثنين.

ج 41، ص: 240

و كذا مما ذكرناه يعلم لك الحال في:

[الفرع الثاني لو كان الشهود ثلاثة ضمن كل واحد منهم الثلث]

الفرع الثاني: و هو لو كان الشهود ثلاثة مثلا في المال مثلا ضمن كل واحد منهم الثلث و لو رجع منفردا لما عرفت و ربما خطر في بال المصنف أنه لا يضمن الراجع وحده، و هو ما ذكرناه سابقا من الاحتمال لأن في الباقي ثبوت الحق، و لا يضمن الشاهد ما يحكم به بشهادة غيره للمشهود له و قد عرفت أن الأول اختيار الشيخ و ابن سعيد، بل لم نعرف قائلا منا بما خطر في بال المصنف، كما أنه لم نعرف له وجها إلا ما ذكره، و فيه ما عرفت من صدق الثبوت بالجميع و الصحيح (1) السابق.

و كذا الكلام في ما لو شهد رجل و عشر نسوة فرجع ثمان منهن قيل و القائل من عرفت و هو المختار كان على كل واحدة منهن نصف السدس، لاشتراكهم في نقل المال، و الاشكال فيه (11) بناء على ما خطر في بال المصنف كما في الأول (12) الذي هو رجوع واحد من الثلاثة.

[الفرع الثالث لو حكم فقامت بينة بالجرح مطلقا لم ينقض الحكم]

الفرع الثالث لو حكم فقامت بينة بالجرح مطلقا (13) غير معينة له بوقت لم ينقض الحكم (14) الموافق لأصل الصحة و استصحابها بذلك لاحتمال


1- «1» الوسائل- الباب- 11- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 41، ص: 241

التجدد بعد الحكم و هو غير ناقض له و لو تعين الوقت و هو متقدم على الشهادة نقض بناء على ظهور اختلال ميزان الحكم بذلك، كما تقدم الكلام فيه سابقا و كذا تقدم الكلام في ما لو كان الفسق بعد الشهادة و قبل الحكم و أنه لم ينقض الحكم بذلك عند بعض.

و كيف كان ف إذا نقض الحكم و قد استوفي المحكوم به فان كان حدا قتلا أو جرحا فلا قود على الحاكم قطعا و لا على من وكله في إقامته و (11) إنما تكون للمحدود الدية في بيت المال (12) لأن خطأ الحاكم في ذلك فيه، كما هو المروي عندنا،

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (1): في خبر الأصبغ «إن ما أخطأت القضاة في دم أو قطع فهو على بيت مال المسلمين»

و ما روي من تضمين أمير المؤمنين (عليه السلام) عاقلة عمر بن الخطاب لأنه ليس حاكم شرع، إذ الكلام في حاكم العدل أو المنصوب من قبله الذي هو كالوكيل عن المسلمين بل وليهم، و خطأ الوكيل في حق موكله عليه، فخطأ الوكيل عن المسلمين في حقهم على بيت مالهم المعد للمصالح التي لا ريب في أن ذلك منها، و إلا لأدى إلى ترك الحكم بالشهادة تحرزا عن ضرر الدرك، فما عن ظاهر الحلبي من أن الضمان في ماله واضح الضعف، بل مناف لقاعدة الإحسان و غيرها و لو (13) كان المحكوم به القصاص و كان المباشر ل (14) ه أي القصاص هو الولي ففي ضمانه (15) أي الولي تردد (16) من مباشرته للفعل، و من قوة سببية حكم الحاكم في ذلك و الأشبه (17) عند المصنف


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب آداب القاضي- الحديث 1 من كتاب القضاء.

ج 41، ص: 242

و تبعه الفاضل أنه لا يضمن مع حكم الحاكم و إذنه و لكن لو قتل بعد الحكم و قبل الاذن ضمن الدية فضلا عما لو كان قبل الحكم.

و قد يناقش أولا بعدم ما يدل على اعتبار الاذن في الاستيفاء بعد الحكم، بل لعل ظاهر الأدلة كتابا (1) و سنة (2)

عدمه، و قياس القصاص على الحد أو دعوى أنه منه كما ترى، و لو سلم فلا مدخلية لها في قوة المباشرة على التسبيب، بل لو سلم تساويهما كان الضمان على المباشر، لأنه هو القاتل حقيقة، و لعله لذا يحكى عن قول للعامة بأن على الولي الدية و إن كان مأذونا، بل هو ظاهر إطلاق تردد المصنف أيضا و إن اختار التفصيل بعده، و هو لا يخلو من قوة إن لم يكن إجماعا.

بل قد يؤيده ما ذكره المصنف (رحمه الله) و غيره في حكم المال قال أما لو كان المحكوم به مالا فإنه يستعاد إن كانت العين باقية، و إن كانت تالفة فعلى المشهود له و إن قال لأنه ضمن بالقبض بخلاف القصاص مشيرا بذلك إلى ما يحكى عن الشيخ من الفرق بينه و بين الدية بأن الحكم إن كان بالمال حصل في يد المشهود له ما يضمن باليد، و ضمان الإتلاف ليس بضمان اليد، فلهذا كان الضمان على الامام، لكنه كما ترى، إذ الإتلاف و إن لم يكن ضمان يد لكنه ضمان لمباشرة الإتلاف المندرج في قاعدة من أتلف و من قتل مؤمنا خطأ و غير ذلك.

و على كل حال ف لو كان المشهود له المتلف للمال معسرا قال الشيخ: ضمن الامام، و يرجع به على المحكوم له


1- «1» سورة البقرة: 2- الآية 178 و 179 و 194 و سورة المائدة: 5- الآية 32 و 45 و سورة الأنعام: 6- الآية 151 و سورة شورى: 42- الآية 40 و سورة النحل: 16- الآية 126.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من أبواب القصاص في النفس من كتاب القصاص.

ج 41، ص: 243

إذا أيسر لأنه تسبب إلى إتلافه، و للزوم الحرج على المشهود عليه بالصبر.

و لكن فيه إشكال من حيث القول السابق ب استقرار الضمان على المحكوم له بتلف المال في يده فلا وجه مع ذلك لضمان الحاكم الذي فرضنا تقديم المباشر عليه في أصل الضمان على وجه لم يكن لصاحب المال رجوع عليه، بل المتجه إنظاره لعموم أدلته، مضافا إلى أصالة عدم الانتقال إلى ذمة الحاكم أو بيت المال، كما هو واضح.

[مسائل]
[المسألة الأولى إذا شهد اثنان أن الميت أعتق أحد مماليكه المعين و قيمته الثلث]

مسائل:

الأولى إذا شهد اثنان أن الميت أعتق أحد مماليكه المعين و قيمته الثلث و شهد آخران أو جميع الورثة أن العتق لغيره المعين و قيمته الثلث أيضا على وجه لا يقتضي نفي العتق عن الأول فإن قلنا: المنجزات من الأصل عتقا معا بلا خلاف و لا إشكال و إن قلنا: تخرج من الثلث (11) كما هو الأصح فقد انعتق أحدهما (12) قطعا فان عرفنا السابق (13) بتأريخ البينتين صح عتقه و بطل الآخر (14) إن لم يجز الوارث و إن جهل (15) لإطلاق البينتين أو إحداهما و لم نقل بتأخر مجهول التأريخ عن معلومه استخرج بالقرعة (16) و إن احتمل التقارن و (17) ذلك لأنه لو اتفق عتقهما في حالة واحدة قال الشيخ:

يقرع بينهما و يعتق المقروع (18) فالمحتمل أولى بذلك، و الأصل فيه فعل النبي (صلى الله عليه و آله) بالعبيد الذين أعتقهم الأنصاري و لا يملك

ج 41، ص: 244

سواهم (1) كما سمعته في كتاب الوصايا (2) و أولى من ذلك بالقرعة ما لو علم سبق أحدهما و لكن لم يعلم عينه ضرورة أنها لإخراج المشتبه.

لكن في المسالك جعل فيه وجهين، هذا أحدهما، و الثاني أنه بعتق من كل واحد نصفه، لأنه لو أقرعنا لم يؤمن خروج الرق على السابق، و للسابق حق الحرية، فيلزم منه إرقاق حر و تحرير رقيق.

و هو من غرائب الكلام، ضرورة جريانه في كثير من موارد القرعة التي استفاضت بها النصوص (3)

المصرحة بعدم خطأها لو فوض القارع فيها الأمر إلى الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية، و لذا لم يحتمله أحد من أصحابنا، نعم هو أحد قولي الشافعية كما حكاه الرافعي.

و كذا قال الشيخ لو اختلفت قيمتها بأن كانت قيمة أحدهما السدس و الآخر الثلث أو أزيد و قد أعتقهما معا أو جهل السابق أعتق المقروع أيضا فإن كان بقدر الثلث صح و بطل الآخر، و إن كان أزيد صح العتق منه في القدر الذي يحتمله الثلث، و إن نقص أكملنا الثلث من الآخر.

و كأنه أشار بذلك إلى ما ذكروه تفريعا على القولين في ما لو قامت البينتان كذلك لكن أحد العبدين سدس المال و الآخر ثلثه، فان قلنا بالقرعة و أخرجت للعبد الخسيس عتق و عتق نصف من الآخر ليكمل الثلث و إن أخرجت للنفيس انحصر العتق فيه.

و أما على القول الثاني فقد ذكروا فيه وجهين أحدهما أنه يعتق من كل واحد ثلثاه لأن ما زاد على الثلث من المتبرع ينسب إلى جميع التبرع


1- «1» سنن البيهقي ج 10 ص 285.
2- «2» راجع ج 28 ص 359.
3- «3» الوسائل- الباب- 13- من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.

ج 41، ص: 245

و ينقص بتلك النسبة من كل واحد منهم، و إذا نسبنا الزائد على الثلث و هو السدس هنا إلى جميع التبرع و هو النصف كان ثلثه، فيرد العتق في ثلث كل واحد منهما و ينفذ في ثلثيه. و بعبارة أخرى أنه كما لو أوصى لرجل بثلث ماله و لآخر بسدسه فإنه يعطى كل واحد ثلثي ما أوصى له به، و ذلك لأن نسبة السدس مع الثلث ثلثان و ثلث، فيقسم الثلث حينئذ بينهما ثلثان منه لمن أوصى له بالثلث، و ثلث منه لمن أوصى له بالسدس لأن النقص الحاصل عليه على نسبة مالهما من الوصية، كما هو واضح.

و ثانيهما عتق ثلاثة أرباع النفيس و من الخسيس نصفه، لأنه إن سبق إعتاق النفيس فجميعه حر، و إن سبق إعتاق الآخر فنصفه حر، فنصفه على التقديرين حر، و إنما النزاع و الازدحام في النصف الثاني الذي هو قدر سدس المال، فيقسم بينهما، فيعتق من النفيس ربعه مضافا إلى النصف، و من الخسيس نصفه.

إلا أنه كما ترى لا ينطبق على قاعدة قسمة ما تعارضت فيه البينتان من الأعيان بين المتخاصمين، ضرورة عدم كون العتق كذلك، و من هنا قال الرافعي: إن الصحيح و به قطع الأكثرون الوجه الأول.

هذا و في المسالك و نبه المصنف بقوله: و شهد آخران أو الورثة إلى آخره على أنه لا فرق هنا بين شهادة الوارث و غيره، إذ لا تهمة للوارث تمنع شهادته هنا و إن كانت واردة في غير هذه الصورة، كما سيأتي في ما لو شهدوا بالرجوع عن الأول، و يزيد الورثة عن الأجانب أنه لا يشترط هنا كونهم عدولا، لأن شهادتهم بعتق الثاني مع عدم تعرضهم للأول بمنزلة الإقرار بعتقه مضافا إلى ما ثبت بالبينة، نعم يشترط كون الشاهد جميع الورثة، كما يرشد إليه قول المصنف: أو الورثة، و قال في المسألة الثانية: و شهد من ورثته عدلان، و لو كانوا عدولا كفى

ج 41، ص: 246

منهم اثنان كالأجانب».

قلت: لا تهمة في المسألتين، لكن إشكال المصنف في الثانية يأتي هنا، ضرورة كون الورثة هم المدعى عليهم في المسألتين، و إقرارهم في أحدهما لا يعارض البينة في الآخر، فلا تحمل عليه عبارة المصنف المتضمنة للقرعة، نعم الوجه في عبارة المصنف أنه ذكرها على مذهب الشيخ على معنى عدم الفرق بين كون الشاهدين من الورثة أو أجنبيين لعدم التهمة فتتجه حينئذ القرعة، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا شهد شاهدان بالوصية لزيد و شهد من ورثته عدلان أنه رجع عن ذلك و أوصى لخالد تقبل شهادة الرجوع]

المسألة الثانية:

إذا شهد شاهدان بالوصية لزيد و شهد من ورثته عدلان أنه رجع عن ذلك و أوصى لخالد بعين ما أوصى به للأول أو بغيره قال الشيخ: تقبل شهادة الرجوع، لأنهما لا يجران نفعا لأنهما أثبتا للرجوع عنه بدلا يساويه فارتفعت التهمة، فلا فرق حينئذ بين الوارث و غيره، و هو المحكي عن الشافعية.

و لكن فيه إشكال من حيث أن المال يؤخذ من يدهما فهما غريمان للمدعي فلا تقبل شهادتهما عليه، إذ البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه فلا وجه لقبول شهادته عليه، مع أن الخصومة معه في المشهود عليه، فترد شهادتهم من هذه الجهة.

قال في المسالك: «و إنما اعتبر كون الورثة عدلين ليثبت بهما الرجوع على تقديره، و لو كانا فاسقين لم يثبت بقولهما الرجوع، و يحكم بالأولى بشهادة الأجنبيين، لأن الثلث يحتملها كما هو المفروض، و يصح من الثانية قدر ما يحتمله ثلث الباقي من المال بعد الأول، و بهذا افترق

ج 41، ص: 247

حكم العدالة و عدمها في هذه المسألة و السابقة، لأن الوارث لو لم يتعرض للسابقة كان الحكم كالمسألة الأولى».

قلت: و فيه ما ذكرناه من الاشكال مع فرض المزاحمة كما في المسألة السابقة و إلا فمع فرض عدم المزاحمة يعمل بمقتضى البينة و بمقتضى الإقرار، بل لو فرض تكذيب الورثة للبينة التي شهدت بعتق سالم و قالوا: إنما أعتق غانما و فرض أن كل واحد منهما قدر الثلث أعتق الأول بالبينة و الثاني بالإقرار الذي لا يصلح معارضا للبينة الأولى و ليس شهادة، لأن الفرض فسقهم، و لو قالوا: لا نعلم أنه أعتق سالما و لكنه أعتق غانما فعن بعض الشافعية القرعة و فيه منع واضح بعد الإحاطة بما ذكرنا، بل منه يعلم ما في جملة من كلماتهم المحكية في الروضة للرافعي.

[المسألة الثالثة إذا شهد شاهدان لزيد بالوصية و شهد شاهد بالرجوع و أنه أوصى لعمرو كان لعمرو أن يحلف مع شاهده]

المسألة الثالثة:

إذا شهد شاهدان لزيد بالوصية و شهد شاهد بالرجوع و أنه أوصى بما أوصى به أولا لعمرو كان لعمرو أن يحلف مع شاهده و إن قلنا سابقا: إن الشاهد و اليمين لا يعارض البينة لكن ذلك مع اتحاد المشهود به بخلاف الفرض لأنها شهادة منفردة لا تعارض الأولى فيعمل بكل منهما في مورده، كما هو واضح.

[المسألة الرابعة لو أوصى بوصيتين منفردتين فشهد آخران أنه رجع عن إحداهما لا يقبل]

المسألة الرابعة:

لو أوصى بوصيتين منفردتين فشهد آخران أنه رجع عن إحداهما قال الشيخ: لا يقبل، لعدم التعيين الذي هو شرط في صحة الشهادة

ج 41، ص: 248

و لو للشك في حجيتها مع عدمه، كنفس الدعوى إذا لم تكن محررة فهي حينئذ كما لو شهدت البينة بدار لزيد أو عمرو و يحتمل الرجوع إلى القرعة التي هي لكل أمر مشكل، إذ المستحق في نفس الأمر أحدهما، و نسبته إليهما على السواء، و قد تعذر علمه بموت الموصى، و الفرض حجية شهادة العدلين، لإطلاق دليلها، و يحتمل القسمة بينهما، لأنه مال قد انحصر فيهما و نسبتهما إليه على السواء، فيقسم بينهما، و يجعل كأنه رد كل وصية إلى نصفها، و الوسط لا يخلو من قوة، كما مال إليه في المسالك.

[المسألة الخامسة إذا ادعى العبد العتق و أقام بينة تفتقر إلى البحث]

المسألة الخامسة:

إذا ادعى العبد العتق و أقام بينة تفتقر إلى البحث عن التزكية مثلا و سأل العبد التفريق بينه و بين المولى حتى تثبت التزكية قال في المبسوط يفرق.

و وجهه في المسالك بأن العبد قد فعل ما هو الواجب عليه حيث أتى ببينة كاملة، و ليس عليه البحث عن حالها لأن الظاهر العدالة حتى يثبت الجرح، و إنما البحث وظيفة الحاكم، و لأن المدعي ربما كان أمة فلو لا التفرقة لم يؤمن أن يواقعها، و هو ضرر عظيم.

و فيه أن المحكي عن الشيخ في المتن الافتقار إلى البحث عن التزكية لا الجرح، فليس وجهه إلا الاكتفاء بما يمكن صحته، كما يشهد له قوله و كذا لو أقام مدعي المال شاهدا واحدا و ادعى أن له شاهدا آخر و سأل حبس الغريم، لأنه متمكن من إثبات حقه باليمين، و لكن في الكل إشكال، لأنه تعجيل العقوبة قبل ثبوت الدعوى كما

ج 41، ص: 249

تقدم الكلام فيه في كتاب القضاء و لا مانع من تمكينه من النظر إلى الأمة بل المواقعة لأن الناس مسلطون على أموالهم، نعم قد تحصل مصلحة في بعض المقامات تقتضي جواز الحبس للحاكم.

[المسألة السادسة لا فرق في الضمان بين شهود الشي ء و شهود التزكية]

المسألة السادسة:

لا فرق في الضمان بين شهود الشي ء و شهود التزكية، كما صرح به الفاضل و غيره، فلو زكى اثنان شهود الزناء كذبا فالضمان عليهما، لأنهما السبب في الحكم بالقتل، لكن في التحرير تردد فيه من ذلك و من كون التزكية شرطا لا سببا، بل السبب هو الحكم، و فيه أنها سبب عرفا كالشهادة، نعم إنما يكون عليهما الدية، لاحتمال حقية المشهود به، و كذا لو رجعوا عن التزكية سواء قالوا تعمدنا أو أخطأنا، لأنهم إنما تعمدوا الكذب في التزكية، و هو ليس من الكذب في الشهادة، بل قد يقال بضمانهما نصف الدية، لجريانهما مجرى شاهد واحد بالنسبة إلى الحكم المستند إلى شهادة الشهود و إلى التزكية، و لو فرض علمهم بكذب الشهود و قد كذبوا في التزكية أمكن القول بالقصاص عليهم، لاشتراكهم حينئذ مع الشهود في سبب القتل، و لو ظهر فسق المزكين فالضمان على الحاكم في بيت المال كظهور فسق الشهود حتى أثر الضرب في الجلد.

و إذا رجع الشاهد أو المزكي اختص الضمان بالراجع دون الآخر، إذ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.

و لو رجعا معا ضمنا، لما عرفت من أن الشهادة و التزكية معا سبب للحكم، و كل منهما جزء لسببه، لا أن السبب الشهادة و التزكية شرط أو

ج 41، ص: 250

سبب بعيد مع احتماله، فيختص الضمان حينئذ بالشاهد، فان رجع الولي على الشاهد كان له قتله مع اعترافه بتعمد الكذب، و لو طالب المزكي لم يكن عليه القصاص بل الدية، لما سمعت إلا في صورة الاعتراف بالعلم بكون القتل عدوانا، و لكن ليس للولي جمعهما في الطلب و إلا اجتمع له القصاص و الدية، بل في كشف اللثام ليس له توزيعهما عليهما، حتى إن اقتص من الشاهد أعطاه نصف الدية و أخذه من المزكي، لأنهما و إن تساويا في سببية الحكم لكن تباينا في المشهود به، فكل منهما مستقل في جنايته، و الله العالم.

[المسألة السابعة لو شهد أربعة بالزناء و اثنان بالإحصان فرجم ثم رجعا دون شهود الزناء اقتص منهما خاصة]

المسألة السابعة:

لو شهد أربعة بالزناء و اثنان بالإحصان فرجم ثم رجعا دون شهود الزناء اقتص منهما خاصة إن اعترفا بالعمد، و إلا فالدية على الوجه الذي ستعرفه، نعم من اقتص منهم يرجع إليهما من الدية بقدر نصيب شهود الزناء من الغرم، و كذا لو رجع شهود الزناء خاصة لم يجب على شهود الإحصان شي ء، بل يختصون بالضمان، فلو اقتص منهم يرجع إليهم من الدية بقدر نصيب شهود الإحصان.

و لو رجع الجميع ضمنوا أجمع، لاشتراكهم في التسبيب. و في التحرير احتمال سقوط ضمان شهود الإحصان، لنحو ما سمعته في التزكية من كون شهادتهم بالشرط دون السبب، و السبب للقتل هو الزناء، فتضمن شهوده خاصة، و فيه ما عرفت.

نعم في كيفية الضمان إشكال، فيحتمل ضمان شاهدي الإحصان النصف و شهود الزناء النصف، و يحتمل التوزيع عليهم بالسوية، و حينئذ

ج 41، ص: 251

فلو شهد أربعة بالزناء و اثنان منهم بالإحصان فعلى الأول على شاهدي الإحصان ثلاثة أرباع: نصف للشهادة بالإحصان و نصف النصف الآخر الذي هو ربع، لأنهما نصف شهود الزناء، و على الثاني على شاهدي الإحصان الثلثان: ثلث منهما للشهادة بالزناء و الثلث الآخر للشهادة بالإحصان و على الآخرين الثلث، و يحتمل تساويهم في الغرم على كل تقدير، فلا يضمنان إلا النصف، لأن شاهدي الإحصان و إن تعددت جنايتهم فإنهم يساوون من اتحدت جنايته، لأن الدية تسقط على عدد الرؤوس لا الجناية، كما لو جرحه أحدهما مائة و الآخر واحد ثم مات من الجميع، و الله العالم.

[المسألة الثامنة لو رجع المعرفان ضمنا ما شهد به الشاهدان]

المسألة الثامنة:

لو رجع المعرفان ضمنا ما شهد به الشاهدان، و في تضمينهما الجميع أو النصف نظر، من أن التفويت حصل بأمرين: شهادة الشاهدين و تعريفهما المشهود عليه، و بعبارة أخرى بشهادتين شهادة بالشي ء المشهود به و شهادة بالنسب، فكان عليهما نصف الغرم مع أصل البراءة، و من أنهما المثبتان لشهادة الشاهدين بحيث عينا المشهود عليهما.

[المسألة التاسعة لو ثبت الحكم بشهادة الفرع ثم رجع فإن كذبه شاهد الأصل في الرجوع فالأقرب عدم الضمان]

المسألة التاسعة:

لو ثبت الحكم بشهادة الفرع ثم رجع فإن كذبه شاهد الأصل في الرجوع فالأقرب عدم الضمان، و يحتمل أخذا بإقراره، نعم لو صدقه أو جهل حاله ضمن، فلو شهد اثنان على الاثنين ثم رجعا ضمن كل النصف، و يقتص منهما لو تعمدا، و لو رجع أحدهما ضمن نصيبه خاصة

ج 41، ص: 252

و لو رجعا عن الشهادة على أحد الأصلين احتمل إلحاقهما برجوع شاهدي الأصل في ضمان الجميع و برجوع أحدهما، فعليهما جميعا نصف الضمان. و لو رجع أحدهما عن الشهادة على أحد الأصلين و الآخر عن الشهادة على الآخر ضمنا الجميع، لاختلال شهادتي الأصلين جميعا، فإنه لا يثبت أحدهما إلا بشهادة الفرعين جميعا. و لو رجع أحدهما عن الشهادة على أحد الأصلين احتمل تضمين النصف، لعدم الفرق بين الرجوع عن شهادة الأصلين كليهما أو عن شهادة أحدهما، لاختلال الشهادة بكل منهما من غير فرق، و احتمل ضمان الربع بناء على أنهما إن رجعا جميعا عن شهادة أحد الأصلين ضمنا النصف.

و لو شهد على كل شاهد اثنان و رجع الجميع ضمن كل الربع، و يقتص منهم لو اعترفوا بالعمد، و الله العالم.

[العاشرة يجب تعزير شاهد الزور]

المسألة العاشرة:

يجب تعزير شاهد الزور بلا خلاف أجده فيه بما يراه الحاكم من الجلد و النداء في قبيلته و محلته بأنه كذلك ليرتدع غيره بل هو فيما يأتي، قال الصادق (عليه السلام): في موثق سماعة (1)

و

خبر عبد الله بن سنان (2): «إن شهود الزور يجلدون جلدا ليس له وقت، و ذلك إلى الامام، و يطاف بهم حتى يعرفهم الناس»

و في

خبر غياث بن إبراهيم (3)

«إن عليا (عليه السلام) كان إذا أخذ شاهد الزور فان كان غريبا بعث به إلى حيه، و إن كان سوقيا بعث به إلى سوقه فطيف


1- «1» الوسائل- الباب- 11- من أبواب بقية الحدود و التعزيرات- الحديث 2 من كتاب الحدود.
2- «2» الوسائل- الباب- 15- من كتاب الشهادات- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 15- من كتاب الشهادات- الحديث 3.

ج 41، ص: 253

به، ثم يحبسه أياما ثم يخلي سبيله»

و قال أيضا في شاهدي زور فرا من يد علي (عليه السلام): «إن علي هذين حتى أنكلهما»

إلى غير ذلك، و ليس منه الغالط في شهادته و لا من ردت لمعارضة بينة أخرى بل و لفسقه.

[المسألة الحادية عشر الظاهر عدم الضمان بكتمان الشهادة و إن أثم]

المسألة الحادية عشر:

الظاهر عدم الضمان بكتمان الشهادة و إن أثم، للأصل و غيره، لكن في القواعد في التضمين بترك الشهادة مع ضعف المباشرة إشكال، كما لو علما ببيع المورث عينا من زيد فباع الوارث من عمرو و لم يعلم بذلك البيع و تعذر الرجوع على المشتري، و لعله من تسبيبه للتلف بكتمانها على وجه يقوى على المباشر الجاهل بالحال، و لكن الأقوى ما عرفت.

هذا و بقيت مسائل مذكورة في كتب العامة و الخاصة تركنا التعرض لها ترجيحا للاشتغال بالأهم منها و مخافة التطويل، و لكن الأمر فيها هين، لأن المرجع فيها القواعد العامة و لا نص فيها بالخصوص، و الله هو العالم و المؤيد و الموفق و المسدد.

ج 41، ص: 254

بسم الله الرحمن الرحيم

[كتاب الحدود و التعزيرات]

اشارة

كتاب الحدود و التعزيرات جمع حد و تعزير، و هما لغة كما في المسالك و غيرها المنع و التأديب، بل فيها «و منه الحد الشرعي، لكونه ذريعة إلى منع الناس عن فعل معصية خشية من وقوعه، و شرعا عقوبة خاصة تتعلق بإيلام البدن بواسطة تلبس المكلف بمعصية خاصة عين الشارع كميتها في جميع أفراده، و عقوبة أو إهانة لا تقدير لها بأصل الشرع غالبا» و نحوه في التنقيح و الرياض، إلا أنهما لم يذكر فيهما قيد الغلبة في الأخير. و لعله إلى ذلك يرجع قول المصنف كل ما له عقوبة مقدرة يسمى حدا، و ما ليس كذلك يسمى تعزيرا.

لكن في المسالك في شرحها «تقدير الحد شرعا واقع في جميع أفراده كما أشرنا إليه سابقا، و أما التعزير فالأصل فيه عدم التقدير، و الأغلب من أفراده كذلك، و لكن قد وردت الروايات بتقدير بعض أفراده و ذلك في خمسة مواضع: الأول: تعزير المجامع زوجته في نهار رمضان مقدر بخمسة و عشرين سوطا (1) الثاني: من تزوج أمة على حرة


1- «1» الوسائل- الباب- 12- من أبواب بقية الحدود و التعزيرات.

ج 41، ص: 255

و دخل بها قبل الاذن ضرب اثنا عشر سوطا و نصفا ثمن حد الزاني (1) الثالث: المجتمعان تحت إزار واحد مجردين مقدر بثلاثين إلى تسعة و تسعين على قول (2) الرابع: من افتض بكرا بإصبعه (3) قال الشيخ: يجلد من ثلاثين إلى سبعة و سبعين، و قال المفيد: من ثلاثين إلى ثمانين و قال ابن إدريس: من ثلاثين إلى تسعة و تسعين، الخامس: الرجل و المرأة يوجدان في لحاف واحد و إزار مجردين يعزران من عشرة إلى تسعة و تسعين (4) قاله المفيد، و أطلق الشيخ التعزير، و قال في الخلاف: روى أصحابنا فيه الحد، و لقائل أن يقول: ليس من هذه مقدر سوى الأولين، و الباقي يرجع في ما بين الطرفين إلى رأي الحاكم، كما يرجع إليه في تقدير غيره و إن تحدد في طرفيه بما ذكر».

قلت: كأن الذي دعاه إلى تسمية المقدر المزبور تعزيرا مع أن له مقدرا هو اشتمال النص على إطلاق التعزير عليه، و فيه بعد تسليمه في الجميع إمكان منع إرادة ما يقابل الحد منه، و لعله لذا ذكرها بعضهم في الحدود، و الأمر سهل.

ثم قال المصنف و أسباب الأول ستة: الزناء، و ما يتبعه، و القذف، و شرب الخمر، و السرقة، و قطع الطريق، و الثاني أربعة:

البغي، و الردة، و إتيان البهيمة، و ارتكاب ما سوى ذلك من المحارم، فلنفرد لكل قسم بابا عدا ما يتداخل أو سبق و في المسالك في شرح


1- «1» الوسائل- الباب- 49- من أبواب حد الزناء و الباب- 47- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح.
2- «2» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 21 و 18.
3- «3» الوسائل- الباب- 39- من أبواب حد الزناء.
4- «4» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 3 و 18.

ج 41، ص: 256

الأخير «جعل عقوبة الباغي- و هو المحارب و من في معناه و المرتد- تعزيرا غير معهود و المعروف بين الفقهاء تسميته حدا، و لا ينافي كون الحد مقدرا، لأن القتل أيضا مقدر بإزهاق الروح إما مطلقا أو على وجه مخصوص، و جعل ارتكاب المحارم قسيما للثلاثة نظرا إلى أن الثلاثة الأول منصوصة بخصوصها من الشارع، و الرابع داخل من حيث العموم، و الأولى جعل سبب التعزير أمرا واحدا و هو ارتكاب المحرم الذي لم ينصب الشارع له حدا مخصوصا».

قلت: قد ترك ذكر التعزير في عنوان الكتاب في القواعد و التحرير و اللمعة، بل جعل في الأول مقاصده ثمانية و السابع و الثامن المحارب و المرتد.

و في كشف اللثام «الحد في الأصل المنع، و منه الحديد، لامتناعه و صلابته، و يقال للبواب: حداد لمنعه الناس، سميت بها الأمور المقررة في الشرع لمنع الناس عن معاص معينة،

عن سدير (1) قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام): حد يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين ليلة و أيامها»

و عن عبد الرحمن بن الحجاج (2)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في قول الله عز و جل (3) «يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» قال: «ليس يحييها، و لكن يبعث الله رجلا فيحيون العدل، فتحيي الأرض لإحياء العدل، و لإقامة حد فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا».».

قلت: لا كلام في كون المقدرات المزبورة حدودا، إنما الكلام في اندراج ما لا مقدر له شرعا تحت اسم الحد الذي هو عنوان أحكام كثيرة في


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2 و الأول عن حنان بن سدير.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3 و الأول عن حنان بن سدير.
3- «3» سورة الروم: 30- الآية 19.

ج 41، ص: 257

النصوص كدرء الحد بالشبهة (1)و عدم اليمين في الحد (2) و عدم الكفالة فيه (3) و للإمام العفو عن الحد الثابت بالإقرار دون البينة (4) و عدم الشفاعة في الحد (5)و غير ذلك و عدم اندراجه، يحتمل ذلك لإطلاقه على مطلق العقوبة في كثير من النصوص نحو

«إن الله جعل لكل شي ء حدا و لمن جاوز الحد حدا» (6)

و يحتمل العدم كما هو ظاهر الأصحاب هنا و في ما لو اعترف بحد و لم يبينه، لظهور لفظ الحد عرفا في المحدود، و لنحو

خبر حماد بن عثمان (7)

«قلت له: كم التعزير؟ فقال: دون الحد، قلت له: دون ثمانين، قال: لا، و لكن دون أربعين، فإنها حد المملوك، قلت: و كم ذاك؟ فقال: على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و قوة بدنه»

و خبر معاوية بن عمار (8)

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الامرأتان ينامان في ثوب واحد فقال: يضربان، قلت: حدا؟ فقال: لا، قلت: الرجلان ينامان في ثوب واحد، قال: يضربان، قلت: الحد؟ قال: لا»

و غير ذلك مما يدل على مغايرة التعزير للحد في المفهوم، بل فيها ما هو كالصريح في ذلك، نعم لا ينكر إطلاق الحد على ما يشمل التعزير أيضا، فلعل الاقتصار في الأحكام المخالفة للأصول و العمومات على الحد بالمعنى الأخص دون غيره


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 21- من أبواب مقدمات الحدود.
4- «4» الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمات الحدود.
5- «5» الوسائل- الباب- 20- من أبواب مقدمات الحدود.
6- «6» الوسائل- الباب- 2 و 3- من أبواب مقدمات الحدود.
7- «7» الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الحدود و التعزيرات- الحديث 3.
8- «8» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء الحديث 16.

ج 41، ص: 258

إلا ما يفهم من فحوى أو غيرها لا يخلو من قوة، و من هنا يقوى عدم اندراج القصاص في إطلاق الحد، و الله العالم.

[القسم الأول ما كان له عقوبة مقدرة]

[الباب الأول في الزناء]
اشارة

الباب الأول في الزناء الذي يقصر فيكتب بالياء، و يمد فيكتب بالألف المجمع على تحريمه في كل ملة حفظا للنسب، و لذا كان من الأصول الخمسة التي يجب تقريرها في كل شريعة، و هو من الكبائر المعلومة قطعا من الكتاب و السنة و الإجماع إن لم يكن ضرورة من الدين.

و كيف كان ف النظر في الموجب و الحد و اللواحق

[النظر الأول في الموجب]
اشارة

أما الموجب فهو تحقق حقيقته مع الشرائط المشار إليها بقول المصنف:

«و يشترط» إلى آخره، و مقتضاه تحقق ماهية الزناء التي هي الموجب بمعنى السبب المصطلح ب إيلاج الإنسان ذكره في فرج امرأة محرمة أصالة لا لحيض و نحوه من غير عقد و لا شبهة عقد و لا ملك للعين أو المنفعة و لا شبهة ملك لهما، فما في المسالك من أنه «يدخل في الحد الإنسان الكبير و الصغير و العاقل و المجنون، فلو زاد فيه «المكلف»

ج 41، ص: 259

كان أجود، و يمكن تكلف إخراجهما بقوله في فرج امرأة محرمة، فإنه لا تحريم في حقهما، و كذا يدخل فيه المختار و المكره، و يجب إخراج المكره إلا أن يخرج بما خرج به الأولان»- في غير محله، لأنها على التقدير المزبور شرائط في الحد لا في تحقق حقيقة الزناء.

و كذا لا يدخل فيه إيلاج ذكر الخنثى المشكل، لعدم العلم بكون ذكرها ذكرا، و في المسالك لعدم مبادرة المعنى عند إطلاقه إليه و جواز سلبه عنه، و فيه نظر، و ربما زيد الأصلي لإخراجه، و لا بأس به توضيحا و إلا فالمنساق من التعريف الذكر من الإنسان.

و كذا الكلام في فرجها الذي لم يعلم كونه فرج امرأة و ربما زيد أيضا أصلي أو يقينا لإخراجها، و لا بأس به أيضا.

و كأن قول المصنف: و غيره «من غير عقد» إلى آخره، تفسير للمحرمة، و لعله لذا ترك قول «محرمة» في النافع، و هو المناسب للتعريف، و كأنه في ذكره تبع به ما تسمعه من عبارتي المقنعة و التهذيب المحتمل لتعليق «من» فيه بمحرمة و إن كان يشكل بصدقه على الزوجة حينئذ أو المراد بالتحريم ما يعم العرضي، و هذا قيد يخرجه.

هذا و في الرياض «أما الزناء الموجب للحد فهو إيلاج الإنسان، و إدخاله فرجه و ذكره الأصلي في فرج امرأة محرمة عليه أصالة من غير عقد نكاح و لو متعة بينهما و لا ملك من الفاعل القابل و لا شبهة دارئة، و ضابطها ما أوجب ظن الإباحة بلا خلاف أجده، و به صرح في الغنية، و لعله المفهوم منه عرفا و لغة، و إطلاق العبارة و إن شمل غير المكلف إلا أنه خارج مما ذكرناه من قيد التحريم، مع احتمال أن يقال: إن التكليف من شرائط ثبوت الحد بالزناء لا أنه جزء من مفهومه، فلا يحتاج إلى ازدياد التحريم من هذا الوجه و إن احتيج إليه لتحقيق معنى الزناء لعدم

ج 41، ص: 260

تحققه عرفا و لغة إلا به، و إلا فدخول المجنون بامرأة مثلا لا يعد فيهما زناء ما لم تكن المدخول بها محرمة عليه أصالة».

و فيه أن ذلك لا يوجب الزيادة المزبورة، ضرورة تحقق الإيلاج بامرأة بلا عقد و لا ملك و لا شبهة و إن لم يكن في ذلك حرمة عليه، لعدم التكليف الذي فرض عدم مدخليته في تحقق معنى الزناء الذي هو على التقدير المزبور وطء الأجنبية التي هي غير الزوجة و المملوكة عينا أو منفعة، و مقتضاه أن وطء الشبهة زناء لغة و عرفا لكنه لا يوجب الحد و هو مناف لمقابلته به في النكاح المقتضية لكونه وطء الأجنبية على أنها أجنبية، و ربما يظهر بذلك ثمرة في غير الحد من الأحكام المعلقة على الزناء كالعرف و نحوه» إن لم يكن قرينة على إرادة الخاص منه، و لعل إيكاله إلى العرف أولى من التعرض لكشف مفهومه كغيره من الألفاظ، ضرورة تحقق وصف الزناء في المرأة و الرجل على وجه يتحقق في أحدهما دون الآخر، و لا ريب في عدم صدق التعريف المزبور على إيلاج المرأة ذكر الغير فيها مع تحقق وصف الزناء فيها، و لعل ذكر الأصحاب بعض القيود في التعريف من حيث ثبوت الحد به و عدمه و لو للشرائط الشرعية لذلك لا لكشف مفهومه، و

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لماعز بعد إقراره بالزناء أربعا (1): «أ تعرف الزناء؟ فقال: هو أن يأتي الرجل حراما كما يأتي أهله حلالا».

و كيف كان ف يتحقق ذلك عرفا بغيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا كما نص عليه غير واحد بل هو المشهور كما عن المختلف، بل لم أجد فيه خلافا، كما اعترف به في الرياض، نعم في الوسيلة في الوطء في دبر المرأة قولان: أحدهما أن يكون زناء و هو


1- «1» سنن البيهقي ج 8 ص 227.

ج 41، ص: 261

الأثبت. و الثاني أن يكون لواطا و لعله أراد ما في المقنعة: «الزناء الموجب للحد وطء من حرم الله تعالى وطأه من النساء بغير عقد مشروع إذا كان الوطء في الفرج خاصة دون ما سواه» و في النهاية: «الزناء الموجب للحد هو وطء من حرمه الله من غير عقد و لا شبهة عقد، و يكون في الفرج خاصة» و فيه أن الظاهر منه الأعم كما عن ابن إدريس التصريح به. كل ذلك مضافا إلى الإطلاق فتوى و رواية ف

في الصحيح (1) و غيره (2)

«إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم».

هذا و قد صرح غير واحد باعتبار غيبوبة قدر الحشفة من مقطوعها و قد يحتمل اعتبار دخوله أجمع، بل في كشف اللثام أنه أحد الوجهين، لكن فيه أن العرف على خلافه، ضرورة صدق اسم الإدخال، اللهم إلا أن يقال: إن

قوله (عليه السلام) في الصحيح «إذا أدخله»

ظاهر في الجميع، لكن خرجنا عنه في ذي الحشفة، لما (3) ورد من ترتب الحكم على التقاء الختانين، فيبقى غيره. و فيه أن الظاهر كون التحديد الشرعي بالتقائهما لبيان التحقق في العرف بدخول المقدار المزبور من غير فرق بين الحشفة و غيرها منه.

و كيف كان فلا خلاف في أنه يشترط في تعلق الحد بالزاني و الزانية العلم بالتحريم عليه حين الفعل أو ما يقوم مقامه من الاجتهاد و التقليد، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه فضلا عن محكيه، مضافا إلى الأصل و خبر (4) درء الحد بالشبهة و غير ذلك.

و منه يعلم الوجه في اشتراط العقل، ضرورة عدم العلم للمجنون


1- «1» الوسائل- الباب- 6- من أبواب الجنابة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- «2» الوسائل- الباب- 54- من أبواب المهور- من كتاب النكاح.
3- «3» الوسائل- الباب- 54- من أبواب المهور- من كتاب النكاح.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 4.

ج 41، ص: 262

بذلك، بل لا حرمة عليه حتى يعلم بها.

و كذا يشترط فيه الاختيار منهما أيضا على الأصح كما ستعرف من تحقق الإكراه في الرجل و المرأة.

و أما البلوغ فالإجماع بقسميه عليه لحديث (1) رفع القلم و غيره، بل يمكن إغناء الشرط الأول بناء على إرادة العلم بالتحريم فعلا عليه، ضرورة عدمها على غير البالغ.

و يشترط في تعلق الرجم بهما الذي هو حد الله الأكبر كما أن الجلد حده الأصغر مضافا إلى ذلك الإحصان في كل منهما بلا خلاف نصا (2)

و فتوى بل الإجماع بقسميه عليه، و ستعرف إن شاء الله تحقيق الحال فيه.

و على كل حال ف لو تزوج امرأة محرمة كالأم و المرضعة و المحصنة و زوجة الولد و الأب فوطأ مع الجهل بالتحريم فلا حد للشبهة الدارئة له الملحقة له بالنكاح الصحيح، و ضابطها على ما سمعته من الرياض «ما أوجبت ظن الإباحة» و في المسالك «ضابطها توهم الفاعل أو المفعول أن ذلك الفعل سائغ له» قلت: قد تقدم في كتاب النكاح (3) تحقيق وطء الشبهة الذي عن كثير تعريفه بأنه الوطء الذي ليس بمستحق مع ظن الاستحقاق، بل عن آخر تعريفه بأنه الوطء الذي ليس بمستحق مع عدم العلم بالتحريم، و مقتضى الأول الاكتفاء بالظن و إن لم يكن معتبرا شرعا، كما أن مقتضى الثاني حصولها بمجرد الاحتمال


1- «1» الوسائل- الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 10 و الباب- 8- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من كتاب الحدود.
3- «3» راجع ج 29 ص 248- 247.

ج 41، ص: 263

و إن كان مساويا أو مرجوحا، لكن أطنب العلامة الطباطبائي في مصابيحه في كتاب النكاح في بيان فساد ذلك و عرف الوطء بالشبهة بأنه «الوطء الذي ليس بمستحق في نفس الأمر مع اعتقاد فاعله الاستحقاق أو صدوره عنه بجهالة مغتفرة في الشرع أو مع ارتفاع التكليف بسبب غير محرم، و المراد بالجهالة المغتفرة أن لا يعلم الاستحقاق، و يكون النكاح مع ذلك جائزا، كما لو اشتبه عليه ما يحل من النساء بما يحرم منهن مع عدم الحصر أو عول على إخبار المرأة بعدم الزوج أو انقضاء العدة أو على شهادة العدلين بطلاق الزوج أو موته إلى غير ذلك من الصور التي لا يقدح فيها احتمال عدم الاستحقاق شرعا و إن كان قريبا أو مظنونا و بارتفاع- إلى آخره- الجنون و النوم و نحوهما دون ما كان بسبب محرم كشرب الخمر المسكر، فإنه بحكم الزاني في تعلق الحد و غيره كما ستعرفه» و مقتضاه كما صرح به عدم ترتب الشبهة على الظن الغير المعتبر شرعا لا في الموضوع و لا في الحكم إلا أن يعتقد الإباحة به جهلا منه و إلا كان زانيا و هو و إن كان صريح بعض المتأخرين كثاني الشهيدين و سبطه إلا أن جملة من عبارات الأصحاب مطلقة في الاكتفاء بالظن الشامل لما لا يعلم صاحبه الحل، و ربما لا يكون ملتفتا لذلك و لا متصورا لحكمه من هذه الجهة، و قد ذكرنا في كتاب النكاح (1) تفصيل الحال في ذلك و غيره، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف لا ينهض العقد بانفراده شبهة في سقوط الحد عندنا مع علمه بالتحريم معه و أنه فاسد ف لو استأجرها للوطء لم يسقط بمجرده و كذا لو عقد على إحدى المحرمات و وطأ، بل الإجماع بقسميه عليه، بل يمكن دعوى الضرورة عليه،


1- «1» راجع: ج 29 ص 247- 256.

ج 41، ص: 264

خلافا لأبي حنيفة فدرأ الحد عنه بذلك و لو كان العقد على الأم، و كم له مثل ذلك مما هو مخالف لضرورة الدين في الأموال و الفروج و الدماء، و المحكي من كلامه لا يقبل الحمل على إرادة ما لا يعلم حرمته يقينا و إن كان هو حراما بمقتضى الاجتهاد، نحو ما صدر من الفاضل في النكاح من تخصيص الزناء بالمعلوم حرمته إجماعا كنكاح المحارم و نحوهن دون ما كان محل خلاف، مع أنه يجب حمل كلام الفاضل على إرادة عدم الحكم بالزناء على من نكح في المسائل الخلافية، لاحتمال تقليده من يرى الجواز لا أن المراد عدمه ممن هو مجتهد في الحرمة أو مقلد له.

و لو توهم الحل به على وجه اعتقده سقط الحد حينئذ للشبهة الدارئة له، كغيره مما هو كذلك، بل و إن كان ذلك لتقصير منه في المقدمات باختيار مذهب فاسد يقتضي ذلك أو باعراض عن أهل الشرع أو بغير ذلك مما يكون فيه مشتبها و إن كان هو اثما في وطئه كما حققنا ذلك في كتاب النكاح (1) فلاحظ و تأمل مع احتمال القول بأن نكاح أهل الأديان الفاسدة ليس من الشبهة، و إنما ألحقنا الأولاد ل

قوله (صلى الله عليه و آله) (2): «لكل قوم نكاح»

فتأمل.

و كذا يسقط في كل موضع يتوهم الحل، كمن وجد على فراشه امرأة فظنها زوجته أو أمته فوطأها فلا حد عليه، كما لا حد عليها أيضا لو ظنته زوجها أو سيدها.

و لو تشبهت له فعليها الحد دونه لأنها زانية و هو مشتبه و بالعكس العكس

و في رواية أبي روح (3)

يقام عليها الحد


1- «1» راجع ج 29 ص 255- 256.
2- «2» الوسائل- الباب- 83- من أبواب نكاح العبيد و الإماء- الحديث 2 من كتاب النكاح.
3- «3» الوسائل- الباب- 38- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.

ج 41، ص: 265

جهرا و عليه سرا قال: «إن امرأة تشبهت بأمة رجل و ذلك ليلا فواقعها و هو يرى أنها جاريته فرفع إلى عمر فأرسل إلى علي (عليه السلام) فقال: اضرب الرجل حدا في السر و اضرب المرأة في العلانية»

و هي مع عدم صحة سندها متروكة عند المعظم مخالفة للقواعد، بل عن نكت النهاية سمعت من بعض فقهائنا أنه أراد إيهام الحاضرين الأمر بإقامة الحد على الرجل سرا و لم يقم الحد عليه استصلاحا و حسما للمادة لئلا يتخذ الجاهل الشبهة عذرا، و هذا ممكن، فما عن القاضي من العمل بظاهرها في غير محله.

و كذا يسقط الحد لو أباحته نفسها فتوهم الحل و اعتقده أو مطلقا على ما سمعته في تحقيق موضوع الشبهة.

و يسقط الحد مع الإكراه بلا خلاف و لا إشكال و لكن هو يتحقق في طرف المرأة قطعا فلا حد عليها إجماعا بقسميه لحديث رفع القلم (1)

و غيره مما يأتي في المجنون و النصوص المستفيضة (2)

منها

الخبر(3)

«ليس على المستكرهة شي ء إذا قالت: استكرهت».

نعم في تحققه في طرف الرجل تردد بل عن الغنية الجزم بعدمه، لأن الإكراه يمنع من انتشار العضو و انبعاث القوى، لتوقفهما على الميل النفساني المنافي لانصراف النفس عن الفعل المتوقف عليه صدق الإكراه، و إليه يرجع ما في كشف اللثام من التعليل بعدم انتشار الآلة إلا عن الشهوة المنافية للخوف و الأشبه (11) عند المصنف و غيره


1- «1» الوسائل- الباب- 8- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2 و هو وارد في المجنونة دون المكرهة.
2- «2» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد الزناء.
3- «3» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد الزناء- الحديث 6.

ج 41، ص: 266

إمكانه لما يعرض من ميل الطبع المزجور بالشرع أي أن الانتشار يحدث عن الشهوة، و هي أمر طبيعي لا ينافيها تحريم الشرع كما في المسالك و في كشف اللثام «لأن التخويف بترك الفعل، و الفعل لا يخاف منه، فلا يمنع الانتشار».

قلت: كأن القائل المزبور لاحظ الإكراه بمعنى الحمل على ما يكرهه و لا يريده في نفس الأمر، لعدم تحقق الانتشار مع وجود الصارف الذي هو الكراهة، و فيه- مع إمكان فرضه و تحققه بدونه بأن يدخل الحشفة في الفرج و هو غير منتشر، كما أنه يمكن فعله من غير تخويف حين انتشار الآلة بأن يدخل الآلة المنتشرة قهرا على صاحبها في الفرج- أن ذلك غير معتبر في صدق الإكراه، ضرورة عدم توقف امتثال النهي عن الزناء على ذلك كي يستلزم عدم تصور الإكراه عليه، بل يكفي فيه عدم وقوع الفعل منه و إن حصل له الميل الطبيعي، فحينئذ لو هدد بالقتل و نحوه مما يجب عليه الفعل معه يتحقق منه بعد فرض حصول الميل الطبيعي الذي هو غير مكلف برفعه.

و كأنه إلى ذلك أومأ المصنف بالتعليل المزبور، و احتمال أن الإكراه في المقام غيره في ما تقدم سابقا لا أثر له نصا و لا فتوى، و ما في المسالك من تعليل سقوط الحد عن المكره بالحذر من تكليف ما لا يطاق محمول على بعض الأفراد، نعم قال فيها بعد ما سمعته من وجهي تحقق الإكراه و عدمه: «و على كل حال فلا حد للشبهة» و فيه أن المتجه الحد بناء على عدم تحقق الإكراه فيه، ضرورة استلزام حصوله حينئذ لعدم كونه مكرها فيه.

و كيف كان ف يثبت للمكرهة على الواطئ مثل مهر نسائها على الأظهر الأشهر بل المشهور، بل في المسالك تارة لم يذكر كثير

ج 41، ص: 267

منهم الخلاف فيه، و أخرى لم يعدها كثير من مسائل الخلاف لا لما في المسالك من أن مهر المثل عوض البضع إذا كان محترما خاليا عن المهر كقيمة المتلف، و البضع و إن لم يضمن بالفوات لكن يضمن بالتفويت و الاستيفاء، ضرورة عدم رجوعه إلى حاصل يعتد به، بل ل

قول علي (عليه السلام) في خبر طلحة (1) المنجبر بفتوى الأصحاب «إذا اغتصب الرجل أمة فافتضها فعليه عشر ثمنها، فإذا كانت حرة فعليه الصداق»

المؤيد بمفهوم

قوله (صلى الله عليه و آله) (2): «لا مهر لبغي»

بل و بما يفهم من غيره مما ورد (3) في الشبهة و غيرها من ضمان منفعة البضع في غير الزناء، فما عن الخلاف و المبسوط من عدم المهر لها للأصل و لأنه لا مهر لبغي واضح الضعف دعوى و دليلا.

و من العجب ما يحكى عنه في المبسوط «إذا استكره امرأة على الزناء فلا حد عليها، لأنها ليست بزانية، و عليه الحد لأنه زان، فأما المهر فلها مهر مثلها عند قوم، و قال آخرون: لا مهر لها، و هو مذهبنا، لأن الأصل براءة الذمة» مع أنه قال متصلا به: «و الأحكام التي تتعلق بالوطء على ثلاثة أضرب: أحدها معتبر فيهما، و هو الغسل، فالغسل


1- «1» الوسائل- الباب- 45- من أبواب المهور- الحديث 2 و الباب- 3- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 3 من كتاب النكاح.
2- «2» لم نجد هذا النص في الروايات و انما الموجود «مهر البغي. من السحت» و كذلك «السحت. و مهر البغي» و في بعضها «نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن خصال تسعة عن مهر البغي» راجع الوسائل- الباب- 5- من أبواب ما يكتسب به الحديث 7 و 5 و 13 من كتاب التجارة.
3- «3» الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة- الحديث 6 و الباب- 17- منها- الحديث 7 من كتاب النكاح.

ج 41، ص: 268

على كل واحد منهما، و الحد معتبر بكل واحد منهما، فان كانا زانيين فعلى كل واحد منهما الحد، و إن كان أحدهما زانيا فعليه الحد دون الآخر و أما المهر فمعتبر لها، فمتى حدت فلا مهر، و إذا سقط الحد وجب لها» و عنه أيضا في فصل اجتماع العدتين «و الأحكام المتعلقة بالوطء على ثلاثة أضرب- إلى أن قال-: و ضرب آخر يعتبر بالموطوءة، إن كانت زانية لم يجب، و إن لم نكن زانية وجب و إن كان الرجل زانيا، و هو المهر» و عنه أيضا في كتاب الصداق «إن أكره امرأة أو وطأها شبهة فأفضاها وجب المهر و الدية» و عنه في الديات «لا مهر لها إن كانت ثيبا للزناء و إن كانت بكرا فلها المهر و الدية».

و بالجملة فلا وثوق بما سمعته منه و إن كان ربما يشهد له التعليل في مهر الشبهة باستحلال فرجها، بل في

خبر طلحة بن زيد (1) المروي في الفقيه و التهذيب عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) أنه قال:

«ليس على زان عقر و لا على مستكرهة حد»

إلا أنه يجب الخروج عنه بما عرفت.

هذا كله إذا كان هو المكره. أما إذا كان غيره فهل المهر عليه أو على المكره؟ مقتضى ما سمعته في كتاب الغصب (2) أن الضمان على المكره الذي هو أقوى من المباشر، و لكن قد ذكرنا هناك أنه إن لم يكن إجماعا أمكن القول بالرجوع عليه و إن رجع على الآخر، هذا كله في المهر.

و أما لحوق الأولاد فقد يقضي به أيضا بعض ما سمعته من تعريف الشبهة و قاعدة اللحوق بأشرف الأبوين في ما لو فرض الإكراه في أحدهما دون الآخر و غير ذلك، فيكون شبهة شرعا، و إن كان لم يحضرني الآن


1- «1» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد الزناء- الحديث 5.
2- «2» راجع ج 37 ص 57- 59.

ج 41، ص: 269

من النصوص المعتبرة ما يدل عليه بالخصوص، و الله العالم.

و لا يثبت الإحصان الذي يجب معه الرجم حتى يكون الواطئ بالغا حرا و يطأ في فرج مملوك بالعقد الدائم أو الرق متمكن منه يغدو عليه و يروح بلا خلاف أجده في الأول بل و لا إشكال بعد معلومية رفع القلم عن غير البالغ المقتضي لسقوط الحد عنه كما عرفته سابقا، و من هنا كان الإجماع بقسميه عليه، لكن على معنى اعتبار البلوغ حين الزناء، بل الظاهر كونه كذلك أيضا بمعنى اعتباره في وطء زوجته، فلو أولج غير بالغ و لو مراهقا في زوجته حتى غيب الحشفة ثم زنى بالغا لم يكن الوطء الأول معتبرا في تحقق الإحصان، لأنه يشترط في إحصانه الوطء بعد البلوغ و إن كانت الزوجية مستمرة، للأصل و الاستصحاب و قصور فعله عن أن يناط به حكم شرعي، و نقص اللذة و عدم انسياق نحوه من الدخول و شبهه و عن المبسوط أن تراعى الشروط حين الزناء و لا اعتبار بما قبل ذلك.

و كذا لا خلاف في الثاني، بل الإجماع بقسميه عليه على الوجه الذي سمعته في البلوغ،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير (1)

«في العبد يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب فاحشة، فقال: لا رجم عليه حتى يواقع الحرة بعد ما يعتق، قلت: فللحرة عليه خيار إذا أعتق، قال: لا رضيت به و هو مملوك، فهو على نكاحه الأول»

كل ذلك مضافا إلى الاعتبار، و ما تسمعه من النص أيضا.

و حينئذ فلو وطأ العبد زوجته الحرة أو الأمة لم يكن محصنا لو زنى بعد ما أعتق ما لم يطأ زوجته بعد العتق، و كذا المملوكة لو وطأها زوجها المملوك أو الحر لم تكن محصنة بذلك إلا أن يطأها بعد عتقها.


1- «1» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد الزناء- الحديث 5.

ج 41، ص: 270

و في

صحيح أبي بصير (1)

«لا يحصن الحر المملوكة، و لا المملوك الحرة»

و في

صحيح الحلبي (2)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل أ يحصن المملوكة؟ فقال: لا يحصن الحر المملوكة، و لا يحصن المملوك الحرة، و اليهودي يحصن النصرانية و النصراني يحصن اليهودية»

و في كشف اللثام، و لعل المملوك منصوب و الحرة مرفوعة فيكون كصحيح أبي بصير.

و لو أعتق الزوجان ثم وطأها بعد الإعتاق تحقق الإحصان لهما، و لو أعتق أحدهما ثم وطأها تحقق الإحصان له و إن كان الآخر رقيقا و إن لا يطأها بعد العتق فلا إحصان، و كذا المكاتب، فان حكمه حكم القن، فلا يحصن المكاتب و لا المكاتبة ما بقي فيه من الرق شي ء، للأصل و الاحتياط و صدق المملوكية و نقص حده عن حد الحر بالحساب.

و أما الثالث فهو المشهور، بل لا إحصان بالزناء و وطء الشبهة اتفاقا في كشف اللثام، بل لعله كذلك في المتعة أيضا و إن كان قوله في الانتصار:

«على الأصح» مشعرا بوجوده، إلا أنى لم أتحققه كما اعترف به غيرنا أيضا للأصل و الاحتياط و الاعتبار و الأخبار، ك

موثق إسحاق بن عمار (3)

سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل إذا هو زنى و عنده السرية و الأمة يطأها تحصنه الأمة، فقال: نعم إنما ذاك لأن عنده ما يغنيه عن الزناء، قلت: فان كان عنده أمة زعم أنه لا يطأها فقال: لا يصدق، قلت: فان كانت عنده امرأة متعة تحصنه، قال: لا إنما هي على الشي ء الدائم عنده»

و نحوه موثقه الآخر عنه (عليه السلام) أيضا (4)

و مرسل ابن البختري (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل


1- «1» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد الزناء- الحديث 7 و الأول عن الحلبي أيضا.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد الزناء- الحديث 8 و الأول عن الحلبي أيضا.
3- «3» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد الزناء- الحديث 2 و الأول عن الحلبي أيضا.
4- «4» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد الزناء- الحديث 5 و الأول عن الحلبي أيضا.
5- «5» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد الزناء- الحديث 3 و الأول عن الحلبي أيضا.

ج 41، ص: 271

يتردد في المتعة أ تحصنه؟ قال: لا إنما ذلك على الشي ء الدائم عنده»

و خبر عمر بن يزيد (1) عنه (عليه السلام) أيضا «لا يرجم الغائب عن أهله، و لا المملك الذي لم يبن بأهله، و لا صاحب المتعة، قلت: ففي أي حد سفر لا يكون محصنا؟ قال: إذا قصر و أفطر.»

نعم المشهور كما اعترف به غير واحد تحققه بملك اليمين، بل من الانتصار و الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة مضافا إلى خبري إسحاق بن عمار (2) السابقين و

صحيح علي بن جعفر (3) عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن الحر تحته المملوكة هل عليه الرجم إذا زنى؟ قال: نعم»

و عموم

صحيح حريز (4) عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن المحصن فقال: الذي يزني و عنده ما يغنيه»

و صحيح إسماعيل بن جابر (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) «قلت له: ما المحصن رحمك الله؟ قال:

من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن».

خلافا للمحكي عن القديمين و الصدوق و الديلمي من عدم الإحصان به، للأصل و الاحتياط المندفعين بما عرفت، و

صحيح محمد بن مسلم (6) عن الباقر (عليه السلام) «و كما لا تحصن الأمة و اليهودية و النصرانية إذا زنى بحرة فكذلك لا يكون عليه حد المحصن إذا زنى بيهودية أو نصرانية أو أمة و تحته حرة»

و الصحيح الآخر (7)

«سأله عن الرجل يزني و لم يدخل بأهله أ يحصن؟ قال: لا و لا الأمة»

المحتملين للتقية من أبي حنيفة


1- «1» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد الزنا- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد الزناء- الحديث 2 و 5.
3- «3» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد الزناء الحديث 11.
4- «4» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد الزناء الحديث 4.
5- «5» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد الزناء الحديث 1.
6- «6» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد الزناء الحديث 9.
7- «7» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد الزناء- الحديث 9.

ج 41، ص: 272

و أصحابه، و الأول للمتعة كما عن الشيخ و إن بعد جمعا بينه و بين الأقوى منه من وجوه كما عرفت و ما سمعته من

قول الصادق (عليه السلام) (1)

«لا يحصن الحر المملوكة»

بناء على قراءة الحر بالنصب و المملوكة بالرفع، لكنه غير معلوم، فالأقوى حينئذ تحقق الإحصان به.

نعم الأقوى عدم إلحاق التحليل به، للأصل و الاحتياط و عدم انصراف الإطلاق إليه، و ما عساه يفهم من التعليل بالمتعة من عدم الإغناء على الدوام، فما في الروضة من أن الوجه الإلحاق، لدخوله في ملك اليمين من حيث الحل، و إلا بطل الحصر المستفاد من الآية ففيه أن ذلك بعد تسليمه لا يقتضي الإحصان كما في المتعة.

و أما اعتبار الوطء فهو المحكي عن صريح النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و الإصباح و الغنية مدعيا عليه إجماع الإمامية، بل صرح به غير واحد من المتأخرين، و يدل عليه- مضافا إلى الأصل و الاحتياط- ما سمعته من الصحيح (2)

و غيره، لكن أطلق المصنف في النافع، بل قيل:

إنه كذلك في كثير من كتب القدماء كالمقنعة و الانتصار و الخلاف و التبيان و مجمع البيان، و يمكن حمله على الغالب، بل في الرياض «و منه يظهر كون الفرج هو القبل دون الدبر كما صرح به جماعة من غير خلاف بينهم أجده إلا من إطلاق نحو عبارة المتن، و فيه ما عرفته من إمكان حمله على الغالب».

قلت: هو و إن كان مقتضى الأصل و الاحتياط إلا أن الانصاف عدم خلوه من الاشكال إن لم يكن إجماعا في ما إذا وطأ بالغا دبرا و كان متمكنا من الفرج أيضا، نعم لو لم يتمكن إلا من الدبر أمكن الإشكال فيه


1- «1» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد الزناء- الحديث 7.
2- «2» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد الزناء- الحديث 9.

ج 41، ص: 273

بعدم انسياقه من النصوص، أما الأول فيحتمل قويا الاجتزاء به، كما في كل مقام اعتبر الدخول فيه، مضافا إلى الإطلاق هنا الذي مقتضاه أيضا تحققه به و إن وقع على وجه محرم كحيض و إحرام و صوم و نحوها، و مقتضاه أيضا الاجتزاء بتغيب الحشفة على نحو غيره من المقامات.

و أما اعتبار التمكن منه على وجه يغدو عليه و يروح إذا شاء الذي اعتبره المصنف و الشيخان فيدل عليه صحيح إسماعيل (1)

المتقدم المؤيد بما سمعته من نصوص الإغناء (2)

فمتى لم يكن كذلك كمن كان غائبا عن زوجته شهرا على ما عن التبيان و فقه القرآن لم يكن محصنا، للأصل و الاحتياط و

خبر ربيع الأصم (3)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل له امرأة بالعراق فأصاب فجورا و هو بالحجاز فقال: يضرب حد الزاني مائة جلدة و لا يرجم، قلت: فان كان معها في بلدة واحدة و هو محبوس في سجن لا يقدر أن يخرج إليها و لا تدخل هي عليه أ رأيت إن زنى في السجن؟ قال: هو بمنزلة الغائب عن أهله يجلد مائة جلدة»

و

قول أبي جعفر (عليه السلام) في حسن أبي عبيدة (4)

«قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل له امرأة بالبصرة و فجر بالكوفة أن يدرأ عنه الرجم و يضرب حد الزاني، و في رجل محبوس في السجن و له امرأة في بيته في المصر و هو لا يصل إليها فزنى في السجن، فقال:

عليه الحد و يدرأ عنه الرجم».

و عن السيد أن الأصحاب فرقوا بين الغيبة و الحيض بأن الحيض لا يمتد و ربما امتدت الغيبة، و بأنه يتمتع من الحائض بما دون موضع


1- «1» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد الزناء.
3- «3» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد الزناء- الحديث 4 و هو خبر ربيع الأصم عن الحارث.
4- «4» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.

ج 41، ص: 274

الحيض بخلاف الغيبة.

و على كل حال ف في رواية مهجورة تحديد ذلك بما دون مسافة التقصير و هي رواية عمر بن يزيد (1) السابقة

و مرفوعة محمد بن الحسين (2)

«الحد في السفر الذي إن زنى لم يرجم إذا كان محصنا إذا قصر و أفطر»

و لا ريب في قصورهما عن إثبات ذلك بهما بعد أن كان العرف على خلافهما، فالأولى جعل المدار على العرف و لعله لذا اقتصر غير من عرفت على التمكن من الوطء متى شاء، و في

حسن محمد بن مسلم (3)

«المغيب و المغيبة ليس عليهما رجم إلا أن يكون الرجل مع المرأة و المرأة مع الرجل»

و لعل الجميع بمعنى، و الله العالم.

و في اعتبار كمال العقل خلاف، فلو وطئ المجنون عاقلة مثلا وجب عليه الحد رجما أو جلدا، هذا اختيار الشيخين و الصدوق و القاضي و ابن سعيد في ما حكي عنهم، ل

خبر أبان بن تغلب (4) عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا زنى المجنون أو المجنونة جلدا الحد، و إن كان محصنا رجم، قلت: و ما الفرق بين المجنون و المجنونة و المعتوه و المعتوهة؟ فقال: المرأة إنما تؤتى و الرجل إنما يأتي، فإنما يأتي إذا عقل كيف تأتي اللذة، و أما المرأة إنما تستكره الفعل بها، و هي لا تعقل لما يفعل بها،.»

و عن المبسوط نسبته إلى رواية الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه.

و لكن فيه تردد كما في النافع بل منع وفاقا لكافة المتأخرين حتى المصنف في نكت النهاية، بل عن الشيخين في العريض


1- «1» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد الزناء الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد الزناء الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 21- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.

ج 41، ص: 275

و الخلاف ذلك أيضا، بل عن المبسوط قبل النسبة المزبورة ما يشعر بالإجماع على العدم، بل هو المحكي عن صريح الغنية و ظاهر السرائر، لحديث رفع القلم الذي استدل به أمير المؤمنين (عليه السلام) على عمر حين أمر بحد المجنونة في

المروي عن إرشاد المفيد (1) قال له: «أما علمت أن هذه مجنونة؟ و أن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: رفع القلم فإنها مغلوبة على عقلها و نفسها»

و الاستدلال بتعليله فلا يضر اختصاص مورده، و استدل بنحوه أيضا في سقوط الحد عن المجنون الذي كان أحد الستة الذين أخذوا بالزناء (2) و نحوه ما في

الصحيح (3)

«في امرأة مجنونة زنت قال: إنها لا تملك أمرها، ليس عليها شي ء».

كل ذلك مضافا إلى

قوله (عليه السلام) في صحيح حماد بن عيسى (4): «لا حد على مجنون حتى يفيق، و لا على صبي حتى يدرك، و لا على النائم حتى يستيقظ»

و إلى ما

في آخر (5)

«لا حد لمن لا حد عليه، يعني لو أن مجنونا قذف رجلا لم أر عليه شيئا، و لو قذفه رجل فقال:

يا زاني لم يكن عليه حد»

و نحوه الموثق (6)

و غيره أيضا فلا ريب في أنه الأصح، و الخبر المزبور قاصر عن معارضة ذلك بل لا جابر له بعد ما عرفت، فيجب طرحه أو حمله كما عن الفاضل على من يعتوره الجنون إذا زنى بعد عقله، لأن العلة تنطبق على ذلك، أو على بقاء شعور له يصلح


1- «1» الوسائل- الباب- 8- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء- الحديث 17.
3- «3» الوسائل- الباب- 21- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 8- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
5- «5» الوسائل- الباب- 19- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
6- «6» أشار إليه في الوسائل- في الباب- 19- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1 و ذكره في الكافي- ج 7 ص 253.

ج 41، ص: 276

لثبوت التكليف أو نحو ذلك، و إلا كان موهونا أيضا بذلك و نحوه، كما هو واضح.

هذا و في مجمع البرهان أنه يشترط في إحصان الرجل كون المرأة المزني بها عاقلة بالغة، فلو زنى المحصن بمجنونة أو صغيرة فلا رجم، و فيه نظر يأتي عند تعرض المصنف لذلك.

و يسقط الحد خاصة بادعاء الزوجية، و لا يكلف المدعي بينة و لا يمينا، و كذا بدعوى ما يصلح شبهة بالنظر إلى المدعي خاصة حتى دعوى شراء الأمة من مالكها بلا خلاف أجده فيه، بل عن بعضهم الإجماع عليه ل

صحيح أبي عبيدة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أتي لعلي (عليه السلام) بامرأة مع رجل قد فجر بها فقالت:

استكرهني و الله يا أمير المؤمنين، فدرأ عنها الحد، و لو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا لا تصدق و قد فعله و الله أمير المؤمنين (عليه السلام)»

بعد العلم بعدم إرادة خصوص دعوى الإكراه منه و لو للاتفاق ظاهرا مع احتمال أن يقال: إن مجرد الدعوى ما لم يعلم كذبها تحقق الشبهة التي يدرأ بها الحد المبني على التخفيف و إن كان لا يخلو من نظر. هذا و في المسالك «و لا يسقط فيه من أحكام الوطء سوى الحد، فلو كانت أمة فعليه لمولاها العقر، أو حرة مكرهة فمهر المثل إن لم يثبت استحقاق الوطء» قلت: هو كذلك إذا لم يكن مقتضى الأصول سقوطه أيضا، و الله العالم.

و الإحصان في المرأة كالإحصان في الرجل بلا خلاف أجده، بل عن الغنية، الإجماع عليه، لاشتراك معنى الإحصان فيهما نصا (2)


1- «1» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء.

ج 41، ص: 277

و فتوى، فيشترط حينئذ فيها جميع ما عرفته على النحو الذي سمعته، و في مجمع البرهان هنا متصلا بما سمعته سابقا «و يشترط أيضا في إحصان المرأة و رجمها بلوغ الرجل الزاني بها لا عقله، فلو زنت المحصنة بصغير فلا رجم عليها، و لو زنت بمجنون فقط كان الرجم عليها، و لا رجم و لا جلد على الصغير و المجنون، نعم قد يخوفان و يؤدبان إن حصل باختيارهما» و كأنه مناف لما سمعته منه سابقا، و تمام الكلام في ذلك عند تعرض المصنف.

و على كل حال فما يعتبر في إحصان الرجل معتبر في إحصان المرأة لكن المراد من تمكنها من الزوج إرادته الفعل على الوجه المزبور، لا إرادتها متى شاءت ضرورة عدم كون ذلك حقا لها، و في

صحيح أبي عبيدة (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سأله عن امرأة تزوجت برجل و لها زوج، فقال: إن كان زوجها مقيما معها في المصر الذي هي فيه تصل إليه و يصل إليها فإن عليها ما على الزاني المحصن الرجم، و إن كان زوجها الأول غائبا أو مقيما معها في المصر الذي هي فيه لا يصل إليها و لا تصل إليه فإن عليها ما على الزانية غير المحصنة».

لكن يراعى فيها كمال العقل إجماعا لما سمعته من النصوص (2)

عموما و خصوصا بخلاف الرجل فان فيه الخلاف المزبور و حينئذ ف لا حد على مجنونة في حال الزناء و لو كانت محصنة بل و لو زنى بها العاقل لارتفاع التكليف عنها.

و لا تخرج المطلقة ال رجعية عن الإحصان بطلاقها لأنها بحكم الزوجة و حينئذ ف لو تزوجت عالمة كان عليها


1- «1» الوسائل- الباب- 27- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 8- من أبواب مقدمات الحدود و الباب- 21- من أبواب حد الزناء.

ج 41، ص: 278

الحد تاما و هو الرجم و كذا الزوج الثاني إن علم بالتحريم و العدة، و لو جهل بأحدهما فلا حد للشبهة و لو كان أحدهما عالما حد حدا تاما دون الجاهل، و لو ادعى أحدهما الجهالة قبل إذا كان ممكنا في حقه و ذلك كله واضح، إلا أنه ينبغي تقييده بإمكان الجهالة في الحكم في حق من جهله و إلا لم يقبل، بل عن المقنعة و النهاية إطلاق عدم القبول و إن أمكن تنزيله على ذلك فلا خلاف، و الأصل في ذلك ما تقدم في كتاب النكاح (1) في بحث الشبهة من النصوص (2)

الواردة في عدم معذورية من كان في دار الإسلام في مثل ذلك، إلا أنه يجب حمله على ما ذكرنا.

و على كل حال ففي

صحيح يزيد الكناسي (3)

«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن امرأة تزوجت في عدتها، قال: إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فان عليها الرجم، و إن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها عليها الرجعة فان عليها حد الزاني غير المحصن»

و عليه يحمل إطلاق

الموثق (4)

«عن رجل كانت له امرأة فطلقها أو ماتت فزنى، فقال: عليه الرجم، و عن امرأة كان لها زوج فطلقها أو مات فزنت عليها الرجم، قال: نعم»

و المروي عن قرب الاسناد(5)

«عن رجل طلق امرأته أو بانت منه ثم زنى ما عليه؟ قال: عليه الرجم، و عن


1- «1» راجع: ج 29 ص 245- 246.
2- «2» الوسائل- الباب- 27- من أبواب حد الزناء- الحديث 1 و 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 27- من أبواب حد الزناء- الحديث 3 عن أبي عبد الله عليه السلام.
4- «4» الوسائل- الباب- 27- من أبواب الحدود- الحديث 8.
5- «5» الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.

ج 41، ص: 279

امرأة طلقت و زنت بعد ما طلقت بسنة هل عليها الرجم؟ قال: نعم».

و منه يعلم حكم البائن فإنها تخرج بالطلاق البائن عن الإحصان كما يخرج الرجل به كذلك و حينئذ ف لو راجع المخالع لم يتوجه عليه الرجم إلا بعد الوطء لأنها بحكم الزوجة الجديدة.

و كذا المملوك لو أعتق و المكاتب إذا تحرر الذي قد سمعت النص (1)

عليه و ألحقنا به الصبي إذا بلغ و المجنون إذا أفاق، لأن الوطء السابق على ذلك بحكم العدم للأصل و الاحتياط و غيرهما مما أشرنا إليه سابقا.

و يجب الحد على الأعمى رجما أو جلدا بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، لعموم الأدلة فإن ادعى الشبهة قيل و القائل الشيخان و ابن البراج و سلار لا تقبل لبعض الوجوه الاعتبارية التي لا ترفع ما يقتضي القبول و من هنا كان الأشبه بأصول المذهب و قواعده القبول مع الاحتمال (11) وفاقا للمشهور لإطلاق الأدلة الذي مقتضاه أيضا خلاف ما قيده به ابن إدريس من شهادة الحال بما ادعاه، بأن كان قد وجدها على فراشه مثلا، أما لو شهد الحال بخلاف ذلك لم يصدق، بل و ما عن المقداد أيضا من التقييد بكونه عدلا.

[ثبوت الزناء بالإقرار أو البينة]
[أما الإقرار]

و (12) كيف كان ف يثبت الزناء بالإقرار أو البينة (13) بلا خلاف و لا إشكال لعموم ما دل على الثبوت بهما.

أما الإقرار فيشترط فيه بلوغ المقر (14) فلا عبرة بإقرار الصبي و إن كان مراهقا و لكن يؤدب لكذبه أو حدوث (صدور خ ل) الفعل منه.

و كماله (15) عقلا، فلا عبرة بإقرار المجنون حال جنونه، نعم لو أقر حين إفاقته بعد معرفة كماله حد و إلا فلا.


1- «1» الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحدود- الحديث 5.

ج 41، ص: 280

و الاختيار فلو أكره على الإقرار لم يصح بلا خلاف و لا إشكال، و في

المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حسن أبي البختري (1)

«من أقر عند تجريد أو حبس أو تخويف أو تهديد فلا حد عليه»

و كذا لا عبرة بإقرار السكران و النائم و الساهي و الغافل و نحوهم».

و الحرية بلا خلاف كما في الرياض قال: «كما في سائر الأقارير، بل اعتبارها هنا أولى» قلت: فيتجه حينئذ قبوله في العبد مع تصديق المولى و تبعيته به بعد العتق مع عدمه و غير ذلك مما سمعته في الإقرار (2) فلا يناسب إطلاق الشرطية إلا أن يراد بها حسب ما تقدم، و في القواعد «و لو صدقه مولاه صح و لو أعتق بعد الإقرار فالأقرب الثبوت» و كان احتمال العدم المستفاد من قوله: «الأقرب» لأنه أقر حين لم يكن عبرة بإقراره، فهو كما إذا أقر صبيا ثم بلغ، و يدفعه ظهور الفرق بسلب عبارة الصبي دونه كما هو مفروغ منه عندهم في غير المقام.

و تكرار الإقرار أربعا في أربعة مجالس بلا خلاف معتد به أجده في الأول عندنا، نعم عن أكثر العامة الاكتفاء بالمرة، و نسب إلى ظاهر ابن أبي عقيل منا، و لا ريب في ضعفه، لتطابق النصوص من الطريقين على خلافه، فمن طريق العامة ما

روي (3)

«أن ماعز بن مالك جاء إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الأيمن، فقال: يا رسول الله إني قد زنيت، فأعرض عنه، ثم جاءه فقال: إني قد زنيت ثم جاءه فقال: إني قد


1- «1» الوسائل- الباب- 4- من كتاب الإقرار.
2- «2» راجع ج 35 ص 103- 119.
3- «3» سنن البيهقي ج 8 ص 225.

ج 41، ص: 281

زنيت، قال: ذلك أربع مرات، فقال: أ بك جنون؟ قال:

لا يا رسول الله، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) اذهبوا به فارجموه»

و روي (1) أنه قال: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا يا رسول الله، قال: أ نكتها لا تكنى؟ قال: نعم كما يغيب المرود في المكحلة و الرشا في البئر، قال:

فهل تدري ما الزناء؟ قال: نعم أتيت منها حراما كما يأتي الرجل من امرأته حلالا، قال: ما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني، فأمر به فرجم»

و هو كالصريح في اعتبار الأربع، و احتمال أن ذلك للارتياب في جنونه و عدمه فأراد التثبت في أمره يدفعه عدم تقيد ذلك بالعدد المزبور، و كان يمكن البحث عنه أول مرة مع أنه في بعض ألفاظ

الحديث (2)

«شهدت على نفسك أربع شهادات اذهبوا به فارجموه»

و في رواية أخرى (3)

«أنه لما اعترف ثلاثا قال له: إن اعترفت الرابعة رجمتك، فاعترف الرابعة».

و من طرق الخاصة قول أحدهما (عليهما السلام) (4)

«لا يرجم الزاني حتى يقر أربع مرات بالزناء إذا لم يكن شهود، فان رجع ترك و لم يرجم»

و غيره من

المعتبرة المستفيضة (5)

المشتملة على نحو قضية ماعز في امرأتين جاءتا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) و كان يقول في كل واحدة: اللهم إنها شهادة و هذه اثنتان إلى الأربع، فقال: اللهم


1- «1» سنن البيهقي ج 8 ص 226 و 227.
2- «2» سنن أبي داود ج 4 ص 147- الرقم 4426.
3- «3» كنز العمال ج 5 ص 226 ط عام 1374.
4- «4» الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 5.
5- «5» الوسائل- الباب- 16- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.

ج 41، ص: 282

إنه قد ثبت لك عليها أربع شهادات ثم رجمها»

نعم في

صحيح الفضيل (1) عن الصادق (عليه السلام) «من أقر على نفسه عند الامام بحق حد من الحدود لله تعالى مرة واحدة حرا كان أو عبدا حرة كانت أو أمة فعلى الامام أن يقيم الحد على الذي أقر به على نفسه كائنا من كان إلا المحصن، فإنه لا يرجم حتى يشهد عليه أربع شهود»

إلا أنه- مع موافقته للعامة و اشتماله على عدم الفرق بين الحر و العبد و على الفرق بين المحصن و غيره الذي لم يحك عن الخصم القول به، بل ظاهر المحكي عنه خلافه- قاصر عن معارضة غيره من وجوه، فوجب طرحه أو حمله على غير الزناء من الحدود أو غير ذلك.

و حينئذ ف لو أقر دون الأربع لم يجب الحد لما عرفت و لكن وجب التعزير كما في القواعد و عن الشيخين و ابن إدريس، لعموم ما دل على الأخذ بالإقرار المقتصر في الخروج منه على الحد للإجماع و النصوص، و إلا فهو عاص فاسق بإقراره و لو مرة، لكن قد يشكل مع عدم الإجماع و النص بأن الأصل البراءة و بما عساه يظهر من عدمه على الإقرار الواقع عند النبي (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام) مع ما في بعضها من التراخي الطويل بين الأقارير، إلا أن يقال: إنهما علما بالإقرار أربعا في ما بعد أو أن الصد عنه و نحوه تعزير و لكن ذلك كله كما ترى، نحو ما قيل من أن ذلك من حيث تشييع الفاحشة فيحرم عليه الإقرار فيعزر، إذ هو واضح المنع في ما لو أراد تطهير نفسه، و لعله لذا تردد فيه الأردبيلي و الأصبهاني، بل ظاهر الأول الميل إلى العدم، إلا أن الانصاف عدم البأس بالقول بثبوت المعصية عليه بإقراره، فيجب التعزير و إن لم يجب الحد، و الله العالم.


1- «1» الوسائل- الباب- 32- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.

ج 41، ص: 283

و أما الثاني المشار إليه بقوله و لو أقر أربعا في مجلس واحد فقد قال في الخلاف و المبسوط و ابن حمزة لا يثبت بل ربما استظهر من الأول الإجماع عليه، لما وقع من تعدد الأقارير في المجالس عند النبي (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام) و لكن فيه تردد بل منع وفاقا لإطلاق الأكثر و صريح غير واحد ممن تأخر، بل في الرياض نسبته إلى كافة المتأخرين، و منه يعلم و هن الإجماع المزبور على فرض صحة الاستظهار المذكور، إذ ليس إلا الناقل و ابن حمزة، فهو أولى بدعوى الإجماع على خلافه. و ما وقع مع أنه قضية اتفاقية لا دلالة فيه على تعدد المجالس فضلا عن اعتباره، بل لعل ظاهر خبر ماعز (1)

كون المجلس واحدا، فإطلاق المعتبرة المؤيد بإطلاق الفتاوى و صريحها بحاله.

و على كل حال فلا خلاف و لا إشكال في أنه يستوي في ذلك الرجل و المرأة لإطلاق الأدلة.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه تقوم الإشارة المفيدة للإقرار في الأخرس مقام النطق كما في غيره لإطلاق ما دل على ذلك، كما هو واضح خلافا لأبي حنيفة، و يكفي المترجمان كما يكفي شاهدان على إقرار الناطق أربعا، و لا يكفي أقل منهما، لأن الترجمة شهادة على الأصح لا رواية، و الله العالم.

و لو قال: زنيت بفلانة العفيفة لم يثبت الزناء (11) الموجب للحد في طرفه حتى يكرره أربعا (12) لما عرفت و هل يثبت القذف (13) بذلك للمرأة فيه تردد (14) من أن ظاهره القذف عرفا و أنه هتك لحرمتها و أن حد القذف للمقذوف فلا يدرأ بالشبهة،


1- «1» سنن البيهقي- ج 8 ص 225.

ج 41، ص: 284

و ربما أيد ب

قول النبي (صلى الله عليه و آله) في خبر السكوني (1): «لا تسألوا الفاجرة من فجر بك، كما جاز عليها الفجور يهون عليها أن ترمي البري ء المسلم»

و قول علي (عليه السلام) (2): «إذا سألت الفاجرة من فجر بك فقالت: فلان حدها حدين حدا لفجوره بها و حدا لفريتها على الرجل المسلم»

و من أن نسبة الزناء إلى نفسه لا تستلزم زناها، لاحتمال الاشتباه و الإكراه، فلا يكون إقراره بالزناء على نفسه قذفا لها بذلك.

و ربما كان في

صحيح محمد بن مسلم (3) عن الباقر (عليه السلام) «في رجل قال لامرأة يا زانية أنا زنيت بك، قال: عليه حد القذف لقذفه إياها، و أما قوله أنا زنيت بك فلا حد عليه فيه إلا أن يشهد على نفسه أربع مرات بالزناء عند الامام»

نوع إيماء إلى عدم القذف بالقول المزبور.

نعم الظاهر ثبوت التعزير عليه بايذائه الامرأة و هتكه لعرضها عرفا، و الخبران المزبوران انما اشتملا على قولها: «زنى بي فلان» و فرق واضح بين قولها و قوله في إفادة القذف و عدمه، فلا ريب في أن الأقوى الثاني.

و حينئذ فما في المسالك- من أن الوجه ثبوت القذف بالمرة مع الإطلاق لأنه ظاهر فيه و الأصل عدم الشبهة و الإكراه، و لو فسره بأحدهما قبل و اندفع عنه الحد و وجب عليه التعزير- لا يخلو من نظر، ضرورة كون الظهور المزبور إنما هو في بادئ النظر، فلا عبرة به، لا أقل من أن يكون شبهة، و الأصل المزبور لا يحقق موضوع القذف بعد عدم دلالة اللفظ عليه في ثاني النظر، و دعوى عدم سقوط المزبور بالشبهة لكونه


1- «1» الوسائل- الباب- 41- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 41- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 13- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.

ج 41، ص: 285

حقا للمقذوف لا لله تعالى خاصة يدفعها عموم الدليل، و ربما يأتي له مزيد تحقيق في محله إن شاء الله. و أما قوله «و لو فسره» إلى آخره فهو المحكي عن الشيخين و ابن إدريس، و وجهه واضح بناء على ما عرفت.

و لو أقر بحد و لم يبينه لم يكلف البيان بلا خلاف على ما في الرياض و ظاهره و إن لم نقل بوجوب ضربه كما صرح به في المسالك، و لعله للأصل و ظاهر بعض النصوص (1) الآتية و الأمر بدرء الحد بالشبهة (2) و لما تسمعه من خبر أنس (3)

و لما في غير واحد من النصوص (4)

من ترديد جزم المقر فكيف بالساكت، و ل

قوله (صلى الله عليه و آله) (5): «من أتى من هذه القاذورات شيئا فستر ستره الله و أن من بدا صفحته أقمنا عليه الحد»

و أقل مراتب الأمر الاستحباب، و

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (6): «للرجل الذي أقر عنده أربعا: ما أقبح في الرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ، أ فلا تاب في بيته؟ فو الله لتوبته في ما بينه و بين الله أفضل من إقامة الحد عليه».

لكن قد يشكل بما دل (7)

على عدم جواز تعطيل حد لله تعالى


1- «1» الوسائل- الباب- 11- من أبواب مقدمات الحدود.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 4 و الباب- 27- من أبواب حد الزناء- الحديث 11.
3- «3» و هو خبر مالك بن أنس الآتي.
4- «4» سنن البيهقي- ج 8 ص 226.
5- «5» سنن البيهقي- ج 8 ص 330.
6- «6» الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2.
7- «7» الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات الحدود.

ج 41، ص: 286

و الفرض إقراره بحق له عليه، فيكلف البيان كما لو أقر بحق لآدمي، و بمنع كون مثله شبهة دارئة و خبر مالك (1)

ليس من طرقنا، و الترديد إنما هو في ما اعتبر فيه العدد و ما وقع من النبي (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما هو في بيان عدم صدور ما يقتضي ثبوته، لا في ما بعده كما في الفرض.

نعم لو قيل: إن حكمه متى أجمل ضرب حتى ينهى عن نفسه كما عن القاضي و ظاهر الشيخ ل

خبر محمد بن قيس (2) عن الباقر (عليه السلام) «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر على رجل أقر على نفسه بحد و لم يسم أن يضرب حتى ينهى عن نفسه»

اتجه حينئذ عدم التكليف بالبيان، لعدم الاجمال حينئذ في الشرع، و لعله كذلك لصحة الخبر المزبور و عمل المشهور به في الجملة.

و ما في المسالك من المناقشة في سنده باشتراك محمد بن قيس بين الثقة و غيره و في مجمع البرهان بأن في سنده سهلا- مدفوع بإرادة الثقة منه هنا بالقرائن المفيدة لذلك، كرواية عاصم بن حميد عنه و غيرها، و أن الأمر في سهل سهل.

كالمناقشة بإطلاق الحد على الرجم و على القتل بالسيف و الإحراق بالنار و رمى الجدار عليه و غير ذلك مما ستقف عليه و على الجلد المختلف كيفية و كما فهو مجمل، على أن منه ما لا يثبت إلا بالإقرار أربعا، مؤيدا ذلك كله

بالمروي عن أنس بن مالك (3) قال: «كنت عند النبي (صلى الله عليه و آله) فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا


1- «1» و هو خبر أنس بن مالك الآتي.
2- «2» الوسائل- الباب- 11- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
3- «3» صحيح البخاري- ج 8 ص 207.

ج 41، ص: 287

فأقمه علي و لم يسمه، فحضرت الصلاة فصلى النبي (صلى الله عليه و آله) الصلاة فقام إليه الرجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم في حدا لله، قال: أ ليس قد صليت معنا؟ قال: نعم، قال: فان الله قد غفر لك ذنبك وحدك».

إذ هي كالاجتهاد في مقابلة النص، و خبر أنس الذي هو من طرق العامة المحتمل لصدور التوبة منه لا يصلح معارضا للصحيح المعمول به من طرق الخاصة المؤيد ب

مرسل المقنع (1)

«قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أقر على نفسه بحد و لم يبين أي حد هو أن يجلد حتى يبلغ الثمانين فجلد، ثم قال: و لو أكملت جلدك مائة ما ابتغيت عليه بينة غير نفسك».

و لعله لذا قيل كما عن ابن إدريس لا يتجاوز به المائة و لا ينقص عن ثمانين لكن فيه أنه لا يوافق مذهبه من عدم العمل بأخبار الآحاد الصحيحة فضلا عن المراسيل، على أن الحد في القيادة خمسة و سبعون، فليس أقله الثمانون، بل لا يوافق مذهبنا أيضا، ضرورة قصوره عن تقييد الصحيح المزبور المشتمل على بيان حد المعترف بالحد على الإجمال الذي مقتضاه الضرب و إن تجاوز المائة، لاحتمال وقوعه منه في مكان شريف أو زمان كذلك أو غير ذلك، و كون التعزير مقدرا بنظر الحاكم و لا نظر له ما لم يعلم المعصية إنما هو في غير المقام المحتمل تقدير الشارع بما يؤدي إليه نظر المقر، فيضرب ما لم ينه و إن زاد على المائة و يترك مع نهيه و إن نقص عن أقل الحد لاحتمال إرادة التعزير منا و لو على أن يكون نهيه قرينة على ذلك مع فرض المجازية.

و من ذلك يعلم ما في رد المصنف له بأنه ربما كان


1- «1» المستدرك- الباب- 9- من أبواب بقية الحدود- الحديث 2.

ج 41، ص: 288

صوابا في طرف الكثرة و لكن ليس بصواب في طرف النقصان، لجواز أن يريد بالحد التعزير كما أن منه يعلم أيضا ما في مناقشة المصنف في ذلك بأن الحد حقيقة شرعية في المقدرات المذكورة، و إطلاقه على التعزير مجاز لا يصار إليه إلا بالقرينة، ثم على تقدير حمله على التعزير فأمره منوط بنظر الحاكم غالبا، و نظر الحاكم يتوقف على معرفة المعصية ليرتب عليها ما يناسبها لا بمجرد النهي و من التعزير ما هو مقدر فجاز أن يكون أحدها، فيشكل تجاوزها أو نقصها بدون العلم بالحال.

بل في المسالك «و يشكل الخبر أيضا باستلزامه أنه لو نهى في ما دون الحدود المعلومة قبل منه، و ليس هذا حكم الحد و لا التعزير، و أيضا فإن من الحدود ما يتوقف على الإقرار أربعا، و منها ما يتوقف على الإقرار مرتين، و منها ما يكفي فيه المرة فلا يتم إطلاق القول بجواز بلوغ المائة مع الإقرار دون الأربع، و بلوغ الثمانين بدون الإقرار مرتين، و اشتراط ذلك كله خروج عن مورد الرواية رأسا، فالحق طرح الرواية» إلى آخره.

إذ ذلك كله كما ترى ناشئ من تكلف علم زائد على ما عند الامام (عليه السلام) ضرورة كونه حكما تعبديا جاء بطريق صحيح معمول به فلا ينبغي الإعراض عنه أو تقييده بما لا دليل عليه أو غير ذلك مما هو كالاجتهاد في مقابلة الدليل المعتبر الذي من الواضح الفرق بين مضمونه و بين الإقرار بالزناء مثلا كما ستعرف.

هذا و في كشف اللثام تبعا للمعة و الروضة و إطلاق الخبرين و كلمة الأصحاب منزل على الحد الذي يقتضيه ما وقع من الإقرار، فلا يحد مائة ما لم يقر أربعا و لا ثمانين ما لم يقر مرتين، و لا تتعين المائة إذا أقر أربعا و لا الثمانون إذا أقر مرتين على قول غير الحلي، و في الرياض و لعل

ج 41، ص: 289

التنزيل للجمع بين الأدلة و لا بأس به.

و فيه أن ذلك لا شاهد له، بل ظاهر النص و الفتوى خلافه، و لعله للفرق بين الإقرار بالزناء و شرب الخمر مثلا و بين الإقرار بأن عليه حدا، فيعتبر الأربع في الأول دون الثاني الذي هو بمنزلة الإقرار بالإقرار أربعا الذي هو موجب الحد فلعله في غير المقام قد أقر بالزناء أربعا فثبت عليه الحد، و بالجملة ظاهر الخبر تحقق موجب العقوبة بالقول المزبور مرة واحدة فمع فرض العمل به لا وجه لهذه التكلفات كما هو واضح.

بل من التأمل في ما ذكرنا يظهر لك النظر في كثير من الكلمات هنا حتى المصنف و الفاضل و غيرهما ممن لا يرجع كلامه إلى العمل بالصحيح المزبور و لا إلى القواعد التي مقتضاها السقوط أصلا أو الحبس حتى يبين، و الله العالم.

و في التقبيل و المضاجعة في إزار واحد مثلا و المعانقة و نحو ذلك مما هو استمتاع بما دون الفرج روايتان: إحداهما مائة جلدة و هي صحيحة الحلبي (1)عن الصادق (عليه السلام) و

حسنة ابن سنان (2) عنه (عليه السلام) أيضا «حد الجلد أن يوجدا في لحاف واحد»

و رواية عبد الرحمن الحذاء (3) عنه (عليه السلام) أيضا «إذا وجد الرجل و المرأة في لحاف واحد جلد مائة»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4)

«إذا وجد الرجل و المرأة في لحاف واحد قامت عليهما البينة بذلك و لم يطلع منهما على ما سوى ذلك جلد كل واحد منهما مائة جلدة»

و سأله أبو بصير (5)

«عن امرأة وجدت مع رجل في ثوب واحد، فقال: يجلدان مائة جلدة، و لا يجب الرجم


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث- 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث- 4.
3- «3» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث- 5.
4- «4» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث- 9.
5- «5» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث- 8.

ج 41، ص: 290

حتى تقوم البينة الأربعة بأنه قد رؤي يجامعها»

و نحوه خبر الكناني (1)

إلى غير ذلك من النصوص المقدرة له بالمائة و حد الزاني، عن الخلاف نسبة ذلك إلى رواية أصحابنا، ثم قال: و روي أن عليهما أقل من الحد.

و في الأخرى دون الحد و هي

صحيحة حريز (2) عن الصادق (عليه السلام) أيضا «ان عليا (عليه السلام) حد رجلا و امرأة في لحاف واحد، فجلد كل منهما مائة سوط إلا سوطا»

و رواية الشحام (3) عنه (عليه السلام) أيضا «في الرجل و المرأة يوجدان في لحاف واحد، فقال: يجلدان مائة إلا سوطا»

و نحوه خبر أبان (4) عنه (عليه السلام) أيضا.

و هي أشهر عملا على معنى أن في ذلك التعزير المناط بنظر الحاكم الذي أقصاه مائة سوط إلا سوط دون الحد، بل قيل إنه المشهور، بل في كشف اللثام الإجماع كما يظهر منهم عليه، بل عن الغنية دعواه صريحا.

نعم فيها كما عن المقنعة و الإسكافي أنهما يعزران من عشرة إلى تسعة و تسعين جلدة، و ظاهرهما تحديد الأقل، و لكن لا دليل عليه إلا الإجماع المزبور الذي لم نتحققه، بل لعل المحقق خلافه، و أضعف منه ما عن بعض من إبدال العشرة بالثلاثين، لعدم دليل عليه أصلا مع أنه لم يعرف القائل به منا.

و لعل التأمل في الجمع بين النصوص يقتضي تعيين كونه مائة إلا سوطا خصوصا بعد إشعار

صحيح الحلبي (5) الوارد في الرجلين بأن ذكر المائة للتقية، قال: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء الحديث 12.
2- «2» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء الحديث- 20.
3- «3» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء الحديث- 3.
4- «4» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء الحديث 19.
5- «5» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء الحديث- 2 و هو عن عبد الرحمن بن الحجاج.

ج 41، ص: 291

عباد البصري و معه أناس من أصحابه فقال له: حدثني عن الرجلين إذا أخذا في لحاف واحد، فقال له: كان علي (عليه السلام) إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد، فقال عباد: إنك قلت لي: غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحد حتى أعاد عليه ذلك مرارا، فقال: غير سوط، فكتب القوم الحضور عند ذلك الحديث»

فيحمل نصوص المائة عليه، أو على علم الامام بالزناء، أو على من عزره الامام دفعتين إن قلنا به، أو غير ذلك فيتعين التعزير حينئذ بالمائة إلا سوطا إلا أني لم أجد بذلك قائلا.

نعم عن الصدوق الجمع بين النصوص بحمل المائة على البينة أو الإقرار، و المائة إلا سوطا على علم الامام، و لم أجده لغيره و لا الشاهد عليه.

كما أنى لم أجد في النصوص تقديره بدون الحد على الإطلاق في مفروض المسألة، و إن قال في الرياض: إنه كذلك في الصحيح، نعم قد ورد (1)

ما يقرب من ذلك في اجتماع المرأتين في لحاف واحد و كذا الرجلين كما أنه ورد (2)

في الأخيرين التقدير بالثلاثين سوطا، على أنه يمكن إرادة المائة إلا سوط مما دون الحد، فالعمدة حينئذ اتفاق الأصحاب ظاهرا على عدم تعيين التقدير المزبور.

و لو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر سقط الرجم بلا خلاف أجده، كما عن الفخر الاعتراف به، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة التي منها

قول الصادق (عليه السلام) في حسن ابن مسلم (3)

«من أقر على نفسه أقمته عليه إلا الرجم فإنه إذا أقر على نفسه ثم جحد لم يرجم»

و في حسن الحلبي (4)

«إذا أقر الرجل


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 16.
2- «2» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 21.
3- «3» الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.
4- «4» الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2.

ج 41، ص: 292

على نفسه بحد أو فرية ثم جحد جلد قال: أ رأيت إن أقر بحد على نفسه يبلغ فيه الرجم أ كنت ترجمه؟ قال: لا و لكن كنت ضاربه»

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في السقوط من دون يمين، لكن عن جامع البزنطي أنه يحلف و يسقط عنه الرجم، و أنه رواه عن الصادقين (عليهما السلام) بعدة أسانيد، و لكن لم نقف على شي ء منها، فالمتجه عدم اعتباره، كعدم اعتبار احتمال عدم السقوط، لظهور خبر ماعز (1)

الوارد في الرجم في عدم القبول بعد إتمام الأربع لتمام الشهادة على نفسه، و ل

قوله (صلى الله عليه و آله) (2): «إن أقررت الرابعة رجمتك»

ضرورة كونه كالاجتهاد في مقابلة النص، نعم هو خاص في الرجم.

