جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد23

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج23، ص: 1

[تتمة القسم الثاني في العقود]

[تتمة كتاب التجارة]

اشارة

ج23، ص: 2

ج23، ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و به نستعين و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطيبين الغر الميامين

[الفصل الثالث في الخيار]

اشارة

الفصل الثالث مما بنى عليه كتاب التجارة في الخيار الذي هو بمعنى الخيرة أى المشيئة في ترجيح أحد الطرفين، إلا أن المراد به هنا ملك إقرار العقد و ازالته بعد وقوعه مدة معلومة، و لا ريب في ثبوته في الجملة، بل هو كالضروري، و إن كان الأصل في البيع اللزوم، أي بناؤه عليه لا على الجواز و إن ثبت في بعض أفراده و في جامع المقاصد أو أن الأرجح فيه ذلك، نظرا إلى أن أكثر أفراده عليه، و مراده أن الأصل حينئذ بمعنى الراجح، كما أن مرجع الأول إلى ما يناسب المعنى اللغوي و يمكن كونه بمعنى القاعدة، أما الاستصحاب فبعيد إلا بتكلف نعم هو دليله مضافا إلى الآية(1)في وجه و ظاهر النصوص (2)و النظر في أقسامه و أحكامه،

[أما أقسامه فخمسة]
اشارة

أما أقسامه ف قد ذكر المصنف هنا منها خمسة و أخر سبعة، و ثالث، ثمانية، و رابع؛ أربعة عشر. و ليس ذلك خلافا و انما هو مجرد جمع و استقصاء.

[القسم الأول خيار المجلس ]

الأول خيار المجلس اي عدم التفرق حقيقة عرفية أو تجوزا في بعض أفراد الحقيقة، لعدم اعتبار محل الجلوس في هذا الخيار، بل و لا مكان العقد في شي ء من النصوص و الفتاوى،


1- 1 سورة المائدة الآية 1،.
2- 2 الوسائل الباب 1 و 6 من أبواب الخيار.

ج 23، ص: 4

ف حينئذ إذا حصل الإيجاب و القبول انعقد البيع و كان لكل من المتبايعين خيار الفسخ ما داما في المجلس أي لم يتفرقا، إجماعا منا بقسميه، و نصوصا مستفيضة أو متواترة. منها

- قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن مسلم و صحيح زرارة(1)عن رسول الله صلى الله عليه و آله «البيعان بالخيار حتى يفترقا»

و

قوله عليه السلام في صحيح الفضيل (2)لما قال له ما الشرط في غير الحيوان: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما»

و

في صحيح الحلبي (3)«أيما رجل اشترى بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا فإذا افترقا وجب البيع»

و

في صحيح عمر بن يزيد(4)«قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إذا التاجران صدقا بورك لهما و إذا كذبا و خانا لم يبارك لهما و هما بالخيار ما لم يفترقا فان اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا بأس بدعوى تواترها.

ف

ما في خبر غياث (5)عن جعفر عن أبيه عن على عليهم السلام «قال: قال: إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب و إن لم يفترقا»

مطرح أو محمول على اشتراط السقوط. أو على إرادة حصول الملك، أو على الافتراق البعيد، أو غير ذلك، و الأجود حمله على التقية من أبي حنيفة و أتباعه في هذه الفتوى الملعونة التي أقدم فيها على خلاف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و آله على علم منه، و لذا عدت في مطاعنه، و إطلاق النص و الفتوى شامل لكل من المالكين، و من في حكمهما و الوكيلين و المختلفين بل في الرياض ثبوته للمتبايعين سواء كان العقد لهما أو لغيرهما أو على


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب 1- من أبواب الخيار الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب 1- من أبواب الخيار الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب 1- من أبواب الخيار الحديث 6.
5- 5 الوسائل الباب 1- من أبواب الخيار الحديث 7.

ج 23، ص: 5

التفريق على بعض الوجوه بالإجماع القطعي، و المستفيض الحكاية، و إن كان فيه نوع مناقشة، إلا أن الوجه في ذلك واضح للصدق، سواء قلنا بأن البيع هو الصيغة، أو النقل، أو الانتقال، فالبايعان المتلبسان بالصيغة، أو الناقلان، أو موجدا سبب الانتقال، و الكل صادق على الكل فثبوته حينئذ للوكيلين من الشرع باعتبار الصدق المزبور و التبعية، كما صرح به في الحدائق، لا من نص الموكل و إذنه فيه، بل قد يتوقف في ثبوته لهما مع حضورهما معهما، لعدم الصدق إلا توسعا، و لذا يقال عند التحقيق: ما باعا و إنما باع و كيلهما، بل مال إليه في الحدائق اللهم الا أن يدعى ثبوت الخيار لهما باعتبار كونه حقا

متعلقا في مالهما فيتبعه في الانتقال إليهما، الا أن ذلك لا ينافي ثبوته للوكيلين مع ذلك، و مال إليه في المسالك و المحكي عن التذكرة، بل لعل مدته حينئذ افتراق الوكيلين لا افتراقهما الذي لم يجعل غاية في شي ء من النصوص بعد فرض كونهما غير بيعين، و ليس هذا اختلافا بين الضمير و مرجعه، إذ ليس ثبوت الخيار لهما من الخبر المزبور كي يرد ذلك، بل لما قلناه و هو يقتضي فرعيته على ما للوكيلين فيتبعه حينئذ فتأمل هذا.

و لكن في المسالك بعد اعترافه أن إطلاق المتن يقتضي التعميم المزبور و أن العرف يشهد على الصدق المذكور في الوكيلين قال: «لكن الحكم في المالكين واضح، و أما الوكيلان فان لم ينص لهما الموكل على الخيار لم يكن لهما الفسخ. فينتفى الحكم عنهما، و ان وكلهما فيه، فان كان قبل العقد بنى على التوكيل فيما لا يملكه الموكل هل يصح بوجه حينئذ أم لا و سيأتي في بابه إنشاء الله فان لم نجوزه لم يكن لهما ذلك أيضا، و ان جوزناه، أو كان التوكيل فيه بعد العقد في المجلس كان لهما الخيار ما لم يفترقا، عملا بإطلاق الخبر، و هل يثبت مع ذلك للموكلين إذا حضرا

ج 23، ص: 6

المجلس قيل: نعم لأن الخيار لهما بالأصالة، و لأنهما بيعان عرفا، إذ يصدق على البائع عرفا أنه باع متاعه إذا كان قد وكل في بيعه و باعه الوكيل، و كذا المشتري، و يحتمل العدم لأنهما ليسا بائعين بمعنى موقعي الصيغة، و لا ناقلين للملك إنما أوقعها و نقله الوكيلان، و يحتمل أن لا يكون الخيار إلا لهما لأنهما المالكان حقيقة المستحقان للخيار إذ الأصل في الوكيلين ان لا يستحقان خيارا، و لا يتناولهما الخبر ثم على تقدير ثبوت الخيار للجميع أو للمالكين فهل المعتبر تفرق الوكيلين أم المالكين أم الجميع كل محتمل، و يشكل بسبب ضمير تفرقا في بعض الموارد، و من ثم قيل: ان المراد بهما المالكان و الضمير لهما، و دخول الوكيلين في الحكم بأمر خارج، و الوجه ثبوته لكل واحد منهما و اعتبار تفرق كل في خيار نفسه لا في خيار الأخر، و المسألة من المشكلات» و كأنه أشار بقوله أخيرا قيل: إلى ما في جامع المقاصد في مسألة ثبوت الخيار مع اتحاد الموجب و القابل.

قال: «و الذي يجب أن يحقق في معنى الحديث أن البيعين ان أريد بهما العاقدان لأنفسهما لم يعم الوكيلين و لا الموكلين، و إن أريد بهما مالك المبيع و مالك الثمن لم يطابق أول الحديث إلا إذا كان المالكان هما العاقدين لأن قوله ما لم يفترقا لا يصدق في المالكين إذا كان العاقد غيرهما، لانه يصير معناه حينئذ البيعان بالخيار ما لم يفترق المتعاقدان. و هو غير ظاهر، إلا أن يدعى وجود القرينة الدالة على مرجع هذا الضمير و هي ذكر الافتراق المقتضى بسبق الاجتماع للعقد، أو يقال: ان الحديث دال على حكم المالكين المتعاقدين لأنه الغالب، و حكم ما إذا كان العاقد و كيلا هما يستفاد من أمر خارج» قلت: قد يصعب إقامة دليل معتبر على ثبوته للوكيلين صالح لقطع أصالة اللزوم مع فرض عدم إرادتهما من لفظ الحديث، و لذا قال

ج 23، ص: 7

في الحدائق: ما سمعت، و مقتضاه أن لا يحتاج معه إلى نص الموكل بل لا عبرة بمنعه في وجه، و لا يخفى عليك ما في قوله و إن جوزناه إلخ، ضرورة أنه إذا كان مستند خيارهما التوكيل لا لفظ الحديث لم يتجه تأجيله بالافتراق الذي هو أجل للخيار الشرعي الثابت للبيعين، و لا فرق بين توكيلهما و توكيل أجنبي. اللهم إلا أن يدعى كون المراد أن البيعين بالخيار و لو من اذن الموكل ما لم يفترقا. و هو كما ترى، و ما تسمعه في آخر المبحث، و من الغريب قوله و هل يثبت مع ذلك الى آخره إذا كان المراد باسم الإشارة ما ذكره من صورتي ثبوت الخيار لهما. تجويز التوكيل قبل العقد أو فرض وقوعه بعده، إذ لا وجه حينئذ لاحتمال عدم الخيار لهما، بعد أن كان التوكيل فيه مقتضيا لثبوته لهما، و الوكالة في شي ء لا تزيل تسلط الموكل، و كذا لا وجه لعدم الخيار للوكيلين مع فرض أنهما قد وكلا فيه، بل لا وجه لجميع ما ما ذكره بعد ذلك، و يمكن أن يريد باسم الإشارة ما ذكره أولا من اقتضاء الإطلاق ثبوته للوكيلين، و يكون الاحتمالات حينئذ لحال اجتماع حضور المالكين معهما خاصة، لا إذا لم يجتمعا، فان الخيار للوكيلين حينئذ على مقتضى الإطلاق المزبور، أو يقال: ان المراد ثبوت الخيار لهما من حيث حضورهما مضافا إلى ثبوته لهما من جهة عقد الوكيلين، فيكون لهما الخيار من جهتين إحداهما من حيث اجتماع الوكيلين، و يبطله تفرقهما، و الثانية من جهة حضورهما، و يبطله تفرقهما دون الوكيلين، بل الظاهر أن مراده ذلك و إن كان فيه ما فيه، و لا يخفى عليك أيضا ما في قوله ثم إلخ؛ كقوله و الوجه مع ما سلف، و بالجملة كلامه أشكل من المسألة، هذا كله. و لكن الإنصاف- إن لم يكن إجماع- عدم ثبوته للوكيلين إلا بالتوكيل فيه لا أصالة، و الخبر حينئذ إنما هو في البيعين الموجب اجتماعهما فيه في

ج 23، ص: 8

مجلس العقد للخيار و تفرقهما سقوطه، و ثبوته للمالكين في عقد الوكيلين إنما هو لما دل من تنزيل عبارة الوكيل منزلة عبارة الموكل المقتضى ثبوت الخيار للموكلين، اجراء لحكم عقدهما على العقد من وكيلهما بالتنزيل المزبور، و لكن يسقطه تفرق الوكيلين باعتبار ظهور دليل الخيار في اعتبار دوام مجلس العقد، سواء كان منهما أو من وكيلهما، و مع تفرق الوكيلين لم يثبت الخيار باعتبار فوات مجلس العقد الذي لا دليل على تنزيل مجلس الموكل منزلته، كي يكون المدار عليه لا على مجلس عقد الوكيلين، فان عمومات الوكالة لا تقتضي ذلك، و حينئذ فلا اختلاف في مرجع الضمير في البيعين بعد أن كان مورده غير الوكيلين، و إنما ثبت الخيار للموكلين في بيعهما من الطريق الذي ذكرنا لا من الخبر، أو يقال ان المراد بكون البيعين بالخيار كونهما مع الخيار، و إن كان ثبوته لمن له العقد، بل لو أريد كونه لهما كان نحو قولهم الخيار في الحيوان للمشترى مثلا الشامل للوكيل مع أن من المعلوم كونه للموكل، كما هو واضح، و حينئذ فلا يكون اختلاف بين الضمير و مرجعه و على تقديره فهو للقرينة.

و من ذلك يظهر لك الوجه فيما سمعته من كلام جامع المقاصد فلا حظ و تأمل و تدبر.

فان ذلك هو التحقيق الذي لا ينبغي المحيص عنه في المسألة، و حاصله ثبوته للمالكين في عقد الوكيلين حضرا معهما أو لم يحضرا، و يسقطه تفرق الوكيلين؛ نعم لو كانا وكيلين على مجرد إجراء الصيغة، و قلنا بصحته. و كان الأصليان حاضرين أمكن كون المدار على تفرقهما دون الوكيلين، لصدق البيعين عليهما دونهما، و يحتمل كونه كالأول لكون الوكالة فيه مشتملة أيضا على إنشاء النقل و قصده، فهما كالمستقلين

ج 23، ص: 9

من هذه الجهة، و أما الوليان فالخيار للمولى عليه أيضا و لكن للوليين النظر فيه، لعموم الولاية، و كيف كان فالفضوليان غير بائعين بناء على ما هو التحقيق من أنه النقل، سواء قلنا بأن الإجازة كاشفة، أو ناقلة فلا خيار في عقدهما حينئذ، نعم قد يحتمل خصوصا على النقل دوران ثبوته على مجلس الإجازة إذا فرض اجتماعهما فيه، و يحتمل سقوط الخيار هنا من أصله، و يحتمل كونهما كالوكيلين لأنهما ناقلان أيضا و إن كان مشروطا بالرضا و لا يخلو من قوة.

و على كل حال ف لو ضرب بينهما حائل أو حفر نهر لا يتخطى أو نحو ذلك مع بقائهما على حال العقد لم يبطل الخيار قطعا، لعدم صدق التفرق به سواء كان غليظا أو رقيقا ثوبا أو جدارا من طين أو جص، بلا خلاف أجده بيننا بل و بين غيرنا، عدا ما في التذكرة عن الشافعية في الأخير قولان: أصحهما عدم السقوط، قال: و الحقة الجويني بما إذا حمل أحدهما و أخرج، لكن في المسالك انه نبه المصنف بما ذكره على خلاف بعض العامة حيث أبطله و لعله يريد ما سمعت و الأمر سهل.

و كذا لم يبطل لو أكرها معا على التفرق باختيارهما أم لا، بلا خلاف أجده، بل في الغنيمة و عن تعليق الشرائع الإجماع عليه، للأصل بعد تبادر الاختيار من النصوص، و لذا يصح في التحقيق أن يقال لم يفترقا، و لكن فرقا، معتضدا بأنه شرع للإرفاق المفقود مع الإجبار، و بما في صحيح الفضيل السابق (1)من الاشعار، بل لو أريد منه بعد الرضا منهما بالافتراق كان نصا في المطلوب، و بغير ذلك فما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين من نوع توقف فيه في غير محله؛ سيما إذا كان الإكراه رافعا للاختيار من رأسه.


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 3.

ج 23، ص: 10

نعم قد اشترط جماعة بما إذا لم يتمكنا مع ذلك من التخاير أي اختيار الفسخ أو العمل على مقتضى الخيار، بأن سد أفواههما أو هدد عليه، بل صرح في الروضة و غيرها بلزوم العقد مع تمكنهما منه و لم يختارا و إن أكرها على التفرق، و فيه ان ترك اختيار الفسخ مع التمكن منه بعد الإكراه على الافتراق الذي نزله الشارع منه منزلة العدم بالنسبة إلى الإسقاط كالسكوت في المجلس- لا دلالة فيه عليه- و لا وضع شرعا له كما هو واضح، و لو أكره أحدهما على المفارقة فإن أكره الأخر على المكث كانا معا مكرهين، و إلا فقد يظهر من تعليق عدم البطلان في المتن و المحكي عن الشيخ و غيرهما على إكراههما معا البطلان فيه حتى في حق المكره.

و مثله لو حبس أحدهما و فارقه الأخر اختيارا، و لعله لما تعرف من سقوطه في حال الاختيار بتخطي أحدهما عن الأخر و هو موجود في الفرض، فلا يقدح اكراه الثاني، و فيه صدق المفارقة باختيارهما معا في الأول، و إن كان المتخطي واحدا و الأخر اختار المكث على المصاحبة، كما أن الأول اختار التخطي على المكث مع صاحبه، بخلاف ما نحن فيه الذي يمكن لو لا الإكراه لجلس معه في الأول و صاحبه في الثاني، و المدار في السقوط التفرق المستند إلى اختيارهما معا، لأنه المتبادر من النصوص، حتى صحيح فضيل السابق، و الموافق لأصالة بقاء الخيار، بل قيل: أنه مقتضى إجماع الغنية، المعتضد بفتوى جماعة منهم الشهيد الثاني و المحقق الثاني في الروضة و جامع المقاصد بل لم أقف على الفتوى صريحا في الاكتفاء بذلك، فيما عدا القواعد قال: «و لو حمل أحدهما و منع من الاختيار لم يسقط خياره على إشكال. أما الثابت فان منع من التخاير أو المصاحبة لم يسقط، و إلا فالأقرب سقوطه فيسقط خيار الأول» و فيه- مع منافاة إشكاله هنا لما جزم به

ج 23، ص: 11

قبل ذلك من بقاء الخيار لو أكرها على التفرق- بل و لما جزم به أيضا في الثابت لأن التفرق إن كان صادقا سقط خيارهما معا و إن انتفى أو شك فيه فهو كذلك فيهما- انك قد عرفت عدم السقوط فيهما في الأخير فضلا عن سابقه لعدم تحقق التفرق المستند إلى اختيارهما معا و هو المدار كما عرفت، و منه يعلم ضعف احتمال بقاء خيار المكره خاصة، و إن كان هو أقوى مما استقر به، بل هو ظاهره أو صريحه في التذكرة فلاحظ و تأمل، و لو زال الإكراه ففي فورية الخيار و تراخيه إلى حصول الافتراق قولان، أقواهما الثاني، للأصل و لأن خيار المجلس موضوع على التراخي و هذا منه أو بدل عنه، بل إن لم يقم إجماع على أن غاية الافتراق بعد الزوال، أمكن القول ببقائه مطلقا في بعض الصور التي لم يبق معها بعد الزوال صدق الافتراق فيكون الخيار حينئذ ثابتا بقوله البيعان إلخ، و لم تحصل الغاية حال إمكانها و بعد الإكراه لم يبق لها مصداق فتأمل جيدا.

و لو زال الإكراه و هو مار ففي التذكرة انقطع خياره ببقائه سائرا قال:

«و ليس عليه الانقلاب إلى مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الأخر إن طال الزمان، و إن لم يطل ففيه احتمال عند الجويني» قلت: لا ريب في ضعفه لعدم الدليل على الوجوب في الفرض، كما أنه لا دليل على تحري الأقصر لو أراد العود، و لا تضر مفارقته مجلس الزوال له، فمن التأمل فيما ذكرنا يظهر لك الحال في كثير من الفروع المتصورة في المقام منها- ما لو تناديا بالبيع في سفينتين مثلا ففرقتهما الريح التي لا يتمكنان من الاصطحاب معها، فان الظاهر كما في جامع المقاصد عدم السقوط أيضا كالإكراه، بل قال: «لو دهشا فلم يختارا حينئذ ففي السقوط نظر و الله أعلم».

و كذا يسقط الخيار باشتراط سقوطه منهما أو من أحدهما بلا خلاف أجده فيه، بل في الغنية الإجماع عليه لأصالة اللزوم مع الشك في تناول

ج 23، ص: 12

الأدلة له، و عموم الأمر بالوفاء بالعقود(1)و

صحيح «المؤمنون عند شروطهم»(2)

الذي هو أرجح مما دل على الخيار من وجوه فيحكم عليه و إن كان التعارض من وجه، و ليس الخيار من مقتضى العقد، بل هو مقتضى إطلاقه، بل قد يقال: إنه ليس من مقتضياته أصلا، بل هو حكم شرعي ثبت للعاقدين على انه أولى من اشتراط الخيار في العقد، و المراد من المتن

و غيره مما عد فيه ذلك أحد الأمور الأربعة المسقطة للخيار سقوطه بنفس الشرط، لا اشتراط الإسقاط الذي يحصل بأحد مسقطاته، إذ ليس هو حينئذ إسقاطا بالشرط، بل أقصاه استحقاق الاسقاط عليه، فان لم يف له به تسلط على الخيار كباقي الشرائط، و ليس مما نحن فيه، كما أن اشتراطه بالمعنى الذي ذكرناه أولا لا يرجع إلى نفي استحقاق ثبوت الخيار شرعا كي يكون باطلا، بل مرجعه إلى إيجاب اختيار لزوم العقد عليه، فمع قبوله كذلك لا بأس به، و عدم حصوله إلا بعد تمام العقد لا ينافي اشتراط سقوطه عند حصول سببه، فما عن بعض الشافعية من عدم صحة هذا الشرط كخيار الشفعة لا ريب في بطلانه.

كل ذلك مع الشرط في العقد أما قبله فلا يلزم كغيره من الشروط الخارجية، للأصل، بعد القطع بعدم ارادته من

قوله: «المؤمنون عند شروطهم»

لأن المراد منه ما يلتزمونه بالملزم الشرعي و إلا لوجب الوفاء بكل كلام يقع بينهم من الوعد و غيره، و هو معلوم البطلان، قيل: و إليه أومأ في جملة من النصوص (3)في النكاح التي هي بفحواها أو عمومها شاهدة علي المقام أيضا خلافا لظاهر المحكي عن الخلاف و الجواهر فأوجبه به. و هو ممكن التنزيل


1- 1 سورة المائدة الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب 33 من أبواب المتعة و 20 من أبواب المهور.

ج 23، ص: 13

على صورة بناء العقد عليه لا ما إذا وقع سابقا من دون بناء.

و من الغريب ما في الرياض من أن قول الشيخ غير بعيد، لو لا نصوص النكاح، للشك في شمول دليل الخيار، إذ فيه أنه لا شك بعد القطع بصدق البيعين عليهما، و الدليل غير منحصر في المتيقن كما هو واضح و الله أعلم و كذا يسقط الخيار بمفارقة كل منهما صاحبه إجماعا بقسميه و نصوصا مستفيضة أو متواترة(1)و تحصل ببعد أحدهما عن صاحبه و لو بخطوة بلا خلاف يعتد به أجده فيه، لعدم تحديدها بالشرع فيكتفى بمسماها المتحقق بالخطوة قطعا، بل هي في كلامهم مثال لمطلق البعد بينهما زائدا على ما كان حال العقد، و لا ينافي ذلك صحيح الخطى (2)الذي لا يأتي حصوله بما دونها.

بل قد يستفاد منه ارادة المعنى اللغوي من الافتراق، بناء على أن له معنى عرفيا لا يتحقق بالخطوة و نحوها بل في الرياض «لو لا المعتبرة المستفيضة التي منها الصحيح المزبور، لأشكل إثبات اللزوم و سقوط الخيار بالافتراق بنحو من الخطوة بإطلاق مفهوم نصوص الافتراق، لاختصاصها بحكم التبادر في الافتراق المعتد به الغير الصادق على الافتراق بنحو الخطوة عرفا و عادة» و إن كان قد يناقش فيه بمنع عدم الصدق عليه عند التحقيق لا التوسع المبني على تنزيل القليل منزلة العدم، بل الشك كاف لأصالة عدم النقل إلى معنى جديد، و بأنه لا تعرض في المعتبرة للخطوة إذ في

صحيح الحلبي (3)عن الصادق عليه السلام «ان أباه اشترى أرضا يقال لها العريض فلما استوجبها قام فمضى فقال له:

يا أبه لم عجلت؟ فأجابه بأني أردت أن يجب البيع»

و نحوه غيره و لا دلالة فيه على أنه كان خطوة أو أكثر و لا إطلاق فيه، نعم في

صحيح ابن مسلم(4)


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب الخيار الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 2 من أبواب الخيار الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب 2 من أبواب الخيار الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب 2 من أبواب الخيار الحديث 3.

ج 23، ص: 14

عن الباقر عليه السلام «بايعت رجلا فلما بايعته قمت فمشيت خطأ ثم رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا»

، و هو مع أنه ليس فيه خطوة، حكاية فعل لا إطلاق فيه و لم يعلم حاله، فالعمدة حينئذ ما ذكرنا معتضدا بفتوى الأصحاب، و ببعض ما يستفاد منه المراد بالمجلس من نصوص الصرف (1)فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فظاهر النص و الفتوى عدم اعتبار قصد الاسقاط بالافتراق فلا فرق فيه بين حصوله من الجاهلين أو العالمين أو المختلفين، و لا بين الناسيين للبيع أو الخيار و غيرهما، و لا بين الافتراق له أو لغرض آخر، و فعل الباقر عليه السلام لا يقتضي حصر الاسقاط به، فما عساه يتوهم من عبارة الحدائق من اعتبار ذلك في غير محله، و منه يعلم أنه لا يعتبر دلالته عرفا على الرضا، و إن كان قد يتوهم من صحيح الفضيل (2)نعم صريح

الصحاح المزبورة حصول افتراقهما بما ذكرناه من انتقال الواحد؛ و لا يشترط ذلك منهما كما أوضحناه فيما تقدم، و كذا لا فرق عندنا بين قرب المكانين و بعدهما، حتى لو تساويا من مكان بعيد اعتبر التفرق من مكانهما لسقوط الخيار؛ و عن بعض العامة إسقاطه لمقارنة المسقط و لا ريب في سقوطه، أما إذا لم يحصل مسماه كما لو مشيا مصطحبين أو تقاربا أو نحو ذلك لم يسقط الخيار، و لو هرب أحدهما ففارق الأخر و لو بخطوة اختيارا، عالمين أو جاهلين أو مختلفين، ففي القواعد و جامع المقاصد السقوط أيضا، بل في الأخير و إن فعل ذلك حيلة في لزوم العقد، و هو لا يخلو من نظر إذا لم يحصل صدق التفرق باختيارهما، و الله أعلم.

و كذا يسقط الخيار في العقد بإيجابهما أباه أو أحدهما و رضا


1- 1 الوسائل- الباب 2- من أبواب الصرف الحديث 1 و 3 و 8.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 3.

ج 23، ص: 15

الآخر و هو المسمى بالتخاير، و صورته أن يقولا اخترنا العقد أو ألزمناه أو أسقطنا الخيار أو نحو ذلك، مما يدل على اختيار لزوم العقد و الرضا به، و لا يختص به، بل كل ما دل على الرضا فهو كاف، و لذا لزم بالإيجاب من أحدهما مع رضا الأخر، و على كل حال فالسقوط بذلك مما لا خلاف فيه، بل في الغنية و التذكرة و محكي الخلاف الإجماع عليه، بل و لا إشكال، ضرورة معلومية كون الخيار مما يسقط بالإسقاط، و أن المدار في لزوم العقد على ما يدل على الرضا من الأفعال، فضلا عن الأقوال، كما أومأ إليه في صحيح الفضيل و بعض نصوص خيار الحيوان (1)و غيره، و لما قيل من أن فسخ اللازم بالتقابل يقتضي لزوم الجائز بالتخاير، و لأنه سقط بالافتراق، لدلالته على الرضاء، و التخاير صريح فيه، و إن كان فيه نوع تأمل، و فحوى

خبر السكوني (2)عن الصادق عليه السلام «أن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في رجل اشترى ثوبا شرط إلى نصف النهار فعرض له ربح فأراد بيعه فقال: ليشهد أنه قد رضيه أو استوجبه، ثم ليبعه إن شاء فإن أقام في السوق و لم يبع فقد وجب عليه»

و نحوه خبر الحلبي و الشحام (3)لكن في الحدائق «و لقائل أن يقول ان ذلك لا يزيد على ما يقتضيه العقد من اللزوم، و أقصاه التأكيد، و نصوص الخيار مطلقا شاملة للعقد المؤكد و غيره، ضرورة صدق عدم الافتراق معه و هو مدار بقاء الخيار، إلا أن يقال ان هذه الألفاظ في قوة اشتراط سقوط الخيار فيرجع إليه» و هو من غرائب الكلام إذ الفرق بينه و بين الشرط في متن العقد واضح، كوضوح أن المراد به ما دل على إسقاط الخيار لا ما دل على أصل


1- 1 الوسائل الباب 1 و 4 من أبواب الخيار.
2- 2 الوسائل الباب 12- من أبواب الخيار الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 12- من أبواب الخيار الحديث 2 و 3.

ج 23، ص: 16

وقوع العقد الذي مقتضاه اللزوم.

و لو التزم أحدهما به سقط خياره لما عرفت دون صاحبه لأصالة بقائه، و عدم ارتباط أحدهما بالآخر، و كونهما بالتفرق كذلك بناء على ما قلناه لا يقتضي مساواة غيره له كما هو واضح، و التثنية في ثبوت الخيار لهما بعد معلومية إرادة ثبوته لكل منهما كما أومأ إليه في صحيح الفضيل المتضمن رضاهما معا، لا يقتضي الارتباط.

و لو خير أحدهما الآخر بأن قال له: اختر فسكت فخيار الساكت باق إجماعا، للأصل و إطلاق الأدلة، و السكوت أعم من الرضا، نعم لو اقترن بما يدل عليه سقط كما ستعرف، و كذا خيار الآخر لأن أمره بالخيار لخصوص المأمور أو لهما معا لا يدل على إسقاط خيار نفسه بإحدى الدلالات، و قيل فيه و لكن لم نعرف القائل و إن نسب إلى الشيخ إلا أن المحكي عن مبسوطة و خلافه خلاف الحكاية يسقط

للنبوي (1)«البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقل لصاحبه اختر»

و الأول أشبه لما عرفت؛ و عدم ثبوت هذه الزيادة من طرقنا، مع أن مقتضاها سقوط خيارهما معا، و لعله لذا حملها في المختلف على ما إذا خيره فاختار اللزوم، لكن في الحدائق «إن فيه ما لا يخفى، لأن محل الكلام إنما هو المخير بصيغة اسم الفاعل و ان تخييره لصاحبه يدل على اختياره الإمساك و ظاهر كلامه ان الذي اختار إنما هو المخير بصيغة اسم المفعول، و هو ليس محل البحث» و فيه أنه صرح الشيخ و ابن زهرة و العلامة و الشهيد و غيرهم على ما حكى عن البعض بأنه

لو قال أحدهما لصاحبه اختر فاختار الإمضاء بطل الخياران، أما لو سكت فهو ما نحن فيه، بل قد استدل بعض الأساطين للسقوط بأنه ملك


1- 1 المستدرك ج 2 ص 473.

ج 23، ص: 17

صاحبه ما ملكه من الخيار، و إن كان فيه منع دلالة التخيير على التمليك، و لو قصد سقط خياره، كما صرح به في التذكرة و إن سكت المخير بالفتح كما أنه لا يسقط و إن أمضى المأمور إذا كان القصد الاستكشاف، أما إذا قصد التفويض سقط مع الإمضاء، دون السكوت، قيل: و هو الظاهر من التخيير، و لذا فرقوا بين السكوت و الإمضاء، و لو سلم عدم الظهور فهو أعم من التمليك قطعا، فلا يحكم بالسقوط بمجرده، و لو صرح بالمتعلق فان قال: اختر الإمضاء فالحكم كما لو أطلق، و لو قال: اختر الفسخ فخيار الأخر باق و إن أمضى المخير، و ظاهر الدروس سقوطه و هو بعيد.

ثم إنه قد يظهر من اقتصار المصنف و غيره على ما ذكر من المسقطات عدم سقوطه بغير ذلك حتى التصرف، بل هو كالصريح منه فيما يأتي، بل قصره في الغنية و المحكي عن المبسوط و ابني سعيد و إدريس في موضع من السرائر على التفرق و التخاير، بل عن جماعة قصره على الأول، لكن صرح جماعة من المتأخرين- بل الظاهر عدم الخلاف فيه بينهم كما اعترف به بعض الأساطين- بسقوط خيار المشتري بالتصرف في المبيع، بل حكاه بعضهم عن خلاف الشيخ، و الكافي و الجواهر و السرائر أيضا، بل عن الأول انه نقل إجماع الفرقة على أن المشتري متى تصرف في المبيع سقط خياره، قال: و ورد الاخبار به عنهم عليهم السلام مشيرا بذلك إلى ما أورده في كتاب الحديث، إلا أنه لم نجد ما يدل على ابطال التصرف لمطلق الخيار بعد الإجماع المزبور المؤيد بتخصيص الأصحاب خيار الغبن بالبقاء مع التصرف من بين الخيارات، مع احتمال إرادتهم فيه أيضا ما قبل ظهور الغبن و ثبوت الخيار، فلا تخصيص حينئذ لذلك إلا ما قيل من التعليل بالرضا المستفاد من صحيح الفضيل السابق (1)و صحيح ابن رئاب في خيار الحيوان (2)، و فيه فان أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة فذلك رضا منه فلا شرط له، و منه


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 18

يظهر الوجه في سقوط خيار البائع لو تصرف بالثمن المعين، للاشتراك بالعلة و هي الدلالة على الرضا بالبيع.

أما ما ذكروه فيما لو انعكس الأمر- فتصرف البائع في المبيع أو المشتري في الثمن- من أنه يكون فسخا، و يبطل به الخياران- بل في الغنية نفى الخلاف عنه- فلا أجد له دليلا سوى دعوي دلالة التصرف عليه، و لا ريب فيه ان تمت الدلالة و لو بمعونة قرينة، و إلا فهو محل مناقشة كما في الرياض «لمنع الدلالة مع أعمية التصرف من الفسخ و غيره، فيحتمل السهو و الغفلة فإن تم إجماع على الإطلاق، و إلا فالمسألة محل ريبة، لأصالة بقاء صحة المعاملة و الخيار فيها» قلت: بل ان لم يتم

إجماع على الأول، أي اللزوم بالتصرف كان محلا للنظر، إذ دعوى دلالته عليه عرفا مطلقا محل منع؛ خصوصا و قد يصدر منه التصرف مع الغفلة عن البيع أو الخيار أو نحو ذلك.

نعم يمكن دعوى وضع ذلك للدلالة شرعا و تعميمه لما نحن فيه، إلا أنه إن لم يحصل إجماع كما ترى، بل قد يناقش في الدال منه عرفا إذا لم تكن دلالته رافعة لاحتمال عدم ارادة الفسخ، بناء على اعتبار خصوص الظاهر من الأقوال في أمثال ذلك لا الأعم منها و الافعال.

و على كل حال فهل المدار على حصول الدال على الرضا باللزوم أو الفسخ، أو يكفي حصول ذلك في النفس و إن لم يصدر منه ما يدل، عليه فيحرم عليه فيما بينه و بين ربه العمل على خلاف ما وقع فيها، ظاهر الأصحاب الأول؛ و يؤيده الاستصحاب، و قد يظهر من بعض النصوص (1)الثاني.

و كذا لا خيار للبائع و المشتري في شراء من ينعتق على المشتري، كما صرح به جماعة، بل في الحدائق انه المشهور، لدخوله في ملك المشتري


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب الخيار الحديث 4.

ج 23، ص: 19

بنفس العقد، فينعتق بمجرد الملك، و العتق لا يقع متزلزلا. و الحر لا يعود رقا، و

في الصحيح (1)«فيمن ينعتق من الرجال و النساء انهم إذا ملكوا أعتقوا، و انهم إذا ملكن أعتقن»

بل في كثير من النصوص و العبارات نفي الملك، و حقيقة النفي و أقرب مجازاته ينفيان الخيار.

نعم يثبت على القول بانتقال المبيع بعده، إذ لا مانع فيه، و هو خلاف التحقيق كما ستعرف، و احتمل في الدروس ثبوته للبائع، لسبق تعلق حقه فيقف العتق على التفرق، أو يثبت الخيار في القيمة دون العين، جمعا بين الحقين و تنزيلا لها منزلة التلف الذي لا يمنع الخيار، بل في الحدائق «التوقف في سقوط خيار المشتري، فضلا عن البائع، لأن التعارض بين ما دل على العتق و على الخيار، تعارض العموم من وجه و لا ترجيح» و لا ريب في بعد الجميع خصوصا مع علم البائع، و دعوى تقدم حقه ممنوعة، فإن الخيار بعد الملك كالعتق، و هو مبني على التغليب و أدلته أنص على هذا المورد من أدلة الخيار، و معتضدة بالشهرة، فيترجح عليها و تخصص بها، و القيمة بدل العين، فيمتنع استحقاقها دون المبدل.

نعم لو تصرف المشتري فيه بالعتق اختيارا سقط حقه قطعا، بناء على ما عرفت، أما البائع فالظاهر بقاء خياره لسبق حقه، إلا أنه يقوى في خصوص العتق الانتقال إلى القيمة، لما عرفت من عدم التزلزل فيه، و دعوى عدم عود الحر رقا، اللهم إلا أن يدعى توقف نفوذ العتق على انقضاء خيار البائع، و

هو مناف لإطلاق ما دل على حصوله بإجراء الصيغة على الملك، لكن في المسالك الإشكال في صحة سائر تصرفات المشتري الناقلة مع خيار البائع، و ربما يأتي للمسألة تتمة في المباحث الاتية إنشاء الله، و لو اشترى العبد نفسه بناء على جوازه كالكتابة فكا لانعتاق


1- 1 الوسائل الباب 4- من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.

ج 23، ص: 20

عند الفاضل، و في جامع المقاصد «ان مثلهما لو كان المبيع جمدا في زمان الحر، لانه يذوب شيئا فشيئا إلا أن يقال التلف لا يسقط الخيار» قلت: و هو كذلك و الله اعلم.

و لو كان العاقد واحدا عن اثنين هو أحدهما أو غيرهما كالأب أو الجد أو الوصي لطفلين، كان الخيار ثابتا ما لم يشترط سقوطه، أو يلتزم به عنهما بعد العقد. أو يفارق المجلس الذي عقد فيه على قول لم نعرف قائله قبل المصنف؛ نعم صرح بالخيار في الفرض جماعة من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا بيننا، و إن حكى الفاضل قولا بالسقوط، إلا أن الظاهر كما اعترف به بعض الأساطين كونه من العامة، نعم احتمله بعض أصحابنا أو مال إليه، بل في الحدائق «انه الأقرب، لقاعدة اللزوم، و الشك في ثبوت الخيار في الفرض، إن لم يكن ظاهر الأدلة خلافه» و فيه انه يمكن ان يكون دليله- بعد الإجماع في الغنية. على دخول خيار المجلس كل بيع، معتضدا بالشهرة العظيمة في المقام، و ظاهر الأصحاب في بيان محله التنقيح، لأن المقتضي له في التعدد- هو البيع، و قد وجد في الواحد، و النص و إن كان ظاهره التعدد، إلا انه بوروده مورد الغالب؛ و ظهور ارادة قصد التنصيص به على الاشتراك، و التوطئة لذكر التفرق، يضعف ارادة اعتبار ذلك في الخيار، و لو اثر فيه، لأثر في غيره مما ابتنى عليه، فيسقط مع الاتحاد أكثر الاحكام، و هو معلوم العدم، فيكون الظاهر من تعليق الخيار بالبيع في قوله «البيعان» هو ثبوته لهما من حيث هما بيعان و يرجع بعد إسقاط التثنية من الحيثية، لكونها في قوة التكرار بالعطف إلى ثبوته للبائع من حيث هو بايع، و المشتري من حيث هو كذلك، و العاقد الواحد بايع و مشتر، فيثبت له الخيار بالاعتبارين.

و لا ينافي ذلك

قوله «ما لم يفترقا»

إذا كان المراد من النفي حقيقته التي

ج 23، ص: 21

هي السلب المطلق، فلا فرق فيه بين المتعدد و المتحد، بل لو أريد منه الملكة أي عدم الافتراق عمن شأنه ذلك، أمكن حينئذ القول بأنه لا يقتضي تخصيص مورد الخيار به، بل أقصاه السقوط بذلك فيما يحصل به من افراده، فلا ينافي ما دل بإطلاقه على ثبوت الخيار للبائع مثلا، من الخبر المزبور، بعد ما ذكرناه فيه و غيره ك

قول الرضا عليه السلام (1)في خبر ابن أسباط «الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري و في غير الحيوان ان يفترقا»

أي الخيار ثابت في غير الحيوان إلى أن يفترقا إن كان لطرفيه عاقدان بل قيل: انه قد يتمسك للمطلق بعموم النص، بدعوى إرادة الحقيقة من النفي و الحمل للتثنية على عموم المجاز، كما ينبه عليه سوق النصوص (2)و الاقتران بخيار الحيوان في أكثرها، و العموم فيه معلوم بالنصوص، منها صحيح الفضيل (3)المتقدم سابقا، و

في الصحيح (4)«ما الشرط في الحيوان؟

فقال: ثلاثة أيام للمشتري، قلت: و ما الشرط في غير الحيوان؟ قال:

البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما»

الذي هو مع تضمنه لما ذكرنا عم المتحد سؤالا، فينبغي ان يعمه جوابا و تعليلا، ينشأ من التنبيه على علة السقوط بالافتراق، فيعمه حكما.

كل ذلك مضافا الى معلومية بدلية المتحد عن الاثنين في سائر الأحكام الثابتة للمتبايعين، و الى استبعاد ثبوته لو وكل الولي عن أحد الطفلين ثم عقد معه إذ دعوى السقوط فيه أيضا كما ترى، فلا مناص بعد ذلك بل بعضه عما عليه


1- 1 الوسائل الباب 1- من أبواب الخيار الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب الخيار.
3- 3 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 3.
4- 4 الاستبصار ج 3 ص 72.

ج 23، ص: 22

الأصحاب، كما انه لا مناص بعد القول بثبوته، عن القول بعدم سقوطه في التأخر عن مجلس العقد، للاستصحاب و عدم ما يدل على تنزيله منزلة افتراقهما كما هو المشهور بين الأصحاب بل لم يظهر فيه خلاف بينهم.

نعم عن المبسوط كالمتن حكايته، و احتمله العلامة، و يحتمله عبارة الدروس على بعد، و عن الصيمري اعتماده، نظرا إلى ان خيار المجلس يسقط بمفارقته من غير اصطحاب و لا مصاحبة بين الشخص و نفسه، و فيه ان افتراقهما أيضا مستحيل، و المسقط هو الافتراق، و ربما انتصر له بلزوم الضرر، و مخالفة الفرع للأصل، و بإطلاق ما دل على جواز بيع الوكيل ماله من موكله، و مال موكله من نفسه، و لو دام الخيار مع الاتحاد وجب التفصيل، و الضرر يندفع بالاشتراط، و الفسخ و المخالفة مقلوبة؛ ضرورة عدم اللزوم بمفارقة المجلس خاصة في المتبايعين، بل لا بد من افتراق البدنين، و تصرف الوكيل منوط بالمصلحة مطلقا، فان وجدت مع استمرار الخيار، و إلا بطل لهذا الاعتبار.

هذا و لعل اقتصار المصنف على هذين المسقطين، لعدم ذكره التصرف أما غيره ممن ذكره و لم يذكره هنا، فمقتضاه انه لا يحصل به في المقام باعتبار اشتراك المتصرف، إلا أن يضم إليه قصد التصرف عن أحدهما، و لو جاءا مصطحبين فقال أحدهما: تفرقنا و لزم البيع، و أنكر الأخر، فعلى المدعى البينة، إن لم يطل الوقت، للأصل، بل و إن طال ترجيحا له على الظاهر، و يحتمل العكس، بل قواه في جامع المقاصد، نظرا إلى شدة استبعاد بقاء الشخصين مجتمعين مدة طويلة، مع كون الاصطحاب منسوبا إليهما معا، حتى لو أراد أحدهما المفارقة احتيج في منعه الى الالتزام و القبض، و ذلك من الأمور النادرة، قال: «و لكن هذا الظاهر يتفاوت قوة و ضعفا بإفراط طول

ج 23، ص: 23

المدة و عدمه» قلت: هو ان لم يصل في القوة إلى صلاحية قطع الأصل، يشكل تقديمه عليه، و لو اتفقا علي التفرق، و اختلفا في الفسخ، فالقول قول منكره بيمينه.

و في القواعد «احتمال تقديم مدعيه، لأنه أعرف بنيته» و هو كما ترى، و لعله يريد ما لو اختلفا في فعل مدعي الفسخ، مع أن ظاهر جامع المقاصد تقديم قول المنكر فيه، و لو قال أحدهما: تفرقنا قبل الفسخ، و قال الآخر: فسخنا قبل التفرق، احتمل تقديم الأول، لأصالة بقاء العقد، و تقديم الثاني، لأنه يوافقه عليه و يدعي فساده، و الأصل صحته، لأن الفسخ فعله، و أصالة تأخر كل منهما عن الآخر مع جهل التاريخ يقتضي الاقتران، و هو- مع انه خلاف الظاهر، بل و الأصل، كما حقق في محله و لذا لم يعتبره أحد من الأصحاب يقتضي ترجيح الأخير، لاستصحاب الخيار حتى يتحقق الافتراق فتأمل و الله اعلم.

[القسم الثاني خيار الحيوان ]

القسم الثاني خيار الحيوان الذي هو في الجملة إجماعي. بل ضروري عند علماء المذهب و الشرط فيه أي الخيار في الحيوان كله إنسية و غيره ثلاثة أيام على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل في ظاهر الانتصار و التذكرة و المحكي عن الخلاف و التحرير و صريح السرائر الإجماع عليه، لإطلاق النصوص

ج 23، ص: 24

بل العموم في بعض الصحاح منها؛ و خصوص صحيح ابن رئاب (1)و غيره، مما تسمعه خلافا للحلبيين على ما حكي عن أبي الصلاح منهما، و ربما يوافقهما ظاهر الشيخين، و المحكي عن الديلمي، حيث حكموا بضمان البائع مدة الاستبراء، و ليس إلا لأنها مدة الخيار المضمون ما يحدث فيها على البائع. لأنه لا خيار له، و الحمل على عدم القبض بعيد. بل المفروض في المقنعة و النهاية. وضع المشتري إياها عند غيره، و هو قبض و إيداع، بل فيهما، و الوسيلة و محكي المراسم و الجامع ان نفقة تلك المدة على البائع، قيل: و هو يؤذن بذلك، و إلا لوجبت على المشتري بالملك قبل انقضائها.

قلت: يمكن القول بالضمان و النفقة مع انقضاء مدة الخيار، للأدلة كما هو مقتضى الجمع بين إطلاقهم الثلاثة في خيار الحيوان، و ذكرهم ذلك، و على كل حال فلا نعرف له مستندا صالحا لمعارضة إطلاق الأدلة و عمومها

فضلا عن خصوصها، إذ إجماع الغنية- بعد معارضته بمثله، و رجحانه عليه من وجوه- غير صالح لذلك قطعا كما هو واضح.

و كيف كان فهذا الخيار للمشتري خاصة دون البائع على الأظهر الأشهر فتوى و رواية. بل المشهور شهرة عظيمة فيها، بل في الغنية و ظاهر الدروس أو صريحها الإجماع عليه، بل لا أجد فيه خلافا إلا من المرتضى في انتصاره، و المحكي عن ابن طاوس، بل لم نعرف النسبة إلا لاولهما، لقاعدة اللزوم المستفادة من الآية(2)و الرواية، و خصوص

صحيح ابن رئاب (3)المروي عن قرب الاسناد


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- 2 سورة المائدة الآية 1.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 9 و ذيله في الباب 4 منها الحديث 3.

ج 23، ص: 25

«سئل الصادق عليه السلام عن رجل اشترى جارية، لمن الخيار للمشتري أو البائع أو لهما كليهما؟ فقال: الخيار لمن اشترى، ثلاثة أيام نظرة، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء، قلت له: أ رأيت إن قبلها المشتري أو لا مس فقال: إذا قبل أو لا مس أو نظر فيها الى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط و لزمته»

الحديث.

بل و

صحيح الفضيل (1)قال للصادق عليه السلام: «ما الشرط في الحيوان؟ فقال: ثلاثة أيام للمشتري، قلت: و ما الشرط في غير الحيوان؟ فقال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا»

الحديث، الذي يقرب منه في الصراحة بالعدول بالجواب في غير الحيوان، و الاقتران باللام المفيدة للاختصاص، و ظهور ارادة القيد من الوقوع في بيان السؤال، فهو بمنزلة ما يذكر في الحدود و الحصر بتعريف المبتدأ بناء على أن للمشتري خبرا، أو كالخبر بالنسبة إلى ذلك و نحو

خبر ابن أسباط(2)«سمع الرضا عليه السلام يقول: الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، و في غير الحيوان ان يفترقا»

و إن لم يجتمع فيه جميع ما ذكرنا، ك

صحيح الحلبي (3)«عن الصادق عليه السلام في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري، و هو بالخيار فيها ان شرط فيها أو لم يشترط»

، و

صحيح ابن رئاب (4)«عن الصادق عليه السلام الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، اشترط فيها أو لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه، فلا شرط، قيل له: و ما الحدث؟ قال: إن لا مس أو قبل أو نظر منها إلى ما يحرم عليه قبل الشراء»

و

سمع الحسن بن علي بن فضال


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 26

في الموثق (1)«أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام»

. فمن الغريب ما في المسالك من الاقتصار في الاستدلال له على صحيح الحلبي (2)و قال: «انه لا يدل على نفيه عن البائع إلا من حيث المفهوم المخالف و هو ضعيف، فالقول بما عليه المرتضى في غاية القوة، إن لم يثبت الإجماع علي خلافه» و تبعه في هذا الميل الكاشاني و هو كما ترى، مع انه لم نقف له على دليل سوى ما ادعاه من الإجماع الموهون بالتتبع لفتاوي من تقدمه كالمفيد و الصدوقين، و من تأخر عنه المعارض بمثله صريحا و ظاهرا، و سوى

صحيح محمد بن مسلم (3)عن الصادق عليه السلام «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، و ما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا»

و

صحيحه الآخر(4)«عنه أيضا قال رسول الله صلى الله عليه و آله: البيعان بالخيار حتي يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام»

كصحيح زرارة(5)عن الباقر عليه السلام مع أن المراد بصاحب الحيوان في الأخيرين المشتري، بقرينة موثق ابن فضال (6)الذي هو إن أريد منه بيان الموضوع أو التخصيص في الحكم كان كافيا في المطلوب، و نافيا لأصل الدلالة فيهما على الأول، الذي يمكن دعوى انه المنساق المتبادر، إذ هو الصاحب فعلا، على أنه لو أريد به الأعم ثبت لكل منهما الخيار، متى كان أحد العوضين.

و هو مما لم يقل به أحد، لان من صوره كون الثمن للدار مثلا حيوانا و لا خيار للمشتري قطعا، كما ان العدول في الجواب فيهما صريح أو


1- 1 الوسائل الباب 3- من أبواب الخيار الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 3- من أبواب الخيار الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 3- من أبواب الخيار الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب 1- من أبواب الخيار الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 6.
6- 6 الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 2.

ج 23، ص: 27

كالصريح في إرادة أحدهما من الصاحب، و تخصيصه بالبائع فيما إذا كان المبيع حيوانا مما لم يقل به احد، فوجب ارادة المشتري منه، فانحصر الدليل في الصحيح الأول (1)القاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه، بل ربما احتمل فيه بقرينة اتحاد الراوي و المروي عنه للصحيح الذي بعده، انه نقل من الراوي بالمعنى، بزعم الموافقة؛ و احتمل فيه أيضا إرادة الخيار لمجموعهما الصادق بالمشتري

خاصة، أو أن الخيار للمشتري و على البائع فهو لهما أو نحو ذلك من الاحتمالات البعيدة التي لا بأس بها بعد القصور عن المعارضة، و انها أولى من الطرح.

نعم احتمل الفاضل تنزيله على ما إذا كان كل من الثمن و المثمن حيوانا، و كأنه علق قوله في الحيوان فيه بالمبتدأ، و هو مبنى على ثبوت الخيار لهما في هذه الصورة، و عده في جامع المقاصد ثالث الأقوال، و نفى عنه البعد لما فيه من الجمع، بل عن جماعة منهم الصيمري اختياره لذلك، و لاتحاد وجه الحكمة في ثبوت هذا الخيار للمشترى، و هي خفاء حال الحيوان المحتاج إلى ضرب هذه المدة، و فيه بعد اعتبار التكافؤ في الجمع، انه لا شاهد عليه في اللفظ و لا من خارج، و قاعدة أولويته من الطرح غير ثابتة كما تحرر في الأصول، و الحكمة ما لم يكن منصوص علة أو تنقيح مناط لا يجوز اطرادها عندنا.

و من ذلك كله يظهر لك ضعف ما احتمله الفاضل أيضا من ثبوته لذي الحيوان مطلقا، فيشتركان فيه مع كون العوضين حيوانين، و يختص به المشتري في بيع الحيوان بغيره، و يختص به البائع في بيع غيره به، و إن مال إليه أو توقف فيه في الرياض، و قواه في الروضة، و اختاره في المسالك، و مجمع البرهان و


1- 1 الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 3.

ج 23، ص: 28

الحدائق، و عن غيرها، إلا انه لا مستند له سوى الصحيح المزبور بعد التنزيل المذكور، و إطلاق صاحب الحيوان في الصحيحين، بناء على ارادة المنتقل اليه منه، لا ما كان صاحبه، و الاشتراك في وجه الحكمة، و في الجميع ما عرفت خصوصا بعد غلبة كون الحيوان مقابل بغيره، فصاحبه المشتري، سيما و لا عموم معتد به في هذه الإضافة إذ ليست من إضافة المصدر. فتأمل جيدا.

ثم إن ابتداء الخيار من تمام العقد، كما صرح به جماعة و هو ظاهر الباقين، لا من حين التفرق، لتبادر الاتصال من النصوص (1)و انه كخيار المجلس، بل هو متعين الإرادة في كثير منها، لعدم سبق غيره، و به ينقطع الاستصحاب و التأسيس مع انه خلاف وضع العقد غير لازم؛ و الخيار واحد بالذات مختلف بالاعتبار، فلا يجتمع المثلان و فائدته البقاء بأحد الاعتبارين مع سقوط الأخر، فلا يتداخل السببان و الأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات، فلا استحالة في اجتماعهما كما اجتمعت في المجلس و العيب، و خيار الرؤية باعتراف الخصم، و البيع يتم بالإيجاب و القبول على الأصح، فلا يمتنع الخيار قبل التفرق، و ارتفاع الخيار المخصوص لا يقتضي اللزوم مطلقا، بل اللزوم اللازم من رفعه، فيصح تعلقه بالجائز، و لو قيل بالسببية في المجموع، دون الجميع اندفع أكثر ذلك إلا انه خلاف الظاهر نصا و فتوى، و يلزمه سقوط الأثر بالكلية مع استمرار المجلس طول المدة، و هو بعيد.

كما أن احتمال سقوط خيار المجلس في الحيوان، لظهور بعض النصوص الجامعة بينهما في اختلاف موضوعهما بعيد أيضا، لظهور الفتاوى و جملة من النصوص في خلافه، و يلزمه

عدم الخيار بعد الثلاثة لو زاد المجلس عليها، و البحث في ثبوته للوكيل نحو ما سمعته في خيار المجلس، لكن من المعلوم هنا اختصاصه بالمالك و من يوكله فيه، كما ان من المعلوم ابتداؤه في الفضولي


1- 1 الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار.

ج 23، ص: 29

من حين الإجازة بناء على النقل، أما على الكشف فان كانت بعد الثلاثة سقط، و إلا ثبت فيما بقي منها و الله أعلم.

و كيف كان ف يسقط باشتراط سقوطه في العقد و بالتزامه بعده لما تقدم في خيار المجلس و بإحداثه فيه حدثا، كوطي الأمة و قطع الثوب و بتصرفه فيه سواء كان تصرفا لازما كالبيع أو لم يكن كالهبة قبل القبض و الوصية ل صحيحي ابن رئاب السابقين (1)و

مكاتبة الصفار(2)إلى أبي محمد عليه السلام «في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ، إله أن يردها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها؟ فوقع عليه السلام إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إنشاء الله»

و صرح جماعة بل لا خلاف فيه يعرف بينهم أنه لا فرق بين الناقل و غيره، لصدق اسم الحدث، و ذكر بعض أفراد العام أو المطلق للتمثيل لا يقضي بالتخصيص و التقييد لهما؛ سيما إذا

كان في كلام السائل كالمكاتبة، و المناقشة بظهور صحيحي ابن رئاب في اختصاص الحدث بما لا يشمل التصرف الناقل إذ المثال إنما هو لما ماثله ضعيفة، ضرورة أن ذلك و إن لم يكن من صنف المذكور، و لكنه أولى قطعا؛ نعم قد يظهر من بعض النصوص الاتية في خيار الشرط(3)عدم دلالة مثل ذلك على الرضا و لذا اشترط على المتصرف الذي له الخيار أن يستوجب البيع أولا، لكن لم أجد عاملا بها، فهي بالنسبة إلى ذلك شاذة.

و على كل حال فقد قيل أن الظاهر من صحيح الرضا(4)الذي هو كالتعليل


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار الحديث 1 و 3.
2- 2 الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 12 من أبواب الخيار الحديث 1- 2.
4- 4 الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 30

كون المناط حصول الرضا بسببه، فلو علم انتفاؤه و ان قصده بالحدث اختباره أو غيره، بقي خياره، و لعله لذا قيده بعض الأفاضل بما إذا لم يكن للاختبار و نحوه و يؤيده الأصل، و الإطلاقات و بعض النصوص، كالخبرين أحدهما

الصحيح (1)«عن رجل اشتري شاة، فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها، قال: إن كان تلك الثلاثة أيام شرب لبنها، و رد معها ثلاثة أمداد، و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء»

لكن عن بعضهم سقوط الخيار به أيضا بل مال إليه في المسالك، و لعله للإطلاق و ارادة التنزيل منزلة الرضا في السقوط شرعا، لا أنه كاشف عنه، و إلا لم يتم في مشكوك الحال فضلا

عن معلوم العدم، اللهم إلا أن يقال أن الشرع كاشف عن العرف، فيتبع فيما لم يعلم عدمه، بل ذلك هو الموافق لأصلي الخيار و اللزوم؛ و ستسمع إنشاء الله تمام البحث فيه من الاحكام.

و يسقط أيضا بانقضاء المدة و هي ثلاثة أيام كما عرفت قال، بعض الأفاضل:

بلياليها تحقيقا، لأنه الأصل في التحديد، و الظاهر دخول الليلتين أصالة، فتدخل الثالثة، و إلا اختلف معنى الآحاد في استعمال واحد، و فيه نظر، لان الظاهر دخول الليلتين المتوسطتين في الحكم، دون الاسم، إذ ليس اليوم لغة و شرعا و عرفا إلا البياض المقابل لليل، الا أنه لما فهم اتصال الخيار بالعقد في جميع أزمنة وقوعه ليلا أو نهارا إلى أن تحقق مصداق مضي ثلاثة أيام، دخل الليلتان و غيرهما، بل الظاهر دخول المنكسر من اليوم كذلك أيضا. فإذا وقع العقد مثلا ظهر يوم الخميس، فالخيار متصل إلى أن يتحقق مصداق مضى ثلاثة أيام، و لا يكون ذلك إلا بانتهاء يوم الأحد، و هو غروب الشمس منه، و لو وقع في أول ليلة الخميس مثلا، فالخيار فيه إلى مضى الثلاثة، فتدخل الليلة في الحكم لا في اسم اليوم.


1- 1 الوسائل الباب 13 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 31

بل هذا كاد يكون صريح

قوله عليه السلام في صحيح ابن رئاب (1)«فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب البيع»

إذ مفهومه ان العقد على الخيار إن لم تمض، فالمنكسر في النهار و الليل حينئذ داخلان في حكم البقاء على الخيار إلى حصول الغاية، لا في مفهوم الأيام المنافي للغة و الشرع و العرف، كدعوى صدق اليوم على الملفق من يوم آخر أو من الليل المنافية للثلاثة أيضا، و حينئذ فالخيار في الزيادة على الأيام الثلاثة مستفاد من دليل الخيار بالتقريب الذي ذكرناه- فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع في كثير من المقامات لم أجد من تنبه له، مع أنه بالتأمل في المقام و غيره يمكن القطع به لمن رزقه الله تعالى اعتدال الذهن.

نعم لا إشكال في ثبوت مشروعية التلفيق في الجملة، ضرورة أن الكسر كما يكون في الأيام، يكون في الشهور و السنين، و في غير واحد من النصوص (2)في قوله تعالى (3)«بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ الى قوله فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» قال: فهذه أشهر السياحة عشرون من ذي الحجة و المحرم و صفر و شهر ربيع الأول و عشر من ربيع الأخر و هو كالصريح في التلفيق في الأشهر، بل و انه يجبر الأولين من الأخر و ان ذلك كله مصداق أربعة أشهر فتأمل جيدا و الله العالم، و لا يسقط هذا الخيار بالتبري من العيوب، و إن كان الحكمة في شرعه خفاء العيب غالبا، إلا أنه لا يجب انعكاسها.

و يعم هذا الخيار كل حيوان الصامت و الناطق من لا ينعتق عليه، على ما سمعته في خيار المجلس، و في اشتراط استقرار الحياة في صحة البيع و ثبوت الخيار وجهان، أشبههما العدم، و يثبت في حيوان البحر و ان اخرج من الماء و اشترطنا إمكان البقاء، لا مكان عوده إلى ما يعيش فيه، فلو تركه المشتري على الجدد حتى مات فلا ضمان على البائع، لأنه هو الذي أتلفه، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 9.
2- 2 تفسير برهان جلد 2 ص 101 الطبع الحديث.
3- 3 سورة البراءة الآية- 1.

ج 23، ص: 32

[القسم الثالث خيار الشرط]

القسم الثالث خيار الشرط بالضرورة بين علماء المذهب، و الكتاب و السنة عموما، و خصوصا في بعض أفراده، و لا يقدح منافاته لمقتضى إطلاق العقد، كما في كل شرط؛ و دعوى أن اللزوم من مقتضياته، لا مقتضى إطلاقه- يدفعها مشروعيته بأسبابه، و لو أنه كذلك لم يشرع أصلا كالملك بالنسبة إلى البيع كما هو واضح، و حينئذ ف هو عندنا بحسب ما يشترطانه أو أحدهما لا يتقدر بمدة مخصوصة، خلافا للشافعي و ابى حنيفة، فلم يجوز اشتراط أزيد من ثلاثة، و لا يعتبر فيها الاتصال بالعقد، كما هو صريح بعض و ظاهر إطلاق آخرين؛ للعموم، خلافا لما عن بعض العامة فمنعه، و احتمله الفاضل تفاديا من انقلاب اللازم جائزا؛ و فيه انه جائز و واقع في خيار التأخير و غيره، و متي جاز الانفصال جاز التعاقب لعموم المقتضى، لكن في المسالك احتمال العدم بعد قطعه بجواز الانفصال، و لعله لاستظهار الاتحاد من الإطلاق، و فيه منع واضح. و لو شرط الخيار شهرا يوما، و يوما لا، صح بناء على إرادة خمسة عشر من الشهر العددي، كما عساه المنساق من العبارة، و مع التصريح بذلك لا إشكال في الصحة، و اليوم المتصل بالعقد أول الأيام، فظهر أن المدار على الشرط.

لكن يجب أن يكون ما يشترطانه من مدة الخيار مدة مضبوطة و لذا لا يجوز أن يناط بما يحتمل الزيادة و النقصان كقدوم الحاج و نحوه قولا واحدا، للغرر حتى في الثمن لأن له قسطا منه، فيدخل فيما نهى النبي صلى الله عليه و آله (1)فاشتراطه مخالف للسنة، و ما دل على وجوب اتباعها من الكتاب (2)علي أن مشروعية


1- 1 الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3 الدعائم ج 2 ص 19.
2- 2 الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 1- 5.

ج 23، ص: 33

العقود لقطع الاختلاف فلا تناط بما هو مثاره.

و لو شرط كذلك بطل البيع أيضا لا الشرط خاصة، كما ستسمعه فيما يأتي إنشاء الله تعالى محررا، أما لو أطلق اشتراط الخيار من غير ذكر مدة أصلا، فالمشهور بين المتقدمين الصحة، و الانصراف إلى الثلاثة، بل في الانتصار و الغنية و محكي الجواهر و الخلاف الإجماع عليه، بل في الأخير نسبته الى أخبار الفرقة أيضا، و إن كنا لم نقف على شي ء منها فيما وصل إلينا من النصوص، سوى ما قيل من فحوى

قوله عليه السلام في الصحيح السابق (1)«الشرط في الحيوان ثلاثة للمشتري اشترط أو لم يشترط»

فإنه يدل بالفحوى على أن الشرط في غيره ثلاثة مع اشتراط الخيار، لا اشتراطها، لعدم اختصاصه بها إذ ضرورة صحة اشتراط أي عدد، فالمختص بها حينئذ إطلاق اشتراط الخيار و فيه ما فيه، و

النبويين (2)«الخيار ثلاث»

قال: «لا خلا به و لك الخيار ثلاثا»

و هما- مع انهما من غير طرقنا- لا دلالة فيها، لما في التذكرة من أن قول لا خلا به عبارة في الشرع عن اشتراط الخيار ثلاثا فإطلاقها مع العلم بمعناها كالتصريح، الا أن إرسال الشيخ الأخبار المزبورة لا تقصر عن المراسيل في كتب الحديث التي من المعلوم عدم بنائها على الاستقصاء التام، فعدم الوجود فيها غير دال على العدم، فهي حينئذ مع الإجماعات المزبورة كافية في إثبات المطلوب، سيما مع عدم الموهن لها بين المتأخرين فضلا عن غيرهم، إذ لم نعرف مصرحا بالبطلان بعد الشيخ في أحد قوليه الا الفاضل و ثاني الشهيدين و الصيمري فيما حكي عنه.

نعم نسب الى المرتضى و ظاهر الديلمي، و المعلوم من الأول خلافه، و عبارة المتن كاللمعة و النافع و الوسيلة و محكي التحرير لا دلالة فيها، لأن اشتراط التعيين


1- 1 الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- 2 سنن البيهقي ج 5 ص 273.

ج 23، ص: 34

في المدة غير اشتراط المدة المعينة، و لذا لم يشر في شي ء منها الى الخلاف، مع أن الغالب في بعضها الإشارة إلى شواذ الأقوال فضلا عن مثل هذا.

فمن الغريب ما في بعض المصنفات من حكاية القول المزبور على وجه يكون به من الشواذ، علي أنه ليس في الأدلة ما ينافيه، إذا الغرر مندفع بتحديد الشرع و إن لم يعلم به المتعاقدان، كخيار الحيوان الذي لا إشكال في صحة العقد مع الجهل به أو بمدته من الزمان، و من ذلك يعلم ما في دعوى أولويته بالمنع، من ذي المدة الغير المعينة، كالتعليل بأنه لو صح فاء ما أن يدوم الخيار و هو باطل بالإجماع أو يخص من غير مخصص، إذ قد عرفت أن التخصيص بالثلاثة إما لانصراف الإطلاق عرفا، لكونها أقل مدة يتروى بها في مثله و الشرع كاشف، أو لتعيين الشارع، و الشرط سبب لا مناط كالوصايا المبهمة، و لذلك كله مال إليه في الدروس بل جزم به العلامة الطباطبائي في مصابيحه و هو لا يخلوا من قوة.

و كيف كان ف لكل منهما أن يشترط الخيار لنفسه في الكل و البعض المعين و لأجنبي متحدا أو متعددا مع التعيين، و إلا لم يجز للغرر، كالتعيين في المخير فيه، فلا يكفي في شي ء منهما أحدهما و نحوه و له مع الأجنبي كذلك بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه للعموم، لكن إن اتحد ذو الخيار فالأمر اليه، و الأقدم الفاسخ و لو أجنبيا، لعدم معارضة اختيار اللزوم له كما هو واضح.

فما في الوسيلة- من أن الخيار إن كان لهما و اجتمعا على فسخ و إمضاء نفذ، و إن لم يجتمعا بطل، و إن كان لغيرهما و رضي نفذ البيع، فان لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ و الإمضاء- لا وجه له.

كما أن ما في الدروس- من أنه يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا و لا اعتراض عليه و معهما أو مع أحدهما، و لو خولف أمكن اعتبار فعله، و إلا لم يكن لذكره فائدة- في غير محله، بل ينبغي الجزم بتقديم الفاسخ و لو الأجنبي كما ذكرناه، و اشتراط

ج 23، ص: 35

الخيار للأجنبي خاصة تحكيم لا توكيل و ليس له الفسخ دونه، الا أن الظاهر وجوب اعتماد المصلحة لأنه أمين، فلو بان الخلاف لم يمض الفسخ، بل قد يقال: إن المنساق عرفا من مثل ذلك ما يشبه التوكيل، فيمكن احتمال مراعاة الأصلح لذلك، بناء على اعتباره فيها، كما أنه يعتبر فيه أيضا غير ذلك مما يعتبر فيها من البلوغ و العقل و نحوهما، و كذا يجوز لكل منهما اشتراط المؤامرة اى الاستيمار بلا خلاف فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، للعموم، خلافا للشافعي (1)في أحد قوليه فيلزم العقد بإمضاء المستأمر و سكوته إذا كان المراد منها اشتراط الخيار له بأمره لانتفاء

المشروط حينئذ بانتفاء شرطه، و الأصل في العقد اللزوم، أما لو أمر بالفسخ فلا يتعين عليه امتثال أمره به قطعا.

نعم له العمل به على ما هو مقتضى الشرط، و ليس له الفسخ قبل أمره به، لعدم حصول الشرط فما عن التحرير- كما عن أحد قولي الشافعية من جواز الرد من غير أن يستأمر لأنه ذكر الاستيمار احتياطا- واضح البطلان، بل عن الأول التصريح فيه بعد ذلك بالمنع من الرد قبله، و لذا حمله بعض الأفاضل على ما إذا حصل الأمر بالفسخ قبل الاستيمار، خلافا لظاهر المبسوط و الخلاف و التذكرة و كنز الفوائد و تعليق الإرشاد و المسالك على ما حكى عن بعضها، فينتفى لانتفاء الشرط، لكن يمكن تنزيل عباراتهم على الغالب من ترتب الأمر على الاستيمار و لا بأس به، و لا بد من ضبط مدة الاستيمار، كما هو صريح جماعة؛ و ظاهر آخرين تحرزا من الغرر، خلافا للمحكي عن المبسوط و الخلاف و أحد قولي الشافعي، فيثبت على التأبيد مع انتفاء التحديد و هو كما ترى.

و لا ينصرف الإطلاق هنا إلى الثلاثة التي خيارها، متصل بالعقد، بخلاف خيار


1- 1 التذكرة ج 1 ص 521.

ج 23، ص: 36

المؤامرة الذي لا يحصل إلا بعد الأمر، و صرف إطلاق الخيار إليها لا يقتضي كونها ظرفا لشرائط الخيار قطعا، إذ لا تزيد على خيار الحيوان و لا يشترط تعيين المستأمر لعدم الغرر فيه، بخلاف الخيار للأجنبي، و بذلك- و عدم الخيار للمستأمر بالفتح و إنما له الأمر به- افترقت المؤامرة عن اشتراط الخيار للأجنبي، فيصح إناطة الأول بأمر أحد الرجلين دون الثاني، و مع الاختلاف يقدم الفاسخ، و في المتحد إذا اختلف رأيه في المدة يحتمل ذلك مطلقا أو بشرط التأخر، و الأخذ بالمقدم مطلقا و المؤخر كذلك، و قد اختار بعض الأساطين الثاني. هذا كله بناء على معلومية إرادة ما عرفت من اشتراط الاستيمار، أما إذا أريد منه غير ذلك من المشاورة. و إجالة الرأي معه، لا اتباع أمره أو نحو ذلك، اتبع عملا بالشرط، و لعل إطلاق اشتراط الاستيمار ظاهر فيما ذكره الأصحاب، و الأمر سهل بعد وضوح المأخذ، لعدم خروج المؤامرة بنص مخصوص، فالمرجع في المراد منها الى ما يرجع إليه في غيرها من العرف و اللغة، بل استقصاء البحث فيها ليس من وظائف الفقيه.

و كذا يجوز اشتراط الخيار مدة معينة- لا مجهولة و لا مطلقة، بل إطلاق الخيار هنا لا ينصرف إلى الثلاثة كما سمعته في المؤامرة. نعم لا يعتبر فيها الاتصال و ان انصرفت اليه عند الإطلاق- و إن كان الخيار فيها بشرط أن يرد البائع فيها بالثمن و يرتجع بالمبيع إنشاء مطلقا أو موزعا عليها نجوما، متساوية أو مختلفة مع اشتراط الخيار بنسبة الرد و بدونه، و إن كان إذا أطلق توقف على رد الجميع إجماعا في أصل المسئلة بقسميه.

و نصوصا عموما و خصوصا(1)فيه الصحيح و غيره و لا يقدح لفظ الوعد في سؤال الأول بعد أن

كان الجواب أرى أنه لك إن لم يفعل، اي يرد الثمن، و ان جاء بالمال للوقت فرد عليه

قال فيه: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام.(2)انا نخالط أناسا من


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 7 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 37

أهل السواد و غيرهم فنبيعهم فنربح عليهم العشرة باثني عشر أو العشرة بثلاثة عشر، و نوجب ذلك فيما بيننا و بينهم السنة و نحوها، فيكتب لنا الرجل على داره أو على أرضه بذلك الذي فيه الفضل الذي أخذ منا بشراء و قد باع و قبض الثمن منه، فبعده إن هو جاء بالمال الى وقت بيننا و بينه أن نرد عليه الشراء، فان جاء الوقت و لم يأتنا بالدراهم فهو لنا، فما ترى في الشراء، فقال: أرى أنه لك إن لم يفعل، و إن جاء بالمال للوقت فرده عليه»

و

في موثق إسحاق بن عمار(1)«حدثني من سمع أبا عبد الله عليه السلام قال:

سأله رجل و أنا عنده فقال له: رجل مسلم احتاج الى بيع داره فمشى إلى أخيه فقال: أبيعك داري هذه، و تكون لك أحب إلى من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردها على؟ قال: لا بأس

بهذا، إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه، قلت: فإنها كانت فيها نخل كثير فأخذ الغلة لمن تكون الغلة؟ فقال: الغلة للمشتري، ألا ترى لو احترقت كانت من ماله»

إلى غير ذلك من النصوص، و نحوه اشتراط المشتري رد الثمن برد المبيع في مدة معلومة، لعموم المقتضي، فلكل منهما حينئذ ذلك؛ اتحدت المدة أو اختلفت، كما ان لكل منهما اشتراط الرجوع في الكل برد الكل أو البعض، و في البعض برد البعض الخاص و ما دونه، و لو اشترط الكل أو أطلق الرد لم يتخير برد البعض و إن قل الباقي، و لو اشترط البعض تخير برده كملا دون البعض منه، و اللزوم من أحدهما لا ينافيه الجواز للآخر.

لكن قد يظهر من النصوص و جملة من العبارات عدم احتياج الانفساخ إلى أزيد من الرد، و هو إما لانه المشروط، أو لأن به يحصل اختيار الفسخ، و في الأول أن القدرة إنما تتعلق بالفسخ دون الانفساخ. فلا يصلح اشتراطه الا بواسطته، اللهم الا أن يستند في الجواز الى ظاهر صحيح سعيد بن يسار(2)و خبر معاوية بن ميسرة(3)و موثق إسحاق (4)مؤيدا بعموم

«المؤمنون عند شروطهم»

(5)القاضي بصحة ما لم


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 7 من الخيار الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.

ج 23، ص: 38

يعلم فساده من الشرائط، و أن الشرط بنفسه من المؤثرات لذلك، و نحوه مما يؤثر غيره إلا أن يعلم العدم، كالنكاح و الطلاق و نحوهما، بل هو لا يزيد على اشتراط انتقال عين مخصوصة من غير ناقل عداه.

نعم هو مبني على أن المشروط هو الانفساخ لا الخيار، كما هو ظاهر أكثر الأصحاب إذ هذا القسم المسمى عندهم ببيع الشرط، و هو عندهم ما اشترط فيه الخيار بعد الرد- فالذي يحصل به حينئذ التسلط على الفسخ، لا الانفساخ. نعم قد يقال:

بعد معلومية عدم توقف الفسخ على لفظ مخصوص بل يكفى فيه كل ما دل عليه من فعل أو قول- أنه دال عليه و يحصل به، و الغالب دلالته عليه فيحصل به الفسخ، و على هذا ينزل إطلاق النصوص و بعض الفتاوى؛ و فيه منع دلالته عليه، و إنما هو دال على ارادة الفسخ و العزم عليه لا إنشاء الفسخ به خصوصا إذا حصل الرد تدريجا، و الذي يؤثر الفسخ الثاني لا الأول.

و من هنا صرح بعضهم بعدم الانقطاع البيع بمجرد رد الثمن، بل قيل: انه ظاهر كلام الباقين، و إطلاق النصوص و بعض الفتاوى يمكن تنزيله على الغالب من تعقيب الرد بالفسخ، لا على ذلك، الا أن الانصاف عدم خلوه عن النظر بعد، إذ من المحتمل كون المراد من اشتراط الخيار بالرد أن له الفسخ في هذه المدة بهذا الطريق منه، و الا كان ابتداء الخيار مجهولا فيكفي حينئذ في حصول الفسخ نفس الرد فتأمل جيدا.

و على كل حال فالظاهر أنه لا فرق في الاحتياج إلى الفسخ بين القول بانتقال المبيع بنفس العقد، و القول بانتقاله بمضي الخيار معه، بناء على شمول كلامهم لمثل هذا الخيار المسبوق باللزوم، إذا العقد عندهم و إن لم يكن ناقلا من حينه، الا أنه يفيد الملك إذا انقضى زمن الخيار فمع عدم فسخه لا يستقر ملك ذي الخيار عليه، فهو لا بد منه على القولين و ان افترقا بكونه على الأول لعود الملك و، على الثاني لاستقراره، نعم قد يتوقف في اندراج هذا الخيار في كلامهم بمسبوقيته باللزوم. و انتقاله

ج 23، ص: 39

بمجرد جهة الرد عن المشتري الى البائع و إن لم يحصل به الفسخ، و إنما حصل به الخيار خاصة من غير ناقل شرعا- لا يخلوا من اشكال، و من هنا أمكن أن يقال:

بأن النماء هنا للمشتري إلى حين الفسخ مطلقا على القولين، لانه ملكه. و التزام- عوده إلى البائع بالخيار على الثاني، و عدم انتقال خصوص النماء للمشترى ما بين الرد الى حين الفسخ و إن لم ينتقل الأصل إلى البائع إلا به- كما ترى.

و كما أن النماء له فالتلف منه بلا خلاف أجده فيه، للصحيح (1)و الموثق (2)بل هو كذلك و ان كان بعد الرد الا انه مضمون عليه، لانه وقع في زمن خيار البائع فله حينئذ الفسخ ثم الرجوع عليه بالمثل أو القيمة، بخلاف التلف

قبل الرد الذي هو ليس زمان خيار، كي يستحق الرجوع به عليه بعد الفسخ، بل المتجه فيه سقوط الخيار؛ الا ان يشترط عليه الرجوع به عينا أو قيمة، فيلزم بناء على صحة هذا الشرط، و بدونه لا يلتزم حتى لو تصرف فيه باختياره تصرفا ناقلا، فضلا عن التلف السماوي، للأصل، و ظاهر الصحيح و الموثق.

و كيف كان فمورد النص نماء المبيع و تلفه إذا كان الخيار للبائع، لكن يعلم منه حكم نماء الثمن و تلفه في هذه الصورة، و حكم نماء العوضين و تلفهما إذا كان للمشترى و يسقط هذا الخيار بانقضاء المدة و لما يحصل الرد و الإيجاب من ذي الخيار، و التصرف و الاذن فيه كما في مطلق خيار الشرط على ما ستعرف إنشاء الله تعالى عند تعرض المصنف، فإنه نوع منه، و إنما يغايره في زيادة قيد الرد، فلا يخالفه الا فيما يقتضيه القيد و قد يستظهر عدم سقوط هذا القسم من خيار الشرط بالتصرف، لان المدار عليه في هذا الخيار، و لانه شرع لانتفاع البائع بالثمن، و المشتري بالمبيع فلو سقط به سقطت الفائدة في وضعه.

و للموثق (3)المفروض في بيع الدار لاحتياج البائع إلى الثمن المصرح فيه


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 1 بطريقين.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 1 بطريقين.
3- 3 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 40

بكون الغلة للمشترى و رد بأنه- مع مخالفته لإطلاق النصوص السقوط بالتصرف لان المدار عليه- ان التصرف المسقط ما كان في زمن الخيار و هو لا يحصل هنا الا بعد الرد و لا

ينافي شي ء مما ذكر لزومه به بعده، لان ذلك. زمنه لا قبله. و إن كان قادرا على إيجاد سببه فيه، إذ المدار على الفعل لا القوة، على انها لا تتم فيما اشترط فيه الرد في وقت منفصل عن العقد، كيوم بعد سنة.

و لا فرق على الظاهر في التصرف في المردود بين كونه عين مال المشتري مثلا، و بين كونه مثله أو قيمته، لصدق الرد و دلالة التصرف فيه بعده على الالتزام شرعا أو عرفا على الوجهين السابقين، و قد يحتمل في الأخيرين العدم، لعدم صدق التصرف فيه، ضرورة تغاير البدل للأصل، الا أن الأول أقوى، هذا.

و لكن قد يناقش في دعوى أن زمن الخيار بعد الرد، باقتضائها جهالة الابتداء حينئذ أولا، و بصدق زمن الخيار عليها جميعها عرفا، ثانيا، و بمنافاتها لما تسمعه منهم في غير مرة من جعل هذه المدة زمن خيار، ثالثا، منها- ما اعتمدوه في رد قول الشيخ بالملك بعد انقضاء الخيار، بهذه النصوص (1)المصرحة بأن المبيع ملك المشتري و الثمن ملك البائع قبل انقضاء مدة الخيار، فلو لا انها مدة خيار ما اتجه لهم ذلك الا على تكلف بعيد؛ فلاحظ و تأمل.

ثم ان المعتبر في رد المبيع رد العين مع الإطلاق، بخلاف الثمن الذي مبنى هذا النوع على التصرف فيه غالبا، فيكفي فيه المثل، بل قد يحتمل ذلك في المبيع إذا كان مثليا لصدق الرد عرفا، و لا اعتبار بالقيمة في ذوات الأمثال، نعم قد يحتمل الاكتفاء بها مطلقا في خصوص الثمن، لكن يقوى اعتبار رد العين

نفسها الا أن تقوم قرينة معتبرة على إرادة الأعم فتتبع، هذا.

و اعلم أن جميع ما ذكرناه في خيار المؤامرة و الخيار برد الثمن جريا على


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار.

ج 23، ص: 41

ما ذكره الأصحاب، و ظاهرهم أنها على مقتضى العمومات، بل هو صريح غير واحد منهم، بل هو مقتضى ما ذكروه من التعدي عن محل النص في الخيار برد الثمن، لكن قد يشكل ذلك بأنهما معا من التعليق الممنوع في البيع و نحوه، من غير فرق فيه بين كونه في نفس العقد، و بين كونه في متعلق العقد كالشرط و نحوه، فلو باع و اشترط شرطا مثلا قد علقه على مجي ء زيد في مدة معينة مثلا، لم يجز بلا خلاف أجده فيه و الفرق بينه و بين تعليق الخيار على رد الثمن أو على أمر زيد به غير واضح، و التعبير بعبارة لا تعليق فيها في اللفظ؛ لا يرفع التعليق في المعنى، فان اشتراط الخيار حال رد الثمن أو حال أمر زيد به كاشتراطه حال قدوم الحاج أو مجي ء زيد في مدة معينة مثلا.

فالتحقيق حينئذ الاقتصار في خيار الرد على النصوص، و ما يمكن إلحاقه بما فيها، و أما خيار المؤامرة فلم نجد فيه نصا بالخصوص، فان كان إجماعا فذاك و الا! شكل بما ذكرناه إلا إذا فرض على وجه لا تعليق فيه و الله اعلم.

[القسم الرابع خيار الغبن ]

القسم الرابع خيار الغبن بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، عدا ما يحكى عن المصنف من إنكاره في حلقة درسه، و الموجود في كتابه خلاف هذه الحكاية، و استظهره في الدروس من كلام الإسكافي، لأن البيع مبني على المغالبة، و لا ريب في ضعفه، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، و في الغنية الإجماع عليه، و هو بعد التتبع الحجة مضافا الي ما قيل من النهي عن أكل مال الغير «إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» في الكتاب (1)و السنة(2)و النصوص

«غبن المسترسل سحت» كما في أحدها(3)

«و المؤمن» في آخر(4)

و في ثالث «لا يغبن


1- 1 سورة النساء الآية 29.
2- 2 الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث 1- 3.
3- 3 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 2.

ج 23، ص: 42

المسترسل فان غبنه لا يحل»(1)

و ما ورد من النهي عن تلقي الركبان و أنهم مخيرون إذا غبنوا(2)و خبر الضرار(3)و في الجميع نظر، ضرورة حصول التراضي، و الا كانت المعاملة باطلة، لا أن فيها الخيار، و عدمه على تقدير العلم لو سلم، لا ينافي الرضا الفعلي الذي عليه المدار، و إن كان الداعي له الجهل، و المراد من النصوص المزبورة،

كراهة خدع المؤمن المطمئن إليك الواثق، و زيادة الربح عليه، و عن مجمع البحرين «الاسترسال: الاستيناس و الطمأنينة إلى الإنسان و الثقة فيما يحدثه، و أصله السكون و الثبات و منه الحديث» الى آخره علي أن مقتضى الحكم بأنه سحت- البطلان، لا الخيار، كما أن مقتضى عدم الحل الإثم، بل ما ثبت من الخيار عند الأصحاب أعم مما فيه الغبن بمعنى الخدع، و خبر الركبان لم نقف عليه في كتب الأصول، بل في الحدائق و لا في كتب الفروع، و إن كان فيه انه يكفي ارسالهم له، بل لعله أقوى من ذكر المتن، و في الغنية

«نهي عليه السلام عن تلقى الركبان»

و قال: «فان تلقى متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا دخل السوق»

و حديث الضرار(4)مع قطع النظر عن كلام الأصحاب لا يشخص الخيار بل لا يقتضي إلا الإثم ان أريد منه النهي.

نعم قد يستفاد منه المطلوب إذا أريد منه عدم مشروعية ما فيه ضرر، مضافا الى أصالة صحة البيع و حليته، و جبر كثير من محال الضرر بالخيار و فتوى الأصحاب و أن الخيار وجه جمع بين الحقين و رافع للضرر من الجانبين، بخلاف الإلزام بالأرش و نحوه، و الأمر سهل بعد ما عرفت من الإجماع المزبور، نعم يشترط فيه أمران أحدهما- جهل المغبون القيمة وقت العقد بلا خلاف، ضرورة تسلط الناس على أموالهم (5)فله أن يقدم على بيع ما يساوي مأة بواحد، فمع العلم و الاقدام لا

خيار قطعا، كحدوث الزيادة و النقيصة بعده، و في التذكرة و المسالك الإجماع عليه، بل في الثاني منهما و غيره التصريح بعدم الفرق بين


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب آداب التجارة الحديث 7.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 469 كنز العمال ج 2 ص 306.
3- 3 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5.
4- 4 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5.
5- 5 البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

ج 23، ص: 43

من تمكن من المعرفة و لو بالتوقف و غيره، لكن قد يشكل الأول إن لم يكن إجماعا بأنه هو أدخل الضرر على نفسه فلا خيار له، كمن أقدم على البيع بالمسمى و إن فرض مساواته أضعافه، فإن الظاهر عدم الاعتبار بجهله و الأصل اللزوم فتأمل.

و من الجاهل الناسي كحدوث القيمة للمبيع و لما يعلم بها و يقبل قوله في الجهل مع إمكانه في حقه كما في الجامع و جامع المقاصد و المسالك لأصالة عدم العلم، و لأنه مما يخفى و لا يعلم الا من قبله، و احتمل في الثاني العدم، لأصالة لزوم العقد فيستصحب الى ثبوت المزيل، و أشكله بأنه ربما تعذر إقامة البينة و لم يتمكن الخصم من معرفة الحال، فلا يمكنه الحلف على عدمه، فيسقط الدعوى بغير بينة و لا يمين، ثم قال: كالأول، نعم لو علم ممارسته لذلك النوع في ذلك الزمان و المكان بحيث لا يخفى عليه قيمته لم يلتفت الى قوله و هو كذلك، اما النسيان فقد يقوى عدم قبوله بقوله.

الثاني- الزيادة و النقيصة التي لا يتسامح الناس بمثلها عادة فلا يقدح التفاوت اليسير، و المرجع في ذلك- بعد ان لم يكن له مقدر في الشرع- الي العرف، و هو مختلف بالنسبة إلى المكان و الزمان و نحوهما، و لو اختلفا في القيمة وقت العقد فعلى مدعي الغبن البينة، لأصالة اللزوم، و الظاهر ثبوت خيار الغبن من أول العقد لا حين ظهوره، فلو أسقطه حاله سقط و إن لم يكن عالما به؛ كما أن الظاهر كونه على التراخي ما لم يحصل ضرر علي الأخر؛ للأصل خلافا لبعضهم منهم ثاني المحققين و الشهيدان مع أن الأخير منهما قد استوجه الأول في بحث تلقي الركبان بعد أن حكاه عن المصنف.

و كيف كان فلعل الفور اقتصارا على موضع اليقين، و لاقتضاء التراخي الإضرار بالمردود عليه، لتغير السعر بتغير الزمان، و لان قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1)و نحوه مما يقتضي اللزوم كما أنه عام في الافراد كذلك في الأوقات و الا لخلي عن الفائدة فلا يتصور حينئذ استصحاب في الخارج لبقاء غيره على مقتضى العام، و الأصل عدم تخصيصه،


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 23، ص: 44

و فيه عدم انحصار الحكم الشرعي في اليقين، و قد عرفت تقييده بعدم الضرر، و الآية و غيرها مطلقة بالنسبة إلى الزمان لا عامة فلا تنافي الاستصحاب.

و من ذلك كله ظهر لك المراد من قول المصنف- من اشتري شيئا و لم يكن من أهل الخبرة مثلا و ظهر فيه غبن لم تجر العادة بالتغابن به في مثل هذا البيع و الزمان و المكان كان له فسخ العقد إذا شاء و دليله، أنه كما يثبت للمشترى يثبت للبائع، لاتحاد الدليل بل لو

فرض تصور الغبن فيهما كما إذا وقع البيع على شيئين في عقد واحد و كان كل منهما بثمن معين في أحدهما الغبن على البائع و في الأخر على المشتري ثبت الخيار لهما معا هذا. و ربما استفيد من التعليق على المشيئة في المتن أنه على التراخي، و قد عرفت الحال فيه و الله اعلم.

و لا يسقط ذلك الخيار بالتصرف السابق على ظهور الغبن إذا لم يخرج عن الملك أو يمنع مانع من رده كالاستيلاد في الأمة و العتق كما في القواعد و غيرها من غير فرق بين البائع و المشتري، و إن كان المصنف لم يذكر الخيار إلا للثاني، الا أن الظاهر ارادته المثال ضرورة عدم اختصاصه بالمشتري، بل خبر تلقي الركبان في البائع (1)مضافا الى الاشتراك ب حديث الضرار(2)و غيره.

و حينئذ فالمراد عدم سقوط هذا الخيار مطلقا بالتصرف الا الناقل أو المانع من الرد، كما أن الظاهر ارادة التصرف من ذي الخيار، ضرورة عدم السقوط بالتصرف من غيره و إن كان ناقلا، للاستصحاب و حديث الضرر و غيره، و احتمال عدم الفرق- فيبطل الخيار و إن كان النقل من غير ذي الخيار لتعلقه بالعين فيفوت بانتقالها-- لا ينبغي صدوره ممن له ادنى خبرة بالنصوص و الفتاوى.

نعم ظاهرهم عدم الفرق فيما ذكرنا بين البائع و المشتري كما هو مقتضى الدليل


1- 1 المستدرك ج 2 ص 469 كنز العمال ج 2 ص 306.
2- 2 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3- 5.

ج 23، ص: 45

لكن في اللمعة «و لا يسقط بالتصرف الا ان يكون المغبون المشتري و قد أخرجه عن ملكه؛ ثم قال: و «فيه نظر، للضرر مع الجهل بالغبن، فيمكن الفسخ و إلزامه بالقيمة أو المثل، و كذا لو تلفت العين أو استولد الأمة، و ظاهره بل كاد يكون صريح الروضة في أول كلامه عدم سقوط خيار البائع لو كان هو المغبون و قد تصرف فيه تصرفا مخرجا، و هو كما ترى لا نعرف له وجها و لا دليلا، بل و لا موافقا.

نعم في جامع المقاصد «لو تصرف البائع في الثمن فهل يسقط خياره أم لا؟ و هل يفرق بين التصرف المخرج عن الملك، و غيره؟ لا أعلم في ذلك تصريحا» لكن في عبارة التذكرة ما يقتضي عموم سقوط الخيار هنا بالتصرف إذا كان مخرجا عن الملك، فإنه قال: «و لا يسقط هذا الخيار بتصرف المغبون، للاستصحاب إلا أن يخرج عن الملك ببيع و عتق و شبهه، لعدم التمكن من استدراكه» هذا لفظه، و هو شامل لما قلناه، مع احتمال أن يريد به تصرف المشتري خاصة إذا كان هو المغبون، لكن ما استدل به بعينه قائم فيما ذكرناه.

قلت: لا ينبغي التأمل في عدم الفرق كما هو مقتضى إطلاق القواعد و غيرها، و الأدلة، و صريح الروضة في آخرها و المسالك و غيرها، بل الظاهر ضعف ما ذكره من النظر الذي قد اعترف في الروضة بأنه لم يقف على قائل به، لأصالة اللزوم في العقد، و لأن المعلوم من ثبوت الخيار ما دامت العين على ملكه، و قيام قيمتها مقامها في ذلك مع التصرف فيه محتاج الى الدليل، و فرق واضح بين المقام و بين الانتقال إلى القيمة لو كان المتصرف غير ذي الخيار الذي هو تصرف في حق غيره، فيتجه الانتقال إلى القيمة بخلاف المقام الذي كان التصرف فيه من ذي الحق، فسقوطه في الحقيقة مستند الى فعله، بخلاف الأول الذي مبناه معلومية عدم سقوط حق شخص بتصرف آخر، فإطلاق الأصحاب حينئذ عدم السقوط بالتصرف الا المخرج منه في محله، فتأمل جيدا.

و حاصل البحث في المسئلة و فروعها أن التصرف مع ثبوت الغبن إما أن يكون

ج 23، ص: 46

في المبيع المغبون فيه أو في ثمنه أو فيهما، ثم إما أن يخرج عن الملك؛ أو يمنع من الرد مانع كالاستيلاد أو يرد على المنفعة خاصة كالإجارة، أو يوجب تغير العين بالزيادة العينية كغرس الأرض، أو الحكمية كقصارة الثوب أو المشوبة كصبغه، أو النقصان بعيب و نحوه، أو بامتزاجها بمثلها بما يوجب الشركة بالمساوي أو الأجود أو الأردى أو بغيرها أو بهما على وجه الاضمحلال، كالزيت يعمل صابونا، أو لا يوجب شيئا من ذلك، ثم إما أن يزول المانع من الرد قبل الحكم ببطلان الخيار أو بعده، أو لا يزول، و المغبون إما البائع، أو المشتري؛ أو هما، فهذه أكثر أقسام المسئلة، و مضروبها يزيد على مأتي مسئلة و هي مما يعم بها البلوى و حكمها غير مستوفى في كلامهم.

و جملة الكلام فيه أن المغبون إن كان هو البائع لم يسقط خياره بتصرف المشتري مطلقا، فان فسخ و وجد العين باقية على ملكه لم تتغير تغيرا توجب زيادة القيمة و لا يمنع من ردها أخذها، لعودها الى ملكه بالفسخ، بل و كذا إن وجدها متغيرة بصفة محضة كالطحن و القصارة و نحوهما، لكن في المسالك «في استحقاق المشتري أجرة عمله، وجه قوى» و في الروضة الجزم به بل قال فيها: «و ان زادت قيمة العين شاركه في الزيادة بنسبة القيمة» و فيه أن العمل قد وقع في ملكه فلا يستحق به عوضا، و زيادة القيمة إنما كانت بصفة راجعة إلى المال بنفسه، و إن كانت بعمله فلا يستحق بها شركة.

فمن الغريب جزمه بذلك خصوصا بعد رجوعه بأجرة العمل كما هو واضح، نعم إن كان التغير صفة من جهة و عينا من اخرى كالصبغ صار شريكا بنسبته إذا فرض زيادته بذلك، مع احتماله مطلقا، و لو كانت الزيادة عينا محضة كالغرس أخذ المبيع و تخير بين القلع بالأرش و الإبقاء بالأجرة، لأنه مقتضى الجمع بين الحقين، إذا الوضع كان بحق، و لو رضى ببقائه بها و اختار المشتري قلعه، فالظاهر انه لا أرش له بل كان عليه تسويته، و لو كان زرعا وجب إبقاؤه الى أو ان بلوغه بالأجرة، و ليس له

ج 23، ص: 47

القلع بالأرش لأن له أمدا ينتظر، و إن وجدها ناقصة ففي الروضة «أخذها مجانا كذلك إنشاء» و في المسالك «ان لم يكن النقص بفعل المشتري، و إن كان بفعله فالظاهر انه كذلك» أي يأخذها مجانا و لا شي ء له، لانه تصرف في ملكه تصرفا مأذونا فيه فلا يتعقبه ضمان.

و فيه أن النقصان بفعل الله أو بفعله كتلف العين و إتلافها فكما أنه لو فسخ و وجدها تالفة أو متلفة يرجع بالقيمة فكذا هنا، و احتمال سقوط الخيار هنا مناف لاستصحابه و العين كالمضمونة في يد من لا خيار له لذي الخيار، نحو العكس الذي ستسمع التصريح من الروضة بضمانها كلا و بعضا و إن كان من قبل الله تعالى، و إن كان فيه ما فيه، و إن وجدها ممتزجة بغيرها ففي الروضة و المسالك «انه إن كان بمساو أو أردى صار شريكا إن شاء، و إن كان بأجود، ففي سقوط خياره أو كونه شريكا بنسبة القيمة أو الرجوع إلى الصلح أوجه، و في ثانيهما أن الثالث لا يخلو عن قوة، لبقاء ماله و أصالة بقاء خياره».

و فيه مضافا الى عدم ذكر الأرش إذا فرض النقص بالمزج بالأردى، و عدم تقييد الشركة بنسبة القيمة، أن الثاني هو الأقوى و أنه لا فرق بينه و بين المزج بالأردى، لكن على معنى الشركة في الثمن لا العين، للزوم الربا في الربوي بناء على عمومه لكل معاوضة و لعدم المعاملة بينهما و الامتزاج أعم من ذلك كما هو واضح، و كأن الأول مبنى على سقوط الخيار بالتلف و لو كان من فعله، و هو غريب.

و منه يعلم ما في قوله فيهما أيضا متصلا: «و لو مزجه بغير الجنس بحيث لا يتميز فكالمعدومة» إن أراد بذلك سقوط الخيار، فتأمل جيدا، فإنه يمكن ارادته سقوط الخيار في العين على معنى الانتقال الى المثل أو القيمة، و إن وجدها منتقلة عن ملكه بعقد لازم كالبيع و نحوه ففي الروضة و المسالك و غيرهما، رجع بالمثل أو القيمة، و لعله للجمع بين ما يقتضي بقاء الخيار، و عموم ما دل على صحة العقد و لزومه، و هذا و

ج 23، ص: 48

إن لم يذكروا غيره في المقام بل لا يخلوا عن قوة، إلا أنه يمكن أن يتحصل من كلامهم في غيره و هو بيع من لا خيار له، أن فيه وجوها آخر أيضا.

منها- البطلان، نظرا إلى أن حق الخيار كحق الرهانة لا يصح معه التصرف إلا بالاذن، و منها- الصحة لكن متزلزلة كالأصل، لعدم زيادة الفرع عليه، و فيه قوة أيضا و منها- التفصيل بين العتق و نحوه و غيره، فينفذ في الأول و ينتقل الى المثل و القيمة دون غيره، و لتحرير ذلك محل آخر، كما أن ما فيهما أيضا من أنه كذلك يرجع بالمثل أو القيمة لو وجدها على ملكه مع عدم إمكان ردها كالمستولدة، يحتمل أيضا احتمالا آخر تقدم في بيع أم الولد، و هو انه تنقل إليه لسبق حقه على الاستيلاد فلا يؤثر منعا.

و كيف كان فإذا استمر المانع استمر السقوط، و في الروضة «و إن زال قبل الحكم بالعوض بأن رجعت إلى ملكه أو مات الولد أخذ العين مع احتمال العدم، لبطلان حقه بالخروج فلا يعود، و لو كان العود بعد الحكم بالعوض ففي رجوعه إلى العين وجهان، من بطلان حقه من العين، و كون العوض للحيلولة و قد زالت» و فيه أولا أنه لا يعقل للحكم بالعوض بعد الفسخ معنى معتبر يترتب عليه ما ذكره، بل المدار على حال الفسخ الذي به يتشخص ما للفاسخ من العين أو المثل أو القيمة، فلو رجعت العين أو زال المانع قبله، اتجه فيه ما ذكره مع احتمال الفرق بين الاستيلاد و غيره، فيرجع العين فيه دون المبيع و نحوه. نعم يمكن إلحاق فسخ البيع بالإقالة به، لا ما إذا تملكه جديدا بسبب آخر، و من ذلك يعلم الحال فيما لو رجعت أو زال المانع بعده، و لعل الأقوى عدم الرجوع بالعين إذا فرض عودها الى الملك بسبب آخر، و فسخ الخيار انما يقتضي إبطال ملكه لها بذلك السبب لا مطلقا فتأمل جيدا.

و إن وجد العين منتقلة بخيار ففي الروضة و المسالك أيضا «ألزم بالفسخ، فان امتنع فسخه الحاكم، فان تعذر فسخه المغبون» و فيه أنه لا دليل على شي ء من ذلك، بل مقتضى كون الفسخ بالخيار ابطال المعاوضة الاولى و رجوع كل عوض الى صاحبه إن كان موجودا و إلا

ج 23، ص: 49

فبدله الانتقال إلى القيمة و عدم الإلزام بالفسخ هنا، ضرورة أنه حال الفسخ ينبغي انتقال شي ء إليه في مقابلة ما رده من العوض و ليس إلا القيمة لا الإلزام بفسخ البيع، و لعله لذا أطلق المصنف و غيره السقوط بالتصرف المخرج فتأمل جيدا.

و إن وجدها منقولة المنافع ففي الروضة و المسالك «جاز له الفسخ و انتظار انقضاء المدة و يصير ملكه من حينه و ليس له فسخ الإجارة، و تظهر الفائدة في ملك ما لا يدخل في ملك المنفعة المنقولة من حمل و ثمرة و استخدام و عتق و نحوها» و على كل حال فليس له عوض المنفعة التي استوفاها المالك بالإجارة، كما ان الظاهر وجوب رد العوض لو فسخ قبل انقضاء المدة لعود الملك اليه بالفسخ، و احتمال العدم- كما في المسالك لعدم التمكن من الانتفاع التام ضعيف، و لو كان النقل جائزا كالسكنى المطلقة ففي الروضة له الفسخ و فيه اشكال خصوصا بناء على عدم جواز فسخ الإجارة الجائزة باشتراط خيار له اللهم إلا أن يكون مدار فسخ السكنى على من انتقل اليه الملك.

هذا كله إن لم يكن التصرف في الثمن تصرفا مخرجا أو مانعا من الرد و إلا سقط خياره كما عرفت، و النظر السابق الذي عرفته و عرفت ما فيه آت هنا، و الظاهر أن الإتلاف أقوى من التصرف في الإسقاط هنا كما اعترف به في جامع المقاصد قال: «اما لو تلف بنفسه ففي سقوط الخيار تردد، ينشأ من عدم التمكن من رد العين، و من عدم التقصير من المشتري فلا يسقط حقه» و مقتضى ما تسمعه من الروضة الجزم بعدم السقوط، بل ظاهره ذلك مع الإتلاف أيضا و أنه يرد المثل أو القيمة حينئذ، و لكنه كما ترى، ضرورة أن الوجه في السقوط بالتصرف المخرج عن الملك ليس الا لتعذر الرد الذي هو الأصل في اقتضاء الفسخ، لا للدلالة على الرضا، و الا لم يفرق بين سائر التصرفات، و لا ريب في أنه أقوى تعذرا من التصرف، بل لعله كذلك أيضا بالتلف بآفة، و عدم التقصير لا ينافي السقوط لتعذر الرد الذي هو مقتضى الفسخ بالخيار، و ان خرج منه تصرف غير المغبون و لو بإتلاف للإجماع على عدم سقوط خيار المغبون بذلك هذا. و كان رد القيمة أو المثل مبني على عدم

ج 23، ص: 50

اندراج ما نحن فيه فيما ذكروه من قاعدة «التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له» و الا كان المتجه عدم رد المثل أو القيمة؛ و الانفساخ من غير حاجة الى بقاء الخيار.

و ان كان المغبون هو المشتري لم يسقط خياره بتصرف البائع بالثمن مطلقا، بل يفسخ و يرجع بالمثل أو القيمة على نحو ما عرفت إذا لم يكن تصرف في المثمن بما يسقط خياره و لو إتلافا، لكن في الروضة «انه ان تصرف فيما غبن فيه فان لم يكن ناقلا عن الملك علي وجه لازم و لا مانع من الرد و لا منقص للعين فله ردها، و في الناقل و المانع ما تقدم، و لو كان قد زادها فأولى بجوازه، أو نقصها أو مزجها أو آجرها فوجهان؛ و ظاهر كلامهم أنه غير مانع.

لكن إن كان النقص من قبله ردها مع الأرش، و إن كان من قبل الله تعالي فالظاهر أنه كذالك كما لو تلف، و كذا لو كانت الأرض مغروسة فعليه قلعه من غير أرش إن لم يرض البائع بالأجرة؛ و في خلطه بالأردى، الأرش، و بالأجود إن بذله له بنسبة فقد الصفة و الا فإشكال» و فيه أن بعضه لا يجامع ما تقدم فيما إذا كان المغبون البائع، و نحوه ما وقع له في المسالك أيضا فلاحظ و تأمل، ليتضح لك الحال في ذلك و في صورة اجتماعهما و في كثير من الفروع المتصورة هنا التي لا تخص المقام في الحقيقة و الله اعلم.

و كيف كان ف لا يثبت به إي الغبن أرش مطلقا قبل التصرف و بعده، للأصل و حرمة القياس على المعيب و محكي الإجماع بل محصله. نعم استشكل الفاضل في ثبوت الخيار لو بذل الغابن التفاوت، من انتفاء الضرر الموجب للخيار، و من ثبوته فلا يزول الا بدليل.

بل جزم بالأول في الحدائق و هو غير ثبوت الأرش الذي سمعت الإجماع عليه، و قد يناقش في الثاني بأنه مصادرة، إذ الكلام في ثبوته مع البذل و قد يفرض مقارنته للعقد، كما انه قد يناقش في الأول بعدم انحصار الدليل بحديث الضرار(1)على أن الظاهر منه إرادة


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5.

ج 23، ص: 51

عدم مشروعية، ما فيه ضرر إلا أنه لما لم يكن معلوما لنا هنا بالخصوص، لتكثر تصور ما يندفع به الضرر، قوى في الظن مشروعيته على الخيار، للإجماع، و لانه المعلوم من جبر الشارع ضرر العقود بالخيار، و الجامع بين الحقين و غير ذلك مما لا يخفى، لا أن المراد تكليف الضار بدفع ما وقع منه من الضرر، كي يتخير فيما يدفعه من بذل التفاوت، أو التسليط على الفسخ. لكن

روي الحلبي (1)«انه سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى ثوبا ثم رده على صاحبه

فأبى أن يقبله إلا بوضيعة؟ قال: لا يصلح له أن يأخذه فإن جهل و أخذه بأكثر من ثمنه رد علي صاحبه الأول ما زاد»

فتأمل جيدا.

[القسم الخامس خيار التأخير]

القسم الخامس خيار التأخير أي من باع و لم يقبض الثمن و لا سلم المبيع و لا اشترط تأخير الثمن و لو ساعة و لا تأخير قبض المثمن فالبيع لازم ثلاثة أيام. فإن جاء المشتري بالثمن فيها استحق و الا كان البائع أولى بالمبيع منه إنشاء الفسخ بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه بل حكي الإجماع عليه مستفيضا أو متواترا. و

قال زرارة للباقر عليه السلام في الصحيح (2)«الرجل يشترى من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول: حتى آتيك بثمنه؟ فقال: ان جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيام، و الا فلا بيع له»

و

سأل على بن يقطين أبا الحسن عليه السلام في الصحيح (3)«عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن؟ فقال: الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن جاء قبض بيعه،


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 3.

ج 23، ص: 52

و الا فلا بيع بينهما»

و

قال العبد الصالح عليه السلام في موثق ابن عمار(1)«من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام و لم يجي ء فلا بيع له»

و

قال عبد الرحمن بن الحجاج (2)«اشتريت محملا فأعطيت بعض ثمنه و تركته عند صاحبه ثم احتبست أياما، ثم جئت الى صاحب المحمل لأخذه فقال: قد بعته فضحكت ثم قلت: لا و الله لا أدعك أو أقاضيك، فقال لي: ترضى بابى بكر بن عياش؟ قلت: نعم فأتيناه و قصصنا عليه قصتنا، فقال أبو بكر: يقول من تريد أن أقضي بينكما أ يقول صاحبك أو غيره، قال: قلت: بقول صاحبي، فقال: سمعته يقول: من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيام، و الا فلا بيع له»

لكن قد يوهم ظاهر هذه النصوص خصوصا صحيح ابن يقطين منها الانفساخ قهرا الذي هو أقرب الي نفى الحقيقة من نفى اللزوم، و بلفظها عبر الصدوق، بل ترك الإسكافي الظرف منها بل

في المبسوط(3)«روى أصحابنا أنه إذا اشترى شياه بعينه بثمن معلوم، و قال للبائع: أجيئك بالثمن و مضى فإن جاء في مدة الثلاث كان البيع له و إن لم يجي ء في هذه المدة بطل البيع»

الا أنه يمكن ارادته بطلان اللزوم بقرينة كلامه في غيره من كتبه، خصوصا الخلاف الذي

نسب فيه الخيار إلى إجماع الفرقة و أخبارهم، كما أنه يمكن ارادة ذلك من النصوص و لو بمعونة الشهرة و الإجماع المستفيض أو المتواتر، و أصالة الصحة و عدم المبطل و غير ذلك.

على أنه هو المناسب للإرفاق للبائع، إذ قد يدخل عليه الضرر بنقصان القيمة في هذه المدة، بل قد يدعى انصراف الإطلاق اليه و لو بقرينة المقابلة في الشرطية، مضافا إلى ظهور التقييد بالظرف في ثبوت البيع للبائع، و اللزوم قابل للتبعيض بخلاف الصحة، و لا ينافيه صحيح ابن يقطين (4)لصدق نفى اللزوم بينهما و لو بنفيه للبائع منهما. فمن الغريب بعد ذلك كله جزم المحدث البحراني با الانفساخ.


1- 1 الوسائل الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 2.
3- 3 المبسوط ج 2 ص 87 الطبع الحديث.
4- 4 الوسائل الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 3.

ج 23، ص: 53

و على كل حال فشرطه عدم قبض الثمن، و عدم اقباض المبيع، و الحلول فيهما إجماعا بقسميه، و في الغنية نسبته إلى رواية أصحابنا و لو لا ذلك لأمكن المناقشة في اشتراط الثاني، لإطلاق الموثق (1)و غيره الذي لا يقيده ما في سؤال صحيح ابن يقطين، بل قد يظهر من سؤال صحيح زرارة(2)إقباض المبيع و تركه عند البائع، و قد اعترف بعض الأفاضل بعدم ظهور النصوص في الشرط المزبور، بل ظاهرها خلافه، لكن قال لعل استناد الأصحاب

إليها مبنى على كون القبض عندهم في نحو المتاع النقل لا مجرد قبض اليد.

و فيه أن ذلك مذهب جمع منهم، و الظاهر اتفاقهم هنا على الشرط المزبور، و لكن الأمر سهل بعد الإجماع المذكور، فلو وجدا أو أحدهما فلا خيار و إن أبقاه عند صاحبه خلافا للمحكي عن الشيخ من ان للبائع الفسخ متى تعذر الثمن، و قواه في الدروس، و لم يستبعده في المسالك، و هو مع أنه غير ما نحن فيه من خصوص هذا الخيار- ضعيف لانه هو أدخل الضرر على نفسه بتسليم المبيع، و لأن فائدة الفسخ التسلط على العين، فان تمكن منها أخذها مقاصة كغيرها و الا فلا فائدة له.

و على كل حال فلو انتفى القبض منهما و لو للبعض فالخيار باق في الكل بلا خلاف و في خبر ابن الحجاج (3)دلالة عليه، و كذا لو قبض فبان مستحقا كلا أو بعضا لانه كعدم القبض بخلاف قبض المعيب فإنه صحيح و يسقط به خيار البائع، قيل: و يكفي في الثمن مطلق القبض بخلاف المبيع فيشترط فيه اذن البائع، كما صرح به جماعة، و لوح اليه آخرون، لان قبض الثمن من فعل البائع كإقباض المبيع فيسقط حقه بهما؛ و قبض المشتري ليس فعلا له فلا يسقط حقه بفعل غيره، و هو جيد لو أن السقوط بالقبض المأذون فيه، لدلالته على إسقاط الحق، أما إذا لم يكن لذلك بل لتغير الصورة الثابت فيها الخيار فيبقى على أصل اللزوم، ففيه ان النصوص أدل هنا على كون القبض للثمن بالاذن فيها على غيره،


1- 1 الوسائل الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 2.

ج 23، ص: 54

بل لا دلالة فيها على المثمن كما عرفت.

اللهم الا أن يقال أن النصوص لا دلالة في شي ء منها على اعتبار شي ء، منها إذ جاء و نحوه مجرى الغالب في دفع الثمن، الى المالك، لا ان المراد منه الشرطية بل العمدة الإجماع، و هو ثابت في الإقباض كما عرفت دون قبض الثمن، بل قد يدعى تحققه في عدم اعتباره، لا طلاقهم القبض فيه و الإقباض في المثمن، أو يقال: إن الاذن معتبرة في إقباض المبيع دون الثمن، كما يظهر من بعض كلماتهم في باب القبض، و إن كان فيه ما فيه، لكن مع ذلك كله أطلق في الروضة و غيرها اعتبار الاذن في القبض، و قد ينزل على إرادة الإقباض، فتأمل نعم لو أجاز البائع لزم، خلافا للمحكي عن الشيخ لعدم الإقباض، و هو ضعيف و لو مكنه منه فعن التحرير سقوط الخيار و هو جيد بناء على أنه التخلية، و الا فالأشبه البقاء و إن أسقطنا الضمان به، لمنع عموم البدلية، فالأصل بقاء الحق.

و أما الحلول فمستنده- بعد الإجماع- الأصل السالم عن معارضته المنساق من النصوص. مؤيدا بأن الواجب مع الشرط مراعاة الأجل طال أو قصر فلا يتقدر بالثلاثة، و إثباتها بعد الحلول خروج عن ظاهر الفتوى و الدليل، و لو شرط التأجيل في البعض فأخر الباقي فالأقرب السقوط، وفاقا للفاضل و المحكي عن ولده و غيره، للأصل أيضا السالم عن معارضة النصوص، بعد ما عرفت من ظهور سياقها في حلول الجميع، مؤيدا بأنه ساقط في المؤجل بالشرط، فيسقط في الكل لئلا يثبت التبعيض.

و العمدة ما عرفت، بل عن التحرير اشتراط خلو الثلاثة عن الخيار للبائع كالحلي في خصوص الشرط منه و لا بأس به، بعد استثناء خيار المجلس لو قلنا بأن مبدئها من حين العقد، للأصل المزبور، المؤيد باندفاع ضرر التأخير، و ظهور النصوص و الفتاوى على سبق اللزوم ثلاثا فينتفى الخيار مطلقا.

قيل: و ليس المراد به نفى الخيار المخصوص لأن الثابت بالتأخير أصل الخيار و الحكم لا يتقيد بالسبب، و إن كان في الأخير ما فيه، كالمحكي عنهما أيضا من اشتراط

ج 23، ص: 55

خلوها عنه مطلقا، أو خصوص الشرط للمشتري أيضا، للأصل أيضا و لان شرط الخيار في قوة اشتراط التأخير؛ و تأخير المشتري بحق الخيار ينفى خيار البائع، ضرورة منافاته لإطلاق الأدلة، و اللزوم- المفهوم من النص و الفتوى في الثلاثة- إنما هو للبائع دون المشتري، فلا مانع من خياره بوجود أسبابه، بل مقتضى كلام الفاضل عدم هذا الخيار في الحيوان مطلقا، و هو مناف لعموم الأدلة التي منها يعلم فساد ما عن الحلي أيضا، لعدم الفرق بين الأصلي و المشترط، و في الدروس «يحتمل ثبوت الخيار مطلقا، فلو اشترط المشتري فسخ البائع بعد الثلاثة و لو شرطاه و خرج الخيار فكذلك» و فيه- مضافا الى ما عرفت من سقوطه في اشتراط الخيار للبائع،- انه يلزمه تأخير الثلاثة عن محلها المستفاد من النص و الفتوى.