و في إلحاق القتل به إشكال من الاحتياط في الدماء و بناء الحد على التخفيف، و من خروجه عن النص، و لعل الأول لا يخلو من قوة، بل هو المحكي عن ابن حمزة، و اختاره في الرياض و يؤيده

المرسل بابن أبي عمير و جميل(3)

«إذا أقر الرجل على نفسه بالقتل قتل إذا لم تكن علة، فإن رجع و قال: لم أفعل ترك و لم يقتل»

و هو شامل لغير الرجم إن لم يكن ظاهرا فيه.

هذا كله في الرجم و أما لو أقر بحد غير الرجم لم يسقط بالإنكار في المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة يمكن معها دعوى الإجماع عليه، لقاعدة عدم سماع الإنكار بعد الإقرار، و للمعتبرة التي تقدم بعضها، خلافا للمحكي عن الخلاف و الغنية من السقوط مستدلا


1- «1» سنن البيهقي- ج 8 ص 226 و 227.
2- «2» كنز العمال ج 5 ص 226 ط عام 1374.
3- «3» الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 4.

ج 41، ص: 293

في الأول بالإجماع المحقق خلافه، و بأن ماعزا أقر عند النبي (صلى الله عليه و آله) فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا ثم قال: «لعلك لمست أو قبلت» فلو لا أن ذلك يقبل لم يكن له فائدة، و هو كما ترى خلاف مفروض المسألة.

و من الغريب الاستدلال به في المسالك على سقوط الرجم بالإنكار، و منه ينقدح احتمال كلام الشيخ للرجوع قبل كمال ما يعتبر من المرات في الإقرار فلا يكون مخالفا، و لعل الغنية كذلك، و قيل: إنه يبعد ذلك في كلامه، بل و كذا

قول أحدهما (عليهما السلام) في مرسل جميل (1): «لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين، فان رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود»

المحمول على إرادة الرجوع بعد الإقرار مرة و إلا كان شاذا، و الله العالم.

و لو أقر بحد ثم تاب كان الامام مخيرا في إقامته رجما كان أو جلدا بلا خلاف أجده في الأول، بل في محكي السرائر الإجماع عليه، بل لعله كذلك في الثاني أيضا و إن خالف هو فيه، للأصل الذي يدفعه أولوية غير الرجم منه بذلك، و النصوص المنجبرة بالتعاضد و بالشهرة العظيمة التي منها

ما تضمنه غير (2) واحد من أنه «جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأقر بالسرقة فقال: أ تقرأ شيئا من القرآن؟ قال:

نعم سورة البقرة، قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة، فقال الأشعث:

أ تعطل حدا من حدود الله تعالى؟! فقال: ما يدريك يا هذا، إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو، و إذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الامام إن شاء عفا و إن شاء قطع»

و خصوص المورد لا يخصص الجواب، بل


1- «1» الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3 و الباب- 3- من أبواب حد السرقة- الحديث 5.

ج 41، ص: 294

لعل عدم العمل به كما تسمعه في السرقة لا ينافي العمل به هنا، لعموم الجواب في المقام.

مضافا إلى المروي عن تحف العقول عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) (1)

في حديث و أما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم تقم عليه البينة، و إنما تطوع بالإقرار عن نفسه و إذا كان للإمام (عليه السلام) الذي من الله تعالى أن يعاقب عن الله سبحانه كان له أن يمن عن الله تعالى أ ما سمعت قول الله تعالى. هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (2)» نعم ليس في شي ء منها اعتبار التوبة، و لعل اتفاقهم عليه كاف في تقييدها، مضافا إلى ما يشعر به قوله (عليه السلام) في الأخير:

«تطوع» بل لعل الغالب في كل مقر بذلك إرادة تطهيره من ذنبه و ندمه عليه كما صرح به في جملة من النصوص المشتملة على الإقرار.

نعم ظاهر النص و الفتوى قصر الحكم على الامام (عليه السلام) و ربما احتمل ثبوته لغيره من الحكام و لا ريب في أن الأحوط الأول، لعدم لزوم العفو، لكن قد يقوى الإلحاق، لظهور الأدلة في التخيير الحكمي الشامل للإمام (عليه السلام) و نائبه الذي يقتضي نصبه إياه أن يكون له ماله.

هذا و في كشف اللثام المراد بالحد حد حقوق الله، فأما ما كان من حقوق الناس لا يسقط إلا بإسقاط صاحب الحق، و سيأتي في حد القذف أنه لا يسقط إلا بالبينة أو إقرار المقذوف أو عفوه أو اللعان، و في حد السرقة أنه لا يسقط بالتوبة بعد الإقرار، و في الرياض وجهه واضح، و في بعض

المعتبرة (3)

«لا يعفى عن الحدود التي لله تعالى دون الإمام،


1- «1» الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 4.
2- «2» سورة ص: 38- الآية 39.
3- «3» الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.

ج 41، ص: 295

فأما ما كان من حق الناس في حد فلا بأس أن يعفي عنه دون الامام».

قلت: لا دلالة في ما ذكره من بعض المعتبرة على ما نحن فيه، و قد سمعت اشتمال النصوص (1)

على العفو عن حد السرقة، مضافا إلى ما يفهم منها من كون ذلك حكم الإقرار من حيث كونه كذلك، و إلى إطلاق الأصحاب، و لعله لأن الإمام أولى بالمؤمنين من أنفسهم و الله العالم.

و لو حملت المرأة و لا بعل لم تحد عندنا إلا أن تقر بالزناء أربعا أو تقوم عليها البينة، لاحتمال الاشتباه و الإكراه و غيرهما، خلافا لمالك، و ضعفه واضح، بل ليس علينا سؤالها، للأصل بل الأصول، فما عن ظاهر المبسوط من لزومه لا وجه له.

هذا و في القواعد أنه يشترط في الإقرار أن يذكر حقيقة الفعل لتزول الشبهة، إذ قد يعبر بالزناء عما لا يوجب الحد، و لهذا

قال (صلى الله عليه و آله) (2) لماعز: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، قال:

لا، قال: أ فنكتها؟ لا تكني، فقال: نعم، قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها كما يغيب المرود في المكحلة و الرشا في البئر، قال:

نعم، فعند ذلك أمر برجمه».

و فيه أنه- مع كونه ليس من طرقنا- قضية في واقعة و إلا فالظاهر الاكتفاء بظاهر اللفظ، لعموم ما دل على حجيته، و لذا لم يستقص في جملة من النصوص، كما هو واضح.

و لو أقر أنه زنى بامرأة فكذبته حد دونها و إن صرح بأنها طاوعته على الزناء، إذ لا يؤخذ أحد بإقرار غيره.

و لو أقر من يعتوره الجنون حال إفاقته بالزناء و أضافه إلى حال


1- «1» الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.
2- «2» سنن البيهقي- ج 8 ص 226 و 227.

ج 41، ص: 296

إفاقته حد و لو أطلق ففي القواعد لم يحد، لاحتمال وقوعه حال جنونه.

و فيه نظر خصوصا إذا قلنا باعتبار العقل في مفهوم الزناء.

و لو أقر العاقل بوطء امرأة و ادعى أنها امرأته فأنكرت الزوجية و الوطء فلا حد عليه و إن أقر أربعا، لأنه لم يعترف بالزناء، و لا مهر لها عليه لإنكارها الوطء، و لو اعترفت بالوطء و أنه زنى بها مطاوعة فلا مهر و لا حد عليه لما عرفت، و لا عليها إلا أن تقر أربعا.

و إن ادعت أنه أكرهها عليه أو اشتبه عليها فلا حد على أحد منهما و عليه المهر كما هو واضح.

[أما البينة]

و أما ثبوت الزناء ب البينة فلا خلاف في أنه يكفي فيها الأربع رجال، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب (1) و السنة المستفيضة (2)، بل الظاهر ذلك أيضا في الثلاثة و الامرأتين وفاقا للمشهور شهرة عظيمة، بل قيل: لم ينقل الأكثر فيه خلافا، بل حسبه بعض إجماعا، بل ربما نفى عنه الخلاف، بل عن الغنية الإجماع عليه

للمعتبرة المستفيضة (3) التي في بعضها «لا يجوز في الرجم شهادة رجلين و أربع نسوة، و يجوز في ذلك ثلاثة رجال و امرأتان»

خلافا لما عن العماني و المفيد و الديلمي من عدم الثبوت بذلك، للأصل المقطوع بما عرفت و ظاهر الكتاب (4) الذي لا حصر فيه و

الصحيح (5)

(إذا شهد ثلاثة رجال و امرأتان لم يجز في الرجم،)

المؤيد بإطلاق ما دل (6)

على المنع من قبول شهادتهن في الحد القاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه، منها الموافقة للمحكي عن أكثر العامة فيحمل حينئذ على التقية، و أما الإطلاق


1- «1» سورة النور: 24- الآية 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد الزناء.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات.
4- «4» سورة النور: 24- الآية 4.
5- «5» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 28.
6- «6» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 29.

ج 41، ص: 297

المزبور أو العموم فهو مقيد أو مخصص بما ذكرناه أو محمول على شهادتهن منفردات.

و حينئذ فلا يكفي في الرجم أقل من أربعة رجال أو ثلاثة و امرأتين، و لا تقبل شهادة النساء منفردات فيه و لا في مطلق الحد و إن كثرن بل و لا شهادة رجل و ست نساء بلا خلاف أجده في ذلك إلا ما يحكى عن الخلاف من ثبوت الجلد بذلك دون الرجم، و لا ريب في شذوذه، لمخالفته ظاهر الأدلة المعتبرة كما مر الكلام في ذلك كله و غيره في كتاب الشهادات.

نعم قيل و القائل الإسكافي و الشيخ و الحلي و ابن حمزة و الفاضل و الشهيدان بل عن بعض أنه المشهور تقبل شهادة الرجلين و أربع نساء و لكن يثبت به الجلد لا الرجم

للموثق كالصحيح (1)

«قال في رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان وجب عليه الرجم، و إن شهد عليه رجلان و أربع نسوة فلا تجوز شهادتهم، و لا يرجم، و لكن يضرب حد الزاني»

المؤيد بعموم

قوله (عليه السلام) (2): «تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال»

المنجبر بالشهرة المزبورة خلافا للمحكي عن الصدوقين و القاضي و الحلبي و الفاضل في المختلف و غيره، فلا يجوز

للصحيح (3)

«تجوز شهادتهن في حد الزناء إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان، و لا يجوز شهادة رجلين و أربع نسوة في الزناء و الرجم»

المؤيد بعموم ما دل (4) على عدم قبول شهادتهن في الحد، إلا أنه و إن كان صحيحا غير واضح الدلالة، لاحتمال إرادة تفسير الزناء


1- «1» الوسائل- الباب- 30- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 21.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 7.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 29.

ج 41، ص: 298

بقوله (عليه السلام): «و الرجم» و لا تأييد بالعموم المزبور بعد تخصيصه بما دل على القبول مع الرجال، كل ذلك بعد الترجيح بالشهرة المحكية بل لعلها محصلة، فالقبول لعله الأقوى، نعم ما عن الخلاف من ثبوت الرجم به واضح الضعف، لمخالفته صريح النص فلا دليل عليه، و لذا لم يحك عن أحد موافقته على ذلك، و قد تقدم في كتاب الشهادات (1) الكلام في ذلك كله.

و على كل حال ف لو شهد ما دون الأربع و ما في حكمه لم يجب و حد كل منهم حد القذف للفرية عليه بذلك كما سماه الله تعالى كاذبا (2) و إن احتمل صدقه، بل ستسمع فيما سيأتي إن شاء الله أنه لو شهد الثلاثة قبل حضور الرابع حدوا لها.

و كيف كان ف لا بد في شهادتهم على الزناء من ذكر المشاهدة للولوج في الفرج كالميل في المكحلة من غير عقد و لا ملك و لا شبهة بلا خلاف معتد به أجده فيه بينهم، و لعله للاحتياط في الحدود المبنية على التخفيف، و لذا تسقط بالشبهة، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (3): «حد الرجم أن يشهد عليه أربعة أنهم رأوه يدخل و يخرج»

و في

خبر أبي بصير (4)

«لا يرجم الرجل و المرأة حتى يشهد عليهما أربعة على الجماع و الإيلاج و الإدخال كالميل في المكحلة»

و قد سمعت قصة ماعز (5)

و في الرياض «و لأن الشهادة إنما تسمع إذا عوين أو سمع، و لا معنى للزناء حقيقة


1- «1» راجع ج 29 ص 255- 256.
2- «2» سورة النور: 24- الآية 11.
3- «3» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد الزناء- الحديث 4.
5- «5» سنن البيهقي- ج 8 ص 227.

ج 41، ص: 299

إلا ذلك، فلا تسمع الشهادة به إلا إذا عوين كذلك، و ربما أطلق على غيره من التفخيذ و غيره، فلو لم يصرح الشهود به لم تكن الشهادة نصا في الموجب للحد».

قلت: قد عرفت في كتاب الشهادات أنه يكفي فيها العلم، و خصوصا اليقين منه الذي أحد طرقه المشاهدة، فيمكن إرادة ذلك مما دل على اعتبارها، مع أنه ليس في خبر أبي بصير إلا اعتبار الشهادة على ذلك، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك خاص في حد الزناء و نحوه مما يطلب فيه التخفيف، فيكون اعتبار المعاينة شرطا فيه، و لو للنص الدال عليه الذي يحكم على ما دل على كفاية مطلق العلم فيها مؤيدا بكلام الأصحاب إلا أن يدعى أن بناءه على اعتبار الإبصار في المبصرات لا التعبد به في خصوص المقام، فيرد عليه ما قدمناه في كتاب الشهادات.

كما أنك قد سمعت ما ذكرناه في الإقرار من عدم دليل معتبر على اعتبار النصوصية فيه بل و لا الشهادة، فيكفي فيهما اللفظ الدال على ذلك وضعا أو عرفا، و لا يحتاج إلى زيادة على ذلك بحيث يعلم منه إرادة الأمر المخصوص و لو من قرائن الأحوال، نعم لا يكفي ما لا دلالة فيه على ذلك وضعا أو عرفا و إن قال في

الموثق (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا شهد الشهود على الزاني أنه قد جلس منها مجلس الرجل من امرأته أقيم عليه الحد»

لكنه قاصر عن مقاومة غيره سندا و عددا بل و عملا، إذ لم يحك عن أحد العمل به و إن حكي عن الشيخ احتماله بعد تخصيصه الحد بالجلد دون الرجم.


1- «1» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد الزناء- الحديث 9.

ج 41، ص: 300

و تبعه على الاحتمال المزبور المجلسي في ما حكي عنه، حيث إنه بعد أن ذكر النصوص الدالة على تمام الحد لاجتماع الرجلين أو الرجل و المرأة في لحاف واحد و على الأنقص منه قال: «و الأظهر في الجمع بين الأخبار مع قطع النظر عن الشهرة أن يؤخذ بالأخبار الدالة على تمام الحد، بأن يقال: لا يشترط في ثبوت الجلد المعاينة كالميل في المكحلة و تحمل الأخبار الدالة على ذلك على اشتراطه في الرجم كما هو الظاهر من أكثرها، و أما أخبار النقيصة فمحمولة على التقية».

و فيه مع أنه مخالف للأصحاب هنا مناف لما ذكروه في كتاب الشهادات من اعتبار العلم بالمشهود عليه و نصوص الاجتماع تحت لحاف واحد التي قد عرفت اتفاق الأصحاب إلا النادر على إرادة التعزير منها، و أن غايته ذلك أو الأنقص بسوط لو سلم العمل بها، فهو تعزير مخصوص مقدر بما يساوي الحد في بعض الأفراد، لا أنه يفهم منه ذلك مطلقا في مطلق ما حده الجلد على معنى يكفي فيه الشهادة على مقدماته دونه، بل يمكن تحصيل الإجماع هنا و في كتاب الشهادات على خلافه، مضافا إلى ما في النصوص من اعتبار الإدخال و الإخراج في الجلد أيضا،

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حسن محمد بن قيس (1): «لا يجلد رجل و لا امرأة حتى يشهد عليه أربع شهود»

فلا محيص حينئذ عن طرح الموثق المزبور أو حمله على إرادة الكناية بذلك عن حصول سبب الحد، أو على إرادة التعزير من الحد فيه أو غير ذلك.

إنما الكلام في اعتبار المعاينة أو يكفي العلم بذلك من غيرها و في اعتبار ذكر ما يفيد ذلك على وجه النص أو يكفي فيه ما دل على ذلك وضعا أو عرفا و إن لم يكن نصا، و قد عرفت تحقيق الحال فيهما.


1- «1» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد الزناء- الحديث 11.

ج 41، ص: 301

و أما قول المصنف و يكفي أن يقولوا: لا نعلم بينهما سببا للتحليل فقد يشكل بعدم تحقق الزناء مع احتمال كونها زوجة و يمكن إرادته بعد العلم بكونها أجنبية عنه لكن لم يعلم الشبهة أو الإكراه أو نحوهما مما يسقط به الحد، فان وجهه حينئذ تحقق صدق الزناء الذي هو مقتض لترتب الحد و لم يعلم مسقطة من الشبهة و الإكراه مع عدم دعواهما و مع ذلك لا يخلو من نظر بناء على سقوط الحد عنه باحتمال ذلك، فلا بد من اعتبار علم الشاهد بكونه لا عن شبهة كما يقضي به تعريفهم للزناء الموجب للحد، بل يقضي به أيضا ذكر الاختيار و نحوه من شرائط الحد و الشك في الشرط شك في مشروطه.

هذا و في القواعد «و لا تكفي شهادتهم بالزناء عن قولهم: «من غير عقد و لا شبهة عقد» بل لا بد من ذلك، نعم يكفي أن يقولوا:

لا نعلم سبب التحليل» و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا، و احتمال كون المراد العلم بعدم المحلل نحو ما قالوه في كتاب الشهادات في قول الشاهد: «ملكه و لا نعلم له مزيلا» يدفعه- مع أنه خلاف الظاهر- أنه راجع حينئذ إلى القول الأول الذي هو «من غير عقد» إلى آخره.

ثم إن الظاهر بناء عليه عدم لزوم الاستفسار عن ذلك للأصل و التخفيف بل المنساق من الاستفسار في أدلة الإقرار إرادة عدم إثبات موجب الحد و الله العالم.

و كيف كان ف لو لم يشهدوا بالمعاينة أو ما في حكمها بناء على ما ذكرناه لم يحد المشهود عليه لعدم تحقق موجبه حينئذ و حد الشهود إذا نسبوه للزناء حد القذف، و إلا فلا حد و لكن يعزرون كما هو واضح.

ج 41، ص: 302

و لا بد من تواردهم على الفعل الواحد و الزمان الواحد و المكان الواحد حتى يتحقق المشهود عليه الموجب للحد فلو شهد بعض بالمعاينة و بعض لا بها بناء على اعتبارها أو شهد بعض بالزناء في زاوية بيت و بعض في زاوية أخرى أو شهد بعض في يوم الجمعة و بعض في يوم السبت فلا حد، و يحد الشهود للقذف بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال في صورة عدم اتفاق الأربعة على شي ء واحد كغير المقام من المشهود عليه من البيع و الإجارة و نحوهما.

إنما الكلام في اختصاص المقام عن غيره باعتبار ذكر الشهود الخصوصيات و الاتفاق عليها مع تعرض البعض على وجه لا يجزئ إطلاق الآخر و لا قوله: «لم أعلم به» و ربما شهد للثاني

الموثق(1)

«ثلاثة شهدوا أنه زنى بفلانة و شهد رابع أنه لا يدري بمن زنى، فقال: لا يحد و لا يرجم».

و منه يعلم الوجه في اشتراط توارد الجميع على الخصوصية إذا ذكرها بعضهم فيختص المقام حينئذ بذلك تعبدا من غير فرق بين الخصوصيات لكن أشكله ثاني الشهيدين في المسالك و الروضة و بعض من تبعه بخلو النصوص و كلام المتقدمين عن الاشتراط المزبور، بل في المسالك أن عدمه هو المعتمد، قال: «و يمكن حمل كلام المصنف و ما أشبهه على ذلك بحمل عدم القبول على تقدير التعرض لذلك و الاختلاف فيه و استحسنه في الرياض لو لا الموثق المتقدم الظاهر في الاشتراط في بعض الأفراد، و يتم في غيره بعدم القائل بالفرق من الأصحاب» قلت: لا إجماع مركب تسكن إليه النفس على عدم الاجتزاء بالشهادة على معاينة الإدخال و الإخراج على وجه الزناء من غير تعرض للزمان و المكان، و لا على ما إذا تعرض


1- «1» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد الزناء- الحديث 6.

ج 41، ص: 303

بعض و أطلق الآخر على وجه لم يعلم عدم شهادته بها، فالمتجه الاقتصار في الموثق على مورده.

و لو شهد بعض الشهود على أنه أكرهها على الزناء بها و شهد بعض بالمطاوعة ففي ثبوت الحد على الزاني وجهان بل قولان للشيخ في المحكي عن مبسوطة و خلافه أحدهما يثبت و هو مختاره في الأول، بل خيرة ابني الجنيد و إدريس في ما حكي عنهما للاتفاق على الزناء الموجب للحد على كلا التقديرين و الاختلاف إنما هو في قول الشهود لا في فعله و الآخر لا يثبت عليه حد لأن الزناء بقيد الإكراه غيره بقيد المطاوعة، فكأنه شهادة على فعلين و اختاره الفاضل في بعض كتبه و الشهيدان في النكت و المسالك، لمنع ثبوت الزناء على كل من التقديرين و أنه لم يشهد به على كل تقدير العدد المعتبر، فهو جار مجرى تغاير الوقتين و المكانين المتفق على عدم الثبوت مع تقديره.

و فيه وضوح الفرق بينهما، ضرورة اقتضاء الاختلاف المزبور تعدد الفعل بخلافه هنا المفروض اتفاق الجميع على اتحاد الزمان و المكان، و إنما اختلفوا في حال المزني بها و الزاني الذي لا يقتضي تعدد الفعل، فيمكن اطلاع من شهد بالمطاوعة على كون الإكراه الظاهر صوريا، نعم لو لم يتعرضا للزمان و المكان و قلنا بكفايته و اختلفا في الإكراه و المطاوعة على وجه لا يمكن الجمع بينهما إلا بتعدد الفعل اتجه حينئذ عدم القبول، فتأمل جيدا. و كذا الكلام في الاختلاف في كل خصوصية لا يمكن الجمع بينها، و على كل حال فلا حد عليها إجماعا، لعدم ثبوت زناها.

ثم إن أوجبنا الحد عليه لم يحد الشهود و إلا حدوا، و في القواعد و يحتمل أن يحد شهود المطاوعة، لأنهما قذفاها فلم تكمل شهادتهم عليها

ج 41، ص: 304

دون شاهدي الإكراه، لأنهما لم يقذفاها و قد كملت شهادتهم عليه، و إنما انتفى عنه الحد للشبهة، أي لا لعدم الثبوت. و فيه أن الشهادة بالمطاوعة أعم من القذف، لاحتمال الشبهة فيها و إن كان هو زانيا.

و فيها أيضا أنه لو شهد اثنان بأنه زنى و عليه قميص أبيض و اثنان به و عليه قميص أسود ففي القبول نظر. و فيه أنه لا مانع من اجتماع الخصوصيتين فلا تعدد للفعل، و دعوى ظهور الكلام في التنافي واضحة المنع.

و لو أقام الشهادة بعض الشهود في وقت عدم حضور الباقين على وجه لا يحصل به اتصال الشهادة عرفا حدوا للقذف، و لم يرتقب إتمام البينة، لأنه لا تأخير في حد بلا خلاف محقق أجده فيه إلا ما يحكى عن جامع ابن سعيد، و هو شاذ، و في

الخبر (1) المنجبر قصوره بما عرفت «ثلاثة شهدوا على رجل بالزناء فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) أين الرابع؟ فقالوا الآن يجي ء، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): حدوهم، فليس في الحدود نظر ساعة»

كالآخر أيضا (2)

«ثلاثة شهدوا على رجل بالزناء و قالوا الآن يأتي الرابع، قال: يجلدون حد القاذف ثمانين جلدة كل واحد منهم»

نعم في محكي الخلاف إذا تكاملت شهود الزناء فقد ثبت الحكم بشهادتهم سواء شهدوا في مجلس واحد أو مجالس، و شهادتهم متفرقين أحوط، و عن الفاضل في المختلف تنزيله على تفرقهم بعد اجتماعهم لإقامة الشهادة دفعة نظرا إلى أن ذلك هو المذهب عندنا مشعرا بدعوى الإجماع على الحكم، و في المسالك مذهب الأصحاب اشتراط إيقاع الشهادة في مجلس واحد، و ربما أيد الحمل المزبور بأنه عبر في السرائر أنه قال قبلها: «و لا تقبل


1- «1» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد الزناء- الحديث 8.
2- «2» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد الزناء- الحديث 9.

ج 41، ص: 305

شهادة الشهود على الزناء إلا إذا حضروا في وقت واحد، فان شهد بعضهم و قال الآن يجي ء الباقون حد حد المفتري، لأنه ليس في ذلك تأخير».

و حينئذ فلا خلاف في المسألة إلا من ابن سعيد الذي قد سمعت شذوذه، بل بالغ الفاضل في القواعد و ولده في الشرح، فاعتبر حضورهم قبل الشهادة للإقامة، فلو تفرقوا في الحضور حدوا و إن اجتمعوا في الإقامة فإنه بعد أن ذكر اتفاقهم على الحضور ثم اجتمعوا في مجلس الحكم للإقامة فالأقرب حدهم لفرية» و لكن لا دليل عليه، إذ ليس في الخبرين (1)

إلا الحد مع عدم حضور البعض المقتضي لتراخي الشهادة.

بل الظاهر عدم اعتبار اتحاد المكان مع فرض تلاحق الشهادة و عدم غيبة بعضهم، بل قد يقال بعدم اعتبار تواطئهم و علم كل واحد منهم بشهادة الآخر، فلو فرض شهادة الجميع في مجلس واحد مع عدم العلم منهم بما عند الآخر أقيم الحد، و كان عبارات الأصحاب لا تخلو من تشويش فلاحظ و تأمل.

و لو شهد بعض و أبى الآخر بعد الحضور لها حد الشاهد للقذف كما صرح به غير واحد نافيا للخلاف فيه، بل عن الخلاف الإجماع عليه، لفحوى الخبرين السابقين (2)

و للمعتبرة التي منها

الصحيح (3) قال:

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا أكون أول الشهود الأربعة على الزناء أخشى أن ينكل بعضهم فأحد»

فما عن المختلف من عدم الحد لبعض الوجوه الاعتبارية التي لا تصلح معاوضا للدليل الشرعي واضح الضعف.


1- «1» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد الزناء- الحديث 8- 9.
2- «2» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد الزناء- الحديث 8- 9.
3- «3» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد القذف- الحديث 2.

ج 41، ص: 306

و لو شهدوا و كانوا فساقا كلا أو بعضا حدوا، و عن الخلاف و المبسوط و السرائر و الجامع و التحرير وجوب الحد إن كان رد الشهادة لمعنى ظاهر كالعمى و الفسق، و العدم إن كان لمعنى خفي، فيختص الحد بالمردود دون الآخرين، لعدم تفريطهم، و لو كانوا مستورين و لم تثبت عدالتهم و لا فسقهم ففي القواعد فلا حد للشبهة، لكن في

خبر أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) «في أربعة شهدوا على رجل بالزناء فلم يعدلوا قال: يضربون الحد»

و يمكن حمله على ظهور الفسق.

و لو رجعوا عن الشهادة كلا أو بعضا قبل الحكم فعليهم أجمع الحد إلا أن يعفو المقذوف، و لا يختص الراجع بالحد و لا بالعفو، و أما إذا رجعوا بعد الحكم فيختص الراجع بالحد أخذا بإقراره، و الله العالم.

و لا يقدح تقادم الزناء في الشهادة عليه الموجبة لإقامة الحد لإطلاق الأدلة و في بعض الأخبار إن زاد عن ستة أشهر لم يسمع و هو مطرح لقصوره عن تقييد الأدلة بالموافقة للعامة و غيرها أو محمول على ما لو ظهر منه التوبة كما يومئ إليه

مرسل ابن أبي عمير عن جميل (2) عن أحدهما (عليهما السلام) و فيه «قلت: و إن كان أمرا قريبا لم يقم عليه، قال: لو كان خمسة أشهر أو أقل و قد ظهر منه أمر جميل لم يقم عليه الحد».

و تقبل شهادة الأربع على الاثنين فما زاد لعموم الأدلة و من الاحتياط تفريق الشهود في الإقامة بعد الاجتماع جميعا في المجلس فيفرقوا و يستنطق كل واحد منهم بعد واحد استظهارا في الحدود المبنية على التخفيف و تدرأ بالشبهة و لكنه ليس بلازم للأصل


1- «1» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد القذف- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.

ج 41، ص: 307

و إطلاق الأدلة و لذا كان المستحب للشهود ترك إقامتها سترا على المؤمن إلا إذا اقتضى ذلك فسادا، كما يستحب ستر المؤمن نفسه و التوبة، بل للإمام التعريض بالترغيب عن إقامتها كما يرشد إليه

قوله (صلى الله عليه و آله) (1): «لو سترته بثوبك كان خيرا لك»

و الترغيب أيضا عن الإقرار به كما يومئ إليه قصة ماعز (2)

و

قوله (صلى الله عليه و آله) في خبر أبي العباس (3): «لو ستر ثم تاب كان خيرا له»

و قوله (عليه السلام) في خبر الأصبغ (4): «أ يضر أحدكم إذا قارف هذه السيئة أن يستر على نفسه كما ستر الله»

بل قال في

مرفوع أحمد (5): «ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الأشهاد أ فلا تاب؟ فو الله لتوبته في ما بينه و بين الله أفضل من إقامتي عليه الحد»

إلى غير ذلك من النصوص، نعم يجوز إقامة الشهادة بالزناء من غير مدع له، لأنه من حقوق الله تعالى، فتقبل فيه شهادة الحسبة، كما تقدم في كتاب الشهادات.

و لا تسقط الشهادة بتصديق المشهود عليه مرة أو مرات، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة بناء على أنه بالإقرار يسقط حكم الشهادة و لا يحد المقر بالإقرار أقل من أربع و لا بتكذيبه بلا خلاف حتى منه لإطلاق الأدلة.

و من تاب قبل قيام البينة عليه سقط عنه الحد بلا خلاف


1- «1» سنن البيهقي- ج 8 ص 228.
2- «2» صحيح البخاري- ج 8 ص 207.
3- «3» الوسائل- الباب- 15- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 16- من أبواب حد الزناء- الحديث 6.
5- «5» الوسائل- الباب- 16- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.

ج 41، ص: 308

أجده، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، للشبهة و

قول أحدهما (عليهما السلام) في مرسل جميل (1): «في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم بذلك منه و لم يؤخذ حتى تاب و صلح، قال: إذا صلح و عرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد»

و لو ادعى إذا أخذ التوبة قبل الثبوت قبل من غير يمين للشبهة.

نعم إن تاب بعد قيامها لم يسقط حدا كان أو رجما عند المشهور للأصل و

مرسل أبي بصير(2) عن الصادق (عليه السلام) «في رجل أقيمت عليه البينة بأنه زنى ثم هرب قبل أن يضرب، قال: إن تاب فما عليه شي ء، و إن وقع في يد الإمام أقام عليه الحد، و إن علم مكانه بعث إليه»

بناء على أن المراد من قوله (عليه السلام) إن تاب» إلى آخره أي في ما بينه و بين الله عز و جل، و لكن إذا وقع في يد الإمام أقام عليه الحد كالمرتد الفطري إذا تاب على القول به، مضافا إلى ما تقدم من النصوص (3)

المشتملة على الفرق بين الإقرار و البينة، بل و إلى النصوص (4)

الدالة على رده في الحفيرة مع هربه منها إذا ثبت عليه الحد بالبينة و عدمه إذا ثبت بالإقرار.

خلافا للمحكي عن المفيد و الحلبيين فخيروا الامام بين الإقامة و عدمها لأصالة البراءة المقطوعة بما عرفت، كدعوى عدم ثبوت الحد في الذمة بمجرد قيام البينة ليستصحب، ضرورة دلالة النص و الفتوى على تعلقه بالبدن بقيام البينة و أقصى القائل السقوط بالتوبة، و ظاهر خبر أبي بصير (5)


1- «1» الوسائل- الباب- 16- من أبواب حد الزناء- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 16- من أبواب حد الزناء- الحديث 4.
3- «3» الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3 و 4.
4- «4» الوسائل- الباب- 15- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1 و 4.
5- «5» الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 4.

ج 41، ص: 309

السابق بناء على أن المراد من قوله (عليه السلام): «إن تاب» إلى آخره التوبة عند الهرب أو بعده و أن

قوله (عليه السلام) «و ان وقع»

بمعنى الوقوع قبل التوبة الذي لا جابر له سندا فضلا عن كون المراد به ذلك، و أولوية سقوط عقاب الدنيا عن عقاب الآخرة بالتوبة الممنوعة، و إلا لاقتضت تحتم السقوط لا التخيير الذي يقوله الخصم، فعدم السقوط أحوط و أقوى، و الله العالم.

[النظر الثاني في الحد]
[المقام الأول في أقسامه]
[أما القتل]

النظر الثاني في الحد و فيه مقامان:

الأول في أقسامه و هي قتل أو رجم أو جلد خاصة أو هو و جز و تغريب أو جلد مع رجم أو قتل بناء على الجمع بينهما في المحصن و نحوه كما ستعرف البحث فيه.

أما القتل فيجب على من زنى بذات محرم للنسب كالأم و البنت و شبههما بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص الدالة على ذلك في الجملة، ف

في الحسن كالصحيح المروي في التهذيب و الفقيه (1) عن أحدهما (عليهما السلام) «من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت، و إن كانت تابعته ضربت ضربة


1- «1» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.

ج 41، ص: 310

بالسيف أخذت منها ما أخذت، قيل له: فمن يضربهما و ليس لهما خصم؟

قال: ذلك على الإمام إذا رفعا إليه»

و في الفقيه و في رواية جميل (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يضرب عنقه أو قال: رقبته»

و لعله أشار بذلك إلى

خبره المروي في الكافي و التهذيب(2) قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أين يضرب الذي يأتي ذات محرم بالسيف أين هذه الضربة؟ فقال: يضرب عنقه، أو قال: تضرب رقبته»

و نحوه خبره الثالث (3)

إلا أنهما لا ظهور فيهما بالقتل كالمرسل المزبور.

و في مرسل عبد الله بن مهران (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل وقع على أخته، قال: يضرب ضربة بالسيف، قلت:

فإنه يخلص، قال يحبس أبدا حتى يموت»

و في

خبر عمرو بن السمط (5) عن علي بن الحسين (عليه السلام) «في الرجل يقع على أخته، قال:

يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت، فان عاش خلد في الحبس حتى يموت»

و في مرسل ابن بكير (6)

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يأتي ذات محرم، قال: يضرب ضربة بالسيف، قال ابن بكير: حدثني حريز عن بكير بذلك»

و في

خبر بكير (7)

«قال أبو عبد الله (عليه السلام) من أتى ذات محرم ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت»

و في

خبر أبي بصير (8)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا زنى الرجل بذات محرم حد حد الزاني، إلا أنه أعظم ذنبا»

لكن الأخير منها مناف لما عرفت.

و من هنا جمع الشيخ بينه و بين غيره بتخيير الامام بين الضرب بالسيف


1- «1» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد الزناء الحديث 7.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد الزناء الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد الزناء الحديث 11.
4- «4» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد الزناء الحديث 4 و هو مرسل محمد بن عبد الله بن مهران.
5- «5» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد الزناء الحديث 10 و هو خبر عامر بن السمط.
6- «6» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد الزناء الحديث 5.
7- «7» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد الزناء الحديث 6.
8- «8» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد الزناء الحديث 8.

ج 41، ص: 311

و الرجم قال: «لأنه إذا كان الغرض بالضربة قتله و في ما يجب على الزاني الرجم و هو يأتي على النفس فالإمام مخير بين أن يضربه ضربة بالسيف أو يرجمه» إلا أنه كما ترى، خصوصا بعد قصوره عن معارضة غيره المعتضد بما سمعته من الإجماع و غيره.

نعم في الرياض «ظاهر أكثر النصوص المزبورة الاكتفاء بالضربة الواحدة مطلقا أو في الرقبة، و هي لا تستلزم القتل، كما في صريح بعضها أي المشتمل على التخليد في الحبس مع فرض عدم إتيانها عليه».

قلت: قد يقال- مع أنه كما اعترف به شي ء لم يذكره أحد ممن تقدم أو تأخر بل عباراتهم طافحة بذكر القتل الحاصل بضرب السيف و غيره و بالضربة الواحدة و غيرها، بل قد سمعت معاقد الإجماعات المحكية و في

النبوي (1) المنجبر بما عرفت «من وقع على ذات محرم فاقتلوه»

و قد سمعت ما في مرسل جميل الذي رواه في الفقيه-: إن المنساق من قوله (عليه السلام) في خبر جميل السابق «يضرب عنقه» القتل بل لعله المراد أيضا من الضربة في الحسن الأول و لو بقرينة ما تعرفه من النص و الفتوى على القتل في الزناء بغير ذات المحرم مع الإكراه و إن ورد في بعض نصوصها الضربة أيضا بالسيف، فليس حينئذ إلا ما صرح به في ما سمعت من التخليد في السجن مع فرض الخلاص، و لا ريب في قصوره عن معارضة ما عرفت من وجوه، بل هو شاذ بالنسبة إلى ذلك.

إنما الكلام في إلحاق غير النسبي من ذات المحرم به كأم الزوجة و بنتها، و في كشف اللثام لما كان التهجم على الدماء مشكلا قصر الحكم على ذات محرم نسبا لا سببا أو رضاعا إلا ما سيأتي من امرأة الأب وفاقا للمحقق و بني إدريس و زهرة و حمزة بناء على أنها المتبادر إلى الفهم و لا


1- «1» سنن البيهقي- ج 8 ص 237.

ج 41، ص: 312

نص و لا إجماع على غيرها، و في المبسوط و الخلاف و الجامع إلحاق الرضاع بالنسب دون السبب إلا امرأة الأب.

و في الرياض «و أما غيرهن من المحارم بالمصاهرة كبنت الزوجة و أمها فكغيرهن من الأجانب على ما يظهر من الفتاوى، و النصوص خالية من تخصيص النسبي، بل الحكم فيها معلق على ذات محرم مطلقا، لكن سند أكثرها ضعيف، و الحسن منها قاصر عن الصحة، و الصحيح منها رواية واحدة لا يجسر بمثلها على التهجم على النفوس المحترمة، سيما مع عدم الصراحة في الدلالة لو لم نقل بكونها ضعيفة بناء على عدم انصراف ذات محرم بحكم التبادر إلى السببيات، بل المتبادر منها النسبيات خاصة، و من هنا يظهر ضعف إلحاق المحرم للرضاع بالنسبي مع عدم ظهور قائل به عدا الشيخ في المبسوط و الخلاف و ابن عم الماتن، و هما شاذان، و لذا لم يمل إلى مختارهما أحد من المتأخرين عدا شيخنا في الروضة مع ظنه عدم القائل به، فقد جعله وجها، قال: مأخذه إلحاقه به في كثير من الأحكام للخبر، و ذلك لأن غاية المأخذ على تقدير تسليمه إفادته مظنة ضعيفة لا يجسر بها على التهجم على ما عرفته».

قلت: لا فرق على الظاهر بين الدم و غيره بعد فرض حصول الظن الاجتهادي الذي يجب العمل به، سواء كان ضعيفا أو قويا، و سواء كان ناشئا من خبر واحد أو متعدد، نعم قد يقال: المنساق من ذات المحرم النسبي و إن قال في الصحاح و غيره: «يقال: هو ذو محرم منها إذا لم يحل له نكاحها» لكن مراده من حيث النسب لا مطلق حرمة النكاح، و اشتمال الآية على الحرمة بالسبب و النسب لا ظهور فيه في تحقق صدق ذات المحرم حقيقة على السببية فضلا عن الرضاعية التي نص على تحريمها في الكتاب أيضا، و الإطلاق في بعض الأحيان لبعض القرائن

ج 41، ص: 313

أعم من الحقيقة و من الانسياق، و حينئذ فلا تدخل السببية و لا الرضاعية من هذه الجهة، و أما ما دل (1)

على أن الرضاع لحمة كلحمة النسب و نحوه مما يقتضي ثبوت حكم النسب له إلا ما خرج فيضعفه عدم عمل معظم الأصحاب به في أكثر المقامات كالمواريث و الولايات و غيرها مما يفهم منه إرادة خصوص النكاح في ذلك، و ثبوته في العتق لدليل خاص، و ما تسمعه في زوجة الأب من النص (2)

و فتوى المشهور لا يقتضي ثبوت الحكم في غيرها من المصاهرة، نعم قد يقال باختصاص ذلك بالنسب الشرعي، أما المحرم من الزناء فلا يثبت له فيها الحد المزبور للأصل و غيره، و لم يحضرني الآن نص لأصحابنا فيه، و الله العالم.

و منه أيضا الذمي إذا زنى بمسلمة مطاوعة أو مكرهة سواء كان بشرائط الذمة أو لا، فان حده القتل بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض، مضافا إلى

موثق حنان ابن سدير (3) عن الصادق (عليه السلام) «أنه سئل عن يهودي فجر بمسلمة، فقال: يقتل»

بل الظاهر عدم سقوط ذلك عنه لو أسلم بعد الفعل وفاقا للمحكي عن المقنعة و النهاية و السرائر و التحرير.

بل في الرياض لا أجد فيه خلافا، للأصل و إطلاق الموثق السابق

و خبر جعفر (4)

«أنه قدم إلى المتوكل نصراني فجر بمسلمة فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه و فعله، و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، و قال بعضهم: يفعل به كذا و كذا فأمر المتوكل أن يكتب إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) و سؤاله عن


1- «1» راجع التعليقة في ص 310 من ج 29.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد الزناء- الحديث 9.
3- «3» الوسائل- الباب- 36- من أبواب حد الزناء الحديث 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 36- من أبواب حد الزناء الحديث 2.

ج 41، ص: 314

ذلك، فلما قدم الكتاب كتب (عليه السلام) يضرب حتى يموت، فأنكر يحيى بن أكثم و أنكر فقهاء الإسلام ذلك، و قالوا: يا أمير المؤمنين أسأل عن هذا فإنه شي ء لم ينطق به كتاب و لم تجي ء به سنة، فكتب إليه أن فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا، و قالوا لم تجي ء به سنة و لم ينطق به كتاب فبين لنا لم أوجبت عليه الضرب حتى يموت، فكتب بسم الله الرحمن الرحيم فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ، قال: فأمر به المتوكل فضرب حتى مات».

بل عن المفيد أنه إن كان أسلم في ما بينه و بين الله عز و جل فسيعوضه الله على قتله بأكثر مما ناله من الألم به و يدخل الجنة، و إن كان إنما أراد دفع الحد عنه بإظهار خلاف ما يبطن به من الكفر لم ينفعه ذلك و أقيم حد الله عليه و رغم أنفه و بطلت حيلته في دفع العذاب عنه قلت: قد يقال: إن ظاهر الخبر المزبور عدم سقوط القتل عنه بالإسلام عند إرادة إقامة الحد عليه كما هو مقتضى الاستدلال بالآية الكريمة بل لعله ظاهر في خصوص إرادة التخلص، و إطلاق الموثق السابق ظاهر أو منزل على غير الفرض.

أما إذا لم يكن كذلك بأن أسلم بعد أن كان ممتنعا عن ذلك على وجه يظهر كونه حقيقة فقد يقال بسقوط الحد عنه كما احتمله في كشف اللثام لأن الإسلام يجب ما قبله، و الاحتياط في الدماء، و في كشف اللثام «و حينئذ يسقط عنه الحد رأسا و لا ينتقل إلى الجلد للأصل» لكن في الرياض «هو ضعيف في الغاية لكونه اجتهادا في مقابلة الرواية المعتبرة بفتوى هؤلاء الجماعة المؤيدة باستصحاب الحالة السابقة، و أضعف منه قوله: «في ما بعد، و حينئذ يسقط عنه الحد» إلى آخره لفحوى ما دل على عدم سقوط الحد مطلقا عن المسلم

ج 41، ص: 315

بتوبته إذا ثبت عليه بالبينة، و غاية الإسلام أن يكون توبة» و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا من الخبر المزبور المشهور بين العامة و الخاصة، بل لا حاصل لقوله: «و أضعف منه» إلى آخره ضرورة أنه المتجه مع فرض سقوط الحد عنه للأصل و غيره، و القياس على التوبة ليس من مذهبنا مع ظهور الفرق بينهما على أنه لا يقتضي ثبوت الجلد، كما هو واضح.

و على كل حال فقد يتوهم من اختصاص الخبرين بالذمي كبعض الفتاوى قصر الحكم عليه دون غيره من أقسام الكفار، إلا أن ظاهر الرياض المفروغية من المساواة، بل جعله معقد ما حكاه من الإجماع و غيره، و لعله لكون الكفر ملة واحدة و أولوية غير الذمي منه بالحكم المزبور، و الله العالم.

و كذا يقتل من زنى بامرأة مكرها لها بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص المعتبرة، ففي

صحيح العجلي (1)

«سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل اغتصب امرأة فرجها، قال: يقتل محصنا كان أو غير محصن»

و في

صحيح زرارة (2) عن أحدهما (عليهما السلام) «في رجل غصب امرأة نفسها، قال: يقتل»

و في

خبره الآخر (3)

«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الرجل يغصب المرأة نفسها، قال: يقتل»

لكن في

خبره الثالث (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضا «في رجل غصب امرأة نفسها، قال: يضرب ضربة بالسيف بالغة منه ما بلغت»

و في خبر أبي بصير (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها أو عاش»

و ظاهرهما كون


1- «1» الوسائل- الباب- 17- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 17- من أبواب حد الزناء- الحديث 4.
3- «3» الوسائل- الباب- 17- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 17- من أبواب حد الزناء- الحديث 3.
5- «5» الوسائل- الباب- 17- من أبواب حد الزناء- الحديث 6.

ج 41، ص: 316

الحد الضربة المزبورة لا القتل، إلا أني لم أجد عاملا بهما فوجب طرحهما في مقابل ما عرفت أو حملهما على ما لا ينافي ذلك.

و على كل حال ف لا يعتبر في هذه المواضع الإحصان، بل يقتل على كل حال شيخا كان أو شابا و يتساوى فيه الحر و العبد و المسلم و الكافر بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك كما اعترف به بعض الأجلة، بل قد سمعت التصريح بالأول في نصوص المكرهة و لا قائل بالفرق، على أنه لو سلم التعارض بين إطلاق الأدلة هنا و بين غيرها من وجه فلا ريب في أن الترجيح لما هنا و لو لفتوى الأصحاب.

و كذا قيل في الزناء بامرأة أبيه و القائل الشيخ و الحلبي و بنو زهرة و إدريس و حمزة و البراج و سعيد على ما حكي عنهم، بل نسبه بعض إلى كثير و آخر إلى الشهرة، بل عن الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

خبر السكوني (1) المنجبر بما عرفت عن الباقر (عليه السلام) «إنه رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه و كان غير محصن»

بل عن ابن حمزة إلحاق جاريته التي وطئتها، بل في كشف اللثام يمكن شمول امرأته لها و إن كان هو كما ترى، بل عن ابن إدريس زيادة امرأة الابن، و لعله لإدراجه إياها في المحارم كما سمعته سابقا، لكن قد عرفت ما فيه، و لعله لذا نسبه في الرياض و ما سمعته من ابن حمزة إلى الشذوذ و عدم وضوح المستند، و هو في محله.

هذا و قد صرح غير واحد هنا أيضا بعدم الفرق بين المحصن و غيره و العبد و الحر و الكافر و المسلم نحو ما سمعته في المواضع الثلاثة، و الأول موجود في النص المزبور، و أما غيره فان تم إجماع عليه فذاك و إلا فلا يخلو من إشكال، إذ لم نظفر فيه هنا بنص مطلق بالخصوص.


1- «1» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد الزناء- الحديث 9.

ج 41، ص: 317

و كيف كان ف هل يقتصر على قتله بالسيف في المواضع المزبورة؟ قيل و القائل المشهور نعم و قيل و القائل ابن إدريس بل يجلد ثم يقتل إن لم يكن محصنا، و يجلد ثم يرجم إن كان محصنا عملا بمقتضى الدليلين قال: «فيحصل الامتثال في الحدين معا، و لا يسقط واحد منهما، و يحصل المعنى الذي هو القتل لأجل عموم أقوال أصحابنا و أخبارهم إن الرجم يأتي على القتل و يحصل الأمر بالرجم و إن كان غير محصن، فيجب عليه الحد، لأنه زان ثم القتل بغير الرجم، قال: و ليس في إطلاق أصحابنا يجب عليه القتل على كل حال دليل على رفع حد الزناء عنه» إلى آخره.

و لا ريب في أن الأول أظهر من النصوص التي سمعتها، بل الثاني منهما كالاجتهاد في مقابلة النص، و إن قال في كشف اللثام: «يؤيده

قول الصادق (عليه السلام) في ما مر من خبر أبي بصير (1): «إذا زنى الرجل بذات محرم حد حد الزاني إلا أنه أعظم ذنبا»

و لعله لأنه ساواه مع الزاني أولا ثم زاده عظما، و معلوم أن الرجم لا يجب على كل زان، فلو رجمناه خاصة كما مر عن الشيخ لم يكن قد سويناه ببعض الزناة بخلاف ما إذا جلدناه أولا إذا لم يكن محصنا ثم قتلناه بالسيف، فان الجلد وجب عليه بقوله (عليه السلام): «حد حد الزاني» و القتل بقوله (عليه السلام): «أعظم ذنبا» و أيضا فإنه قد يكون محصنا و هو شيخ، و أعظم ما يتوجه إليه على قول الشيخ الرجم فيكون أحسن حالا منه إذا زنى بالأجنبية المطاوعة، لأنه يجمع عليه بينهما إجماعا، فلا تتحقق الأعظمية».

إلا أن ذلك كله كما ترى، بل لا يخفى عليك ما في دعوى عدم


1- «1» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد الزناء- الحديث 8.

ج 41، ص: 318

التنافي بين الأدلة بعد ما سمعت من اشتمالها على القتل و الضرب بالسيف و نحوه في مقام الحاجة الموجب للدلالة على عدم حد آخر و إلا لزم تأخير البيان عنها و هو غير جائز قطعا، و من هنا كان خيرة المشهور القتل، بل صرح بعضهم بشذوذ قول الحلي مشعرا بدعوى الإجماع على خلافه و هو في محله نعم قد سمعت ما في خبر جعفر (1) في النصراني الذي أسلم أنه يضرب حتى يموت، و ما في الخبر الوارد في زوجة الأب من الرجم (2) فينبغي الاقتصار عليهما فيهما، و الله العالم.

[أما الرجم]

و أما الرجم فيجب على المحصن و المحصنة إذا زنى أو زنت ببالغة عاقلة أو بالغ عاقل بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه «بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص (3)

ف الحكم حينئذ مفروغ منه، نعم إن كان شيخا أو شيخة جلد ثم رجم بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه أيضا، بل الإجماع بقسميه عليه أيضا، و إطلاق العماني الرجم على المحصن من دون ذكر للجلد كجملة من النصوص غير معلوم الخلاف، و إلا كان محجوجا بما سمعت و بما تسمعه من النصوص التي لا ينافيها الإطلاق المزبور الموافق للمحكي عن جميع العامة، ضرورة اقتضاء الأمر بهما العمل بهما معا كما أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) في ما تسمعه من الخبر (4)

إن شاء الله.

و إن كان أو كانت شابا أو شابة ففيه روايتان:

إحداهما يرجم لا غير و هي

رواية عبد الله بن طلحة (5)

«إذا زنى


1- «1» الوسائل- الباب- 36- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد الزناء- الحديث 9.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء.
4- «4» سنن البيهقي- ج 8 ص 220.
5- «5» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء- الحديث 11.

ج 41، ص: 319

الشيخ و العجوز جلدا ثم رجما عقوبة لهما، و إذا زنى النصف من الرجال رجم و لم يجلد إذا كان قد أحصن، و إذا زنى الشاب الحدث السن جلد و نفي سنة من مصره»

و نحوها رواية عبد الله بن سنان (1)

مضافا إلى إطلاق

خبر أبي بصير (2) المنزل على ذلك «الرجم حد الله الأكبر، و الجلد حد الله الأصغر، فإذا زنى الرجل المحصن رجم و لم يجلد»

بل في

خبر أبي العباس (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «رجم رسول الله (صلى الله عليه و آله) و لم يجلد و ذكروا أن عليا (عليه السلام) رجم بالكوفة و جلد فأنكر ذلك أبو عبد الله (عليه السلام) و قال:

ما نعرف هذا أي لم يحد رجلا حدين: رجم و ضرب في ذنب واحد».

و الرواية الأخرى يجمع له بين الحدين و هي

صحيحة محمد بن مسلم (4)

«في المحصن و المحصنة جلد مائة ثم الرجم»

و نحوه في صحيح زرارة (5)

و في

خبر آخر (6) له أيضا «المحصن يجلد مائة و يرجم و من لم يحصن يجلد مائة و ينفى»

و في آخر له أيضا (7)

قضى (عليه السلام) ف امرأة زنت فحملت فقتلت ولدها سرا فأمر بها فجلدها مائة جلدة ثم رجمت، و كان أول من رجمها»

و صحيح الفضيل (8) عن الصادق (عليه السلام) «من أقر على نفسه عند الامام بحق حد من حدود الله مرة واحدة، حرا كان أو عبدا حرة كانت أو أمة، فعلى الامام أن يقيم الحد على الذي أقر به على نفسه كائنا من كان إلا الزاني المحصن، فإنه لا يرجمه حتى


1- «1» أشار إليه في الوسائل- في الباب- 1- من أبواب حد الزناء- الحديث 11 و ذكره في الفقيه ج 4 ص 27 و التهذيب ج 10 ص 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء الحديث- 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء الحديث- 5.
4- «4» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء الحديث- 8.
5- «5» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء الحديث- 14.
6- «6» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء الحديث- 7.
7- «7» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء الحديث- 13.
8- «8» الوسائل- الباب- 32- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.

ج 41، ص: 320

يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحد مائة جلدة ثم يرجمه»

و في المرسل (1) عن علي (عليه السلام) «أنه جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة، و قال: حددتها بكتاب الله و رجمتها بسنة رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

و تعليله عام إن لم تكن شراحة شابة و إلا كان نصا.

و على كل حال فيه إيماء إلى أن ذلك مقتضى عموم كل من الجلد و الرجم بعد قصور الخبرين المزبورين سندا عن التخصيص، بل في المسالك لا تدل على حكم الشاب إذا كان محصنا بل و عملا، فإنه لم يحك إلا عن الشيخ في كتابي الحديث و بني زهرة و حمزة و سعيد، على أن الأول منهم مع كون ذلك منه في كتابي الأخبار اللذين لم يعدا للفتوى قد رجع عنه في المحكي عن تبيانه.

و من هنا قال المصنف و هو أي الثاني أشبه بأصول المذهب و قواعده، وفاقا للمحكي عن الشيخين و المرتضى و ابن إدريس و عامة المتأخرين، بل ادعى عليه الشهرة غير واحد، بل عن الانتصار أنه من منفردات الإمامية، و يقرب منه ما عن الخلاف أيضا، و الله العالم.

و لو زنى البالغ العاقل المحصن بغير البالغة تسع سنين.

أو بالمجنونة فعليه الجلد لا الرجم عند الشيخ في المحكي من نهايته و يحيى بن سعيد في المحكي عن جامعه، بل في الروضة دعوى الشهرة على عدم الرجم في الثاني و إن كنا لم نتحققها للأصل و نقص حرمتهما بالنسبة إلى الكاملة، و لذا لا يحد قاذفهما، و لنقص اللذة في الصغيرة و فحوى نفي الرجم عن المحصنة إذا زنى بها صبي كما تسمع.

إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة صدق زنى المحصن بذلك خصوصا


1- «1» سنن البيهقي ج 8 ص 220.

ج 41، ص: 321

في المجنونة، مضافا إلى إطلاق ما ورد (1)

من ثبوت الحد على البالغ منهما، و المنساق منه الحد الكامل بحسب حاله من الإحصان و غيره، ففي

موثق ابن بكير (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة أو فجر بامرأة ما يصنع بهما؟ قال: يضرب الغلام دون الحد و يقام على المرأة الحد، قلت: جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها، قال: تضرب الجارية دون الحد، و يقام على الرجل الحد»

و نحوه غيره (3)

و نقص حرمتهما لا مدخلية له في صدق زناء المحصن، و منع نقص اللذة في الصغيرة كمنع الفحوى المزبورة. و من هنا أوجبه الحلبي و ابنا زهرة و إدريس في ما حكي عنهم.

نعم ما ذكره المصنف بقوله و كذا المرأة لو زنى بها طفل أي لا رجم عليها و إن كانت محصنة لا يخلو من قوة وفاقا لجماعة ل

صحيح أبي بصير (4) عن الصادق (عليه السلام) «في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة، قال: يجلد الغلام دون الحد و تجلد المرأة الحد كاملا، قيل له: فان كانت محصنة، قال: لا ترجم، لأن الذي نكحها ليس بمدرك، فلو كان مدركا رجمت»

مؤيدا بنقص اللذة فيه و ضعف انهتاك الحرمة عنده لصغره، و لا ينافيه إطلاق الحد في الموثق السابق (5)

بعد التصريح هنا بإرادة غير الرجم منه.

و دعوى أنه متى ثبت ذلك فيها ثبت في الرجل إذا زنى بغير البالغة- لعدم القائل بالفرق بين المورد و غيره، إذ كل من قال بعدم الرجم فيها قال به أيضا في زناء المحصن بالصغيرة و المجنونة، و كل من قال بثبوته عليها قال بثبوته عليه في زناه بهما- لا محصل لها على وجه ترجع


1- «1» الوسائل- الباب- 9- من أبواب حد الزناء.
2- «2» الوسائل- الباب- 9- من أبواب حد الزناء- الحديث- 2 و هو موثق ابن بكير عن أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام.
3- «3» الوسائل- الباب- 9- من أبواب حد الزناء.
4- «4» الوسائل- الباب- 9- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
5- «5» الوسائل- الباب- 9- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.

ج 41، ص: 322

إلى مدرك معتد به، فان ثبوت الإجماع بذلك كما ترى.

و أضعف من ذلك الاستناد إلى ما في السرائر من أنه حكى فيها نفي الرجم عنه إذا زنى بمجنونة رواية، بدعوى أنها مجبورة بالشهرة الظاهرة و المحكية، بل في الرياض «و لو لا شبهة احتمال ضعف الدلالة لكانت هي للجماعة حجة مستقلة- ثم قال-: و لعله لا يخلو من قوة، لقوة ما مر من الحجة المعتضدة زيادة على الشهرة بما ذكروه من علل اعتبارية، و لو تنزلنا عن قوتها فلا ريب في إيراثها الشبهة الدارئة للحدود اتفاقا فتوى و رواية» إذ هو من غرائب الكلام، ضرورة عدم تحقق الشهرة، و عدم كون ذلك من الشبهة الدارئة بعد فرض ظهور الأدلة المعتبرة في ثبوته، فان عليه المدار، لا هذه التقريبات و إلا فلا إشكال عندهم في أنه لو زنى بها أي العاقلة المجنون فعليها الحد تاما الذي منه الرجم، لإطلاق الأدلة، بل و لا خلاف إلا ما يحكى عن يحيى بن سعيد من المساواة بين الصبي و المجنون في عدم الرجم بالزناء بها، و هو مع شذوذه غير واضح الوجه، كما اعترف به بعضهم، مع أنك قد سمعت كلامهم في زناء المحصن بالمجنونة، و الغرض أن المتبع الدليل لا نحو هذه التقريبات التي لا ترجع إلى دليل معتبر عند الإمامية، و الله العالم.

و على كل حال ف في ثبوته أي الحد التام في طرف المجنون تردد و خلاف، فعن الشيخين و جماعة وجوبه حتى الرجم إذا كان محصنا، ل

خبر أبان بن تغلب (1) عن الصادق (عليه السلام) «إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحد و إن كان محصنا رجم، قلت:

فما الفرق بين المجنون و المجنونة و المعتوه و المعتوهة؟ فقال: المرأة إنما


1- «1» الوسائل- الباب- 21- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.

ج 41، ص: 323

تؤتى و الرجل يأتي، و إنما يأتي إذا عقل كيف تأتي اللذة، و إنما المرأة تستكره و يفعل بها و هي لا تعقل ما يفعل بها».

و المشهور عدم الحد عليه حتى الجلد للأصل، بل المروي في طرق العامة و الخاصة عموما و خصوصا أنه لا يثبت الحد على المجنون و أن القلم ساقط عنه كما قدمناه الكلام فيه مفصلا و الخبر المزبور مع ضعفه قد حمله غير واحد على من يعتوره الجنون أدوارا و قد زنى حال عقله، بل قيل: إن التعليل فيه يرشد إلى ذلك، و حينئذ فالأصح عدم الحد عليه، و الله العالم.

[أما الجلد و التغريب]

و أما الجلد و التغريب فيجبان على الذكر غير المحصن و كذا الجز ف يجلد حينئذ مائة و يجز رأسه و يغرب عن مصره عاما مملكا أو غير مملك وفاقا لظاهر المحكي عن العماني و الإسكافي و الحلبي و صريح المحكي عن المبسوط و الخلاف و السرائر، بل في المسالك نسبته إلى أكثر المتأخرين، بل عن غيرها إلى الشهرة، بل عن ظاهر السرائر و صريح الخلاف الإجماع عليه، بل قال

روي (1) عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه و آله) جلد و غرب و أن أبا بكر جلد و غرب

و روي عن علي (عليه السلام) و عثمان أنهما فعلا ذلك (2)

و لا مخالف لهم، قال:

و ما

روي (3) عن عمر أنه قال: و الله لا غربت بعدها أبدا»

و روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: «التغريب فتنة» (4)

فالوجه أن عمر نفي شارب خمر فلحق بالروم فلهذا حلف، و قول علي (عليه السلام)


1- «1» سنن البيهقي ج 8 ص 223.
2- «2» سنن البيهقي ج 8 ص 223.
3- «3» كنز العمال ج 5 ص 268- الرقم 1885.
4- «4» كنز العمال ج 5 ص 268- الرقم 1887.

ج 41، ص: 324

أراد أن نفي عمر فتنة بعد النبي (صلى الله عليه و آله).

و قيل و القائل الشيخ في صريح النهاية و ابنا زهرة و سعيد و الكيدري في ما حكي عنهم يخص التغريب بمن أملك و لم يدخل بل قيل: هو ظاهر الصدوق و المفيد و سلار و ابن حمزة و في تحرير الفاضل دعوى الشهرة عليه و اختاره فيه، و في المختلف و ولده في الإيضاح و أبو العباس في المقتصر بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه و هو مبني على أن البكر الذي هو عنوان هذا الحكم في معقد إجماع المسالك و في غيره كما ستسمع ما هو.

و الأشبه الأشهر بل المشهور بل سمعت الإجماع على ما يقتضيه أنه عبارة عن غير المحصن و إن لم يكن مملكا للعرف و لتثنية القسمة في

النبوي (1)

«البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام، و الثيب بالثيب جلد مائة ثم الرجم»

و لإطلاق

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن طلحة (2): «إذا زنى الشاب الحدث السن جلد و نفي سنة من مصره»

فإنه عام خرج المحصن منه بالنص و الإجماع فيبقى غيره، و لما في

خبر السكوني (3) من «أن محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يسأله عن الرجل يزني بالمرأة اليهودية و النصرانية فكتب إليه إن كان محصنا فارجمه، و إن كان بكرا فاجلده مائة ثم انفه، و أما اليهودية فابعث بها إلى أهل ملتها فيقضوا ما أحبوا و لم يذكر لهما ثالثا»

و خبر سماعة (4)

«قال أبو عبد الله (عليه السلام)


1- «1» سنن البيهقي- ج 8 ص 222.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء- الحديث 11.
3- «3» الوسائل- الباب- 8- من أبواب حد الزناء- الحديث 5.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد الزناء- الحديث 3.

ج 41، ص: 325

إذا زنى الرجل فجلد ينبغي للإمام أن ينفيه من الأرض التي جلد فيها إلى غيرها و إنما على الامام أن يخرجه من المصر الذي جلد فيه»

و لكن رواه في الفقيه «ليس ينبغي» بل قيل هو الأظهر إلا أن الانصاف عدم خلوه من الإبهام و الاجمال على التقديرين، نعم في

خبر أبي بصير (1)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الزاني إذا زنى ينفى، قال: نعم من الأرض التي جلد فيها إلى غيرها»

و خبر مثنى الحناط (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن الزاني إذا جلد الحد، قال: ينفى من الأرض إلى بلدة يكون فيها سنة».

و لكن قد يعارض ذلك ب

حسن محمد بن قيس (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) «ان أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مائة و نفي سنة في غير مصرهما، و هما اللذان قد أملكا و لم يدخل بهما»

بناء على ما هو الظاهر من كون التفسير من الامام مراد به أن ذلك حكمهما خاصة، و

قول الباقر (عليه السلام) في المرسل عن زرارة (4) على ما عن الكافي و خبره على ما عن التهذيب «المحصن يرجم و الذي أملك و لم يدخل بها فجلد مائة و نفي سنة»

و في خبره الآخر (5) على ما في الكافي «الذي لم يحصن يجلد مائة و لا ينفى، و الذي قد أملك و لم يدخل بها يجلد مائة و ينفى سنة»

لكن في الوافي و في التهذيب رواية «و ينفى» في الموضعين بدون «لا» «و التي قد أملكت» على المؤنث، و في الاستبصار مثل ما في الكافي، بل المتجه مع فرض المكافئة للتساوي في الشهرة المحكية و الإجماع المحكي الجمع بالتقييد للنصوص السابقة أو التخصيص.


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد الزناء- الحديث 4.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء- الحديث 6.
5- «5» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء- الحديث 7.

ج 41، ص: 326

نعم قد يناقش بعدم علم كون التفسير من الامام (عليه السلام) في الأول و اشتماله على تغريب الامرأة الذي لا يقول به الخصم، و بعدم الجابر لعدم تحقق الشهرة المحكية، خصوصا بعد رجوع الشيخ عن ذلك في محكي المبسوط و الخلاف، بل ادعي في الثاني الإجماع كظاهر السرائر و هو موهن آخر لها، مضافا إلى ما سمعته من المسالك و غيرها، و لعله لذلك قال في الرياض بعد أن حكى عن ظاهر الفاضل و المقداد و الصيمري التردد، قال: و به تحصل الشبهة الدارئة، و بموجبه يتقوى القول بذلك و هو في محله، نعم ليس في النصوص السابقة لجز الذي صرح به الشيخان و سلار و ابنا حمزة و سعيد و الفاضلان، بل لم يحك فيه خلاف و إن حكي عن الصدوق و العماني و الإسكافي و الشيخ في الخلاف و المبسوط و ابن زهرة عدم التعرض له.

لكن في

خبر علي بن جعفر (1)

«سأل أخاه عن رجل تزوج امرأة و لم يدخل بها فزنى ما عليه، قال: يجلد الحد و يحلق رأسه و يفرق بينه و بين أهله و ينفى سنة»

و في

خبر حنان بن سدير (2) عن الصادق (عليه السلام) في من تزوج ففجر قبل أن يدخل بأهله، فقال:

«يضرب مائة و يجز شعره و ينفى من المصر حولا و يفرق بينه و بين أهله»

و هما- بعد الانجبار بما عرفت- الحجة على ذلك، و جز الشعر في الثاني محمول على ما في الأول من حلق الرأس لا ما يشمل جز اللحية و نحوها بل لعله المتبادر منه، و لذا منع الأصحاب من غيره، بل عن ظاهر المقنعة و المراسم و الوسيلة تخصيصه بشعر الناصية، و لعله لأصالة البراءة من الزائد و زيادة اختصاصها بالشناعة، لكن ينافيه ظاهر الخبرين المزبورين اللذين هما الأصل في الحكم» نعم لم أجد في غيرهما الجز، و موردهما في


1- «1» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد الزناء- الحديث 8.
2- «2» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد الزناء- الحديث 7.

ج 41، ص: 327

من أملك و لم يدخل، أما غير المملك فلا دليل على جزه، اللهم إلا أن يكون إجماعا، و في المسالك الاتفاق على وجوب الثلاثة على البكر.

ثم إن الظاهر التغريب عن مصره الذي هو وطنه لكن عن المبسوط المصر الذي زنى فيه، و لعله الظاهر من خبر مثنى الحناط (1)

السابق، و ربما احتمل بعد أن يأتي الإمام فيكون النفي من أرض الجلد إلى مصر آخر كما مر في خبري حنان (2)

و محمد بن قيس (3)

و يؤيده

قول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي (4): «النفي من بلدة إلى بلدة، و قال: نفى علي (عليه السلام) رجلين من الكوفة إلى البصرة»

و قد سمعت خبر سماعة (5)

الصريح في النفي من المصر الذي جلد فيه، بل و كذا خبر أبي بصير (6).

و الظاهر أن القرية كالمصر فينفى منها، و عن المبسوط التصريح به أما لو زنى في فلاة ففي كشف اللثام «لم يكن عليه نفي إلا أن يكون من منازل أهل البدو فيكون كالمصر».

قلت: قد يقال: إن الظاهر كون المصلحة في التغريب الإهانة و العقوبة فلا يختلف الحال، و ربما احتمل كونها التبعيد من المزني بها و مكان الفتنة و هو بعيد، فيكفي فيه حينئذ التغريب من بلد الجلد بناء على القول به إلى بلد الزناء.

و لو كان الإمام في سفر معه جماعة فجلد رجلا منهم لزنائه و هو بكر احتمل وجوب نفيه من القافلة، و فيه أنه خلاف ظاهر النصوص المزبورة.


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد الزناء- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد الزناء- الحديث 8.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
5- «5» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد الزناء- الحديث 3.
6- «6» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.

ج 41، ص: 328

بقي الكلام في شي ء: و هو إمكان القول بعدم بناء المسألة على تفسير البكر كما ذكره المصنف و غيره، بل في المسالك دعوى الاتفاق على الثلاثة في البكر، بل بناؤها على ما سمعته من النصوص، و لذا لم يذكر المفيد و سلار و ابن حمزة البكر، و إنما ذكروا من أملك و لم يدخل بل قد يدعى معلومية مقابلة البكر للثيب، إلا أن النصوص المزبورة صرحت بالتفصيل، كما أن غيرها جعل فيه المدار على غير المحصن.

بل ينقدح لك مما ذكرنا أنه لا وجه لدعوى نقل الإجماع و نحوها على التفسير المزبور مع فرض أن حاكيه حكاه مثلا على حكم غير المحصن سواء قلنا بأنه البكر أو لا، و كذلك العكس، و الغرض عدم انحصار دليل المسألة في فرض كون العنوان البكر، بل يمكن إثبات حكمها بدون ذلك، لما عرفت من ذكر الحكم في النصوص لمن أملك و لم يتزوج سواء قلنا بكونه بكرا أو لا فتأمل جهدا.

ثم إنه لا يخفى عليك ما في عبارة المتن أيضا من إيجاب الجلد و التغريب أولا ثم إضافة الجز في التفصيل و الأمر سهل.

هذا كله في الرجل و أما المرأة فعليها الجلد مائة و لا تغريب عليها و لا جز بلا خلاف معتد به أجده، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه في الظاهر في الثاني، و عن الخلاف و الغنية و ظاهر المبسوط الإجماع عليه في الأول، بل في الأول منهما نسبته إلى الأخبار أيضا، بل زاد في الاستدلال عليه بقوله تعالى (1)«فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ» و لو كانت المرأة الحرة يجب عليها التغريب لكان على الأمة نصف ذلك، و قد أجمعنا على أنه لا تغريب عليها، كما أنه زاد غيره الاستدلال بأنها لو غربت فاما مع محرم أو زوج وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أو لا يجوز


1- «1» سورة النساء: 4- الآية 25.

ج 41، ص: 329

ل

قوله (صلى الله عليه و آله) (1): «لا يحل لامرأة أن تسافر من غير ذي محرم»

و إن كان الأخير كما ترى.

بل و كذا ما قيل من أن الشهوة غالبة فيهن و الغالب أن انزجارهن عن الزناء لاستحيائهن من الأقارب و المعارف و وجود الحفاظ لهن من الرجال و بالتغريب تخرج من أيدي الحفاظ لهن من الرجال و يقل حياؤهن، لبعدهن من أقاربهن و معارفهن، و ربما اشتد فقرهن فيصبر مجموع ذلك سببا لانفتاح هذه الفاحشة العظيمة عليهن، و ربما يقهرن عليه إذا بعدن من الأقارب و المعارف، إذ الجميع كما ترى لا يصلح دليلا شرعيا، و من هنا توقف فيه في المسالك، و قال: «إن تم الإجماع و إلا كان مقتضى النص ثبوته عليها كما هو خيرة ابني أبي عقيل و الجنيد» و لكن فيه أن النص المزبور مع أنه غير صريح معارض بالإجماع المزبور المعتضد بالشهرة العظيمة و بالأصل و غيره، فلا ريب في أن الأصح عدم التغريب فيها، و الله العالم.

و المملوك يجلد خمسين، محصنا كان أو غير محصن ذكرا كان أو أنثى شيخا أو شابا بكرا أو غير بكر بلا خلاف أجده فيه، بل الظاهر الإجماع عليه للآية (2) و

قول الباقر (عليه السلام) في حسن محمد بن قيس (3): «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في العبيد و الإماء إذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة إن كان مسلما أو كافرا نصرانيا، و لا يرجم و لا ينفى»

و قال (عليه السلام) في خبر بريد العجلي (4)

«في الأمة تزني أنها تجلد نصف الحد كان لها زوج أم لم يكن لها زوج»

و قال الصادق (عليه السلام) في خبر الحسن بن السري (5): «إذا زنى


1- «1» كنز العمال ج 5 ص 179 ط عام 1374.
2- «2» سورة النساء: 4- الآية 25.
3- «3» الوسائل- الباب- 31- من أبواب حد الزناء- الحديث 5.
4- «4» الوسائل- الباب- 31- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.
5- «5» الوسائل- الباب- 31- من أبواب حد الزناء- الحديث 3.

ج 41، ص: 330

العبد و الأمة و هما محصنان فليس عليهما الرجم، إنما عليهما الضرب خمسين، نصف الحد»

و قد ورد (1)

«أن الله تعالى شأنه أبى أن يجمع عليه الرق و حد الحر»

إلى غير ذلك.

و لا خلاف بيننا أيضا في أنه لا جز على أحدهما و لا تغريب و إن أملك، نعم عن الشافعي في أحد قوليه التغريب سنة أو نصفها قولان له أيضا، و لا ريب في بطلانه.

و يحد المبعض حد الأحرار بنسبة ما عتق، و حد المماليك بنسبة الرقية فيحد من انعتق نصفه خمسة و سبعين،

قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر محمد بن قيس (2)

«قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتبة زنت و قد أعتق منها ثلاثة أرباع و بقي ربع فجلدت ثلاثة أرباع الحد حساب الحرة على مائة، فذلك خمسة و سبعون جلدة و ربعها على حساب الخمسين من الأمة اثنا عشر سوطا و نصف فذلك سبعة و ثمانون جلدة و نصف»

و في حسني الحلبي (3)

و

ابن مسلم (4) عن الصادقين (عليهما السلام) «جلد المكاتب على قدر ما أعتق منه»

بمعنى ضربه من الجلد الكامل، لكن في

خبر سليمان بن خالد (5) عن الصادق (عليه السلام) «في عبد رجلين أعتق أحدهما نصيبه ثم إن العبد أتى حدا من حدود الله تعالى قال: إن كان العبد حيث أعتق نصفه قوم ليغرم الذي أعتق نصف قيمته يضرب نصف حد الحر و نصف حد العبد، و إن لم يكن قوم فهو عبد يضرب حد العبد»

و لعل المراد أنه إن أعتق عتقا صحيحا لم يقصد به إضرار بالشريك حتى يلزم التقويم و تغريم قيمة النصف فنصفه حر قبل


1- «1» الوسائل- الباب- 32- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 33- من أبواب حد الزناء- الحديث- 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 33- من أبواب حد الزناء- الحديث- 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 33- من أبواب حد الزناء- الحديث- 2.
5- «5» الوسائل- الباب- 33- من أبواب حد الزناء- الحديث- 6.

ج 41، ص: 331

أداء القيمة و إلا بطل العتق. و على كل حال فهو دال على المطلوب.

و لو تكرر من الحر غير المحصن و لو امرأة الزناء فأقيم عليه الحد مرتين قتل في الثالثة عند الصدوقين و الحلي في ما حكي عنهم ل

صحيح يونس (1)عن الكاظم (عليه السلام) «إن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة»

بل عن السرائر الإجماع عليه أيضا.

و قيل و القائل المشهور: يقتل في الرابعة بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه هنا، ل

موثق أبي بصير (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الزاني إذا زنى يجلد ثلاثا و يقتل في الرابعة»

و خبر محمد بن سنان (3) المروي عن العيون و العلل المنجبر بما عرفت «في ما كتب له و علة القتل بعد إقامة الحد في الثالثة على الزاني و الزانية لاستحقاقهما»

إلى آخره، و ما تسمعه مما ورد في قتل المملوك في الثامنة على الضعف من الحر.

و على كل حال ف هو أولى لما فيه من الاحتياط في أمر الدماء، على أن المعارض من الصحيح و معقد الإجماع يجب تخصيصه بما سمعت من الخبر و معقد الإجماع الخاص، و أما ما يحكي عن الخلاف من القتل في الخامسة فلم نعرف له دليلا يصلح معارضا لما عرفت، كالمحكي عن نهايته من تخصيص الحكم المزبور بغير المملك و إن كان ما حضرني من كلامه غير صريح في ذلك، فإنه بعد أن ذكر القسم الرابع الذي يجب فيه الجلد و النفي و القسم الخامس الذي يجب فيه الجلد خاصة قال: «و من هذه صورته إذا زنى فجلد ثم زنى ثانية فجلد ثم زنى ثالثة فجلد ثم زنى رابعة كان عليه القتل» و يمكن أن لا يريد التخصيص بالخامس خصوصا


1- «1» الوسائل- الباب- 20- من أبواب حد الزناء- الحديث- 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 20- من أبواب حد الزناء- الحديث- 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 20- من أبواب حد الزناء- الحديث- 4.

ج 41، ص: 332

بعد أن لم يذكر حكم القتل في الرابع و بعد أن لا دليل يخصه. و على كل حال فلا خلاف أجده في اشتراط القتل المزبور بإقامة الحد عليه على الوجه المذكور و إلا فلا يقتل، بل في المسالك الإجماع عليه للأصل و غيره.

و أما المملوك و لو أنثى فإذا أقيم عليه الحد سبعا قتل في الثامنة وفاقا للمشهور، بل عن الحلي نسبته إلى أصحابنا بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه ل

صحيح يزيد (1) عن الصادق (عليه السلام) «إذا زنى العبد ضرب خمسين إلى ثمان مرات، فان زنى ثمان مرات قتل و أدى الإمام قيمته إلى مواليه من بيت المال»

و خبر عبيد بن زرارة أو بريد العجلي (2)

«سألته عن عبد زنى- إلى أن قال: فهل يجب عليه الرجم في شي ء من فعله؟ قال: نعم يقتل في الثامنة، إن فعل ذلك ثمان مرات»

كذا عن الفقيه و العلل مؤيدا ذلك كله بما سمعته من كونه على الضعف من الحر.

و قيل كما في النهاية و عن القاضي و الجامع و المختلف و الإيضاح:

يقتل في التاسعة ل

خبر عبيد أو بريد (3)

«سأل الصادق (عليه السلام) عن أمة زنت- إلى أن قال-: فيجب عليها الرجم في شي ء من الحالات فقال إذا زنت ثمان مرات يجب عليها الرجم، قال: كيف صار ثمان مرات؟ فقال: لأن الحر إذا زنى أربع مرات و أقيم عليه الحد قتل، فإذا زنت الأمة ثمان مرات رجمت في التاسعة»

كذا عن الكافي و التهذيب، و لكنه مع ضعف سنده مختل المتن، ضرورة اقتضاء التعليل القتل في الثامنة لا التاسعة، بل الظاهر توجه الخلل إلى الأخير، لمعلومية


1- «1» الوسائل- الباب- 32- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.
2- «2» أشار إليه في الوسائل- في الباب- 32- من أبواب حد الزناء- الحديث 1 و ذكره في الفقيه ج 4 ص 32.
3- «3» الوسائل- الباب- 32- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.

ج 41، ص: 333

مطابقة التعليل للمعلوم نصا و فتوى، مضافا إلى ما فيه من الأمر بالرجم الذي لم أجد قائلا بتعينه، بل اتفق الجميع على مطلق القتل المصرح به في التعليل المزبور، فلا ريب في ضعف القول المذكور، خصوصا بعد رجوع الشيخ عنه في محكي الخلاف و المبسوط، و احتمال ترجيح الخبر الثاني بأنه نص بخلاف الخبر الأول كما ترى، ضرورة نصوصية الأول بالقتل في الثامنة بعد أن جعل جزاء الشرط كما هو واضح.

و لكن مع ذلك كله قال المصنف هو أولى و لا يخفى عليك ما فيه إن أراد بحسب الفتوى، بل و كذا إن أراد بحسب العمل، فان الاحتياط هنا غير ممكن بعد حرمة تعطيل الحد، نعم في الرياض «اللهم إلا أن يقال إذا دار الأمر بين محظورين كان الاحتياط باجتناب أكثرهما ضررا، و لا ريب أن ضرر قتل النفس المحترمة أشد من ضرر تعطيل حدود الله تعالى» و فيه أن ذلك لا يتم بعد فرض حصول الظن الاجتهادي القائم مقام العلم بوجوب القتل في الثامنة، إذ لا معنى للاحتياط حينئذ معه. و من ذلك يعلم ما في المسالك في الأول من أن مختار المصنف وجوب القتل في الثالثة و إن جعله أولى في الرابعة من حيث الاحتياط في الدماء لا من حيث الفتوى.

و أغرب من ذلك ما عن الراوندي من الجمع بين الخبرين المزبورين بالتفصيل بين ثبوت الزناء بالبينة فيقتل في الثامنة و بين ثبوته بالإقرار فيقتل في التاسعة، إذ هو مع أنه فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه كما عرفت لا شاهد عليه، كما هو واضح. هذا و في الخبرين دفع الامام ثمن العبد إلى مواليه من بيت المال و عن بعض الأصحاب التصريح به، و هو غير بعيد كما عن الشهيد جمعا بين حق الله تعالى و حق الآدمي، و الله العالم.

و في الزناء المتكرر من الحر أو المملوك بامرأة واحدة أو

ج 41، ص: 334

بنساء في يوم واحد أو في أيام حد واحد و إن كثر إذا لم يكن قد أقيم عليه الحد على المشهور بين الأصحاب، بل ربما أشعر استناد الفاضل إليها هنا وصولها حد الإجماع بقرينة عدم حجيتها عنده إذا لم تكن كذلك مع ابتناء الحدود على التخفيف، و لذا تدرأ بالشبهة، و غلبة تكرار الخروج و الولوج في المرة الواحدة فضلا عن تكراره مستقلا يعلم كون السبب هنا الطبيعة قلت أو كثرت نحو أسباب الحدث، بل لعل التأمل الجيد في تعليق الحكم في الآية الشريفة (1) على الزاني و الزانية يقتضي ذلك، ضرورة كون التعدد في أشخاص الزناء حينئذ كالتعدد في أسباب الحدث و النجاسة، و لكن يكفي طهارة واحدة و تطهير واحد، لأن العنوان طهارة المحدث و تطهير النجس، و هو صادق على متعدد السبب و متحده فكذلك الكلام في الزناء، فإن الزاني و الزانية يصدق كذلك، خصوصا بعد ملاحظة الشهرة بين الأصحاب، و حينئذ فلا تعدد أسباب كي يتجه كون القاعدة تعدد المسببات بتعددها، بل المتجه حينئذ أن الأصل براءة الذمة بعد صدق الامتشال بالحد الواحد للمتعدد.

فما في الرياض من المناقشة في ذلك باقتضاء تعدد المسببات و التداخل خلاف الأصل- لا يخلو من نظر لما عرفت، ثم قال: «لكن مقتضى هذا لزوم التعدد مطلقا و لو كان المزني بها مكررا واحدة و لم يقل به أحد من الطائفة حتى الإسكافي و الصدوق اللذين حكي عنهما الخلاف في المسألة فإنهما قالا بما عليه الجماعة إن وقع التكرار بامرأة واحدة و أوجبا التعدد إن وقع بالمتعدد، و حينئذ فلا يمكن الأخذ بالقاعدة المقتضية لتعدد المسببات لمخالفة عمومها الإجماع هنا، فلا بد من المصير إلى أحد القولين إما التفصيل المتقدم أو المنع عن التعدد مطلقا، و الأول غير ممكن، لعدم دليل عليه


1- «1» سورة النور: 24- الآية 2.

ج 41، ص: 335

غير خبر (1) واحد قاصر السند ضعيف شاذ مطروح، فتعين الثاني».

و فيه أن المتجه مع فرض كون ذلك من تعدد الأسباب العمل بالقاعدة في غير معقد الإجماع، و حينئذ فلا يقدح ضعف الخبر الموافق لها، نعم بناء على ما ذكرناه من عدم تعدد أسباب هنا و لو للشهرة المزبورة يتجه حينئذ عدم التعدد مطلقا، لضعف الخبر المزبور و الاعراض عنه، و هو ما أشار إليه المصنف بقوله و

في رواية أبي بصير (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) إن زنى بامرأة مرارا فعليه حد واحد و إن زنى بنسوة فعليه في كل امرأة حد،

و هي مطرحة و لفظها

«سألته عن الرجل يزني في اليوم الواحد مرات كثيرة، فقال: إن زنى بامرأة واحدة كذا و كذا مرة فإنما عليه حد واحد، و إن هو زنى بنسوة شتى في يوم واحد في ساعة واحدة فإن عليه في كل امرأة فجر بها حدا»

و كان رواية المصنف لها بالمعنى الذي سمعته مشعر بعدم إرادة التقييد في الساعة و اليوم منها، و لعله لأن غيره أولى بعدم التداخل، و منه يعلم ما في المسالك من المناقشة فيها بأنها غير حاصرة لأقسام المسألة.

هذا و ينبغي تقييد عدم التعدد بما إذا اقتضى الزناء المتكرر نوعا واحدا من الحد جلدا أو رجما أو نحوهما، أما لو اقتضى حدودا مختلفة كأن زنى بكرا ثم زنى محصنا توجه عليه الحدان معا، و لا ينافيه إطلاق العبارة و نحوها، لعدم انصرافها بحكم التبادر إلى الصورة الأخيرة مع تصريحهم كما سيأتي إن شاء الله بأنه إذا اجتمع عليه الجلد و الرجم جلد أولا، و هو صريح في ما ذكرنا.

و لو زنى الذمي بذمية أو كافرة غير ذمية دفعه الإمام إلى أهل نحلته ليقيموا الحد على معتقدهم، و إن شاء أقام الحد بموجب


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 23- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.

ج 41، ص: 336

شرع الإسلام بلا خلاف أجده فيه كما عن بعضهم الاعتراف به، بل في الرياض جعله الحجة، مضافا إلى قوله سبحانه (1) «فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ» و لا ينافيه قوله تعالى (2) «وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ» بعد عدم ثبوت نسخه لذلك و إن حكي عن بعض العامة، بل عن ابن عباس خير الله تعالى نبيه بقوله «فَإِنْ جاؤُكَ» إلى آخره و قد سمعت قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في ما كتبه لمحمد بن أبي بكر (3)

بل لعل التخيير المزبور مناسب للوفاء لهم، كعدم التعرض لباقي ما يصنعونه في ملتهم مما هو غير موافق لشرعنا.

و لكن قد يشكل ذلك بأن دفعه إليهم لذلك أمر بالمنكر، و بالمروي

عن قرب الاسناد (4)

«عن يهودي أو نصراني أو مجوسي أخذ زانيا أو شارب خمر ما عليه؟ قال: يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين أو في غير أمصار المسلمين إذا رفعوا إلى حكام المسلمين»

و لعله لذا فسره في كشف اللثام بالاعراض عنهم حتى يحكم فيه حاكمهم بما يرى، قال: «فان الدفع ليقيم عليه من الحد ما يراه أمر بالمنكر إن خالف الواجب في شرعنا، نعم يجوز إذا وافقه» و لكن فيه أنه كالاجتهاد في مقابلة النص و الفتوى، و خبر قرب الاسناد غير مناف للتخيير المزبور.

نعم هو مختص بما إذا كان زناؤه بغير المسلمة أما بها فعلى الامام قتله، و لا يجوز الاعراض، لأنه هتك حرمة الإسلام و خرج عن الذمة.


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 42.
2- «2» سورة المائدة: 5- الآية 48.
3- «3» الوسائل- الباب- 8- من أبواب حد الزناء- الحديث 5.
4- «4» الوسائل- الباب- 29- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.

ج 41، ص: 337

و لو زنى المسلم بالذمية حكم في المسلم بحكمه و له الخيار في الذمية كما سمعته في مكاتبة محمد بن أبي بكر، و الله العالم.

و لا يقام الحد فضلا عن القصاص و لو جلدا كما صرح به الفاضل و غيره على الحامل و لو من زناء حتى تضع ولدها و تخرج من نفاسها بلا خلاف أجده نصا و فتوى بل و لا إشكال مع فرض خوف الضرر على ولدها لو جلدت، لعدم السبيل عليه، إذ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، كما صرح به في الخبر (1) المروي عن إرشاد المفيد.

بل و حتى ترضع الولد إن لم يتفق له مرضعة بلا خلاف أجده فيه أيضا حتى لو كان جلدا يخشى منه الضرر برضاعها له، و في

الموثق (2)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن محصنة زنت و هي حبلى، قال: تقر حتى تضع ما في بطنها و ترضع ولدها ثم ترجم»

و في النبوي (3) أنه (صلى الله عليه و آله) قال لها: «حتى تضعي ما في بطنك فلما ولدت قال: اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه»

و في آخر (4) أنها لما ولدته قال: «إذن لا نرجمها و ندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه، فقام رجل من الأنصار فقال: إلى رضاعه يا نبي الله فرجمها».

و منه يعلم وجوب الرجم لو وجد له مرضع بعد شربه اللبأ بناء على المشهور من أنه لا يعيش بدونه. و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله:

و لو وجد له كافل جاز أي وجب إقامة الحد بلا خلاف


1- «1» الوسائل- الباب- 16- من أبواب حد الزناء- الحديث 7.
2- «2» الوسائل- الباب- 16- من أبواب حد الزناء- الحديث 4.
3- «3» سنن البيهقي- ج 8 ص 229.
4- «4» سنن البيهقي- ج 8 ص 229.

ج 41، ص: 338

أجده فيه، لأنه ليس في الحدود نظر ساعة، و في

خبر ميثم (1)

المشتمل على قضية الامرأة المحصنة التي أقرت بالزناء عند أمير المؤمنين (عليه السلام) و هي حبلى و طلبت منه تطهيرها فأخرها إلى الوضع، ثم جاءت بعده و أقرت بما أقرت به أولا فأخرها إلى رضاعها إياه حولين، ثم جاءت بعدهما و أقرت بما أقرت به أولا فقال: «فانطلقي فاكفليه حتى يعقل أن يأكل و يشرب و لا يتردى من سطح و لا يتهور في بئر، قال: فانصرفت و هي تبكي، فلما ولت و صارت حيث لا تسمع كلامه، قال: اللهم إنها ثلاث شهادات، قال: فاستقبلها عمرو بن حريث المخزومي، فقال: ما يبكيك يا أمة الله و قد رأيتك تختلفين إلى علي (عليه السلام) تسألينه أن يطهرك؟

فقالت: إني أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فسألته أن يطهرني، فقال: اكفلي ولدك حتى يعقل أن يأكل و يشرب و لا يتردى من سطح و لا يتهور في بئر، و قد خفت أن يأتي علي الموت و لم يطهرني، فقال لها عمرو بن حريث: ارجعي إليه فأنا أكفله، فرجعت و أخبرت أمير المؤمنين (عليه السلام) بقول عمرو، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو متجاهل عليها: و لم يكفل عمرو ولدك؟ فقالت يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني، قال: أ و ذات بعل كنت إذ فعلت ما فعلت؟ قالت: نعم، قال: أ فغائبا عنك كان بعلك إذ فعلت أم حاضرا؟ قالت: بل حاضر، قال: فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إنه قد ثبت لك عليها أربع شهادات، و أنك قد قلت لنبيك (صلى الله عليه و آله) في ما أخبرته من دينك: من عطل حدا من حدودي فقد عاندني و طلب بذلك مضادتي، اللهم و إني غير معطل حدودك و لا طالب


1- «1» ذكر صدره و ذيله في الوسائل في الباب- 16- من أبواب حد الزناء- الحديث 1 و قطعة منه في الباب- 1- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 6.

ج 41، ص: 339

مضادتك و لا مضيع لأحكامك، بل مطيع لك و متبع سنة نبيك (صلى الله عليه و آله) فنظر إليه عمرو بن حريث و كأنما الرمان تفقأ في وجهه، و قال: يا أمير المؤمنين إنما أردت أن أكفله إذ ظننت أنك تحب ذلك، فأما إذا كرهت فاني لست أفعل، فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام):

أ بعد أربع شهادات بالله؟ لتكفلنه و أنت صاغر».

و في كشف اللثام بعد رواية ذلك «و لما لم يكمل نصاب الإقرار إلا بعد ذلك لم يسترضع لولدها، و إلا فالظاهر وجوبه و الأجرة من بيت المال إن لم يتبرع أحد و لا كان للولد مال، إذ ليس في الحدود نظر ساعة، إذ لا مانع».

قلت: قد يقال: إن إطلاق الموثق و النبوي المزبورين يقضي بعدم وجوب ذلك، مضافا إلى الأصل و بناء الحدود على التخفيف الذي يصلح أن يكون هذا و شبهه عذرا في تأخيره فتأمل.

و لو مات الولد حين وضعه رجمت أما لو كان حدها الجلد أخر حتى تخرج من مرض نفاسها.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (1): «إن أمة لرسول الله (صلى الله عليه و آله) زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديث بنفاس فخشيت أن أجلدها فأقتلها فذكرت ذلك للنبي (صلى الله عليه و آله) فقال: دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحد»

و في محكي المبسوط و الوسيلة إن كان بها ضعف أخر جلدها، و إن كانت قوية جلدت في نفاسها و لا بأس به، و لو لم يظهر الحمل و لا ادعته لم يؤخر الحد، و لا اعتبار بإمكانه، نعم لو ادعته قبل قولها، و الله العالم.

و يرجم المريض و المستحاضة بلا خلاف أجده فيه بل و لا إشكال لإطلاق الأدلة، و النهي عن تعطيل الحد، و أنه ليس فيه نظر ساعة،


1- «1» سنن البيهقي- ج 8 ص 229 مع اختلاف في اللفظ.

ج 41، ص: 340

و الفرض أن نفسه مستوفاة فلا فرق بينه و بين الصحيح، لكن في المسالك احتمال جواز التأخير إن ثبت زناه بالإقرار لاحتمال رجوعه قال: «و مثله يأتي في رجمه في شدة الحر أو البرد» و كأنه أخذه مما في القواعد من عدم الرجم فيهما إن توهم سقوطه برجوعه أو توبته أو فراره، و علل بالاحتياط للدم و الإبقاء عليه ما أمكن و فيه ما لا يخفى.

نعم لا يجلد أحدهما إذا لم يجب قتله و لا رجمه توقيا من السراية و يتوقع بهما البرء

قال الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني (1): «أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل أصاب حدا و به قروح في جسده كثيرة، فقال (عليه السلام) أخروه حتى يبرأ لا تنكثوها فتقتلوه»

و قال في خبره (2) أيضا: «لا يقام الحد على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها»

و في

خبر مسمع (3) عنه (عليه السلام) أيضا «أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل أصاب حدا و به قروح و مرض و أشباه ذلك، فقال: أخروه حتى يبرأ لا تنكأ قروحه عليه فيموت و لكن إذا برأ حددناه».

و إن اقتضت المصلحة التعجيل و لو لعدم رجاء البرء كالسل و الزمانة و ضعف الخلقة بحيث لا يحتمل النشاط ضرب بالضغث المشتمل على العدد

قال الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة (4): «أتي النبي (صلى الله عليه و آله) برجل كبير البطن قد أصاب محرما فدعا بعرجون فيه مائة شمراخ فضربه مرة فكان الحد»

و في

خبر حنان عن يحيى بن عباد المكي (5)

«قال لي سفيان الثوري: أرى لك من أبي عبد الله (عليه السلام) منزلة فاسأله عن رجل زنى بامرأة و هو


1- «1» الوسائل- الباب- 13- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 13- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 13- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 6.
4- «4» الوسائل- الباب- 13- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 7.
5- «5» الوسائل- الباب- 13- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.

ج 41، ص: 341

مريض إذا أقيم عليه الحد مات ما تقول فيه؟ فسألته، فقال: إن هذه المسألة من تلقاء نفسك أو قال لك إنسان أن تسألني عنها؟ فقلت:

سفيان الثوري سألني أن أسألك عنها، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أتي برجل كبير البطن قد استسقى بطنه و بدت عروق فخذيه و قد زنى بامرأة مريضة فأمر (ص) بعرجون فيه مائة شمراخ فضربه ضربة واحدة و ضربها به ضربة واحدة و خلى سبيلهما، ثم تلي هذه الآية (1) وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً» إلى آخره.

و خبر أبي العباس (2)عنه (عليه السلام) قال: «أتي رسول الله (صلى الله عليه و آله) برجل دميم قصير قد استسقى بطنه. و قد بدت عروق بطنه و قد فجر بامرأة، فقالت الامرأة: ما علمت إلا و قد دخل علي، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أ زنيت؟ قال: نعم، و لم يكن محصنا، فصعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) ببصره و خفضه ثم دعا بعذق عقده مائة ثم ضربه بشماريخه».

و خبر زرارة (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «لو أن رجلا أخذ حزمة من قضبان أو أصلا فيه قضبان فضربه ضربة واحدة أجزأه عن عدة ما يريد أن يجلده من عدة القضبان».

و خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد (4)

«إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أتي بامرأة مريضة و رجل أجرب مريض قد بدت عروق فخذيه قد فجر بامرأة فقالت المرأة لرسول الله (صلى الله عليه و آله): أتيته فقلت له أطعمني و اسقني فقد جهدت، فقال: لا حتى أفعل بك ففعل، فجلده


1- «1» سورة ص: 38- الآية 44.
2- «2» الوسائل- الباب- 13- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 5.
3- «3» الوسائل- الباب- 13- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 8.
4- «4» الوسائل- الباب- 13- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 9.

ج 41، ص: 342

رسول الله (صلى الله عليه و آله) بغير بينة مائة شمراخ ضربة واحدة و خلى سبيله و لم يضرب المرأة»

إلى غير ذلك.

لكن ليس فيها اعتبار المصلحة، إلا أن الأصحاب حملوها على ذلك من غير خلاف بينهم جمعا بينها و بين ما تقدم بخوف فوات الحد و عدمه، و الله العالم.

و لا يشترط وصول كل شمراخ إلى جسده لإطلاق الأدلة مع التعذر عادة، فيكفي حينئذ التأثير بالاجتماع، و لو اشتمل الضغث على خمسين ضرب به دفعتين و هكذا، بل لعله أولى من الضربة به دفعة، نعم لا بد من حصول مسمى الضرب، بل لا بد من أن تمسه الشماريخ أو ينكبس بعضها على بعض حتى يناله الألم و لا يجب بل في كشف اللثام «لا يجوز تفريق السياط على الأيام و إن احتمله- بأن يضرب كل يوم بعضها منها حتى يستوفى- لإطلاق الأدلة المزبورة.

و لو برأ قبل أن يضرب أقيم عليه حد الصحيح، و لو بري ء بعده لم يعد، و لو احتمل سياطا ضعافا فهو أولى من الشماريخ، و أحوط.

و المستحاضة من المريضة بعد أن

قال الصادق (عليه السلام) (1): «لا يقام الحد عليها حتى ينقطع الدم»

فيؤخر حدها و لا يؤخر حد الحائض الصحيحة عرفا لأنه ليس بمرض بل حيضها يدل على صحة مزاجها، و الله العالم.

و لا يسقط الحد جلدا أو رجما باعتراض الجنون و لا الارتداد للأصل نعم لو كان الحد جلدا ففي المسالك احتمال الانتظار بالمجنون الإفاقة أي إن كان أدوارا لأنه أقوى في الردع و الأقوى خلافه


1- «1» الوسائل- الباب- 13- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.

ج 41، ص: 343

للأصل و

صحيح أبي عبيدة (1) عن الباقر (عليه السلام) في رجل وجب عليه حد فلم يضرب حتى خولط، فقال: إن كان أوجب على نفسه الحد و هو صحيح لا علة به من ذهاب عقله أقيم عليه الحد كائنا ما كان»

فما عن بعض من احتمال السقوط في المطبق مطلقا و آخر من السقوط كذلك إن لم يحسس بالألم و كان بحيث لا ينزجر به كالاجتهاد في مقابلة النص و الفتوى.

و لا يقام الحد إذا كان جلدا في شدة البرد و لا شدة الحر خشية الهلاك و حينئذ ف يتوخى به في الشتاء وسط النهار و في الصيف طرفاه و في

مرسل داود (2)

«مررت مع أبي عبد الله (عليه السلام) بالمدينة في يوم بارد و إذا رجل يضرب بالسياط، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): سبحان الله في مثل هذا الوقت يضرب؟ قلت له: و للضرب حد؟ قال: نعم إذا كان في البرد ضرب في حر النهار، و إذا كان في الحر ضرب في برد النهار»

و نحوه مرسل سعدان بن مسلم (3) عن أبي الحسن (عليه السلام) و في

خبر هشام بن أحمر (4) عن السيد الصالح (عليه السلام) قال: «كان جالسا في المسجد و أنا معه فسمع صوت رجل يضرب صلاة الغداة في يوم شديد البرد، فقال: ما هذا؟ قالوا رجل يضرب، قال: سبحان الله في هذه الساعة، إنه لا يضرب أحد في شي ء من الحدود في الشتاء إلا في آخر ساعة من النهار و لا في الصيف إلا في أبرد ما يكون من النهار»

هذا كله في الجلد و إن أطلق المصنف الحد، و قد مر الكلام في الرجم.


1- «1» الوسائل- الباب- 9- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 7- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2 و هذا مرسل أبي داود.
3- «3» الوسائل- الباب- 7- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.
4- «4» الوسائل- الباب- 7- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1 و هذا عن العبد الصالح عليه السلام.

ج 41، ص: 344

ثم إن ظاهر النص و الفتوى كما اعترف به في المسالك كون الحكم على الوجوب دون الندب، و حينئذ فلو أقامه على غير الوجه المزبور ضمن، و الله العالم.

و لا يقام أيضا في أرض العدو مخافة الالتحاق كما نص عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر أبي جعفر (عليه السلام) (1)

و قال الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق (2): «لا تقام الحدود بأرض العدو مخافة أن تحمله الحمية فيلحق العدو»

و لا ريب في كون ذلك في حد الجلد.

و كذا لا يقام مطلقا في الحرم على من التجأ إليه للاحترام، و لقوله تعالى (3) «مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» بل يضيق عليه في المطعم و المشرب بأن يقتصر على ما يسد به الرمق ليخرج و يقام عليه، و في

صحيح هشام بن الحكم (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم، قال:

لا يقام عليه الحد و لا يطعم و لا يسقى و لا يكلم و لا يبايع فإنه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد، و إن جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم فإنه لم ير للحرم حرمة».

و إلى ذلك أشار المصنف بقوله و يقام على من أحدث موجب


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» أشار إليه في الوسائل- في الباب- 10- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2 و ذكره في التهذيب ج 10 ص 148.
3- «3» سورة آل عمران: 3- الآية 97.
4- «4» الوسائل- الباب- 34- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.

ج 41، ص: 345

الحد فيه لأنه هتك حرمة الحرم، و لكن

أرسل في الفقيه (1)

«لو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا أخرج من الكعبة و من الحرم و ضربت عنقه»

و لعله الأحوط و الأولى.

و المراد من الحرم ما هو المتبادر من المعهود بمكة، و عن النهاية و التهذيب إلحاق حرم النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) و عن الوسيلة الاقتصار على الأول و لا دليل على شي ء منهما، و الله العالم.

[المقام الثاني في كيفية إيقاعه]

الثاني في كيفية إيقاعه إذا اجتمع الجلد و الرجم جلد أولا وجوبا لئلا يفوت الجلد لو انعكس و كذا إذا اجتمعت حدود بدئ بما لا يفوت معه الآخر بلا خلاف أجده فيه بيننا بل و لا إشكال، فإنه مقتضى العمل بالسببين مع إمكانه، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، ففي

صحيح زرارة (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) «أيما رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل يبدأ بالحدود التي هي دون القتل ثم يقتل بعد ذلك»

و نحوه في حسن حماد بن عثمان (3)

و حسن ابني سنان و بكير جميعا (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) و في

خبر محمد بن مسلم (5) عنه (عليه السلام) «في الرجل يؤخذ و عليه حدود أحدها القتل، فقال: كان علي (عليه السلام) يقيم الحدود ثم يقتله، و لا تخالف عليا (عليه السلام)»

و في

خبر سماعة أيضا (6)


1- «1» الوسائل- الباب- 46- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 3 من كتاب الحج.
2- «2» الوسائل- الباب- 15- من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 15- من أبواب مقدمات الحدود الحديث- 5.
4- «4» الوسائل- الباب- 15- من أبواب مقدمات الحدود الحديث- 6.
5- «5» الوسائل- الباب- 15- من أبواب مقدمات الحدود الحديث- 4.
6- «6» الوسائل- الباب- 15- من أبواب مقدمات الحدود الحديث- 7.

ج 41، ص: 346

«قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في من قتل و شرب خمرا و سرق فأقام عليه الحد فجلد لشربه الخمر و قطع يده في سرقته و قتله»

فما عن بعض العامة من الاكتفاء بالقتل لأنه يأتي على الجميع لا وجه له، نعم لو أمكن الجمع بين موجب الحدين من غير منافاة كما لو زنى غير محصن و قذف و سرق ففي المسالك يتخير في البدأة، قلت: هو كذلك، لكن قد يقال فيه و في ما لو كان موجب الأمرين الفوات مع كون أحدهما حق آدمي و طالب به قدم على حق الله تعالى، نعم لو كانا معا حق الله تخير الامام، و الله العالم.

و هل يتوقع برء جلده قيل و القائل الشيخان و بنو زهرة و حمزة و البراج و سعيد على ما حكي نعم تأكيدا في الزجر إذ المقصود بالحد ذلك و قيل كما عن ابن إدريس لا يجب و إنما هو مستحب، و عن جماعة من المتأخرين و متأخريهم الميل إليه لأن القصد الإتلاف فلا فائدة في الانتظار مع ما

ورد من أنه «لا نظرة في الحد و لو ساعة» (1)

و منه يتجه عدم القول بالجواز، كما عن مجمع البرهان، بل قد يشعر به عبارة الإرشاد كما اعترف هو به أيضا، و عن أبي علي أنه يجلد قبل الرجم بيوم لما

روي (2) من «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) جلد شراحة يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة»

لكن في الرياض هو شاذ كالمنع من التأخير، بل لعله إحداث قول ثالث، لاتفاق الفتاوى على الظاهر على جوازه و إن اختلفوا في وجوبه و عدمه، و على هذا فالتأخير لعله أحوط و إن لم يظهر للوجوب مستند عليه يعتمد، نعم نسبه في السرائر إلى رواية الأصحاب، و فيه منع وصول ذلك إلى حد الإجماع المعتد به،


1- «1» الوسائل- الباب- 25- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» سنن البيهقي- ج 8 ص 220.

ج 41، ص: 347

كمنع الاكتفاء بالمرسل المزبور مع الانجبار بما عرفت في وجوب الانتظار، و قد سمعت سابقا عدم الانتظار برجم المريض قبل الحد فضلا عما حصل به، و لعل خبر شراحة شاهد لما ذكرنا بناء على جواز مثل ذلك مما لا يعد تعطيلا و نحوه، فتأمل.

و يجب أن يدفن المرجوم للأمر بالحفر له في جملة من النصوص (1)

المعتبرة و لو من جهة العمل و تأسيا بالنبي (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام) و لكن لا يدفن إلا إلى حقويه ل

قول الصادق (عليه السلام) في موثق سماعة (2)

«تدفن المرأة إلى وسطها ثم يرمي الامام و يرمي الناس بأحجار صغار، و لا يدفن الرجل إذا رجم إلا إلى حقويه».

و أما المرأة فتدفن إلى صدرها على الأشهر بل المشهور فيهما،

للمرسل (3) عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه حفر للعامرية إلى الصدر،

و في آخر (4)عنه (صلى الله عليه و آله) «أنه رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة»

و في كشف اللثام و قريب منه ما روى من دفن شراحة إلى منكبها أو ثدييها، و في

خبر أبي مريم (5) عن الباقر (عليه السلام) «أنه أتت امرأة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)- إلى أن قال-: فحفر لها حفيرة في الرحبة و خاط عليها ثوبا جديدا و أدخلها الحفرة إلى الحقو دون موضع الثديين».

بل لعله المراد


1- «1» الوسائل- الباب- 14 و 15- من أبواب حد الزناء و سنن البيهقي ج 8 ص 221.
2- «2» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد الزناء- الحديث 3.
3- «3» سنن البيهقي- ج 8 ص 229 و الحفر للمرأة الغامدية.
4- «4» سنن البيهقي 8 ص 221.
5- «5» الوسائل- الباب- 16- من أبواب حد الزناء- الحديث 5.

ج 41، ص: 348

من الوسط في الموثقات (1)

و خصوصا ما سمعته سابقا منها المشتمل على التفصيل بينها و بين الرجل إذ لو لم يرد من الوسط فيه الصدر بل السرة لم يكن فرق بينها و بين الرجل، ضرورة قرب الحقوين من السرة على وجه لا يظهر في الدفن كما هو واضح.

هذا و لكن عن المقنع و الرجم أن يحفر له حفيرة مقدار ما يقوم فيها فتكون بطوله إلى عنقه فيرجم، و عن المقنعة و الغنية التسوية بينهما إلى الصدر، و عن المراسم الحفر له إلى صدره و لها إلى وسطها، و عن الصدوق في الفقيه أن المرأة التي كفل ولدها عمرو بن حريث حفر لها أمير المؤمنين (عليه السلام) حفيرة و دفنها فيها إلى حقويها، و في غيره أمر أن يحفر لها حفيرة ثم دفنها فيها، و الجميع كما ترى. و نحوه ما عن ابن حمزة من عدم وجوب الحفر إن ثبت الإقرار بالزناء (الزناء بالإقرار خ ل) و في الرياض «و يرده صريح الرواية السابقة في دفن أمير المؤمنين (عليه السلام) المرأة إلى موضع الثديين مع ثبوت زناها بالإقرار» و فيه أنه أعم من الوجوب مع قطع النظر عن التأسي.

ثم لا ريب في انسياق الدفن من الحفر نصا و فتوى، لكن في كشف اللثام و أما الدفن فاعتبره الشيخ و ابن إدريس و المحقق مطلقا كما في الكتاب و الأخبار و لم يذكره الصدوق و لا سلار و لا ابن سعيد مطلقا، و في الكافي و الغنية انهما يدفنان إن ثبت زناهما بالبينة أو بعلم الامام (عليه السلام) لا إن ثبت بالإقرار لتمكنه من الفرار إذا أراد، و لم يعتبر المفيد دفنه مطلقا و قصر دفنها على ما إذا ثبت زناها بالبينة لا بالإقرار.

قلت: لا يخفى عليك ما في الجميع من المنافاة لظاهر النصوص بلا داع، بل الظاهر أن من ذكر الحفر أراد كونه مقدمة للدفن لا نفسه


1- «1» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد الزناء- الحديث 1 و 3.

ج 41، ص: 349

إذ لا فائدة فيه، و في المسالك بعد أن استظهر من المتن الوجوب قال:

«و يحتمل الاستحباب، بل إيكال الأمر إلى الامام، لما

روي (1)

أن النبي (صلى الله عليه و آله) حفر للعامرية و لم يحفر للجهنية،

و عن أبي سعيد الخدري(2) في قصة ماعز «أمرنا رسول الله (برجمه فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد، فما أوثقناه و لا حفرنا له حفيرة، و رميناه بالعظام و المدر و الخزف، ثم اشتد و اشتددنا له حتى أتى الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت»

و روى الحسين بن خالد (3) عن أبي الحسن (عليه السلام) أن ماعزا إنما فر من الحفيرة،

و طرق الروايات الدالة على الحفر و التحديد غير نقية السند، و لكنها كافية في إقامة السنة» و تبعه الأردبيلي و فيه أنها مجبورة بالعمل مع أن فيها الموثق، و ما ذكره من المرسل و خبر أبي سعيد الخدري إنما هو من طرق العامة، فلا يصلح معارضا للنصوص المزبورة، و الله العالم.

فان فر من الحفيرة أعيد إن ثبت زناه بالبينة للأصل و النصوص، بل لا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام إجماعا كما هو الظاهر و لو ثبت بالإقرار لم يعد كما عن المفيد و الحلبي و سلار و ابني سعيد، بل نسب إلى الشهرة، لإطلاق

المرسل (4)

«عن المرجوم يفر قال: إن كان أقر على نفسه فلا يرد، و إن كان شهد عليه الشهود يرد»

و مفهوم التعليل في الخبر الآتي مؤيدا ذلك بأنه بمنزلة الرجوع عن الإقرار و للشبهة و الاحتياط في الدم.

و قيل كما عن النهاية و الوسيلة إن فر قبل إصابته


1- «1» سنن البيهقي ج 8 ص 221 و 217- 218 و القضية وردت في المرأة الغامدية.
2- «2» سنن البيهقي ج 8 ص 221.
3- «3» الوسائل- الباب- 15- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 15- من أبواب حد الزناء- الحديث 4.

ج 41، ص: 350

بالحجارة أعيد و إلا فلا، ل

خبر أبي بصير (1)

«قال لأبي عبد الله (عليه السلام): ان المرجوم يفر من الحفيرة فيطلب قال: لا، و لا يعرض له إن كان أصابه حجر واحد لم يطلب، فان هرب قبل أن تصيبه الحجارة رد حتى يصيبه ألم العذاب»

و خبر الحسين بن خالد (2)

«قال لأبي الحسن (عليه السلام) أخبرني عن المحصن إذا هو هرب من الحفيرة هل يرد حتى يقام عليه الحد؟ فقال: يرد و لا يرد، قال: و كيف ذاك؟

فقال: إذا كان هو المقر على نفسه ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شي ء من الحجارة لم يرد، و إن كان إنما قامت عليه البينة و هو مجحد ثم هرب رد و هو صاغر حتى يقام عليه الحد، و ذلك أن ماعز بن مالك أقر عند رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالزناء فأمر به أن يرجم فهرب من الحفيرة فرماه الزبير بن العوام بساق بعير فعقله فسقط، فلحقه الناس فقتلوه، فأخبروا رسول الله (صلى الله عليه و آله) بذلك فقال:

فهلا تركتموه إذا هو هرب يذهب، فإنما هو الذي أقر على نفسه، قال: و قال لهم: أما لو كان علي (ع) حاضرا معكم لما ضللتم، قال: و وداه رسول الله (صلى الله عليه و آله) من بيت مال المسلمين».

بل قد يناقش في الأول بمنع كون الهرب بمنزلة الرجوع في ذلك و احتمال اختصاص المرسل بصورة الفرار بعد الإصابة كما هو الظاهر في فرار من أقر على نفسه، و التعليل في قصة ماعز وارد في صورة الإصابة فلا يشمل غيرها و إن كان العبرة بالعموم دون المورد، بناء على أن صدر الرواية المعللة ظاهر في اعتبار الإصابة في عدم الإعادة إلى الحفيرة، فمفهومه في ذيله معارض بمفهوم الشرط أو القيد في صدره، فيتساقطان لو لم يكن الأول صارفا للثاني و مخصصا له بمورده، فلا حجة فيهما، و الذب عن


1- «1» الوسائل- الباب- 15- من أبواب حد الزناء- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 15- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.

ج 41، ص: 351

مفهوم الشرط و إن كان ممكنا بدعوى ورود القيد مورد الغالب كما عرفته إلا أن في بعض النصوص ما يدل على اعتبار مفهومه هنا،

كالمرسل في الفقيه (1) بغير واحد المحتمل للصحة عند بعض «إن كان أصابه ألم الحجارة فلا يرد، و إن لم يكن أصابه ألم الحجارة رد».

و فيه أن ضعف الخبرين المزبورين مع عدم الجابر يمنع من العمل بهما في تقييد المرسل السابق المنجبر بهما، و دعوى اختصاصه بصورة الفرار بعد الإصابة لأنه الظاهر واضحة المنع، كدعوى أن مقتضى الأصل بقاء الحد، فينبغي الاقتصار في إسقاطه على القدر المتيقن سقوطه منه بالنص و الإجماع و هو الزائد عن ألم الحجارة، و يمكن أن يجبر به قصور السند، ضرورة انقطاع الأصل بالمرسل المنجبر بالعمل الذي لا أقل من أن يكون موجبا للتردد كما هو ظاهر السرائر و التحرير و الصيمري، و مقتضاه عدم الإعادة درءا للحد بالشبهة إن لم نقل بعدم فائدتها بعد الأصل. هذا كله في الرجم.

و أما الجلد فلا ينفع الفرار منه و لو كان زناه بالإقرار و فر بعد حصول شي ء منه بلا خلاف، للأصل و لصريح

الخبر (2)

«الزاني يجلد فيهرب بعد أن أصابه الحد أ يجب عليه أن يخلى عنه و لا يرد كما يجب للمحصن إذا رجم؟ قال: لا و لكن يرد حتى يضرب الحد كاملا، قلت: فما فرق بينه و بين المحصن و هو حد من حدود الله تعالى؟ قال: المحصن هرب من القتل و لم يهرب إلا إلى التوبة، لأنه عاين الموت بعينه، و هذا إنما يجلد فلا بد أن يوفى الحد، لأنه لا يقتل».

و يبدأ الشهود برجمه وجوبا كما صرح به بعض، بل في كشف اللثام نسبته إلى ظاهر الأكثر و أن في الخلاف و المبسوط الإجماع،


1- «1» الوسائل- الباب- 15- من أبواب حد الزناء- الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 35- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.

ج 41، ص: 352

ل

خبر زرارة (1) المنجبر بما عرفت عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا قامت عليه البينة كان أول من يرجمه البينة ثم الامام ثم الناس»

و مرفوع عبد الله بن المغيرة و صفوان و غير واحد إليه (عليه السلام) أيضا (2) المنجبر بما سمعت مع أنه كالصحيح و مروي في الفقيه و غيره «إذا أقر الزاني المحصن كان أول من يرجمه الامام ثم الناس، فإذا قامت البينة كان أول من ترجمة البينة ثم الامام ثم الناس».

و منه مضافا إلى فعل علي (عليه السلام في رجم شراحة الهمدانية و غيرها الثابت زناها بالإقرار يعلم الوجه فيما ذكره المصنف و غيره من أنه لو كان مقرا بدأ الإمام بل قيل: إنه ظاهر الأكثر، و في الخلاف و ظاهر المبسوط الإجماع عليه، و حينئذ فيحمل إطلاق بدء الإمام في جملة من النصوص على ذلك، فما وقع من بعض من الميل إلى الاستحباب لضعف المستند الذي عرفت انجباره، و لإطلاق بدأة الإمام الذي عرفت أيضا تقييده، و لاستفاضة النصوص- (3)

بقصة ماعز الذي لم يحضره النبي (صلى الله عليه و آله) فضلا عن بدأته مع أن زناه كان بالإقرار- التي لم تتضمن عدم حضوره، بل أقصاها عدم حكاية حضوره مع احتمال كونه لمانع، و على كل حال فعلى هذا تتفرع المسألة الآتية،


1- «1» لم أجد خبرا لزرارة بهذا اللفظ، و الظاهر أنه قده اقتبسه من كشف اللثام، و هو سهو و الصحيح «مرسل صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام كما في المسلك، و قد رواه في الوسائل في الباب- 14- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.
2- «2» أشار إليه في الوسائل في الباب- 14- من أبواب حد الزناء- الحديث 2 و ذكره في الفقيه ج 4 ص 26.
3- «3» الوسائل- الباب- 15- من أبواب حد الزناء- الحديث 1 و سنن البيهقي ج 8 ص 214 و 219 و 221.

ج 41، ص: 353

و هي وجوب حضور الشهود، و الله العالم.

و لا إشكال و لا خلاف في أنه ينبغي للإمام و من قام مقامه إذا أراد استيفاء الحد أن يعلم الناس ليتوفروا على حضوره بل الذي ينبغي له أيضا أن يأمرهم به،

كما فعله أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنه نادى عند إرادة قيام الحد على الرجل المقر بما يوجبه:

«يا معشر المسلمين أخرجوا ليقام على هذا الحد، و لا يعرفن أحدكم صاحبه (1)»

و لما أراد (عليه السلام) إقامة الحد على الامرأة التي أقرت عنده «أمر قنبرا بالنداء فيهم بالصلاة جامعة ثم صعد هو المنبر، و قال:

«يا أيها الناس إن إمامكم خارج بهذه المرأة إلى هذا الظهر ليقيم عليها الحد لله. فعزم عليكم أمير المؤمنين لما خرجتم بكرا و أنتم متنكرون و معكم أحجاركم» الحديث (2)

إلى غير ذلك. مضافا إلى ما في ذلك من الزجر له و لغيره عن مثل فعله و غيره من المصالح التي هي حكمة الحد.

و يستحب أن يحضر إقامة الحد طائفة كما عن الشيخ و جماعة بل عن المبسوط و الخلاف نفي الخلاف فيه. و قيل يجب كما عن الحلي و جماعة، بل هو خيرة المصنف في النافع تمسكا ب ظاهر الأمر في الآية (3) الذي هو الوجوب إن لم يتم نفي الخلاف السابق و إلا كان صارفا له، و لا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى الوجوب.

و على كل حال ف أقلها أي الطائفة واحد كما في القواعد و النافع و محكي النهاية و الجامع و مجمع البيان و ظاهر التبيان، بل حكي عن ابن عباس، لشمول لفظها لغة له كما عن الفراء بناء على


1- «1» الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
3- «3» سورة النور: 24- الآية 2.

ج 41، ص: 354

كونها بمعنى القطعة، و لقوله تعالى (1) «وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا» بدليل قوله تعالى (2)» «فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ» و

للمرسل (3) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «انها في الآية الواحد»

بل في محكي التبيان و مجمع البيان رواية ذلك عن الباقر (عليه السلام) (4)

و قيل:

اثنان كما عن عكرمة لقوله تعالى (5) «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ» لأن أقل الفرقة ثلاثة و الخارج اثنان أو واحد، و الاحتياط اعتبار الاثنين، و قيل: أربعة كما عن الشافعي لمناسبتها لما اعتبر في الشهادة.

و قيل و القائل الشيخ في محكي الخلاف: أقلها عشرة حاكيا له عن الحسن و خرج متأخر و هو ابن إدريس أن أقلها ثلاثة كما عن الزهري و قتادة للعرف التي هي فيه كالجماعة التي أقلها ذلك، و لأنها من الطوف و الإحاطة و الاحتفاف، فهي بمعنى جماعة تحف بالشي ء كالحلقة، و أقل ذلك ثلاثين و عن ابن فارس في المقاييس «الطاء و الواو و الفاء أصل واحد صحيح يدل على دوران الشي ء و أن يحف به، قال: فأما الطائفة من الناس فإنهم جماعة تطيف بالواحد أو بالشي ء- قال-: و لا تكاد العرب تحدها بحد معلوم إلا أن الفقهاء و المفسرين يقولون فيها مرة أنها أربعة فما فوقها و يقولون هي الثلاثة، و لهم في ذلك كلام، و العرب فيه ما أعلمتك أن كل جماعة يمكن أن تحف بشي ء فهي عندهم طائفة- قال-: ثم يتوسعون في ذلك من طريق المجاز فيقولون أخذ طائفة من الثوب أي قطعة منه، و هذا على معنى المجاز،


1- «1» سورة الحجرات: 49- الآية 9.
2- «2» سورة الحجرات: 49- الآية 10.
3- «3» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد الزناء- الحديث 5.
4- «4» مجمع البيان: ج 7 ص 124.
5- «5» سورة التوبة: 9- الآية 122.

ج 41، ص: 355

لأن الطائفة من الناس كالفرقة و القطعة منهم».

و عن ابن إدريس أيضا أن شاهد الحال و ألفاظ الأخبار يقتضي ذلك لأن الحد إذا كان بالبينة فالبينة ترجمة و تحضر، و هم أكثر من ثلاثة، و إن كان باعترافه فأول من يرجمه الامام ثم الناس مع الامام، بل عن الجبائي من زعم أن الطائفة أقل من ثلاثة فقد غلط من جهة اللغة و من جهة المراد بالآية احتياطه بالشهادة، و عن مختلف الفاضل و غيره إحالته على العرف، و لا ريب في اقتضائه الثلاثة فصاعدا كما اعترف به بعضهم، و لعله لا يخلو من قوة لو لا المرسلان المزبوران المنجبران بما سمعت. و لعله لذا قال المصنف و الأول حسن و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

و ينبغي أن تكون الحجارة صغارا كما في النصوص (1)

لئلا يسرع التلف نعم يمكن إرادة الأحجار المعتدلة من الصغار في النصوص، و لعله لذا قال في القواعد و كشف اللثام: و لا يرجم بحصى صغار جدا يعذب بطول الضرب مع بقاء الحياة، و على كل حال فلا يكفي الرمي بصخرة واحدة تجهز عليه و تقتله لخروجه عن معنى الرجم، و لأنه خلاف المأثور، و لا يقتل المرجوم بالسيف لعدم الأمر به و لا جعل كفارة لذنبه، بل ينكل بفعل ما يزجر الغير و يدفعه عن فعل مثله.

و كيف كان فقد قيل و إن كنا لم نتحققه:

لا يرجمه من لله قبله حد ل

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر ميثم (2)

«أيها الناس إن الله عهد إلى نبيه عهدا عهده محمد (ص) إلى بأنه


1- «1» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد الزناء- الحديث 1 و 3.
2- «2» الوسائل الباب- 31- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.

ج 41، ص: 356

لا يقيم الحد من لله عليه حد»

و في مرسل ابن أبي عمير (1)

«من فعل مثل فعله فلا يرجمه و لينصرف»

و في

خبر الأصبغ (2)

«نشدت الله رجلا منكم لله عليه مثل هذا الحق أن يأخذ لله به، فإنه لا يأخذ لله عز و جل بحق من يطلبه الله بمثله»

إلى غير ذلك، و لذا نسبه في الرياض إلى المعتبرة المستفيضة قال: ففي

الصحيح و ما يقرب منه و غيرهما (3)

«لا يقيم الحد من لله تعالى عليه حد فمن كان لله عليه مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحد»

و في الصحيح المروي عن تفسير علي بن إبراهيم (4) و المرفوع «لا يقيم حدود الله تعالى من في عنقه حد»

و من هنا مال هو إلى التحريم، إلا أنا لم نجد به قائلا صريحا و إنما حكاه المصنف كما سمعت.

ثم قال و هو على كراهية و في القواعد الاشكال، بل نسبه في الرياض إلى ظاهر الأكثر بل المشهور كما في غاية المرام، بل في أثناء كلامه دعوى الاتفاق على الكراهة ظاهرا، و في كشف اللثام نسبتها إلى ظاهر الأصحاب و صريح المصنف قال: «و في السرائر و روي أنه لا يرجمه إلا من ليس لله سبحانه في جنبه حد، و هذا غير متعذر، لأنه يتوب في ما بينه و بين الله تعالى ثم يرميه» و من ذلك كله يقوى عدم الوجوب للأصل و حمل النهي المزبور على الكراهة التي هي كالمجاز المشهور فيه» مضافا إلى ما قيل من وجوب القيام بأمر الله تعالى و عموم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و الرجم من هذا القبيل و إن كان قد يناقش بأن مقتضاه الوجوب، و هو ينافي الكراهة المتفق عليها ظاهرا، و حينئذ فالمتجه ثبوتها بمطلق الحد و إن لم يكن مثل الذي أقيم على المحدود، كما هو ظاهر العبارة و نحوها، بل هو ظاهر صدر الصحيحة الأولى المنزل


1- «1» الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2 و هو عن ابن أبي عمير عن زرارة.
2- «2» الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث- 4.
3- «3» الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث- 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث- 3.

ج 41، ص: 357

عليها ما في ذيلها، نعم ظاهر المرسلة يدل على الثاني، و لكن لا منافاة بينه و بين غيره، على أن الحكم الكراهة المتسامح فيها، فالمتجه التعميم.

هذا و ظاهر النص و الفتوى سقوط الحد بالتوبة قبل ثبوته عند الحاكم فيتجه حينئذ ما سمعته من ابن إدريس، لكن في

الصحيح (1)

«أنه لما نادى أمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك تفرق الناس و لم يبق غيره و غير الحسن و الحسين (عليهما السلام)»

و من المستبعد جدا عدم توبتهم جميعا في ذلك الوقت، و يمكن أن يكون لعدم علمهم بالحكم.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في الحكم المزبور بين ثبوت الزناء بالإقرار و البينة، لكن عن الصيمري اختصاصه بالأول قائلا إنه محل خلاف و أنه إذا قامت البينة فالواجب بدأة الشهود، و لأن النهي إنما ورد في صورة الإقرار. و فيه أن المورد لا يخصص الوارد و دليل وجوب بدأة الشهود لا يقتضي تخصيص النص و الفتوى بما سمعت، بل العكس أولى، على أنه يجب عليهم التوبة في ما بينهم و بين الله تعالى.

و يدفن إذا فرغ من رجمه بعد الصلاة عليه و لا يجوز إهماله على حاله بلا خلاف كما عن المبسوط الاعتراف به، بل و لا إشكال ضرورة كونه مسلما و في

النبوي (2) في المرجومة «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، و هل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله؟»

و نحوه

آخر (3)

«لقد تابت توبة لو تابها صاحب ميسر لغفر الله له، ثم أمر بها فصلي عليها و دفنت»

و في المرتضوي (4)


1- «1» الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» سنن البيهقي ج 8 ص 225.
3- «3» سنن البيهقي- ج 8 ص 221.
4- «4» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد الزناء- الحديث 4.

ج 41، ص: 358

«فأمر فحفر له و صلى عليه و دفنه، فقيل يا أمير المؤمنين ألا نغسله؟

فقال: قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة، لقد صبر على أمر عظيم»

و في آخر عنه (عليه السلام) (1)

«أنه أمر بدفع مرجومة إلى أوليائها، و أن يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم».

و ظاهر العبارة و غيرها عدم الغسل، و لعله لأنه لا يرجم إلا بعد التغسيل و التكفين إجماعا في محكي الخلاف و في كشف اللثام، و زاد الصدوق و الشيخان و غيرهم التحنيط كما في طهارة الكتاب و نهاية الأحكام و التذكرة و المنتهى، و في المعتبر و الذكرى أنهما لم يجدا في شي ء من ذلك خلافا بين الأصحاب، و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر كردويه (2): «المرجوم و المرجومة يغتسلان و يحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك و يصلى عليهما، و المقتص منه بمنزلة ذلك يغتسل و يتحنط و يلبس الكفن و يصلى عليه»

و نحوه في الفقيه (3) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قلت:

قد تقدم تمام الكلام في ذلك في كتاب الطهارة (4) لكن في المسالك هنا عدم وجوب ذلك، قال متصلا بما سمعته من عبارة المتن: «و كذا تجب الصلاة عليه و غسله قبلها إن لم يكن اغتسل قبل أن يرجم، فإن السنة آمرة بالاغتسال قبله» و الله العالم.

و يجلد الرجل الزاني مجردا عدا عورته كما في النافع


1- «1» الوسائل- الباب- 16- من أبواب حد الزناء- الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 17- من أبواب غسل الميت- الحديث 1 من كتاب الطهارة عن مسمع كردين.
3- «3» أشار إليه في الوسائل في الباب- 17- من أبواب غسل الميت- الحديث 1 من كتاب الطهارة و ذكره في الفقيه ج 1 ص 96- الرقم 443.
4- «4» راجع ج 4 ص 93- 100.

ج 41، ص: 359

و القواعد و غيرهما، بل عن غاية المرام أنه المشهور و إن كنا لم نتحققه، لأن حقيقة الجلد ضرب الجلد، كقولهم ظهره و بطنه و رأسه أي ضرب ظهره و بطنه و رأسه، و ل

خبر إسحاق بن عمار (1)

«سئل الكاظم (عليه السلام) عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشد الجلد، قال: من فوق الثياب، قال: لا بل يجرد»

و نحوه آخر.

و قيل كما عن الشيخ و جماعة بل هو المشهور كما اعترف به غير واحد، بل عن ظاهر الغنية الإجماع: يجلد على الحال التي وجد عليها إن عاريا فعاريا و إن كان كاسيا فكاسيا، نعم عن ابن إدريس ما لم يمنع الثوب من إيصال شي ء من ألم الضرب، نحو ما عن المبسوط و إن كان يمنع من ألم الضرب كالفروة و الجبة و المحشوة نزعها و ترك بقميص أو قميصين.

و على كل حال فيدل عليه

قول الباقر (عليه السلام) في خبر طلحة بن زيد (2) المنجبر بما سمعت: «و لا يجرد في حد و لا يشبح- يعنى يمد- و يضرب الزاني على الحال التي يوجد عليها إن وجد عريانا ضرب عريانا، و إن وجد و عليه ثيابه ضرب و عليه ثيابه»

مؤيدا ببناء الحدود على التخفيف، و لذا تدرأ بالشبهة فضلا عن المقام، فيخص به حينئذ ما سمعت، و لا ينافيه قوله (عليه السلام) «يجرد» لإمكان إرادة التجريد حال الجلد، لأنه كان حال الزناء مجردا و إن كان كاسيا حال ثبوت الزناء عليه، و حينئذ فلا حاجة إلى ما في كشف اللثام من أنه «قد يجمع بينه و بين ما تقدم بالتخيير، ثم قال: و لفظ «يوجد» في الخبر يحتمل الواو و الجيم و إهمال الدال، و الهمزة و إعجام الخاء و الذال، و على كل حال فيحتمل الوجدان و الأخذ على الزناء و يحتملهما عند الرفع


1- «1» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد الزناء- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد الزناء- الحديث 7.

ج 41، ص: 360

إلى الحاكم» و لا بأس به، و عن المقنع «و يجلدان في ثيابهما التي كانت عليهما حين زنيا، و إن وجدا مجردين ضربا مجردين» و فيه- كما عن المختلف- أن بدن المرأة عورة، فلا يجوز تجريدها كعورة الرجل، و الخبر المزبور ظاهر في الرجل، و احتمال إرادة الجنس منه مجاز محتاج إلى قرينة، و هي مفقودة، بل لعل القرينة على خلافها موجودة.

و كيف كان فيجلد قائما ل

قول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة (1): «يضرب الرجل الحد قائما»

و لأن الحد يقام على الشهرة و القيام أبلغ فيها.

و يجلد أشد الضرب لما سمعته من قول الكاظم (عليه السلام) (2)

و قوله (عليه السلام) في خبر أخيه المروي عن قرب الاسناد (3)

«و يجلد الزاني أشد الجلد»

و نحوه المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (4)

و في

خبر سماعة (5)» عن الصادق (عليه السلام) «حد الزاني كأشد ما يكون من الحدود»

و في ما كتب الرضا (عليه السلام) لمحمد بن سنان (6)

«و علة ضرب الزاني على جسده بأشد الضرب لمباشرته الزناء و استلذاذ الجسد كله به، فجعل الضرب عقوبة له و عبرة لغيره، و هو أعظم الجنايات».

و لكن روى

حريز (7) عن الباقر (عليه السلام) أنه يضرب

متوسطا

«5»- قال: «و يضرب بين الضربتين»

و عن بعض العمل به و لم نتحققه، و الأول أشهر رواية و فتوى.


1- «1» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد الزناء- الحديث- 3.
3- «3» قرب الاسناد ص 111 ط حجر.
4- «4» المستدرك- الباب- 9- من أبواب حد الزناء- الحديث 3.
5- «5» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد الزناء- الحديث- 4.
6- «6» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد الزناء- الحديث- 8.
7- «7» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد الزناء- الحديث- 6.

ج 41، ص: 361

و يفرق الضرب على جسده لأنه كما في بعض النصوص (1)

استلذ بجميع أعضائه و يتقى وجهه و رأسه و فرجه تجنبا عن المثلة و القتل و العمى و اختلال العقل، و ل

قول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة (2) على ما عن الفقيه و التهذيب: «و يضرب على كل عضو و يترك الوجه و المذاكير» و عن الكافي «و يترك الرأس و المذاكير» و عن علي (عليه السلام) «اضرب و أوجع و اتق الرأس و الفرج»

و في مرسل حريز (3)

«يفرق الحد على الجسد كله و يتقى الوجه و الفرج»

و في خبر محمد بن مسلم (4)

«أن الرجم و الضرب لا يصيبان الوجه»

و عن جماعة الاقتصار على استثناء الرأس قولا و في الثاني عن أبي حنيفة و ادعى الإجماع على خلافه، و عن الحلبي الاقتصار على الرأس و الفرج، و لعله أدخل الوجه في الرأس هذا كله في الرجل.

و أما المرأة ف تضرب جالسة و تربط عليها ثيابها ل

قول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة (5)

يضرب الرجل قائما و المرأة جالسة»

و لأنه أستر لها، و لذا ذكر المصنف و غيره ربط الثياب الذي يدل عليه في الجملة ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في المرجومة التي خاط عليها ثوبا جديدا و أنه أمر فشد على الجهنية ثيابها ثم رجمت، و قد سمعت سابقا ما عن المقنع، بل ربما نسب إلى الشيخ و جماعة و إن كنا لم نتحققه، و لكن على كل حال هو واضح الضعف كما عرفت، و الله العالم.


1- «1» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد الزناء- الحديث 8.
2- «2» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد الزناء- الحديث 6.
4- «4» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد الزناء- الحديث 6.
5- «5» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.

ج 41، ص: 362

[النظر الثالث في اللواحق]
[المسألة الأولى إذا شهد أربعة على امرأة بالزناء قبلا فادعت أنها بكر فشهد لها أربع نساء بذلك فلا حد]

النظر الثالث في اللواحق و هي مسائل عشر:

الأولى:

إذا شهد أربعة عدول على امرأة بالزناء قبلا فادعت أنها بكر فشهد لها أربع نساء عدول بذلك فلا حد عليها بلا خلاف أجده فيه، بل في الرياض إجماعا على الظاهر المصرح به في التنقيح، للشبهة الدارئة، و ل

قوي السكوني (1) عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام «أنه أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بامرأة بكر زعموا أنها زنت فأمر النساء فنظرن إليها فقلن هي عذراء، فقال (عليه السلام):

ما كنت لأضرب من عليها من خاتم الله تعالى شأنه»

و خبر زرارة (2) عن أحدهما (عليهما السلام) «في أربعة شهدوا على امرأة بالزناء فادعت البكارة فنظر إليها النساء فشهدن بوجودها بكرا، فقال: تقبل شهادة النساء»

و احتمال عود البكارة فلا تنافي شهادة الزناء الموجبة للحد مع أنه كالاجتهاد في مقابلة النص و الفتوى لا ينافي تحقق الشبهة الدارئة، فتأمل.

بل لعل الظاهر سقوطه مع إطلاق الشهادة به المحتملة كونه في الدبر للشبهة و للخبرين المزبورين، لكن في المسالك ثبوت الزناء مع الإطلاق، لعدم المنافاة. و فيه ما عرفت، نعم لو صرح الشهود بكونه دبرا اتجه حينئذ


1- «1» الوسائل- الباب- 25- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 44.

ج 41، ص: 363

ثبوته و لو علم البكارة كما هو واضح.

و كيف كان ف هل يحد الشهود للفرية قال أبو علي و الشيخ في النهاية و ابن إدريس في كتاب الشهادات على ما حكي:

نعم لأن تقديم شهادة النساء في الخبر السابق يستلزم رد شهادتهم المستلزم لكذبهم، و فيه منع ظاهر، لجواز قبول الشهادتين و الحكم بالتعارض المقتضي للشبهة، و لاحتمال عود البكارة، و إن بعد، و لإشعار ترك ذكره في الخبرين. و لعله لذا رجع عنه الشيخ ف قال في المبسوط:

لا حد عليهم لما عرفت لا لاحتمال الشبهة في المشاهدة الذي لا يخفى عليك ما فيه، و كذا رجع عنه ابن إدريس في المحكي عنه في الحدود، ضرورة تعارض البينتين الموجب للشبهة المسقطة، بل ينبغي الجزم بذلك مع إطلاق الشهادة المحتمل لكونه في الدبر المقتضي لعدم تحقق الفرية أيضا. و بذلك كله يظهر لك ما في قول المصنف و الأول أشبه ضرورة كون الأشبه بأصول المذهب و قواعده السقوط لا الثبوت و الله العالم.

و كذا يسقط الحد عن الزاني الذي شهدوا على زناه بها قبلا أو أطلقوا، للشبهة.

و لو ثبت جب الرجل المشهود على زناه في زمان لا يمكن حدوث الجب بعده درئ الحد عنه و عن التي شهد أنه زنى بها و حد الشهود للفرية بتحقق كذبهم، و كذا يسقط الحد عنها لو شهدن النساء بأنها رتقاء و لكن قيل حد الشهود لعدم إمكان حدوث الرتق عادة، و فيه أن غايته التعارض بين الشهادتين، و مثله القول في الجب، نعم إن حصل العلم به أو بالرتق بالمعاينة أو شهادة عدد التواتر و كان المشهود به الزناء قبلا اتجه حينئذ حدهم للفرية، و الله العالم.

ج 41، ص: 364

[المسألة الثانية لا يشترط عندنا حضور الشهود عند إقامة الحد]

المسألة الثانية:

لا يشترط عندنا حضور الشهود عند إقامة الحد و لو رجما على معنى سقوطه بعدمه كما عن أبي حنيفة بل يقام و إن ماتوا أو غابوا لا فرارا لثبوت السبب الموجب و للأصل و إن وجب بدأتهم بالرجم، إذ لا استلزام بينه و بين الاشتراط، بل و لا دليل على وجوب التأخير إلى حضورهم إذا توقع، إذ لا نظرة في الحدود، نعم إن غابوا فرارا سقط الحد للشبهة، و يرشد إليه

حسن محمد بن قيس (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل أتي به إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فشهد عليه رجلان بالسرقة فأمرهما بأن يمسك أحدهما يده و يقطعها الآخر ففرا، فقال المشهود عليه: «يا أمير المؤمنين شهد علي الرجلان ظلما فلما ضرب الناس و اختلطوا أرسلاني و فرا و لو كانا صادقين لم يرسلاني، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): من يدلني على هذين أنكلهما».

[المسألة الثالثة لا يجب على الشهود حضور موضع الرجم]

المسألة الثالثة:

قال الشيخ: لا يجب على الشهود حضور موضع الرجم للأصل و لعل الأشبه الوجوب، لوجوب بدأتهم بالرجم نصا (2)

و إجماعا محكيا كما تقدم الكلام فيه سابقا و كذا يجب على الامام الحضور


1- «1» الكافي ج 7 ص 264.
2- «2» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.

ج 41، ص: 365

ليبدأ بالرجم الذي أثبته الإقرار، بل قد يفهم من النصوص السابقة المتضمنة لابتداء رجم الشهود ثم الامام وجوب حضوره (عليه السلام) أيضا لو ثبت الزناء بالبينة، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا كان الزوج أحد الأربعة فيه روايتان إحداهما القبول]

المسألة الرابعة:

إذا كان الزوج أحد الأربعة فيه روايتان: إحداهما القبول و هو خيرة الأكثر، و هي

رواية إبراهيم بن نعيم (1) عن الصادق (عليه السلام) «سأله عن أربعة شهدوا على امرأة بالزناء أحدهم زوجها، قال: تجوز شهادتهم»

و الأخرى العدم و هي

رواية زرارة (2) عن أحدهما (عليهما السلام) «في أربعة شهدوا على امرأة بالزناء أحدهم زوجها، قال: يلاعن و يجلد الآخرون»

و عن جماعة العمل بها إلا أنها ضعيفة جدا و لا جابر و مخالفة للعمومات، فهي قاصرة عن معارضة الأولى من وجوه.

و لكن في المتن و وجه الجمع سقوط الحد إن اختل بعض شروط الشهادة، مثل أن يسبق الزوج بالقذف فيحد الزوج أو يدرأ باللعان فيحد الباقون، و ثبوت الحد إن لم يسبق بالقذف و لم يختل بعض الشرائط و قدم تقدم الكلام في ذلك في كتاب اللعان (3).


1- «1» الوسائل- الباب- 12- من كتاب اللعان- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 12- من كتاب اللعان- الحديث 2.
3- «3» راجع ج 34 ص 81- 82.

ج 41، ص: 366

[المسألة الخامسة يجب على الحاكم إقامة حدود الله تعالى بعلمه كحد الزناء]

المسألة الخامسة قد تقدم في كتاب القضاء (1) أن للحاكم أن يحكم بعلمه مطلقا لأنه أقوى من البينة. و حينئذ ف يجب على الحاكم إقامة حدود الله تعالى بعلمه كحد الزناء لأنه المطالب به و المستوفي له و أما حقوق الناس فتقف إقامتها على المطالبة حدا كان أو تعزيرا كما يرشد إليه

خبر الحسين بن خالد (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سمعته يقول: الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحد، و لا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنه أمين الله في خلقه، و إذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره و ينهاه و يمضي و يدعه قلت: كيف ذلك؟ قال: لأن الحق إذا كان لله فالواجب على الإمام إقامته، و إذا كان للناس فهو للناس»

و في الصحيح (3): «إذا أقر على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق الله تعالى، و إذا أقر على نفسه أنه شرب خمرا حده، فهذا من حقوق الله تعالى، و إن أقر على نفسه بالزناء و هو غير محصن فهذا من حقوق الله تعالى، و أما حقوق المسلمين فإذا أقر على نفسه عند الإمام بفرية لم يحده حتى يحضر صاحب الفرية أو وليه، و إذا أقر بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر أولياء المقتول فيطالبوه بدم صاحبهم»

و بمعناه

الصحيح الآخر (4)في حقوق الناس «من أقر على نفسه عند الامام بحق أحد من المسلمين فليس على الامام أن يقيم عليه الحد الذي أقر به عنده حتى يحضر صاحب الحد أو وليه و يطلب


1- «1» راجع: ج 40 ص 88- 92.
2- «2» الوسائل- الباب- 32- من أبواب بقية الحدود- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 32- من أبواب بقية الحدود- الحديث 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 32- من أبواب بقية الحدود- الحديث 2.

ج 41، ص: 367

بحقه»

و قد تقدم تمام الكلام في المسألة في كتاب القضاء (1) و الحمد لله.

[المسألة السادسة إذا شهد بعض و ردت شهادة الباقين]

المسألة السادسة:

إذا شهد بعض و ردت شهادة الباقين أو رد شهادة الجميع قال في الخلاف و المبسوط و محكي السرائر و الجامع و التحرير:

إن ردت بأمر ظاهر كالعمى و الفسق الظاهر حد الجميع لثبوت قذفهم و انتفاء ما يدرأ عنهم حده، و هو ثبوت المقذوف به مع تفريط العدل منهم لعلمه بحال الباقي و إن ردت بأمر خفي لا يطلع عليه إلا آحاد الناس و لم يعلموا به كالفسق الخفي فعلى المردود الحد خاصة دون الباقين لعدم التفريط منهم، و الأصل البراءة، إلا أن المحكي عن المبسوط أنه لا يحد المردود الشهادة أيضا، محتجا له في محكي المختلف بأنه قد لا يعلم أنه ترد شهادته بما ردت به، فكان كالثلاثة، و أجاب بالفرق بأنه يعلم أنه على صفة ترد الشهادة مع العلم بها بخلاف الثلاثة.

و على كل حال ف فيه أي التفصيل المزبور إشكال من حيث تحقق القذف العاري عن بينة أو شبهة دارئة للحد، و التفريط و عدمه لا مدخلية له بعد تناول إطلاق الأدلة، نعم لو كانوا مستورين و لم تثبت عدالتهم و لا فسقهم فلا حد عليهم للشبهة، مع أن في

خبر أبي بصير (2) عن الصادق (عليه السلام) «في أربعة شهدوا على رجل بالزناء فلم يعدلوا، قال: يضربون الحد»

لكنه ضعيف


1- «1» راجع ج 40 ص 86- 92.
2- «2» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد القذف- الحديث 4.

ج 41، ص: 368

محتمل لظهور الفسق، فالمتجه في الفرض حينئذ عدم ثبوت الزناء، فيوقف الحكم إلى أن يظهر حالهم فاما أن يحدهم أو المشهود عليه، و قبل ذلك يدرأ الحد عنه و عنهم، و الله العالم.

و لو رجع منهم واحد مثلا بعد شهادة الأربع و الحكم بها حد الراجع دون غيره قطعا، لصدق الإتيان بالبينة المسقطة، بل مقتضى إطلاق المصنف و غيره من الأصحاب أنه كذلك أيضا قبل الحكم بها للإطلاق المزبور، لكن قد يشكل بأن الرجوع قبل الحكم بمنزلة عدم الشهادة، بل في كشف اللثام الجزم بذلك فيحد الجميع حينئذ بخلاف الأول، قال: و عليه ينزل إطلاق الأصحاب، قلت: قد يقال: إن مقتضى الآية و غيرها السقوط أيضا، خصوصا مع بناء الحد على التخفيف و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا وجد مع زوجته رجلا يزني بها فله قتلهما]

المسألة السابعة:

إذا وجد مع زوجته رجلا يزني بها و علم بمطاوعتها له فله قتلهما و إن لم يكن له استيفاء الحد و لا إثم عليه كما عن الشيخ و جماعة القطع به، لكن قيده- كما عن ابن إدريس- باحصانهما و مقتضى إطلاق المصنف و غيره، بل عنه في النكت القطع به الإطلاق أي سواء كان الفعل يوجب الرجم أو الجلد، كما لو كان الزاني غير محصن أو كانا غير محصنين، و سواء كان الزوجان حرين أم عبدين أم بالتفريق، و سواء كان الزوج قد دخل أم لا، و سواء كان دائما أم متعة لإطلاق الرخصة المستفادة من إهدار دم من اطلع على قوم ينظر إلى عوراتهم

ج 41، ص: 369

و ما ورد (1)

من إهدار دم من راود امرأة على نفسها حراما فقتلته، و

خبر الفتح بن يزيد الجرجاني (2) قال لأبي الحسن (عليه السلام):

«رجل دخل دار غيره ليتلصص أو للفجور فقتله صاحب الدار، فقال:

من دخل دار غيره هدر دمه، و لا يجب عليه شي ء»

و ما

روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (3)

«في رجل قتل رجلا و ادعى أنه رآه مع امرأته، فقال (عليه السلام): عليه القود إلا أن يأتيه ببينة».

و لكن

في الصحيح (4)

«أن داود بن فرقد قد سمع الصادق (عليه السلام) يقول: إن أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله) قالوا لسعد بن عبادة: لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا؟

قال: كنت أضربه بالسيف، فخرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: ما ذا يا سعد؟ قال سعد: قالوا: لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت تصنع به؟ قلت: أضربه بالسيف، فقال: يا سعد و كيف بالأربعة الشهود؟ فقال: يا رسول الله بعد رأي عيني و علم الله أن قد فعل قال: أي و الله بعد رأي عينك و علم الله أن قد فعل، لأن الله عز و جل قد جعل لكل شي ء حدا، و جعل لمن تعدى ذلك الحد حدا».

و يمكن أن يكون بيانا للحكم في الظاهر و إن لم يكن عليه إثم في ما بينه و بين الله، إذ لا إشكال و لا خلاف في أنه في الظاهر عليه القود إلا أن يأتي على دعواه ببينة أو يصدقه الولي و في

صحيح


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من أبواب القصاص في النفس من كتاب القصاص.
2- «2» الوسائل- الباب- 27- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 من كتاب القصاص.
3- «3» الوسائل- الباب- 69- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 من كتاب القصاص.
4- «4» الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.

ج 41، ص: 370

آخر له (1) أيضا من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب ما كتبه معاوية إلى أبي موسى من أن ابن أبي الحسن وجد مع امرأته رجلا فقتله: «إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد و إلا دفع برمته»

و مقتضاه كالأول عدم القود مع البينة مطلقا سواء كان الزناء موجبا للرجم أو الجلد.

و لا يشكل ذلك بعدم ثبوت مقتضى القتل، و الرخصة منوطة بحكمه في نفس الأمر لا في الظاهر، و ذلك لأنها أباحت له قتلهما مطلقا، و إنما يتوقف جريان هذا الحكم ظاهرا على إثبات أصل الفعل، و يختص تفصيل الحد بالرجم و الجلد و غيرهما بالإمام دون الزوج، كما هو مقتضى ما سمعته من النصوص المفيدة ذلك المعتضدة بالعمل، نعم هي مختصة بمشاهدة الزوج دون البينة التي سماعها من وظيفة الحاكم، بل و دون الإقرار و إن استشكل فيه في المسالك، و الله العالم.

[المسألة الثامنة من افتض بكرا حرة بإصبعه لزمه مهر نسائها]

المسألة الثامنة:

من افتض بكرا حرة بإصبعه لزمه مهر نسائها بلا خلاف أجده فيه رجلا كان أو امرأة، ففي

صحيح ابن سنان (2)عن الصادق (عليه السلام) «في امرأة افتضت جارية بيدها قال: عليها المهر و تضرب الحد»

و نحوه في طريق آخر (3)

و لكن بإبدال ضرب الحد بجلد ثمانين كما

في ثالث (4)

«ان أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى بذلك و قال: «تجلد ثمانين»

و إطلاق الجارية و إن شمل الحرة و الأمة، بل عن المفيد و الصدوق إطلاق المهر من غير تفصيل إلا أن


1- «1» الوسائل- الباب- 69- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 من كتاب القصاص.
2- «2» الوسائل- الباب- 39- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 39- من أبواب حد الزناء- الحديث 4.
4- «4» الوسائل- الباب- 39- من أبواب حد الزناء- الحديث 3.

ج 41، ص: 371

المنساق منها هنا الحرة و لذا و ما تسمعه فصل غيرهما، فالمصنف و الأكثر على أنه لو كانت أمة لزمه عشر قيمتها ل

خبر طلحة بن زيد (1) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «إذا اغتصب الرجل أمة فافتضها فعليه عشر ثمنها، فان كانت حرة فعليه الصداق»

المنجبر بما عرفت و بالنصوص (2)

المتقدمة في كتاب النكاح (3) المشتملة على أن من وطئ أمة غيره بغير إذنه و كانت بكرا فعليه ذلك بل و بما قيل من عمل المتأخرين به كافة عدا الفاضل في المختلف، فاختار فيه أنه يلزمه الأرش تبعا للحلي عملا بقاعدة الجناية، و ثاني الشهيدين في المسالك، فمال إلى وجوب أكثر الأمرين، و هما معا كما ترى منافيان لما عرفت من أن الأول مروي في الخبر (4) المعتبر الذي يجب الخروج به عن القاعدة و غيرها.

ثم إن الظاهر إرادة التعزير من الحد في الصحيح و المحكي من عبارة المقنع كما يطلق عليه كثيرا، ضرورة عدم حد في ذلك، خصوصا بعد التصريح في غيره بالثمانين التي يحكى عن المفيد و الديلمي أنها أكثره، قالا فيجلد حينئذ من ثلاثين إليها، و عن الشيخ من ثلاثين إلى سبعة و تسعين و عن ابن إدريس إلى تسعة و تسعين تنزيلا على قضية المصلحة أو لا تقدير فيه قلة و لا كثرة، فيفوض إلى رأي الحاكم كما عن الأكثر، و لعله الأقوى، لإطلاق ما دل على ذلك فيه، و لا معارض له إلا خبر الثمانين الظاهر في تعينها، و لا قائل به أصلا، فيطرح أو يكون المراد بيان أحد


1- «1» الوسائل- الباب- 39- من أبواب حد الزناء- الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 35 و 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.
3- «3» راجع ج 30 ص 218- 222.
4- «4» الوسائل- الباب- 39- من أبواب حد الزناء- الحديث 5.

ج 41، ص: 372

أفراده، و لو كان المفتض بالإصبع الزوج فعل حراما، قال بعضهم و عزر و استقر المسمى، فتأمل.

[المسألة التاسعة من تزوج أمة على حرة مسلمة فوطئها قبل الإذن كان عليه ثمن حد الزاني]

المسألة التاسعة:

من تزوج أمة على حرة مسلمة فوطئها عالما بالتحريم قبل الاذن من الحرة في ذلك و لو لاحقة كان عليه ثمن حد الزاني لخبري حذيفة بن منصور (1)

و

منصور بن حازم (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل تزوج أمة على مسلمة و لم يستأمرها قال: يفرق بينهما، قال: فعليه أدب، قال: نعم اثنا عشر سوطا و نصف- ثمن حد الزاني- و هو صاغر، قلت: فان رضيت الحرة المسلمة بفعله بعد ما كان فعل، قال: لا يضرب، يبقيان على النكاح الأول»

و كذا في

صحيح هشام بن سالم (3) عنه (عليه السلام) أيضا «في من تزوج ذمية على مسلمة»

و في هذا الخبر و غيره ما صرح به غير واحد من أن طريق التنصيف أن يؤخذ السوط بالنصف فيضرب به، و لعله المتبادر، و قيل أن يضرب بين الضربين، و لا شاهد عليه.

ثم إنه لا تصريح في الخبرين المزبورين بالوطء، إلا أنه قد ذكره المصنف و غيره، بل لا أجد فيه خلافا، بل عن بعض الإجماع عليه، و لعله لأنه المنساق، أو لما في كشف اللثام من أنه بناء على صحة التزويج و إباحته و التوقف على الاذن ابتداء أو استدامة لكن في الرياض «فيه


1- «1» الوسائل- الباب- 47- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة- الحديث 2 من كتاب النكاح.
2- «2» الوسائل- الباب- 49- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 7- من أبواب ما يحرم بالكفر- الحديث 4 من كتاب النكاح.

ج 41، ص: 373

نظر، لمصير جملة منهم إلى فساد العقد من أصله، كما مر في النكاح و إن كان الأصح خلافه، لما مر ثمة مع تأيده بما حكموا به هنا، إذ لو لا الصحة لزم بالوطء الحد كملا لا ثمنا، هذا مع أن الحكم بالصحة لا يستلزم نفي العقوبة إلا باستلزامها الإباحة، و الملازمة في أمثال المقام ممنوعة، سيما بعد الاتفاق على الحرمة فتوى و رواية و حينئذ فيحتمل لزوم ثمن الحد، لارتكابها لا لفساد المناكحة، مع أن فسادها يقتضي إيجاب تمام العقوبة لا بعضها كما عرفته، و بالجملة الوجه في اعتبارهم الوطء غير واضح إلا أن يدعى تبادر التزويج المتضمن له من التزويج المطلق في النصوص، و يحتاج إلى تأمل» قلت قد سمعت ما في كشف اللثام من كون ذلك مبنيا على الصحة و الإباحة و الاذن سابقا أو لاحقا، و دعوى الاتفاق المزبور على الحرمة واضحة المنع، ضرورة انسياق إرادة معاملته معاملة النكاح غير المتوقف على الاذن من النهي فيهما لا مجرد إيقاع العقد و إن تعقبه الاستثمار كما هو واضح.

و من زوج أمته من غيره و لو كان عبده ثم وطئها عالما بالتحريم فعليه الحد كملا جلدا أو رجما بلا خلاف و لا إشكال، لإطلاق الأدلة و خصوص

الصحيح (1)

«في رجل زوج أمته رجلا ثم وقع عليها، قال:

يضرب الحد»

و الله العالم.

[المسألة العاشرة من زنى مثلا في شهر رمضان نهارا كان أو ليلا عوقب زيادة على الحد]

المسألة العاشرة:

من زنى مثلا في شهر رمضان نهارا كان أو ليلا عوقب زيادة على الحد بحسب ما يراه الحاكم لانتهاكه الحرمة،


1- «1» الوسائل- الباب- 8- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.

ج 41، ص: 374

و كذا لو كان في مكان شريف كالمساجد و المشاهد المشرفة بلا خلاف أجده فيه أو زمان شريف كما في

المرسل (1)

«أنه أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنجاشي الشاعر و قد شرب الخمر في شهر رمضان فضربه ثمانين ثم حبسه ليلة ثم دعا به من الغد فضربه عشرين سوطا، فقال: يا أمير المؤمنين ضربتني ثمانين في شرب الخمر فهذه العشرون ما هي؟ فقال: هذه لجرأتك في شهر رمضان»

و من التعليل يستفاد الحكم لغير مورده كما فهمه الأصحاب، و يشهد له الاعتبار، بل لا يبعد ملاحظة الخصوصيات أيضا في الأزمنة و الأمكنة، كليلة القدر من شهر رمضان و قرب المضاجع المعظمة من المشاهد مثلا إلى غير ذلك مما يكون فيه هتك حرمة أو زيادة هتك، و الله العالم.

[الباب الثاني في اللواط و السحق و القيادة]
[أما اللواط]

الباب الثاني في اللواط و السحق و القيادة

أما اللواط فهو وطء الذكران من الآدمي بإيقاب و غيره و اشتقاقه من فعل قوم لوط، و حرمته من ضروري الدين فضلا عما دل عليه في الكتاب (2) المبين و سنة سيد المرسلين و آله الطيبين الطاهرين


1- «1» الوسائل- الباب- 9- من أبواب حد المسكر- الحديث 1.
2- «2» سورة الأعراف: 7- الآية 80 و سورة النمل: 27- الآية 54 و 55.

ج 41، ص: 375

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) (1)

«من جامع غلاما جاء جنبا يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا، و غضب الله عليه و لعنه و أعد له جهنم و ساءت مصيرا، ثم قال: إن الذكر ليركب الذكر فيهتز العرش لذلك، و إن الرجل لو أتي في حقبه فيحبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يفرغ الله من حساب الخلائق، ثم يؤمر به إلى جهنم فيعذب بطبقاتها طبقة طبقة حتى يرد إلى أسفلها، و لا يخرج منها»

و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (2)

«لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرتين لرجم اللوطي»

و في آخر عنه (عليه السلام) (3) أيضا «اللواط ما دون الدبر، و الدبر هو الكفر»

و قال الصادق (عليه السلام) (4): «حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج، إن الله تعالى أهلك أمة بحرمة الدبر، و لم يهلك أحدا بحرمة الفرج»

و سأله (عليه السلام) حذيفة (5) عن اللواط فقال:

«بين الفخذين، و سأله عن الوقب فقال: ذلك الكفر بما أنزله الله على نبيه (صلى الله عليه و آله)»

إلى غير ذلك.

و المراد بالإيقاب على ما في المسالك: إدخال الذكر و لو بعض الحشفة لأن الإيقاب لغة الإدخال، فيتحقق الحكم و إن لم يجب الغسل، لكن في الروضة و الرياض هو إدخال شي ء من الذكر في دبره و لو بمقدار الحشفة و ظاهرهم هنا الاتفاق على ذلك و إن اكتفوا في تحريم أمه و أخته و بنته


1- «1» ذكر صدره في الوسائل- في الباب- 17- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 1 و ذيله في الباب- 18- منها- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد اللواط- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 20- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 2 من كتاب النكاح.
4- «4» الوسائل- الباب- 17- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 2 من كتاب النكاح.
5- «5» الوسائل- الباب- 20- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 3 من كتاب النكاح.

ج 41، ص: 376

بإدخال البعض، و هو مناف لما سمعته منه في المسالك التي حكى فيها عن الفاضل في القواعد حده غيبوبة الحشفة، و رده بأن مطلق الإيقاب لا يدل على ذلك، و نحوه ما في كشف اللثام من أن النصوص و الفتاوى مطلقة تتناول ما دون ذلك، قال: و يمكن تعميم الحشفة للكل و البعض. و على كل حال فالظاهر أن إطلاق اللواط على غيره من التفخيذ أو الفعل بين الأليتين من المجاز، و إدراج المصنف له في تعريفه تبعا للنصوص التي منها ما سمعته، بل ربما كان الظاهر من بعضها كونه المراد من اللوطي.

و كيف كان ف كلاهما لا يثبتان إلا بالإقرار أربع مرات الذي قطع به الأصحاب، ففي

الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)قال: «بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) في ملأ من أصحابه إذ أتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام فطهرني، فقال: يا هذا امض إلى منزلك لعل مرارا هاج بك، فلما كان من غد عاد إليه- و قال مثل ذلك، فأجابه (عليه السلام) كذلك إلى أن فعل ذلك أربع مرات- فلما كانت الرابعة قال له: يا هذا إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) حكم في مثلك بثلاثة أشياء فاختر أيهن شئت، قال: و ما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت، أو دهداه من جبل مشدود اليدين و الرجلين، أو إحراق بالنار، فقال: يا أمير المؤمنين أيهن أشد علي؟ قال: الإحراق، قال: فاني اخترتها، ثم قام فصلى ركعتين ثم جلس في تشهده، فقال:

اللهم إني قد أتيت من الذنب ما علمته، و تخوفت من ذلك فجئت إلى وصي رسولك و ابن عم نبيك فسألته أن يطهرني فخيرني بثلاثة أصناف من العذاب، و إني قد اخترت أشدها، اللهم فإني أسألك أن تجعل ذلك


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد اللواط- الحديث 1.

ج 41، ص: 377

كفارة لذنوبي و أن لا تحرقني بنارك في آخرتي، ثم قام و هو باك حتى جلس في الحفيرة التي حفرها له أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو يرى النار تأجج حوله، فبكى أمير المؤمنين (عليه السلام) و بكى أصحابه جميعا و قال له أمير المؤمنين (عليه السلام): قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء و ملائكة الأرضين، و أن الله قد تاب عليك فقم و لا تعاودن شيئا مما فعلت».

أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة على حسب ما سمعته في الزناء.

و لكن يشترط في المقر البلوغ و كمال العقل و الحرية و الاختيار فاعلا كان أو مفعولا إذ لا عبرة بإقرار الصبي و المجنون و العبد الذي هو إقرار في حق سيده و المكره و لو أقر دون أربع لم يحد و عزر لثبوت الفسق بذلك،

لعموم «إقرار العقلاء (1)

و إن لم يثبت الحد، إذ لا تلازم، نحو ما سمعته في الزناء و إن توقف فيه بعض الناس و تبعه في الرياض، فإنه بعد أن نسب إليهم ذلك معللين له بالاعتراف بالفسق قال: «و لم أعرف دليل الكلية مع منافاة الحكم مطلقا الصحيحة السابقة حيث لم ينقل فيها التعزير في الإقرارات الثلاثة» و فيه أن ذلك أعم و قد مر كلية قبول الإقرار و التعزير على كل معصية معلومة و الله العالم.

و لو شهد بذلك دون الأربعة لم يثبت و كان عليهم الحد للفرية و إن انضم إليهم النساء، إذ لا يثبت بشهادتهن انفردن أو انضممن، لعموم الأخبار (2)

بعدم قبول شهادتهن في الحدود، خلافا للصدوقين و ابن زهرة كما تقدم الكلام فيه في كتاب الشهادات، و خروج الزناء على


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 29 و 30 و 42.

ج 41، ص: 378

بعض الوجوه بدليله لا يقتضي التعدية بعد حرمة القياس عندنا.

و لا يثبت بغير ما عرفت للأصل و غيره.

نعم يحكم الحاكم فيه بعلمه الذي هو أعظم من البينة إماما كان أو غيره على الأصح الذي تقدم في كتاب القضاء، و ما عن الكافي- من أنه إن تزيا بزي المرأة و اشتهر بالتمكين من نفسه و هو المخنث في عرف العادة قتل صبرا و إن فقد البينة و الإقرار بإيقاع الفعل، لنيابة الشهرة منابهما- لا يخفى ما فيه ما لم يصل ذلك إلى حد العلم للحاكم أو الشهود الذين يشهدون عنده، كما هو واضح.

و موجب الإيقاب بالفتح القتل بالكيفية الآتية على الفاعل و المفعول بلا خلاف أجده فيه نصا (1)

و فتوى بل الإجماع بقسميه عليه إذا كان كل منهما بالغا عاقلا مختارا و يستوي في ذلك الحر و العبد و المسلم و الكافر و المحصن و غيره بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل في المسالك العبد هنا كالحر بالإجماع و إن كان الحد بغير القتل، و ليس في الباب مستند ظاهر غيره.

و لو لاط البالغ العاقل المختار بالصبي موقبا قتل البالغ لأنه حده و أدب الصبي و كذا لو لاط بمجنون (11) بما يراه الحاكم مع الشعور به، ل

خبر أبي بكر الحضرمي (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل و امرأة قد لاط زوجها بابنها من غيره و ثقبه و شهد عليه الشهود بذلك، فأمر به أمير المؤمنين (عليه السلام) فضرب بالسيف حتى قتل، و ضرب الغلام دون الحد، و قال: لو كنت مدركا لقتلتك، لإمكانك إياه من نفسك»

و لو لاط الصبي أو المجنون بمثلهما أدبا معا. و لو لاط بعبده حدا


1- «1» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد اللواط- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد اللواط- الحديث 1.

ج 41، ص: 379

قتلا مع الإيقاب أو جلدا بدونه، خلافا لبعض العامة، فنفى الحد بوطء المملوك، لشبهة عموم تحليل ملك اليمين.

و لو ادعى العبد الإكراه سقط عنه دون المولى لقيام القرينة فيه المقتضية للشبهة فيه دونه، بل في الرياض و منه يظهر انسحاب الحكم في ما لو ادعى الإكراه من غير مولاه مع إمكانه. و كذا في كل من ادعاه معه كما صرح به جماعة، لعموم (1) درء الحد بالشبهة.

و لو لاط مجنون بعاقل حد العاقل بلا خلاف و لا إشكال و في ثبوته على المجنون قولان: أشبههما بأصول المذهب و قواعده و أشهرهما عملا بل عن الغنية الإجماع عليه السقوط خلافا للمحكي عن الشيخين و أتباعهما استنادا إلى وجوبه عليه مع الزناء، و الأصل عندنا ممنوع كما عرفته سابقا، و لو لاط الصبي ببالغ قتل البالغ و أدب الصبي كما في القواعد و شرحها لعموم الأدلة، و ليس هو كزناء الصبي بالمرأة المحصنة الذي وجد فيه النص (2)

على أنها لا ترجم، و قد يقال بمثله هنا، لإطلاق ما دل (3)

على أن حد الواطئ مثل حد الزاني، و لعله لذا تركه المصنف.

و لو لاط الذمي بمسلم قتل و إن لم يوقب بلا خلاف أجده فيه لهتك حرمة الإسلام فهو أشد من الزناء بالمسلمة، كما أن الحربي أشد من الذمي و لو لاط بمثله كان الامام مخيرا بين إقامة الحد عليه و بين دفعه إلى أهل ملت ه ليقيموا عليه حدهم على نحو ما سمعته في الزناء، إذ لا نص هنا بالخصوص عليه، و الله العالم.


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد اللواط- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 9- من أبواب حد اللواط- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد اللواط.

ج 41، ص: 380

و كيفية إقامة هذا الحد القتل إن كان إيقابا بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص. و لكن في رواية حماد بن عثمان (1)

و غيرها إن كان محصنا رجم و إن كان غير محصن جلد

قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل أتى رجلا قال: إن كان محصنا القتل و إن لم يكن محصنا فعليه الحد، قلت: فما على المؤتى؟ قال: عليه القتل على كل حال محصنا كان أو غير محصن»

و في

صحيح أبي بصير (2)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا ثقب و كان محصنا الرجم»

و في رواية زرارة (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) «اللواط حده حد الزاني»

و قد عرفت التفصيل في حد الزاني و في

رواية العلاء بن الفضيل (4) عنه (عليه السلام) أيضا «حد اللوطي مثل حد الزاني، و قال: إن كان قد أحصن رجم و إلا جلد»

و في مرسل ابن أبي عمير (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «في كتاب علي (عليه السلام) إذا وجد الرجل مع الغلام في لحاف واحد مجردين ضرب الرجل و أدب الغلام، و إن كان ثقب و كان محصنا رجم»

إلى غير ذلك.

و لكن الأول أشهر رواية في العمل، بل قد عرفت عدم الخلاف فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه، فوجب حمل النصوص المزبورة القاصر بعضها سندا و آخر دلالة- إذ إثبات الرجم على المحصن


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد اللواط- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد اللواط- الحديث 7.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد اللواط- الحديث 1. و فيه «الملوط حده.».
4- «4» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد اللواط- الحديث 3.
5- «5» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد اللواط- الحديث 7 عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام.

ج 41، ص: 381

لا ينافي الحكم بقتل غيره مضافا إلى اشتمال بعضها على التفصيل بين الواطئ و الموطوء المعلوم عدم عامل به إلا ما يحكى عن ظاهر اقتصار الفقيه عليه و صريح المقنع- على التقية أو طرحها.

ثم المشهور- بل عن ابن إدريس نفي الخلاف فيه، بل عن الغنية و الانتصار الإجماع عليه إلا أنهما لم يذكرا الإحراق- أن الامام مخير في قتله بين ضربه بالسيف أو تحريقه أو رجمه أو إلقائه من شاهق أو إلقاء جدار عليه و ما عن السيد و سلار من عدم ذكر الأولين و الأخير ليس خلافا و إلا كان محجوجا بما سمعته من النصوص (1)

مضافا إلى

خبر القداح (2) عن الصادق (عليه السلام) «أنه كتب خالد إلى أبي بكر أنه أتي برجل يؤتى في دبره فاستشار أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:

أحرقه بالنار، فان العرب لا ترى القتل شيئا»

و إلى ما سمعته من نصوص الرجم مع الإحصان (3)

بل قد يفهم مما مر من

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (4)

«لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرتين لرجم اللوطي»

و عنه (عليه السلام) (5) أيضا «أنه رجم بالكوفة رجلا كان يؤتى في دبره»

و عنه (عليه السلام) (6) أيضا أنه قال في اللواط: «هو ذنب لم يعص الله به إلا أمة من الأمم فصنع بها ما ذكره في كتابه من رجمهم بالحجارة، فارجموهم كما فعل الله عز و جل»

و عنه (عليه السلام) (7)أيضا «إذا كان الرجل كلامه كلام النساء و مشيته مشية النساء و يمكن


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد اللواط.
2- «2» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد اللواط- الحديث- 9.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد اللواط.
4- «4» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد اللواط- الحديث- 2.
5- «5» المستدرك- الباب- 1- من أبواب حد اللواط- الحديث 6.
6- «6» المستدرك- الباب- 15- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 2 من كتاب النكاح.
7- «7» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد اللواط- الحديث- 5.

ج 41، ص: 382

من نفسه فينكح كما تنكح النساء فارجموه و لا تستحيوه».

نعم لم أقف على الأخير إلا ما في كشف اللثام من أن فيه خبرا عن الرضا (عليه السلام) (1)

و هو و إن كان مرسلا إلا أنه كضعف غيره منجبر بما عرفت، و من هنا لا يعارض مفهوم العدد في الحسن منطوق غيره، مع أن ظاهره كون التخيير إلى المحدود دون الامام، و هو خلاف النص و الفتوى.

و يجوز أن يجمع بين أحد هذه و بين تحريقه كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا كما عن السرائر الاعتراف به، و في

صحيح عبد الرحمن العرزمي (2)

«أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر بقتل الذي أخذ في زمن عمر- ثم قال-: قد بقيت له عقوبة أخرى قال: و ما هي؟ قال: ادع من حطب فدعا به، ثم أخرجه فأحرقه بالنار»

هذا كله في من أوقب.

و إن لم يكن إيقابا كالتفخيذ أو بين الأليتين فحده مائة جلدة كما عن الحسن و المفيد و السيد و سلار و الحلبي و ابني زهرة و إدريس، بل في المسالك هو المشهور، و عليه سائر المتأخرين، بل عن صريح الانتصار و ظاهر الغنية الإجماع عليه، للأصل و الاحتياط و

خبر سليمان بن هلال (3) المنجبر بما عرفت عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يفعل بالرجل فقال: إن كان دون الثقب فالحد و إن كان ثقب أقيم قائما ثم ضرب بالسيف»

الظاهر في كون المراد من الحد فيه الجلد.

و قال في النهاية و محكي الخلاف و المبسوط و التهذيب و الاستبصار:


1- «1» المستدرك- الباب- 1- من أبواب حد اللواط الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد اللواط- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد اللواط- الحديث 2.

ج 41، ص: 383

يرجم إن كان محصنا و يجلد إن لم يكن بل في المسالك حكايته عن القاضي و جماعة جمعا بين الروايات السابقة المشتملة على أن حده حد الزاني (1) و بين ما دل (2) على قتله بحمل الأول على غير الموقب و الثاني عليه، و عن المختلف نفي البأس فيه.

و لكن فيه أنه فرع التكافؤ المفقود من وجوه فلا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، و أضعف منه ما عن ظاهر الصدوقين و الإسكافي من القتل مطلقا، لأنهم فرضوه في غير الموقب و جعلوا الإيقاب هو الكفر بالله تعالى أخذا من رواية حذيفة بن منصور (3) السابقة و غيرها المحمولتين بعد قصورهما عن المعارضة على المبالغة أو على المستحل أو غير ذلك، و الله العالم.

و يستوي فيه الحر و العبد بلا خلاف أجده فيه، كما عن الغنية الاعتراف به، بل عن نكت الإرشاد الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الإطلاق و المسلم و الكافر مع عدم كون الفاعل كافرا و المفعول مسلما و إلا قتل كما عرفت و المحصن و غيره.

و لو تكرر منه الفعل و تخلله الحد مرتين قتل في الثالثة، و قيل في الرابعة، و هو أشبه و أحوط في الدماء، و قد سبق الكلام فيه في الزناء الذي يظهر من غير واحد الإجماع على عدم الفرق بينه و بين ما هنا في ذلك، مضافا إلى ما عن الغنية من الإجماع أيضا فيخص به حينئذ


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد اللواط.
2- «2» الوسائل- الباب- 2 و 3- من أبواب حد اللواط.
3- «3» الوسائل- الباب- 47- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 2 من كتاب النكاح.

ج 41، ص: 384

ما دل (1) على قتل أرباب الكبائر في الثالثة، و الله العالم.

و المجتمعان تحت إزار واحد مثلا مجردين و ليس بينهما رحم و لا ضرورة تقتضي ذلك يعزران من ثلاثين سوطا إلى تسعة و تسعين سوطا كما عن الشيخ و ابن إدريس و أكثر المتأخرين، ل

خبر سليمان بن هلال (2)

«سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد، فقال:

أ ذو رحم؟ فقال لا، فقال: أمن ضرورة؟ قال: لا، قال: يضربان ثلاثين سوطا»

و خبر ابن سنان (3) عنه (عليه السلام) «في رجلين يوجدان في لحاف واحد، فقال: يجلدان حدا غير سوط»

فيكون الحكم في الغايتين و ما بينهما منوطا بنظر الامام، و ما فيهما من الضعف منجبر بما عرفت، و من أولهما يستفاد الوجه في التقييد بالمحرم.

لكن في الرياض تبعا للمسالك المناقشة فيه بأن مطلق الرحم لا يوجب تجويز ذلك، و تخلو أكثر النصوص منه قال في الأخير: «فالأولى ترك التقييد به، أو التقييد بكون الفعل محرما، و فيه غنى عن التقييد بالضرورة حينئذ و التجرد أيضا، مع أنه لا وجه لاعتبار الأخير أصلا حيث يحصل التحريم بالاجتماع الذي هو مناط التعزير دونه، و لذا خلا أكثر النصوص عن اعتباره، و بعض النصوص المتعرض له غير صريح في التقييد لكنه ظاهر فيه مع صحة سنده».

قلت: و كفى به حينئذ دليلا للمسألة، مضافا إلى عمل الأصحاب و إمكان منع الحرمة مع عدم التجريد خصوصا بعد ملاحظة السيرة، و كذا الكلام في التقييد بالمحرمية المستفادة مما عرفت، بل قد يقال: إن المدار


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 21.
3- «3» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 18.

ج 41، ص: 385

في ذلك على الريبة و التهمة لا مطلق الاجتماع و لو من المؤتمنين، بل لعل اعتبار التجريد و عدم المحرمية مشعر بذلك. و على كل حال فما عن المفيد- من عشرة إلى تسعة و تسعين سوطا بحسب ما يراه الحاكم من مثلهما في الحال و بحسب التهمة لهما و الظن بهما السيئات، و نحوه عن ابن زهرة- لم أقف له على دليل.

و عن أبي علي و الصدوق الحد مائة سوط، ل

صحيح الحلبي (1)

«حد الجلد أن يوجدا في لحاف واحد، و الرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحد، و المرأتان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحد»

و كذا في

صحيح ابن مسكان (2)و في حسن ابن عبد الرحمن بن الحجاج(3)

«كان علي (عليه السلام) إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد»

و في حسن أبي عبيدة (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) «كان علي (عليه السلام) إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجردين جلدهما حد الزاني مائة جلدة كل واحد منهما»

و في

صحيح الحسين بن سعيد(5)

«قرأت بخط رجل أعرفه إلى أبي الحسن (عليه السلام) ما حد رجلين وجدا نائمين في ثوب واحد؟ فكتب مائة سوط».

و عن الشيخ أنه حمل نحوها على ما إذا تكرر منهما الفعل و تخلل التعزير، و لعل الأولى منه الحمل على إرادة بيان أن ذلك هو الغاية، نحو ما سمعته في اجتماع المرأة و الرجل كذلك، و لكن ناقش فيه في المسالك بأن هذه أكثر و أجود سندا، و ليس فيها التقييد بعدم المحرمية بينهما و عدم التقييد أجود، لأن المحرمية لا تجوز الاجتماع المذكور إن لم تؤكد


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 22.
3- «3» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 15.
5- «5» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد اللواط- الحديث 5.

ج 41، ص: 386

التحريم، و قد عرفت ما فيه، مضافا إلى استبعاد التهمة معه. هذا و قد ينقدح مما سمعته في اجتماع الرجل و الامرأة الذي هو ادعى من المقام عدم اعتبار التحديد بالأقل و أنه موكول إلى نظر الحاكم، و كذا الكلام في اجتماع المرأتين الذي سيأتي، و الله العالم.

و لو تكرر ذلك منهما و تخلله التعزير حدا في الثالثة كما في القواعد و غيرها و عن الشيخ و بني إدريس و البراج و سعيد، لفحوى

خبر أبي خديجة (1) عن الصادق (عليه السلام) الوارد في الامرأتين قال:

«ليس لهما أن تناما في لحاف واحد إلا أن يكون بينهما حاجز، فان فعلتا نهيتا عن ذلك، فان وجدتا مع النهي جلدت كل واحدة حدا فان وجدتا أيضا في لحاف واحد حدتا، فان وجدتا الثالثة حدتا، فان وجدتا الرابعة قتلتا»

بناء على أن المراد من حدهما في الثانية التعزير و من النهي أولا مجرد الأمر بالترك، و لكنه كما ترى مع كونه أخص من المدعى متضمن لما لا يقولون به كما ستعرف، و عن ابن حمزة أنهما إن عادا ثلاثا و عزرا بعد كل مرة قتلا في الرابعة.

و كذا يعزر من قبل غلاما ليس له بمحرم بشهوة بلا خلاف أجده فيه كغيره من المحرمات، و في

الخبر (2)

«من قبل غلاما بشهوة لعنته ملائكة السماء و ملائكة الأرض و ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب»

و في آخر (3)

«ألجمه الله بلجامين من نار»

بل لا فرق بين المحرم و غيره في ذلك، بل لعله في الأخير آكد، فما في المتن و غيره من التقييد غير واضح الوجه، إلا أن يحمل على إيراده مورد الغالب من ظهور الشهوة


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 25.
2- «2» المستدرك- الباب- 18- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 3 من كتاب النكاح.
3- «3» الوسائل- الباب- 21- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 1.

ج 41، ص: 387

فيه دون المحرم، بل لا فرق بينه و بين الكبير و لا بينه و بين الجارية و المرأة التي قد عرفت الكلام فيها، إذ المناط في الجميع واحد هذا.

و عن إسحاق بن عمار (1)

«سأل الصادق (عليه السلام) عن محرم قبل غلاما بشهوة قال: يضرب مائة»

و لعله تغليظ للإحرام، و استحسنه في الرياض لو لا أن المشهور عدم اشتراط بلوغ التعزير الحد، و فيه منع ذلك مع فرض اجتماع جهات التعزير، كما هو واضح.

و إذا تاب اللائط قبل قيام البينة سقط الحد، و لو تاب بعده لم يسقط، و لو كان مقرا كان الامام مخيرا في العفو و الاستيفاء كما تقدم الكلام في ذلك في الزناء، و الله العالم.

[أما السحق]
اشارة

و الحد في السحق الذي هو وطء المرأة مثلها المكنى عنه في النصوص باللواتي مع اللواتي (2) التي لعنها الله و الملائكة، و من بقي في أصلاب الرجال و أرحام النساء (3) و هن في النار، و عليهن سبعون حلة من نار، و فوق تلك الحلل جلد جافي غليظ من نار، و عليهن نطاق من نار و تاج من نار من فوق تلك الحلل و خفاف من نار (4) و هو الزناء الأكبر الذي أحدثه في الناس لاقيس بنت إبليس (5) كما أحدث أبوها اللواط بالرجال، فاستغنى الرجال بالرجال و النساء بالنساء (6)، و يؤتى بهن يوم القيامة و قد ألبسن مقطعات من النار و قنعن بمقانع من نار و بردين


1- «1» الوسائل- الباب- 21- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من أبواب النكاح المحرم- الحديث- 4- من كتاب النكاح.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من أبواب النكاح المحرم- الحديث- 5- من كتاب النكاح.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من أبواب النكاح المحرم- الحديث- 4- من كتاب النكاح.
5- «5» الوسائل- الباب- 24- من أبواب النكاح المحرم- الحديث- 5- من كتاب النكاح.
6- «6» الوسائل- الباب- 17- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 4 و الباب- 24- منها الحديث 1 من كتاب النكاح.

ج 41، ص: 388

من نار و أدخل في أجوافهن إلى رؤوسهن أعمدة من نار و قذف بهن في النار (1) إلى غير ذلك مما ورد فيه.

و على كل حال فحده مائة جلدة مع البلوغ و العقل و الاختيار حرة كانت أو أمة مسلمة أو كافرة محصنة أو غير محصنة للفاعلة و المفعولة وفاقا للأكثر كما في كشف اللثام، بل المشهور كما في الرياض، بل في المسالك نسبته إلى المفيد و المرتضى و أبي الصلاح و ابن إدريس و سائر المتأخرين، بل عن السرائر نسبته إلى أصحابنا مشعرا بالإجماع عليه، كظاهر المحكي عن الانتصار، ل

موثق زرارة (2) عن الباقر (عليه السلام) «المساحقة تجلد»

بناء على إرادة بيان حد الجلد المقابل للرجم في الزناء و هو المائة و لو بقرينة ما سمعت، و

المرسل عن بعض الكتب (3) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «السحق في النساء كاللواط في الرجال، و لكن فيه جلد مائة، لأنه ليس فيه إيلاج»

و ظاهر ما ورد عنه (عليه السلام) (4)

أيضا من جلد المجتمعين في لحاف واحد أو ضربهما الحد، و بما أرسله في الروضة من أن فيه أخبارا صحيحة و إن كان فيه ما فيه، و بذلك يخرج عما يقتضي التنصيف في الأمة، إذ التعارض من وجه، و الترجيح لما هنا، لما عرفت. كما أن ظاهرهم هنا عدم الفرق بين المسلمة و الكافرة فاعلة أو مفعولة و إن اختلف ذلك في اللواط، كما عرفت.

نعم قال الشيخ في النهاية: ترجم مع الإحصان و تحد


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 3 من كتاب النكاح.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد السحق- الحديث 2 و فيه «الساحقة تجلد».
3- «3» المستدرك- الباب- 1- من أبواب حد السحق- الحديث 4.
4- «4» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء.

ج 41، ص: 389

مع عدمه و نحوه عن القاضي و ابن حمزة، بل ما إليه في المسالك للحسن بل

الصحيح (1) عن الصادق (عليه السلام) «أنه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق، فقال: حدها حد الزاني، فقالت المرأة: ما ذكر الله ذلك في القرآن، فقال: بلى، قالت: و أين؟

فقال: هن أصحاب الرس (2)»

و نحوه خبر إسحاق بن حريز (3) عنه (عليه السلام) أيضا مؤيدا ذلك بما سمعته من الصحيح و غيره (4)

في المسألة الثانية المشتمل على رجم الواطية و جلد الموطوءة إلا أنه يمكن إرادة المماثلة منه في الجلد و لو بقرينة ما عرفت، لكن في

الخبر (5) المروي عن الاحتجاج عن القائم (عليه السلام) «أنه سئل عن الفاحشة المبينة التي إذا فعلت ذلك يجوز لبعلها أن يخرجها من بيته في أيام عدتها فقال: تلك الفاحشة السحق و ليست في الزناء، لأنها إذا زنت يقام عليها الحد، و ليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لأجل الحد الذي أقيم عليها، و أما إذا ساحقت فيجب عليها الرجم، و الرجم هو


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد السحق- الحديث 1.
2- «2» سورة الفرقان: 25- الآية 38 و سورة ق: 50- الآية 12.
3- «3» لم نجد لإسحاق بن حريز خبرا في تفسير هذه الآية، و ما ورد عن إسحاق في السحق هو ما رواه في الوسائل باب- 24- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 3 نعم ورد في تفسير تلك الآية رواية عن هشام الصيدناني رواها في الوسائل في نفس الباب الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد السحق- الحديث 1 و 2. و المسألة الثانية بعد لم تأت فالصحيح «مؤيدا ذلك بما تسمعه».
5- «5» الوسائل- الباب- 23- من أبواب العدد- الحديث 3 من كتاب الطلاق.

ج 41، ص: 390

الخزي، و من أمر الله تعالى برجمها ليس لأحد أن يقربها»

و في

الخبر (1)

«أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بامرأتين كانتا يتساحقان فدعا بالنطع فأمر بهما فأحرقتا بالنار»

إلا أنهما- مع قصور سندها و لا جابر و اشتمال الأول على ما لا يقول به الأصحاب من تفسير الفاحشة بذلك كالإحراق بالنار في الثاني- قاصران عن المقاومة لما عرفت. و من ذلك كله بان لك أن الأول أولى و أحوط خصوصا بعد درء الحد بالشبهة.

و إذا تكررت المساحقة مع إقامة الحد ثلاثا قتلت في الرابعة أو الثالثة على القولين السابقين، لكن في اللمعة هنا القتل في الرابعة و في الزناء و اللواط القتل في الثالثة، بل في الروضة و ظاهرهم هنا عدم الخلاف و إن حكمنا بقتل الزاني و اللائط في الثالثة كما اتفق في عبارة المصنف و إن كان لا يخفى عليك ما فيه، خصوصا بعد ظهور كلام غير واحد- بل صريح آخر حتى هو في المسالك- أن المسألة في المقام على الكلام السابق في نظائرها، ضرورة عدم خصوصية لها، بل لولا قوة الظن بمساواتها للزناء الملحق به اللواط لاتجه القتل في الثالثة بناء على صحة رواية قتل أهل الكبائر فيها، و الله العالم.

و يسقط الحد بالتوبة قبل البينة و لا يسقط بعدها بل في كشف اللثام و كذا لو ادعت التوبة قبلها، و لعله للشبهة و مع الإقرار و التوبة يكون الامام مخيرا على حسب ما سمعته في الزناء و اللواط، إذ هي مثلهما في ذلك أو أولى، خلافا للمحكي عن الحلي، فلم يجز العفو، و قال: إنما له العفو عن القتل، و فيه ما عرفت، بل هي أيضا مثلهما في الثبوت بالإقرار أربعا قطعا و بشهادة الأربع رجال، بل كاللواط في


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد السحق- الحديث 4.

ج 41، ص: 391

عدم الثبوت إلا بشهادة الرجال خاصة للأصل و غيره خلافا لمن عرفت، كما تقدم في كتاب الشهادات و من الغريب هنا ما في مجمع البرهان من دعوى ثبوت السحق بالإقرار مرتين و شهادة العدلين مفسرا به عبارة الإرشاد مع أنه في القواعد نص على اعتبار الأربع في الشهادة و الإقرار، بل في كشف اللثام الإجماع عليه في الظاهر، قال: و يدل على الأول قوله تعالى (1) «وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ» و قوله تعالى (2) «وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ» الآية. و بالجملة المسألة مفروغ منها، و الله العالم.

و الأجنبيتان إذا وجدتا في إزار واحد مجردتين عزرت كل واحدة دون الحد على نحو ما سمعته في الرجلين كما في المسالك و غيرها، و مقتضاه أن المشهور حينئذ من ثلاثين إلى تسعة و تسعين، و لكن في كشف اللثام حكاية ذلك عن النهاية خاصة، إلا أن الدليل فيهما واحد إذ هو الجمع بين

خبر سليمان بن هلال (3) عن الصادق (عليه السلام) الذي تقدم ما فيه في الرجلين قال: «فامرأة نامت مع امرأة في لحاف فقال: ذواتا محرم، قال: لا، قال: من ضرورة، قال: لا، قال:

تضربان ثلاثين سوطا»

و بين

خبر معاوية (4) قال له: «المرأتان تنامان في ثوب واحد، قال تضربان، قال: حد، قال: لا»

و عن المقنعة من عشر جلدات إلى تسعة و تسعين، نحو ما سمعته منه في الرجلين.

و لكن عن أشربة الخلاف «لا يبلغ بالتعزير الحد الكامل بل يكون دونه، و أدنى الحدود في الأحرار ثمانون، و التعزير فيهم تسعة و تسعين


1- «1» سورة النساء: 4- الآية 15.
2- «2» سورة النور: 24- الآية 4.
3- «3» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 21.
4- «4» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 16.

ج 41، ص: 392

سوطا، و أدنى الحدود في المماليك أربعون و أدنى التعزير فيهم تسعة و ثلاثون» و عن ابن إدريس تنزيله على أنه «إذا كان الموجب للتعزير مما يناسب الزناء و نحوه مما يوجب مائة جلدة فالتعزير فيه دون المائة، و إن كان مما يناسب شرب الخمر أو القذف مما يوجب ثمانين، فالتعزير فيه دون الثمانين».

و عن الكافي و المختلف اختياره، ثم قال: «و الذي يقتضيه أصول مذهبنا و أخبارنا أن التعزير لا يبلغ الحد الكامل الذي هو المائة أي تعزير كان، سواء كان مما يناسب الزناء أو القذف، و إنما هذا الذي لوح به شيخنا من أقوال المخالفين و فرع من فروع بعضهم و من اجتهاداتهم و قياساتهم الباطلة و ظنونهم العاطلة».

و فيه أن المروي عن

العلل في الصحيح عن حماد بن عثمان(1) أنه قال للصادق (عليه السلام): «التعزير، فقال: دون الحد، قلت:

دون ثمانين، قال: فقال: لا و لكن دون الأربعين، فإنها حد المملوك»

نعم عن ابن حمزة العمل بمضمون

خبر إسحاق بن عمار (2) سأل أبا إبراهيم (عليه السلام) «عن التعزير كم هو؟ قال: بضعة عشر سوطا ما بين العشرة إلى العشرين»

و عن الرضا (عليه السلام) (3)

«التعزير ما بين تسعة عشر سوطا إلى تسعة و ثلاثين، و التأديب ما بين ثلاثة و عشر»

و لم أجد عاملا به أيضا، و عن بعض وجوب مائة جلدة عليهما، لنحو

خبر سماعة (4)

«سأله عن المرأتين يؤخذان في لحاف


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الحدود- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الحدود- الحديث 1.
3- «3» المستدرك- الباب- 6- من أبواب بقية الحدود و التعزيرات- الحديث 1 و فيه «بضعة عشر سوطا».
4- «4» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد السحق- الحديث 3.

ج 41، ص: 393

واحد، قال: يجلد كل واحدة منهما مائة جلدة»

و نحوه غيره من النصوص (1)

التي ينبغي حملها على المائة سوط إلا سوطا جمعا بينها و بين غيرها مما دل على ذلك، و على أن المراد بيان غاية التعزير.

و أما

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (2): «و المرأتان يجلدان إذا أخذتا في لحاف واحد ضربهما الحد»

فيمكن إرادة التعزير من الحد فيه، فإنه يطلق عليه، كما أنه احتمل في الجميع وقوع الفعل (الفصل خ ل) بينهما عملا بغيرهما من النصوص المعتضدة بالأصل و الاحتياط و الدرء للشبهة. و قد تقدم في اجتماع الرجلين ما له نفع في المقام، و أنه يحتمل قويا الإيكال إلى نظر الحاكم حتى في الأقل، و الله العالم و على كل حال ف ان تكرر الفعل و التعزير مرتين أقيم عليهما الحد التام في الثالثة بلا خلاف أجده إلا ما يحكى عن ظاهر الحلي من القتل فيها، لأنه كبيرة، و كل كبيرة يقتل فاعلها في الثالثة بعد تخلل الحد أو التعزير، و فيه أنه بعد تسليمه مخصص بخبر أبي خديجة (3)

السابق المنجبر في الفرض بالشهرة العظيمة التي هي إجماع أو كالإجماع ف المتجه حينئذ الحد فيها لا القتل. نعم إن عادتا قال الشيخ في النهاية: قتلتا للخبر (4)

المزبور المعتضد بما روي من قتل أصحاب الكبائر في الرابعة (5).

و لكن الأولى عند المصنف الاقتصار على


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 0- 1 الا أنه ليس في صحيح الحلبي «ضربهما الحد» و هو لا يناسب سياق العبارة أيضا و قد ذكر ذلك في صحيح عبد الرحمن الذي رواه في الوسائل بعد صحيح الحلبي.
2- «2» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 0- 1 الا أنه ليس في صحيح الحلبي «ضربهما الحد» و هو لا يناسب سياق العبارة أيضا و قد ذكر ذلك في صحيح عبد الرحمن الذي رواه في الوسائل بعد صحيح الحلبي.
3- «3» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 25.
4- «4» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزناء- الحديث 25.
5- «5» لم أعثر عليه عاجلا.

ج 41، ص: 394

التعزير ثم الحد في كل ثالثة احتياطا في التهجم على الدم الذي لا ينبغي الخروج عنه بالخبر المزبور المشتمل على مجرد النهي في الأولى و لم يقل به أحد و على الحد في الثانية و لم يقل به أيضا أحد، و الضعيف و لا جابر له في المقام بعد منع كلية الكبرى، لما في المسالك من أنه «إن أريد مع إيجابها الحد فمسلم، لكن لا يقولون به هنا، و إن أريد مطلقا فظاهر منعه» و تبعه على ذلك كله في الرياض، قال: و من ثم اختار الفاضلان و الشهيدان و أكثر المتأخرين الاقتصار على التعزير مطلقا إلا في كل ثالثة، فالحد، و لا ريب أنه أحوط».

قلت: فيه أولا أن المتجه بناء على ما ذكراه القتل في التاسعة أو الثانية عشر لتخلل الحد حينئذ، لا أن الحكم كذلك مطلقا، و ثانيا قد سمعت الصحيح (1)

و معقد الإجماع الدالين على قتل أصحاب الكبائر في الثالثة، نعم قد يقال في المقام بالرابعة إلحاقا له بالزناء و احتياطا في الدماء فتأمل جيدا.

[مسألتان]
[المسألة الأولى لا كفالة في حد]

مسألتان:

الأولى:

لا كفالة في حد زناء كان أو غيره بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الرياض لا لأدائه إلى التأخير، إذ قد يكون العذر حاصلا في تأخيره، بل

للحسن أو الصحيح (2) عن الصادق (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لا كفالة في حد»


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 21- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.

ج 41، ص: 395

و نحوه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1)

بل قد عرفت في أول الكتاب احتمال إرادة ما يشمل التعزير منه.

و كذا لا تأخير فيه على وجه يصدق عليه التعطيل مع الإمكان و الأمن من توجه ضرر كالمرض و الحبل و نحوهما، لإطلاق النهي عن التعطيل و أنه ليس فيه نظرة ساعة و أنه كان فيه لعل و عسى فالحد معطل (2).

و كذا لا شفاعة في إسقاطه للنهي (3)عن الرأفة بالزاني الملحق به غيره، و لقول رسول الله (صلى الله عليه و آله) في ما حكاه عنه الصادق (عليه السلام) في خبري سلمة (4)

و

مثنى الحناط (5) لأسامة: «لا تشفع في حد»

و قال الباقر (عليه السلام) في خبر محمد ابن قيس (6)

«كان لأم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه و آله) مولاة فسرقت من قوم فأتي بها النبي (صلى الله عليه و آله) فكلمته أم سلمة فيها، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): هذا حد من حدود الله لا يضيع فقطعها رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

إلى غير ذلك من النصوص المشتمل بعضها على التعليل بأن الامام لا يملكه، ففي

الحسن أو الصحيح (7) عن الصادق (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام)


1- «1» المستدرك- الباب- 19- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 6 و الباب- 25- منها.
3- «3» سورة النور: 24- الآية 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 20- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.
5- «5» الوسائل- الباب- 20- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2.
6- «6» الوسائل- الباب- 20- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
7- «7» رواه في الوسائل- الباب- 20- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 4 عن الصدوق و الكليني و الشيخ و طرق الجميع ينتهي إلى السكوني و في سنده الحسين بن يزيد النوفلي و فيه كلام.

ج 41، ص: 396

«لا يشفعن أحد في حد إذا بلغ الإمام، فإنه لا يملكه، و اشفع في ما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم، و اشفع عند الإمام في غير الحد مع الرضا من المشفوع له، و لا تشفع في حق امرء مسلم و لا غيره إلا باذنه»

و نحوه خبر السكوني (1)

لكن قد يقال: إن مقتضى التعليل المزبور جواز الشفاعة فيه في مقام التخيير له إلا أن إطلاق الأصحاب ينافيه، و الله العالم.

[المسألة الثانية لو وطئ زوجته فساحقت بكرا فحملت على المرأة الرجم و على الصبية جلد مائة بعد الوضع]

المسألة الثانية:

لو وطئ زوجته فساحقت بكرا فحملت قال الشيخ في النهاية: على المرأة الرجم و على الصبية جلد مائة بعد الوضع، و يلحق الولد بالرجل، و يلزم المرأة المهر و في المسالك حكايته عن أتباعه أيضا ل

صحيح ابن مسلم (2)

«سمعت أبا جعفر و أبا عبد الله (عليهما السلام) يقولان: بينا الحسن بن علي (عليهما السلام) في مجلس علي أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ أقبل قوم، فقالوا: يا أبا محمد أردنا أمير المؤمنين قال: و ما حاجتكم قالوا أردنا أن نسأله عن مسألة، قال: و ما هي؟

تخبرونا بها، قالوا: امرأة جامعها زوجها فلما قام عنها قامت فوقعت على جارية بكر فساحقتها فألقت النطفة فيها فحملت، فما تقول في هذا؟ فقال:

الحسن (عليه السلام) معضلة و أبو الحسن لها، و أقول: فإن أصبت فمن الله ثم من أمير المؤمنين، و إن أخطأت فمن نفسي و أرجو أن لا أخطأ فيه أنه يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة، لأن


1- «1» الوسائل- الباب- 20- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد السحق- الحديث 1.