و لا يشترط كون الثمن معينا قطعا، أما المبيع فعن ابى العباس و الصيمري و ظاهر المبسوط و المراسم و الوسيلة و التحرير ذلك، و في الانتصار و عن الخلاف اشتراط تعيينها، لكن الظاهر ارادة الاحتراز به عن النسية و نحوها، بل هو محتمل الكتب المزبورة، فينحصر القول حينئذ بالأولين خلافا لإطلاق الأكثر و صريح المحكي عن القاضي بل عنه الاحتجاج له بالإجماع فهو- مع إطلاق معقد غيره و عموم النصوص- الحجة في الخروج عن الأصل، و تغير الصورة و انتفاء العلة ممنوعان، و يظهر من بعض الأساطين اشتراط التغاير بين البائع و المشتري بالذات في هذا الخيار، و لعله لانه هو المستفاد من النصوص، فيبقى غيره على أصل اللزوم، لكن يمكن أن يستفاد مما سمعته في مثل ذلك في خيار المجلس ثبوته في المقام، و فرض تصوره واضح، الا انه يقوى في النفس الأول هنا، و يعرف البحث في الوكيل و نحوه مما تقدم سابقا فلاحظ و تأمل.

ثم ان ظاهر النص و الفتوى اختصاص هذا الخيار بالبيع و البائع كما هو مقتضى الأصل، بل نفى بعض الأساطين الخلاف في الأول و حكى الإجماع في الثاني الذي نص عليه المفيد و المرتضى حاكيا ثانيهما الإجماع عليه أيضا، و عن الدروس أنه استشعر الخيار له من عدم

ج 23، ص: 56

حكمهم بإجباره على النقد، لكن فيما حضرني من نسختها «لا خيار للمشترى بعد الثلاثة و لا فيها في ظاهر كلامهم أنه يلوح منه جواز تأخير الثمن إذ لم يحكموا بإجباره على النقد» قلت: لعل وجهه احتباس المبيع و الرضا بالتأخير كما هو الظاهر.

و لا فرق في اعتبار الثلاثة في هذا الخيار في النصوص السابقة و الفتاوى بين الحيوان و غيره، و الانسي من الأول و غيره، الا ما ينعتق على المشتري فان الظاهر سقوط الخيار فيه و تعين المطالبة بالثمن لما سمعته في خيار المجلس، و ليس هو كالتلف و التصرف الذي لا يسقط الخيار، بل يفسخ و ينتقل حقه للمثل و القيمة ضرورة كون التعارض في الأدلة في نحو الفرض في أصل ثبوت الخيار، فمع فرض ترجيح أدلة الانعتاق يرتفع أصل الخيار، و لا وجه للانتقال الى المثل أو القيمة إذ هو فرع الاستحقاق.

و كيف كان فلا فرق في تقدير المدة المزبورة بين افراد المبيع، خلافا للصدوق حيث قدر المدة في الأمة بشهر،

للخبر(1)«فيمن اشترى جارية و قال: أجيئك بالثمن، إن جاء فيما بينه و بين شهر، و الا فلا بيع له»

الذي رماه في الدروس بالندرة و في المختلف بالقدح بالسند، و إن كان فيه ما فيه، و عن الاستبصار احتمال حمله على الندب، و لا يخفى أن الخبر واضح الدلالة، نقي السند، مؤيد بأصل اللزوم الا أن شذوذه- و غرابة اختصاص الأمة بهذا الحكم و لزوم الضرر بطول المدة- يمنع من تخصيص تلك العمومات به، فالعمل على

المشهور و حمله على بيان منتهى الصبر طريق الجمع.

و كيف كان فقد قيل: إن مبدء المدة من حين التفرق، و أنه ظاهر الشيخين و السيدين و القاضي و الديلمي و الحلي و العلامة في المختلف و التحرير، لما عرفت من ظهور النص و الفتوى في لزوم البيع في تمام المدة، و لو كانت من حين العقد لاشتملت على خيار المجلس فينتفى الزوم في المجموع، بل الجميع في بعض الصور، بل لعل المتبادر من

قوله عليه السلام (2)«إن جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيام»

مجيئه من وقت المفارقة؛ إذ لا يعقل المجي ء حال


1- 1 الوسائل الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 57

الاجتماع إلا إذا أريد به مجرد دفع الثمن و هو خلاف الظاهر، فهو حينئذ من الافتراق و إن اشترط في العقد سقوط خيار المجلس لعموم المقتضي.

نعم بناء على أن المنساق ما ذكرناه أولا، اتجه حينئذ كون الابتداء من حين العقد مع اشتراط السقوط، لانتفاء المانع حينئذ هذا. و لكن قد يقال: إن المنساق من النص و الفتوى كونه من حين البيع، و خيار المجلس بعد ندرة طوله غير قادح في إرادة اللزوم في أكثر الثلاثة، على أن المراد اللزوم من حيث التأخير، لا من كل وجه فتأمل.

و في فورية هذا الخيار و تراخيه ما عرفت سابقا، بل القول بالثاني هنا اولى، و عن الشهيد في قواعده التصريح به، كما انه ظاهر التذكرة لإطلاق الأدلة، بل لم أجد قائلا بالأول هنا، و إن كان محتملا نظرا الى تعليل الفورية في غيره، بالاقتصار علي المتيقن فيما خالف أصل اللزوم. نعم تردد المحقق الكركي في الفورية هنا مع جزمه بها في خيار الغبن و الرؤية، و كان منشأه احتمال كون المقتضى هنا إطلاق الأدلة الاستصحاب و نحوه. بل لا يسقط بالمطالبة بالثمن بعد الثلاثة، لأعميتها من الدلالة على الرضا بلزوم العقد، أما لو فرض ذلك و لو لقرينة، اتجه السقوط كما في غيره من الخيارات، و قد سمعت في خيار المجلس و الحيوان ما يومي اليه من النصوص (1)و الاستصحاب بعد صدور الدال على الالتزام لا وجه له، إذ احتمال عدم سقوط هذا الخيار بنحو ذلك كما ترى، و لعله على ذلك يحمل ما عن ظاهر المشايخ و الديلمي و الحلي من السقوط بالمطالبة، و كذا يسقط باشتراط السقوط كما عن الشهيد و غيره النص عليه، عملا بالشرط، و بالإسقاط بعد الثلاثة أيضا كما هو شأن الحقوق أما لو أسقطه فيها فقد قال: بعض الأساطين لا يسقط، لعدم ثبوت الحق، و قد يحتمل السقوط باعتبار حصول سبب الاستحقاق و هو العقد، و لا يسقط ببذل المشتري الثمن بعدها قبل الفسخ للاستصحاب و إطلاق الأدلة، و لم يثبت كون العلة فيه الضرر فيثبت و يزول بزواله مع أن البذل بعدها، قد لا يدفعه في بعض الأحوال، خلافا للفاضل و لم يسوغ له الفسخ و الأقوى الأول.

و كيف كان ف لو تلف المبيع كان من مال البائع في الثلاثة و بعدها على


1- 1 الوسائل الباب 2 و 3 من أبواب الخيار.

ج 23، ص: 58

الأشبه بل لا خلاف فيه في الثاني، بل حكي الإجماع مستفيضا أو متواترا عليه. لقاعدة «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» المعلومة بالنص (1)و الإجماع و

الخبر(2)«في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجب له، غير أنه ترك المتاع و لم يقبضه، و قال: أتيك غدا فسرق المتاع من مال من يكون؟ فقال: من صاحب المتاع الذي هو في بيته، حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد اليه ماله».

و «قاعدة التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له» لا تشمل المقام، و لو لأنها مخصوصة بما بعد القبض، و وفاقا للمتأخرين في الأول، بل عن الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الخبرين، خلافا للمفيد و السيدين و المحكي عن سلار، فمن المشتري، و ربما مال اليه الشهيد في المحكي عن نكتة، بل في الانتصار و الغنية الإجماع عليه، لانه ملكه و لا تقصير من البائع إذ لا طريق له الى الفسخ، و به افترق عن التلف بعدها، و لان النماء له فالضمان عليه، كما يستفاد من بعض نصوص خيار الشرط(3)، و النقض بالتلف بما بعد الثلاث مدفوع بالإجماع ثمة دون المسألة، إلا ان ذلك كله كما ترى، بعد الخبرين المزبورين المعتضدين بفتوى المتأخرين و بعض من تقدمهم، الموهون بها الإجماعان المذكوران.

و في الوسيلة «أنه من ضمان البائع و إن كان بغير تفريط، الا أن يكون عرض التسليم و لم يستلم المبتاع، فان تلف بتفريطه كان من ضمانه على كل حال» و نفى عنه البأس في المختلف بعد تخصيص الدعوى بالثلاث قال: «و كلام ابى الصلاح يدل عليه، فإنه قال:

فان كان تأخيره من قبل المبتاع فهلاكه و نقصه من ماله» قلت: لا يخفى ما فيه بناء على عدم تحقق اسم القبض بمثل الفرض المزبور، و لم يثبت ارتفاع الضمان به و إن لم يسم قبضا، و المنقول عن الحلي موافقة المفيد، و عبارة الوسيلة مطلقة في الثلاث و غيرها، على ان الظاهر


1- 1 الوسائل الباب 8 و 10 من أبواب الخيار الحديث 1 و 3.
2- 2 الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 1 و 3.

ج 23، ص: 59

كون مبناها تنزيل التمكين منزلة القبض في نقل الضمان، و هو يقتضي ضمان المشتري مع حصوله مطلقا، فلا وجه للتخصيص، بل نقل الضمان من البائع بالتمكين المزبور مذهب الشيخ و جماعة، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه، و حينئذ فيشكل إطلاق القول بضمان البائع في الثلاثة كما هو المشهور و فيما بعدها من الجميع ان ثبت الإجماع، و من خصوص القائل إن لم يثبت و لا يندفع الا باشتراط

عدم التمكين في أصل الخيار كما عن التحرير أو تخصيص محل النزاع بما إذا انتفى كما عن السرائر، فيكون ما في الوسيلة موافقا للمشهور لا أنه قول ثالث كما وقع من غير واحد؛ و الله اعلم. هذا كله فيما لا يفسده البقاء.

و أما إن اشترى ما يفسد من يومه و قد تركه عند البائع حتى يأتيه بالثمن ف قد روى محمد بن أبي حمزة مرسلا عن الصادق عليه السلام و أبي الحسن عليهما السلام (1)» انه إن جاء بالثمن فيما بينه و بين الليل» اى قبل الليل «و الا فلا بيع له» و لا يقدح إرساله بعد اعتضاده بما في ذيل

مرسل ابن رباط(2)عن الصادق عليه السلام على ما في الفقيه» و العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم الى الليل»

و إن احتمل أنه من كلام الصدوق بل لعله الظاهر؛ و انجباره بعمل الأصحاب و موافقة الاعتبار و حديث الضرار(3). نعم اختلفت عباراتهم في تأدية المراد بعد اشتراكها في التحديد بالليل ففي جملة نحو ما في المتن من الامتداد اليه من دون تعرض للمبدء و في أخرى تقدير المدة بيوم و في ثالثة جعل الخيار الى الليل، الا أنه مناف لما في النص و أكثر العبارات من أنه مبدأه لا منتهاه فيجب رده اليه و إن بعد، و الأمر سهل بعد وضوح المراد.

نعم قد يشكل الحديث و الفتاوى بأن الغرض من الخيار دفع الضرر بالفسخ قبل فساد المبيع، و إذا كان مما يفسده ليومه كما هو المفروض، وجب ان يكون الخيار قبل


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 11 من أبواب الخيار الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5.

ج 23، ص: 60

الليل، ليتأتى للبائع فسخه، و دفع الضرر عن نفسه، و بأن البيع يقع في طرفي النهار و في الأثناء، و قد يقع في الليل أيضا، و التحديد بالنهار كلا أو بعضا لا يطرد في الجميع، و الحمل على مقدار اليوم خروج عن ظاهر النص و الفتوى، و لا يتأتى معه الغرض المطلوب في الأكثر، و من هنا حمل الشهيد في الدروس النص على ما يفسده المبيت، نظرا الى الغالب في نحو الخضر و الفواكه و اللحوم و الألبان، و إلى شيوع استعمال اليوم فيما يشمل الليل، فيثبت الخيار حينئذ فيما هو كذلك، و قد بيع في النهار عند انقضائه و دخول الليل، و رد ما سواه الى ما يقتضيه الأصل، و حديث الضرار و دلالة الإيماء؛ و هو جيد جدا، و ارتضاه المحقق الكركي و مال اليه الشهيد الثاني و غيره، و مقتضاه ثبوت الخيار في غير مورد النص عند خشية فساده مطلقا، فلو كان مما يتسرع إليه الفساد في بعض يوم فالخيار فيه قبل الليل، و لو كان مما لا يفسد في يوم، تربص به البائع إلى خوف فساده، فيتخير حينئذ، و إن مضى عليه يومان و أكثر، و احتمل العلامة في هذا انتظار الليل لورود التحديد به شرعا، و يضعف بما عرفت، و بأن مورد النص الفاسد ليومه، و ليس هذا منه، فيستمر فيه اللزوم الى خوف الفساد، بمقتضى الأصل السالم عن المعارض.

و قد يحتمل فيه و في غيره ملاحظة النسبة لما يفسده المبيت فيفسخ مع بقاء زمان يعدمه الفساد كزمانه، فتأمل و يكفى الفساد في تغير العين و نقص الوصف و إن لم يبلغ حد التلف، كما في الدروس و جامع المقاصد و ظاهر المسالك، و هل ينزل فوات السوق منزلة الفساد؟ احتمله الشهيد، للزوم الضرر بنقص السعر، و هو قوى، و إن احتمل العدم أيضا، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتقين.

ثم إن الظاهر اتحاد البحث في تلفه كذي الثلاث، لاتحاد الطريق و هو صريح الغنية أو كصريحها مدعيا عليه الإجماع، و ربما احتمل كونه من البائع هنا مطلقا عند غير من صرح من المفصلين أيضا، لا قدامه على التأخير فيما هو مظنة التلف، كما أن الظاهر من الماتن و غيره، بل عن جماعة التصريح به، بل في الغنية الإجماع عليه كون هذا الخيار من

ج 23، ص: 61

جملة أفراد خيار التأخير، فيشترط فيه، ما يشترط فيه من الأمور الثلاثة، و يجرى فيه أيضا كثير من الفروغ السابقة. و الله أعلم هذا تمام الكلام في الخيارات الخمسة

و أما خيار العيب ف يأتي البحث فيه في بابه إنشاء الله تعالى لكثرة فروعه

[و أما أحكامه فتشتمل على مسائل ]
اشارة

و أما أحكامه أي الخيار.

فتشتمل على مسائل

[المسألة الأولى خيار المجلس لا يثبت في شي ء من العقود عدا البيع ]

الأولى المشهور أن خيار المجلس لا يثبت في شي ء من العقود عدا البيع بل في الغنية و محكي الخلاف الإجماع عليه للأصل السالم عن المعارض خلافا للمحكي عن المبسوط و القاضي و الحلي فأثبتوه في نحو الوديعة و العارية و القراض و الوكالة و الجعالة، و هو ضعيف لما عرفت، مؤيدا بأن الخيار فيها عام أيضا لا يقبل السقوط، فلا تأثير للمجلس، إلا أن يقصد منع التصرف فيه معه، كما احتمله في الدروس و لا دليل عليه، و لا يصح في الوديعة لامتناعه فيها مطلقا بل و لا في غيرها، لوجود الاذن المسوغ كذلك و منع في المختلف إجماع الخلاف، لان ثبوت الخيار مطلقا يستلزم ثبوته في المجلس، و فيه أن الممنوع خيار المجلس دون الخيار فيه، فان أراد الثاني كان النزاع لفظيا. و كيف كان فلا دليل على ثبوت حق فيها مغاير لحق الجواز الثابت بأصل الشرع.

و أما خيار الشرط فيثبت في كل بيع لا يستعقب العتق، سلما كان أو صرفا أو غيرهما، لعموم المقتضى، خلافا للفاضل في موضع من التذكرة فيهما، و للغنية و محكي المبسوط و الخلاف و السرائر في الثاني، لاقتضاء اعتبار القبض في المجلس فيهما، الافتراق بلا علقة، و اشتراط الخيار علقة؛ و هو كما ترى، و دعوى الإجماع من الثلاثة

ج 23، ص: 62

على الثاني- التي منعها غير واحد من الأصحاب- على مدعيها، بل في المسالك «أطبق المتأخرون على منعها، مؤيدا ذلك، بأن من عدا المدعي ممن تقدم عليه؛ أو تأخر عنه، بين مطلق ثبوته في البيع، و بين مصرح به» بل في موضع آخر من التذكرة التصريح بثبوته لكن على إشكال.

نعم قد يظهر من اقتصار الدروس على حكاية الشيخ الإجماع، و منعه من الفاضل نوع توقف فيه، بل في التحرير و القواعد في ثبوته إشكال، إلا أن ذلك لا يقدح في دعوى منع الإجماع، خصوصا مع شهرة الصحيح المثبت بعمومه الخيار، بين الفقهاء و المحدثين، و قد رواه أئمة الحديث (1)و الأقدمون من فقهاء أصحاب الأئمة عليهم السلام، و لا راد له و لا معارض له يخصصه، بل لعل مبنى الإجماع المدعى، على الإجماع على اشتراط القبض الذي ظن المدعي منافاته لاشتراط الخيار، فيكفي في رفعه حينئذ وضوح عدم التنافي.

و كذا يثبت في كل عقد لازم، معاوضة كان أولا، عدا النكاح و الوقف بلا خلاف أجده في المستثنى منه، إلا في الضمان من الفاضل في أحد قوليه، و الصلح مطلقا من المحكي عن المبسوط و الخلاف، و خصوص ما يفيد منه فائدة الإبراء من الكركي، تبعا للفاضل في التحرير، و خصوص الصلح عن المجهول، و الدعوى الغير الثابتة بالإقرار من المحكي عن الصيمري، و

الكل شاذ ضعيف، لعموم المقتضى، و عدم ثبوت أن ما في الذمة إذا انتقل لا يعود، بل هو ينتقض بجملة من المقامات.

و كذا دعوى إسقاط الحق، أو أن الصلح لا يقبل الخيار، فان ذلك كله لا مانع من حصوله على جهة التزلزل، و بلا خلاف أيضا في الأول من المستثنى، بل في جامع المقاصد و المسالك و المحكي عن الخلاف و المبسوط و السرائر الإجماع عليه، و هو الحجة بعد تأيده بمشاكلته العبارة، و ابتنائه علي الاحتياط التام و سبق التروي فيه و توقفه على رافع مخصوص، فلا يرتفع بغيره.


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار.

ج 23، ص: 63

أما اشتراطه في الصداق فلا بأس به، كما صرح به الفاضل و الكركي، للعموم، و في المتعة اشكال إن لم تكن مندرجة في النكاح الذي هو معقد الإجماع. و على المشهور في الثاني بل في المسالك أنه موضع وفاق، و هو الحجة، و إن كان فيه أنه نبه في الدروس و غيرها على أنه موضع خلاف. نعم هو لا يقدح في الإجماع الكاشف فان تم كان هو الحجة، و الا كان للنظر فيه مجال، و ان كان قد علل باشتراط القربة فيه، و هو مناف لاشتراط الخيار، و بأنه فك لا الى عوض، فلا يقبله كالعتق، لكن فيهما معا منع.

و منه ينقدح النظر في إلحاق العمرى و الحبس و ما في معناهما به في جامع المقاصد للاشتراك في المعنى المذكور، بل و ينقدح أيضا في عدم دخوله في الهبة قربة الى الله تعالى، مع أنه قال في التذكرة: «و أما الهبة فان كانت لأجنبي غير معوض عنها و لا قصد بها القربة و لا تصرف المتهب يجوز للواهب الرجوع فيها. و إن اختل أحد القيود لزمت،.

و هل يدخلها خيار الشرط الأقرب ذلك» و ظاهره تناولها خصوصا و قد نفى الباس عما ذهب إليه الشافعي من عدم دخوله في الوكالة و القراض و الشركة و الوديعة و الجعالة، قال:

«لأنها عقود جائزة لكل منهما فسخها سواء كان هناك شرط خيار أولا» فحمل كلامه هنا على الهبة الجائزة لا يخلوا من منافاة له، فالأولى بناء دخوله في ذات القربة على التنافي بينهما، و عدمه، و الحكم بجواز الدخول في اللازمة منها للعوض أو القربة؛ كما هو مقتضى تعميم المصنف و غيره للعموم، و بناؤه في غير ذلك على دخوله في العقود الجائزة و عدمه.

فعن الشيخ و القاضي و الحلي: دخوله فيما سمعته عن الشافعي استنادا إلى العموم المقتضى اطراده في كل عقد جائز، و يقتضيه إطلاق المتن و الغنية و الإرشاد و القواعد و الدروس، و منعه العلامة في المختلف و التحرير و الكركي و الشهيد الثاني، و قد سمعت نفي الباس عنه في التذكرة لعدم تأثير الشرط في الجائز بالأصل، و يضعف بعدم اشتراط التأثير في الشروط، فان منها ما يؤكد مقتضى العقد، فإن أريد خصوص المؤثر هنا عاد النزاع الى اللفظ، على أنه قد يؤثر فيهما لو لزم الجائز كالهبة بالتصرف مثلا، فان له الفسخ حينئذ بالشرط، و كذا

ج 23، ص: 64

المعاطاة لو كان التصرف من ذي الخيار. فتأمل هذا. و قد علم مما ذكر، حكم الشرط فيما اختلف في لزومه و جوازه كالسبق و الرماية، أو يلزم من أحد الطرفين دون الأخر كالرهن، و استشكل في التحرير جوازه من الراهن و إن لزم العقد من جهته، لان الرهن وثيقة الدين، و الخيار ينافي الاستيثاق، و رد يمنع المنافاة، فإن الاستيثاق في المشروط بحسب الشرط، فتحصل من جميع ذلك أنه لا يثبت في النكاح و الوقف خاصة من العقود.

و كذا لا يثبت في الإبراء و الطلاق و في الإقالة ما ستعرف و العتق من الإيقاعات إلا على رواية شاذة(1)لا يلتفت إليها كالقول بها بعد الإجماع في المحكي عن المبسوط على الأخيرين، و في المسالك على الأولين، و عن الحلي نفى الخلاف في الثالث الذي ينافي اشتراط الخيار فيه اعتبار القربة أيضا بناء على المنافاة، كما أنه ينافيه في الثلاثة، انها من الإيقاعات لا العقود، و لذا احتج- في المحكي عن السرائر- على عدمه في الثاني بخروجه عن العقود، و مقتضاه اطراد الحكم في الجميع، و عدم اختصاصه بالثلاثة، كما يوهمه الاقتصار في المتن و غيره عليها، و لعلها كذلك، لابتناء الإيقاع على النفوذ بمجرد الصيغة فلا يدخله الخيار، و المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما ينبه عليه

الصحيح «من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عز و جل فلا يجوز على الذي اشترط عليه»

فلا يتأتى في الإيقاع المتقوم بالواحد، و قد يلحق بالطلاق الإقالة بناء على عدم تعقل العود بعد الفسخ من غير سببه و فيه بحث، سيما بعد إطلاقهم دخوله في العقود بناء على أنها منها، و سيما بعد حكمهم في الشفعة، بقابلية الإقالة للفسخ، كالبحث في إلحاق الكتابة المطلقة به في التحرير؛ و عن التذكرة و ان كنت لم أتحققه فيما حضرني من نسختها، و دعوى أن الحر لا يعود رقا لا دليل عليها على الإطلاق، بحيث يشمل الحرية المتزلزلة كما في جملة من المقامات المذكورة في كتاب العتق و غيره و حينئذ، فتفرع على ذلك فروع جليلة لا تخفى بأدنى تأمل.

منها- حكم المال الحاصل له في زمن الحرية إذا عاد إلى الرقية، أما المشروطة ففي جامع المقاصد دخوله بالنسبة للمولى قال: «و في العبد قولان اختار الثبوت الشيخ،


1- 1 المستدرك ج 2 ص 473.

ج 23، ص: 65

و العدم المصنف في التحرير، نعم قد يلحق بالطلاق الخلع و المباراة» و في التذكرة و جامع المقاصد دخوله في القسمة سواء كان فيها ردا أولا، و فيه بحث أيضا. ثم إن الظاهر دخول خيار الشرط بجميع أقسامه كخيار المؤامرة و رد الثمن و نحوهما، لكن فيما يتصور فيه ذلك كعقود المعاوضة، للعموم المقتضى عدم الفرق فيه بين البيع و غيره، و احتمال قصرهما على البيع- للدليل و الا فلا يجوز للجهالة- ضعيف جدا كما هو واضح. و أما الغبن فثبوته في سائر عقود المعاوضة بناء على أن مدركه حديث الضرار(1)- متجه.

[المسألة الثانية التصرف يسقط خيار الشرط]

المسألة الثانية التصرف من المشتري في المبيع يسقط خيار الشرط له كما يسقط خيار الثلاثة بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل في الغنية و جامع المقاصد و محكي الخلاف و كنز الفوائد الإجماع عليه، و هو- بعد شهادة التتبع له- الحجة مضافا الى ما عن الشيخ و القاضي من ورود الأخبار من طريق الأصحاب بذلك محتجين بها عليه، و كفي بهما ناقلين، و الى دعوى الأولوية، فإنه متى سقط به الخيار الأصلي كالحيوان، فالشرط أولي، و إن كان فيها ما فيها، كدعوى العموم من العلة المنصوصة في الصحيح (2)في خيار الحيوان، ضرورة أن الفاء فيه رابطة، لا تعليلية، نعم بعد تعذر إرادة الحقيقة من الحمل فيه، وجب حمله على ارادة دلالته على الرضا، و حينئذ لا تفاوت بين الحيوان و غيره، ضرورة اعتبار ما دل عليه من الافعال و الأقوال، و المناقشة فيما لم يصل الى حد العلم في الأول، يدفعها حينئذ هذا الصحيح و غيره، و احتمال قصره على خصوص الحيوان كما ترى.

و على ذلك عول من قيد السقوط بالتصرف بما إذا لم يكن للاختبار و نحوه فيما علم عدم ارادة الالتزام به، بل المتجه حينئذ أن ما

كان ظاهره ذلك كذلك أيضا بل ينبغي عدم السقوط بالمشكوك فيه.


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3- 5.
2- 2 الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار. الحديث 1.

ج 23، ص: 66

و من هنا وقع خبط في كلام بعض المتأخرين، و ربما مال بعض متأخريهم إلى دعوى ما سمعته في الحيوان من أصالة الدلالة في التصرف حتى يعلم العدم، جمعا بين ما دل على السقوط به و بين خبر الأمداد(1)و نحوه مما يقضى بعدم السقوط به، إلا أن الجميع كما ترى، مناف لإطلاق الفتاوى و معقد بعض الإجماعات السابقة، و ما ذكروه في مسقطات الخيار من عد التصرف قسما آخر مقابلا للرضا، و ليس في

قوله عليه السلام «فذلك رضا منه»

ظهور في أن السقوط بالتصرف للدلالة، خصوصا مع ملاحظة كون الفاء فيه رابطة للشرط لا تعليلية؛ و أن بيان الدلالة ليس وظيفة الشارع، لاختلافه باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأحوال، فيمكن ارادة قيامه مقام الرضا في الإسقاط، بل يمكن دعوى أنه المنساق من أمثاله، أو إرادة أنه بعد إقدامه على المسقط شرعا و فعله فهو رضا منه بالالتزام إذا كان عالما بأنه مسقط متنبه له، و كان الإطلاق لغلبة العلم بالحكم الشرعي، و عدم معذورية الجاهل و ندرة الغفلة و السهو، فالقول بأنه مسقط تعبدا مطلقا لا يخلو من قوة، و تعديته لغير الحيوان بالإجماع المحكي عن الخلاف ان لم يكن المحصل، و ظهور عدم

ارادة خصوص المورد في الصحيح (2)و غيره و حينئذ لا ينبغي التوقف فيه هنا، بل و لا في سقوط خيار البائع بالتصرف في الثمن كما صرح به جماعة و علم من رأى الباقين لذلك، و لعدم الفرق بين العوضين، و خبر ابى الجارود(3)- القاضي بعدم سقوط خيار البائع في التصرف بالثمن في خيار الرد- محمول على ما عرفت سابقا من كون التصرف فيه قبل تحقق الخيار، لأنه إنما يحصل بعد الرد كما عرفته سابقا، و المدار حينئذ على صدق الحدث فيه ناقلا كان أو غير ناقل.

نعم قد يتوقف في الحدث فيه خطا- بل أو غفلة أو نسيانا أن فيه الخيار أو


1- 1 الوسائل الباب 13 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 3.

ج 23، ص: 67

لظن أنه الخالي منه- من صدق اسم الحدث فيه، و من أن المنساق من قوله «أحدث فيه حدثا» قصد الأحداث فيه، خصوصا بعد ان لم يكن عمومه لغويا، و قد يؤيده في الجملة عدم سقوط خيار الغبن بالتصرف غير الناقل إذا لم يعلم بالغبن، و لكن لا يخفى عليك الفرق عرفا بين الحدث خطأ و بين الغفلة و النسيان، فهو من ذي الخيار مسقط لخياره، من غير فرق بين الاختيار و غيره، و خبر رد الأمداد مع الشاة(1)القاضي بعدم سقوط الخيار بالحلب، مع الطعن في سنده و شذوذه، و عدم ظهوره في الرد بالخيار بل قد يظهر منه عدمه، و منافاته لما دل على أن النماء في زمن

الخيار للمشترى،- يمكن القول بأن استخراج الحليب الذي هو ملكه ليس إحداثا فيها، كما أن اشتراط بيع ما فيه الخيار بالإيجاب قبل البيع في خبري الحلبي و السكوني الآتيين (2)من الشواذ التي لم يعمل بهما احد فيما اعلم.

و من ذلك كله يظهر لك ما في جامع المقاصد و المسالك و الرياض و غيرها، فلاحظ و تأمل. نعم قد يتوقف فيما ذكره غير واحد- بل نسبه بعض الأساطين إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، بل في الغنية نفى الخلاف عنه- من الفسخ بتصرف كل منهما فيما انتقل عنه، إذا لم يكن دالا على ارادة الفسخ فضلا عما علم منه عدم الدلالة أو كان ظاهرا لعدم الدليل إن لم يكن إجماعا على الحاقه بالتصرف الملزم بناء على السقوط به تعبدا، و دعوى الدلالة عليه- كدلالته في المنتقل اليه على الإمضاء- يدفعها ما عرفت من عدم دوران السقوط في المقيس عليه على الدلالة، و ليس في الأدلة، ما يقتضي التعبد هنا، بل ليس فيها ما يقضى باعتبار غير مقطوع الدلالة عليه من الأفعال، إلا فحوى ما دل عليه في الإمضاء، و يمكن منعها إن لم ترجع الى التنقيح و منعه لعدم المنقح إن لم يكن إجماعا كما هو مفروض المسألة.

و أما الاستدلال عليه- بأن هذا التصرف لو لم يكن فسخا لكان ممنوعا منه شرعا


1- 1 الوسائل الباب 13 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 12 من أبواب الخيار الحديث 1- 2.

ج 23، ص: 68

لمصادقته ملك الغير على المشهور من الانتقال بنفس العقد، و الأصل في تصرفات المسلمين وقوعها على الوجه السائغ الصحيح فيكون فسخا- كما ترى، ضرورة عدم انحصار وجه الصحة في ذلك، و لا يتم في إجراء العقد خاصة عليها، و كون الفضولي على خلاف الأصل، لا ينافي قدحه في الدلالة على أن المراد الفسخ به تعبدا كالامضاء، فلا تتنقح دلالته على ارادة عدم الفسخ به.

نعم لا بأس بذكر هذا الأمور مؤيدة بعد دعوى الإجماع على الفسخ بكل ما لو وقع في المنتقل اليه كان اجازة و يكون هو العمدة حينئذ، لكن في فساد التصرف لو كان بيعا و نحوه، و صحته وجهان، بل قولان ينشأن من حصول الملك به، فلا يحصل شرط الصحة الذي هو سبق الملك، و من أن الفسخ يحصل بالقصد المقارن للتصرف، فيتقدم و يحصل الشرط، و هو الذي اختاره الكركي و عليه فرع جواز الوطء له، و فيه أنه حصل بالقصد لا بالفعل كما هو المفروض، بل لا بد من الالتزام في البيع و نحوه، كون وقوع تمام الصيغة الذي يحصل به مسمى التصرف، شرطا كاشفا عن حصول الانفساخ قبله آنا ما، و هذا و ان ارتكبناه في غير المقام، الا أنه لمكان الدليل المخصوص الدال على الصحة، و الحصر طريق الجمع بينه و بين ما دل على اعتبار سبق الملك بدعوى التقدم الذاتي، بخلاف المقام الذي لا يتوقف الحكم بالفسخ على صحة التصرف، بل يكفى و لو كان فاسدا اى لم يترتب عليه أثره، هذا إذا كان التصرف بالبيع و نحوه.

أما إذا كان بالانتفاع كاللمس و التقبيل و الوطي و نحوهما، فيمكن القول بحصول الفسخ بها، و أنه مقارن للدخول في الملك من غير اثم، تحكيما لما دل على أن له الفسخ بأي فاسخ، يكون المستفاد من نفس ثبوت الخيار له على ما دل على حرمة التصرف في مال الغير، بحمله على ما لا يقارنه الملك من التصرف، خصوصا مع خفاء اندراج هذا الفرد، فزمان الفسخ حينئذ و الدخول في الملك و اللمس واحد. و لا بأس به. فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.

ج 23، ص: 69

و ربما ظهر من الدروس التردد في الجواز، بل صريح التحرير الحرمة، و هو ضعيف لما عرفت، بل يمكن القول به في البيع و نحوه، بناء على منع اعتبار سبق الملك فيه و نحوه لعدم الدليل، بل مقتضى إطلاق الأدلة خلافه، و

قوله عليه السلام «لا بيع إلا في ملك»(1)

لا يقتضي أزيد من اعتبار أصل الملك في البيع، على وجه يشمل المقارن في مثل الفرض لا أقل من الشك، و قد عرفت أن مقتضى الإطلاق الصحة في مثل الفرض الذي هو من باب ترتب المعلولات الغير المتنافية بعللها، و ان كانت العلة في وجود الجميع واحدة، فيترتب حينئذ علي التصرف الفسخ، المقتضى لعود الملك للفاسخ المقتضى لانتقاله عنه إلى المشتري، المقتضى للانعتاق لو فرض كونه أبا له.

و ربما يؤيده ما ذكروه في الوكالة، من حصول عقدها بالقبول فعلا من الوكيل، بأن يفعل ما و كل فيه من تزويج أو بيع أو نحوهما، فإن الوكالة و البيع حصلا بعلة واحدة، و الظاهر عدم زيادة اعتبار الملك في مضى البيع على اعتبار الوكالة فيه، فان بيع الوكيل و المالك سواء في ذلك، و بالجملة لا مانع من تسلسل العلل المترتب على كل منها معلولها، و إن اتحد العلة الأولى معها، نعم لا يعقل حصول المعلولات المتنافية لعلة واحدة كما هو واضح، و مما يؤكد المقام ظهور إرادة القائل بكون البيع مثلا فاسخا الصحيح منه، لا الفاسد الذي يكون فسخه من الدلالة على ارادته، لا أنه فسخ بالتصرف، بل هو صريح استدلالهم على الفسخ بأصالة الصحة في العقد. و الله العالم.

و لو كان الخيار لهما و تصرف أحدهما فيما انتقل اليه من المبيع أو الثمن سقط خياره بائعا كان أو مشتريا و سواء كان التصرف جائزا كالانتفاع بغير الوطي أو غيره كالوطي و نحوه، إذ لا تلازم بين حصول الالتزام و حلية التصرف، إذ لا ريب في صدق اسم الأحداث في العين و ان كان حراما، لأن الإثم حكم شرعي لا مدخلية له في صدق الاسم كما صرح به في الدروس.


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

ج 23، ص: 70

نعم قد يتوقف في صدق الأحداث بالبيع و نحوه، بناء على عدم نفوذه على الخيار للآخر، بل لعل صدق عدم الأحداث عليه اولى، خصوصا بعد تفسير الأحداث في الصحيح (1)بمثل التقبيل و

اللمس، و احتمال كون التهيأ للصحة و لو بالإجازة إحداثا بعيد.

و لكن التحقيق الجواز في الجمع من غير فرق بين العتق و غيره «لأن

«الناس مسلطون على أموالهم»(2)

و لم يثبت مانعية تعلق حق الخيار، و ليس فيه إبطال لحق صاحبه، لانتقاله إلى القيمة حينئذ أو المثل، أو أن له التسلط علي فسخ العقد الأخر علي اختلاف الوجهين أو القولين الذين أقواهما الأول، لإطلاق ما دل على اللزوم، و انقطاع الملك الحاصل له بالعقد الأول بما وقع له من العقد الثاني، فيقع الفسخ من ذي الخيار على ما ليس بملك له، إلا أنه لما كان الحق متعلقا بالعقد الذي وقع على العين التي نقلها الشارع إلى القيمة أو المثل، فالفسخ يفيد انتقالها إليه كما لو تلف، و لا فرق بين الوطي و غيره من الانتفاعات كما هو ظاهر المحكي عن المبسوط و صريح التحرير، و احتمال الحبل- فتكون أم ولد فيمتنع رد عينها بعد تسليم امتناع الرد به كما هو الأصح- غير صالح لتخصيص ما دل على تسلط الناس على أموالهم، و إلا لامتنع الانتفاع بها في غيره، لاحتمال التلف به أيضا، كما أنه لا فرق بين العتق و غيره، و بناؤه على التغليب غير صالح للفرق هنا بعد ما عرفت.

و من ذلك كله ظهر لك ما في كلام الفاضل في القواعد فإنه جزم بعدم نفوذ بيع المشتري و وقفه و هبته إذا كان الخيار لهما أو للبائع

إلا بإذن البائع، و استشكل فيه في العتق و جزم بجواز الوطي له، كباقي وجوه الانتفاع تارة، و تردد فيه بالخصوص من بينها أخرى، بل و الشهيد في الدروس حيث أطلق التردد في جواز تصرف المشتري إذا كان الخيار مختصا بالبائع، و في تصرفه أيضا، و البائع مع اشتراك الخيار بينهما، إذ لا إشكال


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار الحديث 1 و 3.
2- 2 البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

ج 23، ص: 71

في جواز تصرف المشتري إذا لم يكن وطيا و لا ناقلا.

و كيف كان فالتحقيق ما عرفت، و يؤيده في الجملة ما سلف لهم في الغبن من صحة التصرف، و انتقال ذي الخيار إلى المثل أو القيمة، و احتمال الفرق- بفرض كلامهم هناك في التصرف مع الجهل بالخيار- غير مجد، لان الظاهر تعلق الخيار فيه حال العقد و إن لم يكن معلوما، فلو كان حق الخيار مانعا، أبطل التصرف و إن كان المتصرف جاهلا و هو واضح.

ثم إنه على كل حال يسقط خيار المشتري بالوطي و إن أثم كما عرفت؛ و لو فسخ البائع بعد الاستيلاد انتقل إلى القيمة عندنا، و عن الشيخ و القاضي أنه يرجع بقيمة الولد و العقر، و هو جيد بناء على عدم الانتقال إلا بعد انقضاء الخيار و كان الوطي شبهة، لكن ستعرف ما في المبني عليه.

و لا فرق فيما ذكرنا بين اشتراك الخيار بينهما و اختصاصه بأحدهما، فللبائع التصرف في ثمنه و إن كان الخيار مختصا بالمشتري كالعكس، و لو تصرف كل منهما أو أحدهما فيما انتقل عنه كان فسخا كما عرفت، و لو كان الخيار لأحدهما و نقلهما معا دفعة ببيع و نحوه بطل، للتدافع بين الفاسخ و الملزم من الشخص الواحد، و الظاهر البقاء على أصل الخيار، و احتمال تقديم الأول أو الثاني هنا ضعيفان، و ان جزم بالأول في التحرير و لو كان التصرف فيهما من غير ذي الخيار وقف على الإجازة، بناء على جريانها في نحو حق الخيار و مع حصولها لهما معا يسقط الخيار، و له- على اشكال- إبطال التصرف في المنتقل اليه و اجازة الأخر مع إبقاء حق الخيار و الرجوع بالقيمة حينئذ، و ليس له إبقاؤه مع اجازة التصرف في ماله، و لو كان الخيار مشتركا بينهما فتصرف المشتري مثلا فيهما ففي القواعد «صح ما تضمن الفسخ من التصرف، بخلاف الأخر الذي فيه ابطال حق البائع» و فيه أولا أنه لا يتم على المختار، و ثانيا- أنه و إن كان باطلا بناء علي منع حق خيار البائع الا- أنه يحصل به الالتزام و سقوط الخيار، كما صرح به في التحرير و جامع المقاصد في غير المقام فيتدافع حينئذ مع ما يقتضي الفسخ المتوقف صحته على عدم الالتزام؛ فالأقوى اتحاد

ج 23، ص: 72

الحكم فيها مع الاولى. و الله اعلم، و لو أذن أحدهما بالتصرف فيما انتقل اليه و تصرف الأخر فيما انتقل إليه أيضا سقط خيارهما قال في الشرح: «أما خيار المتصرف فواضح، و اما الاذن فوجه سقوط خياره دلالة الإذن على الرضا، فيكون التزاما من البائع بالبيع، و اما من المشتري فلان تصرف البائع يبطل البيع؛ فلا يبقى لخيار المشتري أثر، و لو لم يتصرف المأذون لم يبطل خياره.

و في بطلان خيار الآذن نظر من دلالته علي الرضا المزيل لحقه، و من عدم منافاة الرضا بزوال الخيار، لان غايته قبل وقوعه أن تكون الإزالة بيده، و هي لا تقتضي الزوال بالفعل، و أطلق جماعة كونه مبطلا، و عدم البطلان أوضح. و لو كان التصرف غير ناقل للملك، ففي إبطاله الخيار الآذن نظر، لعين ما ذكر» و فيه- بعد تسليم ارادة كون التصرف و الإذن في المبيع من كل منهما من العبارة و ما ضاهاها- أن الإذن فيما إذا كان المتصرف البائع لا مدخلية لها، ضرورة استناد الفسخ حينئذ إلى تصرف البائع، أذن له المشتري أو لم يأذن؛ أما الثاني فواضح، كالأول مع فعل المأذون، بل لعله كذلك و إن لم يفعل، لدلالة الإذن بفعل الملزم، على إرادة الالتزام و إسقاط الخيار، بل لعل نفس الاذن بالتصرف من الإحداث فيه، و يحتمل العدم، لمنع الدلالة في الأول، للفرق بين إنشاء الالتزام، و بين ارادة ما يحصل به الالتزام، و صحة السلب في الثاني، و كأنه لا يخلو من قوة خصوصا مع ملاحظة استصحاب الخيار.

و في تعليق الإرشاد «و اعلم أن مجرد الإذن في هذه التصرفات من دون فعل لا يكون اجازة و لا فسخا كما هو مصرح به في كلامهم» قلت: و من ذلك ينقدح الإشكال في الالتزام بالعرض على البيع، إذ هو أعم من إنشاء الالتزام، لإمكان حصوله مع التردد في الفسخ و الإجازة، و دعوى الظهور في الالتزام ممنوعة، على انه- بعد التسليم- مبنى على حجية ظواهر الافعال في مثل ذلك، و إن كان قد يؤيد القول بها

ج 23، ص: 73

هنا الإجماع على سقوطه بالتصرف الذي هو غير قاطع، لكنه لا يتم بناء على أن السقوط به تعبدي، لا من حيث الدلالة كما سمعت قوله فيما تقدم.

نعم يمكن الاستدلال على الالتزام بالعرض ب

خبر السكوني (1)«فيمن اشترى ثوبا بشرط، فعرض له ربح فأراد بيعه؟ قال: فليشهد أنه قد رضيه و استوجبه، ثم ليبعه إن شاء، فان اقامه بالسوق و لم يبعه فقد وجب عليه البيع»

و هو- مع اشتماله على ما لا يقول به، من اشتراط بيع ذي الخيار، بالاستيجاب قبل البيع- يمكن منع دلالته، لاحتمال إرادة إقامة المستوجب في السوق منه، فيكون حاصله أنه مع الاستيجاب يسقط الخيار إن لم يبعه، و متى قام الاحتمال، بطل الاستدلال، بعد منع الظهور فلاحظ و تأمل.

ثم لا يخفى عليك أن ذلك كله يجري في الاذن بما يقتضي الفسخ، و العرض الذي يقتضيه أيضا، و لو أذن أحدهما للآخر في نقل ما انتقل اليه- بناء على عدم الجواز مع تعلق حق الخيار، و فعل المأذون- سقط خيار المتصرف قطعا، و أما الإذن فقد جزم الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهما بالسقوط أيضا بل قد

يظهر من التذكرة الإجماع عليه، و علله في الجامع بعدم إمكان فسخ العقد الواقع باذنه، قال: «أما إذا لم يبع ففي كون مجرد الإذن إجازة إشكال، و مثله الإذن في سائر التصرفات الغير الناقلة للملك» قلت: يظهر وجه الإشكال في الأول مما ذكرناه أولا، لأن مرجعه إلى أن الاذن في الملزم ملزم أولا، و قد سمعت الكلام فيه، إلا أنه غير جار فيما ذكره من التصرفات الغير الناقلة التي هي إذا وقعت إنما تلزم بالنسبة إلى المتصرف، فالإذن فيه لا يستفاد منه التزام الآذن بوجه من الوجوه، إلا إذا كان المراد من الإذن رفع ما حصل بسببه المنع اى الخيار، و حينئذ لا ينبغي التوقف في السقوط. و إن لم يفعل


1- 1 الوسائل الباب 12 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.

ج 23، ص: 74

المأذون، الا أن في دلالة الإذن بالتصرف- خصوصا إذا كان خاصا على ذلك- منعا واضحا.

اللهم الا أن يدعى أن حجر الخيار لا يرتفع شرعا مع بقائه، فالإذن في أي تصرف تستلزم رفعه، و هو أوضح منعا، و كان الوجه- في الالتزام بالإذن بالتصرف الناقل مع وقوعه- أن حق الخيار متعلق بالعين و هو الذي أذن في نقلها، و الأصل برأيه الذمة من الانتقال الى المثل أو القيمة، و ينبغي أن يلحق به الإذن بالوطي المتعقب للاستيلاد، بل كل تصرف يمنع من الرد، و في إلحاق الاذن في النقل المتزلزل كالبيع بالخيار و الهبة إشكال، قد يظهر من التذكرة الأول و أنه متفق عليه بيننا.

و من ذلك كله يظهر لك ما في جامع المقاصد و المسالك و غيرهما فلاحظ و تأمل. كما أن منه يظهر وجه النظر فيما ذكره العلامة الطباطبائي في مصابيحه من وجوه قال: «و كما يسقط الخيار بالتصرف فكذا بالإذن فيه كما في الشرائع و التذكرة و القواعد و الإرشاد و التنقيح لدلالته على الالتزام في المنقول عنه، و الفسخ في المنقول إليه، فإن تصرف المأذون سقط خيارهما و الا فخيار الآذن، و استشكله المحقق الكركي و الشهيد الثاني و غيرهما، لعدم ظهور الدلالة، و لان التمكن من الإزالة غير الزوال بالفعل؛ و يضعف بأن مقتضى الاذن رفع الحجر من قبل الآذن، و لا مانع غير الخيار فيرتفع بالإذن، و لا يتوقف على وجود التصرف، و إلا لكان السقوط بالتصرف المأذون فيه، دون الاذن، كما اعترفوا به، فان الآذن لم يوجد منه سوى الإذن، فان لم يسقط الخيار به لم يسقط بالتصرف الذي هو فعل غيره» فتأمل جيدا.

و الظاهر ان التصرف من المتعاقدين لا يسقط خيار الأجنبي، بل و لا خيار المؤامرة قبل الأمر بالفسخ، للأصل، و لا خيار تأخير الثمن قبل الثلاثة إذا فرض إمكانه قبل القبض على اشكال.

[المسألة الثالثة إذا مات من له الخيار انتقل الى الوارث ]

المسألة الثالثة: إذا مات من له الخيار انتقل الى الوارث من أي أنواع الخيار

ج 23، ص: 75

كان بلا خلاف معتد به، بل ظاهر هم الإجماع، بل عن بعضهم دعواه صريحا،

للنبوي (1)المنجبر بالعمل «ما ترك ميت من حق فهو لوارثه»

المؤيد بعموم غيره كتابا(2)و سنة(3)و ما في القواعد من احتمال سقوط خيار المجلس بالموت- فيما لو مات أحدهما، لأولوية مفارقة الدنيا من مفارقة المجلس- ليس خلافا في المسألة عند التأمل، على أنه في غاية الضعف، ضرورة إرادة التباعد بالمكان الظاهر في الجسم من الافتراق، لا في الروح التي لم يعلم مفارقتها للمجلس، فلا ريب حينئذ في انتقاله الى الوارث.

نعم في القواعد «إن كان الوارث حاضرا في المجلس امتد الخيار ما دام الميت و الآخر في المجلس، و إن كان غائبا امتد الى أن يصل اليه الخبر إن أسقطنا اعتبار الميت، و هل يمتد بامتداد المجلس الذي وصل فيه الخبر؟ نظر» و فيه أنه إذا سقط اعتبار الميت امتنع الحكم ببقاء الخيار، لانتفاء متعلقة، و هو عدم تفرق المتبايعين، بل الحكم ببقائه دعوى لا مستند لها، و أبعد من ذلك امتداده بامتداد المجلس الذي وصل فيه الخبر الذي هو ليس مجلس البيع، خصوصا مع تعدد الوارث القاضي بمراعاة مجلس كل واحد منهم، بل إما أن يجعل على الفور أو على التراخي، و من ذلك يعلم ما في المسالك قال: «و لو كان الوارث غائبا عن المجلس، ففي ثبوته له حين

بلوغه الخبر فوريا، أو امتداده بامتداد مجلس الخبر، أو سقوط الخيار بالنسبة إلى الميت، أوجه» نعم ما فيها أيضا من أنه لو قيل بثبوت الخيار للوارث إذا بلغه الخبر و امتداده الى أن يتفرق الميت و مبايعة كان وجها جيدا، بناء على اعتبار الميت حال حضور الوارث في المجلس، و أقرب من ذلك كله- و إن لم أجد من ذكره- ثبوته للوارث مطلقا، للأصل


1- 1 لم نعثر على هذه الرواية في كتب الأحاديث من العامة و الخاصة بعد الفحص عنها في مضانها و ان استدلوا بها في الكتب الفقهية كالرياض و مفتاح الكرامة و غيرها.
2- 2 سورة البقرة الآية 180 و سورة النساء الآية 7.
3- 3 الوسائل الباب من موجبات الإرث.

ج 23، ص: 76

بعد تعذر حصول الافتراق الاختياري بين البيعين، كما عرفته مفصلا فيما لو أكره أحدهما على الافتراق، و أنه لا يسقط خيار المكره و الآخر أيضا و إن فارقه اختيارا فلاحظ و تأمل، فلا حاجة حينئذ إلى اعتبار تفرق الوارث، و أنه على تقديره لو فارق أحد الورثة لم يؤثر، لعدم صدق افتراق المتبايعين، نظرا الى قيام الجميع مقام الموروث، مع احتماله أيضا نظرا إلى ثبوت الخيار لكل من الوارث على جهة الاستقلال، فافتراقه يؤثر في سقوط خياره، الا انه لو فسخ الآخر مضى عليه، كما لو تعدد ذو الخيار، و لا ينزل على حصته لعدم إشاعة حق الخيار في العين؛ و لذا لم يجز للمورث أن يفسخ في البعض، و ليس للوارث، إلا ما كان للمورث.

و من ذلك يتضح لك الحال في كل خيار ورثه متعددون، و أنه يقدم الفاسخ منهم على الملزم، لانه لما علم عدم قابلية الخيار للتوزيع في نفسه- ضرورة عدم معقولية نصف الخيار و ربعه مثلا، و عدم تبعيته أيضا قسمة العين، لما عرفت من عدم الإشاعة، و كان يمكن إبقاء النبوي و غيره مما دل على انتقال الحق كان لكل واحد من ورثته على ظاهره لتعقل تعدد من لهم الخيار، بخلاف المال الذي لا بد من تنزيل نحو ذلك فيه على ارادة الاشتراك، لعدم تعدد الملاك شرعا لمال واحد بخلاف محل البحث- اتجه القول بثبوته حينئذ لكل واحد منهم، و أنه يقدم الفاسخ منهم على الملزم، كذوي الخيار فتأمل جيدا فإنه دقيق.

ثم لا يخفى أنه لا فرق في إرث الخيار بين حصوله فعلا للميت، و بين حصول سببه، فينتقل خيار التأخير، و إن مات البائع في الثلاثة، كخيار رد الثمن و خيار الشرط بعد شهر مثلا و نحو ذلك، إذ هو حق أيضا ينتقل بالإرث كخيار المؤامرة، فإذا مات المستأمر بالكسر انتقل حقه لورثته، اما المستأمر بالفتح فالظاهر عدمه، لظهور إرادة المباشرة من اشتراط استئماره، و لانه لا حق له عند التأمل، إذ لزوم العقد عند أمره بالالتزام لأصالة اللزوم في العقد، و لا يجب اتباع أمره بالفسخ، و إن كان للمستأمر بالكسر الفسخ

ج 23، ص: 77

عنده، إلا أن ذلك يقضى بكونه حقا له، لا للمستأمر بالفتح كما هو واضح.

بل لا يبعد ذلك في المشترط له الخيار إذا كان الشرط على جهة المباشرة، فإذا مات لم ينتقل لورثته، لسقوط الحق بعد فرض اشتراطها بموته، و ليس ذا شرطا لعدم الإرث كي يكون باطلا، بل يمكن رد اشتراط عدم الإرث إليه في بعض الأحوال فيصح.

أما اشتراط الخيار للأجنبي لا على جهة المباشرة، فقد يقوى انتقاله أيضا الى وارثه لإطلاق النص و الفتوى و به صرح الفاضل في التحرير خلافا له في القواعد، و دعوى أنه انما يورث تبعا للمال لا شاهد عليها، بل يكفى فيه تعلقه بالمال كالشفعة، بل قد يورث ما لا تعلق له بالمال؛ كحق القذف و يقرب منه حق القصاص.

و من ذلك يظهر لك قوة القول بإرث الزوجة غير ذات الولد، للخيار فيما إذا اشترى أرضا و له الخيار، أو باعها كذلك، و إن استشكل في أحدهما الفاضل في القواعد على أن حق الخيار في الثاني منهما قد تعلق بالثمن الذي انتقل إليها بالإرث، فيتبعه الخيار، و إن كان لو فسخت حرمت، الا أن ذلك لم يثبت مانعيته من الإرث، كعدم ثبوت اشتراط إرثه بالتبعية لعين، فلها أن تفسخ في الأول أيضا و ترث من الثمن. و الله أعلم بحقيقة الحال.

و لو جن ذو الخيار قام وليه مقامه كما في غيره من أمواله و حقوقه و يجري في خيار المجلس ما يقرب مما سمعته في الموت، و في المسالك و مثله ما لو خرس و لم يمكنه الإشارة المفهمة و الا اعتبرت إشارته كاللفظ و على كل حال ف لو زال العذر لم ينقض تصرف الولي الجامع لشرائط الصحة التي منها مراعاة الغبطة و المصلحة، أو عدم المفسدة على ما هو محرر في محله.

و لو كان الميت الذي له الخيار مملوكا مأذونا ثبت الخيار لمولاه إذا كان البيع أو الشراء للمولى، إذ ذلك له قبل موته ضرورة تبعيته للمال.

أما لو فرض ثبوته للعبد نفسه، كما لو اشترط مثلا فالأقرب عدم انتقاله

ج 23، ص: 78

للمولى كما سمعته في الأجنبي و لو كان ذلك في ماله، و لو كان البيع لأجنبي و شرط الخيار للعبد ففي التحرير هو للمولى أيضا على اشكال، قلت: لعله من عدم الدليل على ثبوت كل ما للعبد حتى الفرض للمولى، و فيه أن الآية(1)و غيرها مما استدل به على ذلك يشمل الأموال و الحقوق، فلا يبعد حينئذ انتقاله للمولى حال الحيوة، فضلا عن الموت، بل لعل ذلك هو المدار في الانتقال بالموت، و منه حينئذ يظهر أنه لا مدخلية للموت في ذلك، إذ في مصابيح العلامة الطباطبائي الإجماع على أن الحر لا يرث العبد، و في

الصحيح المروي (2)بطرق متعددة عن ابى جعفر و ابى عبد الله عليهما السلام «أنه لا يتوارث الحر و العبد»

كما أن منه يظهر ما في القواعد أيضا قال:

«و لو كان الميت مملوكا مأذونا فالخيار لمولاه و لو شرط المتعاقدان الخيار لعبد أحدهما ملك المولى الخيار، و لو كان لأجنبي لم يملك مولاه، و لا يتوقف على رضاه إذا لم

يمنع حق المولى، و لو مات لم ينتقل الى مولاه» فتأمل و الله أعلم.

[المسألة الرابعة المبيع يملك بالعقد لا بانقضاء الخيار]

المسألة الرابعة المشهور نقلا و تحصيلا بل في التذكرة الإجماع على أن المبيع يملك ه المشتري في زمن الخيار بالعقد كالمحكي عن ابن إدريس نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و يؤيده تعريف الفقهاء البيع بنقل الملك؛ أو انتقاله، أو الإيجاب و القبول الناقلين للملك، و اتفاقهم على كونه من الأسباب المملكة، و ثبوت الخيار الظاهر في التملك و جواز التصرف بالمستلزم له.

و قيل و القائل ابن الجنيد في المحكي عن ظاهره و ابن سعيد في جامعه به و بانقضاء مدة الخيار مع عدم الفسخ، و جعل الشيخ الافتراق في كتابي الأخبار شرطا في استباحة الملك. بل صرح في الاستبصار منهما باشتراطه في صحة العقد، و كلامه في النهاية لا يأبى التنزيل على المشهور كالمقنعة، بل عن الشهيد احتماله أيضا في كلامه في الخلاف، إلا


1- 1 سورة النحل الآية 75.
2- 2 الوسائل الباب 16 من أبواب موانع الإرث الحديث 1 و 5.

ج 23، ص: 79

أنه بعيد، قال فيه: «العقد يثبت بنفس الإيجاب و القبول، فان كان مطلقا فإنه يلزم بالافتراق بالأبدان، و إن كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط. فان كان الشرط لهما أو البائع فإذا انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدم، و إن كان الخيار للمشترى وحده زال ملك البائع بنفس العقد. لكنه لم ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي الخيار، فإذا انقضى ملك المشتري بالعقد الأول» و ذكر اللزوم أولا، و معروفية بقاء الملك بلا مالك، لأبي حنيفة، و مالك، لا يقتضي بإرادة اللزوم من الملك المستلزمة لبطلان التفصيل حينئذ.

نعم كلامه في بيع المبسوط لا يأبى التنزيل عليه، بل ما ذكره في كتاب الفلس منه ظاهر في ذلك إن لم يكن صريحا. و سلار و إن كان قد جعل تفرق المتبايعين شرطا، لكنه قال: «و لو تقابضا و لم يفترقا بالأبدان كان البيع موقوفا، كما أن أبا الصلاح نص في المحكي عنه على أنه شرط في الصحة» ثم قال: «و اعتبرنا الافتراق بالأبدان لتوقف مضيه عليه» و كيف كان فالذي تحصل من كلام الأصحاب أقوال ثلاثة، المشهور، و التوقف على انقضاء الخيار، و التفصيل بين خيار المشتري وحده؛ و غيره فيخرج عن ملك البائع في الأول دون غيره، و لا ريب في أن الأول أظهر و أصح لصدق التجارة عن تراض قبله، و عدم معقولية غير ترتب الأثر من التحليل للبيع الصادق عليه قبل انقضاء الخيار قطعا و لأن المقصود للمتعاقدين و الذي وقع التراضي عليه بينهما انتقال كل من الثمن و المثمن حال العقد، فهذه المعاملة إما صحيحة كذلك عند الشارع و يثبت المطلوب، أو باطلة من أصلها، لا أنها صحيحة على غير ما قصداه و تراضيا عليه، و إثبات الخيار منهما أو من الشارع إن لم يؤكد ذلك لا ينافيه، فالمقتضي للملك حينئذ موجود و المانع منه مفقود.

ج 23، ص: 80

و موثق إسحاق بن عمار(1)و خبر معاوية بن ميسرة(2)المتقدمين في خيار تأخير الثمن، المصرحين بكون المبيع ملكا للمشتري و الثمن ملكا للبائع في السنة التي اشترط فيها الرد برد الثمن، بناء على أن ذلك مدة الخيار و قد عرفت الحال فيه سابقا و يمكن تنزيلهما على ارادة اشتراط سلطنة الفسخ بالطريق المخصوص الذي هو رد الثمن، فيكون حينئذ ذلك كله مدة خيار و لا يحتاج إلى فسخ زائد على الرد كما هو ظاهر هما، الا أنه ينافيه ما ذكرناه سابقا. فلاحظ و تأمل.

و موثق غياث بن إبراهيم (3)عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام «إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب و إن لم يفترقا»

و موافقة ذيله للتقية غير مانع من الاستدلال بإطلاقه، و خبر عقبة بن خالد(4)المتقدم في خيار تأخير الثمن و

صحيح بشار بن يسار(5)«سئل الصادق عليه السلام عن الرجل يبيع المتاع، و يشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه؟ قال: نعم لا بأس به، قلت؛ أشترى متاعي؟ فقال: ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك»

و حسنة الحسين بن منذر(6)قال للصادق عليه السلام: «يجيئني الرجل فيطلب العينة، فأشتري له المتاع من أجله، ثم أبيعه إياه، ثم أشتريه مكاني؟ فقال: إذا كان له الخيار إنشاء باع و إن شاء لم يبع، و كنت أنت أيضا بالخيار، إن شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر فلا بأس»

و صحيح محمد بن مسلم (7)«سئل أبا جعفر عليه السلام عن رجل أتاه رجل فقال: ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو نسية، فابتاعه الرجل من أجله قال: ليس به بأس إنما تشتريه


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العقود الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.
7- 7 الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 8.

ج 23، ص: 81

منه بعد ما يملكه»

و صحيح منصور بن حازم (1)عن الصادق عليه السلام «في رجل أمر رجلا أن يشترى له متاعا، فيشتريه منه؟ قال: لا بأس بذلك، انما البيع بعد ما يشتريه»

و النصوص (2)المتضمنة لكون مال العبد للمشتري مطلقا، أو مع الشرط و علم البائع من دون تقييد بانقضاء الخيار،

و النبوي (3)«الخراج بالضمان»

الذي معناه أن الربح في مقابلة الخسران، فإن الخراج اسم للفائدة الحاصلة في المبيع،

و المراد أنها للمشتري، كما ان الضرر الحاصل بالتلف عليه، فهو دال على المطلوب، و إن كان مورد الحديث خيار العيب، و الحكم ثابت فيه بلا خلاف كما قيل؛ بل لا يبعد أن يكون الخلاف في خصوص خيار الحيوان، و المجلس و الشرط الذي لم يسبق بلزوم العقد، و أما هو فقد عرفت الحال فيه سابقا.

كل ذلك مع عدم دليل معتبر للمخالف، خصوصا التفصيل، عدا دعوى قصور العقد فلا يفيد الملك و هو كما ترى. نعم قد يستدل له ب

صحيح ابن سنان (4)«سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الدابة أو العبد يشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة، أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال: على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشترى، شرط له البائع أو لم يشترط، قال: و إن كان بينهما شرط أيام معدودة، فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع»

و خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (5)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى أمة بشرط من رجل يوما أو يومين، فماتت عنده و قد قطع الثمن على من يكون


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب 7 من أبواب بيع الحيوان.
3- 3 المستدرك ج 2 ص 473.
4- 4 الوسائل الباب 5 من أبواب الخيار الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب 5 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 82

الضمان؟ فقال: ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضى شرطه»

و مرسلة ابن رباط(1)عن الصادق عليه السلام «إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع»

الا أنها لا تصلح لمعارضة الروايات المتقدمة، لرجحانها بالكثرة و المطابقة للأصول، و الإجماع المنقول، و ظاهر الكتاب، و الشهرة بين الأصحاب و مخالفة أكثر الجمهور، فتعين التأويل في هذه، بحمل الصيرورة فيها على اللزوم جمعا بين الاخبار.

و أما ضمان البائع و هو و إن كان على خلاف الأصل الا أنه قد ثبت بالدليل في صورة اختصاص المشتري بالخيار كضمان البائع المبيع قبل القبض، و قد ظهر لك من ذلك كله أنه لو تجدد له اى المبيع نماء بين العقد و انقضاء الخيار كان للمشتري لأنه نماء ملكه و حينئذ ف لو فسخ المشتري العقد مثلا رجع على البائع بالثمن و لم يرجع البائع عليه بالنماء الذي هو له على المختار.

نعم هو للبائع على القول الأخر إن فسخ، بل و ان لم يفسخ، بناء على الملك من حين الانقضاء كما هو ظاهر القول المحكي في المتن و غيره. أما على احتمال ارادة الكشف في كلام الشيخ فهو للمشتري أيضا، و احتمله الشهيد في كلام الشيخ في الخلاف، و لعله أخذه من قوله بالعقد الأول، و يمكن ارادة حصوله به بحمل السببية على الناقصة، و حينئذ يشكل تبعية النماء فيما إذا كان الخيار للمشترى خاصة على كلام الشيخ، لعدم ملكية الأصل عنده لأحد المتعاقدين؛ و لعله يلتزم دخوله في ملك

المشتري إن لم يفسخ، و البائع إن فسخ كالأصل.

و على كل حال فهذا من فائدة الخلاف في المسألة كالأخذ بالشفعة، و ابتياع الزوجة، و بيع من ينعتق على المشتري و جريان المبيع في حول الزكاة إن كان زكويا، و غير ذلك، و الثمن في ذلك كله كالمبيع، إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا، لاستحالة انتقال


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب الخيار الحديث 5.

ج 23، ص: 83

أحد العوضين دون الأخر، بخروجه عن حقيقة المعاوضة و استلزامه الجمع بين العوض و المعوض. و الله أعلم.

[المسألة الخامسة إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه ]

المسألة الخامسة إذا تلف المبيع الشخصي قبل قبضه بآفة سماوية في غير الثلاثة في تأخير الثمن فهو من مال بائعه إجماعا بقسميه. إذا لم يكن بامتناع من المشتري أو برضا منه بالبقاء في يد البائع، بعد تمكينه منه و عرضه عليه،

للنبوي (1)المنجبر بعمل الأصحاب كافة «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه»

المعتضد مع ذلك بخبر عقبة بن خالد(2)المتقدم في خيار تأخير الثمن.

أما التلف في الثلاثة فقد عرفت البحث فيه سابقا، و أن الأقوى فيه ذلك، كما أن الظاهر كونه من مال المشتري إذا كان عدم القبض لامتناع منه، بلا خلاف أجده فيه، للأصل السالم عن معارضة القاعدة المزبورة بعد انصرافها إلى غيره، بل قد يقال: بذلك أيضا فيما إذا كان التأخير بالتماس منه بعد العرض عليه و التمكين منه، وفاقا لجماعة، إما لأن مثله يسمى قبضا، أو لأن المراد من النبوي غيره، بل في الغنية و المحكي عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه، لكن دعوى صدق اسم القبض بذلك فيما لا يكفى فيه التخلية ممنوعة، كمنع قيام ذلك مقام القبض الرافع للضمان الذي هو مقتضي الاستصحاب مطلقا أو في بعض الأحوال، و خبر عقبة الظاهر في أن المشتري هو الذي تركه في يد البائع، فالقول بالضمان لا يخلو من قوة إن لم يكن إجماعا، و لم نقل بأن مثله قبض.

نعم يمكن دعوى انسياق التلف بالآفة السماوية، فلو أتلفه أجنبي لم يضمنه البائع، و استحق المشتري عليه المثل أو القيمة، و قيل: بالتخيير بين ذلك و الفسخ و الرجوع بالثمن، بل هو المشهور بينهم، بل لا خلاف أجده بينهم، لكن لا دليل عليه،


1- 1 المستدرك ج 2 ص 473.
2- 2 الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 84

بل لعل مقتضى الدليل خلافه، بل لعله كذلك إن أتلفه البائع أيضا، لأصالة اللزوم، لكن قد يظهر من خبر عقبة بن خالد أنه من ضمان البائع مطلقا حتى يقبضه المشتري الا أنه محتاج الى الجابر في تخصيص القاعدة، لتعبير أكثر الأصحاب أو جميعهم بمضمون النبوي الظاهر فيما عرفت، و يمكن حمل السرقة في خبر عقبة على الآفة السماوية؛ باعتبار عدم تعين من يرجع اليه بالمثل أو القيمة، و لو أتلفه المشتري فالظاهر أنه بمنزلة القبض، و نظر فيه في الرياض، و لعله لظهور خبر عقبة فيما عرفت، فينفسخ العقد و يرجع البائع عليه بالمثل أو القيمة، و ستسمع لهذا البحث تتمة إنشاء اللَّه تعالى في باب القبض و في باب بيع الثمار، بل قد يقال: إن الانصاف شمول النبوي لجميع صور التلف. بآفة أو بغيرها، الا أن يكون إجماع على البعض، أو شهرة عليه بحيث يضعف الظن بإرادته منه.

و كيف كان فالنماء بعد العقد قبل التلف للمشتري كما في المسالك و غيرها، بل قيل انه يظهر منه دعوى الوفاق عليه؛ لأنه نماء ملكه فالقاعدة و استصحاب الحالة السابقة يقضيان بأن الفسخ من حينه فاحتمال كون الفسخ من الأصل- كما عن التذكرة حكايته- ضعيف.

لكن في الرياض «أنه ينافي الفسخ من حينه ظاهر النص و فتوى الجماعة، فيحتاج الى تقدير دخوله في ملك البائع آنا ما و يكون التلف كاشفا، مثل دخول الدية في ملك الميت، و العبد المأمور بعتقه في ملك المعتق عنه» قلت: قد لا يحتاج الى هذا التقدير، و يكون المراد من النص و الفتوى أن حكم هذا التالف حكم ما لو كان ما لا للبائع، أي لا يستحق بالعقد ثمنا على المشتري، بمعنى أنه يبطل أثر العقد بالنسبة الى ذلك و إن كان قد تلف و هو على ملك المشتري، و أقصاه تحكيم النبوي المنجبر بعمل الأصحاب على غيره مما يقتضي خلافه، و كان مقصود المقدر مراعاة رجحان الجمع على الطرح. و الأمر سهل.

ج 23، ص: 85

ثم إن مقتضى الأصل بعد اختصاص النص و الفتوى بالمبيع، كون تلف الثمن من البائع، لكن عن ظاهر بعض الأصحاب إلحاقه بالأول مشعرا بدعوى الوفاق عليه و على ارادته من المبيع و ارادة المشتري من البائع، التفاتا الى صدقهما عليهما لغة، و في الرياض «إن تم و الا فالمسألة محل إشكال لكن ظاهر الخبر الثاني أي خبر عقبة العموم فلا بأس به» قلت: لا إجماع قطعا، و ارادته من النبوي كما ترى، و خبر عقبة إنما يدل بعد القبض، و يمكن حمله على كون الثمن كليا كما هو الغالب، و الضمان فيه أعم من الانفساخ الحاصل بتلف المبيع، على أنه لا جابر له بالنسبة الى ذلك فتأمل جيدا.

و تلف بعض المبيع من مال بايعه كتلف الجميع، و الظاهر ثبوت الخيار في الباقي لتبعض الصفقة، و لو كان المبيع كليا و تصور تشخصه بغير القبض، لحقه الحكم مع صدق اسم المبيع عليه، و لو كان كليا من جهة، شخصيا من أخرى، كصاع من صبرة و قد تلفت اجمع فهو كالشخصي و اللَّه اعلم.

و إن كان قد تلف المبيع بعد قبضه بآفة أو بغيرها و بعد انقضاء مدة الخيار فهو من مال المشتري بلا خلاف و لا إشكال، و يرجع على من له الرجوع عليه بالمثل أو القيمة و إن كان تلفه بعد القبض بآفة في زمن الخيار من غير تفريط من المشتري و كان الخيار للبائع خاصة فالتلف من مال المشتري أيضا لأنه ملكه على المختار، و للنصوص السابقة(1)في بحث خيار رد الثمن بناء علي أنها من مدة الخيار.

و إن كان الخيار للمشتري (11) خاصة فالتلف من (12) مال البائع (13) إجماعا بقسميه، للنصوص المتقدمة(2)في دليل القائل بعدم الملك حتى ينقضي الخيار، و الصحيح منها صريح (3)في خيار الشرط و الحيوان، و لعلهما المراد ان من المتن و


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار.
3- 3 الوسائل الباب 8 و 5 من أبواب الخيار الحديث 1- 3.

ج 23، ص: 86

غيره، بقرينة ذكر المدة و الزمن و نحوهما، لعدم ضبط مدة معلومة لغيرهما من الخيارات كما أشار إليه العلامة الطباطبائي في مصابيحه في خيار تأخير الثمن؛ حتى خيار المجلس، على أن الخيار فيه لهما معا، و ستعرف أن الحكم على القواعد مع اشتراك الخيار، فلا ريب في عدم ارادة غيرهما من المتن و نحوه، سيما على القول بالفورية في كثير منها، فيقتصر فيما خالف الضوابط كالصورة الأخيرة عليهما خاصة، فيحكم حينئذ بانفساخ العقد فيها و رجوع الثمن إلى المشتري، كالتلف قبل القبض.

نعم لا فرق فيها بين كون الخيار للمشتري خاصة، أوله مع الأجنبي من طرفه كما صرح به غير واحد، بل كأنه إجماع عملا بالإطلاق، بل قد يظهر من تعليق الإرشاد أن الخيار للأجنبي من طرف المشتري كخياره، و مقتضاه أن التلف من البائع أيضا لو كان للأجنبي من طرفه خاصة، و فيه أنه بعد البناء على أنه تحكيم لا توكيل- لا يشمله الصحيح المزبور، فيشكل الحكم المذكور المخالف للقواعد من وجوه فيه، بل إن لم ينعقد إجماع على إلحاق خيار الأجنبي معه بخياره خاصة- كان المتجه حينئذ الاقتصار على المتيقن من الصحيح و هو ما إذا كان الخيار للمشتري خاصة، سيما مع عدم سوق إطلاقه، لتناول مثل الفرض الذي ليس له في النصوص أثر بالخصوص، و إنما سوغه الأصحاب لعموم دليل جواز الشرط و إلا لشمل الإطلاق المزبور ما إذا كان الخيار للبائع معه أيضا، مع أنه لا خلاف بينهم على ما قيل: في كون تلف المبيع فيه من المشتري و أن الثمن من البائع كما هو مقتضى القواعد، بناء على الملك بالعقد، بل لم يذكر احد منهم كون التلف فيه من البائع فيه احتمالا، مع أنه اولى بتناول الإطلاق المزبور، فالوجه الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن من النص و الفتوى.

نعم لا بأس بضم الأجنبي في الصورة الأولى التي كون تلف المبيع فيها من المشتري على القواعد كما هو واضح. و على كل حال فقد ظهر لك أن المراد في المتن و غيره بل

ج 23، ص: 87

و النص بكون التلف من البائع في الصورة الأخيرة، انفساخ العقد و رجوع الثمن إلى المشتري نحو التلف قبل القبض، و يقابله ما فيها من كون التلف من المشتري في الصورة الأولى أي لا ينفسخ العقد بذلك، بل يكون التالف من مال المشتري نعم لا ينافي ذلك بقاء الخيار للبائع فيها كما صرح به جماعة منهم الفاضل و الكركي بل لا خلاف أجده فيه، للأصل و عدم ثبوت اشتراط بقاء الخيار ببقاء العين، بل الثابت خلافه، فله الفسخ حينئذ و المطالبة بالمثل أو القيمة، لأن يد المشتري يد ضمان بالثمن لا مجانا، و كون التلف بالآفة لا ينافي الاستحقاق بالفسخ الجديد المقتضى رجوع كل عوض بعينه أو بدله الى صاحبه، بل لو تلف الثمن بالآفة في يد البائع لم يسقط خياره، فله الفسخ أيضا مع رد المثل أو القيمة و المطالبة بالمبيع أو بدله كما هو واضح؛ و إن تقدم في الغبن ما عساه يتوهم منه المنافاة لذلك؛ الا أن العمدة الإجماع هناك ظاهرا.

و قول الأصحاب- إن تلف المبيع في زمان الخيار ممن لا خيار له، بعد تنزيله على خيار الشرط و الحيوان- لا ينافي شيئا مما ذكرناه، و الدليل عليه واضح، إذ مع فرض أن الخيار للمشتري خاصة كان تلفه من البائع، للنصوص السابقة(1)الدالة بصريحها على ذلك و المراد به كما صرح به في جامع المقاصد انفساخ العقد به كالتلف قبل القبض، لاتحادهما في لفظ الدليل المفهوم منه ذلك بعد القول

بالملك بالعقد، فما عساه يظهر مما ستسمعه من الدروس- من الفرق بينهما في ذلك، فيبطل في التلف قبل القبض، دون محل البحث- واضح الضعف، و مع فرض ان الخيار للبائع خاصة كان التلف من المشتري، أي لا ينفسخ العقد كما هو مقتضي القواعد، لانه ملكه و قد تلف في يده الا أنه يبقى مع ذلك خيار البائع على حسب ما ذكرناه.

و من ذلك يظهر لك خطاء بعض الأعلام الناشي من الوهم في المراد من قاعدة


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب الخيار.

ج 23، ص: 88

«التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له» و أنها أعم من الثمن و المثمن، و خيار الشرط و الحيوان و غيرهما، قال: «و لو تلف المبيع أو الثمن بالآفة الإلهية بعد قبضه. و قبل انقضاء خيار المشتري أو البائع؛ فالتالف ممن لا خيار له بلا خلاف أجده، لما مر في كل من خياري الشرط و الحيوان من المعتبرة المستفيضة(1)و أخصيتها من المدعى مندفعة بعدم القائل بالفرق بين الطائفة، مع أن هذا الحكم غير محتاج إلى دلالة من كتاب أو إجماع أو سنة على حدة في بعض صور المسألة، و هو على المشهور ما إذا تلف المبيع بعد القبض و الخيار للبائع و بالعكس، لكون المتلف مال من لا خيار له، المنتقل اليه بمجرد العقد، فيكون الحكم في الصورتين موافقا للقاعدة،

مع تأيد أولهما بأخبار خيار الشرط،(2)و إنما المحتاج إلى الدلالة ما إذا تلف المبيع بعده و الخيار للمشتري و بالعكس لمخالفة الحكم فيهما للقاعدة المتقدمة جدا و لا إشكال فيه أصلا بعد قيام النص و الفتوى بإثباته فيهما، فيكون كل منهما بهما عن القاعدة مستثنى».

و هو من غرائب الكلام ضرورة كون النص و الفتوى في خصوص المبيع دون الثمن، بل ظاهر خبر معاوية بن ميسرة(3)من أخبار اشتراط الخيار برد الثمن، أن تلف الثمن من البائع و أنه ملكه و إن كان الخيار له. فمن العجيب دعوى أن النص و الفتوى على كون الثمن من المشتري إذا كان الخيار للبائع خاصة؛ و مقتضاه الانفساخ كتلف المبيع إذا كان الخيار للمشتري خاصة الذي قد عرفت أنه مدلول النص و الفتاوى. و أغرب من ذلك كله إن أراد تعميم هذا الحكم لسائر الخيارات في الثمن و المثمن، هذا كله على المختار من الملك بالعقد.

أما على القول الآخر فالصورة المخالفة عندنا للضوابط التي دلت عليها النصوص في الحيوان و الشرط، موافقة للضوابط، لعدم انتقال المبيع حينئذ إلى المشتري، فتلفه


1- 1 الوسائل الباب 5 و 8 من أبواب الخيار.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 3.

ج 23، ص: 89

حينئذ من البائع و إن كان الخيار للمشتري، بل هو كذلك و إن كان الخيار للبائع، و لم

يعلم منهم أنه على هذا التقدير من المشتري، كي يحتاج إلى دليل خاص من إجماع أو غيره، كما أنه لم يعلم منهم كون تلف الثمن من البائع إذا كان الخيار للمشتري خاصة ليحتاجوا فيه إلى الدليل الخاص، إذ لعله عندهم من المشتري كما هو مقتضي قاعدتهم.

و من العجيب ما وقع في الرياض هنا من الخبط و الخلط، الناشي من توهم عموم قاعدة المزبورة، مع انا لم نجدها في شي ء من كتب المتقدمين و لا الأساطين من المتأخرين، بل هم بين مصرح في خصوص خيار الحيوان و الشرط للمشتري أن تلف المبيع من البائع، كما هو مضمون النصوص، و بين من زاد على ذلك بأنه من المشتري إذا كان الخيار للبائع، كما هو مقتضى القواعد بناء علي الملك بالعقد فلاحظ و تأمل لتعرف حقيقة الحال:

و قد ظهر مما ذكرنا أنه لا يسقط الخيار مطلقا بعد القبض في التلف بالآفة في غير الصورة المنصوصة بل يفسخ و يرجع العين أو البدل كما أنه يرجع بذلك.

أما الإتلاف فإن كان ممن له الخيار لما هو ملكه، فهو مسقط لخياره خاصة دون خيار الآخر، و إن كان لغير ملكه المنتقل اليه، فهو فسخ للعقد و يسقط خيار الأخر حينئذ بالانفساخ، و إن كان ممن ليس له الخيار، فلا يسقط خيار من له الخيار مطلقا، بل له الفسخ و الرجوع بالمثل أو القيمة، و هل يتعين حقه في ذمة المتلف دون من كانت في يده العين، أوله الرجوع عليه، أو يتعين و هو يرجع على المتلف وجوه، أصحها الأول لأن فسخ العقد يقتضي عود ملك العين أو بدلها، فهي كما لو كانت العين في يد شخص آخر غير من انتقلت إليه، فإن الظاهر عدم تكليفه بتحصيلها منه مع الفسخ، مع احتماله فتأمل جيدا.

و لا فرق في ذلك بين سائر أقسام الخيار، لكن في القواعد في باب المرابحة «أن في سقوط خيار المشتري فيما لو أكذبه بالإخبار برأس المال مع التلف نظر» و

ج 23، ص: 90

في جامع المقاصد «و في بقاء خيار الغبن بعد التلف تردد، سواء كان التلف من البائع، أم من أجنبي، أم بآفة، الا أن يكون بالآفة قبل القبض، فإنه من ضمان البائع، و على إطلاق كثير منهم ينبغي أن يكون بعد القبض كذلك، لاختصاص الخيار بالمشتري، فينفسخ العقد في الموضعين، الا أن التردد فيما سبق له في المرابحة، ينافي الحكم بانفساخ العقد لانه من المشتري أيضا».

قلت: لا ريب في ضعف التردد المزبور المبني على احتمال تعلق حق الخيار بالعين خاصة و هو واضح الضعف، بل يمكن القطع بعدمه، بملاحظة كلام معظم الأصحاب، كما أنه لا ريب في عدم ارادة خيار الغبن و نحوه من إطلاق الأكثر كون التلف في يد المشتري إذا كان الخيار له من البائع، لما عرفت من أنه لا دليل عليه و انما خاص بالشرط و الحيوان، فتأمل جيدا؛ فإنه قد وقع خبط في المقام لجملة من الأعلام في عدة من الأمور، و التحقيق ما عرفت أنه لا انفساخ إلا في صورتين إحداهما التلف للمبيع قبل القبض- و الأخرى بعد إذا كان الخيار للمشتري في الحيوان و الشرط خاصة، و لا ينفسخ في غيرهما.

نعم يبقى الخيار لصاحبه على حسب ما سمعته، و قد يظهر من الدروس الخلاف في الصورة الثانية، و أن الحكم فيها بقاء الخيار كغيرها، قال: «لو تلف المبيع قبل قبض المشتري بطل البيع و الخيار، و بعده لا يبطل الخيار و إن كان التلف من البائع، كما إذا اختص المشتري بالخيار فلو فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه، و لو فسخ المشتري رجع بالثمن و غرم البدل في صورة ضمانه، و لو أوجبه المشتري في صورة التلف قبل القبض لم يؤثر في تضمين البائع المثل أو القيمة، و في انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر» و هو غريب.

و أغرب منه احتماله أخيرا عدم الرجوع بالمثل أو القيمة لو أوجب العقد و لم يفسخه، فيكون معنى كونه من مال البائع عنده فيما لو فسخ خاصة فإنه يرجع بالثمن حينئذ و يذهب المبيع من البائع، و لم أجد شيئا من ذلك لغيره، و إن كان قد يؤيده استصحاب بقاء العقد و نحوه. و التحقيق ما قلناه، و اللَّه اعلم.

ج 23، ص: 91

[فرعان ]
اشارة

فرعان

[الأول خيار الشرط يثبت من حين التفرق ]

الأول قال الشيخ في المحكي عن مبسوطة و خلافه و ابنا زهرة و إدريس على ما حكي عن الثاني منهما: أن خيار الشرط يثبت من حين التفرق لنحو ما سمعته في خيار الحيوان و قيل من حين العقد و هو أشبه و أشهر بل هو المشهور، لنحو ما سمعته هناك أيضا و تزيد هنا، أن البحث في المقام راجع الى قصد المشترط و ما يظهر من عبارته و لا ريب في انسياق الاتصال منها كما في غير المقام، مما نذكر فيه أحد المتعاقدين مدة، بل لا يبعد البطلان لو كان القصد من حين التفرق، للجهالة نحو ما لو صرح به، بل ربما حكي عن الشيخ الاعتراف به، كما أنه و الحلي اعترفا في المحكي عنهما بالصحة مع التصريح بالاتصال، بل في التذكرة صح عندنا، خلافا لبعض العامة، و به تسقط حججهم القاضية بالامتناع، إذ الممتنع لا ينقلب بالشرط الى الجواز.

بل قد يشكل تصور أصل نزاعهم في المسألة، لما عرفت من الصحة مع قصد الاتصال، و البطلان مع قصد التفرق، اللهم إلا أن يفرض خلوه عن القصد الخاص، و يكون الابتداء من حين التفرق شرعيا حينئذ، نحو ما قيل في خيار الحيوان، لا أنه من قصد المتعاقدين و إن كان المنع عليه مع هذا الفرض واضحا أيضا، لعدم الدليل الصالح لإثبات ذلك، بل ما ذكروه من الأدلة ظاهر في عدم بناء المسألة على الفرض المزبور، كما أنه ظاهر في اقتضاء التأخير بعد الثلاثة في خيار الحيوان، و هو بعيد من قصد المتعاقدين، بل صحيح ابن سنان (1)السابق شاهد على خلافه، بناء على ظهوره في دخول ما شرطه من اليوم و اليومين في الثلاثة و أظهر

منه خبر عبد الرحمن (2)بل منهما يعلم بناء على ذلك فساد ما وقع من بعض الاعلام من أنه يشكل الحكم بالاتصال مع العلم بالخيار و تساوى المدتين أو قصور مدة الشرط، بل لعل الظاهر التأخر عملا بشاهد الحال، أما لو زاد الشرط احتمل


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب الخيار الحديث 3.

ج 23، ص: 92

التأخر مطلقا و الاتصال كذلك، و التفصيل بمقتضى العرف فيتأخر في مثل الأربعة و الخمسة، و يتصل في نحو الشهر و السنة و لا بأس به، و فيه منع اقتضاء العرف ذلك ثم قال: و لو أطلق الخيار فالقول في الثلاثة كالمدة المشترطة و الصحيح الشاهد بصحته، يشهد باتصاله، قلت: كأنه أراد الصحيح المتقدم سابقا(1)في البحث عما لو اشترط الخيار و أطلق، و منه يعلم حينئذ زيادة تأييد لما قلناه من ظهور الاتصال و لو كانت المدة المشترطة مساوية للمدة المضروبة من الشارع فتأمل جيدا و اللَّه أعلم.

[الثاني إذا اشترى شيئين و شرط الخيار في أحدهما على التعيين صح ]

الثاني لا اشكال و لا خلاف في أنه إذا اشترى شيئين و شرط الخيار له أو لغيره في أحدهما على التعيين صح فله الفسخ فيه حينئذ و ليس للبائع ذلك بالتبعض الذي قد أقدم عليه و

أنه إن أبهم بطل للغرر، كالإبهام فيمن له الخيار كما هو واضح و اللَّه اعلم.

[و يلحق بذلك خيار الرؤية]

و يلحق بذلك خيار الرؤية إذ هو قسم من أقسام الخيار و لكن هو لا يثبت إلا في بيع الأعيان الشخصية من غير مشاهدة رافعة للغرر و الجهالة، فإنه لا ريب في صحة البيع كذلك، نصا و فتوى بل الإجماع بقسميه عليه، و ما في

مرسل عبد الأعلى (2)عن أبي جعفر عليه السلام «أنه كره شراء ما لم يره»

لا بد من حمله- بعد إرادة الحرمة من الكراهة فيه- على عدم الوصف مع ذلك أو على ما لا يمكن رفع جهالته به، كبعض الليالي أو غير ذلك؛ ضرورة أن ما نحن فيه أولى بالصحة من السلم و (11) إن كان يفتقر ذلك (12) حينئذ إلى ذكر الجنس و نريد به هنا (13) النوع المصطلح كما في المسالك أى اللفظ الدال على القدر الذي تشترك فيه افراد الحقيقة (14) النوعية كالحنطة مثلا أو الأرز أو الإبريسم (15) لا الجنس المصطلح و الى ذكر الوصف، و هو اللفظ الفارق بين أفراد ذلك الجنس كالصرافة في الحنطة (16) أي خلوها من الخليط


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 1- 3.
2- 2 الوسائل الباب 18 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 93

و الحدارة، أو الدقة مقابلة للحدارة و يجب أن يذكر كل وصف تثبت الجهالة في ذلك المبيع عند ارتفاعه و هو مختلف و لا يلزم الاستقصاء،

بل قيل إنه ربما يكون مخلا في بعض الأحوال، و الا بطل إجماعا بقسميه، للنواهى عن بيع الغرر(1)و الجهالة المقتضية للفساد كما هو معلوم في محله.

نعم لا يبعد جوازه بعد الإناطة بالوصف، و إن لم يوثق بوجوده، لارتفاعه به على كل حال، و جبر الخلاف بالخيار، و ضبط ذلك بعضهم بما صح فيه السلم، بل قيل ربما ادعى الإجماع على اشتراط جميع شروط السلم، و فيه أن الجهل في الموجود قد يرتفع عرفا بما لا يرتفع في المعدوم؛ و ربما افضى فيه الى عزة الوجود، فيبطل لذلك، بخلاف ما نحن فيه المرتفع عنه هذا المحذور بوجوده، فالأولى الإناطة بما عرفت من أنه لا بد من ذكر كل وصف تتفاوت الرغبة بثبوته، و انتفائه؛ و تتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهر الا يتسامح بمثله، و لو زاد على ذلك أمكن ثبوت الخيار بفقده أيضا و إن كان لا يتوقف صحة البيع عليه.

و على كل حال ف يبطل العقد مع الإخلال بذينك أو أحدهما أي الجنس و الوصف ما لم تكن رؤية قديمة يستغنى بها عن الذكر، و إن كان حكم الخيار ثابتا أيضا مع البيع على تلك الرؤية، فاتفق أنه قد تغير بزيادة أو نقصان أو بهما من جهتين و لا ريب في أنه يصح مع ذكرهما، سواء كان البائع رآه دون المشتري، أو بالعكس، أو لم يرياه جميعا، بأن وصفه لهما ثالث لكن قد يتوقف في البطلان مع رؤية المشتري له، و جهل البائع به، للأصل بعد تنزيل أدلة الغرر على ما لا تشمل ذلك، فان لم يقم إجماع عليه، فللنظر فيه مجال، و إن كان الأصح البطلان، لعموم ما دل على اعتبار

المعلومية في البائع و المشتري (2)و على كل حال فلا إشكال في أنه يثبت له الخيار أيضا مع ذكر الوصف، و إناطة البيع به.


1- 1 الوسائل الباب 40 من أبواب التجارة الحديث 3 الدعائم ج 2 ص 19.
2- 2 الوسائل الباب 12 من أبواب البيع و شروطه.

ج 23، ص: 94

و كيف كان فان كان المبيع على ما ذكر، فالبيع لازم كتابا و سنة و إجماعا بقسميه و الا كان المشتري خاصة بالخيار بين فسخ البيع و بين التزامه إذا كان ناقصا عن الوصف، إن اختص البائع بالرؤية دونه و بالعكس؛ ان كان المشتري رآه دون البائع كان الخيار للبائع دونه مع الزيادة في الوصف إذا فرض ملاحظة عدمها و الا فلا خيار للأصل و إن لم يكونا رأياه كان الخيار لكل واحد منهما إذا كان ناقصا من جهة زائدا من اخرى؛ كما لو وصف بهما الثوب بأن طوله عشرون ذراعا و عرضه ذراع فظهر خمسة عشر طولا، في عرض ذراع و نصف مثلا، أو العبد بأنه كاتب خاصة فظهر خياطا خاصة، بلا خلاف في المشتري، كما في الرياض و محكي مجمع البرهان، بل في الحدائق أنه موضع وفاق فيهما، و في شرح شيخنا المعتبر، الإجماع بقسميه عليهما لكن قد يناقش في ذلك أولا بأنه قد يظهر من إطلاق جماعة كالمصنف و غيره، تخير المشتري حتى مع الزيادة، بل قيل أنه كصريح إيضاح النافع، و ان كان هو في غاية الضعف لعدم ما يصلح حينئذ لقطع ما دل علي اللزوم من الكتاب و السنة، إلا ما عساه

يتوهم من إطلاق الخبر الآتي (1)الذي يقطع بعدم ارادة مثل ذلك منه، و كذا الكلام في العكس، و نحو ذلك الوصف بغير المقصود الذي لم يرد منه القيدية، فظهر الخلاف، كالبسط في الشعر، فبانت الجعودة أو الجهل فبانت المعرفة فيتخير البائع دون المشتري، مع فرض إرادة القيدية من ذلك، لا ما يتعارف من ارادة البراءة من الالتزام بها.

و ثانيا بما في المقنعة و النهاية من البطلان مع ظهور خلاف الوصف، لا الخيار كالمحكي عن المراسم في خصوص الأعدال المحزومة و عن الأردبيلي التأمل فيه، و ان كان هو ضعيفا كالأول أيضا ضرورة ابتنائه على عدم الفرق بين وصف المعين و الوصف المعين و بين الذاتي و العرضي.

و أضعف منه ما عن ابن إدريس من تخيير المشتري بين الرد و الأخذ بالأرش، لعدم


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4.

ج 23، ص: 95

الدليل عليه فيما لم يعد فقده عيبا، فتعين كون التحقيق الخيار لحديث نفى الضرار(1)و

للصحيح «عن رجل اشترى ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها، فلما أن نقد المال و صار الى الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه، فلم يقله فقال عليه السلام: لو أنه قلب منها أو نظر الى تسعة و تسعين قطعة، ثم بقي قطعة و لم يرها، لكان له في ذلك خيار الرؤية.

و منه يعلم الوجه فيما ذكره غير و احد من الأصحاب من انه لو اشترى ضيعة رأى بعضها و وصف له سائرها أي ما فيها ثبت له الخيار فيها أجمع إذا لم يكن على الوصف إذا الظاهر ارادة المجموع من اسم الإشارة في الصحيح لا خصوص من لم يرها الذي يحصل التضرر فيه، بتبعض الصفقة على البائع، مع احتماله و انجباره بثبوت الخيار له بذلك، لكن عن بعضهم الإجماع علي الأول و لا بأس به، بل لا ينافيه لو جعل اسم الإشارة لخصوص غير المرئي إذ أقصاه ثبوت الخيار فيه الذي هو أعم من الاقتصار على فسخه خاصة. فتأمل و في فورية هذا الخيار و تراخيه وجهان، بل قولان أشهرهما الأول، بل ربما أسند إلى ظاهر الأصحاب، للأصل، و لزوم الضرر لولاه، و الاستصحاب لا يحكم علي العموم الزماني، المستفاد من لزوم العقد، إلا أنك قد عرفت المناقشة في جميع ذلك، مما مر من نظير المسألة، على أن إطلاق النص في المقام كاف. اللهم الا أن ينكر ظهوره في إرادة الإطلاق المفيد في المقام، و الضرر مندفع بأنه يلزم بالاختيار حينئذ معه، على الفورية لو أخر لعذر، من حصول مانع أو نسيان للعقد أو للصفقة السابقة، أو عدم ظهور اللاحقة، أو زعم صدور الفسخ منه، أو جهل بحكم الخيار؛ ففي شرح الأستاد بقي خياره قال:

«و جهل حكم الفورية ليس بعذر» و فيه- بعد الإغضاء عن وجه الفرق بين حكم الخيار و الفورية- أنه قد يشكل عدم السقوط في بعض ما ذكره أو جميعه بناء على التوقيت في الفورية كما هو الظاهر من القائل بها هنا، و إن قال: بغيره في نحو الأوامر، لوضوح الفرق بين المقامين فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل الباب 15 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 96

و لا ريب في صحة إسقاط هذا الخيار بعد تحققه كما في غيره من الحقوق، بل و بعد العقد قبل التحقق، خلافا للمحكي عن التذكرة و غيرها للاكتفاء في صحة الإسقاط بوجود السبب، فإنه حق أيضا يسقط بالإسقاط، و قد يقال: بأنه إن صادف المخالفة في الواقع أثر، لعدم اعتبار العلم بذلك قطعا، و الا كان العقد لازما بدونه. و دعوى- أن الحق لا يثبت الا بظهور المخالفة لا بوجودها في نفس الأمر- يمكن منعها، كما سمعت نحوه في خيار الغبن، و حينئذ فلا ريب في صحة اشتراط سقوطه بالعقد كخيار المجلس، و نحوه، بل لا يبعد ذلك و إن قلنا بعدم ثبوته الا بعد ظهور المخالفة، خلافا لجماعة منهم الكركي فإنه- بعد ان استظهر الصحة في غيره حتى الغبن و التأخير- قال: «فان شرط رفعه بطل الشرط و العقد، للزوم الغرر، لأن الوصف قام مقام الرؤية، فإذا شرط عدم الاعتداد به، كان غير مرئي و لا موصوف» و اليه يرجع ما في الدروس من التعليل بالغرر، لكن قال: «و كذا خيار الغبن ثم احتمل الفرق بينهما» قلت: يمكن منع عدم صدق التوصيف معه؛ و ليس لثبوت الخيار مدخل في رفع الغرر، و إنما الذي رفعه نفس الوصف، ضرورة عدم كون المدار على مطابقة الواقع، إذ قد تخطى المشاهدة بل المدار على صدق الاقدام على معلوم غير مجهول.

نعم قد يقال: بعدم صحة اشتراط الاسقاط فيما لو اشترى مثلا مع عدم الاطمئنان بالوصف، فإن ثبوت الخيار فيه له دخل في رفع الغرر الذي هو الخطر، مع ان الأقوى الصحة فيه أيضا، لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول، و لو أن الغرر ثابت في البيع نفسه لم يجد في الصحة ثبوت الخيار، و إلا لصح ما فيه الغرر من البيع مع اشتراط الخيار، و هو معلوم العدم، و إقدامه على الرضا بالبيع المشترط فيه السقوط مع عدم الاطمئنان بالوصف إدخال للغرر عليه من قبله، و لا يسقط الخيار بالإبدال قطعا و لا ببذل التفاوت و لو شرط الأول في العقد إن ظهر الخلاف فسد كما في الدروس للجهالة و الغرر، و الظاهر أن شرط الثاني كذلك، و سقوطه بالتصرف قبل العلم به نحو ما سمعته في الغبن و بعده يسقط إن دل على الرضا، و الا فلا، حتى في الناقل و المتلف منه، الأعلى

ج 23، ص: 97

احتمال ذكرناه في خيار الغبن.

و لو اشتري ما على صفة نساج على أن ينسج الباقي مثله بطل في الأشهر، و يمكن الصحة وفاقا للمختلف، للأصل و عدم ثبوت بطلان البيع المتحد المتعلق بشخصي و كلي في الذمة، بعد فرض ضبطه بالوصف، و دعوى عدم الضبط بذلك ممنوعة، على أن الفرض حصول الضبط، و ثبوت خيار الرؤية في غير المنسوج دون ما شاهده بعد التسليم غير مانع؛ على أن الظاهر منع الخيار من هذه الجهة و إن قلنا بثبوته بناء على الصحة من حيث فوات الشرط، و الظاهر أن ذا ليس من الكلي الذي يجب فيه الابدال.

نعم يمكن القول ببطلان البيع فيه، و ثبوت الشركة في القيمة بالنسبة، كما أنه يمكن القول بالخيار للتبعض، أو لأن ذلك من الشرط أو الوصف في المرئي أيضا.

و كيف كان فلا يقصر ذلك عن بيع ما في البيت الذي قد رأى أنموذجا منه مع إدخال الأنموذج معه في البيع، بل قد يقال بالصحة فيه و إن لم يدخله معه، لأنه لا يقصر عن الوصف في رفع الجهالة، خلافا لأول الشهيدين و ثاني المحققين، و استشكل فيه الفاضل في القواعد، و الظاهر ثبوت خيار الرؤية في غير البيع مما يعتبر فيه المشاهدة أو الوصف كالإجارة و نحوها، لأن العمدة فيه حديث الضرار، بل يمكن القول بثبوته فيما لا يعتبر فيه ذلك كالصلح تنزيلا للخيار في خلاف الوصف في المعين منزلة الإبدال في الوصف المعين فتأمل جيدا و الله اعلم

[الفصل الرابع في أحكام العقود]

اشارة

الفصل الرابع في أحكام العقود و النظر في أمور ستة

[النظر الأول في النقد و النسيئة]

الأول في النقد اي الحال باعتبار كونه منقودا و لو بالقوة و يقابله النسيئة التي هي اسم مصدر بمعنى التأخير، يقال: أنسأت الشي ء إنساء،

ج 23، ص: 98

و ينقسم البيع باعتبار وجودهما في كل من الثمن و المثمن، و التفريق، إلى أربعة أقسام، فالأول النقد؛ و الثاني الكالي بالكالي، اسم فاعل أو مفعول من المراقبة، لمراقبة كل من الغريمين صاحبه لأجل دينه، و مع حلول المثمن و تأجيل الثمن، النسيئة، و بالعكس، السلف، و كلها صحيحة، عدا الثاني، فقد ورد النهي عنه بلفظ

«بيع الدين بالدين»(1)

و انعقد الإجماع بقسميه على فساده كما ستعرفه أنشأ الله تعالي في محله.

و كيف كان ف من ابتاع شيئا مطلقا من دون تقييد بالتأجيل للثمن و خلافه أو اشترط عليه التعجيل منه كان الثمن حالا و كذا المثمن، أما الإطلاق فللانصراف عرفا و قال الصادق عليه السلام في

الموثق (2)«في رجل اشترى جارية بثمن مسمى ثم افترقا: وجب البيع و الثمن إذا لم يكونا شرطا فهو نقد»

و منه يعلم حينئذ ما ذكره بعضهم و غيره من أن اشتراط التعجيل مؤكد، بل في الروضة أنه المشهور، و في الدروس «و أفاد التسلط على الفسخ إذا عين زمان النقد فأخل المشتري به مثلا» و احتمل في المسالك قويا ذلك مع الإطلاق أيضا، و في الروضة «لو قيل بثبوت الخيار مع الإطلاق أيضا لو أخل به عن أول وقته كان حسنا».

قلت: قد يمنع أولا التأكيد بناء على أن الإطلاق يفيد استحقاق المطالبة في كل وقت،

كما هو مقتضى الحلول في كل دين، أما وجوب الدفع فعلى المطالبة فعلا؛ و حينئذ فاشتراط التعجيل يفيد وجوب الدفع بدونها، فهو أمر غير ما يقتضيه العقد، اللهم الا ان يمنع ذلك و يقال: باقتضاء العقد التقابض من دون مطالبة كما تعرفه إنشاء الله في النظر الثالث. و ثانيا قد يناقش في صحة الشرط باعتبار تعدد افراد التعجيل و اختلافها، فلا يصح مع الشرط عدم التعيين للجهالة، و على تقدير الصحة، فدعوى التسلط على الخيار بالإخلال به في أول وقته يمكن منعها، لعدم صدق الإخلال بالشرط حتى تنتفي سائر الأفراد، نحو التكليف بالمطلق.


1- 1 الوسائل الباب 15 من أبواب الدين الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام العقود الحديث 2.

ج 23، ص: 99

و ثالثا لا بد من تقييد الخيار بعدم إمكان الإجبار كما في المسالك «و إلا أجبر على الوفاء به» و قد يحتمل الإطلاق كما ستسمع البحث في ذلك و في أصل ثبوت الخيار في الشرط في محله نعم لو قال: إن لم تعجله في كذا فلي الخيار صح، كما في القواعد لما عرفته من اشتراطه برد الثمن، بل في التحرير في أحكام الخيار «إذا قال بعتك على أن تنقدني الثمن بعد شهر و الا فلا بيع بيننا صح البيع» و في القواعد «و في صحة البيع نظر فان قلنا به بطل الشرط على اشكال».

و في جامع المقاصد كما عن الإيضاح «الأصح بطلان الشرط و العقد، للتعليق على المجهول، و امتناع اقتضاء صحة الشي ء بطلانه، فهو شرط مناف لمقتضى صحة العقد لأنه يقتضي ارتفاعه بعد وقوعه، و فرق واضح بينه و بين الخيار، لا مكان انفكاك اللزوم عن الصحة و يمتنع انفكاك الصحة عن نفسها، و يمكن الصحة للعموم، و لأنه يجري مجرى الخيار، لان دفع المشتري الثمن و عدمه من أفعال المشتري الاختيارية، فهو تخيير له في فعل الممضى و الفاسخ» لكنه كما ترى و حينئذ لا ينبغي الإشكال في بطلان الشرط ضرورة عدم صحته مع فساد العقد، كما أنه لا إشكال في فساد العقد مع بطلان الشرط، بناء على أن بطلانه يقتضي بطلان العقد و الله اعلم.

و أما ان اشترط التأجيل للثمن جميعه أو بعضه و لو نجوما متعددة صح إجماعا بقسميه و نصوصا عموما و خصوصا(1)في البعض و هو المسمى بالنسيئة، من غير فرق بين طول المدة و قصرها، خلافا للإسكافي فمنع فيما حكى عنه أكثر من ثلاث سنين في السلف و غيره، و هو مع مخالفته للأدلة لا شاهد له، نعم

قال أحمد بن محمد لأبي الحسن عليه السلام (2)«إنى أريد الخروج إلى بعض الجبال إلى أن قال: إنا إذا بعناهم نسيئة كان أكثر للربح فقال: بعهم بتأخير سنة، فقلت: بتأخير سنتين؟ قال: نعم قلت؛ ثلاث؟

قال: لا»

و هو غير ما سمعته منه، اللهم إلا أن يريد ثلاث فصاعدا كما عساه يومي إليه

المروي عن قرب الاسناد عن أحمد أيضا(3)قال لأبي الحسن الرضا عليه السلام «إن هذا الجبل قد فتح


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام العقود.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام العقود الحديث 3.

ج 23، ص: 100

على الناس منه باب رزق فقال: إذا أردت الخروج فاخرج، فإنها سنة مضطربة، و ليس للناس بد من معاشهم، فلا تدع الطلب، قلت: إنهم قوم ملاء، و نحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة قال: بعهم قلت: سنتين، قال: بعهم قلت: ثلاث؟ قال: لا يكون لك شي ء أكثر من ثلاث سنين»

بناء على إرادة المنع من بيعه ثلاثا بذلك، إلا أنهما كما ترى مع قصورهما عن المعارضة من وجوه، يمكن حملهما- بل لعله الظاهر- على إرادة الإرشاد بذلك، و بذل النصيحة، لا النهي المترتب عليه الإثم أو الفساد كما هو واضح.

فلا ريب في الجواز حينئذ، بل لا يبعد جواز ذكر المدة التي يعلم المتعاقدان، عدم إدراكها عادة، كالتأخير إلى ألف سنة مثلا، و إن نظر فيه في الدروس أولا، ثم استقرب الجواز بعده، لوجود المقتضى، و ارتفاع المانع، و الحلول بموت من عليه الدين غير مانع، إذ هو بعد أن كان حكما شرعيا لا يورث جهالة، بخلاف ما لو جعل الأجل إلى أن يموت و عدم انتفاع صاحب الدين به مدفوع بقيام الوارث مقامه، بل الظاهر عدم تسلط الوارث

للمشترى بذلك على الخيار، و إن احتمله في المسالك تبعا للتذكرة، لأصالة اللزوم مع عدم التقصير من البائع في فوات الأجل الذي له قسط من الثمن، فهو كفوات المدة المحتملة بالموت، و إن كان قد يقال: بجريان الاحتمال فيه، إلا أنه ضعيف جدا.

نعم قد يقال في محل البحث: إنه إن لم يتسلط بذلك على الخيار، أو ينقص من الثمن بنسبة ما فات من الأجل، كان اشتراطه ممن عليه الدين لا فائدة به، بل هو كالسفه، إذ الفرض حلوله بالموت فتأمل جيدا.

و كيف كان ف لا بد أن يكون مدة الأجل المضروبة للثمن. أو المثمن، أو لهما معينة لا يتطرق إليها احتمال الزيادة و النقيصة بلا خلاف أجده بل يمكن تحصيل الإجماع عليه و أن المسامحات العرفية في بعض الافراد لا عبرة بها، ف لو اشترط التأجيل حينئذ و لم يعين أجلا أو عين أجلا مجهولا كقدوم الحاج و نحوه مما هو محتمل للزيادة و النقيصة كان البيع باطلا قطعا، بل ربما أدى ذلك إلى الجهالة في

ج 23، ص: 101

الثمن، لأن الأجل له قسط منه، بل يظهر- من الدروس و غيرها- اعتبار معرفة المتعاقدين تعيين المدة، فلو أجل بالنيروز- و المهر جان الذي هو عيد الفرس، و الفضيح عيد النصارى، و الفطير عيد اليهود؛ بناء على أنه يوم معين مضبوط عندهم و لم يعلمه المتعاقدان أو أحدهما لم يصح أيضا، للجهالة أيضا، و قد يناقش فيه باحتمال الاكتفاء فيه بانضباطه في نفسه كأوزان البلدان مع عدم معرفة المصداق، فله شراء وزنة مثلا بعيار بلد مخصوص، و إن لم يعرف مقدارها، الا أن للنظر فيه مجالا، و ربما ظهر من التذكرة الاكتفاء به.

و لو أجل بالمشترك بين أمرين- أو أمور كالنفر من مني، أو ربيع أو جمادى- بطل كما نص عليه غير واحد، للجهالة، لكن في اللمعة «قيل: يصح» و يحمل على الأول، و لم نظفر بقائله، و علله في الروضة- بعد أن ساوى في الحكم بينه، و بين التأجيل بيوم من الأسبوع- بأنه علقه على اسم معين، و هو يتحقق بالأول، قال: «لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد، ليتوجه قصدهما إلى أجل مضبوط، فلا يكفى ثبوت ذلك شرعا مع جهلهما أو أحدهما به، و مع القصد لا إشكال في الصحة، و إن لم يكن الإطلاق محمولا عليه، و يحتمل الاكتفاء في الصحة بما يقتضيه الشرع في ذلك، قصداه أم لا، نظر إلى كون الأجل الذي عيناه مضبوطا في نفسه شرعا، و إطلاق اللفظ منزل على الحقيقة الشرعية» و فيه أولا انه من الواضح عدم حمل اللفظ من غير الشارع و اتباعه في الاستعمال على الحقيقة الشرعية، و تخصيص محل البحث بما إذا قصد المتعاملان ما يراد من الإطلاق عند الشارع- بعد فرض علمهما انه منصرف عنده الى زمان معين و عدمه- موقوف على الاكتفاء بمثل ذلك، و الظاهر عدمه، لوضوح الجهالة فيه.

و ثانيا انه لا حقيقة شرعية في المقام، ضرورة أن الشارع هنا لو حكم بالانصراف إلى أولهما، فليس الا لاقتضاء العرف فيه ذلك، و حينئذ فمع الانصراف عرفا متجه، كما اعترف به في التذكرة نعم قال فيها: «لو قال إلى الجمعة حمل على الأقرب

ج 23، ص: 102

في الجمع و كذا في غيره من الأيام، قضية للعرف المتداول بين الناس، بخلاف جمادى و ربيع» و لعله كذلك اما المكسر من أيام الأسبوع فقد يمنع فهم العرف منه الأول، بخلاف المتواطى من أسماء الشهور كرجب و شعبان، فإنه لا ريب في فهم شهر سنة العقد منه، فجعل المعيار العرف هو المتجه و الله اعلم و لو باع بثمن حال، و بأزيد منه الى أجل بأن قال: بعتك هذا بدرهم نقدا و بدرهمين الى شهرين قيل و القائل الشيخ في المبسوط و الحلي في السرائر يبطل و تبعهما الفخر و أبو العباس، و المقداد و الآبي، و الفاضل، و الشهيدان في اللمعة و الروضة و جماعة من متأخري المتأخرين، للغرر و الإبهام الناشي من الترديد، القاضي بعدم وقوع الملك حال العقد على أحدهما بالخصوص، و هو مناف لمقتضى سببية العقد و إنشائيته و للنهى

«عن البيعين في بيع واحد»(1)

المفسر بذلك أو بما يشمله.

و ذيل خبر محمد بن قيس الآتي (2)و لكن المروي

عن علي عليه السلام، بطريق حسن، بإبراهيم بن هاشم، عن محمد بن قيس الثقة، بقرينة عاصم بن حميد، عن ابى جعفر عليه السلام-

انه يكون للبائع أقل الثمنين في أبعد الأجلين

قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: من باع سلعته فقال: إن ثمنها كذا و كذا، يدا بيد و ثمنها كذا و كذا نظرة، فخذها بأي ثمن شئت، و جعل صفقتها واحدة، فليس له الا أقلهما و إن كانت نظرة» و زاد في الكافي «قال: و قال عليه السلام: من ساوم بثمنين أحدهما عاجل و الآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة»

و المناقشة بأن غايتها الدلالة على وقوع الإيجاب بها خاصة- و بأن الذي فهما الجماعة كما ستعرف، ترتب الحكم المذكور فيها على فساد المعاملة، و بمنافاة الزيادة المزبورة لها، بناء على أن الظاهر منها عدم جواز الترديد، بل لا بد من تعيين أحدهما قبل العقد و إيقاعه عليه، لا تعيين مقدار الثمنين، اى الثمن و الأجل- مدفوعة بظهورها في إرادة


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العقود الحديث 4- 5.
2- 2 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العقود الحديث 1 و 2.

ج 23، ص: 103

تمام البيع، لا إيجابه خاصة، و منع ترتب الحكم فيها على الفساد كما ستعرف، و عدم انحصار الجمع بين الصدر و الزيادة بذلك، على أنه لم يعلم كونها رواية واحدة.

و في

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام «أن عليا عليه السلام قضى في رجل باع بيعا و اشترط شرطين بالنقد كذا و بالنسيئة كذا فأخذ المتاع على ذلك الشرط فقال:

هو بأقل الثمنين و أبعد الأجلين»

يقول: ليس له الا أقل النقدين إلى الأجل الذي أجله بنسيئة و ظاهر جماعة من الأصحاب العمل بهما في الجملة، ففي المقنعة «لا يجوز البيع بأجلين على التخيير، كقولهم المتاع بدرهم نقدا، و بدرهمين الى شهر أو سنة أو بدرهم الى شهر و باثنين الى شهرين، فان ابتاع إنسان شيئا على هذا الشرط كان عليه أقل الثمنين في آخر الأجلين» و في المحكي عن ناصريات المرتضى المكروه ان يبيع الشي ء بثمنين، بقليل إن كان الثمن نقدا و بأكثر منه نسيئة و عن الإسكافي روى

عن النبي صلى الله عليه و آله (2)أنه قال: «لا تحل صفقتان في واحدة»

و ذلك أن تقول: إن كان بالنقد فبكذا و إن كان بالنسيئة فبكذا و كذا، و لو عقد البائع للمشتري كذلك و جعل الخيار اليه، لم اختر للمشترى أن يقوم على ذلك، فان فعل و استهلكت السلعة لم يكن للبائع إلا أقل الثمنين، لإجازته البيع به، و كان للمشترى الخيار في تأخير الثمن الأقل إلى المدة التي ذكرها البائع بالثمن الأوفر من غير زيادة على الثمن الأقل.

و في النهاية «فإن ذكر المتاع بأجلين، و نقدين مختلفين، بأن يقول ثمن هذا المتاع كذا عاجلا؛ و كذا أجلا، ثم امضى البيع كان له أقل الثمنين و أبعد الأجلين» و عن القاضي من باع شيئا بأجلين على التخيير مثل أن يقول بعتك هذا بدينار أو بدرهم عاجلا؛ أو بدينارين أو درهمين الى شهر، أو شهور، أو سنة، أو سنتين، كان البيع باطلا، فإن أمضى البيعان ذلك بينهما كان للبائع أقل الثمنين في آخر الأجلين.

و في موضع من الغنية «و للجهالة بالثمن و الأجل أيضا نهي عن بيعتين في بيعة


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العقود الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العقود الحديث 1- 4.

ج 23، ص: 104

نحو أن يقول بعتك كذا بدينار الى شهر، و بدينارين إلى ثلاثة أشهر؛ فيقول المشتري قد قبلت به» و في آخر «و قد قدمنا أن تعلق البيع بأجلين و ثمنين كقوله بعت إلى مدة كذا بكذا، و إلى ما زاد عليها بكذا يفسده، فإن تراضيا بإنفاذه كان للبائع أقل الثمنين في أبعد الأجلين، بدليل إجماع الطائفة» و عن صاحب البشري أنه قال: «لو عملنا برواية السكوني كان قريبا» و عن الراوندي «أن على المشتري الثمن الأقل في الأجل الأول، لأنه رضي بالأقل في الزمن الأقل؛ فإن لم يؤد المشتري فليس له في ذمته إلا الأقل سواء أداه عاجلا، أو آجلا» و كأنه يرجع الى ما تسمعه من المختلف، أو ما في الدروس فإنه بعد ان ذكر الخلاف في الصورتين قال: «و الأقرب الصحة و لزوم الأقل، و يكون التأخير جائزا من جهة المشتري، لازما من طرف البائع لرضائه بالأقل، فالزيادة ربا، و لأجلها ورد النهي و هو غير مانع من صحة البيع».