ج 41، ص: 397

الولد لا يخرج منها حتى تشق فتذهب عذرتها ثم ترجم المرأة لأنها محصنة و ينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها و يرد إلى أبيه صاحب النطفة، ثم تجلد الجارية الحد، فانصرف القوم من عند الحسن (عليه السلام) فلقوا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: ما قلتم لأبي محمد؟ و ما قال لكم؟ فأخبروه، فقال: لو أني المسؤول ما كان عندي فيها أكثر عما قال ابني»

و يقرب منه خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1).

لكن عن ابن إدريس رد ذلك من وجوه: أحدها أن أصحابنا لا يرجمون المساحقة فلا يجترئ على رجمها بخبر واحد لا يعضده كتاب أو سنة متواترة أو إجماع، الثاني أن الولد غير مولود على فراش الرجل فكيف يلتحق به؟! و الثالث إلزام المهر على الفاعلة مع أنها لم تكره المفعولة، و لذا تجلد و لا مهر لبغي، و وافقه المصنف على الأول فقال:

أما الرجم فعلى ما مضى من التردد و الأشبه الاقتصار على الجلد ترجيحا لما دل عليه على ذلك كما عرفت، و احتمال العمل به في خصوص ذلك يدفعه اشتماله على التعليل المقتضي للتعدية لكل محصنة و أما جلد الصبية فموجبه ثابت بلا خلاف و لا إشكال و هو المساحقة بالاختيار و أما لحوق الولد فلأنه ماء غير زان و قد انخلق منه الولد فيلحق به شرعا، لأنه الموافق للعرف و اللغة، أقصى ما هناك خرج الزاني فيبقى غيره و أما المهر فلأنها سبب في إذهاب العذرة و ديتها مهر نسائها و ليست كالزانية في سقوط دية العذرة، لأن الزانية أذنت في الافتضاض و ليست هذه كذلك و تبعه على ذلك كله تلميذه الفاضل.

ثم قال معرضا بما سمعته من ابن إدريس و أنكر بعض المتأخرين


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من أبواب السحق- الحديث 2.

ج 41، ص: 398

ذلك، و ظن أن المساحقة كالزانية في سقوط دية العذرة و سقوط النسب.

و لكن قد يناقش- مع قطع النظر عن النص المزبور الجامع لشرائط العمل، و لا يقدح عدم العمل به في الأول للمعارض في العمل به في الأخيرين- بأن ذلك لا يكفي في لحوق الولد شرعا، ضرورة كون الثابت من النسب فيه الوطء الصحيح و لو شبهة، و ليس هذا منه، و ليس مطلق التولد من الماء موجبا للنسب شرعا، ضرورة عدم كون العنوان فيه الخلق من مائه و الصدق اللغوي بعد معلومية الفرق بين الإنسان و غيره من الحيوان بمشروعية النكاح فيه دونه، بل المراد منه تحقق النسب، و من ذلك يظهر الإشكال في لحوق ولد المكرهة بها إذا لم يثبت كون ذلك من الشبهة شرعا. كما أن من ذلك يظهر لك أن المتجه عدم لحوقه بالصبية و إن لم تكن زانية كما في المسالك، بل في القواعد أنه الأقرب بعد الاشكال فيه، و كان وجهه مما عرفت و من صدق عدم الزناء مع الولادة، و لا دليل على كونه بحكمه في ذلك أيضا كما هو واضح. نعم لا إشكال في عدم لحوقه بالكبيرة، لعدم الولادة. و مما ذكرنا لك يظهر لك النظر في ما في الرياض من اختيار الإلحاق بالبكر فلاحظ و تأمل.

و بأنها بعد الاذن بوضع النطفة فيها مع فرض علمها بوطئ الزوج أو احتمالها لا تستحق المهر، ضرورة كونها أقوى منها في ذلك، فالعمدة حينئذ العمل بالنص المزبور الذي لا يوافق أصول ابن إدريس، بل قد يشكل ما فيه أيضا من تعجيل المهر بأنه غرامة قبل تحقق السبب المحتمل للعدم بالموت و التزويج و نحوه، و يمكن إرادة بيان أصل الاستحقاق مع فرض التحقق لا تعجيل الأداء، و الله العالم.

ثم إن النفقة على الصبية مدة الحمل على زوج المساحقة بناء على

ج 41، ص: 399

الإلحاق و على أن النفقة للحمل إذا بانت من زوجها، و إلا فلا، و عليها الاعتداد بالوضع إن تزوجت بغير زوج الكبيرة، و لو ساحقت جارية لها و ادعت الجارية الإكراه حدت السيدة دونها، و الله العالم.

[أما القيادة]

و أما القيادة فهي الجمع من الرجل أو المرأة بين الرجال و النساء للزناء أو بين الرجال و الرجال و لو صبيانا للواط بل عن الغنية و الجامع و الإصباح زيادة أو بين النساء و النساء للسحق و إن لم أتحققه لغة بل و لا عرفا، بل ستسمع الاقتصار في الخبر على الأول.

و على كل حال فلا خلاف في حرمتها، بل لعله من الضروريات و

عن النبي (صلى الله عليه و آله) (1)

«من قاد بين رجل و امرأة حراما حرم الله عليه الجنة و مأواه جهنم و ساءت مصيرا».

و يثبت بالإقرار مرتين مع بلوغ المقر و كماله و حريته و اختياره بلا خلاف أجده فيه، و كأنه لفحوى اعتبار الأربع في ما تثبته شهادة الأربع و لذا قال في محكي المراسم: «كل ما يثبته شاهدان من الحدود فالإقرار فيه مرتان» و نحوه عن المختلف، نعم لو أقر مرة عزر كما عن التحرير لما عرفته غير مرة في نظائره و إن ناقش فيه بعض الناس، بل قال هنا أيضا: «لم أعرف المستند في اعتبار المرتين، أي إن كان هو العموم فمقتضاه الاكتفاء بالمرة» قلت: لعله ما عرفت بعد الاتفاق عليه ظاهرا و بناء الحدود على التخفيف، فالأصل عدم ثبوته إلا بالمتيقن الذي هو بالإقرار مرتين المنزل منزلة الشهادة على نفسه كذلك، فيكون كشاهدين.

و على كل حال فلا عبرة بإقرار الصبي و المجنون و العبد و المكره، لسلب العبارة في الأولين و كونه في حق الغير في الثالث، و ما دل على اعتبار الاختيار في نحوه في الرابع، نعم يؤدب غير البالغ كما في غيره


1- «1» الوسائل- الباب- 27- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 2 من كتاب النكاح.

ج 41، ص: 400

من الفواحش.

و تثبت أيضا بشهادة شاهدين عدلين بلا خلاف و لا إشكال بعد إطلاق ما دل على حجيتها الشامل للمقام، و لا تثبت بشهادة النساء منفردات أو منضمات، لما عرفته في محله.

و مع ثبوته يجب على القواد خمس و سبعون جلدة ثلاثة أرباع حد الزاني رجلا كان أو امرأة بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك و محكي الانتصار و الغنية الإجماع عليه، مضافا إلى

خبر عبد الله بن سنان (1)

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن القواد ما حده؟

قال: لا حد على القواد، أ ليس إنما يعطى الأجر على أن يقود، قلت:

جعلت فداك إنما يجمع بين الذكر و الأنثى حراما، قال: ذلك المؤلف بين الذكر و الأنثى حراما، قلت: هو ذاك جعلت فداك، قال: يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة و سبعين سوطا و ينفى من المصر الذي هو فيه».

و لكن ليس فيه ما قيل من أنه يحلق رأسه و يشهر بل هو مشهور بين الأصحاب الذين منهم ابن إدريس الذي لا يعمل بأخبار الآحاد، بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه، و لعل ذلك كاف في ثبوت مثله، مضافا إلى إشعار النفي المراد منه شهرته بذلك خصوصا بعد وروده في مثله، كما عرفت. فما عساه يظهر من المصنف من التردد في ذلك، بل عن ابن الجنيد الاقتصار على مضمون الخبر المزبور، بل مال إليه في المسالك في غير محله.

و لا خلاف في أنه يستوي فيه الحر و العبد و المسلم و الكافر بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه، للإطلاق.

و هل ينفى عن مصره إلى غيره من الأمصار بأول مرة؟


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد السحق- الحديث 1.

ج 41، ص: 401

قال الشيخ في النهاية و تبعه ابنا إدريس و سعيد في محكي السرائر و الجامع نعم، و قال المفيد و ابنا زهرة و حمزة و سلار و غيرهم على ما حكي ينفى في الثانية، و الأول مروي في الخبر (1) السابق الذي هو الأصل في المسألة، قيل: و نحوه الرضوي (2)

و إن لم يصرح فيهما بذلك إلا أن ظاهرهما ذلك، و لكن لا ريب أن الأحوط الثاني، بل عن الغنية الإجماع عليه، بل في الرياض لعله المتعين، ترجيحا للإجماع المزبور على الرواية من وجوه: منها صراحة الدلالة فتقيد به الرواية. و على كل حال فليس في الخبر تحديد له، فينبغي أن يكون حده التوبة، إذ بدونها يصدق عليه اسمه، و في الرياض «و في الرضوي و غيره روي أن المراد به الحبس سنة أو يتوب، و الرواية مرسلة فلا يعدل بها عن الظاهر بلا شبهة» و في كشف اللثام في بعض الأخبار النفي هو الحبس سنة، و قال ابن زهرة: و روي أنه إن عاد ثالثة جلد، فان عاد رابعة عرضت عليه التوبة، فان أبى قتل، و إن أجاب قبلت توبته و جلد، فان عاد خامسة بعد التوبة قتل من غير أن يستتاب، و أفتى به الحلبي و في المختلف و نحن في ذلك من المتوقفين، قلت: بل ينبغي العمل بما دل على قتل أصحاب الكبائر في الثالثة أو الرابعة بعد تخلل الحد، هذا كله في الرجل.

و أما المرأة فتجلد بلا خلاف و لكن ليس عليها جز و لا شهرة و لا نفي اتفاقا على الظاهر منهم، كما اعترف به في كشف اللثام، بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه، مضافا إلى الأصل بل في الرياض «و اختصاص الفتوى و الرواية بحكم التبادر بالرجل دون


1- «1» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد السحق- الحديث 1.
2- «2» المستدرك- الباب- 5- من أبواب حد السحق و القيادة- الحديث 1.

ج 41، ص: 402

المرأة، مع منافاة النفي و الشهرة لما يجب مراعاته» و إن كان فيه أنه لا دليل حينئذ على جلدها، اللهم إلا أن يكون مستنده الإجماع على هذا التقدير، و الله العالم.

[الباب الثالث في حد القذف]
اشارة

الباب الثالث في حد القذف الذي هو أحد السبع الموبقات: الشرك بالله، و السحر، و قتل النفس التي حرم الله، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و التولي يوم الزحف، و قذف المحصنات (1)

و أصله الرمي، يقال: قذف بالحجارة:

رماها كأن الساب يرمي المسبوب بالكلمة المؤذية، و حده قد اتفق عليه الكتاب (2) و السنة (3)

و الإجماع.

[الأمور الأربعة]
[الأول في الموجب]

و على كل حال ف النظر في أمور أربعة:

الأول في الموجب: و هو الرمي بالزناء أو اللواط و أما السحق ففي القواعد الاشكال فيه، و لعله من أنه كالزنا، و لذا كان فيه حده، و اعتبرت فيه شهادة الأربع و الإقرار كذلك فتعمه آية الرمي (4) بل عن أبي علي و المصنف


1- «1» إشارة إلى ما رواه في الوسائل في- الباب- 46- من أبواب جهاد النفس- الحديث 34 من كتاب الجهاد.
2- «2» سورة النور: 24- الآية 4.
3- «3» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد القذف.
4- «4» سورة النور: 24- الآية 4.

ج 41، ص: 403

اختياره، و من الأصل و حصر الفرية في ثلاث في حسن ابن سنان (1)

الآتي و هو الأقوى وفاقا للمحكي عن السرائر و المختلف، فيكون القذف حينئذ ما عرفت كقوله زنيت أو لطت بالفتح أو ليط بك أو أنت زان أو لائط على إشكال أو منكوح في دبره أو يا زاني أو يا منكوحا في دبره و ما يؤدي هذا المعنى صريحا كالنيك و إدخال الحشفة حراما مع معرفة القائل بموضوع اللفظ بأي لغة اتفق و إن لم يعرف ذلك المخاطب.

قال أبو عبد الله (عليه السلام) في حسن ابن سنان (2)

«قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن الفرية ثلاث يعني ثلاث وجوه: رمي الرجل بالزناء، و إذا قال: إن أمه زانية، و إذا ادعى لغير أبيه، فذلك فيه حد ثمانون»

و قال أيضا في

خبر عباد ابن صهيب (3): «كان علي (عليه السلام) يقول: إذا قال الرجل للرجل: يا معفوجا و منكوحا في دبره فان عليه الحد حد القاذف»

و في

خبر وهب بن وهب (4) عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «ان عليا (عليه السلام) لم يكن يحد في التعريض حتى يأتي بالفرية المصرحة، مثل يا زاني يا بن الزانية و لست لأبيك»

و نحوه خبر إسحاق بن عمار عنه (عليه السلام) (5)

و لعل المراد بالصراحة ما يشمل الظاهر عرفا و إن أشكل بوجود الاحتمال الذي يدرأ به الحد، لكن ظاهرهم كما اعترف به الاتفاق على الحد بذلك، و لعله للنصوص المزبورة، و لصدق الرمي عرفا.

و لو قال لولده الذي أقر به أو حكم له به شرعا لست


1- «1» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد القذف- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد القذف- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد القذف- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد القذف- الحديث 9.
5- «5» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد القذف- الحديث 6.

ج 41، ص: 404

ولدي وجب عليه الحد، و كذا لو قال لغيره: لست لأبيك بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل في المسالك هذه الصيغة عندنا من ألفاظ القذف الصريح لغة و عرفا فيثبت بها الحد لأمه، و في

خبر السكوني (1) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «من أقر بولد ثم نفاه جلد الحد، و ألزم الولد»

و قد سمعت التصريح بالثانية في النصوص السابقة (2)

نعم عن بعض العامة عدم القذف بالأولى، لاحتياج الأب إلى تأديب ولده بمثل ذلك زجرا له و ازدراء من أنه ليس مثله في الخصال التي كان يتوقعها منه و فيه أن الظاهر عدم الحد مع فرض إرادة ذلك كما هو مستعمل في العرف كثيرا، ضرورة عدم الرمي بمثله عرفا إنما الكلام في ثبوت القذف به مع عدم القرينة على إرادة التجوز المزبور به، و لا ريب في صدق القذف عرفا به، و

عن العلاء بن فضيل (3) أنه قال للصادق (عليه السلام):

«الرجل ينتفى من ولده و قد أقر به، فقال: إن كان الولد من حرة جلد خمسين سوطا حد المملوك، و إن كان من أمة فلا شي ء عليه»

و هو كما في كشف اللثام ضعيف متروك، و بذلك كله يظهر لك أن المدار على العرف في ذلك كله، و إلا فاحتمال الإكراه و الشبهة و نحوهما في ذلك قائم.

و لو قال: يا زوج الزانية فالحد للزوجة، و كذا لو قال: يا أخا الزانية فالحد لمن نسب إليها الزناء دون المواجه بالخطاب الذي لم ينسب إليه شي ء، كما هو واضح. نعم قد يكون عليه التعزير له للإيذاء و لو قال: زنت بك أمك أو يا بن الزانية فهو قذف للأم، و كذا لو قال:

زنى بك أبوك أو يا بن الزاني فهو قذف لأبيه و كذا لو قال:

يا بن الزانيين فهو قذف لهما، و يثبت به الحد و لو كان المواجه كافرا،


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من أبواب حد القذف- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد القذف- الحديث 6 و 9.
3- «3» الوسائل- الباب- 23- من أبواب حد القذف- الحديث 2.

ج 41، ص: 405

لأن المقذوف ممن يجب له الحد بلا خلاف و لا إشكال في ذلك، نعم الظاهر التعزير زيادة على الحد باعتبار إيذائه المواجه بذلك مع فرض احترامه. و بذلك تظهر فائدة تعيين المقذوف من الأبوين و المواجه، ضرورة اختلاف الحكم في ذلك باختلافه، فيتوقف على مرافعة المستحق و على تحقق شرائط الحد بقذفه، و نحو ذلك، و الله العالم.

و لو قال: ولدت من الزناء ففي وجوب الحد لأمه تردد، لاحتمال انفراد الأب بالزناء و الأم مكرهة أو مشتبهة، فإنه تصدق الولادة من الزناء، و يحتمل انفراد الأم، و الأب مكره أو مشتبه و لا يثبت الحد مع الاحتمال لا للمواجه، لعدم نسبة شي ء إليه. و لا للأم لاحتمال الأب، و لا للأب، لاحتمال الأم، فإنه إذا تعدد الاحتمال في اللفظ بالنسبة إلى كل منهما لم يعلم كونه قذفا لأحدهما بخصوصه و لا المستحق فتحصل الشبهة الدارئة له، و صراحة اللفظ في القذف مع اشتباه المقذوف لا تجدي، لتوقفه على مطالبة المستحق، و هو غير معلوم كما لو سمع واحد يقذف أحدا بلفظ صريح و لم يعلم المقذوف، فإنه لا يحد بذلك.

لكن في المسالك «يمكن الفرق بانحصار الحق في المتنازع في الأبوين فإذا اجتمعا على المطالبة تحتم الحد بمطالبة المستحق قطعا و إن لم يعلم عينه.

و لعل هذا أجود، نعم لو انفرد أحدهما بالمطالبة تحقق الاشتباه و اتجه عدم الثبوت، لعدم العلم بمطالبة المستحق» قلت: قد يمنع ظهور الأدلة في ثبوت الحد في الفرض الذي ذكره أيضا و الأصل العدم، مضافا إلى بنائه على التخفيف و سقوطه بالشبهة.

و من ذلك يعلم الحال في ما لو قال: أحدهما زان لا على التعيين الذي استشكل فيه في القواعد من ثبوت حق في ذمته و قد أبهمه فلنا المطالبة بالقصد، و من أن في ذلك إشاعة الفاحشة و زيادة في الإيذاء و التعبير،

ج 41، ص: 406

فليس إلا إيجاب حد لهما لا يقام إلا عند اجتماعهما لانحصار الحد فيهما، و في كشف اللثام و هو الأقوى، و فيه ما سمعته. نعم عن الشيخين و القاضي و المصنف في النكت و جماعة أنه للأم لاختصاصها بالولادة ظاهرا، خصوصا بعد التعدية بحرف الجر الظاهر في ذلك عرفا، و فيه منع الدلالة عرفا على وجه يتحقق بها مسمى القذف، و عن الفاضل و الشهيد أن متعلقة الأبوان معا، لأن نسبته إليهما واحدة فلا اختصاص لأحدهما دون الآخر، و لأن الولادة إنما تتم بهما، فهما والدان لغة و عرفا، و قد نسبت الولادة إلى الزناء و هي قائمة بهما، فيكون القذف لهما، قلت: الانصاف تحقق الاشتباه موضوعا و حكما، فالمتجه السقوط في العبارة المزبورة.

أما لو قال: ولدتك أمك من الزناء فهو قذف للأم و إن لم نقل به في الأولى باعتبار التصريح بها هنا بخلافها، و فيه أن التصريح بها لا يقتضي كونها الزانية ضرورة احتمال كون الزاني الأب دونها و يصدق أنها ولدته من الزناء و إن كان هذا الاحتمال أضعف منه في العبارة الأولى، و لكنه يكون سببا للسقوط باعتبار تحقق الشبهة به، لعدم ظهور في اللفظ عرفا على وجه يعمل به بحيث لا تصدق معه الشبهة عرفا الذي عليه المدار. و لذا قال المصنف و لعل الأشبه عندي التوقف لتطرق الاحتمال و إن ضعف و هو لا يخلو من قوة و لو قال: يا زوج الزانية فالحد للزوجة، و كذا لو قال: يا أبا الزانية أو يا أخا الزانية فالحد لمن نسب إليها الزناء دون المواجه و لو قال: زنيت بفلانة أو لطت بفلان بالفتح فالقذف للمواجه ثابت بلا خلاف و لا إشكال و في ثبوته للمنسوب إليه خلاف و تردد، قال الشيخ في النهاية و المبسوط: يثبت حدان و نحوه عن المفيد و جماعة، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه لأنه

ج 41، ص: 407

أي الزناء فعل واحد متى كذب في أحدهما كذب في الآخر إذ هو واقع بين اثنين نسبة أحدهما إليه بالفاعلية كنسبة الآخر إليه بالمفعولية فهو قذف لهما و اعترضه المصنف بأنه نحن لا نسلم أنه فعل واحد، لأن موجب الحد في الفاعل غير الموجب في المفعول، و حينئذ يمكن أن يكون أحدهما مختارا دون صاحبه فهو حينئذ إن لم يكن متعددا حقيقة فحكما باعتبار اختلاف الحكم، فلا أقل من تحقق الشبهة الدارئة بذلك، بل قيل: إنه يدل عليه ظاهر

الصحيح (1) الوارد في نظير البحث «في رجل قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، قال:

عليه حد واحد لقذفه إياها، و أما قوله أنا زنيت بك فلا حد عليه فيه إلا أن يشهد على نفسه أربع مرات عند الامام»

من حيث نفي الحد فيه أصلا و إن كان فيه ما فيه، و ترتب الحد بقوله: منكوح في دبره، للإجماع و النص أو للدلالة العرفية لا يقتضي ثبوته في الفرض، و من هنا كان المحكي عن ابن إدريس و الفاضل في التحرير العدم، و هو لا يخلو من قوة خلافا لثاني الشهيدين و غيره، و حيث يحكم بثبوته لهما يجب لهما حدان و إن اجتمعا في المطالبة لتعدد اللفظ، و لذا لو اقتصر على قول: زنيت من دون أن يذكر الآخر تحقق القذف للمواجه فيكون الآخر حاصلا بضميمة لفظ آخر، و الله العالم.

و لو قال لابن الملاعنة يا ابن الزانية أو لها يا زانية فعليه الحد بلا خلاف و لا إشكال لصدق الرمي،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر سلمان (2)

«يجلد القاذف للملاعنة»

و في الحسن (3) عنه (عليه السلام) أيضا «في رجل قذف ملاعنة قال: عليه الحد»


1- «1» الوسائل- الباب- 13- من أبواب حد القذف- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 8- من أبواب حد القذف- الحديث 1 عن سليمان.
3- «3» الوسائل- الباب- 8- من أبواب حد القذف- الحديث 3.

ج 41، ص: 408

و سأله (عليه السلام) أبو بصير (1) أيضا «عن رجل قذف امرأته فتلاعنا ثم قذفها بعد ما تفرقا أيضا بالزناء أ فعليه حد؟ قال: نعم عليه حد»

إلى غير ذلك.

و لو قال لابن المحدودة: يا بن الزانية أو لها يا زانية قبل التوبة لم يجب به الحد للأصل و عدم الفرية عليها في ذلك، و الفرق بينها و بين الملاعنة أن شهادات الزوج ليست كالبينة الموجبة لثبوت الزناء في حقها و لذا كان لها دفعها باللعان بخلاف البينة التي تخرج بها عن الإحصان الذي هو شرط الحد على القاذف.

نعم لو قال ذلك بعد التوبة: يثبت الحد

قال الهاشمي (2): «سألت أبا عبد الله و أبا الحسن (عليهما السلام) عن امرأة زنت فأتت بولد و أقرت عند إمام المسلمين أنها زنت و أن ولدها من الزناء فأقيم عليها الحد، و أن ذلك الولد نشأ حتى صار رجلا فافترى عليه رجل هل يجلد من افترى عليه؟ فقال: يجلد و لا يجلد، فقلت: كيف يجلد و لا يجلد؟ فقال: من قال له: يا ولد الزناء لم يجلد، و إنما يعزر، و هو دون الحد، و من قال له يا بن الزانية جلد الحد تاما، فقلت: و كيف صار هذا هكذا؟ فقال: إنه إذا قال يا ولد الزناء كان قد صدق فيه و عزر على تعيير أمه ثانية، و قد أقيم عليها الحد، و إذا قال له: يا بن الزانية جلد الحد تاما لفريته عليها بعد إظهارها التوبة و إقامة الامام عليها الحد»

و الله العالم.

و لو قال لامرأته أو غيرها زنيت بك فلها حد عليه على التردد المذكور في قوله: زنيت بفلانة و لا يثبت


1- «1» الوسائل- الباب- 13- من أبواب حد القذف- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد القذف- الحديث 1.

ج 41، ص: 409

في طرفه حد الزناء حتى يقر أربعا كما عرفت.

و لو قال: يا ديوث أو يا كشخان أو يا قرنان أو غير ذلك من الألفاظ فإن أفادت القذف في عرف القائل لزمه الحد لصدق الرمي و كذا لو كانت مفيدة في عرف المواجه و قالها له جريا على عرفه و إن لم يعرف فائدتها أو كانت مفيدة لغيره فلا حد بلا خلاف، بل عن الخلاف الإجماع للأصل و غيره. نعم يعزر إن أفادت فائدة يكرهها المواجه كنفي الغيرة و نحوه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك.

نعم عن أهل اللغة القرنان: القذف بالأخت، و الكشخان القذف بالأم، و الديوث القذف بالزوجة، و لكن عن تغلب القرنان و الكشخان لم أرهما في كلام العرب، و معناه عند العامة مثل الديوث أو قريب منه و في المسالك قيل: إن الديوث هو الذي يدخل الرجال على امرأته، و قيل: القرنان: من يدخلهم على بناته و الكشخان على أخواته إلى غير ذلك، و المدار على ما عرفته في النصوص و الفتاوى، و ما عن الكافي و الفقيه و الإصباح من الحد بالرمي بالقحوبة أو الفجور أو العهر أو العلوقية أو الابنة أو الفسق أو قوله: يا كشخان مبني على إفادتها في العرف الزناء أو اللواط و حكي عنهم التصريح بذلك، فلا خلاف و إن كان ذلك في لفظ الفسق واضح المنع، خصوصا بعد ما في

الخبر (1)أنه سئل الصادق (عليه السلام) «عن رجل قال لآخر: يا فاسق، فقال: لا حد عليه و يعزر»

و الله العالم.

و كذا كل تعريض بما يكرهه المواجه و لم يوضع للقذف لغة و لا عرفا يثبت به التعزير لا الحد بلا خلاف أجده فيه بيننا، نعم عن مالك أنه يجعله قذفا عند الغضب دون الرضا، و يمكن إرادته


1- «1» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد القذف- الحديث 4.

ج 41، ص: 410

الدال منه عرفا على ذلك لا غيره مما لم يكن كذلك، اللهم إلا أن يقال:

إن التعريض الذي نفوا الحد فيه دال عرفا بدلالة التعريض إلا أنها غير معتبرة في ثبوت القذف، للأصل و اعتبار التصريح في ما سمعته من الخبر و بناء الحد على التخفيف و غير ذلك. و من هنا صرح في الرياض بعدم اعتبار التعريض المزبور.

و على كل حال ففي

خبر أبي بصير (1) عن النبي (صلى الله عليه و آله) «سباب المؤمن فسوق»

و في

صحيح عبد الرحمن (2)

«سئل الصادق (عليه السلام) عن رجل سب رجلا بغير قذف فعرض به هل يجلد؟ قال: لا، عليه تعزير»

و في

خبر أبي مريم (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الهجاء بالتعزير»

و في

خبر إسحاق بن عمار (4)

«أن عليا (عليه السلام) كان يعزر في الهجاء»

و في

خبر المعلى بن خنيس (5) عن الصادق (عليه السلام) «ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن»

و في

خبر المفضل بن عمر (6)

«إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين العدو لأوليائي؟ فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم فيقول: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين و نصبوا لهم و عاندوهم و عنفوهم في دينهم، قال: ثم يؤمر بهم إلى جهنم، قال: كانوا و الله يقولون بقولهم، و لكن حبسوا حقوقهم و أذاعوا عليهم سرهم»

و في خبر الحسين بن أبي العلاء (7) عن الصادق (عليه السلام) «أنه شكا رجل


1- «1» الوسائل- الباب- 158- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد القذف- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد القذف- الحديث 5.
4- «4» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد القذف- الحديث 6.
5- «5» الوسائل- الباب- 147- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 1 من كتاب الحج.
6- «6» الوسائل- الباب- 145- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.
7- «7» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد القذف- الحديث 1 نقل بالمعنى.

ج 41، ص: 411

إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل قال: احتلمت بأمك، فقال:

سنضربه ضربا وجيعا حتى أنه لم يؤذ المؤمنين، فضربه ضربا وجيعا»

إلى غير ذلك مما دل على التعزير في نحوه.

كقوله أنت ولد حرام أو لست ولد حلال، فإنه ليس بقذف أيضا عندنا إلا مع القرينة، لاحتمال الحمل في الحيض أو الصوم أو الإحرام، و ما عن ابن إدريس من مساواته لابن الزناء عرفا محمول على القرائن أو دعوى الدلالة عرفا لا مطلقا كما هو واضح.

إنما الكلام في ما أشرنا إليه من ثبوت القذف و عدمه في الدلالة التعريضية التي هي قسم من الكناية بالمعنى الأعم، و لعله غير التعريض الذي ذكره المصنف، لقوله: «المواجه» نعم في الرياض تفسير عبارة النافع بالتعريض المتعارف الدال بالدلالة التعريضية جازما بعدم ترتب القذف عليه، و لكنه لا يخلو من تأمل و إن ذكرنا وجهه آنفا.

و كذا يثبت التعزير دون الحد لو قال: أنت ولد شبهة أو حملت بك أمك في حيضها أو يقول لزوجته: لم أجدك عذراء قاصدا الإزراء بها،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (1): «في رجل قال لامرأته: لم أجدك عذراء، قال: يضرب فإنه يوشك أن ينتهي»

و المراد من الضرب فيه التعزير، خصوصا بعد ما في الفقيه، و في

خبر آخر (2)

«ان العذرة قد تسقط من غير جماع، و قد تذهب بالنكبة و العثرة و السقطة»

و في

خبر يونس (3) عن الصادق (عليه السلام) «في رجل قال لامرأته: لم تأتني عذراء، قال: ليس بشي ء، لأن العذرة تذهب بغير جماع»

إلى غير ذلك، و ما عن الحسن من وجوب الحد به


1- «1» الوسائل- الباب- 17- من كتاب اللعان- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 17- من كتاب اللعان- الحديث 6.
3- «3» الوسائل- الباب- 17- من كتاب اللعان- الحديث 1 عن يونس عن زرارة.

ج 41، ص: 412

محمول على إرادة القذف به، ك

صحيح ابن سنان (1)

«إذا قال الرجل لامرأته: لم أجدك عذراء و ليست له بينة يجلد الحد و يخلى بينه و بين امرأته»

كما عساه يومئ إليه قوله (عليه السلام): «و ليست له بينة» بل عن أبي علي الموافقة له على ذلك عند السباب أو يراد من الحد فيه التعزير، كما أنه يراد من نفي الشي ء عليه في ما تقدم حال عدم قصد الإيذاء و التعيير، بل كان ذلك لتحقيق حق و نحوه.

أو يقول: يا فاسق أو يا شارب الخمر و نحو ذلك، و هو متظاهر بالستر و إلا لم يكن عليه التعزير بذلك كما ستعرف.

أو يا خنزير أو يا كلب أو يا حقير أو يا وضيع و نحوهما فعن

جراح المدائني (2) عن الصادق (عليه السلام) «إذا قال الرجل:

أنت خبيث أو خنزير فليس فيه حد، و لكن فيه موعظة، و بعض العقوبة»

أو يقول: يا وضيع أو يا حقير أو يا نجس أو يا لئيم أو نحو ذلك، ففي

خبر أبي مخلد السراج(3) عن الصادق (عليه السلام) «أنه قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل دعا آخر يا بن المجنون، فقال الآخر: أنت ابن المجنون فأمر أن يجلد الأول صاحبه عشرين جلدة، و قال له: اعلم أنك ستعقب مثلها عشرين فلما جلد أعطي المجلود السوط فجلده نكالا لا ينكل بها».

و لو كان المقول له مستحقا للاستخفاف لكفر أو ابتداع أو تجاهر بفسق فلا حد و لا تعزير بلا خلاف، بل عن الغنية الإجماع عليه، بل و لا إشكال، بل يترتب له الأجر على ذلك، فقد

ورد (4)

أن من تمام العبادة الوقيعة في أهل الريب،

و ورد (5) أيضا


1- «1» الوسائل- الباب- 17- من كتاب اللعان- الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد القذف- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد القذف- الحديث 3.
4- «4» بحار الأنوار ج 72 ص 204.
5- «5» لم أعثر عليهما عاجلا.

ج 41، ص: 413

«زينوا مجالسكم بغيبة الفاسقين»

و عن الصادق (عليه السلام) (1)

«إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة»

و في النبوي (2)

«إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم و القول فيهم و أهينوهم (و باهتوهم خ ل) لئلا يطمعوا في الفساد في الإسلام و يحذرهم الناس و لا تتعلموا من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات، و يرفع لكم به الدرجات»

إلى غير ذلك مما هو دال على ذلك و إن لم يكن من النهي عن المنكر، بل هو ظاهر الفتاوى أيضا بل قد يترتب التعزير على تارك ذلك إذا كان في مقام الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الواجبين عليه، لحصول الشروط.

نعم ليس كذلك ما لا يسوغ لقاؤه به من الرمي بما لا يفعله، ففي

حسن الحلبي (3) عن الصادق (عليه السلام) «أنه نهى عن قذف من كان على غير الإسلام إلا أن يكون اطلعت على ذلك منه»

و كذا في

صحيحه (4) عنه (عليه السلام) و زاد فيه «أيسر ما يكون أن يكون قد كذب»

نعم يترتب التعزير على ما سمعته سابقا في حق غير المستحق و كذا كل ما يوجب أذى كقوله: يا أجذم أو يا أبرص أو يا أعور أو نحو ذلك و إن كان فيه، إذ ذلك أشد عليه، كما هو واضح، و الله العالم.

[الثاني في القاذف]

الثاني: في القاذف و لا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه كما لا إشكال في أنه يعتبر فيه البلوغ و كمال العقل، فلو قذف الصبي لم يحد لرفع القلم عنه كما في غيره من الحدود، و في

صحيح


1- «1» الوسائل- الباب- 154- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 4 من كتاب الحج.
2- «2» الوسائل- الباب- 39- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 1 من كتاب الأمر بالمعروف.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد القذف- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد القذف- الحديث 1.

ج 41، ص: 414

الفضيل بن يسار (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا حد لمن لا عليه حد، يعني لو أن مجنونا قذف رجلا لم أر عليه شيئا، و لو قذفه رجل فقال له: يا زاني لم يكن عليه حد»

و في

خبر أبي مريم (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) «سأله عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل هل يحد؟ قال: لا، و ذلك لو أن رجلا قذف الغلام لم يحد»

إلى غير ذلك و لكن لو قذف عزر مع تمييزه على وجه يؤثر التعزير فيه كفا عن مثل ذلك. و على كل حال فلا حد عليه و إن كان قذف مسلما بالغا حرا فضلا عن غيره.

و كذا الكلام في المجنون الذي هو مثله في رفع القلم أيضا و غيره و في اعتبار تأثير التعزير فيه و في غير ذلك، و قد سمعت التصريح به في الصحيح السابق، نعم لو كان أدوارا و قذف في دور الصحة حد و لو حال الجنون مع احتمال تأخره إلى دور العقل، و كذا الكلام في العاقل لو لم يحد حتى جن، و قد مر الكلام في نظير ذلك و لو ادعى المقذوف صدوره حال إفاقته و له حالة جنون فادعى صدوره حينه أو ادعى صدوره حال بلوغه و القاذف حال صباه ففي القواعد قدم قول القاذف و لا يمين، و لعله للشبهة بعد عدم الالتفات إلى الأصول هنا كما تكرر منا في نظائره.

و كذا يعتبر فيه أيضا القصد، ضرورة عدم شي ء على غير القاصد كالساهي و الغافل و النائم، و على كل حال فلا حد و لا تعزير على غير القاصد، نعم في السكران إشكال أقواه ترتب الحد عليه كالصاحي،


1- «1» الوسائل الباب- 19- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد القذف- الحديث 1.

ج 41، ص: 415

و عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في علة حد شارب الخمر ثمانين (1) أنه «إذا سكر قذف هذا و آذى هذا و افترى و حد المفتري ثمانون»

و يعتبر فيه الاختيار فلا حد على المكره قطعا.

و هل يشترط في وجوب الحد الكامل الحرية؟ قيل و القائل الصدوق و الشيخ في محكي الهداية و المبسوط نعم للأصل، و قوله تعالى (2) «فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ» و

خبر القاسم بن سليمان (3) سأل الصادق (عليه السلام) «عن العبد يفتري على الحر كم يجلد؟ قال: أربعين»

و نحوه خبر حماد ابن عثمان (4)

و قاعدة التنصيف.

و قيل و القائل المشهور شهرة كادت تكون إجماعا بل هي كذلك في محكي الخلاف و غيره لا يشترط لعموم الآية (5) و ما شابهها من النصوص (6)

و خصوص

حسن الحلبي (7)

«إذا قذف العبد الحر جلد ثمانين، قال: هذا من حقوق الناس»

و خبر أبي بكر الحضرمي (8)

«سأله عن عبد قذف حرا، فقال: يجلد ثمانين، هذا من حقوق المسلمين، فأما ما كان من حقوق الله تعالى فإنه يضرب نصف الحد»

و بذلك ينقطع الأصل و القاعدة و تخص الفاحشة بغيره، بل قيل:


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المسكر- الحديث 4 و فيه «إذا سكر هذى و إذا هذى افترى، فاجلدوه حد المفتري»
2- «2» سورة النساء: 4- الآية 25.
3- «3» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد القذف- الحديث 15.
4- «4» لم نجد لحماد بن عثمان خبرا بهذا المضمون.
5- «5» سورة النور: 24- الآية 4.
6- «6» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد القذف.
7- «7» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد القذف- الحديث 4.
8- «8» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد القذف- الحديث 10.

ج 41، ص: 416

إنها ظاهرة في الزناء، بل عن المفسرين إرادته منها هنا، و الخبران مع قصورهما عن المعارضة من وجوه محتملان للتقية، فلا ريب في أن الثاني أقوى، و من الغريب ترك المصنف الترجيح هنا مع ظهوره، و أما

صحيح ابن مسلم (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) «العبد يفتري على الحر، فقال: يجلد حدا إلا سوطا أو سوطين»

و خبر سماعة (2)

«سأله عن المملوك يفتري على الحر فقال: عليه خمسون جلدة»

فلم أجد عاملا بهما فلا بأس بحملهما- كما عن الشيخ- على الافتراء بغير القذف الموجب للتعزير.

و أما

صحيح محمد بن قيس (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في المملوك يدعو الرجل لغير أبيه قال: أرى أن يفري جلده، قال: و قال في رجل دعي لغير أبيه أقم بينتك أمكنك منه، فلما أتى بالبينة قال: أمه كانت أمة، قال: ليس عليه حد، سبه كما سبك أو اعف عنه إن شئت»

ففي التهذيب تضعيفه، و أنه مخالف للقرآن و الأخبار الصحيحة، و أنه مشتمل على ما لا يجوز من أمير المؤمنين (عليه السلام) من سب الخصم الذي من الواجب عليه أن يأخذ له بحقه من إقامة الحد أو التعزير، و الفري بالفاء و الراء المهملة الشق، و عن الاستبصار بالعين المهملة، و أوله باحتمال أن يكون إنما يعرى جلده ليقام عليه الحد، و لا يخفى عليك بعده، مع أنه لا تعرى في حد القذف، كما ستسمع إن شاء الله.

و كيف كان فعلى الأول يثبت نصف الحد، و على الثاني يثبت الحد كاملا، و هو ثمانون كما هو واضح و قلنا بالأول


1- «1» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد القذف- الحديث 19.
2- «2» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد القذف- الحديث 20.
3- «3» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد القذف- الحديث 16 و 17.

ج 41، ص: 417

و ادعى المقذوف على القاذف الحرية ليترتب عليه كمال الحد و أنكر القاذف فان ثبت أحدهما عمل عليه بلا خلاف و لا إشكال و إن جهل ففيه تردد من أصلي الحرية و البراءة أظهره أن القول قول القاذف لتطرق الاحتمال الناشئ من تعارض الأصلين فيوجب الشبهة الدارئة للحد كما عن الخلاف خلافا لما عن المبسوط و إن كان المفروض فيهما ادعاه المقذوف حرية نفسه و القاذف رقه، لكنهما من واد واحد، بل يمكن تنزيل عبارة المصنف عليه، و الله العالم.

[الثالث في المقذوف]

الثالث: في المقذوف، و يشترط فيه الإحصان المشترك بين التزويج و الإسلام و الحرية و غيرها و لكن هو هنا عبارة عن البلوغ و كمال العقل و الحرية و الإسلام و العفة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه فمن استكملها وجب بقذفه الحد مع استكمال القاذف شرائطه المزبورة و من فقدها أو بعضها فلا حد و فيه التعزير في الأخير كمن قذف صبيا (11) أو صبية لما عرفت. و صحيح الفضيل بن يسار (1)

و خبر أبي مريم (2)

السابقين، و في

خبر أبي بصير (3)» عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يقذف الصبية يجلد، قال لا، حتى تبلغ».

أو مملوكا (12) ل

خبر أبي بصير (4)

«من افترى على مملوك عزر لحرمة الإسلام»

و خبر عبيد بن زرارة (5)

«لو أتيت برجل قذف عبدا مسلما لا نعلم منه إلا خيرا لضربته الحد حد الحر إلا سوطا».


1- «1» الوسائل- الباب- 19- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد القذف- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد القذف- الحديث 4.
4- «4» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد القذف- الحديث 12.
5- «5» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد القذف- الحديث 2.

ج 41، ص: 418

أو كافرا ل

خبر إسماعيل بن الفضيل (1) سأل الصادق (عليه السلام) «عن الافتراء على أهل الذمة و أهل الكتاب هل يجلد المسلم الحد في الافتراء عليهم؟ قال: لا، و لكن يعزر»

و قد تقدم ما في حسن الحلبي (2) و صحيحه.

أو متظاهرا بالزناء أو اللواط فإنه لا حرمة له، بل الظاهر عدم التعزير و إن كان هو ظاهر المتن و غيره، إلا أن الأصل و ما سمعته من النصوص السابقة يقتضي عدمه، نعم لو لم يكن متظاهرا بالزناء و اللواط اتجه تمام الحد على قاذفه و إن كان متظاهرا بالفسق، لإطلاق الأدلة أو عمومها، اللهم إلا أن يعارض ذلك بما سمعته مما دل على حرمته للمتظاهر بالفسق، و يمكن تنزيله على غير القذف.

و على كل حال ف

في مرسل يونس «كل بالغ ذكر أو أنثى افترى على صغير أو كبير ذكر أو أنثى أو مسلم أو كافر أو حر أو عبد فعليه حد الفرية، و على غير البالغ حد الأدب»

و هو مطرح لفقده شرائط الحجية فضلا عن صلاحية المعارضة لما عرفت، أو محمول على ما عن الشيخ من الافتراء على أحد أبوي الصغير أو المملوك أو الكافر مع إسلامه و حريته، أو على إرادة التعزير من الحد فيه.

و قد ظهر لك مما ذكرنا وجوب الحد على المستكمل لما عرفت سواء كان القاذف مسلما أو كافرا حرا أو عبدا على الأصح الذي سمعته سابقا.

و لو قال للمسلم: يا بن الزانية، أو أمك زانية و كانت أمه كافرة أو أمة قال الشيخ في النهاية و تبعه عليه جماعة عليه الحد


1- «1» الوسائل- الباب- 17- من أبواب حد القذف- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد السحق- الحديث 2 و 1.

ج 41، ص: 419

تاما لحرمة ولدها و

خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله(1)عن الصادق (عليه السلام) «أنه سئل عن اليهودية و النصرانية تحت المسلم فيقذف ابنها، قال: يضرب القاذف، لأن المسلم قد حصنها»

و لكنه قاصر السند و لا جابر، بل الموهن محقق، فما عن المختلف من نفي البأس عن العمل به لوضوح طريقه لا يخفى ما فيه، بل و الدلالة فإن الضرب أعم من الحد، نعم عن الكافي روايته «و يضرب القاذف حدا» إلى آخره و يمكن إرادة التعزير منه، فما عن ابن الجنيد من القول بذلك مرسلا له عن الباقر (عليه السلام) راويا عن الطبري أن الأمر لم يزل على ذلك إلى أن أشار عبد الله بن عمر على عمر بن عبد العزيز بأن لا يحد مسلم في كافر فترك ذلك لم نتحققه. و حينئذ فلا ريب في أن الأشبه التعزير كما في المسالك و كشف اللثام بل في الرياض حكايته عن الحلي و عامة المتأخرين لإطلاق الأدلة المزبورة.

و لو قذف الأب ولده قذفا يوجب الحد لم يحد و عزر للحرمة لا لحق الولد، للأصل و عدم ثبوت عقوبة للولد على أبيه و لو قتله،

قال ابن مسلم في الحسن أو الصحيح (2)

«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قذف ابنه بالزناء قال: لو قتله ما قتل به و إن قذفه لم يجلد له، قلت: فان قذف أبوه أمه قال: إن قذفها و انتفى من ولدها تلاعنا، و لم يلزم ذلك الولد الذي انتفى منه، و فرق بينهما، و لم تحل له أبدا، قال: و إن كان قال لابنه و أمه حية يا بن الزانية و لم ينتف من ولدها جلد الحد و لم يفرق بينهما، قال: و إن كان قال لابنه يا بن الزانية و أمه ميتة و لم يكن لها من يأخذ بحقها منه إلا ولدها منه فإنه لا يقام عليه


1- «1» الوسائل- الباب- 17- من أبواب حد القذف- الحديث 6.
2- «2» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد القذف- الحديث 1.

ج 41، ص: 420

الحد، لأن حق الحد قد صار لولده منها، و إن كان لها ولد من غيره فهو وليها يجلد له، و إن لم يكن لها ولد من غيره و كان لها قرابة يقومون بأخذ الحد جلد لهم».

و منه يعلم الوجه في ما ذكره المصنف بقوله و كذا لو قذف زوجته الميتة و لا وارث لها إلا ولده منها نعم لو كان لها ولد من غيره كان لهم الحد تاما و الله العالم.

و يحد الولد لو قذف أباه و الأم لو قذفت ولدها و كذا الأقارب للعمومات، نعم الأقرب وفاقا للقواعد أن الجد للأب أب عرفا، بل عن التحرير القطع به، خصوصا بعد عدم قتله به و مساواته في الحرمة دون الجد للأم التي هي تحد بقذف ولدها، لعدم سبقه إلى الفهم من الأب و إن كثر إطلاق الابن على السبط، و الله العالم.

[الرابع في الأحكام]
[المسألة الأولى إذا قذف جماعة واحدا بعد واحد فلكل واحد حد]

الرابع في الأحكام و فيه مسائل:

الأولى:

إذا قذف جماعة واحدا بعد واحد فلكل واحد حد سواء جاؤوا به مجتمعين أو متفرقين بلا خلاف أجده فيه إلا من الإسكافي، فاعتبر مع ذلك الإتيان به متفرقين، و إلا ضرب حدا واحدا، بل عن الغنية و السرائر الإجماع عليه، لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب، و

خبر بريد العجلي (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل يقذف القوم جميعا بكلمة واحدة فإذا لم يسمهم فإنما عليه حد واحد، و إن سمى فعليه لكل واحد حد»

و خبر الحسن العطار (2) قال للصادق (عليه السلام)


1- «1» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد القذف- الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد القذف- الحديث 2.

ج 41، ص: 421

«رجل قذف قوما جميعا، فقال: بكلمة واحدة، قال: نعم، قال:

يضرب حدا واحدا، و إن فرق بينهم في القذف ضرب لكل واحد منهم حدا»

المنجبرين بما عرفت و المعتضدين بما سمعت.

نعم لو قذفهم بلفظ واحد كما لو قال هؤلاء زناة و جاؤوا به مجتمعين فللكل حد واحد، و إن افترقوا في المطالبة فلكل واحد حد بلا خلاف معتد به في الأخير بل و لا إشكال، لقاعدة تعدد السبب و غيرها بل و الأول، بل عن الغنية و السرائر الإجماع فيهما، ل

صحيح جميل (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل افترى على قوم جماعة فقال:

إن أتوا به مجتمعين ضرب حدا واحدا، و إن أتوا به متفرقين ضرب لكل واحد حدا»

و نحوه

خبر محمد بن حمران (2) بناء على ظهور قوله:

«جماعة»

في إرادة القذف بكلمة واحدة و لو للجمع بينه و بين غيره مما سمعت.

فما عن الإسكافي- من الاتحاد مع اتحاد اللفظ مطلقا و التفصيل بين الإتيان به مجتمعين و متفرقين مع التعدد- غير واضح الوجه على وجه تنطبق عليه جميع النصوص المزبورة، خصوصا بعد ملاحظة الشهرة العظيمة و الإجماعين المزبورين.

فما عن الفاضل في المختلف- من نفي البأس عنه محتجا عليه بالصحيح المزبور الذي هو أوضح طريقا من غيره- لا يخلو من نظر، ضرورة عدم ظهور قوله: «جماعة» في إرادة القذف متعددا كي يتجه التفصيل المزبور، بل هو إما ظاهر في اتحاد اللفظ أو الأعم الذي لا قائل بالتفصيل فيه، على أنه لو سلم ظهوره منه خاصة فهو غير دال على تمام دعواه.

و في كشف اللثام بعد أن حكى قول الإسكافي المزبور قال: «بناء


1- «1» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد القذف- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد القذف- الحديث 3.

ج 41، ص: 422

على أن المراد من الوحدة في الخبرين الأولين الوحدة بالعدد، فيكون مفادهما أنه إذا قال أنتم أو هؤلاء زناة مثلا لم يحد إلا واحدا أتوا به جميعا أو أشتاتا، فان سماهم فقال فلان و فلان و فلان زناة مثلا حد لكل واحد حدا يعني إذا أتوا به متفرقين، بدليل الصحيح و غيره» و لكنه كما ترى، ضرورة أن ما ذكرناه من الجمع بالتقييد أو التخصيص بين النصوص و لو مع فرض التعارض من وجه للترجيح بما سمعته من الشهرة و محكي الإجماع و غير ذلك أولى من وجوه، فلا ريب في أن المشهور حينئذ أقوى.

و منه يعلم ضعف ما عن الصدوق في الفقيه و المقنع من أنه إن قذف قوما بكلمة واحدة فعليه حد واحد إذا لم يسمهم بأسمائهم، و إن سماهم فعليه لكل رجل سماه حد، و روى أنه إن أتوا به متفرقين ضرب لكل رجل منهم حد، و إن أتوا به مجتمعين ضرب حدا واحدا، و عكس في الهداية فأفتى بما جعله في الكتابين رواية، و جعل ما أفتى به فيهما رواية، و التحقيق الجامع بين النصوص ما عرفت، و الله العالم.

و هل الحكم في التعزير كذلك؟ قال جماعة منهم المفيد و سلار على ما حكي نعم بل في المسالك نسبته إلى المشهور للأولوية خلافا للمحكي عن ابن إدريس من العدم، لكونه من القياس الممنوع و نفى المصنف الخلاف، فقال و لا معنى للاختلاف هنا و ذلك لأن التعزير منوط بنظر الحاكم، و ليس له بالنسبة إلى كل واحد حد محدود، فهو يؤدب بسباب الجماعة بغير القذف بما يراه.

و فيه أنه يمكن أن تظهر الفائدة في ما لو زاد عدد المقذوفين على عدد أسواط الحد، فإنه مع الحكم بتعدد التعزير يجب ضربه أزيد من الحد ليخص كل واحد منهم سوطا فصاعدا، و على القول باتحاده لا يجوز له

ج 41، ص: 423

بلوغ الحد بالتعزير مطلقا، نعم في كشف اللثام إذا كان التأديب لله تعالى كقذف الكفار و المجانين اتجه ما قاله، بل في المسالك «و قد تظهر الفائدة في صورة النقصان أيضا» قلت: قد يقال: إن المراد بايكاله إلى نظر الحاكم ما يشمل جعله السوط الواحد عن التعزير المتعدد لعظم الشخص مثلا و نحو ذلك، و الله العالم.

و كذا لك الكلام في ما لو قال يا بن الزانيين، فان الحد حينئذ لهما أي الأبوين و لكن القذف قد كان بلفظ واحد ف يحد حدا واحدا مع الاجتماع على المطالبة و حدين مع التعاقب لما عرفته مفصلا، و الله العالم.

[المسألة الثانية حد القذف موروث]

المسألة الثانية:

حد القذف موروث إذا لم يكن قد استوفاه المقذوف و لا عفا عنه بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى العمومات و إلى خصوص النصوص، منها صحيح محمد بن مسلم (1)

المتقدم، و ما في

خبر السكوني (2) من أن «الحد لا يورث»

- مع ضعفه و موافقته لما عن بعض العامة- محمول على إرادة عدم كونه موروثا على حسب المال و إن كان يرثه من يرث المال من الذكور و الإناث عدا الزوج و الزوجة و ما شابههما من ذوي الأسباب إلا الإمام في قول، إلا أنه ليس على حسب إرث المال من التوزيع بل هو ولاية لكل واحد من الورثة المطالبة به تاما و إن عفا الآخر.


1- «1» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد القذف- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 23- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2.

ج 41، ص: 424

قال الصادق (عليه السلام) في موثق الساباطي (1): «إن الحد لا يورث كما تورث الدية و المال و العقار، و لكن من قام به من الورثة و طلبه فهو وليه، و من تركه و لم يطلبه فلا حق له، و ذلك مثل رجل قذف رجلا و للمقذوف أخوان فإن عفا أحدهما عنه كان للآخر أن يطالبه بحقه، لأنها أمهما جميعا، و العفو إليهما جميعا»

و المراد بارث الامام أن له المطالبة و الاستيفاء، و أما العفو فقد قيل: إنه ليس له، بل عن الغنية الإجماع على ذلك، و لكن لا يخلو من نظر، و قد تقدم في المواريث (2) تمام الكلام في ذلك، فلاحظ.

[المسألة الثالثة لو قال ابنك زان أو لائط أو بنتك زانية فالحد لهما لا للمواجه]

المسألة الثالثة:

لو قال القاذف لآخر ابنك زان أو لائط أو بنتك زانية فالحد لهما لا للمواجه لأنهما المنسوب إليه دونه، فإنه لم ينسب إليه قبيحا، و حينئذ فالمطالبة لهما لا له فان سبقا بالاستيفاء أو العفو فلا بحث و لا خلاف و إن سبق الأب بأحدهما فالأكثر بل المشهور على عدم كون ذلك شيئا كما في غيره من الحقوق.

و لكن قال الشيخان في محكي المقنعة و النهاية:

له المطالبة و العفو لأن العار لا حق له و فيه إشكال، لأن المستحق موجود و له ولاية المطالبة، فلا يتسلط الأب كما في غيره، من الحقوق نعم له الاستيفاء إذا فرض ولايته عليهما على وجه لا يصلحان لاستيفائه، كما إذا كانا صغيرين و ورثاه، بل لا يبعد أن له العفو أيضا مع عدم


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» راجع ج 39 ص 43- 44.

ج 41، ص: 425

المفسدة للإطلاق و إن استشكل فيه بعض.

[المسألة الرابعة إذا ورث الحد جماعة لم يسقط بعفو البعض فللباقين المطالبة بالحد تاما]

المسألة الرابعة:

إذا ورث الحد جماعة لم يسقط بعفو البعض، و حينئذ فللباقين المطالبة بالحد تاما و لو بقي واحد منهم بلا خلاف أجده فيه، بل عن الغنية الإجماع عليه، مضافا إلى الموثق (1)

المزبور الذي منه و من غيره يعلم عدم إرثه على حسب المال.

أما لو عفا الجماعة أو كان المستحق واحدا فعفا فقد سقط الحد بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة كونه من حقوق الآدميين للقابلة للسقوط بالإسقاط و غيره، و لا فرق في ذلك بين قذف الزوجة و غيره، و لا بين العفو قبل المرافعة للحاكم و بعده، لأنه الأصل في كل حق، و ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر ضريس (2): «لا يعفى عن الحدود التي بيد الإمام، فأما ما كان من حق الناس في حد فلا بأس أن يعفى عنه دون الامام».

نعم ليس له بعد العفو المطالبة، للأصل و

خبري سماعة قال في أحدهما (3): «سألته عن الرجل يفتري على الرجل ثم يعفو عنه ثم يريد أن يجلده الحد بعد العفو، قال ليس ذلك له بعد العفو»

و نحوه الآخر عن الصادق (عليه السلام) (4)

خلافا لما عن الشيخ في كتابي الأخبار و يحيى بن سعيد من


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 21- من أبواب حد القذف- الحديث 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2.

ج 41، ص: 426

عدم العفو للزوجة بعد المرافعة، ل

صحيح ابن مسلم (1)

«سألته عن الرجل يقذف امرأته، قال: يجلد، قلت: أ رأيت إن عفت عنه، قال: لا، و لا كرامة»

المحمول على ما بعد المرافعة جمعا بينه و بين ما دل على جواز العفو. و فيه أنه لا شاهد له، بل المتجه على تقدير العمل به تخصيصه أو تقييده إطلاق ما دل على العفو، و لذا كان المحكي عن الصدوق العمل به مطلقا، إلا أنه- مع شذوذه و إضماره و احتمال إرادة لا كرامة لها في العفو بمعنى أنه لا ينبغي صدوره منها و إعراض المشهور عنه- يقصر عن ذلك، و إن أمكن تأييده ب

قول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة (2): «المسروق إن يهب السارق لم يدعه الامام حتى يقطعه إذا رفع إليه، و إنما الهبة قبل أن يرفع إلى الامام، و ذلك قوله تعالى وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ (3) فإذا انتهى الحد إلى الامام فليس لأحد أن يتركه»

و خبر حمزة بن حمران (4) سأل أحدهما (عليهما السلام) «عن رجل أعتق نصف جاريته ثم قذفها بالزناء، فقال: أرى عليه خمسين جلدة، و يستغفر الله تعالى، قال: أ رأيت إن جعلته في حل و عفت عنه، قال: لا ضرب عليه إذا عفت عنه من قبل أن ترفعه»

إلا أنه مع كون الثاني منهما بالمفهوم غير جامعين لشرائط الحجية، فالمتجه أن له العفو مطلقا، و من هنا قال المصنف و لمستحق الحد أن يعفو قبل ثبوت حقه و بعده، و ليس للحاكم الاعتراض عليه بل قال و لا يقام إلا بعد مطالبة المستحق و الله العالم.


1- «1» الوسائل- الباب- 20- من أبواب حد القذف- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 17- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.
3- «3» سورة التوبة: 9- الآية 112.
4- «4» الوسائل- الباب- 40- من أبواب حد القذف- الحديث 3.

ج 41، ص: 427

[المسألة الخامسة إذا تكرر الحد بتكرر القذف مرتين قتل في الثالثة و قيل في الرابعة]

المسألة الخامسة:

إذا تكرر الحد بتكرر القذف مرتين قتل في الثالثة للصحيح السابق (1)

المتضمن لقتل أصحاب الكبائر فيها و قيل: يقتل في الرابعة، و هو أولى و أحوط لو لا الصحيح المزبور، اللهم إلا أن يكون من الشبهة باعتبار احتمال إلحاقه بما دل عليه في الزناء الذي هو أولى منه، و قدم تقدم الكلام في ذلك مكررا.

و لو قذف، فحد فقال: الذي قلت كان صحيحا وجب بالثاني التعزير لا لأنه ليس بصريح بل ل

صحيح محمد بن مسلم (2)عن الباقر (عليه السلام) «في الرجل يقذف الرجل فيرد عليه القذف، قال: إن قال له: إن الذي قلت لك حق لم يجلد، و إن قذفه بالزناء بعد ما جلد فعليه الحد، و إن قذفه قبل أن يجلد بعشر قذفات لم يكن عليه إلا حد واحد».

و منه يعلم الوجه في قول المصنف و غيره. إن القذف المتكرر يوجب حدا واحدا لا أكثر و لصدق موجب الرمي و إن تعدد نعم لو تعدد المقذوف تعدد الحد لكل واحد منهم، بل لو تعدد المقذوف به للواحد كأن قذفه مرة بالزناء و أخرى باللواط و ثالثة بأنه ملوط به، ففي كشف اللثام عليه لكل قذف حد و إن لم يتخلل الحد، لأن الإجماع و النصوص دلت على إيجاب الرمي بالزناء الحد ثمانين اتحد أو تكرر، و كذا الرمي باللواط و كذا بأنه ملوط به و لا دليل على تداخلها، و فيه


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد القذف- الحديث 1.

ج 41، ص: 428

إشكال بعد رجوع الجميع إلى اسم القذف، و الله العالم.

[المسألة السادسة لا يسقط الحد عن القاذف إلا بالبينة المصدقة]

المسألة السادسة لا خلاف و لا إشكال في أنه لا يسقط الحد عن القاذف بعد ثبوته عليه للأصل و غيره إلا بالبينة المصدقة التي يثبت بها الزناء مثلا أو تصديق مستحق الحد و لو مرة و إن لم يثبت بذلك الزناء الرافعين للإحصان بمعنى العفة المعتبرة في ثبوت حد القذف أو العفو للنص السابق و الفتوى، و لا فرق في الثلاثة بين أفراد المقذوفين.

نعم لو قذف زوجته سقط الحد بذلك و باللعان أيضا الذي مر الكلام في بابه، و الظاهر سقوطه عنه بإرثه له و بالصلح عنه و غيره مما يكون سببا شرعا لإسقاطه.

و هل عليه التعزير إذا سقط الحد بأحد هذه الأمور؟ وجهان كما في كشف اللثام من أن الثابت عليه إنما كان الحد و قد سقط، و لا دليل على ثبوت التعزير، و من أن ثبوت المقذوف به بالإقرار أو البينة لا يجوز القذف و ان جوز إظهاره عند الحاكم لإقامة الحد عليه، و العفو و اللعان أيضا لا يكشفان عن إباحته، و لا يسقطان إلا الحد، و التعزير ثابت في كل كبيرة، و لعل الأول لا يخلو من قوة، و الله العالم.

ج 41، ص: 429

[المسألة السابعة الحد ثمانون جلدة]

المسألة السابعة:

الحد ثمانون جلدة حرا كان ذكرا أو أنثى كتابا (1) و سنة (2)

و إجماعا أو عبدا على الأصح كما عرفت البحث فيه.

و لا خلاف في أنه يجلد القاذف بثيابه و لا يجرد بل الاتفاق عليه كما في كشف اللثام، للأصل و

قول النبي (صلى الله عليه و آله) في خبر الشعيري (3)

«لا ينزع من ثياب القاذف إلا الرداء،»

و الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق (4): «يضرب جسده كله فوق ثيابه»

و أما

صحيح محمد بن قيس (5) عن الباقر (عليه السلام) «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في المملوك يدعو الرجل لغير أبيه، قال: أرى أن يعرى جلده»

فقد تقدم فيه بعض الكلام، مع احتمال كونه قضية في واقعة، و أنه تعزير منوط بنظر الحاكم، لأن الدعوة لغير الأب ليست قذفا، و كونه من عراه يعروه إذا أتاه، و جلده بفتح الجيم أي أرى أن يحضر الناس جلده حدا أو دونه، أو بإعجام العين و تضعيف الراء و البناء للفاعل فهو من التغرية، أي يلصق الغراء بجلده و يكون كناية عن توطين نفسه للحد أو التعزير.


1- «1» سورة النور: 24- الآية 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد القذف.
3- «3» أشار إليه في الوسائل في الباب- 15- من أبواب حد القذف- الحديث 4 و ذكره في التهذيب ج 10 ص 70- الرقم 265.
4- «4» الوسائل- الباب- 15- من أبواب حد القذف- الحديث 2.
5- «5» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد القذف- الحديث 16.

ج 41، ص: 430

و كيف كان ف يقتصر في ضربه على الضرب المتوسط كما في

خبر إسحاق بن عمار (1)

«المفتري يضرب بين الضربين»

الحديث و لا يبلغ به الضرب في الزناء

قال الصادق (عليه السلام) في خبر مسمع (2) عنه «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) الزاني أشد ضربا من شارب الخمر، و شارب الخمر أشد ضربا من القاذف، و القاذف أشد ضربا من التعزير»

و يشهر القاذف أي يعلم الناس بحاله لتجتنب شهادته كما يشهر شاهد الزور لاشتراك العلة.

و يثبت القذف بشهادة العدلين بلا خلاف، لإطلاق ما دل على حجيتها أو الإقرار مرتين كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا و إن لم نظفر بنص خاص فيه، و

عموم «إقرار العقلاء» (3)

يقتضي الاجتزاء به مرة، اللهم إلا أن يكون ذلك من جهة بناء الحدود على التخفيف، فينزل إقراره منزلة الشهادة على نفسه فيعتبر فيها التعدد، و الله العالم.

و على كل حال فلا خلاف و لا إشكال في أنه يشترط في المقر التكليف و الحرية و الاختيار و لا يثبت بشهادة النساء و إن كثرن لا منضمات و لا منفردات، كما مر غير مرة، و الله العالم.


1- «1» الوسائل- الباب- 15- من أبواب حد القذف- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 15- من أبواب حد القذف- الحديث 5.
3- «3» الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار- الحديث 2.

ج 41، ص: 431

[المسألة الثامنة إذا تقاذف اثنان سقط الحد و عزرا]

المسألة الثامنة:

إذا تقاذف اثنان محصنان سقط الحد و عزرا بلا خلاف ل

صحيح ابن سنان (1) سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجلين افترى كل واحد منهما على صاحبه، فقال يدرأ عنهما الحد و يعزران»

و صحيح أبي ولاد (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجلين قذف كل منهما صاحبه فدرأ عنهما الحد و عزرهما»

و منه و من غيره يعلم عدم سقوط التعزير عنهما لو تغايرا بما يقتضيه، و الله العالم.

[المسألة التاسعة قيل لا يعزر الكفار مع التنابز بالألقاب]

المسألة التاسعة قيل و القائل المشهور بل لم أجد من حكى فيه خلافا لا يعزر الكفار مع التنابز و التداعي بالألقاب المشعرة بالذم و التعيير بالأمراض و لعله لاستحقاقهم الاستخفاف، و في المسالك «و كان وجهه تكافؤ السب و الهجاء من الجانبين، كما يسقط الحد عن المسلمين بالتقاذف لذلك، و لجواز الاعراض عنهم في الحدود و الأحكام، فهنا أولى» و تبعه في الرياض. و فيه أن الأول يقتضي اختصاص ذلك بالتنابز من الطرفين، كما أن الثاني يقتضي جواز التعزير لهم.

و على كل حال فالحكم مفروغ منه إلا أن يخشى من ذلك حدوث فتنة لا تصيبن الذين ظلموا خاصة فيسمها الإمام


1- «1» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد القذف- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد القذف- الحديث 2.

ج 41، ص: 432

بما يراه لكن نسبة المصنف له إلى القيل تشعر بالتردد فيه، و لعله لأنه فعل محرم يوجب التعزير في المسلم ففي الكافر أولى، و يمكن منع الحرمة و الله العالم.

[يلحق بذلك مسائل أخر]
[المسألة الأولى من سب النبي صلى الله عليه و آله جاز لسامعه قتله]

و يلحق بذلك مسائل: أخر

الأولى:

من سب النبي (صلى الله عليه و آله) جاز لسامعه بل وجب قتله بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص، ففي

خبر هشام بن سالم (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه سئل عن شتم رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى الامام»

و في

خبر الحسين ابن علي الوشاء (2)

«سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: شتم رجل على عهد جعفر بن محمد (عليهما السلام) رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأتي به عامل المدينة فجمع الناس فدخل عليه أبو عبد الله (عليه السلام) و هو قريب العهد بالعلة، و عليه رداء مورد فأجلسه في صدر المجلس و استأذنه في الاتكاء و قال لهم: ما ترون فقال له عبد الله ابن الحسن و الحسن بن زيد و غيرهما: نرى أن يقطع لسانه، فالتفت العامل إلى ربيعة الرأي و أصحابه، فقال: ما ترون؟ قال: يؤدب، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): سبحان الله فليس بين رسول الله (صلى الله عليه و آله) و بين أصحابه فرق»؟!


1- «1» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد المرتد- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 25- من أبواب حد القذف- الحديث 1.

ج 41، ص: 433

و في

خبر علي بن جعفر (1) قال: «أخبرني أخي موسى (عليه السلام) قال: كنت واقفا على رأس أبي حين أتاه رسول زياد بن عبيد الله الحارثي عامل المدينة، فقال: يقول لك الأمير: انهض إلى فاعتل بعلة فعاد إليه الرسول فقال: قد أمرت أن يفتح لك باب المقصورة فهو أقرب لخطوك، قال: فنهض أبي و اعتمد علي و دخل على الوالي و قد جمع فقهاء المدينة كلهم و بين يديه كتاب فيه شهادة على رجل من أهل وادي القرى قد ذكر النبي (صلى الله عليه و آله) فنال منه، فقال له الوالي: يا أبا عبد الله انظر في الكتاب، قال حتى أنظر ما قالوا فالتفت إليهم، فقال: ما قلتم؟ قالوا: قلنا يؤدب و يضرب و يعزر و يحبس، قال: فقال لهم: أ رأيتم لو ذكر رجلا من أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله) ما كان الحكم فيه؟ قالوا: مثل هذا، قال:

فليس بين النبي و بين رجل من أصحابه فرق، فقال الوالي: دع هؤلاء يا أبا عبد الله، لو أردنا هؤلاء لم نرسل إليك، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أخبرني أبي أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال:

الناس في أسوة سواء من سمع أحدا يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني و لا يرفع إلى السلطان، و الواجب على السلطان إذا رفع إليه أن يقتل من نال مني، فقال زياد بن عبيد الله: أخرجوا الرجل فاقتلوه بحكم أبي عبد الله».

و في حسن ابن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن رجلا من هذيل كان سب رسول الله (صلى الله عليه و آله) فبلغ ذلك النبي فقال من لهذا؟ فقال رجلان من الأنصار: نحن يا رسول الله، فانطلقا حتى أتيا عربة فسألا عنه فإذا هو يتلقى غنمه، فقال: من أنتما و ما


1- «1» الوسائل- الباب- 25- من أبواب حد القذف- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 25- من أبواب حد القذف- الحديث 3.

ج 41، ص: 434

اسمكما؟ فقالا له: أنت فلان بن فلان، فقال: نعم، فنزلا فضربا عنقه، قال محمد بن مسلم: فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): أ رأيت لو أن رجلا سب النبي (صلى الله عليه و آله) أ يقتل؟ قال: إن لم تخف على نفسك فاقتله».

و روي (1)

«أنه (صلى الله عليه و آله) لما فتح مكة عهد إلى المسلمين أن لا يقتلوا بمكة إلا من قاتلهم سوى نفر كانوا يؤذونه، منهم بنتان كانتا يغنيان بهجائه، فقال: اقتلوهم و إن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة»

إلى غير ذلك من النصوص المؤيدة بما قيل من أنه تجاهر بالكفر و استخفاف بالدين و قوامه و إن كان فيه أن ذلك يقتضي جريان حكم المرتد عليه لا قتله على كل حال.

نعم هو كذلك ما لم يخف الضرر على نفسه أو ماله أو غيره من أهل الإيمان بلا خلاف أجده ترجيحا لإطلاق ما دل على مراعاة ذلك، مضافا إلى حسن ابن مسلم (2)

السابق، و فحوى ما تسمعه في من سب أمير المؤمنين (عليه السلام) أو أحد الأئمة (عليهم السلام) بل الظاهر عدم الجواز حينئذ لا عدم الوجوب، نحو ما ورد (3)

في سبه نفسه (صلى الله عليه و آله) تخلصا من القتل كفعل عمار المشهور فيكون فرق حينئذ بين المقام و بين فعل السب خوفا من ذلك، لكن الحسن المزبور خاص بالخوف على النفس، إلا أن الأصحاب لم يفرقوا بينه و بين غيره مما يدخل تحت التقية، و لعل ما في الحسن إشارة إليها


1- «1» سنن البيهقي- ج 8 ص 205 و ليس فيه «كانتا يغنيان بهجائه»
2- «2» الوسائل- الباب- 25- من أبواب حد القذف- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 2 من كتاب الأمر بالمعروف و البحار- ج 75 ص 412.

ج 41، ص: 435

لا خصوص الخوف على النفس، كما أومأ إليه ما تسمعه في الناصب.

و كذا الكلام في من سب أحد الأئمة (عليهم السلام) بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل الإجماع بقسميه عليه، و في

صحيح هشام بن سالم (1)

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في رجل سبابة لعلي (عليه السلام) قال: فقال: حلال الدم و الله لو لا أن يعم بريا، قلت: فما تقول في رجل مؤذ لنا، قال: في ماذا؟ قلت:

فيك يذكرك، فقال لي: له في علي (عليه السلام) نصيب، قلت:

إنه ليقول ذاك و يظهره، قال: لا تعرض له»

و لعل النهي عن التعرض له للخوف عليه، على أنه أعم من حرمة دمه كما نص عليه في كشف اللثام.

و في

خبر العامري (2)

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أي شي ء تقول في رجل سمعته يشتم عليا (عليه السلام) و يبرأ منه؟ فقال:

و الله هو الحلال الدم، و ما ألف منهم برجل منكم دعه».

و في

خبر علي بن حديد (3) المروي عن رجال الكشي «سمعت من يسأل أبا الحسن الأول (عليه السلام) فقال: إني سمعت محمد بن بشير يقول: إنك لست موسى بن جعفر (عليه السلام) الذي هو إمامنا و حجتنا بيننا و بين الله تعالى، فقال: لعنه الله- ثلاثا- أذاقه الله حر الحديد قتله الله أخبث ما يكون من قتله، فقلت له: إذا سمعت ذلك منه أو ليس حلال لي دمه مباح كما أبيح دم سباب لرسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: نعم، حل و الله حل و الله دمه و أباحه لك و لمن سمع ذلك منه، قلت: أو ليس ذلك بسباب لك؟ قال: هذا سباب لله و سباب لرسول الله (صلى الله عليه و آله) و سباب لآبائي و سبابي و أي


1- «1» الوسائل- الباب- 27- من أبواب حد القذف- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 27- من أبواب حد القذف- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 27- من أبواب حد القذف- الحديث 6.

ج 41، ص: 436

سب لي و أي سباب يقصر عن هذا و لا يفوقه هذا القول، قلت: أ رأيت إن أنا لم أخف أن أعمن بذلك بريا ثم لم أفعل و لم أقتله ما علي من الوزر؟

فقال: يكون عليك وزره أضعافا مضاعفة من غير أن ينقص من وزره شي ء، أما علمت أن أفضل الشهداء درجة يوم القيامة من نصر الله و رسوله بظهر الغيب، ورد عن الله و عن رسوله»

إلى غير ذلك من النصوص.

مضافا إلى ما دل على حلية دم الناصب الذي منه

خبر داود بن فرقد (1) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «ما تقول في قتل الناصب؟ فقال: حلال الدم، و لكن أتقي عليك، فان قدرت أن تقلب عليه حائطا أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل»

الحديث.

و لا ينافي ذلك ما في

خبر أبي الصباح (2) الطويل، و حاصله أنه استأذنه في قتل جعد بن عبد الله جاره لوقوعه في علي (عليه السلام) فقال: «قد نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن القتل يا أبا الصباح إن الإسلام قيد الفتك، و لكن دعه فستكفي بغيرك»

الذي لا جابر له الممكن حمله على أنه (عليه السلام) روى ذلك للخوف عليه أو غيره ممن هو بري ء، لأنه رأى شدة عزمه على القتل، كما يظهر من بعض ما في الخبر المزبور.

هذا و في المسالك «في إلحاق باقي الأنبياء بذلك قوة لأن كمالهم و تعظيمهم علم من دين الإسلام ضرورة، فسبهم ارتداد و تبعه عليه غير واحد، بل في الرياض عن الغنية الإجماع عليه». قلت: قد يناقش


1- «1» الوسائل- الباب- 26- من أبواب حد القذف- الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 22- من أبواب ديات النفس- الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 41، ص: 437

بأن ذلك يقتضي الارتداد لا القتل على كل حال. نعم قد يدل عليه ما رواه

الفضل بن الحسن الطبرسي بإسناده (1)عن صحيفة الرضا عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) «من سب نبيّا قتل، و من سب صاحب نبي جلد»

لكن

عن المبسوط روي (2)عن علي (عليه السلام) أنه قال: «لا أوتي برجل يذكر أن داود صادف المرأة إلا جلدته ماءة و ستين، فان جلد الناس ثمانون و جلد الأنبياء ماءة و ستون»

لكنه كما ترى.

و عن التحرير إلحاق أم النبي (صلى الله عليه و آله) و بنته به من غير تخصيص بفاطمة (عليها السلام) مراعاة لقدره، و في الرياض حكايته أيضا عن غير التحرير، لكن قال: «و قيل: يمكن اختصاص الحكم بفاطمة (عليها السلام) للإجماع على طهارتها بآية التطهير (3) و هو حسن». و لعله أشار بذلك إلى ما في الروضة، إلا أن الموجود فيها «و ألحق في التحرير بالنبي (صلى الله عليه و آله) أمه و بنته من غير تخصيص بفاطمة (عليها السلام) و يمكن اختصاص الحكم بها، للإجماع على طهارتها بآية التطهير».

قلت: هو كذلك بالنسبة إلى قذفها (عليها السلام) و كذا بالنسبة إلى أم النبي (صلى الله عليه و آله) باعتبار ما علم أنه (ص) لم تنجسه الجاهلية بأنجاسها، و أما سب فاطمة (عليها السلام) فلعله من جهة العلم بكونها في الاحترام كأولادها (سلام الله عليهم) و أما غيرها فالمتجه ذلك إن كان بحيث يرجع إلى صدق سب النبي (صلى الله عليه و آله)


1- «1» الوسائل- الباب- 25- من أبواب حد القذف- الحديث 4.
2- «2» المبسوط ج 8 ص 15.
3- «3» سورة الأحزاب: 33- الآية 33.

ج 41، ص: 438

و شتمه و النيل منه بذلك و نحوه عرفا، و إلا ففي إطلاقه منع واضح.

هذا و في اللمعة «و قاذف أم النبي (صلى الله عليه و آله) مرتد و لو تاب لم تقبل توبته إذا كان ارتداده عن فطرة» و في الروضة في شرحها «و هذا بخلاف ساب النبي (صلى الله عليه و آله) فان ظاهر النص و الفتوى وجوب قتله و إن تاب، و من ثم قيده هنا خاصة، و ظاهرهم أن سباب الامام كذلك» و في حاشية الكركي على الكتاب «و لو قذف النبي (صلى الله عليه و آله) فهو مرتد و وجب قتله، و لا تقبل توبته إذا كان مولودا على الفطرة، و كذا لو قذف أم النبي (صلى الله عليه و آله) أو بنته و كذا أم الإمام (عليه السلام) أو بنته».

قلت: لا يخفى عليك صعوبة إقامة الدليل على بعض الأحكام المزبورة خصوصا بعد عدم الحكم بالارتداد بما وقع من قذف عائشة و هي زوجة النبي (صلى الله عليه و آله) بل قد يشكل جريان حكم المرتد على قذف النبي (صلى الله عليه و آله) الذي يرجع إلى سبه الذي قد عرفت أن حكمه القتل على كل حال، نعم ما لا يرجع منه إلى السب يتجه فيه ذلك.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره عدم توقف جواز قتل الساب على إذن الامام، بل هو المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه، لإطلاق النصوص و خصوص الأول منها، خلافا للمحكي عن المفيد و الفاضل في المختلف، فلم يجوزاه بدونه، و لعله ل

خبر عمار السجستاني (1)

«ان أبا عبد الله بن النجاشي سأل الصادق (عليه السلام) فقال إني قتلت ثلاثة عشر رجلا من الخوارج كلهم سمعتهم يبرأ من علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: لو كنت قتلتهم بأمر الإمام لم يكن عليك في قتلهم شي ء، و لكنك


1- «1» الوسائل- الباب- 22- من أبواب ديات النفس- الحديث 2 من كتاب الديات.

ج 41، ص: 439

سبقت الامام، فعليك ثلاثة عشر شاة تذبحها بمنى و تصدق بلحمها، لسبقك الامام، و ليس عليك غير ذلك»

و نحوه مرفوع إبراهيم بن هاشم (1)

إلا أنه مع عدم جامعيته لشرائط الحجية قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب.

و لا فرق في الساب بين المسلم و الكافر، لعموم النص، و قد

روي (2) عن علي (عليه السلام) «أن يهودية كانت تشتم النبي (صلى الله عليه و آله) و تقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله (صلى الله عليه و آله) دمها»

نعم قد يتوقف في قتل الكافر الساب إذا أسلم، لأن الإسلام يجب ما قبله.

كما أنه لا إشكال في عدم شي ء على غير القاصد للسب لغفلة أو نحوها بل في

خبر علي بن عطية (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«كنت عنده و سأله رجل عن رجل يجي ء من النبي (صلى الله عليه و آله) على جهة غضب يؤاخذه الله به، فقال: الله أكرم من أن يستقلق عبده»

و في نسخة «يستغلق عبده» و إن كنت لم أجد من أفتى به على وجه لا يستلب الغضب اختياره بحيث يسقط عنه التكليف.

و كذا لم أجد من أفتى بمضمون

خبر مطر بن أرقم (4)

«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن عبد العزيز بن عمر الوالي بعث


1- «1» أشار إليه في الوسائل في- الباب- 22- من أبواب ديات النفس- الحديث 2 و ذكره في الكافي ج 7 ص 376.
2- «2» سنن النسائي ج 7 ص 108 عن ابن عباس.
3- «3» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد القذف- الحديث 1 و فيه «يجي ء من الشي ء على جهة غضب.» و في ذيله «و في نسخة يستقلق عبده»
4- . «4» الوسائل- الباب- 26- من أبواب حد القذف- الحديث 1.

ج 41، ص: 440

إلى فأتيته و بين يديه رجلان قد تناول أحدهما صاحبه فمرس وجهه، فقال:

ما تقول يا أبا عبد الله في هذين الرجلين؟ قلت: و ما قالا؟ قال: قال أحدهما: ليس لرسول الله (صلى الله عليه و آله) فضل على أحد من بني أمية في الحسب، و قال الآخر له الفضل على الناس كلهم في كل خير و غضب الذي نصر رسول الله (صلى الله عليه و آله) فصنع بوجهه ما ترى، فهل عليه شي ء؟ فقلت له: إني أظنك قد سألت من حولك، فقال: أقسمت عليك لما قلت، فقلت: كان ينبغي لمن زعم أن أحدا مثل رسول الله (صلى الله عليه و آله) في الفضل أن يقتل و لا يستحيى، قال: فقال: أو ما الحسب بواحد؟ فقلت: إن الحسب ليس النسب، ألا ترى لو نزلت برجل من بعض هذه الأجناس فقراك فقلت: إن هذا الحسب؟ فقال: أو ما النسب بواحد؟ قلت: إذا اجتمعا إلى آدم فان النسب واحد، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لم يخلطه شرك و لا بغي، فأمر به فقتل»

قلت: و لعله لأنه من إنكار الضروري أو أن ذلك نوع نيل منه، فتأمل.

و لا إشكال في ثبوت السب بالبينة و لو اثنان، أما الإقرار فمقتضى إطلاق دليله كفاية الواحد منه، و قد يقال باعتبار الاثنين منه أيضا لما سمعته في نظائره، و الله العالم.

[المسألة الثانية من ادعى النبوة وجب قتله]

المسألة الثانية:

من ادعى النبوة وجب قتله بلا خلاف أجده ل

خبر ابن أبي يعفور (1)

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن بزيعا يزعم أنه


1- «1» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد المرتد- الحديث 2.

ج 41، ص: 441

نبي، فقال: إن سمعته يقول ذلك فاقتله، قال: فجلست إلى جنبه غير مرة فلم يمكني ذلك»

و خبر أبي بصير (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال النبي (صلى الله عليه و آله) أيها الناس إنه لا نبي بعدي و لا سنة بعد سنتي، فمن ادعى ذلك فدعواه و بدعته في النار، فاقتلوه».

و في

خبر ابن فضال عن أبيه المروي عن العيون (2) عن الرضا (عليه السلام) في حديث شريعة محمد (صلى الله عليه و آله) لا تنتهي إلى يوم القيامة «و لا نبي بعده إلى يوم القيامة، فمن ادعى بعده نبيا أوتي بكتاب بعده فدمه مباح لكل من سمع منه»

إلى غير ذلك.

و كذا من قال: لا أدري محمد بن عبد الله (ص) صادق أو لا و كان على ظاهر الإسلام بلا خلاف أجده فيه أيضا ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (3) المروي عن المحاسن «من شك في الله و في رسوله فهو كافر».

و قال له (عليه السلام) الحارث (4) أيضا: «أ رأيت لو أن رجلا أتى إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: و الله ما أدري أ نبي أنت أم لا كان يقبل منه؟ قال: لا، و لكن كان يقتله، أنه لو قبل منه ذلك ما أسلم منافق».

لكن في المسالك الاستدلال عليهما بالعلم بانتفاء دعوى الأول من دين الإسلام ضرورة فيكون ذلك ارتدادا من المسلم و خروجا من الملل التي تقر أهلها، فيقتل لذلك، و أما الشك في صدق النبي (صلى الله عليه و آله) فان وقع من المسلم فهو ارتداد، و تبعه على ذلك الأردبيلي.

و فيه أن مقتضى ذلك جريان حكم المرتد عليهما لا القتل مطلقا كما هو


1- «1» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد المرتد- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد المرتد- الحديث 4.
3- «3» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد المرتد- الحديث 22.
4- «4» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد المرتد- الحديث 4.

ج 41، ص: 442

ظاهر النص و الفتوى. نعم لو وقع الشك المزبور من الكافر لا يقتل به، و لعله لذا قيد الحكم بوقوعه ممن كان على ظاهر الإسلام.

و قد يلحق مدعي الإمامة بمدعي النبوة، و كذا من شك فيه و كان على ظاهر التشيع كي يكون بذلك منكرا لضرورة الدين بعد أن كان عنده من الدين هو ما عليه من المذهب، فهو حينئذ كمن أنكر المتعة ممن كان على مذهب التشيع، و في جملة من

النصوص «أن الشاك في علي كافر» (1)

و لكن الانصاف بعد ذلك كله عدم خلو الحكم المزبور من إشكال، و يجري الكلام في من أنكر أحد الأئمة (عليهم السلام) من أهل التشيع، و الله العالم.

[المسألة الثالثة من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلما و يؤدب إن كان كافرا]

المسألة الثالثة:

من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلما و يؤدب إن كان كافرا بلا خلاف أجده فيه، ل

خبر السكوني (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال رسول الله (ص): إن ساحر المسلمين يقتل، و ساحر الكفار لا يقتل، قيل يا رسول الله: لم لا يقتل ساحر الكفار؟ فقال: لأن الكفر أعظم من السحر، و لأن السحر و الشرك مقرونان»

و على ذلك ينزل إطلاق باقي النصوص، منها

خبر زيد بن علي (3) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: «سئل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الساحر، فقال: إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حل دمه»


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد المرتد- الحديث 13 و 14 و 21 و 48 و 49.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية الحدود- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الحدود- الحديث 1.

ج 41، ص: 443

و منها

خبر إسحاق بن عمار (1) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «ان عليا (عليه السلام) كان يقول: من تعلم شيئا من السحر كان آخر عهده بربه وحده القتل إلا أن يتوب»

و منها

خبر زيد الشحام (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه».

نعم في الأول دلالة على رد من قال بانحصار ثبوته بالإقرار، لأن الشاهد لا يعرف قصده، و لا يشاهد التأثير، و في الثاني دلالة على قاتل متعلم السحر، لكن ظاهر العبارة بل هو المحكي عن جماعة اختصاصه بالعامل و لعله للأصل و تبادر العامل مما دل على قتله بقول مطلق، و الخبر المزبور لا جابر له، مع أنه محتمل للبناء على الغالب من العمل للمتعلم، و قد يقال: إن المراد بالساحر هو متخذ السحر صنعة و عملا له و إن لم يقع منه لصدق اسم الساحر عليه كغيره من أرباب الصنائع، نعم لا قتل على معرفة السحر لا لذلك بل لإبطال مدعي النبوة مثلا به، فإنه ربما يجب تعلمه لذلك.

ثم إن إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق بين المستحل و غيره فما عن بعض متأخر من القول باختصاصه بالأول لم نتحققه، و على تقديره غير واضح الوجه.

و لا إشكال في ثبوته بالبينة و لو اثنان، أما الإقرار فمقتضى دليله الاكتفاء بالمرة فيه، لكن يمكن اعتبار الاثنين فيه، لما سمعته في نظائره.


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الحدود- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية الحدود- الحديث 3.

ج 41، ص: 444

[المسألة الرابعة يكره أن يزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط و كذا المملوك]

المسألة الرابعة قد ذكر أنه يكره أن يزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط و كذا المملوك لكن لم أجد دليلا واضحا عليه، نعم في

خبر حماد بن عثمان (1)

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): في أدب الصبي و المملوك فقال: خمسة أو ستة، و أرفق»

و في

خبر السكوني (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ان أمير المؤمنين (عليه السلام) ألقى صبيان الكتاب ألواحهم بين يديه ليخير بينهم، فقال: أما أنها حكومة و الجور فيها كالجور في الحكم، أبلغوا معلمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتص منه»

و في

خبر زرارة بن أعين (3) المروي عن المحاسن «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما ترى في ضرب المملوك؟ قال: ما أتى منه على بدنه فلا شي ء عليه، و أما ما عصاك فيه فلا بأس، قلت:

كم أضربه؟ قال: ثلاثة أربعة خمسة»

و قال إسحاق بن عمار (4) للصادق (عليه السلام): «ربما ضربت الغلام في بعض ما يحرم، فقال: و كم تضربه؟ فقال: ربما ضربته مائة، فقال: مائة مائة؟! فأعاد ذلك مرتين، ثم قال: توق حد الزاني، اتق الله، فقال: جعلت فداك فكم ينبغي لي أن أضربه؟ فقال: واحد، فقال: و الله لو علم أني لا أضربه إلا واحدا ما ترك لي شيئا إلا أفسده، فقال: فاثنتين، فقال: جعلت فداك هذا هلاكي إذا، قال: فلم أزل أماكسه حتى بلغ


1- «1» الوسائل- الباب- 8- من أبواب بقية الحدود- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 8- من أبواب بقية الحدود- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 8- من أبواب بقية الحدود- الحديث 3 و فيه «ما أتى فيه على يديه فلا شي ء عليه»
4- «4» الوسائل- الباب- 30- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2.

ج 41، ص: 445

خمسا ثم غضب، فقال: يا إسحاق إن كنت تدري حد ما أجرم فأقم الحد فيه و لا تتعد حدود الله»

بل

في مسائل إسماعيل بن عيسى (1) على ما عن الكافي و موضع من التهذيب «في مملوك لا يزال يعصي صاحبه بعد ضربه، فقال: لا يحل أن تضربه إن وافقك فأمسك و إلا فخل عنه».

نعم في

مرسل الفقيه (2) «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

«لا يحل لوال يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلا في حد، و أذن في المملوك من ثلاثة إلى خمسة»

مع أنه ليس في خصوص ما نحن فيه، بل هو معارض بما دل (3)

على أن التعزير دون الحد، و أنه على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و قوة بدنه، و ما دل (4)

على أنه بضعة عشرة ما بين العشرة إلى العشرين، و لكن يسهل الخطب أن الحكم على الكراهة التي يتسامح فيها، و النصوص المزبورة و إن اقتضى ظاهرها الحرمة إلا أنها ضعيفة و لا جابر و معارضة بما هو أقوى.

و من هنا حملت على الكراهة على تفاوت مراتبها، و لعل حملها على تفاوت مراتب التعزير و التأديب المختلف زمانا و مكانا و فعلا و قابلية أولى.

كل ذلك مع عدم تنقيح أصل وجوب التأديب، و الظاهر أنه كذلك مع فرض ترتب الفساد على تركه، و قد ورد الأمر بالتأديب (5) نعم قد يرجح العفو لو تعلق الأمر بحق السيد كما وقع من الامام العفو بعد أن عاهد على التأديب معللا ذلك بأن العفو أحسن.

و أيضا لم ينقحوا وجه الجواز في الزيادة و لكن على جهة المرجوحية ضرورة أنه بعد أن كان مقدار ذلك راجعا إليه، فمع فرض توقف


1- «1» الوسائل- الباب- 27- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الحدود- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الحدود- الحديث 3.
4- «4» الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الحدود- الحديث 1.
5- «5» الوسائل- الباب- 30- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 4.

ج 41، ص: 446

الأدب عليها لا يجوز له تركها إذا وجب و إذا لم يتوقف لم يجز له فعلها، فلا بد من حمل ذلك على حال عدم العلم بالحال، و بالجملة لا يخلو المقام من نوع غش.

و أيضا ينبغي أن يعلم أن مفروض الكلام في التأديب الراجع إلى مصلحة الصبي مثلا لا ما يثيره الغضب النفساني، فان المؤدب حينئذ قد يؤدب، و الله العالم.

و على كل حال فقد قيل و القائل الشيخ في المحكي من نهايته إن ضرب عبده في غير حد حدا لزمه إعتاقه و لفظه «من ضرب عبده فوق الحد كان كفارته أن يعتقه» و نحوه عن الجامع و لكن هو على الاستحباب ك

صحيح أبي بصير (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) الذي قد قيل إنه الدليل له «من ضرب مملوكا حدا من الحدود من غير حد أوجبه المملوك على نفسه لم يكن لضاربه كفارة إلا عتقه»

إلا أنه كما ترى لم يعتبر فوق الحد الذي ذكره الشيخ فلا دليل له حينئذ على ما ذكره، كما لا عامل بالصحيح المزبور، فيتجه حمله حينئذ على الندب، بل في النافع الاستحباب المزبور لمن زاد في تأديبه على العشرة و إن لم أجد له شاهدا بل و لا موافقا، و الظاهر أن الاستحباب المزبور للمولى، و ربما احتمل استحبابه أيضا لغيره بأن يشتريه و يعتقه لكنه ليس بشي ء، و الله العالم.


1- «1» الوسائل- الباب- 27- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.

ج 41، ص: 447

[المسألة الخامسة كل ما فيه التعزير من حقوق الله سبحانه و تعالى يثبت بشاهدين]

المسألة الخامسة:

كل ما فيه التعزير من حقوق الله سبحانه و تعالى يثبت بشاهدين بلا خلاف و لا إشكال، لإطلاق أو عموم ما دل على اعتبارهما أو الإقرار مرتين على قول محكي عن الحلي و غيره، و لكن قد عرفت الاشكال فيه غير مرة

لعموم «إقرار العقلاء» (1)

المقتضي للاكتفاء به مرة و لعله لذلك نسبه المصنف إلى القول مشعرا بالتردد فيه إلا أنه قد ذكرنا أيضا غير مرة وجه تقريبه، و الله العالم.

و من قذف عبده أو أمته عزر كالأجنبي بلا خلاف لحرمته و عموم

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (2)

«من افترى على مملوك عزر لحرمة الإسلام»

و خصوص

خبر غياث (3) عن الصادق (عليه السلام) «إن امرأة جاءت رسول الله (صلى الله عليه و آله) إني قلت لأمتي: يا زانية، فقال: هل رأيت عليها الزناء؟ فقالت:

لا، فقال: أما إنها ستقاد منك يوم القيامة، فرجعت إلى أمتها فأعطتها سوطا ثم قالت: اجلديني، فأبت الأمة فأعتقتها، ثم أتت النبي (صلى الله عليه و آله) فأخبرته، فقال: عسى أن يكون هذا بهذا»

و لعل ترك النبي (صلى الله عليه و آله) تعزيرها لعدم إقرارها مرتين، و الله العالم.


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد القذف- الحديث 12.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد القذف- الحديث 4.

ج 41، ص: 448

[المسألة السادسة كل من فعل محرما أو ترك واجبا فللإمام تعزيره]

المسألة السادسة لا خلاف و لا إشكال نصا و فتوى في أن كل من فعل محرما أو ترك واجبا و كان من الكبائر فللإمام تعزيره بما لا يبلغ الحد و تقديره إلى الامام و لكن لا يبلغ به حد الحر في الحر و هو المائة و لا حد العبد في العبد و هو الأربعون، بل قد يقال بعدم بلوغه أدنى الحد في العبد مطلقا، كما أنه قيل: يجب أن لا يبلغ به أقل الحد، ففي الحر خمسة و سبعون، و في العبد أربعون، و قيل: إنه في ما ناسب الزناء يجب أن لا يبلغ حده، و في ما ناسب القذف أو الشرب يجب أن لا يبلغ حده، و في ما لا مناسب له ان لا يبلغ أقل الحدود و هو خمسة و سبعون حد القواد، و حكاه في المسالك عن الشيخ و الفاضل في المختلف، نعم ينبغي ان يكون ذلك في غير ماله مقدر مما عرفت الكلام فيه سابقا.

هذا و في كشف اللثام ان وجوب التعزير على ذلك إن لم ينته بالنهي و التوبيخ و نحوهما، و اما إذا انتهى بدون الضرب فلا دليل عليه إلا في مواضع مخصوصة ورد النص فيها بالتأديب و التعزير، و يمكن تعميم التعزير في كلامه و كلام غيره لما دون الضرب من مراتب الإنكار» قلت:

قد يستفاد التعميم مما

دل (1) على ان لكل شي ء حدا و لمن تجاوز الحد حد»

بناء على ان المراد من الحد فيه التعزير الفعلي، مضافا إلى إمكان استفادته أيضا من استقراء النصوص (2)

، كما لا يخفى على من تدبرها، نعم قد يقال باختصاص التعزير بالكبائر دون الصغائر ممن كان يجتنب الكبائر


1- «1» الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات الحدود.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات الحدود.

ج 41، ص: 449

فإنها حينئذ مكفرة لا شي ء عليها، اما إذا لم يكن مجتنبا لها فلا يبعد التعزير لها أيضا، و الله العالم.

[الباب الرابع في حد المسكر]
اشارة

الباب الرابع في حد المسكر الذي يرجع فيه إلى العرف كغيره من الألفاظ و إن قيل هو ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم و ظهور السر المكتوم أو ما يغير العقل و يحصل معه سرور و قوة النفس في غالب المتناولين، أما ما يغير العقل لا غير فهو المرقد إن حصل معه تغيب الحواس الخمس، و إلا فهو المفسد للعقل كما في البنج و الشوكران، و لكن التحقيق ما عرفته، فإنه الفارق بينه و بين المرقد و المخدر و نحوهما مما لا يعد مسكرا عرفا. و أما الفقاع فقد مر البحث في موضوعه مكررا.

و كيف كان ف مباحثه ثلاثة:

[البحث الأول في الموجب]

الأول في الموجب و هو بلا خلاف يوجد فيه عندنا، بل الإجماع بقسميه عليه تناول المسكر أو الفقاع و لو القليل منهما و إن لم يكن به إسكار، لدوران الحرمة في الثاني على مسماه و إن لم يسكر، و في الأول على إسكار الكثير منه فان ما أسكر كثيره حرم قليله، و على كل حال فالمدار على التناول منهما

ج 41، ص: 450

اختيارا مع العلم بالتحريم إذا كان المتناول كاملا بالبلوغ و العقل فهذه قيود أربعة التناول و الاختيار و العلم بالتحريم و كمال المتناول.

و شرطنا التناول ليعم الشرب و الاصطباغ و أخذه ممزوجا بالأغذية و الأدوية و إن لم يبق مع المزج متميزا فان المحرم ذاتا لا ترتفع حرمته بعدم تمييزه، نعم يخرج استعماله بالاحتقان كما صرح به في القواعد و التضميد و الإطلاء و نحوهما، بل في المسالك و السعوط حيث لا يدخل الحلق، لأنه لا يعد تناولا فلا يحد به و إن حرم، مع احتمال حده على تقدير إفساده الصوم و إن كان هو كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء فساد الصوم بعد فرض عدم دخوله الحلق الحد المزبور، نعم قد يدخل في التناول ما يستعمل من المسكرات في القليان و نحوها، نعم في القواعد «و لو تسعط به حد» و لكن علله في كشف اللثام بأنه يصل إلى باطنه من حلقه، و بالنهي عن الاكتحال به، و الاستعاط أقرب منه وصولا إلى الجوف.

قلت: و لو فرض عدم وصوله أو عدم العلم بالوصول لم يحد، للأصل و غيره و إن عزر.

و لو عجن بالخمر مثلا عجينا فالأقرب كما في القواعد وجوب الحد لكن عن التحرير سقوطه، لأن النار أكلت أجزاء الخمر، قال: نعم يعزر، و لعله للنجاسة، و لاحتمال البقاء، و فيه أن الأصل بقاؤه، اللهم إلا أن يمنع ثبوت الحد بالأصل المزبور، بل لا بد فيه من العلم ببقاء أجزائه.

و كيف كان ف نعني بالمسكر ما من شأنه أن يسكر فان الحكم يتعلق بتناول القطرة منه و إن لم تسكر بلا خلاف معتد به بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1)

المستفيضة أو المتواترة


1- «1» الوسائل- الباب- 3 و 4- من أبواب حد المسكر.

ج 41، ص: 451

المصرحة باستواء القليل و الكثير منه في إيجاب الحد شربه، نعم عن المقنع «إذا شرب حسوة من خمر جلد ثمانين، و إن أخذ شارب النبيذ و لم يسكر لم يجلد حتى يرى سكرانا» و ظاهره الفرق بين الخمر و النبيذ، و لعله ل

خبر إسحاق بن عمار (1) سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل شرب حسوة خمر، قال: يجلد ثمانين، قليلها و كثيرها حرام»

في الأول

و صحيح الحلبي (2)

«قال له أ رأيت إن أخذ شارب النبيذ و لم يسكر أ يجلد ثمانين؟ قال: لا و كل مسكر حرام»

في الثاني و نحوه صحيح أبي الصباح عنه (عليه السلام) (3)

«إلا أنهما موافقان للعامة و محتملان لعود الضمير على النبيذ، فيكون حلالا، بل يمكن ذلك أيضا في كلام الصدوق، و قوله: «حتى يرى سكرانا» يجوز أن يكون عند اشتباه ما شربه و إلا فلا إشكال نصا و فتوى في أنه يستوي في ذلك الخمر و جميع المسكرات التمرية و الزبيبية و العسلية المسماة بالنبيذ و النقيع و البتع و المزر المعمول من الشعير أو الحنطة أو الذرة بل و كذا لو عمل من شيئين أو ما زاد خلافا لأبي حنيفة في بعضها.

نعم في كشف اللثام بعد ذكر الحكم بالحد عندنا بتناول قطرة من المسكر أو مزجها بالغذاء أو الدواء قال: «و إن لم يتناوله ما في النصوص من لفظ الشرب فكأنه إجماعي» و سبقه إلى ذلك الأردبيلي، فإنه أشكل امتزاج قطرة من خمر مثلا بحب من ماء بعدم صدق اسم شربها، و لذا لم يحنث من حلف أن لا يشرب الخل أو يأكل الدهن أو التمر بشرب الكباح و أكل الطبيخ الذي فيه دهن غير متميز و أكل الحلوى التي فيها التمر.


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المسكر- الحديث 7.
2- «2» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المسكر- الحديث 5.
3- «3» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المسكر- الحديث 4.

ج 41، ص: 452

و فيه أن المحرم ذاتا لا من حيث الاسم لا يتفاوت الحال بين قليله و كثيره، بخلاف متعلق اليمين الذي مدار الحكم فيه على صدق الفعل كما أوضحنا ذلك في كتاب الأطعمة و الأشربة (1) بل

قوله (عليه السلام):

«قليلها و كثيرها حرام»

قاض بذلك، ضرورة عدم التقييد بالشرب و عدم تحديد القليل بشي ء، فيشمل الجزء و لو يسيرا، و كذا ما اشتمل من النصوص (2)

على ضرب الثمانين بالنبيذ و الخمر القليل و الكثير من غير تقييد بالشرب. و بالجملة فالمسألة خالية عن الاشكال. و من هنا يثبت الحد على من تناول شيئا من الترياق الذي فيه جزء من الخمر و لو يسيرا و كذا غيره من الأدوية إلا أن يكون مضطرا لمرض مثلا بناء على ما حققناه سابقا (3)و الله العالم.

و يتعلق الحكم بالعصير العنبي إذا غلا بنفسه أو بالنار أو بالشمس و إن لم يقذف بالزبد خلافا لأبي حنيفة بل و إن لم يتحقق فيه الإسكار إلا أن يذهب بالغليان ثلثاه أو ينقلب خلا بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك مذهب الأصحاب أن العصير العنبي إذا غلى بأن صار أسفله أعلاه يحرم و يصير بمنزلة الخمر في الأحكام، و يستمر حكمه كذلك إلى أن يذهب ثلثاه أو ينقلب إلى حقيقة أخرى بأن يصير خلا أو دبسا على قول و إن بعد الفرض، لأن صيرورته دبسا لا يحصل غالبا إلا بعد ذهاب أزيد من ثلثيه، و في الرياض و كأنه إجماع بينهم كما صرح به في التنقيح و غيره، و لم أقف على حجة معتد به سواه و في كشف اللثام «لم أظفر بدليل على حد شاربه ثمانين و لا بقائل قبل


1- «1» راجع ج 36 ص 374- 376.
2- «2» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المسكر- الحديث 2.
3- «3» راجع ج 36 ص 371- 372.

ج 41، ص: 453

الفاضل سوى المحقق» قلت: لعل دليله ظهور النصوص أو صريحها المتقدمة في محلها في أنه بحكم الخمر في الحرمة و غيرها، فلاحظ و تأمل.

و لو طبخ العنب نفسه ففي المسالك و غيرها «في إلحاقه بالعصير وجهان من عدم صدق اسم العصير عليه و من كونه في معناه» قلت:

لعل الثاني لا يخلو من قوة بملاحظة النصوص.

و كيف كان فيتعلق الحكم أيضا بما عداه أي العصير العنبي إذا حصلت فيه الشدة المسكرة و إلا فلا.

و أما التمر إذا غلى و لم يبلغ حد الإسكار في تحريمه تردد، و الأشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ، و كذا البحث في الزبيب إذا نقع في الماء فغلى من نفسه أو بالنار، فالأشبه أنه لا يحرم ما لم يبلغ الشدة المسكرة كما أشبعنا الكلام فيه في كتاب الطهارة (1) فلاحظ.

و الفقاع كالنبيذ المسكر في التحريم و إن لم يكن مسكرا بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى

النصوص الدالة على أنه «خمر استصغره الناس» (2)

و أن فيه حد شارب الخمر (3) و قد تقدم في الطهارة (4)و كتاب الأطعمة(5) تمام الكلام في موضوعه و حكمه و الله العالم.

بل و كذا الكلام في مساواته للخمر في وجوب الامتناع


1- «1» راجع: ج 6 ص 13- 37.
2- «2» الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث 1 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
3- «3» الوسائل- الباب- 13- من أبواب حد المسكر- الحديث 1 و 3.
4- «4» راجع ج 6 ص 38- 40.
5- «5» راجع ج 36 ص 374- 376.

ج 41، ص: 454

من التداوي به و الاصطباغ لأنه من الخمر و إن لم يعرفه الناس، فيجري فيه البحث السابق الذي عرفت تحقيق الحال فيه في كتاب الأطعمة (1) فلاحظ و تأمل.

و اشترطنا الاختيار تفصيا من المكره، فإنه لا حد عليه بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه سواء كان بايجار في حلقه أو بتخويف على وجه يدخل به في المكره، و الأخبار الواردة في نفي التقية (2)

فيه يراد منها عدم التقية في بيان حكمه لا التقية بمعنى فعله للإكراه عليه، كما هو واضح. بل و كذا المضطر إليه لحفظ نفسه مثلا كما تقدم الكلام فيه، بل لو قلنا بحرمته معه أمكن منع الحد المزبور عليه، لظهور ما دل عليه في غيره، اللهم إلا أن يمنع ذلك و لا يتعلق الحكم بالشارب ما لم يكن بالغا عاقلا بلا خلاف و لا إشكال و إن أدبا مع التمييز.

و كما يسقط الحد عن المكره يسقط عمن جهل التحريم لقرب عهد بالإسلام أو لبعد بلاده على وجه يمكن في حقه ذلك، قال الصادق (عليه السلام): في

خبر ابن بكير (3)

«شرب رجل الخمر على عهد أبي بكر فرفع إلى أبي بكر، فقال له: أشربت خمرا؟ قال: نعم قال: و لم و هي محرمة؟ فقال له الرجل: إني أسلمت و حسن إسلامي و منزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر و يستحلون ذلك، و لو علمت أنها حرام اجتنبتها فالتفت أبو بكر إلى عمر و قال: ما تقول في أمر هذا الرجل؟ فقال عمر: معضلة و ليس لها إلا أبو الحسن، فقال أبو بكر:


1- «1» راجع ج 36 ص 445- 446.
2- «2» الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأشربة المحرمة من كتاب الأطعمة و الأشربة.
3- «3» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد المسكر- الحديث 1.

ج 41، ص: 455

ادعوا لنا عليا فقال عمر: يؤتى الحكم في بيته، فقاما و الرجل معهما و من حضرهما من الناس حتى أتوا أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخبراه بقصة الرجل و قص الرجل قصته، فقال: ابعثوا معه من يدور به على مجالس المهاجرين و الأنصار من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه، ففعلوا ذلك، فلم يشهد عليه أحد بأنه قرأ عليه آية التحريم، فخلى عنه، و قال:

إن شربت بعدها أقمنا عليك الحد».

أو جهل المشروب أنه من المحرم بل ظن أنه ماء أو شراب محلل بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك، نعم لو علم الأول التحريم و لم يعلم أن فيه حدا لم يعذر، كما لا يعذر الثاني لو علم أنه من جنس المسكر، و لكن ظن أن ذلك القدر لا يسكر، إلا أن يكون من الجهل بالحكم، و يختص التحريم بالقدر الذي يسكر بالفعل فيدرأ عنه بذلك للشبهة و كذا لو شربه بظن أنه من جنس آخر محرم غير مسكر، و الله العالم.

و لا خلاف و لا إشكال في أنه يثبت بشهادة عدلين مسلمين للإطلاق و لا تقبل فيه شهادة النساء منفردات و لا منضمات كغيره من الحدود إلا ما خرج بدليله، كما سمعته مكررا هنا و في كتاب الشهادات، و يكفي في الشاهد أن يقول: شرب مسكرا و إن لم يعين جنس ما شربه، نعم إن ادعى الإكراه أو الجهل و احتمل ذلك في حقه قبل فلا حد، و كذا لو شهد أحدهما في وقت و الآخر في آخر أو شهد به أحدهما مطاوعا و الآخر مكرها أو عالما و الآخر جاهلا.

و كذا يثبت بالإقرار دفعتين قطعا و لكن الإشكال في أنه لا تكفي فيه المرة التي هي مقتضى إطلاق ما دل (1)

على جواز الإقرار. و قد عرفت الكلام فيه مكررا


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار- الحديث 2.

ج 41، ص: 456

بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه هنا.

كما أنك عرفته في أنه يشترط في المقر البلوغ و كمال العقل و الحرية و الاختيار و القصد، و في

المرسل (1) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «من أقر عند تجريد أو حبس أو تخويف فلا حد عليه»

هذا و في محكي المقنعة «و سكره بينة عليه أنه شرب المخمور، و لا يرتقب لذلك إقرار منه في حال صحوه به و لا شهادة من غيره عليه» و لا يخلو من نظر مع احتمال الإكراه و التداوي و غيرهما، و من هنا لا تكفي في ثبوته الرائحة و النكهة لاحتمال الإكراه و الجهل و غيرهما، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من الاكتفاء بالرائحة، و هو واضح الضعف. نعم قد يشهد لما ذكره الشيخ خبر الحسين بن يزيد (2) عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) الذي رواه المشايخ الثلاثة الآتي في المسألة الأولى التي ستسمع الكلام فيها إن شاء الله.

[البحث الثاني في كيفية الحد]

الثاني في كيفية الحد و هو ثمانون جلدة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص، لكن في

حسن الحلبي (3) سأل الصادق (عليه السلام) «أ رأيت النبي (صلى الله عليه و آله) كيف يضرب بالخمر؟ قال: كان يضرب بالنعال و بزيد إذا أتي بالشارب، ثم لم يزل الناس يزيدون حتى وقف ذلك على ثمانين أشار


1- «1» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد السرقة- الحديث 2 و هو خبر البختري.
2- «2» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد المسكر- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المسكر- الحديث 3.

ج 41، ص: 457

بذلك علي (عليه السلام) على عمر»

و نحوه

خبر أبي بصير (1) عنه (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) معللا له (2) بأنه «إذا شرب سكر، و إذا سكر هذى، و إذا هذى افترى، فإذا فعل ذلك فاجلدوه حد المفتري ثمانين».

بل في المسالك «

روى العامة (3) و الخاصة (4)

«أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يضرب الشارب بالأيدي و النعال و لم يقدره بعدد، فلما كان في زمن عمر استشار أمير المؤمنين (عليه السلام) في حده فأشار عليه بأن يضرب ثمانين معللا له بأنه إذا شرب سكر، و إذا سكر هذى، و إذا هذى افترى، فجلده عمر ثمانين»

و عمل بمضمونه أكثر العامة، و ذهب بعضهم إلى أربعين مطلقا لما

روي (5)

أن الصحابة قد رووا ما فعل في زمانه (صلى الله عليه و آله) بأربعين و كان التقدير المزبور عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من التفويض الجائز لهم».

و من الغريب ما في كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة من أن جلد الشارب الثمانين من بدع الثاني و أن الرسول (صلى الله عليه و آله) جعل حده أربعين بالنعال العربية و جرائد النخل بإجماع أهل الرواية، و أن الثاني قال: إذا سكر افترى، و إذا افترى حد حد المفتري» و في كشف اللثام «و لعله أراد إلزامهم باعترافهم كما في الطرائف من قوله:

و من طريف ما شهدوا به أيضا على خليفتهم عمر من تغييره لشريعة نبيهم (صلى الله عليه و آله) و قلة معرفته بمقام الأنبياء و خلفائهم ما ذكره


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المسكر- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المسكر- الحديث 7.
3- «3» سنن البيهقي- ج 8 ص 321.
4- «4» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المسكر.
5- «5» سنن البيهقي- ج 8 ص 318.

ج 41، ص: 458

الحميدي في الجمع بين الصحيحين من مسند أنس بن مالك في الحديث الحادي و التسعين (1) من المتفق عليه قال: «إن النبي (صلى الله عليه و آله) ضرب في الخمر بالجرائد و النعال، و جلد أبو بكر أربعين فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر»

و ذكر الحميدي أيضا في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند السائب بن يزيد في الحديث الرابع من أفراد البخاري (2) قال: «كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و إمرة أبي بكر و صدر من خلافة عمر فنتقدم إليه بأيدينا و نعالنا و أرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا و فسقوا جلد ثمانين»

انتهى.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى اعتبار الثمانين مترتبة لكن في

خبر زرارة (3)

«سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن الوليد بن عقبة حين شهد عليه بشرب الخمر قال عثمان لعلي (عليه السلام): اقض بينه و بين هؤلاء الذين زعموا أنه شرب الخمر، قال: فأمر علي (عليه السلام) فجلد بسوط له شعبتان أربعين جلدة فصارت ثمانين»

و في خبره الآخر (4)

«سمعته أيضا يقول: أقيم عبيد الله بن عمر و قد شرب الخمر فأمر عمر أن يضرب فلم يتقدم عليه أحد يضربه حتى قام علي (عليه السلام) بتبعة مثنية لها طرفان فضربه أربعين»

و يمكن حملهما على جواز ذلك لمصلحة، و الله العالم.

و كيف كان فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا كون الحد الثمانين مطلقا رجلا كان الشارب أو امرأة حرا كان


1- «1» سنن البيهقي ج 8 ص 319.
2- «2» سنن البيهقي ج 8 ص 319.
3- «3» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد المسكر- الحديث 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المسكر- الحديث 2.

ج 41، ص: 459

أو عبدا بل عن صريح الغنية و ظاهر غيرها الإجماع عليه، بل لعل قول المصنف و في رواية (1)

يحد العبد أربعين، و هي متروكة مشعر به أيضا، كقول غيره مطروحة و آخر شاذة، لإطلاق النصوص و خصوصا المشتملة منها على التعليل المزبور بناء على عدم الفرق بين العبد و الحر في حد القذف، و خصوص المعتبرة المستفيضة المصرحة بذلك، ففي

موثق أبي بصير (2)

«كان علي (عليه السلام) يجلد الحر و العبد و اليهودي و النصراني في الخمر و النبيذ ثمانين»

بل في

صحيح آخر له مضمر (3)

«حد اليهودي و النصراني و المملوك في الخمر و الفرية سواء، و إنما صولح أهل الذمة على أن يشربوها في بيوتهم»

و إن كان محتملا لإرادة تسويا حدي الشرب و الفرية في العدد، أي حد كل منهم في الشرب كحدة في الفرية، و هو يعم الثمانين و الأربعين، نعم أصرح منه

آخر (4)

«يجلد الحر و العبد و اليهودي و النصراني في الخمر ثمانين»

إلى غير ذلك مما لا يقدح ما فيه من الضعف سندا لو كان بعد الانجبار بما عرفت.

خلافا لما عن الصدوق من التنصيف في العبد ل

خبر الحضرمي (5)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عبد مملوك قذف حرا، قال:

يجلد ثمانين، هذا من حقوق المسلمين، فأما ما كان من حقوق الله تعالى فإنه يضرب نصف الحد، قلت: الذي من حقوق الله ما هو؟ قال:

إذا زنى أو شرب الخمر فهذا من الحدود التي يضرب فيها نصف الحد»

مؤيدا بالأصل و بقاعدة التنصيف فيه، و باشتماله على التعليل، و بما مر من

خبر حماد بن عثمان (6) عنه (عليه السلام) «في التعزير أنه دون الأربعين


1- «1» الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المسكر- الحديث 6 و 7 و 9.
2- «2» الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المسكر- الحديث- 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المسكر- الحديث- 5.
4- «4» الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المسكر- الحديث- 4.
5- «5» الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المسكر- الحديث- 7.
6- «6» الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المسكر- الحديث- 6.

ج 41، ص: 460

فإنها حد المملوك»

و ببناء الحد على التخفيف، و لا أقل من أن يكون ذلك من الشبهة، و من هنا مال الشهيدان و الفاضل في المختلف إلى ذلك، إلا أن ذلك كله كما ترى، ضرورة عدم المكافئة لما سمعته من وجوه، منها موافقة العامة و مخالفة الشهرة المزبورة، بل الصدوق نفسه لم يعمل بالخبر المزبور في العبد في القذف، كما أنه لا قائل بتحديد التعزير في الثاني بذلك فلا ريب في أن الأصح الثمانون مطلقا، و الله العالم. هذا كله في المسلم.

أما الكافر ف الذمي منه و من في معناه إن تظاهر به حد و إن استتر لم يحد بلا خلاف أجده فيه نصا (1)

و فتوى، بل و لا إشكال لاستفاضة النصوص به، منها ما سمعته في بعضها (2)

سابقا هذا، و في القواعد و شرحها للأصبهاني «و لا حد على الحربي و إن تظاهر بشربها، لأن الكفر أعظم منه، نعم إن أفسد بذلك أدب بما يراه الحاكم» و فيه أن الأدلة هنا عامة فضلا عما دل على تكليفهم بالفروع، و عدم إقامتها على الذمي المتستر باعتبار اقتضاء عقد الذمة ذلك لا لعدم الحد عليه، فتأمل جيدا.

و لا خلاف معتد به في أنه يضرب الشارب غير المرأة عريانا مستور العورة عن الناظر المحترم أو مع الغض عنها على ظهره و كتفيه و يتقى وجهه و فرجه و مقاتله كما سمعته في الزناء نعم عن المبسوط لا يجرد عن ثيابه لأن النبي (صلى الله عليه و آله) أمر بالضرب و لم يأمر بالتجريد، و هو في غاية الضعف،

للصحيح (3)المعتضد بما سمعته «سألته عن السكران و الزاني، قال: يجلدان بالسياط


1- «1» الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المسكر.
2- «2» الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المسكر- الحديث 1 و 2 و 3 و 4 و 5.
3- «3» الوسائل- الباب- 8- من أبواب حد المسكر- الحديث 1.

ج 41، ص: 461

مجردين بين الكتفين، فأما الحد في القذف فيجلد على ثيابه ضربا بين الضربين».

و ينبغي أن يفرق على سائر بدنه ليذوق العقوبة ما سرى فيه المشروب كما

روي (1) عن علي (عليه السلام) من قوله للجلاد: «أعط كل عضو حقه».

و كذا لا خلاف في أنه لا يقام عليه الحد حتى يفيق لتحصل فائدة الحد التي هي الانزجار عنه ثانيا، أما المرأة فتحد جالسة مربوطة عليها ثيابها كما سمعته في الزناء و قد نص عليه هنا بعضهم و إن أطلق آخر.

و لا يسقط بالجنون لما مر في الزناء و لا بالارتداد الذي لا يزيد إلا شرا.

و إذا حد مرتين قتل في الثالثة وفاقا للمشهور شهرة عظيمة بل عن الغنية الإجماع عليه و هو المروي هنا مستفيضا بل متجاوزا حد الاستفاضة صحيحا و غيره، ف

في الصحاح (2)

«من شرب الخمر فاجلدوه، فان عاد فاجلدوه فان عاد فاقتلوه»

مؤيدا بما دل (3)صحيحا على قتل أرباب الكبائر فيها.

و لكن مع ذلك قال في الخلاف و محكي المبسوط و المقنع يقتل في الرابعة بل في الفقيه أرسله رواية و إن كنا لم نجدها في ما وصل إلينا. نعم عن الخلاف الاستدلال له

بالنبوي (4)

«من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب


1- «1» لم أعثر عليه عاجلا.
2- «2» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد المسكر.
3- «3» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد المسكر- الحديث 2.
4- «4» سنن البيهقي- ج 8 ص 314.

ج 41، ص: 462

فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه»

مؤيدا ذلك بما ذكره غير واحد من المتأخرين من كون الزاني أعظم منه، و لذا يجلد مائة مع أنه يقتل في الرابعة كما عرفت، و بالاحتياط في الدماء، و من هنا مال الفاضل و ولده و الشهيد إليه، إلا أن ذلك كله كما ترى، ضرورة عدم حجية المرسلين فضلا عن معارضتهما كعدم معارضة الأولوية المزبورة للصحاح المذكورة و لعله لذا لم يذكر المصنف هنا أنه أولى كما سمعته منه في غيره، و الله العالم.

و لو شرب مرارا لم يتخلل حد بينها كفى حد واحد بلا خلاف، للأصل و العمومات و انتفاء الحرج و صدق الشرب و إن تعدد كما سمعته في نظائره، و لا فرق بين اختلاف جنس المشروب و اتحاده، و الله العالم.

[البحث الثالث في احكامه]
[المسألة الأولى لو شهد واحد بشربها و آخر بقيئها وجب الحد]

الثالث في احكامه و هي مسائل:

الأولى:

لو شهد واحد بشربها و آخر بقيئها وجب الحد غير مؤرخين أو مؤرخين بما يمكن معه الاتحاد عند المشهور، بل عن السرائر و التنقيح و ظاهر الخلاف الإجماع عليه، ل

خبر الحسين بن يزيد (1) الذي رواه المشايخ الثلاثة عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) المنجبر بما عرفت قال: «أتي عمر بن الخطاب بقدامة بن مظعون فشهد عليه رجلان أحدهما


1- «1» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد المسكر- الحديث 1.

ج 41، ص: 463

خصي و هو عمر التميمي و الآخر المعلى بن الجارود فشهد أحدهما أنه رآه يشرب و الآخر أنه رآه يقي ء الخمر، فأرسل عمر إلى ناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: ما تقول يا أبا الحسن فإنك الذي قال له رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنت أعلم هذه الأمة و أقضاها، فإن هذين قد اختلفا في شهادتهما، قال: ما اختلفا في شهادتهما، و ما قاءها حتى شربها».

و من هنا يتجه أن يلزم على ذلك وجوب الحد لو شهدا معا بقيئها نظرا إلى التعليل المروي كما عن الشيخ التصريح به، بل عن بعض دعوى الشهرة عليه. و لكن فيه تردد كما عن جماعة منهم الفاضل و ابن طاوس لاحتمال الإكراه و لو على بعد فيدرأ الحد للشبهة و فيه أنه لعل هذا الاحتمال يندفع بأنه لو كان الإكراه واقعا لدفع به عن نفسه مع أنه على خلاف الأصل و الظاهر، و المناقشة بأن غايتهما إفادة الظهور- و هو غير كاف في إثبات الحدود، لعدم منافاتهما الشبهة الدارئة و لذا لو ادعى ما يوجبها قبل كما أشار إليه المصنف بقوله أما لو ادعاه فلا حد (11) بل قيل: إنه إجماع و إن كان مخالفا لهما- مدفوعة بأن ذلك كله كالاجتهاد في مقابلة النص المنجبر حكما و تعليلا بما عرفت، اللهم إلا أن يمنع ذلك بالنسبة إلى التعليل، فيخص دليل المسألة الأولى بالإجماع المزبور و الخبر المذكور الذي هو قضية في واقعة، فلا يتعدى منها، و الفرض عدم جابر للتعليل، للشك في دعوى الشهرة المزبورة المحتملة لكون منشئها ظن التعدية مما في الخبر المزبور، و الله العالم.

ج 41، ص: 464

[المسألة الثانية من شرب الخمر مستحلا استتيب]

المسألة الثانية:

من شرب الخمر مستحلا فعن المقنعة و النهاية و الجامع استتيب، فان تاب أقيم عليه الحد، و إن امتنع قتل أي بعد الحد من غير فرق بين الفطري و غيره، بل في المسالك حكايته عن أتباع الشيخين أيضا، بل قيل: و ربما ظهر من مختلف الفاضل ميل إليه، لإمكان الشبهة، و لخبر ابن مظعون الآتي (1)

و قيل و القائل النقي في ما حكي عنه، بل المتأخرون كما في المسالك يكون حكمه حكم المرتد فيفرق حينئذ بين الفطري منه و الملي و الذكر و الأنثى و هو قوي لكونه من الضروري الذي حكمه ذلك، و احتمال عروض الشبهة له فاستحله و الحدود تدرأ بالشبهات جار في غيره من الضروري المتفق على تحقق الكفر بإنكاره نصا و فتوى، نعم لو أمكنت الشبهة في حقه لقرب عهده بالإسلام أو بعد بلاده عن بلاده جرى عليه حكم غيره من الضروري.

و لكن في المسالك اتجه قول الشيخين، و عليه تحمل استتابة قدامة بن مظعون و غيره ممن استحلها في صدر الإسلام بالتأويل. و فيه أن قول الشيخين لا يوافق مستحل الضروري للشبهة المزبورة المخرجة له عن الضرورة في حقه، بل المسقطة عنه الحد كما سمعته سابقا في خبر بكير (2)عن الصادق (عليه السلام) و لعل الأولى حمل ما عن ابن مظعون على أنه ليس مرتدا فطريا، و قصته معلومة، ففي

المحكي عن إرشاد المفيد (3)


1- «1» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد المسكر- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد المسكر- الحديث 1 و هو خبر ابن بكير.
3- «3» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد المسكر- الحديث 1.

ج 41، ص: 465

أنه روت العامة و الخاصة «أن قدامة بن مظعون شرب الخمر فأراد عمر أن يحده، فقال: لا يجب علي الحد، إن الله يقول لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا (1) فدرأ عمر عنه الحد، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فمشى إلى عمر، فقال: ليس قدامة من أهل هذه الآية و لا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله، إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات لا يستحلون حراما، فاردد قدامة فاستتبه مما قال، فان تاب فأقم عليه الحد، و إن لم تب فاقتله، فقد خرج عن الملة، فاستيقظ عمر لذلك، و عرف قدامة الخبر فأظهر التوبة و الإقلاع فدرأ عنه القتل».

و في

خبر عبد الله بن سنان (2) قال أبو عبد الله (عليه السلام): «أتي عمر بقدامة بن مظعون و قد شرب الخمر، و قامت عليه البينة، فسأل عليا (عليه السلام) فأمر أن يجلده ثمانين، فقال قدامة: يا أمير المؤمنين ليس علي حد، أنا من أهل هذه الآية «لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا» فقال علي (عليه السلام) لست من أهلها، إن طعام أهلها لهم حلال، ليس يأكلون و لا يشربون إلا ما أحل الله لهم»

و لم يذكر فيه الاستتابة، و لعل عدم سقوط الحد عنه بما ذكره من الجهل لعدم معذورية مثله، إذ ليس له الأخذ بالحكم المزبور من القرآن من دون رجوع إلى العالم بتنزيله و تأويله، و لا شهادة فيها على ما سمعته من الشيخين لأنها قضية في واقعة، و لا عموم فيها على وجه يشمل الفطري منه، هذا كله في الخمر.

و أما سائر المسكرات فلا يقتل مستحلها، لتحقق الخلاف بين


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 93.
2- «2» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المسكر- الحديث 5.

ج 41، ص: 466

المسلمين فيها الرافع لضرورتها، و كذا الكلام في الفقاع خلافا للحلبي فكفر مستحله و أوجب قتله، و هو واضح الضعف بعد أن لم تكن حرمته ضرورية، فهو حينئذ كغيره من المسكر غير الخمر في عدم الكفر.

و لكن يقام الحد عليه مع شربها مستحلا و محرما قولا واحدا كما في الرياض و إن لم يكفر المستحل، قال في المسالك: «فالحنفي المعتقد إباحتها يحد على شربها و لا يكفر، لأن الكفر مختص بما وقع عليه الإجماع و ثبت حكمه ضرورة من دين الإسلام، و هو منتف في غير الخمر» و تبعه في الرياض، و نحوه ما في القواعد و شرحها للاصبهاني، قالا: «و يحد الحنفي إذا شرب النبيذ و إن قل و إن استحله فان الحد لله، و النصوص أطلقت بحد الشارب، و الفرق بينه و بين الحربي أنه يجرى عليه حكم الإسلام و إن لم يكن مسلما عندنا حقيقة» قلت: لا فرق في الكفر بين إنكار الضروري و غيره من المقطوع به مع فرض أن المنكر قاطع به، ضرورة اقتضائه تكذيب النبي (صلى الله عليه و آله) نعم يفرق بينهما بالنسبة إلى الحكم بكفر المنكر مع عدم العلم بالحال فمنكر الضروري و هو من أهل الضرورة محكوم بكفره بإنكاره بخلاف غيره لاحتمال عدم القطع به عنده، بل المتجه عدم الحد عليه بذلك، لعدم العلم بالحرمة عند الشارب أو العلم بعدمها و الفرض معذوريته، لكون المسألة غير ضرورية حتى لو كانت قطعية لكنها نظرية، و من ذلك يظهر لك الكلام في

ج 41، ص: 467

[المسألة الثالثة من باع الخمر مستحلا يستتاب]

المسألة الثالثة التي ذكرها المصنف و غيره و هي من باع الخمر مستحلا يستتاب فان تاب و إلا قتل، و إن لم يكن مستحلا عزر، و ما سواه لا يقتل و إن لم يتب بل يؤدب قال في المسالك: «بيع الخمر ليس حكمه كشربه فان الشرب هو المعلوم ضرورة، و قد يقع فيه الشبهة من حيث إنه يسوغ تناوله على بعض وجوه الضرورات كما سلف، فيعزر فاعله، و يستتاب إن فعله مستحلا، فان تاب قبل منه، و إن أصر على استحلاله قتل حدا و كأنه موضع وفاق، و ما وقفت على نص يقتضيه، و أما بيع غيره من الأشربة فلا إشكال في عدم استحقاق فاعله القتل مطلقا لقيام الشبهة، نعم يعزر لفعل المحرم كغيره من المحرمات» و قال في القواعد و شرحها للاصبهاني: «و لو باع الخمر مستحلا لبيعه استتيب، فان حرمته ليست من الضروريات، فان تاب و إلا قتل لارتداده كذا ذكره الشيخان و غيرهما، و التحقيق أنه إن استحله مع اعترافه بحرمته في الشريعة فهو مرتد، حكمه حكم غيره من المرتدين، و إلا عرف ذلك، فان تاب و إلا قتل، و كذا الحكم في كل من أنكر مجمعا عليه بين المسلمين، فإن إنكاره ارتداد مع العلم بالحال لا بدونه، بلا فرق بين شي ء و شي ء، و كذا من أنكر شيئا مع علمه أو زعمه أنه في الشريعة على خلاف ذلك و إن لم يكن مجمعا عليه، فإنه تكذيب للنبي (صلى الله عليه و آله) في علمه أو زعمه، و لعله نظر إلى أن الشبهة في البيع أظهر و أكثر منها في الشرب.

و لو باع محرما له عزر، و ما عدا الخمر من المسكرات و الفقاع إذا باعه

ج 41، ص: 468

مستحلا لا يقتل و إن لم يتب، بل يؤدب لعدم الإجماع من المسلمين على حرمته، و في تأديبه مع كونه من أهل الخلاف نظر» و تبعه على النظر المزبور في الرياض، كما أنه تبع المسالك في ما سمعته سابقا.

و لكن لا يخفى عليك أن مقتضى النظر المزبور عدم الحد أيضا في مفروض المسألة السابقة، بل و عدم التعزير في غيره أيضا مع فرض عدم التحريم عنده، بل و عدم الارتداد مع فرض عدم كونه ضروريا و لا قطعيا عنده، و إنما كان عنده أن الشريعة تقتضي حرمته مع فرض معذوريته في القطع المزبور، و لو لأن المسألة نظرية، بل لو فرض عدم معذوريته لا يكون بذلك مرتدا، بل أقصاه الإثم، بل لا يخفى عليك ما في عدم القتل مع الاستحلال في ما عدا الخمر بعد تخلل الأدب و التوبة. و بالجملة لا يخلو كلامهم في هذه المسألة من نظر، فتأمل جيدا، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا تاب قبل قيام البينة سقط الحد]

المسألة الرابعة:

إذا تاب قبل قيام البينة سقط الحد بلا خلاف بل في كشف اللثام اتفاقا كما هو الظاهر مما عرفته سابقا في الزناء و إن تاب بعدها لم يسقط عند المشهور، خلافا للمحكي عن الحلبيين، فجعلوها كالتوبة بعد الإقرار في تخيير الامام بين العفو و عدمه، و قد عرفت ما فيه سابقا و لو تاب قبل إقراره عند الحاكم سقط قطعا. و أما لو كان ذلك بعد ثبوت الحد بإقراره عند الحاكم فالمشهور كما في المسالك أنه كان الامام مخيرا بين العفو و الاستيفاء لتخيره في حد الزناء و اللواط الذي هو أعظم كما عرفت فهنا أولى و منهم من منع التخيير و حتم الاستيفاء هنا كابن إدريس، بل حكاه في المسالك عن المبسوط

ج 41، ص: 469

و الخلاف أيضا و هو الأظهر بناء على أنه لا خيار هناك إلا في الرجم، ضرورة عدم إيجاب الشرب غير الجلد الذي يقتضي الاستصحاب بقاءه، و لا يقطعه القياس على الإقرار بما يوجب القتل و الرجم بعد بطلانه عندنا و كونه مع الفارق، و من هنا قواه في محكي التحرير، و لكن قد تقدم سابقا ما يعلم منه النظر في ذلك و أنه مخير في الرجم و الجلد، فيتضح حينئذ وجه الأولوية في المقام من الجلد في الزناء الذي هو أعظم و جلده أكثر، مضافا إلى غيرها من التعليل في بعض النصوص و نحوه، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

[تتمة تشتمل مسائل]
[المسألة الأولى من استحل شيئا من المحرمات المجمع عليها كالميتة و الدم و الربا و لحم الخنزير ممن ولد على الفطرة]

تتمة تشتمل على مسائل:

الأولى:

من استحل شيئا من المحرمات المجمع عليها كالميتة و الدم و الربا و لحم الخنزير ممن ولد على الفطرة و كان ذكرا جامعا لشرائط الحد يقتل لارتداده كما هو مقتضى عبارة كثير من الأصحاب على ما في المسالك، بل في مجمع البرهان نسبته إلى بعض عبارات العامة، و هو كذلك مع فرض تحقق الإجماع المزبور عند المستحل، ضرورة كونه كالضروري في إنكار صاحب الشرع، و كذا من خالف المجمع عليه بين الأصحاب، نعم لا يحكم بكفره بمجرد استحلاله، لاحتمال عدم تحققه الإجماع، بخلاف الضروري الذي يحكم بكفر مستحله ممن نشأ في محل الضرورة، بل هو كذلك في ضروري المذهب، بل و المجمع عليه بينهم ممن كان تحقق عنده الإجماع المزبور على وجه يدخل فيه المعصوم (عليه السلام) ضرورة اقتضاء إنكاره رد قول من اعتقد بعصمته، بل و قول

ج 41، ص: 470

الله كما هو واضح.

و من هنا يعلم ما في المسالك من إشكاله الحكم المزبور «بأن حجية الإجماع ظنية لا قطعية، و من ثم اختلف فيها و في جهتها، و نحن لا نكفر من رد أصل الإجماع فكيف نكفر من رد مدلوله فالأصح اعتبار القيد الآخر، و أما مخالف ما أجمع عليه الأصحاب خاصة فلا يكفر قطعا و إن كان ذلك عندهم حجة، فما كل من خالف حجة يكفر، خصوصا الحجة الاجتهادية الخفية جدا كهذه، و قد أغرب الشيخ حيث حكم في بعض المسائل بكفر مستحل ما أجمع عليه الأصحاب، و قد تقدم بعضه في باب الأطعمة و الأشربة، و لا شبهة في فساده» إذ لا يخفى عليك ما فيه بل من وجوه كما أطنب فيه في مجمع البرهان، و الله العالم.

و لو ارتكب ذلك أو غيره من المحرمات عالما بتحريمها لا مستحلا عزر كغيره من المحرمات مطلقا حتى الصغيرة ممن لم يكن يجتنب الكبائر إن لم يكن الفعل موجبا للحد و إلا دخل التعزير فيه، كما هو واضح.

[المسألة الثانية من قتله الحد أو التعزير فلا دية له]

المسألة الثانية:

من قتله الحد أو التعزير فلا دية له على المشهور، بل عن الشيخ و إن ضرب في غاية الحر و البرد، قال: و هو مذهبنا، لأن تحري خلافهما مستحب، بل مقتضى إطلاقه و غيره عدم الفرق بين الحد لله تعالى أو للناس، كما عن ابن إدريس التصريح به.

و قيل في محكي الاستبصار: إن ذلك في حدود الله تعالى و أما في الحد للناس ف تجب على بيت المال لقول أمير المؤمنين (ع)

ج 41، ص: 471

في

خبر الحسن بن صالح الثوري (1): «من ضربناه حدا من حدود الله تعالى فمات فلا دية له علينا، و من ضربناه حدا في شي ء من حقوق الناس فمات فان ديته علينا»

و عن المقنعة أن الامام ضامن، و هو محتمل للضمان في بيت ماله و له في بيت مال المسلمين، و عن المبسوط من مات بالتعزير فديته على بيت المال، لأنه ليس حدا، و لأنه ربما زاد خطأ بخلاف الحد، و هو لا يجري في المعصوم، و عن خلافه القطع بأنه كالحد، و احتمله أيضا في محكي المبسوط بناء على دخوله في عموم الحد، مع أصل البراءة و قاعدة الإحسان.

و كيف كان ف الأول مروي في

الحسن أو الصحيح (2)عن الصادق (عليه السلام) «أيما رجل قتله الحد أو القصاص فلا دية له»

و في

خبر الشحام (3)

«من قتله الحد فلا دية له»

مضافا إلى أصل البراءة و قاعدة الإحسان، و لكن ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يحصل الخطأ لو كان من غير المعصوم (عليه السلام) بالتجاوز و نحوه و إلا اتجه الضمان، و الظاهر إرادة ما يشمل التعزير من الحد فيه، و على تقدير العدم فالظاهر الاتحاد في الحكم مع فرض عدم الخطأ، و الخبر المزبور و إن قال في محكي الإيضاح: إنه متواتر عنهم لكن لم نتحققه، و هو في ما وجدنا ضعيف، كما اعترف به غير واحد، فلا يصلح مقيدا أو مخصصا للحسن المزبور المعتضد بما عرفت و الله العالم.


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 4 و هو مرسل الصدوق قده و قد رواه في الوسائل بعد خبر الحسن بن صالح الثوري فتخيل قده انه من خبر الحسن بن صالح.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من أبواب قصاص النفس- الحديث 9- من كتاب القصاص.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من أبواب قصاص النفس- الحديث 1- من كتاب القصاص.

ج 41، ص: 472

[المسألة الثالثة لو أقام الحاكم الحد بالقتل فبان فسوق الشاهدين كانت الدية في بيت المال]

المسألة الثالثة:

لو أقام الحاكم الحد بالقتل فبان فسوق الشاهدين أو الشهود كانت الدية في بيت المال كغيرها مما يخطأ فيه و لا يضمنها الحاكم و لا عاقلته بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى عن ظاهر الحلبي (الحلي خ ل) من الضمان في ماله، و هو واضح الضعف، ضرورة كونه معدا لمصالح المسلمين، فضمان خطائه على بيت مالهم، كما تقدم تحقيق ذلك في كتاب القضاء (1) فلاحظ و تأمل، و كذا الكلام في الكفارة هنا و في المسألة السابقة و إن تردد الشيخ فيها في المحكي من مبسوطة و تبعه الفاضل في المحكي من مختلفه، و الله العالم.

و لو أنفذ الحاكم إلى حامل لإقامة حد أو لتحقيق موجبه فأجهضت خوفا قال الشيخ بل الأكثر كما في المسالك دية الجنين في بيت المال و هو قوي، لأنه خطأ، و خطأ الحكام في بيت المال كما عرفت. و قيل و القائل ابن إدريس يكون على عاقلة الامام، و هي قضية عمر مع علي (عليه السلام) المشهورة

من قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) (2)

«حيث أرسل عمر خلف حامل ليقيم عليها الحد فأجهضت فسأل الصحابة عن ذلك فلم يوجبوا عليه شيئا، فقال: ما عندك في هذا يا أبا الحسن، فتنصل من الجواب، فعزم عليه، فقال: إن كان القوم قد قاربوك فقد غشوك و إن كانوا قد ارتابوا فقد قصروا، الدية على عاقلتك، لأن قتل الصبي خطأ تعلق بك،


1- «1» راجع ج 40 ص 79.
2- «2» الوسائل- الباب- 30- من أبواب موجبات الضمان- الحديث 2 من كتاب الديات.

ج 41، ص: 473

فقال: أنت و الله نصحتني من بينهم، و الله لا تخرج حتى تجري الدية على بني عدي، ففعل (عليه السلام) ذلك».

مضافا إلى أنه من شبيه العمد لا من خطائه في ما حكم به، و ربما أجيب عن الرواية بأنه لم يرسل إليها بعد ثبوت ذلك منها، و فيه أن جواز الإرسال خلف المدعى عليه لا يتوقف على ثبوت الحق عليه، بل يكفى فيه إرادة تحقيق ذلك، فالأولى في الجواب أن عمر لم يكن حاكم حق حتى يكون خطأه في بيت المال، مضافا إلى ما في المسالك من أن الرواية لم ترد بطريق معتمد عليه، فالرجوع إلى الأصول المقررة متعين، و دعوى أن ذلك من شبيه العمد لا تدفع اندراجه في خطأ الحكام بعد فرض جواز الإرسال إليها، و الله العالم.

و لو أمر الحاكم غير المعصوم بضرب المحدود زيادة عن الحد عمدا غضبا عليه مثلا إلا أنه لم يقصد القتل بها و لا كانت مما يقتل غالبا فمات بسبب الزيادة المزبورة فعليه نصف الدية في ماله إن لم يعلم الحداد بذلك و إلا كان هو الضامن، لأنه المباشر، بخلاف الأول الذي يكون الآمر فيه أقوى منه فيختص الضمان به لأنه حينئذ شبيه العمد و الفرض أنه مات بسببين: أحدهما سائغ و الآخر مضمون على الحاكم بعد أن لم يكن سائغا له، لكنه قاصد للفعل دون القتل، و على كل حال فهو ليس من خطأ الحاكم بعد أن لم يكن الفعل المزبور منه تغليظا في العقوبة لمكان أو زمان و نحوهما.

نعم لو كان ذلك منه سهوا في الحد كأن غفل أنه حد الشارب مثلا فزعم أنه حد الزناء أو غلطا منه في الحساب أو عمدا و لكن كان للتغليظ للزمان أو المكان مثلا في غير محل التعزير فالنصف على بيت المال لأنه حينئذ من خطأ الحكام الذي عرفت كونه فيه.

ج 41، ص: 474

و لو أمر الحاكم بالاقتصار على الحد فزاد الحداد عمدا فعن التحرير إطلاق القصاص منه، لأنه باشر الإتلاف، و لكن ينبغي تقييده بقصده القتل أو كون ذلك مما يقتل غالبا ف يقتص منه إن اختار الولي ذلك مع دفع نصف الدية إليه أو بحساب الأسواط، و إن كان الأخير ضعيفا، كما ستعرف، و إلا كان النصف من الدية أو بحساب الأسواط على الحداد في ماله لأنه بقصده الفعل دون القتل صار شبيه عمد.

و لو زاد سهوا فالدية التي هي النصف على عاقلته و احتمل في المسالك إرادة مجموع الدية نظرا إلى كونه عاديا فيحال الضمان عليه، كما لو ضرب مريضا مشرفا على التلف أو ألقى حجرا في سفينة موقرة فغرقها، و إلى استناد الموت إلى الزيادة المزبورة، و فيه أنه مخالف للأول، و من هنا احتمل ذلك في القواعد في الجميع، قال: «و يمكن إيجاب الجميع- أي جميع الدية- على بيت المال أو مال العامد أو عاقلة الساهي، لأنه قتل حصل من مجموع فعله تعالى و عدوان الضارب أو الآمر فيحال الضمان كله على العادي، كما لو ضرب مريضا مشرفا على التلف أو ألقى حجرا في سفينة موقرة فغرقها».

و فيه إمكان الفرق بصدق استقلال الأخير بالتلف دون الأول الذي لا ريب في استناد التلف إليهما عرفا كالضربتين من الشخصين، فالمتجه حينئذ النصف، لاستناد الموت إلى سببين: سائغ، و هو الحد، و غيره، و هو الزيادة من غير اعتبار تعدد شي ء منهما كما صرح به في محكي السرائر لأن القود و الدية على عدد الجانين لا الجنايات، و عليه إن حصلت زيادتان إحداهما من الحاكم عمدا أو سهوا و الأخرى من الحداد انقسمت الدية أثلاثا، و يسقط ثلثها بإزاء الحد، و ربما احتمل التنصيف و إسقاط النصف

ج 41، ص: 475

ثم تنصيف الباقي بين الحاكم و الحداد.

و على كل حال ف فيه أي الفرض الأخير احتمال آخر و هو تقسيط الدية على الأسواط التي حصل بها الموت و هي جميع ما ضرب بها من أسواط الحد و الزيادة، فيسقط من الدية ما قابل السائغ، فلو زاد على الثمانين واحدا مثلا لم يلزمه إلا جزء من أحد و ثمانين جزء من الدية، و هكذا. لكن عن الفاضل في التحرير القطع بعدمه و هو الموافق لما تسمعه منهم في كتاب القصاص، و من هنا كان حمله على إرادة احتمال تمام الدية إن كان المراد بها أولا النصف أو بالعكس أولى، و ربما احتمل إرادة ذلك مع ثبوت القصاص عليه مع التعمد مطلقا مع رد نصف الدية عليه أو بحساب الأسواط، و لكنه كما ترى في غاية البعد، فتأمل جيدا، و الله العالم بحقائق أحكامه.

[الباب الخامس في حد السرقة]
[الأول في السارق]
[يشترط في وجوب الحد عليه شروط]
اشارة

الباب الخامس في حد السرقة و تمام الكلام فيه يحصل بالبحث في السارق و المسروق و الحجة و الحد و اللواحق.

ج 41، ص: 476

الأول في السارق و لا خلاف نصا و فتوى في أنه

يشترط في وجوب الحد عليه شروط ذكر المصنف منها ثمانية و لعلها عشرة بزيادة الاختيار و كون المال في حرز، بل أزيد مع ملاحظة الإخراج منه، و الأمر سهل بعد وضوح الحال.

[الشرط الأول البلوغ]

الأول: البلوغ، فلو سرق الطفل لم يحد و إن كان يؤدب بما يراه الحاكم و لو تكررت سرقته إلى الخامسة فما فوق وفاقا للمشهور، للأصل و حديث رفع القلم (1)

المؤيد بما سمعته في ما تقدم من السقوط في الحدود السابقة.

و لكن في النهاية يعفى عنه أولا فإن عاد أدب، فإن عاد حكت أنامله حتى تدمى، فإن عاد قطعت أنامله، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل و تبعه عليه القاضي و الفاضل في محكي المختلف ناسبا له إلى الأكثر و إن كنا لم نتحققه، نعم بهذا في الجملة روايات كثيرة فيها الصحيح و غيره، بل ربما قرب من التواتر مضمونها في الجملة، إلا أنها على كثرتها لم نقف فيها على خبر مشتمل على تمام التفصيل المزبور كما اعترف به في كشف اللثام و غيره.

و لكن في

صحيح ابن سنان(2)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصبي يسرق قال يعفى عنه مرة أو مرتين، و يعزر في الثالثة، فإن عاد قطعت أطراف أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك».


1- «1» الوسائل- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 من كتاب القصاص.
2- «2» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.

ج 41، ص: 477

و في

صحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن الصبي يسرق، قال: إذا سرق مرة و هو صغير عفي عنه، فان عاد عفي، فان عاد قطع بنانه، فان عاد قطع أسفل من بنانه، فان عاد قطع أسفل من ذلك».

و في حسن الحلبي (2) عن الصادق (عليه السلام) «إذا سرق الصبي عفي عنه، فان عاد عزر، فان عاد قطع أطراف أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك، و قد أتي علي (عليه السلام) بغلام يشك في احتلامه فقطع أطراف الأصابع»

و عن يحيى بن سعيد في الجامع العمل به.

و في

صحيح ابن سنان (3) عنه (عليه السلام) أيضا «في الصبي يسرق قال: يعفى عنه مرة، فإن عاد قطعت أنامله أو حكت حتى تدمى فإن عاد قطعت أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك»

و عن الصدوق في المقنع العمل به.

و في

خبر إسحاق بن عمار (4) عن أبي الحسن (عليه السلام) «الصبي يسرق، قال: يعفى عنه مرتين، فان عاد الثالثة قطعت أنامله، فإن عاد قطع المفصل الثاني، فإن عاد قطع المفصل الثالث، و تركت راحته و إبهامه»

قيل: و لعل إليه أشار في الغنية، قال: قد روى أصحابنا أن الصبي إذا سرق هدد، فان عاد ثانية أدب بحك أصابعه في الأرض حتى تدمى، فإن عاد ثالثة قطعت أطراف أنامله الأربع من المفصل الأول، فإن عاد رابعة قطعت من المفصل الثاني، فإن عاد خامسة قطعت من أصولها، و هو كما ترى، مع أن أكثر النصوص يخالف هذا التفصيل، بل الخبر المزبور مشتمل على العفو عنه مرتين و هو غير


1- «1» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 2 و 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 7.
4- «4» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 15.

ج 41، ص: 478

التهديد أولا و التعزير بالحك ثانيا، و عبارة الغنية و إن أشعرت بالإجماع إلا أنه موهون بمخالفة الأكثر بل الكل، كما يظهر من نقل الأقوال في المسألة.

و في

خبره الآخر (1)

«قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام):

الصبيان إذا أتي بهم على قطع أناملهم من أين يقطع؟ فقال: من المفصل: مفصل الأنامل».

و في

صحيح زرارة (2)

«سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:

أتي علي (عليه السلام) بغلام قد سرق فطرف أصابعه ثم قال: أما لئن عدت لأقطعنها، ثم قال: أما أنه ما عمله إلا رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أنا»

و المراد بتطريف أصابعه خضبها بادمائها.

و في

خبر البصري (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا سرق الصبي و لم يحتلم قطعت أطراف أصابعه، و قال علي (عليه السلام): لم يصنعه إلا رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أنا».

و في مضمر سماعة (4)

«إذا سرق الصبي و لم يبلغ الحلم قطعت أنامله، و قال أبو عبد الله (عليه السلام): أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بغلام قد سرق و لم يبلغ الحلم فقطع من لحم أطراف أصابعه ثم قال: فان عدت قطعت يدك».

و في المرسل عن العلاء عن ابن مسلم (5)

«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الصبي يسرق فقال: إن كان له تسع سنين قطعت يده، و لا يضيع حد من حدود الله».

و في خبره الآخر (6)

«سألته أيضا عن الصبي يسرق، فقال:


1- «1» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 8.
3- «3» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 9.
4- «4» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 14.
5- «5» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 10.
6- «6» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 12.

ج 41، ص: 479

إن كان له سبع سنين أو أقل دفع عنه، فان عاد بعد السبع سنين قطعت بنانه أو حكت حتى تدمى، فإن عاد قطع أسفل من بنائه، فإن عاد بعد ذلك و قد بلغ تسع سنين قطع يده، و لا منه يضيع حد من حدود الله تعالى»

و رواه في الفقيه صحيحا.

و في

خبر ابن عبد الله القسري (1) قال: «كنت على المدينة فأتيت بغلام قد سرق، فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عنه قال: سله حيث سرق كان يعلم أن عليه في السرقة عقوبة، فإن قال: نعم، قلت له: أي شي ء تلك العقوبة؟ فان لم يعلم أن عليه في السرقة قطعا فخل عنه، قال: فأخذت الغلام و سألته و قلت له: أ كنت تعلم أن في السرقة عقوبة؟ قال: نعم، قلت: أي شي ء هو؟ قال: الضرب فخليت عنه».

و في

خبر السكوني (2) عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) قال: «أتي علي بجارية لم تحض قد سرقت، فضربها أسواطا و لم يقطعها».

و هي كما ترى ليس في شي ء منها تمام التفصيل المزبور، و احتمال أخذه من مجموعها بعد الجمع بينها و طرح ما في بعضها أو تأويله لو سلم إمكانه لا داعي له و لا شاهد عليه، بل لم أجد العمل بشي ء منها عدا من عرفت، و قد حملها غير واحد من الأصحاب بسبب اختلافها و اشتمالها على الترديد و غيره على إرادة التأديب بنظر الحاكم إلا أنه لا ينبغي القطع من أصول الأصابع إلا في الخامسة، و ليس هذا من التكليف للصبي، بل هو من التأديب المخاطب به الحاكم لاستقامة النظام إلا أن الانصاف عدم الجرأة لغير المعصوم (عليه السلام) في الوصول في التأديب إلى القطع و لو الأنملة فضلا عن القطع كما في الكبير الذي لا يوافق ما دل على كون


1- «1» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 11.
2- «2» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد السرقة- الحديث 6.

ج 41، ص: 480

التعزير دون الحد، و لذا

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لم يصنعه إلا رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أنا»

و لعله لأنهما يحيطان بما لم يحط به غيرهما.

و قال المصنف في النكت «و الذي أراه تعزير الصبي و الاقتصار على ما يراه الحاكم أردع له، و قد اختلفت الأخبار في كيفية حده، فيسقط حكمها، لاختلافها و عدم الوثوق بإرادة بعضها دون بعض، و ما ذكره الشيخ خبر واحد لا يحكم به في الحدود، لعدم إفادته اليقين، و الحد يسقط بالاحتمال».

و لا يخفى عليك بعض ما فيه، بل لا تنقيح في كلامه لجواز تأديب الحاكم له و لو بالقطع كما يقطع الرجل و عدمه.

و مما ذكرنا يعلم ما في الرياض من «أنه ينبغي حمل هذه النصوص على كون الواقع تأديبا منوطا بنظر الحاكم لا حدا، كما ذكره شيخنا في المسالك قال: و مقتضاه جواز بلوغ التعزير الحد هنا و لو في بعض الصور و لا بأس به، لاتفاق أكثر النصوص في الدلالة عليه، و لكن لا يلائم ما أطلقه المتأخرون بناء على ما قرروه من اشتراط التعزير بعدم بلوغه الحد و في جريانه في محل البحث نظر لما مر، لكن ينبغي الاحتياط بعدم القطع إلا في ما اتفقت في الدلالة عليه و هو في الخامسة» انتهى.

و قد سبقه إلى بعض ذلك في كشف اللثام إلا أن النصوص المزبورة بعد شدة تعارضها و إعراض المشهور عنها لا يجسر بها على التأديب بالقطع المزبور، و لعل المنتهى الإدماء بالحك أو بقطع اللحم من الأنامل شيئا فشيئا بمنقاش و نحوه كما يومئ إليه قطع أمير المؤمنين (عليه السلام) من لحم الأنامل، بل يمكن حمل القطع في بعضها على ذلك، فإن التأديب عرفا بهذا و نحوه، و لا يصل إلى قطع الأنملة فضلا عن القطع كما يقطع البالغ.

ج 41، ص: 481

[الشرط الثاني العقل]

الثاني: العقل، فلا يقطع المجنون و لو أدوارا إذا سرق حاله بلا خلاف أجده فيه، بل هو إجماع كما عن بعض، للأصل و حديث رفع القلم (1)

و نحوه و لكن يؤدب إذا كان في حال يعقله و إن تكررت السرقة منه و لا يقاس ذلك على ما سمعته في الصبي بعد حرمته عندنا، بل عن التحرير نسبة التأديب فيه إلى القيل مشعرا بالتردد فيه، و هو في محله إذا كان ممن لا يعقله بخلاف ما لو عقله، فإنه يمكن القطع باستفادة ذلك و نحوه من النصوص حسما لمادة الفساد و نظما لأمور العباد في البلاد.

[الشرط الثالث ارتفاع الشبهة]

الثالث: ارتفاع الشبهة المقتضية لسقوط الحد الذي لا خلاف في أن القطع منه، كما لا خلاف و لا إشكال في درئه بالشبهة كغيره من الحدود، و حينئذ فلو توهم الملك فبان غير مالك لم يقطع للشبهة بل قد لا يعد فعله سرقة و كذا لا يقطع لو كان الملك مشتركا فأخذ ما يظن أنه قدر نصيبه بتوهم ان له ذلك بدون إذن الشريك، فإنه شبهة حتى لو فرض زيادته عن نصيبه بما يبلغ نصاب السرقة، من غير فرق بين كون المال مما يجري فيه الإجبار على القسمة كالحبوب و غيره كالثياب و نحوها، ضرورة تحقق الشبهة على التقديرين.

نعم لو فرض علمه بعدم جواز استبداد الشريك بدون إذن شريكه مطلقا و مع ذلك قد سرق منه مبلغ النصاب من حصة الشريك اتجه القطع مطلقا لعدم الشبهة، فيندرج حينئذ في العموم، لكن في

صحيح عبد الله بن سنان (2) سأل الصادق (عليه السلام) «رجل يسرق من المغنم أي شي ء يجب عليه؟ فقال: ينظركم الذي يصيبه، فان كان الذي


1- «1» الوسائل- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 من كتاب القصاص.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.

ج 41، ص: 482

أخذ أقل من نصيبه عزر و دفع إليه تمام ماله، و إن كان أخذ مثل الذي له فلا شي ء عليه، و إن كان أخذ فضلا بقدر ثمن مجن و هو ربع دينار قطع»

و في

خبر محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) «قضى علي (عليه السلام) في رجل أخذ بيضة من المغنم، و قالوا:

قد سرق اقطعه فقال: إني لم أقطع أحدا له في ما أخذ شرك»

و خبر مسمع بن عبد الملك (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) ان عليا (عليه السلام) «أتي برجل سرق من بيت المال، فقال: لا تقطعه فان له فيه نصيبا»

و لكن الصحيح منها لا عموم فيه و غيره لا جابر له.

و بذلك كله يظهر لك أن ما في القواعد لا يخلو من نظر، قال:

«و لو كان الشي ء قابلا للقسمة و لم يزد المأخوذ على مقدار حقه حمل أخذه على قسمة فاسدة على إشكال أقربه ذلك إن قصدها، و إلا قطع» فان دعوى أن ذلك شبهة و إن علم فسادها واضحة المنع، فتأمل جيدا، كما أنه ظهر لك من جميع ما ذكرناه أن الشرط المزبور إن أريد به عدم القطع مع تحقق الشبهة الدارئة فلا يخص المقام، ضرورة سقوط كل حد بها، و إن أريد به أن الشركة شبهة شرعية و إن تحقق موضوع السرقة لمال غيره على وجه يتحقق فيه مقدار النصاب مع العلم بفساد الاستبداد و القسمة بدون إذن الشريك كان محلا للنظر، ضرورة قصور الأخبار المزبورة عن إثباته بعد عدم تحقق شهرة يجبرها.

و حينئذ فلا فرق بين كون المسروق قدر النصيب أو أزيد أو أنقص بعد فرض بقائه على الإشاعة و علم السارق بعدم جواز الاستبداد به بقصد القسمة و بدونها بدون إذن الشريك و بعد بلوغ حصة شريكه في ما أخذه النصاب الموجب للقطع.


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.

ج 41، ص: 483

[الشرط الرابع ارتفاع الشركة]

بل و مما ذكرنا يظهر لك الحال في الشرط الرابع الذي عنونه المصنف ب ارتفاع الشركة إن كان مراده به العموم لكل مال مشترك كما يقضي به آخر كلامه لا خصوص ما فرعه عليه أولا بقوله:

فلو سرق من مال الغنيمة فيه روايتان: إحداهما لا يقطع و هي رواية محمد بن قيس (1)

المتقدمة و

رواية السكوني (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أربعة لا قطع عليهم: المختلس و الغلول و من سرق من المغنم و سرقة الأجير، لأنها خيانة»

بل عن المفيد و سلار و فخر الدين و المقداد و غيرهم العمل بها و الأخرى و هي صحيحة عبد الله بن سنان (3) المتقدمة إن زاد ما سرقه عن نصيبه بقدر النصاب قطع.

و القول بما تضمنته من التفصيل حسن وفاقا للمحكي عن الإسكافي و الشيخ و القاضي و الفاضل في التحرير و غيرهم، بل في المسالك نسبته إلى الأكثر قال فيها: «و العمل على هذه الرواية أولى، لصحتها و موافقتها للقواعد الشرعية و عمل أكثر الأصحاب بمضمونها، و فيها دلالة على أن الغانم يملك نصيبه من الغنيمة بالحيازة أو على أن القسمة كاشفة عن سبق ملكه بها» إلى آخره و إن كان لا يخلو بعضه من نظر.

و على كل حال فلا ينافيها

صحيح عبد الرحمن (4)

«سأل الصادق (عليه السلام) عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: هي بيضة حديد سرقها رجل من المغنم فقطعه»

لإمكان حمله على زيادتها على نصيبه بما يقتضي القطع، أو على أن السارق من غير أهل المغنم، على أنه قضية في واقعة، فلا ينافي شيئا من القولين.


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.
4- «4» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.

ج 41، ص: 484

و على كل حال فالصحيحة أوضح سندا و دلالة و عملا، بل يمكن تنزيل السابقة عليها أيضا، فالتردد الظاهر من جماعة في غير محله، و إن وجه بوحدتها و تعدد المقابل و قوة دلالته بما فيه من التعليل، و إمكان اعتبار سنده، لسهولة الأمر في سهل، بل ربما قيل بوثاقته و قوة السكوني و صاحبه، بل ربما قيل: إن الأولى مروية في الكافي (1)

صحيحا، و لعله في كتاب الجهاد و لا أقل من حصول الشبهة الدارئة من ذلك، إذ جميعه كما ترى لا يصلح مخصصا للعموم فضلا عن معارضة الصحيح المزبور، فيتجه الحكم المذكور في خصوص الغنيمة و إن لم تكن شبهة.

لكن في القواعد «و كذا البحث في ما للسارق فيه حق كبيت المال و مال الزكاة و الخمس للفقير و العلوي أي إن سرق منها ما زاد على نصيبه بقدر النصاب قطع و إلا فلا» و عن الخلاف نقل الإجماع على القطع في بيت المال إذا زاد المسروق على نصيبه بقدر النصاب.

قلت: قد سمعت خبر مسمع (2)

المقتضي لعدم القطع في السرقة من بيت المال، بل في القواعد «الأقرب عدم القطع في هذه الثلاثة، لعدم تعين شي ء منها لمالك بعينه أو ملاك بأعيانهم، و لا تقدير لنصيب أحد من الشركاء فيها و لا أقل من الشبهة» و إن كان قد يناقش بصدق السرقة الموجبة للاندراج في إطلاق الأدلة، بل في

خبر علي بن أبي رافع (3) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «في عقد لؤلؤ استعارته ابنته من خازن بيت المال عارية مضمونة، قال: لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة لكانت إذن أول هاشمية قطعت يدها في سرقة»

و هو مروي في


1- «1» الكافي ج 7 ص 223- كتاب الحدود لا الجهاد- بسند علي بن إبراهيم.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 26- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.

ج 41، ص: 485

نهج البلاغة (1)

أيضا و مؤيد بما تسمعه في خبر السكوني (2) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من قطع من سرق من مال الله، و لكن في كشف اللثام «هو مع الضعف يحتمل أن لا تكون ابنته (عليها السلام) ممن له شركة في بيت المال» قلت: هو موافق للعمومات، فلا يقدح ضعفه.

هذا كله في الغنيمة، و أما غيرها من المال المشترك بين ملاك بأعيانهم فهو الذي أشار إليه المصنف بقوله و لو سرق من المال المشترك قدر نصيبه لم يقطع، و لو زاد بقدر النصاب قطع و ظاهره أو صريحه اتحاد الحكم فيه مع الغنيمة، و أنه لا فرق في ذلك بين الشبهة و عدمها، بل مقتضاه حتى لو أخذه بعنوان السرقة عن شريكه لا بعنوان اقتطاع حصته بدون إذن الشريك.

بل في المسالك «إنما ذكرها مرتين لمناسبة الأولى اشتراط ارتفاع الشبهة بتقدير عروضها للشريك و إن زاد عن نصيبه، و مناسبة هذه لشرط انتفاء الشركة على تقدير انتفاء الشبهة إلى أن قال و وجه عدم القطع مع أخذه بقدر حقه و ثبوته مع الزيادة بقدر النصاب يظهر من الروايات المذكورة في السرقة من الغنيمة لأن شركة الغانم أضعف من شركة المالك الحقيقي، للخلاف في ملكه، فإذا قيل بعدم قطع الغانم فالشريك أولى».


1- «1» لم ينقل مضمون خبر علي بن أبي رافع في نهج البلاغة، و انما المروي في نهج البلاغة هو مضمون خبر محمد بن قيس الوارد في السارقين من مال الله الذي نسبه في الجواهر أبي السكوني.
2- «2» الخبر الآتي فيما ذكره و ان نسبه الى السكوني هناك أيضا و لكن ليس للسكوني في ذلك رواية أبدا و انما هو صحيح محمد بن قيس المروي في الوسائل- الباب- 29- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.

ج 41، ص: 486

و فيه منع الأولوية المزبورة بالنسبة إلى المسروق منه في عدم القطع مع سرقته قدر النصيب مع فرض بلوغ حصة الشريك فيه نصاب السرقة كمنع استفادة حكم مطلق المال المشترك مما سمعته في الغنيمة، و خبر محمد بن قيس (1)

و مسمع (2)

قد عرفت عدم الجابر لهما في الفرض، بل لو سلم صحة الأول لكنه لا يصلح مخصصا للعمومات بعد إعراض المشهور و غيره، كما هو واضح.

[الشرط الخامس أن يهتك الحرز منفردا أو مشاركا]

الخامس: أن يهتك الحرز منفردا أو مشاركا و منه يعلم شرط سادس و هو كون المال محرزا كما سيذكره المصنف، فلو لم يكن محرزا فلا قطع بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ما تسمعه من النصوص (3)

الدالة عليه.

كما لا خلاف أجده أيضا في اعتبار كون الآخذ منه هو الهاتك له بالانفراد أو الاشتراك فلو هتك غيره و أخرج هو لم يقطع أحدهما و إن جاءا معا بقصد التعاون بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه بل و لا إشكال، ضرورة عدم صدق السرقة على الأول، و عدم الأخذ من الحرز على الثاني، نعم يجب على الأول إصلاح ما أفسد كما يجب المال على الثاني، فما عن بعض العامة- من ثبوت القطع على الثاني لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى إسقاط الحد، و عن آخر ثبوت القطع على الأول لأنه ردء و عون للسارق- واضح الفساد بناء على أصولنا.

و لو تعاونا على النقب مثلا و انفرد أحدهما بالإخراج، فالقطع على المخرج خاصة، لأنه السارق دون الآخر، و لو انعكس فانفرد أحدهما بالهتك و شارك غيره في إخراج كل منهما نصابا قطع.


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد السرقة.

ج 41، ص: 487

و لو أخرجا معا مقدار النصاب خاصة ففي المسالك «لا قطع على أحدهما، لأن كلا منهما لم يسرق نصابا، نعم لو أخرجا نصابين بالاشتراك أو انفرد كل منهما بنصاب قطعا» و يقرب منه ما في الرياض. و فيه أنه مناف لاعتبار كون الآخذ الهاتك، فان الفرض اختصاص أحدهما به، و أما الأول فهو أحد القولين و الآخر القطع على كل منهما، للصدق كما عن النهاية و الانتصار و المقنعة و الكافي و الغنية و الوسيلة و الإصباح و الجامع و لعله لا يخلو من قوة لإرادة الجنس من السارق لا خصوص الشخص.

[الشرط السادس أن يخرج المتاع بنفسه أو مشاركا]

السادس: أن يخرج المتاع بنفسه أو مشاركا من الحرز بلا خلاف فيه نصا (1)

و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه.

و يتحقق الإخراج بالمباشرة و بالتسبيب الذي يسند الفعل فيه إلى ذيه عرفا مثل أن يشده بحبل ثم يجذبه من خارج أو يضعه على دابة من الحرز و يخرجها به بأن ساقها أو قادها بل أو سارت لنفسها حتى خرجت كما عن المبسوط خلافا للمحكي عن التحرير أو على جناح طائر من شأنه العود إليه و لو لم يكن من شأنه العود فهو كالمتلف في الحرز في عدم القطع و إن اتفق العود.

و لو أمر صبيا غير مميز بإخراجه تعلق بالآمر القطع، لأن الصبي كالآلة و كذا المجنون، أما مع التمييز ففي كشف اللثام لا قطع على الآمر لخروجه بتمييزه عن الآلية، و لا على المأمور لعدم تكليفه و لا يخلو من نظر.

[الشرط السابع أن لا يكون والدا من ولده]

السابع: أن لا يكون والدا من ولده بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى فحوى عدم قتله به، و

قوله (ص) (2):


1- «1» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد السرقة.
2- «2» الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 41، ص: 488

«أنت و مالك لأبيك»

و غيرهما بل في معقد إجماع المسالك الأب و إن علا.

و على كل حال فلا خلاف في أنه يقطع الولد إن سرق من الوالد لإطلاق الأدلة و كذا يقطع الأقارب عندنا خلافا لبعض العامة، لبعض وجوه اعتبارية لا تنطبق على أصولنا و نفي الحرج في الآية (1) عن الأكل من بيوت الآباء و الأبناء و غيرهم إنما هو في ما لم يحرز عنهم

قال أبو بصير (2): «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رفقة في سفر فسرق بعضهم متاع بعض، فقال: هذا خائن لا يقطع، و كذلك إذا سرق من منزل أبيه، فقال: لا يقطع، لأن الابن لا يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه، هذا خائن، و كذلك إذا سرق من منزل أخيه أو أخته إذا كان يدخل عليهما لا يحجبانه عن الدخول».

بل و كذا الأم لو سرقت من الولد خلافا للمحكي عن أبي الصلاح بل عن المختلف نفي البأس عنه، لأنها أحد الأبوين، و لاشتراكهما في وجوب الإعظام، إلا أنه كما ترى لا يصلح مخرجا عن عموم الأدلة التي مقتضاها ثبوت الحقية فيه لله تعالى شأنه، كالمحكي عن بعض العامة من إلحاق كل من تجب نفقته على الآخر لما بين الفروع و الأصول من الاتحاد، و لتوقع حاجة كل منهما إلى الآخر، و الجميع كما ترى لا يوافق أصول الإمامية.

[الشرط الثامن أن يأخذه سرا]

الثامن: أن يأخذه سرا، فلو هتك الحرز قهرا ظاهرا و أخذ لم يقطع لكونه غاصبا عرفا لا سارقا و كذا المستأمن لو خان بأخذه، لأنه ليس سارقا، إذ المال في يده من غير فرق بين الودعي و غيره، فهذه ثمانية شروط. و لكن قد عرفت أنها تسعة بضم


1- «1» سورة الحج: 22- الآية 78.
2- «2» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.

ج 41، ص: 489

كونه في حرز، بل مع ضم الاختيار تكون عشرة، بل مع ضم الإخراج من الحرز تكون أحد عشر.

و كيف كان فلا خلاف في أنه يقطع الذمي السارق من مسلم كالمسلم الذي حكمه ذلك و إن سرق من ذمي، لاحترامه ظاهرا و الحكم بملكه شرعا، فيندرج سارقه تحت إطلاق الأدلة، و عدم القتل به لكون القصاص حقا للمقتول الذي يعتبر فيه المكافاة بخلاف القطع الذي هو حق لله تعالى شأنه، لاستقامة النظام، مضافا إلى معلومية أعظمية القتل من القطع.

نعم لو سرق المسلم مال حربي مستأمن ففي القواعد لم يقطع، و لعله لعدم احترامه، لكن يؤدب لخلاعة الإمام في الأمان.

و أما الذمي فضلا عن الحربي و لو المعاهد فقد عرفت أنه لا خلاف و لا إشكال في أنه يقطع إذا سرق مال المسلم بل أو مال ذمي أو معاهد إذا تحاكما إلينا و اخترنا الحكم أو اختلفا ملة و لم يرض المسروق إلا بحكمنا و إلا فلنا الاعراض عنهم و رفعهم إلى حكامهم كما في غير المقام، و الله العالم.

و المملوك كالحر مع قيام البينة لإطلاق الأدلة من غير فرق بين الآبق و غيره خلافا للمحكي عن الحنفية، بل عن الفقيه و المقنع أن العبد الآبق إذا سرق لم يقطع لأنه مرتد، و لكن يدعى إلى الرجوع إلى مواليه، فان أبى قطع ثم قتل، و به صحيح الحذاء (1) عن الصادق (عليه السلام) و ستعرف الحال في سرقة العبد من مال مولاه و عبد الغنيمة منها.

و حكم الأنثى في ذلك كله حكم الذكر بلا خلاف أجده فيه


1- «1» الوسائل- الباب- 32- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.

ج 41، ص: 490

بل و لا إشكال، لعموم الأدلة و إطلاقها.

[مسائل]
[المسألة الأولى لا يقطع الراهن إذا سرق الرهن و إن استحق المرتهن الإمساك]

مسائل:

الأولى:

لا يقطع الراهن إذا سرق الرهن و إن استحق المرتهن الإمساك و لا المؤجر العين المستأجرة و إن كان ممنوعا من الاستعادة مع القول بملك المنفعة بلا خلاف و لا إشكال لأنه لم يتحقق إخراج النصاب من مال المسروق منه حالة الإخراج ضرورة عدم مالية استحقاق الإمساك و المنع من الاستعادة، و المنفعة غير موجودة و إن قلنا بملكها شرعا، لكن على معنى استحقاق الانتفاع و هو غير المنفعة، كل ذلك بعد المفروغية من اعتبار الملكية العينية في السرقة نصا و فتوى و للعرف.

[المسألة الثانية لا يقطع عبد الإنسان بسرقة ماله]

المسألة الثانية:

لا يقطع عبد الإنسان بسرقة ماله بلا خلاف أجده فيه، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه صريحا و ظاهرا، كما عن المبسوط نفي الخلاف فيه- إلا حكاية عن داود، و ظاهره بين المسلمين، كل ذلك للمعتبرة المستفيضة ك

صحيح محمد بن قيس (1)

«سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إذا سرق عبد أو أجير من مال صاحبه فليس عليه قطع»

و خبره الآخر (2) عنه (عليه السلام) أيضا «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في عبد سرق و اختان من مال مولاه قال: ليس عليه


1- «1» الوسائل- الباب- 29- من أبواب حد السرقة- الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 29- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.

ج 41، ص: 491

قطع»

و خبر السكوني (1) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «عبدي إذا سرقني لم أقطعه، و إذا سرق قطعته، و عبد الإمارة إذا سرق لم أقطعه، لأنه في ء»

و فحوى التعليل الذي تسمعه في عبد الامارة و كذا لا يقطع عبد الغنيمة بالسرقة منها بلا خلاف أجده فيه أيضا ل خبر السكوني (2)

السابق، و ل

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبره الآخر (3)

«في رجلين سرقا من مال الله تعالى أحدهما عبد من مال الله و الآخر من عرض الناس:

أما هذا فمن مال الله ليس عليه شي ء، مال الله أكل بعضه بعضا، و أما الآخر فقدمه و قطع يده»

كل ذلك مضافا إلى ما في المتن من الإشارة إلى حكمة ذلك ب أن فيه زيادة إضرار و الحد شرع لحسم الجرية و دفع الضرر، و لا يدفع الضرر بالضرر و إن قال في المسالك: «هو تعليل للنص بعد ثبوته أما كونه علة برأسه فموضع نظر» و تبعه في الرياض بل في كشف اللثام «لا يعجبني، فإنه إنما يقطع إذا طالب المولى و رضي بهذا الضرر» و الأمر في ذلك سهل خصوصا بعد احتمال رجوعه إلى الأخير، فيكون إشارة إلى التعليل الذي سمعته في النص بأنه في ء، و بأن مال الله أكل بعضه بعضا.

و كيف كان فلا قطع عليه نعم يؤدب بما يراه الحاكم أنه يحسم الجرأة كما هو المستفاد من استقراء النصوص في أمثاله.


1- «1» الوسائل- الباب- 29- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 29- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 29- من أبواب حد السرقة- الحديث 4 عن محمد بن قيس و ليس للسكوني بهذا المضمون رواية في المقام.

ج 41، ص: 492

[المسألة الثالثة يقطع الأجير أحرز المال من دونه]

المسألة الثالثة:

يقطع الأجير إذا سرق من مال المستأجر و كان قد أحرز المال من دونه على المشهور بين الأصحاب للعمومات و لكن في رواية سليمان (1) عن الصادق (عليه السلام) لا يقطع

قال: «سألته عن الرجل استأجر أجيرا فسرق من بيته هل تقطع يده؟

قال: هذا مؤتمن، و ليس بسارق، هذا خائن»

و حسنة الحلبي (2) عنه (عليه السلام) أيضا «في رجل استأجر أجيرا فأقعده على متاعه فسرقه، فقال: هو مؤتمن»

و رواية سماعة (3)

«سألته عمن استأجر أجيرا فأخذ الأجير متاعه فسرقه، فقال: هو مؤتمن، ثم قال: الأجير و الضيف أمينان ليس يقع عليهما حد السرقة»

و عن الشيخ في النهاية العمل بهما و لا ريب في ضعفه إذ هي محمولة على حال الاستئمان كما أشعر به حسن الحلبي منها، فلا تصلح معارضته للعمومات، خصوصا بعد عدم الجابر للضعيف منها، بل الموهن متحقق.

و كذا يقطع الزوج إذا سرق من زوجته ما أحرزته دونه أو الزوجة إذا سرقت من الزوج ما أحرزه دونها بلا خلاف و لا إشكال للعموم، نعم لا بأس بسرقة الزوجة مقدار النفقة إذا منعها منها كما يرشد إليه

خبر هند (4)

«حين قالت للنبي (صلى الله عليه و آله) إن أبا سفيان رجل شحيح و أنه لا يعطيني و ولدي إلا ما آخذ منه سرا و هو لا يعلم فهل علي فيه شي ء؟ فقال: خذي ما يكفيك و ولدك


1- «1» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.
4- «4» سنن البيهقي- ج 7 ص 466.

ج 41، ص: 493

بالمعروف»

مؤيدا بما تسمعه من عدم القطع في عام المجاعة، بل و ب

خبر يزيد بن عبد الملك و المفضل بن صالح (1)

«إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليه، إنما أخذ حقه، فإذا كان من إمام عادل عليه القتل»

و الظاهر إبدال القطع بالقتل من النساخ، بل في القواعد كل مستحق للنفقة إذا سرق من المستحق عليه مع الحاجة لم يقطع و يقطع بدونها إلا مع الشبهة و إن كان لا يخلو من نظر.

و كيف كان ف في الضيف قولان: أحدهما لا يقطع مطلقا من غير فرق بين المحرز دونه و غيره و هو المحكي عن الشيخ في النهاية و ابن الجنيد و الصدوق و ابن إدريس و المروي صحيحا

عن الباقر (عليه السلام) (2)

«الضيف إذا سرق لم يقطع و إذا أضاف الضيف ضيفا فسرق قطع ضيف الضيف»

بل في السرائر الإجماع على ذلك و أن الرواية متواترة.

و القول الآخر يقطع إذا أحرز من دونه و هو أشبه بأصول المذهب و عموماته بل و أشهر، بل المشهور، بل لم نتحقق الخلاف فيه إلا من الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار، و قد رجع عنه في المحكي عن مبسوطة و خلافه، إذ المحكي عن الإسكافي أنه قال: «و سرقة الأجبر و الضيف و الزوجة في ما ائتمنوا عليه خيانة لا قطع عليهم، فان سرقوا مما لم يؤتمنوا عليه قطعوا» و عن الصدوق في الفقيه و المقنع ليس على الأجير و لا على الضيف قطع، لأنهما مؤتمنان» و ظاهر تعليله التفصيل المزبور.

و أما ابن إدريس فقد أطنب في السرائر، و لكن كلامه مضطرب


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد السرقة- الحديث 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 17- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.

ج 41، ص: 494

فإنه و إن قال فيها: «إن التخصيص بالمحرز لا بد له من دليل و أنه إن أريد ذلك لم يكن للخبر و لا لإجماعهم على وفقه معنى، لأن غير الضيف مثله في ذلك» لكن قال قبل ذلك متصلا به: «إذا سرق من حرز قطع، و من غيره لم يقطع، للدخول في عموم الآية و من أسقط الحد عنه فقد أسقط حدا من حدود الله تعالى لغير دليل من كتاب و لا سنة مقطوع بها و لا إجماع- إلى أن قال-: فأما الإجماع على ظاهر الرواية فقد وفينا الظاهر حقه، يعني التخصيص بغير المحرز عنه، و الفرق بين الضيف و غيره أن غيره إن سرق من الموضع الذي سرق منه الضيف قطع للإحراز عنه دون الضيف، فانحصر الخلاف في الشيخ، و هو شاذ، كخبره الذي يمكن حمله على التفصيل المزبور، بل هو احتمال ظاهر خصوصا بعد مضمر سماعة (1)

السابق الأجير و الضيف أمينان ليس يقع عليما حد السرقة».

[المسألة الرابعة لو أخرج متاعا فقال صاحب المنزل سرقته و قال المخرج وهبتنيه أو أذنت في إخراجه سقط الحد للشبهة]

المسألة الرابعة لو حصلت الشبهة للحاكم سقط القطع كما يسقط بالشبهة للسارق كما لو أخرج متاعا لشخص من حرزه في منزله فقال صاحب المنزل: سرقته، و قال المخرج: و هبتنيه أو أذنت في إخراجه سقط الحد للشبهة و في

حسن الحلبي (2) عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن رجل أخذوه و قد حمل كارة من ثياب، فقال: صاحب البيت أعطانيها، فقال: يدرأ عنه القطع إلا أن تقوم عليه البينة، فإن قامت


1- «1» الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 8- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.

ج 41، ص: 495

عليه البينة قطع»

لكن عن الصدوق «إذا دخل السارق بيت رجل فجمع الثياب فيوجد في الدار و معه المتاع فيقول دفعه إلى رب الدار فليس عليه قطع، فإذا خرج بالمتاع من باب الدار فعليه القطع أو يجي ء بالمخرج منه» و ظاهره الفرق بين الإخراج و عدمه، و لا وجه له.

و التحقيق ما عرفت من سقوط القطع بالادعاء المزبور مع احتماله.

و إن كان القول قول صاحب المنزل مع يمينه في المال نفسه دون السرقة، إذ يمينه لا تقطع الشبهة، بل لم يثبت موضوع السرقة حتى إذا لم يدع المخرج ذلك، ضرورة أعمية الإخراج منها كما هو واضح.

و منه ينقدح النظر في نحو عبارة المصنف و الفاضل في القواعد اللهم إلا أن بفرض موضوع المسألة في المحكوم بأنه سارق لشاهد الحال و غيره لو لا الدعوى المزبورة، أو يقال بمنع اعتبار احتمالها ما لم يدعها فتأمل.

و كذا لو قال المال لي و أنكر صاحب المنزل، ف ان القول قوله مع يمينه لأنه ذو اليد بعد اعتراف الآخذ أنه أخذه من منزله و حينئذ ف يغرم المخرج و لكن لا يقطع لمكان الشبهة الدارئة كما عرفت.

[الثاني في المسروق]

الثاني في المسروق و لا خلاف في اعتبار النصاب فيه بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى المقطوع به من السنة و المشهور بين الأصحاب أنه لا قطع في ما ينقص عن ربع دينار، و يقطع في ما بلغه ذهبا خالصا مضروبا عليه السكة أو ما قيمته ربع دينار بل عن الخلاف و الاستبصار و الغنية و السرائر و كنز العرفان الإجماع عليه، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المروية من

ج 41، ص: 496

طرق العامة و الخاصة: (منها)

النبوي (1)

«لا قطع إلا في ربع دينار»

و (منها)

صحيح محمد بن مسلم (2) عن الصادق (عليه السلام) «قلت له: في كم يقطع السارق؟ فقال: في ربع دينار، قال: قلت له: في درهمين، فقال: في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ، قال:

فقلت له: أ رأيت من يسرق أقل من ربع دينار هل يقع عليه حين يسرق اسم السارق؟ و هل هو عند الله تعالى سارق في تلك الحال! فقال: كل من سرق من مسلم شيئا قد حواه و أحرزه فهو يقع عليه اسم السارق، و هو عند الله السارق، و لكن لا يقطع إلا في ربع دينار أو أكثر، و لو قطعت يد السارق في ما هو أقل من ربع الدينار لألفيت عامة الناس مقطعين»

و في الصحيح الآخر (3)

«لا تقطع يد السارق إلا في شي ء يبلغ قيمته مجنا و هو ربع دينار»

إلى غير ذلك من النصوص.

خلافا للمحكي عن الصدوق من القطع بخمس دينار فصاعدا، ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم (4): «أدنى ما ما يقطع فيه السارق خمس دينار»

و الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (5): «يقطع السارق في كل شي ء بلغ قيمته خمس دينار»

بل و

خبر إسحاق بن عمار (6)عنه (عليه السلام) أيضا «عمن سرق من بستان عذقا قيمته درهمان، قال: يقطع به»

المحمولة على التقية أو اختلاف الدنانير أو على من رأى الامام (عليه السلام) المصلحة في قطعه أو غير ذلك بعد رجحان المعارض عليه من وجوه، منها الشهرة العظيمة و الإجماعات المزبورة.


1- «1» سنن البيهقي- ج 8 ص 254.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.
5- «5» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد السرقة- الحديث 12.
6- «6» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد السرقة- الحديث 14.

ج 41، ص: 497

و كذا المحكي عن العماني من اعتبار الدينار و إن كان يشهد له

صحيح الثمالي (1)

«سأل أبا جعفر (عليه السلام) في كم يقطع السارق؟ فجمع كفيه و قال: في عددها من الدراهم»

لكنه موافق لبعض العامة، و محتمل لكونها حينئذ قيمة ربع دينار، و للقطع به لا عدم القطع بغيره، و لغير ذلك مما لا بأس به بعد رجحان المعارض عليه من وجوه، منها الاعتضاد بإطلاق السارق كتابا (2) و سنة (3)

المقتصر في تقييده على المتيقن و هو الأقل من الربع أو الخمس كما عرفت.

و أضعف منهما القول بالقطع بدرهمين و إن كنا لم نتحقق القائل به نعم قد سمعت خبر إسحاق بن عمار (4)

الذي حملناه على الخمس، و أما ما في

خبر سماعة (5) من أن «أدناه ثلث دينار»

فلم نجد عاملا به مع احتماله اختلاف الدنانير أو غير ذلك و إلا كان مطرحا في مقابلة ما سمعت فلا ريب في أن الأصح ما عرفت عليه المشهور.

ثوبا كان المسروق أو طعاما أو فاكهة أو ملحا أو ماء أو كلاء أو ثلجا أو ترابا أو طينا أو حيوانا أو غيره و سواء كان أصله الإباحة لجميع المسلمين أو الناس أو لم يكن أو مما يسرع إليه الفساد كالفاكهة و الأطعمة الرطبة أولا و ضابطه كل ما يملكه المسلم لإطلاق الأدلة، خلافا لأبي حنيفة في ما أصله الإباحة أو يسرع إليه الفساد، فلا قطع في الخضروات و الفواكه الرطبة و البطيخ و اللحم الطري و المشوي و نحو ذلك، و لا في الماء و التراب و الطين و ما يعمل منه من الأواني و غيرها، و القصب و الخشب


1- «1» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد السرقة- الحديث 9.
2- «2» سورة المائدة: 5- الآية 38.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد السرقة.
4- «4» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد السرقة- الحديث 14.
5- «5» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد السرقة- الحديث 11.

ج 41، ص: 498

إلا الساج، و ما يعمل من سائر الخشب من الأواني و الأبواب و نحوها و لا في الصيود و لا في الجوارح معلمة و غير معلمة، و لا في المعادن كلها كالملح و الزرنيخ و القير و النفط و نحوها إلا الذهب و الفضة و الياقوت و الفيروزج و عنه في الزجاج روايتان.

نعم في الطير و حجارة الرخام رواية من طرقنا بسقوط الحد لكنها ضعيفة لا عامل بها، و هي

رواية السكوني (1) عن الصادق (عليه السلام) «انه قال النبي (صلى الله عليه و آله):

لا قطع على من سرق الحجارة يعني الرخام و أشباه ذلك»

و قال (صلى الله عليه و آله) (2): «لا قطع في ثمر و لا كثر، و الكثر شحم النخل»

و انه

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (3): «لا قطع في ريش يعني الطير كله»

و في

خبر غياث (4) عنه (عليه السلام) أيضا «ان عليا (عليه السلام) أتي بالكوفة برجل سرق حماما فلم يقطعه، و قال: لا قطع في الطير»

و في

خبر الأصبغ (5) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «لا يقطع من سرق شيئا من الفاكهة و إذا مر بها فليأكل و لا يفسد»

و هي متروكة عندنا أو محمولة على عدم الأخذ من الحرز كما عساه يومئ إليه

خبر الفضيل (6) عن الصادق (عليه السلام) «إذا أخذ الرجل من النخل و الزرع قبل أن يصرم فليس عليه قطع، فإذا صرم النخل و أخذ و حصد الزرع فأخذ قطع».

و كيف كان فلا فرق فيه بين عين الذهب و غيره، فلو بلغ العين ربع دينار وزنا غير مضروب و لم يبلغ قيمة المضروب فلا قطع، لأن


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 23- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 22- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 22- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
5- «5» الوسائل- الباب- 23- من أبواب حد السرقة- الحديث 5.
6- «6» الوسائل- الباب- 23- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.

ج 41، ص: 499

الدينار حقيقة في المسكوك منه، فيحمل عليه إطلاقه الوارد في النصوص خلافا للمحكي عن الخلاف و المبسوط، فلم يعتبر السكة، و هو شاذ، و لو انعكس بأن كان سدس دينار مصوغا قيمته ربع دينار مسكوكا قطع على الأقوى.

و كذا لا فرق بين علمه بقيمته أو شخصه و عدمه، فلو ظن المسروق فلسا فظهر دينارا أو ثوبا قيمته أقل من النصاب فظهر مشتملا على ما يبلغه و لو معه قطع على الأقوى للصدق و لو مع عدم القصد إليه، إذ لا دليل على اعتبار قصد النصاب في القطع بسرقته أصلا.

و على كل ف من شرطه أن يكون محرزا بقفل أو غلق أو دفن أو نحوها مما يعد في العرف حرزا لمثله، إذ لا تحديد في الشرع للحرز المعتبر في القطع نصا و فتوى، بل إجماعا بقسميه، و في

خبر السكوني (1)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «لا يقطع إلا من ثقب ثقبا أو كسر قفلا»

و نحوه مرسل جميل (2) عن أحدهما (عليهما السلام) و في

خبر طلحة (3) عنهم عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) «ليس على السارق حتى يخرج السرقة من البيت».

و قيل و القائل الشيخ في النهاية: هو كل موضع ليس لغير مالكه الدخول إليه إلا بإذنه بل عن المبسوط و التبيان و الغنية و كنز العرفان نسبته إلى أصحابنا، بل عن الأخير الإجماع عليه صريحا، لكن فيه عدم الصدق عرفا على الدار التي لا باب لها أو غير مغلقة و لا مقفلة بل عن السرائر نفي الخلاف عن عدم القطع بالسرقة منها و إن كان لا يجوز


1- «1» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد السرقة- الحديث 3 و فيه «من نقب بيتا.».
2- «2» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد السرقة- الحديث 5.
3- «3» الوسائل- الباب- 8- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.

ج 41، ص: 500

لأحد الدخول إليها إلا بالاذن من المالك، و لعله لذا كان المحكي عن ابن حمزة ضبطه بأنه كل موضع لا يجوز لغير مالكه الدخول فيه و التصرف فيه بغير إذنه و كان مغلقا أو مقفلا، و عن المختلف يجوز أن يكون مراد الشيخ بقوله: «ليس لغير المتصرف الدخول فيه» سلب القدرة لا الجواز الشرعي، و هو كما ترى.

نعم في الرياض «ربما كان في النصوص إيماء إلى القول المزبور، منها الصحيح (1)

المتقدم المشتمل على تعليل قطع الرجل بسرقة مال أبيه و أخته و أخيه بعدم حجبه عن الدخول إلى منزلهم، إذ ظاهره إرادة الإذن له من عدم الحجب، فمفهوم التعليل حينئذ يقتضي القطع مع عدم الاذن، و أظهر منه

القوي (2) بالسكوني و صاحبه «كل مدخل يدخل فيه بغير إذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه»

قال الراوي: يعني الحمام و الأرحية» و قريب منهما النصوص (3)

المتقدمة بعدم قطع الضيف و الأجير معللة بالاستئمان، و ليس إلا من حيث الاذن في الدخول».

و فيه أن عدم القطع من هذه الجهة لا يقتضي عدمه أيضا من جهة أخرى، و هو اعتبار كون المال في حرز، و لا ريب في عدم صدقه عرفا بمجرد المنع الشرعي عن الدخول كما هو واضح.

و نحوه المحكي عن خلافه من أن كل موضع حرز لشي ء من الأشياء، بل عن الحلي و الفاضل في التحرير اختياره، إذ لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة اختلاف الحرز عرفا باختلاف المحرز، فحرز الذهب و الفضة غير حرز الدابة و الحطب و التبن و نحوها، كما هو واضح.

و على كل حال فما ليس بمحرز لا يقطع سارقه كالمأخوذ


1- «1» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 14 و 17- من أبواب حد السرقة.

ج 41، ص: 501

من الأرحية و الحمامات و المواضع المأذون في غشيانها كالمساجد وفاقا للفاضل في جملة من كتبه و المحكي عن الحلي و الديلمي و ابن حمزة و ظاهر المفيد.

و قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط و الخلاف إذا كان المالك مراعيا له كان محرزا، كما قطع به النبي (صلى الله عليه و آله) سارق مئزر صفوان في المسجد (1)

و لكن فيه تردد بل منع ضرورة عدم صدق الحرز عرفا على ذلك، بل لعله من المختلس الذي لا يقطع كما سمعته في النصوص (2)

السابقة و لا أقل من الشك في كونه سارقا أو مختلسا فيدرأ الحد عنه، مضافا إلى خبر السكوني (3)

السابق و إلى ما قيل من أن السارق إن أخذ المال مع نظر المالك إليه لتحقق المراعاة لم يحصل الشرط، و هو أخذه سرا، و إنما يكون مستلبا غاصبا، و هو لا يقطع، و ان كان مع الغفلة عنه لم يكن محرزا بالمراعاة.

و لا ينافي ذلك قصة صفوان المحكية بطرق عديدة (منها)

حسن الحلبي (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن الرجل يأخذ اللص يرفعه أو يتركه قال: إن صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام فوضع رداءه و خرج يهريق الماء فوجد رداءه قد سرق حين رجع إليه، فقال: من ذهب بردائي، فذهب يطلبه فأخذ صاحبه، فرفعه إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: اقطعوا يده، فقال صفوان:

تقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: فأنا أهبه


1- «1» الوسائل- الباب- 17- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد السرقة.
3- «3» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 17- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2.

ج 41، ص: 502

له، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فهلا كان هذا قبل أن ترفعه إلى؟ قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال: نعم»

و هو صريح في غيبة صفوان لا مراعاته، و (منها) أن صفوان نائم فأخذ من تحته (1) و هو كالأول في عدم المراعاة و إن كان النوم عليه أقرب إلى المراعاة من الغيبة عنه، و يمكن حمله على أنه قد أحرزه حال خروجه لإراقة الماء (و منها) أنه نام و جعله تحت رأسه و سرق منه و قد كان متوسدا له (2) و من هنا كان المحكي عن المبسوط فرض المسألة على هذا الوجه و الاكتفاء في حرز الثوب بالنوم عليه أو الاتكاء عليه أو توسده.

نعم رواية صفوان على الوجه المروي تصلح دليلا للمحكي عن ابن أبي عقيل من قطع السارق في أي موضع سرق من بيت أو سوق أو مسجد أو غير ذلك محتجا عليه بالرواية المزبورة، لكن فيه أنه مناف لاعتبار الحرز نصا و فتوى.

و عن الصدوق لا قطع في المواضع التي يدخل إليها بغير إذن كالحمامات و الأرحية و المساجد و إنما قطعه النبي (صلى الله عليه و آله) لأنه سرق الرداء فأخفاه، و لا خفائه قطعه و لو لم يخفه لعزره.

و في الرياض «و هو راجع إلى التفسير الأخير، أي ما عن بعض العلماء من تفسير الحرز بما على سارقه خطر، لكونه ملحوظا غير مضيع إما بلحاظ دائم أو بلحاظ معتادة» و فيه أن ذلك لا مدخلية له في الإخفاء بل الظاهر أن ذلك عملا بما في جملة من نصوص الدغارة المشتملة على عدم القطع بها، و إنما هو على من أخذ ما خفي و إن لم أجد العمل بها لأحد غيره.

و أما التفسير المزبور فأجنبي عن ذلك، نعم بعد أن ذكره في


1- «1» سنن البيهقي ج 8 ص 265.
2- «2» سنن البيهقي ج 8 ص 265.

ج 41، ص: 503

المسالك قال: «و على هذا يتوجه الحكم في الرواية بقطع السارق لأن سارقه في المسجد على خطر من أن يطلع عليه أحد، و هذا التفسير متوجه و مناسب لما يقتضيه النظر من كون المراعاة بالعين حرزا في مجامعته لإمكان سرقته بمغافلة المالك، إذ لا يشترط فيه دوام النظر، بل المعتاد منه المجامع للغفلة على وجه يمكن سرقته منه، و إلى هذا ذهب الشيخ في موضع من المبسوط و إن اختار الأول في مواضع» قلت: هو مختلس عرفا لا سارق بقطع.

و في الرياض بعد أن حكى التفسير للحرز بما سمعت قال: «و عليه يختلف الحرز باختلاف الأموال وفاقا للأكثر، فحرز الأثمان و الجواهر الصناديق المقفلة و الأغلاف الوثيقة في العمران، و حرز الثياب و ما خف من المتاع و آلات النحاس الدكاكين و البيوت المقفلة في العمران و خزائنها المقفلة و إن كانت هي مفتوحة، و الاسطبل حرز للدواب مع الغلق، و حرز الماشية في المرعى عين الراعي على ما تقرر، و مثله متاع البائع في الأسواق و الطرقات».

قلت: هو بعينه ما في الروضة لكن يمكن منع الحرز لكل شي ء بحيث يترتب عليه القطع، فلا حرز للماشية و لا للثمرة على الشجرة مثلا و إن كان لها مراقب و حافظ، فإنه لا يعد لها حرزا عرفا، إذ هو الشي ء المعد لحفظ الشي ء في نفسه، و المراقبة و نحوها إنما هي حراسة للشي ء لا حرز له عرفا، و هو الذي أشير إليه في النصوص (1)

السابقة بكسر القفل و نقب البيت و حواه و أحرزه و نحو ذلك و لا أقل من الشك في تحقق شرط القطع بذلك، و الأصل عدمه، و لا يجدي إطلاق السارق بعد العلم بتقييده بالحرز، فيكون ذلك حينئذ شكا في حصول الشرط،


1- «1» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد السرقة.

ج 41، ص: 504

كما هو واضح.

هذا و قد أطلق الدفن هنا في المتن و قيده بعض بالعمران محترزا به عما لو دفن في خارجه لا يعد حرزا و إن كان في داخل بيت مغلق، لعدم قضاء العرف به مع عدم الخطر على سارقه، و فيه منع عدم الصدق عرفا مع عدم العلم بالدفن، فتأمل.

و هل يقطع سارق ستارة الكعبة؟ قال في المبسوط و الخلاف:

نعم بل عن ظاهر الأول الإجماع عليه، لإطلاق الأدلة و ل

ما رواه أصحابنا (1)

«من أن القائم (عليه السلام) إذا قام قطع أيدي بني شيبة و علق أيديهم على البيت، و نادى مناديه هؤلاء سراق الله»

بل عن الخلاف لا يختلفون في ذلك يعني في الرواية.

و لكن فيه إشكال بل عن ابن إدريس الجزم بالعدم لأن الناس في غشيانها شرع كالحمامات، فلا تكون السرقة من حرز، و احتمال الرواية كون القطع لفسادهم لا للسرقة، بل في المسالك أن إحراز مال البيت من مبدإ الإسلام إلى يومنا هذا بأيديهم دائما، فهم حينئذ من الخائنين لا السارقين، بل قد يشك في ذلك من وجه آخر، و هو عدم كون الستارة لمالك معين، اللهم إلا أن يمنع اعتبار ذلك بإطلاق الأدلة، فيتجه حينئذ القطع مع فرض إحراز الشرائط التي يمكن فرضها في ستارة الكعبة و معلقات الحضرات المشرفة، بأن يهتك حرزها المغلق عليها أو يثقب أو يتسلق إليها، كما وقع في زماننا في روضة أمير المؤمنين و سيد الوصيين (عليه السلام).