و كأنه أخذه مما احتمله الفاضل في المختلف جوابا عما يقال: من أن وجوب الأقل إلى الأبعد ليس تجارة عن تراض، قال: «و يمكن ان يقال: أنه رضى بالأقل فليس له الأكثر في البعيد، و إلا لزم الربا، إذ تبقى الزيادة في مقابلة تأخير الثمن لا غير، فان صبر الى البعيد لم يجب له أكثر من الأقل» لكنه لا إلزام فيه للبائع بالأجل البعيد، كما سمعته من الدروس الذي هو واضح الضعف، إذ الأجل قد وقع في مقابلة الزيادة الفاسدة فلا يلتزم به البائع، فلا ريب في أن ما ذكره في المختلف أولى منه، بل يمكن تنزيل الخبرين المزبورين حتى الثاني منهما عليه بمعنى كان على المشتري في آخر الأجلين أقل الثمنين، لا أن له إلزام البائع بذلك، ضرورة كون الثمن فيه الأقل بلا أجل على هذا التقدير، و أن الزيادة في مقابلة التأخير إلى المدة قد وقعت على نحو الشرطية، فتختص حينئذ هي مع الأجل بالنهي و الفساد، كما ذهب إليه أبو حنيفة في أصل بيع الربا، و إن كان هو واضح الضعف، مع عدم تشخيص الثمن أما معه، فان لم يذكر شرطا في العقد، فلا ريب في الصحة

ج 23، ص: 105

و إن ذكر فيه كما هو في محل البحث أمكن القول هنا باختصاص الفساد بالشرط دون العقد، لهذه النصوص و إن قلنا بفسادهما معا في غيره، و تقل مخالفتهما حينئذ للقواعد، و ربما احتمل تنزيلهما على ما لا ريب في صحته من ذكر الزيادة بعد العقد، إلا أنه بعيد عن ظاهر الخبرين.

فما ذكرناه أولى حينئذ، بل يمكن حمل عبارة المقنعة و ما ضاهاها عليه، بل و عبارة النهاية، و به يجمع بين هذين الخبرين، و بين ما دل على النهي عن البيعين في بيع، ك

موثق عمار(1)عن الصادق عليه السلام في حديث «أن رسول الله صلى الله عليه و آله بعث رجلا إلى أهل مكة، و أمره أن ينهاهم عن شرطين في بيع»

و قال هو أيضا في

خبر سليمان بن صالح (2)«نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن سلف و بيع، و عن بيعين في بيع، و عن بيع ما ليس عندك»

الحديث. و في

خبر الحسين بن زيد(3)عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في مناهي النبي صلى الله عليه و آله قال: «و نهى عن بيعين في بيع»

بناء على أن المراد منه ذلك؛ أو ما يشمله، بحمل النهي علي حرمة الشرط و قبوله، لا على ما يقتضي فساد العقد بل قد يؤيد ذلك أنه مقتضى الجمع بين ذيل خبر محمد بن قيس (4)الذي زاده في الكافي، و صدره و أما طرح

الخبرين- مع اعتبار سند الأول منهما لانه حسن كالصحيح، بل هو صحيح بناء على المختار من الظنون الاجتهادية، و العمل بهما معا ممن عرفت،- فغير لائق بصناعة الفقه، خصوصا مع قلة مخالفتهما للقواعد على ما سمعت، بل لعلهما لا يخالفان شيئا، علي القول بعدم فساد العقد بفساد الشرط فتأمل. و يحتمل الجمع بالخرمة مع الصحة كما أومى إليه الحر، في وسائله، و ربما تقبله عبارة المقنعة، و ما شابهها، و إن كان فيه ما فيه؛ إلا أنه أولى مما في الرياض قطعا، فإنه بعد أن جزم بالفساد- و اقتصر على خبر السكوني و أورد عليه بوجوه، منها ضعف السند، و عدم المكافاة،


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العقود الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العقود الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.

ج 23، ص: 106

و شذوذ القائل به و هو الطوسي في نهايته، مع رجوعه عنها في مبسوطة- قال: «ثم على المختار هل لهذا البيع حكم البيع الفاسد، فيرجع مع تلف المبيع الى المثل أو القيمة، أم لا؟ بل يرجع البائع معه الى ما في هذه الرواية، من أقل الثمنين. إلى أبعد الأجلين، قولان، أشهرهما بين المتأخرين، الأول عملا بالأصل في البيع الفاسد، و بين المتقدمين، المتقدم ذكر جمع منهم كالمفيد و المرتضى و الإسكافي و القاضي و ابن زهرة في الغنية، مدعيا عليه الإجماع، الثاني، و لعله لصحيح محمد بن قيس، و لا بأس به لاعتضاد صحة سنده بمصير كثير من القدماء الى العمل به».

إذ هو كما ترى من غرائب الكلام، بل لم نعرف أحدا ممن تقدم عليه عنون هذا الخلاف، كما أنه ليس في شي ء من الخبرين الإشارة إلى تخصيص الحكم بتلف السلعة مع أن مخالفتهما للقواعد أشد حينئذ مما فر منه، و من العجيب نقله عن الجماعة ما عرفت، مع أنه ليس في كلام احد منهم، عدا الإسكافي الإيماء إلى تخصيص الحكم بالتلف، بل لعل ظاهر قول الإسكافي، لم اختر الصحة على التقديرين، و أنه يكره للمشتري القيام على هذا البيع نحو ما سمعته عن المرتضى، بناء على ارادة المعنى المصطلح من الكراهة في كلامه.

و كيف كان فمن ذلك كله ظهر لك ضعف ما استدل به للبطلان، بناء على تنزيل القول بالصحة على ما عرفت، إذ لا غرر فيه و لا جهالة بعد تعيين ثمنه، و أن الزيادة وقعت في مقابلة التأخير، على جهة الشرطية، فتفسد، بل عن الأردبيلي إنكار اندراج مثل ذلك في الغرر و الجهالة، المنفيين بالشرع، على تقدير كونهما ثمنين، فضلا عن الثمن و الشرط، قال: «لان الاختيار اليه، و على كل من التقديرين، فالثمن معلوم.

و ربما يؤيده الحكم بالصحة من غير واحد، فيما لو قال للخياط، خط هذا الثوب اليوم أو فارسيا بدرهم، و بأقل منه أو أكثر إن خطته في غد أو روميا، مع اشتراك الإجارة و البيع في اعتبار عدم الغرر و الجهالة، لكن قد يمنع الصحة فيها أيضا أو يلتزم تصحيح ذلك على أنه جعالة، لا اجارة لعدم اعتبار المعلومية فيها أو يفرق بين الإجارة و البيع، بأن العمل الذي

ج 23، ص: 107

يستحق به الأجرة، لا يمكن وقوعه الا على احد الصفتين، فتعين الأجرة المسماة عوضا له، فلا يقتضي التنازع بخلاف البيع. إلا أن الجميع كما ترى.

نعم قد يقال انه و إن كان لا جهالة في صفة الثمن، و لكنها متحققة في أصل الثمنية، بمعنى أنه لم يعلم بعد قبول المشتري ذلك ما صار ثمنا للجميع، و هو مناف لسببية العقد أيضا، لا أقل من الشك في تأثيره على هذا الحال، و دعوى تعيينه حينئذ باختيار المشتري ينافي إنشائية العقد، و سببيته المقتضية ترتب الأثر عليه بالفراغ منه، و دعوى الكشف حينئذ- مع أنه لا شاهد عليها- لا تجدي في رفع الجهالة حين العقد، و لا فرق في ذلك بين البيع و الإجارة و غيرهما من عقود المعاوضة؛ و من ذلك يظهر أن محل النزاع فيما لو قبله المشتري على تخيير البائع آت كما هو ظاهر الإيجاب، و ظاهر قوله خذه بأيهما شئت في صحيح محمد بن قيس (1)فحينئذ على القول بالصحة، إن اختار ألزم باختياره، و لو قبله على الترديد و لم يعين كان عليه أقل الثمنين في أبعد الأجلين للخبرين، و احتمال أن ذلك عليه- و إن اختار عملا بإطلاقهما- ممكن لانه بتمام العقد صار حكمه شرعا ذلك، فلا أثر لاختياره حينئذ، بل و لا للبائع مطالبته بالاختيار، و منه يعلم شدة مخالفة الخبرين للقواعد، على هذا التقدير.

أما لو قال: قبلته نقدا أو نسيئة فخارج عن محل النزاع، و يحتمل فيه الصحة، لوجود المقتضى من الإطلاقات و غيرها، و ارتفاع المانع، و يحتمل البطلان، للشك في تأثير نحو هذا الإيجاب الذي لم يجزم موجبه بأحدهما بالخصوص، و الأول لا يخلو من قوة، بناء على عدم منع مثل هذه الجهالة، و إلا فالثاني أقوى، و كذا يخرج عن محل النزاع، لو قبله على جهة التخيير للبائع، و إن كان هو واضح البطلان أيضا، و الغرض من ذلك كله، أن المتجه- بناء على العمل بالخبرين المزبورين- الجمود لعدم المنقح من إجماع و غيره، و لذا قال المصنف لو باع كذلك إلى وقتين متأخرين كان باطلا جازما به


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.

ج 23، ص: 108

غير مظهر للتردد فيه كالأول، بل في التحرير بطل قولا واحدا.

فمن الغريب ما في الرياض من أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق في الحكم صحة و بطلانا بين الصورتين، و إن أشكله- هو إن لم يكن إجماعا،- بأن البطلان في الثانية أقوى، لفقد المعارض فيه، لاختصاص النص مطلقا بالصورة الأولى، قلت: لا ريب في قوة البطلان في الثانية، بناء عليه في الأولى، ضرورة أولويتها بذلك. نعم يتجه الفرق بينهما باحتمال الصحة في الأولى، دونها، للخبرين المزبورين. اللهم إلا أن يدعى التنقيح، و دونه خرط القتاد بعد ما سمعت، و إن كان هو مقتضى ما سمعته من عبارة المقنعة و إجماع الغنية، و الله اعلم.

و إذا باع شيئا شخصيا طعاما أو غيره و اشترط: تأخير الثمن إلى أجل معلوم ثم ابتاعه البائع أو غيره من المشتري بعد قبضه قبل حلول الأجل، جاز بزيادة كان على الثمن الأول أو نقصان؛ أو مساواة بالجنس أو بغيره، حالا و مؤجلا بما يساوي الأجل الأول، أو يزيد عليه أو ينقص عنه، بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به في الرياض، و المحكي عن مجمع البرهان، بل في الأخير كان دليله الإجماع. نعم في مفتاح الكرامة خاصة عن المراسم إن باع ما ابتاعه إلى أجل قبل حلول الأجل فبيعه باطل، معترفا بأنه لم يجد أحدا نقل عنهما الخلاف قبله. قلت: قد يريد السلف أو الأعم منه و من غيره، لا ما نحن فيه، بل لعله الظاهر منه.

و على كل حال فلا ريب في الحكم المزبور، لإطلاق الأدلة و عمومها، أو خصوص

خبر على بن جعفر المروي عن كتاب مسائله (1)قال: «سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل، ثم اشتراه بخمسة دراهم نقدا أ يحل؟ قال: إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس»

كالطلاق خبره المروي عن قرب الاسناد(2)المحذوف فيه لفظ


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العقود الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العقود الحديث 6.

ج 23، ص: 109

الأجل و النقد و

صحيح بشار(1)«سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع المتاع نسيئا، فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه؟ قال: نعم لا بأس به، فقلت له: أشترى متاعي؟

فقال: ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك»

و

خبر الحسين بن منذر(2)قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يجي ء الرجل فيطلب العينة، فاشترى له المتاع من أجله، ثم أبيعه إياه، ثم أشتريه منه مكاني؟ فقال: إذا كان بالخيار إن شاء باع، و إن شاء لم يبع، و كنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت، و إن شئت لم تشتر؟ فلا بأس قلت: فإن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد، و يقولون: إن جاء به بعد أشهر صلح، فقال: إنما هذا تقديم و تأخير فلا بأس به»

بناء على أن العينة، شراء ما باعه نسيئة، كما حكاه عن بعضهم في الدروس، لكن فيها قبل ذلك، أنها لغة و عرفا شراء العين نسيئة، فإن حل الأجل فاشترى منه عينا أخرى نسيئة ثم باعها، و قضاه الثمن الأول كان جائزا، و تكون عينة على عينة، و عليه أيضا يتم الاستدلال؛ ضرورة عدم اعتبار كون بيع القضاء على غير البائع فيها.

نعم عن ابن إدريس؛ أن اشتقاقها من العين و هو النقد، و فسرها بشراء عين نسيئة لمن له عليه دين، ثم يبيعها عليه بدونه نقدا و يقضى الدين الأول، تخرج عما نحن فيه؛ مع احتمال عدم اعتبار كون العين من غير البائع و حينئذ يتم الاستدلال عليه أيضا و لو بالإطلاق، على أن المحكي عنه في الدروس أنه فسرها بشراء عين نسيئة ممن له عليه دين ثم يبيعها عليه بدونه نقدا و يقضى الدين الأول فيكون حينئذ مما نحن فيه، الى غير ذلك مما لا حاجة إليه، بعد ما عرفت من عدم الإشكال في المقام.

و

خبر منصور بن حازم (3)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر، أو غنم، أو غير ذلك فاتى الطالب المطلوب ليبتاع منه شيئا؟

فقال: لا يبعه، نسيئا و أما نقدا فليبعه بما شاء»

يمكن أن يكون المراد منه أن الطالب


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العقود الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام العقود الحديث 8.

ج 23، ص: 110

أراد شراء المطلوب مما له عليه من الطعام فعلا بعد حلوله فقال: لا يبعه عليه نسيئة لأنه يكون بيع دين بدين على بعض الوجوه، أما نقدا فلا بأس، و لعل شيئا فيه مصحف نسيئا و حينئذ يكون خارجا عما نحن فيه. فتأمل جيدا، و في الرياض أنه مجمل، محتمل الحمل على

الكراهة جمعا بينه و بين غيره مع عدم مكافأته قطعا.

و على كل حال فلا ينبغي التوقف في شي ء من شقوق المسألة. نعم يستفاد من خبر ابن المنذر و خبري على بن جعفر(1)أن ذلك جائز إذا لم يكن شرط البائع الأول على المشتري ذلك في حال بيعه عليه، و لذا نص على اشتراط ذلك في الجواز جماعة، بل نسبه في الرياض إلى الأصحاب، و أنه لا خلاف فيه، و في المحكي عن الكفاية لا أعلم خلافا بينهم في البطلان عند الشرط، و المفاتيح الظاهر اتفاقهم على بطلانه قلت:

قد يظهر الخلاف من إطلاق الجواز في المقنعة و النهاية و محكي السرائر بل قد يظهر من جامع المقاصد و المسالك و غيرهما عدم اعتباره؛ لاقتصارهم على الاستدلال له بما في التذكرة من الدور، و بأنه لم يقصد النقل معه، و إفساده بما لا مزيد عليه، و هو كذلك سواء قرر الدور بأن انتقاله الى المالك موقوف على حصول الشرط، و حصوله موقوف على انتقال الملك، أو بأن بيعه له يتوقف على ملكيته له المتوقفة على بيعه.

و على كل حال فيه ان المتوقف على حصول الشرط هو اللزوم، لا الانتقال و توقف تملك البائع على تملك المشتري لا يستلزم توقف تملك المشتري على تملك البائع كما هو واضح، و الا لما صح في باقي الشرائط من العتق و نحوه خصوصا شرط بيعه للغير الصحيح إجماعا محكيا ان لم يكن محصلا، على أن تملك المشتري- فيما لو جعل الشرط بيعه من البائع

بعد الأجل- قبل الأجل واضح و اشتراط البيع يؤكد قصد النقل إلى المشتري، لا أنه ينافيه، و إلا لنا فاه إذا كان من قصدهما ذلك، و إن لم يشترطا، مع أن العقود تتبع القصود، و الاتفاق كما في الروضة و غيرها على الصحة، و ما هو إلا لأن قصد رده بعد ملك المشتري له، غير مناف لقصد البيع بوجه، و إنما المانع عدم القصد الى ملك المشتري أصلا بحيث لا يترتب عليه


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العقود الحديث 4 و 6.

ج 23، ص: 111

حكم الملك و هو غير ما نحن فيه كما أن احتمال كون الدور لو كان الشرط ملكه للبائع بالثمن المعين بهذا العقد، مناف للمفروض في كلامهم على أنه قد يقال: بصحته، و ترتب ملك البائع على ملك المشتري آنا ما، نحو أعتق عبدك عنى، بمعنى الترتب الذاتي لا الزماني. فانحصر الدليل حينئذ في النصوص المزبورة.

لكن قد يناقش فيها بالطعن في السند، و كون المفهوم فيها البأس الذي قد يمنع استفادة الحرمة منه عرفا، فضلا عن الفساد، مضافا إلى اشتمال خبر ابن منذر منها على اعتبار عدم اشتراط المشتري على البائع ذلك أيضا، و لم نعرف قائلا به. بل قد يستفاد منه لزوم الشرط لو شرط، و أن به يرتفع الخيار للبائع أو المشتري، و إن كان يحرم البيع الثاني أو هو و البيع الأول بالشرط، و يكون الحاصل حينئذ حرمة الاشتراط، و إن كان لو فعل التزم به، و هو غير اشتراط المحرم الذي يفسد و يفسد العقد على قول فتأمل. على أن ظاهر خبر على بن جعفر(1)اشتراط البيع بنقيصة، بل لعله المراد من خبر ابن منذر(2)فالتعدية إلى المساوي و الزائد تحتاج الى دليل، و ثبوت إجماع معتد به هنا على عدم الفصل محل منع، إذ لم يحك عن احد التعرض لأصل الشرط المزبور قبل المصنف الا عن المبسوط خاصة في باب المرابحة، و لعله لذلك و غيره أومأ أول الشهيدين الى التردد في ذلك، في المحكي عنه في غاية المراد بقوله «إن كان في المسألة إجماع فلا بحث» ثم لا يخفى أن المتجه بناء على العمل بالنصوص المزبورة الجمود عليها، فلا يتعدى لغير البيع من العقود و لا له إذا كان الثمن عينا في وجه، أو كان الشرط بيعه من غير البائع، أو نقله إليه بغير البيع و لا لاشتراطه في عقد آخر و نحو ذلك مما لا دلالة فيها عليه، كي يتجه تخصيص عموم أدلة الشرط بها، و دعوى التنقيح مع عدم المنقح كما ترى، بل لو لا مخافة المخالفة لإجماع الأصحاب لأمكن حمل هذه النصوص على الإثم بالاشتراط كما عرفت، أو على إرادة الكراهة مع شرط البيع بنقيصة، لانه كالحيلة


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العقود الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.

ج 23، ص: 112

في تبريته الدراهم أو غير ذلك. و الله اعلم و كيف كان ف ان حل الأجل و لم يقبض الثمن فابتاعه بمثل ثمنه من غير زيادة و لا نقيصة جاز بلا خلاف و كذا ان ابتاعه بغير جنس ثمنه بزيادة أو نقيصة حالا أو مؤجلا للأصل، و إطلاق الأدلة السابقة، و إطلاق خصوص

صحيح منصور بن حازم (1)قال للصادق عليه السلام: «رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه، و أتى الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له المطلوب: أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي لك عندي؛ فرضي؟ قال: لا بأس بذلك»

و

موثق يعقوب بن شعيب و عبيد بن زرارة(2)أو صحيحها «سألا أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع طعاما بماءة درهم الى أجل، فلما بلغ ذلك الأجل، تقاضاه، فقال: ليس عندي دراهم، خذ مني طعاما، فقال: لا بأس به فإنما له دراهم يأخذ بها ما شاء»

الى غير ذلك.

و أما إن ابتاعه بجنس ثمنه بزيادة أو نقيصة ففيه روايتان أشبههما و أشهرهما ما سمعته من روايات الجواز بل لم أجد من عمل برواية المنع غير الشيخ في النهاية بالنقيصة، و في التهذيبين بالزيادة، و هي

خبر خالد بن الحجاج (3)«سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمى، فلما جاء الأجل أخذته بدراهمي فقال: ليس عندي، و لكن عندي طعام فاشتره منى؟ فقال: لا تشتره منه فإنه لا خير فيه»

و

خبر عبد الصمد بن بشير(4)قال: سأل الصادق عليه السلام أيضا محمد بن القاسم الحناط «فقال: أصلحك الله أبيع الطعام الرجل إلى أجل، فأجيئ و قد تغير الطعام من سعره فيقول: ليس لك عندي دراهم؟ قال: خذ منه بسعر يومه قال: أفهم أصلحك


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 10.
3- 3 الوسائل الباب 12 من أبواب السلف الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب 12 من أبواب السلف الحديث 5.

ج 23، ص: 113

الله إنه طعامي الذي اشتراه منى قال: لا تأخذ منه حتى يبيعه و يعطيك قال: أرغم الله أنفي رخص لي، فرددت عليه، فشدد على»

و

خبر الحلبي (1)قال: «سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى ثوبا ثم رده على صاحبه، فأبى أن يقبله إلا بوضيعة، قال:

لا يصلح له أن يأخذه، فإن جهل و أخذه بأكثر من ثمنه رد على صاحبه الأول ما زاد»

و هي جميعا كما ترى غير مكافئة لغيرها من وجوه، خصوصا بعد الطعن في السند و اختصاص الأولين بالطعام، و احتمال الأول منهما الإرشاد أو الكراهة كما يومي اليه التعليل، و عدم التصريح فيه بأنه طعامه الذي باعه إياه، و لا بزيادة الثمن أو نقيصة، و الثاني- مضافا إلى كثير من ذلك- أن السائل لما طمع أن يرخص له أخذ طعامه الذي دفعه اليه، مع أن القيمة قد زادت، و هو لا يستحق

إلا دراهم، لم يرخص له الا أن يأخذ بسعر يومه، بل لعل ذلك هو الظاهر منه، كظهور الثالث في الإقالة بالنقيصة، المجمع على عدم جوازه، كالزيادة بحسب الظاهر.

فلا ينبغي التوقف حينئذ في الحكم المزبور في الطعام، فضلا عن غيره، و إن حكى عن بعضهم موافقة الشيخ في الأول، و لا ريب في ضعفه، و أضعف منه ما عن خلاف الشيخ من أنه لا يجوز شراء طعام ممن باعه طعاما قبل نقد الثمن و لو غير ما باعه إياه بزيادة عن ثمنه، لأدائه إلى بيع الطعام بطعام بزيادة، و فيه أن العوض دراهم لا طعام، هذا كله إذا لم تتغير السلعة.

أما إذا تغيرت عن حالة البيع، كالهزالة؛ أو نسيان الصنعة، أو تمزيق الثوب، ففي التحرير «جاز شرائه إجماعا و إن كان لا يخلو إطلاقه من بحث في الجملة، و قد بان لك من ذلك كله أن شراء المبيع المؤجل ثمنه، إما أن يكون قبل حلول أجله، أو بعده، و على التقديرين، فاما أن يكون البائع قد اشترط شرائه في نفس العقد أو لا، و على كل تقدير فاما أن يشتريه بجنس الثمن و قدره، أو بزيادة أو بنقيصة، أو بغير جنس، إما حالا، أو


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.

ج 23، ص: 114

مؤجلا، فيكون الحاصل من ذلك كما في حاشية الكركي على الإرشاد أربع و عشرون صورة، يظهر بأدنى تأمل بطلان اثنتي عشرة منها و الخلاف في أربع إلى أن قال:

و في شرح الإرشاد للشهيد أن الحاصل من ضرب صورتي اشتراط شراء المبيع في نفس العقد و عدمه، في الشراء بزيادة أو نقيصة، أو بمساواة الجنس الثمن أو بغير جنسه، حالا أو مؤجلا، ستة عشر، و هو غير ظاهر، بل اثنتا عشر صورة، لأن الشراء بالجنس، لا يخرج عن الزيادة و النقصان و المساواة فهي ثلاث و بغير الجنس و الحلول و التأجيل ثلاثة أخرى، و مضروب الست، في اثنين اثنتا عشرة و إذا ضربت في صورتي الشراء قبل حلول الأجل أو بعده، تبلغ أربعا و عشرين لا اثنين و ثلاثين كما ذكره فليتأمل» قلت: لعل الشهيد نظر الى ان الحلول و التأجيل لكل من الأربعة، أي البيع بغير الجنس و به زائدا أو ناقصا أو مساويا، و عليه تكون ستة عشر فإذا ضربت في صورتي الشراء قبل حلول الأجل و بعده، تبلغ اثنين و ثلاثين. و الأمر سهل. نعم عن الشهيد في شرحه المزبور و احتمال إلحاق البيع بالجنس مساويا مؤجلا في صور الخلاف، لأن للأجل زيادة: و فيه أن العكس أقوى منه احتمالا، إذا المفروض ان المبيع كان مؤجلا، فبيعه بمقدار ثمنه حالا مخالف لثمنه، بل هو كذلك مع نقصان الأجل عن أجله، أو زيادته، و الله اعلم.

و لا يجب على من اشترى مؤجلا أن يدفع الثمن قبل الأجل و إن طولب إجماعا أو ضرورة و إن دفعه تبر عالم يجب على البائع أخذه و إن لم يكن ضرر عليه بذلك، بلا خلاف أجده بيننا، بل في الرياض «الإجماع عليه كالأول» و في جامع المقاصد «نسبة الخلاف فيه الى بعض العامة» و لكن قد يتخيل الوجوب، و أنه كالدين الحال في ذلك، لان فائدة التأجيل الرخصة للمشترى بالتأخير، لا عدم وجوب الأخذ لو دفعه اليه قبله، فمصلحته مختصة به، و لذا يزداد الثمن عليه من أجله، و له طلب النقصان في مقابلة التعجيل، و عقد البيع بلا أجل يقتضي وجوب الدفع و الأخذ، و اشتراط الرخصة للأول لا يستلزمها للثاني، بل الظاهر أن المراد من الأجل التوسعة في ذلك الزمان إلى نهاية

ج 23، ص: 115

الأجل، أي لا يضيق إلا في ذلك الزمان كالواجب الموسع، و قد يتفرع على ذلك أن للمشترى إسقاط حق التأجيل كما في غيره من الحقوق لكن في القواعد «أنه لو أسقط المديون أجل الدين الذي عليه لم يسقط و ليس لصاحبه المطالبة في الحال» و علله في جامع المقاصد «بأن ذلك قد ثبت بالعقد اللازم لانه المفروض، فلا يسقط بمجرد الاسقاط، و لأن في الأجل حقا لصاحب الدين و لهذا لا يجب قبوله قبل الأجل، أما لو تقايلا في الأجل فإنه يصح، و لو نذر التأجيل فإنه يلزم، و ينبغي أن لا يسقط بتقايلهما إذا التقايل في العقد لا في النذر» و فيه أن ثبوته بالعقد اللازم، لا يمنع من سقوطه بالإسقاط، كاشتراط الخيار و نحوه، و يمكن منع حقية صاحب الدين فيه، و اتفاق وجود مصلحة له في ذلك، لا ينافي كونه من حقوق المشتري، كالخيار المشروط له، كما أنه يمكن منع مشروعية التقايل فيه خاصة دون أصل العقد، و لو صح رجع الى الإسقاط، و مع فرض أنه من حقوق المشتري خاصة، لم يعتبر اتفاق البائع معه على الإسقاط الذي هو بمنزلة الإبراء، بل هو منه، كما أومى إليه هو في حاشية الإرشاد في مسألة التعجيل بالنقيصة، بل لعله الظاهر من القواعد في باب السلم.

و ما في الرياض- من أنه نمنع استلزام انحصار فائدته في الرخصة للمشتري بعد تسليمه وجوب الأخذ على البائع مع مخالفته الأصل الخالي عن المعارض من النص و الإجماع، لاختصاصه بغير صورة الفرض- يدفعه ما عرفت من اقتضاء العقد ذلك، و أن الشرط المزبور حق للمشتري خاصة، فيسقط بإسقاطه كغيره من الشرائط التي له على البائع، فالعمدة حينئذ الإجماع المزبور. و الله اعلم.

و إن حل الأجل فمكنه المشتري منه بعد المطالبة أو قبلها وجب على البائع أخذه إذا كان مساويا لما في الذمة قدر أو جنسا و وصفا، بلا خلاف

ج 23، ص: 116

أجده فيه أيضا، بل في الرياض الإجماع عليه، و هو الحجة بعد حديث الضرار(1)الشامل للمقام، ضرورة تحقق الضرر على المشتري ببقائه مشغول الذمة، و قد يناقش في الوجوب من حيث الدفع بارتفاع الضرر بقبض الحاكم مع الامتناع أو بتشخص المدفوع للمشترى بحيث يكون الضمان منه معه، و العقد إنما يقتضي ملك الثمن على المشتري لا وجوب قبضه فهو كما لو كان الثمن عينا، فإنه لا يجب عليه القبض

من حيث الدفع، بل هو إن كان من حيث حرمة الإتلاف، و تدفع بأن الثابت من الأدلة ذلك خصوصا قوله تعالى (2)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» فان وجوب الوفاء بها يتبع وجوب الدفع و وجوب القبول و حينئذ فإذا انتفى سقط اعتباره، إذ هو كالدفع من المديون يجب عليه أولا فإذا امتنع جاز التقاص من ماله و كيف كان فان امتنع البائع من أخذه ثم هلك من غير تفريط و لا تصرف من المشتري كان من مال البائع على الأظهر بل لا أجد فيه خلافا مع تعذر الحاكم، لأن في هلاكه من المشتري ضررا عظيما، فيكون منفيا بالنص (3)و تعين الدين بالقبض ممن له أو من يقوم مقامه- و لذا كان للمديون تغييره ما لم يقبض- إنما هو في غير الفرض، ضرورة أن التعيين كما يتوقف على قبض المالك يتوقف على تعيين المديون، فإذا امتنع أحدهما في محل الوجوب وجب أن يسقط اعتباره، حذرا من لزوم الضرر إنما الكلام في اعتبار الحاكم و ظاهر الأصحاب قصر الحكم هنا عليه، إذ لم أجد في كلام من وقفت عليه منهم ذكر غيره إلا في الحدائق فجعل عدول المؤمنين مرتبة أخرى هنا، و هو موقوف على عموم ولايتهم لمثل المقام، و فيه بحث، بل قد يظهر من إطلاق الشيخين و ابن حمزة في المقنعة و النهاية و الوسيلة و المتن و النافع و المحكي عن


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 5.
2- 2 سورة المائدة الآية 1.
3- 3 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3- 4.

ج 23، ص: 117

الديلمي و القاضي و كذا التقى عدم اعتبار الحاكم في التلف من البائع، و لعله لعدم ثبوت ولايته في المقام، و إطلاق حديث الضرار؛ خلافا للفاضل في جملة من كتبه و الشهيدين و الكركي و محكي المبسوط و السرائر، بل ربما قيل: إنه المشهور فخصوه بما إذا تعذر الحاكم، و مقتضاه، كون المقاصة من المساوي للدين كذلك، اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على عدم تعيين الثمن للبائع حيث كان كليا إلا بقبضه على محل الوفاق، و التفاتا إلى اندفاع الضرر عن المشتري بالدفع إلى الحاكم، فلو قصر كان كالمفرط في المال؛- من حيث تمكنه من دفعه إلى مستحقه أو نائبه، فيكون من ماله، و إلى أن الحاكم كما أنه قائم. مقام الغائب، يقوم مقام الممتنع عمن يجب عليه؛ و لذا يأخذ الزكاة منه قهرا، و يتولى النية، و يؤدي ديونه و ما يجب عليه من نفقة و نحوها من ماله نعم هل يجب ذلك كما زائد هو وظيفته؟ لكن في الدروس عن ابن إدريس وجوب القبض الى على الحاكم بمجرد الامتناع، أو مع تعذر جبره على الواجب و سؤال البائع القبض؟

قد يقوى الثاني، و منه يعلم حينئذ وجوب جبر الحاكم له على ذلك كما هو وظيفته، لكن في الدروس عن ابن إدريس وجوب القبض على الحاكم، و لا يجب عليه الإجبار على القبض أو الإبراء، و استبعده فيها، و هو كذلك.

نعم يمكن القول بعدم إجباره إن لم يسأله الدافع، كما في سلم جامع المقاصد قال: «لأن يده يد رضي بها المدفوع له، و لم يصدر منه ما ينافيها» و قال فيه أيضا:

«إن للحاكم قبضه و إن لم يجبره على قبضه، و أنه لو لم يسأله الدافع لم يجب عليه قبضه، و إنه يجوز ذلك له و إن لم يسأله» و فيه بحث في الجملة يعرف مما ذكرنا.

ثم إن من الواضح عدم وجوب الدفع إلى الحاكم بعد الامتناع، بناء على اعتباره، لعدم تشخص المدفوع للبائع، بل هو باق على ملك المشتري، فله التصرف فيه و إبقاء الحق في ذمته. نعم إذا أراد إبراء ذمته من الحق دفعه إلى الحاكم، إذ الظاهر الاتفاق على تشخصه بقبضه له، و ربما ظهر من بعض مشايخنا عدمه.

ج 23، ص: 118

نعم يكون تلفه منه خاصة، و بناء على التشخيص بالامتناع من غير حاجة إلى قبض الحاكم يمكن القول بوجوب دفعه إليه، لأنه مال مسلم محترم يتمكن وصوله من وليه فيجب، و الأقوى عدم الوجوب، للأصل، لكن هل يبقى أمانة في يده يجب حفظها أولا؟ قد يظهر من المتن و الدروس و غيرهما الأول، بل هو صريح اللمعة، و الثاني لا يخلو من وجه بل قوة، قال في جامع المقاصد: «إذا امتنع المالك من القبض و تعذر الحاكم، زال الضمان عن الدافع بالتعيين لكن هل هو مشروط بالحفظ بمجرى العادة فيكون أمينا أم لا؟ فلا يكون الحفظ واجبا عليه، لم أجد به تصريحا للأصحاب، لكن قوة التأمل في كلامهم تشهد للثاني حيث أطلقوا نفى الضمان عنه، دفعا للضرر، و لو وجب الحفظ الدائم لبقي الضرر المحذور، و ألزم بالضمان بالتقصير فيه، و يتجه الفرق بين ما إذا عرضه على المالك بعد تعيينه و لم يأت به لكنه أعلم بالحال، و بين ما إذا أتاه و طرحه عنده، فينتفى وجوب الحفظ في الثاني، دون الأول، و إن اشتركا في عدم الضمان» و نحوه في حاشية الإرشاد له؛ و لعل مراده بالاشتراك في عدم الضمان على تقدير عدم التفريط، لا مطلقا، فلا ينافي ما تقدم من قوله لو وجب ألزم بالضمان.

و على كل حال ففي جريان مثل ذلك في الحاكم لو قبضه إشكال، لكن في المسالك في باب السلم في شرح قول المصنف، و لو امتنع قبضه الحاكم إذا سأل المسلم إليه ذلك قال: «هذا مع إمكانه، و مع تعذره يخلى بينه و بينه؛ و تبرأ ذمته و إن تلف، و كذا يفعل الحاكم لو قبضه، إن لم يمكن إلزامه بالقبض» كالإشكال في أصل ثبوت التشخيص بالامتناع مطلقا أو مع تعذر الحاكم على اختلاف القولين و إن كان ظاهر الأصحاب ذلك، بل هو صريح جماعة منهم، و قد يحتمل العدم، و إن كان لو تلف يكون من مال البائع على كل حال، إذ به يتحقق رفع الضرر، و يحصل الجمع بين قاعدة عدم التشخيص إلا بقبض ذي الدين، و بينه

ج 23، ص: 119

و ربما أومى إليه في الدروس قال: «و لو امتنع البائع أثم، و لو هلك بعد تعيينه فمن ماله، ما لم يفرط فيه المشتري أو يتعدى، و للمشتري التصرف فيه، فيبقى في ذمته؛ ضرورة ان جواز تصرف المشتري فيه مستلزم لبقاء ملكه عليه، و حينئذ فالنماء بين التعيين و التلف له، اللهم إلا أن يقال: يمكن التزام الشهيد بأنه ملك البائع متزلزلا؛ فله الرجوع فيه، فالنماء حينئذ له، إلا إذا أعاده المشتري إلى ملكه و في الروضة «إنه ربما قيل ببقائه على ملك المشتري و إن كان تلفه من البائع» ثم إنه قد ينقدح بناء على التشخيص القول بمثله فيمن أجبره الظالم على دفع نصيب شريكه الغائب في مال على حكم الإشاعة، بحيث يتعين المدفوع للشريك و لا يتلف منهما معا، و كذا لو تسلط الظالم بنفسه، و أخذ قدر نصيب الشريك، لكن في جامع المقاصد و حاشية الإرشاد لم أجد تصريحا للأصحاب بنفي و لا إثبات، مع أن الضرر قائم هنا، و في الأول إن المتجه العدم، و في الثاني إن الحكم مشكل، قلت:

و يؤيده الأصل و عدم التقصير من الشريك فلا ضرر من قبله. و الله أعلم.

و كذا البحث بتمامه في طرف البائع إذا باع سلما لكن صرح المصنف هناك بقبض الحاكم، و لا فرق بين المقامين على الظاهر و كذا كل من كان له حق، حال أو مؤجل، فحل ثم دفعه، و امتنع صاحبه من أخذه، فإن تلفه من صاحبه الذي يجب عليه قبضه على الوجه المذكور لاتحاد الجميع في المدارك كما هو واضح لكن لا يخفى أنه قد ذكرنا ذلك كله موافقة لكلماتهم التي جملة منها مجرد دعوى بلا دليل فضلا عن أن يصلح قاطعا لأصالة عدم تشخص الدين و عدم ملك المستحق، و عدم براءة ذمة المستحق عليه في جملة من الصور المفهومة من كلامهم، كذا دعوى ملك المستحق لما يعينه المديون متزلزلا على وجه يجوز للدافع الرجوع به أو دعوى أنه باق على ملك الدافع و لكن التلف يكون من مال الديان.

نعم قد يقال: في خصوص ما لو مكنه منه على وجه يدخل به تحت

ج 23، ص: 120

يده عرفا، و تحت سلطانه و تحت قبضته برأت ذمة المديون و صيرورة المال ملكا للديان لأنه قبض أو كالقبض، ضرورة صدق الأداء و الوفاء و الإعطاء و نحوها مما هو مستفاد من خطاب الديان، و كذا بالنسبة إلى أداء الأمانة، و إيصال المغصوب، و خروج المبيع عن ضمان البائع، و ربما يشهد لذلك في الجملة ما ذكروه في غير المقام، من صدق الوفاء و إيصال الحق إلى مستحقه، بالدس في المال على وجه يدخل في قبضته و تحت سلطانه، و يمكن تنزيل عبارة المتن و نحوها على هذه الصورة، و لذا لم يعتبروا اذن الحاكم، بخلاف غيرها من الصور التي لا يصدق معها التمكين فعلا. و إن قال له: إن حقك موجود هو في الدار و نحو ذلك، مما هو طلب للتمكين منه، لا أنه مكنه فعلا، فان الظاهر عدم تشخص الحق بذلك و لو مع تعذر الحاكم و العدول، للأصل بل الأصول، و مشروعية المقاصة لا تقتضي مشروعية ذلك.

نعم هنا بحث في ولاية الحاكم عنه في القبض حينئذ أو في حال الغيبة، و أراد المديون فراغ ذمته و هو شي ء آخر، غير ما نحن فيه من تعيين من عليه الحق، و بذلك يظهر لك النظر في جملة من الكلمات؛ حتى ما سمعته من الكركي، فإنه و إن كان قد حام حول الحمى فيما ذكره من مسألة وجوب الحفظ و عدمه، إلا أن ظاهره الاكتفاء بتعيينه في الصورة الاولى، و إن وجب عليه الحفظ، فلاحظ و تأمل و الله العالم.

و يجوز بيع المتاع حالا و مؤجلا، بزيادة عن ثمنه و نقصان جوازا لا خيار فيه إذا كان كل من البائع و المشتري عارفا بقيمته ما لم يكن سفها، و الا بطل العقد إن كان بعد تحجير الحاكم أو قبله، بناء على عدم الحاجة إليه في منع تصرفه، كما أن للمغبون منهما الخيار مع الجهل بالقيمة، بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك، و إن كان في عبارة المتن و غيرها من عبارات الأصحاب خلل ما في تأدية ذلك، إلا أنه سهل بعد وضوح الحال و معلومية الحكم.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه لا يجوز تأخير ثمن المبيع و لا شي ء من

ج 23، ص: 121

الحقوق المالية بزيادة فيها لأنه ربا محرم كتابا(1)و سنة(2)و إجماعا، فلا يجوز سواء وقع على جهة البيع، أو الصلح، أو الجعالة، أو غيرها، و لو اشترط في عقد آخر فسد و أفسد، إذ هو لا يحلل الحرام.

نعم لا بأس بجعل الزيادة المبذولة في ثمن مبيع آخر، لا في مقابلها، مع اشتراط التأخير في الدين الحال إلى الأجل المسمى، كما صرحت به النصوص و الفتاوى

قال محمد بن إسحاق بن عمار(3)للرضا عليه السلام: «الرجل يكون له المال، فدخل على صاحبه، يبيعه لؤلؤة بألف درهم، تساوى ماءة درهم و يؤخر عليه المال إلى وقت؟ فأجابه لا بأس قد أمرني أبي ففعلت ذلك»

و

قال لأبي الحسن عليه السلام (4): «يكون لي على الرجل دراهم، فيقول: أخرني بها و أنا أربحك، فأبيعه جبة تقوم على بألف درهم، بعشرة آلاف درهم، أو قال: بعشرين ألف و أؤخره بالمال؟ قال: لا بأس»

و

قال عبد الملك (5): «سألته عن الرجل أريد أن أعينه المال و يكون لي عليه مال قبل ذلك، فيطلب مني مالا أزيده على مالي الذي لي عليه، أ يستقيم أن أزيده مالا و أبيعه

لؤلؤة، تساوي ماءة درهم بألف درهم، فأقول أبيعك هذه اللؤلؤة بألف درهم على أن أؤخر بثمنها و بمالي عليك بكذا و كذا شهرا؟ فقال: لا بأس»

إلى غير ذلك مما هو صريح في الجواز على الوجه المزبور و ظاهر في عدمه مع جعل الزيادة في مقابل التأخير، و لا يقدح في ذلك كونها حيلة للتخلص من الربا، بعد أن وردت بها النصوص و أفتى به الأصحاب، بل هي على مقتضى الضوابط الشرعية، و نعم الحيلة، ما يفر بها من الباطل إلى الحق.

و كذا يجوز تعجيلها أى سائر الحقوق المالية المؤجلة بنقصان منها


1- 1 سورة البقرة الآية 288.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب الربا.
3- 3 الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام العقود الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام العقود الحديث 5.

ج 23، ص: 122

بلا خلاف أجده فيه على جهة الصلح، و هو المسمى بالحطيطة أو الإبراء من كل منهما، و يدل عليه- مضافا إلى الأصل-

مرسل أبان (1)عن الصادق عليه السلام «سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين، فيقول له قبل أن يحل الأجل: عجل النصف من حقي على أن أضع عنك النصف أ يحل ذلك لو احد منهما؟ قال: نعم»

و

قال ابن أبى عمير(2): «سئل الصادق عليه السلام عن الرجل يكون له دين إلى أجل مسمى، فيأتيه غريمه، فيقول له:

انقدني كذا و كذا، و أضع عنك بقيته، أو يقول: انقدنى بعضه و أمد لك في الأجل فيما بقي عليك؟ فقال: لا ارى به بأسا، إنه لم يزد على رأس ماله، قال الله جل ثنائه (3)«فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ»

و نحوه صحيح محمد بن مسلم (4)و منهما يعلم جواز الصلح عن التأخير بغير الزيادة، لعدم تحقق الربا فيه هنا. فتأمل جيدا و ستسمع في باب القرض تمام البحث في هذا المسألة. إنشاء الله تعالى و الله أعلم.

و من ابتاع شيئا بثمن مؤجل و أراد بيعه مرابحة أي بالزيادة على رأس المال بما يتراضيان به، كما أن التولية، البيع بما يساويه، و الوضيعة بالأنقص، و المساومة بما يقع الرضا به من غير اعتبار لرأس المال، و الواجب في الأول الإخبار بقدر الثمن و جنسه و وصفه، فمع فرض أنه مؤجل فليذكر الأجل لأن له قسطا من الثمن فإن باع حالا أو إلى أجل دون أجله و لم يذكره صح البيع بلا خلاف، بل الإجماع بقسيمه عليه للعموم و خصوص النصوص (5)و وجود المقتضى، مع عدم ما يصلح للمانعية، سوى التدليس المزبور الذي هو كالداعي إلى تعلق الرضا و القصد إلى البيع المخصوص.

نعم كان المشتري بالخيار بين رده، و إمساكه بما وقع عليه العقد للتدليس،


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب الصلح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 7 من أبواب الصلح الحديث 2.
3- 3 سورة البقرة الآية 278.
4- 4 الوسائل الباب 32 من أبواب الدين الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب 25 من أبواب أحكام العقود.

ج 23، ص: 123

و لفوات ما هو كالشرط و الوصف، و لحديث الضرار(1)المنجبر هنا بفتوى كثير، بل في تعليق الإرشاد الأكثر، بل في الرياض أنه الأشهر بين الطائفة، سيما متأخريهم بل ظاهرهم الاتفاق عليه كافة، إلا من الشيخ في النهاية و القاضي و ابن حمزة، بل في موضع آخر منه أنه المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا من متأخري الطائفة، مع رجوع الشيخ في الخلاف و المبسوط عما في النهاية مؤيدا ذلك كله بثبوته فيما هو مثله في المعنى، من الكذب و الخطاء بمقدار الثمن من غير خلاف يعرف فيه بينهم الا من المحكي عن الإسكافي، فله الأخذ بحط الزيادة و ربحها و المبسوط حيث يظهر غلطه و عن الخلاف أنه قواه مع أنه لا دلالة في كلام الإسكافي على سقوط الخيار، و لعله يثبته له مع ذلك.

و لكن المروي هنا أنه يصح البيع و يكون للمشتري من الأجل مثل ما كان للبائع ف

في صحيح هشام (2)عن أبى عبد الله عليه السلام «في الرجل يشترى المتاع إلى أجل فقال: ليس له ان يبيعه مرابحة الا إلى الأجل الذي اشتراه فان باعه مرابحة و لم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل: مثل ذلك»

و

خبر أبى محمد الوابشى (3)الذي لا تقدح جهالته بعد ان كان الراوي عنه ابن محبوب في وجه في معقد الإجماع على تصحيح ما يصح عنه قال: «سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله عليه السلام، عن رجل اشترى من رجل متاعا بتأخير إلى سنة، ثم باعه من رجل آخر مرابحة، إله أن يأخذ منه ثمنه حالا و الربح؟ قال: ليس عليه إلا مثل الذي اشترى، إن كان نقد شيئا فله مثل ما نقد، و إن لم يكن نقد شيئا فالمال عليه إلى الأجل الذي اشتراه»

و

خبر ميسر بياع الزطي (4)الذي هو كالصحيح في الوجه المزبور، لأن في السند صفوان قال لأبي عبد الله عليه السلام. «إنا نشتري المتاع بنظرة، فيجي ء الرجل، فيقول:


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3- 4.
2- 2 الوسائل الباب 25 من أبواب أحكام العقود الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 25 من أبواب أحكام العقود الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب 25 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.

ج 23، ص: 124

بكم يقوم عليكم؛ فأقول: بكذا و كذا فأبيعه بربح؟ فقال: إذا بعته مرابحة كان له من النظرة مثل مالك قال: فاسترجعت و قلت: هلكنا»

الحديث و المراد منه بقرينة الخبرين السابقين، أنه إذا باعه مرابحة و لم يذكر الأجل، لا أن المراد بيان وجوب الاخبار خاصة فهو واضح الدلالة كالسابقين.

و أما السند فقد عرفت حاله في جميعها فالعمل بها متجه خصوصا بعد ان لم تكن مهجورة، بل عمل بها الإسكافي و الشيخ في النهاية و القاضي و ابن حمزة، و المحدث البحراني على ما حكي عن بعضهم، و مال إليه الأردبيلي، أو قال به في المحكي عنه، و لم يعلم حال من لم يتعرض لذلك منهم، كالصدوق و المفيد، و أبى يعلى، و علم الهدى و الراوندي على ما قيل، و عن صاحب الرموز التوقف، كالشهيد في غاية المراد، و ظاهر الدروس و المحقق الثاني في تعليق الإرشاد، بل قيل أن التوقف ظاهر شرح الإرشاد لفخر الإسلام. و التنقيح و المقتصر، و التوقف من جهتها، كالعمل بها في الخروج عن الشذوذ و الهجر، بل عمل بها في المختلف في الجملة قال بعد ان ذكرها دليلا للشيخ. «و الجواب انها محمولة على ما إذا باعه بمثل ما اشتراه و أخفى عنه النسيئة و لم يشترط النقد، فإنه و الحال هذه، يكون له من الأجل مثل ما كان للبائع على إشكال».

و إن كان قد يناقش فيه بأنه- مع كونه إحداث قول في المسألة- لا فرق في ظاهرها بين التصريح بالنقد و عدمه، بعد أن كان الإطلاق منصرفا إليه، خصوصا بعد ما عرفت من تصريحهم بأنه مؤكد، على أن الظاهر اتحاد محل النزاع في كلام الأصحاب مع مضمون النصوص، و الظاهر أن مراد المختلف بقوله باعه بمثل ما أشتريه، التصريح بتعيين الثمن، و أنه هو الذي اشتراه به و أخفى النسيئة، لا أنه عقد البيع كذلك، ضرورة بطلانه حينئذ، فضلا أن يكون له من الأجل مثله.

لكن في حاشية الإرشاد للكركي «ظاهر الاخبار يقتضي ثبوت مثل الأجل؛

ج 23، ص: 125

لكن ليس فيها تصريح بكون البائع عين الثمن و أهمل الأجل، أو باع بمثل ما اشتراه و لم يعين شيئا، و المصنف في المختلف حمل الروايات على المعنى الثاني و أشكله، و أكثر الأصحاب على أنه يلزم المشتري الثمن حالا» ثم قال: «و أقول: إذا عين البائع الثمن و أهمل ذكر الأجل و جرى العقد على ذلك ينبغي الجزم بالصحة من غير أجل إذ ليس في الاخبار و لا غيرها ما ينافي ذلك، غاية ما في الباب ثبوت الخيار للمشترى للتدليس، فإن للأجل قسطا من الثمن، و إذا باع بمثل ما اشتراه و لم يعين شيئا و كان مؤجلا استحق مثل الأجل إن صححنا البيع، و هذه مدلول الروايات، لكن نحن في صحته من المتوقفين؛ لما فيه من الغرر» و هو كما ترى، بل الخبر الثالث كالصريح في خلافه.

و كيف كان فالعمل بالنصوص متوجه، سيما مع عدم شدة مخالفتها للقواعد، إذ ليس إلا اقتضاء إطلاق العقد الحلول و قد يمنع في مثل المقام، المبنى على البيع مرابحة؛ بل لو صرح فيه بذلك، بزعم أن رأس المال كذلك أمكن عدم الالتفات اليه.

نعم يمكن القول بثبوت الخيار مع ذلك، إن لم ينعقد الإجماع على خلافه إذ ربما يكون مقصوده الشراء حالا، لعدم المنافاة بينها و بين ما دل عليه، و الظاهر إرادة ثبوت مقدار أجل البائع للمشتري من النصوص المزبورة، لا ما بقي من أجل البائع، إذ قد يبيعه بعد حلول أجله عليه، كما أن الظاهر مساواة هذا الأجل للأجل المذكور في العقد في جميع الأحكام المذكورة، من الحلول بالموت، و عدم وجوب القبض على البائع، لو دفعه إليه المشتري قبل الحلول و نحو ذلك، و لا يسقط هذا الخيار بناء عليه ببذل البائع الأجل، و لا بتلف المبيع من المشتري، و لا بتصرفه فيه قبل العلم به، بل يفسخ و يرد القيمة أو المثل نحو ما سمعته في خيار الغبن، و في القواعد النظر في السقوط بالأخيرين و قد مر في الغبن و في بحث تلف المبيع مدة الخيار ما يعلم منه الحال هنا، فلا نعيده فلاحظ و تأمل.

و لو باعه وضيعة أو تولية و لم يخبره ففي تعدية المبحث المزبور قوة كالقوة

ج 23، ص: 126

فيما لو باعه مؤجلا دون الأجل الذي اشترى به، و لو باعه مؤجلا مرابحة بمقداره لكن لا على أن رأس المال كذلك، ففي تسلط المشتري على الخيار وجه أيضا و الله اعلم.

[النظر الثاني فيما يدخل في المبيع ]
اشارة

النظر الثاني من الستة فيما يدخل في المبيع و المعروف بينهم أن الضابط الاقتصار على ما يتناوله اللفظ. لغة أو عرفا لكن قال ثاني الشهيدين منهم: «المراد بالعرف ما يشمل الخاص الذي منه الشرعي، بل هو مقدم عليهما إذا لم تتفق، ثم العرفي، ثم اللغوي» و تبعه في الحدائق، فقال «إن الأظهر أن يقال إن الواجب هو حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية إن وجدت، و إلا فعلى عرفهم عليهم السلام، لانه يقدم على عرف الناس، و إلا فعلى ما هو المتعارف في ألسن المخاطبين، و المتبادر في محاوراتهم، و إن اختلفت في ذلك الأصقاع و البلدان، ثم مع تعذر ذلك فاللغة، و ربما قدم بعضهم اللغة على العرف».

و هو من غرائب الكلام، إذ فيه ما لا يخفى إذا أراد تقديم الشرعي على العرف الخاص للمتعاقدين، ضرورة تبعية عقد هما لقصدهما، بل لو قصدا غيره مع الجهل به بطل و لو الشرعي، نعم لو علماه و قصداه صح و إن كان غير عرفهما، من غير فرق بين الشرعي و العرفي، بل و فيه أيضا فيما إذا لم يكن لهما عرف خاص، بل كان للعرف العام الشامل لهما معنى مغاير للشرعي- أن الظاهر إرادة ذلك من لفظهما، لا الحقيقة الشرعية التي يحمل عليها لفظ الشارع و من تبعه في الاستعمال، و بعض

ج 23، ص: 127

النصوص الواردة في بعض الألفاظ في النذور الوقف و الوصية، مع أنها و أرده في موارد خاصة، بل قيل إنها في الألفاظ التي لم يعلم لها معان معينة في العرف و اللغة، و إنما هي مجملة، أو مبهمة غير متفق عليها بين الطائفة في موردها، فضلا عن غيره، و البحث في تقديم العرفية على اللغوية، أو العكس إنما هو في الاستعمال الذي لم يعلم حصوله قبل هجر اللغة أو بعده، لا في مثل المقام الذي فرض ذلك فيه نادر. و ظني أن الاشتباه نشأ من ذكر هذا الترتيب في الألفاظ الواردة في خطاب الشارع فزعموا أن المقام مثله و الفرق بينهما في غاية الوضوح.

نعم قد يقال: بتقدم الحكم الشرعي على ما هو مقتضى العرف كما تسمعه في دخول ثمرة النخل قبل التأبير في ملك المشتري و إن لم يكن هو على مقتضى العرف، بل و إن كان العرف على خلافه، و هو- مع أن فيه من الإشكال ما تسمعه- غير محل البحث لكن قد يريده الشهيد أو نحوه مما لا يكون به مخالفا.

ثم ينبغي أن يعلم أن ما يدخل في المبيع قد يكون من جهة تناول اللفظ، و قد يكون من جهة غيره، و كلام معظم الأصحاب هنا في بيان الأول، و إن شمل بعض كلماتهم و لو من حيث تعلق البيع التوابع في المبيع التي يقطع بعدم تناول لفظ المبيع لها، كطريق الدار، و ثياب العبد، إلا أن الأمر سهل. بعد أن كان المرجع في حكم التبعية الشرع، أو العرف إذ الفرض عدم ذكر ما يدل عليها في العقد الناقل، و قد لا تكون حاضرة في ذهن المتعاقدين، و دعوى أن الدلالة التزامية، يدفعها منع اللزوم بينها، و بين متعلق البيع مع أن المحكي عن قطب الدين الرازي، أن المراد بتناول اللفظ بالدلالة المطابقية و التضمنية لا الالتزامية. فلا يدخل الحائط لو باع السقف و استحسنه في المسالك.

لكن في الحدائق بعد أن حكى ما سمعت عن القطب، حكى عن الأردبيلي أن المراد بالمعاني ما يفهم منها بحسب التخاطب إرادة اللافظ ذلك مطابقا، أو تضمنا، أو

ج 23، ص: 128

التزاما، ثم قال: «و هو الأظهر بالنظر إلى ما قد منا نقله عنهم من الحوالة على العرف، قلت: الدلالة الالتزامية المصطلحة هي الانتقال من اللفظ الدال على الملزوم إلى اللازم، بواسطة اللزوم بينهما عقلا أو عرفا، أراده اللافظ أو لم يرده، فتعليق صيغة البيع باللفظ الدال على الأول، لا يقتضي إرادة نقل الثاني قطعا، و إن دل عليه اى صار سببا لحضوره في ذهن السامع عند ذكر الدال على الملزوم، و بينهما بون بعيد، و فرضه لازما للإرادة بمعنى إن قصد نقل أحدهما يلزمه قصد نقل الأخر في الدلالة الالتزامية المصطلحة يمكن منع تصوره، فلم يبق في مثل التوابع المزبورة إلا التبعية شرعا أو عرفا، لنقل ذلك المبيع، لا أنه قصد بالعقد نقلها، و أنه هو الذي أثر انتقالها كالمتبوع، و حيث كان الناقل في الفرض لفظ صيغة البيع، أمكن اندراجه حينئذ في الضابط المزبور بهذا الاعتبار، بناء على إرادة ما يشمل ذلك من اللفظ فيه، و إلا فهي تابعة للنقل، و لو كان بالفعل بناء على حصوله بالمعاطاة، فتأمل جيدا فإنه دقيق.

ثم إن الظاهر كون محل البحث في اللفظ الذي صار موردا للعقد حال غفلة المتعاقدين عما شك في دخوله فيه، و عما اختلف فيه، إذ مع تنبههما لذلك و لم يتعرضا للدخول و الخروج، و لا كان العرف عندهما منقحا، يقوى بطلان البيع للجهالة، إذ إناطة البيع بمعنى اللفظ؛ مع فرض عدم معرفته لا ريب في كونه منها، بخلاف ما إذا كانا غافلين و اكتفيا في علم المبيع بمعظم أجزائه، و لم يتنبها لاستحضار تمامها، فإن الصحة فيه واضحة و يتجه حينئذ نزاعهما في دخول بعض الأشياء و خروجها، و المرافعة للحاكم، فيحكم بينهما بحسب ما يراه من الدخول و الخروج و لو من جهة الشك، و قد يقال: بالصحة في الأول أيضا، بناء على عدم قدح مثل هذه الجهالة في أمثال ذلك في الصحة بعد ان كان معظم المراد من اللفظ معلوما، فتأمل جيدا.

كما أنه يمكن القول بالبطلان فيهما، هذا كله مع الجهل في أجزاء مسمى مورد العقد، أما الجهل بالتوابع فغير قادح، إذ قد عرفت أن مرجعها إلى الشرع، لا إلى

ج 23، ص: 129

ألفاظ المتعاملين، و المسألة غير منقحة في كلام الأصحاب، و ظن المجتهد الذي يترافعان إليه في الدخول و الخروج كاف، لأنه من ظن الموضوع، بل لا يبعد الاكتفاء به في ظن التبعية.

و كيف كان فقد تعارف بين الأصحاب البحث في ألفاظ مخصوصة لكثرة دورانها، فمنها لفظ البستان و الباغ فمن باع بستانا دخل فيه الشجر و النخل و الأرض بلا خلاف و لا إشكال، من غير فرق بين ما قصد منه الثمر من الشجر و غيره، بل الظاهر دخول الميت من النخل فيها، إذا لم تكن مقطوعة، فضلا عن المشرف، و كذا الشجر على إشكال فيه، و السعف اليابس في النخلة، و الأغصان اليابسة في الشجرة، لكن في القواعد «لا يدخل الغصن اليابس، و لا السعف اليابس على إشكال، و في ورق التوت نظر» إلا أن ضعفه واضح، و القطع عادة لا يخرجه عن الجزئية.

و أما الأبنية فلا ريب في دخول سورها فيه كما نص عليه في جامع المقاصد و محكي التذكرة، و كذا غيره مما يعد من توابعها و مرافقها، و يدخل في نحو إطلاق باع فلان بستانه، و لكن في القواعد الإشكال فيه و في المسالك وجهان، من ذلك، و من عدم دخوله في مسماه لغة، و لذا يسمى بستانا و إن لم يكن فيه بناء، بخلاف ما إذا لم يكن فيه شجر، فتنتفي دلالة المطابقة و التضمن، و أما انتفاء دلالة الالتزام فلعدم كونه لازما بحيث يلزم من تصوره تصوره، و فيه أنه يمكن كونه جزء من الفرد المبيع، لا من مفهوم البستان الصادق مع عدمه، كصدقه مع قطع بعض الأشجار منه، و لعل الأقوى: الرجوع فيه إلى العادة المختلفة باختلاف الأمكنة، و أوضاع البناء و غيرهما، و إليه أومى في الدروس بقوله يدخل فيه الجدار و البناء الذي جرت العادة بكونه فيه دون غيره، لكن في التذكرة «عندنا لا يدخل» و لا ريب في تبعية المجاز، لأنه من ضرورات الانتفاع بها، بل و الشرب أيضا لذلك، كما جزم به في الدروس و جامع المقاصد، لكن في القواعد و التذكرة الإشكال فيهما،

ج 23، ص: 130

و لا وجه معتد به للأول، بل و الثاني مع الانحصار، لامتناع الانتفاع المطلوب من البستان بدونه كما هو واضح.

و احتمال كون الإشكال من حيث المفهوم- و إن كان داخلا بوجه آخر- فيه ما لا يخفى، كاحتمال كونه مع التمكن من مجاز و شرب أعزلها، و كذا يتبعها العريش الذي يوضع عليه الغضبان إذا كان ثابتا دائما أو غالبا، دون المنقول دائما أو غالبا، مع أن في الدروس وجها في الدخول، و أطلق في القواعد الدخول على إشكال، كإطلاقه في التذكرة أن الأقرب عدم الدخول، و ليس لفظ الكرم كالبستان قطعا، خلافا للمحكي في التذكرة عن الشافعية قال: و ليس جيدا، فإن العادة و العرف و الاستعمال يقتضي عدم دخول الحائط في مسمى الكرم، و دخوله في البستان، و في المسالك أن المرجع في دخول الأرض و العريش و الطريق و الشرب و البناء، لو باعه بلفظ الكرم العرف، فإن أفاد دخولها في مسماه دخل، و إلا فلا، و لو أفاد دخول بعضها خاصة اختص به و كذا القول في باقي الأشجار الثابتة معه، و مع الشك في تناول العرف لها لا تدخل. و أوضح من ذلك ما في الدروس «و لو باعه بلفظ الكرم تناول العنب لا غير إلا مع القرينة».

و منها الدار التي أشار إليها المصنف بقوله و كذا من باع دارا دخل فيها الأرض و الأبنية الأعلى و الأسفل بلا خلاف و لا إشكال إلا أن يكون الأعلى مستقلا بما تشهد العادة بخروجه مثل أن يكون مساكن منفردة لها طريق مخصوص و نحوه، كما في بعض البلدان، و الظاهر اشتراك السقف حينئذ بينهما، و عليه يحمل إطلاق

المكاتبة الصحيحة(1)«في رجل اشترى من رجل بيتا في دار له بجميع حقوقه، و فوقه بيت آخر، هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل أم لا؟ فوقع عليه السلام ليس له إلا ما اشتراه باسمه و موضعه إنشاء الله»

مع أنها في البيت لا في الدار.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه تدخل الأبواب المنصوبة، و الحلق، و المغالق، و السلاسل، و العتبات و الأغلاق المنصوبة عليها في بيع الدار و إن


1- 1 الوسائل الباب 31 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.

ج 23، ص: 131

لم يسمها بل الظاهر دخولها فيها لا في بيعها خاصة، كما هو ظاهر العبارة و كذا الأخشاب المستدخلة في البناء بل و الأوتاد المثبتة فيه، و السلم المثبت في الأبنية على حذو الدرج بل و الحمام المعد لها و الحوض و الخوابي المثبتة في الأرض و الحيطان بحيث تصير من أجزائها و توابعها، خلافا للفاضل في التذكرة كما حكاه في المسالك، فنفى دخول السلالم المسمرة، و الرفوف الموضوعة على الأوتاد من غير سمر، و الأوتاد المثبتة، لخروجها عن اسم الدار، و في أكثر كتبه كما

حكاه في المسالك أيضا الخوابي مطلقا، و قد يحمل على ما لا تعد من أجزائها.

قال في التذكرة: «ما أثبت في الدار لا على وجه الدوام و البقاء فيها كالرفوف و الدنان و الإجانات المثبتة و السلالم المسمرة و الأوتاد المثبتة في الأرض و الجدران و التحتاني من حجري الرحا، و خشب القصار و معجن الخباز، الأقرب عدم دخوله، لأنها ليست من أجزاء الدار، و إنما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كيلا يتزعزع و يتحرك عند الاستعمال» و قال في الدروس: «لا يدخل فيها ما بها من آلة و لو كانت مدفونة» ثم بعد أن حكى عن الشيخ دخولها، لأنها كالخزائن قال: «نعم لو كانت الخابية مثبتة في الجدران، قرب دخولها» و في المسالك «لو كان السلم غير مثبت لم يدخل قطعا» قلت: قد يناقش فيه على إطلاقه.

و كيف كان فلا يدخل فيها الكنوز المذخورة، و الأحجار المدفونة، و ما ليس بمتصل كالفرش، و الستور، و الحبل، و الدلو، و البكرة، و القفل، و نحو ذلك، و يقوى دخول ألواح الدكاكين، كما في المسالك، و استشكل فيه في القواعد، و في التذكرة «أن الأقرب الدخول، لأنها أبواب لها؛ فأشبه الباب المثبت، و يحتمل عدم الدخول، لأنها تنقل و تحول فكانت كالفرش» قلت: لا ريب في دخول الألواح التي هي أبواب لها و إن لم تكن ثابتة لسهولة الارتفاق بسعة الباب، أما الألواح المسماة بالخوان، في عرفنا، فالظاهر عدم الدخول، لأنها من الآلات فتأمل جيدا.

ج 23، ص: 132

و في دخول المفاتيح للأغلاق المنصوبة تردد، و دخولها أشبه لأنها من التوابع للأغلاق التي عرفت دخولها و لا تدخل الرحى المنصوبة قطعا إلا مع الشرط خلافا للمحكي عن المبسوط، و ضعفه واضح، و إثباتها لسهولة الانتفاع بها، لا لإدخالها في الدار، و يدخل في بيع الدار المجاز، و لو قال بحقوقها و تعدد دخل الجميع، و لو لم يقل، ففي القواعد إشكال، قال: «فإن قلنا بدخول الجميع فلا بحث، و إلا وجب التعيين» و كذا يدخل فيه البئر، بل و الماء الذي فيه، كما نص عليه في التذكرة و لا تقدح جهالته بعد أن كان من التوابع، خلافا للمحكي عن المبسوط، فلم يدخله لان له مادة مجهولة تمنع من صحة بيعه، فتمنع من دخوله، و تبعه القاضي كما في الدروس و الله أعلم.

و لو كان في الدار نخل أو شجر لم يدخل في الدار و لا في المبيع بلا خلاف كما عن التنقيح الاعتراف به في بيع الأرض التي هي كالدار في ذلك؛ و في التذكرة «لو كان وسطها أشجار لم تدخل عندنا» فإن قال بحقوقها قيل و القائل الشيخ كما في المسالك يدخل بل فيها أنه يفهم منه الدخول و إن لم يقل بحقوقها، محتجا بأنه من حقوقها، و في الدروس عن المبسوط دخول الشجر و النخل في بيع الدار، و ضعفه المصنف فقال:

و لا أرى هذا شيئا، بل لو قال و ما دار عليه حائطها أو ما شاكله، لزم دخوله، و الذي حكاه الفاضل و غيره عن الشيخ، الدخول في بيع الأرض إذا قال ذلك، لا الدار، بل قيل إنه وافقه عليه القاضي و ابن حمزة و ابن زهرة اللهم إلا أن لا يفرق بينهما.

و على كل حال فلا ريب في ضعف الدخول، سيما مع كونه على خلاف الأصل، و دعوى كونه من الحقوق ممنوعة في الغالب؛ بل لو فرض ذلك في بعض الأشجار و الزرع المقصود منها نزهة الدار و حسنها كان خارجا عن محل النزاع، و يكون من قبيل الدخول بالقرائن، بل لا يحتاج فيه إلى التصريح بالحقوق.

و

مكاتبة الصفار(1)في الصحيح إلى أبى محمد عليه السلام «في رجل اشترى من رجل


1- 1 الوسائل الباب 29 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.

ج 23، ص: 133

أرضا بحدودها الأربعة و فيها زرع و نخل و غيرهما من الشجر، و لم يذكر النخل و لا الزرع و لا الشجر في كتابه، و ذكر فيه أنه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها؛ و الخارجة منها، أ يدخل النخل و الأشجار في حقوق الأرض أم لا؟ فوقع عليه السلام، إذا ابتاع الأرض بحدودها و ما أغلق عليه بابها، فله جميع ما فيها إنشاء الله»

أوضح دلالة على العدم منها على الدخول، من حيث تعليق الدخول فيها على ذكر ما أغلق

عليه بابها، الدال بالمفهوم على العدم، مع عدم ذكره، و المنطوق لا خلاف فيه نقلا و تحصيلا لدلالة العرف.

و إذا استثنى نخلة مثلا فله الممر إليها و المخرج منها و مدى جرائدها و عروقها من الأرض و ليس للمشترى منع شي ء من ذلك، لانه من حقوقها التابعة لها، كما أنه للبائع ذلك لو انعكس الأمر.

نعم لا يدخل نفس الأرض في بيع النخل أو الشجر، للأصل، لكن يستحق من منفعتها ما يتوقف الانتفاع بالشجرة و ثمرتها من الحرث و السقي و جمع الثمرة و نحو ذلك من حقوقها.

قال الصادق عليه السلام في خبر السكوني (1): «قضى رسول الله صلى الله عليه و آله في رجل باع نخلا و استثنى نخلة، بالمدخل إليها و المخرج منها و مدى جرائدها»

ك

خبر عقبة بن خالد(2)«عن النبي صلى الله عليه و آله قضى في هرائر النخل ان تكون النخلة و النخلتان للرجل في حائط آخر، فيختلفون في حقوق ذلك، فقضى أن لكل نخلة من أولئك من الأرض مبلغ جريدة من جرائدها حين يعدها».

و لعل الأصل في الخبر حريم النخل، ثم اعتراه التصحيف، و على كل حال فالمراد واضح؛ و ليس أنه يملك مقدار ذلك من الأرض، بل المراد كون ذلك من الحقوق؛ فليس للمالك حينئذ أن يثنى الجرائد، أو يقطع العروق، بل ليس له العمل

في الأرض بما يضر بالعروق، أو النخلة، أما إذا لم يضر فالظاهر جوازه، و في


1- 1 الوسائل الباب 30 من أبواب أحكام العقود الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام إحياء الموات الحديث

ج 23، ص: 134

المسالك «أن في الجواز احتمالا وجيها، لانه مالك الأرض، و إنما استحق مالك الشجرة ما يحتاج إليه بطريق الاستتباع لتوقف الانتفاع عليه، لا الملك، فيقتصر فيه على موضع اليقين» ثم قال: «و كذا لا يجوز لمالك الشجرة الانتفاع بما يخرج عن متعلقاتها، من الزرع تحتها، و الإقامة عندها زيادة على المعتاد في أمثالها، مع احتماله أيضا» قلت: لا وجه للاحتمال المزبور إذا لم يتوقف عليه مصلحة النخلة.

و كيف كان فلا ينبغي التأمل فيما ذكرناه من الأحكام المزبورة، لكن

قال محمد بن الحسن الصفار(1)«كتبت إليه في رجل باع بستانا له فيه شجر و كرم، و استثنى منها شجرة، هل يمر إلى البستان إلى موضع شجرته التي استثناها، و كم لهذه الشجرة التي استثناها من الأرض التي حولها، بقدر أغصانها، أو بقدر موضعها التي هي ثابتة فيه فوقع عليه السلام، له من ذلك على حسب ما باع، فلا يتعدى الحق في ذلك، إنشاء الله»

و لعل مراده نفى الملكية، لا الاستحقاق بالمعنى الذي ذكرناه و الله أعلم.

و قد ظهر لك مما ذكرنا أو لا أنه لو باع أرضا و فيها نخل أو شجر، كان الحكم كذلك الذي سمعته أى لا يدخل ما لم يأت بالعبارة السابقة و نحوها مما تدل على الشمول و كذا لو كان فيها زرع لم يدخل أيضا في بيع الأرض، و لو كان بذرا لما عرفت سواء كانت له أصول تستخلف أو لم يكن، لكن يجب تبقيته في الأرض حتى يحصد لانه أو انه الذي ينتظر، و المراد باستخلاف الأصول، أنه يجز مرة بعد أخرى، و يجب تبقيته حينئذ إلى أن تنتهي جزاته، و يستقلع، و الجميع للبائع، للأصل، لكن في الدروس «عن الشيخ و القاضي أنه ان كان مجزوزا فهو للمشترى، و إلا فالجزة الأولى للبائع، و الباقي للمشترى» و لا ريب في ضعفه.


1- 1 الوسائل الباب 30 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.

ج 23، ص: 135

نعم لو شرطه المشتري، أو دلت القرينة، دخل كغيره من الزروع سنبلا، و قطنا مفتحا و غيره كان أو غيرهما، خلافا للمحكي عن المبسوط فلا يصح في السنبل و القطن، للجهالة له؛ مع أنه جوز بيع السنبل و البذر مع الأرض، و عن المختلف إن كان البذر تابعا دخل بالشرط، و إن كان أصلا، بطل، قلت: الصحة مطلقا لا تخلو من قوة، بل في الدروس انه الوجه، و منها النخل و الشجر، و يدخل فيه و لو بالتبعية، الكبيرة، و الصغيرة، و العروق، و المجاز، و الشرب، على حسب ما عرفته سابقا في بيع البستان، و لا تدخل الأرض كما سمعته حينئذ أيضا؛ بل و لا الإفراخ المتجددة، و إن كانت هي ملكا للمشتري؛ باعتبار كونها نماء ملكه، و تظهر الثمرة في عدم وجوب إبقاؤها على البائع كالأصول، بل له الإزالة، لأن البيع إنما اقتضى إبقاء الشجرة و ما يعد من أجزائها، و ليس الفروخ شيئا منهما.

نعم قد يقال إن الإزالة عند صلاحية الأخذ، و إمكان الانتفاع كما في الزرع و الثمرة إذا اشتراهما، بل في جامع المقاصد «أنه لا يستحق أجرة على ذلك، لان البقاء إلى أو ان الانتفاع من مقتضيات العقد، و ربما أشكل أصل الحكم، بأنه إن شملهما اسم الشجر وجب الإبقاء دائما، كالشجرة و إن لم يشمله لم يجب إبقاؤه و قتاما، كما لو نبت حب الغير في أرض آخر، و أجيب بأن اسم الشجرة لا يتناوله فلا يجب إبقاؤه دائما، لكن لا يجوز إزالته حالا، لانه من نماء الشجرة فهو كثمرتها التي لم تدخل في مسماها، لكن يجب إبقاؤها إلى أو ان البلوغ عرفا، ثم تسوغ الإزالة» قلت: قد يحتمل وجوب بذل الأجرة، جمعا بين الحقين و لو شرط البقاء فلا بحث في الوجوب.

هذا و في الدروس «قيل: و لا تدخل الإفراخ إلا بالشرط» و هو مشعر بتردده، و لعله نظر الى الجزئية باعتبار حصولها من أصول الشجر، و فيه أنه و إن نمت من أصوله، إلا أن العرف اقتضى خروجها عن الجزئية؛ و عدها شجرا آخر، لكن في جامع

ج 23، ص: 136

المقاصد» هذا، إذا لم يكن نابتة في نفس المغرس، أما إذا أنبتت فيه فإشكال».

و كيف كان فلا ريب في استحقاقه البقاء في الأصول، و لو انقلعت سقط حقه، و ليس له غرس غيرها فيه، كما أنه ليس له الإبقاء في المغرس مثبتة، لأنها حطب حينئذ لا شجرة، بل الظاهر عدم وجوب بقاء أصلها، لرجاء أن ينبت، لان استبقاء الأصول إنما كان بالتبعية لها و قد زالت، و ربما احتمل الوجوب، لوجوب إبقاء المجموع، فلا يسقط بزوال بعضه، و لا ريب في ضعفه، بل الظاهر كون الحكم كذلك و إن اشترط بقاء الإفراخ إذا لم يكن فرخ حال الموت نعم لو كان موجودا. و بقاء الأصل له مدخلية في بقائه، اتجه حينئذ وجوب الإبقاء و الله أعلم.

و لو باع نخلا قد أبر ثمرها أى لقح بذر طلع الفحل من النخل في طلع الإناث بعد تشقيقه، فهو للبائع للأصل و الإجماع المحكي إن لم يكن المحصل لان اسم النخلة لا يتناوله، و لقول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر غياث بن إبراهيم (1)عن الصادق عليه السلام «من باع نخلا قد أبره فثمرته للبائع الا أن يشترط المبتاع» أي المشتري

«ثم قال: قضى به رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم»

ك

قول الصادق عليه السلام في خبر يحيى بن ابى العلاء(2): «من باع نخلا قد لقح، فالثمرة للبائع، إلا أن يشترط المبتاع، قضى رسول الله صلى الله عليه و آله بذلك»

و قال أيضا

في خبر عقبة بن خالد(3): «قضى رسول الله صلى الله عليه و آله أن ثمرة النخل للذي أبرها، إلا أن يشترط المبتاع»

فما عن ابن حمزة من أنها للمشتري مع عدم بدو الصلاح، شاذ لا مستند له، و لكن يجب على المشتري تبقيته إلى أوان بلوغه من غير أجرة، نظرا إلى العرف و كذا لو اشترى ثمرة كان للمشتري تبقيتها على الأصول؛ نظرا إلى العادة بلا خلاف في شي ء من ذلك، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه إذ هو من مقتضيات العقد عرفا، فكأنه مشترط، و يأتي في باب الخيار له تتمة إنشاء الله.


1- 1 الوسائل الباب 32 من أبواب أحكام العقود الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 32 من أبواب أحكام العقود الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 32 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.

ج 23، ص: 137

و من المفهوم من النصوص المزبورة علم أنه إن باع النخل و لم يكن مؤبرا، فهو للمشتري على ما أفتى به الأصحاب بل في المختلف و التذكرة و محكي الخلاف الإجماع عليه؛ بل هو مقتضى ما تسمعه من عبارة المصنف، فضلا عن نسبته هنا إلى الأصحاب، الظاهر في الإجماع أيضا، كظاهر الصيمري و المحكي عن المقداد، و به يخرج عن مقتضى الأصل، لكن قد يشكل العمل بذلك، إذا فرض كون العرف على الخروج عن المشتري، كالإشكال في الأول، إذا فرض تعارف الدخول في ملك المشتري، ضرورة أنه معه يكون كالمصرح به، و دعوى شمول النصوص لذلك، يمكن منعها خصوصا في الأول الذي دليله المفهوم.

و على كل حال ف لو انتقل النخل بغير البيع، فالثمرة للناقل سواء كانت مؤبرة أو لم تكن عند علمائنا كما في التذكرة و سواء انتقلت بعقد معاوضة ك وقوعه ثمنا للإجارة و مهرا في النكاح أو بغير عوض كالهبة و شبهها بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل في ظاهر التذكرة أنه من معقد إجماعه، للأصل السالم عن معارضة النصوص و الإجماعات السابقة؛ و دعوى التنقيح ممنوعة على مدعيها، كدعوى أن النصوص السابقة، إنما كشفت عن العرف في التبعية، خصوصا بعد ما صرح بما ذكرنا، غير واحد من الأصحاب، بل عن بعضهم الإجماع عليه، خلافا للمحكي عن المبسوط و القاضي فعمما الحكم، و عن السرائر أنه لا دليل لهما سوى القياس، و لو ظنها المشتري غير مؤبرة، فظهرت مؤبرة فعن الشيخ أن له الفسخ، لفوات بعض المبيع في ظنه، و عن الفاضل عدمه، لعدم العيب و تفريطه، و هو قوى، لكن في الدروس «أن الوجه الأول، لأن فوات بعض المبيع أبلغ من العيب، و لا تفريط، لانه بنى على الأصل» و فيه منع الفوات، و منع كون البناء على الأصل عذرا يسلط على الخيار، و لو ظن البائع التأبير فظهر خلافه، ففي الدروس «أن له الفسخ إذا تصادقا على الظن» و فيه نظر يعلم مما عرفت، و عليه فلو ادعى أحدهما على صاحبه علم الحال، فأنكر، احتمل كما في الدروس إحلاف المنكر، و يقضى

ج 23، ص: 138

بما ظنه و لعله الظاهر. و الله اعلم.

و كيف كان ف الابار الذي عليه المدار يحصل و لو تشققت من نفسها فأبرتها للواقح لإطلاق الخبرين الأولين، و معاقد الإجماعات، و لا ينافيه خبر عقبة(1)بل في المسالك «أن العادة الاكتفاء بتأبير البعض، و الباقي يتشقق بنفسه، و ينشب ريح الذكور إليه، و قد لا يؤبر شي ء، و يتشقق الكل بتابر الرياح، خصوصا إذا كانت الذكور في ناحية الصبا، فهب الصبا وقت التأبير» و نحوه في التذكرة و هو معتبر في الإناث، و لا يعتبر في فحول النخل لما عرفت من أن مسماه ذلك. فثمرتها على كل حال للبائع، للأصل السالم عن معارضة المفهوم الظاهر في الذي عادة صنفه التأبير.

و كذا لا يعتبر هو أو شبهه في غير النخل من أنواع الشجر، اقتصارا على موضع الوفاق، فلو باع شجرة فالثمرة للبائع على كل حال إلا أن يكون عرف يقتضي الخروج، للأصل السالم عن المعارض بعد حرمة القياس، و لعل ما في النهاية غير مناف لذلك قال: «إذا باع نخلا قد أبر و لقح، فثمرته للبائع، إلا أن يشترط المبتاع الثمرة، فإن شرط كان على ما شرط، و كذلك الحكم فيما عدا النخل من شجر الفواكه» و نحوه قال المفيد و عن ابن إدريس أنه ما قصد الشيخ من ذلك إلا أن الثمرة للبائع، لأنه ما ذكر إلا ما يختص بالبائع، و لا اعتبار عند أصحابنا بالتأبير إلا في النخل، فأما ما عداه متى باع الأصول و فيها ثمرة فهي للبائع، إلا أن يشترطها المشتري، سواء لقحت أو لم تلقح، و هو كما ذكر، و إلا كان ضعيفا لا شاهد عليه.

ثم إن المدار على التأبير فعلا، كما هو ظاهر النصوص و الفتاوى، لا وقته كما عن الشافعي، فلو باعه النخل بعد صلاح الثمرة، لكنها لم تكن مؤبرة؛ كانت للمشترى للصدق، إلا أن يكون

هناك عرف يقتضي الخروج، فإن فيه الإشكال المزبور حينئذ.

و على كل حال ف في جميع ذلك له تبقية الثمرة حتى تبلغ أو ان أخذها و


1- 1 الوسائل الباب 32 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.

ج 23، ص: 139

هو مختلف كما تسمعه في الفروع و ليس للمشتري إزالتها إذا كانت قد ظهرت، سواء كانت ثمرتها في كمام كالقطن و الجوز، أو لم تكن، إلا أن يشترطها المشتري على البائع «فإن

المؤمنين عند شروطهم»

و كذا لو كان المقصود من الشجر ورده، فهو للبائع تفتح أو لم يتفتح بلا إشكال و لا خلاف أجده في شي ء من ذلك، إلا من المحكي عن المبسوط و بعض أتباعه، فقال: «إذا باع القطن و خرج جوزه، فان كان تشقق فالقطن للبائع، إلا أن يشترطه المشتري، و إن لم يكن تشقق فهو للمشتري» ثم قال: «و ما عدا النخل و القطن فعلى أقسام أحدها- ما يكون ثمرته بارزة، لا في كمام و لا ورد كالعنب و التين و ما أشبه ذلك، فان باع أصلها، فإن كانت الثمرة قد خرجت فهي للبائع، و إن لم يكن قد خرجت فهي للمشتري. الثاني- أن تخرج الثمرة في ورد، فإن باع الأصل بعد خروج وردها، فان تناثر الورد و ظهرت الثمرة فهي للبائع، و إن لم يتناثر وردها و لم يظهر الثمرة، و لا بعضها فهي للمشتري. الثالث- أن تخرج في كمام كالجوز و اللوز، مما دونه قشر يواريه إذا ظهر ثمرته فالثمرة للبائع- الرابع ما يقصد ورده كشجر الورد و الياسمين، فإذا بيع الأصل، فإن كان ورده قد تفتح فهو للبائع، و إن لم يكن تفتح فهو للمشترى.

و نحوه عن ابن البراج، و لم أعرف له شاهدا صالحا لقطع الأصل في الورد و القطن، بل ظاهر التذكرة أن المخالف في الثاني الشافعي، قال؟ فيها: «القطن ضربان، أحدهما له ساق و يبقى سنين، و يثمر كل سنة، و هو قطن الحجاز و الشام و البصرة. و الثاني- ما لا يبقى أكثر من سنة واحدة، و كلاهما لا يدخل الجواز الظاهر في بيع الأصل، سواء تفتح أولا، خلافا للشافعي، ثم حكى قوله في القسمين» و التحقيق عدم الخروج عن مقتضى الأصل إلا في النخل كما عرفت، بل في الدروس أنه لا يدخل في ملك المشتري ورد الثمار فضلا عن الجنبذ. و الله أعلم.

و منها- القرية، و الدسكرة، و الضيعة في عرف أهل الشام، و يدخل فيه دورها

ج 23، ص: 140

و ساحاتها و طرقها، و في دخول الأشجار الثابتة وسطها إشكال، كما في القواعد، و جزم في الدروس بالخروج الا مع الشرط، أو القرينة كالمزارع التي حولها، فإنه لا ريب في خروجها، بل في القواعد و ان قال بحقوقها، و منها- لفظ الكتاب و يدخل فيه أجزائه و جلده و خيوطه، و ما به من الأصول و الحواشي و الأوراق المثبتة فيه، و لا يدخل فيه كيسه و لا ما به من أوراق منفردة لا تتعلق به، الا إذا كان عرف يقتضيه، و في دخول ما يعلم به من الأوراق نظر كما في الدروس. و منها- لفظ الحمام و يدخل فيه بيوته، و موقده، و خزانة مائه، و حياضه، و مسلخه، و بئره و ماؤها، بل في الدروس أنه لو كان ينتزع من مباح دخلت الساقية فيه، و الأقرب دخول قدره المثبت فيه، و لا يدخل فيه سطله، و لا أقدامه، و وقوده و مأزره، و على البائع تسليمه مفرغا من الرماد و كثير الغمامة.

و منها- لفظ العبد و الأمة و لا يبعد اقتضاء العرف دخول ثيابهما الساترة للعورة في بيعهما، كما نص عليه في الدروس، و يأتي الكلام في غيرها في بيع الحيوان، و منها- لفظ الدابة و يدخل فيه النعل، دون المقود و الرحل إلا مع الشرط كما في الدروس، و لعل العرف الان على خلافه، خصوصا في المقود. إلى غير ذلك من الألفاظ التي لا فائدة في التعرض لتفصيلها، بعد أن كان الضابط ما سمعته أولا. و الله أعلم.

[فروع ]
اشارة

فروع

[الفرع الأول إذا باع النخل المؤبر و غيره كان المؤبر للبائع و الآخر للمشتري ]

الأول: إذا باع النخل المؤبر و غيره صفقة كان المؤبر للبائع و الآخر للمشتري بلا خلاف فيه بيننا، اتحدت البستان أو تعددت و اتحد نوع المؤبر أو اختلف، خلافا للشافعي و كذا لو باع المؤبر لواحد، و غير المؤبر لاخر بل لو باع نخلة واحدة أبر بعضها دون الأخر، كان لكل حكمه، لأن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية، فيدور الحكم مدارها وجودا و عدما، خلافا للتذكرة فالجميع للبائع، لصدق بيع نخل قد أبر، و اقتصارا فيما خالف الأصل- عن دخول غير المؤبر في ملك المشتري- على المتيقن، و لعسر التميز إذا أبر المشتري ما انتقل إليه، و المشقة

ج 23، ص: 141

في اعتبار تأبير الجميع في بقاء الثمرة على ملك البائع.

و الجميع كما ترى بعد ما عرفت؛ على أن صدق التأبير ليس بأولى من صدق عدم التأبير، بل يمكن منع صدق الأول بظهور النصوص في تأبير الجميع، و الاقتصار على المتيقن لا يعارض الدليل و لو كان ظنيا، و عسر التميز- مع أنه لا يشخص ملكية البائع- يمكن رفعه حينئذ بالصلح، كما في الدروس «إذا لم يعلما قدر ما لكل منهما، نحو ما لو كانت مؤبرة للبائع، فتجددت أخرى للمشتري قال في القواعد:

إن لم يتميزا فهما شريكان، فان لم يعلما قدر ما لكل منهما اصطلحا، و لا فسخ لا مكان التسليم، و كذا لو اشترى طعاما فامتزج بطعام البائع قبل القبض فله الفسخ و لعله أراد الانفساخ من قوله لا فسخ، اى لا يتوهم ذلك لعدم القدرة على التسليم، لا مكانه و لو بتسليم الجميع، فلا ينافي حينئذ ما ذكره أخيرا من أن له الفسخ بالتعيب بالشركة قبل القبض. فتأمل جيدا.

فلا ريب حينئذ في قوة ما ذكرناه أولا، و أضعف من ذلك احتمال كون الجميع للمشترى لصدق عدم التأبير؛ و لم أجده لأحد من أصحابنا نعم في جامع المقاصد أنه ربما ظهر من عبارة التذكرة- و هو مع ضعفه- يمكن منع ظهورها فيه. فلاحظ و تأمل.

[الفرع الثاني تبقية الثمرة على الأصول مستحقة لمالكها مجانا]

الفرع الثاني قد عرفت أن تبقية الثمرة على الأصول إلى بدو الصلاح مستحقة لمالكها مجانا، و لو مع الضرر اليسير، للأصول بائعا كان أو مشتريا، و لكن بعد أن لم يكن لها مقدر شرعا يرجع إليه كان المرجع فيها إلى العادة في تلك الشجرة كما في نظائره خصوصا في نحو المقام الذي مبناه حديث الضرار(1)و نحوه فما كان من الشجر حينئذ يخترف و يجتنى بسرا ينبغي أن يقتصر على بلوغه و انتهاء حلاوته و ما كان لا يخترف في العادة إلا رطبا فكذلك و ما يؤخذ تمرا فإلى أن ينشف نشافا تاما، و هكذا. و مع اضطراب العادة يرجع إلى الأغلب فيها، و مع التساوي يحتمل الحمل على الأقل، اقتصارا فيما خالف أصل تسلط


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3- 4.

ج 23، ص: 142

المشتري على ملكه- و منع غيره من الانتفاع به- على المتيقن و الأكثر لثبوت أصل الحق، فيستصحب الى أن يثبت المزيل، و وجوب التعيين للاختلاف المؤدي إلى الجهالة، و تسمع في باب الثمار تتمة لهذا. إنشاء الله تعالى.

و لو اتفق في التبقية الضرر الكثير على مشتري الأصول، فالأقرب- كما في القواعد و جامع المقاصد- جواز القطع. فله إجباره عليه كما عن المختلف و الدروس و حواشي الشهيد و غيرها، لوجوب التسليم مفرغا عليه، و لنفى الضرر، و لا يقدح رضاه بالعقد المقتضى للتبقية بعد تنزيله على الغالب من عدم الضرر الكثير، بل في الأول النظر في دفع الأرش، للأصل بعد أن كان القطع مستحقا، بل عن الدروس الجزم بعدمه له أولا؛ و ان كان فيه من الضعف ما لا يخفى. للمنع من جواز القطع بلا أرش، و لعدم، زوال الضرر بالضرر، و لانه نقص دخل على مال غيره لنفعه. نعم قد يحتمل البقاء بالأرش، و الاولى مراعاة أكثرهما ضررا، و مع التساوي و التشاح القرعة.

و من ذلك يعلم ما في التذكرة من أنه لا يجب القطع مع خوف الضرر على الأصل و إن كان كثيرا على اشكال، و ما عن التحرير من عدم الترجيح، بل عنها في موضع آخر و المبسوط و عميد الدين الجزم بعدم القطع و ان كثر الضرر، بل ربما احتمل في عبارة المبسوط ذلك و ان أدى الى تلف الأصول، و فيه ما لا يخفى.

[الفرع الثالث يجوز السقي لذي الثمرة و الأصول ]

الفرع الثالث يجوز ال سقي لذي الثمرة لصلاحها لانه من حقوقها المستحقة له باستحقاق تبقيتها و سقى الأصول كذلك لصاحبها فان امتنع أحدهما فمنع الأخر من السقي أجبر الممتنع لعدم تسلطه علي منع تصرف الأخر لصلاح ماله. نعم لو تضررا معا منعا منه. فان كان السقي يضر أحدهما بالفعل و الأخر بالترك رجحنا مصلحة المبتاع كما عن الفاضل و الشهيدين، بل نسبه ثانيهما إلى الأشهر، لأن البائع هو الذي أدخل الضرر على نفسه بتسليطه عليه.

و يحتمل البائع كما في الدروس لسبق تعلق حقه الذي لا يزيله تسليط المشتري،

ج 23، ص: 143

و قد يحتمل بل لعله الأقوى مراعاة أكثرهما ضررا، و مع التساوي القرعة، إلا أنه على كل حال ينبغي بذل الأرش للمتضرر منهما جمعا بين الحقين، خلافا لظاهر المتن و غيره من التقديم مجانا، و أما احتمال جواز فسخ العقد- بينهما مع التشاح كما حكاه في المسالك عن بعض الأصحاب، و غيره عن المبسوط- ففي غاية الضعف لعدم المقتضى له، و عليه لا يسقط البحث، لانه يمكن فرض المسألة فيما لا خيار فيه من العقود أو غيرها و كيف كان فليسق من تقدم فيه لكن لا يزيد عن قدر الحاجة فإن اختلفا فيها رجعا إلى أهل الخبرة كما في غير المقام.

[الفرع الرابع الأحجار المخلوقة في الأرض و المعادن تدخل عرفا في بيع الأرض ]

الفرع الرابع: الأحجار المخلوقة في الأرض و المعادن تدخل عرفا في بيع الأرض بلا خلاف أجده فيهما، مما عدا ثاني الشهيدين لأنهما من أجزائهما و لكن قال المصنف فيه تردد مما سمعت، و من عدم صدق اسمها على الحجارة عرفا، و خروج المعادن عن الحقيقة، و عدم دلالتها عليها بأحد الدلالات الثلاث. و في المسالك «أن الأقوى، دخول الحجارة، دون المعادن، لان الحجارة من الاجزاء بخلاف المعادن الخارجة عن الحقيقة و الطبيعة» و الأقوى عدم الفرق، إذ لا ريب أن أرض المعدن قطعة من الأرض المخصوصة، لها خصوصية فتدخل في بيعها، و أضعف من ذلك، احتمال الخروج في الأحجار.

نعم هو كذلك في الأحجار المدفونة فيها كما في التذكرة و القواعد و الدروس و غيرها، لتميزها، و كونها كالكنوز و نحوها من الأمور المودعة فيها للنقل و لكن للمشتري حينئذ أمره بالمبادرة بإخراجها، لتفريغ ملكه، و إن لم يكن عليه ضرر في الإبقاء، و لا أجرة له مدة الإخراج و إن كان كثيرا، و احتمله في التذكرة بعد اختيار اللزوم، فان الظاهر ثبوت الخيار له إذا لم يكن عالما، و فات ما يعتد به من المنافع مدة الإخراج أو نقصت العين، و لو بذل له الدفين لم يجب عليه القبول، كما أن له الخيار في الأحجار المخلوقة فيها إذا كانت مانعة من الغرس و الزرع و لم يكن عالما بها و ان قلنا بدخولها في ملكه و الظاهر انه

ج 23، ص: 144

لا خيار للبائع لو ظهر فيها صفة زائدة على وصفها، كما لو ظهرت مصنعا أو معصرة للزيت أو العنب أو نحوهما، لدخولها في ملك المشتري على كل حال، خلافا للمسالك، فخيره، و نحوه يأتي في المعدن، بناء على دخوله و عدم علم البائع به.

و به جزم في الدروس قال: «و يدخل المعدن على الأقرب، فلو جهله البائع تخير، و كذا البئر و العين و ماؤهما، و لو ظهر فيها مصنع أو صخرة عظيمة معدة لعصر الزيتون أو العنب فكذلك، و للبائع الخيار مع عدم العلم، و الحجارة المخلوقة تدخل» قلت: قد يمنع دخول الأخيرين في ملك المشتري إذا لم يكونا مخلوقين فيها. و خيار البائع إذا كانا كذلك كما عرفت، لأنها على الأول كالمدفونة التي اعترف بعدم دخولها و على الثاني داخلة في بيع الأرض كيف ما كانت، بل قد يمنع الدخول في سابقيهما، لعدم تناول اسم الأرض لهما، و الغرض عدم كونهما من التوابع لها، و الا لم يتسلط البائع على الخيار إذا لم يكن عالما، كما أنه لا تسلط له مع فرض الدخول في الأرض و لو بالقصد الإجمالي. فتأمل جيدا. و الله اعلم.

[النظر الثالث في التسليم ]
اشارة

النظر الثالث في التسليم لا خلاف في أن إطلاق العقد و تجريده عن اشتراط التأخير يقتضي وجوب تسليم المبيع و الثمن عرفا فيتبعه الوجوب شرعا، لعموم قوله تعالى (1)«أَوْفُوا» و غيره بل الظاهر ذلك، و إن لم يطالب كل منهما الأخر بذلك، فلا يجوز لأحدهما التأخير إلا برضاء الأخر، ضرورة أنه بتمام العقد، يتم ملك كل منهما للعوض، فإبقاؤه في اليد محتاج إلى الاذن. نعم الظاهر باعتبار كون العقد عقد معاوضة،- وجوب التقابض معا دفعة، كما أنه حصلا لهما الملك به كذلك.


1- 1 سورة المائدة الآية 1.

ج 23، ص: 145

فإن امتنعا معا عنه عصيا و أجبرا على التقابض، كما في كل ممتنع عما وجب عليه، و لو امتنع أحدهما أجبر الممتنع خاصة، لاختصاصه بالعصيان، و كان للآخر حبس العوض حتى يجبر الآخر على التقابض، كل ذلك لتساوى الحقين في وجوب إيصال كل منهما المال إلى مالكه، و لا رجحان لأحدهما على الآخر بالتقدم، و قيل و القائل الشيخ في محكي عن خلافه و مبسوطة، و ابن زهرة و القاضي و الحلي على ما حكي عنهما يجبر البائع أولا إذا تمانعا، و هو أحد أقوال الشافعي، لأن الثمن تابع للمبيع، و لأنه بتسليمه يستقر البيع و يتم، إذ لو تلف قبل القبض كان من مال البائع و ينفسخ العقد.

و لا ريب أن الأول أشبه بأصول المذهب، بل لا أجد فيه خلافا بين المتأخرين سواء كان الثمن عينا أو دينا لاستواء العقد في إفادة الملك لهما، و تبعية الثمن للمبيع على وجه يقتضي ذلك، ممنوعة كمنع اقتضاء الثاني له، بل لعل ما عن أبي حنيفة و مالك و الشافعي- من القول الآخر له، و هو العكس إي يجبر المشتري على تسليم الثمن- أولى منه، لأن حقه متعين في المبيع، فيؤمر بدفع الثمن ليتعين حق البائع، فإن للبائع حقا آخر، و هو التسلط على الخيار بعد الثلاثة و قد يفوته ذلك بالقبض.

و أولى منهما معا القول الثالث للشافعي و هو لا يجبران معا، لكن يمنعان من التخاصم، فان سلم أحدهما ما عليه، أجبر الآخر، و كأنه لحظ أن الوجوب على كل منهما مشروط بعدم امتناع الأخر فإذا امتنعا معا ارتفع الوجوب عنهما، فلا عصيان من أحدهما حتى يجبرهما الحاكم، لكن قد عرفت أن وجوب التقابض عليهما مطلق غير مشروط بشي ء و لا ينافيه جواز الامتناع لأحدهما، إذا عصى الآخر في عدم التقابض.

و الرابع له أيضا أنهما يجبران معا و هو المختار، لكن أقواله الأربعة إذا كان الثمن في الذمة فإن كان معينة فقولان له خاصة، عدم الإجبار و به قال أحمد للشبهة السابقة، و الإجبار لهما، و قد عرفت أنه الأقوى على كل حال، و من ذلك كله ظهر لك أن المراد

ج 23، ص: 146

بوجوب التسليم على كل منهما التقابض، و إلا فيجوز لأحدهما الامتناع عن التسليم، إن سبقه الآخر بالامتناع، كما هو مقتضى المعاوضة، و المعلوم من بناء المتعاقدين، بل إطلاق العقد بالنسبة إلى ذلك كالتصريح به.

لكن عن الأردبيلي بعد أن حكى عن الأكثر أنه إنما يجب عليهما معا الدفع بعد أخذ العوض، و يجوز لكل المنع حتى يقبض- أشكله بعدم النص، و ثبوت الانتقال بالعقد يقتضي وجوب الدفع على كل واحد منهما عند طلب الآخر، و عدم جواز الحبس حتى يقبض حقه، و جواز الأخذ لكل حقه من غير إذن الأخر، لأن ذلك هو مقتضى الملك، و منع أحدهما حق الأخر و ظلمه لا يجوز الظلم للآخر و منعه حقه، و استجوده المحدث البحراني، لكن قال: إن في فهم ذلك من عباراتهم في هذا المقام إشكالا، إذ غاية ما يفهم منها أن إطلاق العقد يقتضي وجوب تسليم المبيع و الثمن، فالواجب حينئذ على كل منهما التسليم من غير أولوية تقديم، خلافا للشيخ.

فالغرض بيان تساويهما في وجوب التسليم ردا على ما سمعته من الشيخ، و أين هذا من المعنى الذي ذكره و أشكله، قلت: لا ينبغي التأمل في أن المفهوم من عبارات الأصحاب أن لأحدهما الامتناع بعد امتناع الأخر، و أن بناء المعاوضة على ذلك، و هو المراد مما في الدروس من أن حكم العقد تقابض العوضين، إلى أن قال:

«فإن تنازعا في التقدم تقابضا» و نحوها غيرها لا ان الوجوب على كل منهما مستقل على كل حال و أن المالين بمنزلة الوديعتين فليس لأحدهما الامتناع عن التسليم مع عدم إرادة المقاصة مثلا بعد امتناع الأخر.

و من ذلك يظهر أنه لا وجه لإشكال الأردبيلي بعد الفهم العرفي من إطلاق العقد، و فتاوى الأصحاب- بعد الإغضاء عما نقله عنهم- مما حاصله يرجع إلى ما ذكرناه في القول الثالث للشافعي، و ربما حكي عن بعض الفسخ أو بعد الخلاف؛ و حينئذ يكون على وفق المشهور. فتأمل جيدا. فإن المقام لا يخلو من دقة.

و ربما ظهر منه أيضا أن وجوب التسليم الذي اقتضاه العقد بعد الطلب، فلا تجب حينئذ قبله، و فيه أن ظاهر الأصحاب ما قد مناه سابقا من اقتضاء إطلاق العقد وجوب

ج 23، ص: 147

التسليم، كما أن العرف و القواعد الشرعية كذلك أيضا، فالتأخير يحتاج إلى الاذن لا الدفع فلاحظ و تأمل جيدا فيه و في أن حق الحبس حيث يكون لأحدهما حق متعلق بالعين فيأثم حينئذ بالقبض بغير إذن، و سائر تصرفاته فيها و إن لم يضمن له قيمة المنافع للملك بالعقد، أو أنه لا تعلق له بالعين، بمعنى، أن الإثم يحصل بالقهر على القبض خاصة، و أما التصرف في العين فلا إثم فيه، وجهان لم أقف على تنقيح لأحدهما في كلام الأصحاب.

و الذي يناسب الإرفاق و حديث الضرار الأول، فلا تصح الصلاة فيه مثلا، كما أنه لم أقف على تنقيح في كلامهم، لكون الإثم يحصل بالقبض بلا إذن، أو أنه مع المنع خاصة، مع أن الوجهين قائمان فيه أيضا؛ و المناسبة المذكورة لأولهما أيضا. هذا كله مع عدم الشرط لا معه.

ف لو اشترط البائع خاصة تأخير التسليم للمثمن إلى مدة معينة جاز سواء كان كليا في الذمة أو عينا مشخصة، للعموم الذي مقتضاه عدم استحقاق التسليم عليه كما لو اشترط المشتري تأخير الثمن و لو اشترطا معا جاز أيضا إذا لم يكن كل من الثمن و الثمن كليا في الذمة، و الا كان من بيع الكالي بالكالي كما في الدروس، و تسمع إنشاء الله تعالى تحقيق الحال في ذلك أيضا، و ليس لغير مشترط التأخير الامتناع عن التسليم حينئذ، لبقاء اقتضاء العقد بالنسبة إليه سالما كما هو واضح و لو فرض اتحاد الأجل منهما؛ ففي بقاء حكم ما اقتضاه العقد من التقابض بعد حلول الأجل وجهان: و لو كان الشرط لأحدهما، فلم يقبض العوض حتى حل الأجل، ففي عود حكم التقابض إشكال، أقواه العدم، لعدم إطلاق للعقد بقبضه بعد أن كان مستحقا لتقدم التسليم على الآخر و لو كان الثمن تدريجيا كعمل من المشتري، فالظاهر عدم اعتبار التقابض لعدمه، بل الواجب دفع المبيع كما لو كان الثمن نسيئة.

نعم لو كان منفعة عين مملوكة، كدابة أو دار أمكن اعتباره بدفع العين ذات

ج 23، ص: 148

المنفعة. فتأمل. فإنه قد ينافيه كلامهم في كتاب الإجارة. ثم إن الشرائط التابعة للثمن و المثمن تتبعهما أيضا في اعتبار التقابض لاتحاد اقتضاء الإطلاق في الجميع.

نعم لو فرض خروجهما عن ذلك، أمكن دعوى عدم اقتضاء الإطلاق التقابض و إن استحق كل منهما على الأخر، نحو الوديعتين، فليس لأحدهما الحبس بامتناع الأخر، كما في بعض الشروط في النكاح التي يراد منها أصل الاستحقاق، لا معنى المعاوضة الملحوظ فيها التقابض. فتأمل. و الظاهر أن حق الحبس ثابت بالامتناع من بعض العوض بل الظاهر عدم وجوب التقابض على النسبة لأنه خلاف مقتضى العقد، مع احتماله فيما يتحقق منه. و الله العالم.

و كذا يجوز لو اشترط البائع مثلا سكنى الدار أو ركوب الدابة مدة معينة كان أيضا جائزا بلا خلاف و لا إشكال في أصل جواز ذلك، و ظاهر المصنف عدم استحقاق التسليم عليه حينئذ، و لعله لاقتضاء العرف، و إلا فلا منافاة بين استحقاق الركوب و السكنى، و وجوب التقابض، و لكن البحث فيما يتحقق به القبض الذي يتوقف عليه الصحة في بعض العقود، و يرتفع به ضمان البائع و خياره بعد الثلاثة في بعض الأحوال، و الحرمة أو الكراهة في بيع ما لم يقبض، الى غير ذلك من الأحكام المترتبة في البيع و غيره و هو في النهاية الأثيرية: القبض بجميع الكف و محكي المصباح المنير: الأخذ. و في الرياض عن جماعة من أهل اللغة: أنه القبض باليد. و فيه في غيره أنه في العرف كذلك أيضا.

لكن ذلك لا يوافق ما عند الأصحاب، إذ قيل: أنه التخلية مطلقا سواء كان المبيع مما لا ينقل كالعقار، أو مما ينقل و يحول كالثوب و الجوهر و الدابة، و قيل فيما ينقل، القبض باليد، أو الكيل فيما يكال، أو الانتقال به في الحيوان و قريب منه ما في المحكي عن المبسوط، بل لعله هو الذي أراده، و إن كان لم يحكه بتمامه قال فيه على ما في المختلف: «أنه التخلية فيما لا ينقل و يحول. و أما فيه فإن كان مثل الدراهم و الدنانير و الجوهر و ما يتناول باليد، فهو التناول، و إن كان حيوانا

ج 23، ص: 149

كالعبد و البهيمة، فالقبض في الأول أن يقيمه في مكان آخر، و في الثاني أن يمشي بها إلى مكان آخر، و إن كان اشتراه جزافا، فالقبض أن ينقله من مكانه، و إن كان مكايلة فالقبض أن يكيله» قال: و تبعه ابن البراج و ابن حمزة.

و قيل: أنه التخلية فيما لا ينقل، و في المنقول نقله، و اختاره أبو المكارم مدعيا عليه الإجماع، و تبعه الشهيدان في اللمعة و الروضة، و في الدروس «في غير المنقول التخلية بعد رفع اليد، و في الحيوان نقله» و في المعتبر «كيله أو وزنه، أو عده، أو نقله، و في الثوب وضعه في اليد» قال: و قيل: التخلية مطلقا، و لا بأس به في نقل الضمان، لا في زوال التحريم أو الكراهة عن البيع قبل القبض.

نعم لو خلى بينه و بين المكيل فامتنع حتى يكتاله، لم ينتقل إليه الضمان و في المختلف «أنه إن كان منقولا فالقبض فيه هو النقل أو الأخذ باليد، و إن كان مكيلا أو موزونا فقبضه هو ذلك أو الكيل أو الوزن، و إن لم يكن منقولا فالتخلية، و في التحرير «الأقرب عندي أن القبض: الكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن، و القبض باليد فيما ينقل و يحول، و النقل في الحيوان، و التخلية فيما لا ينقل و يحول و منه الثمرة على رؤس النخل» و في المسالك «التخلية في غير المنقول، و فيه استقلال اليد عليه، سواء نقله أم لا، و في المكيل و الموزون كيلهما و وزنهما» إلى غير ذلك من الأقوال المتفقة، على أنه التخلية في غير المنقول، و اختلافهما إنما هو في المنقول، و مرجعها مع ملاحظة سائر القيود إلى سبعة، كما أن منشأها منحصر في دعوى العرف.

و

صحيح معاوية بن وهب (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه؛ فقال: ما لم يكن كيل أو وزن، فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا أن


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 11.

ج 23، ص: 150

توليه»

و

خبر عقبة بن خالد(1)عن الصادق عليه السلام «في رجل اشترى متاعا و أوجبه، غير أنه ترك المتاع عنده و لم يقبضه، و قال: آتيك غدا إنشاء الله، فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته، حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته، فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه»

فبين جامع بين مضمونهما و العرف، و بين مقتصر على الثاني؛ لضعف سند الثاني منهما، و اعتباره الإخراج المخالف للإجماع، و ارادة النقل منه ليس بأولى من ارادة التخلية أو الاستيلاء أو نحو ذلك، و لا تصريح في الأول بأن الكيل قبض، و يمكن إرادة النهي عن بيعه قبل كيله و وزنه، و إن تحقق القبض فيه بالنقل، و لعل الاكتفاء به في جواب السؤال عن البيع قبل القبض، لاستلزامه حصول القبض مع زيادة

الاعتبار المزبور، فالمراد حينئذ أن اشتراط ذلك في بيعه مستلزم لحصول القبض، و فرض حصوله أى الاعتبار بدونه نادر لا ينافي الإطلاقات، فانحصر الأمر حينئذ في اللغة.

لكن قد عرفت أن ما فيها لا يوافق ما أجمع عليه الأصحاب في غير المنقول، و الذي يقوي في النفس، أن المراد به في جميع المقامات التي اعتبره الشارع في صحتها أو لزومها أو غيرهما من الأحكام، تحويل السلطنة العرفية من المنقول منه إلى المنقول اليه سواء حصل له السلطنة الشرعية قبله بالعقد، كما في البيع و نحوه، أو لا كالوقف و الهبة و نحوهما.

و لا ريب في حصولها بالتخلية في غير المنقول؛ بمعنى رفع المنافيات للمنقول اليه مع رفع يد الناقل و الإذن منه، ضرورة صيرورته بذلك كالناقل في قبضه لعقاره و لا يحتاج حينئذ وصول المنقول اليه بنفسه أو وكيله الى المنقول أو تصرفه فيه بل لا يحتاج الى مضى زمان و ان كان بعيدا عن المنقول اليه، لصدقها بدونه قطعا، كصدق دخوله في قبضته و استيلائه و تحت يده بذلك كالمنقول منه؛ و ليس الإذن المزبورة


1- 1 الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 151

لتوقف جواز قبض المشتري للمبيع عليها، كي يرد أنه لا دليل عليه بعد أن ملكه بالعقد بل لتوقف تحقق التخلية المعتبرة في حصول السلطنة العرفية في مثله عليها، و إلا فالأقوى عدم اعتبار الاذن فيما كان قبضه بغير التخلية، حيث لا يكون له الحبس لتسلم الثمن أو المثمن.

نعم هي معتبرة حيث يكون له ذلك، على الوجه الذي عرفته سابقا، و كذا لا ريب في حصولها في غير المنقول بالاستيلاء على العين استيلاء يستطيع به النقل و الأخذ و غيرهما من أحوال المالك، من غير حاجة إلى وقوع ذلك منه فعلا، ضرورة صدق تحقق المراد من القبض بطرح العين بين يدي المنقول إليه على وجه يتمكن من الفعل فيها كيف شاء نقلا و أخذا و نحوهما، إذ ليست أمواله التي بيده و يصدق عليها أنها مقبوضة له و تحت قبضته و في يده إلا كذلك، من غير حاجة إلى المماسة و التصرف الحسيين، و ليس ذا كالتخلية المزبورة في غير المنقول، إذ من الواضح الفرق بين تحقق السلطنتين عرفا في ذلك، فإن أراد القائل بالتخلية مطلقا ما يشمل ذلك، بدعوى انها في المنقول غيرها في غيره فمرحبا بالوفاق كما انه إن كان المراد بما في المسالك ذلك اختص البحث معه حينئذ في خصوص القبض في المكيل و الموزون، لكن في كلامه بعد ذلك ما ينافي حمله على ما ذكرناه، بل فيه ما يقضى بالتشكيك في اعتبار القبض في المكيل و الموزون بالكيل و الوزن.

قال: «التحقيق أن الخبر الصحيح (1)دل على النهي عن بيع المكيل و الموزون قبل اعتباره بهما، لا على أن القبض لا يتحقق بدونهما، و كون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض لا ينافي ذلك، لان الاعتبار بهما قبض و زيادة، فلو قبل بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما

بالنقل، عملا بمقتضى العرف و الخبر الآخر(2)و يتوقف البيع ثانيا على الكيل و الوزن، أمكن إن لم يكن إحداث قول في المسألة» انتهى فتأمل


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام العقود الحديث 11.
2- 2 الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 152

جيدا، فان كلامه لا يخلو من اضطراب في الجملة، كالفاضل في الرياض.

و التحقيق ما عرفت، و ليس مرادنا حصر مصداق القبض بما ذكرنا، بل المراد عدم اعتبار القبض باليد أو النقل حسا و لو كان المبيع بيد المشتري قبل الابتياع، ففي المسالك «إن كان بغير إذن البائع، فلا بد من تجديد الاذن في تحققه، أي القبض بالنسبة إلى رفع التحريم أو الكراهة، و أما بالنسبة إلى نقل الضمان فيحتمل قويا تحققه بدونه، كما لو قبضه بعده بغير إذن البائع» قال: «و يحتمل توقف الأمرين على تجديده، لفساد الأول شرعا، فلا يترتب عليه أثره، و لو كان بإذنه كالوديعة و العارية، لم يفتقر إلى تجديد إذن و لا تخلية». و فيه أنه لا وجه لاعتبار الاذن في المنقول، حيث لا يكون له الحبس، كما لو باعه بثمن في ذمة البائع مثلا، لانتقاله إلى ملكه بالعقد، و الفرض أنه في يده و في قبضته و كون اليد سابقا عدوانا لا ينافي انتقال استمرارها إلى غير العدوان، و ليس ذا كالقبض المتوقف صحة العقد عليه، فان اعتبار الاذن في ذلك مطلقا متجه، بخلاف المقام المتجه فيه على الظاهر عدم الفرق.

نعم لا يبعد بقاء حق الحبس له إذا لم يكن الثمن واصلا إليه، فيحرم عليه التصرف، بناء على اقتضائه ذلك، و يبقى له الخيار بعد الثلاثة، أما انتقال الضمان، و زوال الحرمة أو الكراهة، فالوجه تحققهما به، لصدقه، و دعوى ارادة الصحيح منه- بدعوى أنه يشترط فيه شرعا الاذن و بذلك ينقسم حينئذ إلى الصحيح و الفاسد دعوى في دعوى لا شاهد على شي ء منهما، خصوصا مع أن الأصل ضمان المشتري. فتأمل.

و لو كان المبيع مشغولا بملك البائع، فإن كان منقولا كالصندوق المشتمل على أمتعة البائع، كفى في قبضه على المختار حصول تلك السلطنة عليه و لو قبل تفريغه. بل لو اعتبرنا نقله، و نقله المشتري بالامتعة كفى في نقل الضمان و غيره

ج 23، ص: 153

حتى مع عدم إذن البائع في نقل الأمتعة، بعد أن يكون آذنا في المبيع، أو كانت إذنه غير معتبرة لوصول الثمن إليه، إذ الإثم في ذلك لا ينافي صحة القبض، و ترتب أحكامه عليه، و احتمل في المسالك توقفه- فضلا عن غيره من أحكام القبض- على إذن البائع في نقل الأمتعة، و فيه من الضعف ما لا يخفى.