و لا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمه الظاهرين، و يقطع لو كانا باطنين على المشهور بين الأصحاب، بل في كشف اللثام


1- «1» الوسائل- الباب- 22- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2 من كتاب الحج.

ج 41، ص: 505

أنهم قاطعون بالتفصيل المزبور، كما عن غيره نفي الخلاف فيه، بل عن الشيخ و ابن زهرة الإجماع عليه، و لعله لصدق الحرز عرفا، مضافا إلى

قوي السكوني (1) عن الصادق (عليه السلام): قد أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بطرار قد طر دراهم من كم رجل، فقال: إن كان طر من قميصه الأعلى لم أقطعه، و إن كان طر من قميصه الداخل قطعته»

و خبر مسمع بن سيار (2)عنه (عليه السلام) أيضا «ان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أتي بطرار قد طر من رجل، فقال: إن كان طر من قميصه الأعلى لم أقطعه، و إن كان طر من قميصه الأسفل قطعناه»

و بهما بعد انجبارهما و اعتضادهما بما سمعت يقيد إطلاق القطع و عدمه في غيرهما من النصوص.

نعم في المسالك «مقتضاهما أن المراد بالظاهر ما في الثوب الخارج سواء كان بابه في ظاهره أم باطنه، و سواء كان الشد على تقديره من داخله أو خارجه» و لعله الذي تسمعه من الخلاف.

و في كشف اللثام «و يظهر منهما أن المراد بالظاهر ما على الثوب الأعلى، و باطن ما على تحته، و لا يختلف الحال فيهما بأن يكون المال مشدودا أو لا، كان الشد من خارج أو داخل».

و قال الشيخ في الخلاف: «و قال جميع الفقهاء: عليه القطع، و لم يعتبروا قميصا فوق قميص، إلا أن أبا حنيفة قال: إذا شده فعليه القطع، و الشافعي لم يفصل».

و في المبسوط بعد التفصيل بالظاهر و الباطن «فإذا أدخل الطرار يده


1- «1» الوسائل- الباب- 13- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
2- «2» أشرنا إليه في الوسائل- في الباب- 13- من أبواب حد السرقة- الحديث 2 و ذكره في الكافي ج 7 ص 227 و التهذيب ج 10 ص 115.

ج 41، ص: 506

في جيبه فأخذه أو بط الجيب و الطرة معا فأخذه فعليه في كل هذا القطع و الكم مثله على ما قلناه إن أدخل يده فأخذه أو خرق الكم أو بطة فأخذه أو بط الخرقة و الكم فأخذه فعليه القطع، و أما إن شده في كمه كالصرة ففيه القطع عند قوم، سواء جعله في جوف كمه و شده كالصرة من خارج الكم أو شده من داخل حتى صارت الصرة في جوف كمه، و قال قوم:

إن جعلها في جوف الكم و شدها من خارج فعليه القطع، و إن جعلها من خارج و شدها من داخل فلا قطع، و هو الذي يقتضيه مذهبنا».

قلت: لعل من الباطن الجيب في باطن القميص الأعلى، و من هنا قال في الروضة: «و المراد بالجيب الظاهر ما كان في ظاهر الثوب الأعلى و الباطن ما كان في باطنه أو في ثوب داخل مطلقا» ثم حكى عن الخلاف و المبسوط ما سمعت في الكم و الجيب قال: «و الأخبار في ذلك مطلقة في اعتبار الثوب الأعلى و الأسفل فيقطع في الثاني دون الأول» و هو موافق للخلاف و مال إليه في المختلف، و جعله المشهور، و هو في الكم حسن، أما في الجيب فلا ينحصر الباطن منه في ما كان فوقه ثوب آخر، بل يصدق به و بما كان في باطن الثوب الأعلى كما قلناه.

قلت: قد يقال بنحو ذلك في الكم أيضا، بل قد يقال: إن معنى الخبرين إن طر الأعلى من قميصه فلا قطع، و إن طر الأسفل من قميصه قطع على جعل من الأعلى و الأسفل مفعولين لطر، و ربما يؤيد ذلك العرف.

و لا قطع في ثمرة على شجرها عند المشهور على ما في المسالك للنصوص المستفيضة (1)

التي تقدم بعضها المصرحة بذلك و بأنه يقطع لو سرق بعد إحرازها الذي لا خلاف فيه و لا إشكال،


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من أبواب حد السرقة.

ج 41، ص: 507

إنما الإشكال في إطلاق عدم القطع بالأول الذي مقتضاه ذلك حتى مع الإحراز بغلق و نحوه بقوة انصراف الإطلاق نصا بل و فتوى إلى ما هو الغالب من عدم الحرز لها في حال كونها على الشجرة، و من هنا قال في القواعد و تبعه ولده: «و لو كانت الشجرة في موضع محرز كالدار فالأولى القطع بسرقة ثمرها مطلقا» و ربما يؤيده مضافا إلى عموم الأدلة خصوص

خبر إسحاق (1) عن الصادق (عليه السلام) «في رجل سرق من بستان عذقا قيمته درهمان، قال: يقطع»

بناء على أنهما ربع دينار و قد سرق من الحرز، مضافا إلى ضعف سند النصوص المطلقة، و لا شهرة محققة جابرة على وجه يخص بها إطلاق ما دل على القطع بسرقة ما في الحرز كتابا (2) و سنة (3)

فالأولى حينئذ التفصيل كما في المسالك و الروضة و غيرهما، و أما ما عن الصدوق من أنه إذا أكل الرجل من بستان غيره بقيمة ربع دينار أو أكثر لم يكن عليه قطع ما لم يحمل منه شيئا، فلعله لأنه مع الإحراز إنما أتلف في الحرز.

و كذا لا قطع على من سرق مأكولا في عام مجاعة بلا خلاف أجده كما عن بعضهم الاعتراف به، بل عن الغنية و السرائر نسبته إلى روايات الأصحاب، و هو كذلك، ففي

خبر السكوني (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا يقطع السارق في عام مسنت، يعني عام مجاعة»

و في

مرسل عاصم بن حميد (5)

«كان أمير المؤمنين (عليه السلام) «لا يقطع السارق في أيام المجاعة»

و في مرسل زياد القندي (6)


1- «1» الوسائل- الباب- 23- من أبواب حد السرقة- الحديث 7.
2- «2» سورة المائدة: 5- الآية 38.
3- «3» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد السرقة.
4- «4» الوسائل- الباب- 25- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
5- «5» الوسائل- الباب- 25- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.
6- «6» الوسائل- الباب- 25- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.

ج 41، ص: 508

«لا يقطع السارق سنة المحل في شي ء يؤكل مثل اللحم و الخبز و أشباهه».

و لعل الاختصاص بالمجاعة لأنه مظنة الاضطرار المسوغ أو الموجب للسرقة الذي لا إشكال في عدم القطع فيه مع العلم بكون السرقة له مع عدم إمكان إرضاء صاحبه بعوضه، فيكون حينئذ كالشبهة الدارية.

و عن المبسوط «إن سرق في عام المجاعة و القحط فان كان الطعام موجودا و القوت مقدورا عليه و لكن بالأثمان الغالية فعليه القطع، و إن كان القوت متعذرا لا يقدر عليه فسرق سارق فأخذ الطعام فلا قطع عليه» و بعينه حكي في محكي الخلاف عن الشافعي، قال: «روى أصحابنا أن السارق إذا سرق في عام المجاعة لا قطع عليه، و لم يفصلوا و قال الشافعي:

إذا كان الطعام موجودا مقدورا عليه و لكن بالثمن الغالي فعليه القطع، و إن كان القوت متعذرا لا يقدر عليه فسرق سارق طعاما فلا قطع عليه، دليلنا ما رواه أصحابنا

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1)

«لا قطع في عام مجاعة»

إلى آخره.

و على كل حال فلا ريب في اقتضاء إطلاق النص و الفتوى الأعم من ذلك، نعم في المسالك «حملوا ما في إطلاق الروايتين من المسروق على المقيد في الآخر و هو المأكول» و فيه أنه لا يتأتى على وجه يقتضي التقييد، اللهم إلا أن يدعى الاتفاق على ذلك كما ادعاه في الرياض محتجا به على ذلك و بظاهر الخبر المزبور قال: و أظهر منه آخر

مروي (2) في الفقيه «لا يقطع السارق في عام مجدبة يعني في المأكول دون غيره».

قلت: الظاهر أن ذلك من الصدوق لتخيل كونه المستفاد من النصوص لا أنه رواية عن الامام (عليه السلام) و حينئذ فالتعميم أولى، بل قيل: إن مقتضى إطلاق المصنف و غيره بل و النصوص عدم الفرق


1- «1» الوسائل- الباب- 25- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 25- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.

ج 41، ص: 509

بين المضطر و غيره و إن كان قد يناقش بعدم انسياق الثاني منه، نعم يدخل فيه المشتبه حاله، كعدم انسياق غير المأكول فعلا من الخبز لو قلنا بالتقييد به كالحبوب و نحوها بدعوى كون المراد الصالح للأكل قوة أو فعلا كما في المسالك و غيرها، بل ظاهر قوله (عليه السلام) «كالخبز و اللحم و أشباهه» خلافه، و الأصل في ذلك أن الحكم مخالف لإطلاق الأدلة، فالمناسب الاقتصار فيه على المتيقن، و ما في الروضة من دعوى تنبيه التمثيل في الخبر على إرادة الأعم يمكن منعه.

و من سرق إنسانا صغيرا لا تمييز له بحيث يعرف سيده من غيره فان كان مملوكا قطع بلا خلاف بل و لا إشكال مع جمعه ما سمعته من الشرائط السابقة كالحرز و نحوه، ضرورة كونه كغيره من الأموال.

و لو كان كبيرا مميزا ففي القواعد و المسالك و غيرها لا قطع، لأنه متحفظ بنفسه إلا أن يكون نائما أو في حكمه، أو لا يعرف سيده من غيره، فإنه حينئذ كالصغير، بل في الرياض بعد نسبته إلى جماعة «لم أجد فيه خلافا إلا من إطلاق العبارة» قلت: لعله المتجه بعد فرض صدق اسم السرقة و لو بإكراهه خصوصا في المميز المزبور، و دعوى أن الصغير المذكور يسرق بخلاف الكبير فإنه يخدع يمكن منع إطلاقها.

و لا فرق في ذلك بين القن و المدبر و أم الولد و المبعض بل و المكاتب و إن استشكل فيه الفاضل في القواعد، و لعله من عدم خروجه عن المالية و من عدم تمامية ملك السيد له، لانقطاع تصرفه عنه، و لا يملك منافعه و لا استخدامه و لا أرش الجناية عليه، و هو يملك ما يكتسبه لكن يمكن منع الأخير، بل عنه في التحرير القطع بكون المشروط كالقن، مع أنه لا فرق بينه و بين المطلق بالنسبة إلى الملكية، و من الغريب قوله بلا فصل

ج 41، ص: 510

عما سمعت: «و لو سرق من مال المكاتب قطع إن لم يكن سيده، و لو سرق نفس المكاتب فلا قطع عليه، لأن ملك سيده ليس بتام عليه، فإنه لا يملك منافعه و لا استخدامه و لا أخذ أرش الجناية عليه، إذ هو على فرض إرادته المطلق لا فرق بينه و بين المشروط في ذلك.

و لو كان المسروق حرا فباعه لم يقطع حدا قطعا، لعدم كونه مالا يبلغ النصاب و قيل و القائل الشيخ في النهاية و جماعة، بل في التنقيح أنه المشهور يقطع دفعا لفساده لا حدا للسرقة، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني (1)

«إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي برجل قد باع حرا فقطع يده»

و خبر عبد الله بن طلحة (2)

«سأله عن الرجل يبيع الرجل و هما حران فيبيع هذا هذا و هذا هذا، و يفران من بلد إلى بلد يبيعان أنفسهما، و يفران بأموال الناس، قال: تقطع أيديهما، لأنهما سارقا أنفسهما و أموال الناس»

و خبري سنان بن طريف (3)

«سأله عن رجل باع امرأته، قال:

على الرجل أن يقطع يده».

و خبر طريف بن سنان (4)

«سألت جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن رجل سرق حرة فباعها، فقال:

فيها أربعة حدود: أما أولها فسارق تقطع يده».

و من المعلوم إرادة حكم السرقة من إطلاقها عليه في النصوص المزبورة كما أن ظاهر الأول منها عدم الفرق بين الصغير و الكبير، بل صريح غيره الكبير، لكن عن الشيخ تقييد ذلك بالصغير، بل في المسالك تبعه


1- «1» الوسائل- الباب- 20- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 20- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد الزناء- الحديث 1 و 2. لكن الأول عن ظريف بن سنان.
4- «4» الوسائل- الباب- 20- من أبواب حد السرقة- الحديث 1 و هو بسند الشيخ و الصدوق قدس سرهما.

ج 41، ص: 511

على ذلك الأكثر معللين له بأن الكبير غالبا متحفظ على نفسه لا يمكن بيعه، إلا أنه كما ترى، و لذا نص على عدم الفرق في محكي التحرير، إذ لا فرق بينهما بعد أن كان القطع للفساد لا للسرقة و إن استدل في محكي المبسوط عليه بآيتها، لكنه في غير محله، و من هنا قال في محكي خلافه:

«لا قطع عليه، للإجماع على أنه لا قطع إلا في ما قيمته ربع دينار فصاعدا، و الحر لا قيمة له، و قال مالك: عليه القطع، و قد روى ذلك أصحابنا» و إن كان قد يناقش بأن القطع للنصوص المزبورة لا للسرقة و إن وجه بأن القطع في سرقة المال إنما جاء لحراسته، و حراسة النفس أولى، إلا أنه لا يوافق مذهبنا، خصوصا بعد تعليق الحكم بسرقة المال على وجه مخصوص لا يتم في الحر على وجه تتحقق به الأولوية المزبورة بحيث تصلح مدركا للحكم، و دعوى ضعف النصوص المزبورة- و لا جابر لها سوى الشهرة المحكية و في حصوله بها نوع مناقشة، سيما مع رجوع الشيخ الذي هو أصلها عما في النهاية- واضحة الفساد بعد تحقق الشهرة المزبورة على القطع، كوضوح فساد المناقشة بأن القطع المزبور إن كان للفساد لا للسرقة فالمتجه جريان الحكم المفسد عليه لا خصوص القطع المزبور، ضرورة كونها كالاجتهاد في مقابلة النص الذي ذكرنا أن وجه الحكمة فيه ذلك، على أنه قابل لتخصيص ذلك الإطلاق، و حينئذ فالتردد الظاهر من المصنف و غيره في الحكم المزبور في غير محله.

و لو سرقه و لم يبعه أدب بما يراه الحاكم، للأصل بعد اختصاص النصوص بالبيع، خلافا للمحكي عن ظاهر المبسوط و السرائر.

و لو كان عليه ثياب أو حلي يبلغ النصاب لم يقطع و إن كان صغيرا لثبوت يده عليها، و لذا يحكم بأن ما في يد اللقيط له، نعم لو فرض سرقته للمال معه على وجه لم تكن يده عليه اتجه حينئذ القطع.

ج 41، ص: 512

و لو كان الحر كبيرا نائما على متاع فسرقه و متاع قطع لسرقة المتاع بناء على أن نوم الكبير عليه حرز له و لسرقة الحر إن باعه، للنصوص السابقة، بل في القواعد و كذا السكران و المغمى عليه و المجنون، و لعله لعدم خروجهم بذلك عن الإحراز، إذ ليسوا كالجماد، لكنه لا يخلو من نظر.

و لو أعار بيتا مثلا فنقبه المعير فسرق منه مالا للمستعير قطع بلا خلاف أجده، بل و لا إشكال، للعمومات و إن ذكر في المسالك وجها للعدم باعتبار عدم لزوم العارية، فلا يحصل الإحراز، و لكن فيه أن له الدخول إذا رجع، مع أن عليه حينئذ أن يمهل المعير بقدر نقل أمتعته لا مطلقا.

و كذا لا إشكال و لا خلاف في القطع لو آجر بيتا و سرق منه مالا للمستأجر المالك للمنفعة بعقد الإجارة التي منها الإحراز، فما عن أبي حنيفة من عدم القطع واضح الفساد، خصوصا بعد المحكي عنه من القطع لو آجر عبده لحفظ متاع ثم سرق المؤجر من المتاع الذي كان يحفظه العبد و إن ضعف احتمال عدم القطع فيه باعتبار أن الإحراز فيه بملاحظة العبد لا بنفس العبد المملوك للسارق، فنفس الحرز ليس بمملوك له.

و لو كان الحرز مغصوبا منه لم يقطع بسرقة مالكه الذي له هتكه، فلا يكون المال في حرز، بل في القواعد و المسالك و محكي المبسوط أن الدار المغصوبة ليست حرزا عن غير المالك، لأنه إحراز بغير حق فكان كغير المحرز، لكن قد يقال بصدق العمومات.

و لو كان في الحرز مال مغصوب للسارق فهتكه و أخذ ماله خاصة لم يقطع قطعا، بل هو كذلك و ان اختلط المالان بحيث لا يتميزان من

ج 41، ص: 513

نحو الطعام و الدهن فلم يأخذ إلا قدر ماله أو أزيد بما لا يبلغ النصاب.

و إن أخذ غير المغصوب المميز عنه وحده أو معه بقدر النصاب، فعن المبسوط إطلاق قطعه، و الأقرب القطع إن هتك لغير المغصوب خاصة بل أولهما، للعمومات بعد حرمة الهتك المزبور المراد به السرقة.

و إن هتك لأخذ ماله فلا قطع، للرخصة فيه و بعد يكون أخذ مالا غير محرز، و لو جوزنا للأجنبي انتزاع المغصوب حسبة فهتك الحرز و أخرجه فلا قطع، و لو سرق معه بقدر النصاب من مال الغاصب ففيه التفصيل المزبور، و لو لم نجوز ذلك له قطع بسرقة المغصوب فضلا عن غيره و المطالب به الغاصب كما عن المبسوط أو المالك.

و يقطع من سرق مالا موقوفا على محصور مع مطالبة الموقوف عليه لأنه مندرج في العموم بناء على أنه مملوك له بل و غير المحصور بناء على أنه المالك أيضا، للعموم فضلا عن سرقة ثمرته التي لا شك في أنها للموقوف عليه، نعم لو قلنا إن المالك فيه الله تعالى شأنه أمكن عدم القطع، بل في المسالك أنه الأظهر بعد أن احتمله لو طالب به الحاكم لكن قد عرفت سابقا أن مقتضى العموم القطع أيضا، بل قد يؤيده خبر محمد بن قيس (1)

المتقدم المشتمل على قطع السارق من مال الله تعالى.

و لو كان السارق بعض الموقوف عليهم فالحكم فيه ما سمعته حتى لو كان فقيرا و كان الوقف على الفقراء، إلا أنه مع فرض كونهم مصرفا يشكل مراعاة الزائد على نصيبه لعدم النصيب له حينئذ اللهم إلا أن يراد به ما يعم ذلك كما سمعته في الزكاة و بيت المال و نحوهما.

و لا تصير الجمال مثلا محرزة بمراعاة صاحبها و لا الغنم


1- «1» الوسائل- الباب- 29- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.

ج 41، ص: 514

بإشراف الراعي عليها كما تقدم الكلام فيه سابقا و لكن فيه قول آخر للشيخ رحمه الله في محكي الخلاف و المبسوط إنها تكون محرزة بذلك، و تبعه عليه غير واحد ممن تأخر عنه، و لكن قد عرفت ضعفه قال في الأخير: «الإبل إن كانت راتعة فحرزها أن ينظر الراعي إليها مراعيا لها و إن كان ينظر إلى جميعها مثل أن كان على نشر أو مستو من الأرض فهي في حرز، لأن الناس هكذا يحرزون أموالهم عند الراعي، و إن كان لا ينظر إليها أو كان ينظر إليها فنام عنها فليست في حرز، و إن كان النظر إلى بعضها دون بعض فالتي ينظر إليها في حرز و التي لا ينظر إليها في غير حرز، و إن كانت باركة ينظر إليها فهي في حرز و إن كان لا ينظر إليها فهي في حرز بشرطين: أن تكون معقولة و أن يكون معها نائما أو غير نائم لأن الإبل الباركة هكذا حرزها، و إن كانت مقطرة فإن كان سائقا ينظر إليها فهي في حرز، و إن كان قائدا فإنما تكون في حرز بشرطين: أن تكون بحيث إذا التفت إليها شاهدها كلها و أن يكثر الالتفات إليها مراعيا لها، و كذا البغال و الخيل و الحمير و البقر و الغنم، فإذا أوت إلى حظيرة كالمراح و الدين و الإصطبل، فإن كان في البر دون البلد فما لم يكن صاحبها معها في المكان فليس بحرز، و إن كان معها فيه فهو حرز، فان كان الباب مفتوحا فليس بحرز إلا أن يكون معها مراعيا لها غير نائم، و إن كان الباب مغلقا فهو حرز نائما كان أو غير نائم، و لو كانت في جوف البلد فالحرز أن يغلق الباب سواء كان معها صاحبها أو لا» و هو كما ترى خصوصا فرقه بين الراتعة و السائرة و إن كان الأصح عدم كون المراعاة من أصلها حرزا عرفا.

و لو سرق باب الحرز أو شيئا من أبنيته المثبتة فيه قال في المبسوط و تبعه غيره يقطع، لأنه محرز بالعادة، و كذا

ج 41، ص: 515

إذا كان الإنسان في داره و أبوابها مفتحة، و لو نام زال الحرز و لكن فيه تردد للتردد في أن الحرز هو ما ليس لغير المالك دخوله، أو أنه ما كان السارق منه على خطر و خوف من الاطلاع عليه، أو أنه عرفي و قلنا بأن مثل ذلك محرز فيه فيقطع حينئذ أو هو ما كان مغلقا أو مقفلا أو مدفونا فلا يقطع لانتفائه، و لو قلنا بأن منه المراعاة بنى على حصولها و عدمه، و قد عرفت سابقا أن الحرز عرفا الشي ء المعد لحفظ الشي ء في نفسه، فلا قطع في شي ء من ذلك لا أقل من الشبهة الدارأة، و حينئذ فيسقط البحث عن سرقة باب المسجد و عن سرقة دقاقة الباب و نحو ذلك، ضرورة عدم الحرز في الجميع بناء على ما ذكرناه، نعم لو كان باب الحرز على بيت داخل في الدار التي لها باب مغلق على ذلك أو داخل في بيت آخر كذلك كباب الخزينة اتجه حينئذ القطع بسرقتها، لكونها حينئذ في حرز.

و يقطع سارق الكفن من القبر و لو بعض أجزائه المندوبة لأن القبر حرز له إجماعا في صريح المحكي عن الإيضاح و الكنز و التنقيح و ظاهر الديلمي، و ما عن المقنع و الفقيه من عدم القطع على النباش إلا أن يؤخذ و قد نبش مرارا مع شذوذه يمكن حمله كمستنده على النباش غير السارق، لا على أن القبر غير حرز كما استظهره منه في المسالك تبعا لغاية المراد، و على تقديره فهو محجوج بما عرفت و بالعرف و ظاهر النصوص حتى

خبر حفص البختري (1)

«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حد النباش حد السارق»

باعتبار ظهوره في كونه منه، و

خبر الجعفي (2)

«كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) و جاءه كتاب هشام ابن عبد الملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها و نكحها فان الناس قد


1- «1» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.

ج 41، ص: 516

اختلفوا علينا، طائفة قالوا: اقتلوه و طائفة قالوا: أحرقوه فكتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) إن حرمة الميت كحرمة الحي، تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب، و يقام عليه الحد في الزناء، إن أحصن رجم، و إن لم يكن أحصن جلد ماءة»

و خبر أبي الجارود (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء»

و خبر زيد الشحام (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أخذ نباش في زمن معاوية فقال لأصحابه: ما ترون؟

فقالوا: تعاقبه و تخلي سبيله، فقال رجل من القوم: ما هكذا فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقال: و ما فعل؟ قال: فقال: يقطع النباش، و قال: هو سارق هنالك للموتى»

و من قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) المروية مسندة في الفقيه (3)

«أنه قطع نباش القبر، فقيل له: أ تقطع في الموتى؟ فقال: إنا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا»

قال (4): «و أتي بنباش فأخذ بشعره و جلد به الأرض، و قال: طئوا عباد الله، فوطئ حتى مات»

و نحوه في الأول خبر إسحاق بن عمار (5)

كل ذلك مضافا إلى الإجماع في محكي الغنية و السرائر على القطع بسرقته، و إلى ما تسمعه من إطلاق النصوص الآتية في قطع النباش، فالحكم حينئذ مفروغ منه.

و إنما الكلام في أنه هل يشترط بلوغ قيمته نصابا؟

قيل و القائل المفيد و سلار و ابنا زهرة و حمزة، بل نسب إلى الأكثر نعم يشترط ذلك، لإطلاق ما دل عليه بعد ما سمعته من ظهور النص و الفتوى في كونه من السارقين من الحرز، فيشترط فيه حينئذ ما


1- «1» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 5.
3- «3» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 8.
4- «4» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 8.
5- «5» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 12.

ج 41، ص: 517

يشترط فيه، و عليه ينزل إطلاق القطع بسرقته فيها، بل لعله الظاهر منهما مضافا إلى الأصل و درء الحد بالشبهة.

و قيل و القائل ابن إدريس في أول كلامه يشترط في المرة الأولى لما سمعته من الأدلة دون الثانية و الثالثة فإنه لا يشترط بل يقطع مطلقا، لأنه مفسد، و لكنه لم نجده لغيره، بل هو قد رجع عنه في آخر كلامه، على أنه كما ترى غير واضح الوجه و لا المستند.

و قيل كما عن الشيخ و القاضي و ابن إدريس في آخر كلامه و الفاضل في الإرشاد لا يشترط فيقطع مطلقا، لإطلاق الأدلة الذي عرفت تنزيله على المقيد، و قيل كما سمعته عن الصدوق: لا يقطع مطلقا إلا مع النبش مرارا، و لعله لما ورد من قطع النباش الذي تكرر منه الفعل.

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح منصور بن حازم (1): «يقطع النباش و الطرار، و لا يقطع المختلس».

و سأله (عليه السلام) أيضا عيسى بن صبيح (2)

«عن الطرار و النباش و المختلس فقال: يقطع الطرار و النباش، و لا يقطع المختلس».

و في

خبر عبد الرحمن العزرمي (3) عنه (عليه السلام) أيضا «أن عليا (عليه السلام) قطع نباشا».

بل

سأله (عليه السلام) علي بن سعيد (4) أيضا عن النباش فقال:

«إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع و يعزر».

و في خبره الآخر (5) عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن رجل أخذ و هو ينبش، قال: لا أرى عليه قطعا إلا أن يؤخذ و قد نبش


1- «1» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 7.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 10.
3- «3» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 9.
4- «4» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 13.
5- «5» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 11.

ج 41، ص: 518

مرارا فأقطعه».

و في

خبر الفضيل (1) عنه (عليه السلام) أيضا «النباش إذا كان معروفا بذلك قطع».

و في مرسل ابن بكير (2)عنه (عليه السلام) أيضا «في النباش إذا أخذ أول مرة عزر، فان عاد قطع»

بناء على أن المراد منه العود مكررا.

و كذا

خبر علي بن إبراهيم عن أبيه (3) المروي عن كتاب الاختصاص قال: «لما مات الرضا (عليه السلام) حججنا فدخلنا على أبي جعفر (عليه السلام) و قد حضر خلق من الشيعة- إلى أن قال-: فقال أبو جعفر (عليه السلام) سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها، فقال أبي: يقطع يمينه للنبش، و يضرب حد الزناء فإن حرمة الميتة كحرمة الحية، فقالوا: يا سيدنا تأذن لنا أن نسألك؟ قال: نعم، فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة فأجابهم فيها و له تسع سنين»

بناء على إرادة النبش المعتاد منه إلى غير ذلك مما يمكن الاستدلال به لما سمعته من الصدوق.

و يقرب منه ما عن المصنف في النكت من أنه «لا قطع عليه حتى يصير ذلك عادة له و قد أخذ كل مرة نصابا فما فوقه، لاختلاف الأخبار و حصول الشبهة» و كأنه أشار باختلاف الأخبار إلى ما سمعته و إلى خصوص

خبر الفضيل (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «عن الطرار و النباش و المختلس قال: لا يقطع»

لكن فيه أن الأخبار النافية للحد إنما نفته عن النباش، فلعله من لم يأخذ شيئا، كما أن في ما سمعته من


1- «1» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 15.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 16.
3- «3» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 6.
4- «4» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 14.

ج 41، ص: 519

الصدوق قصور دليله عن معارضة إطلاق النصوص المزبورة و غيرها مما دل على القطع بسرقة الكفن. و من هنا قال في الرياض: «قد حملها الأصحاب على مجرد النبش الخالي عن أخذ الكفن جمعا بينها و بين النصوص السابقة بحملها على سرقة الكفن كما هو ظاهرها، و لا سيما الأخبار المشبهة منها بالسرقة بناء على ما سبق، و حمل هذه على ما عرفته» و الجمع بينها و إن أمكن بما يوافق قوله إلا أن كثرة تلك الأخبار و شهرتها شهرة قريبة من الإجماع المحتمل الظهور المصرح به في ما مر من الكتب يرجح الجمع الأول، فالقول به متعين و إن كنت لم أتحقق ما نسبه إلى الأصحاب من القطع باعتبار النبش المجرد، نعم احتمله في المسالك جمعا بين الأدلة و جزم به في كشف اللثام، و إلا فالمصنف و غيره على التعزير كما ستسمعه.

و على كل حال فلا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها درء الحد بالشبهة و احترام دماء الناس، و الأصل عدم القطع، و منها إطلاق قطع السارق للنصاب من الحرز، و غير ذلك مما سمعته على وجه يرجح على غيره، فيجب إرجاع ما نافاه إليه أو طرحه.

و لا يشكل بعدم ملك الميت له، لإمكان كونه باقيا على حكم ماله أو لعدم توقف القطع على ذلك، بل يكفي فيه القول بكونه ملكا للوارث بل يمكن القطع مع عدم القول بكونه ملكا لأحد و إن كان المطالب به على الأولين الوارث و الحاكم على الأخير أو غيره حسبة، و لو كان الميت عبدا فالكفن للسيد فيطالب به، و لو قلنا بعدم ملكه لأحد كان المطالب به الحاكم، و لو مات و لم يخلف شيئا و كفنه الامام من بيت المال فعن المبسوط لا يقطع بلا خلاف، و لكن لا يخلو من نظر و لو كفنه أجنبي فالمطالب هو، و عن التحرير الوارث، و فيه منع.

ج 41، ص: 520

و لو نبش و لم يأخذ الكفن عزر كما سمعته في المرسل (1)

و غيره (2)

و لو تكرر منه الفعل و فات السلطان كما عن المقنعة و المراسم و النهاية أو و أقيم عليه الحد كما عن التهذيب و الاستبصار و الجامع كان له قتله للردع لغيره عن الفساد، و لكن لم أقف عليه كذلك في شي ء مما حضرني من النصوص، نعم قد سمعت المروي عن قضايا علي (عليه السلام) من قتل نباش بالوطء بالأقدام (3) و نحوه

مرسل ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا (4) قال: «أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل نباش فأخذ بشعره فضرب به الأرض ثم أمر الناس أن يطؤوه بأرجلهم فوطؤوه حتى مات»

و مرسل أبي يحيى الواسطي (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بنباش فأخر عذابه إلى يوم الجمعة، فلما كان يوم الجمعة ألقاه حتى تحت أقدام الناس فما زالوا يتوطؤونه بأرجلهم حتى مات»

و لكن ليس في شي ء منها فوت السلطان، و أما التكرار فلعله استفيد من الصيغة، كما أن عدم وجوب القتل على ما هو ظاهر المتن و غيره بل هو المحكي عن المفيد و سلار للتخيير في المفسد بينه و بين غيره و عن الشيخ إيجابه، و لعله للاقتصار على ما سمعته من النصوص.

و ليس القبر حرزا لغير الكفن إذا لم يكن في حرز آخر كدار عليها غلق مثلا للعرف، فلو ألبس الميت من غير الكفن أو وضع معه شي ء فسرق لم يقطع، بل في القواعد و كذا العمامة بناء منه على أنها


1- «1» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 16 إلا انه ليس نص فيما ذكره.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 13 إلا انه ليس نص فيما ذكره.
3- «3» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 8.
4- «4» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.
5- «5» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 17.

ج 41، ص: 521

ليست من الكفن، و إن كان فيه ما تقدم في كتاب الطهارة (1) من انها منه و إن لم تكن واجبة و لذا نفيت عنه في بعض النصوص (2).

[الثالث في ما يثبت به]

الثالث في ما يثبت به و لا خلاف بل و لا إشكال في أنه يثبت القطع بشهادة عدلين لإطلاق ما دل (3) عليها، و خصوص ما تسمعه و بالإقرار مرتين لعموم ما دل (4)

على حجية الإقرار، و في

مرسل جميل(5)عن أحدهما (عليهما السلام) «لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين، فان رجع ضمن السرقة، و لم يقطع إذا لم يكن شهود»

و روي (6)

«ان سارقا أقر عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فانتهره، فأقر ثانيا، فقال أقررت به مرتين فقطعه»

و خبر أبان بن عثمان (7) عن الصادق عليه السلام قال: «كنت عند عيسى بن موسى فأتي بسارق و عنده رجل من آل عمر، فأقبل يسألني، فقلت: ما تقول في السارق إذا أقر على نفسه أنه سرق؟ قال: يقطع، قلت فما تقولون في الزناء إذا أقر على نفسه أربع مرات قال: نرجمه، قلت: فما يمنعكم من السارق إذا أقر على نفسه مرتين أن تقطعوه فيكون بمنزلة الزاني»

بتقريب أن المراد و لو


1- «1» راجع ج 5 ص 207- 208.
2- «2» الوسائل- باب- 2 من أبواب الكفن- الحديث 1 و 10 و 12 من كتاب الطهارة.
3- «3» سورة الطلاق: 65- الآية 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار- الحديث 2.
5- «5» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
6- «6» المستدرك- الباب- 3- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
7- «7» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.

ج 41، ص: 522

بملاحظة انطباق صدره مع ذيله ما المانع من اعتبار المرتين في السارق ليكونا بمنزلة الشاهدين كالإقرار أربعا في الزناء المنزل منزلة الشهود أربعا؟

و منه يعلم حينئذ الوجه في ما ذكرناه سابقا من اعتبار الإقرار مرتين في جملة من الحدود السابقة التي تثبت بالشاهدين.

كما أن منه حينئذ و سابقيه (1) المنجبرين بما سمعت مع قوة سند أحدهما يعلم أنه لا تكفي المرة في القطع و إن ثبت المال كغيره مما يثبت به من الرجل و الامرأتين و اليمين المردودة و إن قلنا إنها كالبينة، لكنه بالنسبة للمال دون القطع نحو ما نحن فيه من الإقرار مرة الذي لا يثبت به القطع كما هو المعروف بين الأصحاب، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطعهم، بل عن الخلاف الإجماع عليه، بل لم أجد فيه خلافا محققا و إن حكي عن المقنع الاجتزاء بها فيه عند الإمام أيضا.

لكن في الكشف لم أره في ما حضرني من نسخته نعم في

صحيح الفضيل (2) عن الصادق (عليه السلام) «إذا أقر على نفسه بالسرقة مرة واحدة قطع»

معتضدا بإطلاق ما دل على القطع به أو على مطلق الحد و بعموم ما دل على حجيته، إلا أنه قاصر عن مقاومة ما عرفت خصوصا بعد عدم تقييده بكون الإقرار عند الإمام كما هو المحكي عن القائل و موافقته للمحكي عن العامة كما أشعر به خبر عثمان ابن عيسى(3)

و بعد احتمال


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد السرقة الحديث 1 و المستدرك- الباب- 3- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد السرقة- الحديث 3 و فيه «إن أقر الرجل الحر على نفسه مرة واحدة عند الامام قطع».
3- «3» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد السرقة- الحديث 4 و هو خبر أبان بن عثمان المتقدم في ص 521.

ج 41، ص: 523

تعلق الظرف بالسرقة، فيكون مجملا في عدد الإقرار، و يقر به إمكان توهم المخاطب أو بعض الحاضرين في المجلس أنه لا قطع ما لم تتكرر السرقة أو يكون بمعنى القطع عن الإقرار ثانيا، كل ذلك مع بناء الحدود على التخفيف، و لذا تدرأ بالشبهات فما عساه يظهر من بعض الناس من الميل إلى العمل بالصحيح المزبور في غير محله.

و أبعد من ذلك ما عن المختلف من احتمال مخالفة الإقرار عند الإمام الإقرار عند غيره، لأن الإنسان يحترز عند الإمام و يتحفظ من الإقرار بما يوجب العقوبة، بل غالبا إنما يقر عنده إذا أقر عند غيره، فلهذا يقطع بالإقرار مرة واحدة عنده، و أما

المروي عن كتاب التحصين للسيد رضى الدين بن طاوس (رحمه الله) عن كتاب نور الهدى للحسن ابن أبي طاهر عن الأصبغ (1)

«أنه أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) جماعة بعبد أسود موثق كتافا فقالوا: جئناك بسارق، فقال له: يا أسود أنت سارق؟ فقال نعم يا مولاي ثم قال ثانية: يا أسود أنت سارق فقال:

نعم يا مولاي، قال إن قلتها ثالثة قطعت يمينك يا أسود أنت سارق؟

قال نعم فقطع يمين الأسود»

فلم أجد عاملا به، مضافا إلى ما تسمعه من عدم حجية إقرار العبد و لو عشرا في العبد، لأنه إقرار في حق الغير.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه يشترط في المقر البلوغ و كمال العقل فلا عبرة بإقرار الصبي و إن قلنا بالقطع بسرقته، و المجنون لسلب عبارتهما.

و الحرية بلا خلاف بل عن الخلاف الإجماع على ذلك،


1- «1» المستدرك- الباب- 33- من أبواب حد السرقة- الحديث 11 عن الخرائج للراوندي.

ج 41، ص: 524

مضافا إلى قاعدة عدم نفوذ الإقرار في حق الغير الموافقة لخصوص

صحيح الفضيل (1) عن الصادق (عليه السلام) «إذا أقر العبد على نفسه بالسرقة لم يقطع، و إذا شهد عليه شاهدان قطع»

و به مع الإجماع المزبور يخص

صحيح الفضيل (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام).

«من أقر على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله تعالى مرة واحدة حرا كان أو عبدا حرة أو أمة فعلى الامام أن يقيم الحد على الذي أقر على نفسه كائنا من كان إلا الزاني المحصن»

الموافق للمحكي عن العامة و المنافي لما دل (3)

على تخير الامام بين الحد و عدمه إذا كان بالإقرار و لغيره مما دل (4)

على اعتبار المرتين أو الأربع في ما تقدم من الحدود، كما أنه يجب لما عرفت حمل

حسن ضريس الكناسي (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) «العبد إذا أقر على نفسه عند الإمام أنه سرق قطعه، و إذا أقرت الأمة عند الإمام بالسرقة قطعها»

على تصديق السيد، فإن الأقرب حينئذ قطعه، كما في القواعد لأن الحق لا يعدوهما على ما قيل من إضافة الشهادة عليها، أو على أن المراد عبد الله أو أمته، أو على أن المراد قطعه من جري اسمه من العامة في مجلسه على معنى أنه يذهب إلى قطع المملوك بإقراره، أو غير ذلك مما هو أولى من الطرح في مقابل ما عرفت.

لكن هذا كله بالنسبة إلى القطع، أما المال فيثبت بالمرة و يتبع به بعد


1- «1» الوسائل- الباب- 35- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 32- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.
4- «4» الوسائل- الباب- 16- من أبواب حد الزناء- الحديث 3.
5- «5» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.

ج 41، ص: 525

العتق، و هل يقطع بعده لو كان أقر به مرتين قبله؟ اشكال من الأصل و سبق درأ الحد المستصحب، و من عموم ما دل على حجيته بعد ارتفاع المانع، بل لعل الأخير لا يخلو من قوة لانقطاع الأصل بالعموم المزبور المقتضي ثبوت الإقرار على النفس حين صدوره و إن لم يجز القطع، لحق المولى، فلا درأ حينئذ حتى يستصحب كالاعتراف بما يوجب القصاص، و لو أقر المحجور عليه لسفه أو فلس بسرقة عين مرتين قطع، و لا يقبل في المال و إن تبع الأخير بالعين بعد زوال الحجر.

و كذا يعتبر في المقر الاختيار بلا خلاف و لا إشكال، فلا قطع على المكره و الساهي و الغافل و النائم و المغمى عليه، و حينئذ فلو أقر العبد مرارا لم يقطع لما عرفت مما يتضمن من إتلاف مال الغير و غيره و كذا لو أقر مكرها، و لا يثبت به حد و لا غرم بخلاف العبد، فإنه يثبت به الغرم الذي يتبع به بعد العتق بل و الحد كذلك في أحد الوجهين.

و على كل حال ف لورد السرقة بعينها بعد الإقرار بالضرب قال في النهاية و محكي المهذب و الجامع و المختلف يقطع لأن ردها قرينة على فعلها كالقي ء و

حسن سليمان بن خالد أو صحيحه (1) سئل الصادق (عليه السلام) «عن رجل سرق سرقة فكابر عنها فضرب فجاء بها بعينها أ يقطع؟ قال نعم، و إذا اعترف و لم يأت بها فلا قطع، لأنه اعتراف على العذاب».

و قال بعض الأصحاب و هو الحلي، و تبعه جميع من تأخر عنه لا يقطع لتطرق الاحتمال إلى الإقرار إذ من الممكن أن يكون المال


1- «1» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد السرقة الحديث 1.

ج 41، ص: 526

في يده من غير جهة السرقة، و هذا حسن لعدم العبرة بالإقرار الناشئ عن الإكراه، و أعمية الرد من كونه سارقا، و ظهور الفرق بينه و بين القي ء الذي هو مع ذلك منصوص، كظهور الحسن المزبور في معلومية السرقة و أن الضرب على الرد لا على الإقرار، أو ظهوره في الغالب من الضرب للمتهم المعروف بذلك، فيقر و يرد على وجه يعلم من القرينة أنه سارق، و إلا كان شاذا لا قائل به، ضرورة اقتضائه ترتب القطع على ردها بعينها من دون إقرار، و الأولوية تتوقف على ثبوت الأصل، و لم نجد قائلا به، و دعوى أن الرد من دونه لا دلالة فيه على السرقة و قياسه على القي ء إنما هو بمعونته لا مطلقا لا تجدي بعد فرض ظهور الخبر المزبور في ذلك، فالتحقيق حينئذ حمل الصحيح المزبور على ما ذكرناه، و يبقى الحكم على مقتضى الضوابط من عدم القطع حينئذ.

و لو أقر مرتين و رجع لم يسقط وجوب الحد و تحتمت الإقامة و لزمه الغرم بأول مرة فضلا عنهما، كما عن الشيخ و الحلي و الفاضل و الشهيدين و غيرهم، بل ربما نسب إلى الأكثر للأصل و عموم ما دل على حجية الإقرار المزبور و صحيحي الحلبي (1)

و

محمد بن مسلم (2) عن الصادق (عليه السلام) «إذا أقر الرجل على نفسه أنه سرق ثم جحد فاقطعه و أرغم أنفه»

مؤيدين ب

خبر سماعة (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «من أخذ سارقا فعفا عنه فذاك له، فإذا رفع إلى إمام قطعه، فإن قال الذي سرق منه: ألا أهبه له لم يدعه الامام حتى يقطعه إذا رفعه إليه،


1- «1» الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» أشار إليه في الوسائل في الباب- 12- من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 و ذكره في التهذيب ج 10 ص 126.
3- «3» الوسائل- الباب- 17- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.

ج 41، ص: 527

و إنما الهبة قبل أن يرفع إلى الامام و ذلك قول الله عز و جل (1):

وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ، فإذا انتهى إلى الامام فليس لأحد أن يتركه».

و لكن عن النهاية و كتابي الحديث و القاضي و التقي و ابن زهرة و الفاضل في المختلف سقوط القطع، بل قيل: لعله الأشهر بين القدماء، بل عن الغنية الإجماع عليه ل

مرسل جميل (2) السابق «لا يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين، فإن رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود».

و عن الخلاف و موضع آخر من النهاية يخير الامام بين قطعه و العفو عنه مدعيا في الأول الإجماع عليه ل

خبر طلحة بن زيد (3) عن الصادق (عليه السلام) «حدثني بعض أهلي أن شابا أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) أقر عنده بالسرقة، فقال له: إنى أراك شابا لا بأس بهيئتك فهل تقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، قال: قد وهبت يدك بسورة البقرة، قال: و إنما منعه أن يقطعه لأنه لم تقم عليه بينة»

و خبر أبي عبد الله البرقي عن بعض أصحابه (4) عن بعض الصادقين (عليه السلام) «جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأقر عنده بالسرقة، فقال أ تقرأ شيئا من كتاب الله تعالى؟ قال: نعم سورة البقرة، قال قد وهبت يدك بسورة البقرة، فقال الأشعث: أ تعطل حدا من حدود الله تعالى؟ قال: و ما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البينة فليس


1- «1» سورة التوبة- 9- الآية 112.
2- «2» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد السرقة- الحديث 5.
4- «4» الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.

ج 41، ص: 528

للإمام أن يعفو، و إذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الامام ان شاء عفا، و إن شاء قطع».

إلا أنهما ضعيفان و لا جابر لهما، و محتملان للإقرار مرة، و لم يتضمنا رجوعا بعد إقرار، و الإجماع المزبور موهون بعدم مصير غيره إليه و بما سمعته سابقا، فليس حينئذ إلا الأولان، و لعل أولهما لا يخلو من قوة، لما عرفت من قوة دليله، و احتمال المرسل الرجوع بعد الإقرار مرة مع عدم الجابر له فانا لم نتحقق النسبة المزبورة إلى الأشهر، و لا إجماع الغنية، و يمكن أن يكون وجه النسبة المزبورة بناء حاكيها على عدم الفرق بين مسألتي التوبة و الرجوع، و قد صرح جماعة من المزبورين بالسقوط معها، و لكن فيه منع واضح و ستعرف الكلام في التوبة إن شاء الله.

هذا كله في الرجوع بعد الإقرار مرتين و أما لو أقر مرة خاصة فقد عرفت أنه لم يجب عليه الحد و وجب عليه الغرم.

[الرابع في الحد]

الرابع في الحد و هو قطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى و يترك الراحة و الإبهام بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و ليتمكن بهما من غسل وجهه و الاعتماد في الصلاة، كما تسمعه في خبر هلال (1) عن الصادق


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد السرقة- الحديث 8.

ج 41، ص: 529

(عليه السلام) و في

المرسل عن الحرث بن الحظيرة (1) قال: «مررت بحبشي و هو يستقي بالمدينة فإذا هو قطع، فقلت: من قطعك؟ قال:

خير الناس إنا أخذنا في سرقة و نحن ثمانية نفر فذهب بنا إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأقررنا بالسرقة، فقال: لنا أ تعرفون أنها حرام؟

فقلنا: نعم، فأمر بنا فقطعت أصابعنا من الراحة و خليت الإبهام، ثم أمر بنا فحبسنا في بيت- فجلسنا يطعمنا من السمن و العسل حتى تربت أيدينا، ثم أمر بنا فأخرجنا فكسانا فأحسن كسوتنا، ثم قال لنا إن تتوبوا و تصلحوا فهو خير لكم يلحقكم الله بأيديكم في الجنة، و إلا تفعلوا يلحقكم الله بأيديكم في النار»

و في

خبر محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) «أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوم لصوص قد سرقوا فقطع أيديهم من نصف الكف و ترك الإبهام لم يقطعها، و أمرهم أن يدخلوا إلى دار الضيافة، و أمر بأيديهم أن تعالج، فأطعمهم السمن و العسل و اللحم حتى برؤوا فدعاهم، فقال إن أيديكم سبقتكم إلى النار، فإن تبتم و علم الله منكم صدق النية تاب عليكم و جررتم أيديكم إلى الجنة، فإن لم تتوبوا و لم تفعلوا عما أنتم عليه جرتكم أيديكم إلى النار»

إلى غير ذلك من النصوص التي ستسمع بعضها أيضا المستفاد منها مع ذلك جملة من الآداب.

بل عن المبسوط «فإذا قدم السارق للقطع أجلس، و لا يقطع قائما، لأنه أمكن له و أضبط حتى لا يتحرك فينحني على نفسه، و تشديده بحبل، و تمد، حتى يبين المفصل، و يوضع على شي ء لوح أو نحوه، فإنه أسهل و أعجل لقطعه، ثم يوضع على المفصل سكين حادة، و يدق من فوقه


1- «1» الوسائل- الباب- 30- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 30- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.

ج 41، ص: 530

دقة واحدة حتى ينقطع بأعجل ما يمكن، قال: و عندنا يفعل مثل ذلك بأصول الأصابع أو يوضع على الموضع شي ء حاد، و يمد عليه مدة واحدة، و لا يكرر القطع فيعذبه، لأن الغرض إقامة الحد من غير تعذيب، فان علم قطع أعجل من هذا قطع به» و لا بأس بذلك و إن لم أجده في ما حضرني من النصوص.

و لو كان له إصبع زائدة خارجة عن الأربع متميزة أثبتت، و إن لم تتميز على وجه يكونا أصليين ثبت الخيار، و إلا أشكل مع فرض العلم بزيادة أحدهما و عدم تمييزه، لحرمة قطع الزائدة و كذا الكلام في الكفين اللذين لم يميز أصليهما من زائدهما كذلك، نعم قد يقال بالقرعة.

و لو كانت له إصبع زائدة متصلة بأحد الأربع و لم يمكن قطع الأربع إلا بها ففي القواعد قطع ثلاث، و لعله إبقاء للزائدة مقدمة لحرمة إتلافها، و إن أمكن قطع بعض الإصبع الملتصقة اقتصر عليه، و ربما يحتمل عدم المبالاة بالزائدة، فيقطع الأربع إذا لم يمكن قطعها بدونها و لكنه ضعيف.

و لو كانت يده ناقصة اجتزئ بالثلاث حتى لو لم يبق سوى إصبع غير الإبهام قطعت دون الراحة و الإبهام، لظاهر النص و الفتوى.

و كيف كان ف لو سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى بلا خلاف أجده فيه نصا (1)

و فتوى بل الإجماع بقسميه عليه، نعم في بعض كتب الفاضل بل عن جميعها عدا التلخيص و المقنعة و النهاية و النافع و مجمع البيان و المراسم و الروضة نحو ما هنا من كون القطع من مفصل القدم، و يترك له العقب يعتمد عليها و هو ظاهر في أنه من أصل الساق أي المفصل بين الساق و القدم حتى لا يبقى من عظام القدم إلا


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد السرقة.

ج 41، ص: 531

عظم العقب و ما بينه و بين عظم الساق، و تسميته الأطباء كعبا، و لعله ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (1): «القطع من وسط الكف، و لا يقطع الإبهام، و إذا قطعت الرجل ترك العقب و لم يقطع»

و قول أبي إبراهيم (عليه السلام) في خبر إسحاق (2)

«تقطع يد السارق و يترك إبهامه و صدر راحته، و تقطع رجله و يترك عقبه يمشي عليها»

و المحكي عن

فقه الرضا (عليه السلام) (3)

«يقطع الرجل من المفصل و يترك العقب يطأ عليه».

لكن عن الصدوق في المقنع «إنما يقطع من وسط القدم» و عن الخلاف و المبسوط و التلخيص «يقطع من عند معقد الشراك من عند الناتي على ظهر القدم» و في محكي السرائر «من مفصل المشط ما بين قبة القدم و أصل الساق: و يترك بعض القدم الذي هو الكف يعتمد عليها في الصلاة و عن الكافي و الغنية و الإصباح أنه من عند معقد الشراك، و يترك له مؤخر القدم و العقب» و عن الانتصار «و يقطع من صدر القدم، و يبقى له العقب» قيل: و الاقتصار على العقب على الناتي كاقتصار ابن حمزة، و عن الجامع أنه من الكعب، و أنه يبقى له عقبه، و فسر الكعب في الطهارة بقية القدم، فالظاهر انه كذلك، إلى غير ذلك من العبارات التي يمكن اتحاد المراد منها أجمع، و هو القطع من الكعب الذي قد عرفت تحقيقه في كتاب الطهارة (4) فيكون المقطوع من عظامها الأصابع


1- «1» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.
3- «3» البحار- ج 79 ص 192 عن نوادر الحسين بن سعيد راجع النوادر المطبوع ذيل فقه الرضا ص 77 و قد تعرض له في الجواهر في بحث الوضوء ج 2 ص 219 و ذكرنا هناك في التعليقة أنه لم نعثر عليه.
4- «4» راجع ج 2 ص 215- 224.

ج 41، ص: 532

و المشط، و يبقى الرسغ و العظم الزورقي و الزوي و العقب و ما بينه و بين الساق، و على ذلك يكون هو معقد إجماع ما سمعته من الانتصار و الغنية، و هو الحجة بعد

قول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة (1): «فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم»

و في

خبر عبد الله بن هلال (2)

«إنما يقطع الرجل من الكعب، و يترك له من قدمه ما يقوم به و يصلي و يعبد ربه»

بناء على أن المراد من الكعب فيه ما عرفت، و حينئذ فيدل عليه أيضا الصحيح (3)

المشتمل على تحديد القطع منه مؤيدا ذلك بأنه أخف من الأول، و قد عرفت مكررا درأ الحد بالشبهة، و لمعلومية كون الحكمة في بقاء ذلك التمكن من القيام و المشي و نحوهما.

بل قد سمعت ما يقتضي تعليله بذلك،

قال هلال (4): «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن السارق لم تقطع يده اليمنى و رجله اليسرى، و لا تقطع يده اليمنى و رجله اليمنى؟ فقال: ما أحسن ما سألت، إذا قطعت رجله اليمنى و يده اليمنى سقط على جانبه الأيسر و لم يقدر على القيام، فإذا قطعت يده اليمنى و رجله اليسرى اعتدل و استوى قائما، قلت: جعلت فداك كيف يقوم و قد قطعت رجله، فقال (ع) إن القطع ليس حيث رأيت يقطع الرجل من الكعب و يترك له من قدمه ما يقوم عليه و يصلي و يعبد الله تعالى، فقلت له: من أين تقطع اليد؟ قال: تقطع الأربع الأصابع و يترك الإبهام يعتمد عليها في الصلاة فيغسل بها وجهه للصلاة قلت: و هذا القطع من أول من قطع فقال: قد كان عثمان حسن ذلك لمعاوية»

و نحوه غيره في تضمن الحكمة المزبورة، و لا ريب في عدم بقائها مع بقاء العقب


1- «1» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد السرقة- الحديث 8.
3- «3» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد السرقة- الحديث 8.
4- «4» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد السرقة- الحديث 8 و هو عن محمد بن عبد الله بن هلال عن أبيه.

ج 41، ص: 533

خاصة، بل إنما يحصل به و بما يتصل به إلى الكعب من عظام القدم، فينبغي أن يصرف به لفظ «العقب» عما هو ظاهر فيه من التجرد إلى ما يوافق الأول بأن يراد منه ما يقابل صدر القدم من الأصابع و المشط إلى وسط القدم، خصوصا بعد ملاحظة وجود التعليل المزبور في كلام أهل القول الأول.

و منه ينقدح احتمال حمل كلامهم أيضا على ذلك كالنصوص فيرتفع الخلاف كما عساه يشهد له عدم معروفية تحريره في كلام الأصحاب عدا ما يحكى عن الفاضل في المختلف حيث نقل القولين و رجح الثاني منهما و يقوى في الذهن أن الكلام في الكعب هو بعينه ما سمعته من البحث فيه في الطهارة (1)و أن المعروف بين الأصحاب إلا النادر في المقامين أنه هو العظم الناتي على ظهر القدم، كما عرفت الحال فيه سابقا. كل ذلك مضافا إلى تأيد ما ذكرنا بمخالفته للعامة الذين جعل الله الرشد بخلافهم بخلاف الأول، و إلى غير ذلك، فلا محيص حينئذ عن القول به.

و من الغريب ما عن التبيان «فأما الرجل فعندنا تقطع الأصابع الأربع من مشط القدم، و يترك الإبهام و العقب» فاني لم أجده قولا لأحد من العامة و الخاصة فضلا عن أن يكون مجمعا عليه بيننا كما هو ظاهر عبارته و إن كان مناسبا لكيفية قطع اليد و بقاء المسجد.

و كيف كان فان سرق ثالثة حبس دائما حتى يموت أو يتوب و أنفق عليه من بيت المال إن لم يكن له مال، و لا يقطع شي ء منه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصا و فتوى؟ بل يمكن دعوى القطع به من النصوص.


1- «1» راجع ج 2 ص 215.

ج 41، ص: 534

و في بعضها

عن أبي جعفر (1) (عليه السلام) «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في السارق إذا سرق قطعت يمينه، ثم إذا سرق مرة أخرى قطعت رجله اليسرى، ثم إذا سرق مرة أخرى سجن و تركت رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط و يده اليسرى يأكل بها و يستنجي بها، و قال (عليه السلام): إني لأستحيي من الله أن أتركه لا ينتفع بشي ء و لكن أسجنه حتى يموت في السجن، و قال: ما قطع رسول الله (صلى الله عليه و آله) من سارق بعد يده و رجله».

و في آخر (2) عن الصادق (عليه السلام) «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا سرق الرجل أولا قطع يمينه، فان عاد قطع رجله اليسرى، فان عاد ثالثة خلد في السجن، و أنفق عليه من بيت المال»

و عن الباقر (عليه السلام) في الصحيح (3)

«الأشل إذا سرق قطعت يمينه على كل حال شلاء كانت أو صحيحة، فإن عاد فسرق قطعت رجله اليسرى، فان عاد خلد في السجن و أجري عليه من بيت مال المسلمين، و كف عن الناس»

و عن الصادق (عليه السلام) (4)

«لا يخلد في السجن إلا ثلاثة الذي يمثل، و المرأة ترتد عن الإسلام، و السارق بعد قطع اليد و الرجل»

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى تواترها أو القطع بمضمونها.

و لو سرق بعد ذلك من السجن أو غيره قتل بلا خلاف أجده فيه أيضا كما في المرسل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (5)


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد السرقة- الحديث 10.
3- «3» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.
4- «4» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد السرقة- الحديث 5.
5- «5» المستدرك- الباب- 5- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.

ج 41، ص: 535

و في

خبر سماعة (1) عن الصادق (عليه السلام) «إذ أخذ السارق قطع يده من وسط الكف، فان عاد قطعت رجله من وسط القدم، فان عاد استودع في السجن، فان سرق من السجن قتل»

و عن الفقيه روي (2) أنه «إن سرق في السجن قتل»

إلى غير ذلك مما دل عليه مؤيدا بما دل على قتل ذوي الكبائر في الرابعة.

و لو تكررت منه السرقة و لم يظفر به ثم ظفر به فالحد الواحد كاف سواء اتحد المسروق منه أو اختلف بلا خلاف أجده فيه بين العامة و الخاصة، كما اعترف به غير واحد، للأصل بعد اختصاص نصوص تعدد القطع في غير الفرض، و خصوص

الصحيح (3)

«في رجل سرق فلم يقدر عليه ثم سرق مرة أخرى فلم يقدر عليه و سرق مرة أخرى فجاءت البينة فشهدوا عليه بالسرقة الأولى و الأخيرة، فقال:

تقطع يده بالسرقة الأولى، و لا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة، فقيل له: و كيف ذلك؟ قال: لأن الشهود شهدوا جميعا في مقام واحد بالسرقة الأولى و الأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الأولى».

و ظاهره أن القطع للسرقة الأولى، و سيأتي تمام الكلام فيه إن شاء الله.

و لا تقطع اليسار مع وجود اليمين الصحيحة إجماعا و نصوصا بل تقطع اليمين و لو كانت شلاء بل و كذا لو كانت اليسار شلاء خاصة بل أو كانتا شلاوين قطعت اليمين على التقديرين وفاقا للمشهور، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، لإطلاق الأدلة


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد السرقة- الحديث 11.
3- «3» الوسائل- الباب- 9- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.

ج 41، ص: 536

و خصوص

صحيح عبد الله بن سنان (1) عن الصادق (عليه السلام) «في رجل أشل اليد اليمنى أو أشل الشمال سرق، قال: تقطع يده اليمنى على كل حال»

و في آخر (2)و غيره «إن الأشل إذا سرق قطعت يمينه على كل حال شلاء كانت أو صحيحة»

نعم عن المبسوط و الوسيلة «إن قال أهل العلم بالطب: إن الشلاء متى قطعت بقيت أفواه العروق مفتحة كانت كالمعدومة، و إن قالوا: تندمل قطعت» و نحو ذلك عن القاضي، بل و الفاضل في المختلف مراعاة للاحتياط في الحدود، حيث لا يراد منها القتل، و الغرض حصول الخطر عليه بذلك، و استحسنه في المسالك و هو كذلك تنزيلا لإطلاق النصوص على غير الفرض، بل يمكن تنزيل إطلاق الفتوى و معقد الإجماعين عليه، خصوصا الأول بقرينة كلامه في المبسوط، فلا يكون حينئذ خلاف في المسألة، نعم قد يقال إنه مع عدم العلم بالحال له القطع و إن خيف ذلك، للإطلاق و لأن سراية الحد غير مضمونة و إن أقيم في حر أو في برد، هذا و عن الإسكافي عدم القطع على من كانت يساره شلاء أو معدومة بل يخلد في الحبس، لأن القطع يؤدي إلى فقد اليدين، إذ الشلاء كالمعدومة، و المعهود من حكمة الشارع إبقاء إحدى اليدين له، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل المفضل ابن صالح (3)

«إذا سرق الرجل و يده اليسرى شلاء لم تقطع يمينه و لا رجله»

و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (4)

«سأله (عليه السلام) لو أن رجلا قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق ما يصنع به؟ فقال:

لا يقطع و لا يترك بغير ساق»

إلا أن الأول غير جامع لشرائط الحجية،


1- «1» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.
3- «3» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.

ج 41، ص: 537

فضلا عن صلاحيته للمعارضة، كقصور الثاني عنها من وجوه، فيطرح أو يحمل على إظهاره التوبة.

و لو لم يكن له يسار قال في المبسوط و تبعه الأكثر بل المشهور قطعت يمينه بل لم أجد فيه خلافا إلا ما سمعته من المحكي عن أبي علي للعمومات و غيرها إلا أنك قد سمعت ما في رواية عبد الرحمن ابن الحجاج الصحيحة (1)

عن أبي عبد الله (عليه السلام) المعتضدة بمرسل المفضل (2)

و العلة السابقين من أنها لا تقطع بل في المسالك هنا «لو قيل بمضمونها- و خص الحكم بقطعها في القصاص كما دلت عليه ليخرج ما لو قطعت في السرقة فإنه لا يمنع حينئذ من قطع اليمين- كان وجها».

و لكن مع ذلك الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، باعتبار شذوذ القائل بالصحيح المزبور، خصوصا بعد احتماله ما عرفت مما لا بأس به بعد رجحان المعارض المقتضي للطرح، و بعد إجمال ما فيه من

قوله (عليه السلام): «و لا يترك بغير ساق»

و إن قيل إن الساق في اللغة الأمر الشديد فلعل المراد بقوله (عليه السلام): «و لا يترك بغير ساق» أنه لا يقطع و لا يترك أيضا من دون أمر آخر شديد مكان القطع، بل يفعل به ما يقوم مقام قطع اليد.

أما لو كان له يمين حين حصول موجب القطع فذهبت لم تقطع اليسار مطلقا من الرجل و اليد قولا واحدا، كما في المسالك و الظاهر انتفاء الخلاف فيه في كشف الكلام، و لعله لتعلق القطع (11) حينئذ بالذاهبة (12) فيذهب بذهابها نحو جناية العبد المتعلقة برقبته، إذ


1- «1» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.

ج 41، ص: 538

لا دليل على الانتقال لغير ذلك على وجه يصلح قاطعا للأصل الذي مقتضاه عدم القطع و غيره.

نعم لو سرق و قد كان لا يمين له لخلقة أو لقصاص أو غيرهما مما هو غير القطع لسرقة قال في النهاية و محكي الوسيلة و الكامل قطعت الأخرى أي يساره لعموم الآية (1) في الأيدي المقتصر في تقييدها باليمنى على حال وجودها كالاقتصار في قطع الرجل اليسرى على السرقة الثانية.

و قال في المبسوط عندنا ينتقل إلى رجله اليسرى و إن كان الأول قد روي أيضا و تبعه في محكي المهذب و لعله لأنها ثبتت محلا للقطع في الجملة بخلاف يسرى اليدين.

و لو سرق و لم يكن له (11) يد لا يمني و لا يسار (12) فعن المبسوط أيضا قطعت رجله اليسرى (13) لما عرفت، و في كشف اللثام في النهاية اليمنى، و لعله لأنه أقرب إلى اليد اليمنى.

و لو سرق و لا يد له و لا رجل (14) أصلا ففي النهاية حبس (15) دائما، و لعله لثبوته عقوبة للسرقة في الجملة، هذا و الموجود في ما حضرني من نسخة معتبرة للنهاية «و إن سرق و ليس له اليمنى فان كانت قد قطعت في القصاص أو غير ذلك و كانت له اليسرى قطعت يسراه، فان لم تكن أيضا اليسرى قطعت رجله، فان لم تكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس على ما بناه».

و (16) على كل حال ف في الكل اشكال من حيث انه تخط (17) عما عينه الشارع من موضع القطع (18) و الحبس فيقف على


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 38.

ج 41، ص: 539

إذن الشرع، و هو مفقود إذ الآية (1) بعد تفسيرها في النص و الفتوى باليمنى لا وجه للتمسك بعمومها، كما أنه لا وجه لقطع الرجل اليسرى بعد تقييد قطعها فيهما أيضا بالسرقة الثانية فضلا عن اليمنى التي لم يثبت لها قطع أصلا، و الحبس الدائمي إنما هو للثالثة على الوجه الذي عرفت، و لعله لذا كان المحكي عن ابن إدريس التعزير في الأخير، بل عن المختلف نفي البأس عنه، بل عن نكت المصنف اختياره أيضا، بل عن الحلبيات للشيخ «المقطوع اليدين و الرجلين إذا سرق ما يوجب القطع وجب أن نقول الامام مخير في تأديبه و تعزيره أي نوع أراد يفعل، لأنه لا دليل على شي ء بعينه، و إن قلنا يجب أن يحبس أبدا- لانتفاء إمكان القطع و غيره ليس بممكن، و لا يمكن إسقاط الحدود- كان قويا.» قلت لا يخفى عليك ما في الأخير الذي جعله قويا، فالمتجه حينئذ سقوط الحد بسقوط موضوعه الثابت من الأدلة، خصوصا بعد درئه بالشبهة، فيبقى التعزير المنوط بنظر الحاكم في ذلك كله و في من سرق و لا يدين له و لا رجل يسرى أو لا يمني، إذ احتمال الانتقال إلى الثانية أو الحبس دائما قد عرفت ما فيه، بل قد يقال بثبوت التعزير حتى لو سرق ثانيا أو ثالثا و إن كان المحل موجودا إلا أنه مترتب على حصول القطع أولا و الفرض عدمه.

و يسقط الحد خاصة بالتوبة قبل ثبوته كغيره من الحدود بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه،

و قال الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (2)

«السارق إذا جاء من قبل نفسه تائبا إلى الله عز و جل ورد سرقته على صاحبها فلا قطع عليه»

و أحدهما


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 38.
2- «2» الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.

ج 41، ص: 540

(عليهما السلام) في مرسل جميل (1)

«في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم بذلك منه و لم يؤخذ حتى تاب و صلح: إذا صلح و أصلح و عرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد»

و هو واضح.

نعم يتحتم لو تاب بعد البينة بلا خلاف محقق أجده فيه، و إن قيل أطلق الحلبيان جواز عفو الإمام إذا تاب بعد الرفع، لكن على تقديره محجوج بالاستصحاب و إطلاق

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) للأشعث «إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو»

و غير ذلك مما عرفته سابقا و إطلاق الخبرين السابقين ظاهر سيما الثاني منهما في التوبة قبل قيام البينة، مع أن مقتضاهما تحتم السقوط لا تخير الإمام كدعوى أولوية سقوط عقاب الدنيا من سقوط عقاب الآخرة لو سلمت. و لو تاب بعد الإقرار عند الحاكم مرتين قيل و القائل ابن إدريس يتحتم القطع للأصل و عموم ما دل على حجية الإقرار و خصوص صحيحي ابن مسلم و الحلبي المتقدمين سابقا في مسألة الرجوع.

و قيل كما عن النهاية و الجامع و إطلاق الكافي و الغنية، بتخير الإمام في الإقامة و العفو اعتمادا على إسقاط التوبة عقاب الآخرة الذي هو أعظم، و على رواية فيها ضعف بالإرسال و غيره كما سمعته في مسألة الرجوع، بل مقتضاهما تخيير الإمام في الإقرار مع التوبة و عدمها، و لم يقل به الخصم، و عالم الآخرة لا يقاس على عالم الدنيا، و إلا كان مقتضاه السقوط حتما لا تخييرا، و كذا لا يقاس ما نحن فيه على ما تقدم من التخيير في الإقرار بما يوجب الجلد أو الرجم خصوصا مع إمكان الفارق، فالمتجه حينئذ عدم السقوط، هذا و لم نتحقق هنا


1- «1» الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.

ج 41، ص: 541

من أحد إلحاق الرجوع بالتوبة في التخيير المزبور إلا ما سمعته من الخلاف مدعيا الإجماع عليه، و قد عرفت الحال فيه سابقا، و من ذلك يعلم ما في نقل بعض الأفاضل من اتحاد القائل في المسألتين كما سمعته سابقا.

و لو قطع الحداد يساره مع العلم فعليه القصاص لعموم الأدلة إلا مع الإذن من السارق له بذلك بناء على أنها تسقط القصاص، و على كل حال ف لا يسقط قطع اليمين بالسرقة بلا خلاف بل و لا إشكال، للأصل و إطلاق الأدلة و تعلق الحق نعم لو ظنها اليمين فعلى الحداد الدية لأنها من شبيه العمد الذي مقتضاه ذلك.

و هل يسقط قطع اليمين قال في المبسوط و تبعه الفاضل في محكي التحرير لا يسقط للأصل و إطلاق الأدلة و لتعلق حق القطع بها قبل ذهابها و لكن في رواية محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) ان عليا (عليه السلام) قال: لا تقطع يمينه و قد قطعت شماله و لفظ

الخبر المزبور «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أمر به أن يقطع يمينه فقدموا شماله فقطعوها و حسبوها يمينه، فقالوا: إنما قطعنا شماله أ نقطع يمينه؟ فقال: لا تقطع يمينه و قد قطعت شماله»

بل عن الفقيه و المختلف اختياره، بل زاد في الأخير

«أنه قطع من مساوي اليمين للسرقة فيسقط، لاستيفاء مساوي الحق منه»

و فيه منع مساواته للحق، و ضعف الخبر المزبور و لا جابر، و ما في كشف اللثام من أن الخبر و حصول الشبهة به دليل تنزيل اليسرى منزلة اليمنى لا حاصل له كما أن ما في غيره أيضا من أنه يصبر حينئذ كفا قد اليسرى كذلك أيضا بعد ما عرفت سابقا قطع اليمنى على كل حال، و لعله


1- «1» الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد السرقة- الحديث 1- 0.

ج 41، ص: 542

لذا اقتصر المصنف على نقل القول و الرواية مؤذنا بتردده في الحكم، بل المتجه الجزم بالعدم خصوصا بعد أخذه الدية من الحداد.

و إذا قطع السارق استحب حسمه بالزيت المغلي نظرا له كما هو المحكي من فعل النبي (صلى الله عليه و آله) (1)

و أمير المؤمنين (عليه السلام) (2)

بل

روي عنه (صلى الله عليه و آله) (3)

«أنه أتي بسارق، فقال: اذهبوا فاقطعوه ثم احسموه»

و قد سمعت ما في خبر ابن مسلم (4)

السابق من الأمر بالمعالجة و إطعام السمن و العسل و اللحم إلى البرء، و في

خبر منصور (5)

«ان أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي بسراق فقطع أيديهم، ثم قال: يا قنبر، ضمهم إليك فداو كلومهم، و أحسن القيام عليهم، فإذا برؤوا فأعلمني، فلما برؤوا أتاه فقال:

يا أمير المؤمنين القوم الذين أقمت عليهم الحدود قد برئت جراحاتهم، قال: اذهب فاكس كل واحد ثوبين و آتني بهم، فكساهم ثوبين ثوبين و أتى بهم في أحسن هيئة مشتملين كأنهم قوم محرمون، فمثلوا بين يديه قبالا فأقبل على الأرض ينكتها بإصبعه مثليا ثم رفع رأسه إليهم، فقال:

اكشفوا أيديكم، ثم قال: ارفعوا إلى السماء فقولوا اللهم إن عليا قطعنا ففعلوا فقال: اللهم على كتابك و سنة نبيك، ثم قال يا هؤلاء إن تبتم سلمت أيديكم و إن لا تتوبوا ألحقتم بها، يا قنبر خل سبيلهم، و أعط كل واحد منهم ما يكفيه إلى بلده».


1- «1» كنز العمال ج 5 ص 322 الرقم 2165 الطبع الحديث.
2- «2» الوسائل- الباب- 30- من أبواب حد السرقة.
3- «3» سنن البيهقي ج 8 ص 271.
4- «4» الوسائل- الباب- 30- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
5- «5» الوسائل- الباب- 30- من أبواب حد السرقة- الحديث 3 و هو عن حذيفة بن منصور.

ج 41، ص: 543

و على كل حال ف ليس ذلك بلازم للإمام عندنا للأصل، فان أهمل فعله المقطوع استحبابا، كمداواة غيره من كلومه و أمراضه، و حينئذ فمئونته عليه دون الحاكم أو بيت المال للأصل خلافا لبعض العامة فجعله من تتمة الحد، لان فيه مزيد إيلام، و لا زال الولاة يفعلون ذلك، و هو كما ترى، و في قول المصنف: «نظرا له» تعريض به، نعم إن لم يقدر على ذلك كان على بيت المال نحو غيره.

و من السنة تعليق اليد المقطوعة في رقبة السارق

للمروي(1) عن النبي (صلى الله عليه و آله) «انه أتي بسارق فأمر به فقطعت يده ثم علقت في رقبته»

و لما فيه من التنكيل و الزجر له و لغيره، نعم تقدير المدة راجع إلى الامام، لعدم النص عليه.

و سراية الحد ليست مضمونة و إن أقيم في حر أو برد و المستحب تحري خلافهما بل كان حقا للناس أو لله تعالى شأنه لأنه استيفاء سائغ و لانه محسن، كما تقدم الكلام في ذلك و في الخلاف فيه.

[الخامس في اللواحق]

الخامس في اللواحق و هي مسائل:

[المسألة الأولى يجب على السارق إعادة العين المسروقة]

الأولى لا خلاف بيننا في أنه يجب على السارق و ان قطع إعادة


1- «1» سنن البيهقي ج 8 ص 275.

ج 41، ص: 544

العين المسروقة و أنه إن تلفت أغرم مثلها أو قيمتها إن لم يكن له مثل مؤسرا كان أو معسرا و أيسر بعد ذلك بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص العامة و الخاصة، ك

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (1).

«السارق يتبع بسرقته و إن قطعت يده، و لا يترك أن يذهب بمال امرئ مسلم»

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر سلمان بن خالد (2)

«إذا سرق السارق قطعت يده و غرم ما أخذ»

و في

مرفوع صالح بن سعيد (3) عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن رجل يسرق فتقطع يده بإقامة البينة عليه و لم يرد ما سرق كيف يصنع به في مال الرجل الذي سرق منه.؟ أو ليس عليه رده؟ و إن ادعى أنه ليس عنده قليل و لا كثير و علم ذلك منه، قال: يستسعى حتى يؤدي آخر درهم سرقة»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة عليه، بل هو كالضروري من المذهب، خلافا لما عن أبي حنيفة «لا أجمع بين القطع و الغرم للعين التالفة، فان غرم له سقط القطع، و إن سكت المالك حتى قطع سقط الغرم» و قال في العين الباقية: «إن صنع فيها فأبدلها و جعلها كالمستهلكة لم يردها، كما إذا صبغ الثوب أسود لا أحمر، فان السواد بمنزلة استهلاكه، و كما إذا صنع من الحديد أو النحاس آلة أو آنية لا من أحد النقدين، فإن الصنعة فيهما غير متقومة و لذا لا يرفع عنهما حكم الربا» و قد تقدم في كتاب الغصب بعض مذاهبه التي خالف فيها إجماع المسلمين أو الضرورة من الدين، و لذا

قال الصادق (عليه السلام) (4) مشيرا إلى فتواه في البغل المغصوب


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد السرقة- الحديث- 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد السرقة- الحديث- 1 و هو عن سليمان بن خالد.
3- «3» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد السرقة- الحديث- 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 17- من كتاب الإجارة- الحديث 1.

ج 41، ص: 545

المعروفة: «من هذه و شبهها تحبس السماء قطرها»

و نحوه ما عن مالك من أنه «إن تلفت العين غرمها السارق إن كان مؤسرا، و لم يغرمها إن كان معسرا و لو أيسر بعد ذلك» و الحمد لله الذي عافانا ببركة محمد و أهل بيته (صلوات الله عليهم) من كثير مما ابتلى به خلقه.

و على كل حال فالمسروق بحكم المغصوب في ما سمعت و في أنه إن نقصت العين عنده بفعله أو بغير فعله فعليه أرش النقصان و لو زادت فالزائد للمالك و إن كانت منفعة لأنها تابعة للعين في الملك، و لو كان لها أجر فعليه الأجرة.

و لو مات صاحبها دفعت إلى ورثته، و إن لم يكن له وارث فإلى الإمام (عليه السلام) كغيره مما هو كذلك بلا خلاف و لا إشكال، بل هو كالضروري من مذهب الإمامية عن أئمتهم (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله) عن جبرائيل عن الله تعالى، و في

خبر حمزة بن حمران (1)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن سارق عدا على رجل من المسلمين فعقره و غصب ماله، ثم إن السارق بعد تاب، فنظر إلى مثل المال الذي كان غصبه و حمله إليه و هو يريد أن يدفعه إليه و يتحلل منه مما صنع منه، فوجد الرجل قد مات فسأل معارفه هل ترك وارثا؟ فقالوا لا، و قد سألني أن أسألك عن ذلك حتى ينتهي إلى قولك، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) إن كان الرجل الميت توالى إلى أحد من المسلمين فضمن جريرته و حدثه و أشهد بذلك على نفسه فان ميراث الميت له، و إن كان الميت لم يتوال إلى أحد حتى مات فان ميراثه لإمام المسلمين، فقلت: فما حال الغاصب؟


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد السرقة- الحديث 5.

ج 41، ص: 546

فقال: إذا هو أوصل المال إلى إمام المسلمين فقد سلم، و أما الجراحة فإن الجراح تقتص منه يوم القيامة».

[المسألة الثانية إذا سرق اثنان نصابا ففي وجوب القطع قولان]

المسألة الثانية:

إذا سرق اثنان نصابا بأن أخرجاه معا بوضع أيديهما عليه بعد أن هتكا الحرز أما لو أخرج كل منهما نصف نصاب على حدته فلا خلاف في عدم القطع، إنما الخلاف في الأول ففي وجوب القطع قولان: قال في النهاية يجب القطع كما عن المفيد و المرتضى و جميع أتباع الشيخ بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه لصدق سرقة النصاب على مجموعهما المستلزم لسقوط الحد مع ترك قطعهما بعد وجود شرائطه، و أحدهما دون الأخر ترجيح بلا مرجح، فليس إلا قطعهما، مضافا إلى ما عن الخلاف من أنه روى أصحابنا أنه إذا بلغت السرقة نصابا و أخرجوها بأجمعهم وجب عليهم القطع و لم يفصلوا، بل في

الصحيح (1)

«قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في نفر نحروا بعيرا فأكلوه فامتحنوا أيهم نحر فشهدوا على أنفسهم أنهم نحروه جميعا لم يخصوا أحدا دون أحد فقضى أن تقطع أيمانهم»

و لم يستفصل عن بلوغ نصيب كل منهم نصابا.

و قال في الخلاف و محكي المبسوط إذا نقب ثلاثة فبلغ نصيب كل واحد نصابا قطعوا و إن كان دون ذلك فلا قطع كما


1- «1» الوسائل- الباب- 34- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.

ج 41، ص: 547

عن ابني الجنيد و إدريس و الفاضل، بل نسب إلى عامة المتأخرين، بل عن الخلاف الإجماع عليه للأصل المؤيد بما قيل من ان موجب القطع هو إخراج النصاب و لم يحصل من كل منهما، و لا يصح إسناد المعلول الشخصي إلى علل متعددة، و البعض الصادر عن كل منهما ليس موجبا للقطع و إن كان لا يخلو من مناقشة، إلا أنه هو الأقوى على كل حال، ضرورة كون المنساق من النص بل كاد يكون صريحه غير الفرض الباقي على مقتضى الأصل بعد تعارض المحكي من الإجماع و الشهرة و إن تعدد الأول منهما، و ضعف الثاني بعدم الموافق له من القدماء غير الإسكافي و كون الصحيح المزبور قضية في واقعة، و المرسل لم يعرف من أحد نقله، و جبره بالشهرة المتقدمة معارض بوهنه بالشهرة المتأخرة، و لا أقل من ذلك كله حصول الشبهة الدارئة، و حينئذ ف التوقف أحوط بل الظاهر اعتبار القطع في بلوغ قدر النصاب، فلا يكفي اجتهاد المجتهد للدرء أيضا و عن العامة وجه بالاكتفاء باجتهاد المجتهد، و لكنه واضح الضعف و الله العالم.

[المسألة الثالثة لو سرق و لم يقدر عليه ثم سرق ثانية قطع]

المسألة الثالثة:

لو سرق و لم يقدر عليه ثم سرق ثانية فأخذ و رفع و أقيمت عليه البينة بهما معا دفعة واحدة أو أقر بهما كذلك قطع بالأولى كما في القواعد و عن المقنع و الفقيه و الكافي لتقدمها في السببية و ثبوت القطع بها و لم يطرأ مسقط، و ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر بكير

ج 41، ص: 548

ابن أعين (1) بل حسنه القريب من الصحيح أو الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل سرق فلم يقدر عليه ثم سرق مرة أخرى فأخذ فجائت البينة فشهدوا عليه بالسرقة الأولى و السرقة الأخيرة، فقال: تقطع يده بالسرقة الأولى و لا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة فقال كيف ذاك؟ فقال لأن الشهود شهدوا جميعا في مقام واحد بالسرقة الأولى و الأخيرة قبل أن تقطع بالسرقة الأولى، و لو أن الشهود شهدوا عليه بالسرقة الأولى ثم أمسكوا حتى تقطع يده ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى،»

و هو نص في المطلوب.

لا ب السرقة الأخيرة كما هو خيرة المصنف لأنه قد أخذ فيها، قيل و تظهر فائدة القولين لو عفا من حكم بالقطع لأجله مع تعدد المسروق منه، و في المسالك «و الحق أنه يقطع على كل حال حتى لو عفا أحدهما قطع بالأخرى لأن كل واحدة سبب تام في استحقاق القطع مع المرافعة، و تداخل الأسباب على تقدير الاستيفاء لا يقتضي تداخلها مطلقا لأنه على خلاف الأصل» و فيه منع كون الثانية سببا تاما في استحقاق القطع بعد فرض ثبوتهما دفعة واحدة، بل هو كالاجتهاد في مقابلة النص.

و من ذلك يظهر لك ما في كشف اللثام حيث انه بعد أن ذكر فائدة الخلاف المزبورة قال: «و عندي انه لا أثر له فان الخلاف في الظاهر لو طولب بالسرقتين، فإنه لو طولب بإحداهما تعين القطع لها، أولة كانت أو ثانية كما نص عليه في المختلف، و لا عفو بعد المطالبة كما عرفت، و لذا أطلق الشيخ و جماعة أن عليه قطعا واحدا» إذ فيه إمكان


1- «1» الوسائل- الباب- 9- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.

ج 41، ص: 549

فرض العفو من أحدهما عن القطع قبل الثبوت عند الحاكم ثم رفعه لإرادة المال فأثبتا سرقته له دفعة، فمع كون الأول الذي عفا لم يكن عليه قطع بناء على القطع بسرقته في الفرض، و احتمال تعين القطع للثاني يدفعه أنه خلاف ظاهر النص المزبور، و يمكن فرضه بالإقرار بهما عند الحاكم مرتين بلا رفع من المسروقين فعفا الأول منهما مثلا، و كذا لو ثبت بينة الحسبة ثم عفا الأول مثلا.

و على كل حال أغرم المالين لهما لعدم مدخلية القطع بالأولى أو الثانية في ذلك كما هو واضح، و لعله على نحو ذلك يحمل

خبر عيسى (1)

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): السارق يسرق العام فيقدم إلى الوالي ليقطعه فيوهب، ثم يؤخذ في قابل و قد سرق الثانية فيقدم إلى السلطان فبأي السرقتين يقطع؟ قال يقطع بالأخيرة و يستسعى بالمال الذي سرقه أولا حتى يرده على صاحبه».

و لو قامت الحجة بالسرقة ثم أمسكت حتى قطع بها ثم شهدت هي أو غيرها عليه بأخرى ثانية قال في النهاية و الخلاف قطعت يده بالأولى و رجله بالثانية استنادا إلى الرواية السابقة (2) بل هو المحكي عن الصدوق أيضا و ابني حمزة و سعيد بل عن الخلاف الإجماع عليه.

و توقف بعض الأصحاب فيه بل عن الشيخ في المبسوط و ابن إدريس الجزم بالعدم، بل هو خيرة الفاضل في محكي المختلف و التحرير، بل عن الخلاف الاعتراف بقوته، بل في المتن و هو أولى للأصل و للشبهة لضعف الخبر و اختصاص دليل قطع الرجل بما سرق بعد قطع اليد اليمنى و إن كان


1- «1» الوسائل- الباب- 9- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 9- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.

ج 41، ص: 550

قد يناقش فيه بأصالة عدم التداخل في الفرض، فلا شبهة حينئذ، مضافا إلى عدم ضعف الخبر المزبور في الكافي بل هو حسن كالصحيح أو صحيح، لعدم الاختصاص على وجه الشرطية، و لذا تقطع يمناه بالثانية مع فرض العفو عن الأولى، و لو سلم فهو مقيد بالخبر المزبور، فالعمل به حينئذ متجه.

[المسألة الرابعة قطع السارق موقوف عندنا على مطالبة المسروق]

المسألة الرابعة:

قطع السارق موقوف عندنا على مطالبة المسروق برفعه إلى الحاكم للأصل الذي لا يقطعه الإطلاق بعد تقييده بالنص المعتضد بالفتوى، و حينئذ فلو لم يرافعه لم يرفعه الامام و إن قامت عليه البينة حسبة أو علم به الحاكم أو أقر به عنده مرتين،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر الحسين بن خالد (1)

«الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحد، و لا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنه أمين الله في خلقه، و إذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره و ينهاه و يمضي و يدعه، قال كيف ذاك؟ قال:

لأن الحق إذا كان لله فالواجب على الإمام إقامته، و إذا كان للناس فهو للناس»

مؤيدا بما سمعته في سرقة قميص صفوان(2)

الصريح بالسقوط بالعفو قبل الرفع و غير ذلك، فما عن الخلاف و المبسوط- من أنه يقطع إذا ثبت بالإقرار، لعموم


1- «1» الوسائل- الباب- 32- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 17- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2.

ج 41، ص: 551

النصوص، و لأنه إنما كان لا يقطع بدون مطالبة المالك، لاحتمال الشبهة أو الهبة أو الملك، و ينتفي مع الإقرار، و لأنه إنما كان لا يقطع نظرا له و إبقاء عليه، فإذا أقر فكأنه الذي أقدم بنفسه على إقامة الحد عليه- واضع الضعف، و إن نفى عنه البأس في كشف اللثام، ضرورة إطلاق النص المزبور المعتضد بفتاوى الأصحاب التي مقتضاها تغليب حق الآدمي على حق الله تعالى في المقام بخلافه في الزناء الذي لا يسقط بإباحة الوطء و لا بالعفو دون السرقة، و لذا لو كان المسروق منه غائبا أخر إلى أن يحضر و يرافع بخلاف ما إذا شهد الأربعة على الزناء بجارية الغائب، فإنه يقام الحد على المشهود عليه، و لا ينتظر حضور الغائب، و ليس إلا للفرق بينهما بما عرفت، بل في المسالك «و لأن السقوط إلى القطع أسرع منه إلى حد الزناء ألا ترى أنه لو سرق مال ابنه لا يقطع، و لو زنى بجاريته يحد».

قلت قد تقدم للمصنف و غيره في كتاب النكاح (1) أنه لا حد على الوالد بالزناء بجارية ولده دون العكس، إلا أنه لم يحضرني التصريح باستثناء ذلك في كتاب الحدود، بل مقتضى إطلاقهم فيه ما سمعته من المسالك، و على كل حال فما عن بعض العامة من القطع ببينة الحسبة في غير محله، كما عن آخر من إيقاف حد الزناء على حضور المالك.

و حينئذ ف لو وهبه المال المسروق قبل الرفع إلى الامام سقط الحد، و كذا لو عفا عن القطع بلا خلاف أجده فيه،

قال الصادق (عليه السلام) (2) في خبر سماعة:


1- «1» راجع ج 29 ص 355.
2- «2» الوسائل- الباب- 17- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 3.

ج 41، ص: 552

«من أخذ سارقا فعفا عنه فذاك له، فإذا رفع إلى الامام قطعه، فان قال الذي سرق منه أنا أهب له لم يدعه الإمام حتى يقطعه إذا رفعه إليه، و إنما الهبة قبل أن يرفع الى الامام، و ذلك قول الله عز و جل «وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ» (1) فإذا انتهى إلى الامام فليس لأحد أن يتركه»

و سأله الحلبي (2) أيضا «عن الرجل يأخذ اللص يرفعه أو يتركه فقال: إن صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد فوضع رداءه و خرج يهريق الماء فوجد رداءه سرق حين رجع، فقال: من ذهب بردائي؟ فذهب يطلبه فأخذ صاحبه، فرفعه إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال النبي اقطعوا يده، فقال: صفوان تقطع يده لأجل ردائي يا رسول الله، قال نعم، قال: فأنا أهبه له، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فهلا كان هذا قبل أن ترفعه إلى؟ قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه، قال نعم، و سئلته عن العفو قبل أن ينتهي إلى الامام، فقال: حسن»

و نحوه خبر الحسين ابن أبي العلاء (3) عنه (عليه السلام) و في

صحيح ضريس (4) عن الباقر (عليه السلام) «لا يعفى عن الحدود التي لله دون الإمام، فأما ما كان من حقوق الناس فلا بأس أن يعفى عنه دون الامام»

و في

خبر السكوني (5) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «لا تشفعن في


1- «1» سورة التوبة 9- الآية 112.
2- «2» الوسائل- الباب- 17- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 2.
3- «3» أشار إليه في الوسائل في الباب- 17- من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2 و ذكره في الكافي ج 7 ص 252.
4- «4» الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
5- «5» الوسائل- الباب- 20- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 4.

ج 41، ص: 553

في حد إذا بلغ الإمام، فإنه لا يملكه، و أشفع في ما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الدم» و عن الكافي و الفقيه «إذا رأيت الندم»

إلى غير ذلك، و الظاهر إرادة العفو عن القطع من العفو و هبة المال من الهبة و إن احتملت الأول أيضا و يحتملهما معا الشفاعة، و على كل حال فالعفو و الهبة قبل الأخذ للحاكم.

فأما بعد المرافعة إليه فإنه لا يسقط بهبة و لا عفو بلا خلاف أجده فيه، لما سمعته من النصوص، و للأصل و غير ذلك.

و من ذلك كله يعلم الوجه في قول المصنف

[فرع لو سرق مالا فملكه قبل المرافعة سقط الحد]

فرع: لو سرق مالا فملكه بشراء و نحوه قبل المرافعة سقط الحد لما سمعته من النص على الهبة التي لا فرق بينها و بين غيرها من وجوه التملك المقتضي لعدم توجه دعوى صاحب المال عليه بحيث يستحق أخذه إلى الحاكم و مرافعته إليه، نعم لو ملكه بعد المرافعة و ثبوت السرقة عليه لم يسقط الحد للأصل و غيره: و الله العالم.

[المسألة الخامسة لو أخرج المال من حرزه و أعاده إلى الحرز لم يسقط الحد]

المسألة الخامسة:

لو أخرج السارق المال من حرزه و أعاده إلى الحرز فعن المبسوط و الخلاف لم يسقط الحد، لحصول السبب التام (11) للقطع، و هو إخراج النصاب و (12) لكن فيه تردد (13) كما في القواعد من حيث أن القطع موقوف على المرافعة، فإذا دفعه إلى (14) محل حرزه فكأنه دفعه إلى صاحبه (15) ف لم تبق له مطالبة

ج 41، ص: 554

يستحق بها القطع، و إنما تمكن المطالبة لو أعاده و لم يعلم المالك و لا أظهره السارق إذا رفع أو تلف في الحرز قبل الوصول إلى المالك.

و ربما وقع النظر بأن عبارة المبسوط كذا «فإن نقبا معا فدخل أحدهما فأخذ نصابا فأخرجه بيده إلى رفيقه و أخذه رفيقه و لم يخرج هو من الحرز كان القطع على الداخل دون الخارج، و هكذا إذا رمى به من داخل فأخذه رفيقه من خارج، و هكذا لو أخرج يده إلى خارج الحرز و السرقة فيها ثم رده إلى الحرز فالقطع في هذه المسائل الثلاث على الداخل دون الخارج، و قال قوم: لا قطع على واحد منهما.

و الأول أصح» و نحوها عبارة الخلاف، و ظاهره تلف المال بعد الرد إلى الحرز قبل الوصول إلى المالك كما في المسألتين الأولتين و أنه إنما ذكر المسألة لبيان أن القطع على الداخل أو الخارج أو لا قطع، و لو أراد العموم أمكن أن يريد أنه لا يسقط منه القطع و إن لم يقطع لعدم المطالبة، كما قال بعيد ذلك: «إذا سرق عينا يجب فيها القطع فلم يقطع حتى ملك السرقة بهبة أو شراء لم يسقط القطع عنه، سواء ملكها قبل الرفع إلى الحاكم أو بعده، إلا أنه إن ملكها قبل الرفع لم يقطع، لا لأن القطع يسقط، لكن لأنه لا مطالب له بها، و لا قطع بغير مطالبة بالسرقة» و نحوه في الخلاف.

و فيه أنه لا إشعار في كلامه بتلف المال بعوده إلى الحرز فضلا عن الظهور، و أبعد منه ما ذكره أخيرا على فرض إرادة العموم خصوصا بعد قوله: «إن القطع في المسائل الثلاثة على الداخل دون الخارج» مضافا إلى ما في كلام الشيخ نفسه من المنافاة لظاهر الأدلة السابقة المقتضية عدم ثبوت القطع بعدم استحقاق المطالبة لهبة المال أو بيعه أو

ج 41، ص: 555

نحو ذلك كما عرفت.

بل و كذا ما في المسالك، فإنه بعد أن ذكر إشكال الفاضلين في ذلك و وجهه قال: «و فيه نظر، لأن مجرد رده إلى الحرز لا يكفي في براءة السارق من الضمان من دون أن يصل إلى يد المالك، و من ثم لو تلف قبل وصوله إليه ضمنه، فله المرافعة حينئذ، و يترتب عليها ثبوت القطع، نعم لو وصل إلى يد المالك ضعف القول بالقطع جدا، و بهذا يصير النزاع في قوة اللفظي، لأنه مع وصوله إلى المالك لا يتجه القطع أصلا، و بدونه لا يتجه عدمه، و التعليلان مبنيان على هذا التفصيل».

قلت: قد يقال بعدم القطع و إن تلف في الحرز بعد العود، للشك في ثبوت القطع بمثل السرقة المزبورة، و كونه في ضمانه لا يقتضي القطع كالذي لم يخرجه عن الحرز، بل هو واضح في مفروض المبسوط الذي سمعته، ضرورة عدم إخراجه من الحرز بمجرد إخراج يده من الحرز و السرقة فيها، و لعل الفاضل أراد الإشكال في ما ذكره بخصوصه و إن حكيا عنه الأعم من ذلك، و الله العالم.

و لو هتك الحرز جماعة فأخرج المال من الحرز أحدهم ف قد عرفت سابقا أن القطع عليه خاصة بلا خلاف أجده فيه بيننا لانفراده بالموجب الذي هو إخراج المال من الحرز بعد هتكه و لو بالاشتراك مع غيره على السوية أو مع التفاوت، فهو السارق حينئذ دون شركائه بالهتك، فما عن أبي حنيفة- من توزيع السرقة عليهم، فإن أصاب كل منهم قدر النصاب قطعهم- واضح الفساد.

و لو قربه أحدهم من النقب مثلا و أخرجه الآخر فالقطع

ج 41، ص: 556

على المخرج له من الحرز لذلك أيضا، ضرورة عدم صدق السرقة على الأول بالتقريب، إذ هو كرفع المال في الحرز من مكان إلى مكان آخر، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من عدم القطع على أحد منهما، لعدم صدق الإخراج من الحرز على كل منهما، و هو كما ترى، ضرورة اختصاص الصدق بالأخير منهما بعد فرض بقائه في الحرز و إن قربه الأول.

و كذا لو وضعها الداخل في وسط النقب و أخرجها الخارج وفاقا للسرائر محتجا بالصدق المزبور و أطنب في بيان ذلك قال فيها:

«قال و قال خ ل شيخنا «أبو جعفر في مبسوطة في المبسوط خ ل و قلده ابن البراج في جواهر فقهه إذا نقبا معا و دخل أحدهما فوضع السرقة في نفس النقب فأخذها الخارج قال قوم لا قطع على واحد منهما، و قال آخرون عليهما القطع لأنهما اشتركا في النقب و الإخراج معا، فكانا كالواحد المنفرد بذلك، بدليل أنهما لو نقبا معا و دخلا و أخرجا معا كان عليهما الحد كالواحد، و لأنا لو قلنا لا قطع كان ذريعة إلى سقوط القطع بالسرقة، لأنه لا إنسان إلا و يشارك غيره فيسرقا و هكذا، و لا يقطع و الأول أصح لأن كل واحد منهما لم يخرجه عن كمال الحرز فهو كما لو وضعه الداخل في بعض البيت فاجتاز مجتاز فأخذه من النقب، فإنه لا قطع على واحد منهما، هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطة، قال محمد ابن إدريس: الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن القطع على الآخذ الخارج، لأنه نقب و هتك الحرز و أخرج المال منه، و لقوله تعالى

ج 41، ص: 557

«وَ السَّارِقُ» (1) و هذا صادق، فمن أسقط القطع عنه فقد أسقط حدا من حدود الله بغير دليل، بل بالقياس و الاستحسان، و هذا من تخريجات المخالفين و قياساتهم على المجتاز، و أيضا فلو كنا عاملين بالقياس ما ألزمنا هذا، لأن المجتاز ما هتك حرزا و لا نقب فكيف يقاس الناقب عليه، و أيضا فلا يخلو الداخل من أنه أخرج المال من الحرز أو لم يخرجه، فأن كان أخرجه فيجب عليه القطع، و لا أحد يقول بذلك، فما بقي إلا أنه لم يخرجه من الحرز و أخرجه الخارج من الحرز الهاتك له، فيجب عليه القطع، لأنه نقب و أخرج المال من الحرز، و لا ينبغي أن تعطل الحدود بحسن العبارات و تزويقها و صقلها و توريقها، و هو قوله: ما أخرجه من كمال الحرز أي شي ء هذه المغالطة؟! بل الحق أن يقال: أخرجه من الحرز أو من غير الحرز، و لا عبارة عند التحقيق سوى ذلك، و ما لنا حاجة إلى المغالطات بعبارات كمال الحرز» انتهى.

و نوقش بأن الإخراج إنما يتحقق بفعله، لكونه تمام السبب لا السبب التام، و فرق بين الأمرين، و لعله لذا قال في المختلف: «و التحقيق أن نقول: إن المقدور الواحد إن امتنع وقوعه من القادرين فالقطع عليهما معا لأنه لا فرق حينئذ بين أن يقطعا كمال المسافة دفعة و أن يقطعاها معا على التعاقب، فإن الصادر من كل منهما ليس هو الصادر عن الآخر، بل وجد المجموع منهما، و إن سوغناه فالقطع على الخارج، لظهور الفرق حينئذ بين وقوع القطع منهما دفعة أو على التعاقب».


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 38.

ج 41، ص: 558

و في كشف اللثام «يعني لا خلاف في أنه إن أخرجاه دفعة من كمال الحرز قطعا، فإن امتنع وقوع مقدور واحد من قادرين كان لكل منهما فعل غير فعل الآخر، و بمجموع الفعلين كمل الإخراج من الحرز و كذا في المسألة، فعليهما القطع كما عليهما هناك، و إن ساغ أمكن الفرق بأنهما إذا أخرجاه دفعة فعل كل منهما كمال الإخراج بخلافهما هنا».

و فيه أن ذلك ليس تحقيقا، مضافا إلى ما في المسالك من رده بأنه لا يخفى ضعف هذا البناء في الأمرين معا فان المعتبر في الإخراج المتعارف لا الواقع في اصطلاح المتكلمين الذي يرجع مدركه إلى مجرد الظن.