و إن كان غير منقول فلا ريب في تحقق التخلية قبل نقل الأمتعة، فيكتفى.

بها، و احتمل في المسالك عدم الاكتفاء بها قبل النقل أيضا و هو أضعف من سابقه.

و لو كان المبيع مشتركا بين الناقل و غيره ففي المسالك «إنه على ما اخترناه إن كان منقولا فلا بد من إذن الشريك في تحقق القبض لتوقفه على إثبات اليد و التصرف في حصة الشريك» الى ان قال فان «أذن الشريك و الا نصب الحاكم من يقبضه أجمع، بعضه أمانة و بعضه لأجل البيع» و اختار العلامة في المختلف الاكتفاء حينئذ بالتخلية، لأن المانع الشرعي من النقل كالمانع العقلي في العقار، ذكر ذلك في باب الهبة، و الحكم واحد بل فيها أقوى.

قلت الظاهر تحقق القبض بنقله و قبضه و إن كان عصيانا، لما عرفت من أن الإثم في ذلك لا ينافي تحقق القبض عرفا، بل و شرعا، بل قد يقال: بتحققه و إن لم يحصل له النقل الحسي، بل بمجرد حصول سلطنة البائع له و هي تامة، و المنع من جهة الشريك أمر خارجي عنها لا ينافي تسلط المشتري على ذلك كتسلط البائع، و حينئذ يرفع أمره إلى الحاكم في استيفاء المنفعة مع التشاح، و أولى من ذلك غير المنقول الذي يكتفى فيه بالتخلية، و استجوده في المسالك بعد أن احتمل التوقف على الإذن أيضا، قال: «لأن حقيقة قبض ما هذا شأنه رفع يد المالك و تخلية المشتري بينه و بينه، و هذا لا يقتضي التصرف في مال الشريك» ثم قال: «و وجه الاشتراط أن وضع اليد و التسليط على التصرف لا يمكن بدون التصرف في حصة الشريك» قلت: هو كما ترى بعد عدم اعتبار مثل ذلك في التخلية التي يكفي فيها رفع المانع عرفا و شرعا من قبل البائع.

و من ذلك ظهر لك الحال فيما لو كان المبيع مختصا بالبائع، أو مشتركا بينه و بين

ج 23، ص: 154

غيره أو المشتري، إذ المدار عندنا على حصول تلك السلطنة المزبورة، و الاستيلاء المذكور و في المسالك «أنه ان كان في مكان لا يختص بالبائع، كفى في المنقول نقله من حيز إلى آخر، و إن كان في موضع يختص به، فإن نقله فيه من مكان إلى آخر بإذنه كفى أيضا؛ و إن كان بغير إذنه كفى في نقل الضمان خاصة كما مر، و لو اشترى المحل معه كفت التخلية في البقعة، و فيه وجهان أصحهما الافتقار إلى النقل، كما لو انفرد بالبيع، و لو أحضره البائع، فقال له المشتري ففعل تم القبض لأن البائع حينئذ كالوكيل فيه، و إن لم يقل شيئا، أو قال لا أريده ففي وقوعه بذلك وجهان، و ينبغي الاكتفاء به في نقل الضمان، كما لو وضع المغصوب بين يدي المالك دون غيره».

و أنت إذا أحطت خبرا بما ذكرناه لا يخفى عليك مواقع النظر من هذا الكلام.

كما أنه لا يخفى عليك ما في قول المصنف و الأول من الأقوال الذي لم نعرف قائلا به قبله أشبه و إن استدل له- بعد دعوى العرف- بأنه استعمل فيها إجماعا فيما لا ينقل و يحول، فيجب أن يكون كذلك في غيره، و يكون حقيقة في المعنى المشترك، إذ لو استعمل في المنقول بمعنى آخر لكان إما حقيقة فيهما، فيلزم الاشتراك، أو مجازا في الأخر فيلزم المجاز، و كلاهما على خلاف الأصل. و نظر فيه في الرياض «بوجوب المصير إلى أحدهما؛ بعد قيام الدليل عليه، مع أن استعمال القبض في التخلية في المنقول، خلاف المفهوم و المتبادر منه في العرف و اللغة، بل المتبادر منه عرفا عند الإطلاق هو القبض باليد؛ و به صرح جماعة من أهل اللغة، فاللازم الاقتصار عليه، إلا ما قام الإجماع على إرادة التخلية منه، و هو إنما يكون في غير المنقول خاصة، و كذا لا يجب اعتبار شي ء زائد عليه من النقل، إلا ما قام الدليل على اعتباره فيعتبر إن تم. فتأمل جيدا. و مع ذلك يرده المعتبرة(1)فلا وجه لهذا القول أصلا».

قلت: قد عرفت أنه يمكن إرادة المعنى الشامل للتخلية و غيرها من القبض،


1- 1 الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 155

و هو السلطنة العرفية، بل ظاهر الأصحاب أن المذكورات أفراد للقبض، لا معان، فلا حاجة حينئذ إلى ارتكاب دعوى الاشتراك أو المجاز، للدليل، كما أنك عرفت إمكان إرادة القائل بالتخلية ما قلناه، و حينئذ دعوى منافاته للعرف كما ترى، و لو سلم فالمراد شرعا لا يزيد على ذلك قطعا، بل قد يحتمل إرادة ذلك من القبض باليد و النقل في عبارات الأصحاب، ضرورة عدم الاجتزاء بذلك مع عدم حصول السلطنة به، فهو كناية عما ذكرنا، لغلبة حصولها معه.

و المعتبرة قد عرفت الحال فيها، إذ هي الخبران المزبوران (1)خاصة الذي على تقدير القول بالأول منهما، قال في المسالك: «لا يخلو المبيع إما أن يكون قد كيل قبل البيع و وزن؛ أولا بأن أخبر البائع المشتري بكيله أو وزنه، أو باعه قدرا منه معينا من صبرة مشتملة عليه، فان كان الأخير فلا بد في تحقق قبضه من كيله أو وزنه، للنص المزبور، و إن كان الأول ففي الافتقار إلى اعتباره ثانيا لأجل القبض، أو الاكتفاء بالاعتبار السابق وجهان، من إطلاق توقف الحكم على الكيل و الوزن و قد حصلا، و

قوله عليه السلام «لا تبعه حتى تكيله أو تزنه»

لا يدل على أزيد من حصولهما الشامل لما كان قبل البيع.

و من كون الظاهر ذلك لأجل القبض، لا لأجل صحة البيع، فلا بد له من اعتبار جديد بعد العقد، و به صرح العلامة و الشهيد و جماعة، و هو أقوى، و يدل عليه قوله عليه السلام في الخبر السابق «إلا أن توليه» فإن الكيل السابق شرط لصحة البيع أو ما قام مقامه، فلا بد منه في التولية و غيرها، و مقتضى قوله عليه السلام «إلا أن توليه» أنه معها لا يتوقف على كيل أو وزن، فدل ذلك على أنهما لأجل القبض لا لأجل صحة البيع.

و أما الثاني فإن اكتفينا بالاعتبار الأول؛ في الأول، كفى الاخبار فيه، و اختارهما في

التذكرة و إن لم نكتف في السابق في الأول، لم يكتف حينئذ بالاخبار في


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 11 و باب 10 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 156

الثاني بطريق أولى.

و قد

روى محمد بن حمران (1)قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اشترينا طعاما فزعم صاحبه أنه كاله، فصدقناه و أخذناه بكيله؟ فقال عليه السلام: لا بأس، فقلت: أ يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال: لا، أما أنت فلا تبعه حتى تكيله»

انتهى و فيه أولا ما عرفت من عدم دلالة النص، و ثانيا أنه لا ينبغي التأمل في تحقق القبض في الأول، لو وهبه مثلا ما بقي من الصبرة، ثم نقل الجميع، و به صرح بعض المحققين، و ثالثا أن السيرة القطعية، بل يمكن دعوى الضرورة على خلاف ما جعله الأقوى كما هو واضح، خصوصا إذا كاله المشتري قبل الشراء و نقله، فإنه لا حاجة حينئذ إلى قبض، لأنه اشترى ما هو مقبوض له فتأمل جيدا. و ستعرف إنشاء الله تحقيق أنه لا فرق فيه؛ بين البيع تولية و غيره في الكراهة أو الحرمة قبل القبض.

و لعل المراد من خبر محمد بن حمران (2)أنه لا يباع ثانيا مخبرا بكيله، على حسب ما أخبر به الأول، ضرورة ظهور الاخبار في مباشرة المخبر الاعتبار، و الفرض أنه كذلك، فهو

حينئذ تدليس محرم، أو أن المراد به ما يراد من غيره من حرمة بيع المكيل أو الموزون قبل اعتبارهما، أو كراهته مطلقا، أو إذا كان طعاما كما ستعرف ذلك في محله، من غير مدخلية لتحقق معنى القبض، و إن كان ينافيه ظاهر كلامهم الاتى الذي هو ظاهر في أن المدار على تحقق القبض فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فلا ينبغي إلحاق المعدود بالمكيل و الموزون، في أنه لا يكتفى بعده سابقا عن العد بعد العقد، لعدم النص، و تحقق القبض عرفا بما يتحقق في غيره خلافا للدروس فألحقه فيها، و هو لا يخلو من وجه، و التحقيق في ذلك كله ما سمعت، و منه يعلم الغرابة هنا في بعض ما وقع لبعض الأصحاب. و الله أعلم بحقيقة الحال.


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4.

ج 23، ص: 157

و كيف كان ف إذا تلف المبيع بآفة سماوية قبل تسليمه إلى المشتري و قبل تمكينه منه، انفسخ العقد و كان من مال البائع و عاد الثمن إلى المشتري بلا خلاف أجده فيه، بل في التذكرة و الدروس حتى لو أبرأه المشتري من الضمان كما تقدم البحث فيه، و فيما لو مكنه منه، فامتنع من تسلمه أو أنه يتركه عند البائع باختياره و الظاهر أن إتلاف المشتري بمنزلة القبض، سواء كان عالما أو جاهلا، للأصل السالم عن معارضة الخبر(1)المنساق منه غير الفرض، بقرينة ظهوره في إرادة الإرفاق بالمشتري، و احتمل الشافعي عدم كونه بمنزلة

القبض في الأول، فضلا عن الثاني، بل في التذكرة «هذا إذا كان المشتري عالما، أما إذا كان جاهلا بأن قدم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فأكله، فالأقرب أنه ليس قبضا و أنه كإتلاف البائع» و هو كما ترى.

و لو أتلفه البائع ففي القواعد و الدروس و غيرهما أنه يتخير المشتري بين الفسخ و رد الثمن، و بين الالتزام و مطالبة البائع بالمثل أو القيمة، كما لو أتلفه أجنبي، و عن الشيخ الفرق بينهما، فجعل الأول كالتلف بآفة سماوية، و وافق على الخيار في الثاني الذي ظاهرهم الاتفاق على الخيار فيه، لكن قد يحتمل الانفساخ فيهما معا، عملا بإطلاق الخبر(2)و عدم جواز الإتلاف للبائع- فضلا عن الأجنبي، لأن ليس له الفسخ فيكون عاديا فيه، فيترتب عليه المطالبة بما أتلفه- لا ينافي تحقق الانفساخ به، للخبر المزبور، و إن كان قد أثم بالفعل، على أنه لو فرض عدم تناول الخبر المزبور له، أشكل ثبوت أصل الخيار له، بل المتجه اللزوم و مطالبة البائع أو الأجنبي بالمثل أو القيمة، و تعذر التسليم على هذا الوجه لم يثبت سببيته للخيار، و خبر الضرار(3)يدفعه ما وضعه


1- 1 الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 5.

ج 23، ص: 158

الشارع من الضمان لمن أتلف مال غيره (1)فتأمل جيدا.

و على كل حال فالظاهر عدم جريان حكم المبيع على المثل أو القيمة في التلف من البائع قبل القبض، بل في جواز حبسها على الثمن إشكال. و لو كان المبيع متعددا فتلف بعضه قبل القبض، انفسخ و رجع بقسطه من الثمن بلا خلاف، بل في التذكرة نسبته إلى كل من أبطل البيع بالإتلاف، و فيها و في الدروس كان له خيار التبعض في المقبوض، و فيه نوع تأمل، لكنه ضعيف، و أضعف منه احتمال عدم الانفساخ في التالف، لتعليق الحكم على تلف المبيع الذي لا يصدق إلا بتلف الجميع، فيبقى حينئذ غيره على الأصل، فيكون تلفه حينئذ من المشتري، لأنه أمانة في يد البائع، و تسمع في باب الثمار تتمة لهذا إنشاء الله تعالى.

و كذا إن نقصت قيمته إى المبيع بحدث فيه من الله أو البائع، أو الأجنبي كان للمشترى رده بلا خلاف، بل في الروضة عن كشف الرموز الإجماع عليه، و لأصالة صحة العقد، و الضرر بإلزامه بقبوله على هذا الحال- و قد علم من حكم التلف قبل القبض إرفاق الشارع بالمشتري خاصة دون البائع- و جبر ضرره- المشابه للانفساخ إنما هو بالخيار.

و في الأرش مع الالتزام لو كان التعيب من قبل الله كما في المسالك تردد ينشأ- من أصالة البراءة بعد جبر الضرر بالخيار، على أنه إذا كان من الله تعيب على ملكه، لا من قبل أحد، و هو خيرة الشيخ في المحكي عن مبسوطة و خلافه، و ابن إدريس بل نفى الخلاف فيه في الثاني، بل ربما ظهر منهم ذلك حتى لو كان من قبل البائع- و من أنه مضمون على البائع بأجمعه، فكذا أجزائه و صفاته، و اختاره الشيخ في نهايته، و الفاضل و الشهيدان، بل في المختلف حكايته عن ابن براج و أبى الصلاح، و فيه ان ضمان البائع له بمعنى انفساخ العقد لو تلف، لا انه يغرم


1- 1 قاعدة مستفادة من مضامين الاخبار و من أراد الاطلاع على مداركها فليراجع القواعد الفقهية ج 2 للسيد البجنوردى.

ج 23، ص: 159

المثل أو القيمة، و مثله يمنع سريانه للاجزاء، و الا لاقتضى انفساخ العقد في الجزء المقابل له من الثمن، حتى لو أراد دفع الأرش من غيره لم يجب عليه القبول، و لا ريب في بطلانه خصوصا على ما هو الظاهر من عدم مقابلة اجزاء الثمن لاجزاء المبيع اللهم إلا ان يدعى ان إعطاء الأرش مشابه للرجوع بالثمن في تلف الجميع، فيستفاد حكمه منه، لكن الاكتفاء في الحكم الشرعي بمثل ذلك في نحو هذه المسألة الخلافية كما ترى.

نعم لا ريب في ثبوت الأرش لو كان التعيب من أجنبي، لعموم من أتلف و الضرورة على عدم هدر جناية الجاني و تناول البائع لها- مع كون المال لغيره- لا وجه له، فانحصر في المشتري، لكن الظاهر بناء على ذلك إنما هو تفاوت ما بين القيمتين من غير ملاحظة النسبة إلى الثمن؛ و إن كان إطلاق لفظ الأرش تقتضي ذلك لأنه جزء من الثمن، و لو كان التعيب من قبل البائع، فالظاهر التزامه بالأرش، لنحو ما سمعته في الأجنبي. فيتجه منه ما ذكرناه فيه.

اللهم إلا أن يدعى انفساخ العقد فيما قابل الجزء الفائت من الثمن، و قد عرفت ما فيه، و قد يناقش في أصل ثبوت الأرش على البائع، بأن الضرر الناشئ منه سلط المشتري على الخيار، فكان تزلزل العقد صار عوض جنايته، فلا يستحق معه أرش، الا أن الأول أقوى. و من ذلك ظهر أن المشتري يرجع على الأجنبي بالأرش حيث يكون التعيب منه كما هو صريح بعضهم، و ظاهر آخر و ليس له الرجوع على البائع، باعتبار أنه مضمون عليه كالمغصوب، و هو في الجملة مؤيد لما ذكرنا من عدم كون العين مضمونة على البائع بالمعنى المزبور. فتأمل جيدا. و الله أعلم.

ج 23، ص: 160

[و يتعلق بهذا الباب مسائل ]
اشارة

و يتعلق بهذا الباب مسائل

[المسألة الأولى إذا حصل للمبيع نماء كالنتاج أو ثمرة النخل أو اللقطة كان ذلك للمشتري ]

الأولى: لا خلاف بناء على الملك بالعقد في أنه إذا حصل للمبيع نماء كالنتاج أو ثمرة النخل أو ما في حكمه ك اللقطة للعبد كان ذلك للمشتري لأنه من التوابع لملكه فإن تلف الأصل قبل قبضه سقط الثمن عن المشتري لانفساخ العقد و له النماء لأن التحقيق كون الفسخ من حينه، لا من أصله، و ليس من ذلك أرش جناية الأجنبي مثلا، فمتى فسخ بها كانت للبائع، لأنه عوض جزء عاد إلى ملك المالك كما هو واضح و لو تلف النماء من غير تفريط، لم يلزم البائع دركه لأنه امانة في يده و لا يجرى عليه حكم المبيع؛ للأصل السالم عن المعارض.

[المسألة الثانية إذا اختلط المبيع بغيره في يد البائع اختلاطا لا يتميز فإن دفع الجميع إلى المشتري جاز]

المسألة الثانية: إذا اختلط المبيع بغيره في يد البائع اختلاطا لا يتميز، فإن دفع الجميع إلى المشتري جاز و عن الشيخ انه يجب عليه القبول، لأنه زاده فضلا، و فيه منع، بل الظاهر عدم سقوط الخيار الاتى بالبدل، كما صرح به في جامع المقاصد و المسالك و ان امتنع البائع قيل و القائل الشيخ فيما حكى عنه ينفسخ البيع، لتعذر التسليم (11) و لانه كالتلف قبل القبض، و فيه منع واضح إذ أقصاه صيرورته كبيع المشاع. و (12) الأقوى عندي ان المشتري بالخيار، إنشاء فسخ و ان شاء كان شريكا للبائع، كما إذا اختلطا بعد القبض (13) فإنه لا ريب في تحقق الشركة قهرا، و لا فرق في الاختلاط بين كونه من فعل البائع، أو غيره غير المشتري و لا بين كونه بالمماثل أو الأجود أو الأردى.

نعم في المسالك «ينبغي- في الامتزاج بالأجود بغير اختياره- ثبوت الخيار

ج 23، ص: 161

له، أي البائع أيضا لتضرره بذلك، مع اختيار المشتري الشركة» و فيه إشكال ينشأ من عدم مراعاة حاله قبل القبض، و إنما هي مختصة بالمشتري، و لذا لو تعيب من قبل الله في يده، تسلط المشتري خاصة على الخيار، و في الأرش ما عرفت، على إن المتجه بناء على ما ذكره، ثبوت الخيار له مطلقا، لا في خصوص الاختلاط بالأجود، لأن الشركة مطلقا ضرر عليه أيضا. فتأمل. و حكم الاختلاط بغير مال البائع، حكم الاختلاط بماله. ثم إنه حيث تفتقر القسمة إلى مؤنة فهي على البائع، لأن هذا العيب مضمون عليه، و التخليص واجب عليه، لوجوب تسليم المبيع إلى المشتري بعينه.

[المسألة الثالثة لو باع جملة فتلف بعضها فإن كان للتالف قسط من الثمن كان للمشتري فسخ العقد]

المسألة الثالثة: لو باع جملة فتلف بعضها بآفة سماوية فإن كان للتالف قسط من الثمن، لانه لا يبقى مع فواته أصل المبيع، بل بعضه، و ضابطه ما كان صالحا للبيع منفردا، انفسخ العقد فيه، و رجع ما يخصه من الثمن، لصدق تلف المبيع قبل قبضه، و كون الثمن موزعا عليه، و كان للمشتري فسخ العقد في الباقي، لتبعض الصفقة و له الرضا بحصة الموجود من الثمن كبيع عبدين، أو نخلة و فيها ثمرة لم تؤبر، و إن لم يكن له قسط من الثمن لبقاء أصل المبيع بفواته، كان للمشتري الرد لما تقدم أو أخذه بجملة الثمن، كما إذا قطعت يد العبد و ظاهره هنا الجزم بعدم الأرش، مع أنه تردد فيه سابقا، و احتمال تغاير موضوع المسألتين في غاية السقوط، و وجهه ما سمعته من عدم مقابلة الثمن للاجزاء، حتى يفوت ما يخصها منه بفواتها، فليس إلا الخيار، كما لو فات الوصف الذي صرح في القواعد و جامع المقاصد و المسالك بعدم الأرش فيه، قالا في الأخيرين: «فلو كان العبد كاتبا فنسي الكتابة قبل القبض، فللمشتري الرد خاصة؛ فإن الفائت ليس بعضا من المبيع، و من ثم لو شرط كونه كاتبا، فظهر بخلافه لم يستحق سوى الرد» لكنهما فرقا بينه و بين الجزء الفائت، كاليد و نحوها، و جزما بعد التردد بالأرش فيه، معللين له بأن القيمة تزيد بوجوده، و تنقص بعدمه، و فواته من أظهر العيوب و أبينها، و للقطع بأن المبيع

ج 23، ص: 162

هو مجموع بدن العبد، و قد فات بعضه، بل صرح في الأخير منهما أن الخيار فيه تبعض الصفقة، و أنه كفوات ماله قسط من الثمن من أحد العبدين و نحوه.

و قد عرفت سابقا قوة القول بعدم الأرش في الجزء، فضلا عن الوصف لو كان الفوات من قبل الله، أما لو كان من أجنبي فلا ريب في ضمان الجناية، و أن الأقوى كون المضمون تفاوت القيمتين من غير ملاحظة الثمن، بل و كذا البائع، و عليه فقد يقوى عدم الفرق بين فوات الجزء و الوصف، ضرورة تفاوت القيم بتفاوت الوصف، بل يمكن التزام مقابلته بالثمن، بناء على مقابلته الاجزاء. فتأمل جيدا. و الله أعلم.

[المسألة الرابعة يجب تسليم المبيع مفرغا]

المسألة الرابعة: يجب تسليم المبيع مفرغا من أمتعة البائع و غيرها مما لم يدخل في البيع بمعنى وجوب التسليم و التفريغ فلو كان فيه متاع وجب نقله، أو زرع قد أحصد، وجب إزالته و إن لم يكن قد أحصد، وجب الصبر إلى أوانه إن اختاره البائع، و لا أجرة عليه على الظاهر. نعم للمشتري الخيار إذا لم يكن عالما به للضرر. و لو كان للزرع عروق تضر بالانتفاع كالقطن و الذرة، أو كان في الأرض حجارة مدفونة، أو غير ذلك مما يمنع الانتفاع أو كماله وجب على البائع إزالته، و تسوية الحفر في الأرض لوجوب تسليم المبيع إليه متمكنا من الانتفاع به و كذا لو كان فيها دابة، أو شي ء لا يخرج، إلا بتغير شي ء من الابنية؛ وجب إخراجه و إصلاح ما يستهدم و في القواعد و جامع المقاصد و المسالك و الروضة، وجب الأرش و يمكن رجوعهما إلى معنى واحد، و إن أريد بالأرش رجوع جزء من الثمن، كان فيه بحث يعرف مما تقدم؛ و له الفسخ مع الجهل بالحال، كما صرح به في الجامع و المسالك. ثم إن التفريق و إن كان واجبا، إلا ان القبض لا يتوقف عليه، فلو رضي المشتري بتسلمه مشغولا، تم القبض، و يجب تفريغه بعده، و في جواز الامتناع عن القبض قبله وجه.

[المسألة الخامسة لو باع شيئا فغصب من يد البائع فإن أمكن استعادته في الزمان اليسير لم يكن للمشتري الفسخ ]

المسألة الخامسة: لو باع شيئا فغصب من يد البائع قبل القبض فإن أمكن استعادته في الزمان اليسير وجبت و لم يكن للمشتري الفسخ، للأصل السالم

ج 23، ص: 163

و إلا يمكن ذلك أصلا، أو بعد الزمان الكثير كان له ذلك للضرر، و له حينئذ الانتفاع بما لا يتوقف على القبض، كعتق العبد و نحوه، و تلفه في هذه المدة من مال البائع، و إن كان قد رضي المشتري بالصبر، و احتمال أن هذا الرضا قبض ضعيف، بل لو تصرف في المبيع، بنظر أو لمس أو نحوه، و هو في يد الغاصب لم يكن قبضا عرفا، بل الرضا بالبقاء في يد البائع، ليس قبضا، فضلا عن الغاصب، كما صرح به خبر عقبة بن خالد(1)المتقدم. نعم قد يقال: بعدم الانفساخ قهرا بالتلف السماوي في يد الغاصب بكونه مضمونا عليه للمشتري، فهو حينئذ كما لو ضمنه الأجنبي بالإتلاف في يد البائع، خصوصا مع كون الانفساخ على خلاف القواعد، فيجب الاقتصار فيه على المتيقن، و هو فيما إذا كان غير مضمون للمشترى، كما إذا كان في يد البائع، فتأمل جيدا، فإنه دقيق، لكن لا يحضرني في الآن من احتمله.

و كيف كان ف لا يلزم البائع أجرة المدة على الأظهر لأن المضمون عليه إنما هو العين و ما كان من توابعها الداخلة في البيع، و ليست المنفعة من هذا القبيل و انما هي نماء المبيع فلا تكون مضمونة، و لذا قال! في جامع المقاصد: «لا ريب في ضعف احتمال الضمان، و قد سبق من قريب فله النماء. غير مضمون، و المنفعة نماء. نعم قد يقال: إن النماء المتصل محل تردد، فان المبيع لو سمن في يد البائع، ثم هزل جاء فيه الوجهان، إلا إذا كان السمن موجودا وقت العقد، فإنه مضمون قطعا» قلت: يمكن دعوى كون المنفعة فيه من قبيل النماء المتصل، فيكون الاحتمال حينئذ في محله، لأن فواتها حينئذ بمنزلة النقص قبل القبض.

نعم يضعف الاحتمال المزبور ما عرفته سابقا من أن النقص الداخل على المبيع من أجنبي، ضمانه- مع اختيار المشتري اللزوم- على الأجنبي لا على البائع، فيختص حينئذ الغاصب بالرجوع عليه، على أن التحقيق عدم دخول المنافع في المبيع، و إنما هي نماء.


1- 1 الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 164

فأما لو منعه البائع عن التسليم، ثم سلم بعد مدة، كان له الأجرة لأنه غاصب إذا لم يكن امتناعه بحق، كقبض الثمن، بل في جامع المقاصد احتمال الضمان أيضا، لأن جواز الحبس غير سقوط حق المنفعة، و لا يلزم من ثبوت الأول الثاني و إن كان الأقوى الأول. ثم إن الظاهر جريان حكم الغاصب عليه في صورة عدم كون الحبس بحق، ينافيه الاحتمال السابق، في عدم الانفساخ قهرا لو تلف في يده بآفة سماوية.

و لو طلب المشتري الانتفاع بالمبيع في يد البائع بنفسه و بغيره إلى حين تسليم الثمن ففي جامع المقاصد الظاهر أن للبائع المنع، و فيه نظر، و كيف كان فالنفقة في مدة الحبس على المشتري، لأن العين ملكه، فان امتنع منها رفع البائع أمره إلى الحاكم، فان تعذر أنفق بنية الرجوع و رجع بها كما في نظائره. لكن في جامع المقاصد ما أشبه هذه المسألة، بمثل منع الزوجة نفسها قبل الدخول إلى أن تقبض المهر، فان في استحقاقها النفقة تردد، قال: و يحتمل الفرق بين المؤسر و المعسر، و فيه أنه يمكن الفرق بين المقامين. و الله أعلم.

[و يلحق بهذا النظر بيع ما لم يقبض و فيه مسائل ]
اشارة

و يلحق بهذا اى النظر الثالث بيع ما لم يقبض و فيه مسائل

[المسألة الأولى من ابتاع متاعا و لم يقبضه ثم أراد بيعه كره ذلك ]

الأولى: من ابتاع متاعا و لم يقبضه ثم أراد بيعه جاز إن لم يكن مكيلا أو موزونا إجماعا بقسميه و نصوصا(1)و لا يشمله

النهي عن بيع ما ليس عنده (2)

قطعا، كما أنه لم يثبت

حديث النهي عن بيع مطلق ما لم يقبض(3)

كما اعترف به في الروضة، و لئن ثبت كان حمله على الكراهة بالنسبة إلى ذلك متعينا، فما حكاه في التذكرة عن بعضهم من القول بالمنع- مع أنا لم نتحقق القائل به- فاسد قطعا نعم كره له ذلك مطلقا كما عن بعضهم، للمرسل المزبور(4)و إشعار بعض النصوص (5)أو إن كان المبيع مما


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود.
2- 2 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام العقود الحديث 6 سنن البيهقي ج 5 ص 313.
4- 4 الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام العقود الحديث 6 سنن البيهقي ج 5 ص 313.
5- 5 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 1 و 9 و 18.

ج 23، ص: 165

يكال أو يوزن وفاقا للمفيد و النهاية و محكي القاضي، بل هو المشهور بين متأخري الأصحاب، نقلا و تحصيلا، لأصالة الجواز و عموماته، و إطلاقاته، سيما التعليل في نحو

الصحيحين اللذين في أحدهما(1)«في رجل أمر رجلا يشترى متاعا، فيشتريه منه، قال: لا بأس بذلك، إنما البيع بعد ما اشتريته»

و

في ثانيهما(2)«لا بأس إنما تشتري.

بعد ما اشتريته».

و خصوص

خبر الكرجى (3)قال للصادق عليه السلام: «أشتري الطعام إلى أجل مسمى، فيطلبه التجار منى بعد ما اشتريته قبل أن أقبضه، فقال: لا بأس أن تبيع إلى أجل كما اشتريت، و ليس لك أن تدفع قبل أن تقبض، قلت: فإذا قبضته جعلت فداك، فلي أن أدفعه بكيله؟ قال: لا بأس بذلك إذا رضوا»

و زاد فيما رواه عنه

في الفقيه،(4)قال: «و قلت له: اشتري الطعام من الرجل، و أبيعه من رجل آخر قبل أن

اكتاله، فأقول: ابعث وكيلك حتى يشهد كيله إذا قبضته؟ قال: لا بأس»

و المراد أجل الثمن، و البيع مرابحة، و لذا قيد الامام عليه السلام نفى البأس بما سمعت.

و

خبر جميل بن دراج (5)عن الصادق عليه السلام أيضا «في رجل اشترى الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه؟ قال: لا بأس، و يوكل الرجل المشتري منه بكيله و قبضه؟

قال: لا بأس»

و

خبر أبى بصير(6)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى طعاما ثم باعه


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 6 و فيه بعد ما يشتريه: بدل ما أشتريه.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 8 و فيه انما يشتريه منه بعد ما يملكه.
3- 3 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 19.
4- 4 الفقيه ج 3 ص 131 الطبع الحديث النجف.
5- 5 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 6.
6- 6 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 16 مع نقصان يسير فيه.

ج 23، ص: 166

قبل أن يكيله؟ قال: لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا، قبل أن يكيله أو يزنه، إلا أن يوليه كما اشتراه، فلا بأس أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع، و ما كان من شي ء عنده ليس بكيل و لا وزن، فلا بأس ان يبيعه قبل ان يقبضه»

و صحيحي (1)محمد بن مسلم الواردين في بيع الثمرة المشتراة قبل قبضها، بناء على

شمولها للمكيل و الموزون منها، لا أنه لخصوص ما كان على الشجر و النخل.

و

خبر إسحاق المدائني (2)«سأل أبا عبد الله عليه السلام عن القوم يدخلون السفينة، يشترون الطعام، فيتاومون بها، ثم يشتريه رجل منهم، فيسألونه فيعطيهم ما يريدون من الطعام، فيكون صاحب الطعام هو الذي يدفعه إليهم، و يقبض الثمن؟ قال: لا بأس ما أراهم إلا و قد شركوه

، مضافا إلى النصوص (3)الدالة على جواز بيع السلم بعد حلوله و قبل قبضه، بل لا خلاف أجده فيه هناك إلا من بعضهم إذا كان البيع بجنس الثمن مع الزيادة، بناء على أن المسألتين من واد واحد، كما صرح به في الروضة و المسالك و اختار فيهما معا الحرمة، إلا أن النصوص شاهدة بخلافه، و لذا فر المحدث البحراني من القول بالحرمة فيها من قوله بها في المقام. نعم يمكن حمل تلك النصوص على غير صورة البيع، و أنه كان وفاء بصلح و نحوه. فلاحظ و تأمل.

و قيل؟ كما عن العماني: لا يجوز، و مال إليه ثاني الشهيدين و المحدث البحراني و قيل كما عن المبسوط و الخلاف و الغنية و الصدوق و القاضي في أحد كتابيه أنه إن كان طعاما لم يجز بل في الثلاثة الأول الإجماع عليه، و إن كان موهونا بمصير بعض من تقدمه، و معظم من تأخره إلى خلافه، بل قد سمعت أن خيرته في النهاية


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب بيع الثمار الحديث 3 و 2.
2- 2 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود و باب 11 من أبواب السلف.

ج 23، ص: 167

الكراهة، فلا ريب في قصوره عن معارضة أدلة الجواز، كالنصوص (1)التي ما بين قاصرة الدلالة، أو السند، و مشتمل على ما لا يقول به المعظم منهم من الفرق بين التولية و غيرها، و ناه عن البيع قبل الكيل و الوزن الذي لا يدل على المقام، بناء على التحقيق من عدم توقف القبض عليه، على أن مقتضى عدم التعارض بينهما ما اختاره العماني، و هو شاذ، فمفاد النصوص لا قائل به إلا نادر، و ما قالوه من خصوص الطعام غير مفادها.

و حينئذ فلا ريب أن الأول أشبه و عليه يحمل لفظ لا يصلح في

صحيح الحلبي (2)عن الصادق عليه السلام قال: «في الرجل يبتاع الطعام، ثم يبيعه قبل أن يكال؟

قال: لا يصلح له ذلك»

و مثله خبر البصري(3)

و أبى صالح (4)مع زيادة «لا تبعه حتى تكيله»

و خبر على بن جعفر(5)«سأل أخاه عليه السلام عن الرجل يشترى الطعام أ يصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال: إذا ربح لم يصلح حتى يقبض، و إن كان تولية فلا بأس»

خصوصا بملاحظة خبر أبي بصير(6)المتقدم الظاهر في الكراهة. بل هو القرينة على إرادتها من النهي في الزيادة المزبورة.

كالنهي في

صحيح منصور بن حازم (7)عن الصادق عليه السلام أيضا «إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن، فلا تبعه حتى تقبضه إلا أن توليه، فإذا لم يكن فيه كيل و لا وزن فبعه»

و خبر محمد بن قيس (8)عن أبي جعفر عليه السلام «من احتكر طعاما أو علفا، أو ابتاعه بغير حكرة، و أراد أن يبيعه، فلا يبعه حتى يقبضه و يكتاله»

و خبر حزام المروي عن مجالس الطوسي (9)قال: «ابتعت طعاما من طعام الصدقة، فأربحت فيه قبل أن أقبضه، فأردت


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود.
2- 2 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 14.
4- 4 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 14.
5- 5 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 9.
6- 6 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 16.
7- 7 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.
8- 8 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 17.
9- 9 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 21.

ج 23، ص: 168

بيعه، فسألت النبي صلى الله عليه و آله؟ فقال: لا تبعه حتى تقبضه»

مع أنه استثنى في الثاني:

التولية، كما أن الأول لا يدل على المطلوب؛ إلا بناء على إرادة القبض من الكيل، و فيه منع.

و أولى من ذلك في احتمال إرادة الكراهة،

صحيح الحلبي (1)«سأل أبا عبد الله عليه السلام عن قوم اشتروا بزا فاشتركوا فيه جميعا و لم يقتسموه، أ يصلح لأحد منهم بيع بزة قبل أن يقبضه؟ قال: لا بأس به، و قال: إن هذا ليس بمنزلة الطعام، إن الطعام يكال»

الذي أقصى مفهوم التعليل فيه ثبوت البأس الذي هو أعم من الحرمة. ك

خبر منصور(2)«سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى بيعا ليس فيه كيل و لا وزن إله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يكن كيل و لا وزن فإن هو قبضه فهو إبراء لنفسه»

إلى غير ذلك من النصوص- التي هي مع قطع النظر عما ذكرناه من أدلة الجواز- ظاهرة في الكراهة.

و قد عرفت أن مقتضاها- خصوصا مع ملاحظة التعليل في صحيح الحلبي- تعميم الحكم في كل مكيل و موزون، لا خصوص الطعام، و هو خلاف المعروف بين القائلين بالحرمة، كما أن المعروف بينهم، عدم الفرق في ذلك بين التولية و غيرها، و لذا نسبه المصنف إلى الرواية، فقال و في رواية يختص التحريم بمن يبيعه بربح، فأما التولية فلا بل عن المهذب البارع، أنه لم يقف على عامل بها، و إن كان فيه أنه قال: به بعض من تقدمه كالفاضل في التحرير و القواعد و تبعه الشهيد الثاني في المسالك و الروضة، للنصوص المزبورة التي ظهر لك أن الأولى الجمع بينها بالقول

بالكراهة في مطلق ما لم يقبض للمرسل،(3)و تشتد في خصوص المكيل و الموزون، و تشتد في خصوص الطعام منه، و تشتد في خصوص بيعه مرابحة؛


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 10.
2- 2 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 18.
3- 3 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 6.

ج 23، ص: 169

و في إلحاق الوضيعة بها؛ أو بالتولية، وجهان- من لزوم الاقتصار فيما خالف إطلاق المنع على ما تضمنه الروايات- و من مفهوم الصحيح إذا ربح لم يصلح حتى يقبض، و احتمال ورود الإطلاقات، و استثناء التولية خاصة مورد الغلبة، لكون المعاملة بالوضيعة نادرة، إلا أنه وارد في مفهوم الصحيح، و مع ذلك يؤيد الأول، ذيل خبر أبى بصير(1)السابق، بناء على عطف يضع فيه على لفظ يربح، لكن قد يقوى في النفس خفة الكراهة فيها بالنسبة إلى التولية، إذ الظاهر أن المراد من النصوص أنه مع البيع مرابحة ينبغي الكيل و الوزن، و عدم الاكتفاء بالإخبار كما هو المناسب لأخذ الربح و دفعه، أما إذا لم يكن له فيه ربح، فاللائق أخذه منه كما اشتراه بالاخبار و نحوه، و لا ينبغي مداقته لعدم حصول ربح له، فلا ريب في أولوية المواضعة حينئذ، فلاحظ النصوص و تأمل ما ذكرناه تجده واضحا.

كما أنك تجد أوضح من ذلك، ما أومأنا إليه سابقا من أنه على المختار من عدم توقف القبض على الكيل و الوزن، ينبغي جعل موضع

الكراهة، بيع ما لم يكل أو يوزن و إن كان مقبوضا، بل الاولى تحرير محل النزاع كذلك، لما عرفت من الاختلاف في تحقق القبض، و احتمال عدم البأس كراهة و حرمة في بيع الطعام فضلا عن غيره إذا كان قد قبضه بنقل أو وضع يد أو نحوهما و إن لم يكن قد كاله و وزنه- ينافيه ظاهر النصوص، ضرورة وضوحها في أن المدار على عدم كيله و وزنه. نعم عبر في بعضها عن ذلك بعدم القبض لغلبة حصول الكيل و الوزن معه، و احتمال العكس ضعيف بالنسبة إلى ذلك فيها، و إن كان يؤيده ظاهر تحرير محل النزاع في كلام الأصحاب فلاحظ و تأمل.

و كيف كان، فالظاهر البطلان على القول بالحرمة، كما عن العماني التصريح به، و تبعه بعض المتأخرين، لما تحقق في الأصول من اقتضائه الفساد عرفا، إذا تعلق بالمعاملة، فما في المختلف من أنه يأثم خاصة، بناء على عدم اقتضاء النهي الفساد في


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 16.

ج 23، ص: 170

المعاملة، قد تبين ضعفه في الأصول، هذا كله إذا أراد بيع ما انتقل إليه بالبيع قبل قبضه.

و أما لو ملك ما يريد بيعه بغير بيع، كالميراث، و الصداق للمرأة و الخلع، جاز و إن لم يقبضه بلا خلاف أجده، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه، لعموم الأدلة و إطلاقها السالمين عن المعارض، حتى لو كان انتقاله إلى المورث و المصدق و المختلعة ببيع لا قبض معه، كما هو مقتضى إطلاق المتن و غيره و صريح بعض، ضرورة ظهور أدلة المنع فيما لا واسطة بين الابتياع و البيع، و في الفرض قد تخلل الإرث و الإصداق و عوض الخلع بين الابتياع و البيع، فما عن بعضهم من تقييد الإطلاق بذلك في غير محله.

و كذا لا إشكال في جواز نقل ما ابتاعه و لم يقبضه بغير البيع حتى الصلح، بناء على ما هو التحقيق من كونه عقدا مستقلا، للعموم و الإطلاق السابقين (1)فالمنع حينئذ من الإجارة بناء على أنها ضرب من البيع، فيه منع واضح، و من الكتابة لأنها بيع للعبد من نفسه، و هو أوضح منعا، فصار المنع و الكراهة فيما لم يقبض مشروطة بشرطين، أحدهما- انتقاله إليه بالبيع، و الثاني- نقله بلا واسطة مبيع، و الظاهر اختصاص الحكم بالمبيع كما صرح به بعضهم، دون ثمنه، فيجوز نقله ببيع و غيره و إن لم يكن مقبوضا، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن. و الله أعلم. و مما ذكرنا يظهر لك.

[المسألة الثانية لو كان له على غيره طعام من سلم و عليه مثل ذلك فأمر غريمه أن يكتال لنفسه من الآخر فهذا أيضا مكروه ]

أن المسألة الثانية التي ذكرها المصنف و غيره، و هي أنه لو كان له على غيره طعام من سلم، و عليه مثل ذلك، فأمر غريمه أن يكتال لنفسه من الآخر ليست مما نحن فيه، إذ هي إما حوالة أو وكالة؛ و على كل حال ليست من بيع المبيع قبل قبضه فلا يأتي فيها البحث السابق فما ف ى المتن و غيره- من أنه على ما قلناه في


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود.

ج 23، ص: 171

المسألة السابقة يكره، و على ما قالوه فيها يحرم معللا ل ه ب أنه قبضه عوضا عماله قبل أن يقبضه صاحبه في غير محله، كالتعليل الذي من الواضح عدم اقتضائه كونه بيعا قبل قبضه، إذ المعاوضة أعم من البيع، و دعوى أن الحوالة قسم من البيع كما ترى، بل هي قسم مستقل برأسه، و من هنا قال في المحكي عن الخلاف: «يجوز الإحالة، سواء كان الطعامان قرضين، أو أحدهما قرضا و الآخر سلما بلا خلاف أو كانا سلمين عندنا، لأن الأصل جوازه و المنع يحتاج إلى دليل».

و من ذلك يعلم أن ما حكاه في المسالك عن الخلاف في غير محله، نعم حكى ذلك عن المبسوط و القاضي و ظاهر المتن و بعض، موافقته على بناء هذه المسألة، على المسألة السابقة، بل نفى الخلاف عنه في المبسوط؛ قال: «و إن كانا سلمين لا يجوز بلا خلاف لأن بيع السلم لا يجوز قبل القبض إجماعا لا لعلة» لكن قد عرفت ما فيه، على أنه قد روى المشايخ الثلاثة في الصحيح (1)في بعض

و الموثق في آخر، عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل عليه كر من طعام فاشترى كرا من رجل آخر، فقال للرجل: انطلق فاستوف كرك، قال: لا بأس به».

و كيف كان فقد ظهر لك أن بناء هذه المسألة على ما تقدم لا وجه له. و ما عن الشهيد في بعض تحقيقاته- و أنه من لطائف الفقه، و ربما كان التعليل في المتن و غيره موميا إليه- «من أن مورد السلم لما كان ماهية كلية ثابتة في الذمة، منطبقة على أفراد لا نهاية لها، فأي فرد عينه المسلم إليه، تشخص ذلك الفرد، و انصب العقد عليه، فكأنه لما قال له الغريم: اكتل من غريمي فلان، قد جعل عقد السلم معه. واردا على ما في ذمة غريمه المستسلف منه؛ و لما يقبضه بعد، و لا ريب أنه مملوك له بالبيع، فإذا جعل مورد السلم الذي هو بيع، يكون بيعا للطعام قبل قبضه فيتحقق الشرطان، و يلحق بالباب»- لو سلم فإنما هو في الفرد الذي يتشخص بالدفع و القبض، أما الذي تشخص


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 2.

ج 23، ص: 172

بعقد الحوالة كما في المقام، فقد يمنع صدق اسم المسلم عليه، إذ هي عقد مستقل يحصل به ملك ما في الذمة، و لا ينصب عقد السلم عليه، و لو فرض موضوع البحث وكالة في القبض، زال الإشكال من هذه الحيثية قطعا.

نعم يبقى إشكال تولى الواحد طرفي القبض إذا أراد قبضه لنفسه، بعد القبض عن موكله كما تسمعه في المسألة الآتية، و لعل ما ذكرناه أولى مما في المسالك من مناقشة الشهيد «بان مورد السلم و نظائره من الحقوق الثابتة في الذمة، لما كان أمرا كليا، كان البيع المتحقق به هو الأمر الكلى، و ما يتعين لذلك من الأعيان الشخصية بالحوالة و غيرها ليس هو نفس المبيع، و إن كان الأمر الكلي إنما يتحقق في ضمن الأفراد الخاصة، فإنها ليست عينه، و من ثم لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا رجع الحق إلى الذمة، و المبيع المعين ليس كذلك، و نظير ذلك ما حققه الأصوليون من ان الأمر بالكلي ليس أمرا بشي ء من جزئياته الخاصة، و إن كان لا يتحقق إلا بها، و حينئذ فانصباب العقد على ما قبض و كونه حينئذ مبيعا غير واضح، فالقول بالتحريم عند القائل به في غيره غير متوجه، نعم لا بأس حينئذ بالكراهة، خروجا من خلاف الشيخ و جماعة، و تحرزا مما هو مظنة التحريم».

إذ فيه أن ما ذكره من ظهور الاستحقاق و العيب، يقتضي الفرق بين المبيع المعين و غير المعين لا أنه يقتضي كونه غير مبيع، و لم يدع الشهيد و لا غيره، أنه عين المبيع أولا و بالذات، بل صار بعد التعيين مبيعا، و لا ينبغي إنكار صدق وصف الكلى على الشخصي المدفوع عنه في البيع و الإجارة و غيرهما، و قد صرح به الأصحاب في غير المقام، كالإجارة و الصرف، و العرف شاهد عليه.

نعم قد يتوقف في نحو الدفع بالحوالة كما ذكرناه: و الأمر سهل بعد أن كان الحكم الكراهة المتسامح فيها عندنا في أصل المسألة، إذ ما نحن فيه إن لم يكن من البيع قبل القبض، فهو شبيهه كما عبر به في الدروس ثم على التحريم فلا ريب في البطلان كما

ج 23، ص: 173

قلناه في المسألة السابقة، و حينئذ لا يبر أذمة كل من المحول و المحول عليه بقبض المحتال، و ما عن التذكرة- من أن براءة ذمة الدافع، أصح الوجهين ضعيف، ضرورة كون الدفع و القبض بعنوان صحة العقد، و الفرض فساده، نعم هو صحيح على المختار و تبرأ ذمة كل منهما.

و كذا يصح الشراء قطعا لو دفع إليه مالا، و قال: اشتر به طعاما لي فإن قال: اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك صح الشراء و القبض عن الموكل قطعا، بل عن غاية المرام نفى الخلاف فيه دون القبض له عند الشيخ و القاضي فيما حكي عنهما لانه لا يجوز أن يتولى الواحد طرفي القبض و لأن

الحلبي (1)سأل الصادق عليه السلام في الصحيح «عن رجل أسلفته دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه، بعث إلى بدارهم، فقال اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك؟ فقال: أرى أن يولى ذلك غيرك، و تقوم معه حتى تقبض الذي لك، و لا تتول أنت شرائه»

و سأله أيضا عبد الرحمن البصري (2)في المرسل «عن الرجل أسلف دراهم في طعام، فحل الذي له، فأرسل إليه بدارهم، فقال اشتر طعاما و استوف حقك هل ترى به بأسا؟ قال: يكون معه غيره يوفيه ذلك».

و من هنا قال المصنف كظاهر غيره و فيه تردد لكن لا ريب أن الأقوى الجواز للأصل، فيكفي المغايرة الاعتبارية في القابض و المقبوض منه، كما تقدم في تولي طرفي العقد، و لأن

يعقوب بن شعيب (3)سأل الصادق عليه السلام في الصحيح «عن الرجل يكون له على الآخر أحمال من رطب و تمر فبعث إليه بدنانير فيقول: اشتر بهذه و استوف منه الذي لك؟ فقال: لا بأس إذا ائتمنه».

و منه يعلم أن المراد بالخبرين الأولين الإرشاد إلى رفع التهمة، و من هنا جزم


1- 1 الوسائل الباب 12 من أبواب السلف الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 12 من أبواب السلف الحديث 2.
3- 3 التهذيب ج 7 ص 42 الحديث 180 الطبع الحديث.

ج 23، ص: 174

الفاضل في بعض كتبه و الشهيد ان و المحقق الثاني بصحة القبض له، على أن إقباضه لا يزيد على إذنه و قد حصلت، فهو كما لو أذن لغريمه في قبض مال مخصوص له، عوضا عما له عليه.

بل الظاهر الصحة أيضا لو دفع له دراهم، و قال: اشتر لي بها طعاما، ثم اقبضه لنفسك، و إن لم يقل اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك. بل صحيح شعيب (1)أدل علي صحة ذلك من الأول، و لا يحتاج إلى أن يقبض أولا بنية أنه لذي الدراهم، ثم بقبض بعد ذلك بل يكفى قبضه لما اشتراه إذا كان مشخصا بنية أنه وفاء عما له في ذمته، و أقصاه أنه يكون استيفاء مما لم يقبضه بإذنه، بل لو كان ما اشتراه كليا، يمكن الإكتفاء بقبض الغريم عوضا عما له في ذمته، عن القبض أولا بعنوان أنه لذي الدراهم، و إطلاق الخبر المزبور شاهد عليه، و لو دفع اليه دراهم و قال: خذها بدل الطعام جاز، لأنه استيفاء من غير جنس؛ بل لو

قلنا أنه بيع للطعام على من هو عليه قبل قبضه جاز أيضا بناء على المختار من كراهة ذلك، لكن عن المبسوط أنه لم يجز لأنه بيع المسلم فيه قبل قبضه، و هو غير جائز، و فيه أن الدفع بدله أعم من البيع و لو سلم فقد عرفت التحقيق.

و لو دفع اليه دراهم و قال: اشتر لنفسك لم يصح الشراء و حينئذ ف لا يتعين له بالقبض بلا خلاف أجده فيه، لامتناع الشراء بمال الغير لغيره ما دام على ملك الغير و لو باذنه، اقتصارا على المتيقن من إطلاق أدلة البيع، فيبقى أصالة عدم النقل بحالها، إلا ان الانصاف عدم خلو ذلك عن البحث إن لم يكن إجماعا، و لو علم بقرينة- إرادة قرض الدراهم من ذلك، أو القضاء لما عليه من الطعام بجنس الدراهم أو الاستيفاء بعد الشراء و القبض له، و يكون التعبير المزبور باعتبار ما يئول إليه، أو لأنه السبب في هذا الشراء- خرج عن موضوع البحث. و اللَّه أعلم.


1- 1 الوسائل الباب 12 من أبواب السلف لكن عن الحلبي في ذيل حديث الأول.

ج 23، ص: 175

[المسألة الثالثة لو كان المالان قرضا أو المال المحال به قرضا صح ذلك قطعا]

المسألة الثالثة: لو كان المالان قرضا، أو المال المحال به قرضا، صح ذلك قطعا بل في التحرير قولا واحدا، للأصل بعد انتفاء شرطي المنع في الأول الذي نفي الخلاف عن الصحة فيه في المحكي عن المبسوط و الخلاف، و انتفاء تحقق بيع ما لم يقبض في الثاني، لكن لا وجه لتخصيص القرض بالمحال به، كما في الكتاب و القواعد و التحرير؛ بل متى كان أحدهما قرضا صح كما نص عليه في المبسوط و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك على ما حكى عن بعضها، إذ التحقيق ان الحوالة ليست بيعا، و ربما وجه تخصيص ذلك بأن المحال يشبه المبيع، من حيث تخيل كونه مقابلا بالاخر، و فيه ان شبهه بالثمن أظهر لمكان الباء.

نعم قد يقال: ان الغرض: من التخصيص الرد على ما عن الشافعية في أحد الوجهين من عدم صحة الحوالة إذا كان المحال به قرضا، بل ربما استظهر من التذكرة احتماله أيضا حيث انه حكاه ساكتا عليه. موجها له بأنه بيع سلم بدين. و الأمر سهل بعد ما عرفت.

[المسألة الرابعة إذا قبض المشتري المبيع مثلا ثم ادعى نقصانه فإن لم يحضر كيله و لا وزنه فالقول قوله ]

المسألة الرابعة: إذا قبض المشتري المبيع مثلا ثم ادعى نقصانه.

فإن لم يحضر كيله و لا وزنه فلا خلاف أجده إلا ما ستعرف ف ي أن القول قوله فيما وصل إليه مع يمينه، إذا لم يكن للبائع بينة بل في الرياض قولا واحدا لأصالة عدم وصول حقه إليه، السالمة عن معارضته، الظاهر و غيره، كما صرح به غير واحد فيكون منكرا؛ و البائع مدع،

«و البينة على المدعي، و اليمين على من أنكر»(1)

من غير فرق بين دعوى كثرة النقصان و قلته هنا، و احتمال أن القول قول البائع بيمينه- إن ادعى المشتري نقصانا كثيرا لا يخفى مثله على القابض، بخلاف القليل الذي يمكن خفائه، نحو ما تسمعه من التحرير في صورة الحضور ناشأ من ملاحظة معارضة الظاهر، للأصل في الأول، بخلاف الثاني- يدفعه منع الظهور


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث 3.

ج 23، ص: 176

مطلقا، مع عدم الحضور أولا، و منع حجيته- بحيث يعارض الأصل- ثانيا، و دعوى- أنه به يكون البائع منكرا، بناء على أنه ما وافق الظاهر، فيقدم حينئذ بيمينه يدفعها- مضافا إلى ما عرفت- منع تسليم كون المنكر ذلك، بل القول بأنه ما وافق قوله الأصل أقوى منه.

نعم لو فرض قرائن تشهد بكذب المدعي على وجه يحصل العلم للحاكم؛ لم تسمع دعواه لذلك، كما لو ادعى قبض حقه بعنوان أنها وزنة و كان من أهل الخبرة هذا. و لكن قد يقال: إن الأقوى منهما إيكال المدعي و المنكر إلى العرف، و لعل صدقه على ما لو ترك، لترك أتم، و لا ريب في أن المشتري هنا يصدق عليه ذلك، فيكون مدعيا و عليه البينة، و على البائع اليمين، و قد يؤيده أصالة الصحة في دفع المسلم و قبضه، إذ الفرض أنه قبض على أنه تمام الحق، و صحة كل شي ء بحسبه، و نحو ذلك بل أظهر منه، لو ادعى المشتري عيب المقبوض.

و لذا حكي عن التذكرة أنه فصل فقال: «يقدم قول مدعي التمام، إن اقتضى النقص بطلان العقد، كالصرف بعد التفرق و السلم، و إلا فمدعي النقص» و احتمله في الدروس و لعله لاندراج الأول في مدعى الصحة و الفساد، بخلاف الثاني و إن كان قد يناقش بمنع كون الأول كذلك، بعد فرض عدم اعترافه بما يقتضي الحكم عليه بالصحة، كما لو قال: قبضته بإخبار البائع أنه تام، و الفرض تسليم البائع ذلك، فإن مجرد ذلك لا يقتضي الحكم عليه بصحة العقد المشترط فيه التقابض الذي مقتضى الأصل عدم حصوله، و إن كان قد وقع العقد بمعنى الإيجاب و القبول، إذ ذلك بمجرده لا يقتضي حصول الشرط المتأخر، كما هو واضح، خصوصا بعد ملاحظة نظائره مما يشترط في صحته القبض كالرهن و الهبة و نحوهما، و لعله لذا أطلق الأصحاب الحكم في المقام.

و لكن يرد عليه ما ذكرناه، و يمكن دفعه بعدم قبضه بعنوان الإذعان بالتمامية، على وجه يكون كالاعتراف، بل المفروض أنه قبضه على إخبار البائع مثلا،

ج 23، ص: 177

و لعل فرق الأصحاب بين الحضور و عدمه لذلك، على معنى، أن الحاضر منفصل بعنوان وصول تمام حقه إليه، على وجه يكون كالمعترف فعلا، بخلاف غير الحاضر و لذا كان القول قول البائع مع الحضور و المشتري مع عدمه، و لعل هذا تحقيق المسألة إن لم يكن إجماعا على غيره.

و كيف كان فمما ذكرنا ينقدح الوجه فيما ذكره غير واحد، بل هو المشهور، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل في الرياض نفى الخلاف، و أنه هو الحجة من أنه إن كان المشتري قد حضر الكيل و الوزن فالقول قول البائع مع يمينه، و البينة على المشتري خصوصا مع اعتضاد قول البائع هنا بظهور الحضور، في تمامية المقبوض، و احتمال السهو و الغلط و نحوهما لا ينافي الظهور المزبور، بل قبضه مع حضوره، بمنزلة اعترافه بتمامية الفعل، فلا يسمع منه دعوى النقصان من دون ذكر وجه معتد به لما وقع منه، نحو ما إذا وقع الاعتراف منه بذلك، و الأصل براءة ذمة البائع بعد حصول ذلك منه، فيتفق حينئذ الأصل و الظاهر، و الترك لو ترك في المقام، و لا فرق في ذلك بين دعوى كثرة النقصان و قلته.

و لكن في التحرير و إن حضر فالقول البائع إن ادعى نقصانا كثيرا، و الوجه قبول قوله في قليل يمكن وقوعه في الكيل، و كأنه لحظ عدم الظهور في الأخير، بخلاف الأول، و فيه منع؛ مع أن العمدة ما عرفت، و منه يعلم أنه لا وجه لتوقف بعضهم في الحكم المزبور، و أنه لا دليل على اعتبار الظهور و رجحانه على الأصل أولا، و منع الظهور ثانيا، لاحتمال الغلط و السهو و غيرهما، فان لم ينعقد إجماع كان الوجه تقديم قول المشتري على كل حال؛ إذ قد عرفت أن الوجه ما ذكرناه، و لا يرد مثله في الأول، لأن المفروض عدم حضوره، بل كان قبضه مبنيا على إخبار البائع، بل لو اعترف كان المراد من اعترافه البناء على ظاهر الإخبار. هذا كله إذا أبرز الدعوى بما ذكرنا.

أما لو ادعى المشتري عدم قبض جميع حقه كان القول قوله و إن كان حاضرا،

ج 23، ص: 178

للأصل السالم عن معارضة غيره؛ و حضوره أعم من قبض جميع حقه كما هو واضح، و هذه من الحيل التي يترتب عليها الحكم الشرعي الذي هو مبني على القواعد الظاهرة، و الظاهر اتحاد الحكم المزبور في المعدود، و لو مزروعا كالمكيل و الموزون و ان اقتصر بعضهم على الثاني، و حضور الوكيل كحضور الموكل في وجه، و كذا حضوره الكيل لغيره، خصوصا إذا كان هو المباشر له، و إن كان ظاهر بعض العبارات حضور الكيل للنفس، و المدار في الظاهر الذي يترتب عليه الحكم هو ما كان متحققا في غالب الأفراد، لا ما اتفق باعتبار فرد خاص قد انضمت إليه بعض القرائن الحالية أو المقالية.

فتأمل جيدا. و اللَّه أعلم.

[المسألة الخامسة إذا أسلفه في طعام بالعراق ثم طالبه بالمدينة لم يجب عليه دفعه ]

المسألة الخامسة: إذا أسلفه في طعام بالعراق مثلا و قلنا بانصراف إطلاق العقد إلى بلده ثم طالبه بالمدينة مثلا لم يجب عليه دفعه بلا خلاف أجده فيه، للأصل، و كون الانصراف كالشرط الذي قد جعل اللَّه المؤمن عنده (1)من غير فرق بين تساوى القيمة و تفاوتها، كما أنه لو دفعه إليه لم يجب على ذي الحق قبوله لذلك أيضا نعم لو تراضيا عليه لا بأس به

قطعا و أما لو طالبه بقيمته قيل و القائل الشيخ و جماعة لم يجز لأن دفعها عوضا ع نه من بيع الطعام على من هو عليه قبل قبضه و قد عرفت أن مذهبهم فيه الحرمة، بل البطلان و فيه أولا أن المتجه على ما قلناه نحن هناك أنه يكره (11) هنا، و ثانيا منع كون ذلك منه، إذ هو وفاء للحق بغير جنسه، لا بيع، و أقصى ما يسلم أنه معاوضة أعم من البيع، على أن

ابن فضال (2)قد كتب إلى أبى الحسن عليه السلام «في الرجل يسلفني في الطعام، يجي ء الوقت و ليس عندي طعام، أعطيه بقيمته دراهم؟ قال: نعم»

و أرسل ابن أبان (3)عن بعض أصحابنا «عن الصادق عليه السلام في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل، فيحل


1- 1 الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 5 لكن عن ابان بن عثمان مع اختلاف يسير.

ج 23، ص: 179

الطعام، فيقول: ليس عندي طعام، و لكن انظر ما قيمته فخذ منى؟ قال: لا بأس بذلك».

و لا ينافيهما

صحيح العيص بن القاسم (1)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل أسلف رجلا دراهم بحنطة، حتى إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام، و وجد عنده دوابا و رقيقا و متاعا أ يحل له أن يأخذ من

عروضه تلك بطعامه؟ قال: نعم يسمى كذا و كذا، بكذا و كذا صاعا»

إذ المراد منه أنه حيث كانت القيمة عروضا، لا دراهم؛ فلا بد من تشخيصها في مقابلة الطلب الذي له، ليحصل بذلك استيفاء حقه، فلا ينبغي التوقف حينئذ في الجواز مع التراضي.

إنما البحث في أن له حينئذ جبره على القيمة في بلد السلم؟ المشهور نقلا العدم للأصل، و لأن القيمة فرع استحقاق ذيها، لأنها لم يجر عليها عقد، و لا دل دليل على استحقاقها، و عن التذكرة أن له ذلك لأن الطعام الذي يلزم دفعه معدوم، فكان كما لو عدم الطعام في بلد يلزمه التسليم فيه، و فيه منع ظاهر، و لأن الطعام قد حل، و التقصير من المسلم إليه، حيث أنه لم يحضره في مكان التسليم عند الحلول، و لا مانع من التسليم إلا كونه ليس في مكان التسليم الذي هو حق عليه، فإذا أسقطنا حق المسلم من المطالبة بالطعام، ارتفاقا بحال المسلم إليه، انتقل حق المسلم له إلى القيمة في مكان التسليم، جمعا بين الحقين، و فيه أن الحلول أعم من ذلك، و التقصير مع إمكان فرض عدمه، هو أعم منه أيضا و لا تعارض بين الحقين، حتى يجمع بينهما بذلك؛ على أن اللَّه قد جمع بينهما «بأن

المؤمنين عند شروطهم»(2)

قال: «و لأن فيه من الضرر ما لا يخفى إن لم يكن له ذلك، إذ ربما لا يريد العود الى بلد السلف و ربما احتاج في عوده إلى أضعاف السلم، و ربما كان المسلم إليه لا يوثق بعوده إليه و الظفر به هناك، بل ربما يكون

هرب من السلف، فيكون منعه من مطالبته مفضيا إلى


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.

ج 23، ص: 180

ذهاب حقه أبدا، و طريقا إلى مدافعة الغريم عن الحق الحال عليه» و فيه أن الضرر لا يدفع بالضرر؛ على أنه يمكن فرضه خاليا عن ذلك كله، و لا نقول أنه ليس له مطالبته أصلا، بل له المطالبة في المدينة بإلزامه بالتأدية في العراق، و الاحتمالات المزبورة بعد أن كانت اتفاقية الحصول، اتجه الرجوع فيها بعد ثبوتها إلى الحاكم ليلزمه بوجه تخلو عنه.

و من ذلك يعلم ما في جامع المقاصد من أن التحقيق أن يقال: له المطالبة بالطعام مع المساواة لبلد السلم أو النقصان، و إلا فله المطالبة بقيمة بلد السلم، لتعذر المثل، بل قال: و لو أتاه برهن أو ضمين و تهيأ للمسير معه مع أول رفقة، فالظاهر عدم وجوب الصبر، لما فيه من الضرر و تأخير الدين الحال، إذ لا يخفى أن المساواة أو النقصان، لا تسوغ له المطالبة في غير البلد الذي انصرف اليه العقد الذي بمنزلة الشرط، على أن المسلم إليه قد يكون تحصيل عين الحق في تلك البلد سهلا عليه، بخلاف غيره، كما أن حلول الدين لا يسوغ خلاف الشرط، و الفرض انصراف العقد إلى البلد المخصوص، بل لو قلنا أنه يجب عليه في ذلك اليوم التسليم في العراق، و هو متعذر فالمتجه فيه السقوط، لقبح التكليف بما لا يطاق، و منع خطاب الوضع و هو ثبوت لا أنه ينتقل إلى القيمة قياسا على تقدير المسلم فيه في بلد السلم، بعد بطلان القياس عندنا، و اللَّه أعلم.

و لو فرض أنه كان ما في الذمة من الطعام مثلا قرضا في العراق لا سلما جاز أخذ العوض أي القيمة بسعر العراق قولا واحدا، لعدم كونه بيعا لما اشتراه قبل القبض. إنما الكلام في أن له المطالبة بالمثل؟ الأظهر العدم، وفاقا للفاضل و ثاني الشهيدين، للأصل بعد انصراف عقد القرض إلى بلده فليس له المطالبة بالأداء في غيره، كما أنه لو دفع إليه فيه، لم يجب قبوله، فإذا لم يكن له ذلك، لم يكن له

ج 23، ص: 181

المطالبة بالقيمة التي لم يجر عليها عقد، و لا دليل عليها، خلافا للتحرير و التذكرة و محكي المبسوط و القاضي و غاية المرام، بل ربما لاح من الأخير عدم الخلاف فيه، فيجبر على دفع قيمة العراق و لم نعرف له وجها، سوى ما سمعته في السلم و سمعت بطلانه، و للمختلف فيجب دفع المثل بالمطالبة، فإن تعذر فالقيمة بسعر العراق، و كأنه مبني على منع الانصراف المزبور، كما مال إليه في الحدائق، إلا أن المتجه حينئذ القيمة في ذلك الوقت.

و على كل حال فضعفه واضح، و

خبر سماعة(1)«سأل أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل لي عليه مال فغاب عني، فرأيته يطوف حول

الكعبة، فأتقاضاه؟ فقال له لا تسلم عليه و لا ترعه حتى يخرج من الحرم»

مع أنه لم يعلم كونه قرضا أو غيره، إنما هو مساق لبيان حرمة الحرم، على أن له المطالبة في غير ذلك المكان، بالتأدية في بلد القرض، و ربما كان هاربا منه. فتأمل.

و إن كان الطعام غصبا و قد تلف فعن المبسوط و القاضي أنه لم يجب عليه دفع المثل لو طالبه به في غير بلد الغصب و إن لم يكن فيه مانع السلم جاز له دفع القيمة بسعر العراق مثلا لا القيمة وقت الإعواز، بل يجبر عليها مع المطالبة و فيه أن الأشبه

بعموم «من أتلف»(2)

و «على اليد»(3)

و غيرهما، جواز مطالبة الغاصب بالمثل حيث كان و إن تعذر فليطالبه بالقيمة الحاضرة عند الإعواز (11) لأنه وقت الانتقال إليها، فما في المختلف- من أنه يجبر على دفع المثل فان تعذر فقيمة بلد الغصب، نحو ما سمعته عن المبسوط في القيمة، لأنه غصبه هناك،


1- 1 الوسائل الباب 26 من أبواب الدين الحديث 1.
2- 2 قاعدة مستفادة من مضامين الاخبار و من أراد الاطلاع على مداركها فليراجع القواعد الفقهية ج 2 للسيد البجنوردى.
3- 3 سنن البيهقي ج 6 ص 90 و كنز العمال ج 5 ص 257.

ج 23، ص: 182

فإذا تعذر المثل وجب عليه قيمته فيه- كما ترى.

[المسألة السادسة لو اشترى عينا بعين و قبض أحدهما ثم باع ما قبضه و تلفت العين الأخرى في يد بائعها بطل البيع الأول ]

المسألة السادسة: لو اشترى عينا بعين، و قبض أحدهما ثم باع ما قبضه و تلفت العين الأخرى في يد بائعها بعد البيع الثاني بطل البيع الأول من حينه، لحصول التلف قبل القبض و لا سبيل إلى إعادة ما بيع ثانيا لوقوعه مصادفا للملك ضرورة كون الفسخ بالتلف من حينه بل يلزم البائع قيمته لصاحبه إن كان قيميا، كما لو كان تالفا، بل الظاهر عدم وجوب فسخ البيع الثاني عليه لو كان له خيار مثلا، مع احتماله كالهبة قبل التصرف، و على الأول، فلو فسخ بعد دفع القيمة أو قبلها، ففي وجوب دفع العين عليه وجه قوي، لأنه و إن كان للفسخ مدخل في الملك من حينه، إلا أن المملك الأول له قد انفسخ، ففسخ العقد الثاني يرجعه على مقتضى العقد الأول الذي فرضنا انفساخه، فيعود الملك إلى مالكه الأول بمجرد فسخ العقد.

نعم لو كان انتقاله إليه بعقد جديد كهبة و نحوها، اتجه عدم وجوب دفع العين عليه، و يحتمل عدم الوجوب خصوصا لو كان قد دفع القيمة التي هي بمنزلة العوض عنه، بل و إن لم يدفعها، بناء على أن دخوله في الملك بالفسخ بمنزلة الملك الجديد. فتأمل جيدا و كيف كان فهل المعتبر قيمته يوم البيع، أو يوم تلف العين الأخرى؟ يحتمل الأول، لأنه وقت تعذر المثل، و الثاني لأن القيمة حينئذ لم تكن لازمة للبائع، و إنما لزمت بتلف العين الأخرى، الموجب لبطلان العين، و هو الأجود، و لو جهل تاريخ كل من البيع الثاني، و التلف، اتجه البطلان، بناء على أن مقتضى تعارض الأصلين الاقتران الذي لا ريب في البطلان مع تحققه، و أما إذا قلنا بعدم الاقتران، و أن الأصل يقتضي عدمه أيضا، فيمكن الصحة تمسكا بأصالتها الناشئة من إطلاقات البيع و عموماته فتأمل. و اللَّه أعلم.

ج 23، ص: 183

[النظر الرابع في اختلاف المتبايعين ]
اشارة

النظر الرابع: في اختلاف المتبايعين لكن ينبغي أن يعلم أولا أنه إذا عين المتبايعان نقدا مخصوصا أو عروضا كذلك وجب الوفاء بما عيناه في العقد و إن أطلقا النقد مثلا، و كانا من أهل بلاد واحدة انصرف إلى نقد البلد ف إن لم يكن فيه إلا نقد واحد أو كان فيه نقد غالب صح قطعا، إذا وقع العقد في بلدهما المنصرف فيه إليه، ضرورة كون الانصراف من التعيين، بل و إن كانا في غيره، ترجيحا لعرف المخاطبين على مكان الخطاب، و لو انضم عرف بلد العقد إلى أحدهما دون الأخر، أمكن ترجيحه عليه، سيما إذا كان البائع الذي يمكنه ترجيح عرفه على المشتري إذا وقع العقد في محل لا يعضد أحدهما، لأن ابتداء الخطاب منه و المشتري قابل للمراد من خطابه على الظاهر و احتمال- الخروج عن عرفهما معا، لاختلافه، و الرجوع إلى بلد العقد إذا فرض فيه نقد غالب- ضعيف، و قد تحقق في الأصول في بحث تقديم عرف المخاطب على المتكلم أو العكس، ما يشهد للمقام في الجملة، و إن كان يمكن الفرق بينهما، و لذا كان الأولى التعيين في المقام المقصود منه ذكر ما يرتفع به النزاع و الشقاق في جميع صور الاختلاف المزبورة، و لا ينبغي الاعتماد على مطلق الظن فيه.

و كيف كان ف إ ن لا يحصل تعيين و لا غلبة و نحوهما مما يكفى، فيه كان البيع باطلا (11) للجهالة إلا إذا علم كل منهما قصد الأخر فإنه يكفي، إذ احتمال الذكر تعبدا لقطع النزاع ضعيف، و أضعف منه ما عن الأردبيلي من احتمال الصحة إذا تساوت النقود، إن لم يكن خلاف الإجماع، مع أنه لم نجده لغيره، و خلاف علم الهدى و الشيخ فيما حكي عنهما في المشاهدة و كفايتها مقام آخر، كالمحكي

ج 23، ص: 184

عن ابى علي من تجويزه البيع بسعر ما باع، و دعوى الملازمة يمكن منعها، فانحصر التأمل فيه، مع احتمال أن يريد ما يحكى عن بعضهم من صحة البيع إذا تعددت النقود، و تساوت في القدر و القيمة و المالية، و إن اختلفت الافراد بحسب الرغبة، فإن القول به حينئذ لا يخلو من قوة إن لم يؤد التفاوت إلى الغرر و الجهالة و النزاع و المشاجرة، و لم يعلق البيع بالمشترك اللفظي. مريدا به مفهوم أحدهما على جهة الترديد لعدم معقولية الملك على هذا الوجه، و من ذلك كله يعلم الحال في الذرع و الكيل و كذا الوزن و لو تعارف ذرع غير بلد العقد فيها، أو وزنها، أو كيلها لمبيع خاص، انصرف اليه فيها من العالم بالحال، و إلا بطل العقد مع اختلاف القصد، و يقدم قوله في الجهل بذلك، إذا لم يكن هناك ظاهر ينفيه، و إلا تعارض الأصل و الظاهر.

و كيف كان ف إن اختلفا أى المتبايعان فهيهنا مسائل:

[المسألة الأولى إذا اختلفا في قدر الثمن فالقول قول البائع مع يمينه ]

الأولى:

إذا اختلفا في قدر الثمن سواء كان في الذمة، أو معينا في وجه تسمعه إنشاء الله تعالى، ف ادعى البائع زيادته، و المشتري عدمها، كان القول: قول البائع مع يمينه إن كان المبيع باقيا، و قول المشتري مع يمينه إذا كان تالفا على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل عن ظاهر الغنية و كشف الرموز الإجماع عليه، بل هو صريح محكي الخلاف، و آخر مبحث الشرائط من السرائر، و إن أنكره في موضع آخر منها غاية الإنكار، لكن عن كشف الرموز أن المناقضة منه ليس ببدع، و يدل عليه مضافا إلى ذلك،

مرسل البزنطي (1)الذي رواه المشايخ الثلاثة عن أبى عبد الله عليه السلام «في الرجل يبيع الشي ء فيقول المشتري: هو بكذا و كذا، بأقل مما قاله البائع، القول قول البائع إذا كان الشي ء قائما بعينه، مع يمينه»

المنجبر بما سمعت، بل عن إيضاح النافع أن الرواية مقبولة عند أهل الحديث.

و عن الكفاية أنها مشهورة و متكررة في الكتب معمول بها بين الأصحاب، مع


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام العقود الحديث 1- 2.

ج 23، ص: 185

ما عن عدة الشيخ من أن البزنطي لا يروي إلا عن ثقة، و كشف الرموز أن الأصحاب عملوا بمراسيل البزنطي، و الرواية مقبولة عند أهل الحديث، فلا مناص عن العمل بها منطوقا و مفهوما؛ خصوصا بعد تأيدها في الجملة، بإطلاق

الصحيح (1)«فإن اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا»

الظاهر في بقاء العين أيضا، و

النبوي (2)«إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع، و المبتاع بالخيار»

و بما أرسله في الخلاف من أخبار الفرقة، و المناقشة في مفهومه- بأنه أعم من كون القول قول المشتري مع التلف، لإمكان التحالف- يدفعها بعد أن كان دعوى أنه خلاف المنساق الإجماع المركب إن لم نقل انه مقتضى الأصل، و إلا كنا في غنية عن المفهوم كما أنا في غنية بما عرفت من الخبر المنجبر بالعمل، عن تكلف جريان ذلك على القواعد بوجوه تصلح مؤيدة للدليل لا دليلا، لوضوح عدم تماميتها، كما لا يخفى على من لاحظها.

و من ذلك ظهر لك أن ما عن الإسكافي- من تقديم قول البائع إن كانت في يده لكن

للمشتري الخيار، و قول المشتري إن كان العكس، أو أحدث بها حدثا إذ هو يؤيد أيضا، و ربما حكي عن أبى الصلاح و إن كنا لم نتحققه، بل لعل المحقق خلافه- في غاية الضعف لما عرفت على أنه مع قطع النظر عنه غير موافق للضوابط، و إن احتجوا له، بأنه إذا كان في يد البائع، فالمشتري يريد انتزاعه من يده، فالقول قوله، بخلاف ما لو كان في يد المشتري، فان البائع حينئذ يدعي زيادة على ما أقر به المشتري، و الأصل عدمها، لكنه كما ترى، ضرورة عدم أثر ليد البائع بعد اعترافه بأنها يد أمانة، و المشتري بعد اعترافه بأنها مبنية على يد البائع، و كذا ما عن بعضهم- من أن القول قول المشتري بيمينه، لانه منكر للزيادة المدعاة بعد اعتراف البائع بأن العين ملكه، فهو كمن ادعى عليه بماءة مثلا فاعترف بخمسين، إلا أنه لم نعرف قائله، قبل الفاضل


1- 1 الوسائل الباب 11- من أبواب أحكام العقود الحديث 1- 2.
2- 2 سنن البيهقي ح 5 ص 332.

ج 23، ص: 186

في المختلف، بل في المسالك «لم يذكره أحد من أصحابنا في كتب الخلاف، و ذكره العلامة في القواعد احتمالا، و حكاه في التذكرة عن بعض العامة و قواه، لكن الذي يظهر أنه أقوى الأقوال إن لم يتعين، العمل بالأول نظرا إلى

الخبر و الإجماع، غير أن فيهما ما قد عرفت» قلت: بل إليه يرجع ما في المختلف و إن أطال فيه إلا أنه لا يخفى عليك ضعفه في خصوص المقام لما سمعت.

نعم لا بأس به في غيره لو أبرزت الدعوى باشتغال الذمة بالزائد و إنكاره، أما لو أبرزت في تشخيص سبب الشغل بحيث يكون الاستحقاق تبعيا، فقد يمنع تقديم قول المشتري فيه ضرورة كون كل منهما مدعيا و منكرا، ففي المقام مثلا يدعي البائع أن ما وقع ثمنا في عقد البيع المخصوص ماءة و المشتري خمسون، فنزاعهما في تشخيص العقد المشخص في الواقع، و لا ريب في كون كل منهما مدعيا فيه و منكرا، و لعله لذا احتمل التحالف الفاضل في كثير من كتبه، بل عن ولده أنه صححه، و الشهيد الأول اختاره في قواعده، و إن نسبه في دروسه إلى الندرة.

بل مال إليه هنا في جامع المقاصد قال ما حاصله: إن البائع لما لم يكن اعترافه بالملك مطلقا، بل كان على وجه إن ثبت، ثبت به الثمن المخصوص، كان منكرا لما يدعيه المشتري أيضا، و مدعيا عليه ثمنا مخصوصا اقتضاه عقد آخر، و المشتري ينكره و يدعي عليه ثمنا مخصوصا اقتضاه عقد آخر، فلا قدر مشترك بينهما محقق قد اتفقا عليه، كي تتوجه الدعوى حينئذ إلى الزائد عليه و ينتفى التحالف الذي ضابطه تنافي الدعويين، و جمع الدعويين؛ و إثبات ما اتفقا عليه و أقر به المشتري للبائع، فيبقى الزائد الذي ينكره المشتري فيقدم قوله بيمينه- لا وجه له؛ بعد ما عرفت من تشخيص كل من الدعويين بما ينافي الأخرى، و صيرورتهما به بمنزلة دعوى كل منهما عقدا غير عقد الأخر التي لا ريب في التحالف فيها، كما لو قال المالك: آجرتك العين، فأنكر الأخر و قال بعتنيها أو بالعكس، و لا وجه لاحتمال كون القول قول منكر دخول ملك العين لاتفاقهما على ملك المنفعة، فيكون النزاع في الزائد، فالقول قول منكره كما لا يخفى،

ج 23، ص: 187

و من ذلك يعلم أن الوجه التحالف فيما لو قال: و هبتني، فقال: بل بعته بألف، كما جزم به في التذكرة، و إن كان في القواعد احتمله و تقديم قول مدعى الهبة مع اليمين، و في جامع المقاصد لا ريب في أرجحية التحالف، إلا أن المتجه طرده في جميع المسائل أي التي منها ما في.

[المسألة الثانية و هي ما لو اختلفا في تأخير الثمن و تعجيله فالقول قول البائع مع يمينه ]

المسألة الثانية: و هي ما لو اختلفا في تأخير الثمن و تعجيله، أو في قدر الأجل، أو في اشتراطه الرهن من البائع على الدرك أو ضمين عنه فإن الجميع متحدة في المدرك إلا أن المصنف و غيره حكموا ف يها بأن القول قول البائع مع يمينه و قد عرفت اختلاف إبراز الدعوى، فقد تبرز على وجه التحالف، أو إنكار البائع أو المشتري، فتأمل جيدا.

بل قد يقال: إن القول قول مدعى الأقل على أى حال أبرزت الدعوى، إذا كان المراد اشتغال الذمة بالأكثر، ضرورة أن أقصاه الاختلاف في السببين، أى السبب الموجب للأقل، و السبب الموجب للأكثر، و لا ريب في موافقة الأصل للأول، فيكون هو المنكر و من هنا أفتى به الأصحاب من غير خلاف يعتد به في سائر المقامات، حتى في الجنايات الموجبة للمال، لو وقع النزاع في السبب الموجب للأقل منها أو الأكثر فلاحظ و تأمل فإن ذلك هو التحقيق في المسألة، بل هو الذي يوافق صدق المدعى فيها عرفا.

و كيف كان فمحل البحث و ثمرته في أصل المسألة إنما هو إذا لم ينفسخ العقد ضرورة، أنه معه- بإقالة أو فسخ بأحد وجوهه أو بتلف قبل القبض- لا يظهر للنزاع ثمرة إن لم يكن البائع قبض الثمن، بل و إن كان قد قبضه إذ هو حينئذ كالدين في ذمته أو الأمانة عنده، فيقدم قوله في قدره فيه بلا خلاف أجده هنا، و إن كان يمكن فرض صورة للنزاع بحيث تأتي الوجوه السابقة أو بعضها، إلا أنها خارجة عن البحث، كخروج فرض النزاع في تعيين الثمن أنه العبد أو الجارية عنه أيضا ضرورة تعين التحالف فيه، بل لفظ القدر و نحوه في النص (1)و الفتوى ظاهر في خلافه، و من هنا خص بعضهم


1- 1 الوسائل الباب 21 من أبواب أحكام العقود الحديث 1- 2.

ج 23، ص: 188

محل البحث بما إذا كان في الذمة، و ان كان قد يناقش فيه بأعمية ذلك من المطلوب، إذ يمكن فرضه في الذمة مع وقوع الاختلاف في تعيينه، بحيث يتعين التحالف فيه، و بأنه

يمكن فرضه في المعين أيضا مع فرض الاختلاف في القدر، كما لو قال بعتك بهذين الدينارين أو الثوبين مثلا، فقال: بل أحدهما معينا، فان الحكم فيه كالذمة في جريان ما سمعت و منه يظهر رجوع تفصيل المختلف إلى ما في التذكرة كما عرفت فلاحظ و تأمل، لكن الإنصاف ان المتجه في هذا الفرض ما تقتضيه الأصول، لعد اندراجه في المنساق من النص و الفتوى، كما ان المنساق منهما أيضا اعتبار قيام العين في يد المشتري في تقديم قول البائع، فلو انتقلت عنه انتقالا لازما كالعتق و البيع و الوقف و نحوها، لم يكن القول قوله، ضرورة كون المفهوم حينئذ بناء على ما ذكرنا عدم اعتبار قوله إذا لم تكن العين قائمة في يد المشتري؛ فيندرج فيه الفرض لذلك، لا لان الانتقال اللازم تلف حكمي، حتى يرد عليه منع كونه كذلك، و إن من الجائز كون العلة، التلف الحقيقي الذي يمتنع معه الرجوع إلى العين في اعتبار ما يدعيه؛ من ان الحكم إنما تعلق في تقديم قول البائع على قيام العين من غير اعتبار بالعلة، و هو متحقق مع انتقالها عن ملكه بأي وجه فرض.

لكن قد عرفت اندفاع ذلك كله، بناء على ما ذكرنا، بل منه يظهر الحال في غير اللازم من الانتقال كالبيع في زمن الخيار و نحوه نعم لو كان قد فسخ قبل التنازع اتجه حينئذ تقديم قول البائع، لصدق القيام في يده، أما مع عدمه فالمتجه ما ذكرناه اقتصارا على المتيقن فيما خالف الأصل، و لذا كان المتجه كما في المسالك فيما لو تلف بعض المبيع تنزيله منزلة تلف المجموع، لا بقاؤه، و لا إلحاق كل جزء بأصله، و يؤيده عدم صدق قيام عين المبيع الذي هو مناط تقديم قول البائع.

و لو امتزج المبيع بغيره فإن بقي التميز، فعينه قائمة، و إن لم يتميز ففي المسالك احتمل بقاؤه كذلك لانه موجود في نفسه، و إنما عرض له عدم التميز من

ج 23، ص: 189

غيره، و المفهوم من قيام عينه وجوده، خصوصا عند من جعل التلف في مقابلته، فإنه ليس بتالف قطعا، و فيه أن المنساق من القيام غيره مما يظهر عينه للحس و يمكن إرجاعه، فالمتجه الاقتصار عليه، هذا مع مزجه بجنسه بحيث لا يخرج به إلى حقيقة أخرى، كالزيت يخلط بمثله، و النوع الواحد من الحنطة بمثله. أما لو خلط بغير جنسه بحيث صارا حقيقة أخرى كالزيت يعمل صابونا، فإنه حينئذ بمنزلة التالف.

و الله أعلم.

[المسألة الثالثة لو اختلفا في قدر المبيع فقال البائع بعتك ثوبا بدرهم فقال بل ثوبين فالقول قول البائع مع يمينه ]

المسألة الثالثة: لو اختلفا في قدر المبيع فقال البائع بعتك ثوبا بدرهم مثلا فقال المشتري بل ثوبين أو قال البائع: هذا الثوب بكذا، و قال المشتري: ذلك مع ثوب آخر معين به فالقول: قول البائع أيضا لأصالة عدم انتقال غير ما اعترف به، و لذا كان القول قول المشتري في قلة الثمن، و البائع في كثرته عند من عرفت لو لا الخبر المزبور(1)المفقود في الفرض، و التحقيق إتيان البحث السابق هنا إذ لا نص في المقام يعارض ما يقتضيه الأصل، فيبقى البحث في تعيين مقتضاه من تقديم مدعى الأقل أو التحالف أو غيرهما، و قد تقدم الكلام فيه مفصلا.

نعم هذا إذا كان الاختلاف في المبيع من حيث القدر ف أما إذا كان من حيث التعيين كما لو قال البائع بعتك هذا الثوب بكذا فقال المشتري بل هذا فهنا دعويان لا قدر مشترك بينهما فيتحالفان (11) على نفى كل من قولهما و يبطل دعواهما (12) لحصول ضابط التحالف: و يترادان، كما في

النبوي (2)«المتبايعان إذ اختلفا، تحالفا و ترادا»

و كذا لو نكلا معا و يبتدء باليمين من ادعي عليه أولا، كما في المسالك في نحو ذلك، بل هو مقرب التذكرة، و نفى عنه البعد في جامع المقاصد، و لو تساويا في إبراز الدعوى، فإن قلنا بتقديم من كان على يمين صاحبه،


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب أحكام العقود الحديث 1- 2.
2- 2 سنن البيهقي ج 5 ص 333.

ج 23، ص: 190

اتجه، حينئذ اليمين على الآخر، و إلا فالقرعة، لكن في الدروس البادي باليمين من يتفقان عليه فان اختلفا عين الحاكم، و في القواعد في نحو المقام احتمال استحباب

تقديم البائع، و المشتري، و التساوي فيقرع، و لعل ما ذكرناه أولى.

و على كل حال فالظاهر أن اليمين على النفي لا جامعة بينه و بين الإثبات، و إن احتمله في القواعد، و وجه بأنه أفصل للحكم و أسهل للحاكم، إذ قد ينكل أحدهما فيغني عن ردها تلك اليمين، مضافا إلى ما ورد من النهي عن تكرارها(1)و فيه ان يمين الإثبات بعد النكول فلا تتقدم عليه كي تجدي في السقوط عند التوجه.

و على كل حال فإذا حلفا سقطت الدعويان عندنا كما في التذكرة قال: «كما لو ادعى على الغير بيع شي ء أو شرائه، فأنكر و حلف، سقطت الدعوى، و كان الملك باقيا على حاله، و لم يحكم بثبوت عقد حتى يحكم بانفساخه، و من ذلك نسب إليه في المسالك القول بالبطلان من الأصل بعد التحالف، و أنه ينزل البيع منزلة المعدوم، خلاف ما اختاره في القواعد و الدروس، من أنه حين التحالف، أو الفسخ، لا من الأصل.

و كيف كان فيشكل باتفاقهم على وقوع عقد ناقل للثمن أو المثمن، و إن اختلفا في تعيين الأخر منهما، و من هنا اتجه جعل البطلان من الحين في المتفق عليه ثمنا أو مثمنا، و أما المختلف فيه منهما فالمتجه فيه ما ذكره من البقاء على الملك و حينئذ فكل من إطلاقه في التذكرة و القواعد غير جيد، و تظهر فائدة القولين في النماء، و فيما لو وقع التحالف بعد انتقال العين بعقد لازم كالبيع و شبهه، أو الخروج عن الملك

بعتق أو وقف و نحوهما، فعلى الأول يبطل العقود و غيرها، و يرجع العين إلى صاحبها و به قطع في التذكرة تفريعا على أصله، و على الثاني يرجع إلى القيمة يوم الانتقال، و به قطع في القواعد تفريعا على أصله، و أما التلف فيرجع معه بالقيمة.

و على كل حال و لعل الذي ألجأ الفاضل في التذكرة إلى ذلك، هو تلازم حال


1- 1 المستدرك ج 3 ص 199.

ج 23، ص: 191

الثمن و المثمن، فإذا فرض أن أحدهما باق على حكم الملك، كان الآخر كذلك، و يدفعه جواز اختلافهما في الحكم الظاهري، و إن تلازما في الحكم الواقعي، و كيف كان فالمراد من البطلان من الأصل أو من الحين، هو جريان حكم ذلك عليه، و أنه يكون حينئذ بمنزلة ما لم يجر عليه العقد، لا أنه كذلك حقيقة، و لكن قال في المسالك بعد البحث في ذلك: «الظاهر أن العقد يبطل بمجرد التحالف و إن لم يفسخه فاسخ و به قطع في التذكرة محتجا بما تقدم، من أن يمين كل منهما يسقط دعوي الأخر، فيكون الملك باقيا على حاله، و لم يحكم بثبوت عقد، حتى يحكم بانفساخه و هذا على القول ببطلانه من أصله، و أما على القول ببطلانه من حينه، فالظاهر أنه كذلك، لانتفاء دعوي كل منهما بيمين صاحبه، فينفسخ حينئذ، و لأن إمضاؤه على وفق اليمينين متعذر، و على وفق أحدهما تحكم، و هو ظاهر فتوى القواعد» قلت:

ذلك كله لا يقتضي الانفساخ باطنا للعقد اللازم الذي أقرا به و توافقا عليه، و تعذر تسليم الثمن أو المثمن ظاهرا أخيرا لا يقضى به.

نعم قد يقال: بتسلط المحق منهما على الخيار في وجه تسمعه إنشاء الله تعالى و مما يؤيد ذلك ما ذكر في التذكرة و غيرها قال فيما نحن فيه: «إذا حلف البائع على نفى ما يدعيه المشتري بقي على ملكه، فان كان في يده، و إلا انتزعه من المشتري، و إذا حلف المشتري على نفي ما يدعيه البائع، و كان الثوب في يده، لم يكن للبائع مطالبته به لانه لا يدعيه، و إن كان في يد البائع لم يكن له التصرف فيه، لانه معترف بأنه للمشترى، و له ثمنه في ذمته فإن كان قد قبض الثمن رده على المشتري و له أخذ الثوب قصاصا، كما أن له ذلك أيضا إذا لم يكن قد قبض الثمن، فان زادت قيمته فهو مال لا يدعيه أحد» و هو كالصريح في خلاف ذلك كله، ضرورة أنه لا وجه للمقاصة مع فرض الانفساخ، و ظاهر الدروس التردد، في ذلك، كالمحكي عن الشافعي قال: «إذا حلفا أو نكلا احتمل أن ينفسخ العقد إذ إمضاؤه على وفق اليمينين متعذر، و على وفق أحدهما تحكم، أى فيكون ذلك بمنزلة عدم وقوع البيع على أحدهما واقعا، تنزيلا للظاهر منزلة الواقع، كما هو مقتضى

ج 23، ص: 192

قوله صلى الله عليه و آله «ترادا»، و يحتمل أن يتزلزل فيفسخه المتعاقدان أو أحدهما أو يرضى أحدهما بدعوى الأخر، أو يفسخه الحاكم إذا يئس من توافقهما و امتنعا من فسخه، لئلا يطول النزاع» إلى أن قال: «ثم إن توافقا على الفسخ، أو فسخه الحاكم، انفسخ ظاهرا و باطنا، و إن بدر أحدهما فإن كان المحق فكذلك، و إلا انفسخ ظاهرا» قلت: لا ريب أن المتجه على مقتضى الضوابط الشرعية عدم الانفساخ بالتحالف بل و لا يتسلط الحاكم على ذلك. نعم إن توافقا عليه، و إلا فالظاهر انحصار الخيار في المحق على إشكال في بعض الأحوال؛ و هو حال ما بعد القبض، بل قد يقوى عدمه.

فيتجه حينئذ المقاصة على أحكامها، هذا كله بحسب الواقع، و الا فالحكم الظاهري قد عرفت الحال فيه.

نعم قد يقال: إن للغير التصرف في كل من الثوبين مثلا و شرائهما، بل و الثمن الذي يرجع إلى المشتري منهما أيضا و إن علم ان الواقع ينافي ذلك، إلا ان الظاهر عدم اعتبار مثل هذا العلم في المنع عن العمل بما يقتضيه الحكم في الظاهر، و له نظائر كثيرة في الفقه، منها- العين المقسومة بين اثنين، لتعارض البينتين مثلا. بل و مع العلم بأنها لواحد منهما، إذا لم نقل بالقرعة. فإن للغير شراء الجميع من كل واحد منهما و إن علم أن أحدهما غير مالك للنصف، إجراء للحكم الظاهري، بل إن لم يكن إجماع جرى مثله في النكاح لو فرض التداعي بين السيد مثلا و آخر في تزويج أمته، فقال السيد: هذه و قال الأخر: بل هذه، و تحالفا، فإن للغير التزويج بهما، و إن علم أن إحداهما ذات زوج عملا بالحكم الظاهري.

و كيف كان فلا ينبغي منع كل واحد منهما من التصرف فيما وصل إليه بعد التنازع. و إن تردد فيه في الدروس من قيام الملك و توقع زواله، فهو كالزائل قال:

«و أولى بعدم الجواز بعد التحالف، لتأكد سبب الزوال» و فيه ما عرفت، اللهم إلا أن يريد بحسب ظاهر الحال؛ و قلنا: بعدم الحاجة إلى حكم الحاكم بعد التحالف و إلا فلو تصرف المحق منهما فيما له على وجه لا يكون فيه هتك للحكم الظاهري أمكن القول بالجواز، للعمومات التي لا ينافيها ذهاب اليمين بما فيها في الظاهر.

ج 23، ص: 193

نعم لو قلنا بالانفساخ منعا قطعا، كما أنه مما قد منا يظهر لك الحال فيما ذكره فيها أيضا من أنه لو تحالفا بعد هلاك العين، ضمن مثلها أو قيمتها يوم الهلاك على الأقرب و لو عابت فأرشها، و لو أبق فالقيمة للحيلولة، ثم يترادان إذا عاد، و إن رهن أو آجر أو كوتب فالعقود باقية، و ينتقل إلى القيمة في الكتابة، و في الرهن و الإجارة وجهان، مبنيان على الحمل على الكتابة، أو الإباق، و لو رضى صاحب العين بتأخير الأخذ إلى فك الرهن، أو فراغ الإجارة، احتمل إجابته إن تسلم العين أو أسقط الضمان و جوزناه و الا لم يجب و في المسالك «أنه لو وجد العين أي التي وقع التحالف على ثمنها مستأجرة أو مرهونة، انتظر انقضاء المدة أو الفلك، و في تخيره بينه و بين القيمة معجلة، وجه» و في القواعد «لو كان المبيع أي الذي اختلف في ثمنه تالفا وجبت القيمة عند التحالف يوم التلف، و يحتمل يوم القبض، و لو تلف بعضة أو تعيب، أو كاتبه المشتري أو رهنه أو أبق أو آجره، رجع بقيمة التالف و أرش المعيب و قيمة المكاتب و المرهون و الآبق و المستأجر، و للبائع استرجاع المستأجر، لكنه يترك عند المستأجر مدة الإجارة و الأجرة المسماة للمشتري، و عليه أجرة المثل للبائع، و لو زالت الموانع- بأن عاد الآبق أو فك أو بطلت الكتابة بعد دفع القيمة،- فالأقرب عود ملك البائع إلى العين، فيسترد المشتري القيمة» و بعض ما ذكره لا يخلو من بحث، كما أن ما ذكره فيها من أنه لو اختلفا في قيمة التالف بعد التحالف رجعا إلى قيمة مثله موصوفا بصفاته. فإن اختلفا في الصفة قدم قول المشتري مع يمينه، أى إن كان هو المنكر كذلك أيضا؛ بل في المسالك «أنه قد أغرب في ذلك و هو بأصول العامة أليق، نظرا إلى أن الوصف تفيد أهل الخبرة الظن بالقيمة، فيكون مناسبا لرفع النزاع» قلت: لا ريب أن المتجه على أصولنا كما في الغصب و غيره تقديم منكر الزيادة، لعموم

قوله «و اليمين على من أنكر»(1)

و لأن للأعيان خصوصيات لا تعرف إلا بالمشاهدة،


1- 1 الوسائل الباب 25 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث 3.

ج 23، ص: 194

و لا تفي الأوصاف بالقيمة كما هو واضح.

ثم إن الظاهر جريان التحالف في زمن الخيار المشترك، و احتمل في الدروس عدمه، لأنهما يملكان الفسخ، لكن استوجه الأول ما لم يفسخ أحدهما، قال: «و الغرض من اليمين نكول الكاذب، و دوام العقد بإحلاف الصادق، فان حلفا فالفسخ أمر ضروري، شرع لتعذر إمضاء العقد، و عليه يتفرع التحالف في المضاربة، و يجرى التحالف في سائر العقود الجارية على هذا النمط، و تنقيح هذه المباحث محتاج إلى إطناب تام.

فلعل الله يوفق له» و لو اختلف ورثة البائع و ورثة المشتري في القدر كان القول: قول ورثة البائع في المبيع و ورثة المشتري في الثمن و إن كانت عين المبيع قائمة لما عرفت من كون القول: قول مدعي الأقل في الثمن و المثمن، خرج من ذلك للنص و الفتوى صورة ما لو كان النزاع بين البائع نفسه و المشتري كذلك مع قيام عين المبيع، دون غيرها من الصور التي منها محل البحث، حتى صورة النزاع بين أحدهما و وارث الأخر، و دعوى أن كل ما كان للمورث ينتقل للوارث مسلمة في المال و الحقوق التي تنتقل، بخلاف محل الفرض الذي هو من الاحكام لا من الحقوق، فما عن جماعة من أن حكم الوارث حكم المورث مطلقا في غير محله، و إن استحسنه في المسالك. و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا قال البائع بعتك بعبد فقال المشتري بل بحر فالقول قول من يدعي صحة العقد بيمينه ]

المسألة الرابعة إذا قال البائع مثلا بعتك مالي بعبد و شبهه مما يصح ثمنا فقال المشتري بل بحر أو قال بخل فقال: بل بخمر أو نحو ذلك مما لا يصح ثمنا أو قال البائع مثلا فسخت قبل التفرق و أنكر الأخر، فالقول: قول من يدعي صحة العقد و بقاؤها بيمينه (11) للأصل: بمعنى الظاهر، أو القاعدة، أو الاستصحاب؛ و (12) حينئذ فيكون على الأخر البينة (13) بلا خلاف معتد به أجده، لكن في الكفاية فيه نظر، و لعله لأعمية أصالة الصحة من كون المبيع عبدا، و

ج 23، ص: 195

لأصالة عدم العقد الصحيح، فيكون كإنكار البيع، و لأن أصالة صحة العقد إنما هي بعد استكمال أركان العقد ليتحقق وجوده، أما قبلها فلا وجود له، و الشك في المثال إنما هو في المعقود عليه الذي هو أحد أركان العقد، و فيه إن ذلك من توابع العقد الصحيح الذي شخصه الأصل في المقام، فهو في الحقيقة من لوازم خصوص هذا العقد من البيع لا مطلق عقده، و من الواضح الفرق بين المقام المعلوم وقوع العقد فيه، و بين إنكار البيع فلا يقاس أحدهما على الأخر و العقد للأعم من الصحيح و الفاسد، فتحققه لا يتوقف صدقه على كون المعقود عليه مما يصح العقد عليه، و إنما يتوقف عليه الصحيح منه لا أصله، فمع التنازع فيه كما في المثال لا إشكال في جريانها كما هو واضح بأدنى تأمل.

و من ذلك يعلم ما في الحواشي المنسوبة للشهيد على القواعد قال في الشرح نحو المتن: «هذا مخالف لما قاله الأصحاب و المصنف، من قبول قول المشتري في مثل ذلك و إنما هذا من فروع المخالفين، حتى لو أراد دعوى الفسخ؛ إذ الفاضل و المصنف و غيره قدموا قول منكره للأصل، و إن كان قد احتمل في القواعد في بحث خيار المجلس تقديم قوله، لأنه أعرف بنيته، و لا ريب في ضعفه بعد حمل النية في كلامه على الفعل، بقرينة وضوح عدم مدخلية النية».

و كيف كان فالتحقيق ما عرفت نعم قد يتجه تقديم مدعي الفساد لو كان الاختلاف في حرية المعين ثمنا أو مثمنا و رقيته، و لم يكن سبيل إلى معرفتها، فإن أصل الصحة لا يشخص الرقية هنا قطعا، و كذلك الخلية و الخمرية، فيبقى أصل عدم النقل و أصل البراءة معاضدا لمدعي الفساد، فيكون القول: قوله بيمينه، و لعل هذا هو مراد ثاني الشهيدين في مسالكه، قال: «و ربما يستشكل الحكم مع التعيين، كبعتك بهذا العبد، فيقول: بل بهذا الحر، فإن منكر نقل العبد إن كان هو المشتري فهو ينفى ثبوت الثمن في ذمته و إن كان هو البائع فهو ينفى انتقال عبده عنه، فالأصل معهما في الموضعين،

ج 23، ص: 196

و لانه يرجع إلى إنكار البيع، فيقدم قول منكره».

نعم لو لم يعينا في الصورتين توجه ما ذكر و إن كان لا يخلو من بعد، إلا أنه أولى من حمله على إرادة الفرق بين الكلي و المعين، و لو مع اختلاف المتبايعين فيه، بأن قال البائع مثلا: بعتك بهذا العبد مشيرا إلى معلوم العبودية، و قال المشتري: بل بهذا الحر مشيرا أيضا إلى معلوم الحرية، لعدم ما يصلح فارقا كما هو واضح بأدنى تأمل.

و لو قال البائع مثلا: بعتك و أنا صبي فأنكر المشتري و قال: بعتني و أنت بالغ ففي القواعد «احتمل تقديم قول مدعي الصحة مع يمينه، و تقديم قول البائع، لأصالة البقاء» ثم قال: «و لو قال: كنت مجنونا و لم يعلم له سبقه، قدم قول المشتري بيمينه و الا فكالصبي» و ظاهره التوقف، كالتذكرة و التحرير، و الدروس في المقام و الإقرار، و إقرار جامع المقاصد بل في إقرار الثاني «أن الصبي يحلف» لكن في الجامع هنا «أن الاحتمال الثاني في غاية الضعف، لأن أصالة البقاء مندفعة بالإقرار بالبيع المحمول على البيع الصحيح شرعا، فإن صحته تقتضي عدم بقاء الصبوة فلا يعد معارضا، كما لا يعد احتمال الفساد معارضا لأصالة الصحة في مطلق الإقرار بوقوع عقد البيع، فإن قلت: أصلان قد تعارضا، للقطع بثبوت وصف الصبوة سابقا قلت:

قد انقطع هذا الأصل بالاعتراف بصدور البيع المحمول على الصحيح، كما يحكم بانقطاع أصالة بقاء ملك البائع، بالاعتراف بصدور البيع لو اختلفا في صحته و فساده، و لو ثبت في هذه المسألة تعارض الأصلين، لثبت تعارضهما فيما لو قال: تبايعنا؛ و ادعى أحدهما الفساد، و الفرق غير واضح، و كون الصبوة مستمرة لا دخل له في الفرق» ثم قال في شرح قوله و لو قال: كنت مجنونا إلى آخره: «أي فيجي ء فيه احتمال تقدم جانب الصحة، لأنها الأصل، و الفساد لأصالة بقاء مقتضية، و ليس بشي ء؛ لانقطاع هذا الأصل كما قررناه في المسألة السابقة».

قلت: هو مناف لما ذكره في شرح قول الفاضل في باب الضمان، لا يصح ضمان

ج 23، ص: 197

الصبي و إن أذن له الولي، فإن اختلفا قدم قول الضامن، لأصالة براءة الذمة و عدم البلوغ، و ليس لمدعي الأهلية أصل يستند إليه، و لا ظاهر يرجع إليه، بخلاف ما لو ادعى شرطا فاسدا، و كذا البحث فيمن عرفت له حالة جنون، قال: أى «فإن اختلف الضامن و المضمون له في وقوع الضمان حال الصبا أو حال الكمال. قدم قول الضامن في أنه كان صبيا وقت الضمان، لأن الأصل براءة الذمة، فيستصحب، و كذا أصل عدم البلوغ، و ليس لمدعي أهلية الضمان حال وقوعه أصل يستند إليه، و لا ظاهر يرجع إليه يكون معارضا للأصلين السابقين، فإن قيل: له أصالة الصحة في العقود، و ظاهر حال العاقد الآخر أنه لا يتصرف باطلا قلت: الأصل في العقود الصحة بعد استكمال أركانها، ليتحقق وجود العقد، أما قبله فلا وجود للعقد، فلو اختلفا في كون المعقود عليه هو الحر أو العبد، حلف منكر وقوع العقد على العبد، و كذا الظاهر إنما يثبت مع الاستكمال المذكور؛ و اعترف شيخنا الشهيد في حواشيه بوجود أصالة الصحة في العقود، لكن بمعارضة أصالة الصبا يتساقطان، و يبقى أصل البراءة سليما عن المعارض، فكأنه لا أصل له، و ما ذكرناه أثبت» ثم إنه في شرح قوله بخلاف إلى آخره قال: «لأن الظاهر أنهما لا يتصرفان باطلا، و حيث كان المتعاقدان كاملين تحقق الظاهر المذكور. و أصالة صحة العقود» و شرح قوله و كذا البحث إلى آخره «أى ما سبق في الاختلاف في وقوع الضمان حال الصبا و البلوغ آت فيما عرف له حال جنون بعين ما ذكر، لكن لو حصل الاختلاف في وقوع العقد في يوم الجمعة و كان فيه كاملا، و في يوم الخميس قبله و كان باتفاقهما صبيا أو مجنونا؛ فهل هو كما سبق؟ أو يحتمل بأصالة عدم التقدم، كل ممكن» انتهى و هو كما ترى.

و التحقيق عدم الفرق بين البيع و الضمان في تقديم مدعي الصحة، لأصالتها القاطعة جميع هذه الأصول، بل هو كذلك و إن لم يعترف بأنه باع ثم ادعى أنه كان صبيا، و يكفى ثبوت أصل الفعل فيه و لو ببينة، ثم يصححه الأصل.

ج 23، ص: 198

و من الغريب دعوى تخصيصه أصالة الصحة بما بعد استكمال الأركان التي منها المعقود عليه، مع أنه لم يعرف خلاف في أن القول: قول مدعي الصحة فيما لو تنازع المتعاقدان الكاملان في وقوع العقد على ما يصح، أو ما لا يصح، و قد كان ما هو فيه من تقديم قول الصبي في مسألة الضمان مستغنيا عن هذه الدعوى، و كان يكفى فيه دعوى عدم تحقق موضوع أصالة الصحة، و هو فعل المسلم الكامل، و إن كان يدفعه منع كون الموضوع ذلك، بل الأصل في الفعل نفسه الصحة، و إنما يمنع منها عدم الكمال فمع عدم تحققه و الفرض وقوع الفعل؛ يحكم بصحته حتى يتبين خلافه، إلا انه لا يخلو من نظر فتأمل جيدا

[النظر الخامس في الشروط]
اشارة

النظر الخامس: في الشروط المذكورة في متن العقد دون ما بعده بل و ما قبله، إذا لم يكن بناء العقد عليه و إلا فالصحة فيه قوية جدا، و على كل حال فالمراد بها المرسومة فيه زائدا على الثمن و المثمن على وجه الالتزام، دون التعليق الذي لا إشكال في البطلان معه و إن كان بلفظ الشرط، من غير فرق بين كون المعلق عليه محقق الوقوع في مستقبل الأزمنة أولا، لا لأنه ينافي قصد إنشاء النقل و الانتقال و الرضا بهما لا مكان منعه، خصوصا بعد مشروعية التدبير و النذر و نحوهما من الإنشاء المعلق بل لانه مناف لما هو المعلوم من الشرع من تسبيب هذه الصيغ و ترتب الآثار عليها بمجرد تمامها، فالتعليق المقتضى لتأخر الآثار، و عدم إعمال السبب مقتضاه مناف لذلك.

و منه يعلم أنه لا يقدح صورة التعليق بعد العلم بإرادة الالتزام منها، لا حقيقته المنافية لما عرفت، بل و لا يقدح منه ما كان نحو بعتك إذا كانت الشمس طالعة مع

ج 23، ص: 199

العلم بالطلوع، و إن كان هو ظاهر بعضهم، لكونه تعليقا في الظاهر و للشك في السببية معه، إلا أنه كما ترى. نعم لا يبعد البطلان مع الشك، لاقتضائه توقف عمل السبب بعد تمامه على غيره مما لا مدخلية له في تسبيبه مع احتمال الصحة لكون التعليق فيه للعلم بترتب الأثر، لا للأثر نفسه، فتأمل جيدا.

و لا خلاف كما لا إشكال في قبول عقد البيع و غيره من العقود اللازمة، الشرائط في الجملة، و النصوص مستفيضة فيه أو متواترة(1)بل لعل إطلاق الأمر بالوفاء بالعقود(2)«و التجارة عن تراض»(3)كاف إلا أن منها ما ليس بسائغ، و منها ما هو سائغ و ضابطه كما في القواعد و اللمعة و الروضة و غيرها، بل عن ابى العباس نسبته إلى علمائنا، ما لم يكن مؤديا إلى جهالة المبيع أو الثمن كاشتراط تأجيل أحدهما مدة مجهولة و لا مخالفا للكتاب و السنة ضرورة وضوح بطلان الثاني، و كذا الأول بعد ما عرفت من اعتبار المعلومية فيهما، بل هو مندرج في الثاني، و لذا اقتصر في النصوص على استثنائه ف

في الصحيح (4)«المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله تعالى فلا يجوز»

و آخر(5)

«من اشترط مخالفا لكتاب الله عز و جل فلا يجوز على الذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم فيما يوافق كتاب الله عز و جل»

و

الخبر(6)«المسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلا لا أو حلل حراما»

لكن يظهر من جماعة منهم الفاضل في القواعد أن من المخالف للمشروع اشتراط ما ينافي مقتضى العقد، كشرط عدم البيع أو الهبة أو العتق أو الوطي أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن، أو نحو ذلك، بل في الغنية من الشروط الفاسدة بلا خلاف،


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار و الباب 15 من أبواب الحيوان و الباب 4 من أبواب المكاتبة و غيرها.
2- 2 سورة المائدة الآية 1.
3- 3 سورة النساء الآية 29.
4- 4 الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 5.

ج 23، ص: 200

أن يشترط ما يخالف مقتضى العقد، مثل أن لا يقبض المبيع و لا ينتفع به.

و عن جماعة أن ضابط المنافي كل ما يقتضي عدم ترتب الأثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو يقتضيه و رتبه، و قد يشكل باشتراط عدم الانتفاع بالمبيع مثلا زمانا معينا؛ فان مقتضى إطلاق العقد إطلاق التصرف في كل وقت، و باشتراط إسقاط خيار المجلس و الحيوان، و ما أشبه ذلك مما أجمع على صحة اشتراطه كما في المسالك؛ و احتمال إرادة ما لم يجعل العقد إلا لأجله من المقتضى كانتقال العوضين في البيع الذي هو الأثر الحقيقي له، ينافي منع اشتراط عدم البيع و نحوه مما سمعت منعه، لانه مناف.

و من هنا قال في جامع المقاصد «الحاسم لمادة الاشكال أن الشروط على أقسام، منها- ما انعقد الإجماع على حكمه من صحة و فساد، فلا عدول عنه، و منها- ما وضح فيه المنافاة للمقتضي، كشرط عدم الضمان عن المقبوض بالبيع، أو وضح مقابله، و لا كلام في اتباع ما وضح، و منها- ما ليس واحدا من النوعين، و هو بحسب نظر الفقيه» لكن لا يخفى عليك أن ما ذكره غير حاسم، و الأولى الاعراض عن هذه العبارة، و الرجوع إلى ما سمعته من الكلية المنصوصة التي يندرج فيها جميع ما يشك في جوازه، فيكون ذلك حينئذ هو المدار.

لا يقال: إن فيها إجمالا أيضا إذ لا يدرى ما المراد بالحلال و الحرام، أ هو ما كان كذلك بأصل الشرع من دون توسط العقد، أو ما يعم ذلك؟ فإن أريد الأول، نافى ما نصوا عليه من بطلان اشتراط عدم البيع و نحوه، إذ لا مانع في الشرع من كون الشي ء مملوكا و لا يباع أو لا يوهب مثلا، و إن أريد الثاني، ففيه أولا أنه مناف لما ذكروه، بل قد عرفت دعوى الإجماع عليه في المسالك من صحة اشتراط عدم الانتفاع مدة، و إسقاط خيار المجلس و إسقاط خيار الحيوان و نحوها مما عرفت، مضافا إلى ما تسمعه من النصوص الآتية في جواز بيع الأمة بشرط عدم البيع و الهبة، المستلزم لحرمتهما بعد

ج 23، ص: 201

الشرط، مع أنهما حلال بواسطة العقد، بل ظاهر هذه النصوص جواز اشتراط المنع من غيرهما إلا الإرث خاصة من بينها، و ثانيا المنع من الهبة مثلا الباطل اشتراطه، لكونه محرما، حلالا بواسطة العقد، و إن أريد به بالنسبة إلى العقد المعرى عن الشرط.

فهو وارد في كل شرط، لأنه مخالف لمقتضى العقد الخالي منه، و إن أريد بالنسبة إلى العقد المتضمن له فهو غير واضح، لأنا نقول: لا يخفى رجحان إرادة الأول، لانسياق حصول صفة الحل و للحرمة قبل العقد ذي الشرط منه، فالمراد تحريم ما كان حلالا بأصل الشرع، أو بالعكس كاشتراط عدم الإرث ممن يرثه أو شرب الخمر أو الزنا و نحوها، بل التأمل الجيد يقضى بكون المراد بذلك بيان ان الشرط من الملزمات بكل ما هو جائز للمكلف فعله أو تركه، و أنه ليس مؤسسا للحكم الشرعي و مثبتا له، حتى يكون محللا للحرام أو بالعكس، فيكون الضابط حينئذ في السائغ منه ما كان جائزا للمشترط عليه قبل الاشتراط و انما أريد بالشرط الإلزام به و غيره ما لم يكن كذلك، و مقتضى ذلك جواز اشتراط عدم البيع أو الهبة أو الوطء أو نحو ذلك ضرورة أن للمشترط عليه مع قطع النظر عن الشرط ترك ذلك كله.

اللهم إلا أن ينعقد إجماع على عدم الجواز و هو محل شك، بل قد يقوى الظن بخلافه، خصوصا بعد استدلال جماعة علي البطلان بالمنافاة لمقتضى العقد الذي هو كما ترى؛ و خصوصا بعد أن سئل

الصادق عليه السلام في الصحيحين (1)«عن الشرط في الأمة لا تباع و لا توهب فقال: يجوز ذلك

غير الميراث فإنها تورث، لأن كل شرط خالف الكتاب باطل»

و

في الأخر(2)«و هو مردود»

و نحوهما غيرهما، و هما مع صراحتهما بجواز اشتراط عدم البيع و الهبة، قد اشتملا على الاستثناء المشعر بما ذكرنا من تفسير الحلال و الحرام.

نعم لا ريب في بطلان منافي مقتضى العقد بمعنى عوده عليه بالنقص، كاشتراط عدم الملك في المبيع، بل هو عند التأمل راجع إلى الضابط الذي عرفت، كما أن


1- 1 الوسائل الباب 15 من أبواب الحيوان الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 15 من أبواب الحيوان الحديث 2.

ج 23، ص: 202

البطلان في الشرط العائد إلى جهالة المبيع أو الثمن لا إشكال فيه، بعد

النهي عن بيع الغرر (1)

الشامل لمحل الفرض قطعا.

نعم قد يتوقف في بطلان المجهول من الشرط مع الأول إلى العلم إذا لم تكن جهالته مؤدية إلى جهالة الثمن أو المثمن، لعموم دليل الشرطية بلا معارض، ضرورة اختصاص دليل المنع بغير الشرط و دعوى- إلحاق أحكام المبيع و الثمن له، لاندراج كل شرط في اسم كل عقد وقع فيه- واضحة المنع، بعد صحة السلب عنه، و لا

دليل على المساواة في الحكم، كدعوى استلزام جهالة الشرط، الجهالة فيهما لأن له مدخلية فيهما، إذ لا شاهد لها في العرف و اللغة و الشرع، و مدخليته التي هي بمنزلة الداعي لا تقتضي ذلك قطعا، و لا يندرج بسببها في دليل منع الجهالة في الثمن و المثمن كما هو واضح، فهو حينئذ قسم من الملزمات مستقل برأسه و إن اعتبر في إلزامه وقوعه في ضمن عقد لازم، و لذا صح اشتراط ما لا يصح وقوع العقد المشترط فيه عليه، كاشتراط المنفعة و نحوها في عقد البيع، و العين في عقد الإجارة و تصفح ما ذكره الأصحاب من صحة اشتراط الرهن و الضامن و العتق و نحو ذلك، مع أن في مطلقها جهالة لا تغتفر في نظيره في البيع.

أما إذا كان جهالة لا تئول إلى العلم، اتجه البطلان لأنه مثار النزاع، و لم يعهد نظيره في الشرع بل المعلوم منه خلافه، بل قد يقال- إن لم يكن إجماع على مثل هذا التسامح في الأول- بعدم الجواز أيضا، لأن دليل المنع و هو

النهي(2)عن الغرر في البيع،

شامل لعقد ذي الشرط المفروض فيه الغرر، و إن لم يصدق على الشرط أنه مبيع أو منه، أو ثمن أو منه، ضرورة كون المراد النهي عن الغرر في عقد البيع، و لو بالنسبة إلى ما فيه من الشرط، كما هو واضح، نعم لا يثبت في الشرط الأحكام الثابتة للمبيع مثلا من حيث كونه كذلك لعدم صدقه عليه، لا الثابتة للعقد الشامل للمشروط و غيره و الله العالم.

و كيف كان فقد بان لك من ذلك كله أنه لا إشكال في أنه يجوز أن يشترط


1- 1 الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.

ج 23، ص: 203

ما هو سائغ داخل تحت قدرته، كقصارة الثوب و خياطته، و حياكته إلا أنه بناء على اعتبار المعلومية، لا بد من بيان الثوب و كيفية الخياطة و نحو ذلك مما يرتفع به الجهالة، كما أنه لا إشكال في أنه لا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره، كبيع الزرع على أن يجعله المشتري أو الله سنبلا و الرطب على أن يجعله تمرا، و لا بأس باشتراط تبقيته لدخولها تحت القدرة، و في المسالك و غيرها، و هل يشترط تعيين المدة أم يحال على المتعارف من البلوغ؟ لأنه مضبوط عرفا كما إذا لم يشترط، الظاهر الإكتفاء بالثاني، و إطلاقهم يدل عليه، قلت: كما أنه يدل على ما ذكرنا من التسامح في الشرط، و ربما فرق بين أخذها شرطا و عدمه، فيعتبر ضبط المدة في الأول دون الثاني، و هو جيد بناء على عدم اغتفار الجهالة في الشرط، و على أن التبقية عند عدم الاشتراط من دليل آخر، لا من انصراف إطلاق العقد و إلا كان كالشرط مع إمكان منعه، ضرورة وضوح الفرق بين ما يستفاد من الانصراف و بينه من الشرط، في صدق الغرر في عقد البيع و لو بالنسبة إلى ما فيه من الشرط في الثاني، بخلاف الأول.

و على كل حال فالتبقية مقدورة يصح اشتراطها، و لعل من ذلك اشتراط حصول الأثر المعلوم توقفه علي عقد أو إيقاع من دونه، كاشتراط طلاق الزوجة- و حليته الوطء من دون صيغتهما، ضرورة عدم دخول ذلك تحت قدرته، لكون المرجع فيه الشرع، بل قد عرفت فيما سبق أن دليل الشرطية لا يفيد إلا أن الشرط من الملزمات للجائز، كالنذر و العهد؛ و مقتضاه حينئذ أن كل شي ء شك في حكمه شرعا فضلا عما علم لم يصح اشتراطه.

نعم كل شي ء علم حكمه شرعا و شك في جواز اشتراطه كان مقتضى العموم جوازه، و فرق واضح بين المقامين، فيجوز اشتراط الصيغة المقتضية للطلاق و حل الوطي و نحوهما، و يجوز اشتراط الأعمال و إن لم يذكر صيغة، بل يستحق العمل عليه بنفس الشرط، لعدم توقف حل استيفائه منه عليها، إذ لا ريب في جواز تبرعه به و قبوله منه، بل ربما

ج 23، ص: 204

قيل أيضا بجواز اشتراط ملك عين مخصوصة، و يملكها بنفس الشرط، من غير حاجة إلى تجديد عقد الهبة لأنها من العقود الجائزة التي لا يعتبر فيها لفظ مخصوص، فيكفي حينئذ عبارة الشرطية مع القبول في تحقق أثرها، كاشتراط الوكالة و غيرها، إلا أنه قد يشكل حصول الملك قبل القبض، لاعتباره فيها، و حينئذ يكون المراد بما في الشرط من الملك ملك أن يملك.

اللهم إلا أن يقال أنها في الفرض كالهبة المعوضة، بناء على عدم اشتراط الملك فيها بالقبض، فتأمل جيدا فإن ذلك كله كما ترى، ضرورة عدم وفاء دليل الشرطية بصحة اشتراط آثار العقود على وجه يلحقه حكم العقد الذي لا يتناول الشرط.

نعم قد يقال: بصحة اشتراط أثر العقد الذي لا دليل على انحصار سببه في العقد الذي هو من أسباب حصوله، كالملك الذي ليس في الأدلة ما يقتضي انحصار سببه في الهبة و نحوها، و إن كان الهبة تفيده لا أنها منحصر فيها، فهو حينئذ ملك شرطي، لا ملك الهبة التي هي اسم للعقد المخصوص، المعلوم عدم كون الشرط منه، بل لعل الحرية كذلك أيضا، فيصح اشتراطها على وجه يكون هو السبب في حصولها، و ليس ذلك من العتق الذي هو عبارة عن الإيقاع المخصوص، و حينئذ فالضابط في الأمر الذي يجوز اشتراطه، هو ما لا دليل على انحصاره في سبب خاص من عقد أو إيقاع، و إن كان يحصل بهما، فيشمله حينئذ عموم

«المؤمنون»(1)

و أما ما دل على انحصاره في السبب المخصوص الذي هو عقد أو إيقاع فلا يصح اشتراطه؛ للتعارض من وجه و لا ترجيح، و الأصل عدم ترتب الأثر.

و أما اشتراط العقود و الإيقاع فلا إشكال فيه، فيجوز اشتراط البيع و الهبة و التزويج و القرض و غيرها، لكن لو شرط عليه البيع مثلا من زيد بكذا فلم يقبل زيد


1- 1 الوسائل الباب 6- من أبواب الخيار الحديث 1- 2.

ج 23، ص: 205

فهل يتسلط من له الشرط على الخيار لعدم الشرط أو لا؟ لأن المراد من هذا الاشتراط ما هو مقدور له، و هو بذله له بذلك، و الا كان من غير المقدور الذي يبطل اشتراطه- و جبان ينقدح من أولهما أن المدار في غير المقدور الفاسد اشتراطه العرف و تجدد العجز لا يخرجه عن القدرة، و إن سلط من له الشرط على الخيار، نعم يمكن القول بالبطلان، لو انكشف عدم القدرة عليه حال الاشتراط.

و على كل حال فالظاهر عدم خروج المثال بامتناع زيد عن وصف القدرة، فيصح اشتراطه لذلك مرادا به البيع حقيقة لا بذله، و يتسلط على الخيار مع عدمه، و لو كان شرط البيع مثلا في عقد فاسد بجهالة ثمن و نحوه، فباع المشترط عليه، فلا ريب في صحة بيعه، و لزومه مع علمه بالفساد بل الظاهر ذلك و إن لم يعلم، و إن كان يقوي ثبوت الخيار له، و قد يحتمل الفساد، لأنه كدفع ثمن العقد الفاسد، إذ دفع كل شي ء بحسب حاله و الأول أقوى، بل لو لا غروره و حصول الغرر، أمكن القول بعدم الخيار له و الله أعلم.

و كيف كان فمن ذلك أى اشتراط الإيقاع في العقد ما نبه المصنف بقوله و يجوز ابتياع المملوك بشرط أن يعتقه عن المبتاع بلا خلاف أجده فيه، كما عن بعضهم الاعتراف به، بل في المسالك الإجماع عليه، و على صحة اشتراطه غير مقيد به، كما عن المبسوط و المهذب البارع و إيضاح النافع الإجماع على صحة اشتراط عتقه، لكن صريح بعضهم و ظاهر آخر ان جوازه لذلك، و لأنه مبني على التغليب الذي منه و من غيره يعلم عناية الشارع بفك الرقبة بأدنى سبب، و إلا فهو مناف لمقتضى العقد، فينبغي بطلانه، و فيه ما عرفت من أنه لا دليل على البطلان بمثل هذه المنافاة بل ظاهر الأدلة خلافه.

بل في التذكرة يجوز اشتراط عتقه عن البائع عندنا خلافا للشافعي، لأنه شرط لا ينافي الكتاب و السنة لكن ظاهره في القواعد عدم الجواز كما هو خيرة الشهيدين في

ج 23، ص: 206

الدروس و الروضة و الفاضل المقداد «لأنه لا عتق إلا في ملك «(1)و فيه أنه في الملك لكون المعتق هو المشتري، و لا دليل على اشتراط ملكية المعتق عنه على أنه لو سلم فهو اشتراط لإدخاله في ملكه، ثم عتقه عنه، و لا بأس به، بعد إن لم يكن الشرط بيعه عليه الذي قد عرفت منعه فيما تقدم، لعدم توقف العتق المشترط عليه، فالصحة حينئذ أقوى: و لو شرط في عتقه عن المشتري التبرع لزم الشرط، و كذا المجانية، أما لو شرط عتقه عن كفارة المشتري، ففي المسالك «صح، و فائدة الشرط التخصيص لهذا العبد بالإعتاق» قلت: بل فائدته عدم إجزاء العتق تبرعا عن الشرط إذا كان للبائع غرض بذلك، و مثله اشتراط العوضية في العتق بالخدمة و نحوها، فلا-

تجزى المجانية حينئذ، و إن كان قد يندر فرض مصلحة للبائع في ذلك، لغلبة كونها للمشتري، فله حينئذ إسقاطها و عتقه مجانا.

ثم إن ظاهر الشرط يقتضي إيقاعه مباشرة اختيارا، بل في المسالك مجانا أيضا، فلو شرط عليه عوضا من خدمة و غيرها لم يأت، و قال: «و حيث يفوت الشرط يتخير البائع بين فسخ البيع و الإمضاء، لكن لو فسخ هنا رجع إلى القيمة، كالتالف أيضا، لبناء العتق على التغليب، مع احتمال فساده، لوقوعه على خلاف ما وجب، و يحتمل ضعيفا سقوط الشرط هنا و نفوذ العتق».

قلت: لا ريب في ضعفه إن أراد من الشرط الخدمة و نحوها المشترطة في العتق و كذا إن أراد به شرط البائع بناء على الظهور المزبور نعم يمكن منع ظهور الإطلاق في ذلك، لصدق تحقق العتق و لو مع الشرط: ثم قال: «و هل يشترط وقوعه من المشتري مباشرة أم يكفي وقوعه مطلقا؟ وجهان، و تظهر القائدة فيما لو باعه بشرط العتق، فعلى الأول يحتمل بطلان البيع، لأن شرط العتق مستحق عليه، فلا يجوز نقله إلى غيره، و صحته مع تخير البائع، ثم إن أعتق المشتري الثاني قبل فسخه نفذ، و قدر كالتالف و إلا أخذه، و على الثاني يصح كما لو أعتقه بوكيله، و الذي يدل عليه الإطلاق و الحكم


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب كتاب العتق الحديث 1- 5.

ج 23، ص: 207

في باقي الشروط أنه لا يقتضي مباشرتها بنفسه إلا مع التعيين، و هذا الشرط لا يزيد على غيره» و فيه أولا- أنه خلاف ما استظهره سابقا بناء على اتحاد المراد بالمباشرة في العبارتين، و ثانيا- أنه لا ريب في ظهور الإطلاق في المباشرة بالمعنى المزبور، أى عتقه في ملكه و لو بوكيله، فلا يندرج حينئذ فيه المثال المزبور، و ثالثا- أنه لا وجه لاحتمال البطلان على الأول، و إن كان هو خيرة محكي التحرير و التذكرة و مهذب البارع، إذ لا ينقص عن بيعه من دون اشتراط العتق الذي صرح هو و غيره في أنه للبائع إمضائه.

قال في القواعد و الدروس و محكي التذكرة و جامع المقاصد و الروضة: أنه لو باع العبد المشروط عليه عتقه، أو وقفه تخير البائع بين الفسخ و الإمضاء، أي فإن فسخ بطلت هذه العقود، بل قد يقال: بالصحة حتى مع الفسخ، فتكون له القيمة حينئذ نحو ما سمعته في الخيار اللهم إلا أن يقال إن ذلك إذا لم يكن الشرط في العين المتصرف بها، أما هي كالعبد المشروط عتقه مثلا، فقد يفرق بينه و بين الخيار بتعلق الحق فيه بالعين كالرهن بخلافه، و حينئذ فعلى ذلك يتجه ما في المسالك من البطلان، بناء على إرادة عدم النفوذ منه كالرهن، فتأمل جيدا، فإنه قد يقال: إنه لا دليل على اقتضاء تعلق حق الشرط بالعين، عدم تأثير البيع الذي يقتضي الإطلاق صحته و ترتب أثره عليه.

نعم باعتبار ثبوت الحق في العين بعده لاستصحابه، يتجه تسلط من له الشرط على فسخ التصرف المزبور المنافي لنفوذ الشرط الذي جعل الشارع المؤمن عنده، و قال:

إن شرطه له، فيفسخه حينئذ و يطالب المشتري بإنفاذ شرطه، كما في غيره من الحقوق السابقة على العقود المتعلقة بها، كالشفعة و أرش الجناية و تعلق حق الدين بالتركة و نحو ذلك؛ و به يرجح حينئذ على ما دل على لزوم التصرف اللاحق الذي حصل في العين مستحقا فيها ذلك، و حينئذ فيتجه بقاء البيع الأول على اللزوم بناء على اعتبار تعذر

ج 23، ص: 208

الوفاء بالشرط في تزلزله، لا مجرد عدم الوفاء به، و ربما كان ما ذكرناه محتمل عبارة الدروس قال: «و لو أخرجه أي العبد المشترط عتقه ببيع أو هبة أو وقف، فللبائع فسخ ذلك كله، بناء على كون المراد أن له فسخ هذه التصرفات دون البيع الأول، و له إمضائها بإسقاط حقه من الشرط.

نعم ظاهر غيره بل صريح بعض أن له فسخ هذه التصرفات بفسخ البيع الأول، فيترتب عليه فسخها إن لم يسقط حقه من الشرط، و هو لا يخلو من وجه، بناء على ثبوت الخيار للبائع في البيع الأول بمجرد عدم وفاء المشتري بالشرط، و حينئذ فالمتجه كونه مخيرا على الوجهين فتأمل جيدا، فإن ذلك عين التحقيق في المسألة، و هو الموافق للقواعد و إن لم أجده محررا.

و رابعا- لا يخفى ما في قوله: و الذي إلى آخره: من وضوح منع كون الحكم في باقي الشرائط ذلك، مع إرادة المعنى المزبور من المباشرة نعم هو كذلك بالنسبة إلى مباشرة الوكيل مثلا فتأمل جيدا.

ثم إن الظاهر جواز عتق المشتري له عن كفارته مع الإطلاق، لصدق امتثال كل منهما، ضرورة ظهور إرادة المشترط عتقه كيف ما كان، فهو كما لو صرح له بذلك إذ لا ريب حينئذ في الجواز، لكن بنى في المسالك جوازه على أن العتق حق لله تعالى، لأن فيه معنى القربة و العبادة أو للبائع لتعليق غرضه به، و لأن الشروط من جملة العوضين، أو للعبد لاستلزامه زوال الحجر عنه و تحريره، أو للجميع لعدم المنافاة بينها، فيجوز اجتماعها؛ ثم قال بعد أن جعل الأخير هو التحقيق: «و يتفرع على ذلك المطالبة بالعتق، فمن كان الحق له، فله المطالبة به، و أما عتقه عن الكفارة، فإن قلنا الحق فيه لله تعالى لم يجز كالمنذور و إن قلنا: إنه للبائع فكذلك إن لم يسقط حقه، و إن أسقطه جاز، لسقوط وجوب العتق حينئذ، و كذا إن قلنا: إنه للعبد، و على ما اخترناه لا يصح مطلقا، و شرط العتق مستثنى من الشروط القابلة لإسقاط مستحقها»

ج 23، ص: 209

و فيه أنه لا ريب في كون الحق من حيث الاشتراط للبائع، و إن كان المشترط من حقوق الله، كصوم أو صلاة و نحوهما، و لذا يجري عليه ما يجري على باقي الشرائط كالتسلط على الخيار عند عدم الوفاء به و نحوه، و كون العتق حقا لله لا ينافي كون اشتراطه حقا للبائع، فالأقوى جواز عتقه عن الكفارة مع الإسقاط بل و مع عدمه. بناء على ما ذكرناه من ظهور إرادة العتق كيف ما كان، و كذا لو كان حقا للعبد و ما ذكره أخيرا من أن شرط العتق مستثنى من الشروط القابلة لإسقاط مستحقها و إن تبع به الشهيد في الدروس، قال فيها: «و لو أسقط البائع الشرط جاز إلا في العتق لتعلق حق العبد و حق الله تعالى به، لكن فيه نظر واضح ضرورة تبعية حق الله و العبد لحق الاشتراط كما عرفت، و إحبال الأمة، بل إيلادها لا يمنع من عتقها المشترط، و يجزى عنه بخلاف التنكيل و إن كان يحصل به العتق، إلا أن للبائع الفسخ و الرجوع بالقيمة أو الإمضاء و المطالبة بأرش الشرط في وجه على ما ستعرف.

لكن في القواعد «و في التنكيل إشكال» و لعله لصدق العتق، و لا ريب في ضعفه، ضرورة ظهور الشرط في غيره خصوصا بعد عدم صحة اشتراطه لكونه معصيته نعم لو صرح المشترط بأن المراد حصول الحرية كيف ما كان، أمكن القول بالاجتزاء، و إن عصى المشترط عليه باختياره كما هو واضح، و كسب العبد قبل العتق للمشتري، كما أن قيمته لو قتل له، لكن يقوم مشروط العتق، كما في التذكرة، و إن كان فيه نوع تأمل، بناء على رجوع البائع عليه لو فسخ بقيمته مطلقا، لعدم حصول الشرط له. و بما اقتضاه شرط العتق من النقصان لو أمضى. و لو أطلق اشتراط العتق من غير تعيين كونه عن المشتري صح و حمل عليه بناء على عدم صحته عن البائع، أما عليها فيحتمل الصحة و الاجتزاء بالمسمى حينئذ بناء على عدم قدح مثل هذه الجهالة، خصوصا مع علم إرادة المشترط العتق كيف ما كان و إلا بطل إن لم يعين و الله أعلم.

أو بشرط أن يدبره بلا خلاف مطلقا أو معينا، و يتخير الأول بين

ج 23، ص: 210

المطلق و المقيد، إلا أنه إذا اختار الثاني و لم يتفق في تلك السنة وجب عليه التدبير ثانيا، لأن الغرض ترتب العتق و لم يحصل، و احتمل في المسالك العدم، للقيام بالشرط المطلق، و لا ريب في ضعفه كضعف ما فيها أيضا من احتمال جواز رجوع المشتري في هذا التدبير نظرا إلى أصله، ضرورة عدم صدق الوفاء بالشرط الظاهر في كون الغرض منه العتق بعد الموت أو بشرط أن يكاتبه بلا خلاف أيضا كتابة مطلقة أو مشروطة بقدر أو أجل معلومين، و لو أطلق تخير المشتري بين المطلقة و المشروطة، كما في المسالك، و هو مؤيد لما ذكرناه من اغتفار نحو هذه الجهالة.

و لو تشاح المشتري و العبد في القدر و الأجل، رجع إلى القيمة السوقية، و لا يجب على المشتري النقصان عنها، و لو طلب الزيادة أجبر على القيمة إن أمكن، و الا تخير البائع بين الفسخ و الإمضاء، و الظاهر جواز رجوعه في المشروطة عند عجزه، ضرورة إرادة الكتابة على حكمها من عبارة الشرط، و احتمل في المسالك العدم، و لا ريب في ضعفه و الله أعلم.

و لو شرط المشتري أن لا خسارة عليه أو أن يكون تلفه من البائع متى تلف أو إن غصبه غاصب رجع على البائع بالثمن أو شرط البائع في الأمة علي المشتري أن لا يعتقها أو لا يطأها أو لا يهبها أو لا يبيعها قيل يصح البيع و يبطل الشرط لكن قد سمعت المعتبرة(1)المتضمنة للجواز في الجملة، إلا أنه في المحكي عن كشف الرموز ما رأيت أحدا عمل بها، بل في مفتاح الكرامة أنى لم أجد من تأمل أو خالف في بطلان الشروط الخمسة المتأخرة، إلا الفاضل في التذكرة، فإنه استشكل في بطلان اشتراط عدم البيع و العتق، و ظاهر النافع التأمل فيهما، حيث قال: المروي الجواز، و في إيضاحه إن الجواز غير بعيد، لأن بقاء الأمة عند المالك الصالح مطلوب اشتراط بقاء ملكه عليها، و ذلك لا ينافي كما في أم الولد، و منذور التصدق


1- 1 الوسائل الباب 15 من أبواب الحيوان 1- 3.

ج 23، ص: 211

به و هو جيد جدا إن لم يثبت إجماع، و قد سمعت ما في الرياض من حكايته الجواز عن بعض و ميلة إليه، و أما الثلاثة الأول فلا ريب في البطلان مع إرادة إثبات الاستحقاق شرعا بالشرط لما عرفت من أنه ملزم لا مثبت لحكم.

و سأل عبد الملك بن عتبة الرضا عليه السلام (1)«عن الرجل ابتاع منه طعاما أو متاعا على أنه ليس منه على وضيعة هل يستقيم ذلك و كيف يستقيم و ما حد ذلك؟ قال: لا ينبغي»

و يمكن إرادة الكراهة منه إذا لم يكن المراد من الشرط ما يرجع إلى إثبات حكم

شرعي، و قلنا: بعدم قدح مثل هذه الجهالة فيه بل هذا التعليق، إلا أن الجميع كما ترى، و منه يعلم الحال في الشرطين الأخيرين.

و كيف كان فقد عرفت الضابط في الشرائط السائغة و غيرها، و أنه لا يخرج عنه إلا بدليل كما هو مقتضى

عموم قوله عليه السلام (2)«المؤمنون عند شروطهم»

و إن ما طفحت به عباراتهم من البطلان المنافي لمقتضى العقد، أقصى ما يمكن تسليمه فيه اشتراط أن لا يملك و نحوه مما يعود عليه بالنقص، و قد يلحق به مثل أن لا يتصرف به أصلا، قال في الغنية «من الشروط الفاسدة بلا خلاف أن يشترط ما يخالف مقتضى العقد، مثل أن لا يقبض المبيع و لا ينتفع به» و هو جيد إن أراد من الأمرين أمرا واحدا، أما غيره مما هو في الحقيقة مناف لمقتضى إطلاق العقد لا لنفسه، فلم يثبت بطلانه بل الثابت خلافه كما عرفت، فلاحظ و تأمل.

إنما الكلام في صحة البيع المشتمل على الشرط الفاسد، و بطلانه؛ فالأول خيرة الإسكافي و الشيخ و القاضي و العجلي و ابن سعيد و أبى إلا على ما حكي عن بعضهم و عن ابن زهرة موافقتهم، و الرياض و في خصوص الشرط المخالف لمقتضى العقد أو للسنة، محتجا عليه بالإجماع، و ابن المتوج في الشرط الفاسد الذي لا يتعلق به غرض، كما لو شرط أكل الطعام بعينه أو لبس ثوب و نحوه، و الثاني خيرة الفاضل و ولده و الشهيدين و العليين و أبى العباس و الأردبيلي و الخراساني على ما

حكي عن بعضهم و وافقهم أبو المكارم في خصوص غير المقدور من الشرط، كأن يشترط عليه أن يجعل الرطب تمرا بل قال: «إنه فاسد مفسد بلا خلاف» و ظاهر جماعة منهم المصنف التوقف، و كان الأول لا يخلو من


1- 1 الوسائل الباب 35 من أبواب أحكام العقود الحديث 1- 3.
2- 2 الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 1- 2.

ج 23، ص: 212

قوة، للعموم و إجماع الغنية.

و صحيح الحلبي (1)الذي رواه المشايخ الثلاثة عن أبى عبد الله عليه السلام «أن بريرة كانت عند زوج لها و هي مملوكة فاشترتها عائشة فأعتقتها، فخيرها رسول الله صلى الله عليه و آله و قال: إنشائت تقر عند زوجها، و إن شائت فارقته، و كان مواليها الذين باعوها شرطوا على عائشة أن لهم ولائها، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله الولاء لمن أعتق».

و مثله صحيحة عيص بن القاسم (2)مؤيدين بما ورد في النكاح من الأخبار الدالة على صحة عقده و فساد الشرط فيه كصحيحة محمد بن قيس (3)بل و خبر الوشاء(4)الذي اعترف في المحكي من نهاية المرام بدلالته على عدم فساد العقد بفساد الشرط، و حمل الصحيحين الأولين على ما عند العامة من بطلان الشرط مطلقا مع صحة العقد، يدفعه وقوع الخلاف عندهم في ذلك، حتى أنه من طريف ما يحكى عن

محمد بن سليمان الدهلي (5)قال: «حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال: دخلت مكة زادها الله شرفا

فرأيت فيها ثلاثة كوفيين، أحدهم أبو حنيفة و ابن أبى ليلي و ابن شبرمة، فصرت إلى أبى حنيفة فقلت: ما تقول فيمن باع بيعا و شرط شرطا فقال: البيع فاسد و الشرط فاسد فأتيت ابن أبى ليلى فسألته فقال: البيع جائز و الشرط باطل، فأتيت ابن شبرمة فسألته فقال: البيع و الشرط جائزان، فرجعت إلى أبى حنيفة، فقلت له: إن صاحبيك قد خالفاك فقال: لست أدري ما قالا، حدثني عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و آله نهى عن بيع و شرط، فأتيت ابن أبى ليلى فقلت له: إن صاحبيك قد خالفاك، فقال ما أدري ما قالا، حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لما اشتريت بريرة جاريتي شرط على


1- 1 الوسائل الباب 37 من أبواب العتق الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 37 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 38 و 39 من أبواب المهور الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب 38 و 39 من أبواب المهور الحديث 4.
5- 5 المستدرك ج- 2- ص 474.

ج 23، ص: 213

مواليها أن أجعل ولائها لهم إذا أعتقتها، فجاء النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قال: الولاء لمن أعتق، فأجاز البيع و أفسد الشرط، فأتيت ابن شبرمة فقلت له: إن صاحبيك قد خالفاك، فقال:

لست أدرى ما قالا، حدثني مشعر بن محار بن زياد عن جابر بن عبد الله قال: ابتاع النبي صلى الله عليه و آله مني بعيرا بمكة فلما نقدني الثمن، شرطت أن يحملني إلى المدينة، فأجاز النبي صلى الله عليه و آله البيع و الشرط»

فحملها على التقية مع هذا الاختلاف كما ترى، بل ما رواه ابن أبى ليلى مؤيد لهما، و إن توهم منه البطلان في سائر الشرائط، كما أنه يؤيدهما أيضا ما أرسله في الغنية؛ من خبر بريرة(1)بل الظاهر أنه من المستفيض بين العامة و الخاصة، و هو ظاهر في المطلوب و احتماله أمرا آخر لا يرفع الظهور الذي هو مناط الأحكام، كل ذلك مضافا إلى أن مدخلية الشرط في الترضي لا تزيد على مدخلية الثمن و المثمن، و بطلان العقد في أبعاضها لا يسري إلى بطلان الآخر حتى فيما كانت الهيئة الاجتماعية مطلوبة و ملحوظة، بل أقصاه ثبوت الخيار للتضرر، و لا بأس بالتزامه هنا مع الجهل بالفساد، بل لعل القائلين ببطلان الشرط خاصة يلتزمون بذلك و إن لم يصرحوا به، و لعله لمعلوميته.

و دعوى أن الشرائط في العقود ملحوظ فيها معنى الشرطية يدفعها معلومية بطلان التعليق فيها، سواء كان للزوم أو الصحة أو للرضا، مع أن مقتضى الأول انتفاؤه بانتفائه لا الصحة، و مرجعه إلى اشتراط الخيار بشرط و لو سلم صحته، فمن المعلوم عدم إرادته كمعلومية عدم صحة التعليق عليه في الأخيرين، و لذا حكي عن فخر المحققين أنه قال: إن كون هذه شروطا مجاز، لأنها تابعة للعقد، و العقد سبب فيها، فلا يعقل كونها شرطا له، و إلا دار، بل هي من صفات البيع، تختلف الأغراض باختلافها، لكن في جامع المقاصد «لا محصل لهذا الكلام، فإنها شروط للبيع الذي هو انتقال المبيع من البائع إلى المشتري، لا شروط العقد، و قد عرفت فيما سبق أن البيع ليس هو نفس العقد؛ حتى لو كان نفس العقد امتنع كونها مشروطا له، بل للانتقال الذي هو أثره


1- 1 الوسائل الباب 37 من أبواب كتاب العتق الحديث 2.

ج 23، ص: 214

و كيف يعقل أن هذه الشروط شروط للعقد الذي هو الإيجاب و القبول.

ثم قوله إن هذه صفات للبيع ليس بجيد، إلا بناء على أن البيع هو العقد، فكونها صفات له لا ينافي كونها شروطا لأثره، و أما إن فقدها لا يستلزم أرشا فلا دخل له فيما نحن فيه، بل هذا ملتفت إلى أن الأمور المشترطة، لما لم تكن داخلة في نفس مسمى البيع، لم يكن بإزائها شي ء من الثمن، لأن الثمن في مقابل المبيع و أجزائه و إن كان قد يزيد بوجود بعض الصفات، لأن زيادته على أنه في مقابل المبيع ملحوظا فيه مقابل الصفة المعينة، فإن الثمن للمبيع باعتبار المقابلة، و ليس في مقابلة الصفة منه شي ء.

و فيه أن كونها شروطا لأثر العقد مستلزم للتعليق المنافي لسببية العقد اللهم إلا أن يريد كون الشرط ملك المشروط، و هو أمر مقارن لأثر العقد يحصل معه بحصوله فليس من التعليق المنافي، لكن فيه أن ذلك حكم الشرط المستفاد من

قوله عليه السلام (1)«المؤمنون عند شروطهم»

لا نفس الشرط، ضرورة كون الفعل المشترط لا ملكه، و ارتكاب هذا التجوز- مع أنه خلاف قصد المتعاقدين- ليس بأولى من إرادة الإلزام من الاشتراط، كما هو معناه لغة، و إليه أومى الفخر، و مراده أن العقد إذا صار سببا في لزومه، لم يعقل كونه شرطا له و لو لتأثيره

الذي ذكره المحقق الثاني، على أن المرجع في تأثير العقد الأدلة الشرعية التي دلت على تسببه، فلا يعقل اشتراط حصول أثره بشي ء من غير الشارع، و أدلة الشروط قاصرة عن إفادة ذلك، بل هي ظاهرة في إرادة أن كل ما يلتزمه المؤمنون في عقد من العقود اللازمة يلتزم به، ردا على ما عن بعض العامة من بطلان الشرط في العقد خاصة، أو هو مع العقد كما سمعته من أبى حنيفة و ابن أبى ليلى.

و إليه يرجع ما عن المهذب البارع في الجواب عن الدور المقرر على تقدير


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 1- 2.

ج 23، ص: 215

القول ببطلان العقد مع بطلان الشرط، من أن لزوم الشرط و صحته فرع على صحة البيع، فلو كانت موقوفة على صحته لزم الدور، و قال في الجواب عن ذلك: «إن تسويغ الشرط ليس شرطا في الحقيقة لصحة البيع حتى يلزم الدور، بل هو من صفات البيع، فما كان منها سائغا داخلا تحت القدرة لزم باشتراطه في العقد، كما لو شرط صفة كمال في البيع و إن لم يكن سائغا بطل العقد لا من حيث فوات شرطه، بل من حيث وقوع الرضا عليه، و شروط الصحة إنما هي الأمور المذكورة في أوائل الكتاب كإكمال المتعاقدين و نحو ذلك» و مرجع ما ذكره أخيرا إلى ما قيل من أن التراضي إنما وقع على المبيع مع الشرط، فمع انتفائه ينتفي فلا يكون تجارة عن تراض، فيبطل لكونه شرطا في الصحة إجماعا.

و فيه- بعد الغض عن اقتضائه البطلان إذا لم يوف بالشرط السائغ- أن التراضي وقع معه؛ لا مقيدا به، كما لو شرط كون العبد كاتبا مثلا، أو اشترى العبدين جميعا، فتبين أنه غير كاتب أو أن أحد العبدين ليس ملكا له، كان البيع صحيحا كما صرح به غير واحد، بل قد يظهر من جامع المقاصد الإجماع عليه، و إن كان يثبت له الفسخ، مع أن التراضي لم يتحقق إلا على الوجه الذي ليس بواقع، و الفرق بين المقامين غير واضح بل قد اعترف في جامع المقاصد أن فيه عسرا، و دعوى- أن الأوصاف و الاجتماع إذا أخذت قيدا كالشرائط يبطل البيع أيضا بانتفائها، و إنما يثبت له الخيار إذا كانت لا على وجه القيدية- سفسطة لا محصل تحتها، كالقول بأن منشأ البطلان في المقام أن الشرط له قسط من الثمن، فإنه قد يزيد باعتباره و ينقص؛ فإذا بطل، بطل ما بإزائه من الثمن، و هو غير معلوم فتطرق الجهالة إلى الثمن فيبطل البيع، إذ هو بعد معلومية عدم توزيع الأثمان على الشرائط، و أنها كالأوصاف التي يزيد الثمن و ينقص بها كما ترى، خصوصا بعد ما سمعته من جامع المقاصد في توضيح عدم مقابلة الشرط للثمن نعم قد عرفت إنا نقول بثبوت الخيار له، لفوات الشرط كفوات الوصف من غير فرق في ذلك و في غيره مما ذكرنا من جميع الشرائط الباطلة، سواء كان البطلان

ج 23، ص: 216

لعدم القدرة أو غيره، و نفى الخلاف عن بطلانه خاصة في الغنية لم نتحققه، كظهور الإجماع من محكي إيضاح النافع، حيث قال: عليه الفتوى، و سواء كان المقصود بالذات الشرط الفاسد، و جي ء بالبيع تبعا أو بالعكس، و سواء كان مما لا يتعلق به غرض كأكل الهريسة و غيره، بل في المحكي عن التذكرة أن الأول لا يقتضي فساد العقد عندنا.

نعم قد يتجه البطلان فيهما معا لو كان البطلان لجهالة في الشرط، بحيث تؤدي إلى أحد العوضين، فيبطل العقد حينئذ للجهالة لا لبطلان الشرط، بل كل شرط باطل يستلزم انتفاء شرط من شرائط العقد المعلومة، أو وجود مانع يقتضي بطلان العقد معه، و لعل منه ما بعود على العقد بالنقص، أما غير ذلك، فالأقوى فيه ما سمعت، و قد ظهر لك من جميع ما ذكرنا حجة القول المقابل و جوابها، و أضعفها الاستناد إلى أصالة عدم الانتقال التي يكفي في قطعها عموم الأدلة، فضلا عما عرفت هذا.

و قد يستفاد من مجموع ما ذكرنا خصوصا ما سمعته في الرد على ما في جامع المقاصد أنه ينبغي أن يكون النزاع في الشرط المطلق، أما إذا علم إرادة مجرد الإلزام به من غير تعليق، فلا إشكال في عدم اقتضاء فساده فساد العقد، كما أنه لا إشكال في اقتضائه ذلك إذا علم إرادة تعليق الصحة على ملكه على النحو الذي سمعته من ثاني المحققين لو سلمنا صحته بل التحقيق عدمها، فمحل البحث في الشرط المطلق الذي لم يعلم ارادة المشترط منه أحد الأمرين، و لا كان في العبارة دلالة على أحدهما فتأمل جيدا و الله أعلم.

و لو شرط في البيع مثلا أن يضمن إنسان بعض الثمن معينا أو مطلقا إن قلنا بصحته أو كله صح البيع و الشرط بلا خلاف، للعموم، و كذا لو اشترط الرهن أو الكفيل أو الشهادة، إلا أن في القواعد الأقرب وجوب تعيين الرهن المشروط إما بالوصف أو المشاهدة، و تعيين الكفيل بالاسم و النسب و المشاهدة، أو الوصف كرجل موسر ثقة و لا يفتقر إلى تعيين الشهود، بل الضابط العدالة، فلو عينهم فالأقرب

ج 23، ص: 217

تعينهم و تبعه على ذلك كله غيره، و قد يمنع وجوب التعيين للرهن و الكفيل و الضامن، خصوصا بناء على ما ذكرنا من اغتفار نحو هذه الجهالة في الشرط، بل و على غيره أيضا، فيصح الإطلاق حينئذ، لكن يحمل على الصالح للاستيفاء، كما صرح به في الدروس و غيرها بناء على الاجتزاء بالإطلاق، لا أنه يجتزي بمسماه، و إن احتمله في المحكي عن الإيضاح إلا أنه كما ترى.

و اختلاف الرغبات في الأعيان، و الناس في الاستيفاء و سهولة البيع و شدة حاجة الراهن إلى الفك و نحو ذلك لا يوجب جهالة قادحة، و الإلجاء مثله في الشهود، و عدم صحة رهن المجهول، لا ينافي الجهل به حال اشتراطه و إن علم حال ارتهانة، فالمراد كونه مجهولا حال الاشتراط، لا حال الارتهان، و هما غيران و يجوز رهن المبيع على الثمن من غير شرط قطعا، بل و معه على الأقوى خلافا للمحكي عن الشيخ و الحلي للعموم، و ليس من رهن ما لا يملك، و لا قبل ثبوت الدين، إذ هو اشتراط لرهنه بعد الملك، كهبته، و الموجود في العقد اشتراط رهنه لا رهنه كي يشترط فيه ثبوت الدين و ملكية الرهن.

و ليس البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير ثمن المبيع، بل أقصاه أنه لا يقتضي إيفاؤه من ثمن المبيع، و هو أعم، فلا يناقض اشتراط الرهن المقتضى لإيفاء الثمن منه، كما أن رهانته عند البائع تخرجه عن كونه مضمونا على البائع، فلا يتنافيان، و ليست صحة البيع موقوفة على رهنه لو اشترط. نعم ملكية رهنه موقوفة على صحة البيع فلا دور حتى لو قلنا بتوقف لزومه على الرهن إذ الصحة غير اللزوم.

و كيف كان فلو أخل المشتري بما اشترط عليه من الرهن أو الكفيل أو الضامن أو غير ذلك، تخير البائع بعد تعذر الإجبار كما ستعرف، و كذا يتخير لو هلك الرهن أو تعيب قبل القبض، بناء على اشتراط القبض في الرهن أو وجد به عيبا قديما و ليس له المطالبة بالإبدال أو الأرش اما لو هلك أو تعيب بعد القبض فلا خيار، لأصالة اللزوم بعد الوفاء بالشرط كما هو واضح، و لو اختلفا في زمن حدوث العيب ففي تقديم قول الراهن و قول

ج 23، ص: 218

المرتهن وجهان. و الله أعلم.

[تفريع إذا اشترط العتق في بيع المملوك فإن أعتقه، فقد لزم البيع ]

تفريع: إذا اشترط العتق في بيع المملوك، فإن أعتقه، فقد لزم البيع بلا خلاف و لا إشكال، و إن امتنع، كان للبائع إجباره كما في كل شرط على الأقوى، إن كان مما يجبر عليه، لا ما إذا كان من صفات المبيع، كما لو اشترط كونه كاتبا و شاعرا، لوجوب الوفاء به عليه كتابا(1)و سنة(2)و إجماعا محكيا عن الغنية و السرائر إن لم يكن محصلا، خصوصا بعد ملاحظة كلامهم في باب القبض، من أنه لو أجله في عقد لازم لزم، لكن قال الشهيد في اللمعة: «لا يجب على المشترط عليه فعله، و إنما فائدته جعل البيع عرضة للزوال بالفسخ، عند عدم سلامة الشرط، و لزومه عند الإتيان به» و هو كما ترى.

و نحوه ما عنه أيضا في بعض تحقيقاته، من أن الشرط الواقع في العقد اللازم، إن كان العقد كافيا في تحققه، و لا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الإخلال به، كشرط الوكالة في العقد، و إن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد، كشرط العتق فليس بلازم، بل يقلب العقد اللازم جائزا؛ و جعل السر فيه أن اشتراطه في العقد كاف في تحققه كجزء من الإيجاب و القبول، فهو تابع لهما في اللزوم و الجواز، و اشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد، و قد علق عليه العقد، و المعلق على الممكن ممكن، و هو معنى قلب اللازم جائزا، و إن كان هو أجود مما في اللمعة، إلا أنهما معا مشتركان في اقتضاء الأدلة خلافهما، و لعل منشأهما معا تخيل التعليق في الشرط هنا، بل كاد يكون الثاني كالصريح في ذلك.

و قد عرفت أن ليس المراد منه هنا إلا الإلزام، و لو سلم فقد سمعت ما ذكره المحقق الثاني من أن الشرط حينئذ هو أن يملك عليه

الأمر المشترط، و هو حاصل بنفس العقد من غير حاجة إلى أمر آخر، و ليس هو معلقا على أمر ممكن، بل قد علق على شي ء حصل بتمام العقد، فالممكن حينئذ متعلق الشرط لا هو فتأمل جيدا.


1- 1 سورة المائدة الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 1- 2- 3.

ج 23، ص: 219

بل لو لا الإجماع- ظاهرا على ثبوت الخيار في حال تعذر الإجبار، مضافا إلى حديث الضرار(1)

و خبر أبى الجارود(2)عن أبى جعفر عليه السلام «إن بعت رجلا على شرط، إن أتاك بمالك، و إلا فالبيع لك»

بناء على أن المراد منه لزومه لك، نحو قولهم عليهم السلام في غيره «فلا بيع له»- لأمكن عدم القول بثبوت الخيار أصلا، لما عرفت و لان الشرط من طرف البائع مثلا كالثمن، فإن الامتناع منه في غير التأخير ثلاثة أيام بالشروط السابقة لا يؤثر خيارا على الأصح، لأصالة اللزوم، و من ذلك يعلم أن المتجه الاقتصار على المتيقن من ثبوت الخيار، و لعله حال تعذر جبره على الحاكم لا على من له الشرط، و إن كان قد يظهر من بعض الأصحاب سهولة الأمر في ثبوت الخيار، حتى لو احتاج إلى رفع أمره إلى الحاكم و المراجعة و الانتظار و نحو ذلك لم يجب عليه، و ربما يشهد له خبر أبى الجارود، و حديث الضرار، إلا أن الأحوط ما عرفت.

و على كل حال فله أي البائع إذا تعذر إجبار المشتري على العتق خيار في الفسخ و رد المبيع مثلا، و الإمضاء بالثمن؛ و ليس له أرش الشرط على المشهور بين الأصحاب لأنه وصف في المعنى، و لا يقابل بالثمن و كذا إن مات العبد قبل عتقه كان البائع بالخيار المزبور أيضا إلا أنه إذا فسخ يرجع بالقيمة وقت الموت؛ لأنه وقت الانتقال أو حين القبض، أو منه إلى الموت وجوه أقواها عندهم الأولى، لأنه وقت قيام القيمة مقام العين في تعلق الحق الذي كان متعلقا بالعين، و لو كان معلقا على تعذر الفسخ، و لم أجد من احتمل حال الفسخ هنا؛ كما ذكروه في بعض المباحث السابقة.

و على كل حال فالخيار بين الفسخ و الإمضاء بالمسمى، لكن في القواعد و لو مات أو تعيب بما يوجب العتق أي قهرا، رجع البائع بما نقصه شرط العتق، فيقال كم


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3- 5.
2- 2 الوسائل الباب 7- من أبواب الخيار الحديث 2.

ج 23، ص: 220

قيمته لو بيع مطلقا و بشرط العتق فيرجع بالنسبة من الثمن، و له الفسخ فيطالب بالقيمة، و في اعتبارها إشكال، بل احتمل في التحرير أن له الأرش المزبور خاصة من غير خيار، و لا ريب في ضعفه، بل قد يظهر من المسالك الإجماع على خلافه، كاحتمال عدم الخيار و الأرش أصلا، حتى لو كان عدم الشرط بتفريط من المشتري، أما الأول و إن قال الشهيد في حواشيه: إنه المنقول، بل قيل إنه حكاه في المبسوط قولا، و وجه بأن الشرط يقتضي نقصانا و لم يحصل، و مقتضاه ثبوت الحكم في كل شرط تعذر الوفاء به.

ففيه- مضافا إلى أن الشروط لا يوزع عليها الثمن، و إن حصل باعتبارها نقصان، كالأوصاف و التدليس الذي صرحوا بعدم الأرش فيه- أن الأرش لا يدرك به مصلحة الشرط، ضرورة أنه برجوعه زائدا على المسمى على نسبة التفاوت بين القيمتين، يصير كأنه باعه من دون اشتراط عتقه، فلم يحصل به مصلحة الشرط، و لعل هذا هو السر في عدم الأرش للشرائط و الأوصاف، بخلاف العيوب التي ثبت الأرش فيها أيضا بالأدلة.

نعم قد يقال: بالقيمة للشرائط القابلة للتقويم، قال في التذكرة: «لو شرط على البائع عملا سائغا تخير المشتري بين الفسخ و المطالبة به أو بعوضه إن فات وقته، و كان مما يتقوم كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغا، فأتاه به غير مصبوغ و تلف في يد المشتري و لو لم يكن مما يتقوم تخير بين الفسخ و الإمضاء مجانا، و لو كان الشرط على المشتري مثل ان باعه داره بشرط أن يصبغ له ثوبه، فتلف الثوب تخير البائع بين الفسخ و الإمضاء بقيمة الفائت إن كان مما له قيمة و إلا مجانا و هو لا يخلو من وجه و الله أعلم.

ج 23، ص: 221

[النظر السادس في لواحق من أحكام العقود]

النظر السادس في لواحق من أحكام العقود الصبرة لا يصح بيعها إلا مع المعرفة ب ما يرفع جهالتها من كيلها أو وزنها أو عدها أو نحو ذلك مما هو شرط صحة البيع كما عرفته سابقا، فإذا عرفها صح بيعها أجمع و بيع جزء منها مشاع ثلث أو ربع، و بيعها كل قفيز منها بدرهم، و بيع قفيز منها، أما بيع كل قفيز منها بدرهم، فلا يصح، للجهل بقدر المبيع المستلزم للجهل بقدر الثمن، خلافا للإسكافي، فأجازه في المجهولة ف ضلا عن المعلومة كما ستسمع و لو باعها إي الصبرة أو جزءا منها مشاعا أو كل قفيز منها بدرهم مع الجهالة بقدرها لم يجز، و كذا لو قال: بعتك كل قفيز منها بدرهم، أو بعتكها كل قفيز بدرهم خلافا للإسكافي في الجميع و ظاهر الشيخ في الثالث، إلا أن الأول حكى الفاضل في المختلف عنه بالنسبة إلى الصورة الأولى، جواز بيع الصبرة تارة اكتفاء بالمشاهدة عن اعتبارها، و اخرى أنه لا بأس ببيع الجزاف بالجزاف مما اختلف جنساهما، لأن المقتضى و هو البيع موجود، و المعارض منتف، لانه إما مانع؛ الجهالة و هو منتف بالجهالة، هكذا وجد في المختلف و الصواب «بالمشاهدة» أو مانع تطرق الربا و هو منتف باختلاف الجنس، لكن لا ريب في ضعفه على كل حال، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، فضلا عن محكيه في المختلف عليه، إذ الجهالة نفسها مانعة، للنهى عن الغرر(1)و المشاهدة غير كافية في ذلك قطعا.

و أما الصورة الثالثة ففي المختلف «أنه أطلق الصحة فيما إذا قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، و لم يتعرض لكونها معلومة أو مجهولة» و عن ابن جنيد «أنه لو وقع

البيع على صبرة بعينها، كل كر بكذا أو ماءة كر منها بكذا فقبض المشتري


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب آداب التجارة الحديث- 3.

ج 23، ص: 222

البعض أو لم يقبض، ثم زاد السعر أو نقص، كان باقي الصبرة أو الماءة للمشتري بالسعر الذي قاطعه عليه، و أما إذا اشترى كل كر منها بكذا و لم يشترط جميع الصبرة، و لا مقدارا معلوما، كان بقدر ما وزن بسعر يوم الشراء» و ظاهره الصحة فيهما.

و في المختلف «إن التحقيق الصحة إذا كانت معلومة المقدار، و إلا احتمل البطلان في الجميع؛ و الصحة في قفيز واحد كما قاله أبو حنيفة، أما بطلان البيع في الجميع، فلانه مبيع مجهول المقدار، و الثمن فيه غير معلوم فكان باطلا، و أما صحته في قفيز فلان بيع كل قفيز يستلزم بيع قفيز ما، فيصح، لتعينه و تعين ثمنه» و قول الشيخ يقتضي الصحة في الجميع؛ لانه نقل كلام أبي حنيفة و لم يرتضه، و اختار كلام الشافعي، و مذهبه صحة الجميع، و على كل حال فضعف الجميع واضح، و إن اختلفت مراتبه، ضرورة صدق الغرر فيه، الذي لا يزول بالتقدير المزبور قطعا، و الصحة في الواحد بعد أن لم يكن مقصودا لهما كما ترى، نحو الصحة في الصورة الرابعة التي لم يعلم قدر المبيع و لا قدر الثمن.

نعم لو قال: بعتك قفيزا منها، أو قفيزين مثلا صح كالمعلومة بلا خلاف و لا إشكال إذا علم اشتمالها عليه، بل ظاهر اللمعة ذلك و إن لم يعلم إلا أنه يجبر نقص المبيع لو تحقق بالخيار، و فيه أنه لا غرر أعظم من الشك في الوجود؛ و لعله لذا كان خيرة الأكثر العدم إلا أنه ينبغي تقييده بما إذا لم يكن هناك طريق شرعي يقتضي وجوده من أصل أو غيره، و لعل من اعتبر العلم أراد ما يشمل ذلك، بل يمكن إرادة ما يشمل الاطمئنان منه و الأمر سهل.

إنما الكلام في أنه هل ينزل على الإشاعة في الصورتين، أو يكون المبيع ذلك المقدار في الجملة و تظهر الفائدة فيما لو تلف بعضها، فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة، و على الثاني يبقى المبيع ما بقي قدره، و يرجح الأول، عدم معهودية ملك الكلي في غير الذمة لا على وجه الإشاعة، بل ينحل إلى جهالة المبيع و إبهامه، و ما تسمعه في بيع الثمار من أن

ج 23، ص: 223

استثناء البائع أرطالا معلومة ينزل على الإشاعة من غير خلاف فيه بينهم قالوا:

فلو خاست الثمرة بأمر من الله تعالى مثلا؛ وزع على النسبة و هو مثل المقام كما اعترف به في الدروس.

لكن

في الصحيح (1)«رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة و الأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن فقال

المشتري: قد قبلت و رضيت، فأعطاه من ثمنه ألف درهم، و وكل المشتري من يقبضه، فأصبحوا و قد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون ألف طن، و بقي عشرة آلاف طن، فقال عشرة آلاف التي بقيت هي للمشتري، و العشرون التي احترقت من مال البائع»

و هو يؤيد الثاني و به يفرق بين ما هنا، و بين ما في بيع الثمار، إلا أنه قد يشكل صحة أصل البيع فيه بجهالة عين المبيع فيه الموجبة للضرر المنفي (2)الموجب لفساد المعاملة؛ و صرح الأصحاب- فيما لو باع شاة غير معلومة من قطيع- بالبطلان و إن علم عدد ما اشتمل عليه من الشياة لتفاوت أثمانها، بل صرحوا بالبطلان فيما لو فرقت الصبرة صيعانا متمايزة، و اشترى مقدارا منها، فالأطنان إن كانت قيمية فمن الأول، و إلا فمن الثاني.

اللهم إلا أن يلتزم الأخير و يكون البيع غير ملاحظ فيه خصوص ذلك التميز، و إنما المراد مقداره، حتى لو أراد البائع تغيير الأطنان من غير نقصان للمقدار كان له ذلك لأن المفروض أن الجميع من أجمة واحدة، فيصح حينئذ لأنه كبيع المقدار المعلوم من الصبرة.

و لكن على كل حال فالمتجه الجمود على النص في خصوص البيع بالفرض المزبور و لا يتعدى منه إلى غيره، كالصلح و ثمن الإجارة و مهر النكاح و نحو ذلك بناء على ما سمعت من أن ملك الكلي في العين الخارجية لا يكون إلا على الإشاعة و فرض المسألة


1- 1 الوسائل الباب 19 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3- 5.

ج 23، ص: 224

كون المبيع في الذمة، و شرط التأدية من الصبرة خروج عن موضوع البحث و مقتضاه عدم البطلان، حتى لو تلفت الصبرة أجمع؛ و إن تسلط على الخيار بانعدام الشرط.

بقي شي ء و هو أن منشأ الوجهين على الظاهر، الاختلاف في تعيين مراد المتعاملين من العبارة التي هي مورد العقد، لان ذلك حكم شرعي و إن لم يقصداه، فيخرج عن محل البحث حينئذ ما صرح فيه بقصد الإشاعة أو الكلي، إلا أنه قد يشكل صحة الثاني، بناء على عدم ملك الكلي في غير الذمة لا على وجه الإشاعة و خبر الأطنان (1)لا دليل فيه على صحته، بل هو أعم منه و من الإشاعة، و إن كان قد خولف مقتضاها بجعل التالف عن البائع خاصة، فيكون حكما شرعيا تعبديا لا يقاس عليه غيره.

بل قد يقال: إن هذا المعنى حكم مطلق بيع الصاع من الصبرة، أما لو صرح به فلا دليل على جوازه و قد يحتمل في أصل المسألة أن منشأ الوجهين الاختلاف فيما تقتضيه الأدلة الشرعية في بيع مطلق الصاع من الصبرة من غير مدخلية لتعرف قصد المتعاملين، بل لو علم خلوهما عن الأمرين معا، جاء الوجهان أيضا و لم يحكم بفساد المعاملة، فتأمل جيدا، فإن التحقيق التنزيل على الإشاعة، ضرورة كونه كالمالين المختلطين، أو كالمال الذي اشترى أبعاضه، هذا كله فيما يتوقف رفع جهالته على الاعتبار.

و أما بيع ما تكفى فيه المشاهدة فإنه جائز مع حصولها بلا خلاف و لا إشكال، لحصول المقتضى و انتفاء المانع كأن يقول: بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب، أو هذه الساجة بالجيم أو جزء منها مشاعا من غير مسح لها، بناء على كفاية المشاهدة في الثلاثة كما هو الأقوى، خلافا للشيخ في المحكي من ظاهر خلافه، فمنع في الأولين من دون مسح، و لا ريب في ضعفه، سيما بعد اقتضاء العمومات الجواز و لا معارض و كذا ما لا يكون العد معتبرا في معرفته، كقطيع الغنم، و جملة النخيل و الشجر و صبرة الكتب و نحو ذلك، فيصح شراؤه بعد مشاهدة كل واحد مثلا


1- 1 الوسائل الباب- 19 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث- 1.

ج 23، ص: 225

على وجه يعلم به، و إن لم يعرف عده ضرورة عدم كونه كالدراهم و نحوها مما يتوقف معرفته على عده كما هو واضح.

نعم لو أراد بيعها ذرعانا ف قال: بعتكها كل ذراع بدرهم لم يصح إلا مع العلم بذرعانها بجملتها، لحصول الجهالة في الثمن، و إن كانت هي معلومة بالمشاهدة على وجه يصح بيعها، و هذا هو الفارق بينها، و بين الصبرة المعلومة حيث صح بيعها كل قفيز بدرهم لأن معلوميتها، انما تكون من جهة الكيل، فيستلزم العلم بقدر الثمن، و لو اكتفينا بالمشاهدة فيها كما ذهب اليه ابن الجنيد، اشترط في بيعها كل قفيز بدرهم معرفة ما تشتمل عليه منه ليحصل بذلك العلم بقدر الثمن.

و لو قال بعتك عشرة أذرع منها و عين ابتداء الموضع و منتهاه جاز قطعا بل في المسالك و محكي التحرير الإجماع عليه، لكونه معلوما بالحد و المشاهدة، فهي عين مشخصة لا جهالة في شي ء منها، و لو عين المبتداء أو المنتهى، فقال: من هنا إلى حيث ينتهي، أو إلى هنا من حيث يبتدى، صح أيضا مع فرض تشخص المبيع بدايته و نهايته في الواقع، و إن جهل ذلك المتشخص، إلا أن جهله ليس لصدقه على كثيرين، بحيث تكون أفرادا له حتى يكون المبيع كليا من بعض الجهات بل كان الجهل لعدم العلم بخصوص المحل الذي تنتهي إليه العشرة و مثله غير قادح للأصل سواء كانت أجزاء الأرض أو الثوب متساوية أو مختلفة لأن الفرض مشاهدته لها أجمع، فارتفع الغرر من هذه الجهة، و ليست هي بأعظم غررا من بيع الثوب و الأرض برؤية بعضها الذي لا خلاف في جوازه، و لا من بيع شي ء مع عدم العلم بدخول ما يدخل فيه عرفا، مما يجوز معه النزاع، بل هذه الجهالة عند التأمل، كالجهالة بوزن العشرة أقفزة مثلا أو بعلو الصبرة التي تحصل منها أو نحو ذلك، ما لا تعد جهالة في العرف و لذا استمر العمل على مقدار الاذرعة من الثياب من دون علم بما ينتهى اليه ذلك المقدار من المذروع منه استمرارا يمكن تحصيل العلم بتقرير المعصوم منه.

ج 23، ص: 226

فما في الدروس و عن المبسوط و الخلاف و ابن إدريس و القاضي و المقدس الأردبيلي من الصحة حينئذ قوي جدا، بل قيل إنه خيرة الإرشاد و شرحه لولده، لكن عن غاية المراد أنه حكى ولد المصنف عن والده إصلاح صح «بلم يصح» حتى يوافق ما في كتبه و في المسالك «إن الأجود الصحة مع تساوي الأجزاء أو تقاربها، و إلا فالبطلان أجود» و كأنه أخذه مما عن غاية المراد من أنه قد ينصر الشيخ بأن هذا الاختلاف غير قادح لأنه اختلاف مقاربة لا مفارقة مع غلبة تساوى الأجزاء المتجاوزة، و حينئذ فالأولى أن يحمل قوله تساوي أجزاء الأرض غالبا أو تقاربها، و فيه أنه بناء على ما ذكرنا لا فرق بين تساوي الأجزاء و اختلافها، لأن جهالتها تتبع الكلي إذا لم يكن مشاعا منها، أما إذا كان شخصيا مشاهدا فلا جهالة فيه.

فالأولى بناء كلام الشيخ على ذلك، لا على ما ذكراه و إلا لاتجه الصحة و إن لم يعين المبدأ و لا المنتهى كما في الصبرة، لكون الفرض التساوي، أو التقارب، و قد صرح غير واحد بعدم الجواز بناء على عدم تساوي الأرض و كذا الثوب، و لذا قال:

في المتن و لو أبهمه أي الموضع لم يجز لجهالة المبيع، و حصول التفاوت في أجزائها، بخلاف الصبرة نعم في الدروس أنه لو باعه ذراعا من ثوب معلوم المساحة و قصدا معينا أو أن يختار أحدهما ما شاء، بطل، و إن قصد الإشاعة صح، و هو كذلك، إلا أنه غير ما نحن فيه.

من ذلك كله ظهر لك أنه لو عين المبدأ و كان المبيع عشرة أذرع كلية بالنسبة إلى غير محل الابتداء لم يصح قطعا كما إذا لم يعين مبدأ المبيع، و إن عين ما فيه المبيع بداية و نهاية بناء على اختلاف أجزاء الأرض على وجه لا يمكن رفعها بالكلي، و إن شوهد جميع أفراده الدائرة بينها، اللهم إلا أن يقصد الإشاعة، فقد يقال: بالصحة، كما سمعته من الدروس و إن لم يعلم مساحة الأرض، إذا كان المبيع أذرعا معلومة، لكون المبيع حينئذ حصة مشاعة مقدرة بالعشرة أذرع مثلا، و الجهل

ج 23، ص: 227

بنسبتها إلى المجموع حال العقد غير قادح، بعد الضبط بالأذرع، فيملك حينئذ في كل جزء من الثوب على حسب نسبة العشرة إلى المجموع، نحو ما سمعته في بيع الصاع من الصبرة، علي تقدير التنزيل على الإشاعة، و اختلاف الأجزاء و تساويها لا مدخلية لها في علم المبيع و جهالته، فإذا صح بيع الصاع من الصبرة منزلا على ملك حصة من الصبرة مشاعة تعلم بنسبة الصاع الى المجموع، و لا يقدح جهالتها حال العقد، فكذلك المقام.

بل قد ينقدح من ذلك و مما سمعته سابقا في بيع الصاع من الصبرة من انصراف مطلقه عندنا إلى الإشاعة، صحة نحو ذلك في المقام، و إن لم يصرح بقصدها، فينزل حينئذ على الإشاعة المزبورة، و يكون صحيحا، و ما عساه يوهمه إطلاق بعض العبارات من عدم جواز مثل ذلك، بل و الصورة السابقة، يمكن دفعه بظهور الإطلاق في غير ذلك، و أن المراد منه بيع مقدار مخصوص لا على جهة الإشاعة، و لا ريب في بطلانه خصوصا في مختلف الأجزاء فتأمل جيدا.

فإن الظاهر البطلان مع قصد النسبة بما ذكره من العدد على وجه يكون المبيع الكسر الذي يطابق النسبة المزبورة في الواقع، لجهالة المبيع التي لا يرفعها ضبط النسبة المزبورة، و إلا لصح ذلك في القيمي كأن يبيعه من العبد مثلا ما يقابل عشرة من النسبة إلى مجموع قيمته، و هو معلوم الفساد، و لا ينافي ذلك القول بتنزيل الصاع من الصبرة على الإشاعة، فإنه لا يراد منه وقوع البيع على الكسر الذي يكون نسبة الصاع إلى مجموعه، بل المراد منها أن المبيع كلي شائع في مصاديقه في الصبرة كشيوع كلي الشاة في الزكاة في الأربعين في وجه، و هذا و إن لم يكن من الاشتراك على اشتراك الكسور كالنصف و نحوه؛ و لكن حكمه حكمه بالنسبة إلى توزيع التالف على المجموع باعتبار عدم تعيين كلي كل من المالكين في فرد مخصوص، بل هو مصداق لكل منهما و حينئذ فالتحقيق صحة بيع الكلي في الشائع في الافراد الخارجة، و لكن مع تساوى

ج 23، ص: 228

الاجزاء كالصاع من الصبرة على الوجه الذي ذكرنا، و كذا الأرض و الثوب مع فرض تساوى الاجزاء، و لا يصح مع اختلافها، أما بيعه على وجه النسبة بمعنى كون المبيع الكسر من الصبرة أو الأرض المقدر بنسبة الصاع أو الذراع إلى المجموع فغير جائز في متفق الاجزاء و مختلفها، و لعله بذلك تعرف الوجه في إطلاقهم و الله أعلم.

و لو باعه أرضا مثلا على أنها جربان معينة مصرحا بذلك أو بنى العقد عليه فكانت أقل فالمشتري بالخيار بلا خلاف و لا إشكال، إلا أن الأكثر نقلا و تحصيلا بل في الرياض أنه حكى الشهرة عليه جماعة على كون الخيار بين فسخ البيع و استرجاع الثمن إن كان قد قبضه البائع و بين أخذها بحصتها من الثمن، و قيل:

بل بكل الثمن كما هو خيرة الشيخ و القاضي و الفاضل و ولده و أبى العباس و الصيمري على ما حكي عن بعضهم، بل هو ظاهر الوسيلة و النافع و جامع المقاصد، و قواه في الميسية على ما قيل، و استوجهه في المسالك و الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، إذ المذكور و إن كان بصورة الوصف و الشرط الذين لا يوزع عليهما الأثمان لكنهما أجزاء من المبيع حقيقة خارجية فيفوت بفواتها بعض المبيع حينئذ فيثبت الخيار المزبور لتخلف الوصف الذي هو بعض من المبيع، و بذلك افترق عن بعض الأوصاف التي لا ترجع إلى أجزاء من المبيع، فكان الخيار فيها بتخلف الوصف بين الفسخ و القبول بتمام الثمن، لكون الفائت ليس جزء مبيع يقابل شيئا من الثمن، بل وصفه، و ما نحن فيه ليس من ذلك قطعا، بل هو لا ينقص عن وصف الصحة الذي يثبت الخيار بفقدها بالعيب بين الرد و القبول بالأرش، مضافا إلى

خبر عمر بن حنظلة(1)المنجبر بما سمعت قال فيه: «رجل باع أرضا على أن فيها عشرة أجربة، فاشترى المشتري منه بحدوده، و نقد الثمن، و أوقع صفقة البيع و افترقا، فلما

مسح الأرض، فإذا هي خمسة أجربة، قال: إن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض، و إن شاء رد المبيع و


1- 1 الوسائل الباب 14 من أبواب الخيار الحديث- 1.

ج 23، ص: 229

أخذ ماله كله، إلا أن يكون إلى جنب تلك له أيضا أرضون، فليوفيه، و يكون البيع لازما، و عليه الوفاء بتمام المبيع، فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع، فان شاء المشتري أخذ الأرض و استرجع فضل ماله، و إن شاء رد الأرض و أخذ المال كله»

و اشتماله على ما نقول به مع إمكان تأويله، لا يمنع من العمل بالباقي، و إشكال ذلك كله- بأن ما فات لا قسط له من الثمن، لاستحالة تقسيط الثمن على الأجزاء أو العلم، لعدم الفائت، و عدم المماثل له، فاستحال تقومه، فاستحال ثبوت قسط له، خصوصا إذا كانت الأرض المشتراة مختلفة الاجزاء، و فرض الفائت من الجيد أو الردي تحكم، فاتضح أن الفوات هنا كفوات صفة كمال، و هو كم، و الكم عرض فكان كالتدليس، و فرق بينه و بين ما إذا باع عبدين، فبان أحدهما مستحقا، لأنه في هذه لم يسلم المبيع، و هو مجموع العبدين، و هنا قد سلم المبيع و هو مجموع الأرض، و إنما فقد منها كونها بقدر الجريب الواحد عشر مرات مثلا، و هذا وصف يعد كمالا، و لا يعد نقصه عيبا، و بأن التقسيط يؤدي إلى جهالة الثمن في الجملة و التفصيل- يدفعه إمكان كون طريق التقويم بأن هذه الأرض المشخصة من غير زيادة عليها و لا نقيصة على فرض أنها عشرة أذرع، و لو للاشتباه فيها، قيمتها كذا و على فرض أنها خمسة قيمتها كذا، فينسب إحدى القيمتين إلى الأخرى، و يؤخذ من الثمن بنسبته، فلا يحتاج حينئذ إلى إضافة شي ء إليها كي يستشكل بأنه يستحيل تقويمه لعدم المماثل، حتى يجاب عنه بأن الغالب في الأرض التساوي، فيفرض كونه مساويا لها، مع أنه قد يستشكل بأنه قد يفرض كونها مختلفة، فيلتزم كون الفائت مختلفا على نسبة اختلافها، إذا الجميع كما ترى، و لا جهالة حال العقد بعد الإقدام منهما على مقابلتها بالثمن على أنها عشرة، كما أنه لا يقدح الجهالة في التقسيط بعد معلومية المقابلة في الجملة.

و من ذلك ظهر لك الوجه في قول المصنف و لو زادت كان البائع بالخيار بين الفسخ و الإجازة بجميع الثمن، و كذا كل ما لا يتساوى أجزاؤه لعدم موجب التقسيط

ج 23، ص: 230

هنا ضرورة اختصاص إيجاب التبعيض ذلك بالمشتري، فلم يبق إلا جهة تخلف الوصف الموجب ضررا على البائع لو كان البيع لازما فثبت له الخيار بالطريق المزبور و إلزام المشتري هنا بإعطاء ما يخص الزيادة على نسبة الثمن، أو تخيره بين ذلك و بين الفسخ لا يوافق الضوابط الشرعية؛ كاحتمال بطلان البيع كما في القواعد.

و عن المبسوط بل عن التبصرة أنه الوجه عندي لجهالة المبيع، لكون الزيادة غير معينة، إذ فيه أن المبيع بحسب الصورة هو المجموع، و قد تجدد كون الزائد ليس منه بعد الحكم بصحة العقد، على أن ذلك مبنى على كون الزيادة للبائع، و هو خلاف التحقيق كما ستعرف، بل قد عرفت أن مبنى كلام المصنف، و من عبر كعبارته على ذلك، و من هنا كان لا يرد على المتن بقرينة ذيله، أن إيجابه التقسيط في الأول قاض بالتبعيض، و إثباته الخيار المزبور هنا قاض بأنه من تخلف الوصف فيتدافع، إذ قد عرفت اجتماع الحيثيتين في الأول بخلاف الثاني.

لكن قد يناقش بأنه و إن كان التبعيض لا يوجب تقسيطا بالنسبة إلى البائع، إلا أن مقتضاه كون الزيادة للبائع كما صرح به بعضهم، و احتمله آخر و لا يكون له خيار حينئذ و احتماله- حينئذ للتضرر بعيب الشركة- يدفعه أولا أنه هو الذي غرر بنفسه، و ثانيا عدم الضرر عليه بعد أن كان قادما على مقابلة الجميع بالثمن، فظهور الشركة في الحقيقة نفع لا ضرر عليه، و التسلط بمثله على الخيار محل شك، بل منع لأصالة اللزوم.

نعم لا بأس به بالنسبة للمشتري حينئذ لأنه أقدم على كون الجميع له، فظهور الشركة فيه عيب بالنسبة إليه، بل لا يسقط حتى لو بذل البائع الزيادة، لعدم وجوب القبول عليه، فلا ريب حينئذ في ضعف الاحتمال المزبور، و أضعف منه حمل المتن عليه، ضرورة ظهوره في كون متعلق الخيار مجموع الأرض، بجميع الثمن.

فالتحقيق كون الزيادة و النقيصة من واد واحد، و الظاهر أنه من تخلف الوصف

ج 23، ص: 231

فيهما؛ لأن المفروض كون المبيع عينا مشخصة محددة غير قابلة للزيادة و النقيصة إلا أنه وصفها البائع بمقدار مخصوص، و أخذها المشتري على ذلك الوصف فتخلف، فحصل الضرر منه على البائع أو المشتري، فيثبت الخيار؛ فليس في الحقيقة فواته مفوتا لجزء من المبيع، لما عرفت من أنه محدد مشخص غير قابل للزيادة و النقيصة.

لكن الخبر المزبور(1)الذي عمل به جماعة من الأصحاب أوجب التوزيع في صورة النقصان، و لا محيص عن العمل به إن لم يحمل بقرينة ذيله على كون المبيع عشرة معينة الابتداء إلى أن تنتهي، بناء على صحة ذلك، فبان قصورها عن العشر، فإن التوزيع هنا متجه، ضرورة كون مورد البيع المعدود من حيث العدد، إلا أنه خلاف الظاهر، و ذيله- بعد أن انفرد الشيخ بالعمل به في النهاية التي لم تعد للفتوى، فلا جابر له بالنسبة إلى ذلك- لا بأس بطرحه أو تنزيله على ما يوافق الضوابط و إن بعد، و لا يمنع من العمل بما تضمنه من التوزيع المزبور.

و منه يعلم حينئذ الحال فيما لو نقص ما يتساوى أجزاؤه فإنه ي ثبت الخيار للمشتري بين الرد و أخذه بحصته من الثمن وفاقا للشيخ و الفاضل في بعض كتبه و الشهيدين في الدروس و اللمعة و غاية المرام على ما حكي عن بعضها، بل عن الأخير أنه المشهور، بل هو

لازم لجميع من عرفته ممن قال به في مختلف الأجزاء ضرورة أولويته منه بذلك، و لذا أرسله بعضهم في ضمن الاستدلال إرسال المسلمات، بل ظاهر المقداد في التنقيح أو صريحه، أنه لا كلام فيه لإمكان توزيع الثمن فيه على أجزائه، فلا مانع فيه من هذه الجهة، بل إذا كان منه ما لا يضبط إلا بالوزن و نحوه، و لا تكفي فيه المشاهدة، كما هو الغالب فيه بكون التقدير فيه ملاحظا في المبيع أولا و بالذات، فكأنه باعه المقدر من حيث التقدير، فيفوت البعض بفواته.


1- 1 الوسائل الباب 14- من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 232

إلا أن الإنصاف كون العمدة إلحاقه بمضمون الخبر المزبور(1)و إلا فمتساوى الأجزاء، و إن كان يمكن توزيع الثمن عليه، و ليس فيه المانع المزبور، لكن بعد أن كان عينا مشخصة لا تزيد و لا تنقص صار التقدير المفروض فيها وصفا أيضا، حتى لو كان وزنا و نحوه، إذ هو طريق إلى المعلومية المسوغة للإقدام على البيع كالوصف، لا أنه بعض مبيع؛ و لذا كان خيرة الفاضل في القواعد التخيير فيه بين الرد و الأخذ بالثمن، بل هو المحكي عن ولده في الإيضاح، و عن الشهيد في حواشيه و الميسية و الكفاية أنه أقوى، و في المسالك أنه متجه، و مال إليه في جامع المقاصد، إلا أن فيه إعراضا عن الخبر المزبور، المنجبر بما عرفت، فالتوزيع هو الأقوى.

نعم هو متجه فيما لو زاد، فيتخير البائع بين الرد و القبول بالثمن المسمى، كما سمعته في مختلف الأجزاء وفاقا للفاضل في القواعد، و المحكي عن ولده في شرح الإرشاد و مال إليه المحقق الثاني و المقدس الأردبيلي على ما حكي عنه، بل ربما قيل إنه لازم لكل من قال به في مختلف الأجزاء ممن عرفت، فحينئذ يكون الزيادة للمشتري، و لا خيار له حينئذ، لأن المتضرر بفوات الوصف البائع دونه، خلافا للمبسوط و التحرير و الإرشاد و التبصرة و التنقيح و ظاهر موضع من الدروس، فجعلوا الزيادة للبائع على ما حكي عن بعضها، بل في مجمع البرهان لا شك في أنها له، بل في التنقيح لا كلام فيه، و لعله لا يخلو من قوة فيما يعتبر فيه الوزن و الكيل و العدد، إذ التزام دخول الصبرة المبيعة بعنوان أنها وزنة في ملك المشتري و إن كانت وزنتين لا يخلو من صعوبة.

و على كل حال فالمتجه ثبوت الخيار للمشترى، لأنه خلاف ما قدم عليه، و للتضرر بالشركة دونه، نحو ما سمعته في مختلف الأجزاء فمن الغريب ما في القواعد و التحرير من عدم الخيار له على هذا التقدير، و لعله لعدم التضرر، فهو كالصاع من الصبرة إلا أنه


1- 1 الوسائل الباب 14 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 23، ص: 233

كما ترى، فتأمل جيدا في جميع ما ذكرنا، فإن منه يظهر لك الخلل في جملة من كلمات الأصحاب في مواضع متعددة و اللَّه أعلم.

و لو جمع بين شيئين مثلا مختلفين في كون كل منهما مورد عقد مخصوص في عقد واحد بثمن واحد كبيع و سلف فقال: بعتك هذا العبد و عشرة أقفزة حنطة موصوفة بكذا مؤجلا إلى كذا بمأة درهم أو إجارة و بيع فقال:

آجرتك الدار و بعتك العبد بكذا أو نكاح و إجارة فقال: أنكحتك نفسي و آجرتك الدار بكذا صح بلا خلاف أجده فيه، و إن أوهمه نسبة بعضهم إياه إلى الأكثر بل قيل صرح في المبسوط بأن فيه خلافا عندنا، لكنه احتمل إرادته من العامة.

نعم عن الأردبيلي أنه تأمل فيه، و لعله للشك في نقل مثل هذا العقد الذي لا يدخل في اسم كل منهما، و إلا اعتبر فيه ما يعتبر فيهما، و لأن الجهالة و الغرر و إن ارتفعا بالنسبة إلى هذا العقد، إلا أنهما متحققان بالنسبة إلى البيع و الإجارة، و قد نهي الشارع عنهما في كل منهما](1)و ارتفاعها بالنسبة إلى مجموع العقد غير مجد، و ليس هو كالمبيعين الذين فسد البيع بالنسبة إلى أحدهما، للاكتفاء فيه بمعلومية ثمن المجموع الذي هو مبيع و الجهل بالتقسيط غير قادح بعد أن كان بالنسبة إلى جزء المبيع لا إلى مجموعه، بل لعل مثل ذلك غير قادح حتى مع العلم بالفساد من أول الأمر، لصدق معلومية ثمن المبيع، و لو كان البيع في بعضه فاسدا بخلاف المقام الذي ثمن تمام المبيع فيه مجهول، و إن كان هو معلوما بالنسبة إلى مجموع العقد.

اللهم إلا أن يقال: إن المعلوم من قدح الجهالة ما إذا كان البيع عقدا مستقلا لا جزء عقد، فإطلاق الأدلة بحاله، كما أن عموم قوله

تعالى (2)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» كاف في ثبوت مشروعيته، بعد ظهور اتفاق الأصحاب عليه، الذي يكفي في ثبوت معهوديته، فتشمله الآية


1- 1 الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 4 المستدرك ج 2 ص 470.
2- 2 سورة المائدة الآية 1.

ج 23، ص: 234

و إن قلنا بأن اللام إشارة إلى العقود المتعارفة، إذ لا طريق لنا إلى ذلك إلا كلام الأصحاب، فيكفي حينئذ معلومية العوض لهذا العقد الذي هو في الصورة عقد واحد و في المعنى عقدان أو عقود، و لذا يجري عليه حكم كل منها لنفسه من غير مدخلية للآخر نحو خيار المجلس و غيره، كما هو واضح، إلا أنه من حيث اتحاد القبول فيه- باعتبار عدم الدليل على اعتبار القبول بعد العقد على وجه لا يشاركه غيره في معناه- واحد.

و حينئذ فإن احتيج إلى أن يقسط العوض لتعدد المالك أو غيره قسط على قيمة المبيع و أجرة المثل بلا خلاف و لا إشكال و على مهر المثل بلا خلاف أيضا إلا أنه أشكل بأن المفوضة ترجع إلى مهر السنة لو زاد مهر المثل عنه، و هنا لما لم يتعين لها مهر مقدر ابتداء أشبهت المفوضة، فلا يتم إطلاق مهر المثل، و يدفع بأنها هنا ليست مفوضة بل مسماة المهر، غايته عدم العلم بقدر ما يخصه ابتداء، على أن الرجوع إلى مهر السنة على تقدير زيادة مهر المثل محل تأمل أو منع.

نعم هو مسلم بالنسبة إلى مفوضة البضع، و هذه ليس منه قطعا كما هو واضح، و لو كان

أحد الأعواض مؤجلا، قسط عليه كذلك، فلو باعه عبدا يساوى عشرة حالا، و عشرين مؤجلا فباعه مؤجلا، و أجره داره مدة سنة بعشرين، و العوض عشرون، فإنه يقسط بينهما بالسوية و كذا يجوز بلا خلاف بل و لا إشكال بيع السمن بظروفه مع العلم بوزن المجموع الكافي عن معلومية وزن كل منهما، بعد إقدام المشتري على الرضا بكون سعر الظرف سعر الدهن، فإذا احتيج إلى التقسيط قسط على ثمن مثلهما، بأن يقال:

قيمة الظرف مثلا درهم، و قيمة السمن تسعة فيخص الظرف عشر الثمن و لو قال: بعتك هذا السمن بظروفه كل رطل بدرهم بعد العلم بوزن المجموع كان جائزا أيضا لما عرفت

ج 23، ص: 235

من وجود المقتضى و ارتفاع المانع، و التقسيط فيه بأن يوزن الظرف منفرد أو ينسب إلى الجملة، و يؤخذ له الثمن بتلك النسبة، و بذلك افترق هذا المثال عن الأول كما هو واضح و اللَّه أعلم.

[الفصل الخامس في أحكام العيوب ]

اشارة

الفصل الخامس: في أحكام العيوب من اشترى مطلقا أو بشرط الصحة اقتضى سلامة المبيع من العيوب بلا خلاف و لا إشكال في الثاني؛ بل و الأول إن كان المراد الاقتضاء شرعا، أما عرفا فلا يخلو من إشكال، خصوصا بعد عدم الانصراف في مثل التكاليف و الوصايا و نحوهما و أصالة السلامة لا تقتضي إرادة السالم من الإطلاق، و إلا لاقتضت في الجميع، بل لم يكن المعيب بعض أفراد المبيع لو كان كليا.

اللهم إلا ان يفرق بينها و بين البيع بل جميع عقود المعاوضات، و الإطلاق إنما يقتضي السلامة في المبيع، لا أن المبيع السالم، فلا ينافي كون المعيب فردا هذا. و لكن مع ذلك لا يخلوا الانصراف المزبور عرفا من تأمل في بعض الأحوال، خصوصا بالنسبة إلى بعض العيوب و الأمر سهل، لكن صريح جماعة أن الشرط المزبور بعد تسليم الانصراف المذكور مؤكد بل لم أجد قائلا بغيره.

نعم في المسالك «و ربما قيل: إن فائدة اشتراط الصحة جواز الفسخ و إن تصرف لو ظهر عيب، فيفيد فائدة زائدة علي الإطلاق كاشتراط الحلول» و هو متجه، و إن قال بعض مشايخنا إنى لم أجد هذا القول لأحد من العامة و الخاصة، ضرورة أنه لا بأس باجتماع الجهتين عملا بالدليلين الغير المتنافيين، نعم قد يتوقف في أصل صحة اشتراط ذلك كسائر الصفات في الأعيان الشخصية، لظهور أدلة الشرط في أنه مما يكلف المشترط عليه بالوفاء به، و في الفرض لا يتصور ذلك على تقدير عدم الاتصاف، إلا أنه قد يمنع اعتبار ذلك في الشرط، و إن كان فائدته حينئذ أنه في مثل ذلك قلب اللازم جائزا،

ج 23، ص: 236

فتأمل جيدا و اللَّه أعلم.

و كيف كان فان ظهر به عيب سابق على العقد فالمشتري خاصة بالخيار، بين فسخ العقد و أخذ الأرش إجماعا محصلا، و محكيا مستفيضا، صريحا و ظاهرا، و هو الحجة مضافا إلى ما أرسله- في محكي الخلاف من الأخبار و خبر الضرار(1)و

فقه الرضا(2)بناء على حجيته «إن خرج في السلعة عيب و علم المشتري فالخيار إليه إن شاء رد و إن شاء أخذ أو رد عليه بالقيمة أرش المعيب»

و الظاهر زيادة أو فيه كما عن بعض الأجلة، و لعل المراد «الهمزة»- و الى المعتبرة التي منها

مرسل جميل (3)عن أحدهما عليه السلام «في الرجل يشترى الثوب أو المتاع فيجد به عيبا قال: إن كان قائما رده على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب»

و غيره إلا أنه ليس فيها جميعا ذكر الإمضاء مع الأرش، بل ظاهرهما الرد خاصة كما اعترف به في الرياض، لكن قال: «إن الإجماع و لو في الجملة كاف في التعدية».

قلت: إن لم يثبت أولوية ثبوت الأرش قبل التصرف المزبورة منه بعده، لوضوح منعها، أو أن ثبوته- لأنه عوض جزء من المبيع- قد فات، فهو كمقابل أحد المبيعين من الثمن لو بطل البيع فيه، بناء على مقابلة أجزاء المبيع بأجزاء الثمن، و يكون استحقاق المشتري له على القاعدة، كما في تبعض الصفقة؛ و فيه أنه أوضح منعا من الأولوية المزبورة لعدم ثبوت التوزيع المزبور قصدا و لا شرعا على وجه يتناول الحكم المذكور، بل تصريحهم بأنه

يسقط بالإسقاط بعد العقد، بحيث لا يصح الرجوع منه بعده كما ستعرف ينافيه ضرورة عدم صحة تسلطه على الأعيان، و لو كان بمنزلة الهبة جاز الرجوع فيها، فالعمدة حينئذ في ثبوته ما عرفت.

و قد يظهر من المتن و غيره، أن الخيار المزبور عند ظهور العيب؛ لا أنه كاشف عن


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3- 5.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 478.
3- 3 الوسائل الباب 16 من أبواب الخيار الحديث 3.

ج 23، ص: 237

ثبوته حال العقد؛ لكن يمكن عدم إرادة ذلك منها، و إن اقتضاه ظاهر التعبير المساق إلى بيان أن ثمرته عند الظهور، لعدم تصور فائدة له قبل العلم غالبا، لكن فيه إن له ثمرات. منها- إسقاطه بالتصرف قبل ظهوره، و لولا أنه ثابت لم يتصور سقوطه به، إلا أن يكتفى بوجود سببه و كذا إسقاطه، و منها- أنه لو فسخ قبل ظهوره أثر الانفساخ حينه و لو تأخر الظهور عن ذلك فتأمل جيدا، و الظاهر ثبوت الخيار المزبور في العيب في الثمن، و إن خلت عنه أكثر النصوص و الفتاوى إن لم يحمل المبيع فيها على ما بشملهما، و هو كما ترى، و لا ينافي ذلك قول المصنف خاصة ضرورة كون المراد ذلك بالعيب في المبيع و اللَّه أعلم.

و كيف كان ف يسقط الرد و الأرش بالتبري من العيوب بأن يقول:

بعتك هذا بكل عيب، أو و أنا بري ء من كل عيب، أو نحو ذلك مما لا يفرق فيه بين العيوب ظاهرة أو باطنة، معلومة أو غير معلومة، حيوانا كان المبيع أو غيره، إجماعا محكيا صريحا عن الخلاف و الغنية و التذكرة، و ظاهرا في غيرها إن لم يكن محصلا، ضرورة كون المراد البراءة مما رتب الشارع عليه من الحكم، و هو الرد أو الأرش، فهو حينئذ شرط مندرج فيما دل على الشرائط، حتى لو ذكره قبل العقد، و بنياه عليه بناء على أنه حينئذ كالمصرح به فيه، و لأن المشتري حينئذ راض به على ذلك، فهو كما لو علم به و أقدم عليه، بل يشمله دليل ذلك، بل قد يقال إن في شمول أدلة الخيار المزبور لمحل الفرض محل شك، بل ظاهرها خلافه، فيبقى أصالة لزوم العقد و أصالة برأيه الذمة من الأرش بلا معارض.

مضافا إلى مفهوم

الحسن أو الصحيح (1)«أيما رجل اشترى شيئا فيه عيب أو عوار، و لم يتبرء إليه منه و لم يبين له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا و علم بذلك العيب و ذلك العوار أنه يمضى عليه البيع، و يرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به»

و

خبر جعفر بن عيسى (2)قال: «كتبت إلى أبى الحسن عليه السلام جعلت فداك المتاع


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب الخيار الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العيوب الحديث 1.

ج 23، ص: 238

يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي، فإذا نادى عليه بري ء من كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق إلا نقد الثمن، فربما زهد فإذا زهد فيه ادعى عيوبا و أنه لم يعلم بها، فيقول: له المنادي قد تبرئت منها، فيقول المشتري: لم أسمع البراءة منها، أ يصدق؟ فلا يجب عليه الثمن، أم لا يصدق فيجب؟ فكتب عليه الثمن»

الذي يمكن تقرير الدلالة فيه على المطلوب بوجهين.

و يصح التبري من العيوب المتجددة، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه، لأن المراد التبري من الخيار الثابت بسببها بمقتضى العقد، فليس براءة مما لم يجب، على أنه يمكن منع عدم صحته على جهة الشرطية. ثم على الصحة فالظاهر شمول إطلاق البراءة من العيوب لها، و إن كان المنساق أولا إلى الذهن العيوب الموجودة حال العقد.

و كذا يسقطان بالعلم بالعيب قبل العقد بلا خلاف أجده، لأن إقدامه معه رضا منه به، و لا خلاف في الغنية في سقوط خيار العيب به حينئذ، مضافا إلى أصلي لزوم العقد و براءة الذمة من الأرش، ضرورة ظهور أدلة الخيار المزبور في غير الفرض و إلى مفهوم خبر زرارة(1)المتقدم المتمم بعدم القول بالفصل بين عدم الأرش و الرد معه، بل قد يقضى إطلاقه كالفتاوى السقوط به فيما لو علم به ثم نسيه، و هل يصح شرائه من العالم مصرحا ببقاء خيار العيب له؟ و نحو ذلك مما يرفع

دلالة العلم على الرضا به معيبا؟ الأقوى ذلك، لأنه كالشرط حينئذ، بل لو اقتصر على خصوص الرد من مقتضى العيب صح أيضا لذلك، و أما لو اقتصر على الأرش فقد يحتمل البطلان، التجهل الثمن حينئذ، و يحتمل الصحة الكتفاء بعلم الثمن بالجملة كما لو باع ما يصح و ما لا يصح مع العلم به.

و يسقط الخيار المزبور أيضا بإسقاطه بعد العقد بلا خلاف، لأنه من الحقوق التي تسقط بالإسقاط، كما عرفته في الخيارات السابقة، فيسقط الرد حينئذ


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب الخيار الحديث- 2.

ج 23، ص: 239

و كذا الأرش، لأنهما هنا متعلقاه، فإسقاطه إسقاطهما معا، و لو اقتصر على إسقاط أحدهما صح و إن اتحد سبب استحقاقهما كما هو واضح، و يمكن استفادته من العبارة.

و يسقط الرد خاصة بإحداثه فيه حدثا كالعتق و قطع الثوب بلا خلاف معتد به بل في المختلف و عن شرح الإرشاد للفخر الإجماع عليه سواء كان قبل العلم بالعيب أو بعده على نحو ما سمعته في الخيارات السابقة؛ ضرورة اشتراكه معها في أن له الفسخ و إن زاد عليها بالأرش، فيسقط ما به الاشتراك ما يسقطها، و لذا كان البحث السابق في التصرف المسقط آتيا هنا مضافا، إلى مرسل جميل (1)و خبر زرارة(2)السابقين الدالين على ثبوت الأرش لعدم دلالة التصرف على إسقاطه شرعا و لا عرفا، خلافا لما عن ابن حمزة في الوسيلة فأسقط الأرش به إذا

كان بعد العلم به، و لا ريب في ضعفه للأصل و إطلاق النص (3).

بل في صريح الغنية أو ظاهرها الإجماع عليه، مؤيدا بالتتبع لفتاوى الأصحاب صريحها و ظاهرها، بل عن شرح الإرشاد للفخر الإجماع على ثبوت الأرش، على أن فيما حضرني من نسخة الوسيلة «و إن علم بالعيب ثم تصرف فيه لم يكن له الرد و الأرش، لأن تصرفه ليس بموجب لرضاه» و تعليله إنما ينطبق على أن له الأرش، و لعل الاسقاط من النساخ، و الا فلا ريب في ضعفه، كضعف ما عن المبسوط من أن التصرف قبل العلم لا يسقط الخيار؛ للأصل المنقطع بما عرفت، و مفهوم خبر زرارة المحتمل لأن يكون المراد منه أنه لو أحدث فيه شيئا ثم علم به لم يكن له الخيار، لا أن الحدث إذا كان بعد العلم ينفى الخيار، حتى يستدل بمفهومه على أن الحدث قبله لا ينفيه، بل لعل المراد منه أنه لا يتحقق ثبوت الخيار إذا لم يكن علم به، فتأمل جيدا، و ما عنه أيضا من أنه إن كان بيع المشتري له قبل علمه بالعيب و عاد إليه فله رده، و ما عنه أيضا و المقنعة و النهاية من أن الهبة و التدبير لا يمنعان من الرد لأن له الرجوع فيهما بخلاف العتق، لما عرفت من إطلاق النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات و اللَّه أعلم.


1- 1 الوسائل الباب 16- من أبواب الخيار الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 16- من أبواب الخيار الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 16- من أبواب الخيار الحديث 3- 2.

ج 23، ص: 240

و كذا يسقط الرد بحدوث عيب بعد القبض غير مضمون على البائع بلا خلاف أجده فيه، بل عن شرح الإرشاد للفخر الإجماع عليه، و في محكي

الخلاف الإجماع و الأخبار على أنه ليس له رده إلا أن يرضى البائع بأن يقبله ناقصا فيكون له رده، و أنه يكون له الأرش إن امتنع البائع من قبوله معيبا، و عن موضع من المبسوط «إذا باع عبدا و قطع طرف من أطرافه عند المشتري، ثم وجد به عيبا قديما سقط حكم الرد إجماعا و وجب الأرش» و عنه أيضا «نفى الخلاف عن أن له الأرش إذا امتنع البائع من قبوله» و لعل مراده من الشرط أن له رده إن أراده إذا لم يمتنع البائع من قبوله، لا نفى الأرش حينئذ و إن اختاره.

لكن في التحرير «لو تعيب عند المشتري لم يكن له رده، فلو اختاره البائع جاز و أو أراد المشتري الأرش حينئذ قال الشيخ: ليس له ذلك، و الوجه عندي أن له الأرش إن اختاره و لو امتنع البائع من قبوله معيبا كان للمشتري حق الأرش قولا واحدا» و في الدروس «و ثاني الأمور المسقطة للرد دون الأرش، حدوث عيب عند المشتري مضمون عليه، إلا أن يرضى البائع برده مجبورا بالأرش أو غير مجبور، و لا يجبر البائع على الرد و أخذ الأرش، أي أرش العيب الحادث، و لا يتخير المشتري بينه و بين المطالبة بأرش السابق، و لو قبل البائع الرد لم يكن للمشتري الأرش بالعيب الأول عند الشيخ» و قد فهما منه الخلاف في ذلك، و على تقديره فلا ريب في ضعفه، للأصل و إطلاق الأدلة و الإجماع السابق المعتضد بفتاوى الأصحاب، بل إن لم يثبت إجماع على سقوط الرد به مطلقا لأمكن المناقشة فيه، إذا لم يكن من جهته بحيث يعد تصرفا فيه، لعدم معارض للأدلة المزبورة؛ خصوصا مع عدم سقوط غيره من الخيار بذلك، بل قد عرفت عدم سقوطه فيما لو تلف بآفة سماوية في وجه، فضلا عن التعيب، و تعليل غير واحد من الأصحاب السقوط هنا بأنه لما كان مضمونا عليه كان بمنزلة إحداثه فيه حدثا، و لو كان من غير جهته فنقصانه محسوب عليه، فيمنع الرد و يثبت الأرش حينئذ لذلك كما ترى، و إلا لجري في غيره من الخيارات.

ج 23، ص: 241

نعم يتجه جبره بالأرش لو أراد رده لنفى الضرر، و لعله لذا قال في الغنية: «فان لم يعلم بالعيب حتى حدث فيه عيب آخر كان له أرش العيب المتقدم دون الحادث إن اختار ذلك، و إن اختار الرد كان له ذلك ما لم يحدث هو فيه حدثا» و ظاهره عدم سقوط الرد بذلك و هو جيد على الوجه الذي قلنا ان لم يثبت إجماع على خلافه أو يدعى دلالة مرسل جميل (1)المشتمل على اشتراط الرد بقيام الثوب بعينه، و أنه متى قطع أو خيط أو صبغ تعين الأرش أو يدعى أن مفهوم الرد لا يتحقق إلا مع عدم تعيب العين، و الجبر بالأرش لا يصيره ردا حقيقة مضافا إلى أصالة لزوم العقد التي يجب الاقتصار في خلافها على المتيقن و هو غير الفرض.

نعم يمكن القول ببقاء الرد بالعيب السابق إذا كان العيب الحادث من البائع، و إن كان قد يشمله المتن و نحوه، بل و من وصف العيب بكونه غير مضمون على البائع؛ ضرورة كون

المراد إخراج صورة الخيار و نحوها مما كان العيب فيه مضمونا عليه، لا مثل الفرض الذي كان الضمان فيه عليه نحو ضمان الأجنبي لو كان جانيا، إلا أن المتيقن من إطلاقها و إطلاق معاقد الإجماعات السابقة غير ذلك، فيبقى على أصالة الرد هذا و في القواعد لو كان العبد كاتبا أو صائغا فنسيه عند المشتري لم يكن له الرد بالسابق و لعله لأن نسيان الصنعة عيب، أو أنه مغير للعين تغييرا يمنع من ردها، و مثله نسيان الدابة الطحن و اللَّه أعلم.

و كيف كان ف لو كان العيب الحادث قبل القبض لم يمنع الرد بالعيب السابق قطعا، بل يمكن تحصيل الإجماع فضلا عن محكيه؛ لكونه مضمونا على البائع، و لذا كان للمشترى الرد به، فضلا عن العيب السابق بلا خلاف، بل حكى الإجماع عليه غير واحد.

نعم اختلفوا في ثبوت الأرش به، و قد تردد المصنف فيه سابقا، و ذكرنا التحقيق فيه فيما تقدم فلاحظ، إنما البحث الآن في العيب السابق و لا إشكال في ثبوت الرد و الأرش


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب الخيار الحديث- 3.

ج 23، ص: 242

به معه، كما عرفت، و مثله حدوث العيب من غير جهة المشتري في الثلاثة لو كان المبيع حيوانا، لأنه أيضا مضمون على البائع، فلا يمنع حكم العيب السابق، و كذا كل خيار مختص بالمشتري، بناء على إلحاقه في ثلاثة الحيوان في الضمان لما يحدث فيه، كما تقدم تحقيق الحال فيه، و الظاهر تعدد سبب استحقاق الرد حينئذ، و تظهر الثمرة في أمور، فما عن المصنف- من أن له الرد بأصل الخيار، لا بالعيب الحادث، و ابن نما بالعكس- في غير محله، بل مقتضى الجمع بين الدليلين الحكم بالسببين كما هو واضح، على أنه لم نتحقق هذه الحكاية عنهما في المقام.

نعم ستسمع كلامهما في حدوث العيب في ثلاثة الحيوان و تحقيق الحال فيه، و هو غير المقام، اللهم إلا أن يراد جريان نظيره هنا، لكنه لا يتم في المحكي عن ابن نما هناك من إيجاب الرد و الأرش، لكن يمكن البحث في المسألة لنفسها، بفرضها في العيب المتجدد قبل القبض مثلا، و كان معيبا سابقا، فهل يتعدد سبب الخيار في الرد بهما لكونهما سببين، أو يخص بالأول، لأنه المؤثر، و لا أثر للثاني لكونه تحصيل الحاصل لأن جنس العيب اتحد أو تعدد هو السبب، أو يخص بالثاني باعتبار انقطاع حكم الرد بحدوث العيب، و إن كان مضمونا على البائع لإطلاق دليله، و يبقى حكم الرد للثاني، إلا أنه لا يخفى عليك ضعف الأخير، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه كما عرفت.

و أما الثاني فله وجه لو كان دليل الخيار به مستفادا من دليل الخيار بالأول، ضرورة كونه حينئذ كتعدد القديم في ظهور عدم تعدد الخيار به، على وجه يصح إسقاطه من جهة واحد دون الآخر؛ لكون المجموع بعد وجدانها دفعة أو تدريجا سبب واحد.

نعم قد يقال: لو وجد أحدهما ثم رضي به ثم وجد آخر كان له الرد به؛ لظهور الأدلة في سببية الثاني حينئذ، ضرورة كونه كما رضي بالعيب قبل العقد فوجد غيره؛ لكن

ج 23، ص: 243

من المعلوم عدم ظهور هذه الأدلة في المتجدد، بل هي كالصريحة في السابق، و حينئذ يكون السابق صنفا، و المتجدد آخر فيعمل كل مقتضاه، و سقوط الرد من أحدهما لا يقتضي سقوطه من آخر، فتأمل جيدا فإن المسألة محتاجة بعد إلى تنقيح.

فقد تلخص لك من ذلك ما يسقط الرد و الأرش، و الأول خاصة، لكن كان عليه ذكر الانعتاق قهرا من القسم الثاني، كما لو اشترى أباه ثم وجد به عيبا فإنه يتعين الأرش هنا لعدم التمكن من الرد اللهم إلا أن يتكلف إدراجه في التصرف أو غيره أو يقال بثبوت الرد فيه، لكن بدفع القيمة عوضا عنه لمعلومية بدليتها، و إن كان قد يدفع الأخير ما ستعرفه من أن التلف هنا مسقط للرد بالعيب، و يبقى الأرش، فالانعتاق قهرا منزل منزلته، و الأمر سهل.

و قد يسقط الأرش و يبقى الرد فيما لو اقتصر على إسقاطه دون الرد، و فيما لو زادت قيمة المعيب عن الصحيح أو ساوتها، كما لو ظهر العبد خصيا، فإن المشتري يتخير بين الرد و الإمساك مجانا، لعدم الاطلاع على قدر نقص القيمة الذي هو المدار في نقص المالية، بل أصالة براءة الذمة كافية في نفيه، بعد ظهور أدلة ثبوته أو صراحتها في غيره من العيوب التي تنقص القيمة، و لا يجرى مثله في الرد بعد فرض كونه عيبا بلا خلاف أجده فيه.

بل ظاهر التذكرة و جامع المقاصد الإجماع على ثبوت الخيار به، بل هو مقتضى ما رواه ابن مسلم (1)لابن أبى ليلى في الشعر على الركب، فالرد به حينئذ لا إشكال فيه، و إن احتمل بعض متأخري المتأخرين عدمه، كالأرش للأصل، و ظهور نصوص الرد(2)في العيب المنقص للقيمة لا ما زاد فيها، لكن فيه منع واضح بعد ما عرفت، بل قد يظهر من إطلاق الفتاوى كون العيب ما زاد عن الخلقة أو نقص، و أن فيه الرد و الأرش ثبوته فيه، و لذا استشكل فيه غير واحد من المحققين، و لعل طريق تأريشه حينئذ إلغاء


1- 1 الوسائل الباب 1- من أبواب أحكام الغيوب الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 1- 8 من أبواب أحكام العيوب.

ج 23، ص: 244

ما يترتب على الخصاء من المنفعة التي هي بالنسبة إلى بعض أفراد الناس.

كالحكام و السلاطين، ثم تقويمه فحلا صالحا للنسل، و لما يقدر عليه الفحول من الأشغال، و لا ريب في حصول النقص حينئذ و إن كان قد يناقش بأن ذلك إضرارا على البائع خصوصا إذا كان حيوانا يراد منه كثرة لحمه و شحمه، و حرمة الفعل في الآدمي بل و في غيره كما عن نهاية الاحكام؛ نسبته إلى علمائنا، لا تنافي زيادة المال من جهته، و ربما لا يكون البائع فاعلا له، بل قيل أن المصرح بجوازه في غير الآدمي كثيرون، خلافا للقاضي و التقى خاصة فلم يجوزاه.

و كيف كان فالأرش محل نظر، سيما في شعر الركب و نحوه مما لا طريق الى الفرض المزبور

فيه. نعم يمكن القول بعدم سقوط الرد هنا بالتصرف قبل العلم فيه، و بحدوث عيب لا من جهته للضرر معه، و من هنا قال في الدروس: «لو زادت قيمة المعيب عن الصحيح كما في الخصي احتمل سقوط الأرش، و بقاء الرد لا غير؛ و قد يشكل مع حصول مانع من الرد كحدوث عيب أو تصرف، فإن الصبر على العيب ضرار، و الرد ضرار» و نحوه في المسالك «و زاد و يمكن ترجيح البقاء اعتبارا بالمالية و هي باقية» قلت لا طريق بعد عدم السبيل إلى التاريش لعدم معرفته، إلا القول بعدم سقوطهما الرد هنا، بعد جبر العيب الحادث بالأرش من المشتري أو لا التزام كما هو واضح.

و مما يسقط فيه الأرش، خاصة ما لو اشترى ربويا بجنسه و ظهر عيب فله الرد دون الأرش حذرا من الربا، و مع التصرف أو حدوث عيب، فيه البحث المذكور، و قال في الدروس هنا: «لو اشترى ربويا بجنسه و ظهر فيه عيب من الجنس، فله الرد لا الأرش حذرا من الربا، و مع التصرف فيه الإشكال، و لو حدث عنده عيب آخر احتمل رده، و ضمان الأرش كالمقبوض بالسوم، و احتمل الفسخ من المشتري، أو من الحاكم و يرتجع الثمن، و يغرم قيمة ما عنده بالعيب القديم، كالتالف من غير الجنس، و الأول أقوى، لأن تقدير الموجود معدوما خلاف الأصل» و هو جيد جدا، إلا أن الأول يجري في

ج 23، ص: 245

التصرف- و في الخصي أيضا لا في خصوص حدوث العيب في الربوي كما هو واضح.

و اعتبر في المغرم من القيمة كونه من غير الجنس حذرا من الربا، و قد سبقه في ذكر الاحتمالين، الفاضل في القواعد «و لو كان المبيع حليا من أحد النقدين بمساويه جنسا و قدرا، فوجد المشتري عيبا قديما، و تجدد عنده آخر لم يكن له الأرش و لا الرد مجانا، و لا مع الأرش، و لا يجب الصبر على العيب مجانا، فالطريق الفسخ و إلزام المشتري بقيمته من غير الجنس، معيبا بالقديم سليما عن الجديد، و يحتمل الفسخ مع رضا البائع، و يرد المشتري العين و أرشها و لا ربا، فإن الحلي في مقابلة الثمن، و الأرش للعيب المضمون كالمأخوذ للسوم».

لكن فيه أن الفسخ لا يتقيد برضا البائع، و إنما المشترط به رد العين مع الأرش، لإمكان عدم وجوب قبول ذلك عليه، كما نص عليه بعضهم. نعم قد يقوى الوجوب بعد الفسخ لعود المال إليه، و العيب يجبر بالأرش الذي قد سمعت عدم الربا بعد الفسخ، و أنه كأرش عيب المقبوض بالسوم إذا كان ربويا، ضرورة أن الربا في المعاوضات لا الغرامات.

و قد ينقدح من ذلك وجه آخر حكاه في التذكرة عن بعض الشافعية، و نفى عنه البأس، بل عن جامع الشرائع حكايته عن بعض أصحابنا، و هو رجوع المشتري بأرش العيب و لا ربا؛ لأن المماثلة في ماله إنما تعتبر في ابتداء العقد، و قد حصلت، و الأرش حق ثبت بعد ذلك، و دعوى أن الأرش لفوات مقابلة من المبيع واضحة المنع، ضرورة اقتضائها انفساخ العقد بالنسبة إلى ذلك، و أنه يستحق خصوص الثمن، و أن نماؤه له، إلى غير ذلك مما لا يمكن التزامه، بل لا بأس حينئذ بأخذ الأرش من الجنس، و لا يشترط كونه من غير الجنس فتأمل جيدا و اللَّه أعلم.

و و كيف كان ف إذا أراد بيع المعيب؛ فالأولى و الأفضل إعلام المشتري بالعيب أو التبري من العيوب مفصلة من غير فرق بين الخفي منه و الظاهر،

ج 23، ص: 246

لأصالة براءة الذمة من وجوب الإخبار بعد انجبار الضرر بالخيار، لكن قيده جماعة من المتأخرين بالظاهر الذي يمكن للمشتري الاطلاع عليه من دون إعلام البائع.

أما الخفي فيجب الإخبار به، و إلا كان غشا و تدليسا، بل ينبغي بطلان البيع في نحو شوب اللبن بالماء، لأن المبيع المقصود غير معلوم القدر للمشتري، و عليه نزل ما عن الخلاف «من باع شيئا و به عيب لم يبينه فقد فعل محظورا و كان للمشتري الخيار» و المبسوط و فقه القرآن للراوندي «وجب أن يبين للمشتري عيبه، أو يتبرأ اليه من العيوب، و الأحوط الأول» و التحرير «وجب الإشعار أو التبري من العيوب» لكن ظاهر الأخيرة أو صريحها سقوط وجوب الإعلام حتى بالخفي إذا تبرئ من العيوب، كما هو صريح الدروس قال: «يجب على البائع الإعلام بالعيب الخفي على المشتري إن علمه البائع، لتحريم الغش، و لو تبرئ من العيب سقط الوجوب» قال الشيخ:

«و الاعلام أحوط» بل عن إيضاح النافع أنه المشهور، و كان وجهه الأصل بعد عدم صدق الغش معه.

و على كل حال فلا خلاف في عدم وجوب الإخبار بالظاهر بعد تنزيل العبارات المزبورة على ما سمعت، و لعله لذا قال في الرياض: «و يجوز بيع المعيب و إن لم يذكر عيبه مع عدم الغش بلا خلاف في الظاهر، بل قد يظهر من إطلاق المتن و القواعد و غيرها عدم وجوبه حتى في الخفي، و لعله للأصل و عدم كونه غشا بعد ان لم يكن من فعله، و لا أخبر بسلامته.

نعم هو كذلك في مزج اللبن، و لعل كلامهم في غيره. ثم على الوجوب فالظاهر صحة البيع، لأن النهي عن أمر خارج، بل لا يبعد ذلك حتى في اللبن الممزوج، كما احتمله في المسالك قال: «و لا جهالة بعد علم مقدار الجملة، فهو كما لو باع ماله و مال غيره و له الخيار حينئذ» و فيه أنه مناف لما فرضه أولا من كون عنوان المبيع اللبن منه لا-

ج 23، ص: 247

المشاهد، و لذا أبطله كالجهالة، و لا يجدى العلم بالجملة بعد أن كانت مبيعا و غير مبيع؛ فالوجه الصحة في الفرض إلا أن الظاهر كونه خيار عيب لا تبعض لصدق اسم اللبن على الممزوج، و إلا كان خارجا عن موضوع المسألة التي هي بيع ذي العيب الخفي المنافي صدق اسم العنوان عليه، و يتجه فيه البطلان مع فرض جعل العنوان اللبن منه للجهالة، و لو جعل المشاهد صح للعلم بالجملة حينئذ و لو كان بعنوان أنه لبن.

و لو أجمل في البراءة بأن قال: برئت من عيبه أو من جميع العيوب أو من العيوب، جاز و كان كالتفصيل في الحكم، لعموم المقتضي الذي قد عرفته فيما مضى من الإجماع و غيره، فليسقط به حينئذ الخيار في الرد و الأرش، و يسقط به أيضا وجوب الإخبار بالخفي، بناء على سقوطه بالبراءة المفصلة، خلافا لما عن بعض الأصحاب فأوجب التفصيل فلا يبرء حينئذ بالإجمال و لا يسقط به الخيار، بل قضيته ما استدل له به في المسالك «من أنه بيع مجهول البطلان، إلا أنه كما ترى، إذ لا جهل مع المشاهدة، و اعتبار ما يجب اعتباره في صحة البيع، و العيب الحاصل فيه غير مانع من صحة البيع و لا يشترط معرفة الباطن، لا أنه يعتبر و يكفى فيه أصل السلامة، حتى يقال: يذهب الوثوق به بالتبري، فيكون كبيع المجهول، على أنه قد عرفت في اشتراط سقوط خيار الروية ما يؤكد ذلك، فلاحظ و تأمل كل ذا مع ضعف الخلاف المزبور، و إن حكى عن ابن إدريس إلا أنه غلط قطعا.

نعم حكاه في المختلف عن أبى علي و حكى فيه عن القاضي ما يقتضي ذلك و يمكن دعوى مسبوقيتهما بالإجماع و ملحوقيتهما به، فما في الدروس «من أن في التبري مجملا قولين أشهرهما الاكتفاء سواء علم البائع بالعيب أم لا» مما يوهم أنه قول مشهور في غير محله و اللَّه أعلم.

و إذا ابتاع شيئين صفقة من مالك واحد بثمن واحد ثم علم بعيب في

ج 23، ص: 248

أحدهما، لم يجز رد المعيب منفردا و لكن له رد هما معا أو أخذ الأرش بلا خلاف أجده فيه، بل في الغنية الإجماع عليه، كما عن الخلاف أن دليله إجماع الفرقة و أخبارهم، لا لأن رده خاصة موجب للتبعيض الذي يتضرر به البائع، إذ يمكن جبره بتسلط البائع على الخيار حينئذ، بل لظهور الأدلة في تعلق حق الخيار بالمجموع لا في كل جزء منه، لا أقل من الشك؛ ضرورة عدم الوثوق بإطلاق فيها على وجه يشمل الفرض و الأصل اللزوم، و منه يعلم حينئذ عدم الفرق في الحكم المزبور بين ما ينقصه التفريق كمصراعي باب أولا، و لا بين حصول القبض و عدمه.

نعم لو تصرف فيهما أو في أحدهما مثلا، سقط الرد و تعين الأرش؛ لأنهما بمنزلة مبيع واحد، بالنسبة إلى ذلك، و لا يقاس الخيار على الشفعة التي قيل انهم صرحوا في بابها فيها لو باع حصة من الدار و البستان صفقة بأن لشريكه فيهما أخذ أحدهما بالشفعة و إن تبعضت الصفقة، و الظاهر اتحاد الحكم في باقي الخيارات، فليس له في خيار المجلس رد بعض المبيع و الالتزام بالباقي، لما عرفت، و إثباته لكل من الورثة في حقه على القول به لمدرك آخر كما أشبعنا الكلام فيه فيما تقدم.

و على كل حال فقد ظهر عدم التفريق في الصفقة الواحدة، و منه ما لو اشترى حاملا و شرط الحمل أو قلنا بدخوله فوضعت، ثم ظهر على العيب، فليس له إفرادها بالرد، لا لتحريم التفرقة، بل لاتحاد الصفقة، من غير فرق بين الأمة و الدابة، و لو كان الحمل عنده لا بتصرفه فالحمل له و إن فسخ ففي الدروس «رد الام ما لم تنقص بالحمل أو الولادة» و أطلق القاضي «أن الحمل يمنع من الرد، إما بفعله أو باهماله المراعاة حتى ضربها الفحل و كلاهما تصرف» قلت: لا ريب في قصور حملها على وجه لا يعد تصرفا، إلا أنه يمكن القول بمنعه مطلقا من الرد إذا كان في غير زمن الخيار، لأنه عيب حدث عنده، لما ستعرفه من عدهم الحمل عيبا، و عدم نقصها به لا يرفع كونه عيبا فتأمل و اللَّه أعلم.

ج 23، ص: 249

و كذا في عدم جواز الاختلاف لو اشترى اثنان شيئا متحدا أو متعددا على جهة الشركة فيهما بثمن كذلك نعم كان لهما معا رده أو إمساكه مع الأرش و ليس لأحدهما رد نصيبه دون صاحبه على المشهور بين الأصحاب، نقلا و تحصيلا من غير فرق بين علم البائع بتعدد المشتري و جهله، و لا بين اتحاد العين و تعددها، و لا بين اقتسامها قبل التفرق و عدمه، لا للتضرر بتبعض الصفقة و الشركة مع المشتري الآخر، إذ قد عرفت إمكان دفعه بجبره بالخيار، مع أنه لا يتم في صورة علم البائع بالتعدد، بل لما سمعت من أصالة عدم الخيار على هذا الوجه، بعد انصراف أدلته إلى غيره.

و دعوى تنزيل تعدد المشتري منزلة تعدد العقد واضحة المنع بالنسبة إلى ذلك خلافا للمحكي عن شركة المبسوط و الخلاف و أبى على و القاضي و الحلي و صاحب البشرى و فخر الإسلام، فجوزوا اختلافهما في ذلك، و استوجهه في المسالك، و نفى عنه البعد في التذكرة، لإطلاق الأدلة و كونه بمنزلة عقدين و إقدام البائع على الشقص، و للتحرير و الكركي فيجوز مع علم البائع بالتعدد لا مع جهله، و استحسنه صاحب المسالك، و ضعفهما معا واضح بعد ما عرفت من انصراف الإطلاق إلى غيره، و منع التنزيل و تأثير الإقدام، بل الأخير منهما أوضح ضعفا، ضرورة عدم مدخلية العلم و الجهل في تعدد العقد و اتحاده نعم لهما مدخلية في ثبوت الخيار للبائع بالتبعيض و عدمه كما هو واضح.

و لو كان المبيع عينين لكل واحد من المشتريين واحدة منهما معينة و لو بما يخصها من الثمن لو كان كليا، فالظاهر جواز التفريق، للتعدد حقيقة، مع احتمال العدم، بل في المسالك «إمكان تمشي الخلاف فيه نظرا إلى اتحاد العقد إلا أن الأول أقوى»، و لو ظهر العيب في الأول في الثمن فإن كان في جميعه فلا إشكال في التخيير، و إن كان في بعضه فالظاهر عدم جواز رده حتى على القول بجواز

ج 23، ص: 250

التفريق في المشتريين، لوضوح الفرق بينهما، بأن المشتري الذي يرد إنما يرد تمام حصته، فيكون كأنه رد تمام المبيع نظرا إلى تعدده بالنسبة إليه، و هذا لا يأتي في الثمن لأن البائع إذا رده، إنما يرده عليهما معا إذا الفرض كونه مشتركا بينهما فإذا رد المعيب فقد رد على مستحقه بعض حقه، و بقي البعض الآخر عنده، فهو في التحقيق من قبيل المسألة الأولى التي قد عرفت عدم الخلاف في عدم جواز التفريق فيها.