و في كشف اللثام بعد أن حكى ما سمعته من المختلف قال: «إن الخروج من الحرز آني، و هو نهاية الحركة، فلا فرق بين امتناع وقوع مقدور واحد لقادرين و جوازه في أن الخروج في المسألة إنما تحقق بفعل الآخر و أما ما يفعله من الحركة فلا عبرة بها، كما إذا نقلاه معا من موضعه إلى النقب ثم استقل أحدهما بالإخراج فكما لا عبرة بالحركة إلى النقب فكذا هنا».

و فيه منع كون الإخراج آنيا، ضرورة كونه في العرف مركبا و إنما الآتي الجزء الأخير منه، كما في غيره من المسميات.

و كيف كان فقد تحصل مما ذكرنا القول بالانتفاء، و بالقطع للخارج خاصة، و احتمال القطع لكل منهما كما في القواعد و في كشف اللثام و قيل النقب خارج عن الحرز، فالقطع على الأول، و قد يقال إن الوضع في النقب لا يخلو من أحوال ثلاثة: أحدها أن يكون على حال لا تخرج به عن صدق البقاء في الحرز، و لا ريب في أن القطع حينئذ

ج 41، ص: 559

على الخارج الذي أخذه من المشارك في الهتك، و الثاني أن يكون على حال خرج به عن ذلك، و لا ريب في أن القطع حينئذ على الداخل المخرج له عن الحرز الواضع له في خارج الحرز، و الثالث أن يكون في حال يشك فيه، و المتجه فيه عدم القطع على أحد منهما كما سمعته من الشيخ، للشبهة و للشك في الشرط الذي هو الإخراج من الحرز المقتضي للشك في المشروط، و الله العالم.

و لو هتك الحرز صبيا أو مجنونا ثم كمل فأخرج قبل اطلاع المالك و إهماله ففي القطع نظر من أنه الآخذ و الهاتك، و من خروجه عن التكليف حين الهتك، و حين التكليف إنما أخذ من حرز منهتك، و القطع إنما يترتب عليهما، لأنه المتيقن من النص و الفتوى، فإذا وقع أحدهما حين عدم التكليف لم يترتب عليه عقوبة، و لعله الأقوى، إذ لا أقل من الشبهة الدارئة، و الله العالم.

[المسألة السادسة لو أخرج قدر النصاب دفعة من الحرز وجب القطع]

المسألة السادسة:

لو أخرج قدر النصاب دفعة من الحرز وجب القطع بلا خلاف و لا إشكال و أما لو أخرجه مرارا متعددة ففي وجوبه تردد من العموم، و من الأصل و عدم صدق السرقة من الحرز في الثانية بعد الهتك في الأولى، و لكن أصحه عند المصنف وفاقا للمحكي عن المبسوط و السرائر و الجواهر وجوب الحد طال الزمن أم قصر لأنه أخرج نصابا، و اشتراط المرة

ج 41، ص: 560

في الإخراج غير معلوم.

و فيه منع صدق سرقة النصاب من الحرز مع عدم قصر الزمان بحيث يعد الجميع في العرف سرقة واحدة، إذ هو المدار مع عدم علم المالك و إهماله، و لا أقل من أن يكون ذلك هو المتيقن، و غيره شبهة يسقط معها الحد، و لذا كان المحكي عن أبي الصلاح اعتبار ذلك، بل هو خيرة الفاضل في القواعد و إن فرق بين قصر الزمان و عدمه إلا أن ذلك منه لتحقق الاتحاد، و اليه يرجع ما عن التحرير من أنه إن لم يتخلل اطلاع المالك و لم يطل الزمان بحيث لا يسمى سرقة واحدة عرفا بل في المسالك و هذا قوي، و أما ما عن المختلف «لا يقطع إن اشتهر بين الناس بالدفعة الأولى انهتاك الحرز، لخروجه عن مسمى الحرز، و إلا قطع» فهو لا حاصل له إن لم يرجع إلى ما ذكرنا من عدم القطع مع عدم الدفعة العرفية، و خصوصا مع تعدد الحرز كما عن ظاهر الشيخ و الفاضل و غيرهما، بل ربما جعل الوجهان المزبوران في الحرز المتحد دون المتعدد و إن قيل: لا فرق بينهما للعمومات، لكن فيه أن المدار على صدق السرقة منه دفعة عرفا.

نعم لو أخرج المسروق على التواصل كالطعام و نحوه فهو كالدفعة، إذ الإخراج إنما يتم بإخراج جميعه، و هو إنما يقع دفعة، فما عن بعض من احتمال إخراج نحو الطعام على التواصل أن يكون من إخراج النصاب دفعات لا يخلو من نظر، و لو جمع من البذر المبثوث في الأرض قدر النصاب بناء على أنها حرز لمثله قطع، لأنها كحرز واحد له، فهو كأخذ أمتعة منفرقة في جوانب بيت واحد.

و لو أخرج النصاب من حرزين فصاعدا لم يقطع بناء على ما

ج 41، ص: 561

ذكرنا من اعتبار الاتحاد عرفا إلا أن يكونا في حكم الواحد، بأن يشملهما ثالث كبيتين في دار، فإن إخراجهما من الدار سرقة واحدة، و الله العالم.

[المسألة السابعة لو نقب فأخذ النصاب ثم أخذ قبل إخراجه من الحرز لم يقطع]

المسألة السابعة:

لو نقب فأخذ النصاب ثم أخذ قبل إخراجه من الحرز لم يقطع، للأصل و

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر إسحاق (1): «لا قطع على السارق حتى يخرج بالسرقة من البيت، و يكون فيها ما يجب فيه القطع»

و في

خبر السكوني (2)

«في السارق إذا أخذ و قد أخذ المتاع و هو في البيت لم يخرج بعد قال: ليس عليه القطع حتى يخرج به من الدار».

و كذا إذا أخذه و أحدث فيه حدثا تنقص به قيمته عن النصاب ثم أخرجه مثل أن خرق الثوب أو ذبح الشاة فلا قطع للأصل بعد عدم الصدق و إن كان هو ضامنا لما أحدثه به.

نعم لو أخرج نصابا فنقصت قيمته بفعله أو بغيره بعد الإخراج قبل المرافعة فضلا عما بعدها ثبت القطع لتحقق الشرط، خلافا لأبي حنيفة فلا قطع إن نقصت قيمته قبل القطع للسوق و الله العالم.


1- «1» الوسائل- الباب- 8- من أبواب حد السرقة- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 8- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.

ج 41، ص: 562

[المسألة الثامنة لو ابتلع داخل الحرز ما قدره نصاب فان كان يتعذر إخراجه فهو كالتالف فلا حد]

المسألة الثامنة:

لو ابتلع داخل الحرز ما قدره نصاب فان استهلكه الابتلاع كالطعام لم يقطع، و إن بقيت قيمته بحالها أو غير ناقصة عن النصاب كاللؤلؤة و نحوها فان كان يتعذر إخراجه عادة كالطعام فهو كالتالف فلا حد على المبتلع لعدم الشرط و لو اتفق خروجها بعد خروجه ضرورة عدم صدق الإخراج عن الحرز بعد عدم القصد إلى ذلك و لكن هو ضامن للمال عينا إن اتفق الخروج، و إلا فبالمثل أو القيمة للحيلولة.

و إن كان خروجها مما لا يتعذر و لو بالنظر إلى عادته فخرج و هي في جوفه قطع لأنه يجري مجرى إيداعها في الوعاء و إلا فلو اتفق فساده على خلاف العادة قبل القطع ففي المسالك لم يقطع، قال: «و يظهر من العبارة جواز تعجيل قطعه قبل الخروج في الفرض، و الأولى الصبر إلى أن يخرج دفعا للاحتمال» قلت: لا بأس بالتعجيل مع العلم بأنه خرج مع كونه في جوفه من الحرز، و هو بالغ للنصاب، إذ الفساد بعد ذلك غير قادح في ترتب القطع بعد حصول سببه، نعم لو خرج فاسدا بحيث لا يبلغ النصاب و لم يعلم بحاله قبل الخروج أو بعده أمكن عدم القطع للشبهة التي لا تجدي الأصول هنا في ارتفاعها.

ج 41، ص: 563

و على كل حال فلا ريب في ثبوت القطع في الفرض على ما ذكرناه، خلافا لما عن العامة في أحد القولين من عدم القطع مطلقا، لانه متلف بالابتلاع، و لأنه مكره على الإخراج، فإنه لا يمكنه الخروج لا معها، بل عن الشيخ احتماله، إلا أنه كما ترى واضح الضعف، و الله العالم.

ج 41، ص: 564

[الباب السادس في حد المحارب]
اشارة

الباب السادس في حد المحارب المحارب كل من جرد السلاح أو حمله لإخافة الناس و لو واحد لو احد على وجه يتحقق به صدق إرادة الفساد في الأرض و في كشف اللثام «المسلمين» و لعله الذي أراده المفيد و سلار حيث قيدا بدار الإسلام، و فيه أن التقييد بها يشمل المسلمين فيها و غيرهم من أهل الذمة و الأمان و نحوهم، كما أن التقييد بالمسلمين يشمل من كان فيها منهم و غيرهم ممن هو في غيرها، و لعل الموافق لعموم الكتاب (1) و السنة (2)

و معقد الإجماع تحققه بإخافة كل من يحرم عليه إخافته من الناس من غير فرق بين المسلم و غيره و في بلاد الإسلام و غيرها، و لعله لذا قال في الدروس: «هو من جرد السلاح للاخافة».

و محاربة الله و رسوله تصدق بالاخافة المزبورة لكل من حرم الله


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 33.
2- «2» الوسائل- الباب- 1 و 2- من أبواب حد المحارب.

ج 41، ص: 565

إخافته كصدقها على ما كان منها في بر أو بحر ليلا أو نهارا في مصر و غيره

قال الباقر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (1): «من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتص منه و نفي من تلك البلد، و من شهر السلاح في مصر من الأمصار و ضرب و عقر و أخذ المال و لم يقتل فهو محارب فجزاؤه جزاء المحارب، و أمره إلى الإمام إن شاء قتله و صلبه، و إن شاء قطع يده و رجله، قال: و إن ضرب و قتل و أخذ المال فعلى الامام إن يقطع يده اليمنى بالسرقة ثم يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه، فقال له أبو عبيدة: أ رأيت إن عفا عنه أولياء المقتول؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): إن عفوا عنه كان على الامام أن يقتله، لأنه قد حارب و قتل و سرق، فقال أبو عبيدة: أ رأيت إن عفا عنه أولياء المقتول أن يأخذوا منه الدية و يدعونه أ لهم ذلك؟ قال: لا، عليه القتل»

و قال في خبر ضريس (2): «من حمل السلاح بالليل فهو محارب إلا أن يكون رجلا ليس من أهل الريبة»

و قال أيضا في خبر جابر (3): «من أشار بحديدة في مصر قطعت يده، و من ضرب بها قتل»

و قال سورة بن كليب (4): «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل يخرج من منزله يريد المسجد أو يريد الحاجة فيلقاه رجل و يستعقبه فيضربه و يأخذ ثوبه، قال: أي شي ء يقول فيه من قبلكم؟ قلت:

يقولون هذه دغارة معلنة، و إنما المحارب في قرى مشركة، فقال:

أيهما أعظم حرمة دار الإسلام أو دار الشرك؟ فقلت: دار الإسلام،


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد المحارب- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد المحارب- الحديث 3.
4- «4» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد المحارب- الحديث 2.

ج 41، ص: 566

فقال: هؤلاء من أهل هذه الآية إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ» الآية (1).

و في خبر علي بن جعفر (2) عن أخيه موسى (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد «سألته عن رجل يشهر إلى صاحبه بالرمح و السكين، فقال: «إن كان يلعب فلا بأس».

بل صرح غير واحد أنه لا فرق في السلاح بين العصا و الحجر و غيرهما، و لعله لظاهر الآية (3) و إلا ففي تناول السلاح لهما مطلقا خصوصا الأخير نظر أو منع، لكن في

خبر السكوني (4) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «قال في رجل أقبل بنار يشعلها في دار قوم فاحترقت و احترق متاعهم: إنه يغرم قيمة الدار و ما فيها ثم يقتل».

و منه بعد اعتضاده بما عرفت يقوى التعميم المزبور و لو على إرادة المجاز منه، بل في كشف اللثام «أن اختصاص السلاح بالحديد كما في العين و نحوه ممنوع، بل الحق ما صرح به الأكثر من أنه كل ما يقاتل به، و عن أبي حنيفة اشتراط شهر السلاح من الحديد، و يظهر احتماله من التحرير» إلى آخره و لا ريب في ضعفه، بل في الروضة الاكتفاء في المحاربة بالأخذ بالقوة و إن لم يكن عصا أو حجر و هو لا يخلو من وجه.

و على كل حال فلا ريب في دخول البندق و نحوه بآلاته الصغار و الكبار فيه، و المدار على قصد الإخافة الذي يتحقق به الفساد في الأرض، فلو اتفق خوفهم منه من غير أن يقصده فليس بمحارب،


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 33.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد المحارب- الحديث- 4.
3- «3» سورة المائدة: 5- الآية- 33.
4- «4» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المحارب- الحديث 1.

ج 41، ص: 567

كما أنه محارب مع القصد المزبور و إن لم يحصل معه خوف منه أو أخذ مال، و لكن في الروضة قصد الإخافة أم لا على أصح القولين و إن كنا لم نجده قولا صريحا لأحد، و على تقديره فلا ريب في شذوذه و إن كان قد يستدل له بإطلاق الأدلة إلا أنه منزل و لو بقرينة الفتاوى و الغلبة و درء الحد و الانسياق و غير ذلك على الأول، و الله العالم.

و هل يشترط كونه من أهل الريبة؟ فيه تردد بل و خلاف و لكن أصحه أنه لا يشترط مع العلم بقصد الإخافة وفاقا للأكثر لعموم الآية (1) و الرواية (2)

] و الاستناد إلى خبر ضريس (3)

لا يقتضي الاشتراط المزبور، بل أقصاه عدم الحكم بكونه محاربا إذا كان كذلك لا أن من قصد الإخافة و تحقق فيه وصف المحاربة ليس بمحارب إذا لم يكن من أهل الريبة، و درء الحد بالشبهة لا يتم في الفرض المزبور المتحقق فيه الوصف، فما عن ظاهر النهاية و القاضي و الراوندي من الاشتراط بل هو صريح الدروس و إن اكتفى بظن الريبة واضح الضعف، بل من المستبعد جدا إرادة من عرفت ذلك ضرورة صدق المحاربة مع القصد المزبور، سواء كان من أهل الريبة أم لا، نعم يمكن أن يكون الحكم بالمحاربة بمجرد شهر السلاح مع عدم العلم بالقصد المزبور و لم يكن من أهل الريبة محلا للنظر و الخلاف، فيحكم بها حينئذ، إلا أن يكون من غير أهل الريبة كما هو مقتضى الخبر المزبور، بل و غيره، أو يقال فيتوقف الحكم بذلك على كونه من أهل الريبة، بل لعله لا يخلو من وجه، و الله العالم.


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 33.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد المحارب.
3- «3» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد المحارب- الحديث- 1.

ج 41، ص: 568

و يستوي عند الأكثر بل المشهور في هذا الحكم الذكر و الأنثى إن اتفق بل قيل فيه و في سابقه و لاحقه: إن على عدم الاشتراط عامة من تأخر، بل في كنز العرفان نسبته إلى القدماء مشعرا بالإجماع عليه، كل ذلك لعموم النصوص المزبورة الذي لا يقدح فيه اختصاص الآية (1) بالذكور خلافا للمحكي عن الإسكافي، فاعتبر الذكورة.

و من الغريب ما في السرائر من حكاية التعميم المزبور مع التمسك عليه بعموم الآية عن الخلاف و المبسوط، ثم قال: «و هذان الكتابان معظمهما فروع المخالفين، و هو قول بعضهم اختاره (رحمه الله) و لم أجد لأصحابنا المصنفين قولا في قتل النساء في المحاربة، و الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن لا يقتلن إلا بدليل قاطع، فأما تمسكه بالآية فضعيف، لأنها خطاب للذكور دون الإناث، و من قال تدخل النساء في خطاب الرجال على طريق التبع فذلك مجاز، و الكلام في الحقائق، و المواضع التي دخلن في خطاب الرجال فبالإجماع دون غيره، فليلحظ ذلك» ثم قال بعد ذلك بما يزيد على الصفحة يسيرا في ما حضرني من نسختها:

«قد قلنا إن أحكام المحاربين تتعلق بالنساء و الرجال سواء على ما تقدم من العقوبات، لقوله تعالى «إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ» الآية (2) و لم يفرق بين الرجال و النساء، فوجب حملها على العموم، و لعل ذلك و نحوه منه عقوبة على سوء أدبه مع الشيخ و غيره من أساطين الطائفة، و من هنا قال في محكي المختلف بعد نقل ذلك عنه: «و هذا اضطرب منه و قلة تأمل و عدم مبالاة بتناقض كلاميه».


1- «1» سورة المائدة- 5- الآية 33.
2- «2» سورة المائدة- 5- الآية 33.

ج 41، ص: 569

بقي الكلام في شي ء: و هو اعتبار قصد الإخافة من حيث أنها كذلك لإرادة الفساد في تحقق المحاربة، فلا يكفي حينئذ قصد إخافة شخص خاص لعداوة أو لغرض من الأغراض و إن لم يكن شرعيا، أو لا يعتبر ذلك، كما هو مقتضى إطلاق التفسير المزبور، بل قد يشعر به خبر قرب الاسناد (1)

و خبر السكوني (2)

فيتحقق حينئذ صدق المحاربة بما هو في مثل زماننا من محاربة جماعة خاصة لجماعة أخرى كذلك لأغراض خاصة في ما بينهم فاسدة، لم أجد تنقيحا لذلك في كلام الأصحاب. و الحد يدرأ بالشبهات، و لكن التحقيق جريان الحكم على الجميع مع فرض صدق المحاربة التي يتحقق بها السعي في الأرض فسادا.

و كيف كان ف في ثبوت هذا الحكم للمجرد سلاحه بالقصد المزبور مع ضعفه عن الإخافة تردد أشبهه و أقربه كما في القواعد الثبوت للعمومات المزبورة و حينئذ ف يجتزأ بقصده الإخافة و لكن قد يمنع اندراج مثل ذلك مع فرض الضعف عن الإخافة مطلقا أي لكل أحد في إطلاق الآية (3) و نحوها خصوصا بعد ما في القواعد من اعتبار الشوكة المعلوم انتفاؤها في مثل الفرض المعتضد بدرأ الحد بالشبهة و غيره، اللهم إلا أن يكون إجماعا، كما عساه يظهر من بعض. نعم قد يقال: إن ضعفه عن الإخافة لمعظم الناس لا ينافي قوته عليها لما هو أضعف منه و لمن لا يعقل الخوف كالطفل و المجنون و نحوهما، و من هنا اتجه منع اعتبار الشوكة


1- «1» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد المحارب- الحديث- 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المحارب- الحديث- 1.
3- «3» سورة المائدة: 5- الآية- 33.

ج 41، ص: 570

المنافي لإطلاق الأدلة إلا أن يراد ما يرجع إلى ما ذكرنا.

و بالجملة فالمدار على التجاهر بالسعي في الأرض بالفساد بتجريد السلاح و نحوه للقتل أو سلب المال و الأسر و نحو ذلك مما هو بعينه محاربة لله و رسوله بخلاف الأخذ خفية أو اختطافا ثم الهرب بعده و غير ذلك مما لا يعد محاربة بل هو سرقة أو نهب و إن جرحوا أو قتلوا حين اختطفوا أو سرقوا للتخلص من القبض و نحوه، قال في القواعد: «و إنما يتحقق لو قصدوا أخذ المال قهرا مجاهرة، فإن أخذوه خفية فهم سارقون، و إن أخذوه اختطافا و هربوا فهم منتهبون لا قطع عليهم» و في كشف اللثام «و إن جرحوا و قتلوا حين اختطفوا، و على التقديرين لا قطع عليهم كما يقطع المحارب أو السارق، لأن شيئا منهما لا يصدق عليهم» و فيه أيضا قبل ذلك «و إنما يتحقق لو قصدوا أخذ البلاد أو الحصون أو أسر الناس و استعبادهم أو سبي النساء و الذراري أو القتل أو أخذ المال قهرا مجاهرة» إلى آخره.

و ستسمع ما في المتن من عدم عد المستلب من المحارب، لكن قد يناقش في بعض الأفراد يصدق تجريد السلاح بقصد الإخافة و إن خاف هو ممن هو أقوى منه، إذ ذلك لا ينافي صدق محاربته لمن جرد عليه سلاحه لاخافته كي يسلب ماله أو يقتله أو يجرحه، و من ذلك يعلم أن كلامهم في المقام لا يخلو من تشويش، و التحقيق التعميم على الوجه الذي سمعته في النصوص و كان إطلاق المصنف و غيره هنا اتكالا على معلومية اعتبار البلوغ في الحد، فلا يجري في غير البالغ و إن جرد السلاح بالقصد المزبور مع احتماله، بل ظاهر الروضة أنه مراد المطلق و كيف كان ف لا يثبت عندنا هذا الحكم في

ج 41، ص: 571

مثل قطاع الطريق للطليع منهم الذي هو المراقب للمارة مثلا ليخبر من يقطع الطريق عليهم و لمن يخاف عليه منه ليحذره و لا الردء الذي هو المعين لضبط الأموال و نحوه، للأصل و الاحتياط و الخروج عن النصوص، خلافا لأبي حنيفة فسوى بين المباشر و غيره، و فساده واضح بعد عدم حصول وصف المحاربة في الثاني، نعم لو كان المدار على مطلق مسمى الإفساد اتجه ذلك، لكن قد عرفت اتفاق الفتاوى على اعتبار المحاربة على الوجه المزبور، و النصوص و إن لم يكن فيها ما يقتضي حصر المفسد في ذلك صريحا إلا أنه بمعونة الاتفاق المزبور مع الانسياق و ملاحظة بعض المفاهيم فيها يتجه ما ذكره الأصحاب من جعل المدار على صدق المحاربة على الوجه الذي ذكرناه.

و كيف كان فلا خلاف أجده هنا في أنه تثبت هذه الجناية بالإقرار و لو مرة للعموم، لكن قد تقدم سابقا عن المراسم و المختلف ان كل حد يثبت بشهادة عدلين يعتبر فيه الإقرار مرتين، بل ذكرنا له بعض المؤيدات إلا أن ذلك قد كان لحصول الفتوى به في بعض الحدود، و لم نجد هنا من اعتبر التعدد بالخصوص و حينئذ فالمتجه البقاء على مقتضى العموم المزبور كبقاء ثبوتها بشهادة رجلين عدلين على مقتضى العموم أيضا و غيره نعم لا تقبل فيها شهادة النساء منفردات و لا مع الرجال نحو غيرها من الحدود، كما تقدم الكلام فيه مفصلا في كتاب الشهادات و لو شهد بعض اللصوص على بعض لم تقبل للفسق و كذا (11) في عدم القبول لو شهد المأخوذون بعضهم لبعض (12) بأن قالوا جميعا تعرضوا لنا و أخذوا

ج 41، ص: 572

منا جميعا، للتهمة بالعداوة، و ل

خبر محمد بن الصلت (1) سأل الرضا (عليه السلام) «عن رفقة كانوا في الطريق قطع عليهم الطريق فأخذوا اللصوص فشهد بعض لبعض، فقال لا تقبل شهادتهم إلا بإقرار اللصوص أو شهادة من غيرهم عليهم»

كما مر الكلام فيه في كتاب الشهادات أيضا.

أما لو قالوا عرضوا لنا و أخذوا هؤلاء و لم يتعرضوا لأنفسهم قبل قطعا إذا لم يكن قد شهد المشهود لهم عليهم بذلك للشهود لأنه لا ينشأ من ذلك تهمة تمنع الشهادة بل في كشف اللثام «و كذا إن انعكس بأن قال المشهود لهم أيضا أنهم عرضوا لنا و أخذوا هؤلاء في وجه، كما إذا شهد بعض المديونين لبعضهم و بالعكس، و الوجه الآخر عدم السماع حينئذ، لحصول التهمة و إطلاق الخبر، بل الشهادتان حينئذ من القسم الأول نفسه، فإنه لا شهادة إلا مع الدعوى، فلا تسمع شهادة الأولين إلا إذا كان الآخرون ادعوا الأخذ، و لا شهادة الآخرين إلا إذا ادعى الأولون الأخذ و هو كاف في حصول التهمة إن سلمت، و لا مدخل فيها لخصوص الذكر في الشهادة إلا أن يدعى أن التهمة حينئذ أظهر».

و في الرياض اختيار عدم القبول مطلقا، فإنه بعد أن حكاه عن الأشهر و حكى التفصيل المزبور قولا محتجا بما سمعت من التشبيه بالدين قال: «و هو على تقدير تسليمه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر و لو بعمل الأكثر، بل الأشهر، كما صرح به بعض من تأخر، فلا يعبأ به، نعم لو لم يكن الشاهد مأخوذا احتمل قبول شهادته، لعدم


1- «1» الوسائل- الباب- 27- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

ج 41، ص: 573

التهمة مع خروجه عن مورد الفتوى و الرواية، لظهورها و لو بحكم التبادر في صورة كونه مأخوذا، و بالقبول هنا صرح جمع من غير أن يذكروا خلافا» قلت: قد تقدم لك في كتاب الشهادة ما يعلم منه تحقيق الحال.

و منه يعلم ما في الرياض هنا، حتى نسبة الإطلاق إلى الأشهر مع تصريح الفاضلين و غيرهما هنا بالقبول الذي هو الموافق لإطلاق الأدلة و عمومها، و الخبر المزبور بعد عدم تحقق الجابر له في الفرض بل لعله ظاهر في غيره لا يصلح مقيدا و مخصصا لهما، و من الغريب ذكره القبول احتمالا في الأخير مع انه ينبغي القطع به، بل لو تغاير المشهود عليه كأن شهد اثنان على بعض اللصوص أنهم أخذوا جماعة أو اثنين و شهد هؤلاء الجماعة المشهود لهم أو الاثنان على بعض آخر غير الأول أنهم أخذوا الشاهدين حكم بشهادة الجميع قطعا، لانتفاء التهمة، كما هو واضح، و الله العالم.

و أما حد المحارب فهو كتابا (1) و سنة (2)

و إجماعا بقسميه القتل أو الصلب أو القطع مخالفا بأن تقطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى كما في السارق أو النفي و لكن قد تردد فيه الأصحاب و اختلفوا في أنه على الترتيب أو لا فقال المفيد و الصدوق و الديلمي و الحلي بالتخيير بل قيل: عليه أكثر المتأخرين، لأنه الأصل في كلمة «أو» بل قال الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 33.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب.

ج 41، ص: 574

«أو» في القرآن له حيث وقع» و خصوص

حسن جميل (1)سأله أيضا عن الآية «أي شي ء عليهم من هذه الحدود التي سمى الله تعالى؟

قال: ذاك إلى الامام إن شاء قطع و إن شاء صلب، و إن شاء قتل»

و نحوه خبر سماعة (2) عنه (عليه السلام) أيضا.

و قال الشيخ أبو جعفر بالترتيب بل في كشف اللثام نسبته إلى أكثر الكتب، بل في نكت الإرشاد بعد نسبته إلى الشيخ و الإسكافي و التقي و ابن زهرة و أتباع الشيخ أنه ادعى عليه الإجماع، ل

صحيح بريد (3)

«أنه سأل الصادق (عليه السلام) رجل عن الآية قال: لا و ذلك إلى الامام يفعل ما يشاء، قلت: فمفوض إليه ذلك، قال: و لكن بحق الجناية»

بناء على أن المراد من حقها فيه ما تسمعه من النصوص (4)

.

الآتية مؤيدا باستبعاد اتحاد عقوبة القاتل و آخذ المال مع عقوبة من شهر السلاح و لم يقتل و لم يجرح و لم يأخذ مالا.

نعم اختلفوا في كيفيته، فعن النهاية و المهذب و فقه الراوندي و التلخيص يقتل إن قتل قصاصا إن كان المقتول مكافئا له و لم يعف الولي و لو عفا ولي الدم أو كان غير مكافئ قتله الامام حدا و لو قتل و أخذ المال استعيد منه عينا أو بدلا و قطعت يده اليمنى و رجله اليسرى ثم قتل و صلب، و إن أخذ المال و لم يقتل قطع مخالفا و نفي، و لو جرح و لم يأخذ المال اقتص منه أو أخذ الدية أو الحكومة و نفي، و لو اقتصر على شهر السلاح


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب- الحديث- 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب- الحديث- 9 و فيه عن بريد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، إلا أن الموجود في الكافي ج 7 ص 246 و التهذيب ج 10 ص 133 كالجواهر.
4- «4» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب.

ج 41، ص: 575

نفي لا غير.

و في محكي التبيان و المبسوط و الخلاف إن قتل قتل، و إن قتل و أخذ المال قتل و صلب، و إن اقتصر على أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله من خلاف، و إن اقتصر على الإخافة فإنما عليه النفي، بل عن الأخيرين أنه ينفى على الأخيرين بل عن أولهما أنه يتحتم عليه القتل إذا قتل لأخذ المال، و إن قتل لغيره فالقود واجب غير متحتم، و يجوز لولي المقتول العفو عنه مجانا و على مال.

و عن الوسيلة «لم يخل إما جنى جناية أو لم يجن، فإذا جنى جناية لم يخل إما جنى في المحاربة أو في غيرها، فإن جنى في المحاربة لم يجز العفو عنه و لا الصلح على مال، و إن جنى في غير المحاربة جاز فيه ذلك، و إن لم يجن و أخاف نفي عن البلد، و على هذا حتى يتوب، و إن جنى و جرح اقتص منه و نفي عن البلد، و إن أخذ المال قطع يده و رجله من خلاف و نفي، و إن قتل و غرضه في إظهار السلاح القتل كان ولي الدم مخيرا بين القود و العفو و الدية، و إن كان غرضه المال كان قتله حتما، و صلب بعد القتل، و إن قطع اليد و لم يأخذ المال قطع و نفي، و إن جرح و قتل اقتص منه ثم قتل و صلب، و إن جرح و قطع و أخذ المال جرح و قطع للقصاص أولا إن كان قطع اليد اليسرى ثم قطع يده اليمنى لأخذ المال و لم يوال بين القطعين، و إن كان قطع اليمنى قطعت يمناه قصاصا و رجله اليسرى لأخذ المال».

قلت: لكن في الرياض «لم أجد حجة على شي ء من هذه الكيفيات من النصوص و إن دل أكثرها على الترتيب في الجملة لكن

ج 41، ص: 576

شي ء منها لا يوافق شيئا منها، فهي شاذة مع ضعف أسانيدها جملة».

و قد سبقه إلى ذلك المصنف فإنه بعد أن حكى عن أبي جعفر ما سمعته أولا قال و استند في التفصيل إلى الأحاديث (1)

الدالة عليه، و تلك الأحاديث لا تنفك من ضعف في إسناد بعبد الله و عبيدة و محمد بن سلمان و غيرهم أو اضطراب في متن بسبب اختلافها في الأحكام المشتملة عليها أو قصور في دلالة، فالأولى العمل بالأول تمسكا بظاهر الآية (2) و فيه أن الشهرة و الإجماع المحكي السابقين و التعاضد و الاستفاضة و المخالفة للعامة- كما في الثلاث و يومئ اليه بعض النصوص و غير ذلك- يجبر ذلك، نعم هي مختلفة في كيفية الترتيب ف

خبر أبي عبيدة (3) منها يوافق الأول في الجملة سأل الصادق (عليه السلام) و قال «إن الناس يقولون إن الامام مخير فيه أي شي ء صنع، قال ليس أي شي ء صنع، و لكنه يصنع على قدر جناياتهم فقال من قطع الطريق فقتل و أخذ المال قطعت يده و رجله و صلب، و من قطع الطريق و قتل و لم يأخذ المال قتل، و من قطع الطريق و أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله، و من قطع الطريق و لم يأخذ مالا و لم يقتل نفي من الأرض».

بل يستفاد المراد من حسن جميل (4)

السابق بل قد يستفاد منهما


1- «1» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المحارب.
2- «2» سورة المائدة- 5- الآية 33.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب- الحديث- 5- عن عبيد ابن بشر الخثعمي و في الكافي ج- 7- ص 247 و التهذيب ج- 10- ص 132 عبيد بن بشير الخثعمي إلا أن الموجود في الاستبصار ج 4 ص 257 عن أبي عبيدة بن بشير الخثعمي.
4- «4» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب- الحديث- 3.

ج 41، ص: 577

أيضا أن المراد من نصوص الترتيب ذلك أيضا.

و يقرب منه

قول أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في المروي عن تفسير العياشي عن أحمد بن فضل الخاقاني عن آل رزين (1) عنه (عليه السلام) قال «فإن كانوا أخافوا السبيل فقط و لم يقتلوا أحدا و لم يأخذوا مالا أمر بإيداعهم الحبس فان ذلك معنى نفيهم من الأرض بإخافتهم السبيل، و إن كانوا أخافوا السبيل و قتلوا النفس أمر بقتلهم، و إن كانوا أخافوا السبيل و قتلوا النفس و أخذوا المال أمر بقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و صلبهم بعد ذلك».

كما أنه يوافق الثاني في الجملة

قول الصادق (عليه السلام) لعبيد الله المدائني (2)

«خذها أربعا بأربع إذا حارب الله و رسوله و سعى في الأرض فسادا فقتل قتل، و إن قتل و أخذ المال قتل و صلب، و إن أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله من خلاف، و من حارب الله و رسوله و سعى في الأرض فسادا و لم يقتل و لم يأخذ من المال نفي من الأرض»

و نحوه خبر عبيد بن إسحاق المدائني (3) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام).

و في

مرسل داود الطائي (4)

«فإذا ما هو قتل و أخذ المال قتل و صلب، و إذا قتل و لم يأخذ قتل، و إذا أخذ و لم يقتل قطع، و إن هو فر و لم يقدر عليه ثم أخذ قطع إلا أن يتوب، فان تاب لم يقطع».


1- «1» الوسائل الباب- 1- من أبواب حد المحارب- الحديث 8.
2- «2» أشار إليه في الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب- الحديث 4 و ذكره في التهذيب ج- 10- ص 131 و الاستبصار ج 4 ص 256.
3- «3» الوسائل الباب- 1- من أبواب حد المحارب- الحديث 4.
4- «4» الوسائل الباب- 1- من أبواب حد المحارب- الحديث 6.

ج 41، ص: 578

و

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر علي بن حسان (1)

«من حارب الله و أخذ المال و قتل كان عليه أن يقتل و يصلب، و من حارب فقتل و لم يأخذ المال كان عليه أن يقتل و لا يصلب، و من حارب و أخذ المال و لم يقتل كان عليه أن يقطع يده و رجله من خلاف، و من حارب و لم يأخذ المال و لم يقتل كان عليه أن ينفى»

نعم ليس فيها بل و لا في غيرها من النصوص ما سمعته من المبسوط و الخلاف من النفي في الأخيرين.

و في

مرسل الفقيه عن الصادق (2)(عليه السلام) «إذا قتل و لم يحارب و لم يأخذ المال قتل، و إذا حارب و قتل قتل و صلب، فإذا حارب و أخذ المال و لم يقتل قطعت يده و رجله من خلاف، فإذا حارب و لم يقتل و لم يأخذ المال نفي»

فأوجب فيه الصلب إذا قتل محاربا و هو يعم ما إذا أخذ المال أو لم يأخذه، و قد سمعت صحيح محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) المشتمل على كيفية أخرى من التفصيل.

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن حمل ما فيها من الاختلاف على إرادة بيان مراعاة المرجحات لأفراد التخيير المختلفة زمانا و مكانا و حالا، و الظاهر أن المدار على ذلك و لا يقدح فيه الاقتصار في بعض الأحوال على النفي و إن قتل و أخذ المال لوجود مرجحات تقتضي ذلك، كما أنه يقتل و يصلب بمجرد الإخافة لها أيضا، و من هنا لم يستقص فيها جميع الصور الممكنة.

و بذلك يظهر لك ما في جملة من الكتب حتى ما في الرياض فإنه مال إلى اعتبار الترتيب و توقف في كيفيته، ثم مال إلى ما في النهاية و قال أيضا و على التخيير هل هو مطلق حتى في صورة ما إذا قتل


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب الحديث 11.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب الحديث 10.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب الحديث 1.

ج 41، ص: 579

المحارب فللإمام فيها أيضا الاقتصار على النفي مثلا كما هو ظاهر المتن و غيره أم يتعين فيه اختيار القتل كما صرح به المفيد و كثير؟ وجهان أجودهما الثاني لكن قصاصا لا حدا، فلو عفا و لي الدم أو كان المقتول ممن لا يقتص له من القاتل سقط القتل قصاصا و ثبت حدا مخيرا بينه و بين باقي الافراد، و لعله إلى هذا نظر شيخنا في روضته حيث تنظر في ما أطلقه الجماعة من تعين القتل في تلك الصورة فقال بعد نقل القول بالتخيير «نعم لو قتل المحارب تعين قتله و لم يكتف بغيره من الحدود سواء قتل مكافئا أم لا و سواء عفا الولي أم لا على ما ذكره جماعة من الأصحاب و في بعض أفراده نظر» انتهى و لكن الأحوط ما ذكروه بل لعله المتعين كما في الصحيح» بل لا يخفى عليك النظر فيه من وجوه منها ما ذكره من الوجهين على التخيير، و من المعلوم أنه لا وجه لتعين القتل معه فتأمل و الله العالم.

[مسائل]
[المسألة الأولى إذا قتل المحارب غيره طلبا للمال تحتم قتله قودا إن كان المقتول كفوا]

و كيف كان ف هنا مسائل:

الأولى:

إذا قتل المحارب غيره طلبا للمال تحتم قتله قودا إن كان المقتول كفوا لعموم أدلته، بل ظاهر الفتاوى تقدمه على الحد و مع عفو الولي و لو على مال ففي المتن و محكي الخلاف و المبسوط و الوسيلة و الجامع قتل حدا كما في صحيح ابن مسلم (1)

السابق سواء


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب- الحديث 1.

ج 41، ص: 580

كان المقتول كفوا أم لم يكن فيؤخذ حينئذ الدية للأول من تركته لو كان ولدا أو ذميا مثلا، و القيمة لو كان عبدا مثلا، و هو متجه بناء على الترتيب، أما على التخيير الذي قد سمعت من المصنف اختياره فالمتجه التخيير بينه و بين غيره من الأفراد، لا تعين القتل حدا.

و أشكل من ذلك ما في الكتب المزبورة أيضا من أنه لو قتل لا طلبا للمال كان كقاتل العمد، و أمره الى الولي إن شاء قتل و إن شاء عفا، فارقين بينه و بين القتل طلبا للمال، إذ هو غير متجه على القولين في ما لو عفا الولي، لإطلاق ما سمعته من الآية و النصوص، و ليس في شي ء منها الفرق بين القتل للمال و غيره، و لعله لذا أطلق في محكي المقنعة و النهاية و غيرهما قتله و إن عفا الولي، هذا كله في القتل.

و أما لو جرح فلم يفرقوا بين كونه طلبا للمال و بين غيره، بل قالوا كان القصاص إلى الولي، و لا يتحتم القصاص في الجرح حدا كما تقدم في القتل بتقدير ان يعفو الولي على الأظهر بينهم، خلافا للمحكي عن بعضهم من تحتمه حدا على نحو ما سمعته في القتل و إن كنا لم نتحققه، نعم قيل في التحرير إشارة إلى احتمال مساواته القتل، و لعله للأولوية، و هو أحد قولي الشافعي، و لكنه على كل حال واضح الضعف على إطلاقه، ضرورة عدم الدليل عليه، نعم لو فرض كون الجرح قطع يد يسرى مثلا أو رجل يمني مع أخذ المال فعفا الولي أو اقتص منه و قلنا بالترتيب اتجه حينئذ تحتم القطع حدا، و كذا لو كان القصاص في أحد عضوي الحد، فإنه يكمل الحد حينئذ بقطع الآخر في الفرض المزبور

ج 41، ص: 581

كفا قد أحد العضوين، و كيف كان فلا يخفى عليك الحكم هنا بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا من إطلاق الأدلة، و من الغريب ما في المسالك، حيث شرح المتن المزبور للمصنف من غير إشارة إلى شي ء مما ذكرناه، بل في آخر كلامه في الجرح تناف في الجملة، و تبعه في شرح المسألة على ما فيها في مجمع البرهان، و الله العالم بحقيقة الحال.

[المسألة الثانية إذا تاب قبل القدرة عليه سقط الحد]

المسألة الثانية:

إذا تاب قبل القدرة عليه سقط الحد كغيره من الحدود قال الله تعالى (1)«إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» و قد سمعت ما في مرسل داود الطائي (2)،

و في آخر «ان حارثة ابن زيد خرج محاربا ثم تاب فقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) توبته».

و لكن لم يسقط بالتوبة ما يتعلق به من حقوق الناس كالقتل و الجرح و المال بلا خلاف و لا إشكال، بل لعل التوبة يتوقف صحتها على أداء ذلك كما تقدم الكلام في تحقيقه.

و لو تاب بعد الظفر به لم يسقط عنه حد و لا قصاص و لا غرم بلا خلاف و لا إشكال في الأخيرين كما عرفت، بل و الأول، للأصل و مفهوم الآية (3) بعد وضوح الفرق بين الحالتين بالتهمة


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 34.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب- الحديث 6.
3- «3» سورة المائدة: 5- الآية 34.

ج 41، ص: 582

و عدمها، نعم لو تاب عن ذلك بأن كان كافرا ثم أسلم أمكن سقوط الحد بها حينئذ بناء على جب الإسلام مثل ذلك و إن كان فيه بحث ستعرفه، بل ظاهرهم العدم، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة اللص محارب]

المسألة الثالثة اللص بكسر اللام بل و ضمها في لغة واحد اللصوص محارب إذا تحقق فيه معناه السابق بلا خلاف و لا إشكال بل عن ظاهر السرائر إجماعنا عليه، لكن قال: «حكمه حكم المحارب» و في الرياض ظاهره الفرق بينهما، و عدم كونه محاربا حقيقة، و عليه نبه شيخنا في المسالك و الروضة، فقال في ما بعد قول المصنف:

«و اللص محارب» «بمعنى أنه بحكم المحارب في أنه يجوز دفعه و لو بالقتال، و لو لم يندفع إلا بالقتل كان دمه هدرا، أما لو تمكن الحاكم منه لم يحده حد المحارب مطلقا، و إنما أطلق عليه اسم المحارب تبعا لإطلاق النصوص، نعم لو تظاهر بذلك فهو محارب مطلقا و بذلك قيد المصنف في الدروس و هو حسن» انتهى و هو كذلك لما ذكره في المسالك من قصور النصوص سندا عن إفادة الحكم مطلقا مع اختصاص النصوص الواردة في حكم المحارب بمن جرد سلاحا أو حمله فيرجع في غيره إلى القواعد المقررة، و يعضده عدم عمل الأصحاب بما فيها من جواز القتل و إن دمه هدر مطلقا بل قيدوه بما إذا روعي فيه مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فيتدرج في الدفع من الأدنى إلى الأعلى.

ج 41، ص: 583

قلت: لا يخفى أن مراد المصنف و غيره ممن ذكر المسألة هنا اللص المحارب حقيقة بقرينة التفريع عليه بقوله فإذا دخل دارا متغلبا كان لصاحبها محاربته فإن أدى الدفع إلى قتله كان دمه ضائعا لا يضمنه الدافع، و لو جنى اللص عليه ضمن ضرورة عدم إرادة غير المحارب من المتغلب، و كيف كان فقد أطلق المصنف و غيره هنا محاربته على الوجه المزبور من غير تقييد بمراعاة الأسهل فالأسهل على الوجه الذي ذكره، و لعلهم حملوا عليه

خبر منصور (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «اللص محارب لله و رسوله فاقتلوه، فما دخل عليك فعلي»

و خبري غياث بن إبراهيم (2)

و وهب (3) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)

قال في الأول منهما: «إذا دخل عليك اللص يريد أهلك و مالك، فان استطعت أن تبدره فابدره و اضربه، و قال: اللص محارب لله و رسوله فاقتله فما عليك منه فهو علي»

و في آخر عن أبي جعفر (عليه السلام) «قلت له: اللص يدخل في بيتي يريد نفسي و مالي قال: اقتله فأشهد الله و من سمع أن دمه في عنقي»

و في خبر السكوني (4) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «أنه أتاه رجل فقال يا أمير المؤمنين ان لصا دخل على امرأتي فسرق حليها فقال: أما أنه لو دخل على ابن صفية لما رضي ذلك حتى يعمه بالسيف»

و غير ذلك من النصوص التي تسمع بعضها أيضا.

إلا أني لم أجده قولا صريحا لأحد في المحارب الأصلي فضلا عن


1- «1» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد المحارب- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد المحارب- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو- الحديث 3 من كتاب الجهاد.
4- «4» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو- الحديث 1 من كتاب الجهاد.

ج 41، ص: 584

اللص المحارب، و لو لا ذلك لأمكن القول به و لو

للمرسل كالموثق أو كالصحيح (1)

«إذا دخل عليك اللص المحارب فاقتله فما أصابك فدمه في عنقي»

و خبر أيوب (2) المروي عن المجالس «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول من دخل على مؤمن داره محاربا له فدمه مباح في تلك الحال للمؤمن و هو في عنقي».

و من ذلك و غيره يعلم الحال في مدافعة قطاع الطريق و إباحة دمائهم، و في

المرسل عن عبد الله بن عامر (3) قال: «سمعته يقول و قد تجارينا ذكر الصعاليك: حدثني أحمد بن إسحاق أنه كتب الى أبي محمد (عليه السلام) يسأله عنهم، فكتب إليه اقتلهم»

و في آخر عن أحمد بن أبي عبد الله و غيره (4)

«أنه كتب إليه يسأله عن الأكراد فكتب إليه لا تنبهوهم إلا بحر السيوف».

بل إن لم يكن إجماعا أمكن أن يقال بجواز قتل اللص غير المحارب أيضا حال دفاعه ابتداء، للأخبار المزبورة.

مضافا إلى

خبر السكوني (5) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «إن الله ليمقت العبد يدخل عليه اللص في بيته فلا يقاتل».

و الصحيح أو الحسن (6) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «إن الله ليمقت الرجل يدخل عليه اللص في بيته فلا يحارب».


1- «1» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو- الحديث 7 من كتاب الجهاد.
2- «2» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد المحارب الحديث 3 عن أبي أيوب.
3- «3» الوسائل- الباب- 2- من أبواب الدفاع- الحديث 1.
4- «4» الوسائل- الباب- 2- من أبواب الدفاع- الحديث 2.
5- «5» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو- الحديث 2.
6- «6» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو- الحديث 2 و هو بسند الكليني قده.

ج 41، ص: 585

و خبر الفتح بن زيد الجرجاني (1) عن أبي الحسن (عليه السلام) «في رجل دخل دار آخر للتلصص أو الفجور فقتله صاحب الدار يقتل به، قال: اعلم أن من دخل دار غيره فقد أهدر دمه، و لا يجب عليه شي ء».

و خبر الحسين بن مهران (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن امرأة دخل عليها اللص و هي حبلى فوقع عليها فقتل ما في بطنها فوثبت المرأة على اللص فقتلته، فقال أما المرأة التي قتلت فليس عليها شي ء، و دية سخلتها على عصبة المقتول السارق»

و رواه في

الفقيه بسنده إلى الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضل (3) قال:

«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن لص دخل على امرأة»

الحديث على اختلاف في ألفاظه.

و فيه أيضا

عن محمد بن الفضيل (4) عن الرضا (عليه السلام) «سألته عن لص دخل على امرأة و هي حبلى فقتل ما في بطنها فعمدت المرأة إلى سكين فوجئته به فقتلته، قال: هدر دم اللص».

و خبر أبي حمزة (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) قلت له «لو دخل رجل على امرأة و هي حبلى فوقع عليها فقتل ما في بطنها فوثبت عليه فقتلته، قال: ذهب دم اللص هدرا، و كان دية ولدها على


1- «1» الوسائل- الباب- 27- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 من كتاب القصاص.
2- «2» الوسائل- الباب- 13- من أبواب العاقلة- الحديث 1 من كتاب الديات.
3- «3» الوسائل- الباب- 13- من أبواب العاقلة- الحديث 2 من كتاب الديات.
4- «4» الوسائل- الباب- 22- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 6 من كتاب القصاص.
5- «5» الوسائل- الباب- 13- من أبواب العاقلة- الحديث 3 من كتاب الديات.

ج 41، ص: 586

المعقلة».

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على هدر دم اللص المؤيدة بما دل على هدر دم الداخل إلى دار غيره بغير إذنه (1) و على فقأ عين الناظر.

ففي

خبر العلاء بن الفضيل (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا اطلع رجل على قوم يشرف عليهم أو ينظر من خلل شي ء لهم فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقؤوا عينه فليس عليهم غرم، و قال: إن رجلا اطلع من خلل حجرة رسول الله (صلى الله عليه و آله) فجاء رسول الله بمشقص ليفقأ عينه فوجده قد انطلق، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) أي خبيث أما و الله لو ثبت لي لفقأت عينك»

و نحوه خبر أبي بصير (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام).

و في

خبر عبيد بن زرارة (4)

«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: اطلع رجل على النبي (صلى الله عليه و آله) من الجريد فقال له النبي: لو أعلم أنك تثبت لي لقمت إليك بالمشقص حتى أفقأ به عينك قال فقلت له: أذلك لنا؟ فقال: ويحك أو ويلك أقول لك أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) فعل تقول ذلك لنا».

و في خبره الآخر (5)

«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:


1- «1» الوسائل الباب- 3 و 5 و 6- من أبواب الدفاع.
2- «2» الوسائل- الباب- 25- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 6 من كتاب القصاص.
3- «3» أشار إليه في الوسائل- الباب- 25- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و ذكره في الفقيه ج 4 ص 74- الرقم 227.
4- «4» الوسائل- الباب- 25- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4 من كتاب القصاص.
5- «5» الوسائل- الباب- 25- من أبواب القصاص في النفس- الحديث- 5 من كتاب القصاص.

ج 41، ص: 587

بينا رسول الله (صلى الله عليه و آله) في حجراته مع بعض أزواجه و معه مغازل يقلبها إذ بصر بعينين تطلعان، فقال: لو أعلم أنك تثبت لقمت حتى أنحسك، فقلت نفعل نحن مثل هذا إن فعل مثله بنا؟

فقال: إن خفي لك فافعله»

و لعل المراد بالخفاء له عدم الاطلاع عليه كي لا يقاد به.

و في

خبر حماد (1) عنه أيضا «بينا رسول الله (صلى الله عليه و آله) في بعض حجراته إذ اطلع رجل من شق الباب و بيد رسول الله (صلى الله عليه و آله) مدأرة فقال له: لو كنت قريبا منك لفقأت به عينك»

إلى غير ذلك من النصوص، و لا ينافي ذلك أن حده القطع في غير الحال المزبور، إلا أنه لم أجد مصرحا بالعمل بها على الوجه المزبور، بل ستسمع من غير واحد ما يقضي بتقييد النصوص الأخيرة بما إذا لم يندفع بالزجر و نحوه و إلا كان ضامنا، و ربما يأتي هناك نوع زيادة تحقيق للمسألة.

و لكن الذي يظهر منهم هنا و هناك أنه لا فرق بين دفاع المحارب و اللص و غيرهما من الظالمين و إن اختلفت الحدود، إلا أن الجميع متحدة في كيفية الدفاع الذي ذكروا فيه التدرج فلاحظ و تأمل.

بل قد يقال بوجوب القصاص على من قتل المحارب بعد أن كف عنه و إن كان هو مفسدا و من حده القتل، و لكن بناء على ما ذكرناه من التخيير لم يكن القتل متعينا، فلا يكون مباح الدم، نعم على القول الآخر و الفرض أنه قتل يكون كذلك و إن أثم غير الحاكم بمباشرته.


1- «1» الوسائل- الباب- 25- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 من كتاب القصاص.

ج 41، ص: 588

و قد يحتمل الإطلاق.

و على كل حال فقد عرفت أن المفروض في المتن و القواعد و الإرشاد و غيرها من كتب المتأخرين اللص الذي يندرج في المحارب، بل بينه تقييدهم الدخول بالتغلب و غيره تبعا لما في النصوص، و إلا فلا ثمرة معتد بها لذلك بعد فرض تقييد دفاع المحارب و اللص المحارب و غيره بمراعاة الأدنى فالأدنى كغيرهم من المدافعين، و حينئذ فإذا قتله مع توقف الدفع عليه لا ضمان عليه، للأصل و الخبرين و غيرهما بل الإجماع بقسميه عليه بخلاف جناية اللص، فإنها باقية على عمومات الضمان حتى لو وقعت عنه مدافعة عن نفسه التي أسقط الشارع احترامها في الحال المزبور.

و لكن يجوز الكف عنه حيث يكون إرادته المال الذي لم يجب الدفع عنه لتوقف حفظ النفس عليه مثلا

قال أبو بصير (1)

«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يقاتل عن ماله، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال من قتل دون ماله فهو بمنزلة شهيد، فقلنا له: أ يقاتل اللص؟ فقال: إن يقاتل فلا بأس، أما لو كنت أنا لتركته»

و المراد من الشهيد كما في غيره من النصوص (2)

المبالغة في مساواة أجرة له لا أن أحكامه تجري عليه، و هو واضح كوضوح عدم الفرق في ذلك بين ماله و بين كونه أمانة في يده و إن قيل بوجوب الدفع عن الأخير من باب النهي عن المنكر، بل في الرياض هو حسن مع عدم التعزير بالنفس و إلا فلا يجب


1- «1» الوسائل- الباب- 4- من أبواب الدفاع- الحديث- 2- مع اختلاف يسير.
2- «2» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو من كتاب الجهاد.

ج 41، ص: 589

بل لا يجوز.

أما لو أراد نفس المدخول عليه أو غيره ممن في الدار ممن يضعف عنه فالواجب الدفع مع ظن السلامة، بل أو عدم العلم بالحال لإطلاق النصوص و لا يجوز الاستسلام و الحال هذه، و لو عجز عن المقاومة و أمكن الهرب الذي تتوقف النجاة عليه وجب عينا إن انحصر أو تخير بينه و بين غيره من أسباب النجاة إن حصل، فان لم يفعل أثم، و لو لم يمكنه الهرب و لا غيره من أفراد النجاة دافع بما يمكن إذ هو أولى من الاستسلام المفروض عدم احتمال النجاة معه، و الله العالم.

[المسألة الرابعة يصلب المحارب حيا على القول بالتخيير]

المسألة الرابعة:

يصلب المحارب حيا على القول بالتخيير لأنه أحد أفراد التخيير القسيم للقتل و مقتولا على القول الآخر الذي قد عرفت أن ذلك مقتضى النص الدال عليه، ثم على تقدير صلبه حيا إن مات بالصلب قبل الثلاثة فذاك، و إلا ففي المسالك و كشف اللثام أجهز عليه بعدها، و لم أجد ما يدل عليه، و لعله بناء على ما تسمعه من حرمة إبقائه بعد الثلاثة لكن يمكن منع انسياقه إلى الفرض المزبور، و لعله لذا قال في الرياض: «يصلب حيا حتى يموت» و لا ينافي ذلك ما في.

ج 41، ص: 590

[المسألة الخامسة لا يترك على خشبة أكثر من ثلاثة أيام]

المسألة الخامسة التي ذكرها المصنف و غيره بل ظاهر المسالك الإجماع عليها، بل عن الخلاف التصريح به، و هي لا يترك المصلوب على خشبة أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل و يغسل و يكفن و يصلى عليه و يدفن إن كان مسلما ضرورة ظهور ذلك في حرمة إبقائه أكثر من الثلاثة كظهور النهي في

خبر السكوني (1) عن الصادق (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله) «لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل فيدفن»

في ذلك أيضا و

في آخر له (2) عنه (عليه السلام) «ان أمير المؤمنين (عليه السلام) صلب رجلا بالحيرة ثلاثة أيام ثم أنزله يوم الرابع و صلى عليه و دفنه»

و في الفقيه بإسناده عنه أيضا (3) قال الصادق (عليه السلام) قال: «المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيام و يغسل و يدفن و لا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيام»

لما عرفته من إمكان تنزيل ما في النص و الفتوى على غير الفرض الذي هو الصلب حيا خصوصا بعد ما سمعته من الدفن و نحوه.

و كيف كان فلا أجد خلافا بيننا في الحكم المزبور، نعم عن العامة قول بتركه حتى يسيل صديدا و عن آخر منهم حتى يسيل صليبه، و هو الورك، لأنه لذلك سمي صليبا، و لا ريب في ضعفهما، كضعف المحكي عنهم من عدم تغسيله و الصلاة عليه، لما سمعته من النصوص


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد المحارب الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد المحارب الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد المحارب الحديث 3.

ج 41، ص: 591

و الفتاوى.

نعم في المتن و النافع و القواعد من لا يصلب إلا بعد القتل لا يفتقر إلى تغسيله، لأنه يقدمه أمام القتل كما في نظائره و إن أشكل ذلك بعدم الفرق بينه و بين من أريد قتله بصلبه في التقديم المزبور بل ظاهر الأدلة الأعم، و لذا كان المحكي عن جماعة الإطلاق و هو الأقوى، و أما الكلام في وجوب ذلك و عدمه فقد تقدم في محله و مع فرض الإخلال به يجب تغسيله بعد الانزال كما هو واضح هذا و في المسالك «كأن المصنف فصل بينهما من حيث أن الصلب لا يستلزم القتل مطلقا فلا يدخل في العموم، قلت: و كأنه مناف لما سمعته منه سابقا من الإجهاز عليه لو لم يمت في الثلاثة ضرورة عدم الدليل عليه بناء على ذلك.

ثم المنساق كون الثلاثة من يوم صلبه لا من يوم موته و في المسالك «أن المعتبر من الأيام النهار دون الليل، نعم تدخل الليلتان المتوسطتان تبعا» قلت قد سمعت ما في خبر السكوني (1)

من تنزيل أمير المؤمنين (عليه السلام) إياه اليوم الرابع المقتضي لدخول الثالثة، بل ينبغي القطع بها إذا توقف عليها تمام المنكسر بناء على تلفيقه، ضرورة كونها حينئذ كالمتوسطتين بل قد يحتمل ذلك في غيره أيضا بناء على دخول الليالي في مفهومها، فيعتبر حينئذ ثلاثة أيام بلياليها، كما تكرر الكلام في نظائره إلا أن الاحتياط هنا لا ينبغي تركه مع فرض عدم تحتم الصلب ثلاثة و حرمته بعدها، و لا فرق بين الأيام الطويلة و القصيرة و الحارة و الباردة و إن اقتضى بعض ذلك المثلة به لإطلاق الأدلة.


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد المحارب- الحديث 1.

ج 41، ص: 592

و لو مات المحارب قبل استيفاء الحد لم يصلب، لفوات محل العقوبة و إن قلنا بصلبه بعد القتل، لأن المقصود هو الصلب بعد القتل للإعلان و الاعتبار، و لا يتحقق ذلك في الصلب إذا مات حتف أنفه، و الله العالم.

[المسألة السادسة ينفى المحارب عن بلده]

المسألة السادسة المشهور بين الأصحاب بل عن بعض الإجماع أن المراد من النفي هو أن ينفى المحارب عن بلده، و يكتب إلى كل بلد يأوي إليه بالمنع من مؤاكلته و مشاربته و مجالسته و مبايعته ففي

خبر المدائني (1)عن الرضا (عليه السلام) «قلت كيف ينفى؟ و ما حد نفيه؟ قال: ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصر آخر غيره، و يكتب إلى أهل ذلك المصر بأنه منفي، فلا تجالسوه و لا تبايعوه و لا تناكحوه و لا تؤاكلوه و لا تشاروه، فيفعل ذلك به سنة فأن خرج من ذلك المصر الى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتى تتم السنة قلت: فان توجه إلى أرض الشرك ليدخلها، قال: «إن توجه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتل أهلها»

و في

خبره الآخر (2) عن الصادق (عليه السلام) «قلت: و ما حد نفيه؟ قال: سنة إلى أن قال: فلا يزال هذه حاله سنة، فإذا فعل به ذلك تاب و هو صاغر».


1- «1» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المحارب- الحديث 2.
2- «2» أشار إليه في الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المحارب- الحديث 4- و ذكره في التهذيب ج 10 ص 131 و الاستبصار ج 4 ص 256.

ج 41، ص: 593

لكن المصنف و غيره بل الأكثر على عدم التقييد بالسنة، بل لم يحك إلا عن ابن سعيد، كما أنه لم يحك العمل بما في

حسن جميل (1)

«سأل الصادق (عليه السلام) النفي إلى أين؟ قال: من مصر الى مصر آخر، و قال: إن عليا (عليه السلام) نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة»

إلا عن الصدوق في المقنع، بل: قيل هو لا ينافي ما في غيره من النفي من كل مصر يقصده إلى آخر و هكذا.

و على كل حال فالنفي من الأرض هو ما عرفت، بل لعله المنساق منه عرفا لكن في محكي الفقيه ينبغي أن يكون نفيا شبيها بالصلب و القتل تثقل رجلاه و يرمى في البحر، و لعله ل

خبر عبد الله بن طلحة (2) عن الصادق (عليه السلام) انه قال: «يحكم على المحارب بقدر ما يعمل و ينفى: يحمل في البحر ثم يقذف به حتى يكون حدا يوافق القطع و الصلب»

و لم نعرفه قولا لغيره نعم عن الجامع «نفي من الأرض بأن يغرق على قول أو يحبس على آخر أو ينفى من بلاد الإسلام سنة حتى يتوب و كوتبوا أنه منفي محارب، فلا تؤوه و لا تعاملوه فإن أبوا قوتلوا» و لعله للعامة كالقول بالحبس الموجود في بعض نصوصنا المحمول عليه.

قال في محكي المبسوط: «إذا شهر السلاح و أخاف السبيل بقطع الطريق كان حكمه متى ظفر به الامام التغريب، و هو أن ينفى عن بلده و يحبس في غيره، و منهم من قال لا يحبس في غيره، و هذا مذهبنا، غير أن أصحابنا رووا أنه لا يقر في بلد، و ينفى عن بلاد


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب- الحديث 3.
2- «2» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المحارب- الحديث 5.

ج 41، ص: 594

الإسلام كلها، فان قصد بلاد الشرك قيل لهم لا تمكنوه، فأن أمكنوه قوتلوا عليه حتى يستوحش فيتوب- ثم قال- تفيهم أن يتبعهم أينما حلوا كان في طلبهم ماذا قدر عليهم أقام عليهم الحدود، و قال:

و أما قوله تعالى (1) «أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ» معناه إذا وقع منهم في المحاربة ما يوجب شيئا من هذه العقوبات يتبعهم الامام أبدا حتى يحدهم و لا يدعهم في مكان هذا هو النفي من الأرض عندنا، و عند قوم المنفي من قدر عليه بعد أن شهر السلاح و قبل أن يعمل شيئا، و النفي عنده الحبس، و الأول مذهبنا، إلى آخره، لكن فيه أنه خلاف المنساق من الآية (2) و الرواية (3)

بل هو خلاف صريح الفتاوى و لو لا ذلك لكان في غاية الحسن، بل في خبر أبي بصير (4)

الآتي شهادة له.

و كيف كان ففي المتن و غيره لو قصد بلاد الشرك منع منها و لو مكنوه من دخولها قوتلوا حتى يخرجوه و قد سمعت ما في مرسل المبسوط و خبر المدائني (5)

و في آخر له (6) عنه (عليه السلام) «فإن أم أرض الشرك يدخلها قال: يقتل»

و في خبر سماعة عن أبي بصير (7)

«سألته عن الإنفاء من الأرض كيف هو؟

قال: ينفى من بلاد الإسلام كلها فان قدر عليه في شي ء من أرض الإسلام قتل و لا أمان له حتى يلحق بأرض الشرك»

إلا أنه ضعيف و مضمر و مجمل في سبب النفي.

و ربما أشكل الحكم المزبور على قواعد أحكام الكفار بأنهم إن كانوا


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 33.
2- «2» سورة المائدة: 5- الآية 33.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المحارب.
4- «4» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المحارب- الحديث 7.
5- «5» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المحارب- الحديث 2.
6- «6» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المحارب- الحديث 4.
7- «7» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المحارب- الحديث 7.

ج 41، ص: 595

أهل حرب فمقاتلتهم لا تتوقف على ذلك، و إن كانوا أهل هدنة و ذمة فلا يقدح ذلك بمجرده في عهدهم إلا مع شرطه، و إثباته من مجرد هذا الخبر لا يتم خصوصا عند المصنف و غيره ممن لم يعتبر أصل الخبر نظرا إلى ما تقدم.

قلت: لا بأس بالعمل به بعد انجباره و اعتضاده بما عرفت مضافا إلى ما قلناه سابقا من إيكال ذلك الى نظر الامام على حسب ما يراه من المصلحة في الأفراد و كيفياتها و الله العالم.

[المسألة السابعة لا يعتبر في قطع المحارب أخذ النصاب]

المسألة السابعة:

لا يعتبر في قطع المحارب أخذ النصاب كما لا يعتبر في قتله لو قتل المكافاة لإطلاق الأدلة الذي لا يعارضه إطلاق اسم اللص و السارق عليه بعد ظهور الأدلة في اشتراط ذلك في غيره كاشتراط المرافعة و نحوها مما سمعته في السرقة و لكن في الخلاف يعتبر النصاب ل

قوله (صلى الله عليه و آله) (1)

«القطع في ربع دينار»

و لأنه مجمع عليه و لا دليل فيما دونه، و هو كما ترى و كذا لا يعتبر انتزاعه من حرز للإطلاق المزبور.

هذا كله على القول بالتفصيل و أما على ما قلناه من التخيير فلا فائدة في هذا البحث أصلا و لا وجه للشرط المزبور و ذلك لأنه عليه يجوز قطعه و إن لم يأخذ مالا


1- «1» سنن البيهقي ج 8 ص 254.

ج 41، ص: 596

فضلا عن كونه بقدر النصاب و من حرز كما هو واضح.

و كيفية قطعه أن تقطع يمناه ثم تحسم ثم تقطع رجله اليسرى و تحسم و لو لم تحسم في الموضعين جاز.

و كذا لا إمهال في قطع عضويه لأنه حد واحد، بل لو استحق قطع يمناه بالقصاص ثم قطع الطريق قدم القصاص ثم قطعت رجله اليسرى بلا إمهال كما في القواعد، و لعله لأنهما و إن كانا حدين لكن لو لم يكن الحق في يمناه بالقصاص لقطعت مع الرجل بلا إمهال و الحاصل أن الإمهال تخفيف له و اتقاء عليه و هو بقطع الطريق لا يستحقه، نعم من استحق يمناه بالسرقة و يسراه بالقصاص قدم القصاص لأنه حق الناس خاصة، و يمهل حتى يندمل ثم يقطع بالسرقة لأنهما حدان فلا توالي بينهما و الله العالم.

و لو فقد أحد العضوين اقتصرنا على قطع الموجود و لم ينتقل إلى غيره.

[المسألة الثامنة لا يقطع المستلب و لا المختلس و لا المحتال على الأموال بالتزوير]

المسألة الثامنة:

لا يقطع المستلب و لا المختلس و لا المحتال على الأموال بالتزوير و الرسائل الكاذبة بل يستعاد منه المال و يعزر بما يراه الحاكم لعدم صدق المحارب على شي ء من الثلاثة بناء على إرادة نهب المال من الأول و الهرب من دون محاربة بتجريد سلاح و نحوه فهو حينئذ منتهب و مختطف لا محارب، فإنه إنما يتحقق كما في القواعد لو قصد أخذ المال قهرا

ج 41، ص: 597

مجاهرة، فإن أخذوا خفية فهم سارقون و إن أخذوه اختطافا و هربوا فهم منتهون، بل في كشف اللثام و إن جرحوا أو قتلوا حين اختطفوا و إن كان قد يشكل بأن الهرب مخافة مجي ء الأقوى منه بعد الإخافة و القتل و الجرح لا ينافي المحاربة كما هو الموجود في قطاع الطريق في زماننا، نعم لو اختطف و هرب بلا إخافة بتجريد سلاح و اجتماع و نحو ذلك لم يكن محاربا، و لعله المراد لهما و إلا كان مشكلا، و على ذلك يحمل ما في النصوص من عدم القطع على الذي يستلب.

و أما المختلس المفسر في محكي النهاية و المهذب و السرائر بالذي يأخذ المال ظاهرا من غير إشهار سلاح أو قهر فهو راجع إلى المستلب الذي سمعت الكلام فيه، و لعلهم أخذوه مما في الصحاح «خلست الشي ء و اختلسته و تخلسته إذا استلبته و التخالس التسالب» و في مختصر النهاية «و الخلسة ما يؤخذ سلبا و مكابرة» لكن في المسالك تفسير المستلب بأنه الذي يأخذ المال جهرا و يهرب مع كونه غير محارب، و المختلس بأنه الذي يأخذ المال خفية كذلك، و لعل المنساق منه أخذ المال من صاحبه عند صدور غفلة منه، قال في مختصر النهاية «و وعدنا خالسا أي يختلسك على غفلة».

و في

خبر أبي بصير (1) عن أحدهما (عليهما السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «لا أقطع في الدغارة المعلنة و هي الخلسة و لكن أعزر»

و في

خبر محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل اختلس ثوبا من السوق فقالوا قد سرق هذا الرجل فقال: لا أقطع في الدغارة المعلنة و لكن أقطع من يأخذ ثم يخفى»

و في

خبر السكوني (3) عن الصادق (عليه السلام) «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي برجل اختلس درة من إذن جارية، فقال هذه


1- «1» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 12- من أبواب حد السرقة- الحديث 4.

ج 41، ص: 598

الدغارة المعلنة فضربه و حبسه»

إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على عدم القطع بالاختلاس و الدغارة المعلنة و قد سمعت الكلام في الأول و أما الدغارة ففي الصحاح أخذ الشي ء اختلاسا و

في الحديث (1)

«لا قطع في الدغرة»

و أصل الدغر الدفع، و في مختصر النهاية «و لا قطع في الدغرة و هي الخلسة» و على كل حال فلا قطع على ذلك نصا و فتوى.

و كذا لا قطع في الثالث لعدم اندراجه في ما ثبت القطع فيه من السارق و المحارب فيبقى على مقتضى الأصل بلا خلاف أجده فيه لكن في

صحيح الحلبي (2) عن الصادق (عليه السلام) «في رجل أتى رجلا و قال أرسلني فلان إليك لترسل إليه بكذا و كذا فأعطاه و صدقه و قال له: إن رسولك أتاني فبعثت إليك معه بكذا و كذا، فقال:

ما أرسلته إليك و ما أتاني بشي ء، فزعم الرسول أنه قد أرسله و قد دفعه اليه، فقال: إن وجد عليه بينة أنه لم يرسله قطع يده- و معنى ذلك أن يكون الرسول قد أقر مرة أنه لم يرسله، و إن لم يجد بينة فيمينه بالله ما أرسلته، و يستوفي الآخر من الرسول المال- قلت:

أ رأيت إن زعم أنه حمله على ذلك الحاجة، فقال: يقطع، لانه سرق مال الرجل»

و عن الشيخ حمله على قطعه لإفساده لا لسرقته، مع أن الرواية تضمنت التعليل بها لا به، و الأولى حمله على قضية في واقعة اقتضت المصلحة فيها ذلك، كما أن ما عن المقنعة و النهاية و السرائر و الوسيلة و التحرير من شهر المحتال ليحذر منه الناس محمول على ما


1- «1» سنن البيهقي ج 8 ص 280.
2- «2» الوسائل- الباب- 15- من أبواب حد السرقة- الحديث 1.

ج 41، ص: 599

إذا رأى الحاكم ذلك لمصلحة.

و كذا لا قطع على المبنج و من سقى غيره مرقدا للأصل و غيره، و إنما يعزر بما يراه الحاكم و لكن إن جنى ذلك و هو من أعطى البنج و أسقي المرقد شيئا مالا أو غيره ضمن الجناية باعتبار قوة السبب على المباشر، و في القواعد و المبنج و المرقد يضمنان ما يجنيه البنج و المرقد، و في كشف اللثام على المتناول من نقص في عقل أو حس أو عضو و ما احتالا بذلك في أخذه من المال و ما يجنيه المتناول بسكره أو رقاده، و الله العالم.

ج 41، ص: 600

[القسم الثاني ما ليس له عقوبة مقدرة]

[الباب الأول في المرتد]
اشارة

(القسم الثاني) من كتاب الحدود، و فيه أبواب:

الباب الأول في المرتد، و هو الذي يكفر بعد الإسلام سواء كان الكفر سبق إسلامه أم لا، و يتحقق بالبينة عليه و لو في وقت مترقب أو التردد فيه، و بالإقرار على نفسه بالخروج من الإسلام أو ببعض أنواع الكفر، سواء كان ممن يقر أهله عليه أو لا، و بكل فعل دال صريحا على الاستهزاء بالدين و الاستهانة به و رفع اليد عنه، كإلقاء المصحف في القاذورات و تمزيقه و استهدافه و وطئه و تلويث الكعبة أو أحد الضرائح المقدسة بالقاذورات، أو السجود للصنم و عبادة الشمس و نحوها و ان لم يقل بربوبيتهما.

قال الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل بن يسار (1)

«إن رجلين من المسلمين كانا بالكوفة فأتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فشهد أنه رآهما يصليان لصنم، فقال: ويحك لعله بعض من يشتبه


1- «1» الوسائل- الباب- 9- من أبواب حد المرتد- الحديث 1.

ج 41، ص: 601

عليه أمره، فأرسل رجلا فنظر إليهما و هما يصليان لصنم فأتى بهما، فقال لهما: ارجعا فأبيا فخذ لهما في الأرض خدّاً فأجج نارا و طرحهما فيه».

و بالقول الدال صريحا (1) على جحد ما علم ثبوته من الدين ضرورة، أو على اعتقاده ما يحرم اعتقاده بالضرورة من الدين، و قيده في كشف اللثام هذا بما إذا علم ذلك، قال: «بل العمدة ما يدل على إنكار ما اعتقد ثبوته أو اعتقاد ما اعتقد انتفاءه، لأنه تكذيب للنبي (صلى الله عليه و آله) و إن كان بزعمه» و نحوه ما تقدم له في كتاب الطهارة (2) و لكن قلنا هناك: إنه مخالف لإطلاق الفتاوى و النصوص المتفرقة في الأبواب الدالة على الحكم بكفر كل من صدر منه ما يقتضي إنكار الضروري، منها

ما ورد (3) في من أفطر في شهر رمضان «من أنه يسأل فإن قال حلال يقتل،»

بل لعل اقتصار لأصحاب على الضروري كالصريح في الكفر به مقيدا، خصوصا بعد قولهم: سواء كان القول عنادا أو اعتقادا أو استهزاء، فما في كشف اللثام- من أنه لا ارتداد بإنكار الضروري أو اعتقاد ضروري الانتفاء إذا جهل الحال- واضح الضعف، و لعل منشأه الغفلة عن اقتضاء ظاهر النصوص الكفر به نحو الفعل المزبور لا أنه من جهة الاستلزام لإنكار النبي (صلى الله عليه و آله) الذي هو منفي مع الجهل، و قد أطلنا الكلام معه في كتاب الطهارة(4) فلاحظ و تأمل.


1- «1» عطف على قوله: «بالبينة».
2- «2» راجع ج 6 ص 47.
3- «3» الوسائل- الباب- 2 من أبواب أحكام شهر رمضان من كتاب الصوم.
4- «4» راجع ج 6 ص 47.

ج 41، ص: 602

بل الظاهر حصول الارتداد بإنكار ضروري المذهب كالمتعة من ذي المذهب أيضا لأن الدين هو ما عليه، و لعل منه إنكار الإمامي أحدهم (عليهم السلام)

قال محمد بن مسلم (1): «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أ رأيت من جحد إماما منكم ما حاله؟ فقال: من جحد إماما من الأئمة (عليهم السلام) و برأ منه و من دينه فهو كافر و مرتد عن الإسلام، لأن الإمام من الله، و دينه من دينه، و من بري ء من دين الله فدمه مباح في تلك الحالة إلا أن يرجع و يتوب إلى الله مما قال»

و قال أحمد بن مطهر (2): «كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمد (عليه السلام) يسأله عمن وقف على أبي الحسن موسى (عليه السلام) فكتب: لا تقرهم على عمل، و تبرأ منه، أنا إلى الله منه برآء، فلا تتولهم، و لا تعد مرضاهم، و لا تشهد جنائزهم، و لا تصل على أحد منهم مات أبدا، من جحد إماما من الله أو زاد إماما ليست إمامته من الله تعالى كان كمن قال: إن الله ثالث ثلاثة، إن الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا»

إلى غير ذلك من النصوص المحمولة على ما ذكرنا، و الله العالم.

[القسم الأول المرتد الفطري]

و كيف كان ف له أي المرتد قسمان: الأول من ولد على الإسلام لأبويه أو أحدهما، و هو المسمى بالفطري، و في كشف اللثام المراد به من لم يحكم بكفره قط لإسلام أبويه أو أحدهما حين ولد و وصفه الإسلام حين بلغ، و ظاهره كغيره اعتبار الولادة على الإسلام، بل اعتبار وصف الإسلام لو بلغ، فلو بلغ كافرا لم يكن مرتدا عن


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد المرتد- الحديث 38.
2- «2» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد المرتد- الحديث 40 و هو عن أحمد بن محمد بن مطهر.

ج 41، ص: 603

فطرة، و كأنه أخذ القيد الثاني مما تسمعه في بعض النصوص (1)

من الرجل و المسلم و نحوهما مما لا يصدق على غير البالغ، بل ليس في النصوص إطلاق يوثق به في الاكتفاء بصدق الارتداد مع الإسلام الحكمي، و لعله لا يخلو من قوة.

و لكن في المسالك تبعا لما عن القواعد تفسير الفطري بمن انعقد و أبواه أو أحدهما مسلم بل ربما نفى الخلاف فيه، بل ظاهره في ما يأتي المفروغية من ذلك من غير اعتبار وصف الإسلام عند البلوغ، و هو مع أنه مناف لحقيقة المرتد لغة ليس في ما حضرنا من النصوص دلالة عليه حتى الإطلاق.

قال الصادق (عليه السلام) في موثق الساباطي (2): «كل مسلم بين مسلمين- و في بعض النسخ بين مسلم- ارتد عن الإسلام و جحد محمدا (صلى الله عليه و آله) نبوته و كذبه، فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه و امرأته بائنة منه يوم ارتد، فلا نقربه و يقسم ماله على ورثته، و تعتد أسرته عدة المتوفى عنها زوجها، و على الامام أن يقتله و لا يستتيبه».

و في

صحيح الحسين بن سعيد (3) قال: «قرأت بخط رجل إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) رجل ولد على الإسلام ثم كفر و أشرك و خرج عن الإسلام هل يستتاب أو يقتل و لا يستتاب؟ فكتب (عليه السلام): يقتل».


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المرتد.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المرتد- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المرتد- الحديث 6.

ج 41، ص: 604

و في

مرفوع عثمان بن عيسى (1)

«كتب عامل أمير المؤمنين (عليه السلام) اليه اني أصبت قوما من المسلمين زنادقة و قوما من النصارى زنادقة فكتب اليه أما ما كان من المسلمين ولد على الفطرة ثم تزندق فاضرب عنقه و لا تستتبه، و من لم يولد على الفطرة فاستتبه، فان تاب و إلا فاضرب عنقه، و أما النصارى فما هم عليه أعظم من الزندقة».

و في مرسل عثمان بن عيسى (2)

«من شك في دينه بعد تولده على الفطرة لم يفي ء إلى خير أبدا»

إلى غير ذلك من النصوص.

و بالجملة فلا خلاف و لا إشكال في فطرية من انعقد و ولد و وصف الإسلام عند بلوغه و أبواه مسلمان بل أو أحدهما و لو الأم ثم ارتد، حتى لو ارتد أبواه بعد انعقاده، نعم لو انعقد منهما كافرين لم يكن فطريا و إن أسلم أبواه أو أحدهما عند الولادة، فإن له حالا سابقا محكوما بكفره، فلم تكن فطرته عن الإسلام بخلاف الأول، فإنهما و إن ارتدا حال الولادة بعد الانعقاد منهما أو من أحدهما يبقى على حكم الإسلام و لا يجره كفرهما.

و من الغريب ما في رسالة الجزائري من أن المدار على الولادة لا الانعقاد، و لعل منشأ الوهم النصوص المزبورة المراد منها أصل الخلقة لا خصوص التولد المذكور فيها المبني على غلبة اتحاد الولادة مع الانعقاد أو على غلبة تولده بعد انعقاده، فهو حينئذ ولد حال الانعقاد و لو مجازا، و حينئذ فيكفي في فطريته ذلك و إن ارتد أبواه عند الولادة،


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد المرتد- الحديث 5.
2- «2» أصول الكافي ج 2 ص 400.

ج 41، ص: 605

كما أنه لا يكون فطريا مع انعقاده منهما كافرين و إن أسلما عند الولادة، إنما الكلام في اعتبار وصف الإسلام عند البلوغ و عدمه، و قد عرفت ظهور ما حضرنا من النصوص و تعرف ان شاء الله زيادة ترجيح له أيضا، و الله العالم.

و كيف كان ف هذا أي المرتد عن فطرة لا يقبل إسلامه لو تاب و رجع إلى الإسلام و يتحتم قتله، و تبين منه زوجته، و تعتد منه عدة الوفاة، و تقسم أمواله بين ورثته و إن التحق بدار الحرب أو اعتصم بما يحول بين الامام و قتله بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من الأحكام المزبورة، بل الإجماع بقسميه عليها للنصوص المذكورة، مضافا إلى

صحيح ابن جعفر (1) سأل أخاه (عليه السلام) «عن مسلم ارتد، قال: يقتل و لا يستتاب، قال:

فنصراني أسلم ثم ارتد عن الإسلام، قال: يستتاب، فان رجع و إلا قتل»

و غيره خصوصا المطلق المشتمل على الأحكام المزبورة المحمول بقرينة غيره و الإجماع على الفطري.

إنما الكلام في قبول توبته بالنسبة إلى غير ذلك من الأحكام، و قد أطنبنا في ذلك في كتاب الطهارة (2) و حكينا القول بالقبول عن جماعة، لاقتضاء عدم القبول تكليف ما لا يطاق و نحوه مما هو مناف لقواعد العدلية، أو سقوط التكليف عن البالغ العاقل، و هما معا ممتنعان، فيجب تنزيل عموم نفي التوبة في النص و الفتوى على الأحكام المزبورة دون غيرها من عباداته و نحوها، بل لعله المراد مما وقع من بعضهم


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المرتد- الحديث 5.
2- «2» راجع ج 6 ص 292- 298.

ج 41، ص: 606

من عدم قبولها ظاهرا و قبولها باطنا، لا أن المراد به مجرد سقوط العقاب عنه في الآخرة و إن حكم بنجاسته في الدنيا و ببطلان عباداته، و لا أن المراد به قبولها في ذلك بالنسبة إليه خاصة دون غيره ممن يباشره، إذ هما معا كما ترى.

مؤيدا ذلك كله بما وقع من غير واحد في بحث القضاء من الصلاة أن المرتد يقضي زمان ردته و إن كان عن فطرة، بل لا خلاف معتد به فيه عندهم، بل حكى غير واحد الإجماع عليه، بل في ناصريات المرتضى إجماع المسلمين على ذلك، و هو لا يتم إلا على قبول توبته في غير الأحكام المزبورة.

و بظهور (1) التقييد في قوله تعالى (2) «وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ» في أن من لم يمت كذلك لم يكن له الجزاء المزبور بعد إطلاق المرتد بقسميه، و بقوة (3) عمومات التوبة المؤيدة بالعقل و بغير ذلك.

و لكن قد ذكرنا المناقشة في ذلك كله و قلنا: لا مانع عقلا من عدم القبول و إن عوقب عقاب المكلفين على ما وقع من سوء اختياره، خصوصا بعد أن تقدم إليه في ذلك، بل لو سلم اقتضاء العقل ذلك أمكن أن يخذلهم الله عن التوفيق لها، كما أنه لو سلم القبح في مثل الفرض أمكن التزام سقوط التكليف باعتبار تنزيله منزلة الميت، و لذا تعتد زوجته منه، و تقسم أمواله، بل لو سلم امتناع ذلك أمكن رفع العقاب الأخروي بها دون إجراء أحكام الكفار ظاهرا و إن عذر


1- «1» عطف على قوله: «بما وقع من غير واحد»
2- . «2» سورة البقرة: 2- الآية 217.
3- «3» عطف على قوله: «بما وقع من غير واحد».

ج 41، ص: 607

بها كالكافر المستضعف.

و على كل حال فلا داعي إلى تنزيل عموم نفي التوبة في النص و الفتوى و معقد الإجماع على خصوص الأحكام المزبورة، و الإجماع على قضاء زمان الردة و لو عن فطرة إنما هو في مقام بيان أن الكفر الارتدادي لا يسقط القضاء لو تعقبه الإسلام بخلاف الكفر الأصلي، و يكفي في المثال للفطري المرأة التي تقبل توبتها و لو كانت عن فطرة كما ستعرف.

و كأن ما ورد في كفر الغلاة و المفوضة بجميع أقسامهم و نحوهم مبني على ذلك و لكنهم غير معذورين في اعتقاد ما نفته الضرورة، أو مبني على أن ذلك بنفسه كفر كإنكار المعاد لا من حيث انه إنكار ضروري،

قال الرضا (عليه السلام) في خبر يزيد بن عمر الشامي (1): «من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر، و من زعم أن الله فوض أمر الخلق و الرزق إلى حججه فقد قال بالتفويض، و القائل بالجبر كافر و القائل بالتفويض مشرك»

و نحوه غيره في التصريح بكفرهم المبني على ما ذكرنا، أو على أنهم ممن أنكر الضروري، و هو كفر تعبدا لا استلزاما، و تخرج النصوص حينئذ شاهدا لذلك.

نعم لا يخفى على من لاحظها و غيرها مما جاء (2) في الواقفية و غيرهم ممن هم محكوم بكفرهم قبول التوبة منهم، بل في بعضها (3) التصريح بقبول توبة الغالي، و الغالب في ارتداد فرق الشيعة كونه


1- «1» الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد المرتد- الحديث 4 عن يزيد بن عمر.
2- «2» الوسائل- الباب- 7- من أبواب حد المرتد.
3- «3» الوسائل- الباب- 6- من أبواب حد المرتد.

ج 41، ص: 608

عن فطرة. فيكون ذلك مؤيدا لعموم قبولها في الدنيا، بل ملاحظة ما جاء في عموم التوبة (1) تفيد الظن بشموله للفرض.

لكن قد يقال بعد أن عرفت: أن القبول على الوجه المزبور- بمعنى عوده على ما كان من الطهارة و غيرها، بل له العقد جديدا على زوجته بعد العدة أو في أثنائها على ما صرح به ثاني الشهيدين- سمعي لا عقلي، فالعمدة ترجيح ما جاء في خصوص الفطري من نفي التوبة في غير واحد من النصوص (2)

و ما جاء من عموم التوبة (3) و هو إن لم يكن للأول للشهرة المحكية و غيرها فلا أقل من الشك، و الأصل يقتضي عدم القبول، و تمام الكلام في أطراف المسألة قد تقدم في كتاب الطهارة (4) حتى ما يحكى عن الإسكافي من أن الارتداد قسم واحد و أنه يستتاب، فان تاب و إلا قتل، نحو المحكي عن العامة على خلاف بينهم في مدة إمهاله.

و كأنه مال إليه في المسالك حيث قال بعد حكايته: «و عموم الأدلة المعتبرة يدل عليه، و تخصيص عامها أو تقييد مطلقها برواية عمار (5)

لا يخلو من إشكال، و رواية علي بن جعفر (6)

ليست صريحة في التفصيل» و إن كان هو كما ترى لا ينبغي أن يسطر بعد استقرار مذهب الإمامية على خلافه، و نحو ذلك ما وقع له من الاضطراب في قبول توبة المرتد الفطري باطنا، و جعل من ذلك عود زوجته اليه بعقد جديد بعد العدة أو فيها في احتمال كالمطلقة بائنا، مع أن بينونة الزوجة


1- «1»- سورة طه: 82- الآية 20 و سورة التوبة: 9- الآية 104.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المرتد.
3- «3»- سورة طه: 82- الآية 20 و سورة التوبة: 9- الآية 104.
4- «4» راجع ج 6 ص 293- 298.
5- «5» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المرتد- الحديث 3.
6- «6» الوسائل- الباب- 1- من أبواب حد المرتد- الحديث 5.

ج 41، ص: 609

أحد أحكام الثلاثة التي قد عرفت الإجماع على عدم قبول التوبة بالنسبة إليها، بل مقتضى إطلاق البينونة و اعتدادها منه عدة الوفاة خلاف ذلك أيضا.

نعم يشترط في الارتداد بقسميه البلوغ و كمال العقل و الاختيار بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، مضافا إلى معلومية اعتبارها في نحو ذلك، فلا عبرة به من الصبي و ان كان مراهقا لحديث رفع القلم (1)

و غيره، و لكن يؤدب بما يرتدع به، خلافا للمحكي عن خلاف الشيخ، فاعتبر إسلام المراهق و ارتداده و الحكم بقتله إن لم يتب،

للخبر (2): «الصبي إذا بلغ عشر سنين أقيمت عليه الحدود التامة و اقتص منه و تنفذ وصيته و عتقه»

و لكن شذوذه و عدم صراحته و معارضته بما هو أقوى منه من وجوه يمنع من العمل به.

و لا عبرة أيضا بردة المجنون حال جنونه مطبقا أو أدواريا، و لا بردة المكره الذي هو أحد من رفع عنه التكليف، و قد قال الله تعالى (3) «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ».

و حينئذ فلو أكره كان نطقه بالكفر لغوا فلا ارتداد حينئذ حقيقة، لأن له إظهار الأفعال الدالة على الكفر و الكلمات الصريحة فيه حتى البراءة و إن ورد النهي عنها في بعض الأخبار (4)

المحمولة على


1- «1» الوسائل- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 من كتاب القصاص.
2- «2» لم أعثر عليه عاجلا.
3- «3» سورة النحل: 16- الآية 106.
4- «4» الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأمر و النهي من كتاب الأمر بالمعروف.

ج 41، ص: 610

على ضرب من التأويل أو المطرحة للمعارضة بالأقوى من وجوه، خصوصا بعد قوله تعالى (1) «إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً» بل الظاهر وجوبه مع الخوف على النفس أو الطرف، نعم ينبغي له التورية مع إمكانها.

و كذا لا عبرة بما يقع من الغافل و الساهي و النائم و المغمى عليه من الأقوال و الأفعال المقتضية للكفر لو وقعت من غيرهم، بل لو ادعى عدم القصد الى ما تلفظ به و انما سبق به اللسان أو لغفلة عن معناه أو عن أدائه الى ما يقتضي الكفر أو السهو عن ذلك أو الحكاية عن الغير صدق بلا يمين إذا لم يعلم كذبه للأصل و الاحتياط و الشبهة، بل لعل من ذلك ما يصدر عند الغضب الذي لا يملك نفسه معه، و في

خبر علي بن عطية (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: كنت جالسا عنده و سأله رجل عن رجل يجي ء من الشي ء على حد الغضب يؤاخذه الله، فقال: الله أكرم من أن يستغلق عبده»

و ما ورد (3) من أن الغضب يفسد الإيمان

محمول على ما يقع منه مختارا لأجل الغضب لا ما يشمل الفرض المزبور، و الله العالم.

و لو ادعى الإكراه مع وجود الامارة على ذلك كالأمر عند الكفار قبل ترجيحا لحقن الدم، و استصحابا للإسلام و درء للحد بالشبهة.

و إن لم تظهر علامة الإكراه ففي القواعد في القبول نظر أقر به العدم، لكن فرض المسألة في ما لو شهد بردته اثنان، و لعله مما


1- «1» سورة آل عمران 3- الآية 28.
2- «2» الوسائل- الباب- 28- من أبواب حد القذف- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 53- من أبواب جهاد النفس- الحديث 2 من كتاب الجهاد.

ج 41، ص: 611

عرفت، و من أنه تكذيب للبينة بلا مؤيد، إذ لا ردة مع الإكراه، و من هنا قال متصلا بما سمعته منه: و لو نقل الشاهد لفظا فقال:

صدق و لكني كنت مكرها قبل منه، أي سواء ظهرت أمارة الإكراه أم لا ما لم يعلم انتفاؤه أو ثبت بينة، إذ ليس فيه حينئذ تكذيب للبينة، و الأصل و الاحتياط و الشبهة تمنع من التهجم على قتله، بخلاف ما لو شهد عليه بها، فإنه لا تقبل منه دعوى الإكراه مع عدم الأمارة المقاومة للبينة على الاشكال السابق، بل قد يقوى قبوله مع فرض عدم التكذيب لها بأن أسند الإكراه إلى سبب خفي لم تعلم به البينة، و كان مستند شهادتها الأخذ بظاهر الحال.

و لا يفتقر المكره على الارتداد إلى تجديد الإسلام، و لا يجب عرضه عليه، لما عرفت من عدم الردة بما وقع منه، بل لو امتنع من تجديده حيث يعرض عليه لم يحكم بكفره كالمسلم، لكن في القواعد «دل ذلك على اختياره في الردة» و فيه منع ضرورة عدم الفرق بينه و بين المسلم بعد فرض لغوية ما وقع منه من الارتداد، و الله العالم.

و لا تقتل المرأة بالردة إجماعا بقسميه و نصوصا، بل تحبس دائما و إن كانت مولودة على الفطرة، و تضرب أوقات الصلاة

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز (1): «لا يخلد في السجن إلا ثلاثة: الذي يمسك على الموت، و المرأة ترتد عن الإسلام، و السارق بعد قطع اليد و الرجل»

و في

صحيح حماد (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في المرتدة عن الإسلام: لا تقتل، و تستخدم خدمة شديدة، و تمنع الطعام و الشراب إلا ما تمسك نفسها، و تلبس


1- «1»- الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المرتد- الحديث 3.
2- «2»- الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المرتد- الحديث 1.

ج 41، ص: 612

خشن الثياب، و تضرب على الصلوات»

و في مرسل ابن محبوب عن غير واحد من أصحابنا (1) عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) «في المرتد يستتاب، فإن تاب و إلا قتل، و المرأة إذا ارتدت استتيبت، فإن تابت و رجعت و إلا خلدت السجن، و ضيق عليها في حبسها»

و نحوه خبر عباد بن صهيب (2)

إلى غير ذلك من النصوص.

نعم إن تابت عفي عنها، كما صرح به غير واحد و إلا فعل ذلك بها دائما، لكن في المسالك «ليس في هذه الأخبار ما يقتضي قبول توبتها في الحالين، و الخبر الأخير كما تضمن قبول توبتها تضمن قبول توبة المرتد الذكر، و حمله على المرتد الملي يرد مثله فيها، فيمكن حمل الأخبار الدالة على حبسها دائما من غير تفصيل على الفطرية بأن يجعل ذلك حدها من غير أن تقبل توبتها كما لا تقبل توبته، و في التحرير لو تابت فالوجه قبول توبتها و سقوط ذلك عنها و إن كانت عن فطرة، و هو يشعر بخلاف في قبول توبتها إذا كانت فطرية، و هو المناسب بحال هذه النصوص» و فيه أن الأنسب منه حملها على عدم التوبة بقرينة الخبرين المزبورين المجبورين بالعمل، و لا ينافي اشتمالهما على قبول توبة المرتد الذكر المحمول على الملي كغيرهما من النصوص المعتضدة بالعمل أيضا.

و أما الخنثى المشكل فقد يقال: إن مقتضى درء الحد و غيره الإلحاق بالمرأة كما جزم به بعض الأفاضل، و لا ينافي ذلك تعليق الحكم على الولادة على الفطرة المعلوم عدم سياقها لنحو ذلك، و الله العالم.

[القسم الثاني المرتد الملي]

القسم الثاني: من أسلم عن كفر ثم ارتد فهذا يستتاب، فإن


1- «1» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المرتد- الحديث- 6.
2- «2» الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد المرتد- الحديث 4.

ج 41، ص: 613

امتنع قتل بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى النصوص (1)

التي تقدم بعضها و حينئذ فلا إشكال كما لا خلاف في أن استتابته واجبة للأمر بها (2) و الاحتياط في الدماء، خلافا لأبي حنيفة و الشافعي في أحد قوليه، فاستحبها ل

قوله (صلى الله عليه و آله) (3): «من بدل دينه فاقتلوه».

و فيه أنه مقيد بأمر الاستتابة، إنما البحث في أنه كم يستتاب؟ قيل و إن كنا لم نتحقق القائل ثلاثة أيام نعم هو

مروي بطريق ضعيف (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «المرتد يعزل عن امرأته، و لا تؤكل ذبيحته، و يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب و إلا قتل يوم الرابع».

و قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط و الخلاف و تبعه عليه غيره: يمهل القدر الذي يمكن معه الرجوع لإطلاق الأدلة الذي لا يقيده الخبر المزبور بعد ضعفه.

و لكن مع ذلك الأول أحوط كما في المبسوط، لأنك قد عرفت أنه مروي (11) بل في المتن و هو حسن لما فيه من التأني لإزالة عذره (12) إذ ربما عرضت له شبهة، و لو قال:

حلوا شبهتي ففي القواعد «احتمل الإنظار إلى أن تحل شبهته و إلزامه


1- «1» الوسائل- الباب- 1 و 3- من أبواب حد المرتد.
2- «2» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المرتد- الحديث- 5.
3- «3» المستدرك- الباب- 1- من أبواب حد المرتد- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المرتد- الحديث.

ج 41، ص: 614

التوبة في الحال ثم تكشف له» و لعل الأول لوجوب حل الشبهة، و كون التكليف بالايمان معها من التكليف بما لا يطاق، و الثاني لوجوب التوبة على الفور، و الكشف و إن وجب كذلك، لكن يستدعي مهلة، و ربما طال زمانه، و يكفي في الحكم بإسلامه التوبة ظاهرا و إن كانت الشبهة تأبى الاعتقاد، و أيضا ربما لا تأبى الاعتقاد تقليدا، و فيه أن ذلك كله مناف لإطلاق ما دل على قتله مع عدم التوبة نصا و فتوى، و لعله لعدم معذوريته في الشبهة.

بل ربما ظهر من

خبر أبي الصيقل (1) عدم الالتفات إلى ذلك، قال فيه: «إن بني ناجية قوم كانوا يسكنون الأسياف، و كانوا قوما يدعون في قريش نسبا، و كانوا نصارى، فأسلموا ثم رجعوا عن الإسلام، فبعث أمير المؤمنين (عليه السلام) معقل بن قيس التميمي فخرجنا معه، فلما انتهينا إلى القوم جعل بيننا و بينه أمارة، فقال:

إذا وضعت يدي على رأسي فضعوا فيهم السلاح، فأتاهم فقال: ما أنتم عليه؟ فخرجت طائفة فقالت: نحن نصارى فأسلمنا لا نعلم دينا خيرا من ديننا فنحن عليه، و قالت طائفة: نحن كنا نصارى ثم أسلمنا ثم عرفنا أنه لا خير من الدين الذي كنا عليه فرجعنا إليه، فدعاهم إلى الإسلام ثلاث مرات فأبوا فوضع يده على رأسه، قال: فقتل مقاتليهم و سبى ذراريهم قال: فأتي بهم عليا (عليه السلام) فاشتراهم مصقلة بن هبيرة بمائة ألف درهم فأعتقهم و حمل الى علي (عليه السلام) خمسين ألفا فأبى أن يقبلها، قال: فخرج بها فدفنها في داره. و لحق بمعاوية، قال: فأخرب أمير المؤمنين (عليه السلام) داره و أجاز


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المرتد- الحديث 6.

ج 41، ص: 615

عتقهم»

و هو ظاهر فيما ذكرناه.

هذا و في كشف اللثام «و قيل: إن اعتذر بالشبهة أول ما استتيب قبل انقضاء الثلاثة الأيام أو الزمان الذي يمكنه فيه الرجوع أمهل إلى دفعها، و إن أخر الاعتذار عن ذلك لم يمهل، لأدائه إلى طول الاستمرار على الكفر، و لمضي ما كان يمكنه فيه إبداء العذر و إزالته و لم يبديه فيه» و لم أجده لأحد من أصحابنا، و لعله لبعض العامة، و لا ريب في وضوح ضعفه بمنافاته لإطلاق الأدلة، ضرورة اقتضائه الإمهال و لو سنين على الأول، و يمكن دعوى القطع بأنه خلاف النص و الفتوى، فالتحقيق حينئذ ما عرفت من استتابته، و الأحوط الانتظار ثلاثة أيام، فان لم يتب قتل ذكر شبهة أو لم يذكر.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه لا تزول عنه أملاكه بل تكون باقية عليه أي على ملكه للأصل و غيره نعم ينفسخ العقد بينه و بين زوجته لعدم جواز نكاح الكافر مسلمة ابتداء و استدامة و لكن يقف نكاحها على انقضاء العدة لأنه مقبول التوبة، فإذا تاب فيها كان أحق بزوجته، كما مر في كتاب النكاح (1) ذلك و أنها هي أي العدة كعدة الطلاق (المطلقة خ ل) و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه و إن كان محجورا عليه في التصرف في ماله كما ستعرف يقضى من أمواله أي يؤدى ديونه و ما عليه من الحقوق الواجبة (11) كنفقة الزوجة و غيرها! و تؤدى منها (12) أيضا نفقة الأقارب ما دام حيا (13) ضرورة بقائه مخاطبا، إلا أن الذي يباشر


1- «1» راجع ج 30 صفحة 49.

ج 41، ص: 616

ذلك الحاكم، و كذا تؤدى له نفقته إلى أن يموت أو يقتل، لكن عن الخلاف أن لأصحابنا قولين: يعني القول ببقاء ملكه و القول بأنه مراعى، فإن تاب علم بقاؤه و إلا علم زواله من حين الردة، و حينئذ يشكل أداء نفقته له، بل و كذا أداء ما يتجدد عليه من الحقوق إلا أن القول المزبور مع أنه غير معروف القائل واضح الضعف، ضرورة منافاته لجميع الأدلة من الاستصحاب و غيره.