فما عن بعض الأصحاب- من جواز التفريق فيه فيرد المعيب منه و يبطل ما قابله من المبيع حينئذ نظرا إلى كون العقد بمنزلة المتعدد باعتبار تعدد المشتري فيه- واضح الضعف، و إن جعله في المسالك وجها، نعم لو دفع كل من المشتريين جزأ من الثمن متميزا، و اشتريا بالمجموع شيئا مشتركا، فظهر بأحدهما عيب، و كان المعيب مساويا لحصة صاحبه. أمكن جواز رده خاصة لمالكه، لتحقق التعدد حينئذ، كما أن الظاهر إن لم يكن مقطوعا به جواز التفريق لو اشتريا عينين كل منهما بثمن مستقل لا على وجه الشركة، و إن كانت الصفقة واحدة في الصورة إلا على احتمال تسمعه من المحقق الثاني هذا كله في تعدد المشتري.

أما لو تعدد المستحق مع اتحاد المشتري ابتداء كما لو تعدد وارث خيار العيب، ففي القواعد «أنه لا إشكال في وجوب التوافق» و لعله لاتحاد العقد، لكن قال فيما تقدم في الخيارات: «و هل للورثة التفريق؟ نظر أقر به المنع» و احتمله في المسالك هنا، و قد عرفت التحقيق في ذلك فيما تقدم، فلاحظ و تأمل.

و لو تعدد البائع و اتحد المشتري جاز التفريق، سواء اتحد العقد أو تعدد، بل في الدروس و عن ظاهر التذكرة و تعليق الإرشاد الإجماع عليه، حيث قالوا جاز له له الرد قطعا، و لعله لأن تعدد البائع يوجب تعدد العقد، و لعدم التبعيض على المردود عليه، لكن في جامع المقاصد «قد يقال: إذا اتحد العقد؛ جاء الإشكال السابق في المشتريين صفقة، لصورة الصفقة هنا أيضا، قيل: و فيه أن الفرق بين تعدد المشتريين

ج 23، ص: 251

تعدد البائعين واضح، لأنه يلزم في الأول تبعض الصفقة على البائع و لا كذلك الثاني.

نعم يجي ء الإشكال في بعض الصور، منها ما إذا اشترى اثنان من اثنين دفعة في صفقة واحدة، لأن كل واحد من المشتريين قد اشترى ربع العبد مثلا من كل واحد من البائعين فلو رد الربع على أحدهما تبعضت الصفقة عليه».

قلت: بعد الأعضاء عما ذكره يمكن القول بكون الوجه في عدم جواز الرد في في تعدد المشتري عدم تناول الأدلة له، فتبقى أصالة اللزوم بلا معارض، و نحوه يأتي هنا أى تعدد البائع مؤيدا بدعوى ظهور الأدلة في كون الخيار في نفس العقد، فمع اتحاده لا يتصور التفريق فيه إلا أن الأقوى ما ذكرناه أولا فتأمل جيدا و اللَّه أعلم و إذا وطئ الأمة ثم علم بعيبها الذي هو ليس بحبل لم يكن له ردها عندنا و تعين له الأرش بلا خلاف إلا من الجعفي كما في الدروس، و لا اشكال نصا(1)و فتوى بل الإجماع بقسميه عليه فإن كان العيب حبلا جاز له ردها و يرد معها نصف عشر قيمتها لمكان الوطء إجماعا محكيا في الاستبصار و الغنية إن لم يكن محصلا، و هو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة أو المتواترة في ردها و أنه لا يمنع منه الوطء و في صحيح ابن سنان (2)و

معتبر عبد الملك بن عمرو(3)و خبري سعيد بن يسار(4)و

فضيل مولى محمد بن راشد(5)«يرد معها العشر»

و

في خبر عبد الرحمن (6)«يرد معها شيئا»

و

في صحيح محمد(7)«يكسوها»

و تأولهما الشيخ بمطابقة نصف العشر، و لكن

روى عبد الملك بن عمرو(8)عن الصادق عليه السلام «في الرجل يشتري الجارية و هي حبلى


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام العيوب.
2- 2 الوسائل الباب 5- من أبواب أحكام العيوب الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 5- من أبواب أحكام العيوب الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب 5- من أبواب أحكام العيوب الحديث 9.
5- 5 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام العيوب الحديث 8.
6- 6 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام العيوب الحديث 5.
7- 7 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام العيوب الحديث 6.
8- 8 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام العيوب الحديث 7.

ج 23، ص: 252

فيطأها قال: يردها و يرد معها عشر ثمنها إذا كانت حبلى»

و حمله في التهذيبين على الغلط من الناسخ أو الراوي بإسقاط لفظ نصف ليطابق ما رواه هذا الراوي بعينه، و غيره.

و قد يؤيده ما في الدروس «من أنه ذكر الصدوق (1)هذا الخبر برجاله، و فيه نصف العشر» كما أنه يمكن حمله على كون عشر

الثمن نصف عشر قيمتها، أو على البكر بحمل الحمل من السحق أو وطئ الدبر بناء على أن له منفذا، مؤيدا بما في الكافي بعد أن ذكر خبر عبد الملك المتضمن للنصف قال:

في رواية اخرى (2)«إن كانت بكرا فعشر قيمتها، و إن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها»

و بالمعلوم من وضع الشارع العشر لوطء البكر في غير المقام.

و على كل حال فقد عرفت من ذلك مستند ما عن الحلبي من إطلاق رد العشر، و ما عن ابن إدريس و الفاضل و الكركي و القطيفي و الميسي و الشهيد الثاني و بعض متأخري المتأخرين من رد ذلك إذا كانت بكرا و نصفه إن كانت ثيبا، إلا أن الأول- مع اتحاده و احتماله ما عرفت، و ذكره عشر الثمن، لا القيمة، و ظهوره في كون الوطء مع العلم بالحبل الذي ستعرف خروجه عما نحن فيه، و مخالفته للمعلوم من وضع الشارع نصف العشر لوطء الأجنبي، فضلا عن المقام الذي كان الوطء فيه من المالك- قاصر عن معارضة النصوص السابقة المعتضدة بعمل الأصحاب من وجوه، فلا ريب حينئذ في ضعف القول.

أما التفصيل فإنه و إن أمكن حمل الخبر المذكور عليه، و يشهد له المرسل المزبور(3)المؤيد بمعلومية وضع هذا التقدير للوطء في غير المقام، إلا أن إطلاق النصوص (4)الكثيرة و الفتاوى على خلافه، اللهم إلا أن يدعى انصرافه للحامل


1- 1 الفقيه ج 3 ص 139 الحديث 50 الطبع الحديث النجف:.
2- 2 الوسائل الباب 5- من أبواب أحكام العيوب الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب 5- من أبواب أحكام العيوب الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العيوب.

ج 23، ص: 253

التي ذهبت بكارتها كما هو الغالب؛ و فيه بعد إمكان منع عدم تناول الحامل له و إن ندر سببه بالسحق و نحوه، أن المتجه حينئذ خروج البكر الحامل عن موضوع المسألة كما احتمله في القواعد في الحامل بالمساحقة فتبقى حينئذ على القواعد، لأن الجرءة على إخراجها عنها بالمرسل المزبور- الذي لا جابر له، مع أنه بأضعف وجوه الإرسال- كما ترى خصوصا مع إمكان دعوى عدم جواز الرد فيها بفوات جزء من العين و هي البكارة فهي كما لو تصرف فيها بغير الوطء معه، فإنه لا إشكال في خروجها عن موضوع المقام حينئذ و بقائها على مقتضى القواعد، كالتي وطأها المشتري في دبرها، بناء على انصراف الوطي في النصوص و الفتاوى إلى الغالب من الوطء بالفرج، فلا ترد حينئذ، و على تقديره فالظاهر رد نصف العشر لو كانت بكرا وفاقا لجماعة، لظهور توظيف العشر لزوال البكارة، و الفرض بقاؤها، مضافا إلى إطلاق النص بنصف العشر مع احتماله، لصدق وطئ البكر، إلا أنه ضعيف كضعف احتمال ردها بلا شي ء، لترتب العشر و نصفه على الوطء المنصرف إلى القبل، و طريق الاحتياط في جميع ذلك غير خفي.

و كيف كان فلا إشكال في الرد بالحبل مع الوطء بنصف العشر في الجملة، خلافا للمحكي عن أبى علي فمنعه مطلقا، و وافقه الفاضل في المختلف و السيد في الرياض، و حملوا إطلاق النصوص و الفتاوى على الحامل من المولى، فيكون بيعها باطلا، و رد العقر حينئذ عوض وطى ملك الغير، فلا مخالفة فيها لقاعدتي «عدم رد المعيب بالتصرف، و عدم العقر للوطي في الملك» على أن الموظف منه للبكر العشر، و قد أطلق في النص و الفتوى نصف العشر، المعتضد أولهما بالمعتبرة المستفيضة الدالة على عدم جواز رد الجارية إذا وطئت بالعيب السابق و إنما له الأرش و في

صحيحي محمد بن مسلم (1)«معاذ اللَّه أن يجعل له أجرا»

قال في أولهما «سئل أحدهما عليه السلام عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها فيجد فيها عيبا بعد ذلك، قال: لا يردها على صاحبها، و لكن تقوم ما بين العيب و الصحة و يرد على المبتاع معاذ اللَّه أن يجعل لها أجرا»

و في الآخر(2)عن


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام العيوب الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام العيوب الحديث 8 عن محمد بن ميسر.

ج 23، ص: 254

الصادق عليه السلام «قال: كان علي عليه السلام لا يرد الجارية بعيب إذا اوطئت، و لكن يرجع بقيمة العيب، و كان علي عليه السلام يقول: معاذ اللَّه أن أجعل لها أجرا».

و فيه أنه يشبه أن يكون اجتهادا في مقابلة النصوص و الفتاوى بلا شاهد، بل اقتصارهما على خصوص الوطء شاهد بخلافها، ضرورة عدم

الفرق في رد الحامل من المولى بين التصرف فيه بوطئ و غيره، لفساد البيع، و دعوى تخصيصه لكونه الغالب في مشتري الأمة واضحة المنع كما أن تعبير أكثر الأصحاب بجواز الرد شاهد على الخلاف أيضا، إذ على الفرض المزبور يجب الرد.

نعم عن نهاية الطوسي يلزمه الرد و نحوها عن المراسم و الوسيلة، إلا أنها في جنب غيرها من إطلاق الأصحاب و تصريحهم كالعدم، و النصوص و إن اشتمل بعضها على الأمر بالرد إلا أنه في مقام توهم الحظر، لمعلومية عدم رد المعيب إذا تصرف فيه و خصوصا الجارية إذا وطئت، و الأجر في الصحيحين للرد على بعض العامة القائلين برد الجارية غير الحبلى مع الأجر إن وطئت، لا أن المراد به ما يشمل العقر المزبور، كما أن المراد بالعيب فيهما غير الحبل؛ بل كاد يكون صريح صحيحي ابن سنان (1)و زرارة(2)منها، مع أن لا استنكار في تقييد المطلقات و تخصيص العمومات بمثل هذه النصوص المستفيضة المعمول بها عند الأصحاب قديما و حديثا.

و منه يعلم أنه لا حاجة إلى ما في الدروس و غيرها من تكلف كون الفسخ هنا لورد كاشفا عن الفساد من الأصل حينئذ، فيكون الوطء بغير الملك، فيتجه إعطاء العقر، مع أن الكشف خلاف الأصل أولا و خلاف المعهود في باقي الخيارات ثانيا، فالتزام رد العقر و إن كان الوطء في الملك لهذه النصوص أولى قطعا، و قد و رد مثله في التصرية كما ستسمع، و إطلاق نصف العشر في النص و الفتوى مشترك الإلزام، ضرورة عدم تماميته على تقدير كون الحمل من

المولى، كما أن الجواب عنه- بانصراف الحامل إلى فاقدة البكارة على ما هو الغالب- مشترك بينهما.


1- 1 الوسائل الباب- 4 من أبواب أحكام العيوب الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4 من أبواب أحكام العيوب الحديث 5.

ج 23، ص: 255

بل ربما يجاب عنه على المشهور، باستثناء هذه البكارة من وطئ البكر لمكان الحمل الذي بسببه كانت بكارتها بمنزلة العدم؛ و إن كانت من سحق و نحوه فأرشها حينئذ على البائع على أن ذلك إنما يتم على من أطلق، أما من فصل بين البكر و غيرها فلا يرد عليه ذلك، فلا ريب حينئذ في ضعف الحمل المذكور، مع أن المحكي عن ابن الجنيد الذي هو الأصل في الخلاف، أنه قيد الحمل بكونه من المولى، و هو أعم من بطلان البيع، إذ يمكن حمله على حمل منه بحيث لا يقتضي ذلك، كما لو حملت من رائحة منيه مثلا قال في الدروس: «و قيد ابن الجنيد بكون الحمل من المولى، و يلوح من النهاية، و حينئذ يتوجه لزوم الرد، للحكم ببطلان البيع، و يتوجه وجوب العقر؛ و لو حمل على حمل لا يلزم منه بطلان البيع لم يلزم الرد و أشكل وجوب العقر لأنها ملكه حال الوطء، إلا أن يقول: الرد يفسخ العقد من أصله، أو يكون المهر جبرا لجانب البائع كما في لبن الشاة المصراة أو غيرها عند الشيخ، و الأخبار مطلقة في الحمل و هو الأصح» قلت: بل ما فيها من شبه التفصيل بين عيب الحبل و غيره، كالصريح في إرادة الحمل من غير المولى و اللَّه أعلم.

هذا و قد ظهر لك مما ذكرنا أنه لا ترد الأمة مع الوطء قبلا أو دبرا بغير عيب الحبل و أنها ترد به إذا وطئت، لكن قد يظهر من المتن و غيره اشتراط ذلك بعدم العلم بالحبل حال الوطء، فلو وطأها عالما لم يكن له الرد، و به صرح في الدروس و المحكي عن غيرها فقال: «و لو وطئ بعد العلم بالحبل تعين الأرش، و يظهر من التهذيب جواز الرد، و يلزمه العشر عقوبة و جعله محملا لرواية العشر، و أكثر الأخبار مقيدة بعدم العلم» قلت هو كذلك إلا أنه في أسئلتها؛ بل في

صحيح ابن سنان (1)عن الصادق عليه السلام «قال على عليه السلام لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها، و يوضع عنها


1- 1 الوسائل الباب 4- من أبواب أحكام العيوب الحديث 1.

ج 23، ص: 256

من ثمنها»

إلى آخره، و في

خبر زرارة(1)عن الباقر عليه السلام «كان على بن الحسين عليهما السلام لا يرد التي ليست بحبلى إذا وطأها»

و مفهومها مطلق، بل خبر عبد الملك (2)كالظاهر في الوطي مع العلم و عدم القول بما تضمنه من رد العشر لا ينافي العمل به بالنسبة إلى ذلك، إلا أن الحكم لما كان

مخالفا للعمومات و الإطلاقات، وجب الاقتصار فيه على المتيقن.

و هل يلحق بالوطي مقدماته من اللمس و نحوه، ففي الدروس «نظر من التنبيه و من النص على إسقاطها خيار الحيوان و لأن الوطء مجبور بالمهر بخلاف المقدمات» و في المسالك بعد ان ذكر الوجهين أيضا من الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد النص، و من الأولوية و استلزامه لها غالبا قال: «و توقف في الدروس و له وجه إن كان وقوع تلك الأشياء على وجه الجمع بينها و بين الوطء، و لو اختص التصرف بها فالإلحاق به من باب مفهوم الموافقة و إن كان استثناؤها مطلقا متوجها للملازمة».

قلت: قد تمنع الأولوية إذا اختص التصرف بها لا على ارادة الوطء، بل و على إرادته و لم يقع، و لا تلازم بين العقوبتين، أما إذا وقع فقد يقوى عدم منعها من الرد، لفحوى الرد بالوطي الذي يقارنه غالبا هذه المقدمات مع ترك الاستفصال.

ثم إن ظاهر نصوص المقام و فتاواه كون الحمل عيبا في الأمة، بل الظاهر ذلك و إن قلنا بتبعيته للمبيع، إذا الزيادة حينئذ للمشتري من هذا الوجه لا تنافي النقيصة من آخر، و إلا لم يجز رد المبيع المعيب إذا كان فيه صفة أخرى لم يشترطها المشتري على البائع، و هو مخالف لإطلاق النصوص، لكن قد سمعت فيما سبق ما في الدروس، و عن الخلاف و الغنية و التحرير أنه لو حملت الأمة عند المشتري ردها بالعيب السابق دون الولد، بل مدعيا في الأولين الإجماع عليه، و نحوه عن المبسوط و التذكرة إلا أنهما قيداه بما إذا لم تنقص بذلك، و إلا تعين له الأرش.


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام العيوب الحديث- 5.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العيوب الحديث 3.

ج 23، ص: 257

و في القواعد «لو كان المبيع غير الأمة فحمل عند المشتري من غير تصرف، فالأقرب أن للمشترى الرد بالعيب السابق، لأن الحمل زيادة» و مقتضى تعليله كون الحكم كذلك في الأمة أيضا، بل لو اشتراها حاملا غير عالم بذلك، و قلنا بتبعية الحمل للمبيع كان المتجه أيضا عدم الرد به و إطلاق النصوص حجة عليه، بل لا يبعد كونه عيبا في الدابة فضلا عن الأمة، فلا يرد معه بالعيب السابق، لحدوث العيب إذا فرض حملها في غير زمن الخيار، كما عن فخر المحققين و أول الشهيدين في الحواشي، و الكركي لانتقاص الانتفاع بها، و كونها معرضا للتلف بما يخشى منه على الحامل، بل قد يقال باندراجه في الضابط الآتي لكن الإنصاف عدم خلو المسألة بعد عن الإشكال، فلا ينبغي ترك الاحتياط فيها.

بقي شي ء و هو أن الحامل التي وطأها المشتري و لما يعلم إذا وجدها معيبة بغير الحمل أيضا فقد ينساق إلى الذهن أنها أولى بالرد من المعيبة بالحمل خاصة، بل إطلاق النص شامل لها، لكن قد يقال: إن المتجه لقاعدة الاقتصار عدم الرد بعد انسياق غير المعيبة الا بالحبل من نصوص الرد بالوطي. و لعله لذا قال المصنف: فإن كان العيب الحبل مضافا إلى إطلاق غير واحد من النصوص، عدم الرد مع الوطء إذا كانت معيبة، و المتيقن في الخروج منه ما إذا لم تكن معيبة إلا بالحبل فتأمل جيدا.

و لو اشتبه الحمل- فلم يعلم كونه عند البائع أو المشتري، فاخرج بالقرعة بناء على ذلك و ألحق بمن كان وطأه من زوج أو غيره عند البائع- ففي جواز الرد نظر، من اقتضاء اللحوق السبق، و من أنه حكم شرعي لا يقتضي تنقيح عنوان فوجدها حاملا، و قاعدة الاقتصار تقتضي الثاني.

[القول في أقسام العيوب ]
اشارة

القول في أقسام العيوب و الضابط فيها على ما طفحت به عباراتهم مع اختلاف يسير، بل عن مجمع البرهان الإجماع و في الرياض الظاهر الاتفاق

ج 23، ص: 258

عليه أن كل ما كان من أصل الخلقة، فزاد أو نقص فهو عيب، فالزيادة كالإصبع الزائدة و النقصان كفوات عضو و الأصل في ذلك، واقعة ابن أبى ليلى مع محمد بن مسلم، ففي

الكافي (1)عن الحسين بن محمد عن السياري قال: «روي عن ابن أبي ليلى أنه قدم اليه رجل خصما له، فقال؟ إن هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعرا «أى العانة» و زعمت أنه لم يكن لها قط، فقال ابن أبى ليلى إن الناس ليحتالون إلى هذا بالحيل حتى يذهبوا به، فما الذي كرهت، فقال: أيها القاضي إن كان هذا عيبا فاقض لي به، فقال: اصبر حتى أخرج إليك، فإني أجد أذى في بطني، ثم دخل و خرج من باب آخر حتى

اتى محمد بن مسلم الثقفي، فقال له: أي شي ء تروون عن أبى جعفر عليه السلام في المرأة لا يكون على ركبها شعرا، يكون ذلك عيبا؟ فقال له محمد بن مسلم:

أما هذا نصا فلا أعرفه، و لكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى اللَّه عليه و آله أنه قال: كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب، قال له ابن ابى ليلى: حسبك، ثم رجع الى القوم، فقضى لهم بالعيب»

و لا يقدح ضعف سنده بعد الانجبار بعمل الأصحاب الذين عبر كثير منهم بلفظه، و آخر بما يرجع اليه من أنه الخروج عن المجرى الطبيعي لزيادة أو نقصان، و مراد الجميع كما قيل عدم الزيادة و النقيصة ذاتا أو صفة عن أكثر نوع ذلك المعيب.

نعم قيده الفاضل في بعض كتبه، بالموجب لنقصان المالية كالمحكي عن يحيى بن سعيد، و أطلق غيره بل صريح ثاني الشهيدين و غيره، بأنه لا يجب أن يكون موجبا للنقص، للإنفاق على أن الخصي عيب مع إيجابه زيادة، و كذا عدم الشعر على الركب، و من هنا اعترضه في جامع المقاصد بأنه كان عليه أن يقيد بقوله غالبا، ليندرج فيه الخصاء و الجب، فإنهما يزيد ان في المالية، مع أنهما عيبان، فيثبت بهما الرد قطعا، و في الأرش إشكال.


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام العيوب الحديث- 1.

ج 23، ص: 259

و لعل الذي دعاه الى التقييد بالنقص، القطع بعدم العيب فيما لو زاد بحيث لا يعد عيبا عرفا، كزيادة بعض الأسنان و بعض الثالول و نحو ذلك، بل ربما يزيد زيادة تزيد في حسنه كالشعر في الأهداب و الحواجب، و كذا لو نقص نقيصة لا تعد عيبا عرفا كبعض الأجزاء، إلا أنه كان الأولى إيكال ذلك إلى العرف، لا الاحتراز عنه ينقص المال، لما عرفت من أن بعض العيوب عرفا كالخصاء و نحوه لا تنقص قيمة المال، بل لعله يغني عما في جامع المقاصد «من أنه ينبغي أن يكون المراد بالمجرى الطبيعي ما جرت به العوائد الغالبة، ليندرج فيه الأمور التي ليست مخلوقة أصلا، ليكون على نهج مقتضى الطبيعة أم لا، ككون الضيعة ثقيلة الخراج و منزلة الجنود».

قلت: إذا جعل المدار على العرف استغنى عن ذلك كله، ضرورة أن عيب كل شي ء بحسبه، و لا حاجة إلى تخلف دخول نقصان الصفات كخروج المزاج عن مجراه الطبيعي؛ مستمرا كان كالممراض، أو عارضا و لو كحمى يوم في الخلقة، مع أنه يمكن دعوى غير ذلك منها، و لا تكلف غير ذلك، على أنه لا ظهور في الخبر في حصر العيب بذلك، و المراد بحمى اليوم المحكي عن التذكرة الإجماع عليه يوم البيع أو قبل القبض مثلا فضلا عن حمى الود و الغب.

و قد ظهر من ذلك كله أنه لا إشكال بل و لا خلاف في أن الجذام و البرص و الجنون و العمى و العرج و القرن و الفتق و الرتق و القرع و الصمم و الخرس و أنواع المرض و الإصبع الزائد و الحول و الخوص و السبل و هو زيادة الأجفان و التخنيث و هو كونه خنثى و الجب و الخصاء و نحوها عيوب، و المشهور أن بول الكثير أي الذي لا يبول مثله في العادة عيب، خلافا للشيخ، و اعتياد الزنا و السرقة، بل ترك بعضهم الاعتياد، و عن المبسوط إذا وجده سارقا كان له الخيار إجماعا، و في جامع المقاصد «ظني أن الاعتياد غير شرط، لأن الإقدام على القبيح مرة يوجب الجرءة، و يصير للشيطان عليه سبيل؛ و لترتب وجوب الحد الذي لا يؤمن معه الهلاك» و على هذا يكون شرب الخمر و النبيذ عيبا كما في التحرير و الدروس، بل في الجامع أيضا «و لو حصلت التوبة الخالصة المعلوم

ج 23، ص: 260

صدقها، ففي الزوال نظر» و إن كان هو كما ترى.

لكن على كل حال فلا ريب في أن اعتياد السرقة و الزنا و نحوهما من المفاسد عيوب، أما المرة الواحدة فيشكل ثبوت العيب بها، و قد يحمل عليه ما عن الخلاف من أن العبد و الأمة إذا وجدهما زانيين لم يكن له الخيار، و الفسق ليس عيبا قطعا لكن مقتضى ما سمعت قد يقال: إنه إذا كان بارتكاب الكبائر يكون عيبا، لأنه يقتل صاحبها في الثالثة أو الرابعة كما أنه قد يقال بعدم العيب من حيث استحقاق الحد بكل ما يوجبه، بناء على حرمة إقامته في هذا الزمان أو قلنا بجواره و قطعنا بعدم وقوعه، و منه يعلم الإشكال في عدهم استحقاق الحد عيبا بلا خلاف كما تسمعه.

و أطلق جماعة كون البخر و الصنان عيبا، و قيده في القواعد بما لا يقبل العلاج، و لعل التقييد بالزائد على المعتاد منه أولى، إلا أنه و مع ذلك لا يخلو من إشكال في بعض افراد العبيد، و عن الخلاف و المبسوط أنه لا يثبت بالبخر الخيار، و عن المختلف أنه عيب في الجارية دون العبد، لكن يثبت به الخيار فيه، لأنه خارج عن الأمر الطبيعي كالعيب، و فيه ما لا يخفى، و لعل ما ذكرناه من الإحالة إلى العرف يغني عن تحقيق ذلك، كما أنه يغني عما ذكره في القواعد، و عن التذكرة من كون الضيعة منزل الجنود و ثقيلة الخراج عيبا، و ليس عدم الختان في الصغير و الأمة و المجلوب من بلاد الشرك مع علم المشتري بجلبه عيبا قطعا، أما الكبير فقد صرح الفاضل و الشهيد بكونه عيبا، خلافا لما عن المبسوط و الخلاف، و لا خلاف أجده في أن استحقاق القتل أو القطع أو غيره من أنواع الحد و التعزير المخوف، و الاستسعاء في الدين عيب، بل عن التذكرة الإجماع عليه في الجملة و في الدروس «الأقرب كونه لزنية أو أعسر أى يعمل بيساره عيب، و يقوى ذلك في الكفر» و استشكل في القواعد في الثاني، و جزم بالعدم في الأول و الثالث، بل ربما قيل إنه المشهور في الأخير و لعل من عده عيبا نظر إلى الخروج عن الطبيعي به للولادة على الفطرة.

ج 23، ص: 261

أما التزويج و الإحرام و الصيام و الحجامة و الحياكة و الاعتداد و معرفة الغناء و النوح و القمار و نحوها، و عدم معرفة الصنائع و الطبخ و الخبز و نحوها فليس عيبا، و لو ظهر تحريم إلا أنه على المشتري بنسب أو رضاع أو مصاهرة ففي الدروس «في كونه عيبا نظر؛ من نقص انتفاعه، و عدم صدق الحد عليه مع بقاء القيمة السوقية و لو كانت الأمة مستحاضة قيل إنه عيب أيضا، و قيل منه أيضا الحمق البين، و نجاسة ما يحتاج تطهيره إلى مئونة أو كان منقصا للعين و كثرة السهو و النسيان».

و بذلك كله و غيره يظهر لك الاحتياج إلى مراعاة العرف، و صعوبة الاكتفاء بالخبر المزبور(1)اللهم إلا أن يقال لا بأس بالتعويل عليه و خروج بعض الأمور التي لا تنطبق عليه بالإجماع و نحوه، و احتمال أن له موضوعا شرعيا، أو مرادا كذلك و أنه لا عبرة بالعرف كما ترى، هذا. و قد يقال: بعد ملاحظة اتفاقهم ظاهرا على جعل مضمون الخبر المزبور ضابطا للعيب و عدمه، و ملاحظة عدم اندراج جملة مما ذكروا فيه الخيار للعيب فيه، و ملاحظة جملة مما سمعته من كلماتهم المشوشة التي في بعضها ثبوت الخيار مع نفى المعيبية، أن الضابط المزبور للعيب الذي يثبت به الخيار، و إن لم ينقص به قيمة المال، كالجب و الخصاء و عدم الشعر على الركب، و غير ذلك مما هو نقص في الخلقة أو بزيادة فيها، بمعنى الخروج عن مستوي الخلقة بنقصان أو زيادة، فإنه عيب يثبت به الرد و إن زادت قيمة المال.

و أما الزيادة التي يزداد بها حسنا كشعر الأهداب و نحوها، فهي من الكمال في مستوي الخلقة لا الخروج عنها، فلا يرد على الضابط المزبور، أما غير ذلك من العيوب التي لا تندرج في الضابط المزبور نحو كون القرية ثقيلة الخراج و منزل الجنود، و كون العبد

قاتلا أو سارقا أو نحو ذلك مما يوجب الحد و القصاص، فمدار الخيار فيه على نقص المالية الموجب للتضرر، و لعل إطلاق اسم العيب عليه باعتبار اللغة، لأنه


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام العيوب الحديث 1.

ج 23، ص: 262

بها لمطلق الوصمة، أو لأنه عيب في المعاملة باعتبار اشتمالها على الضرر، أو غير ذلك، بل قد يناقش في ثبوت الأرش لجملة منها كما يفصح عنه حكمهم بثبوت الخيار في العبد الجاني، و في الدار المستأجرة لو بيعت من دون ذكر أرش، و بذلك يتم الأمر، و يظهر لك ما في جملة من الكلمات، و اللَّه الهادي هذا كله فيما يعد عيبا.

و أما فوات ما لم يكن كذلك فقد عرفت في بحث الشرائط أن كل ما مشترطه المشتري على البائع مما يسوغ، فأخل به أو لم يحصل يثبت به الخيار و إن لم يكن فواته عيبا؛ كاشتراط الجعودة في الشعر و التأشير بالشين المعجمة في الأسنان، و الزجج في الحواجب و الإسلام؛ و البكارة و معرفة الطبخ أو غيره، و كونها ذات لبن، أو كون الفهد صيودا، و لو شرط غير المقصود، و ظهر الخلاف و لم يكن غرض يعتد به، فلا خيار على الأقوى، و ليس منه شرط الكفر أو الثيوبة أو كون الدابة حائلا فبانت حاملا لتعلق الأغراض بذلك، و لو شرطها حاملا صح و لو شرط الحلب كل يوم شيئا معلوما، أو طحن الدابة قدرا معينا، ففي القواعد لم يصح.

و كيف كان فالمراد من الخيار المزبور الرد و الالتزام بلا أرش إذا لم يكن فواته عيبا كما عرفت البحث فيه فيما تقدم، كما أنك عرفت كون المقصود من اشتراط هذه الصفات التي لا ترجع إلى فعل المشترط تعريض العقد للجواز إذا لم تحصل فلاحظ و تأمل جيدا كي يظهر لك جملة مما له تعلق بالمقام. و اللَّه أعلم.

و ها هنا مسائل

[المسألة الأولى التصرية تدليس ]

الأولى: التصرية تدليس إذ المراد بها جمع اللبن في الضرع أياما ليظن الجاهل بذلك أنها حلوب، و في المحكي عن نهاية الأثيرية المصراة: الناقة أو البقرة

ج 23، ص: 263

أو الشاة يصري اللبن في ضرعها أى يجمع و يحبس، ثم قال: أيضا قد تكررت هذه اللفظة في الأحاديث منها

قوله عليه السلام (1)«لا تصروا الإبل و الغنم»

فان كان من الصر فهو بفتح التاء و ضم الصاد و إن كان من الصري فيكون بضم التاء و فتح الصاد و

روي أيضا(2)من اشتري مصراة فهو بخير النظرين»

و المصباح المنير «صريت الناقة، فهي صرية من باب تعب إذا اجتمع لبنها في ضرعها، و يتعدى بالحركة و التضعيف مبالغة و تكثيرا فيقال: صريتها تصرية إذا تركت حلبها» و الصحاح «صريت الشاة تصرية إذا لم تحلبها أياما؛ و الشاة مصراة فلم يذكر غير الشاة» و القاموس «ناقة صريا محفلة و الصري:

كربى المصراة و الشاة المحفلة» انتهى و حفلت الشاة بالتثقيل، تركت حلبها حتى اجتمع اللبن في ضرعها فهي محفلة، و كان الأصل حفلت لبن الشاة، لأنه هو المجموع فهو محفل هذا.

و لكن لم أجد هذه اللفظة في شي ء مما وصل إلينا من النصوص، إلا

ما عن الصدوق في معاني الأخبار(3)«عن محمد بن هارون الزنجاني عن على بن عبد العزيز عن ابى عبد اللَّه عليه السلام رفعه إلى النبي صلى اللَّه عليه و آله لا تصروا الإبل و الغنم، فإنه خداع، و من اشترى مصراة فإنه يتخير بأحد النظرين، إن شاء ردها و رد معها صاعا»

و قد قيل: الظاهر أن الصدوق نقل هذا الخبر من طريق الجمهور، لعدم وجوده في كتب الأخبار، بل و كذا ما عن هداية الحر لا تصروا الإبل و الغنم من اشترى مصراة فهو بأخرى النظرين إن شاء ردها و رد معها صاعا تمرا و

روي أيضا(4)«من اشترى محفلة فليرد معها صاعا

بل لم أعثر في النصوص على


1- 1 النهاية الأثيرية ج 3 ص- 284 الطبعة الخيرية بمصر.
2- 2 النهاية الأثيرية ج 3 ص- 284 الطبعة الخيرية بمصر.
3- 3 الوسائل الباب 13 من أبواب الخيار الحديث- 2 مع اختلاف يسير.
4- 4 الوسائل الباب 13 من أبواب الخيار الحديث- 3.

ج 23، ص: 264

ما يفيد معناها و إن لم يكن بهذا اللفظ، سوى

حسن الحلبي (1)عن ابى عبد اللَّه عليه السلام «في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها، قال: إن كان في تلك الأيام يشرب لبنها رد معها ثلاثة أمداد؛ و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء»

و لا دلالة فيه على أنها كانت مصراة؛ و بذلك يظهر أن استناد بعض الأصحاب في بعض أحكام التصرية إلى إطلاق النصوص انما يراد به النصوص العامية(2)المروية في كتب فروع الأصحاب التي قد سمعت بعضها، و تسمع فيما يأتي الباقي.

لكن يهون الخطب أنه لا إشكال في كونه تدليسا محرما إجماعا محصلا و محكيا في المسالك و و غيرها كما أنه لا إشكال في كونه في الشاة يثبت به الخيار بين الرد و الإمساك بل الإجماع محصله و محكيه مستفيصا جدا إن لم يكن متواترا عليه، بل في محكي الخلاف. أن أخبار الفرقة عليه أيضا، فذلك مضافا إلى خبر الضرار(3)الذي هو مستند أصل الخيار في التدليس، بعد اتفاق الأصحاب ظاهرا كاف فيه، و لا أرش فيه كما صرح به بعضهم، بل الإجماع إن لم يكن محصلا فهو محكي عليه، مضافا إلى الأصل بعد ان لم يكن عيبا، و اندفاع الضرر بالخيار.

نعم لو كان المدلس عيبا اتجه الأرش فيه من حيث العيب، كما أن المتجه حينئذ تعدد جهة الخيار كما هو واضح، و أما أنه إذا رد الشاة يرد معها لبنها الموجود حال العقد فهو على مقتضى الضوابط لكونه بعض المبيع، و لذا نفى الخلاف عنه في المحكي عن كشف الرموز، بل فخر الإسلام الإجماع عليه، لكن عن المبسوط «أنه إذا كان لبن التصرية باقيا لم يشرب منه شيئا، فإن أراد رده مع الشاة لم يجبر البائع عليه، و إن قلنا أنه يجبر عليه لأنه عين ماله كان قويا» بل في المختلف «عن ابن البراج الجزم بأنه لا يجبر على أخذه، و أن له أخذ الصاع من التمر أو البر، فإن تعذر فقيمته


1- 1 الوسائل الباب 13 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 13 من أبواب الخيار الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3- 5.

ج 23، ص: 265

و إن بلغت قيمة الشاة، بل عن المهذب البارع أن فيه أقوالا ثلاثة، الأول رده، و الثاني رده و رد صاع معه من حنطة أو تمر، و نسبه إلى أبى على، الثالث أنه يرد صاعا من بر و نسبه إلى القاضي في المهذب و إن كان فيه أن المحكي

عن أبى علي في المختلف (1)أنه قال: حكم النبي صلى اللَّه عليه و آله في المصراة إذا أكرهها المشتري فردها بأن يرد معها عوضا عما حلب منها صاعا من حنطة أو تمر،

و قد سمعت ما حكاه فيه عن ابن البراج، و تنزيل هذه على صورة التعذر لا يخلو من بعد، و لعل مستندها إطلاق النصوص العامية، و فيه-

مع أنه لا تعرض فيها للبن الموجود حال العقد، بل يمكن بناء إطلاقها على الغالب من تلفه، و أن الصاع عوضا كما سمعته من مرسل أبى على (2)- لا جابر لها بالنسبة إلى ذلك فالقول حينئذ برد الصاع عوضا عنه و إن كان موجودا أو رده معه، كما ترى، بل المتجه رد اللبن نفسه من دون شي ء لأصالة البراءة، و ليس للبائع حينئذ عدم قبوله و المطالبة بالصاع كما هو واضح.

أما لو تلف فقد قال المصنف: إنه يرد معها مثل لبنها، أو قيمته مع التعذر و هو المشهور بين المتأخرين، بل عن ظاهر مجمع البرهان الإجماع عليه، لأن اللبن من المثلي فمع تلفه و وجوب رده يضمن بمثله، كما في غيره، و مع تعذر المثل ينتقل إلى القيمة، لأنها أقرب حينئذ إلى العين؛ و بالجملة فحكمه حكم المثليات، فلا ينبغي إطالة الكلام في ذكر أحكامها هنا، خلافا للإسكافي و الشيخ و القاضي و أبى المكارم و ابن سعيد على ما حكي عن بعضهم، فيرد صاعا من تمر أو بر، بل عن الخلاف أن عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، كما في الغنية الإجماع عليه أيضا.

و قيل كما عن الشيخ بل في التحرير أنه نسبه إلى جماعة و لم نجد واحدا منهم، و لعله من العامة يرد ثلاثة أمداد من طعام إلا أنه لم نجد له شاهدا سوى حسن الحلبي (3)المتقدم الذي قد عرفت عدم الدلالة فيه على التصرية، مع أنه معارض بأدلة


1- 1 المختلف الجزء الثاني ص 194.
2- 2 المختلف الجزء الثاني ص 194.
3- 3 الوسائل الباب 13 من أبواب الخيار الحديث- 1.

ج 23، ص: 266

الطرفين كما أنه لم نجد لسابقه شاهدا بعد الإجماعين الموهونين، بخلاف المتأخرين، بل قيل و الشيخ في النهاية سوى الجمع بين خبري أبي هريرة(1)و عبد اللَّه بن عمر(2)اللذين مع في إطلاقهما من المخالفة كما عرفت لا جابر لهما في المقام سوى الإجماع المزبور الذي قد عرفت حاله، و يمكن حملهما على التراضي بكون ذلك قيمة له. هذا كله في اللبن الموجود حال العقد.

أما المتجدد فقد يظهر من المتن مساواة حكمه للموجود، بل قيل إنه ظاهر المقنعة و النهاية و السرائر و التحرير و المفاتيح أو صريحهما و صريح اللمعة و إيضاح النافع، بل عن الفخر نسبته إلى إطلاق الأصحاب كما عن الأردبيلي أنه ظاهر عبارات المتون، و قد استشكل فيه جماعة، لكن لم أجد ما يقتضي مخالفة قاعدة كون النماء للمالك التي قد عرفت عدم الكلام فيها في سائر مباحث الخيار و غيره، سوى دعوى إطلاق الأخبار العامية التي ليس في شي ء منها تعرض للبن الموجود و المتجدد و دعوى أن الفسخ رافع للعقد من أصله المخالفة للقواعد أيضا و لما عليه الأصحاب في غير المقام أيضا.

فقد ظهر لك من ذلك أن المشهور أقوى فحينئذ، إذا امتزج مع الموجود حال العقد، اشتركا بالسوية إذا لم يعلم زيادة أحدهما على الآخر، و إلا اصطلحا و لو تعيب اللبن المبيع عنده، وجب رده مع الأرش كما في القواعد و الدروس و جامع المقاصد و الروضة و المسالك،

لكونه مضمونا عليه، إذ هو جزء المبيع، و ربما احتمل رده مجانا و الانتقال إلى البدل و هما معا ضعيفان.

نعم قد يتجه أولهما إذا كان لا من قبل المشتري، باعتبار أن العيب في مدة الخيار مضمون على البائع إذا فرض بقاء خيار الحيوان في الشاة المصراة، و أنه لا يسقط بالاختيار، و مثله يجري في التلف الذي قد ذكرنا ضمانه بالمثل و مع التعذر بالقيمة.

فينبغي تقييده بما إذا كان من قبل المشتري، و إلا فلا ضمان عليه كغيره مما تلف في


1- 1 سنن بيهقى ج 5 ص 318.
2- 2 سنن بيهقى ج 5 ص 319.

ج 23، ص: 267

زمن الخيار، و لو اتخذ اللبن جبنا أو سمنا ففي الدروس «الظاهر أنه كالتالف» و فيه أن عين المال موجودة، فالمتجه حينئذ ردها إليه، و إن استحق المشتري عليه الأجرة.

لكن فيها أيضا إنه على تقدير الرد له ما زاد بالعمل، و وافقه ثاني الشهيدين مصرحا بصيرورته معه شريكا بنسبة الزيادة، و لعل ما ذكرناه أولى، ضرورة احتياج ما ذكره إلى الدليل و ليس، بل لعل الدليل على خلافه قائم، و لو تحفلت الشاة بنفسها لنسيان المالك حلبها أو غيره ففي القواعد و غيرها أنه لا خيار له؛ و لعله لانتفاء التدليس، و الأصل اللزوم، و قد يقوى ثبوته، لأن ضرر المشتري لا يختلف، فكان بمنزلة ما لو وجد بالمبيع عيبا لم يعلمه البائع، و اللَّه أعلم.

و كيف كان ف تختبر المصراة للعلم بتصريتها التي لم يقربها البائع و لا قامت بها البينة بثلاثة أيام كما في القواعد و التذكرة و اللمعة و الإرشاد، فإنها غالبا بها ينكشف حالها و أنها مصراة أو لا؟ بل أغلب أحوال عيوب الحيوان تنكشف فيها، فضلا عن التصرية، و لذا وضع الشارع إرفاقا بالمشتري ثلاثة أيام للخيار فيه؛ و لعل إطلاق المصنف و من عبر كعبارته ظاهر في عدم تحديد الاختيار فيها بحد مخصوص؛ فربما كانت معرفتها مصراة، متوقفة على النقصان عن الحلبة الاولى في تمام الثلاثة، و ربما كانت بأقل من ذلك، كما أن معرفة عدم تصريتها تارة يحصل بمساواة حلبها في الثلاثة للأولى أو زيادته، و أخرى بأقل من ذلك، فالمراد أن الثلاثة حينئذ غالبا بها ينكشف الحال، و يرتفع الإجمال، و إلا فقد تعرف التصرية أو عدمها قبل الثلاثة.

و إليه أومى الشهيد في المحكي عن غاية المراد قال: «إن التحديد بالثلاثة في النص لمصلحته، لتجويز أن تحلب في اليومين حلبا متساويا ثم تنقص عنه في الثالث، فإنه يثبت له الخيار» و قال في المسالك: «إن اتفقت الحلبات في الثلاثة، أو كان ما عدا الأولى أزيد لم تكن مصراة، و إلا بأن كانت ما عدا الأولى أقل فهي مصراة، و كذا لو

ج 23، ص: 268

كان يعضها ناقصا و الآخر زائدا» و قال في الدروس: «و تثبت باعتراف البائع و نقص حلبها في الثلاثة عن الحلب الأول، فلو تساوت الحلبات في الثلاثة أو زادت اللاحقة فلا خيار، و لو زادت بعد النقص في الثلاثة لم يزل الخيار» فإنه مع تعليق الظرف الأخير فيه بزادت يكون ظاهرا في ثبوتها قبل انقضاء الثلاثة، بل هو ظاهر ما تسمعه من عبارة المصنف و القواعد و غيرهما، إذ حملهما على خصوص الإقرار أو البينة خلاف الظاهر.

بل لعله على ذلك يحمل ما في التذكرة قال: «و تختبر التصرية بثلاثة أيام، و يمتد الخيار بامتدادها، كما في الحيوانات للخبر، لأن الشارع وضع هذه الثلاثة لمعرفة التصرية، فإنه لا يعرف ذلك قبل مضيها لجواز استناد كثرة اللبن إلى الأمكنة فإنها تتغير، أو إلى اختلاف العلف، فإذا مضت ثلاثة أيام ظهر ذلك، فيثبت الخيار حينئذ على الفور، و لا يثبت الخيار بالتصرية قبل انقضائها، لعدم العلم بالتصرية.

لكن في جامع المقاصد استظهر من نحو عبارة الكتاب اعتبار استمرار النقصان إلى الثالث بل جعله صريح التذكرة، ثم قال: «و هل يعتبر نقصان اليوم وحده؟ أى عند العلامة في التذكرة تعليله بإمكان زيادة اللبن حيث زاد لاختلاف الأمكنة و المرعي يقضى بعدم اعتباره، لأن ظاهر هذه أنه لا بد من التكرار، ليوثق بكون النقصان لا لأمر عارض، و قوله بعدم الثبوت قبلها لأنها هي المدة المضروبة، و قد يقتضي الثبوت بالنقصان في اليوم الثالث».

قلت: قد عرفت أن التحقيق عدم انضباط ذلك، إلا أن الغالب انكشاف حالها في ضمن الثلاثة، و منه يعلم ما في جامع المقاصد من الميل إلى النقصان في الثلاثة مطلقا مثبت للتصرية، مدعيا أن المفهوم من النص و إطلاق كلامهم أن نقصان اللبن في جزء من الثلاثة موجب للخيار، إذ هو واضح المنع، بل لا يبعد عدم انحصار معرفتها بالثلاثة، إذ ربما عرض لها فيها ما يمتنع معه معرفة التصرية، و لعل إطلاق كلام الأصحاب مبني على الغالب، قال في التذكرة «لو عرفت التصرية في آخر الثلاثة أو بعدها، فالأقرب ثبوت

ج 23، ص: 269

الخيار، لانه عيب سابق، و التنصيص على الثلاثة لمكان الغالب، بل قيل: إن ظاهر المقنعة و النهاية و السرائر و الغنية و المفاتيح عدم اعتبار الثلاثة، لعدم ذكرهم لها فتأمل جيدا.

و كيف كان فقد قيل: إنه- بناء على عدم اشتراط استمرار النقصان- ينحصر معرفة التصرية بالاختبار، إذ لا أثر للبينة و الإقرار ما لم يتحقق النقصان، لأنه هو الموجب للتخيير، ضرورة سقوط الخيار لو رد اللبن بعد التصرية هبة من اللَّه تعالى على وجه صار لها عادة مثلا، و إذا تحقق النقصان لم يكن لهما أثر، للاكتفاء به حينئذ عنهما في ثبوته.

أما على اشتراط الاستمرار، فيمكن القول بثبوتها بهما إذا اقترن بنقصان ما، و إن كان بدونهما لا بد من الاستمرار، و فيه أنه يمكن القول بثبوتها بهما على الأول من غير حاجة إلى تحقق نقصان، فيفسخ حينئذ بذلك، بناء على أصالة عدم تغير حالها، و ان كان ينكشف عدم اثر الفسخ لو أنفق صيرورة ذلك عادة لها، فإنه حينئذ مانع من صحة الفسخ، لا أن النقصان شرط له، و فرق واضح بين الأمرين، على أنه يمكن المناقشة في الاكتفاء بنقصان ما، بثبوتهما بعد ان كان ذلك غير مثبت لها بنفسه، لاحتمال كونه من عارض العلف و نحوه، فهو أعم منه، و ربما كان ما في التحرير مبنيا على ما ذكرنا قال: «لو علم بالتصرية قبل حلبها، إما بالإقرار أو بالبينة ردها من غير شي ء» إذ لم يقيده باشتراط النقصان، و نحوه ما تسمعه من عبارة التذكرة. فتأمل جيدا، فإنه بذلك يظهر لك ما في كلام بعض الأساطين، منهم الشهيد الثاني في المسالك، و إن كان يمكن تنزيله بتكلف على ما ذكرنا. و الأمر في ذلك كله سهل.

إنما الكلام في أمور بها ينكشف جملة من كلمات الأصحاب، الأول أن المصراة التي أريد معرفة تصريتها بالاختبار يبقى فيها خيار الحيوان لكونها أحد أفراده، أو أنه يسقط بالتصرف الذي هو اختبار التصرية، قد يظهر من عبارة التذكرة السابقة الأول، بل هو أيضا ظاهر التحرير، قال «فيه مدة الخيار في المصراة ثلاثة أيام كغيرها من الحيوان، و يثبت على الفور و لا يسقط بالتصرف، و لا يثبت قبل انقضاء الثلاثة على إشكال» بل و كذا ما عن المبسوط و الخلاف من أن مدة الخيار فيها ثلاثة أيام مثلها في سائر الحيوان، مستدلا في الثاني

ج 23، ص: 270

منهما على ذلك بإجماع الفرقة على ثبوت الخيار في الحيوان ثلاثة أيام شرط أو لم يشرط و هذا داخل في ذلك.

قال: و خبر أبي هريرة(1)و ابن عمر(2)صريح في ذلك مشيرا به إلى

ما رووه من قوله عليه السلام (3)من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها و إن شاء ردها؛ و صاعا من تمر و في الآخر أو بر

بل قد يظهر منهما من الكتابين الأخيرين أنه لا خيار من حيث التصرية، و إنما هو خيار الحيوان،- و خصوصية التصرية حينئذ عدم سقوط خيار الحيوان باختبارها، و لعله إليه أومى في الدروس بقوله «يتقيد الخيار بالثلاثة لمكان خيار الحيوان» صرح به الشيخ و من هنا احتاج بعض متأخر الأصحاب إلى ذكر الفرق هنا بين خيار الحيوان و التصرية، فقال إن خيارها بعد الثلاثة إذا كان ثبوتها بالاختبار بخلافه، فإنها فيها و ان ثبتت قبل ثلاثة بالإقرار مثلا و قلنا بفوريته كان هو الفارق حينئذ بينهما، و إلا لم يتقيد بالثلاثة، على أنه لا مانع من تعدد الأسباب، و تظهر الثمرة حينئذ بالإسقاط و نحوه، و هو جيد، إذا احتمال عدم الخيار بالتصرية بعد ما سمعت من الإجماعات السابقة و أنه تدليس و غير ذلك مما دل على الخيار من هذه الحيثية كما ترى بل ينافيه إطلاق الاختبار ثلاثة، ضرورة أنه لا يجامعها حيث لا تثبت بدونه، و الحكم بكونه يتخير في آخر جزء منها يوجب المجاز في

الثلاثة، بل قد يقال: بسقوط خيار الحيوان إن لم ينعقد إجماع علي خلافه، و بقاؤه من حيث التصرية، بناء على سقوطه بمثل هذا التصرف، إذ استثناؤه من بين التصرفات لا دليل معتد به عليه، خصوصا مع شرب اللبن الموجود حال العقد الذي هو بعض المبيع، خلافا لجامع المقاصد حيث قال:

«و الذي ينبغي علمه هنا هو امتداد الخيار بامتداد الثلاثة، لأنه خيار الحيوان كما صرح به الشيخ، و تصرف الاختبار مستثنى دون غيره فمتى علم بالتصرية فشرط بقاء الخيار عدم التصرف، فإذا انقضت الثلاثة فالخيار على الفور» و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة


1- 1 سنن بيهقى ج 5 ص 318 و 319.
2- 2 سنن بيهقى ج 5 ص 318 و 319.
3- 3 سنن بيهقى ج 5 ص 318 و 319.

ج 23، ص: 271

بما مضى و يأتي.

نعم لا يسقط خيار التصرية باختبارها بشرب اللبن، للإجماع و غيره، لا مطلق الخيار، و لذا لو كان فيها عيب و اختبر تصريتها لم يكن له الرد بذلك العيب، و كان له الأرش خاصة، و من هنا قال في الدروس «لو رضي بالتصرية فوجد بها عيبا قبل الحلب فله ردها، عند الشيخ مع الصاع، و لو حلبها غير مصراة ثم اطلع على العيب فله ردها عنده، إن كان اللبن باقيا و الا فلا، لتلف بعض المبيع، أما اللبن الحادث فله، و لا يمنع حلبه من الرد، و منع الفاضل من الرد في الصورة الأخيرة، لمكان التصرف و يحتمل المنع في الأول أيضا لأن الحلب إنما يغتفر في الرد بالتصرية و علي كل حال فالمتجه حينئذ استقلال خيار التصرية عن خيار الحيوان.

الثاني- الظاهر عدم مدة مخصوصة لهذا الخيار للأصل السالم عن المعارض، إلا الخبر العامي (1)السابق الذي لم يجمع شرائط الحجية بالنسبة إلى ذلك، لكن في التذكرة لو عرف التصرية قبل الثلاثة أيام بإقرار البائع أو بشهادة الشهود ثبت به الخيار إلى تمام الثلاثة لأنه كغيره من الحيوان، أما لو أسقط خيار الحيوان فإن خيار التصرية لا يسقط، و هل يمتد إلى الثلاثة أو يكون على الفور إشكال، و للشافعية وجهان، و فيه ما عرفت و إليه أومى في الدروس «فإنه قال بعد العبارة السابقة آنفا: و روى العامة الثلاثة؛ لمكان التصرية، و يظهر الفائدة لو أسقط خيار الحيوان.

نعم يتجه في هذا الخيار البحث في أنه على الفور أو التراخي كغيره من الخيارات التي لم يظهر من الأدلة المخصوصة توسعته بالخصوص، و قد قدمنا سابقا أن القول بالتراخي ما لم يؤد إلى الضرر على البائع، لا يخلو من قوة، و قد يظهر من عبارة التذكرة السابقة و غيرها التفصيل هنا بين ثبوته في ثلاثة الحيوان أو ثبوته بعدها، ففي الأول يمتد إلى انتهائه، و في الثاني على الفور، و اليه أومى في الدروس بقوله «هذا الخيار على الفور


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 318.

ج 23، ص: 272

إذا علم به، و الظاهر امتداده بامتداد الثلاثة إن كانت ثابتة، و إلا فمن حين العلم و كأنه بناه على أن منشأ الفور الاقتصار على

المتيقن في مخالفة ما يقتضي لزوم العقد، أما إذا كان جائزا كما في الفرض فلا مقتضى للفور، و فيه أن التوسعة من جهة أخرى لا تقتضي التوسعة من غير تلك الجهة كما هو واضح، فالمتجه حينئذ فوريته بناء عليها و إن كان في الثلاثة، فان لم يفعل سقط، و إن بقي الخيار من الجهة الأخرى و ستسمع ما في القواعد.

الثالث: قد ظهر لك مما ذكرنا أنه تثبت الخيار متى تثبت التصرية، و لا يتوقف على مضي الثلاثة، و ما في التحرير من أنه لا تثبت قبل انقضاء الثلاثة علي إشكال، يمكن أن يكون مبنيا على إمكان ثبوت التصرية قبلها و عدمه، لا أنه يشترط مضى الثلاثة، و إن عرف التصرية، و لذا صرح فيه قبل ذلك بأنه لو علم بالتصرية قبل الحلب بالإقرار أو البينة ردها من غير شي ء و قال في القواعد «و لو كان المشتري عالما بالتصرية فلا خيار، و لو علم بها قبل الثلاثة تخير على الفور.

لكن في الدروس «لو علم المشتري بالتصرية فلا خيار بها، و لو علم بها بعد العقد قبل الحلب تخير، قاله الفاضل مع توقفه في ثبوت الخيار قبل الثلاثة لو حلبها» قلت لعل وجهه ما عرفت، و قد تلخص من جميع ما ذكرناه ان خيار التصرية يستقل عن خيار الحيوان، و لا مدة له، بل هو على البحث في نظائره أنه على الفور أو التراخي، من غير فرق بين الثلاثة و ما بعده، و أن الاختبار المذكور لا دليل شرعا عليه حتى يترتب الحكم على إطلاقه، بل هو يبين على نحو غيره من الموضوعات العرفية، فلا يتقيد بالثلاثة، و خصوصا مع إرادة النقصان في جزء منها المحتمل كونه للمكان أو للمرعى أو غيرهما، و بذلك مضافا إلى ما سمعته في مطاوي البحث، يظهر لك النظر في جملة من كلمات الأصحاب كالشيخ و الفاضل و الشهيدين و الكركي و غيرهم فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فقد ظهر أن الخيار في التصرية مخالف لقاعدة السقوط بالتصرف

ج 23، ص: 273

المتلف لبعض المبيع و غير ذلك، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن، و من هنا قال المصنف و تثبت التصرية في الشاة قطعا و إجماعا بقسميه و نصوصا(1)منجبرة بالعمل و إن كانت عامية و أما في الناقة و البقرة ف على تردد لما عرفت من الاقتصار على المتيقن حيث لا نص من طرقنا يشملها، إلا أن المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا إلحاقهما بها، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه، بل قيل أن الإجماع يلوح أيضا من السرائر و التذكرة، بل قد سمعت ما يدل عليه في الإبل من النصوص العامية(2)المتجه بعدم القول بالفصل بينها و بين البقر، مضافا إلى دعوى المساواة لها في العلة الموجبة للخيار، و هي كون اللبن مقصودا مع التدليس، و إلى التعليل في الخبر بأنه خداع (3)و الى خبر الضرار(4)إلا أن الانصاف إن لم يتم الإجماع، عدم خلو الإلحاق

بعد، بحيث يثبت لهما ما سمعته من أحكام التصرية من إشكال، لعدم اقتضاء جملة مما ذكرنا ذلك نعم ينبغي الجزم به من حيث التدليس إذا كان اللبن هو المقصود، أو بعضه بل و مع الإطلاق، لأن لبنهما مما يقصد.

و لو صرى أمة لم يثبت الخيار مع إطلاق العقد لعدم النص مضافا إلى شهرة الأصحاب، بل عن كشف الرموز و ظاهر السرائر و التذكرة و غيرهما الإجماع على عدم ثبوت التصرية في غير الثلاثة.

نعم له الخيار مع الشرط كما في المسالك لكن قال «إن لم يتصرف و لو بالحلب و إلا فالأرش» و فيه انه لا أرش للشرط إذا لم يكن فقده عيبا، كما أن الخيار لفقد الشرط لا يسقط بالتصرف، كما هو ظاهر المتن هنا، على ما اعترف به في المسالك، كما أن


1- 1 سنن بيهقى ج 5 ص 318.
2- 2 سنن بيهقى ج 5 ص 321.
3- 3 المستدرك ج 2 ص 474.
4- 4 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 5.

ج 23، ص: 274

القول بثبوت الخيار فيها للتدليس حيث يكون المقصود لبنها متجه و إن لم يثبت لها أحكام التصرية، و إليه يرجع ما عن تعليق الإرشاد، من أنه ان أريد بثبوت الخيار فيها لو ثبت تصريتها فهو متجه، و ان أريد ثبوت الخيار مع التصرف و كون الثلاثة محلا لثبوته بنقصان اللبن فيها فهو خلاف الأصل، و لم يثبت بنص و لا إجماع، بل و ما في الدروس قال «و من التدليس التصرية في الشاة و الناقة و البقرة على الأصح، و نقل فيه الشيخ الإجماع، و طرد ابن الجنيد الحكم في الحيوان الآدمي و غيره» و ليس بذلك البعيد، للتدليس إذ الظاهر إرادة ثبوت الخيار بذلك، لا ثبوت الأحكام التصرية و من هنا قال بعد ذلك: «لو قلنا بقول ابن الجنيد في تصرية الآدمية، و الأتان و فقد اللبن لم يجب البر و التمر و لو أوجبناه في الشاة و البقرة لعدم النص، و عدم الانتفاع به فيما ينتفع بلبن المنصوص، فمراده ثبوت حكم التدليس على الظاهر، و إلا كان محلا للنظر؛ بل لا يبعد إلحاق حبس ماء القناة و الرحى و إرساله عند البيع و الإجارة حتى تخيل المشتري كثرته بالتصرية من حيث الخيار، كما صرح به في الدروس و محكي التذكرة ضرورة كونه تدليسا موجبا له كتحمير وجه الجارية و تسويد شعرها و تجعيده، و إرسال الزنبور في وجهها فيظنها للمشترى أنها سمينة و كذا البحث فيما لو صرى البائع أتانا بفتح الهمزة أى حماره لاشتراكها مع الأمة في جميع ما ذكرناه حتى في الإجماع المحكي على نفى التصرية فيها.

و لو زالت تصرية الشاة الثابتة بالإقرار أو البينة أو بالاختبار بناء على ما قد مناه من إمكان ثبوته و صار ذلك عادة قبل انقضاء ثلاثة أيام هبة من اللَّه تعالى بحيث علم صيرورة ذلك عادة لها سقط الخيار لانتفاء الضرر الذي أوجبه، و إطلاق الخيار بها في النصوص العامية منزل على الغالب، فالقول به حينئذ ضعيف جدا إذ هو حينئذ من قبيل بعض العيوب السريعة الزوال.

ج 23، ص: 275

و أما لو زالت بعد ذلك أي الثلاثة لم يسقط الخيار لحصول موجبه فيستصحب، و المراد ببقائه حينئذ بناء على فوريته استمرار صحة الفسخ، و إن تحقق الزوال بعد ذلك، بمعنى أن الزيادة المتجددة لا تكون كاشفة عن بطلانه، و لا مبطلة له، إذ المراد بالنسبة إلى خصوص جاهل الفورية، و الخيار بناء على عدم سقوطه معه هذا، و قد أشكل على بعضهم إطلاق العبارة و ما ماثلها زوال التصرية قبل ثلثة، بناء على عدم معرفتها إلا بمضي الثلاثة، فحمل العبارة على خصوص معرفتها بالإقرار و البينة، فإنه يتصور حينئذ فيها ثبوت التصرية و زوالها، و إن قلنا بتوقف الثبوت بهما، أي الإقرار و البينة على نقصان ما إذ يكفي حينئذ نقصان الحلبة الأولى، لكن بناء على الفورية فيه حتى في الثلاثة يجب إرادة عدم استمرار صحته من السقوط في المتن، بمعنى أنه ينكشف بذلك عدم الخيار، أو أنه يبطل به، أو أن المراد علم بهما بعد زوالها، فإنه يسقط حينئذ كما يسقط الخيار بالعيب القديم، إذا علم به بعد زواله، و كذا لو لم تعلم الأمة بالعتق حتى عتق زوجها.

لكن لا يخفى عليك ما في حمل العبارة على ذلك من الخفاء، بل حملها على ما ذكرنا من أنه يمكن ثبوت التصرية و زوالها في الثلاثة بالاختبار أيضا أولى، إلا أنه قد يشكل بأنه لا دليل حينئذ على سقوط الخيار، الثابت سببه بمجرد الزوال في الثلاثة بخلاف ما بعد و إن قل، و يمكن حمل العبارة علي إرادة زوال التصرية بأن صار ذلك عادة لها أى صريت فلم تنقص أبدا، و يكون المراد حينئذ بسقوط الخيار عدم ثبوته من أصله، و كيف كان فالأمر في ذلك سهل بعد وضوح الحكم مما ذكرناه سابقا على كل تقدير.

و لو ماتت الشاة المصراة أو الأمة المدلسة ففي القواعد و عن غيرها فلا شي ء له لامتناع الرد بالموت و الأرش بعدم العيب، و قد يشكل بإمكان الفسخ و دفع القيمة خصوصا بعد ما ذكره هو من بقاء الخيار فالمبيع الذي كذب في الإخبار عن رأس ماله،

ج 23، ص: 276

إذ لا فرق بين المقامين على الظاهر، و قد تقدم في الأبحاث السابقة في الخيار ما يؤكد ذلك فلاحظ و تأمل فإنه قد تقدم لنا في خيار الغبن ما يقتضي أن الأصل اعتبار وجود العين في الخيار، إلا ما خرج، و لعله لظهور التخيير بين الرد و الإمساك في ذلك.

لكن قد يقال هنا أن الخيار إنما هو في العقد و رد العين، إنما هو من توابعه، و حكمها في كل مقام يراد منه الرد، الانتقال للمثل أو القيمة، و أولى من ذلك ما لو تعيبت عنده قبل علمه بالتدليس، لكنه قال في القواعد: «إنه لا شي ء له أيضا». و علله في جامع المقاصد بالاقتصار على موضوع الوفاق، و بأن هذا العيب من ضمان المشتري، بل قال: «إن التقييد بقبلية علمه غير ظاهر، لأن العيب إذا تجدد بعد علمه يكون كذلك، إلا أن يقال إنه غير مضمون عليه، الآن لثبوت خياره» قلت: التعليلان الأولان معا كما ترى، إذ لا دليل على أن حدوث العيب مانع من الرد في غير المعيب.

نعم ما ذكره من التعليل أخيرا جيد و إن كان هو غير موافق لما أسلفناه سابقا، لكن منه ينقدح أن عدم سقوط خيار التصرية بالاختبار لتقدمه على حصول سببه، فلا ينافي حينئذ ما دل على سقوط الخيار بالتصرف، ضرورة ظهوره فيما كان منه بعد ثبوت الخيار، خصوصا إذا قلنا بذلك لدلالته على الرضا، بل قد ينقدح من ذلك أن أحكام التصرية على القاعدة، و أنها فرد من خيار التدليس و اللَّه أعلم.

[المسألة الثانية الثيبوبة ليست عيبا في الإماء]

المسألة الثانية: الثيبوبة ليست عيبا في الإماء كما هو صريح جماعة، و مقتضى نفى الخيار به و حصر العيوب في غيره من آخرين، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل عن كشف الرموز لا خلاف، بين الأصحاب في أن الثيبوبة ليست عيبا يوجب الرد، و إنما اختلفت عباراتهم في اشتراط البكارة، و في التحرير لا نعلم خلافا في أن الثيبوبة ليست عيبا؛ و عن إيضاح النافع أن عليه الفتوى، لأن البكارة صفة كمال بالنسبة الى غير العاجز و ليست عيبا، و نسبه أيضا إلى الأصحاب، و في المسالك أطلق الأصحاب، و الأكثر من غيرهم أن الثيبوبة ليست عيبا و لعله لأصالة اللزوم بعد غلبة ذلك فيهن، و صيرورته

ج 23، ص: 277

بمنزلة الخلقة الأصلية، و إن كانت عارضة إذ قل ما يوجد فيهن الأبكار، فلا اغترار بأصالة السلامة التي هي بمعنى الغلبة، بل قد عرفت أن خبر محمد بن مسلم (1)المشتمل على تعريف العيب مداره الزيادة و النقيصة على أصل خلقة أغلب ذلك النوع، لا أقل من الشك، مع انه لا جابر له في خصوص المقام، مضافا إلى

خبر سماعة(2)«سألته عن رجل باع جارية على أنها بكر فلم يجدها كذلك، قال: لا ترد عليه، و لا يجب عليه، شي ء إنه قد يكون تذهب في حال مرض أوامر يصيبها»

منجبر بما سمعت.

لكن قد يقال: بمنع عدم صدق العيب عرفا بعد إن كانت البكارة مقتضى الطبيعة و الخلقة الأصلية، في جميع النوع، و غلبة العروض في خصوص المجلوب منها لا ينافي ذلك، كما أن خبر سماعة- مع أنه ظاهر في الشرط الذي ستسمع شهرة الأصحاب إن لم يكن إجماعهم على ثبوت الخيار له؛ و لذا حملوه على الجهل بكونها عند البائع؛ لغلبة زوالها بالعوارض، بل ربما كان التعليل فيه ألصق بهذا من غيره، و معارض ل خبر يونس (3)و محتمل لكون عدم الرد للتصرف فيكون المنفي فيه عدم شي ء مخصوص من

العشر و نحوه، لا الأرش- لا دلالة فيه على عدم العيب، ضرورة إمكان كون عدم الرد به للغلبة التي تصيره كالعيب الذي أقدم عليه المشتري أو تبرأ منه البائع؛ و أنه بها يرتفع الاغترار بأصل السلامة؛ و لا ينزل إطلاق العقد على السالم فيبقى حينئذ أصل اللزوم بحاله.

و يمكن تنزيل كلام الأصحاب على ذلك، بإرادة نفى العيب الموجب للرد و الأرش، كما سمعته من معقد نفى خلاف كشف الرموز، و يؤيده ما تسمعه من أن المشهور ثبوت الأرش مع الشرط، و لو لا أنه عيب، لم يتجه ذلك، بناء على ما عرفت من عدم توزيع الثمن على الشرائط، و احتمال أنه ل خبر يونس الاتى (4)لا لأنه عيب كما ترى.


1- 1 الوسائل الباب 1- من أبواب أحكام العيوب الحديث 1-.
2- 2 الوسائل الباب- 6 من أبواب أحكام العيوب الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 6 من أبواب أحكام العيوب الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب- 6 من أبواب أحكام العيوب الحديث- 1.

ج 23، ص: 278

و منه حينئذ ينقدح دلالة خبر يونس الاتى على المطلوب، كما أنه ينقدح مما ذكرنا كون المدار حينئذ في عدم ترتب حكم العيب عليه الغلبة المزبورة، فمع فرض انتفائها كما في الصغيرة و الإماء المستولدة في بلاد الإسلام و نحو ذلك، يتجه حينئذ ترتب حكم العيب عليه بل المتجه بناء على ما ذكرنا أيضا لزوم البيع لو عرض الثيبوبة عند المشتري بغير تصرف منه، لأنه من حدوث العيب المانع من الرد المعين، للأرش إلى غير ذلك.

بل قد يظهر لك مما عن مهذب القاضي كونه عيبا مطلقا، قال: «إذا لم يشترط الثيبوبة و

لا البكارة فخرجت ثيبا أو بكرا لم يكن له خيار، و كان له الأرش إذا الأرش لا يكون إلا للعيب» و لعل عدم الخيار حينئذ لتصرفه بها، إذا الغالب معرفة ذلك بالوطي فيكون حينئذ عنده عيبا، و مال إليه المقداد مطلقا، و احتمله الشهيدان، بل مال إليه ثانيهما و بعض من تأخر عنه في الصغيرة، و التحقيق ما عرفت من أن المدار على الغلبة المزبورة.

نعم لو شرط البكارة فكانت ثيبا كان له الرد مطلقا ان ثبت أنها كانت ثيبا عند البائع كما هو مقتضى تخلف كل شرط، مضافا إلى ما عرفت من أنه عيب عندنا، إلا أنه منع من ترتب مقتضاه حال عدم الشرط، الغلبة المزبورة، أما معه فيترتب عليه حكمه مع أنه لا أجد خلافا بين الأصحاب في الخيار مع الشرط، إلا ما يحكى عن النهاية من اشترى جارية على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له ردها، و لا الرجوع على البائع بشي ء من الأرش، لأن ذلك قد يذهب من العلة و التروه و نحوه عن الكامل و يمكن إرادتهما غير صورة الشرط على معنى شرائها بتخيل البكارة، و أظهر من ذلك إرادتهما ما لو جهل بكونها عند البائع، كما يومي إليه التعليل.

و الخلاف إذا اشترى جارية على أنها بكر فكانت ثيبا، روى أصحابنا أنه ليس له الرد و هو مع أنه غير مخالف، يمكن ارادته غير صورة الشرط، و أنه تصرف فيها، و المبسوط إن شرط أن تكون بكرا فخرجت ثيبا روى أصحابنا أن ليس له الخيار و له الأرش، و نحوه

ج 23، ص: 279

عن مهذب القاضي و الاستبصار بل قيل: أنه اختاره ابن إدريس أولا ثم عدل عنه، و قد يريدون حال التصرف.

و التذكرة قال: أصحابنا إذا اشتراها على أنها بكر فكانت ثيبا لم يكن له الرد، لما رواه سماعة(1)و ساق الخبر المتقدم، و قد يحتمل أيضا ما عرفت.

و على كل حال فلا إشكال في ثبوت الخيار بل لا إشكال في أن له الأرش إذا اختار الإمساك كما نسبه في الدروس و المسالك إلى المشهور، بل لعل عدم ذكره في المتن و نحوه لا لعدم ثبوته، بل لأنه في معرض ثبوت أصل الخيار.

و لا يشكل بأن الثمن لا يوزع على الشرائط، لما عرفت من أن الأرش من حيث كونه عيبا لا من حيث أنه شرط، مضافا إلى

خبر يونس (2)«في رجل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال: يرد عليه فضل القيمة، إذا علم أنه صادق»

بناء على حمله على صورة الشرط و علم سبق ذلك قبل البيع بالبينة، أو الإقرار أو قرب زمان الاختبار لزمن البيع، أو كونه بعده في زمن ضمان البائع، ضرورة، أنه لا أرش لو علم تأخره عن زمان ضمان البائع، بل إن جهل ذلك لم يكن له الرد لأن ذلك قد تذهب بالخطوة و نحوها، فيحتمل كونه في زمن ضمان المشتري، لا لأصالة تأخر الحادث لما تقرر فيها من الإشكال حتى بالنسبة إلى معلوم التاريخ، بل لأصالة لزوم العقد و براءة ذمة البائع، بعد

التسليم الظاهر في أنه تمام الحق، كما هو واضح.

و لو شرط كونها ثيبا فبانت بكرا كان له الخيار بين الرد و الإمساك مجانا على الأقوى، وفاقا لجماعة عملا بقاعدة الشرط، ضرورة كون ذلك منه، إذ قد يتعلق له غرض به لعجزه عن افتضاض البكر، أو غيره خلافا لما عن المبسوط و التحرير، فلا خيار، لكون الضد صفة كمال؛ و فيه ما عرفت نعم لا أرش من هذه الجهة و اللَّه أعلم.

[المسألة الثالثة الإباق الحادث عند المشتري لا يرد به العبد]

المسألة الثالثة لا خلاف و لا إشكال في أن الإباق الحادث عند المشتري


1- 1 الوسائل الباب- 6 من أبواب أحكام العيوب الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 6 من أبواب أحكام العيوب الحديث- 1.

ج 23، ص: 280

الذي لم يكن مضمونا على البائع لا يرد به العبد و لا يستحق به أرش كما في سائر العيوب الحادثة كذلك من غير فرق بين الصغير و الكبير، و الذكر و الأنثى؛ للأصل و

قول أبى جعفر عليه السلام في مرسل ابن أبي حمزة(1)«ليس في الإباق عهدة»

و قال

في خبر محمد بن قيس (2)«إنه ليس في إباق العبد عهدة إلا أن يشترط المبتاع»

أما لو أبق عند البائع كان للمشترى رده و إن لم يكن أبق عنده، بلا خلاف أجده كما اعترف به في التحرير قال: «الإباق عيب لا نعلم فيه خلافا في الأمة و العبد، و الصغير و الكبير»، بل عن المبسوط الإجماع على أن بالخيار، و مقتضاه أنه عيب، بل لعل العرف كذلك أيضا ضرورة كونه بحكم التالف بل هو أبلغ من السرقة لغيره، لأنه سرقة لنفسه، بل لعل خبر محمد بن مسلم (3)شامل له، بناء على إرادة ما يشمل نقص الصفات الغالبة في النوع منه؛ و

في خبر أبى همام (4)«أن محمد بن على قال للرضا عليه السلام: الإباق من أحداث السنة؟ فقال: ليس الإباق من هذا إلا أن يقيم البينة أنه كان أبق عنده».

و قد يظهر منه كالمتن و غيره، بل هو صريح التذكرة و جامع المقاصد الاكتفاء بالمرة الواحدة عند البائع، لأن الإقدام و لو مرة يوجب الجرية عليه، و يصير للشيطان عليه سبيل، و لتحقق صدق العيب بها عرفا؛ خلافا لما عن بعض الأصحاب من اشتراط الاعتياد، و إن قال بعض مشايخنا إنا لم نتحققه، و ربما لاح مما عن المبسوط و اختاره ثاني الشهيدين و قال: أقل ما يتحقق بمرتين.

و على كل حال ففيه بحث و إن كان يشهد له أصالة اللزوم و لو للشك في كونه عيبا بها.

نعم ينبغي تقييد الرد به بالمرة الواحدة، بما إذا لم يظهر بعدها التوبة


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام العيوب الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام العيوب الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام العيوب الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب 2- من أبواب أحكام العيوب الحديث 2.

ج 23، ص: 281

الصادقة و ملكة الطاعة، بل لا بد من هذا التقييد على تقدير اعتبار الاعتياد أيضا، ثم إن الظاهر من المتن أنه بذلك يكون عيبا يجري عليه حكمه من الرد و الأرش، لا أن له الرد خاصة على كل حال، كما عساه يوهمه الاقتصار عليه، كما أن ظاهر خبر محمد بن قيس (1)صحة اشتراط عدم الإباق و لعله لا بأس به إذا كان شرطا للخيار في مدة مخصوصة كاشتراطه برد الثمن و نحوه فتأمل.

[المسألة الرابعة إذا اشترى أمة لا تحيض في ستة أشهر و مثلها تحيض كان ذلك عيبا]

المسألة الرابعة المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا أنه إذا اشترى أمة لا تحيض في ستة أشهر، و مثلها تحيض فيها كان ذلك عيبا لانه لا يكون إلا لعارض غير طبيعي و هو المدار في ثبوته عرفا، بل لا خلاف أجده فيه إلا من العجلي؛ و لا ريب في ضعفه، للصدق عرفا و لانه من نقص الصفات، و ل

صحيح داود بن فرقد(2)«سأل الصادق عليه السلام عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر، و ليس بها حمل، فقال: إن كان مثلها تحيض، و لم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد به»

بل في المسالك «إن في دلالته على اعتبار الستة أشهر نظرا لأنه إنما علق الحكم على حيض مثلها، و أراد به نفى الصغر و الياس و إن كان ذلك مستفادا من إثبات الإدراك، و نفى

كونه عن كبر فان من المعلوم أن مثلها تحيض في تلك المدة و أقل منها، و السؤال وقع عن تأخير الحيض ستة أشهر، و الجواب لم يتقيد به؛ و حينئذ فلو قيل بثبوت الخيار متى تأخر حيضها عن عادة أمثالها في تلك البلاد كان حسنا».

قلت: و هو جيد بل هو مقتضى ما سمعت من التعليل و يمكن تنزيل عبارات الأصحاب على ما لا ينافيه، و منه ينقدح أنه لا ينبغي أن يكون مجرد بلوغ تسع سنين و التأخر ستة أشهر موجبا لذلك، لانه قد عرف بالتجارب التأخر عن عشر سنين،


1- 1 الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام العيوب الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 3- من أبواب أحكام العيوب الحديث 1-.

ج 23، ص: 282

بل عن أزيد من ذلك، فالمتجه حينئذ النظر إلى أمثالها سنا مع الاتفاق في البلد و المزاج في الجملة، فإن وجد فيها دونها يكون عيبا.

ثم إنه لا بد من تنزيل الخبر و عبارات الأصحاب على إرادة علم سبق ذلك عند البائع، و إلا فمع احتمال عروض العارض عند المشتري لا رد و لا أرش، كما أنه يجب تقييد الرد بما إذا لم يتصرف في هذه المدة، و إلا كان له الأرش كغيره من العيوب، إذ احتمال استثناء ذلك منها بأن التصرف لا يسقطه لإطلاق الرد في الصحيح المزبور(1)مع استبعاد عدم التصرف في هذه المدة مخالف لظاهر الفتاوى و للأدلة السابقة على تعين الأرش معه المرجحة بها

عليه، و إن كان التعارض من وجه، كما هو واضح،

[المسألة الخامسة من اشترى زيتا أو بزرا فوجد فيه ثفلا فإن كان مما جرت العادة بمثله لم يكن له رد و لا أرش ]

المسألة الخامسة من اشترى زيتا أو بزرا بفتح الباء و كسرها و لعله أفصح زيت الكتان و أصله محذوف المضاف أى دهن البزر فوجد فيه ثفلا بالضم ما استقر تحت الشي ء من كدرة فإن كان مما جرت العادة بمثله لم يكن له رد و لا أرش لأنه ليس عيبا أو لأن جريان العادة يجعله كعلم المشتري به أو إسقاط البائع له و كذا لو كان كثيرا و قد علم المشتري به قبل العقد، لما عرفت من أن ذلك رضاء منه به فلا رد و لا أرش، و لا يشكل صحة البيع بالجهل بقدر المقصود بالذات الموجب للغرر و إن شوهد لعدم الاكتفاء بها، لما عرفته مكررا بأن العلم بالجملة كاف في رفع ذلك.

أما إذا لم يكن عالما بكثرة الثفل فظاهر المصنف و غيره أن له حكم العيب بل لا أجد فيه خلافا لكونه عيبا عرفا، و لكونه على غير أصل الخلقة، و

قال ميسر بن عبد العزيز(2)لأبي عبد اللَّه عليه السلام: «الرجل يشترى زق زيت فيجد فيه درديا؟ فقال:

إن كان يعلم ان الدردي يكون في الزيت فليس عليه ان يرده، و إن لم يكن يعلم فله أن يرده»


1- 1 الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام العيوب الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العيوب الحديث- 1 باختلاف يسير.

ج 23، ص: 283

و عبر بمضمونه في التحرير، بل قيل و النهاية و السرائر و جامع الشرائع، و لعل المراد من الجميع ما في المتن و غيره بجعل جريان العادة بمنزلة العلم، كما انه يحتمل العكس؛ بحمل ما في المتن على ارادة العلم بجريان العادة، بل لعله أولى عند التأمل، إلا أن يكون شيئا يسيرا لا يعد مثله عيبا في العادة؛ فإنه لا خيار حينئذ و ان لم يعلم و كيف كان فلا دلالة في الخبر على أنه مع عدم العلم عيب يستحق به أرشا لو أراده أو مع التصرف، أو الرد فيه أعم من ذلك و من كونه من تبعض الصفقة، باعتبار خروج بعضه درديا غير سمن، و قد يشهد له

الصحيح (1)عن جعفر عن أبيه عليه السلام «أن عليا عليه السلام قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه إلى على عليه السلام فقال له على عليه السلام لك بكيل الرب سمنا فقال له الرجل: إنما بعته منك حكرة، فقال له عليه السلام: إنما اشترى منك سمنا، و لم يشتر منك ربا،»

إلا أنه يجب حمله بعد أن كان المبيع شخصيا لا كليا على إرادة أن له من الثمن بقدر ما يقابل الرب من السمن، و منه يعلم حينئذ صحة البيع في نحو ذلك بعنوان أنه سمن و إن بان الخلاف، بل يثبت الخيار للتبعض، مضافا إلى

عدم الجهالة بعد العلم بالجملة، و كونها المبيع و لو بزعم العنوان خطأ.

و التحقيق التفصيل بين ما يعد بمزجه عيبا في الممزوج معه و عدمه في العرف، و هو مختلف بالنظر إلى الكم و الكيف، و لعله لذا قال في التحرير «الدردي في الزيت و البزر عيب موجب للرد أو الأرش مع عدم علم المشتري به» و قال أيضا «لو اشترى سمنا فوجد فيه غيره، تخير بين الرد و أخذ ما وجده من السمن بنسبة الثمن، و لا يلزم البائع ان يعطيه سمنا بإزاء الناقص، و إن كان سمانا» و من ذلك يعلم انه قد يجتمع للمشتري خياران من التبعض و العيب إذا فرض انه يثبت بالخلط أيضا.

[المسألة السادسة تحمير الوجه و وصل الشعر و ما شابهه تدليس ]

المسألة السادسة لا إشكال بل و لا خلاف في ان كلا من تحمير الوجه


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العيوب الحديث 3.

ج 23، ص: 284

و وصل الشعر و ما شابهه يثبت به الخيار إذا شرط فبان الخلاف، بل في المسالك الإجماع عليه لما عرفته سابقا مما دل على ذلك، إلا أنه بين الرد و الإمساك مجانا ضرورة عدم كونه عيبا، فلم يبق إلا جهة الشرطية.

نعم لو كان المشترط مما يكون فقده عيبا اتجه ذلك كما هو واضح، أما إذا لم يشترط و اشتراها محمرة ذات شعر فبان أنها ليست كذلك، فالمشهور بين الأصحاب أنه تدليس، فيثبت به الخيار بين الرد و الإمساك مجانا، من دون الأرش إذا لم يكن قد بان عيب فيها كغيره من أنواع التدليس الذي لم أجد خلافا في ثبوت الخيار به، بل قد سمعت الإجماع بقسميه على ثبوته بالتصرية التي هي فرد منه، مضافا إلى خبر الضرار(1).

و قيل كما عن الخلاف انه لا يثبت به الخيار ذكر ذلك في الجعد و التحمير و التبييض، و لعل وصل الشعر مثلها عنده، بل قيل إنه ظاهر التحرير و الإرشاد و الدروس، و إن كان قد يناقش فيه باحتمال نفيه من حيث العيب، ردا على ما يفهم مما عن المبسوط، بل لعله ظاهرها أو ظاهر بعضها لا من حيث التدليس، بل لعل ما في الخلاف كذلك، لكن لم يحضرني فيرتفع الخلاف حينئذ من أصله.

و على تقديره فلا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، إذ لا مجال لاحتمال كونه غير تدليس، كما أنه لا مجال لعدم ثبوت الخيار به على تقديره، بل لا يبعد ثبوت الخيار و إن لم يكن من فعل المولى: لحصول الضرر على المشتري بذلك دون البائع، لعدم وجود الصفة في مبيعه في الواقع، و اللَّه أعلم.

[القول في لواحق هذا الفصل و فيه مسائل ]
اشارة

بقي القول في لواحق هذا الفصل، و فيه مسائل،

[المسألة الأولى إذا قال البائع بعتك بالبراءة و أنكر المبتاع فالقول قوله مع يمينه ]

الأولى: إذا قال البائع بعتك بالبراءة من العيوب و أنكر المبتاع، فالقول قوله مع يمينه، إذا لم يكن للبائع بينة بلا خلاف يعرف، كما اعترف به بعضهم ل

قوله صلى اللَّه عليه و آله و سلم (2)البينة على


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3- 5.
2- 2 الوسائل الباب 25- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث- 3.

ج 23، ص: 285

المدعى و اليمين على من أنكر»

إذ هو مدع حتى لو قلنا أنه الذي «يترك لو ترك» لأن المراد به بالنسبة إلى تلك الدعوى نفسها و هو هنا كذلك، فلا ينافيه الفسخ حينئذ من المشتري، على أنه لا يتوقف على عدم دعوى البائع البراءة، بل هو يحصل بموجبه، فإذا ثبت البراءة ينكشف فساد الفسخ و لو كان مورد النزاع في حال العقد الواقع، أمكن التحالف كما تقدم في نظائره.

و لو كان كيفية الدعوى استحقاق المشتري الفسخ، و البائع ينكره من غير ذكر سبب خاص أمكن القول حينئذ بكون البائع المنكر، و لعله عليه ينزل ما عن المبسوط- «من أنه قد يكون البائع منكرا كان يدعي المشتري ابتياعه السلعة و به عيب، فيقول البائع: بعته بريئا من هذا العيب فله أن يحلفه و اللَّه لا يستحق رده على، لأنه قد يبيعه و به

العيب، ثم يسقط الرد بالرضا بالعيب»، بناء على إرادة البراءة من استحقاق الرد بقرينة آخر كلامه، لا أن المراد نفى الاستحقاق باشتراط البراءة من العيوب و إلا كان من المسألة المفروضة في المتن التي عرفت عدم الخلاف فيها، و أنه لا إشكال للخبر المزبور الذي لا يصلح لمعارضته مكاتبة جعفر بن عيسى (1)لأبي الحسن عليه السلام المتقدمة في المسقطات من وجوه، منها أن المفهوم من سياقه أن إنكار المشتري لسماع البراءة وقع مدالسة، لعدم رغبته فيه و إلا فهو عالم بتبري البائع، و لذلك ألزمه الإمام عليه السلام بالثمن.

و كيف كان فعن الشهيد في حواشيه أن يمين المشتري هنا على نفى العلم، و لعله لأنها على نفى فعل الغير مضافا إلى إيماء قوله في خبر جعفر(2)لم أسمع إليه.

و فيه ان مرجعه إلى ما وقع عليه العقد إذ لا أثر للبراءة التي لم يسمعها المشتري و من هنا قال في المحكي عن النهاية و السرائر يحلف انه لم يبرأ إليه من العيوب و باعه مطلقا أو على الصحة، و الأمر سهل، و كدعوى التبري دعوى العلم بالعيب أو الرضاء به بعد العقد أو نحو ذلك، و عن التذكرة أن مثلها أيضا دعوى التقصير في الرد، و في المسالك


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام العيوب الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام العيوب الحديث 1.

ج 23، ص: 286

«أنه يتم في الخيار الفوري لا في خيار العيب»، قلت لعله فرعه على القول بأن خيار

العيب فوري كما صرح به في الغنية على ما ستعرف إنشاء اللَّه و اللَّه أعلم.

[المسألة الثانية إذا قال المشتري هذا العيب كان عند البائع فلي رده و أنكر البائع فالقول قوله مع يمينه ]

المسألة الثانية إذا قال المشتري: هذا العيب كان عند البائع أو قبل القبض مثلا فلي رده، و أنكر البائع، فالقول قوله مع يمينه بلا خلاف أجد فيه لأن المشتري هنا هو المدعى باعتبار مخالفة دعواه أصالة اللزوم و «يترك لو ترك» فيكون البائع منكرا يقبل قوله مع يمينه، لكن إذا لم يكن للمشترى بينة و إلا وجب الأخذ بها و لا شاهد حال يشهد له يفيد القطع للحاكم بصدق دعواه، مثل أن يكون العيب إصبعا زائدا أو قطع إصبع قد اندمل موضعه، و قد اشتراه من يومه أو أمسه، و إلا كان القول قوله بلا يمين، كما أنه لو كان كذلك بالنسبة إلى إنكار البائع كطراوة الجرح مع تطاول زمان البيع، قبل قوله بلا يمين.

أما إذا لم يفد القطع فظاهر الدروس و غيرها ممن قيد القرينة بإفادة القطع عدم اعتباره، و استحسنه ثاني المحققين، لأن القرائن المثمرة للظن الذي لم يثبت من قبل الشارع اعتباره يبعد المصير إليها، قال: و يستفاد من ذلك التعويل على ما أثمر القطع و اليقين في كل موضع كالشياع إذا بلغ مرتبة التواتر، فأثمر اليقين، قلت، قد يظهر من إطلاق المتن و النافع و القواعد و الإرشاد الاكتفاء بما يفيد الظن أيضا، إلا أنه لا بد من اليمين معه، لأن أقصاه لو كان مع المشتري انقلاب البائع مدعيا باعتبار مخالفته للظاهر، و المشتري منكرا لموافقته إياه، فيقبل قوله مع اليمين، و لا ثمرة له حينئذ لو كان مع البائع، لأن القول قوله بيمينه بدونه.

و عن حواشي الشهيد إن كان شاهد الحال للبائع لا بد من اليمين، لانه منكر، و إن كان للمشترى فلا يحتاج إلى يمين، لان الحال تشهد له بسبق العيب على العقد، كالبينة التي تشهد له بسبق العيب، و فيه ما لا يخفى سواء أراد الظني منه أو القطعي.

و كيف كان فيمين البائع على نفى العيب إذا كان مختبرا للمبيع مطلعا على

ج 23، ص: 287

خفاياه قبل البيع، لا على نفى العلم بلا خلاف أجده بل في الرياض قولا واحدا، و مقتضاه عدم الاكتفاء به لو حلف كذلك، و هو لا يخلو من إشكال، سيما إذا كان جوابه به، أما إذا لم يكن قد اختبره فقد يقال: إن له الحلف على القطع عملا بأصالة العدم، بناء على ظاهر السلامة، كما يحلف على عدم النجاسة في الماء استنادا إلى أصالتها.

و عن التذكرة و الميسية و غيرهما الاكتفاء حينئذ بنفي العلم: و في المسالك «و هو حسن لاعتضاده بأصالة عدم التقدم فيحتاج المشتري إلى إثباته،» قيل و معناه أن هذا الحلف لا يسقط الدعوى بالكلية، بل لو ظفر بعد ذلك ببينة أقامها، و سمعت و هذا أحد الاحتمالين أو القولين في مثل المسألة، و لعل الأقرب أنه لا يكتفى بذلك منه، فيرد الحاكم اليمين على المشتري، فيحلف فيرد أو يأخذ الأرش، قلت: و هو متجه بناء على عدم الإكتفاء بالحلف على نفى العلم في الصورة الأولى، إذ لا أثر للاختيار و عدمه، في كون حق المدعى اليمين على نفى العلم، فالمتجه اتحادهما في الحكم؛ و أنه يكفى فيهما معا اليمين على نفى العلم حتى إذا كان الجواب نفي العيب، و يكفى ذلك في نفى استحقاق المشتري الرد الذي يشترط فيه معلومية السبق و لو بطريق شرعي، فتأمل جيدا فإن المسألة لا تخلو بعد من نظر، و قد أشبعنا الكلام فيها في كتاب القضاء فلاحظ، هذا كله إذا كان الجواب بنفي العيب.

أما إذا كان الجواب بلا يستحق الرد علي بهذا العيب فهو جواب صحيح يجب على الحاكم استماعه و إحلافه على ذلك، كما عن المبسوط من غير حاجة إلى نفى العيب أو العلم به، و ما عن النهاية و السرائر من إطلاق أنه كان على البائع اليمين بالله أنه باعه صحيحا، لا عيب فيه، منزل على غير ذلك، كما أن ما عن أبى على من أنه إن ادعى البائع أنه حدث عند المشتري أحلف المشتري إن كان منكرا، منزل على المقام أيضا فتأمل جيدا.

ج 23، ص: 288

و لو باع الوكيل فالمشتري يرد بالعيب على الموكل و لو أنكر سبق العيب لم يقبل إقرار الوكيل عليه، و كان للمشتري الرد على الوكيل إذا كان جاهلا بالوكالة و لم يتمكن الوكيل من إقامة البينة على وكالته و إقرار الموكل بها لا يجدى في جواز الرد عليه.

نعم كان للوكيل تحليف الموكل على نفى العيب دفعا للظلامة عن نفسه، و لو أنكر الوكيل المجهولة وكالته سبق العيب حلف على النفي دفعا للغرامة عن نفسه، فان نكل رد عليه، و في جواز رده حينئذ على الموكل وجهان مبنيان على أن اليمين المردودة كالإقرار فلا يرد، أو كالبينة فيرد، و ربما أشكل بناء الوجهين على ذلك، بأن البينة على سبق العيب غير مسموعة من الوكيل على الموكل، بعد إنكاره السبق، لانه معترف بكون المشتري ظالما، و قد يدفع بأن المراد كونها كالبينة من الراد، لا من الناكل فهي حاكمة عليها، لكن في اقتضاء ذلك جواز الرد من الوكيل نظر.

نعم للمشتري الرد بها بعد اعتراف البائع بالوكالة، أو يقال بأن إنكاره لسبق العيب على وجه الاستناد إلى الأصل بحيث لا ينافي ثبوته و لا دعوى ثبوته كأن يقول في الجواب لا حق لك على من جهة هذه الدعوى، إذ ليس في المبيع عيب لك على الرد به، فلا يمتنع حينئذ تخريج المسألة على القولين و اللَّه أعلم.

[المسألة الثالثة يقوم المبيع صحيحا و معيبا و ينظر في نسبة النقيصة من القيمة فيؤخذ من الثمن بنسبتها]

المسألة الثالثة إذا أراد المشتري أخذ الأرش حيث يكون له، فطريق معرفته أنه يقوم المبيع صحيحا و معيبا و ينظر في نسبة النقيصة من القيمة فيؤخذ من الثمن بنسبتها أى ما بين القيمتين، لأنه هو الذي فات عليه بسبب العيب، لا أنه يؤخذ تفاوت ما بين القيمتين، و إن أطلق في النصوص و عبارات بعض القدماء ذلك، الا أنه يجب تنزيله على كون الثمن قيمة المثل لا مطلقا و الا جمع في بعض الأحوال بين العوض و المعوض و قد نهى عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله قال: لا يجمع بين

ج 23، ص: 289

العوض و المعوض لواحد» على أن المراد جبر ما فات عليه بسبب العيب لا غيره، مما أقدم عليه أو غبن فيه أو غير ذلك، و الذي فات عليه بسبه ما ذكرناه مضافا الى ما سمعته من

الصحيح أو الحسن (1)السابق المراد من قوله فيه «و يرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك»

ما سمعته قطعا، و الا لم يكن وجه للتقييد بالثمن كما هو واضح، و حينئذ فما عن بعض الجمهور من أن الأرش نقص قيمة المعيب من الأغلاط.

نعم هو متجه في الأرش بالنسبة إلى الغاصب و نحوه، بل و الى البائع حيث يفسخ بخياره مثلا، و كان قد تعيب في يد المشتري عيبا مضمونا، فإنه يأخذ حينئذ تفاوت ما بين القيمتين، لا من الثمن بالنسبة مع احتماله، لإقدامه على الضمان بالثمن، إلا أن الأول أقوى، و عن الشهيد في الحواشي أن الأرش يطلق بالاشتراك اللفظي على معان آخر، منها- نقص القيمة لجناية الإنسان على عبد غيره في غير المقدر الشرعي و منها- ثمن التالف المقدر شرعا بالجناية، كقطع يد العبد، و منها- أكثر الأمرين من المقدر الشرعي و الأرش، و هو ما تلف بجناية الغاصب، ثم ان الظاهر مراعاة

القيمة حال العقد لان الثمن يومئذ قابل المبيع، و هو وقت دخوله في ملكه، و وقت استحقاقه الأرش، لا يوم القبض باعتبار أنه يوم دخول المبيع في ضمانه، و يوم استقرار الملك، لانه لا دخل لذلك في اعتبار القيمة، و منه يعلم ضعف احتمال أقل الأمرين من يوم العقد الى يوم القبض، لأن القيمة ان كانت يوم البيع أقل فالزيادة حدثت في ملك المشتري، و لان يوم البيع وقت الاستحقاق، و ان كان يوم القبض، أقل فالنقص من ضمان البائع، لأنه وقت الاستقرار، و لعل احتمال


1- 1 الوسائل الباب- 16 من أبواب الخيار الحديث 2.

ج 23، ص: 290

كون المدار على القيمة حال استحقاق الأرش باختياره أو بحصول المانع من الرد أولى منهما، لان ذلك الوقت هو وقت استحقاق الأرش إذ قبله كان البائع مخيرا بين الرد و الأرش، فهو غير مستحق على التعين، و لذا لا تشتغل به ذمة البائع حينئذ بخصوصه الا مع أحد الأمرين، و لو كان العيب الذي يراد أرشه حادثا في زمن الخيار مثلا بناء على استحقاق الأرش، فالمتجه ملاحظة القيمة حين حدوثه أو حال تعين استحقاقه بالاختبار أو التصرف مثلا فتأمل جيدا.

و يعتبر في المقوم العدالة و المعرفة و التعدد و الذكورة و ارتفاع التهمة، كما نص عليه في الدروس و غيرها، الا انه مع ابتنائه على أن التقويم من باب الشهادة لا يخلو بعضها عن نظر، خصوصا مع تعذرها و انحصار المقومين في فاقديها، و على تقدير الاشتراط، فالمتجه حينئذ عند التعذر الرجوع إلى الصلح بما يراه الحاكم، كما أن المتجه هنا سؤال الحاكم ممن يتمكن من المقومين و إن لم يجمعوا الشرائط ليكون على بصيرة في حكمه، و أما احتمال التعطيل حتى يحصل مقومون جامعون للشرائط، ففيه تعطيل الحق عن مستحقه؛ كما أن احتمال الاقتصار على المتيقن و نفى الزائد بأصالة البراءة فيه ضرر على من له الأرش، فالأولى ما ذكرنا.

كما أنه يمكن أن يقال إن اختلف أهل الخبرة في التقويم أو اختلف القيم، لأفراد ذلك النوع المساوية للمبيع، فان ذلك قد يتفق و لو نادرا، يتعين الصلح أيضا إذ الاقتصار على الأقل و نفى الزائد بأصل البراءة و الرجوع إلى القرعة أو التخيير للحاكم أو نحو ذلك، مما يظهر بعضه مما ذكروه في تعارض الامارات، لكن المفيد و المصنف و الفاضل و الشهيدين و العليين و غيرهم على ما حكى عن بعضهم على أنه يعمل على الأوسط الذي هو هنا عبارة عن قيمة منتزعة من مجموع القيم، نسبتها إليه كنسبة الواحد الى عدد تلك القيم من القيمتين نصف مجموعهما و من الثلاثة ثلثه و

ج 23، ص: 291

هكذا حتى تكون عملا بالجميع في الجملة، و ذلك لانتفاء الترجيح لقيمة على أخرى، فالمراد من الوسط حينئذ القيمة المتوسطة بين الجميع بحيث لا تكون إلى واحدة أقرب منها إلى أخرى، لا الوسط بالمعنى المنساق، ضرورة انتفاؤه في نحو القيمتين، و الأربعة و نحوها مما لا وسط لها.

و حاصله مراعاة نقيصة كل قيمة و زيادتها، فلو قوم صحيحا مثلا باثني عشر و معيبا بعشرة و قومه آخر صحيحا بثمانية، و خمسة معيبا كان تفاوت قيمتيه صحيحا أربعة، فتقسم بالنصف إعمالا لكل من البينتين، فيكون قيمته صحيحا عشرة و تفاوت قيمتيه معيبا مثلا خمسة فتقسم أيضا بالنصف إعمالا لهما، فيكون قيمته معيبا سبعة و نصفا، فالتفاوت حينئذ بين قيمة الصحيح و المعيب المنتزعين الربع، فيؤخذ ذلك من الثمن، و هذا معنى قولنا يؤخذ من القيمتين نصف مجموعهما، و من الثلث ثلثها، محافظة على ذلك.

و كذا قول بعضهم في طريق ذلك، بوجه أسهل من الأول، إنه تجمع القيم الصحيحة، و القيم المعيبة، ثم تنسب و يؤخذ بنسبتها من الثمن، بل هو بعينه الرجوع إلى نصف مجموع القيمتين، ضرورة كون النسبة بين المجموعين هي النسبة بين أجزائهما مع اتحاد الاجزاء في الاسم كالنصف مثلا، فالنسبة بين العشرين و الخمسة عشر مثلا هي النسبة بين العشرة و السبعة و نصف، و بالنسبة بين الستة و الثمانية، كالنسبة بين نصفيهما كما هو واضح، و مرجع الجميع إلى ما ذكرنا.

نعم يحكى عن الشهيد طريق آخر للجمع بين القيم، بل عن إيضاح النافع أنه الحق، و هو أن ينتسب معيب كل قيمة إلى صحيحها و يجمع قدر النسبة و يؤخذ من المجتمع بنسبة القيم كنصفه إن كانتا اثنتين و ثلثة لو كانت ثلاثة و هكذا، و هو قد يتحد

ج 23، ص: 292

مع الطريق الأول، و قد يختلف، و كشف الحال يحصل بصور، الأولى أن يختلف المقومون فيها معا بأن قالت إحدى البينتين إن قيمته اثني عشر صحيحا و عشرة معيبا و الأخرى ثمانية صحيحا و خمسة معيبا، فالتفاوت بين مجموع الصحيحتين و مجموع المعيبتين الربع، فيرجع ربع الثمن فلو كان اثني عشر فالأرش ثلاثة و كذا إذا أخذت نصف مجموع الصحيحتين و هو عشرة و نصف مجموع المعيبتين و هو سبعة و نصف، يكون التفاوت ربعا أيضا و على ما ذكره الشهيد يؤخذ تفاوت الأولى و هو السدس، و الثانية و هو ثلاثة أثمان ثم يقسم ذلك بالنصف لأن الفرض أنهما قيمتان، فيكون نصف سدس و ثمن و نصف ثمن ثم يسقط ذلك من الثمن فإذا كان هو اثنى عشر سقط منه ثلثة و ربعه التي هي نصف السدس و ثلاثة أثمان أى ستة و نصف، و لو كانت القيم ثلاثة إحداها كالأولى و الثانية عشرة صحيحا و ثمانية معيبا و الثالثة ثمانية صحيحا و ستة معيبا فعلى الأول يكون التفاوت الخمس، لأن مجموع القيم الصحيحة ثلاثون، و المعيبة أربعة و عشرون، فالتفاوت ستة هي خمس، فيرجع بخمس الثمن و هو اثنان و خمسان، من الاثنى عشر، و على الثاني يجمع سدس الثمن و هو اثنان من الاثنى عشر، و خمسه و هو اثنان و خمسان، و ربعه و هو ثلاثة، فيكون المجموع سبعة و خمسين، فيسقط من الثمن ثلثها و هو اثنان خمسان و ثلث الخمس، و به يزيد على الأول و قد يتحدان كما لو كانت إحدى القيمتين اثني عشر صحيحا و أربعة معيبا، و الأخرى ستة صحيحا و اثنان معيبا فإن التفاوت الثلثان على كل منهما، و كذا لو كانت الأولى ستة معيبا و الثانية ثلاثة، معيبا، فان التفاوت النصف على كل منهما أو كانت الأولى ثمانية معيبا و الثانية أربعة، فإن التفاوت الثلث على كل منهما.

و هكذا الصورة الثانية: إن تتفق قيمة الصحيحة و تختلف المعيبة فلو كانت قيمته اثني عشر صحيحا عند الجميع و قيمته معيبا بعشرة عند قوم، و ستة عند آخرين.

و الطريق على الاولى تنصيف مجموع قيمتي المعيبة و نسبته، إلى الصحيحة و يسقط من الثمن بالنسبة، و هو الثلث هنا أو تضعف الصحيحة و ينسب المجموع الى المجموع؛ و هو هنا الثلث أيضا، و على ما ذكره الشهيد يجمع السدس و النصف من الثمن، و يسقط نصفه و هو الثلث

ج 23، ص: 293

هنا أيضا، و كذا لو كانت القيم في المعيب ثلاثة بأن قالت الثالثة إن قيمته ثمانية معيبا، فإنك إن كررت الصحيحة، أو أخذت ثلث مجموع قيم المعيبة و نسبته إلى الصحيحة، أو جمعت السدس و النصف و الثلث و أسقطت ثلثة من الثمن، كان التفاوت الثلث أيضا.

الصورة الثالثة: ان تتفق قيم المعيبة دون الصحيحة، بأن كانت قيمته ستة معيبا عند الجميع و ثمانية صحيحا عند قوم، و عشرة عند آخرين، و التفاوت الثلث إن ضعفت المعيبة، و نسبتها إلى مجموع القيمتين أو أخذت نصف الصحيحتين، و نسبته إلى المعيبة، و على ما ذكره الشهيد يجمع التفاوت و هو الربع و الخمسان و هي من الاثنى عشر المفروض كونه ثمنا، أربعة و أربعة أخماس، ثم يسقط نصفهما من الثمن و هو ثلاثة و نصف و خمسان، و به يحصل الاختلاف بين الطريقين، و لو كانت القيم ثلاثة بأن كانت الثالثة اثني عشر صحيحا صار التفاوت خمسين، سواء أخذت ثلث مجموع الصحيحة و هو عشرة، و نسبته إلى المعيبة أو ضعفت المعيبة ثلاثا فتكون ثمانية عشر و تفاوتها مع الثلاثين خمسان.

أما على ما ذكره الشهيد يجمع الربع و هو ثلاثة من الاثنى عشر و الخمسين و هو أربعة و أربعة أخماس و النصف و هو ستة فيكون المجموع ثلاثة عشر و أربعة أخماس فيسقط ثلثها من الثمن و هو أربعة و ثلث و خمس و ثلث الخمس، إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا. نعم قد يشكل ذلك كله بأنه لا دليل عليه، و قاعدة الجمع بين البينات يمكن منعها فالمتجه حينئذ ما ذكرنا من القرعة، أو الاقتصار على الأقل، أو نحو ذلك مما سمعت الذي لا يخلو القول بالقرعة فيه من قوة، و مع تلك القاعدة، فالأولى ما ذكره الشهيد من إعمال كل من البينتين ببعض ما قامت عليه من التفاوت على وجه لا يفصل أحدهما عن الأخر، ضرورة كونه هو الذي اختلفت البينات فيه، و التقويم مقدمة له، لا أنه ينتزع قيمة جديدة خارجة عن المجموع كما هو مقتضى الطريق

ج 23، ص: 294

الأول، إذ هو ليس جمعا فيما اختلفت فيه البينات من التفاوت الذي هو مقتضى أحدها الثلث مثلا، و مقتضى الأخرى الربع مثلا، بل اللائق بعد القطع بانحصار التفاوت في أحد الأمرين، و لم يعلم به على الخصوص تنصيف مقتضى كل من البينتين و الحكم بكونه الأرش إعمالا لكل منهما في النصف فتأمل جيدا.

اللهم إلا أن يقال انهم أخذوا ذلك مضافا إلى ما سمعت من

خبر عبد اللَّه بن عمر(1)الوارد في الأضاحي قال: «كنا بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة، ثم، لم توجد بقليل و لا كثير فوقع هشام المكاري إلى أبي الحسن عليه السلام فأخبره بما اشترينا و انا لم نجد، فوقع عليه السلام انظروا إلى الثمن الأول و الثاني و الثالث فأجمعوا ثم تصدقوا بمثل ثلثه»

و قد عمل به الأصحاب في محله بل قالوا الضابط أن تجمع القيمتان أو القيم و يتصدق بقيمة منسوبة إلى القيم بالسوية، فمن الثلاث الثلث، و من الأربعة الربع، و هكذا و اقتصار بعض على الثلث تبعا للرواية و إلا فالمراد ذلك، و هو قريب إلى ما قلنا به، بل لعل اختلاف البينات هو تعدد القيم باعتبار تفاوت الرغبات فيكون كالشي ء الواحد الذي له قيم متعددة و مقتضى العدل الجامع بين حقي المشتري و البائع هو ما ذكره الأصحاب، و

تضمنه الخبر المزبور، فليست المسألة حينئذ من تعارض البينات كي يجرى فيها حكمه.

و لو كان الثمن عروضا استحق المشتري قيمة نسبة التفاوت منه كما أنه لو كان نقدا لم يستحق الأرش في خصوص ما دفعه منه، لان التحقيق كون الأرش من الغرامات فالثمن حينئذ ملك البائع على كل حال، و لو كان العيب في الثمن و كان عروضا استحق البائع على المشتري قيمة نسبة التفاوت من المبيع فمع فرض كون التفاوت النصف استحق عليه قيمة نصف المبيع.


1- 1 الوسائل الباب 58 من أبواب الذبح الحديث- 1.

ج 23، ص: 295

و قد يحتمل أنه يستحق عليه تفاوت ما بين الصحة و العيب، و لا جمع هنا بين العوض و المعوض عنه بحال، لان الغابن إن كان هو المشتري فالأمر واضح، و ان كان هو المغبون، فليكن كذلك في الثمن و أرشه، ضرورة أن الأرش ليس هو إلا جابرا للمعيب، بحيث يصيره صحيحا؛ و هو الغبن الأول الذي قد أقدم عليه، و فيه أن مثله يأتي في عيب المبيع مع أنك قد عرفت انه يرجع على الثمن بنسبة التفاوت و دعوى- الفرق بينهما يكون الثمن قيمة للمبيع، بعد أن تراضيا عليه، فيكون التفاوت بالنسبة و ملاحظة القيمة الواقعية إنما هو لمعرفة قدر التفاوت- يدفعها أنه كما أن الثمن قيمة للمبيع بالتراضي كذلك المبيع قيمة الثمن لذلك أيضا، فالأولى ملاحظة النسبة في كل منهما، فتأمل جيدا.

[المسألة الرابعة إذا علم بالعيب بعد العقد و لم يرد لم يبطل خياره ]

المسألة الرابعة إذا علم بالعيب بعد العقد و لم يرد لم يبطل خياره و لو تطاول إلا أن يصرح بإسقاطه أو يحصل ما يقتضيه مما عرفته فيما تقدم، إذ هو على التراخي على المشهور بل ربما ظهر من بعضهم الاتفاق عليه فضلا عن عدم الخلاف فيه، و في المسالك «أنه المعروف في المذهب و لا نعلم فيه خلافا» نعم فجعله في التذكرة أقرب و هو يشعر بخلافه، لكن لا نعلم قائله و إنما خالف فيه الشافعي جعله علي الفور و هو محتمل إن لم يثبت الإجماع بتقريب الدليل السابق في نظائره» قلت الاستصحاب و إطلاق الأدلة بل ظهور بعضها إن لم يكن صريحة ينفي الاحتمال المزبور، فضلا عن الإجماع المذكور، و إن كان هو قول ابني زهرة و حمزة في الغنية و الوسيلة بل نفى الخلاف عنه أولهما، إلا أنه غريب فلا ريب حينئذ في التراخي كما أنه لا ريب في أن له فسخ العقد بالعيب سواء كان غريمه حاضرا أو غائبا خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من اشتراط الحضور.

[المسألة الخامسة إذا حدث العيب بعد العقد و قبل القبض كان للمشترى رده ]

المسألة الخامسة إذا حدث العيب بعد العقد و قبل القبض كان للمشترى

ج 23، ص: 296

رده قطعا و في الأرش تردد و خلاف قد تقدم الكلام فيه سابقا في التسليم و لو قبض بعضه ثم حدث في الباقي حدث العيب كان الحكم كذلك فيما لم يقبض لأنه مضمون على البائع و اتحاد الصفقة يلحق المقبوض به في ذلك بل لا يجوز له الاقتصار على رد غير المقبوض لما عرفته مفصلا في المعيب بعيب سابق إذ المسألة من واد واحد.

لكن في المسالك هنا «أنه ربما قيل بجواز الاقتصار على رد المعيب خاصة نظرا إلى أن سبب الرد هو العيب الحادث في البعض و قد حدث حين كان ذلك البعض مضمونا وحده فيتعلق به جواز الرد دون المقبوض،» و فيه أن حدوث العيب في غير المقبوض مقتض لجوار رده في الجملة لا رده وحده، لأن كون المقبوض غير مضمون لا يمنع رده كما لا يقتضيه، فيبقى مقتضى اتحاد الصفقة الذي هو عدم جواز تبعيضها إلا بالتراضي بحاله من غير معارض، بل لو أراد المشتري رد الجميع و لم يرض البائع إلا برد المعيب وحده لم يكن له ذلك، لأن المعيب يرد بعينه الحادث في وقت كونه مضمونا، و الباقي حذرا من تبعيض الصفقة كما هو واضح.

و أما ما يحدث في الحيوان بعد القبض و قبل انقضاء الخيار لا يمنع الرد في الثلاثة لأنه مضمون على البائع فيها، فلا ينافي الخيار الثابت فيها كما أنه لا يمنع الرد بالعيب السابق و لو فيما بعدها، لما عرفت من أن ثبوت الخيار به على التراخي و الحادث لا يصلح مانعا له، بعد أن كان مضمونا على البائع نعم ظاهر العبارة أنه هو لا يوجب خيارا كما حكاه أول الشهيدين عنه في الدروس قال: «و هو ينافي حكمه في الشرائع بأن الحدث في الثلاثة من مال البائع مع حكمه بعدم الأرش فيه» و كأنه يريد أنه إذا كان مضمونا على البائع كالجملة لزمه الحكم بالأرش، إذ لا معنى لكون الجزء مضمونا الا ثبوت أرشه، لأن الأرش عوض الجزء الفائت أو التخيير بينه و بين الرد، كما أن ضمان الجملة يقتضي الرجوع بمجموع عوضها و هو الثمن.

ج 23، ص: 297

و من هنا كان خيرة الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم أن له الرد بالعيب الحادث بل صرح بعضهم بان له الأرش إن اختاره، إذ هو باعتبار ضمانه على البائع كالعيب السابق، و هو المنقول عن شيخ المصنف نجيب الدين ابن نما فيكون له في الثلاثة حينئذ الخيار في الرد من جهتين، و لا مانع، لأن علل الشرع معرفات يمكن اجتماع كثير منها في وقت واحد، كما في خيار المجلس و الحيوان و الشرط و الغبن إذا اجتمعت في عين واحدة قبل التفرق، و تظهر الفائدة في المقام في الإسقاط و في ثبوت الخيار بعد انقضاء الثلاثة، و لعدم تقيد خيار العيب بها، و إن اشترط حصوله في الثلاثة فما قبلها و قد تقدم في العيب قبل القبض ما يظهر منه المطلوب هنا، لاتحاد هما في كيفية الدليل، فيأتي في الأرش و الرد حينئذ ما سمعته سابقا.

و قد ينتصر للمصنف بأن الأصل اللزوم و لا معارض له سوى ما دل على أن التلف في الثلاثة من مال البائع، و هو ظاهر في الانفساخ و ألحق به العيب، إلا أن الإجماع على عدم الانفساخ به، فيمكن أن يكون المراد بكونه من مال البائع أنه إذا فسخ المشتري بخياره الذي هو الثلاثة تستقر غرامة العيب على البائع، لا أنه يرد به، أو أن له الأرش للأصل السالم عن المعارض، و لا ينتقض ذلك بالعيب قبل القبض لأنه لا أرش له عنده أيضا، و أما الرد به فلعله للإجماع و نحوه، و بذلك يرتفع التنافي عن كلام المصنف و اللَّه أعلم بحقيقة الحال.

[المسألة السادسة يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون و الجذام و البرص ]
اشارة

المسألة السادسة: روى إسماعيل أبو همام بن همام في الصحيح عن الرضا عليه السلام (1)قال: سمعته يقول «يرد المملوك من أحداث السنة:

من الجنون و الجذام و البرص

فقلت: كيف يرد من أحداث السنة قال: هذا أول السنة، فإذا اشتريت مملوكا به شي ء من هذه الخصال ما بينك و بين ذي الحجة فرده


1- 1 الوسائل الباب 2- من أبواب أحكام العيوب الحديث- 2-.

ج 23، ص: 298

على صاحبه»

و في رواية على بن أسباط عنه عليه السلام أيضا(1)

«و أحداث السنة ترد بعد السنة قلت و ما

أحداث السنة قال الجنون و الجذام و البرص و القرن فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يرد على صاحبه إلى تمام السنة من يوم اشتراه» و في معناه رواية محمد بن على لذي احتمل فيه أنه الحلبي (2)عنه عليه السلام أيضا

قال «سمعته يقول يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون و الجذام و البرص و القرن قال: قلت: كيف يرد من أحداث السنة فقال: هذا أول السنة يعني المحرم فإذا اشتريت مملوكا فحدث فيه من هذه الخصال ما بينك و بين ذي الحجة رددت علي صاحبه»

و

في خبر ابن فضال (3)«ترد الجارية من أربع خصال من الجنون و الجذام و البرص و القرن و الحدبة»

و

عن الكافي(4)«و القرن الحدبة إلا أنها تكون في الصدر تدخل الظهر و تخرج الصدر»

و

في موثقه (5)عن أبى الحسن عليه السلام «في أربعة أشياء خيار سنة الجنون و الجذام و البرص و القرن»

و

في حسنةعبد اللَّه بن سنان (6)«و عهدته السنة من الجنون فما كان بعد السنة فليس بشي ء»

و

روى الوشاء(7)«أن العهدة في الجنون وحده إلى سنة»

و لا محيص عن العمل بما تضمنه الصحيح الأول بعد اعتضاده بما سمعت، و بالإجماع في الغنية و محكي السرائر الذي يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب فإني لم أجد خلافا في الرد بها إلى سنة كما عن التذكرة الاعتراف به في الجنون، بل قيل إن ظاهرها الإجماع فيه و في الأخيرين فما عن الأردبيلي من التوقف في خصوص البرص منها لما

في حسنة عبد اللَّه بن سنان (8)«من


1- 1 الوسائل الباب 2- من أبواب أحكام العيوب الحديث- 4.
2- 2 الوسائل الباب 2- من أبواب أحكام العيوب و في ذيل الحديث 2-.
3- 3 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العيوب الحديث 1-.
4- 5 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العيوب- 637.
5- 4 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العيوب- و في ذيله 2.
6- 6 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العيوب- 637.
7- 7 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العيوب- 637.
8- 8 الوسائل الباب 3- من أبواب الخيار الحديث 7.

ج 23، ص: 299

أن العهدة فيه ثلاثة أيام»

في غير محله، ضرورة قصورها عن معارضة ما سمعت من وجوه خصوصا بعد احتمال تصحيف المرض فيها بالبرص، للتقارب في النقش، كما أن الاشكال- في المسالك في الجذام بأنه يوجب العتق على المالك قهرا، و حينئذ فإن كان حدوثه في السنة دليلا على تقدمه على البيع، لما قبل في تعليل الرد بهذه الأحداث؛ من أن وجودها في السنة دليل على حدوثها قبل

البيع، لأنها تكمن في البدن سنة لم تخرج، فيكون عتقه على البائع، فيكشف ظهوره عن بطلان البيع فلا يتجه الخيار؛ و إن عمل على الظاهر كان حدوثه في ملك المشتري موجبا لعتقه قبل أن يختار الفسخ إذ ليس له اختياره، حتى يتحققه، و متى تحققه حكم بعتقه شرعا قبل الفسخ، فيشكل جوازه بعد العتق- في غير محله.

و إن قال: و يمكن حله بأن الحكم بعتقه بالجذام مشروط بظهوره بالفعل، كما هو ظاهر النص، و لا يكتفى بوجوده في نفس الأمر، فلا يعتق على البائع قبل بيعه لعدم ظهوره و لا بعده قبل الفسخ، لعدم ملكه، و عتقه على المشتري موقوف أيضا على ظهوره، و هو متأخر عن سبب الخيار فيكون السابق مقدما فيتخير، فإن فسخ عتق على البائع بعده، و ان اختار الإمضاء عتق على المشتري بعده، فينبغي تأمل ذلك، قلت: فيه أولا أنه لا إشعار في شي ء من النصوص بأن الفسخ بهذه العيوب لمكان ظهور سبقها عند البائع، حتى يتجه القول بسبق الخيار، قال: ابن إدريس الذي هو الأصل في الاشكال المزبور؛ فيما حكي من سرائره أن الدليل على ذلك الإجماع؛ و ما بنا حاجة إلى ما قاله شيخنا في مقنعته، من أن أصول هذه الأمراض يتقدم ظهورها سنة، و لا يتقدمها بأكثر من ذلك، لأن هذا يؤدى إلى بطلان البيع، لأن البائع باع ما لا يملك، لأن الرقيق ينعتق بالجذام من غير اختيار مالكه، و إنما الشارع حكم بأن الرقيق يرد من هذه العيوب ما لم يتصرف فيه ما بين شرائه من سنة، و ثانيا أنه يمكن القول كما في

ج 23، ص: 300

الحدائق بأن الانعتاق بالجذام و نحوه إنما هو في الملك المستقر الذي لا يتعقبه خيار و لا فسخ، بخلاف ما نحن فيه الذي هو مراعى بمضي السنة، فلا بأس حينئذ بتنزيل خبر السكوني (1)الدال على الانعتاق به على غير الفرض، خصوصا مع قصوره عن معارضة هذه النصوص من وجوه، فلا وجه حينئذ للتفصيل بين فسخه، فينعتق على البائع و عدمه، فينعتق على المشتري، لوضوح بعده عن هذه النصوص، و إن كان قد يناقش فيه بأن التعارض بينها و بين خبر السكوني إنما هو في غير هذا الحال، فيترجح عليه، أما غيره فيبقى بلا معارض.

نعم قد يقال أنه لا تنافي بين انعتاقه و بين استحقاق المشتري الرجوع على البائع، إلا انه يمكن أن يكون انفساخا للعقد لأنه قد تلف بعيب مضمون على البائع، فهو كما لو عمى في الثلاثة، فالمراد بالرد حينئذ في النصوص هنا الأعم منه و من الرد بالخيار؛ و يحتمل أن لا يكون انفساخا فله الخيار حينئذ بين فسخ العقد و الرجوع بالثمن، و بين الإمضاء و المطالبة بالأرش، لكن يجب حينئذ عدم ملاحظة الحرية فيقوم عبدا صحيحا و عبدا مجذوما، إذ على تقدير ملاحظتها لا تبقى له قيمة، فلا جهة للأرش، بل يتعين كونه انفساخا، كما في كل عيب مذهب للمالية، و لعل ذلك لازم على ما ذكره في المسالك أيضا فيما لو منع من رده من حدوث عيب و نحوه؛ ثم أجذم فإنه لا محيص

له حينئذ عما ذكرنا من القول بالانفساخ قهرا و اختيار الأرش على الطريق الذي ذكرناه، هذا كله في العيوب الثلاثة.

و أما القرن فقد ألحقه في الدروس و محكي جامع الشرائع و الإسكافي فيما حكي عنه، لكن في المسالك نسبته إلى الشهرة، و لم نتحققها بل لم نعرف القول به لغير من عرفت، فالقول به لا يخلو من تأمل، و إن تضمنه الأخبار المزبورة المحتاج بعضها


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب العتق الحديث- 2.

ج 23، ص: 301

إلى جابر، كما أن اقتصار الأكثر على غيره يوهن الآخر، على أن في خبر كافي (1)منها ما يقضى بأنه الحدبة، و هو خلاف المعروف بين الفقهاء و اللغويين، إذ هو عندهم شي ء كالسن يكون في الفرج يمنع من الجماع، و على ما رواه غيره (2)يكون الحدبة معطوفا على الأربعة، إلا أنه لم نعثر على مفت به و لا على نص آخر به، و احتمال دخولها في القرن باعتبار اشتراكها معه في النشو، و إن كان هو في الفرج و هي في الصدر كما ترى.

و كيف كان فالظاهر مساواة الخيار بهذه العيوب له في غيرها سقوط الرد بالتصرف و حدوث العيب و نحو هما مما عرفت، و بالسقوط في الأول فضلا عن غيره صرح الفاضل و الشهيدان و غيرهم، بل لعل من تركه هنا اتكالا على ما ذكروه في حكم العيب، و لذا قال في الغنية: «يرد بها ما لم يمنع مانع» و قال ابن إدريس

فيما حكي من سرائره «إن خطر بالبال و قيل الفرق بين هذه العيوب و غيرها أنه لا يسقط الرد بها بالتصرف بخلاف غيرها، قلنا له: هذا خلاف إجماع أصحابنا؛ و مناف لأصول المذهب، لأن الإجماع حاصل على أن التصرف يسقط الرد بغير خلاف بينهم، و الأصول مثبتة مستقرة على هذا الحكم» بل ظاهره الإجماع على ذلك إلا أنه أشكله بعضهم بأنه يبعد تنزيل إطلاق الاخبار على عدم التصرف في المملوك الذي يشترى للخدمة في مدة هذه السنة، فلا يبعد القول بعدم سقوط هذا الخيار بالتصرف كالمصراة؛ و قد يدفع أولا بأنه لا استبعاد في حمل الإطلاق عليه بعد أن لم يكن جوابا للسؤال عن أمر واقع، و ثانيا أنه قد يقال إن المسقط للرد إنما هو التصرف بعد حصول سبب الخيار لا قبله، و النصوص لو سلم ظهورها فهو في الثاني، لا الأول كما هو واضح.


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العيوب الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العيوب الحديث 1.

ج 23، ص: 302

و لعله إليه أومى المصنف بقوله.

[فرع هذا الحكم يثبت مع عدم الأحداث فلو أحدث ما يغير عينه أو صفته ثبت الأرش و سقط الرد]

فرع هذا الحكم يثبت مع عدم الأحداث فلو أحدث ما يغير عينه أو صفته ثبت الأرش و سقط الرد و ان اعترضه في المسالك بأن مطلق التصرف مانع من الرد كغيرها من العيوب و ان لم يوجب تغييرا، لكن قد يقال ان المصنف أراد أن التصرف إذا لم يكن يقتضي أحد الأمرين و لا مخرجا عن الملك، لا يسقط الرد بالعيب الحادث بعده؛ أما هما فيسقط انه و إن حصلا قبله لاشتراط الرد في المعيب بكون العين قائمة، أي غير متغيرة و لو صفة، و لذا كان حدوث العيب مانعا من الرد، بل قد تقدم احتمال توقف حقيقة رد العين عليه، و كذا يسقطه مطلق التصرف و إن لم يكن مغيرا لو كان بعد حصول سبب الخيار.

و على كل حال فلا ينبغي التأمل في ثبوت الأرش هنا مع حصول المانع من الرد، و إن استشكل فيه في التحرير، إلا أنه في غير محله، ضرورة عدم نقصان هذه العيوب عن غيرها بالنسبة إلى ذلك؛ و عدم التعرض له في نصوص المقام اكتفاء بما تضمنته من بيان زيادة هذا العيوب على غيرها بالرد بها لو حدثت في ضمن سنة، فالثابت لما عداها ثابت لها بطريق أولى. نعم قد يستشكل في الأرش إذا حدثت هذه العيوب في المملوك في ضمن السنة، لكن بعد انتقاله إلى غيره على وجه لا يرد بها عليه، لظهور المراد في نصوص المقام كون المملوك باقيا على الملك، مضافا إلى الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن.

لكن الأقوى ثبوت الأرش أيضا، و الرد في النصوص محمول على ما إذا كان باقيا على الملك، و أولى من ذلك ما إذا كان انتقالها بوجه يرد بها عليه، و أولى منه لو ردت فعلا بها عليه، فظهر أن المتجه حينئذ مساواة هذه العيوب لغيرها في ذلك كله، و منه يعلم أن الرد بها و إن اشترط بحصوله في السنة. إلا أنه لا يتقيد بها كما هو مقتضى إطلاق الأدلة؛ بل قيل ان خبر على بن أسباط(1)«صريح فيه، و لا ينافيه


1- 1 الوسائل الباب- 2 من أبواب أحكام العيوب الحديث- 4-.

ج 23، ص: 303

ذيله بعد أن كانت الغاية فيه للإحداث لا إلى الرد، فيكون المراد من قوله فيه بعد السنة أن له الرد مع حدوثها في السنة، من حال حدوثها إلى ما بعد السنة، لا أن المراد اشتراط الرد بما بعدها، ثم إن الظاهر إرادة مقدار سنة مبدأها يوم الشراء، لا أن المراد تمام تلك السنة التي مبدأها المحرم حتى أنه لو وقع الشراء مثلا في ذي الحجة كان العهدة من هذه العيوب تمامه، لأن به تتم السنة، و إن أوهمه بعضها. نعم قد يظهر منها اعتبارها هلالية لا عددية؛ و إن وقع الشراء في المنكسر و اللَّه اعلم.

[الفصل السادس في المرابحة و المواضعة و التولية]

اشارة

الفصل السادس في المرابحة و المواضعة و التولية التي هي بجميعها قسيمة للمساومة لما قيل: من ان البائع، إما أن يخبر برأس ماله أولا، و الثاني المساومة و الأول المرابحة إن باع بربح و المواضعة إن باع بنقص، و التولية إن انتفيا معا فالمرابحة حينئذ كما في القواعد البيع مع الإخبار برأس المال مع الزيادة عليه، و منه يعلم تعريف البواقي، و زاد أول الشهيدين «التشريك، و هو إعطاء بعض المبيع برأس ماله، بأن يقول شركتك في هذا المتاع نصفه مثلا بنصف ثمنه، بعد العلم بقدره، و تبعه ثاني الشهيدين بعد اعترافه بأنه لم يذكره كثير، قال: و في بعض الأخبار دلالة عليه.

قلت: و مقتضاه عدم تصور المرابحة فيه، و هو التشريك بالربح و لا المواضعة، و فيه نظر، و على تسليمه يمكن اندراجه في التولية، بدعوى تعميمها حينئذ للجميع و البعض، فتكون قسمة الأصحاب حينئذ بحالها، قال: في التذكرة و لو كان المشتري قد اشترى شيئا و أراد ان يشرك غيره فيه ليصير له بعضه بقسطه من الثمن جاز، بلفظ البيع و التولية و المرابحة و المواضعة ثم إن نص على المناصفة و غيرها فذاك، و إن أطلق الاشتراك احتمل فساد العقد- للجهل بمقدار العوض، كما لو قال: بعتك بمأة

ج 23، ص: 304

ذهبا و فصة- و الصحة و تحمل على المناصفة كما لو أقر بشي ء لاثنين، و للشافعية وجهان كهذين، و الاشتراك في البعض، كالتولية في الجميع في الأحكام السابقة.

لكن قد يقال: أن المرابحة مثلا البيع بنفس رأس المال مع زيادة كذا

قال العلاء(1)«قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام الرجل يريد أن يبيع البيع فقال: أبيعك بده دوازده فقال لا بأس؛ إنما هذه المراوضة فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة»

و ظاهره حصرها في ذلك، و هو لا يأتي في التشريك، لان القسط من الثمن ليس ثمنا و لذا لم تحصل المرابحة العرفية في أبعاض المبيع المعينة المقسط عليها الثمن كما ستعرف إنشاء اللَّه.

و كذا الكلام في التولية و المواضعة نعم قد يقال: ينبغي إرادة القصد فيها مع ذلك، بعدم جريان أحكام المرابحة علي البيع بالزيادة مع قصد عدمها بل و بدون قصدها؛ إلا أنه لا يخلو من نظر، فتأمل و لو اختلفا في القصد فالظاهر البطلان، و لو ادعى المشتري إرادة المرابحة، فأنكر البائع كان القول قوله بيمينه، إذا لم يكن ظهور في اللفظ، لانه كدعوى الشرط على البائع حينئذ؛ و لعل المفاعلة في المرابحة و و المواضعة لتوقف العقد على الرضا و الصيغة من الجانبين، فكان كلا منهما فاعل للربح و إن اختص بملكية أحدهما.

و علي كل حال ففي الدروس «قد يتفق المرابحة و قسيماها في مبيع واحد، كما لو اشترى ثلاثة ثوبا بالسوية لكن ثمن أحدهم عشرون و الأخر خمسة عشر و الأخر عشرة ثم باعوه بعد الاخبار، بخمسة و أربعين، فهو مواضعة بالنسبة إلى الأول، و تولية بالنسبة إلى الثاني، و مرابحة بالنسبة إلى الثالث، و كذا لو باعوه مساومة و لا يقسم على رأس المال، هذا مع تعدد العقود، و لو كان العقد واحدا بالخمسة و الأربعين، كان الثمن


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب أحكام العقود الحديث- 5.

ج 23، ص: 305

مقسوما على رأس المال، و لو تشخص في العقد الواحد ثمن كل ثلاث فهو كالعقود المتعددة، و الظاهر أن مراده بقوله هذا إلى آخره. بالنسبة إلى الثلاثة الذين اشتروا الثوب بالسوية إذا القسمة على رأس المال متجهة فيهم لو كان العقد واحد، أو لم يذكر ثمن كل ثلاث، و لو اشترى خمسة ثوبا بالسوية لكن ثمن نصيب أحدهم عشرون، و الآخر خمسة عشر، و الثالث عشرة، و الرابع خمسة، و الخامس لم يتبين، ثم باع من عدا الرابع نصيبهم بستين، بعد إخبارهم بالحال، و الرابع شرك في حصته فهو بالنسبة إلى الأول مواضعة، و إلى الثاني تولية، و الثالث مرابحة، و الرابع تشريك، و الخامس مساومة، و اجتماع قسمين و ثلاثة و أربعة منها على قياس ذلك، إلا أنه ينبغي مراعاة القصد الذي ذكرناه.

[أما المرابحة]
اشارة

و كيف كان، ف الكلام في المرابحة و توابعها يقع في مقامين، أحدهما في العبارة و الثاني في الحكم

[أما العبارة]

أما العبارة فإن يخبر برأس ماله بما تسمعه من إحدى العبارات الآتية و شبهها إذا لم يكن المشتري عالما، و إلا كفى الاعتماد على علمه، كما صرح به في التذكرة، و احتمال وجوب الذكر تعبدا ليكون قائما مقام ذكره في العقد بعيد، فالأخبار في المتن و غيره محمول على الغالب من انحصار طريق معرفة المشتري فيه، ثم يقول بعد الإخبار بعتك أو ما جرى مجراه مما تقدم في الصيغة بربح كذا و جريان المرابحة و لواحقها في غير البيع من عقود المعاوضة كالصلح و الإجارة لا يخلو من قوة، بل صريح بعضهم جريانها في الإجارة، بل السيرة القطعية على جريانها في المعاطاة، على أن التحقيق كونها من الإباحة بعوض، و حينئذ يكون ذكر المرابحة في البيع كذكر النقد و النسيئة، لا لإرادة اختصاصها به، هذا كله بالنسبة إلى نقل المال إلى المشتري.

أما انتقاله إلى البائع فلا يعتبر فيه البيع قطعا، بل يكفي فيه الصلح و نحوه، بل قد يقال: بكفاية جميع ما يغرمه في تلك الحال، كإحياء أرض، أو معدن، أو نحو

ج 23، ص: 306

ذلك، و قد أراد بيعها مرابحة، جاعلا ما غرمه على ذلك رأس مال مخبرا بتقوم و نحوه فتأمل: و لا يتعين لفظ ربح، بل يجرى مجراه كل ما أفاد فائدته من لفظ الزيادة و غيرها، نعم قد يفرق بينه و بينها بصراحته أو ظهوره في نفسه، في إرادة عقد المرابحة بخلاف لفظ الزيادة فإنه يحتاج معه إلى ضم غيره معه في إرادة المرابحة، لما عرفت من أعمية البيع بالزيادة منها، و لعله على هذا ينزل

خبر ميسر بياع الزطي (1)الفارق فيه بين اللفظين، فلاحظ و تأمل، قال: «قلت: لأبي عبد اللَّه عليه السلام إنا نشتري المتاع نظرة، فيجيئني الرجل، فيقول: بكم تقوم عليك؟ فأقول: بكذا و كذا، فأبيعه بربح، فقال: إذا بعته مرابحة، كان له من النظرة مثل مالك قال: فاسترجعت، و قلت:

هلكنا، فقال: مم قلت؟ لأن ما في الأرض من ثوب أبيعه مرابحة، يشتري مني، و لو وضعت من رأس المال، حتى أقول تقوم بكذا و كذا، قال فلما

رآى ما شق، علي، قال: أ فلا أفتح لك بابا يكون لك فيه فرج منه، قل: قام علي بكذا و أبيعك بزيادة كذا و لا تقل بربح»

بل و

خبر عبيد بن عبد ربه (2)قال: «قدم متاع لأبي عبد اللَّه عليه السلام من مصر، فصنع طعاما و دعى له التجار، فقالوا: نأخذه بده دوازده، فقال: لهم أبو عبد اللَّه عليه السلام و كم يكون ذلك. فقالوا: في كل عشرة آلاف ألفين، فقال أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفا، فباعهم مساومة»

الذي يكشف عن المراد، ب

خبر محمد بن مسلم (3)«قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إنى أكره بيع عشرة بإحدى عشرة، و لكن أبيعك بكذا و كذا مساومة، و قال: أتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك و عظم علي، فبعته مساومة»

بناء على أن المراد إضافة الزيادة مع الأصل ثم بيعه مساومة، و لا بد أن يكون رأس ماله معلوما، و قدر الربح معلوما عندهما حال البيع، بلا خلاف أجده فيه، بل في التذكرة لو كان المشتري جاهلا برأس المال بطل البيع إجماعا، و كذا لو كان البائع


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب أحكام العقود الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب أحكام العقود الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب أحكام العقود الحديث 4.

ج 23، ص: 307

جاهلا به و المشتري عالم به، أو كانا جاهلين، و عن المبسوط لو علما قدر رأس

المال و جهلا الربح مثل أن يقول: رأس المال كذا، و الربح ما نتفق عليه بطل، قلت: لا ريب في البطلان مع هذه الجهالة، في رأس المال، أو الربح ضرورة، رجوعها إلى جهالة الثمن التي هي مانع من صحة البيع من أصله، فضلا عن خصوص المرابحة منه، و الأول إلى العلم غير كاف فيه قطعا، نعم في جامع المقاصد و المسالك «أن المراد بذلك وجوب علمهما حالة البيع، فلا يكفي علم أحدهما؛ و لا تجدد علمهما بعد العقد، و إن اقتضاه الحساب المنضبط، كما لو علما بالثمن و جعلا ربح كل عشرة درهما، و الحال أنهما لا يعلمان ما يتحصل من المجموع حالة البيع، و لعله كذلك إذا فرض جهلهما أو جهل أحدهما بمقدار الثمن عشرات مثلا، أما إذا علماه إلا أنهما لم يستحضرا المجموع، فقد يقال:

بصحته خصوصا إذا لم يكن محتاجا إلى طول نظر، لعدم الجهالة في مثله عرفا فيتناوله العمومات، بل قد تحتمل الصحة في الأول أيضا، لأنه و إن كان مجهول الجملة إلا أنه معلوم عند التفصيل.

قال: في المختلف «و لو أخبره برأس المال و زاد في كل عشرة درهما، و لم يعلما وقت العقد كمية الثمن احتمل البطلان، للجهالة، و الصحة لإمكان العلم، فإنه يستخرج بالحساب» و علل في التذكرة كراهة نسبة الربح إلى الثمن في المرابحة، بأنه قد لا يعلم قدر الثمن في حالة العقد؛ و يحتاج في معرفته إلى الحساب، بل قد عرفت فيما سبق صحة بيع الصبرة كل قفيز بدرهم، مع أنها مجهولة الجملة، بل جوز الفاضل في القواعد، بعتك هذه السلعة بأربعة إلا ما يخص واحدا إذا علماه بالجبر و المقابلة، كل ذلك مضافا إلى إطلاق النصوص خصوصا المتضمن منها جواز بيع ده بدوازده، فالقول بالصحة حينئذ في الصورتين خصوصا الأولى لا يخلو من قوة.

نعم قد يقوى البطلان لو فرض عدم علمه بمسمى العشرة مثلا إذ هو غرر محض؛ و كونها عددا مضبوطا في نفسه و إن لم يعرف مصداقها غير مجد، و لعل منه الشراء بوزن

ج 23، ص: 308

بلد مخصوص لا يعلمه أو كيله، ثم إن الظاهر كون المراد من العلم برأس المال الذي هو شرط في الصحة، عدم إناطة البيع به، ثم البحث عنه بعد ذلك، أما إذا لم يكن كذلك بل فرضا له رأس مال و عينا له ربحا صح مع تراضيهما، كما أنه يصح لو اقتصر البائع على المتيقن من رأس المال. نعم قد يمنع صدق اسم المرابحة عليه مع أن في ذلك بالنسبة إلى بعض الصور نظر، فتأمل جيدا و اللَّه اعلم.

و كذا لا بد من ذكر الصرف و الوزن إن اختلفا مع الاختلاف لحصول الجهالة بدون ذلك إذا فرض تعدد النقود، و اختلف صرفها و وزنها، بأن كان صرف بعض الدنانير عشرة دراهم، و بعضها أكثر، و كذا الوزن لو كان الثمن دراهم مثلا معروفة بالوزن، أما لو اتخذ النقد لم يفتقر، كما صرح بذلك كله، في جامع المقاصد و المسالك، و زاد في الأول «يمكن أن يراد أنه يجب الجمع بين ذكر صرف الدراهم مع الوزن إن فرض الاختلاف، بأن يكون صرف الدراهم المختلف وزن أنواعه واحدا، فإن ذكر الصرف حينئذ لا يغني عن ذكر الوزن»، قلت: كما أنه لا يغني ذكر الوزن للدراهم المختلف صرفها مع اتحاد وزنها و لو في بلدين إذا كان الشراء في ذات الصرف الزائد.

كما يومي إليه

خبر إسماعيل بن عبد الخالق (1)«قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام إنا نبعث بالدراهم لها صرف إلى الأهواز، فيشتري لنا بها المتاع، ثم نلبث فإذا باعه وضع عليه صرفا، فإذا بعناه كان علينا أن نذكر له صرف الدراهم في المرابحة و يجزينا عن ذلك؟ فقال: لا بل إذا كانت المرابحة فأخبره بذلك، و إن كانت مساومة، فلا بأس» و في الوافي تحرينا عن ذلك بالمهملتين، اي تعمدنا الاعراض عنه و طلبنا ما هو أحرى، و فيما حضرني من نسخة الوافي عن التهذيب، روايته نحو ذلك لكن فيه بدل ثم نلبث، فإذا باعه ثم يكتب روزنامچه يوزع عليه صرف الدراهم فإذا بعناه فعلينا أن نذكر صرف الدراهم في المرابحة، و تجزينا عن ذلك؟


1- 1 الوسائل الباب 24 من أبواب أحكام العقود الحديث- 1.

ج 23، ص: 309

قال: إذا كان مرابحة فأخبره»

إلى آخره و لعله أصح، و الموجود في نسخة معتبرة من الكافي، تجزينا «بالجيم و الزاء

المعجمة» و كذا في نسخة معتبرة من التهذيب عنه، لكن مع زيادة الواو في قوله تجزينا: و لعل عدمها أولى، و حينئذ يحتمل أن يكون ابتداء السؤال على جهة الاستفهام من قوله، كان أو كونه تجزينا عن ذلك، على معنى؛ هل يجزينا عن غيره؟ و هو الاقتصار على أصل الثمن، إذا كان دوانيق، مثلا و دفعنا عنه في تلك البلد دراهم، لها صرف أى فضل عن الدراهم في بلد بيع المرابحة قال: لا يجزي إلا أن تخبره بالحال، فإن الدراهم و إن لم تكن ثمنا لكن لما دفعت عنه صار كأنه متشخص بها؛ لان النقد يقوم بعضه مقام بعض في عرف التجار، بخلاف العروض، و يمكن أن يكون هذا من جملة المراد بقولهم يجب ذكر الصرف، خصوصا مع ملاحظة إرادة وجوب ذلك من حيث المرابحة، بخلاف ذكر الصرف في الدراهم المفروض اختلافه و كونها ثمنا، فإن ذلك مانع من صحة البيع و لو مساومة، للجهالة، لا من حيث المرابحة فتأمل جيدا بل لعل مراد من تعرض لاعتبار ذكر الصرف الإشارة إلى ما في الخبر المزبور.

أما الوزن فمع فرض اختلافه لا بد من ذكره، اختلف الصرف أم اتحد لعدم انحصار الفرض في الصرف، إذ يكون المراد صوغه حليا و نحوه مما للوزن فيه مدخلية. و اللَّه اعلم و كيف كان ف إذا كان البائع لم يحدث في المبيع حدثا و لا غيره عما كان عليه عند البائع، و لا حصل ذلك من غير المشتري، بل كان المبيع على الحال التي انتقل اليه فيها فالعبارة عن الثمن أن يقول اشتريته بكذا أو رأس ماله كذا أو تقوم علي، أو هو علي أو نحو ذلك من العبارات المفيدة للمطلوب، و إن كان قد عمل فيه ما يقتضي الزيادة في قيمته قال: رأس ماله كذا، و عملت فيه بكذا و نحوه اشتريته أو تقوم علي أو هي علي، ضرورة عدم الفرق هنا بين الجميع بعد أن ذكر العمل بعبارة مستقلة.

ج 23، ص: 310

نعم ظاهر المتن و غيره أنه ليس له تقويم عمله، و ضمه إلى رأس المال و يعبر عنه بإحدى العبارات المزبورة غير مخبر بحقيقة الحال و هو كذلك، إذ لا ريب في الكذب لو عبر بالأولين و كذا الأخيرين، و نحوه لو كان العامل غيره بلا أجرة، كما أن ظاهر المتن جواز بيعه مرابحة مع ذكره العمل بكذا، سواء كان أريد من قيمته أولا، بل هو صريح التذكرة، و قد يشكل بخروجه عن وضع المرابحة الذي يعتبر فيه ذكر ما يغرمه البائع على المبيع من حيث التجارة و الفرض عدم الغرامة هنا، و يدفع بمنع اعتبار الاقتصار على ذلك فيها، لإطلاق الأدلة الذي لا ريب في شموله للفرض الذي هو زيادة في الربح في الحقيقة عند التحليل، و إن جعله صورة في مقابل العمل، كما هو واضح.

لكن قد يقال: بثبوت الخيار للمشتري لو أخطاء البائع أو كذب في تقويم عمله، إن أراد بقوله عملت فيه بكذا التقويم، أما لو أراد الاقتراح فلا خيار، و لو أطلق احتمل قويا تنزيله على الأول و إن كان عمل فيه غيره بأجرة مسماة صح أن يضمها إلى الثمن من غير إخبار، لكن يقول: تقوم علي أو هو علي و لا يجوز اشتريته، أما رأس مالي ففي الدروس و المختلف يجوز، لأنه عبارة عما لزمه عليه، و عن المبسوط لا يجوز، و تبعه في التذكرة و جامع المقاصد، و الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الأمكنة و الأزمنة، ففي بعضها لا ينساق منه إلى الثمن، و في آخر يراد منه ما غرمه عليه، و لو كان العمل بأعيان كالصبغ بأشياء اشتراها بثمن معلوم صح ضم ذلك إلى الثمن، و لو لم يكن قد اشتراها ففي ضم قيمتها مع الاكتفاء بتقوم، و هو على وجه، و الأولى ذكر ذلك للبائع.

و كذا له مع التعبير بالعبارتين ضم جميع المؤن التي قصد بالتزامها عرفا الاسترباح من الدلالة، و أجرة البيت و الكيال و الحارس و الحمال و القصار و الصباغ، و لو كان قد غبن فيها لم يجب الإخبار بها، بناء، على عدم وجوب الاخبار به لو كان بالنسبة

ج 23، ص: 311

إلى المبيع، حتى مع علمه به و إقدامه عليه، أما لو دفع عنها بعد اشتغال ذمته بأجرة المثل ما يزيد على ذلك سماحة، أو لغرض من الأغراض، وجب ذكر ذلك للبائع إذا لم يرد الاقتصار على أجرة المثل، و إلا كان له ضمها و إن أبرأه منها أو بعضها من كانت له، و لعل منه ما لو صالحه عنها بالأقل، أما المؤن التي فيها بقاء الملك كنفقة العبد و كسوته و علف الدابة، ففي القواعد لا تدخل في العبارتين، و لعله لأن هذا الأمور من ضروريات بقائه، و ليست مقصودة لغرض الاسترباح، و لأنها في مقابلة خدمة العبد و ركوب الدابة، بخلاف نحو الأقمشة المذخورة للاسترباح فقط، و قد يشكل بأن جميع ذلك قد لا يلتزم إلا لغرض الاسترباح.

نعم ربما يفرق بين ما يمكن تحصيل مؤنة بالانتفاع به و ما لا يمكن فتعد الأولى مؤنة محضة لتحقيق ما يقابلها بخلاف الثانية، و على كل حال فالظاهر إن هذا في غير الزائد من العلف و النفقة التي لا يقصد بها إلا زيادة القيمة كالعلف للسمن، و زيادة ترفيه العبد بالمأكل و الملبس، لزيادة قوته و بدنه، فإن هذه كغيرها من مؤن الاسترباح، له ضمها إلى الثمن مخبرا بالعبارتين، بل لعل من ذلك أجرة الطبيب إن كان قد اشتراه مريضا، لزيادة القيمة بزوال المرض، و لو عرض المرض عنده فأجرة لطبيب كالنفقة، و المراد من عدم ضم مؤن البقاء إلى الثمن عدم الاكتفاء بالعبارة المزبورة مع ضمها، أما لو صرح فلا يبعد الجواز، لانحلاله إلى إرادة زيادة ربح و لا مانع منه، لا أنه لا يجوز البيع مرابحة حينئذ، لاعتبار الاقتصار على الزيادة على رأس المال و ما يغرمه للاسترباح فيها، إذ يمكن منع اعتبار ذلك فيها، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة؛ و لو كان من جملة ثمن المبيع عمل قد استأجر عليه البائع غيره صح له ضم ما بذله من الأجرة إلى الثمن، و قال أحد العبارتين، و لو عمله هو فالأولى ذكر ذلك للمشتري بما يفرض له من القيمة، حتى لو كان العمل معروف القيمة، لعدم صدق إحدى العبارات الأربع على ما يشمله من دون ذكره.

نعم قد يقوي عدم انحصار الأمر فيها، فإذا عبر عن الثمن بما يشمله صح

ج 23، ص: 312

و لو اشترى بثمن معيبا و رجع بأرش عيبه أسقط قدر الأرش و أخبر بالباقي، بأن يقول رأس مالي فيه كذا أو تقوم علي، أو هو علي، و لا يقول اشتريت به أي الباقي للكذب، إذا المراد به ما وقع في العقد، و ليس هو الباقي.

نعم لا يبعد عدم جريان تسلط المشتري مرابحة على الخيار بنحو هذا الكذب، كما أن المتجه تسلطه عليه لو باعه مرابحة مخبرا بالثمن الذي وقع في العقد، و لم يذكر ما رجع إليه من الأرش، و إن كان صادقا بقوله اشتريته بكذا، إلا أنه لما كان ظاهرا في انه دفع ما اشترى به، و أنه لم يرجع إليه منه شي ء و الفرض أنه ليس كذلك، اتجه تسلطه على الخيار حتى لو أسقط الأرش عن البائع بعد أن يثبت استحقاقه له، بل لا يبعد ذلك أيضا لو أسقطه قبل تعينه له، كما في حال التخيير بينه و بين الرد، بل لعله كذلك لو أسقط الخيار الذي هو أحد فرديه، بل لو صالح البائع المشتري عليه بما هو أنقص منه لو رجع به نفسه، أمكن القول بوجوب ذكره، هذا و قد يقال بعدم وجوب الاسقاط عليه إذا لم يرجع و ان كان مستحقا بل لعله هو ظاهر التقييد بالرجوع في المتن؛ و كأنه لعدم كون الأرش ما لا يثبت في الذمة، و إن كان لصاحبه الرجوع به لو اراده، فمع إسقاطه يسقط الحق، لا أنه إبراء، و حينئذ فيتحقق صدق تقوم، و علي، و اشتريته بكذا فتأمل، و لو فرض كونه بزائد لم يجب حط الزيادة من الثمن في وجه قوي، كما أنه يقوي فيما لو صالحه عنه بشي ء مع الجهل بقدر التفاوت، إسقاط المصالح به من الثمن و الإخبار بالباقي، و لو لم يتمكن المشتري من إثبات سبق العيب احتمل الإخبار بما عدا الأرش في الواقع، و بالجميع، لانه هو الثمن؛ و لم يعد إليه شي ء و لو صولح عن إسقاط الدعوى به، أمكن احتساب ثمن الصلح خاصة من الثمن، من ذلك كله ينقدح الوجه في كثير من الفروع المتصورة في المقام.

و على كل حال ف لو جنى العبد ففداه السيد، لم يجز له أن يضم الفدية إلى ثمنه مخبرا بإحدى العبارات السابقة بلا خلاف بيننا و لا إشكال، لأنه غرامة

ج 23، ص: 313

متجددة لا مدخلية لها في تقويمه، نعم لا يبعد جواز ضمها مع التصريح بالحال و البيع مرابحة، فيكون مرجعه إلى زيادة الربح، و قد يمنع صدق المرابحة عليه لإمكان دعوى المستفاد من النص و الفتوى أنها تؤدي بالعبارات المزبورة، بل ربما كان ذكرهم لها للإشارة إلى أن الميزان في تحققها صدق أخذتها، و الفدية و نحوها مما لا تندرج فيها، ضرورة عدم كونها من مؤن الاتجار، فإذا ذكرها و أراد مع ذلك البيع مرابحة لم يترتب عليها حكمها، مع فرض أن فيها أحكاما خاصة و إن كان البيع صحيحا في نفسه، و صورته صورة المرابحة، و كذا الكلام في نظائر المسألة و لو جني عليه فأخذ أرش الجناية لم يضعها من الثمن، و كذا لو حصل منه فائدة كنتاج الدابة و ثمرة الشجرة و غيرها من النماءات التي لا مدخلية لها في ثمن المبيع بلا خلاف و لا اشكال.

نعم لو تعيب شي ء من ذلك وجب الاخبار به كما هو واضح، و كيف كان ف يكره نسبة الربح إلى أجزاء رأس المال وفاقا للمشهور بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل عن الخلاف الإجماع عليه، بأن يقول بعتك بماءة و ربح كل عشرة، درهم، و لو قال بعتك بمأة و عشرة، أو و ربح عشرة لم يكن مكروها، و على كل حال فلا حرمة و لا بطلان للأصل؛ و الإطلاقات سيما إطلاق نصوص المرابحة ك

خبر على بن سعيد(1)«سأل عن رجل يبتاع ثوبا فطلب منه مرابحة ترى في بيع المرابحة بأسا إذا صدق في المرابحة، و سمى ربحا دانقين أو نصف درهم؟ قال: لا بأس»

خلافا للمحكي عن المقنعة و النهاية و المراسم و التقى و القاضي ففي الأولين لا يجوز، و في الثالث لا يصح، و لم أجد لهم دليلا صالحا لذلك عدا

الصحيح (2)«الرجل يريد أن يبيع البيع فيقول أبيعك بده دوازده أو ده يازده فقال: لا بأس به، إنما هذه المراوضة فإذا


1- 1 الوسائل الباب 12 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام العقود الحديث 5.

ج 23، ص: 314

جمع البيع جعله جملة واحدة»

لظهوره في وجوب الجمع المزبور، بان يقول: بعتك هذه السلعة بدوازده أو يازده نحو ما فعله

مولانا الباقر عليه السلام فيما روى عنه الصادق عليه السلام في الصحيح (1)«قال: قدم متاع لأبي من مصر فصنع طعاما و دعي له التجار فقالوا نأخذه منك بده دوازده فقال عليه السلام و كم يكون ذلك فقالوا في كل عشرة آلاف ألفين فقال: إني أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفا،»

بل عدوله عليه السلام عن إجراء الصيغة بنحو ما ذكروه إلى ما ذكره، ظاهر في المنع.

و فيه أن الصحيح محتمل لإرادة التخلص عن الكراهة، على أن الخصم لا يقول بوجوب الجمع جملة واحدة، فإنه لا بأس كما عرفت، بأفراد رأس المال عن الربح من دون ملاحظة النسبة؛ فلا بد حينئذ من إرادة الرجحان منه، و يرتفع الاستدلال في وجه، و فعل الباقر عليه السلام يمكن أن يكون فرارا من أصل المرابحة إلى المساومة التي هي أفضل، كما يومي إليه تتمة

الصحيح المزبور على ما عن الكافي (2)«فقال، لهم إني أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألف درهم فباعهم مساومة،»

بل

في الصحيح أو الموثق كالصحيح (3)«إنى أكره بيع عشرة بإحدى عشرة و عشرة باثني عشر أو

نحو ذلك من البيع، و لكن أبيعك بكذا و كذا مساومة»

ما يقضي بكراهة المرابحة مطلقا و إن لم أجد قائلا به.

نعم في الرياض «قد ذكر بعض الأجلة أن الظاهر من المعتبرة هنا كراهة المرابحة و أولوية المساومة لا الكراهة، في موضوع المسألة، قال: و هو كذلك لو لا المخالفة لفهم الطائفة، و على كل حال فلا دلالة في عدوله عليه السلام على الحرمة قطعا، فيبقى حينئذ ما دل على الجواز بلا معارض، مضافا إلى الصحيح أو الموثق المزبور، المشتمل على لفظ الكراهة؛ و عمومه لغير موضوع المسألة لو قلنا باختصاصه بها غير قادح، كما أن احتمال إرادة الحرمة من لفظ الكراهة بناء على عدم تعارفها في الصدر الأول بالمعنى المصطلح- يدفعه بعد التسليم- ترجيح إرادته هنا بالشهرة، و الإجماع المحكي و غيرهما، و كذا الكلام في الخبر الآخر(4)أكره بيع ده يازده و ده دوازده، و لكن أبيعك بكذا و كذا و كيف


1- 1 الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام العقود الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام العقود الحديث 2.

ج 23، ص: 315

كان فلا ريب في عدم الحرمة و البطلان، كما أنه لا ريب في الكراهة بعد التسامح بها، للإجماع المحكي و غيره، إن قصرناها على خصوص موضوع المسألة، و إلا فمطلق للخبرين لسابقين، و اللَّه اعلم. هذا و ربما جعل مدار الكراهة على نسبة الربح للمال في مقابلة نسبته إلى السلعة على معنى عدمها لو قال

بعتك بكذا مع ربح للمبيع ده دوازده و لكن الألصق بالنصوص ما ذكرناه و اللَّه اعلم. هذا كله في العبارة.

[أما الحكم ففيه مسائل ]
اشارة

و أما الحكم ففيه مسائل

[المسألة الأولى من باع غيره متاعا جاز أن يشتريه منه بعد قبضه و يكره قبل قبضه ]

قد تقدم البحث في الأولى منها و هي من باع غيره متاعا جاز أن يشتريه منه بزيادة أو نقيصة حالا و مؤجلا بعد قبضه، و يكره قبل قبضه إذا كان مما يكال أو يوزن على الأظهر، و كان المصنف أعادها كالفاضل في القواعد، لبناء ما بعدها عليها، إلا أنه كما ترى، لا مدخلية لها فيه أصلا و لو كان شرط في حال البيع أن يبيعه لم يجز كما سمعت الكلام فيه مفصلا و إن كان ذلك من قصدهما و لم يشترطه لفظا كره كما في القواعد و التحرير و الإرشاد و التذكرة؛ و إن قلنا أن الشرط المضمر كالموجود إلا أنه يمكن تخصيص ذلك بالجائز منه، لكن فيه منع واضح، ضرورة اتحادهما في المقتضي، فيتجه حينئذ بطلان العقد مع قصدهما الاشتراط، و بناؤهما العقد عليه؛ و إن لم يذكراه لفظا بناء على فساد العقد بفساد الشرط.

نعم لو لم يكن قصدا الاشتراط بل عزما على التعاكس و استوثق أحدهما من الأخر صح على كراهة عند بعضهم، و إن كان الدليل عليها لو لا التسامح لا يخلو من إشكال، و الأمر سهل، بعد أن كان الحكم الصحة، و لا يرد أن مخالفة القصد للفظ تقتضي بطلان العقد، لان العقود تتبع القصود، لان من المعلوم عدم اعتبار مثل هذا العزم في العقد، ضرورة كون العزم فعله خارج العقد، لكن في المسالك «و أجيب بأن القصد و إن كان معتبرا في الصحة فلا يعتبر في، البطلان؛ لتوقف البطلان على اللفظ

ج 23، ص: 316

و القصد، و كذلك الصحة و لم توجد في الفرض» و هو كما ترى غير مستقيم، بل ليس له محصل يعتد به، و التحقيق ما سمعت، و لعل في عبارة المجيب سقطا قبل قوله لتوقف البطلان، و هو بخلاف المقام، و حينئذ يكون الفرق بين اعتبار القصد في صحة العقود الذي يكفي في البطلان عدمه، كما في النائم و غيره بخلاف المقام، و هو الشرط المعتبر في شرطيته القصد و اللفظ سواء كان صحيحا أو مبطلا للعقد، فإن شرطيته متوقفة على ذلك، و منه يظهر عدم توجه ما أورده في المسالك عليه، فلاحظ و تأمل.

إذا عرفت هذا فلو باع غلامه الحر سلعة ثم اشتراها منه بزيادة جاز أن يخبر بالثمن الثاني إذا لم يكن شرط إعادته من غير تقييد لها بالبيع و لو شرط ها فباعها منه بزيادة للاخبار بها لم يجز قطعا بل لا خلاف أجده فيه لأنه خيانة عرفا، إذا المشتري لم يترك المماكسة، إلا اعتمادا على مما كستة لنفسه، وثوقا باستقصائه في النقيصة لنفسه، فكان ذلك خيانة؛ بل لا يبعد ذلك أيضا و إن لم يشترطه، بل كان القصد الشراء بالزيادة للاخبار بها وفاقا للشهيدين و العليين على ما حكي عن بعضهم إذ هو غش و خديعة و تدليس و خيانة عرفا، و الصدق في قوله اشتريت قد لا ينافي ذلك؛ بل قد يدعى انصراف الشراء في الفرض إلى غير ذلك.

و في المسالك «إن قوله و لو شرط لم يجز لأنه خيانة يقتضي التحريم مع عدم الشرط، إذا كان قصدهما ذلك؛ لتحقق الخيانة، و مجرد عدم لزوم بيعه عليه على تقدير عدم شرطه لا يرفع الخيانة مع اتفاقهما عليها بل ينبغي فرض التحريم في صورة عدم شرط الإعادة، لأن التحريم لا يتحقق إلا مع صحة البيع، ليمكن فرض الزيادة، و مع شرط الإعادة يقع البيع باطلا، كما سلف عن قريب، فلا يتحقق الزيادة و لا التحريم» قلت: قد يدفعه ما سمعته منافي تفسير العبارة، و لا حاجة إلى قوله في الجواب عنه و، يمكن أن يقال بالتحريم و إن قلنا بفساد العقد نظرا إلى قصد الغرور و السعي إلى تحصيل المحرم، كما يقال في النجش و الربا أنه حرام، يفسد العقد مع أنه قد يخدش بأن المراد

ج 23، ص: 317

لم يجز الاخبار بالثمن الثاني، و مع فرض كون البيع فاسدا بالشرط لا ثمن حتى يخبر عنه فتأمل جيدا. هذا كله مع قصد الحيلة بالشراء بالزيادة، فلو اشتراه منه ابتداء من غير مواطاة جاز، و لا فرق في تحريم الحيلة بين الغلام و الولد و الأجنبي و اللَّه أعلم.

[المسألة الثانية لو باع مرابحة فبان رأس ماله أقل كان المشتري بالخيار بين رده و أخذه بالثمن ]

المسألة الثانية لو باع مرابحة فبان رأس ماله أقل بالإقرار أو البينة صح البيع بلا خلاف على الظاهر، للأصل و الإطلاقات، ضرورة أولويته من تخلف الوصف و الشرط و الجملة، بل الظاهر ذلك إن لم يكن له رأس مال أصلا، فضلا عن كونه أقل نعم لأجل الكذب في الإخبار كان المشتري بالخيار بين رده و أخذه بالثمن المسمى في العقد، و لا تعليق للرضا و القصد و لا الصحة على الصدق في الاخبار قطعا بل هو أشبه شي ء بالداعي إلى قصد ما اتفقا عليه، بل لو لا الإجماع على الخيار في الظاهر هنا لأمكن المناقشة فيه كما في غير المقام مما كان الداعي فيه الكذب بنحو ذلك، مما لا يرجع إلى العيب و لا إلى التدليس الذي هو بمعنى كتمان صفة و إظهار أحسن منها، و دعوى أن المراد عندهم بالتدليس ما يشمل المقام لو سلمت لا تجدي، لعدم تعليق الخيار عليه في شي ء من النصوص كي يدور الحكم عليه، بل دليله فحوى نصوص التصرية و نحوها، و أما خبر الضرار(1)و قاعدة رجوع المغرور على من غره، و نحوه فمع احتياج ثبوت الخيار به أيضا إلى الانجبار، قد يمنع تناوله للمقام، باعتبار ظهور قاعدة الغرور في الضمان، و خبر الضرار في العقد الضرري، لا في مثل المقام الذي ضرره نشأ من اعتماده على خبره، و لا يبعد ثبوت الخيار في الكذب بكل ما يختلف الثمن به؛ بل الظاهر ثبوته بعدم الإخبار بما يختلف الثمن به فضلا عن الكذب لما عرفت.

و على كل حال فما عن الأردبيلي من التأمل في الصحة في غير محله، كما أن


1- 1 الوسائل الباب- 17 من أبواب الخيار الحديث 3- 5.

ج 23، ص: 318

التأمل في ثبوت الخيار له كذلك أيضا، و كذا الكلام لو بان غلطه في الاخبار، إلا أنه لا إثم عليه، و قد ظهر لك مما ذكرنا أن الخيار في مفروض المسألة للإجماع، و إلا فليس هو مندرجا في أحد الخيارات السابقة، مع فرض عدم اتحاد بيع المرابحة لصورة تحلف الوصف أو الشرط، و دعوى أنها لا تكون إلا كذلك ممنوعة، فإنه يمكن فرضها مجردة عن ذلك، و إن كان الداعي للمشترى إخبار البائع برأس المال مع إرادة ربح كذا و حينئذ يكون هذا الداعي من بين الدواعي مسلطا على الخيار، للإجماع و نحوه، و قيل و القائل أبو على فيما حكى عنه و الشيخ ان المشتري يأخذه أي المبيع بإسقاط الزيادة من الثمن مع ربحها، إلا أن المحكي من خلاف الشيخ في مبسوطة و خلافه النص على ذلك في صورة الغلط، و لعله لا فرق بينها و بين الكذب، كما أنه لا فرق في ثبوت ذلك بين الإقرار و البينة، لكن في محكي المبسوط أنه قيل: إن بان ذلك أى الغلط بقول البائع لزم المشتري الثمن بإسقاط الزيادة و ربحها، و إن قامت به البينة كان المشتري بالخيار.

و كيف كان فلا دليل على شي ء من ذلك إذا البيع إنما هو برأس المال الذي أخبر به، لا بما هو في نفس الأمر، و منه يعلم الاستدلال على التفصيل بأنه إن أقر كان مأمونا بخلاف ما إذا قامت به البينة، فلا ريب في أن الترجيح لما ذكرنا، خصوصا بعد عدم ما يصلح ملزما للثمن الناقص، إذ العقد الواقع ان كان صحيحا لزم ما فيه و إلا بطل مطلقا، و على كل حال فلا خيار للبائع عندنا كما عن التحرير، للأصل و قد يحتمل للضرر في بعض الأحوال؛ كما أن الظاهر عدم الخيار للمشترى على قول المبسوط، لارتفاع مقتضية بإسقاط الزيادة مع ربحها، و لأنه رضي بالأكثر فبالأقل أولى لكن احتمل في مسالك ثبوته له أيضا بالخيانة، و لانه قد يكون له غرض بالشراء بهذا الثمن لابرار قسم أو إنفاد وصية و هو كما ترى، نعم يمكن ان يكون ذلك مؤيدا للمختار ضرورة عدم ارتفاع الضرر الناشئ عن الكذب حينئذ بإسقاطه الزيادة فتأمل،

ج 23، ص: 319

جيدا، هذا و في القواعد «و هل يسقط الخيار بالتلف فيه نظر» و عن المبسوط إسقاطه به و بالتصرف، و عن الشهيد انه حكاه عن ابن المتوج، لان الرد انما يتحقق مع بقاء العين، و لحصول الضرر على البائع بالانتقال الى البدل قهرا لكن قوي ثاني المحققين و الشهيدين عدم السقوط لحصول المقتضي و انتفاء المانع، إذ ليس الا التلف و لا يصلح للمانعية، إذ مع الفسخ يثبت المثل أو القيمة. و لعموم المغرور يرجع على من غره، و الكذب في الاخبار مقتض للخيار و لم يثبت اشتراطه بالعلم بذلك قبل تلف المبيع، فمع التلف و انتقاله عن ملكه انتقالا لازما أو وجود مانع من رده كالاستيلاد، يرد على البائع مثله أو قيمته، و يأخذ هو الثمن أو عوضه مع فقده و قد تقدم في خيار الغبن و غيره ما له نفع في المقام فلاحظ و تأمل، و لو قال البائع بعد البيع اشتريته بأكثر لم يقبل منه إذا لم يعلم صدقه و لو أقام بينة لانه قد كذبهما بإقراره و حينئذ ف لا يتوجه له على المبتاع يمين لعدم سماع دعواه بعد معارضة إقراره السابق لها الا أن يدعى عليه العلم فتقبل حينئذ بينته و يتوجه له عليه اليمين على عدم العلم لعدم منافاة إقراره السابق لها، بل لو رد اليمين عليه كان له الحلف، سواء قلنا ان اليمين المردودة كالبينة أو كالإقرار من المنكر، لأنهما معا هنا مسموعان اما الثاني فواضح؛ و اما الأول فلما عرفت من أن دعواه العلم لا تنافي كذبه بإقراره السابق، و اولى من ذلك لو قلنا انها أصل برأسه، فما عن بعضهم من ان في رد المشتري اليمين على البائع هنا وجهين يلتفتان إلى انها كالبينة، أو كإقرار المنكر، فعلى التأني ترد و على الأول لا ترد لا يخلو من نظر، بل قد يناقش في إطلاق عدم سماع بينته في الأول أيضا إذا أظهر لإقراره الأول تأويلا محتملا، مثل أن يقول ما كنت اشتريته بل اشتراه وكيلي و أخبرني أن الثمن ماءة فبان خلافه؛ أو ورد على كتابه فبان مزورا أو كنت راجعت جريدتي فغلطت من متاع الى غيره.

ضرورة رجحان البينة حينئذ على الإقرار الأول بعد فرض ذكر التأويل المزبور

ج 23، ص: 320

له و لعله لذا قيد السماع بذلك جماعة منهم الفاضل في جملة من كتبه، و المحقق الثاني و غيرهم، بل قد يقال يرجحانها أيضا و أن لم يذكر التأويل المزبور بل احتماله له كاف في مرجوحيته بالنسبة إلى البينة، لقوة البينة و انها بمنزلة العلم بخطئه فلا يصلح الإقرار السابق لمعارضتها بعد تعقيبه بما يقضى بخطاه فتأمل جيدا.

و من هنا بان لك أن ما عن المبسوط من قوة عدم سماع البينة و ان ذكر تأويلا محتملا لا يخلو من نظر، كما أن إطلاق المصنف و الفاضل في بعض كتبه عدم السماع لذلك و كيف كان فإذا علم غلطه بأي طريق كان له الخيار بين الفسخ و الإمضاء بالمسمى، و ربما تخرج على قول الشيخ إضافة الزيادة مع ربحها، و لو كان قد تبين كذبه و أنه تعمد الى ذكر النقصان فلا يبعد عدم الخيار له لانه هو الذي قد ضيع ماله فتأمل جيدا.

هذا و في التحرير في نحو مفروض المسألة تخير المشتري بين الأخذ بالزيادة على إشكال و الفسخ، و لو قيل أن الزيادة لا تلحق بالعقد فيتخير البائع كان وجها؛ و هل يلزمه مع القبول نصيب الزيادة من الربح الوجه ذلك إذا نسب الربح الى الثمن، مثل أن يقول بربح كل عشرة درهم، و لو قال بربح عشرة لا غير لم يثبت، و لو أخذها بالزائد و نصيبه من الربح لم يكن للبائع خيار، و كذا لو أسقط الزيادة عن المشتري انتهى، و فيه نظر من وجوه و اللَّه أعلم.

[المسألة الثالثة إذا حط البائع بعض الثمن جاز للمشتري ان يخبر بالأصل ]

المسألة الثالثة إذا حط البائع بعض الثمن جاز للمشتري ان يخبر بالأصل لعدم الخيانة فيه إذا كان ذلك تفضلا منه. لا لدعوى عيب أو غبن أو نحوهما، من غير فرق في ذلك بين كونه في زمن الخيار و عدمه للصدق في الاخبار على الحالين و قيل و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة و ابن زهرة في ظاهر الغنية أو صريحها إذا كان الحط قبل لزوم العقد صحت الحطيطة و ألحق بالثمن و أخبر بما بقي و ان كان بعد لزومه كانت هبة مجددة و جاز الاخبار بأصل الثمن قيل و كأنه مبني على ان المبيع انما ينتقل بانقضاء مدة الخيار و فيه أنه لا مدخلية لذلك إذ الثمن ما وقع عليه العقد و لا اثر لوقت انتقال الملك بل الظاهر عدم الفرق في الإخبار بين رأس مالي أو اشتريت أو قام علي أو هو علي أو نحو

ج 23، ص: 321

ذلك نعم ليس له أن يقول أديت أو نحوه و ربما احتمل ذلك أيضا في قام على و نحوه و اللَّه اعلم.

[المسئلة الرابعة من اشترى أمتعة صفقة لم يجز بيع بعضها مرابحة]

المسئلة الرابعة من اشترى أمتعة صفقة لم يجز بيع بعضها مرابحة بل و مواضعة و تولية تماثلث أو اختلفت و سواء قومها أو بسط الثمن عليها بالسوية بلا تقويم و سواء باع خيارها بالأقل أو لا الا بعد أن يخبر بذلك و كذا في عدم الجواز لو اشترى دابة مثلا حاملا فولدت و أراد بيعها منفردة عن الولد كل ذلك على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل عن الخلاف الإجماع عليه بل يمكن تحصيله في مختلفة بل و في غيرها إذ لم يحك الخلاف فيها الا من الإسكافي و القاضي فجوزاه فيما لا تفاضل فيه كالمعدود المتساوي و هما غير قاد حين في الإجماع، بمعنى القطع بالحكم المخالف لما ذكراه خصوصا بعد تفاوت القيم و الأغراض و كون التوزيع لثمن خرص و تخمين يتطرق إليه الخطأ غالبا و خصوصا بعد أن

سأل أبو حمزة أبا جعفر عليه السلام (1)«عن الرجل يشترى المتاع جميعا بالثمن ثم يتقوم كل ثوب بما يسوى حتى يقع على رأس المال جميعا أ يبيعه مرابحة فقال له: لا حتى يبين له أنه انما قومه»

و نحوه صحيح محمد بن مسلم (2)عن أحدهما عليه السلام.

نعم ظاهرهما جواز البيع مرابحة إذا أخبر بذلك كما هو مقتضى قوله في المتن الا بعد أن يخبر بذلك، بل و أكثر عبارات الأصحاب، بل زاد في التذكرة بعد أن حكى خلاف الشافعي في انه يجوز البيع مرابحة بالتقسيط و ان لم يخبر به، قال: اما لو أخبر بالحال فقال اشتريت المجموع بكذا، و قومته مع نفسي

فأصاب هذه القطعة من الثمن كذا فإنه يجوز إجماعا لكن عن ابن إدريس انه حكى الاستثناء المزبور الظاهر في جواز البيع مرابحة بعد الاخبار، و اعترضه بأنه ليس بيع المرابحة لأن وضعه في الشرع ان يخبر بالثمن الذي اشترى و هذا ليس كذلك.

و رده في المختلف «بان هذه المنازعة لفظية كما قال في النافع انه لو أخبر جاز لكن يخرج عن وضع المرابحة» و في جامع المقاصد و المسالك و غيرهما ان إطلاق المرابحة عليها مجاز للمشاكلة في الصورة قلت قد يناقش في ذلك بمنع حصر المرابحة


1- 1 الوسائل الباب 21 من أبواب أحكام العقود الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب 21 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.

ج 23، ص: 322

فيما لا يدخل فيه التقويم، ضرورة صدق اسم رأس المال و القيام عليه به و نحوهما. نعم لا يصدق اشتريته و نحوه عليه، و قد تقدم صحة المرابحة فيما لو عمل فيه عمل قد ذكره بكذا و فيما لو رجع بأرش العيب، كما أن من الواضح صحتها فيما لو تلف بعض الصفقة قبل القبض، و رجع بحصته من الثمن و رضى بالبيع في الباقي، و فيما إذا ظهر مستحقا، و في التذكرة «لو اشترى عبدا بثوب قيمته عشرون و أراد بيعه مرابحة بلفظ الشراء أو بلفظ القيام، ذكر انه اشتراه بثوب قيمته كذا و لا يقتصر على ذكر القيمة، لأن البائع بالثوب يشدد أكثر مما يشدد البائع بالنقد و لو كان قد اشترى الثوب بعشرين ثم اشترى به العبد، جاز أن يقول قام على بعشرين، و لا يقول اشتريته بعشرين، بل قال فيها أيضا «لو انتقل اليه بغير عوض كالهبة لم يجز بيعه مرابحة، سواء قومها بثمن مساو أو أزيد أو أنقص الا أن يبين الحال في ذلك، و لا يكفى بيان قدر القيمة من غير تعريف الحال» الى أن قال «و لو آجر داره بعبد أو نكحت المرأة رجلا على عبد أو خالع زوجته عليه، أو صالح عن الدم عليه لم يجز بيع العبد مرابحة بلفظ الشراء، و لو أخبر بالحال جاز بما قام علي و يذكر في الإجارة مثل اجرة مثل الدار، و في النكاح و الخلع مهر المثل، و في الصلح عن الدم الدية و مقتضاه التوسعة في المرابحة بأزيد من محل البحث و إن كان لا يخلو من نظر.

و في القواعد و لو اشتريا ثوبا بعشرين ثم اشترى أحدهما نصيب صاحبه بأحد عشر أخبر بأحد و عشرين» قلت مع أن نصيبه كان بعشرة بالتقسيط الى غير ذلك مما لا إشكال في جواز البيع مرابحة مع التقويم و التقسيط، و منه ما لو تعدد المشتري و المبيع و اتحد الثمن، بل في جملة من النصوص ظهور إن لم يكن تصريح بجواز البيع مرابحة مع التقويم، مضافا الى النصوص السابقة، و كيف كان فحيث لا تجوز المرابحة لو باعا بقصدها و لو للجهل منهما أو من أحدهما، أمكن القول بالصحة بيعا للأصل، و خروج وصف المرابحة عن حقيقة البيع، و قد يحتمل البطلان لأنها صنف خاص منه، و لتبعية العقود للقصود،

ج 23، ص: 323

فلو صح غيرها وقع ما لم يقصد، و ما قصد لم يقع، و الأول أقوى، و ربما يشهد له ما سمعته هنا من الجواز ممن عرفت لو أخبر بالحال و ان لم يكن مرابحة مما ظاهره ذلك، و ان قصد المتعاملان المرابحة و لو للجهل منهما بموضوعهما، بل منه يظهر الوجه فيما ذكرناه سابقا من ثبوت الخيار لو كذب البائع في رأس المال إذا لم يكن له رأس مال بل كان موروثا أو متهبا، ضرورة ابتنائه على صحة البيع، و ربما انقدح منه ثبوت الخيار في كل ما فعل بعنوان المرابحة فبان عدم موضوعها، إذ لعل له غرضا بذلك كوفاء نذر أو إنفاذ وصية و نحو ذلك فتأمل جيدا و اللَّه أعلم.

[المسألة الخامسة إذا قوم التاجر على الدلال متاعا و ربح عليه أو لم يربح و لم يواجبه البيع لم يجز للدلال بيعه مرابحة]

المسألة الخامسة إذا قوم التاجر على الدلال متاعا و ربح عليه أو لم يربح و لم يواجبه البيع لم يجز للدلال بيعه مرابحة على ما قوم عليه بلا خلاف أجده فيه، لأن الغرض عدم الشراء، و ل

ما رواه في الكافي عن الكناني و الفقيه عنه و عن سماعة و التهذيب عن الكناني و عمرو بن عيسى عن سماعة(1)عن أبى عبد اللَّه عليه السلام «في الرجل يحمل المتاع لأهل السوق و قد قوموا عليه قيمة فيقولون بع فما ازددت فلك؟ قال: لا بأس بذلك، و لكن لا يبعهم مرابحة»

و نحوه ذلك صحيح زرارة(2)الاتى، و حينئذ فإن فعل كان آثما، بل يمكن فساد بيعه الا بعد الاخبار بالصورة قبل البيع، فإنه يصح بيعه حينئذ و إن لم يكن مرابحة حقيقة، لعدم الشراء من البائع، إلا أنها بصورة المرابحة، لكن لا يبعد جريان الخيار فيها لو فرض كذب الدلال فيما ذكره من التقويم الذي هو بمنزلة رأس المال، لفحوى ما عرفت و على كل حال لا يجب على التاجر الوفاء لو قال له بعه بذلك و الزائد لك، للأصل إذ ليس هو إلا وعدا، و لا يجب الوفاء به، ضرورة فساد كونه إجارة و جعالة للجهالة، و عدم ملك الزيادة حال القول، و لأنها ببيع الدلال انتقلت إلى التاجر باعتبار كونها عوض ملكه، و لا مقتضى للانتقال عنه إلا القول الأول الذي لم يثبت كونه ناقلا لمثلها، كما انه لم يثبت كونه مقتضيا لانتقالها إلى الدلال من أول الأمر بل الثابت من قاعدة تبعية ملك الثمن للمثمن خلافه، فلا شي ء حينئذ للدلال بل الربح جميعه له أي


1- 1 الوسائل الباب 10- من أبواب أحكام العيوب الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام العقود الحديث- 2 لكن ليس فيه و لكن لا يبيعهم مرابحة.

ج 23، ص: 324

التاجر و لكن للدلال أجرة المثل لاحترام عمله سواء كان التاجر دعاه الي البيع المزبور أو الدلال ابتدأه لاشتراكهما في جميع ما ذكرنا كما هو واضح.

لكن في المقنعة «و إذا قوم على الواسطة المتاع بدراهم معلومة، ثم قال له: بعه بما تيسر لك فوق هذه القيمة و هو لك، و القيمة

لي جاز، و لم يكن بين التاجر و الواسطة بيع مقطوع فان باعه بدونها، كان عليه تمام القيمة لصاحبه و ان لم يبعه كان له رده و لم يكن للتاجر الامتناع من قبوله، و لو هلك المتاع في يد الواسطة، من غير تفريط له فيه كان من مال التاجر و لم يكن على الواسطة فيه ضمان، فان قبض الواسطة من التاجر المتاع على ما وصفنا، لم يجز ان يبيعه مرابحة و لا يذكر الفضل على القيمة في الشراء.

و إذا قال الواسطة للتاجر خبرني بثمن هذا المتاع و اربح علي فيه شيئا لا بيعه ففعل التاجر ذلك و باعه الواسطة بزيادة على رأس المال و الربح كان ذلك للتاجر دون الواسطة، إلا أن يضمنه الواسطة و يوجبه على نفسه، فان فعل ذلك جاز له أخذ الفضل على الربح، و لم يكن للتاجر إلا ما تقرر بينه و بينه فيه» و نحو ذلك في النهاية إلا أنه قال: «في الصورة الثانية للدلال أجرة المثل لا أكثر من ذلك، و كان نظرهما إلى الخبر المزبور، و

صحيح محمد بن مسلم (1)المروي عن الكافي و التهذيب عن الصادق عليه السلام «أنه قال في رجل قال لرجل: بع لي ثوبا لي بعشرة فما فضل فهو لك لبس به بأس»

و

صحيح زرارة(2)المروي عن الكتب الثلاثة «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام ما تقول في رجل يعطى المتاع فيقول: ما ازددت علي كذا و كذا فهو

لك؟ فقال: لا بأس بذلك، و لكن لا بيعه مرابحة»

و

موثقته (3)عن ابى جعفر عليه السلام «سألته من الرجل يعطى المتاع فيقال له ما ازددت علي كذا و كذا فهو لك قال لا بأس»

لكن عن ابن إدريس بعد أن حكى ذلك عن الشيخ قال: إنه غير واضح و أنه لا يستقيم على أصول مذهبنا، إذ هو ليس بيع مرابحة و لا إجارة و لا جعالة محققة» الى أن قال: «و انما أورد أخبار الآحاد في هذا الكتاب إيرادا لا اعتقاد أعلى ما وردت به ألفاظها صحيحة كانت أو


1- 1 الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام العقود الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.

ج 23، ص: 325

فاسدة على ما ذكره و اعتذر به في خطبة مبسوطة، و رده في المختلف بأن كلام الشيخ محمول على الجعالة على التقدير الأول، لكن يبقى الإشكال في الجعالة إذ انضمنت عوضا مجهولا، و يحتمل أن يقال هنا بالصحة، لأنا إنما منعنا جهالة مال الجعالة لأدائه إلى التنازع و هو منتف هنا، إذا الواسطة إن زاد في الثمن مهما كانت الزيادة له، و إلا فلا شي ء له، لأنهما إنما تراضيا على ذلك، بخلاف الجعالة المجهولة المؤدية إلى التنازع، و هذا القول لا بأس به عملا بالأحاديث الصحيحة، أما الصورة الثانية، فإنه لا جعالة هناك فلهذا أو جبنا على التاجر أجرة المثل، و

تبعه في الدروس قال بعد أن حكى عن الشيخين أن الزيادة للدلال إذا قوم التاجر عليه: «و لو بدء الدلال بطلب التقويم، فله الأجرة لا غير، و سوى الحليون بين الأمرين في الأجرة، و الأول اثبت، لأنه جعالة مشروعة، و جهالة العوض غير ضائرة، لعدم إفضائه إلى التنازع، و

روى ابن راشد(1)«في من اشترى جواري و جعل للبائع نصف ربحها بعد تقويمها أنه يجوز. فإن أحبل المالك إحداهما سقط حق البائع»

. و نحوه في جامع المقاصد الا انه زيد فيه «عدم شي ء للدلال على التاجر إذا لم يشترط له شيئا فينبغي أن لا يكون له أجرة المثل أيضا لمثل ذلك» ثم قال «إن ظاهر العبارة قد يشعر بتخيل فرق بين أن يبتدأ الدلال التاجر، و ان يبتدئ التاجر الدلال، و به صرح في الدروس و هو غير واضح، فان الابتداء و عدمه مع حصول التراضي سواء في الحكم، فان من قال لمن ذهب عبده أرد عبدك، على أن لي نصفه ابتداء منه، فقال مولى العبد نعم لك ذلك يستحق ما عين له، إن جوزنا كون العوض مجهولا، و أجرة المثل إن لم نجوزه فلا يفترقان.

و الظاهر أن الشيخ إنما حكم بعدم شي ء في الثانية، لأن التاجر لم يلتزم بشي ء أصلا، و لا يستحق الدلال اجرة عليه، و الروايات لا دلالة فيها على الفرق بين الابتداء أولا و الرضا آخرا، و الذي يقتضيه النظر أنهما إذا تراضيا على ذلك سواء تقدم بالقول الدلال أم التاجر، إذا وقع ما يدل على الرضا من الأخر

فإنه يكون جعالة، فيصح، و لو أبطلنا أو جبنا أجرة المثل في الموضعين، و لو ان التاجر لم يصرح بشي ء لم يكن للدلال شي ء إلا أن يأمره


1- 1 الوسائل الباب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث 6.

23، ص: 326

بذلك و يكون له في العادة على مثل هذا اجرة».

و تبعه في كثير من ذلك في المسالك، و في الجميع ما عرفت من عدم صحة الجعالة فضلا عن الإجارة، لعدم شمول الربح للمالك حين الجعل، و المضاربة شرعت لدليلها، مع أن العامل يملك جزاء، من المال بظهور الربح فيه، بل لو جاز في الجعالة نحو ذلك لكانت المضاربة قسما منها على أنه ليس في الجعالة عموم يشمل الفرض بناء على انها ليس من العقود كي تندرج في عمومها؛ إذا قلنا انها عبارة عن الإيجاب و القبول، لما ستعرفه في محله إنشاء اللَّه من قوة القول بأن الجعالة من قسم الإيقاع، و المتيقن مما جاء فيها كتابا و سنة كون الجعل مملوكا ذمة أو خارجا، بل هو المناسب لإنشاء تمليكه، و إن كان لا يملكه إلا بعد تمام العمل، و حينئذ فلا فرق في عدم جواز الربح جعلا بين كونه لعمل آخر كرد عبد و نحوه و بين كونه لذلك العمل نفسه كما لو قال بعه بالزيادة و هي لك و غير ذلك.

و ما تسمعه إنشاء اللَّه في باب الجعالة من التوسعة فيها انما هي في أمر أخر لا ما يشمل المقام فلاحظ و تأمل بل الالتزام بمضمون النصوص المزبورة و إن كان مخالفا للقواعد اولى من ذلك و ينبغي حينئذ الجمود على ما فيها من ابتداء التاجر الدلال أما العكس فلا دلالة في النصوص حينئذ؛ فيبقى على القواعد من استحقاق اجرة المثل و لعله لذلك فرق الشيخان فيهما و ان أبيت من ذلك فحمل النصوص حينئذ و كلام الشيخين على توكيل التاجر الدلال علي قبول المتاع بما فرضه من القيمة على نفسه عند ارادة البيع فيكون بيع المتاع حينئذ له و الزيادة له أولى، فهو أشبه شي ء بقول المالك أذنت لك ببيع مالي لك و عليك قيمته فإذا باعه تعلقت قيمته، في ذمته بل في عبارتي المقنعة و النهاية ما يشهد له.

و لا فرق في ذلك بين ابتداء التاجر بذلك أو الدلال، و ليس في كلام الشيخين ظهور في الفرق المزبور الذي لا يكاد يحصل له وجه معتد به كما أوضحه فيما سمعته من جامع المقاصد. نعم الظاهر ان منشأ الفرق فيما ذكره من الصورتين عدم تعرض الدلال و التاجر للزيادة، و انما طلب الدلال الاخبار بالثمن و مقدار الربح كي إذا باعه به فصاعدا يستحق

ج 23، ص: 327

أجرة عمله، و لا يكون للتاجر طريق عليه بأنك لم تبعه على ما أريد و من هنا صرح الشيخ في هذه الصورة بالرجوع بأجرة المثل كما سمعت، و بذلك يظهر لك وجه النظر فيما سمعته من جامع المقاصد و بعض من تأخر عنه، كما انه لا يخفى عليك مما ذكرنا ان الأقوى ما ذكره المصنف و الفاضل في جملة من كتبه من وجوب أجرة المثل في المفروض المسألة لما عرفت من بطلان ذلك اجارة و جعالة، و النصوص و ان كثرت و صح جملة منها و تعاضدت إلا ان اعراض المعظم عنها مع ذكرهم لها يذهب الوثوق بها و العامل بها بظن أنها جعالة ليس عملا بها حقيقة، بل هو توهم أن مفروضها كذلك، و قد عرفت فساده، بل لعل الشيخين بعد ما عرفت من عدم فرقهما بين ابتداء التاجر و الدلال لذلك أيضا، بل هي أجمع غير صريحة في لزوم ذلك، بل و لا ظاهرة ظهورا يعتد به، إذ من المحتمل كون المراد نفي الباس عما وقع بينهما مستمرا عليه التراضي منهما، نحو نفى الباس

في صحيح عبد الرحمن (1)«سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن السمسار يشتري بالأجر فندفع إليه الورق و نشترط عليه إنك إن تأتي بما تشترى فما شئت أخذته، و ما شئت تركته، فيذهب و يشتري و يأتي بالمتاع فيقول خذ ما رضيت، و دع ما كرهت؟ قال: لا بأس»

و اللَّه العالم.

[أما التولية]

و أما التولية التي قد تضمنتها جملة من النصوص كصحيح منصور بن حازم (2)و خبر على بن جعفر(3)و خبر معاوية بن وهب (4)و خبر سماعة(5)و خبر أبى بصير(6)و غيرها


1- 1 الوسائل الباب 20 من أبواب أحكام العقود الحديث- 2-.
2- 2 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 1- 12.
3- 3 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 9.
4- 4 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 11.
5- 5 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 15.
6- 6 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود الحديث 16.

ج 23، ص: 328

و كثير من عبارات الأصحاب كالشيخ و غيره، فهي أن يعطيه المتاع برأس ماله من غير زيادة و قد يقوى جريان جميع ما سمعته في المرابحة مما يدخل قيمته في رأس المال من الأعمال و غيرها، لكن في التذكرة «لا بد من كون الثمن مثليا ليأخذ المولى مثل ما بذله، فلو اشتراه بعرض لم تجز التولية، مع أنه؛ قد ذكر جواز نحو ذلك في المرابحة، و فيه أنه لا ريب في جوازه إذا انتقل ذلك العرض الى من يراد توليته كما أنه يقوى جوازها بقيمة العرض بعد الإخبار بذلك؛ نحو ما سمعته في المرابحة؛ و احتمال الفرق بينهما بدخول التقويم في الجملة في المرابحة بخلافها باعتبار ظهور مادتها في إرادة العقد، بمعنى إعطاء البيع بنفس ما وقع في ذلك العقد ممنوع و إلا لجرى مثله في المرابحة و المواضعة.

و على كل حال فيقول إذا أراد عقدها وليتك أو بعتك أو ما شاكله من الألفاظ الدالة على النقل الذي هو بيع. نعم في جامع المقاصد و المسالك «إنه إن كان العقد بغير لفظ وليتك وجب ذكر الثمن، و إن كان بها لم يحتج، كما أنه فيها و في غيرها أنه يجعل مفعوله العقد لو كان اللفظ وليتك.

و لذا قال في الدروس و المسالك: «إنه يحتمل الاجزاء لو قال وليتك السلعة» قلت: لعل الاستغناء عن الثمن فيما سمعته لصراحة لفظ التولية في البيع برأس المال، فيغني ذكره قبل العقد عنه فيه، بل أصل المعنى في وليتك العقد إعطاء السابق، بمعنى تمليك المولى البيع بما ملكه المولى في العقد السابق، لكن لا يبعد الاجتزاء بجعل المفعول السلعة، بل في كثير من نصوصها وقعت مفعولا للتولية، و إن لم تكن في صورة العقد، بل لا إشعار في شي ء من النصوص بجعل المفعول العقد، فجعل المفعول السلعة إن لم يكن أولى من كون المفعول العقد في الاستغناء عن الثمن، فلا ريب في مساواته له، بل لا يبعد الاستغناء عنه لو قال بعتك السلعة تولية، بل قد يظهر من القواعد و التذكرة و غيرهما الاجتزاء بلفظ بعتك مع قصد التولية، و إن لم يذكر لفظها، كما أن ظاهرهما الاجتزاء بهما و ان لم يذكر لهما مفعولا من السلعة و العقد، اكتفاء بما قدماه على العقد، و كل ذلك غير بعيد.

ج 23، ص: 329

إنما الكلام في أصل العقد بهذا اللفظ أي التولية، و لا يبعد جوازه لاندراجه في عموم الآية(1)بعد أن ذكر جماعة من الأصحاب العقد به، بل ذلك قرينة إلى إرادة العقد بهذا اللفظ في النصوص المشتملة عليها، لا أن المراد البيع برأس المال الواقع بألفاظه الخاصة؛ و لا يشكل ذلك بعدم جواز العقد بلفظ المرابحة و الوضيعة، للفرق بذكر بعض الأصحاب العقد باللفظ الأول دونهما، و بناء على أن المراد في الآية العقود المتداولة لا طريق إلى معرفة ذلك إلا ذكر الأصحاب، مضافا إلى أن التولية ليس إلا البيع برأس المال، بخلاف المرابحة و المواضعة التي لهما أفراد

متعددة، لتعدد أفراد الربح و النقصان، و إلى أن كلا من لفظهما لا دلالة في أصله على النقل، بخلاف التولية التي من مشتقاتها الولي بمعنى المالك المتصرف، و هي بمعنى الإعطاء، و نحوه مما يناسب إرادة النقل، فتأمل جيدا.

و كيف كان فهي بيع يلحقها أحكامه من الشفعة و القدرة على التسليم و غيرهما، كما أنه يلحقها الخيار المزبور في المرابحة، لو كذب برأس المال على ما صرح به في التذكرة، لاتحاد الطريق، و الزوائد المنفصلة قبل التولية للمولي و بعدها للمولى، بالفتح خلافا لأحد قولي الشافعية و الحط من الثمن بعد التولية و قبلها للمولي بالكسر، و في القواعد» لو باع تولية فحط البائع الأول عنه البعض فله الجميع، و إن كان الحط قبل التولية فله الباقي إن كان بما أدى» و هو جيد إن صدق عليها اسم التولية التي هي كما عرفت البيع برأس المال، و لا ريب في أنه الجميع، و لا ينافيه الحط إذ هو إبراء و حينئذ فالبيع بما أدى وضيعة لا تولية، و المراد بالبيع بما أدى الإخبار بمقداره قبل؛ ثم البيع به، لا أنه يناط البيع به ثم يعلم بعد ذلك، ضرورة كونه حينئذ مجهولا فيفسد كما يفسد البيع بذلك، و اللَّه أعلم.


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 23، ص: 330

[أما المواضعة]

و أما المواضعة فإنها مفاعلة من الوضع بمعنى الحط إذ هي النقصان قدرا من رأس المال؛ و لا ريب في جوازها إذ هي كالمرابحة، إلا أنه قيل بكراهة النسبة إلى رأس المال، نحو ما سمعته في المرابحة، و التسامح فيها يقضي بالتسامح في البحث عنها، و الأمر سهل، و حينئذ فإذا قال بعتك بمائة و وضيعة درهم من كل عشرة فالثمن تسعون إذ لا ريب في ظهور العبارة في أن الموضوع بعض كل عشرة، لا أن المراد به معنى الوضع لكل عشرة، حتى يكون الموضوع خارجا عنها، كما لو عبر بهذه العبارة التي لا ريب في ظهورها في كون الموضوع للعشرة غيرها، و لذا لم يخالف فيه أحد، فيكون الثمن أحد و تسعين إلا جزءا من أحد عشر جزءا من درهم، و إلا لكان المتجه حينئذ عدم كون الثمن فيما فيما أو قال:

من كل أحد عشر درهما ما ذكره المصنف و غيره، بل لا خلاف أجده فيه من أنه أحد و تسعون إلا جزءا من أحد عشر جزء، و لا ريب في أنه خلاف الظاهر، و محتاج إلى القرينة، فاحتمال جماعة له كما قيل: إن أريد به بحيث يساوى ذلك له، فهو كما ترى، فضلا عن دعوى ظهور العبارة فيه، كما هو واضح، و في الدروس «و لو قال: بعتك بمائة و وضيعة درهم من كل عشرة، فالثمن تسعون، و لو قال لكل عشرة زاد عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، و ضابطه إضافة الوضيعة إلى الأصل، و نسبتها إلى المجموع ثم إسقاطها، فالباقي الثمن.

و لو قال وضيعة العشرة درهم، احتمل الأمرين نظرا إلى معنى الإضافة من اللام و من، و إن أثبتا الإضافة الظرفية، فهي كالتبعيضية، و الشيخ طرد الحكم بالضابط في وضع درهم من كل عشرة، كأنه يجعل من لابتداء الغاية، و يجعل العشرة سالمة للبائع، و كذا في كون الثمن تسعين لو قال بعتك بمائة بمواضعة الشعرة درهم؛

ج 23، ص: 331

وفاقا للمحكي عن الشيخ لأن المنساق إلى الذهن كون الإضافة بمعنى من التبعيضية، فيساوي حينئذ بوضيعة درهم من كل عشرة.

لكن في المسالك «تبعا لما عن الميسية أن الإضافة بمعنى من، لا تكون إلا في من البيانية لا التبعيضية، نحو خاتم فضة، و باب ساج، و هو منتف هنا، لاشتراطها بصحة إطلاق المجرور بها على المبين، كما في قوله تعالى (1)«فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ» و قد صرح بذلك المحقق الرضى و ابن هشام و تاهيك بهما، و حينئذ فينتفي القول بحمل الإضافة في المسألة على معنى من رأسا، لأن الموضوع المضاف بعض العشرة و لا يصح الاخبار بها عنه فتعين كونها بمعنى اللام، قلت: فيكون الثمن حينئذ أحد و تسعين إلا جزءا من أحد عشر جزءا نحو المثال الآتي و فيه مضافا إلى ما تسمعه من المناقشة في المثال المساوي له، منع اعتبار ذلك في الإضافة؛ قال الزمخشري فيما حكي من كشافه في تفسير قوله تعالى (2)«وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ» أنه يجوز الإضافة بمعنى من التبعيضية كأنه قيل و من الناس من يشترى بعض الحديث الذي هو اللهو منه.

و عن السيد الشريف أنه نص في بيان معنى فاتحة الكتاب؛ أن الإضافة بمعنى من قد تكون

في من التبعيضية، و نقله عن بعضهم و عن صاحب الكشاف، و من ذلك ينقدح قوة جواز الإضافة بمعنى التبعيض الذي هو أعم من البيانية التي ذكرها، و أنه لا يعتبر صحة الحمل و لعل التبعيض بالمعنى المزبور حاصل حتى فيما ذكره من المثالين، خصوصا و قد ذكر هذا الاحتمال جماعة من المحققين، كالشيخ و المصنف و الفاضل و الشهيد و فخر الإسلام و المحقق الثاني و غيرهم، حتى أن جماعة توقفوا في الترجيح بينه و بين كون الإضافة بمعنى اللام، بل صرح بعضهم بالبطلان مع عدم القرينة لتكافؤ الاحتمالين، و كل ذلك دليل على صحته، و إن كان الأقوى ترجيحه على اللام بالتبادر في عرفنا الآن، و ترجيح ذلك عليه بالقياس على المرابحة؛ فإنه إذا قال: رأس مالي مثلا عشرون، و بعتك برأس مالي مع مواضعة العشرة درهمين و نصف، فلو فرض أن ذلك كان بصيغة


1- 1 سورة الحج الآية- 30.
2- 2 سورة لقمان الآية- 6.

ج 23، ص: 332

المرابحة صار المجتمع خمسة و عشرين، و نسبة الخمسة إليها الخمس، فينبغي سقوط الخمس من الثمن، لو كان بصيغة المواضعة و هو أربعة فيكون الثمن ستة عشر درهما، ليس بأولى من القول بملاحظة نسبة الوضيعة إلى رأس المال، و أنه يسقط بقدرها، فيكون الثمن خمسة عشر، لأن نسبة الخمسة إلى العشرين الربع.

و حينئذ ففي المثال تنسب العشرة إلى الماءة و تسقط من الثمن فيبقى تسعون، ضرورة أن نسبتها العشر، لا أنه تنسب العشرة إلى القدر المجتمع منها و من رأس المال، فيكون الساقط جزءا من أحد عشر فتأمل جيدا و لو قال : بعتك بمائة و وضيعة درهم من كل أحد عشرة، كان الثمن أحدا و تسعين إلا جزءا من أحد عشر جزء من درهم بلا خلاف أجده فيه هنا، لكن قد يشكل بأن الظاهر الوضع لكل عشرة درهم، فبعد حذف التسعة عن المائة، لا ينبغي وضع شي ء آخر عن الواحد، لعدم كونه عشرة، فيكون الثمن حينئذ أحدا و تسعين، مضافا إلى أصالة عدم الوضع؛ فلو ادعى البائع هذا المعنى حمل عليه، و لو مات و لم يفسر حمل عليه أيضا، اللهم إلا أن يقال: إن المراد الحط لكل عشرة أجزاء، جزء من خارج درهما كان أو عشرة، ملاحظة لجانب المشتري، لأن الأصل عدم الزيادة، و لعله على ذلك مبنى كلام الأصحاب، و لا بأس به مع مساعدة العرف عليه، و أما التشريك فقد تقدم سابقا بعض الكلام فيه و في الدروس هنا هو أن يجعل له فيه نصيبا برأس ماله، و هو بيع أيضا و لو أتى بلفظ التشريك، فالظاهر الجواز، فيقول شركتك في هذا المتاع نصفه بنصف ثمنه، انتهى و فيما ذكره أخيرا بحث.

[الفصل السابع في الربا]

اشارة

الفصل السابع في الربا المحرم كتابا(1)و سنة(2)و إجماعا من المؤمنين بل المسلمين، بل لا يبعد كونه من ضروريات الدين، فيدخل مستحلة في سلك الكافرين، كما يومي إليه

ما رواه


1- 1 سورة البقرة الآية 274 و سورة آل عمران الآية 129.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب الربا.

ج 23، ص: 333

ابن بكير(1)«قال: إنه بلغ أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل أنه كان يأكل الربا و يسميه اللبأ، فقال لئن أمكننى اللَّه منه لأضربن عنقه»

و نحوه غيره

«و الدرهم من الربا يمحق الدين و يورث الفقر ان تاب»(2)

«بل هو عند اللَّه أشد من عشرين زنية»(3)

«بل ثلاثين»(4)

«بل سبعين كلها بذات محرم في بيت اللَّه الحرام»(5)

«بل للربا سبعون بابا أهونها عند اللَّه كالذي ينكح أمه في الكعبة»(6)

«و لذا كان أخبث المكاسب و شرها،(7)

و من أكله ملاء اللَّه بطنه من نار جهنم بقدر ما أكل»،(8)

و من اكتسب منه ما لا لم يقبل اللَّه منه شيئا من عمله، و لم يزل في لعنة اللَّه و الملائكة ما كان عنده قيراط واحد»(9)

و

قد رأى النبي صلى اللَّه عليه و آله لما اسرى به إلى السماء أقواما يريد أحدهم أن يقوم، فلا يقدر من عظم بطنه، فسأل جبرئيل عنهم، فقال له: هم الذين يأكلون الربا»(10)

«فلعن اللَّه آكله و مشتريه و بايعه و كاتبه و شاهديه و الزائد و المستزيد في النار»(11)

. لكن في الدروس و لو اضطر الدافع و لا مندوحة فالأقرب ارتفاع التحريم في حقه، و هو جيد في بعض أفراد الضرورة،

«و إنما حرمه اللَّه لئلا يترك الناس فعل المعروف من القرض و غيره

(12)بل لتركوا التجارات أيضا(13)بل هو في نحو شراء الدرهم بالدرهمين من السفه المفسد للمال كما أومى إليه

الرضا عليه السلام (14)في جواب السؤال عن علة تحريمه «قال: لما فيه من فساد الأموال لأن الإنسان إذا اشتري الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما و ثمن الآخر باطلا فبيع الربا و شراؤه و كس على كل حال، على المشتري، و البائع، فحرم اللَّه عز جل على العباد الربا، لعلة فساد الأموال، كما حظر


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب الربا- الحديث- 1-.
2- 2 الوسائل الباب- 1 من أبواب الربا الحديث- 7.
3- 3 الوسائل الباب- 1 من أبواب الربا الحديث- 6.
4- 4 الوسائل الباب- 1 من أبواب الربا الحديث- 5.
5- 5 الوسائل الباب- 1 من أبواب الربا الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 1 من أبواب الربا الحديث- 12 الى 23.
7- 7 الوسائل الباب- 1 من أبواب الربا الحديث 12- الى 23.
8- 8 الوسائل الباب- 1 من أبواب الربا الحديث 12- الى 23.
9- 9 الوسائل الباب 1- من أبواب الربا الحديث 15.
10- 10 الوسائل الباب 1- من أبواب الربا الحديث 16.
11- 11 الوسائل الباب 4 من أبواب الربا الحديث 1- 5.
12- 12 الوسائل الباب 1 من أبواب الربا الحديث 4.
13- 13 الوسائل الباب 1 من أبواب الربا الحديث 8.
14- 14 الوسائل الباب 1 من أبواب الربا الحديث 11.

ج 23، ص: 334

على السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من فساده، حتى يونس منه رشد، فلهذه العلة حرم اللَّه عز و جل الربا و بيع الربا بيع الدرهم بالدرهمين».

و منه كغيره يعلم أن ليس المراد من الربا المحرم مطلق الزيادة، كما هو معناه لغة؛ بل المراد به كما في المسالك و غيرها «بيع أحد المتماثلين المقدرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرع عليه السلام أو في العادة مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكما، أو اقتراض أحدهما مع الزيادة، و إن لم يكونا مقدرين بها إذا لم يكن باذل الزيادة حربيا، و لم يكن المتعاقدان و الدا مع ولده. و لا زوجا مع زوجته» و إن كان تعريفه بذلك لا يخلو من نظر، من وجوه إلا أنه يسهل الخطب عدم إرادة تعريف الحقيقي، بل قد يقال: إن المراد به شرعا المعنى اللغوي؛ لكن في خصوص النسيئة و البيع أو مطلق المعاوضة، بناء على تعميمه بالشرائط التي تسمعها إنشاء اللَّه، و بيع الربا هو البيع المشتمل على الزيادة كما أومى إليه الرضا عليه السلام بما سمعت، و عن حواشي الشهيد و آيات المقداد و جامع المقاصد أنه شرعا زيادة أحد العوضين إلى آخر ما سمعته من المسالك، و عن فقه القرآن للراوندى أصل الربا الزيادة و الربا هو الزيادة على رأس المال من جنسه أو مماثله إلى غير ذلك، مما يرجع إلى ما ذكرنا من النصوص و غيرها، فضلا عن التبادر.

و من هنا ربما قيل بأن المتجه بحسب القواعد صحة المعاملة المشتملة عليه؛ و اختصاص الفساد بالزيادة، لأنها هي محل النهي فبيع المثلين حينئذ بالمثل كبيع ما يجوز بيعه، و ما لا يجوز بيعه، في عقد واحد الذي يصح في الأول، و يبطل في الثاني.

نعم لا يبعد التسلط على الخيار مع الجهل و حينئذ فلا بد من الاستدلال على الفساد بدليل خاص غير تحريم الربا لكن لا يخفى أن ظاهر الأصحاب بل و جملة من النصوص تحريم نفس المعاملة و ما يحصل بها، فما يأخذه من الغريم من رأس المال و الزيادة حرام، و كذا ما يعطيه، و عن مجمع البيان معنى أحل اللَّه البيع و حرم الربا: أحل البيع الذي لا ربا فيه؛ و حرم البيع الذي فيه الربا، فيمكن كون النهي هنا كالنهي عن بيع الملامسة و

ج 23، ص: 335

المنابذة مما لا إشكال عندنا في اقتضائه الفساد، و أنه ليس كالنهي عن البيع وقت النداء أو يرجع إلى النهي عن نفس العوض و المعوض عنه، و هو لا ريب في اقتضائه الفساد.

بل يمكن استناد الفساد إلى قاعدة تبعية العقود، للقصود، ضرورة أن البائع أو المشتري إنما بذل المثل في مقابلة المثلين، فان لم يتم له بطل العقد، و ليس هو كبيع الشاة و الخنزير التي يبطل من الثمن ما قابلها، فيبقى الأخر بما قابله منه، لان البطلان في الزيادة هنا بلا مقابل و هو أمر غير مقصود، للمتعاملين، فلو صح العقد وقع ما لم يقصد، و ما قصد لم يقع كما هو واضح.

نعم قد يقال بصحة المعاملة إذا كانت الزيادة خارجة عن أحد العوضين، كما إذا كانت شرطا و نحوه بناء على أن بطلان الشرط لا يقضى ببطلان العقد، مع احتمال القول بالفساد هنا، و إن لم نقل به هناك، لظهور النص و الفتوى في أن الربا متي دخل المعاملة أفسدها على أي وجه كان دخوله، فيختص النزاع السابق حينئذ بما إذا لم يكن فساد الشرط لانه ربا، و من هنا كان اشتراط الأجل في أحد المتماثلين ربا، و

في خبر خالد بن الحجاج (1)«سألته عن رجل كانت لي عليه ماءة درهم عددا قضانيها مائة درهم وزنا، قال: لا بأس ما لم تشارط؛ قال: و قال: جاء الربا من قبل الشرط.

و إنما تفسده الشروط»

فالأقوى البطلان حينئذ و إن كان الربا شرطا، و لا ينافي ذلك ما تسمعه إنشاء اللَّه من النصوص و الفتاوي في وجوب رد الزيادة في حالي العلم و الجهل و عدمه، كما ستعرف.

و قد تلخص مما ذكرنا فساد المعاوضة الربوية على كل حال سواء قلنا بكون النهي عنها، أو قلنا بأن النهي عن الزيادة، و أما الأول فواضح، و أما الثاني فلان المراد من النهي عن الزيادة معاملة المثل بالمثلين مثلا، و هي مباينة لمعاملة المثل بالمثل على وجه لا تتحقق الثانية في ضمن الأولى، كي يكون النهي متعلقا بالزيادة نحو شراء


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب الصرف الحديث- 1.

ج 23، ص: 336

الشاة و الخنزير، فإنهما معا يحصلان بعقد واحد؛ فيصح بالمحلل و يبطل بالمحرم، و ليس

ما نحن فيه كذلك قطعا؛ ضرورة عدم حصول معاملة المثل بالمثل في ضمن معاملة المثل بالمثلين، مع زيادة لما عرفت من مباينتهما على وجه لا يجتمعان، فإنه متى تحقق أحدهما خرج عن موضوع الأخر.

نعم لو فرض عقد واحد اشتمل علي معاملة المثل بالمثل و على معاملة المثل بالمثلين أمكن حينئذ التزام كونه كالشاة و الخنزير و ليس المقام من هذا القبيل قطعا، فليس حينئذ معاملة المثل بالمثلين الا من العنوان المحرم، لا أنه اجتمع فيه المحلل و المحرم و كيف يتصور اجتماعهما بعد اعتبار الشارع في المثل بالمثل عدم الزيادة فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.

و كيف كان ف هو أي الربا يثبت في البيع بلا خلاف بين المسلمين بل هو كالضروري من الدين، لكن مع وصفين أحدهما اتحاد الثمن و المثمن في الجنسية و الثاني كونهما مما يعتبران ب الكيل و الوزن و كذا ثبوته في القرض فيتحقق فيه مع اشتراط النفع بالعين أو الصفة من غير فرق فيه بين المكيل و الموزون، و غيرهما فهو أعم موضوعا من الأول فلا بد للفقيه حينئذ من البحث في حكم كل منهما و شرائطه- و لذا قال المصنف أما الثاني أي ربا القرض فسيأتي البحث فيه، في بابه.

[الأول البيع الربوي ]
اشارة

و أما الأول فيقف بيانه على أمور (11) أربعة لكن ينبغي أن يعلم أولا أن الظاهر ما صرح به المصنف في باب الغصب من ثبوت الرياء في كل معاوضة، وفاقا للمحكي عن السيد و الشيخ و القاضي و ابن المتوج و فخر المحققين و الشهيدين و ابن العباس و القطيفي و العليين و الأردبيلي و غيرهم، بل نسبته الأخير في آيات أحكامه إلى الأكثر، لإطلاق ما دل على حرمته من الكتاب و السنة. إذ هو الزيادة المتحقق صدقها في البيع و غيره.

ج 23، ص: 337

و دعوى- أنه البيع و القرض مع وصف الزيادة كما يومي إليه تعريف بعضهم له بذلك أو أنه الزيادة فيهما خاصة لغة أو شرعا- لا شاهد لها، بل الشواهد جميعا على خلافها حتى ما ورد(1)في وجه تحريمه من تعطيل المعاش،(2)و اصطناع الناس المعروف و نحوهما. بل و الصحاح المستفيضة التي سيمر عليك كثير منها، ك

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابى نصر(3)«الحنطة و الشعير رأسا برأس لا يزداد واحد منهما على الأخر إلى أن قال: و الدقيق بالحنطة و السويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به»

و في آخر (4)

كان علي عليه السلام «يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، و لم يكن علي عليه السلام يكره الحلال»

و

قال عبد الرحمن(5)للصادق عليه السلام أيضا «أ يجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟ فقال: لا يجوز إلا مثلا بمثل»

ك

قوله أيضا في صحيح الحلبي (6)«الفضة بالفضة مثلا بمثل ليس فيها زيادة و لا نقصان الزائد و المستزيد في النار»

و سأل محمد أبا جعفر عليه السلام(7)عن الرجل يدفع إلى الطحان الطعام فيقاطعه على أن يعطي صاحبه لكل عشرة أرطال اثنى عشر رطلا دقيقا فقال: لا قلت: الرجل يدفع السمسم إلى العصار و يضمن لكل صاع أرطالا مسماة، قال: لا»

بل قيل إنه صريح في المطلوب إلى غير ذلك من النصوص، الظاهرة بسبب الإطلاق أو ترك الاستفصال في حصول الربا بالزيادة في مطلق المعاوضة، المعتضدة مع ذلك كله بالاحتياط.


1- 1 الوسائل الباب- 1 من أبواب الربا الحديث 8.
2- 2 الوسائل الباب- 1 من أبواب الربا الحديث 3.
3- 3 الوسائل ذكر صدره في باب 8 من أبواب الربا عن أبى بصير الحديث 3 و ذكر ذيله عن زرارة في باب 9 الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب 15 من أبواب الربا الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب الربا الحديث- 2.
6- 6 الوسائل الباب 1 من أبواب الصرف الحديث- 1.
7- 7 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث- 3-.

ج 23، ص: 338

خلافا للحلي و الفاضل فخصاه بالبيع، و القرض، للأصل، بعد دعوى أن الربا الزيادة فيهما، أو أن المنساق من الأدلة ذلك، سيما بعد أصالة البيع في المعاوضة، و لو لانه الكثير الشائع، فنصوص الاستدلال و نحوها تنصرف اليه، و فيه ما عرفت، و حينئذ فينقطع

الأصل بما سمعته، مؤيدا بالشهرة العظيمة، بل قيل إن الفاضل قد رجع عنه في كتاب الصلح من القواعد، فينحصر الخلاف حينئذ بالحلي، و اقتصار المصنف هنا على البيع مع تصريحه في الغصب بالعموم، لا يعد خلافا كتعريف بعضهم له بذلك مع تصريحه في غير المقام بالتعميم، الكاشف عن عدم إرادة الاختصاص بذلك، و أنه ذكره لكون البيع محل البحث، فتأمل جيدا، و اللَّه أعلم.

و كيف كان ف

[الأمر الأول في بيان الجنس ]

الأول من الأمور في بيان الجنس الذي قد عرفت اعتبار اتحاده في المنع من الربا كما ستعرف دليله؛ نعم قد صرح غير واحد أن المراد به في النص و الفتوى الحقيقة النوعية المسماة في المنطق بالنوع، و في اللغة بالجنس، لكن اعترف في جامع المقاصد بأن ذلك يعسر الوقوف عليه، بل عن مجمع البرهان أنه متعسر، بل قيل إنه متعذر، و هو كذلك، ضرورة صعوبة الوصول إلى معرفة الذاتيات، بحيث يفرق فيها بين الجنس و النوع، و الصنف و الفرد، على وجه يطمئن به و لعله لذا جعل ضابطه في السرائر و التذكرة و التحرير و الدروس و اللمعة و غيرها كل شيئين مثلا يتناولهما لفظ خاص كالحنطة مثلا بمثلها و الأرز بمثله و لعله لان الاتفاق في ذلك كاشف عن الاتحاد في الحقيقة النوعية. كما يومي اليه الجمع- في المحكي عن الكافية- بينهما؛ فقال: إن المراد بالجنس الواحد الحقيقة النوعية، و ضابطه أن يتناولها لفظ خاص، و كان وجه ذلك معلومية إرادة كون التناول للاشتراك في القدر المشترك بين الأفراد الذي لا قدر غيره أخص منه، فلا أثر للتناول بالاشتراك اللفظي، و لا للتناول بالاشتراك في الجنس الذي تحته قدر أخص منه، لافراد خاصة من ذلك الجنس و لا أقل من أن يكون ذلك قاعدة مطردة حتى يعلم خلافها، كاطراد قاعدة اقتضاء اختلاف اللفظ الخاص اختلاف الحقيقة حتى يعلم، فلا يرد

ج 23، ص: 339

حينئذ تناول لفظ الطعام و الحب و نحوهما مما هي أسماء أجناس تحتها إقدار مشتركة أخص منها، كما لا يرد الاتحاد هنا في الشعير و الحنطة مع اختلاف اللفظين، مع إمكان التخلص عن الأخير بطريق آخر، هو ما أشارت إليه النصوص، من أن الاتحاد في باب الربا بينهما باعتبار كون الشعير من الحنطة، و أنها هي أصله، لا باعتبار اتحادهما في الحقيقة، الآن و مثله حينئذ كاف في تحقق الربا، و إن اختلفت الحقيقة، و كان إطلاق الأصحاب في أول البحث الاكتفاء باتحاد الجنس، مع جريان الربا في المختلف إذا كان أحدهما أصلا و الأخر فرعا، اتكالا على ما يذكرونه بعد ذلك، أو يريدون اتحاد الجنس و لو بالأصل.

نعم الظاهر الاكتفاء بذلك إذا كانت الحقيقة الفرعية متخذة من ذلك الأصل لا غير كالشعير من الحنطة. و التمر من الطلع مثلا، فلا يرد حينئذ معلومية عدم الربا بين التمر و الملح الذي يفرض استحالته، لأن حقيقة الملح ليست متخذة منه، بل هو استحالة لخصوص فرد فتأمل جيدا. فإنه دقيق نافع. و تسمع له فيما يأتي تتمة إنشاء اللَّه.

و بذلك كله يظهر لك ارتفاع الاشكال عن المسألة و إن التبس الأمر على بعض المحققين؛ من متأخري المتأخرين، و لو فرض حصول فرد مشتبه بين كونه متحد الجنس و مختلفه، فظاهر اعتبار الأصحاب اتحاد الجنس في الحرمة الحل لأن الشك في الشرط شك في المشروط، و الفرض كون المحرم مشروطا دون الجائز الباقي على مقتضى العموم.

نعم قد يقال إن ظاهر النصوص الاشتراط في كل منهما، لقوله فيما تسمع (1)

«إذا اختلف الجنسان أو الشيئان فبيعوا كيف شئتم»

و نحوه غيره، و

قوله (2)«كل شي ء يكال أو يوزن فلا يصلح


1- 1 المستدرك ج 2 ص 480.
2- 2 الوسائل الباب 16 من أبواب الربا الحديث 3.

ج 23، ص: 340

مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد»

فيكون كل من الجائز و المحرم مشروطا بشرط، فمع فرض الشك يتجه الفساد، لأصالة عدم ترتب الأثر، و عدم النقل و الانتقال، و نصوص (1)

«كل شي ء يكون فيه حلال و حرام»

في غير الفرض، كما يشهد له اتفاقهم على عدم جريانها في المشتبهة من النساء بين الأجنبية و النسبية، و ليس إلا لاشتراط كل من الحل و الحرمة بشرط فرض الشك فيه، فيبقى أصل عدم ترتب الأثر بحاله، كبقاء مقتضى قاعدة المقدمة.

نعم قد يقال بالحلية في المشكوك في حصول سبب التحريم، نحو ما أشارت إليه

النصوص(2)بأن جارية تحتك و لعلها أختك»

و للسيرة و الطريقة و غيرهما، و بذلك ظهر لك أن مقتضى النصوص في المقام الفساد، إلا أنه بملاحظة اقتصار الأصحاب الشرطية في المحرم دون غيره، يحكم بالحل في المشتبه فتأمل جيدا.

و على كل حال فيجوز بيع المتجانس بمثله وزنا بوزن نقدا بلا خلاف و لا إشكال نصا(3)و فتوى عموما و خصوصا كما أنه لا يجوز مع الزيادة الجنسية لذلك. نعم في المسالك. «هذا إذا كان أصلهما الوزن، اما لو كان أصلهما الكيل ففي الإكتفاء بتساويهما وزنا خاصة نظر، من كون الوزن أضبط، حتى قيل إنه أصل للكيل، و من ورود الشرع و العرف بالكيل، فلا يعتبر بغيره، و ظاهر كلام المصنف اختيار الأول، و هو متجه، بل نقل بعضهم الإجماع على جواز بيع الحنطة و الشعير وزنا مع الإجماع على كونهما مكيلين في عهده عليه السلام قلت: ستسمع تحقيق المسألة في الفرع الأول و اللَّه أعلم.

و أما إذا كانت الزيادة حكمية، كالأجل فلا خلاف محقق معتد به في عدم الجواز ف لا يجوز حينئذ إسلاف أحدهما في الآخر، لكن قال المصنف هنا على الأظهر و لعله أشار به إلى ما حكاه في المختلف عن الخلاف من كراهة بيع


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 4 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب 8- 9 من أبواب الربا.

ج 23، ص: 341

المتجانسين متماثلا نسيئة، و المبسوط من أن الأحوط أن يكون يدا بيد.

و في الدروس «إنه أول كلامه، بإرادة التحريم لأن المسألة إجماعية،» قلت:

لأنه نفسه منع من بيع الثياب بالثياب و الحيوان بالحيوان نسيئة، فضلا عما نحن فيه، فمثله حينئذ لا يعد خلافا بعد الإجماع بقسميه، و ظهور النصوص في تحقق الربا بذلك، بل ستعرف القول بتحققه بذلك مع اختلاف الجنس، فضلا عن متحده.

و حيث يجوز بيع المتجانسين لا يشترط في صحته التقابض قبل التفرق عندنا، كما عن التذكرة لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض، ضرورة عدم الربا بعد أن كانا حالين، و إن قبض أحدهما و بقي الأخر فاليد باليد، إن كان في الأدلة يراد به نفي النسيئة، كما هو معلوم، إلا في الصرف فيجب التقابض فيه حتى مع اختلاف الجنس، للأدلة التي ستسمعها في محلها، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، إلا من ابن زهرة في الغنية فأوجب التقابض قبل الافتراق في بيع المتجانسين، و هو غريب، لم أجد من وافقه عليه.

و أغرب منه دعواه نفى الخلاف عنه في الظاهر، و لو اختلف الجنسان في الربويين جاز التماثل و التفاضل نقدا، بلا خلاف كما اعترف به بعضهم، بل الإجماع بقسميه عليه، للإطلاق و

النبوي (1)المجمع عليه كما في السرائر «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم»

و

قول أبى جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (2)«إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد»

ك

قول الصادق عليه السلام (3)في موثق سماعة: «المختلف مثلان بمثل


1- 1 المستدرك ج 2 ص 480.
2- 2 الوسائل الباب 13 من أبواب الربا الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب 13 من أبواب الربا الحديث- 9.

ج 23، ص: 342

يدا بيد لا بأس به»

و

في موثقه الآخر(1)«سألته عن الطعام و التمر و الزبيب قال: لا يصلح منها اثنان بواحد إلا أن تصرفه إلى نوع آخر، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد و أكثر من ذلك».

و

في صحيح الحلبي أو حسنته عن الصادق عليه السلام (2)«و يكره قفيز لوز بقفيزين و لكن صاع حنطة بصاعين من تمر أو بصاعين من زبيب»

و

سأله أيضا في صحيحه الأخر(3)«عن الزيت بالسمن اثنين بواحد قال يدا بيد لا بأس به»

و

في الموثق (4)«كل شي ء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد»

و غير ذلك من النصوص مفهوما و منطوقا بل إليه يومئ نصوص الجواز فيما يعمل من جنسين المعلوم بناء الجواز فيها على صرف كل إلى ما يخالفه كما هو واضح، هذا كله في النقد.

و اما في النسيئة فإن كان كل من العوضين من الأثمان فهو صرف لا تجوز فيه كما تعرفه في محله، و إن كان أحدهما منها و الآخر من العروض فلا خلاف أجده في جواز التماثل و التفاضل بل الإجماع بقسميه عليه، إذ هو إما نسيئة أو سلم، و كل منهما مجمع على جوازه، بل لعله من الضروريات المستغني عن الاستناد إلى إطلاق الأدلة و نحوه، و إن لم يكن كذلك بل كان عرضا بعرض ففيه تردد و خلاف فعن ابني أبي عقيل و الجنيد و المفيد و سلار و ابن البراج عدم الجواز، و المشهور نقلا و تحصيلا بل لعل عليه عامة المتأخرين الجواز، و لا ريب في أن الأحوط المنع و إن كان الأقوى خلافه، لإطلاق الأدلة الذي يقصر معارضه عن

تقييده، سندا في البعض، و دلالة في الجميع، إذ هو إما البأس في المفهوم الذي هو أعم من الحرمة، كلفظ لا يصلح الذي ادعي ظهورها في الكراهة، و لو للشهرة، و التعبير بلفظها في مضمر على ابن إبراهيم الطويل و غير ذلك،


1- 1 الوسائل الباب 13 من أبواب الربا الحديث 5- مع اختلاف يسير.
2- 2 الوسائل الباب 13 من أبواب الربا الحديث 3- مع اختلاف يسير.
3- 3 الوسائل الباب 13 من أبواب الربا الحديث 7- مع اختلاف يسير.
4- 4 الوسائل الباب 16 من أبواب الربا الحديث 3.

ج 23، ص: 343

و لذا صرح بها هنا غير واحد من الأصحاب، بل في الغنية الإجماع عليها، و هو دليل آخر على المطلوب، فالإستدلال- ب

صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام (1)الذي رواه محمد بن سنان عنه أيضا «قال: ما كان من طعام مختلف أو متاع شي ء من الأشياء متفاضل، فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد، فإما نظرة فلا يصلح».

و نحوه

خبر زياد بن ابى غياث (2)إلا أنه قال: «فأما النسيئة فلا يصلح»

- لا يخفي عليك ما فيه خصوصا، بعد معلومية ما دل على اعتبار اتحاد الجنس في تحقق الربا إن أريد بعدم الجواز هنا للربا، كما هو الظاهر استبعادا لإرادة التعبدية دون الربوية، و لأنه الظاهر مما ذكر دليلا لهم أيضا، و هو الحديث المشهور(3)،

«إنما الربا في النسيئة»

الممنوع ارادة الشمول لما نحن فيه منه، الموهون بمتروكية الحصر فيه، على ان من المعلوم عدم إرادة مطلق الزيادة من الربا فيه، بل المراد بالشرائط المعتبرة، و من جملتها عند علمائنا كما في المختلف اتحاد الجنس الذي صرحت به الصحيحة المتقدمة كل ذا، مع احتمال و روده كالنصوص السابقة مورد التقية، لكون المنع مذهب العامة، كما يلوح من الغنية، و يؤيده مصير الإسكافي، و قد ظهر لك من ذلك كله وجه ما ذكر المصنف من الاحتياط، و غيره من الكراهة، و لو من جهة الشبهة الناشئة من أدلة المنع المزبور سيما مع صحة بعضها، و احتمال إرادة الحرمة من نفى الصلاحية، إما من حيث الصيغة كما ادعاه بعض الناس، أو من حيث غلبة التعبير به و بلفظ الكراهة عن الحرمة في باب الربا مؤيدا ذلك بفتوى من عرفت.

لكن في الرياض «أن المستفاد من النصوص المزبورة المنع في خصوص الزيادة العينية، لا الحاصلة بمجرد النسيئة و نحوها من الزيادات الحكمية، فالفتوى بانسحاب


1- 1 الوسائل الباب 13 من أبواب الربا الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 17 من أبواب الربا الحديث 14.
3- 3 كنوز الحقائق في هامش جامع الصغير ص 75 الطبع عبد الحميد احمد.

ج 23، ص: 344

المنع فيها لا وجه له مطلقا، حرمة كان أو كراهة، إلا أن المصير إلى الأخير بناء على المسامحة غير بعيد؛» قلت: لعل الوجه في المنع ما عرفت من دعوى أن ذلك من الربا الذي يتحقق بكل من الزيادتين، فلاحظ و تأمل. و الأمر سهل؛ بعد ما سمعت من صفته على كل حال و اللَّه اعلم.

و الحنطة و الشعير جنس واحد في حكم الربا على الأظهر الأشهر بل المشهور نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة، خصوصا بين المتأخرين، بل عليه عامتهم، عدا ابن إدريس بل كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في الغنية، و محكي خلاف الشيخ لا لتناول اسم الطعام لهما إذ قد عرفت أنه غير مجد بعد الاختلاف في الاسم الخاص الظاهر في اختلاف الحقيقة لا اختلاف صنف؛ بل للنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة ك

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابى بصير(1)الذي رواه المشايخ الثلاثة «الحنطة و الشعير رأسا برأس لا يزداد واحد منهما على الأخر»

و

في صحيح الحلبي أو حسنه (2)المروي في الكافي و التهذيب «لا يباع مختومان من الشعير، بمختوم من الحنطة و لا يباع، إلا مثلا بمثل و الثمرة أيضا مثل ذلك، قال: و سئل عن الرجل يشتري الحنطة و لا يجد عند صاحبها إلا شعيرا، أ يصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال: لا إنما أصلهما واحد»

و زاد

في الكافي «و كان علي عليه السلام يعد الشعير بالحنطة»

أى و يعدهما واحدا و

قال سماعة في الموثق (3)«سألته عن الحنطة و الشعير فقال: إذا كانا سواء فلا بأس»

و

قال البصري (4)قلت: لأبي عبد اللَّه عليه السلام «أ يجوز قفيز من الحنطة بقفيزين من شعير؟ فقال: لا يجوز إلا مثلا بمثل، ثم قال: إن الشعير من الحنطة»

و

قال الباقر عليه السلام في صحيح زرارة و محمد(5)«الحنطة بالدقيق مثلا بمثل، و السويق مثلا بمثل، و الشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به،»

و

في


1- 1 الوسائل الباب- 8 من أبواب الربا الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 8 من أبواب الربا الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب 8 من أبواب الربا الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب 8 من أبواب الربا الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب 9 من أبواب الربا الحديث 2.