و كذا لا خلاف في أنه بعد قتله أو موته تقضى ديونه و ما عليه من الحقوق الواجبة كنفقة الزوجة دون نفقة الأقارب التي هي مجرد مواساة فلا قضاء لها.

و لو قتل أو مات كانت تركته لورثته المسلمين دون غيرهم فان لم يكن له وارث مسلم فهو للإمام دون أقربائه الكفار، كما تقدم الكلام فيه في الميراث (1).

و ولده قبل الارتداد بحكم المسلم استصحابا لحاله السابق الذي لا دليل على تغيره بارتداد الأب بل لو انعقد بإسلام أحد أبويه حكم بإسلامه، و لذا لو ماتت الأم مرتدة و هي حامل به تدفن في مقابر المسلمين فإن بلغ مسلما فلا بحث و إن اختار الكفر بعد بلوغه استتيب فإن تاب و إلا قتل لكونه بحكم المرتد عن ملة و إن انعقد أو ولد و أبواه مسلمان بناء على اعتبار وصف الإسلام بعد البلوغ في الردة عن فطرة و الفرض عدمه، بل في كشف اللثام الظاهر أن ولد المسلم و المسلمين أيضا إذا بلغ كافرا استتيب و لو ولد هو و أبواه على الفطرة، و قد نص عليه في لقطة المبسوط، لكن في المسالك «هذا


1- «1» راجع ج 39 صفحة 17.

ج 41، ص: 617

لا يوافق القواعد المتقدمة من أن المنعقد حال إسلام أحد أبويه يكون ارتداده عن فطرة و لا تقبل توبته، و ما وقفت على ما أوجب العدول عن ذلك هنا، و لو قيل بأنه يلحقه حينئذ حكم المرتد عن فطرة كان وجها، و هو الظاهر من الدروس، لأنه أطلق كون الولد السابق على الارتداد مسلما، و لازمه ذلك» و عن التذكرة نحو ما سمعته من المسالك من الحكم بفطرية المنعقد من مسلمين أو أحدهما إذا بلغ كافرا.

لكن قد عرفت سابقا أن ما حضرنا من النصوص ظاهر في الحكم بردة من وصف الإسلام عن فطرة، بل هو الموافق لمعنى الارتداد الذي هو الرجوع، و لا دليل يدل على الاكتفاء بالإسلام الحكمي، بل ظاهر

المرسل (1) في الفقيه عن علي (عليه السلام) «إذا أسلم الأب جر الولد إلى الإسلام، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام، فان أبى قتل، و ان أسلم الولد لم يجر أبويه، و لم يكن بينهما ميراث»

ذلك أيضا بناء على شموله للمنعقد، بل و كذا

خبر عبيد بن زرارة (2) عن الصادق (عليه السلام) «في الصبي يختار الشرك و هو بين أبويه.

قال: لا يترك، و ذاك إذا كان أحد أبويه نصرانيا»

و مرسل أبان (3) عنه (عليه السلام) «في الصبي إذا شب و اختار النصرانية و أحد أبويه نصراني أو بين مسلمين، قال: لا يترك، و لكن يضرب على الإسلام»

بناء على أن المراد منهما وصف الكفر بعد البلوغ، و من عدم الترك الاستتابة و إن كان فيهما معا منع و لا أقل من الشك، و الأصل عدم ثبوت أحكام الفطري مضافا إلى درء الحد بالشبهة و الاحتياط في


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المرتد- الحديث- 7.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد المرتد- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد المرتد- الحديث 2.

ج 41، ص: 618

الدم، و الله العالم.

و كيف كان ف لو قتله قاتل قبل وصفه الكفر قتل به و إن كان مسلما، بل في القواعد و محكي كتاب المرتد من المبسوط سواء قتله قبل بلوغه أو بعده لأنه مسلم حكما ما لم يصف الكفر، لكن قد يشكل الثاني بعدم الدليل على حكمية الإسلام فيه، و الأصل بعد انقطاع التبعية بالبلوغ غير أصيل، و أصالة الطهارة لا تقتضي إسلامه الذي هو أمر وجودي، و الكفر عدمه أو وجود غيره.

و بذلك يظهر لك الحال في من علم منه التردد فلا يصف أحدهما و في من جهل حاله و الفرض عقله و بلوغه.

أما المتصل جنونه بصغره المحكوم بإسلامه فيه فالمتجه بقاؤه على حكم إسلامه، و لعله لذلك كله كان المحكي عن لقطة المبسوط عدم قتل المسلم به، بل عن التذكرة أنه استظهره أيضا، و ربما بنى الخلاف على أنه إذا وصف الكفر فهل هو مرتد أو كافر أصلي؟ فيقتص من قاتله على الأول دون الثاني، و فيه أن كونه بحكم المرتد في الجملة للدليل لا يقتضي ثبوت القصاص له في حال عدم الحكم بإسلامه، و الله العالم.

و لو ولد أو علق بعد الردة و كانت أمه مسلمة كان حكمه كالأول لأن الإسلام يعلو و لا يعلى عليه، فهو يتبع أشرف الأبوين، نعم إن كانت مرتدة و الحمل بعد ارتدادهما كان بحكمهما، لا يقتل المسلم بقتله مع عدم وصفه الإسلام و هو كامل إلا إذا أسلم الأبوان أو أحدهما من بعد العلوق إلى البلوغ، فان مقتضى التبعية الحكم بإسلامه حينئذ.

ج 41، ص: 619

و على كل حال فمع عدم الإسلام و لو التبعي هل يجوز استرقاقه؟ تردد الشيخ في ذلك بمعنى أنه اختلف كلامه فتارة يجيز كما هو المحكي عنه في كتاب المرتد من المبسوط و الخلاف و لو في دار الإسلام أو الحرب لأنه كافر بين كافرين فيندرج في العمومات المقتضية لاسترقاق ذلك و تارة يمنع كما هو المحكي عنه في كتاب قتال أهل الردة من المبسوط لأن أباه لا يسترق، لتحرمه بالإسلام و كذا الولد للتبعية، فيلزم حينئذ إذا بلغ بالتوبة أو القتل، و في كتاب قتال أهل الردة من الخلاف يسترق ان ولد في دار الحرب، و لا إن ولد في دار الإسلام، و استدل بالإجماع و الأخبار، و بأنه إذا ولد في دار الإسلام فهو في حكم الإسلام، بدلالة أن أبويه يلزمان الرجوع إلى الإسلام، و إن لم يرجعا قتلا.

و فيه أنا لم نتحقق الإجماع و الأخبار المزبورين، و إلزام أبويه بالرجوع لا يقتضي ثبوت أحكام الإسلام له، بل في سابقه أيضا و إن قال المصنف هذا أولى و في الدروس الحكم به أنه لا دليل على التبعية في الوصف المزبور، و أضعف منه ما عن أبي علي من جواز استرقاقه إن حضر مع أبيه وقت الحرب، إذ هو مجرد اعتبار، كاحتمال كونه مسلما لبقاء علاقة الإسلام، و حديث الولادة على الفطرة (1).

و من ذلك كله يظهر لك قوة الأول، فلو لم يسترق و بلغ يؤمر بالإسلام أو الجزية إن كان من أهلها.

و أما ولد المعاهد إذا تركه عندنا فإنه يبقى بعد البلوغ بوصفه الإسلام


1- «1» الوسائل- الباب- 8- من أبواب جهاد العدو- الحديث- 3- من كتاب الجهاد.

ج 41، ص: 620

أو قبول الجزية أو يحمل إلى مأمنه ثم يصير حربيا، فإن معاهدة الأبوين لا تؤثر بعد البلوغ، كما هو واضح.

و كيف كان فقد عرفت أنه لا إشكال عندنا في بقاء مال المرتد عن ملة على ملكه ما دام حيا حتى يموت أو يقتل و لكن لا خلاف أجده بيننا في أنه يحجر الحاكم على أمواله أي يمنعه من التصرف فيها حتى ما يتجدد له باحتطاب أو اتهاب أو اتجار أو غير ذلك لئلا يتصرف فيها بالإتلاف و نحوه مما فيه ضرر على وارثه المسلم و لو الامام، فهو حينئذ موقوف أو بحكم الموقوف للوارث فان عاد إلى الإسلام فهو أحق بها و ان التحق بدار الكفر بقيت على الاحتفاظ عينا أو قيمة و يباع منها ما يكون له الغبطة في بيعه كالحيوان و ما يفسد، و ما عن أبي حنيفة من تنزيل الالتحاق بدار الحرب منزلة الموت في انتقال المال إلى التركة لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، و لكن يكفي في ذلك حصول الردة أو يحتاج إلى إنشاء الحجر من الحاكم؟ وجهان أقواهما الأول.

بقي شي ء: و هو مضي تصرفه في ذمته بأن ضمن عن شخص مثلا أو اشترى شيئا محاباة و غير ذلك مما هو تصرف في الذمة لا في المال و إن عاد إليه بالأخرة فقد يقال: إن مقتضى الإطلاقات جواز ذلك.

و لكن قد يشكل بأنه مناف لحكمة الحجر، ضرورة إمكان التوصل له بذلك الى إتلاف المال، و من هنا يتجه القول بعدم مضيه.

لكن قد يناقش بخلو النصوص و الفتاوى عن ذكر مانعية الردة عن مثل هذا التصرف، ضرورة اقتصارهم في سائر الأبواب على ذكر البلوغ و الرشد و غيرهما، اللهم إلا أن يكون ذلك من لوازم الحجر

ج 41، ص: 621

عليه المذكور في غير المقام.

و قد يحتمل بقاؤه مراعى بعوده إلى الإسلام و عدمه، فينفذ على الأول دون الثاني، نحو ما ذكره غير واحد في تصرفه بماله بهبة و نحوها الا العتق المشترط فيه التنجيز، ضرورة عدم نقصانه عنه، بل لو قلنا بالبطلان فيه- كما هو ظاهر محكي التحرير قال: «و لو تصرف بعد حجر الحاكم فإنه باطل»- أمكن الفرق بينهما بما عرفت و إن كان قد يناقش بعدم الدليل على بطلانه، و الحجر أعم من ذلك.

و في محكي الخلاف أن في تصرفه أقوالا: يعني الصحة و البطلان و الوقف، و فيه أنه لا وجه للصحة بناء على الحجر عليه بالردة، و كذا بعد حجر الحاكم، اللهم الا أن يراد بها أنه لا حجر عليه أصلا، و إن كان هو كما ترى، لم نعرفه قولا لأحد، نعم هي متجهة قبل حجر الحاكم بناء على توقفه عليه و أنه لا تكفي الردة، و أما بعده أو قلنا بكفاية الردة فالمتجه الوقف لا البطلان كما عرفت.

هذا كله في التصرف المالي أما غيره فلا يمنع منه، و كذا ما يتجدد عليه من الحقوق أو ما تشتغل ذمته به من إتلاف أو غصب، فان المتجه ضمانه و أداؤه عنه، و في القواعد أنه لا يمكن من قضاء المتجدد عليه من الحقوق، و قد يشعر بأنه لا يمنع من قضاء الحقوق السابقة على الارتداد، و في كشف اللثام و لعله كذلك، لأنه أداء حق سبق لزومه، و فيه أنه لا فرق بين قضاء الحقوق السابقة و المتجددة بعد وجوب قضاء الجميع من ماله كما هو واضح، فان كان هو تصرفا ممنوعا منه ففي الجميع، و إلا جاز مباشرته فيهما، و الله العالم.

ج 41، ص: 622

[مسائل من هذا الباب]
[المسألة الأولى إذا تكرر الارتداد يقتل في الرابعة]

مسائل من هذا الباب

الأولى:

إذا تكرر الارتداد قال الشيخ في الخلاف يقتل في الرابعة مستدلا عليه بإجماع أصحابنا على أن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة، و عن المبسوط روي عنهم (عليهم السلام) أن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة، و عن الشيخ أيضا أنه قال: و روى أصحابنا يقتل في الثالثة أيضا و لكن لم أعثر عليها بالخصوص، نعم قد سمعت فيما سبق الرواية (1)

الدالة على أن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة، و

عن علي بن حديد «أنه قيل لجميل بن دراج ما تقول في المرتد إن تاب ثم رجع ثم تاب ثم رجع؟ فقال: لم أسمع في هذا شيئا، و لكن عندي بمنزلة الزاني الذي يقام عليه الحد مرتين ثم يقتل بعد ذلك»

و هي ليست رواية خاصة، و

عن جابر (2) عن الصادق (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أنه قال لمسلم تنصر ثم رجع قد قبلت منك رجوعك هذه المرة فلا تعد فإنك إن رجعت لم أقبل منك رجوعا بعده»

و لم أجد بها عاملا، فهي مطرحة أو محمولة على سبق رجوع منه، فالتحقيق اتحاد حكم ما نحن فيه مع حكم ذوي الكبائر الذي قد عرفت تحقيقه سابقا، و الله العالم.


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 3- من أبواب حد المرتد- الحديث 4.

ج 41، ص: 623

[المسألة الثانية الكافر إذا أكره على الإسلام فإن كان ممن يقر على دينه لم يحكم بإسلامه]

المسألة الثانية الكافر إذا أكره على الإسلام فإن كان ممن يقر على دينه لم يحكم بإسلامه لعدم صحة إكراهه المقتضي لرفع حكم المكره عليه كغيره مما يكره عليه بغير حق و ان احتمل مقارنة التصديق تقديما للظاهر.

و إن كان ممن لا يقر على ما هو عليه من الدين حكم به لأنه المعهود من فعل النبي (صلى الله عليه و آله) و سيرة المسلمين إلا أنه قد يقال بتقييد ذلك بما إذا لم يعلم صدور ذلك لسانا من غير قصد للمعنى اقتصارا على المتيقن في ما خالف عمومات الأدلة، و احتمال أن الإسلام القول باللسان و إن علم عدم القصد الى مدلوله بعيد، و قبوله من المكره أعم من ذلك، ضرورة احتمال مقارنة الإكراه للقصد، و لعل قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) لأسامة لما قتل الأعرابي الذي أظهر الإسلام مقارنا للخوف مدعيا أنه كان ذلك منه خوفا: «هلا شققت عن قلبه» ظاهر في ما قلناه، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في كتاب الطلاق (1).

[المسألة الثالثة إذا صلى بعد ارتداده أو كفره الأصلي لم يحكم بعوده]

المسألة الثالثة:

إذا صلى بعد ارتداده أو كفره الأصلي لم يحكم بعوده


1- «1» راجع ج 32 صفحة 12- 16.

ج 41، ص: 624

إذا لم يسمع منه الشهادتان أو كان كفره بغير إنكارهما سواء فعل ذلك في دار الحرب أو دار الإسلام كما عن المبسوط التصريح به و إن كان احتمال التقية في الأول منتفيا، الا أن غيره من الاحتمال كاف، فما عن القواعد- من الإشكال في ذلك بل عن بعض العامة الجزم بذلك- ضعيف، بل في المسالك «أن المشهور ذلك أيضا مع سماع الشهادتين منه فيها و كون المطلوب من إسلامه ذلك، لأن الصلاة لم توضع دليلا على الإسلام، و لا توبة للمرتد، و إنما وضعت الشهادتان دليلا عليه مستقلتين لا جزء من غيرهما، و فيه نظر» قلت: لعله من إطلاق أو عموم ما دل على الحكم بإسلام قائلهما و إن كان فيه منع واضح، لأن المنساق من ذلك كون الشهادتين بمنزلة الصيغة للإسلام، فلا بد من قولهما مظهرا لإرادة ذلك بهما كصيغة البيع.

[المسألة الرابعة السكران يحكم بإسلامه و ارتداده]

المسألة الرابعة قال الشيخ في المبسوط: إن مقتضى المذهب القول بأن السكران يحكم بإسلامه و ارتداده لإلحاقه بالصاحي عندنا في ما عليه من الجنايات و القذف و الزناء و غيرها و هذا يشكل أولا بأن الحكم بإسلامه شي ء له لا عليه، و ثانيا بمنع اندراج الارتداد في ذلك مع اليقين بزوال تمييزه الذي هو شرط في التكاليف عقلا و شرعا و لعله لذا قد رجع عنه في الخلاف و لكن قد يدفع الأخير بأن المراد جريان حكم المرتد عليه، لإطلاق

ج 41، ص: 625

ما دل على أنه بحكم الصاحي، اللهم إلا أن يمنع وقوع ما يحصل به الارتداد من قول أو فعل، لعدم قصد الإنكار و الاستخفاف، و هو كما ترى، ضرورة كونه مما يكون ارتدادا للصاحي، و لا ينقص ذلك عن إلزامه بالطلاق الواقع منه المصرح به في كلام بعضهم.

إنما الكلام في أن ذلك في خصوص السكران الآثم بسكره أو مطلقا، قد يتوهم من الإطلاق هنا الثاني، إلا أن الظاهر الأول اقتصارا على المتيقن في مخالف القواعد، و من ذلك ينقدح الشك في الفرض، إذ لم يعلم القول به إلا من الشيخ، و قد رجع عنه، مع أنه لم يحضرنا من النصوص ما يقتضي عموم التنزيل المزبور، و الآثم بالسكر لا يقتضي ذلك، و ربما يأتي لذلك مزيد تحقيق عند تعرض المصنف للسكران في القصاص، و الله العالم.

[المسألة الخامسة كل ما يتلفه المرتد بقسميه على المسلم يضمنه في دار الحرب أو دار الإسلام حالة الحرب و بعد انقضائها]

المسألة الخامسة:

كل ما يتلفه المرتد بقسميه على المسلم نفسا أو طرفا أو مالا يضمنه لعموم الأدلة سواء أتلفه في دار الحرب أو دار الإسلام، حالة الحرب و بعد انقضائها خلافا للمحكي عن أبي حنيفة و الشافعي، فلم يضمناه ما أتلفه في حالة الحرب، نعم تظهر فائدة ضمان المال في الفطري في الآخرة أو في الدنيا إذا تبرع عنه متبرع بناء على عدم قبول توبته و أنه لا يملك شيئا بعد الردة، و حينئذ فلو قتل المرتد الملي مسلما عمدا قتل به، و قدم على قتل الردة، و إن كان شبيه

ج 41، ص: 626

عمد فالدية في ماله، و كذا لو صولح على مال، و إن كان خطأ فعن الشيخ في ماله أيضا، و أشكله في الدروس بأن ميراثه لهم، و يقتل المرتد على فطرة بالمسلم قطعا مع العمد مقدما له على قتل الردة، و خطأه و شبه العمد لا أثر له في ماله، و لو قتل مرتدا عن ملة قبل الاستتابة قتل به، و بعدها مع الإباء لا أثر له، لأنه غير محترم الدم، كما لو قتل المرتد عن ملة مرتدا عن فطرة عمدا فضلا عن الخطأ و شبه العمد.

و على كل حال ف ليس كذلك الحربي فإنه إن أتلف في دار الحرب لم يضمن و إن أتلف في دار الإسلام ضمن كما صرح به غير واحد، بل هو العمل المعهود في أهل الذمة و غيرهم ممن كان في دار الإسلام، بل في كشف اللثام ضمن اتفاقا إذا أسلم و إن كان قد يناقش أولا بأن مقتضى العموم المزبور الضمان مطلقا، كما أن ظاهر المحكي عن الشيخ عدم الفرق بين الدارين، و سواء أسلم أولا، قال في المسالك: إنه أطلق عدم ضمانه و إن أسلم ل

قوله (صلى الله عليه و آله) (1): «الإسلام يجب ما قبله».

و في غاية المراد، أما الحربي ففي المبسوط لا ضمان عليه، لعدم التزامه الأحكام الإسلامية، ذكره في فصل المرتد، و في فصل البغاة ادعى الإجماع على عدم ضمانه بعد إسلامه، و الشيخ نجم الدين احتمل ضمانه في دار الإسلام و الحرب، لحصول سبب الغرم، و هو الإتلاف للمال المعصوم بغير حق، و عدم التزامه لا ينفي عدم إلزامه، و المصنف في غير هذا الكتاب لم يتردد في ضمانه في دارنا، بل في دارهم،


1- «1» المستدرك- الباب- 15- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2 من كتاب الصوم.

ج 41، ص: 627

و وجهه ظاهر، لأنه بدخوله دارنا التزم أحكامنا بخلاف دارهم، و مما ذكر نشأ الأشكال، و حاصله عدم الالتزام بالأحكام الإسلامية، و ادعى الشيخ الإجماع و حصول سبب التغريم، ثم اعلم أن وقوع مضمنه إما بعد الإسلام أو بعد الاستيمان و يبعد من دونهما».

قلت: لا يخفى عليك عدم مدخلية الالتزام و عدمه في الحكم الشرعي المقتضي للضمان سواء ألزم بذلك أم لا، و من هنا قال المصنف:

و ربما خطر بالبال اللزوم في الموضعين، لتساويهما في سبب الغرم و هو إطلاق ما دل على الضمان، بل في القواعد أنه الأقرب، و نحوه في حاشية الكركي و مجمع البرهان، و خبر جب الإسلام ما قبله- (1)

مع أنه يقتضي عدم الفرق بين الدارين- لا جابر له، و خصوصا في دار الإسلام بناء على ما سمعته من كشف اللثام من الاتفاق، و عن فخر المحققين التفصيل، فأسقط عنه ضمان ما أتلفه في حال الحرب مع إسلامه، نفسا كان المتلف أم مالا إذا لم تكن العين موجودة، و ضمنه في غير الحرب مطلقا سواء كان ذلك في دار الحرب أم دار الإسلام، و في المسالك أنه لا يخلو من تحكم، و ستعرف أن له وجها واضحا.

و من ذلك كله ظهر لك أن الأقوال ثلاثة، و لا ريب أن الموافق لعموم الأدلة الضمان مطلقا لو لا دعوى الإجماع المزبورة المؤيدة بالسيرة على عدم القصاص من الحربي بعد إسلامه فضلا عن ضمانه المال، بل هو المحكي من فعل النبي (صلى الله عليه و آله) بالنسبة إلى قاتل حمزة (2)


1- «1» المستدرك- الباب- 15- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2 من كتاب الصوم.
2- «2» السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 76.

ج 41، ص: 628

و غيره، بل ربما كان في ذلك نوع نفرة للكفار عن الإسلام، و لعله لذا لم يجزم المصنف بالضمان مطلقا، بل ذكره احتمالا بالعبارة المزبورة، بل ربما قيل: إن محل البحث في المال دون النفس، و إن كان فيه أن صريح بعضهم و ظاهر الاستدلال عدم الفرق.

و التحقيق الضمان في الدارين في حال الحرب و عدمها، نعم إذا أسلم و كان ما أتلفه نفسا أو مالا من حيث الكفر و الإسلام و خصوصا حال الحرب أشكل الضمان، للإجماع المزبور المؤيد بخبر (1) جب الإسلام و لمعلومية ذلك من السيرة، و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا جن المرتد الملي بعد ردته لم يقتل]

المسألة السادسة:

إذا جن المرتد الملي بعد ردته قبل استتابته لم يقتل، لأن قتله مشروط بالامتناع عن التوبة، و لا حكم لامتناع المجنون نعم لو طرأ الجنون بعد الامتناع المبيح لقتله قتل كما يقتل الفطري على كل حال، لعدم سقوط قتله بالتوبة.

[المسألة السابعة إذا تزوج المرتد لم يصح]

المسألة السابعة:

إذا تزوج المرتد لم يصح سواء كان تزوج بمسلمة أم


1- «1» المستدرك- الباب- 15- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2 من كتاب الصوم.

ج 41، ص: 629

كافرة، لتحرمه بالإسلام المانع من التمسك بعقد الكافرة و اتصافه بالكفر المانع من نكاح المسلمة و إليه يرجع ما في الدروس من التعليل بأنه دون المسلم و فوق الكافر، لكنه لا يتم في الكتابية بناء على جواز تزويج المسلم بها مطلقا أو متعة، ضرورة أن الإسلام لا يمنع من التمسك بعقدها على هذا الوجه فأولى أن لا يمتنع ما دونه، و من هنا لم يقتصر عليه في الدروس، قال: «و لا يصح تزويج المرتد و المرتدة على الإطلاق، لأنه دون المسلم و فوق الكافرة، و لأنه لا يقر على دينه و المرتدة فوقه، لأنها لا تقتل» الى آخره، بل مقتضاه انفساخ النكاح بينهما تساويا في الارتداد جنسا و وصفا أو اختلفا فيه، بل لعل الانفساخ يدل على عدم جواز الابتداء الذي هو أضعف من الاستدامة، و لكن مع ذلك كله لا يخلو من نظر في الجملة إن لم يكن إجماعا أو نصا.

[المسألة الثامنة لو زوج المرتد بنته المسلمة لم يصح]

المسألة الثامنة لو زوج المرتد فطريا أو مليا فضلا عن الكافر الأصلي بنته المسلمة لم يصح بلا خلاف أجده فيه ل لأصل و قصور ولايته عن التسلط على المسلم الذي لم يجعل الله له سبيلا عليه و أما لو زوج الملي أمته ففي صحة نكاحها تردد، أشبهه عند المصنف الجواز كما عن التحرير، للأصل و لقوة الولاية المالكية، و من ثم يملك الكافر المسلم و إن أجبر على

ج 41، ص: 630

بيعه، و يقدم اختياره المشتري على اختيار الحاكم، و لكن مع ذلك الأقوى العدم، لانتفاء السبيل و للحجر عليه و إن كان قد يناقش بعدم عموم يقتضي ذلك، و الله العالم.

[المسألة التاسعة كلمة الإسلام أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله]

المسألة التاسعة:

كلمة الإسلام نصا و فتوى أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله أو ما في معناهما، بل إن ترك لفظ الشهادة ففي كشف اللثام حكم بإسلامه ما لم يظهر منه ما ينافيه و لا بأس به إذا كان ذلك منه لإرادة الإسلام، و لو قال: أشهد أن النبي رسول الله ففي القواعد لم يحكم بإسلامه، لاحتمال أن يريد غيره، و فيه احتمال الاكتفاء بظاهر إرادته العهد.

و على كل حال ف إن قال مع ذلك: و أبرأ من كل دين غير الإسلام كان تأكيدا لأن الإقرار بما يقتضي الإسلام يوجب ذلك و حينئذ ف يكفي الاقتصار على الأول عندنا، خلافا لبعض العامة و هو واضح، نعم لو كان مقرا ب وحدة الله سبحانه و تعالى و بالنبي (صلى الله عليه و آله) جاحدا عموم نبوته أو وجوده زاعما أنه سيبعث من بعد و أنه غير الذي بعث أو جاحدا فريضة علم ثبوتها من دين الإسلام أو أصلا من أصول الدين كالمعاد الجسماني احتاج إلى زيادة تدل على رجوعه عما جحده من برائته من كل دين خالف دين الإسلام أو غيرها، بل لو كان

ج 41، ص: 631

جاحدا فريضة أو أصلا فتوبته الإقرار بذلك من دون إعادة الشهادتين.

و كذا لو جحد نبيا معلوما نبوته ضرورة من دين الإسلام أو آية كذلك من كتابه أو كتابا كذلك من كتبه أو ملكا من ملائكته أو استباح محرما لا بد في إسلامه من الإقرار بما جحده، و لو قال:

أنا مؤمن أو مسلم ففي القواعد «الأقرب أنه إسلام في الكافر الأصلي أو جاحد الوحدانية بخلاف من كفره بجحد نبي أو كتاب أو فريضة و نحوه، لأنه يحتمل أن يكون اعتقاده أن الإسلام ما هو عليه» و فيه أنه لا صراحة في الأولين أيضا، لاحتمال إرادة الايمان بالنور و الظلمة و الاستسلام لهما و غير ذلك، و أن الأخير مبني على كفر منكر الضروري و إن كان معتقدا للجهل و إلا فهو غير كافر مع اعتقاده و لو جهلا فلا يحتاج إلى توبة.

هذا و في القواعد و شرحها للأصبهاني «أن الأقرب قبول توبة الزنديق الذي يستر الكفر و يظهر الايمان» و هو المحكي عن ابن سعيد معللا له في الأخير بأنه إنما كلفنا بالظاهر، إذ لا طريق إلى العلم بالباطن، و قد

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لأسامة لما قتل الأعرابي الذي أظهر الإسلام و لم يقبل منه: «هلا شققت عن قلبه» (1)

و التهجم على القتل عظيم، و فيه منع العلم بحصول التوبة بإظهار ما كان معتادا له، و لذا كان المحكي عن الخلاف و ظاهر المبسوط عدم قبول توبته ناسبا له إلى رواية أصحابنا و الى إجماعهم على هذه الرواية، ثم قال: «و أيضا فإن قتله بالزندقة واجب بلا خلاف،


1- «1» تفسير الدر المنثور- ج 2 ص 200 ذيل الآية 94 من سورة النساء.

ج 41، ص: 632

و ما أظهره من التوبة لم يدل دليل على إسقاطه القتل عنه، و أيضا فإن مذهبه إظهار الإسلام و إذا طالبته بالتوبة طالبته بإظهار ما هو مظهر له، و كيف يكون إظهار دينه توبة».

قلت: لا يخفى عليك جودته إن كان المراد عدم الاكتفاء بما يظهره في الحكم بتوبته بخلاف ما إذا شهدت القرائن بها، و في

خبر مسمع (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يحكم في الزنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيان و شهد له ألف بالبراءة جازت شهادة رجلين و أبطل شهادة الألف لأنه دين مكتوم»

و في خبره الآخر (2) عنه (عليه السلام) أيضا «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي بزنديق فضرب علاوته، فقيل له: إن له مالا كثيرا فلمن يجعل ماله؟ قال: لولده و ورثته و لزوجته»،

و قد سمعت سابقا

مرفوع عثمان بن عيسى (3) الى أمير المؤمنين (عليه السلام) «أنه كتب إلى عامله: أما ما كان من المسلمين ولد على الفطرة ثم تزندق فاضرب عنقه و لا تستتبه، و من لم يولد منهم على الفطرة. فاستتبه، فان تاب و الا فاضرب عنقه».

[تتمة فيها مسائل]
[المسألة الأولى الذمي إذا نقض العهد و لحق بدار الحرب فأمان أمواله باق]

تتمة فيها مسائل:

الأولى الذمي إذا نقض العهد و لحق بدار الحرب فأمان أمواله باق


1- «1» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد المرتد- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد المرتد- الحديث 1.
3- «3» الوسائل- الباب- 5- من أبواب حد المرتد- الحديث 5.

ج 41، ص: 633

بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك بعد نسبته إلى المصنف و غيره من الأصحاب قال: «و كأنه موضع وفاق، و عن الخلاف و المبسوط نفي الخلاف فيه، و لعله الحجة إن تم، لا ما فيهما من أنه عقد الأمان لكل منهما على حدته، أي نفسه و ماله و لم يحصل في المال ما يوجب نقض العهد، إذ هو كما ترى، ضرورة تبعيته له في الحل و الحرمة مع الإطلاق، نعم يصح له عقد الأمان لماله دون نفسه، كما إذا بعث بماله إلى دار الإسلام بأمان، و لنفسه دون ماله، و حينئذ إذا انتقض أحدهما لم ينتقض الآخر، أما مع الإطلاق فالمتجه ما ذكرناه، فالعمدة حينئذ ما عرفت.

و حينئذ فإن مات و لم يكن وارث مسلم ورثه وارثه الذمي و الحربي كغيره من الكفار، خلافا للشافعي فلم يورث الذمي بناء على عدم التوارث بينه و بين الحربي، و هو واضح الضعف و لكن إذا انتقل الميراث إلى الحربي زال الأمان عنه لصيرورته ملكا لمن لا حرمة له، و يكون للإمام (عليه السلام) من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، بل إن قتل الناقض في الحرب فالحكم كذلك أيضا عند الشيخ و الأكثر على ما في المسالك، خلافا للمحكي عن ابن الجنيد من أنه يكون ماله للمقاتلة، لأنه من جملة مفتوحاته، و هو ممنوع، نعم قد يشكل أصل الحكم بارتفاع الأمان عن ماله بأن مقتضى العهد الأول وصول ماله إلى مستحقه و إن كان حربيا، كما إذا لم ينقض العهد و مات و كان وارثه حربيا، فان الظاهر بقاء أمانه، اللهم إلا أن يكون العهد على أمانه في نفسه و ماله على الوجه المزبور، و لعله لذا كان المحكي عن الشافعي في أحد قوليه بقاء

ج 41، ص: 634

أمانه، و هو لا يخلو من وجه.

و أما الأولاد الأصاغر فهم باقون على الذمة لعدم الانتقاض بالنسبة إليهم و حينئذ مع بلوغهم يخيرون بين عقد الذمة لهم بأداء الجزية و بين الانصراف إلى مأمنهم كغيرهم من الكافرين المستقرين في بلاد الإسلام بالأمان كما هو واضح.

[المسألة الثانية إذا قتل المرتد مسلما عمدا فللولي قتله قودا و يسقط قتل الردة]

المسألة الثانية:

إذا قتل المرتد عن فطرة أو ملة مسلما مثلا عمدا فللولي قتله قودا و يسقط قتل الردة بلا خلاف أجده فيه بل و لا إشكال تقديما لحق الناس على حق الله تعالى و هو واضح، نعم لو عفا الولي أو صولح على مال قتل بالردة.

و لو قتل المرتد عن ملة خطأ كانت الدية في ماله مخففة مؤجلة إلى ثلاث سنين لا مغلظة، كما ستعرف ذلك في محله ان شاء الله لأنه لا عاقلة له (11) من المسلمين الذين لا يعقلون الكفار و لا من الكفار الذين لا يرثونه على تردد (12) من ذلك، و من أن المسلمين ورثة لهم، و من كان الإرث له كان العقل عليه، كما ستعرف تحقيق ذلك في محله ان شاء الله و (13) على الأول لو قتل أو مات حلت كما تحل الأموال المؤجلة (14) به كما هو واضح.

إنما الكلام في المرتد عن فطرة الذي مقتضى إطلاق المصنف و محكي المبسوط ذلك فيه أيضا بل عن القواعد التصريح بذلك، و يشكل بعدم المال له، نعم لو قلنا بملكه المتجدد بعد الردة أمكن ذلك حينئذ.

ج 41، ص: 635

أما إذا تقدم الخطأ أو شبه العمد أو العفو بمال على الارتداد كانت الدية كسائر الديون التي تحل بارتداده، و منه ينقدح الإشكال أيضا في تعليق الحلول على القتل أو الموت بالنسبة إليه، اللهم إلا أن يفرق بين التأجيل قبل الردة و بعدها، فالأول يحل بها بخلاف الثاني، و ذلك كله كما ترى، و الأصل فيه إطلاق عنوان الأحكام المزبورة في محكي المبسوط و تبعه غيره، و يمكن حمل كلامه على الملي، لأنه على ما قيل ذكر هذه الأحكام له بعد ذكر قسميه، و الأمر سهل، و قد تقدم بعض الكلام في المسألة و بعض أفرادها أيضا، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا تاب المرتد فقتله من يعتقد بقاءه على الردة]

المسألة الثالثة:

إذا تاب المرتد عن ملة فقتله من يعتقد بقاءه على الردة قال الشيخ في محكي المبسوط و الخلاف و ابن شهرآشوب في محكي متشابه القرآن يثبت القود ب سبب تحقق قتل المسلم ظلما و ذلك لأن الظاهر أنه لا يطلق عليه الارتداد بعد توبته بل هو كذلك قطعا و إن أطلقه عليه الجاهل بحاله، كل ذلك مضافا إلى ظهور إطلاقه من الحبس في توبته، و حينئذ فيندرج في عموم «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» (1) و غيره من أدلة القصاص.

و لكن مع ذلك كله في القصاص تردد لعدم صدق القصد الى قتل المسلم الذي هو عنوانه لا مجرد صدق قتل المسلم،


1- «1» سورة المائدة: 5- الآية 45.

ج 41، ص: 636

فإن قوله تعالى (1) «وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً» و نحوه ظاهر في إرادة العمد إلى متحقق الوصف، فيتجه حينئذ في الفرض أنه من شبيه العمد الذي فيه الدية في ماله مغلظة، و لعله لذا كان المحكي عن الشافعي في أحد قوليه العدم، بل عن الشيخ أنه في محكي كتاب زكاة الفطرة من الخلاف حكم بأن من قتل مسلما في دار الحرب بظن أنه كافر لم يكن عليه أكثر من الكفارة، بل يؤيده

«أن جمعا من الصحابة منهم أسامة بن زيد و جدوا أعرابيا في غنيمات فلما أرادوا قتله تشهد فقالوا:

ما تشهد إلا خوفا من أسيافنا فقتلوه و استاقوا غنيماته فنزل «وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ: لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ» (2) الى آخرها، فغضب النبي (صلى الله عليه و آله) و قال لأسامة: «هلا شققت قلبه» (3)

و لكن لم يقتص منهم، بل ربما أيد أيضا بأن القصاص حد يدرأ بالشبهة المتحققة في الفرض بعد ما عرفت و إن كان فيه ما لا يخفى، لكن في ما سمعت كفاية، و الله العالم.

[الباب الثاني في إتيان البهائم و وطء الأموات و ما يتبعه]
[إتيان البهائم]

الباب الثاني:

في إتيان البهائم و وطء الأموات و ما يتبعه.

إذا وطئ البالغ العاقل المختار بهيمة ذكرا أو أنثى قبلا أو دبرا مأكولة اللحم عادة كالشاة و البقرة و نحوهما مما لا يراد ظهرها تعلق بوطئهما أحكام بخلاف صورة


1- «1» سورة النساء: 4- الآية 93.
2- «2» سورة النساء: 4- الآية 94.
3- «3» تفسير الدر المنثور ج 2 ص 200.

ج 41، ص: 637

العكس، فان الظاهر عدم تعلق حكم بها تعزير الواطئ، و إغرام ثمنها أي قيمتها حين الوطء إن لم تكن له، و تحريم لحم الموطوءة و نسلها و وجوب ذبحها و إحراقها على معنى أن مجموع الأحكام المزبورة التي منها التعزير لا تترتب إلا على وطء البالغ العاقل المختار، لانتفاء التعزير المراد هنا عن الصبي و المجنون و المكره، و إن أدب الأولان، و إلا فقد عرفت في كتاب الأطعمة (1) أن حرمة اللحم و اللبن و الذبح و الإحراق يترتب على مطلق وطء الإنسان صغيرا و كبيرا، عاقلا أو مجنونا، عالما أو جاهلا، حرا أو عبدا، مكرها أو مختارا للإطلاق،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر مسمع (2): «ان أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن البهيمة التي تنكح فقال:

حرام لحمها، و كذلك لبنها»

مضافا إلى محكي الإجماع صريحا و ظاهرا، فيجب حينئذ في ذمتهما المال، و يدفع عنهما الولي إن كان لهما مال، و إلا أتبعا به بعد اليسار، و أما الذبح و الإحراق فينفذه الحاكم ان لم يقع من غيره، و لو كان المراد منها الظهر ففي الروضة «لا شي ء على غير المكلف إلا أن يوجب نقص القيمة لتحريم اللحم أو لغيره فيلزمه الأرش» و فيه أن النص (3)

و الفتوى متطابقان على ثبوت المال في ذمة الفاعل مطلقا، و لا ينافي ذلك بيعها في غير البلد.

و كيف كان فالمراد تفصيل الأحكام المذكورة أما التعزير


1- «1» راجع ج 36 ص 284.
2- «2» الوسائل- الباب- 30- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم.

ج 41، ص: 638

بمعنى العقوبة على الفاعل المستحق ف لا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، و المشهور أن تقديره الى الامام كغيره مما ثبت فيه التعزير، للأصل و النصوص التي منها قول الصادق (عليه السلام) في خبري الفضيل (1)

و

ربعي (2) أو صحيحهما: «ليس عليه حد، و لكن يضرب تعزيرا»

و نحوه ما في

المروي عن قرب الاسناد (3)

«لا رجم عليه و لا حد، و لكن يعاقب عقوبة وجعة»

و منها ما في

موثق سماعة (4)

«يجلد حدا غير الحد ثم ينفى من بلاده إلى غيره»

و منها

حسن سدير (5)

«يجلد دون الحد»

الى آخره مؤبدا ذلك كله بأنه ليس للبهيمة حرمة كحرمة الناس، و لا وطؤها يعرضها للولادة من زناء.

و لكن في رواية

إسحاق بن عمار (6) عن الكاظم (عليه السلام)

يضرب خمسة و عشرين سوطا

و يمكن حملها على بيان أحد الأفراد و في أخرى الحد

قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (7)

«في الذي يأتي البهيمة فيولج: عليه حد الزاني،»

و عن الشيخ احتمال أن يكون عليه الحد إذا عاد بعد التعزير، و الفرق بين الإيلاج و عدمه، فيحد حد الزاني في الأول رجما و قتلا أو جلدا دون الثاني، و هما معا كما ترى، و أولى من ذلك حملهما على التقية.

و في أخرى

صحيحة رواها جميل (8) عن الصادق (عليه


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث- 5.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث- 5.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث- 11.
4- «4» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث- 2.
5- «5» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث- 4.
6- «6» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث- 1.
7- «7» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث- 8.
8- «8» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث- 6.

ج 41، ص: 639

السلام)

يقتل

و في

خبر سلمان بن هلال (1) عنه (عليه السلام) «يقام قائما يضرب بالسيف أخذ السيف عنه ما أخذ، قال: قلت:

هو القتل، قال: هو ذلك»

و يمكن حملهما على من تكرر منه التعزير إلى الثالثة أو الرابعة لما عرفته من أن المشهور بل لم نعرف فيه خلافا الأول الذي عليه العمل، و النفي المذكور في موثق سماعة (2)

محمول على ما إذا رآه الحاكم في التعزير.

و أما التحريم فيتناول لحمها و لبنها و نسلها تبعا لتحريمها قال الباقر و الصادق (عليهما السلام) في أخبار عبد الله بن سنان (3)

و الحسين بن خالد (4)

و

إسحاق بن عمار (5) «ذبحت و أحرقت بالنار، و لم ينتفع بها»

و قال أبو جعفر (عليه السلام) في حسن سدير (6)

«في الرجل يأتي البهيمة يجلد دون الحد و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها، لأنه أفسدها عليه، و تذبح و تحرق و تدفن إن كانت مما يؤكل لحمه»

الحديث. و في

خبر سماعة (7) عن الصادق (عليه السلام) «و ذكروا أن لحم تلك البهيمة محرم و لبنها»

الى آخره، و المراد نسلها المتجدد بعد الوطء لا الموجود حالته، بل في الروضة و إن كان حملا على الأقوى، و في حكمه ما يتجدد من الشعر و الصوف و اللبن و البيض.

و على كل حال فالوجه في الذبح إما تلقيا و تعبدا


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 7.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 2.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 1 عن الصادق ع.
4- «4» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 1 عن الرضا ع.
5- «5» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 1 عن الكاظم ع.
6- «6» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 4.
7- «7» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 2.

ج 41، ص: 640

من الشارع أو لما لا يؤمن من شياع نسلها و تعذر اجتنابه و في

بعض النصوص السابقة (1)

«قلت: و ما ذنب البهيمة؟ قال:

لا ذنب لها، و لكن رسول الله (صلى الله عليه و آله) فعل هذا و أمر به لكيلا يجتزئ الناس بالبهائم و ينقطع النسل».

و لئلا يعير بها الفاعل، و عن بعض العامة لئلا تأتي بخلقة مشوهة، و عن الشيخ أنه حدس، لأنه ما جرت العادة بهذا، بل قال: ينبغي أن نقول هذا غباوة. و لعل إحراقها لئلا تشتبه بعد ذبحها بالمحللة لكن قد عرفت الأمر بالدفن في الخبر السابق (2)

هذا كله في البهيمة التي يراد لحمها.

و إن كان الأمر الأهم فيها ظهرها لا لحمها كالخيل و البغال و الحمير لم تذبح عندنا كما عن المبسوط و إن حرم لحمها على الأقوى، كما صرح به الفاضل و غيره و أغرم الواطئ إن كان غير المالك ثمنها لصاحبها و أخرجت من بلد الواقعة، و بيعت في غيره، إما عبادة من الشارع لا لعلة مفهومة لنا، أو لئلا يعير بها صاحبها

قال الباقر (عليه السلام) في حسن سدير (3): «و إن كانت مما يركب ظهره أغرم قيمتها، و جلد دون الحد، و أخرجت من المدينة التي فعل بها إلى بلاد أخرى حيث لا تعرف، فيبيعها فيها كي لا يعير بها»

و عن بعض العامة أنها تذبح، و هو باطل، نعم عن بعض اشتراط بعد البلد بحيث لا يظهر له خبرها فيه عادة، و في


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 1.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث- 4- و الدفن موجود في الكافي ج 7 ص 204.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 4.

ج 41، ص: 641

الروضة أن ظاهر التعليل يدل عليه، و إن كان فيه أنه يقتضي عدم معرفتها بذلك لا خصوص البعد، و لعله لذا أو لأنه حكمة لا علة أطلق المعظم.

ثم إن المنساق من النص و الفتوى فورية الأمور المزبورة عرفا، و الظاهر عدم وجوب مباشرة الحاكم ذلك إلا مع الامتناع، و لو بيعت فعلم المشتري بها احتمل قويا جواز الفسخ مع استلزامه نقص القيمة بالنسبة إلى العالم، لأنه حينئذ عيب و لو لحرمة لحمها أو لغيره.

و ما الذي يصنع بثمنها؟ قال بعض الأصحاب و هو المفيد:

يتصدق به عقوبة و رجاء لتكفير الذنب- و لكونه- إذا لم يكن المالك الواطئ- غير مال لهما أما المالك فلأخذه القيمة، و الواطئ لكونه غير مالك لها و لكن مع ذلك قال المصنف لم أعرف المستند و لعله لأن العقوبة بالتعزير و التكفير بالتوبة، و المال المملوك لا يكون لغير مالك.

و قال آخرون: يعاد إلى المغترم، و إن كان الواطئ هو المالك دفع اليه، و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، كما قد عرفت تحقيق ذلك، بل المسألة بجميع أطرافها في كتاب الأطعمة (1).

و لو بيعت في غير البلد بأزيد من الثمن الذي غرمه الواطئ ففي رد الزيادة للمالك أو الصدقة بها أو كونها للغارم وجوه، أقواها الأخير بناء على ملكه لها بدفع القيمة أو باستحقاقها عليه.

و لو كان الفاعل معسرا ففي القواعد «رد الثمن على المالك بل في كشف اللثام قولا واحدا و هو الحجة إن تم إجماعا و إلا كان فيه


1- «1» راجع ج 36 صفحة 284- 289.

ج 41، ص: 642

نظر، فان نقص من القيمة كان الباقي في ذمته يطالب به مع المكنة، و النفقة عليها إلى وقت بيعها على الفاعل و إن لم نقل بانتقالها إليه للحيلولة، فإن نمت فله إن دفع القيمة إلى المالك و قلنا بالانتقال، و إلا فللمالك على إشكال ينشأ من الانتقال إليه بنفس الفعل، لوجوب الانتزاع من المالك بمجرده أو بدفع القيمة للأصل و من عدم الانتقال مطلقا، للأصل و الشك في موجبه.

و لو ادعى المالك الفعل و أنكر المدعى عليه كان له الإحلاف للعموم و ليس هذا من اليمين في الحد المنفي في النصوص (1)

بل من اليمين في المال، و حينئذ فلو رد اليمين لم يثبت التعزير بناء على أنه من الحد، دون غيره من الأحكام خصوصا على ما حققناه في محله من عدم كونها بمنزلة البينة أو الإقرار، بل هي أصل برأسها.

و على كل حال فلا إشكال في حرمة المأكولة أخذا على المالك بإقراره، و ينجس رجيع المأكولة كسائر المحرمات، و ربما يشعر به ما سمعته في الخبر (2)

من أنه لا ينتفع به، و يحرم استعمال جلدها بعد الذبح في ما يستعمل فيه جلد غير المأكول على إشكال من الأصل و من كونه من الانتفاع المنفي و وجوب إحراقه مع الجلد، و إن كان فيه منع واضح.

و يثبت هذا بشهادة رجلين عدلين بلا خلاف محقق أجده فيه للعموم، نعم في كشف اللثام كلام المبسوط يعطي اشتراط أربعة رجال أو ثلاثة مع امرأتين، و على تقديره لا دليل له سوى القياس


1- «1» الوسائل- الباب- 24- من أبواب مقدمات الحدود- الحديث 1 و 4.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 1.

ج 41، ص: 643

على الزناء الذي ليس من مذهبنا، لكن في الرياض جعله استقراء ثم قال: لا بأس به إن أفاد ظنا معتمدا، و يحتمل مطلقا، لا أنه الشبهة الدارئة لا أقل منها، فتأمل و لا يخفى عليك ما فيه.

و لا يثبت بشهادة النساء انفردن أو انضممن للأصل و الشبهة و العموم.

و كذا يثبت عند المشهور بالإقرار و لو مرة إن كانت الدابة له للعموم (1) أيضا و إلا ثبت التعزير حسب و إن تكرر الإقرار لأنه في غيره إقرار في حق الغير و قيل و القائل ابنا حمزة و إدريس و ظاهر محكي المختلف لا يثبت إلا بالإقرار مرتين، و هو غلط و إن ذكرنا سابقا وجها لنحوه في الحد، اللهم إلا أن يقال: ان التعزير نوع منه.

و لو كان الفعل بينه و بين الله و كانت الموطوءة مأكولة اللحم و ملكا له وجب عليه فعل ذلك بها، أما إذا كان المراد منها ظهرها ففي الروضة «في وجوب بيعها خارج البلد وجهان أجودهما العدم، للأصل و عدم دلالة النصوص عليه، و للتعليل (2) بأن بيعها خارجه ليخفى خبرها و هو مخفي هنا، و من أن ذلك حكمة و ظاهر النص و الفتوى عدم الفرق في تعلق أحكام الموضوعين».

و فيها أيضا «لو كانت لغيره فهل يثبت عليه الغرم و يجب عليه التوصل إلى إتلاف المأكولة بإذن المالك و لو بالشراء منه؟ الظاهر العدم، نعم لو صارت ملكه بوجه من الوجوه وجب عليه إتلاف


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من كتاب الإقرار- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 4.

ج 41، ص: 644

المأكولة، لتحريمها في نفس الأمر، و في وجوب كونه بالذبح ثم الإحراق وجه قوي» و لا يخفى عليك ما فيه بعد ظهور النص و الفتوى بثبوت المال في ذمة الفاعل بمجرد الفعل، فيجب عليه التوصل إلى إيصاله كما يجب عليه تنفيذ الأحكام المزبورة، و لو لم يتمكن فذبحها المالك لم يحل للفاعل الأكل من لحمها و كذا نسلها و لبنها، و الله العالم.

و لو تكرر مع تخلل التعزير ثلاثا، قتل في الرابعة أو الثالثة على البحث السابق، لكن قد عرفت ورود القتل هنا بخصوصه، و هو يؤيد الثاني، و لكن الاحتياط يؤيد الأول، و الله العالم.

[وطء الأموات]

و وطء الميتة من بنات آدم كوطء الحية في تعلق الإثم و الحد رجما أو قتلا و اعتبار الإحصان و عدمه بلا خلاف أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع فضلا عن محكيه في بعض العبارات و عما عن الانتصار و السرائر من الإجماع على تحقق الزناء بوطء الميتة الأجنبية بلا شبهة، و

قال عبد الله بن محمد الجعفي (1)

«كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) و جاءه كتاب هشام بن عبد الملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها، و نكحها فان الناس قد اختلفوا علينا في هذا، فطائفة قالوا: اقتلوه و طائفة قالوا: أحرقوه فكتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) إن حرمة الميت كحرمة الحي، حده أن تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب، و يقام عليه الحد في الزناء إن أحصن رجم و إن لم يكن أحصن جلد مائة»

و نحوه غيره (2) من النصوص.

بل هنا الجناية أفحش فتغلظ العقوبة زيادة عن الحد بما يراه


1- «1» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة- الحديث 6.

ج 41، ص: 645

الامام بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه،

قال الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن أبي عمير (1)

«في الذي يأتي المرأة و هي ميتة: و زره أعظم من ذلك الذي يأتيها و هي حية»

بل قد يحتمل ثبوت الزيادة المزبورة في صورة القتل قبله كما يقتضيه إطلاق النصوص و الفتوى.

و لو كان زوجته أو أمته اقتصر في التأديب على التعزير كما عن الأكثر القطع به، بل لم أجد خلافا فيه، كما اعترف به في الرياض و سقط الحد بالشبهة شرعا و بقاء علقة الزوجية و إن عزر لانتهاك الحرمة، أو لكونه محرما إجماعا و إن لم يكن زناء لغة و عرفا و لا بحكمه شرعا، و ربما حمل عليه إطلاق

الخبر (2)

«عن رجل زنى بميتة، قال: لا حد عليه»

و إن كان بعيدا، و يحتمل فيه الإنكار أو ما دون الإيلاج كالتفخيذ و نحوه.

و كيف كان ف في عدد الحجة على ثبوته خلاف، قال بعض الأصحاب كالشيخين و ابني حمزة و سعيد يثبت بشاهدين و عن المختلف اختياره للعموم و لأنه شهادة على فعل واحد بخلاف الزناء بالحية فإنه شهادة على اثنين،

قال إسماعيل بن أبي حنيفة (3): «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان و الزناء لا يجوز فيه إلا أربعة شهود و القتل أشد من الزناء؟


1- «1» الوسائل- الباب- 2- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 2.
2- «2» الوسائل- الباب- 2- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 3.
3- «3» الوسائل- الباب- 1- من أبواب دعوى القتل- الحديث 1 من كتاب القصاص عن إسماعيل بن أبي حنيفة عن أبي حنيفة.

ج 41، ص: 646

فقال: لأن القتل فعل واحد و الزناء فعلان، فمن ثم لا يجوز إلا أربعة شهود: على الرجل شاهدان و على المرأة شاهدان»

لكنه قاصر السند، بل الظاهر إرادة الحكمة فيه لا التعليل المنتقض بالإكراه و المجنونة و النائمة و غيرها مع اشتراط الأربعة، بل في بعض النصوص (1)

الاستدلال بذلك على بطلان القياس، مضافا إلى معلومية سماع شهادة الاثنين على الألف فصاعدا.

و قال بعضهم كابن إدريس لا يثبت إلا بأربعة رجال ل ما عرفت من أنه زناء بل أفحش، و هو لا يثبت إلا بها و ل ما قيل من أن شهادة الواحد قذف فلا يندفع الحد إلا بتكملة الأربعة و إن كان فيه أن الآية (2) مخصوصة بقذف النساء و إلا فشهادة الشاهد قذف مع عدم كمال العدد المعتبر، و هو محل النزاع.

و لكن مع ذلك هو الأشبه بأصول المذهب التي منها درء الحد بالشبهة و الأشهر، بل قيل إنه المشهور، بل لعله لا خلاف فيه بين المتأخرين، نعم الظاهر كفاية الأربع و لو ثلاثة رجال مع امرأتين كما في الزناء، لكن في القواعد الإشكال في ذلك، و لعله من ابتناء الحدود على التخفيف، و أن الأصل و النص (3)

و الفتوى عدم قبول شهادتهن في الحدود، خرج الزناء بالحية بالنص (4)

و الإجماع،


1- «1» علل الشرائع ص 40.
2- «2» سورة النور 24- الآية 4.
3- «3» الوسائل- الباب- 24 من كتاب الشهادات- الحديث 29.
4- «4» الوسائل- الباب- 24 من كتاب الشهادات.

ج 41، ص: 647

و من كونه زناء أو أضعف منه إن ثبت بشاهدين و إن كان لا وجه للأول بعد فرض كونه زناء لغة و عرفا و شرعا، نعم يتجه القول بثبوته بالشاهدين في وطء الرجل زوجته و أمته، لعموم البينة و إن لم أجد تصريحا به، بل ظاهر إطلاقهم عدم الفرق إلا مع ملاحظة التعليل. هذا كله في ثبوته بالبينة.

أما الإقرار فتابع للشهادة بلا خلاف فمن اعتبر في الشهود أربعة اعتبر في الإقرار مثله، و من اقتصر على شاهدين قال في الإقرار كذلك.

[مسألتان]
[المسألة الأولى من لاط بميت كان كاللائط بالحي]

مسألتان:

الأولى من لاط بميت كان كاللائط بالحي في الحد للصدق و يزيد بأن يعزر تغليظا بزيادة الحرمة بالموت لو وجب الجلد بعدم الإيقاب، بل و به قبل القتل نحو ما سمعته سابقا، نعم ربما احتمل عدم التغليظ من أصله لعدم الدليل.

[المسألة الثانية من استمنى بيده عزر]

المسألة الثانية:

من استمنى بيده أو بغيرها من أعضائه عزر لأنه فعل محرما بل كبيرة، ففي

خبر أحمد بن عيسى المروي عن نوادر

ج 41، ص: 648

ولده (1) سأل الصادق (عليه السلام) «عن الخضخضة، فقال:

إثم عظيم قد نهى الله عنه في كتابه، و فاعله كناكح نفسه، و لو علمت بمن يفعله ما أكلت معه، فقال السائل: بين لي يا ابن رسول الله من كتاب الله فيه، فقال: قول الله فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ*، الآية (2) و هو مما وراء ذلك، فقال الرجل: أي أكبر الزناء أو هي؟

فقال: هو ذنب عظيم».

و في الصحيح (3)

«عن الخضخضة، فقال: من الفواحش»

و في الموثق (4)

«في الرجل ينكح البهيمة أو يدلك، فقال: كل ما أنزل به الرجل ماءه من هذا و شبهه زناء»

و المراد بحكمه إثما، و

قال أبو بصير (5): «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاثة لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم: الناتف شيبة، و الناكح نفسه و المنكوح في دبره».

و ما في

خبر ثعلبة بن ميمون و حسين بن زرارة (6)- «سألته عن الرجل يعبث بيديه حتى ينزل، قال: لا بأس به، و لم يبلغ به ذاك»

و نحوه غيره- شاذ محمول على نفي الحد، أو على السؤال عمن عبث بيديه مع زوجته أو أمته لا مع ذكره أو غير ذلك، أو مطرح للاتفاق ظاهرا على الحرمة المستفادة مما عرفت و من قوله تعالى (7):


1- «1» الوسائل- الباب- 3- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 4.
2- «2» سورة المؤمنون: 23- الآية 7.
3- «3» الوسائل- الباب- 28- من أبواب النكاح المحرم- الحديث- 5 من كتاب النكاح.
4- «4» الوسائل- الباب- 26- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 1 من كتاب النكاح.
5- «5» الوسائل- الباب- 28- من أبواب النكاح المحرم- الحديث- 7 من كتاب النكاح.
6- «6» الوسائل- الباب- 3- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 3.
7- «7» سورة المؤمنون: 23- الآية 5.

ج 41، ص: 649

الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ*» الآية و من

لعن النبي (صلى الله عليه و آله) «الناكح كفه» (1)

و من غير ذلك.

نعم الظاهر عدم البأس به في تفخيذ الزوجة و الأمة و نحوه من الاستمناء بين إليتيها و نحوهما، للأصل و قوله تعالى (2) «إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ»* و غيره و إن كان الأولى تركه أيضا.

و على كل حال فليس فيه إلا التعزير و تقديره كغيره من أفراد التعزير منوط بنظر الامام و إن كان في رواية

زرارة (3) عن أبي جعفر (عليه السلام)

ان عليا (عليه السلام) ضرب يده

بالدرة

حتى احمرت

إذ هو أحد الأفراد قال:

و لا أعلمه إلا قال

و زوجه من بيت المال

و نحوه خبر طلحة بن زيد (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) إلا أنه لم ينص فيه على الاستمناء.

و على كل حال فما في الخبر من التزويج إنما هو تدبير استصلحه في ذلك الحال لا أنه من اللوازم كما عن التحرير التصريح به، و الله العالم.

و يثبت بشهادة عدلين كاللواط للعموم و الإقرار و لو مرة (11) له أيضا و قيل (12) و القائل ابن إدريس لا يثبت بالمرة (13) و له وجه و (14) إن قال المصنف هو و هم (15) نعم لا يثبت بشهادة النساء مطلقا، و الله العالم.


1- «1» المستدرك- الباب- 23- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 2 من كتاب النكاح.
2- «2» سورة المؤمنون: 23- الآية 6.
3- «3» الوسائل- الباب- 3- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 2.
4- «4» الوسائل- الباب- 3- من أبواب نكاح البهائم- الحديث 1.

ج 41، ص: 650

[الباب الثالث في الدفاع]
اشارة

الباب الثالث: في الدفاع لا خلاف و لا إشكال في أنه للإنسان أن يدفع المحارب أو اللص أو غيرهما عن نفسه و حريمه و ماله ما استطاع للأصل و الإجماع بقسميه، و ما تقدم من النصوص في المحارب(1)

بل و عن غيره، للأصل و عموم الإعانة على البر و غير ذلك،

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر الأصبغ (2)

«يضحك الله تعالى إلى رجل في كتيبة يعرض لهم سبع أو لص فحماهم حتى يجوزوا»

و في

خبر السكوني (3) عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم»

و قال الصادق (عليه السلام) في الصحيح (4)

«قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): عونك الضعيف من أفضل الصدقة»

الى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك حتى فحوى

قول أمير المؤمنين (5) (عليه السلام) «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من رد عن قوم من المسلمين عادية ماء أو نار وجبت له الجنة»

فلا إشكال حينئذ في جواز الدفاع مطلقا، بل في كشف اللثام «و لو قدر على الدفع عن غيره فالأقوى كما


1- «1» الوسائل- الباب- 3 و 5 من أبواب الدفاع.
2- «2» الوسائل- الباب- 59- من أبواب جهاد العدو- الحديث 3 من كتاب الجهاد.
3- «3» الوسائل- الباب- 59- من أبواب جهاد العدو- الحديث 1 من كتاب الجهاد.
4- «4» الوسائل- الباب- 59- من أبواب جهاد العدو- الحديث 2 من كتاب الجهاد.
5- «5» الوسائل- الباب- 60- من أبواب جهاد العدو- الحديث 1 من كتاب الجهاد.

ج 41، ص: 651

في التحرير الوجوب مع أمن الضرر و إن كان لا يخلو من نظر.

نعم قالوا من غير خلاف يعرف فيه بينهم يجب اعتماد الأسهل فلو اندفع الخصم بالتنبيه و لو بالتنحنح فعله، و إن لم يندفع إلا بالصياح اقتصر عليه إن كان في موضع يلحقه المنجد مثلا و إن لم يندفع بالصياح عول على اليد فان لم تغن فبالعصا فان لم تكف فبالسلاح إلى غير ذلك من أفراد الترقي من الأسهل إلى الصعب ثم إلى الأصعب، و لكن قد ذكرنا سابقا أن مقتضى إطلاق النصوص عدم الترتيب المزبور، خصوصا في المحارب و اللص المحارب و المطلع على عيال غيره، بل مطلق الدفاع، فان لم يكن إجماعا أمكن المناقشة فيه، بل لعل السيرة على خلافه.

و على كل حال ف يذهب دم المدفوع هدرا جرحا كان أو قتلا فضلا عن ماله إذا لم يندفع إلا بذلك بلا خلاف أجده فيه نصا (1)

و فتوى بل الإجماع بقسميه عليه و يستوي في ذلك الحر و العبد و المسلم و الكافر و الليل و النهار بمثقل أو محدد خلافا لأبي حنيفة، فضمنه مع القتل بمثقل إن قتله نهارا.

و لو قتل الدافع و لو دون ماله كان كالشهيد في الأجر كما سمعته في النصوص (2)

السابقة، و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان (3): «من قتل دون مظلمة فهو شهيد»

و نحوه

قول الباقر (عليه السلام) في خبر أبي مريم (4) قال: «يا أبا


1- «1» الوسائل- الباب- 6- من أبواب الدفاع.
2- «2» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو من كتاب الجهاد.
3- «3» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو- الحديث 8- من كتاب الجهاد.
4- «4» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو- الحديث 9- من كتاب الجهاد.

ج 41، ص: 652

مريم هل تدري ما دون مظلمة؟ قلت: جعلت فداك الرجل يقتل دون أهله و دون ماله و أشباه ذلك، فقال: يا أبا مريم إن من الفقه عرفان الحق»

و الظاهر أنه أقره على ما فسره به.

نعم قيده غير واحد في المال بما إذا ظن السلامة و إطلاق النصوص ينافيه، بل في

مرسل البرقي (1) عن الرضا (عليه السلام) «عن الرجل يكون في السفر و معه جارية له فيجي ء قوم يريدون أخذ جاريته أ يمنع جاريته من أن تؤخذ و إن خاف على نفسه القتل؟ قال نعم، قلت:

و كذلك إن كان معه امرأة قال: نعم و كذلك الأم و البنت و ابنة العم و القرابة يمنعهن و إن خاف على نفسه القتل، قال: نعم و كذلك المال يريدون أخذه في سفر فيمنعه و إن خاف القتل قال: نعم».

و على كل حال فلا إشكال في أنه يضمنه المدفوع نفسا و طرفا و مالا للعمومات، نعم قد تقدم سابقا الفرق بين النفس و المال بالنسبة إلى وجوب الدفاع و عدمه فيجب في الأول مع انحصار الأمر فيه و لا يجوز الاستسلام بخلاف المال الذي لا يتوقف حفظ النفس عليه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه للنصوص (2) السابقة، بل لو علم تلف النفس حرم عليه ذلك لأهمية حفظ النفس و إن كان قد يتوهم من إطلاق النصوص جوازه أيضا.

و أما العرض ففي الرياض هو محل نظر، بل الظاهر جواز الاستسلام كما صرح به في التحرير و غيره، لأولوية حفظ النفس من حفظ العرض كما يستفاد من جملة من الأخبار الواردة (3)

في درء الحد عن المستكرهة


1- «1» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو- الحديث- 12- من كتاب الجهاد.
2- «2» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو- من كتاب الجهاد.
3- «3» الوسائل- الباب- 18- من أبواب حد الزنا.

ج 41، ص: 653

على الزناء معللة بقوله تعالى (1) «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ».

و فيه أن أهمية حفظ النفس من العرض بعد تسليمها مع التعارض لا في الدفاع المعلوم فيه النجاة أو المظنون فيه ذلك، و المفروض وجوب حفظ العرض كالنفس، و لا دليل على الاذن في الاستسلام كالمال، و الاخبار الواردة في سقوط الحد عن المستكرهة المعللة بما ذكر مساقة لبيان حكم الإكراه الذي لا يتمكن معه من الدفع كما لو قيد الامرأة مثلا، و المراد هنا أن العرض كالمال في جواز الاستسلام و إن تمكن من الدفاع فتأمل جيدا.

و لعله لذا قال في المسالك: «و الأقوى وجوب الدفع عن النفس و الحريم مع الإمكان، و لا يجوز الاستسلام، فان عجز و رجا السلامة بالكف و الهرب وجب، إما المدافعة عن المال فان كان مضطرا إليه و غلب على ظنه السلامة وجب و إلا فلا» و إن كان قد يناقش بأنه مع الاضطرار إليه للنفس يجب عليه الدفع و إن لم يظن السلامة، لأنه من الدفاع عنها، و في قواعد الفاضل «يجب الدفاع عن النفس و الحرم ما استطاع، و لا يجوز الاستسلام».

و في كشف اللثام «لوجوب دفع الضرر عقلا، و النهي عن المنكر بمراتبه، و

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر غياث (2)

«إذا دخل عليك اللص يريد أهلك و مالك فان استطعت أن تبدره و تضربه فابدره و اضربه»

و أجاز الشافعي الاستسلام في أحد قوليه و إن لم يمكن


1- «1» سورة البقرة: 2- الآية 173.
2- «2» الوسائل- الباب- 5- من أبواب الدفاع- الحديث 1.

ج 41، ص: 654

و أمكن الهرب وجب، و كذا يجوز مع إمكان الدفع» و إن كان قد يناقش بأن ما ذكره من التعليل يأتي في المال أيضا، و كذلك الخبر المنساق من الأمر فيه الإباحة لكونه في مقام توهم الحظر و لذا جمع فيه بين النفس و المال.

ثم قال في القواعد: «و للإنسان أن يدافع عن المال كما يدافع عن نفسه و إن قل و لكن لا يجب» و وافقه عليه في كشف اللثام نعم قال:

«إلا مع الاضطرار و التضرر بفقده ضررا يجب دفعه عقلا أو كان المال لغيره أمانة في يده، و ربما وجب الدفع عنه مطلقا من باب النهي عن المنكر، ثم في جواز القتل أو الجرح للدفع عن المال له أو لغيره إن لم يندفع إلا به مع القطع بأنه لا يريد سواه من نفس أو عرض تأمل، و قد مر في باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر التردد في جواز القتل أو الجرح إن لم ينته بدونه بغير إذن الامام، و لكن أطلق الأصحاب ثم ذكر جملة من النصوص الدالة على جواز القتال عن المال و ان من قتل دون ماله و لو عقال فهو شهيد (1)».

قلت: و منه يعلم أن ما ذكره من التأمل و التردد كالاجتهاد في مقابلة النصوص و الفتاوى. نعم لو علم القتل مع المدافعة اتجه حينئذ الحرمة، لما سمعته من الإجماع منهم على الظاهر، بل قد يظهر من غير واحد إلحاق الظن به و إن كان لا يخلو من نظر، و ما ذكره من الأمانة في يده يمكن منع وجوب الدفاع عنها مع خوف الضرر، لعدم صدق التعدي و التفريط، كما أن ما ذكره من احتمال وجوب الدفع عن المال مطلقا لا وجه له بعد النص و الفتوى بالإذن في الاستسلام، و النهي عن


1- «1» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو- الحديث 13 و 5 من كتاب الجهاد.

ج 41، ص: 655

المنكر لا يقتضي وجوب الدفع المشتمل على الخوف على النفس و غيرها، و كذا الكلام في ما ذكره من التأمل في جواز القتل و الجرح إلى آخره فإنه لا وجه له بعد النصوص و الفتاوى باهدار دم المدفوع، و ما ذكره في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر غير مسألة الدفاع التي لا إشكال في إباحة دم الظالم فيها بخلاف الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، كما هو واضح، و أما العرض فان له المدافعة عنه و إن خاف القتل، ضرورة كونه أهم من المال.

إنما الكلام في وجوبها ما لم يعلم القتل، يحتمل ذلك، ل

قول الصادق (عليه السلام) في الحسن أو الصحيح (1)

«قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله ليمقت الرجل يدخل عليه اللص في بيته فلا يحارب»

و نحوه خبر السكوني (2) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) و خروج المال بالتصريح بالرخصة في ما سمعته في النصوص لا يقتضي إلحاق غيره به، بل قد يشعر الاقتصار فيها على المال بعدم ذلك في غيره من النفس و العرض، مضافا إلى وجوب دفع الأقل ضررا بالأعظم، و لا ريب في أهمية العرض من النفس عند ذوي النفوس الأبية، نعم لو علم القتل و أنه لا يدفع عنه شي ء احتمل القول حينئذ بالحرمة حفظا للنفس مع احتمال المدافعة عنه جوازا و وجوبا كالنفس.

أما المدافعة عن النفس فالظاهر وجوبها بما يتمكن و إن علم عدم الدفع عنها إلا أن الساعة و الساعتين بل الأقل منهما تكفي في ذلك.

و لعله بملاحظة ما ذكرناه هنا و ما تقدم في اللص المحارب يظهر لك الحكم في جميع صور المسألة المتصورة في المقام المتعلقة بالنفس و العرض


1- «1» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو- الحديث 2 من كتاب الجهاد.
2- «2» الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد العدو- الحديث 2 من كتاب الجهاد.

ج 41، ص: 656

و المال من حيث العلم بالقتل و الجرح له أو للمدفوع و الظن أو الاحتمال و حصول الدفع و عدمه و غير ذلك بعد ضبط الميزان، و هو أنه يجب حفظ النفس و العرض، و الاذن في الاستسلام قد جاء في المال، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه لا يجوز للمدافع أن يبدؤه أي المدفوع ما لم يتحقق قصده إليه أو إلى عرضه أو ماله و لو بالطريق الظني الذي يتحقق به مثله عرفا و إن ضمنه بعد ذلك لو بان خطاؤه، بل الظاهر اعتبار إمكان تسلطه عادة لو لم يدفع مع ذلك، فلو قصده من وراء حائل من نهر أو حائط أو حصن يحول عادة بينه و بين التسلط على ما يريده كف عنه، كما صرح به في كشف اللثام.

و على كل حال فمع تحقق القصد ف له دفعه ما دام مقبلا مراعيا الترتيب المزبور مع إمكانه و إلا سقط عنه و يتعين وجوب الكف عنه مع إدباره معرضا عن ظلمه، إذ لا يجوز الضرب إلا للدفع و لا دفع مع الادبار المزبور.

و لو ضربه فعطله عنه أو ربطه كذلك لم (11) يجز له أن يدفف عليه لاندفاع ضرره (12) عنه بذلك، فلو تعدى عليه حينئذ ضمن و لو ضربه مقبلا فقطع يده فلا ضمان على الضارب في الجرح و لا في السراية (13) مع توقف الدفع عليه بلا خلاف و (14) لا إشكال نصا و فتوى نعم لو ولى (15) معرضا عما كان عليه فضربه أخرى فالثانية مضمونة (16) لأنها ظلم فتندرج في العمومات.

ج 41، ص: 657

فان اندملت كل منهما فالقصاص في الثانية في اليد إن أراده و لو (فان خ ل) اندملت الأولى و سرت الثانية ثبت القصاص في النفس للعمومات خلافا لما عن المبسوط من إسقاطه، قال: «و لكن يجب القصاص في اليد أو نصف دية النفس».

و لو سرتا معا فالذي يقتضيه المذهب ثبوت القصاص بعد رد نصف الدية كما في كل مقتول عمدا بسببين أحدهما غير مضمون عليه، فإنه يقتص منه بعد رد ما قابل الجناية الأخرى و هو نصف الدية، و هذا من أفراده، خلافا لما سمعته من المبسوط من إسقاط القصاص في النفس و ثبوته في اليد أو نصف الدية و لكن استقر المذهب على خلافه، لعدم وضوح مستند له يخرجه عما عرفت.

و لو قطع يده مقبلا و رجله مدبرا ثم يده مقبلا ثم سرى الجميع قال في المبسوط: عليه ثلث الدية إن تراضيا، و إن أراد الولي القصاص جاز بعد رد ثلثي الدية الموزعة عنده على عدد الجناية لا الجاني، و الفرض عدم الاثنين منهما، و لكن فيه مضافا إلى ما سمعته من المصنف أنه مناف لما سمعته منه سابقا من عدم القصاص في مثله، بل يخير الولي بين القصاص في الرجل و بين ثلث الدية، نحو ما تقدم، بل في كشف اللثام قد حكي عنه عدم القصاص.

و كيف كان فهذا في الفرض المزبور أما لو قطع يده ثم رجله مقبلا و يده الأخرى مدبرا و سرى الجميع ف عنه في المبسوط أنه إن توافقا على الدية فنصف الدية و إن طلب القصاص رد نصف الدية، و الفرق أن الجرحين هنا تواليا فجريا مجرى الجرح الواحد،

ج 41، ص: 658

و ليس كذلك في الأولى التي تخلل الضرب المضمون فيها بين الضربين غير المضمونين فلم يبن أحدهما على الآخر، لكونه كالذي من غير جنسه، فيكون الجميع بمنزلة ثلاثة أشياء بالنسبة إلى توزيع الدية عليها.

و لكن في الفرق عندي ضعف كما اعترف به المتأخرون و الأقرب أن الأولى كالثانية ل ما ستعرفه في ما يأتي إن شاء الله حتى من الشيخ في ما حكي من جراح مبسوطة من أن جناية الطرف يسقط اعتبارها مع السراية و العبرة بعدد الجانين دون الجناية كما لو قطع أحد يده مثلا و آخر رجله ثم قطع الأول يده الأخرى فمع السراية من الجميع هما سواء في القصاص و الدية و إن تعددت الجناية من أحدهما متوالية أولا و اتحدت من الآخر، و الفرض في المقام أنه مات بجنسين من الجناية مباح و محظور و إن تعدد أحدهما و اتحد الآخر، و الجناية إنما يعتبر اتحادها و تعددها مع السلامة لا مع السراية، كما ستعرف تحقيق ذلك في القصاص إن شاء الله، و احتمال الفرق بين هذا و المتنازع- بأن المجانسة حاصلة في الأول إذ الجراحات الثلاثة مضمونة بخلاف المتنازع، فان ثانيها خاصة مضمون فلا يمكن البناء- لا يرجع إلى حاصل، مع أن الجرح الثاني في الأول بالنسبة إلى الجارح الأول غير مضمون عليه، فيكون قد تخلل بين الجرحين المضمونين عليه جرح غير مضمون عليه، فلم يكن مجانسا لذلك، و إذا لم يمنع هذا من البناء فكذلك الآخر، كل ذلك مضافا إلى ما سمعته من أن المتجه بناء على ما سمعته من الشيخ عدم القصاص في النفس أصلا و إن أدى نصف الدية، و الله العالم.

ج 41، ص: 659

[مسائل من هذا الباب]
[المسألة الأولى لو وجد مع زوجته أو مملوكته أو غلامه من ينال دون الجماع فله دفعه]

مسائل من هذا الباب:

الأولى:

لو وجد مع زوجته أو مملوكته أو غلامه أو ولده أو بنته أو أحد من أرحامه من ينال منه من الفاحشة دون الجماع فله دفعه بلا خلاف و لا إشكال لكن على الوجه السابق فان أتى الدفع عليه فهو هدر كغيره من أفراد الدفع ضرورة أن المقام منه، لأنه عرضه الذي عرفت قوة احتمال مساواته للنفس، بل قد تقدم سابقا البحث في أنه له قتل من يجده يجامع زوجته، بل و مملوكته و غلامه في وجه تقدم الكلام فيه في ما مضى، بل له الدفع عن الأجنبي لما عرفته سابقا من النصوص، و لكن في كشف اللثام هنا بعد أن جزم بأن له الدفع عنه بل عليه لم يجوز قتله لو توقف الدفع عليه، و لعله لعدم كون عرض الأجنبي عرضا أذن له في القتل في الدفع عنه، و فيه أن ذلك مقتضى جواز الدفع له أو وجوبه عليه، كما هو واضح.

و على كل حال فالمدفوع هدر للدافع في ما بينه و بين الله تعالى و إلا فللولي القصاص منه ما لم تكن له بينة على ذلك، لأن الأصل الضمان، و الله العالم.

ج 41، ص: 660

[المسألة الثانية من اطلع على عورات قوم فلهم زجره]

المسألة الثانية:

من اطلع على عورات قوم بقصد النظر إلى ما يحرم عليه منهم و لو من ملكه فلهم زجره قطعا إذ هو من المدافعة عن العرض أيضا، و حينئذ فلو أصر فرموه بحصاة أو عود أو غيرهما ف اتفق أنه جنى ذلك عليه كانت الجناية هدرا بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه مع توقف الدفع عليها، بل و كذا لو تعمدوه بذلك مع الفرض المزبور، لأنه من المدافعة عن العرض، مضافا إلى النصوص التي قدمناها في المحارب كصحيح حماد (1)

و خبر العلاء بن الفضيل (2)

و خبر أبي بصير (3)

و خبري عبيد بن زرارة (4)

بل في

صحيح ابن مسلم (5)

«عورة المؤمن على المؤمن حرام، و قال من اطلع على مؤمن في منزله فعيناه مباحتان للمؤمن في تلك الحال»

و في النبوي (6)

«من اطلع عليك فحذفته بحصاة ففقأت عينه فلا جناح عليك»

و قد قلنا هناك: إن لم يكن إجماع كان مقتضى إطلاقها جواز المبادرة إلى ذلك، و كذا الكلام في اللص المحارب،


1- «1» الوسائل- الباب- 25- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 من كتاب القصاص.
2- «2» الوسائل- الباب- 25- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 6 من كتاب القصاص.
3- «3» أشار إليه في الوسائل في الباب- 25- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 1 و ذكره في الفقيه ج 4 ص 74.
4- «4» الوسائل- الباب- 25- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 4 و 5 من كتاب القصاص.
5- «5» الوسائل- الباب- 25- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 من كتاب القصاص.
6- «6» صحيح البخاري- ج 9 ص 7 «باب من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان» و ص 11.

ج 41، ص: 661

بل و مطلق اللص، بل لم أجد في شي ء من النصوص إشارة إلى الترتيب الذي ذكروه.

و دعوى أن النصوص المزبورة ضعيفة لا جابر لها إلا مع الترتيب المذكور واضحة الفساد، ضرورة أنها- مع كثرتها و تعاضدها على وجه يمكن تحصيل القطع منها- فيها الصحيح و الموثق و غيرهما.

و أوضح منها فسادا دعوى أن ذلك كله من باب الأمر بالمعروف المعلوم ثبوت الترتيب فيه، ضرورة خروج باب الدفاع عنه، و لذا أهدر دم المدفوع فيه دونه و إن كان هو من الموافق له في المعنى.

و نحوها دعوى أن الدفاع من الضرورة التي تقدر بقدرها، إذ هي كالاجتهاد في مقابلة النص، و كذا دعوى أن المنساق من الدفاع الترتيب المزبور، ضرورة منع ذلك أولا، و كون العنوان غير الدفاع في النصوص المزبورة ثانيا، فليس حينئذ إلا الإجماع المزبور إن لم.

و حينئذ بناء على ذلك لو بادره من غير زجر ضمن لكونه عاديا، فيندرج في عمومات الضمان، و في محكي المبسوط «إن لم يكف الزجر استغاث عليه إن كان في موضع يبلغه الغوث، فان لم يكن استحب أن ينشده، فان لم ينفع فله ضربه بالسلاح أو بما يردعه- قال-: و إن أخطأ في الاطلاع لم يكن له أن يناله بشي ء، لأنه لم يقصد الاطلاع، فان ناله قبل أن يفزع بشي ء فقال: ما عمدت و لا رأيت شيئا لم يكن على الرامي شي ء لأن الاطلاع ظاهر، و لا يعلم ما في قبله، و لو كان أعمى فناله بشي ء ضمنه، لأن الأعمى لا يبصر بالاطلاع» قلت لا بأس بما ذكره أخيرا بل و سابقه، لكن ما ذكره أولا لا يخلو من شي ء.

ج 41، ص: 662

نحو ما عن التحرير من أنه «لو كان إنسان عاريا في طريق لم يكن له رمي من نظر إليه، و لو زجره فلم ينزجر ففي جواز الرمي نظر» و في كشف اللثام «الظاهر جواز الرمي إن كان تعريه عن اضطرار أو إكراه» قلت: لا يخفى عليك تحقيق الحال بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن المدار على الدفع عن العرض متدرجا الأسهل فالأسهل.

نعم بقي شي ء: و هو أنه قد يقال بأن الإجماع المزبور الذي خرج به عن مقتضى إطلاق النصوص إنما هو الضمان إذا دفع بالأصعب مع التمكن من الدفع بالأسهل، أما مع الجهل بالحال و احتمل أن التنبيه بالأسهل يترتب به الضرر عليه من اللص أو المحارب أو غيرهما فقد يقال: إن مقتضى الإطلاق المزبور جواز المبادرة بالأشد، لعدم العلم بالإجماع هنا. نعم لو لم يحتمل الضرر بالتنبيه بالأسهل راعاه ثم تدرج.

و أولى من ذلك العمل بإطلاق النصوص المزبورة بعد حصول العنوان، لهدر الدم مع الجهل بأن الدافع قد تدرج أولا أو ادعى ذلك، و حينئذ يكون أصل شرعي مستفاد من الإطلاق المزبور وارد على أصالة الضمان، فلا يحكم به حتى يعلم حصول سبب الضمان، و لعله على ذلك بناء ما تسمعه في المسألة الثالثة، و الله العالم.

و لو كان المطلع رحما لنساء صاحب المنزل بحيث يجوز له النظر إليهن اقتصر على زجره إن شاء، و لا يجوز له رميه و لو رماه و الحال هذه فجنى عليه ضمن لكونه عاديا حينئذ إلا أن يكون النظر ريبة. و لو كان من النساء مجردة جاز زجره و رميه على الوجه الذي سمعته في الأجنبي لأنه ليس للمحرم هذا

ج 41، ص: 663

الاطلاع المتضمن للعورة و الجسد و إن جاز له النظر إلى الزينة كما صرح به الفاضل و غيره، و هو كذلك في العورة، أما البدن فمع فرض عدم الريبة ففي الحرمة نظر فتأمل.

[المسألة الثالثة لو قتله في منزله فادعى أنه أراد نفسه أو ماله فأنكر الورثة فأقام هو البينة أن الداخل كان ذا سيف مشهور يسقط الضمان]

المسألة الثالثة:

لو قتله في منزله فادعى أنه أراد نفسه أو ماله أو عرضه و لم يكن دفعه إلا بذلك فأنكر الورثة فأقام هو البينة أن الداخل كان ذا سيف مشهور مقبلا على صاحب هذا المنزل كان ذلك علامة قاضية برجحان قول القاتل و يسقط الضمان لأن علم الشاهد بقصد الداخل القتل مما يتعذر، فيكتفي بالقرائن الحالية، و تقبل الشهادة عليه بذلك.

نعم في كشف اللثام بخلاف ما لو اقتصرت البينة على هجوم داره أو مع سلاح غير مشهور، و لعله لأصالة عصمة دم المسلم، بل إن لم يكن الأول إجماعا كما هو مقتضى إرسال الفاضلين و ثاني الشهيدين و الأصبهاني له إرسال المسلمات أمكن النظر فيه، ضرورة أعمية ما قامت به البينة من الدعوى المزبورة المسقطة لضمانه الذي هو مقتضى الأصل، و احتمال قطعه بالظن المزبور مع اقتضائه التعدية إلى غيره من أفراد الظن لا دليل على حجيته، اللهم إلا أن يقال لما أشرنا إليه سابقا من أن الأدلة المزبورة قضت باهدار دم اللص و الداخل إلى دار غيره و الناظر إلى عورة غيره و غير ذلك مما عرفت، و الفرض تحقق موضوع

ج 41، ص: 664

الهدر، فيحكم به حينئذ حتى يعلم حصول سبب الضمان، كما أشرنا إليه سابقا و الله العالم.

[المسألة الرابعة للإنسان دفع الدابة الصائلة عن نفسه]

المسألة الرابعة:

للإنسان دفع الدابة الصائلة عن نفسه و عن غيره و عن ماله فلو تعيبت أو تلفت بالدفع فلا ضمان مع فرض توقف الدفع عليه بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام عندنا، مشعرا بالإجماع عليه خصوصا بعد أن حكى في مقابله عن أبي حنيفة الضمان مع تجويزه الإتلاف، و لا ريب في ضعفه للأصل و فحوى ما سمعته في الإنسان، بل مقتضى إطلاق المصنف و غيره و الفحوى المزبورة ذلك أيضا و إن تمكن من الهرب.

إلا أنه قد يشكل خصوصا في بعض أفراده بقاعدة حرمة التصرف في مال الغير فضلا عن إتلافه، و ليس هو كدفاع الظالم الذي له شعور و تكليف و قاصد للظلم، فان لك دفاعه مع الإمكان و إن تمكنت من الهرب، و ليس في الأدلة هنا ما يشمل الفرض المزبور في الدابة، و الله العالم.

[المسألة الخامسة لو عض على يد إنسان فانتزع المعضوض يده فندرت أسنان العاض كانت هدرا]

المسألة الخامسة:

لو عض على يد إنسان ظلما فانتزع المعضوض يده فندرت

ج 41، ص: 665

و سقطت أسنان العاض كانت هدرا عندنا و عند جميع الفقهاء إلا ابن أبي ليلى في محكي المبسوط، و

روي (1)

«أن رجلا فعل ذلك فأتى النبي (صلى الله عليه و آله) فأهدر سنه»

مضافا إلى أنه دفاع، نعم لو كان المعضوض الظالم تخلصا من ظلمه اتجه الضمان كغيره من جنايات المدفوع، و لو لم يكن تخلصا فلا ضمان للأصل، و كونه ظالما له في شي ء آخر لا يقتضي جواز العض له، فهو حينئذ عاد فيه، فلا ضمان بسقوط أسنانه بالنزع.

و لو عدل إلى تخليص نفسه بلكمة أو جرحه إن تعذر التخلص بالأخف منهما جاز بلا خلاف و لا إشكال، بل لو تعسر ذلك جاز أن يبعجه بسكين أو خنجر و إن أدي ذلك إلى قتله، لما عرفته من أدلة الدفاع، الذي هذا أحد أفراده.

نعم و متى قدر على الأسهل فتخطى إلى الأشق ضمن كما سمعته في غيره من أفراد الدفاع، فلو تمكن من فك لحييه باليد الأخرى مثلا اقتصر عليه لئلا تندر أسنانه، لكن عن التحرير أنه استقرب جواز جذب اليد و إن سقطت الأسنان مطلقا، لأن جذب يده مجرد تخليص ليده، و ما حصل من سقوط الأسنان حصل من ضرورة التخليص الجائز، قلت: بل من إصرار العاض، مضافا إلى اقتضاء الطبيعة ذلك و إلى أن إطلاق أدلة الدفاع مساق إلى المتعارف فيه الذي يدخل فيه الفرض من غير ملاحظة التدرج، و لعل ذلك هو الأقوى، و الله العالم.


1- «1» صحيح البخاري- ج 9 ص 8 «باب إذا عض رجل فوقع ثنيتاه».

ج 41، ص: 666

[المسألة السادسة الزحفان العاديان يضمن كل منهما ما يجنيه على الآخر]

المسألة السادسة:

الزحفان أو الراجلان أو الفارسان العاديان يضمن كل منهما ما يجنيه على الآخر لقاعدة الضمان بعد فرض عدوان كل منهما بقصد كل منهما قتل الآخر أو أخذ ماله أو النيل من عرضه أو نحو ذلك و لعله عليه يحمل

النبوي (1)

«إذا اقتتل المسلمان بسيفهما فهما في النار»

نعم لو كف أحدهما فصال الآخر عاديا فقصد الكاف الدفع لم يكن عليه ضمان إذا اقتصر على ما يحصل به الدفع و الآخر يضمن لأنه ظالم عاد، و قد عرفت عدم اعتبار إذن الامام (عليه السلام) في الدفع على الوجه المزبور، لإطلاق النص و الفتوى، كما هو واضح.

و لو تجارح اثنان و ادعى كل منهما أنه قصد الدفع عن نفسه حلف المنكر للقصد المزبور المقتضي لسقوط الضمان و ضمن الجارح الذي ضمانه على الأصل، و لذا سار بدعوى خلافه مدعيا و مقابله منكرا و إن حلفا معا ضمن كل منهما جنايته، ضرورة كونهما دعويين، و أما احتمال حلف كل منهما على عدم العدوان فلا يضمنان فهو واضح الفساد بعد ما عرفت من الأصل المزبور، و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا أمره الإمام بالصعود إلى نخلة أو النزول إلى بئر فمات فإن أكرهه قيل كان ضامنا لديته]

المسألة السابعة:

إذا أمره الإمام بالصعود إلى نخلة أو النزول إلى بئر ف اتفق


1- «1» مسند أحمد ج 5 ص 48.

ج 41، ص: 667

أنه مات بذلك فإن أكرهه قيل كان ضامنا لديته و لكن في هذا الفرض منافاة للمذهب الذي هو عصمة الإمام (عليه السلام) التي تمنع من الإكراه على فعل لا يجب على المأمور، بل في المسالك «و على تقدير جواز إكراهه لا يجامع الحكم بضمانه، ثم- قال- و الحق أنه متى كان في الفعل مصلحة عامة فأمره به وجب عليه الامتثال و لا ضمان عليه، لأن طاعته واجبة، و إن لم يكن كذلك لم يتحقق أمره به فضلا عن إكراهه».

و فيه أن وجوب الطاعة لا ينافي الضمان في بيت المال إذا كان الإكراه لمصلحة المسلمين و سقوط الضمان بالإكراه على الجهاد الذي شرع كذلك لا يقتضي سقوطه في الفرض الواضح ما بينهما من الفرق، لعدم بطلان دم المسلم، سواء أكرهه على ما وجب عليه أو لم يكرهه، و لعله لذا و نحوه قال في الدروس: «و لو تلف من أمره الإمام (عليه السلام) بالصعود إلى نخلة أو النزول في بئر لمصلحة المؤمنين فالضمان في بيت المال و إن لم يكرهه لوجوب طاعة الامام، و لو كان نائبه ضمن بالإكراه في ماله إن لم يكن لمصلحة عامة» و قد استحسنه هو أيضا في آخر كلامه فيها.

و ربما ظهر منه الفرق بين الامام و نائبه فلا يأمر به الإمام لمصلحة نفسه أو المأمور إلا إذا علم أنه لا يؤدى به إلى جرح أو تلف إلا إذا علم الصلاح في ما يؤدى إليه، بل قد يقال: إن للإمام الأمر بذلك على المعتاد و إن أدي إلى اتفاق تلف المأمور لكن باختياره، و لكن يسهل الخطب في ذلك كله أنه لا فائدة لنا في ما يترتب على أمر الإمام الذي هو أولى به منا و كيف كان ففي المتن أنه يتقدر أي

ج 41، ص: 668

يتصور في نائبه لعدم عصمته، بل في القواعد جعله عنوان المسألة، فقال: «و لو أمره نائب الإمام بالصعود إلى نخلة أو النزول إلى بئر فمات فإن أكرهه ضمن الدية، و لو كان لمصلحة المسلمين فالدية في بيت المال، و لو لم يكرهه فلا ضمان، و كذا لو أمر إنسان غيره بذلك من غير إجبار».

قلت: قد يقال: إن النائب بالإكراه بغير حق ينعزل عن النيابة أيضا اللهم إلا أن يفرض إكراه لا ينعزل به، و إلا توجه الضمان حينئذ على ماله مطلقا كالأجنبي الذي لا ولاية له على المسلمين، بل عن التحرير احتمال القصاص و إن كان فيه أن الفرض عدم كون ذلك مما يحصل به القتل غالبا إلا أنه اتفق ترتب القتل عليه و لا قصد به القتل، فلا وجه للقصاص، نعم تثبت الدية لكون الفرض حصول القتل في إكراهه عليه، فيعد قاتلا مندرجا في عموم الأدلة، و من هنا كان ظاهرهم الاتفاق عليه في النائب و غيره.

نعم قالوا في الأول: إنه لو كان ذلك لمصلحة عامة كانت الدية في بيت المال و إن كان لمصلحة نفسه أو مصلحة خاصة أو لا لمصلحة ففي ماله و إنه ان لم يكرهه فلا دية أصلا و لعلهم فرضوه في إكراه لمصلحة المسلمين لا ينعزل به عن النيابة، و أما غير النائب فالضمان في ماله مطلقا مع الإكراه، لعدم ولاية له على المسلمين، و لا ضمان مطلقا مع عدم الإكراه، و الظاهر أن أمر المتغلب المعلوم من عادته السطوة عند المخالفة كالإكراه، كما عن التحرير التصريح به، و الله العالم.

ج 41، ص: 669

[المسألة الثامنة إذا أدب زوجته تأديبا مشروعا فماتت عليه ديتها]

المسألة الثامنة:

إذا أدب زوجته تأديبا مشروعا فماتت قال الشيخ: عليه ديتها، لأنه مشروط بالسلامة و الاذن الشرعية في ذلك لا تنافي الضمان المستفاد من عموم الأدلة و لكن في المتن و القواعد فيه تردد لأنه من جملة التعزيرات السائغة فينبغي أن لا توجب ضمانا كالتعزير الحاصل من الحاكم، و فيه ما عرفت من أن مجرد الاذن لا تنافي الضمان، و خروج الحاكم لدليله و من هنا اتفقوا على أنه لو ضرب الصبي أبوه أو جده لأبيه الضرب السائغ لهما تأديبا ف اتفق أنه مات به ف ان عليه ديته في ماله مع أنه لا نص فارق و لا إجماع و إن ورد الأمر بضرب الزوجة في الكتاب (1) إلا أن ذلك لا يصلح فارقا بعد فرض الضرب الجائز للولي، و لعله لذا سوى بينهما في الإرشاد في الضمان، و مال إليه في كشف اللثام، و أولى منهما في ذلك المعلم و غيره و إن أذن له الولي، فإن إذنه إنما ترفع الإثم، و الله العالم.

[المسألة التاسعة من به سلعة إذا أمر بقطعها فمات فلا دية له على القاطع]

المسألة التاسعة:

من به سلعة مثلا أي عقدة تكون في الرأس أو البدن إذا أمر (11) من كانت فيه و هو بالغ كامل بقطعها ف (12) اتفق


1- «1» سورة النساء: 4- الآية 34.

ج 41، ص: 670

أنه مات بذلك فلا دية له على القاطع للأصل و للإحسان إلا أن يكون قطعها مما يقتل غالبا و يعلم به القاطع، فلا ينفع الاذن، بل و إن لم يعلم في وجه قوي، لكن في المسالك بعد أن فرض موضوع إذن الكامل بقطعها و لم يكن قطع مثلها مما يقتل غالبا قال: «مقتضى القواعد أنه لا ينفعه الاذن في سقوط الضمان، و إنما أطلق المصنف الحكم بعدم الضمان بناء على الغالب من أن قطعها لا يقتضي الهلاك، و في الدروس أطلق الحكم بالقصاص على القاطع قاطعا به».

قلت: لا يخفى عليك ما في كلامه أولا، و الموجود في الدروس «و قاطع السلعة و الآكلة و الجنية باذن صاحبها الكامل لا ضمان عليه، و لو لم يأذن البالغ اقتص من القاطع» و هو صريح في عدم الضمان في الفرض و إن أطلق في غيره، و لعل الوجه في الأول- و إن صدق القتل به- الشك في الضمان به مع كونه مما لا يقتل غالبا و لم يقصد به القتل بعد أمر الكامل به الذي هو أقوى في التأثير أو مساو له كالأمر بنحوه في الحيوان المملوك مثلا، و في

صحيح الشحام (1) عن الصادق (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله) إلى أن قال:

«ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، فإنه لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفسه، و لا تظلموا أنفسكم، و لا ترجعوا بعدي كفارا»

بناء على عود الاستثناء إليهما، و أن المراد بطيب النفس في الدم هذا و شبهه.

و كيف كان ف لو كان من به السلعة مولى


1- «1» الوسائل- الباب- 1- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3 من كتاب القصاص.

ج 41، ص: 671

عليه فالدية مضمونة على القاطع إن كان وليا كالأب و الجد للأب بلا خلاف أجده فيه و إن ساغ لهما ذلك بل أو وجب، للأصل المزبور و أولويته من التأديب المذكور.

و ان كان أجنبيا بدون إذن الولي ففي القود تردد بل قيل و خلاف و إن كنا لم نتحققه.

و لكن الأشبه بأصول المذهب و قواعده ثبوت الدية في ماله لأنه من شبيه العمد لا القود لأنه لم يقصد القتل و لم يكن القطع المزبور مما يقتل مثله غالبا، فلم يحصل موضوعه بل الظاهر ذلك لو كان بإذن الولي أيضا للعمومات، و احتمال ثبوت الدية عليهما بالاذن لا دليل عليه كالمداواة، و إنما أقصاها رفع الإثم، و احتمال أن إذن الولي هنا تقوم مقام إذن المالك في سقوط الضمان عن المباشر يدفعه عدم الدليل على القيام مقامه على الوجه المزبور، و لذا يضمن هو لو باشر، مع أن فعله فعل المولى عليه المقتضي لسقوط الضمان، فيعلم من ذلك كله اشتراط السلامة في ما يفعله من الإحسان و المصلحة، فمع فرض عدم مصادفة ذلك في الواقع يترتب الضمان، لإطلاق دليله، فيكون حينئذ إذنه بالفعل كذلك أيضا، و ربما يأتي للمسألة زيادة تحقيق في ما يأتي إن شاء الله.

و كيف كان فالحكم في البالغ لو قطع بدون إذنه كذلك أيضا في ثبوت الدية مع فرض عدم القصد إلى القتل به و عدم كونه مما يقتل غالبا و إن أطلق في الدروس القصاص، لكن من المعلوم كونه في غير الفرض.

ج 41، ص: 672

و للحاكم ختن الكامل الممتنع منه بل و للآحاد بطريق الحسبة مع فقد الحاكم، نعم الواجب كشف جميع البشرة، فلو زاد الفاعل ضمن و إن أذن له في الاختنان، و لو فعل ذلك الحاكم في حر أو برد مفرطين فعن الشيخ أنه قوى الضمان في كتاب الأشربة و عدمه في كتاب الحدود، و لعل الأول لا يخلو من قوة مع ظن الضرر، بل قد يقال بالضمان باتفاق الموت به بناء على ما سمعته سابقا من ضمان النائب بالإكراه و لو لمصلحة المكره، اللهم إلا أن يكون المفروض في الأول مصلحة لا تقتضي الوجوب فيكون الإكراه بغير حق بخلاف المقام، فان الفرض وجوبه عليه، فلا يستعقب إكراهه عليه ضمانه، كما في غير المقام، و لعله الأقوى.

و أما عذرة المرأة التي هي جلدة كعرف الديك بين الشفرين في أعلى الفرج فوق مدخل الذكر و فوق مخرج البول إذا قطعت بقي أصلها كالنواة تشاهد عند الهزال و تستر عند السمن فلا يملك الحاكم إجبارها على قطعها، لعدم وجوبه، فلو أجبرها أو قطعها أجنبي حسبة ضمن السراية، و في ضمان المقطوع نظر بخلاف عذرة البكارة، فإنها مضمونة إلا على الزوج، و الله العالم.

تم هذا الجزء بعون لله و منه و يتلوه الجزء الثاني و الأربعون و قد تقدمه في الطبع و لقد بذلنا غاية الجهد في تحقيقه و تصحيحه طبقا للنسخة المصححة على يد المؤلف- قدس الله روحه الطاهرة- و الحمد لله أولا و آخرا على إتمام هذه الموسوعة الفقهية محمود القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.