ج 23، ص: 345

خبر محمد بن قيس (1)«أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا تبع الحنطة بالشعير إلا يدا بيد، و لا تبع قفيز من حنطة بقفيزين من شعير»

ك

قول الصادق عليه السلام في مرسل صفوان (2)«الحنطة و الشعير لا بأس به رأسا برأس»

و

سأله أبو بصير(3)«عن الحنطة بالشعير و الحنطة بالدقيق؟

قال: إذا كان سواء فلا بأس؛ و إلا فلا»

و

قال هشام بن سالم في الصحيح (4)«سئل الصادق عليه السلام عن الرجل يبيع الرجل الطعام الأكرار فلا يكون عنده ما يتم له ما باعه، فيقول له: خذ مني مكان كل قفيز قفيزين من شعير حتى تستوفي ما نقص من الكيل، قال: لا يصلح لأن أصل الشعير من الحنطة، و لكن يرد عليه من الدراهم بحساب ما نقص من الكيل»

إلى غير ذلك من النصوص، و كأنه أشار عليه السلم بالأصالة المزبورة إلى

ما رواه الصدوق (5)بإسناده «أن على بن أبى طالب عليه السلام سئل مما خلق اللَّه الشعير، فقال: إن اللَّه تبارك و تعالى أمر آدم أن ازرع مما اخترت لنفسك و جائه جبرئيل عليه السلام بقبضة من الحنطة فقبض آدم عليه السلام على قبضته و قبضت حوا على أخرى، فقال آدم لحواء: لا تزرعي أنت فلم تقبل أمر آدم فكلما زرع آدم جاء حنطة، و كلما زرعت حوا جاء شعيرا».

و من الغريب بعد ذلك كله اختيار ابن إدريس العدم، و أغرب منه دعواه أنه لا خلاف بين المسلمين، العامة و الخاصة، و لا بين أهل اللغة و اللسان في أنهما جنسان، و أنه لم يذهب إلى الاتحاد غير شيخنا أبي جعفر و

المفيد و من قلده في مقالته، و تبعه في تصنيفه، و إلا فجل أصحابنا المتقدمين و رؤساء مشايخنا المصنفين الماضين، لم يتعرضوا لذلك، بل أفتوا بأنه إذا اختلف الجنس فلا بأس ببيع الواحد بالاثنين، مثل شيخنا ابن بابويه، و السيد المرتضى، و على ابن بابويه و غيرهم؛ بل أبو على بن الجنيد من كبار فقهاء أصحابنا


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب الربا الحديث 8.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب الربا الحديث 3.
3- 3 ذكر صدره الوسائل في الباب 8 من أبواب الربا الحديث 3 و ذيله في الباب 9 الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب 8 من أبواب الربا الحديث 1.
5- 5 المستدرك ج 2 ص 481.

ج 23، ص: 346

ذكر المسألة و حققها و أوضحها في كتابه الأحمدي، و قال لا بأس بالتفاضل بين الحنطة و الشعير لأنهما جنسان مختلفان.

و كذلك ابن أبى عقيل من كبار مصنفي أصحابنا قال: «و إذا اختلف الجنسان فلا بأس ببيع الواحد بأكثر منه و قد قيل: لا يجوز بيع الحنطة و الشعير إلا مثلا بمثل سواء، لأنهما من جنس واحد، و بذلك جاءت بعض الأخبار، و القول و العمل على الأول، و أطنب في المقال، و كان فيما قال: إن أخبار الآحاد لا توجب علما و لا عملا و استدل أيضا ب

قوله عليه السلام (1)«إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم»

قال: و قد اختلف الجنس في الحنطة و الشعير صورة، و شكلا، و لونا، و طعما، و نطقا، و إدراكا، و حسا، و نحو ذلك مما هو غير خفي على أصاغر الطلبة، فضلا عن أجلاء الأصحاب» و مع ذلك فيه أولا أنه مبني على أصل فاسد كما حرر في الأصول، بل أساء الأدب معه في الحدائق هنا، فقال الواجب عليه مع رده هذه الأخبار و نحوها من أخبار الشريعة هو الخروج من هذا الدين إلى دين آخر، و ثانيا منع كونها آحادا بل هي إن لم تكن متواترة، فمضمونها بسبب اعتضاد بعضها ببعض، و العمل بها و الإجماع و نحو ذلك قطعي، و ثالثا إن خلاف القد يمين، لا يقدح في سبق الإجماع و لا في لحوقه و ابن بابويه قد روى نصوص الاتحاد و ظاهره العمل بها.

و من الغريب أن الفاضل في التحرير قد اغتر بنقله، فقال: «قال الشيخ: الحنطة و الشعير جنس واحد و قال ابن ابى عقيل و باقي علمائنا: أنهما جنسان» إذ لم نعرف من عني بالباقي غير ابني الجنيد و إدريس، و قد ظهر لك بحمد اللَّه سقوط القول بالاختلاف المقتضى لجواز التفاضل فيهما و

الخبر العامي (2)«بيعوا الذهب بالورق و الورق بالذهب و البر بالشعير و الشعير بالبر كيف شئتم يدا بيد»

لا ينبغي التعويل عليه خصوصا بعد ما قيل من القصور في دلالته أيضا، نعم صرح غير واحد من الأصحاب باختصاص ذلك في باب الربا و إلا ففي الزكاة و


1- 1 المستدرك ج 2 ص 480.
2- 2 سنن بيهقي ج 5 ص 282.

ج 23، ص: 347

غيرها جنسان، و لذا لم يكمل نصاب أحدهما بالآخر، و قاعدة اشتراط اتحاد الجنس في الربا تخص بالأدلة المزبورة، قلت: قد يقال: إن النصوص إنما دلت على أن الشعير من الحنطة لا أنهما الآن حقيقة واحدة، لكن الربا يكفي فيه اتحاد الحقيقة فيه سابقا، كما يومي اليه التعليل في النصوص المزبورة، و إن اختلفت لا حقا؛ و لذا الحقوا كل فرع بأصله في ذلك، بخلاف الزكاة فإنه لا دليل على ذلك فيها، فيبقى اقتضاء اختلاف الحقيقة اللاحق بحاله فيها، بخلافه في الربا، بل لا تخصيص بقاعدة اشتراط الاتحاد، ضرورة حصوله سابقا و ليس المراد منه الاتحاد في سائر الأحوال.

فالنصوص حينئذ إنما كشفت عن الاتحاد السابق؛ و ليس هو مما يستبعد إثبات مثله بها، و لا ينبغي معارضتها بمعلومية الاختلاف بين العامة و الخاصة في الصورة و الطعم و غيرهما، إذ ليس في شي ء منها منافاة لذلك، فتأمل جيدا و اللَّه أعلم. و العلس و السلت على القول بأنهما من أفراد الحنطة و الشعير فدخولهما فيها ظاهر، و إن اختصا باسم آخر، و إلا فمقتضى الاسم عدم الإلحاق.

و ثمرة النخل جنس واحد و ان اختلفت أنواعه و كان رديا بلا خلاف أجده فيه، فلا يجوز التفاضل بين ردي الدقل و جيد البرني مثلا، و قد سمعت إطلاق كون الثمرة، كالشعير و الحنطة، في صحيح الحلبي (1)كإطلاق

موثق سماعة(2)«لا يصلح شي ء من الطعام و التمر و الزبيب اثنان بواحد، إلا أن تصرفه إلى نوع آخر»

إلى آخره، بل في التذكرة أن الطلع كالثمرة و إن اختلفت أصولها، و طلع الفحل كطلع الإناث و إن كان لا يخلو من تأمل إن لم ينعقد إجماع عليه، و لعل إدراجه في قاعدة لحقوق الفرع بالأصل أولى.


1- 1 الوسائل الباب 13 من أبواب الربا الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب 13 من أبواب الربا الحديث- 5.

ج 23، ص: 348

و على كل حال لا ينافي ما ذكرنا ما

في خبر ابن سنان (1)«سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: كان أمير المؤمنين عليه السلام يكره أن يستبدل وسقا من تمر خيبر بوسقين من تمر المدينة، لأن تمر المدينة أدونهما»

و مثله خبر ابن مسكان (2)لكن بدون تعليل، إذا الظاهر إرادة الحرمة من الكراهة هنا، خصوصا بعد

خبر سيف التمار،(3)قال: «قلت: لأبي بصير أحب أن تسأل أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل استبدل قوصرتين فيهما بسر مطبوخ بقوصرة فيها تمر مشقق قال: فسأله أبو بصير عن ذلك فقال: هذا مكروه، فقال:

أبو بصير و لم يكره، فقال: كان على بن ابى طالب عليه السلام يكره ان يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، و لم يكن على عليه السلام يكره الحلال»

و

في الكافي قبل قوله و لم يكن «لان تمر المدينة أدونهما»

و الصواب أجودها مكان أدونهما، كما

في خبر محمد بن قيس (4)سمعت أبا جعفر عليه السلام «يكره وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، لأن تمر المدينة أجودهما»

الحديث أو مبادلة كل من المدينة و خيبر بالآخر، كما سمعته في خبري ابن سنان و مسكان و اللَّه أعلم.

و كيف كان فقد ظهر أن ثمرة النخل بجميع أفرادها جنس واحد و كذا ثمرة الكرم على اختلافها في الشكل و الطعم و غيرهما.

و

في موثق سماعة(5)«سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام عن العنب بالزبيب؟ فقال: لا يصلح إلا مثلا بمثل»

مع أنه لا خلاف أجده أيضا فيه، و في القاعدة المعروفة بين الأصحاب قديما و حديثا و هي أن كل ما يعمل من جنس واحد يحرم التفاضل فيه و إن اختص هو باسم كالحنطة بدقيقها، و الشعير بسويقه، و الدبس المعمول من التمر بالتمر،

و كذا ما يعمل من العنب بالعنب إلحاقا للفرع بأصله في حكم الربا، للمعتبرة المستفيضة


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب الربا الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب الربا الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من أبواب الربا الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من أبواب الربا الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب الربا الحديث- 3.

ج 23، ص: 349

التي منها

صحيح زرارة(1)و محمد(2)«المتضمن لنفي البأس عن الحنطة بالدقيق إذا كانا مثلا بمثل»

ك

صحيحه الأخر(3)عن الباقر عليه السلام أيضا «الدقيق بالحنطة، و السويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به».

و

موثق سماعة(4)«سألته عن الحنطة و الدقيق؟ فقال: إذا كانا سواء فلا بأس»

و

قال أبو الربيع للصادق عليه السلام (5) : «ما ترى في التمر و البسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال:

لا بأس. قلت: فالبختج و العصير مثلا بمثل؟ قال: لا بأس»

و في الوافي البختج: العصير المطبوخ معرب مي پخته» و

سأل محمد بن مسلم(6)أبا جعفر عليه السلام «عن الرجل يدفع إلى الطحان الطعام، فيقاطعه على أن يعطي صاحبه لكل عشرة أرطال اثنى عشر رطلا دقيقا، فقال: لا قلت: الرجل يدفع السمسم إلى العصار و يضمن لكل صاع أرطالا مسماة؟

فقال: لا»

و

سأله أيضا في صحيحه الآخر(7)«عن البر بالسويق؟ فقال: مثلا بمثل لا بأس به. قلت: إنه يكون له ريع، «أى نماء» أو يكون فيه فضل فقال: أ ليس له مؤنة؟ قلت:

بلى قال: هذا بهذا، و قال: إذا اختلف الشيئان فلا بأس مثلين بمثل»

إلى غير ذلك من النصوص المتمم دلالتها بعدم القول بالفصل بين مواردها و بين غيرها مضافا إلى التعليل السابق في نصوص الحنطة و الشعير الظاهر في التعدية إلى كل فرع بالنسبة إلى أصله كما حقق في الأصول، بل

في مرسل على بن إبراهيم (8)المضمر «و ما كيل أو وزن مما أصله واحد،


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب 8 من أبواب الربا الحديث 6.
5- 5 الوسائل الباب 14 من أبواب الربا الحديث 5.
6- 6 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث 3.
7- 7 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث 1.
8- 8 الوسائل الباب- 17- من أبواب الربا الحديث 12.

ج 23، ص: 350

فليس لبعضه فضل على بعض، كيلا بكيل، أو وزنا بوزن، فإذا اختلف أصل ما يكال، فلا بأس به

اثنان بواحد يدا بيد؛ و يكره نسيئة» إلى أن قال: «و ما كان أصله واحد أو كان يكال أو يوزن فخرج منه شي ء لا يكال و لا يوزن، فلا بأس به يدا بيد، و يكره نسيئة، و ذلك كالقطن و الكتان، فأصله يوزن، و غزله يوزن، و ثيابه لا توزن، فليس للقطن فضل على الغزل، و أصله واحد فلا يصلح إلا مثلا بمثل، فإذا صنع منه الثياب صلح يدا بيد، و الثياب لا بأس الثوبان بالثوب»

و لا يقدح إرساله و إضماره بعد الانجبار بالشهرة العظيمة، بل قيل إنها إجماع.

و في التذكرة «الأصل مع كل فرع له واحد، و كذا فروع كل أصل واحد، و ذلك كاللبن الحليب مع الزبد، و السمن و المخيض و اللبأ و المصل و الأقط و الجبن و الترحين و الكشك و الكامخ و السمسم مع الشيرج و الكسب و الراشي، و بزر الكتان مع حبة، و الحنطة مع الدقيق، و الخبز على اختلاف أصنافه من الرقاق و الفرن و غيرهما، و مع الهريسة، و الشعير مع السويق، و التمر مع السيلان و الدبس و الخل منه و العصير منه، و العنب مع دبسه و خله، و العسل مع خله، و الزيت مع الزيتون، و غير ذلك عند علمائنا أجمع، فلا يجوز التفاضل بين اللبن و الزبد، و السمن و المخيض: و اللبأ و اللاقط، و غير ذلك مما تقدم، بل يجب التماثل نقدا، و لا يجوز نسيئة لا متماثلا و لا متفاضلا، و لا فرق في ذلك بين الأصل مع فرعه، أو بعض فرعه مع البعض» إلى آخره مؤيدا ذلك كله بعدم العثور على خلاف في شي ء من القاعدة المزبورة و فروعها، إلا ما عن الأردبيلي من التأمل في ذلك، و أنه غير منضبط على القوانين من حيث عدم صدق الاسم الخاص على الجميع، و عدم الاتحاد في الحقيقة.

و لهذا لو حلف أن لا يأكل أحدهما لم يحنث بأكل الأخر: فيحتمل كونهما جنسين يجوز التفاضل فيهما، و الشرط في النصوص للكراهة مع عدمه، كما مر في سائر المختلفات

ج 23، ص: 351

قال: «و يمكن أن يكون الضابط أحد أمرين؛ إما الاتفاق في الحقيقة أو الاتحاد في الاسم، و هنا الأول متحقق و إن لم يتحقق الثاني، و فيه تأمل».

قلت: كان وجه التأمل عدم تمامية ذلك أيضا ضرورة أنه قد يتخلف الاسم و الحقيقة، كالتمر و الخل و الزبد و المخيض كما اعترف هو به في أول كلامه، و رده بعض الأفاضل، بأن مرجع المناقشة المزبورة إلى الشك في المراد من الجنس المشترط اتحاده في الربا بين الربويين، هل هو الحقيقة الأصلية خاصة و إن اختلفت أسماء أفرادها، أو أنه لا بد من الاتحاد في الاسم، بناء على دوران الأحكام مدارها في جملة من المواضع بالضرورة، و لا وجه له بعد إمعان النظر فيما قدمناه من الأدلة الدالة على إرادة المعنى الأول بلا شبهة، و تكون هي المستثنية للمسألة من قاعدة دوران الأحكام مدار التسمية كما سلمه هو في مسألة الحنطة و الشعير للنصوص الجارية هنا بمقتضى العلة المنصوصة، و لذا إن الحلي المصر على إرادة المعنى الثاني في مسألة الحنطة و الشعير وافق الأصحاب في المسألة، مدعيا في جملة من مواردها إجماع الطائفة.

و بذلك يظهر لك الفرق بين المقام و بين ما ذكره فانا لا ننكر دوران الأحكام مدار الأسماء في غير ما نحن فيه، كما هو واضح، و هو جيد لو كانت المناقشة من حيث اختلاف الإسلام خاصة، و إلا فحقيقة الأصل و الفرع متحدة.

اما إذا كانت في مختلف الحقيقة من الفرع مع الأصل الذي هو فرد من إطلاق القاعدة المزبورة، و من مقتضيات العلة في نصوص الحنطة و الشعير، فمن الواضح عدم توجه بعض ما في الرد عليها من هذه الحيثية، ضرورة إمكان منع دلالة النصوص و غيرها على نحو ذلك أولا، و منع تسليمه ثانيا، لمعارضته بما دل «على البيع كيف شئتم مع اختلاف الجنس،» و إن كان من وجه، و بما دل على اعتبار اتحاد الجنس في تحقق الربا، و باستلزامه حصول الربا في المستحيل إلى حقيقة أخرى لو بيع بأصله، كالتمر المستحيل إلى الملح مثلا و التزامه في غاية الصعوبة، لعدم الدليل الصالح لإثباته عدا إطلاق معقد الإجماع على

ج 23، ص: 352

القاعدة المعارض، بإطلاق معقد جواز البيع، مع اختلاف الجنس كيف شاء، و عدا منصوص العلة في نصوص (1)الحنطة و الشعير الذي لا جابر له في الفرض، لقلة من استند في هذه القاعدة إليه، بل قد يقال: أنه من الحكمة لا من

العلة خصوصا مع ملاحظة خبر(2)زرع حوا، و ستسمع التصريح في الحواشي المنسوبة إلى الشهيد بجواز بيع اللبن باللحم لاختلاف الماهية، بل كثير من أفراد ذلك غير محتاج إلى التصريح هذا.

لكن الإنصاف أنه لا مناص عن التزامه، أو القول به في المستحيل إلى حقيقة أخرى هي فرع لذلك الأصل، كالشعير بالنسبة إلى الحنطة، لا إذا لم تكن و استحال إليها فرد من ذلك الجنس، كالمثال المزبور أو القول بتنزيل إطلاقهم على الفرع الذي لم ينتقل إلى حقيقة أخرى، و إن تغير الاسم كالدقيق بالنسبة إلى الحنطة و نحوه، لكن ينافي ذلك بعض أمثلتهم للقاعدة، منها ما سمعته من معقد إجماع التذكرة الشامل لبيع الفرع بالفرع أيضا و إن اختلفا في الحقيقة بعد اتفاقهما في الأصل، و من هنا كانت المسألة من المشكلات و محتاجة إلى التأمل التام، و قد تقدم لنا سابقا بعض الكلام في ذلك فلاحظ و تأمل.

بل قد يناقش فيها من جهة أخرى و هي أن الفرع إن كان بسبب العمل و مخالطة غير الربوي له كالخل الذي يتخذ من التمر و الماء الذي هو من أمثلة القاعدة المزبورة، قد يمنع لحوقه بالربوي من جزئي أصله، ضرورة كونه ترجيحا من غير مرجح بعد فرض عدم كون الجزء الآخر من المستهلكات، فإطلاق أدلة البيع و غيره يقتضي جواز التفاضل فيه لو بيع بالتمر مثلا، اللهم الا أن يدعى أن الماء

صار من اجزاء التمر كالمعتصر منه، لكنه كما ترى.

و في التذكرة في المقام «أن مخالطة الملح و الماء و الأنفحة و بعض الأجزاء اليسيرة لا توجب اختلافا. لأنها أجزاء يسيرة لا اعتبار بها، فإن كانت كثيرة توجب اختلافا جاء


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب الربا.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 481.

ج 23، ص: 353

حكم المختلفين» فتأمل جيدا، فإنه يمكن القول باعتبار ما كان فرعا لأصل نحو الحنطة و الدقيق، و الشعير و السويق، و نحو الدهن من السمسم مما سمعته في النصوص المزبورة، لا كل فرع لكل أصل و إن كان بعيد الا يعرفه إلا خواص الناس، نحو طلع الفحل، و نحو اتخاذ القند من الشوندر، و غير ذلك مما يستخرج من بعض الأجسام على وجه لا يدركه إلا أو حدي الناس لا أقل من الشك و الأصل الجواز، بناء على ما سمعت، و إجماع التذكرة لا وثوق به في ذلك و شبهه.

و أما المناقشة فيها بما حكاه في الرياض عن الفاضل المزبور أيضا، منها- أنه لا شك في أن الحنطة إذا جعلت دقيقا تزيد كما هو ظاهر، و دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم (1)المتقدمة، و انطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم يحتاج إلى التأمل، فلا ينبغي صحة بيع أحدهما بالاخر متساويا أيضا للزيادة كما في اليابس من جنس بآخر رطبا مثل الرطب بالتمر، و العنب بالزبيب، فكيف لا ينبغي النظر إلى مثل

هذه الزيادة في وقت آخر بتبديل و تغيير، مع أنه معتبر عندهم في الرطب و التمر؛ فقد أجاب عنها في الرياض باغتفار هذه الزيادة اتفاقا فتوى و رواية.

و لعل الوجه فيه ما أشير إليه و إلى الإشكال الذي ذكره في الصحيحة المشار إليها في كلامه، و حاصلها أن اغتفار الزيادة إنما هو لأجل الطحن، و ليس بيع الرطب بالتمر اليابس على تقدير المنع عنه مثله بالبديهة، إذ لا مئونة في يبس التمر و هو فرق واضح لا يشوبه شوب المناقشة.

قلت لا إشكال في منع الزيادة سواء كان في مقابلها عمل له مئونة أولا؛ كما صرحوا به في بيع الخاتم بالفضة و غيره، كما أن الظاهر عدم الفرق بين الزيادة الحسية و الحكمية، و الفعلية و التقديرية، بناء على العمل بالعلة المستفادة من

قوله عليه السلام «أ ينقص إذا جف»(2)

كما ستعرف، الكلام فيه مفصلا إنشاء اللَّه، فلا يبعد حينئذ أن يكون وقوع التعليل


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث 1- 3.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 280.

ج 23، ص: 354

في الصحيح إقناعيا لرفع استبعاد المخالفين، و إلا فمثل هذه الزيادة غير قادحة، للنص و الإجماع هذا. و في الوافي في بيان وجه هذه الزيادة: «لعل مراد السائل أن البر له ريع، فيه فضل لأنه يزيد إذا خبز، بخلاف السويق» انتهى و قد يكون المراد أنه إذا بيع أحدهما

بالآخر كيلا، لأنهما من المكيلات، فإن الحنطة تكون أثقل و السويق أخف، فيحصل الريع و الزيادة في الحنطة، بل لو بيعا بالوزن يحصل التفاوت في الكيل، و ستعرف البحث في ذلك، و أنه هل المعتبر التساوي فيهما، أو يكفي فيه أحدهما و إن تفاوتا في الأخر و كيف كان فلا مجال لهذه المناقشة بعد النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات كما هو واضح و اللَّه اعلم.

و ما يعمل من جنسين يجوز بيعه بغيرهما و بهما مع التفاضل و عدمه و بكل واحد منهما لكن بشرط أن يكون في الثمن زيادة عن مجانسه بحيث تصلح لمقابلة الأخر مع الانفراد كما في المسالك، أو و لو مع الانضمام كما يقتضيه إطلاق غيره، و الأول أحوط، و إن كان الثاني لا يخلو من قوة.

و على كل حال فلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصا و فتوى بل الإجماع بقسميه عليه، كما ستعرف ذلك كله و غيره في «المسألة السادسة» إذ هي مع ما نحن فيه من واد واحد كما اعترف به في المسالك ضرورة عدم الفرق بين المعمول من جنسين و بين بيع الجنسين صفقة من غير عمل يقتضي تركيبهما في ذلك نعم عن السيد العميد أن كل مركب من شيئين أو أشياء كالزلابية و الأشربة إذا لم يمكن انفصال أجزائه بعضها عن بعض، فهو كالشي ء الواحد، لا يجوز التفاضل فيه و هو غريب، إذا فرض عدم الخروج بالتركيب إلى حقيقة أخرى خارجة عن الجنسين، بل و إن كان كذلك، بناء على الاحتمال الذي ذكرناه سابقا في مسئلة لحوق الفرع بالأصل، إذ الظاهر عليه هنا لحوقه بأصلهما، فلا يجوز بيعه بجنس أحدهما، مع عدم الزيادة المقابلة، و يجوز معها و بهما معا مطلقا، و منه المركب مثله، فتأمل جيدا، فإنه يمكن المنع من اللحوق هنا و إن قلنا به بالنسبة إلى جريان الربا، إلا أن الغرض منه التخلص من الربا،

ج 23، ص: 355

و حينئذ فلا يجوز بيعه بمثله متفاضلا.

و على كل حال فلا يعتبر معرفة مقدار كل من الجنسين في صحة البيع اكتفاء بمعرفة المجموع حتى في صورة البيع بجنس أحدهما، إذ يمكن فرض العلم بزيادة الثمن عما قابله من جنسه، و إن لم يعلم خصوص المقدار من ذي الجنسين بان يعلم مثلا ان المجانس لا يبلغ النصف، فيبيعه بقدر ثلثي المجموع مثلا، كما هو واضح. و اللَّه أعلم.

و اللحوم مختلفة في الجنس بحسب اختلاف أسماء الحيوان بلا خلاف بل في التذكرة الإجماع عليه، و الاشتراك في اسم اللحم لا يقتضي الاتحاد، كالاشتراك في اسم الحيوان.

نعم لحم البقر و الجاموس جنس واحد إجماعا في المحكي عن الغنية و التذكرة مؤيدا بما تقدم لهم في باب الزكاة و لدخولهما تحت لفظ البقر لغة فالاختلاف حينئذ في العرف اختلاف أفراد لا حقيقة، و إن اختص كل منهما باسم فيه، فتوقف فاضل الرياض فيه لذلك قال «و إن تجانسا لغة كما حكي في غير محله، بل لا وجه لما فرضه من اتحاد الجنس في اللغة و اختلافه في العرف» و لحم الضأن و المعز جنس واحد. بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع في محكي الكتابين عليه، لدخولهما تحت لفظ الغنم الظاهر في أنه اسم للنوع الذي لا يقدح في اتحاد الحقيقة فيه مثل هذا الاختلاف كالإنسان، بل في حواشي الشهيد «اللحم و الكبد و القلب و الكرش كله واحد» و فيها أيضا «يجوز بيع اللبن باللحم، و اللحم بالبيض لاختلاف المهية، بخلاف الدبس بالخل للاختلاف بالصفة لا غير و اللحم و الشحم مختلفان، أما الألية و الشحم، فالظاهر اتحادهما كما في الدروس».

و لحم الإبل عرابها و بخاتيها جنس واحد بلا خلاف أيضا، و الإجماع في محكي الكتابين عليه، لنحو ما عرفت، و البخاتي: بفتح الباء و تشديد الياء المثناة من تحت جمع بختي- بضم الباء و تشديد الياء أيضا: الإبل الخراسانية قال الشاعر: «لبن البخت في

ج 23، ص: 356

قصاع الخليج» و يخفف و يثقل، و ربما قيل انه معرب، و الطيور أجناس مختلفة لغة و عرفا، لاختصاص كل منهما باسم، و إن جمع الجميع اسم الطير بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك.

نعم في خصوص الحمام منه خلاف فقيل إنه جنس واحد كما هو خيرة الفاضل في التذكرة و غيرها، و الشهيد في الدروس و المحقق الثاني في جامعه، للاشتراك في الاسم، و لأنه أقرب إلى الاحتياط و قيل و هو الذي يقوى عند المصنف أن كل ما يختص باسم منه، فهو جنس على انفراده كالفخاتي و الورشان و هو ظاهر التحرير أو صريحه، و منشأ الخلاف الشك في أن مقولية الحمام على ما تحته مقولية النوع على الأصناف، أو الجنس على الأنواع، فعلى الأول يحرم بيع بعضها ببعض مطلقا، و على الثاني يختص كل نوع بحكمه، و لما كان الوقوف على ذاتيات الحقائق عزيز جدا، و لم يكن من جهة الشرع قاطع بشي ء حصل الخلاف، لكنك خبير أن الإطلاقات تقتضي الجواز مع الشك، مضافا إلى عدم مساعدة العرف بصدق الحمام على كثير مما ذكر أنه فرد له، إذ المعروف عند معظم الفقهاء كما قيل أن الحمام كل طائر يعب الماء أو يهدر، فيدخل فيه القماري و الدباسي و الفواخت، سواء كانت مطوقة أو لا، ألفه أو وحشية، بل عن الكركي أنه عرف عند أهل اللغة أيضا، لكن فيه أن المحكي عن أكثر كتب اللغة كالصحاح و فقه اللغة و شمس العلوم و السامي و غيرها أنه كل مطوق، و حكاه الأزهري عن أبي عبيدة عن الأصمعي.

و عن مصباح المنير: الحمام عند العرب كل ذي طوق من الفواخت و القماري و ساق حرا و القطار و الدواجن و الوراشين و أشباه ذلك إلى أن قال: و العامة تخص الحمام بالدواجن، و كان الكسائي يقول الحمام هو البري و اليمام هو الذي يألف البيوت، و الظاهر أن التفاوت بينهما قليل أو منتف.

و على كل حال فالعرف لا يوافق شيئا مما سمعته عند أهل اللغة فلا ريب حينئذ في أن

ج 23، ص: 357

الأحوط الاتحاد خصوصا بعد

قوله صلى اللَّه عليه و آله (1)«ما اجتمع الحلال و الحرام إلا غلب الحرام الحلال»

بناء على شموله لمثل المقام و إن كان الذي يقوى التعدد بتعدد الأسماء، و اللَّه أعلم، بل ظاهر قول المصنف و كذا السموك أنه أيضا أجناس متعددة بتعدد اسم كل واحد، بل هو صريح التحرير، و لكن يظهر من بعض مشايخنا أن المعروف كونه جنسا واحدا، لشمول الاسم للجميع، و الاختلاف بالعوارض لا يوجب الاختلاف بالحقيقة، و يمكن إرادة ذلك من الإشارة في المتن و هو لا يخلو من قوة، لكن لا ريب في أنه جنس مخالف لغيره من اللحم، كما أن الجراد جنس مخالف لسائر اللحوم البرية و البحرية.

و على كل حال ففي المسالك «الطير إنما يتصور الربا فيه إذا بيع لحمه وزنا، أما لو بيع جزافا فلا، و لو بيع عددا كما هو الغالب ففي ثبوت الربا فيه خلاف يأتي، و الأقوى عدمه» قلت: ستعرف أنه لا يكفي في الربا أيضا مطلق البيع وزنا و إن كان المتعارف في الزمن السابق بيعه جزافا و كيف كان ف الوحشي من كل جنس مخالف لأهليه كما نص عليه؛ بل عن الغنية و جامع المقاصد و ظاهر التذكرة و غيرهما الإجماع عليه، بل عن موضع آخر من التذكرة ما هو كالصريح في ذلك، و لولا هذا الاتفاق لأمكن المناقشة في ذلك كما اعترف به في الرياض هذا و عن الخلاف و المبسوط أن ليس في الإبل وحشي.

و الألبان تتبع اللحمان في التجانس و الاختلاف بلا خلاف أجده فيه، بل في التذكرة الإجماع

عليه، فلبن الإبل جنس و لبن البقر جنس آخر كذي اللبن و قد يحتمل اتحاد الجنس في بعضها، و إن اختلف اللحمان، بل عن بعض العامة أنها جميعا جنس واحد. و اللَّه أعلم.

هذا و قد عرفت سابقا أنه لا يجوز التفاضل بين ما يستخرج من اللبن و بينه كزبد البقر مثلا، بحليبه و مخيضه و أقطه لأنه فرعه بل لا يجوز التفاضل في الفروع نفسها


1- 1 البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

ج 23، ص: 358

فضلا عن الفرع و أصله فلاحظ و تأمل. و الأدهان تتبع ما تستخرج منه، فدهن السمسم جنس، و كذا ما يضاف إليه كدهن البنفسج و النيلوفر لأن إضافته إليه لا تخرجه عن أفراد أنواع الدهن، فإنه ليس مركبا منه و مما يضاف إليه بل هو عين الدهن يكتسب باختلاطه به مدة خاصة ثم ينزع منه و دهن البزر جنس آخر كدهن اللوز و دهن الجوز و غيرها من الأدهان كما هو واضح، ضرورة أن الاشتراك في الدهنية لا يقتضي الاتحاد في الحقيقة المعلوم اختلافها و كذا الخلول فإنها تتبع ما يعمل منه فخل العنب مخالف لخل الدبس و إن اشتركا معا في الخلية و يجوز التفاضل بينهما نقدا كغيرها من المختلف و أما في النسيئة ففيه تردد و خلاف تقدم تحقيق الحال فيه سابقا إذا المقام فرد من افراد مختلف الجنس و اللَّه أعلم.

[الأمر الثاني اعتبار الكيل و الوزن ]
اشارة

الثاني من الأمور اعتبار الكيل و الوزن ف (11) إذا كان المبيع و الثمن كذلك مع اتحاد الجنس حرم الربا فيهما إجماعا بقسميه، و سنة و كتابا، بل كاد يكون ضروريا، إنما الكلام في اشتراط ذلك فيه و قد عرفت سابقا اشتراط الجنسية، أما التقدير بهما على معنى أنه لا ربا إلا في مكيل أو موزون (12) فهو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عن الخلاف و مجمع البيان و التذكرة و ظاهر الغنية و السرائر الإجماع على عدم الربا في المقدر بالعدد؛ و إن كنت لم أتحققه فيما حضرني منها، إلا أن الأصل و العمومات كافية في الجواز.

مضافا إلى النصوص المستفيضة إن لم تكن متواترة

كالصحيح (1)المروي في الكتب الثلاثة «لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلا أو وزنا»

و

الخبر(2)المنجبر بما سمعت «أن ما عد عدا و لم يكل و لم يوزن فلا بأس به، اثنان بواحد يدا بيد، و يكره نسيئة»

و

موثق منصور بن حازم (3)سال الصادق عليه السلام «عن البيضة بالبيضتين؟ قال: لا بأس، و الثوب بالثوبين؟

قال لا بأس و الفرس بالفرسين؟ قال: لا بأس به، ثم قال: كل شي ء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب الربا الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب الربا الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب الربا الحديث- 3.

ج 23، ص: 359

إذا كان من جنس واحد، فإذا كان لا يكال و لا يوزن فليس به بأس اثنان بواحد»

و

خبره الأخر(1)«سألته عن الشاة بالشاتين، و البيضة بالبيضتين؟ قال: لا بأس ما لم يكن كيلا أو وزنا»

و كذا(2)سأله داود بن الحصين فأجابه بذلك أيضا.

و الخبر الذي قيل فيه أنه مروي في الكتب الثلاثة أيضا بستة طرق، منها

الصحيح (3)عن عبيد بن زرارة تارة، و عن زرارة أخرى عن الصادق عليه السلام «لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن»

و

صحيح زرارة أيضا(4)عن الباقر عليه السلام «البعير بالبعيرين، و الدابة بالدابتين يدا بيد ليس به بأس، و قال: لا بأس بالثوب بالثوبين يدا بيد و نسيئة إذا وصفتهما»

و

سأل البصري (5)أبا عبد اللَّه عليه السلام «عن بيع الغزل بالثياب المنسوجة و الغزل أكثر وزنا من الثياب؟ فقال لا بأس»

و

سأله (6)أيضا «عن العبد بالعبدين و العبد بالعبد و الدراهم؟ قال: لا بأس بالحيوان كله يدا بيد و نسيئة»

و

سأله (7)سعيد بن يسار أيضا «عن البعير بالبعيرين يدا بيد و نسيئة؟ فقال: نعم لا بأس إذا سميت الأسنان جذعين، أو ثنيين، ثم أمرني فخططت على النسيئة لأن الناس يقولون لا»

و

موثق سماعة(8)«سألته عن بيع الحيوان اثنين بواحد؟ فقال: إذا سميت الثمن فلا بأس»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب.

فما في المقنعة و عن ابى علي و سلار من ان حكم المعدود حكم المكيل و الموزون، فلا يجوز التفاضل في المتجانسين مطلقا نقدا و نسيئة واضح الضعف، و إن كان قد يحتج له بعد إطلاق حرمة الربا ب

صحيح (9)محمد «سأل أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الثوبين الرديين بالثوب المرتفع، و البعير بالبعيرين و الدابة بالدابتين؟ فقال كره ذلك علي عليه السلام فنحن نكرهه، إلا ان يختلف الصنفان قال: و سألته عن الإبل و البقر و الغنم أو أحدهن في هذا الباب؟ فقال: نعم فإنا


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب الربا الحديث- 1-.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب الربا الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب الربا الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من أبواب الربا الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 19- من أبواب الربا الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 17- من أبواب الربا الحديث- 6.
7- 7 الوسائل الباب- 17- من أبواب الربا الحديث- 7.
8- 8 الوسائل الباب- 17- من أبواب الربا الحديث- 15.
9- 9 الوسائل الباب- 16- من أبواب الربا الحديث 7.

ج 23، ص: 360

نكرهه»

و

صحيح ابن مسكان (1)المروي في الفقيه مرسلا مقطوعا قال: «سئل الصادق (ع) عن الرجل يقول عاوضني بفرسي و فرسك و أزيدك؟ قال: فلا يصلح، و لكن يقول أعطني فرسك بكذا و كذا و أعطيك فرسي بكذا و كذا»

لكن فيه بعد تقييد الإطلاق بما عرفت، عدم صدق اعتبار العد في ذلك، فيكون حينئذ ما في الخبرين مع معارضته بما سمعت، مخالفا للإجماع، و لعله لذا نفى الخلاف في المختلف عن بيع الثوب بالثوبين نقدا، فلا بد- من عدم إرادة الحرمة من الكراهة؛ و نفي الصلاحية، أو على إرادة خصوص النسيئة منه، لما في المقنعة لا بأس ببيع ما لا يكال و لا يوزن، واحد باثنين و أكثر من ذلك نقلا، و لا يجوز نسيئة كثوب بثوبين، و بعير ببعيرين، و شاة بشاتين و دار بدارين، و نخلة بنخلتين يدا

بيد نقدا، و إن باع ذلك نسيئة كان البيع باطلا، و نحو عن المراسم.

و في النهاية «و اما ما لا يكال و لا يوزن فلا بأس بالتفاضل فيه، و الجنس واحد نقدا، و لا يجوز ذلك نسيئة، مثل ثوب بثوبين، و دابة بدابتين، و دار بدارين، و عبد بعبدين، و ما أشبه ذلك.، إلى ان قال في آخر المبحث. و ما يباع بالعدد فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد؛ و الجنس واحد؛ و لا يجوز ذلك نسيئة، مثل البيضة بالبيضتين، و الجوزة بالجوزتين، و الحلة بالحلتين، و ما أشبه ذلك». و نحوه في المحكي عن العماني و ابن الجنيد و الخلاف في عدم جريان الربا في المعدود، و المنع نسيئة في نحو ما عرفت.

و في الوسيلة «السادس أي بيع المعدود بالمعدود، و يجوز التبايع فيه متماثلا و متفاضلا، نقدا لا نسيئة، إذا كانا من جنس واحد، مثل بيع بيضة ببيضتين، و جوزة بجوزتين، و حلة بحلتين» و في الغنية «و يجوز بيع الحيوان بالحيوان مثماثلا أو متفاضلا، سواء كان صحيحا أو كسيرا نقدا؛ و لا يجوز ذلك نسيئة، في الظاهر من روايات أصحابنا و طريقة الاحتياط تقتضي المنع منه.»


1- 1 الوسائل الباب 17- من أبواب الربا الحديث- 16.

ج 23، ص: 361

و إلى ذلك أشار المصنف بعد ان ذكر أنه بالمساواة فيهما أى الكيل و الوزن في المكيل و الموزون يزول تحريم الربويات إجماعا أو ضرورة إذا لم يكن في أحدهما زيادة عينية، أو حكمية، و لو أجلا، قال فلو باع ما لا كيل فيه و لا وزن متفاضلا جاز و لو كان معدودا، كالثوب بالثوبين و الثياب، و البيضة بالبيضتين و البيض نقدا، و في النسيئة تردد و، لا ريب في أن المنع أحوط، خروجا عن شبهة الخلاف المتقدم، و إن كان هو ضعيفا بل في محكي التذكرة الإجماع على خلافه، بل يمكن دعوى تحصيله، كما أن النصوص السابقة بين صريح و ظاهر في جوازه، و البأس المستفاد من مفهوم بعضها أعم من الحرمة، على أنك قد سمعت ما في خبر سعيد بن يسار(1).

و منه يعلم وجه الاقتصار في بعضها على اليد باليد، و قد ظهر لك من ذلك أن الخلاف متحقق هنا في أمرين؛ أحدهما: إلحاق المعدود بالمكيل و الموزون في جريان الربا كما هو صريح المقنعة، و المحكي عن سلار و ابى علي، و ثانيهما: المنع من البيع متفاضلا نسيئة، و إن لم يكن معدودا، كما سمعته من الشيخ و غيره ممن لم يجز المعدود مجرى المكيل و الموزون في الربا، و لعل ذلك منهم إثبات حكم خاص للنسيئة، لا لأنه ربا أو لأن الربا الممنوع فيه في النسيئة لا النقد، و الظاهر ثبوت ذلك عندهم، و لو في المعدود أيضا، كما هو صريح النهاية أيضا و قد يطلق اسم المعدود على ما يشمل نحو العبد و الفرس و الدار، و من هنا اشتبه على بعض الناس الحال في المقام و التحقيق ما عرفت.

و على كل حال فلا دليل معتبر على شي ء من الدعويين بحيث يصلح لمعارضة تلك الأدلة، لكن لا بأس بالقول بالكراهة في بيع المتجانس متفاضلا نسيئة، بل و غير نسيئة في المعدود و

غيره، خروجا من شبهة الخلاف للفتوى و الرواية، بعد القول بالتسامح في الكراهة على هذا الوجه، و اللَّه أعلم.

و لا ربا في الماء للأصل و الإطلاق و النصوص السابقة لعدم اشتراط الكيل


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب الربا الحديث- 7.

ج 23، ص: 362

و الوزن في بيعه و إن اتفق بيعه بأحدهما في بعض الأحوال أو الأمكنة أو الأزمنة، نعم قيل إنه لا يباع سلفا إلا وزنا، فلو أسلف ماء في ماء إلى أجل، احتمل أن يكون ربويا، لاشتراط الوزن فيه حينئذ، و كذا الحجارة و التراب و الحطب، و فيه أن الوزن في السلم للضبط، لا لأنه يعتبر في صحة بيعه ذلك، فالأقوى عدم جريان الربا فيه، حتى في السلم إذ لو سلم اعتبار الوزن فيه، يمكن منع تحقق شرط الربا، بذلك، ضرورة ظهور الأدلة في اعتبار ذلك في أصل بيعه، لا في قسم خاص من البيع.

و كذا الطين نعم يثبت في الطين الموزون كالأرمني على الأشبه لتحقق الشرط فيه، و المراد به طين قبر ذي القرنين و عن المصباح أنه

روي عن محمد بن جمهور القمي (1)عن بعض أصحابه «أنه سأل الصادق عليه السلام عن الطين الأرمني يؤخذ للكسر أ يحل أخذه قال:

أما إنه طين قبر ذي القرنين و طين قبر الحسين عليه السلام خير منه»

و

عن مكارم الأخلاق (2)أنه أرسل عنه عليه السلام «أنه سئل يؤخذ الطين الأرمني للكسر و المبطون؟

فقال: نعم»

الحديث و عن الإيضاح في باب المطاعم نفى الخلاف عن جوازا كله لدفع الهلاك فكان دواء يباع وزنا، و أما الخراساني فأكله حرام فإن بيع لغرض صحيح بني ثبوت الربا فيه على دخول الاعتبار و عدمه، و لا تلازم بين حكم أكله و حكم بيعه، و إن حكى عن الشيخ و القاضي أنه أطلق حرمة بيع الطين المأكول، بل عن الخلاف الإجماع على ذلك. و اللَّه أعلم.

و حيث عرفت اشتراط الكيل و الوزن في تحقق الربا في المعارضة، فينبغي أن يعلم أن الاعتبار في ذلك بعادة الشرع، فما ثبت أنه مكيل أو موزون في عصر النبي صلى اللَّه عليه و آله بني عليه حكم الربا إجماعا محكيا في التنقيح إن لم يكن محصلا، و إن


1- 1 الوسائل الباب- 60 من أبواب اطعمة المحرمة الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 60 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث- 3.

ج 23، ص: 363

تغير بعد ذلك، بل فيه أيضا أنه ما علم أنه غير مكيل و لا موزون في عصر النبي صلى اللَّه عليه و آله فليس بربوي إجماعا، و مقتضاه و إن كيل أو وزن بعد ذلك، و كان الوجه في

الأمرين بعد الإجماعين المعتضدين بالتتبع- الاستصحاب السالم عن معارضة قاعدة «دوران الحكم المعلق على الوصف مداره وجودا و عدما» بعد تخصيصها بغير المقام، و لو للإجماع السابق، أو لأنها حيث يكون التعليق على الوصف المعلوم مناسبته، أو لأن المراد منها زوال الحكم عن الفرد الفاقد للوصف من أصله، لا الذي تلبس به ثم زال عنه، أو لغير ذلك، مما يشترك في كون المدار هنا على ما عرفت، من أن وجود الكيل و الوزن في ذلك العصر كاف في تحقق الربا كما ان الجزافية مثلا فيه تكفي في تحقق عدمه.

فتحصل أن المدار المتصف بكل منهما في ذلك الزمان، و

في مضمر على بن إبراهيم الطويل (1)«و لا ينظر فيما يكال أو يوزن إلا إلى العامة و لا يؤخذ فيه بالخاصة فإن قوما يكيلون اللحم و يكيلون الجوز فلا يعتبر بهم، لأن أصل اللحم أن يوزن، و أصل الجوز أن يعد»

و هو مؤيد بما ذكرنا في الجملة، و لعل العلم باتفاق البلدان في هذا الزمان على أحدهما، مع عدم العلم بالحدوث، بل اتفاق بعضها مع عدم العلم بخلاف الباقي كاف، في إثباته فيه، لأصالة عدم التغير و الانتقال من صفة أخرى.

و إليه أشار المصنف بقوله و ما جهل الحال فيه، رجع إلى عادة البلد و أما إن اختلفت البلدان فيه على وجه لم يعلم عادة عصره

عليه السلام، فالمشهور بين المتأخرين بل لعل عليه عامتهم أنه كان لكل بلد حكم نفسه، و هو المحكي عن المبسوط و القاضي معللين له بالأصل في الجملة، و أن المعتبر العرف و العادة عند عدم الشرع، و كما أن عرف تلك البلد التقدير فيلزمه حكمه عرف الآخر الجزاف مثلا فيلزمه حكمه صرفا للخطاب إلى المتعارف من الجانبين، و ردا للناس إلى عوائدهم، كما في القبض و الحرز و الإحياء و إلا لزم الخطاب


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الربا الحديث 12.

ج 23، ص: 364

بما لا يفهم، فيكون قد قام العرف الخاص مقام العام عند انتفائه، و هو مخالف لما سمعته من خبر على بن إبراهيم (1)و يجب تقييده أيضا بما إذا لم يعلم سبق الاختلاف بالاتفاق، فإن المتجه حينئذ عدم الربا، و إن لم يعلم أن الاتفاق كان على عدم التقدير، ضرورة الإكتفاء في نفى الحرمة باحتمال عدم التقدير، للأصل و غيره.

أما إذا لم يعلم فقد يتجه ذلك؛ لكن لا لما ذكروه، بل لاستصحاب هذا الحال إلى زمن الخطاب، فينساق الذهن حينئذ إلى أن لكل بلد حكم نفسه، إذ هو صادق عليه اسم التقدير و عدمه، و الأول علة للربا كما أن الثاني علة لعدمه، فإعمالهما معا بعد عدم الترجيح بينهما يقضي بذلك، و ليس ذا من تنزيل اللفظ على العرف الخاص المتعدد الذي هو واضح البطلان، كما حرر في الأصول، ضرورة أن الاختلاف بين البلدين مثلا بالتقدير و عدمه، لا في

معنى اللفظ، و بينهما بون، كما أن الحكم المزبور لا ينافي ما تقدم سابقا من الاكتفاء في جريان حكم الربا سبق التقدير و إن زال، القاضي بعدم دوران الحكم مدار الوصف، و إلا لانتفى بانتفائه، إذ هو هنا أيضا كذلك، فإنه و إن أعطينا كل بلد حكمه، لكن ليس لدوران الحكم على الوصف وجودا و عدما، بل لدورانه على أصل ثبوت الوصف كما في سابق التقدير، فيجري حينئذ حكم الربا في بلاد التقدير و إن زال، و لا يجري في بلاد الجزاف و إن قدر، بناء على أن ذلك كذلك في المعلوم حاله في عصر النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم.

نعم قد يشكل ذلك بأن المختلف في بلدين مثلا لا يدخل تحت إطلاق أحد الخطابين، لا أنه مصداق لكل منهما، فقضية الأصل عدم حرمة الربا و ربما يؤيده خبر على بن إبراهيم (2)السابق إلا أنى لم أجد قائلا به هنا بل و لا من احتمله، و بمنع مثل ذلك في الشرع إذا المعلوم منه أن الأشياء منها ما لا يصح بيعها إلا بالتقدير، و لتوقف رفع


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب الربا الحديث- 12.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب الربا الحديث- 12.

ج 23، ص: 365

الجهالة عليها و مثلها لا ينبغي اختلاف البلدان، بل لا بد من الحكم بفساد فعل فاقدة التقدير، و منها لا يعتبر فيها ذلك، فيجوز بيعها مقدرة و بلا تقدير و اختلاف البلدان في هذه بان كان التعارف في بعضها التقدير و في الأخر العدم، غير قادح في عدم الربا فيها، لعدم اشتراط صحة بيعها بالتقدير، فيجوز

بيعها بدونه في بلاد التقدير، فلم يتحقق شرط الربا، و دعوى إمكان توقف رفع الجهالة على التقدير في بلاد دون اخرى، يمكن منعها حينئذ فمفروض المسألة حينئذ لا بد و أن يكون من الثاني، حملا لأفعال المسلمين على الصحة، فلا يجرى فيه الربا، بل احتمال ذلك فيه كاف في رفع الحرمة و لكن قد يدفع ذلك كله و غيره بالإجماع المركب إن لم يكن البسيط، إذ الأقوال في المسألة ثلاثة أشهرها ما عرفت.

و قيل و القائل الشيخ في النهاية و سلار فيما حكى عنه يغلب جانب التقدير و يثبت التحريم حينئذ عموما من غير فرق بين بلد الكيل و الوزن و الجزاف، و عن فخر المحققين أنه قواه، و لعله لصدق التقدير، و إن كان يعارضه صدق عدمه، و كما أن الأول مناط الربا، كذلك الثاني مناط عدمه، و أصالة الجواز المستفادة من إطلاق الأدلة و عمومها تقتضي الجواز، و لا يعارضها إطلاق حرمة الربا بعد تقييده باشتراط الوزن و الكيل.

و قيل و القائل المفيد: إن تساوت الأحوال فيه غلب جانب التقدير، و الأرجح الأغلب، و لعل المشكوك عنده من المتساوي ترجيحا له بغلبته على غيره، بخلاف الأول الموافق جريان الربا فيه للاحتياط، و ل

قوله عليه السلام (1)«ما اجتمع الحرام و الحلال إلا و غلب الحرام، الحلال»

لكن لا يخفى عليك عدم وجوب مراعاة الأول عندنا، و عدم تناول الثاني لما نحن فيه.

نعم يؤيد القولين معا ما ذكرناه من أنهما موافقان لعمومية الحكم و أن الشي ء إما ربوي أو لا، لا أنه ربوي في مكان دون آخر، بل قد يظهر من بعضهم أنه كذلك في الزمان أيضا، لكن و مع ذلك فالوقوف على المشهور أولي، و إن كان الاحتياط


1- 1 البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

ج 23، ص: 366

لا ينبغي تركه؛ خصوصا بعد أن حكى الميل إلى قول المفيد جماعة من المتأخرين و اللَّه اعلم.

و كيف كان ف المراعى في المساواة المسوغة لبيع المتجانس كيلا أو وزنا وقت الابتياع فيجوز حينئذ بيع كل ماله حالتا رطوبة و جفاف، بعضه ببعض مع تساوى الحالين، كالرطب بمثله و العنب بمثله، و الفواكه الرطبة بمثلها، و اللحم الطري بمثله، و الحنطة المبلولة بمثلها، و التمر و الزبيب و الفاكهة الجافة و المقدد و الحنطة اليابسة كل واحد بمثله، بلا خلاف أجده فيه، بل في التحرير القطع به الجاري مجرى الإجماع، بل عن نهاية الأحكام نسبته إلى علمائنا للأصل السالم عن معارضة التفاضل حالة العقد، و لانه وجد التماثل فيهما في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقص كبيع اللبن باللبن.

و كذلك جميع الأشياء الرطبة بعضها ببعض سواء كان لها حالة جفاف أولا، كالرطب الذي لا يتمر، و العنب الذي لا يزبب، و البطيخ و نحوه، و كذا بيع اليابس بمثله، فيندرج حينئذ في جميع ما تقتضي الجواز، كما أنه يخرج عما يقتضي المنع بل ما تسمعه من نصوص (1)المسألة الاتية ظاهرة في الجواز فيه، لكنه قد يقال بوجوب تقييد ذلك بما إذا لم تختلف كيفية الرطوبة بما لا يتسامح في مثله بالعادة، و إلا كان إلحاقه بالمسألة الاتية أي بيع الرطب بالجاف أولى، بل قد يناقش في الجواز في غيره أيضا بفحوى ما تسمعه من النصوص الاتية، الدالة على منع بيع ما ينقص إذا جف بجنسه الجاف؛ معللة له بذلك، ضرورة اقتضائها الحرمة بعدم المساواة المتأخرة عن وقت الابتياع، فهي حينئذ شرط في الجواز، و الشك فيها شك فيه، و مع فرض رطوبة العوضين معا لم يعلم مساواتهما بعد الجفاف قطعا، لاحتمال زيادته في واحد دون الأخر، اللهم الا أن تدفع بمنع اقتضاء تلك النصوص شرطية


1- 1 الوسائل الباب 14 من أبواب الربا.

ج 23، ص: 367

المساواة على الوجه المزبور، بل أقصاها الحرمة بتحقق النقصان عند العقد، و هو منتف في الفرض قطعا، لاحتمال المساواة في الواقع.

نعم لو علم حال البيع بنقصان أحدهما من الآخر بعد الجفاف، اتجه الإلحاق بالمسألة الآتية؛ أما إذا لم يعلم وقت الابتياع فلا معارض لما يقتضي الصحة من النصوص و غيرها، بل مقتضى إطلاقها ذلك و إن تحقق النقصان متأخرا عن وقت الابتياع، و إن كان لا يخلو من تأمل في الجملة، بل خيرة المصنف تبعا للمحكي عن الشيخ في مبسوطة و خلافه و ابني زهرة و إدريس و كاشف الرموز الاكتفاء بالمساواة وقت الابتياع، و إن علم النقصان حاله بعد ذلك.

فلو باع لحما نيا بمقدد متساويا جاز، و كذا لو باع بسرا برطب، و كذا لو باع حنطة مبلولة بيابسة، لتحقق المماثلة فيخرج عما دل على حرمة الربا، و يدخل فيما دل على الجواز، بعد عدم حجية منصوص العلة في غير ذي العلة، و قيل بالمنع و القائل القديمان و الشيخ في موضع من المبسوط، و الوسيلة، و التذكرة، و التحرير، و نهاية الأحكام، و الإرشاد، و المختلف، و القواعد، و اللمعة؛ و المقتصر و المهذب، و التنقيح، و إيضاح النافع، و الميسية، و المسالك، و الروضة، و الدروس، على ما حكي عن بعضها، بل في التذكرة أنه المشهور، و في التنقيح و عن إيضاح النافع أن عليه الفتوى، نظرا إلى تحقق النقصان عند الجفاف فلا تجدي المساواة وقت الابتياع؛ و قد أرسله

العامة و الخاصة في كتب فروعهم عن النبي صلى اللَّه عليه و آله (1)«انه سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: أ ينقص إذا جف؟ فقيل له: نعم، فقال: لا إذا»

و كان سؤاله مع العلم بالحال، لبيان الوجه في التحريم و قد

قال: الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (2)«لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أن التمر يابس و الرطب رطب فإذا يبس نقص»

و


1- 1 المستدرك ج 2 ص 480.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب الربا الحديث 1-.

ج 23، ص: 368

في

خبر داود بن سرحان (1)«لا يصلح التمر بالرطب، إن الرطب رطب، و التمر يابس فإذا يبس الرطب نقص»

و خبر داود الأبزاري (2)الذي يقرب من ذلك» و

الباقر عليه السلام في خبر محمد بن قيس (3)«أن أمير المؤمنين عليه السلام كره أن يباع التمر بالرطب عاجلا بمثل كيله إلى أجل من أجل أن التمر ييبس فينقص من كيله»

بناء على إرادة الحرمة من نفي الصلاح و الكراهة في باب الربا، لكثرة التعبير بهما عنها فيه خصوصا في نحو المقام الذي قد عرفت شهرة الأصحاب عليه، و خصوصا بعد ما ورد(4)في نحو ذلك من

أن عليا عليه السلام لا يكره الحلال،

بل في صحيح الحلبي ما يشهد لإرادتها منه، كما لا يخفى.

و المناقشة في حجية العلة في غير موردها واهية، كما حرر في الأصول، بل هي هنا في صحيح الحلبي كالصريحة في التعميم، أو يعلل المنع مضافا إلى ذلك، ب انضياف أجزاء مائية مجهولة فمقابله أزيد منه بالنسبة إلى أجزائه فعلا فلا مساواة حال الابتياع حينئذ.

لكن قد يناقش فيه بأنه إنما يتم في ذل البلل العرضي كالحنطة المبلولة، لا في مثل

العنب و نحوه مما كان الماء فيه أحد أجزائه، و من هنا فرق في المحكي عن موضع من المبسوط بين الحنطة المبلولة و غيرها، فمنع فيها دون نحو العنب بالزبيب، و على كل حال فلا ريب في أن المنع مطلقا أقوى، و منه يعلم أنه لا ينبغي أن يكون في بيع الرطب بالتمر في غير العرية تردد كما وقع من المصنف إذ هو مورد العلة المزبورة، و إن قال و الأظهر اختصاصه بالمنع اعتمادا على أشهر الروايتين رواية و عملا، بل هو المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في الغنية و عن الخلاف الإجماع عليه، و هما الحجة بعد النصوص السابقة التي لا وجه للمناقشة فيها باحتمال حملها


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب الربا الحديث- 6.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب الربا الحديث- 7.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب الربا الحديث- 2.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من أبواب الربا الحديث- 1.

ج 23، ص: 369

على النسيئة المتفق على منعها فيه، كما في التحرير استنادا إلى خبر محمد بن قيس (1)منها، ضرورة ظهور شمول مفهوم التعليل للنقد و النسيئة، و لو أريد الثاني لكان اللازم التعليل بها، على أنه لو سلم دلالة خبر محمد بن قيس على ذلك فلا دلالة فيه على العدم في النقد، كي ينافي غيره من النصوص الذي يراد حملها عليه، كما أنه لا وجه للمعارضة بالأصل و الإطلاقات التي يكفي في تخصيصها الأقل من ذلك.

و ب

موثق سماعة(2)قال «سئل أبو عبد اللَّه (ع) عن العنب بالزبيب قال لا يصلح إلا مثلا بمثل قال و التمر بالرطب مثلا بمثل»

المؤيد ب

خبر ابى الربيع (3)في الجملة «قال لأبي عبد اللَّه عليه السلام ما ترى في التمر و البسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال: لا بأس قلت فالبختج و العنب مثلا بمثل؟ قال: لا بأس»

القاصرين عن المعارضة من وجوه بل قد يحتملان بل قيل: انه الظاهر إرادة المماثلة بوصفى الرطوبة و اليبوسة، فيكون كل منهما حينئذ مشعرا بالمنع مع المخالفة؛ بل ربما احتمل في الموثق حمله على عنب يابس أو زبيب رطب، و التفاوت اليسير غير قادح كبيع العسل بالعسل قبل التصفية، و اللحم الطري بمثله، بل في الكافي قلت: و التمر و الزبيب قال: مثلا بمثل فيكون خارجا عما نحن فيه، كما أن خبر أبى الربيع كذلك إذ ليس فيه بيع الرطب بالتمر.

نعم أقصاه المنافاة لتعدية العلة، و قد يحتمل إرادة الرطب من التمر، فيكون حينئذ من قبيل بيع ذي الحالتين مع التساوي فيهما، و المراد بالبختج فيه عصير العنب المطبوخ بالنار، و بالعصير ذلك قبل أن تمسه النار كما قيل، و لعله مما ينقصه التجفيف؛ لا الجفاف بنفسه، و ستسمع الحال فيه كل ذلك مع ندرة الخلاف، لانحصاره فيما أجد في المحكي عن الإستبصار الذي لم يعد للفتوى، و موضع من المبسوط، و ابن إدريس فجوازه على كراهية،

بل قال الثاني منهما: أن مذهبنا ترك التعليل و القياس، لأنه


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب الربا الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب الربا الحديث- 3.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب الربا الحديث- 5.

ج 23، ص: 370

كان يلزم عليه أنه لا يجوز بيع رطل من العنب برطل من الزبيب، و هذا لا يقول به أحد من أصحابنا بغير خلاف، و هو كما ترى.

نعم تبعهما بعض متأخري المتأخرين و لو زاد في الرطب بما يساوي نقيصة الجفاف لم يرتفع المانع، سواء كانت الزيادة من الجنس أو المخالف لفوات التساوي حال الابتياع، كما أنه كذلك لو نقص في التمر، و في التحرير الاتفاق على منع بيع أحدهما بالآخر متفاضلا، نعم لو نقص الرطب و ضم إليه من غير جنسه و باعه بالتمر صح، و لو فرض زيادة أحد العوضين على حال الابتياع من غير نقيصة للآخر جاز بعد إحراز المساواة حال البيع، للأصل و الإطلاقات السالمة عن معارضة تعدية العلة، اللهم إلا أن يدعى ظهورها في إرادة المثال، و لو كان النقصان بالجفاف يسيرا لقلة العوضين جرى عليه حكم الربا في وجه، لكونه مما لا يتسامح فيه حال الكثرة، و ربما يومي إليه ترك الاستفصال في منع بيع الرطب بالتمر، كما أن المتسامح به حال الكثرة لا يقدح في القلة و إن تفاحش، و قد يقوى في النظر ملاحظة أشخاص الأعواض في ذلك، و لو كان مما ينقصه التجفيف لا الجفاف أمكن الإكتفاء بالمساواة حال البيع، إذا لم يكن معظم الانتفاع به متوقفا على التجفيف، أو أنه متخذ عادة لذلك، و كذا يكتفى بالمساواة في وجه لو كان مما يعود نقصه، لاعتياد رش الماء عليه و اللَّه أعلم.

[فروع ]
اشارة

فروع

[الفرع الأول إذا كانا في حكم الجنس الواحد و أحدهما مكيل و الآخر موزون كالحنطة و الدقيق فبيع أحدهما بالآخر وزنا جائز]

الأول: إذا كانا أي العوض و المعوض في حكم الجنس الواحد و أحدهما مكيل و الآخر موزون كالحنطة و الدقيق فبيع أحدهما بالآخر وزنا جائز مع التساوي و إن تفاوتا بالكيل وفاقا للمحكي عن المبسوط و السرائر و القاضي، و به صرح في التحرير و المسالك و غيرهما، للإطلاقات و صدق بيع المثل بالمثل، و في

صحيح زرارة(1)«الدقيق بالحنطة و السويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به»

و

قال محمد بن مسلم (2)للباقر (عليه السلام) في


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث- 4.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث- 1- باختلاف يسير.

ج 23، ص: 371

الصحيح «ما تقول في البر بالسويق فقال: مثلا بمثل لا بأس به، قلت إنه يكون له ريع فيه

فضل فقال أ ليس له مؤنة؟ قلت: بلى قال: هذا بهذا»

و

قال الصادق عليه السلام في مرسل صفوان (1)«الحنطة و الدقيق لا بأس به رأسا برأس»

و

سأله أبو بصير(2)أيضا «عن الحنطة بالشعير و الحنطة بالدقيق فقال: إذا كانا سواء فلا بأس، و إلا فلا»

مضافا إلى أصالة الوزن للكيل و أنه أضبط و أشد رفعا للغرر و الجهالة منه، و لذا لم يتردد المصنف في الجواز.

أما في الكيل بمعنى بيع أحدهما بالاخر كيلا مع التساوي فيه و إن تفاوت في الوزن فقال فيه تردد من إطلاق النصوص السابقة، و لأن الكيل أصل للحنطة فيستصحب في فروعها، و من أن الوزن أضبط و أنه أصل للكيل، و لذا المقدر بالوزن لا يباع كيلا، لعدم ارتفاع جهالته به، و للشك في صدق إطلاق المثلين مع تفاوت الوزن؛ و لأن من أفراد هذه القاعدة ما لا يمكن فيه القول بالكيل، كالحنطة بالخبز و السمسم بالشيرج.

ف الأحوط حينئذ تعديلهما بالوزن الذي هو الأصل خروجا عن خلاف المبسوط و ابن البراج، حيث قالا في مفروض المسألة: لا يباع إلا وزنا، و إن مثلاه بالحنطة و الخبز، بل ظاهرهما أنه

ليس الحنطة و الدقيق منه، و لذا ذكر أولهما أن الأحوط فيهما بيعهما بالوزن، ثم عقبه بحكم ما نحن فيه جازما بما سمعت، و في المختلف «أن الحنطة من المكيلات و كذا الدقيق لأن أصله من الحنطة، و هي مكيلة فلا يباع أحدهما بالاخر الا بالكيل و لا يباع بالوزن و إلا جاء الربا، لا يقال: إذا بيعا بالكيل حصل الربا أيضا، لأن الحنطة أثقل من الدقيق، فيحصل التفاوت في الوزن: و هو عين الربا، لأنا نقول لا اعتبار بالتفاوت في الميزان في المكيل.

ثم روى زرارة في الصحيح (3)إلى آخره و محمد بن مسلم (4)إلخ و إنما تتحقق


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث- 5 و ذكر صدره في الباب 8- الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث- 6 و ذكر صدره في الباب 8- الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث- 4.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث- 2.

ج 23، ص: 372

المتماثلة بالتساوي في المقدار الذي جعله الشارع معيارا لهما و هو الكيل، و إن اختلف في غيره مما لم يجعله معيارا، و قول الشيخ أن الأحوط الوزن، لأن الدقيق أخف من الحنطة غير جيد، لأنه من هذه الحيثية كان الأحوط الكيل، إذ تساويهما في الوزن يقتضي التفاضل بينهما فيما جعله الشارع معيارا لهما و هو الكيل الذي نهى عنه، و تساويهما في الكيل يقتضي تماثلهما فيما جعله الشارع معيارا لهما الذي أمر به، و إن اختلفا فيما سواه.

قلت: لكن هذا كله خروج عما نحن فيه من بيان حكم ما لو اختلف ما هو كالجنس الواحد في التقدير و دعوى امتناع ذلك لتبعية الفروع

للأصول كما يومي إليه أول كلامه، واضحة المنع، و ربما كانت هي منشأ قوله بأن الدقيق مكيل، و إلا فالمنقول أنه موزون، و ربما كان في صحيح ابن مسلم (1)إيماء إليه بناء على أن الفضل في الحنطة عليه، إنما يكون بالوزن بل في بعض نصوص مقاطعة الطحان (2)التصريح باعتباره بالوزن، كما أن فيه اعتبار الحنطة به، و لا ينافيه معلومية اعتبارها بالكيل، إذ يمكن أنها كانت تعتبر بهما.

و كيف كان فالظاهر عدم الخلاف في مفروض المسألة، لا في مثالها في عدم جواز البيع بالكيل، و تردد المصنف و الفاضل في التحرير ليس قولا بل لم أجد من احتمله غيرهما، بل اقتصر الثاني منهما في القواعد على احتمال تحريم البيع بالكيل و الوزن للاختلاف قدرا و تسويغه بالوزن، لكن في المسالك عن الفاضل انه اعتبر الكيل فيما هو أصله، و استحسنه هو، و فيه مع انه لا يتم في نحو الحنطة بالخبز، أنه لا مدخلية لكيل الأصل في ذلك، و عن السرائر نفى الخلاف عن عدم جواز بيع الموزون مكيلا.

و التحقيق في المسألة مبني على تحقيق مسألة أخرى، و هي جواز بيع الموزون مكيلا و بالعكس و عدمه، فعن المبسوط إذا كان عادة الحجاز على عهده صلى اللَّه عليه و آله


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب الربا الحديث 3 و ذيله.

ج 23، ص: 373

و سلم في شي ء الكيل لم يجز إلا كيلا في سائر البلاد؛ و ما كانت فيه وزنا لم يجز فيه إلا وزنا بلا خلاف في ذلك كله، قيل: و ظاهره بين المسلمين و احتمل في جامع المقاصد في ذلك ثلثة احتمالات.

الأول- الجواز مطلقا لاندفاع الغرر و الجهالة بذلك، و اعتبار الشارع له بالكيل مثلا لا يقضى بعدم حصول العلم بدونه، مضافا إلى أصالة صحة البيع، ثم أجاب عما لعله يورد هنا من منع بيعه بجنسه كذلك، بأن ذلك إنما هو لأجل الحذر من التفاوت، لا لحصول الجهالة، الثاني- عدم الجواز مطلقا، لأن كلا من المعيارين بالإضافة إلى ما علم بالاخر غير محصل للعلم بالمقدار فلا يندفع به الغرر، ثم قال: و فيه منع الثالث- التفصيل بجواز بيع المكيل موزونا دون العكس، قال: و يظهر من التذكرة اختياره، و المستند فيه أن الوزن أصل المكيل، و لم يثبت مرادهم منه، فإن أرادوا أن الكيل طار على الوزن فغير واضح، لأن المفروض أن المكيل لم يكن موزونا، و إن أرادوا أن الوزن أدل على المقدار، فغير ظاهر أيضا، لأن مقدار معيار الكيل إنما هو باعتبار حجمه لا باعتبار ثقله و خفته، و إن أرادوا أغلبيته في أكثر الأشياء، فيكون الأصل بمعنى الراجح، فشرعا غير معلوم، و العرف لا يرجع إليه فيما ثبت حكمه شرعا، هذا كله في غير البيع بالجنس.

أما فيه فقد صرح غير واحد بوجوب ذلك الاعتبار فيه فلا يباع المكيل بجنسه إلا مكيلا، و كذا الموزون، و إن قلنا بالجواز في غيره، بل قيل إنه مجمع عليه في الظاهر، قال في التذكرة: «ما أصله الكيل يجوز بيعه وزنا سلفا و معجلا، و لا يجوز بيعه بمثله وزنا، لأن الفرض في السلف و المعجل تعيين الجنس و معرفة المقدار، و هو يحصل بهما، و الفرض المساواة فاختص المنع في بعضه ببعض به.

و في المختلف «قال ابن إدريس: يجوز أن يسلف في المكيل من الحبوب و الأدهان وزنا و في الموزون كيلا إذا كان يمكن كيله؛ و لا يتجافى في المكيال، و لا يجوز بيع الجنس الواحد فيما يجري فيه الربا بعضه ببعض وزنا إذا كان أصله الكيل، و

ج 23، ص: 374

لا كيلا إذا كان أصله الوزن- و الفرق أن المقصود من السلم معرفة مقدار المسلم فيه، حتى يزول عنه الجهالة، و ذلك يحصل بأيهما قدر من كيل أو وزن، و ليس كذلك ما يجري فيه الربا فإن الشارع أوجب علينا التساوي و التماثل بالكيل في المكيلات و بالوزن في الموزونات، فإذا باع المكيل بعضه ببعض وزنا فإذا رد إلى الكيل جاز أن يتفاضل لثقل أحدهما و خفة الأخر، فلذلك افترقا، و يجوز بيع المكيل بالوزن، و لا يجوز بيع الموزون بالكيل،» و عن المبسوط في باب السلم «لا يجوز بيع الجنس الواحد فيما يجري فيه الربا بعضه ببعض وزنا، إذا كان أصله الكيل، و لا كيلا إذا كان أصله الوزن».

و في القواعد «هنا لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا و لا مكيلا و لا المكيل جزافا و لا موزونا» و في باب السلم تردد في جواز السلف في المكيل موزونا و بالعكس، و في المختلف هنا «الأقرب عندي أن المكيل لا يباع بعضه ببعض بالوزن مع احتمال التفاوت، و كذا العكس» إلى غير ذلك من كلماتهم المتفرقة، لكن في المسالك في شرح قول المصنف فيجوز بيع المتجانسين وزنا بوزن نقدا «هذا إذا كان أصلهما الوزن، أما لو كان أصلهما الكيل ففي الاكتفاء بتساويهما وزنا خاصة نظر من كون الوزن أضبط حتى قيل: إنه أصل للكيل، و من ورود الشرع و العرف بالكيل، فلا يعتبر بغيره، و ظاهر كلام المصنف اختيار الأول، و هو متجه، و نقل بعضهم الإجماع على جواز بيع الحنطة و الشعير وزنا، مع الإجماع على كونهما مكيلين في عهده صلى اللَّه عليه و آله و سلم.» قلت و عن التذكرة أيضا إجماع الأمة على أنهما و الملح و التمر كانت مكيلة في عهده صلى اللَّه عليه و آله و سلم؛ قال: «فلا تباع بعضها ببعض إلا مكيلة، و لا يجوز بيع شي ء منها بشي ء آخر من جنسها وزنا» و نحوه قال: في الموزون أيضا، قلت: التحقيق في أطراف المسألة أنه لا ريب في أن الإطلاقات تقتضي صحة البيع مع تعارف الكيل في الموزون أصلا و بالعكس، و لا دليل يدل على وجوب اعتبار أصله صالح لتقييدها، بل السيرة القاطعة على بيع ما ذكروا أنها مكيلة في عهده بالوزن، عاضدة لها، بل لعل دليل الغرر و الجهالة

ج 23، ص: 375

يقضي بعدم جواز البيع بالاعتبار الأصلي، بعد أن كان المتعارف غيره، ضرورة حصولهما به بعد نسخ الأصل و رفضه، و إن كان قد لو حظ في ابتداء التعارف حتى يصح البيع.

و منه يعلم أنه لا يجوز بيع ما كان المتعارف كيله بالوزن حال تعارف كيله و بالعكس ضرورة حصول الجهالة و الغرر بذلك، إذا الوزن لمتعارف الكيل مثلا كالمكيال المجهول و كالوزن بصخرة مجهولة و دعوى أصالة الوزن للكيل قد عرفت المراد بها، و عدم ثبوتها على وجه يجدى.

فتحصل أن الأقوى اعتبار التعارف في ذلك، و هو مختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة، و لا فرق في ذلك بين البيع بالجنس و غيره، فالموزون الذي كان يتعارف كيله في السابق يجرى فيه الربا باعتبار الوزن لعدم صحة بيعه كيلا على ما ذكرنا، و كذا المكيل، و التساوي و التفاضل المذكور في الأدلة ينصرف إلى ما تعارف من الاعتبار لذلك البيع، كما هو واضح.

اللهم إلا أن يقال: انه بالنسبة إلى رفع الربا يعتبر التساوي بالمعيار الأصلي، و إن كان لا يباع إلا بالوزن فيعتبر مساواته مثلا بالكيل ليسلم من الربا ثم يوزن إذا أريد بيعه، و إن حصل التفاضل فيه، و لكن مقتضى ذلك أن التساوي في الوزن المتعارف لا يكفى، و التفاضل فيه بعد التساوي في الكيل لا يقدح، و التزامه في غاية الصعوبة، و ليس في الأدلة ما يشهد له، و الإجماع السابق من التنقيح إنما هو في جريان الربا على المعتبر أصلا و إن تعارف جزافيته، و عدمه و إن تعارف اعتباره، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه فتأمل جيدا.

و لو فرض تعارف الكيل و الوزن فيه جاز البيع بكل منهما مع التساوي فيه، و إن اختلف في التقدير الأخر، و من ذلك يعلم أن الأقوى في موضوع مسألة المتن عدم الجواز بالكيل و بالوزن، لاستلزام كل منهما تقدير أحدهما بغير المتعارف في تقديره، و تعارف كيل الأصل أو وزنه غير مجد في الفرع بعد فرض حصول التعارف فيه على

ج 23، ص: 376

خلاف أصله.

نعم لو فرض أن أحدهما مكيل و موزون؛ و الأخر موزون خاصة، أو مكيل كذلك جاز بيعهما بالتقدير المشترك بينهما دون المختص بأحدهما و بهذا يظهر لك النظر في جملة مما تقدم و غيره، خصوصا مثل عبارة المصنف و غيرها كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم، لكن بقي شي ء، و هو أنه و إن قلنا أن التحقيق عدم الجواز في موضوع مسألة المتن، إلا أن الظاهر عدم كون الحنطة و الدقيق من ذلك، فإن النصوص و الفتاوى اتفقت على الجواز فيها، بل في التذكرة الإجماع عليه.

نعم ليس في شي ء من النصوص ما يدل على أن أحدهما لا يباع إلا كيلا و الآخر لا يباع إلا وزنا، كي يكون ذلك مثالا لموضوع المسألة، فيمكن كونهما معا مكيلين و يمكن كونهما معا موزونين و يمكن كونهما يباعان بهما، أو أن أحدهما كذلك دون الأخر و قد وقع البيع بالاعتبار المشترك، فلا منافاة حينئذ بين ما ذكرناه و بين هذه النصوص، و مقعد إجماع التذكرة و من الغريب احتمال الحرمة في القواعد في خصوص ذلك و اللَّه أعلم.

[الفرع الثاني بيع العنب بالزبيب جائز]

الفرع الثاني بيع العنب بالزبيب جائز عند المصنف و من عرفت سابقا ممن لا يعدى العلة و قيل لا، اطرادا العلة الرطب بالتمر و هو لا الأول أشبه عندنا كما عرفت الحال فيه، و كذا البحث في كل رطب مع يابسه

[الفرع الثالث يجوز بيع الأدقة بعضها ببعض مثلا بمثل ]

الفرع الثالث يجوز بيع الأدقة بعضها ببعض مثلا بمثل مع اتحاد الجنس، و متفاضلا مع اختلافه، من غير فرق بين الناعمين و الخشنين، و الناعم و الخشن، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، للإطلاقات، و عن الشافعي في القديم و الجديد أنه لا يجوز بيع الدقيق بالدقيق مع اتحاد الجنس، و عن أبي حنيفة عدم جواز بيع الناعم بالخشن، و لا ريب في فسادهما، و كذا يجوز بيع الأخباز بعضها ببعض متساويا مع اتحاد الجنس، و متفاضلا مع اختلافه، نعم يعتبر في الأول الاتحاد أيضا في الرطوبة و اليبوسة و إلا جاء البحث السابق بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، لإطلاق الأدلة، و عن

ج 23، ص: 377

الشافعي أنه لا يجوز بيع أحدهما بالآخر إذا كانا رطبين، بل عنه في كتاب الصرف أنه لا يجوز أيضا إذا كانا يابسين مدقوقين يمكن كيلهما، و لا ريب في فساده.

و كذا يجوز بيع الخلول بعضها ببعض متساويا مع اتحاد الجنس، و متفاضلا مع اختلافه، بلا خلاف أجده بيننا من غير فرق في أفراد الخل بين المعتصر و بين الممزوج بالماء، فيجوز حينئذ عندنا كما في التذكرة بيع خل العنب بالزبيب لاتحاد أصلهما، خلافا للشافعي فلا يجوز، لأن في خل الزبيب ماء، و فيه أنه غير مانع إذ هو إن أفاد اختلاف الحقيقة جاز متفاضلا، و إلا متساويا، و كذا حل الزبيب بخل الزبيب عندنا، كما عن التذكرة أيضا خلافا له أيضا، لأن في كل منهما ماء قال: و إن قلنا في الماء ربا لم يجز، بمعنى جواز تفاضل الزبيب و الماء، و هو كما ترى، و كذا خل التمر بخل التمر عندنا، كما في التذكرة خلافا له أيضا.

أما خل التمر بالزبيب فلا إشكال فيه عندنا أيضا لاختلاف الجنس، و عن الشافعي انه ان قلنا في الماء ربا لم يجز و ان قلنا لا ربا فيه جاز، و فساده واضح عندنا، و اما بيع الدبس بالدبس فيجوز عندنا متساويا كما في التذكرة مع اتحاد أصله و متفاضلا مع اختلافه و عن الشافعي المنع للاشتمال على الماء و يجوز عندنا أيضا بيع الدبس بالتمر مع اتحاد الأصل متساويا و منعه الشافعي أيضا، و يجوز بيع خل العنب بعصيره متساويا عندنا كما في التذكرة و بالجملة لا ريب في الجواز عندنا في هذه كلها و غيرها و ان جهل مقدار ما في كل واحد من الرطوبة في بعضها اعتمادا على تناول الاسم و قد تقدم لك تمام البحث في ذلك.

و منه يعلم ما في المسالك هنا «قال لا بد في الجواز من اشتراكهما في أصل الرطوبة أي الأخباز في الرطوبة فلو كان أحد الخبزين رطبا و الأخر يابسا لم يصح، بناء على ما سلف من القاعدة» و في العبارة إشارة إليه حيث اثبت لكل واحدة رطوبة جهل مقدارها، و لو علم أن رطوبة أحدهما أكثر من رطوبة الأخر مع اشتراكهما في الأصل، ففي الجواز

ج 23، ص: 378

نظر، من صدق الاسم في المثلين، و من العلم بزيادة حقيقة أحدهما على الأخر، و لعل الأقرب الجواز، لأن الرطوبة غير مقصودة، و الحقيقة مطلقة عليهما، و كذا لو علمت الرطوبة في أحدهما، و انتفت من الأخر؛ كخل الزبيب و خل العنب الخالص.

قلت: عرفت أنه لا يكفى الاتحاد في الحقيقة و المساواة عند الابتياع، بل لا بد من مراعاة عدم النقصان في أحدهما عن الأخر بعد ذلك، للأخبار السابقة، فإذا فرض عدمه صح؛ و إن كانت الرطوبة في أحدهما عارضيه كخل الزبيب إلا أنها صارت من أجزاء الحقيقة، فلاحظ ما تقدم سابقا و تأمل. و اللَّه أعلم.

[تتمة فيها مسائل ]
اشارة

تتمة فيها مسائل

[المسألة الأولى لا ربا بين الوالد و ولده ]

الأولى: لا ربا بين الوالد و ولده إجماعا محكيا مستفيضا، إن لم يكن متواترا، صريحا و ظاهرا، بل يمكن تحصيله، إذ لا خلاف فيه إلا من المرتضى في الموصليات، لكن في الانتصار بعد أن ذكر مما انفردت به الإمامية القول بأنه لا ربا بين الولد و والده، و لا بين الزوج و زوجته، و لا بين الذمي و المسلم، و لا بين العبد و مولاه، و خالف باقي الفقهاء، قال: «و قد كتبت قديما في جواب مسائل وردت علي من الموصل و تأولت الأخبار التي يرويها أصحابنا المتضمنة لنفي الربا بين من ذكرناه، على أن المراد- بذلك و إن كان بلفظ الخبر- معنى الأمر، كأنه قال: يجب أن يقع بين من ذكرناه ربا، كما قال تعالى (1)«مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» و كقوله تعالى (2)«فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ» و

قوله صلى اللَّه عليه و آله (3)«العارية مردودة، و الزعيم غارم»

و معنى ذلك كله الأمر» إلى أن قال:


1- 1 سورة آل عمران الآية 97.
2- 2 سورة البقرة الآية 197.
3- 3 جامع الصغير للسيوطي ص- 68 طبع عبد الحميد احمد حنفي

ج 23، ص: 379

«و اعتمدنا في نصرة هذا المذهب على عموم ظاهر القرآن، ثم لما تأملت ذلك رجعت عن هذا المذهب، لأني وجدت أصحابنا مجمعين على نفى الربا بين من ذكرنا، و غير مختلفين فيه في وقت من الأوقات، و إجماع هذه الطائفة قد ثبت أنه حجة، و يخص به ظاهر القرآن».

و هو كما ترى بعد اعترافه بالخطإ و أنه مخالف للإجماع في فتواه السابقة، لا يقدح في تحصيل الإجماع، بل هو مؤكد له، مضافا إلى

خبر عمرو بن جميع (1)الذي رواه المشايخ الثلاثة عن أبى عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال: أمير المؤمنين عليه السلام ليس بين الرجل و ولده ربا، و ليس بين السيد و عبده ربا،»

و

صحيحي زرارة(2)و محمد بن مسلم (3)الذي رواه الكليني و الشيخ عن أبى جعفر «ليس بين الرجل و ولده، و بينه و بين عبده، و لا بينه و بين أهله ربا، إنما الربا فيما بينك و بين ما لا تملك، قلت: فالمشركون بينى و بينهم ربا قال: نعم، قلت: فإنهم مماليك، فقال: إنك لست تملكهم، إنما تملكهم مع غيرك، أنت و غيرك فيهم سواء، فالذي بينك و بينهم ليس من ذلك، لأن عبدك ليس مثل عبدك و عبد غيرك.»

فمن الغريب دغدغة بعض المتأخرين في الحكم المزبور؛ و كأنه ناشئ من اختلال الطريقة، و إطلاق الخبرين و معاقد الإجماعات يقضي بأنه يجوز لكل منهما أخذ الفضل من صاحبه كما صرح به الحلي و الفاضلان و الشهيدان و غيرهم، بل لعله لا خلاف فيه إلا من الإسكافي، فقال كما في المختلف لا ربا بين الوالد و ولده إذا أخذ الوالد الفضل، إلا أن يكون له وارث أو عليه دين و هو اجتهاد في مقابلة النص و الفتوى.

و كيف كان فلا يتعدى الحكم إلى الأم لحرمة القياس بعد اختصاص الدليل بغيرها، كما أن الظاهر من النص و الفتوى إرادة الولد النسبي دون الرضاعي، و إن احتمله بعضهم؛ و لا إطلاق للمنزلة بحيث يشمل المقام، ضرورة انصرافها للنكاح و نحوه، نعم


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب الربا الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب 7 من أبواب الربا الحديث- 3.
3- 3 الوسائل الباب 7 من أبواب الربا الحديث- 4.

ج 23، ص: 380

قد يتوقف في ولد الزنا من صدق الولد لغة، و من انصرافه إلى غيره، و عموم التحريم قوي، و لذا صرح جماعة منهم الفاضل و ثاني المحققين و الشهيدين بعدم تعدي الحكم إلى ولد الولد، لكن توقف فيه بعضهم، بل في الدروس الجزم بالإلحاق، و هو لا يخلو من قوة، و إن كان الأحوط خلافه، كما أن الأحوط الاقتصار على الذكر، لأنه المنساق عرفا، لكن في التذكرة و جامع المقاصد أنه لا فرق في الولد بين الذكر و الأنثى، لشمول الاسم، و حينئذ لا إشكال في الخنثى؛ و إن كانت مشكلا.

نعم قد يتوقف في المشكل منها بناء على اختصاص الحكم بالذكر، فيحتمل التحريم للعموم، و الحل للأصل و، كذا لا ربا بين المولى و مملوكه إجماعا بقسيمه و للخبرين السابقين (1)و

صحيح علي بن جعفر(2)«سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن رجل أعطى عبده عشرة دراهم على أن يؤدي العبد كل شهر عشرة دراهم، أ يحل ذلك؟ قال: لا بأس»

بل لا يتصور وقوع الربا بينهما بناء على عدم ملكية العبد، و لذا قيل أنه كان ينبغي ترك ذكره ممن كان يرى ذلك.

نعم يتجه ذكره بناء على الملكية و مستنده حينئذ ما عرفت، اللهم إلا أن يقال: إن المراد هنا بالمملوك ما يشمل المكاتب، و القائل بعدم ملكية العبد يقول بها فيه، لكن ذلك مبني على إرادة الأعم منه من النص و معقد الإجماع، و ربما نوقش فيه بأن المنساق غيره.

نعم لا فرق بين القن و المدبر و أم الولد، لا أقل من الشك فتبقى حرمة الربا على عمومها، كما أن مقتضاها بل هو الظاهر من النص و الفتوى، بل هو كصريح صحيح زرارة(3)قصر الحكم على غير المشترك، كما صرح به جماعة، بل في المختلف أطلق أصحابنا، و مقصودهم إذا لم يكن مشتركا، و هو كذلك، ضرورة ظهور النص و الفتوى في اتحاد المولى، و كون المملوك جميعه لا بعضه.


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب الربا الحديث- 1- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب الربا الحديث- 6.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب الربا الحديث- 4-.

ج 23، ص: 381

لكن قد يقال: إن مثل هذا الظهور لا يرفع حكم البعض، كما في زكاة الفطرة و غيرها مما كان العنوان فيه نحو ما هنا، بل يظهر من النص و الفتوى اتحاد قاعدة في المبعض الذي بعضه حر بالنسبة إلى جريان حكم الملك و الحرية على كل من الجزئين، فضلا عن العبد المشترك بين المالكين الذي يمكن القول فيه بحلية الربا فيه بالنسبة إلى كل من مولييه، كإمكان

القول في المبعض الحر أنه يصح العقد الربوي فيما قابل الجزء الملك، و يبطل فيما قابل الجزء الحر، نحو ما يقال: في المال المشترك بين الوالد و غيره مثلا، فباعاه من الولد لأحدهما، فإنه يصح العقد بالنسبة إلى نصيب الوالد مع زيادته، و يبطل في غيره.

على أن الخبر المزبور(1) - مع احتمال العلة فيه، إقناعية، لما تسمع في المشترك الجزئي- ظاهر في نحو المشترك الجنسي الذي هو بين المسلمين، لا مثل المشترك بين شخصين مثلا، أو مثل الذي بعضه حر و بعضه رق و كذا لا ربا بين الرجل و زوجته إجماعا أيضا بقسميه، و لصحيح زرارة(2)المتقدم سابقا مضافا إلى

مرسل الصدوق (3)عن الصادق عليه السلام «ليس بين المسلم و بين الذمي ربا، و لا بين المرأة و زوجها ربا»

و هو مضافا إلى الفتاوى و معاقد الإجماعات، قرينة على إرادة الزوجة من الأهل، في صحيح زرارة لا غيرها، ممن هو أهل عرفا، و الأكثر، كما في الرياض، و المشهور كما عن الكفاية أنه لا فرق بين الدائمة و المتمتع بها؛ و به صرح الشهيدان و العليان.

لكن قد يناقش بعد تسليم صدق اسم الزوجة بل و الأهل عليها، بأن المنساق إلى الذهن الدائمة، خصوصا إذا كان المتمتع بها إلى أجل قصير، و لم يكن متخذا لها اتخاذ الزوجة، بل اتخذها اتخاذ المستأجرة، على أن الدائمة هي التي ثبت لها التفويض في مال

الرجل في الجملة، كأخذ المأدوم و نحوه، كما أنها هي التي يتسلط الزوج على مالها بحيث


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب الربا الحديث- 2-.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب الربا الحديث- 3.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب الربا الحديث- 5.

ج 23، ص: 382

لا يجوز لها العتق إلا بإذنه، على ما في بعض النصوص (1)بل هما المتحدان في المال عرفا؛ مضافا إلى عموم حرمة الربا التي ينبغي الاقتصار في خلافها على المتيقن.

و لعله لذا تردد المقداد و الصيمري كما قيل بل عن التذكرة و إيضاح النافع و مجمع البرهان ثبوت الربا بينها و بينه؛ و وجهه ما عرفت؛ إلا أنه قد يقوى التفصيل بين المتخذة أهلا و غيرها، فلا ربا في الأولى و يثبت في الثانية، و منه يظهر وجه التوقف في المطلقة رجعية إذ هي و إن كانت زوجة إلا أنه قد يمنع صدق الأهل عليها، و الاحتياط لا ينبغي تركه، و ذلك لأن الجمع بين خبري الزوجة و الأهل يقتضي اعتبار كل منهما، فإنهما شبه العامين من وجه.

و كذا لا ربا بين المسلم و أهل الحرب إجماعا بقسميه أيضا إذا أخذ المسلم الفضل، و لمرسل الصدوق (2)و

المروي مسندا في الكافي (3)قال: «قال: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم ليس بيننا و بين أهل حربنا ربا، نأخذ منهم ألف درهم بدرهم؛ و لا نعطيهم»

و الضعف غير قادح بعد الانجبار، كما أن خبر زرارة يمكن ارادة غير أهل الحرب من المشركين كأهل الذمة، بناء على جريان الربا فيهم أو غير ذلك، و لا فرق في الحربي بين المعاهد و غيره، و لا في كونه بين دار الإسلام أو الحرب، كما صرح به بعضهم بل عن ظاهر الخلاف، الإجماع على الأخير.

لكن قد يناقش في الأول، بظهور المرسل في غيره ممن هو محارب حال المعاملة، إذ هو كالذمي الذي ستعرف البحث فيه، مضافا إلى وجوب الاقتصار فيما خالف العموم على المتيقن، و الأحوط اجتنابه.

و على كل حال فصريح المرسل المزبور أن المراد من نفي الربا بيننا و بينهم أخذه منهم، لا إعطاؤهم كما هو صريح جماعة و ظاهر آخرين، بل لا أجد فيه خلافا


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب العتق الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب الربا الحديث- 5.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب الربا الحديث- 2.

ج 23، ص: 383

صريحا، و إن كان قد أطلق بعضهم إلا من القاضي فيما حكي عنه، فجوز أخذ كل منهما من الآخر، لكن لا ريب في ضعفه، لعدم ما يصلح للخروج به عن عموم التحريم.

و يثبت الربا بين المسلم و الذمي قطعا إذا كان الآخذ الذمي و بالعكس على الأشهر بل المشهور نقلا و تحصيلا بل عليه عامة المتأخرين إلا النادر، بل لم أجد فيه خلافا إلا ما سمعته من المرتضى و حكي عن ابني بابويه و المفيد و القطيفي، مع أنه قال بعض مشايخنا أني لم أجد له ذكرا في المقنعة.

و من ذلك يعلم ما في دعوى المرتضى من الإجماع عليه الذي هو دليل القول به، و

المرسل في الفقيه (1)«ليس بين المسلم و الذمي ربا»

الذي لا جابر له، و يمكن حمله على إرادة الحرمة منه، نحو ما سمعته من المرتضى في نظائره؛ قبل أن يرجع إلى المشهور، أو علي أنهم حربيون في زمن الغيبة كما ستسمع، على أنه أرسل في النافع رواية معارضة للمرسل، و إن لم أجدها إلا أن يريد قوله في

صحيح زرارة(2)«المشركون بينهم و بين المسلمين ربا»

المؤيد للعمومات في الجملة، و حمله على إرادة ثبوته حيث يكون الأخذ من المسلم، ينفيه ظهوره أو صراحته في الأعم من ذلك، فلا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى جريان الربا بينهم، إلا إذا خلعوا شرائط الذمة، فإنهم يكونون حينئذ حربيين، بل يظهر من بعضهم أنه كذلك في زمن الغيبة و ما شابهها من قصور اليد، و إن كانوا لا يغتالون، لشبهة الأمان، و لعله لعدم من يعقد معهم، عقد الذمة و شرائطه، و لم يثبت ولاية حاكم الجور في ذلك، هذا.

و قد يقال في أصل المسألة أن المراد بنفي الربا بين المسلم و الحربي، يأخذ منه و لا يعطيه عدم حرمة ذلك على خصوص المسلم الذي له التوصل بكل طريق إلى أخذ مال الحربي، لأنه هو و ماله في ء للمسلم، فله السرقة و نحوها، لا أن المراد نفيه على نحو نفيه بين

الولد و الوالد، و حينئذ فالمعاملة بينهما باطلة توجب حرمة الثمن على الكافر


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب الربا الحديث- 5.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب الربا الحديث- 3.

ج 23، ص: 384

و يحرم عليه دفع الربا، و للمسلم أخذه منه بتوسط هذه المعاملة التي هي فاسدة في الواقع، و صحيحة بزعم الحربي، نحو شراء ولده منه، فإنه شراء صوري مقدمة للاستيلاء على الولد، ليملكه به، لا بالشراء، كذا ما نحن فيه فإن ملكه لما يأخذه منه بالاستيلاء لا بالبيع الربوي، و ربما يؤيد ذلك ما سمعته في صحيح زرارة من ثبوت الربا بيننا و بينهم مطلقا، و لكن في خصوص الحربي لنا استنقاذ ماله منه بالمعاملة المزبورة على حسب ما عرفت.

و منه يعلم جريان الربا بيننا و بين سائر فرق الكفار المحترم ما لهم بذمة، أو صلح، أو أمان أو عهد، أو غير ذلك، بخلاف غير محترمي المال، فإن له التوصل إلى الاستيلاء على مالهم بالمعاملة المزبورة، ليملكه به، لا بها؛ بل الظاهر جواز كل معاملة فاسدة معهم بهذا القصد، لا بقصد ترتب الأثر على المعاملة، و إلا فمن البعيد اختصاص الكافر هنا بحلية دفع الربا للمسلم دون أخذه منه، و دون أخذه من غيره من قومه فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، و منشأ الوهم الاشتراك مع غيره، بنفي الربا لما عرفت و المراد بهما متغاير و اللَّه أعلم.

[المسألة الثانية لا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه كلحم الغنم بالشاة]

المسألة الثانية المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا أنه لا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه كلحم الغنم بالشاة بل في المختلف لم نقف فيه على مخالف منا غير ابن إدريس فجوز، و قوله محدث لا يعول عليه؛ و لا يثلم في الإجماع، و في الدروس نسبته إلى الشذوذ بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه و هو الحجة بعد

النبوي (1)و إن كان عاميا على الظاهر «نهى النبي صلى اللَّه عليه و آله عن بيع اللحم بالحيوان»

و موثق غياث (2)على ما قيل عن الصادق عليه السلام: «أن أمير المؤمنين كره بيع اللحم بالحيوان»

بناء على إرادة الحرمة منها في خصوص المقام و لو ل

ما في المعتبرة(3)من أنه عليه السلام «لا يكره الحلال»

كما


1- 1 المستدرك ج 2 ص 480.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب الربا الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من أبواب الربا الحديث- 1.

ج 23، ص: 385

في بعض و إلا الحرام في آخر، و للإجماعين المعتضدين بالشهرة.

لا أن الحجة فيه تحقق الربا، كي يرد عليه أن الحيوان غير موزون، إذ الظاهر إرادة الحي في محل النزاع، كما اعترف به في المسالك؛ بل هو ظاهر التذكرة أو صريحها، كالمحكي عن السرائر بل عن نهاية الأحكام و فخر المحققين و غيرهما جعل النزاع فيه، فما عساه يظهر من المختلف من كون النزاع في الأعم، و من المحكي من مجمع البرهان في خصوص المذبوح في غير محله، كما أن الاستدلال عليه في المحكي عن إيضاح النافع بأن القوم أجروا ما يجرى عليه الوزن عادة، مجرى الموزون و إن كان في الحال غير موزون؛ و لهذا لا يجوز بيع الرطب بالتمر على النخل كذلك أيضا، ضرورة عدم الدليل على ذلك، بل ظاهر الأدلة خلافه، خصوصا ما دل (1)منها على جواز بيع الثوب بالثوب و بالغزل، لخروجه بالصفة عن كونه موزونا الذي أفتى به الفاضل و الشهيد و المحقق الثاني، بل ربما ظهر منهم أو بعضهم تعدية الحكم إلى الآنية من الحديد و الصفر، إذا لم تجري العادة بوزنها؛ بل و المصنوع من النقدين كالخاتم و الظروف و المراكب المحلاة، فما حكاه عن القوم لم نتحققه.

نعم قال في القواعد و التذكرة و التحرير: «إن المراد أي في باب الربا جنس المكيل و الموزون، و ان لم يدخلاه لقلته كالحبة و الحبتين، أو لكثرته كالزبرة؛ أي القطعة من الحديد»، و ظاهره كما اعترف به في الحواشي المنسوبة إلى الشهيد و جامع المقاصد أنه يجب الكيل و الوزن في البيع إذا كان المبيع مكيلا أو موزونا بالفعل، فلو بيع ما لا يوزن عادة لقلته أو كثرته و جنسه مكيل كفى في صحة بيعه المشاهدة، إذا بيع بغير جنسه، و

أما إذا بيع بجنسه لم يجز كما في الأول و لا بد من المساواة كيلا إن كان مكيلا و إلا فوزنا، كما في الثاني، و يمكن أن يكون ذلك في خصوص ما كان المانع من كيله أو وزنه القلة أو الكثرة، لا غيرهما من الأحوال، ككون الثمرة على الشجرة و نحوها، مع أنه لا يخلو من نظر.


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب الربا الحديث 1.

ج 23، ص: 386

و بالجملة لا ريب في أنه ليس المنع في كلام الأصحاب هنا ملاحظة الربا، و إلا لما صح إطلاقهم المنع الشامل لصورة المساواة و زيادة اللحم على الحيوان و بالعكس، و لا اتجه لهم المنع حتى في بيع الحيوان بالحيوان الذي من الواضح فساد القول به، و كان منشأ الوهم ذكرهم هذه المسألة في باب الربا، و زاده إيها ما تقييد غير واحد من الأصحاب المنع بما إذا كان من الجنس و أنه يجوز البيع بغير جنسه كلحم البقر بالشاة بل هو المشهور بين المتأخرين بل في الغنية و التنقيح الإجماع عليه، بل قيل إن إجماع الخلاف منطبق عليه أيضا، و كأنهم فهموا من إطلاق المقنعة و النهاية و المراسم و القاضي على ما حكي عن بعضهم عدم جواز بيع الغنم باللحم و إرادة اللحم من الغنم، بل لعلهم فهموا ذلك أيضا من خبر غياث (1).

نعم قيده المصنف بقوله لكن بشرط ان يكون اللحم حاضرا و لعله لعدم جواز بيع اللحم

نسيئة، كما نص عليه ابن إدريس في المحكي عنه هنا، قال كما في المختلف:

«يجوز ذلك أي بيع اللحم بالحيوان إذا كان موزونا سواء اتفق الجنس أو لا يدا بيد، و سلفا أيضا إن كان اللحم معجلا دون العكس إذ لا يجوز السلف في اللحم، و يجوز في الحيوان، و يأتي تمام الكلام في السلم إنشاء اللَّه تعالى.

و كيف كان فذلك كما ترى لا دلالة فيه على أن المنع فيه للربا، إذ ليس في النهاية إلا «لا يجوز بيع الغنم باللحم لا جزافا و لا وزنا» و مثلها المقنعة بزيادة لأنه مجهول، و نحو هما غيرهما في عدم الإشارة إلى كون المنع للربا، فلا ريب في بطلان الاستدلال به لهم، بل منه يعلم فساد ما ذكره ابن إدريس حيث احتج على مطلوبه بأن المقتضي للجواز- و هو قوله تعالى(2)«أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»،- موجود، و المانع و هو الربا منفي إذ الربا إنما يثبت في الموزون، و الحيوان الحي ليس بموزون، إذ فيه ما عرفت من عدم كون المانع الربا، و أجاب


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب الربا الحديث- 1.
2- 2 سورة البقرة الآية- 275.

ج 23، ص: 387

عنه في المختلف بالمنع من نفى المانع؛ و من كون المانع هو الربا خاصة، ثم قال: و لو قيل بالجواز في الحيوان الحي دون المذبوح جمعا بين الأدلة كان قويا.

و فيه أنه لا وجه للمنع من نفى المانع إذ احتمال أنه من الربا بتخصيص ما دل على

اشتراطه بالكيل في غير المقام كما ترى، و إن جزم به في الرياض على أنه ينبغي جوازه مع المساواة، مع أن المعظم و الجميع أطلقوا المنع.

نعم قيده بعض المتأخرين بغير المساواة بناء منه على أن المنع من جهة الربا مضافا إلى أنه ليس في خبر غياث (1)دلالة على كون المنع من جهة الربا، كي يقيد به تلك الأدلة، و أما ما ذكره من التفصيل فإنه و إن استجوده الشهيد في حواشيه، و قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد و تعليق الإرشاد، و قواه الشهيد الثاني في المسالك و الروضة، لكن منشأه على الظاهر ما أومأ إليه في المختلف من الجمع بين ما دل على الحرمة كالرواية، و الإجماع المحكي و إطلاقات الحل و الجواز، فيحمل الأول على ما إذا كان مذبوحا، لتحقق شرط الربا فيه، و الثاني على الحي لفقد شرط الربا فيه.

و من هنا صرح بعضهم بالكراهة في الحي للشبهة الناشئة من إطلاق القول، و الرواية بالحرمة، و قد ظهر لك مما ذكرنا ما فيه، إذ لا حاجة لحمل المنع على كونه من جهة الربا، كي يحتاج إلى ذلك، و إلى حمل النص و معقد الإجماع و الفتاوى المتضمنة للفظ الحيوان و الشاة أو الغنم على خلاف ظاهره، ضرورة ظهورها جميعا في الحي؛ على أن تنزيل ما دل على الربا على المذبوح قد يناقش فيه، بأنه غير مكيل و لا موزون قبل السلخ، بل تعارف في زماننا بيعه جزافا بعد السلخ إذا كان جملة، بل من المعلوم أن الرأس لا يباع إلا جزافا، و الإكتفاء بموزونية جنسه أي اللحم قد عرفت ما

فيه؛ بل قد يمنع كون جنس الحيوان المذبوح اللحم.

و كذا يظهر لك ما في التذكرة، فإنه بعد أن ذكر أن المشهور على المنع قال:


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب الربا الحديث 1.

ج 23، ص: 388

«و الأقرب عندي الجواز على كراهية، للأصل السالم عن معارضة ثبوت الربا لفقد شرطه، و هو التقدير بالكيل أو الوزن، المنفي في الحيوان الحي، و اما الكراهية فللاختلاف، بل صرح بعد في كلامه بأن المنع على تقديره إنما هو من جهة الربا» و فيه ما عرفت و لعل ما في النافع و التحرير و الإرشاد من الحكم بالجواز مبنيا على أن كون المنع للربا، و هو منتف لفقد شرطه، كالمحكي عن الابى و الخراساني و الكاشاني؛ أو لأن غياثا تبري لا يعمل بخبره.

و في الأول ما عرفت، و في الثاني مع ان غير واحد وصف الخبر بكونه موثقا، بل في المختلف أن أصحابنا وثقوه و هو منجبر بما عرفت، و معتضد بالإجماعين السابقين، و منه يعلم الحال في المناقشة في متنه للتعبير فيه بلفظ الكراهة.

و نحوها المناقشة بأن مقتضاه مطلق المعاوضة، و أن المنع و لو بغير الجنس و الأصحاب لا يقولون به، إذ يدفعهما انصراف البيع و الجنس منه، أو إرادة ذلك منه و لو بمعونة كلام الأصحاب، و احتمل في الرياض إرادة المثال بذكر البيع في الفتاوى و هو بعيد، مناف لقاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن منعه من النص و الفتوى، فظهر لك من ذلك كله أن قول ابن إدريس ضعيف، و إن وافقه عليه جماعة ممن تأخر عنه، كالمصنف في النافع و الفاضل و المحقق الثاني و الشهيدان في الحواشي و المسالك و الروضة و غيرهم، إلا أن منشأ الجميع ما عرفت مما هو واضح البطلان، فالقول حينئذ بما عليه المشهور لا يخلو من قوة.

لكن قد ظهر لك من كلام هؤلاء المتأخرين أنه لا إشكال في المنع في المذبوح لوجود شرط الربا فيه، و قد عرفت المناقشة فيه، فبناء على ظهور الخبر و معاقد الإجماعات في الحي، يتجه الجواز حينئذ في المذبوح لعدم شرط الربا فيه، اللهم إلا أن يدعى الإجماع عليه من الجميع، و دونه خرط القتاد، بعد أن علمت أن البحث في تلك العبارات في الحي لا في المذبوح، كما عن الأردبيلي الجزم به، و لا في الأعم منه و من

ج 23، ص: 389

الحي، كما عساه يظهر من المختلف، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه، ثم إن الظاهر عدم الفرق في الحكم المزبور بين كون اللحم ثمنا و مثمنا، و إن اختص أكثر العبارات بالثاني، لكن المحكي عن جملة من القدماء التعبير بالأول.

نعم ينبغي الاقتصار بناء على ما ذكرنا على ما يسمى لحما، فالكرش و الكبد و نحو هما لا يدخل في المنع، بل قد يتوقف في اندراج بيع لحم السمك بالسمك الحي، لعدم انصراف لفظ اللحم اليه، هذا و ربما يقال في أصل المسألة- خصوصا بملاحظة ما سمعته من المعتبرة من التعليل بالجهالة- إن المراد من إطلاق الفتوى من قدماء الأصحاب عدم جواز ما يستعمل من دفع رؤس من الغنم إلى القصاب بمقدار من اللحم يؤخذ منه تدريجا، أو يبيع القصاب مقدارا من اللحم في ذمته لصاحبها بها.

و على كل حال فهو باطل لعدم إمكان ضبط اللحم المختلف باختلاف الحيوان زمانا و مكانا و أكلا و سمنا و غير ذلك، فالمراد حينئذ عدم جواز بيع اللحم سلفا و لا كونه ثمنا نسيئة بالحيوان، و لعل تخصيص ذلك؛ بالحيوان تنبيها على ما كان يستعملونه بل ربما استعملوه على نحو العرية من بيعه بمقدار من اللحم منه الذي لا إشكال في بطلانه، لاتحاد الثمن و المثمن فيه، كما أن الوجه في ذكر الأصحاب ذلك، ذكره فيما سمعته من النص و بذلك ينطبق ما سمعته من التعليل بالجهالة، ضرورة عدمها في الحيوان، و في اللحم المشاهد، و كان التفصيل بالجنس و غيره من المتأخرين الذين توهموا كون موضوعه من الربا، و الا فالقدماء لا تفصيل في كلامهم، فتأمل جيدا و لاحظ، فإنه نافع إنشاء اللَّه.

[المسألة الثالثة يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية]

المسألة الثالثة لا خلاف بيننا في أنه يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية أو فيها بيضة أو ببيضة، لوجود المقتضي من الأصل و غيره، و عدم المانع، إذ ليس إلا الربا، و هو منفي بانتفاء شرطه، إذ الدجاجة غير مقدرة بالكيل و الوزن، و ما في بطنها ما دام كذلك كالثمرة على الشجرة، و لأنه تابع غير مقصود، و المخالف الشافعي، و لا ريب في ضعفه، و كذلك لا خلاف عندنا في جواز بيع شاة في ضرعها لبن بشاة

ج 23، ص: 390

في ضرعها لبن أو خالية: أو بلبن و لو كان من لبن جنسها، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا لعين ما ذكرنا، و كذا بيع شاة عليها صوف، بصوف و شاة ليس عليها صوف، و نخلة ليس عليها تمر بأخرى خالية أو ذات تمر.

[المسئلة الرابعة القسمة تميز أحد الحقين و ليست بيعا]

المسئلة الرابعة: القسمة تميز أحد الحقين أو الحقوق عن الأخر و ليست بيعا عندنا و لا معاوضة، فتصح فيما فيه الربا و لو أخذ أحدهما الفضل للأصل و الإطلاقات و في المسالك دعوى الوفاق عليه، و من جعلها بيعا مطلقا، أو مع اشتمالها على الرد يثبت فيها الربا، و تجوز القسمة كيلا و خرصا للأصل و لو كانت الشركة في رطب و تمر متساويين فأخذ أحدهما الرطب جاز و إن كان ينقص إذا جف بعد ذلك، لما عرفت من عدم جريان الربا فعلا فيها، فضلا عن مثل ذلك.

و لكن تفصيل الأمر فيها محرر في كتاب القسمة من القضاء بل و الشركة، فإنه قد ذكرنا بعض الكلام فيه، و العمدة تحرير كون حصة الشريك كليا في المال الخارجي مشاعا، على معنى صدقه على أفراد متعددة؛ و بالقسمة مع القرعة ليتميز و يتشخص، أو أنها حصة شائعة في الاجزاء على وجه يكون لكل منهما نصيب في كل جزء جزء فبالقسمة لا بد أن تكون من كل منهما أجزاء من ملكه عند الأخر، و مقتضى ذلك كونها حينئذ معاوضة، بل مقتضاه فيما لو كانت الشركة بين الوقف و الملك، تبديل أجزاء الوقف بالملك و بالعكس، بل مقتضاه اجتماع مالكين على مملوك واحد إذا قلنا بالجزء الذي لا يتجزى، فإنه لا يكون قابلا للقسمة، و قد أشبعنا الكلام في ذلك في محله، و لعل إجماعهم على الظاهر هنا بعدم جريان الربا حتى من القائل بعمومه لكل معاوضة مما يؤيد الأول فلاحظ و تأمل.

[المسألة الخامسة يجوز بيع مكوك من الحنطة بمكوك و في أحدهما عقد التبن و دقاقه ]

المسألة الخامسة يجوز بيع مكوك من الحنطة بمكوك و في أحدهما عقد التبن و دقاقه دون الأخر و كذا لو كان في أحدهما زوان أو يسير من تراب، لأنه مما جرت العادة بكونه فيه فيصدق المساواة معه بلا خلاف أجده فيه بيننا، لكن عن

ج 23، ص: 391

المبسوط «و قال قوم: لا يجوز و هو الأحوط» و لعله يريد من العامة إلا أنه لا ينبغي الأمر بالاحتياط لخلافهم.

نعم لو كان ذلك مما لا يتسامح به في العادة لم يجز لصدق التفاضل، بل و لأنه إذا كان الخليط مما له قيمة، كالشيلم و نحوه، جاز بصرف زيادة الخالص حينئذ إلى مخالف الجنس، كما أنه يجوز بحنطة مشتملة على ذلك، صرفا لكل جنس إلى ما يخالفه، أما إذا لم يكن له قيمة لم يجز بالخالص و لا بغيره، إذا لم يعرف قدر التفاوت، و إلا جاز على الظاهر، و ليست الحنطتان ذات الترابين كالجنسين الرطبين التي لا يعلم تساويها بعد الجفاف، ضرورة كون الرطوبة حينئذ من اجزاء الجنس، و ليست هي مستقلة بنفسها، بخلاف التراب كما هو واضح، و المكوك: كثبور: مكيال يسع صاعا و نصفا و نصف رطل، أو ثلاث كيلجات، و الكيلجة: من و سبعة أثمان المن، و المن: رطلان: و اللَّه أعلم.

[المسألة السادسة يجوز بيع درهم و دينار بدينارين و درهمين و يصرف كل واحد منهما إلى غير جنسه ]

المسألة السادسة لا خلاف بيننا أيضا في أنه يجوز بيع درهم و دينار، بدينارين و درهمين و يكون في الصحة بمنزلة أن يصرف كل واحد منهما إلى غير جنسه و إن لم يقصدا ذلك و كذا لو جعل بدل الدينار أو الدرهم شي ء من المتاع، و كذا مد من تمر و درهم، بمدين أو أمداد و درهمين أو دراهم إذ هو و إن لم يكن في كل منهما جنس يخالف الأخر، إلا أن الزيادة تكون في مقابل الجنس المخالف في أحدهما، فهو في الصحة حينئذ كذي الجنسين، و لا خلاف بيننا في الجميع، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض جدا إن لم يكن متواترا.

مضافا إلى الأصل و العمومات، و اختصاص أدلة التحريم بحكم التبادر و السياق بغير مفروض المسألة، و النصوص المستفيضة التي فيها الصحيح و غيره، منها- ما

عن البجلي (1)قال:

«سألته عن الصرف فقلت إن الرفقة ربما خرجت عجلا فلم أقدر على الدمشقية و البصرية،


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب الصرف الحديث- 1- مع اختلاف يسير.

ج 23، ص: 392

و إنما يجوز(1)«بسائر» الدمشقية و البصرية، فقال: و ما الرفقة؟ فقلت: القوم يترافقون و يجتمعون للخروج فإذا عجلوا فربما لم نقدر على الدمشقية و البصرية، فبعثنا بالغلة فصرفوا ألفا و خمسمائة درهم منها بألف من الدمشقية و البصرية، فقال: لا خير في هذا، فلا يجعلون معها ذهبا لمكان زيادتها؟ فقلت له: أشتري ألف درهم و دينارا بألفي درهم فقال لا بأس بذلك، إن أبى كان أجرأ على أهل المدينة مني، و كان يقول: هذا، فيقولون:

إنما هذا الفرار، لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم؛ و لو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار، و كان يقول لهم: نعم الشي ء الفرار من الحرام إلى الحلال».

و

في صحيحه الآخر(2)عن أبى عبد اللَّه عليه السلام «قال: كان محمد بن المنكدر يقول لأبي جعفر عليه السلام: يا أبا جعفر رحمك اللَّه و اللَّه إنا لنعلم أنك لو أخذت دينارا و الصرف ثمانية عشر فدرت المدينة على أن تجد من يعطيك عشرين ما وجدته، و ما هذا إلا فرار، و كان أبى عليه السلام يقول: صدقت و اللَّه و لكنه فرار من باطل إلى حق»

و

في الصحيح الآخر(3)عن أبى عبد اللَّه عليه السلام «لا بأس بألف درهم و درهم، بألف درهم و دينارين إذا دخل فيها دينار ان أو أقل أو أكثر فلا بأس»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب.

و ربما ظهر منها ما ذكره غير واحد من الأصحاب، بل نسبه إليهم غير واحد، مشعرا بدعوى الإجماع عليه، من صرف كل من الجنس إلى المخالف، كما أن الزيادة تنصرف إليه إذا كانت في أحدهما، و مقتضاه حينئذ الصحة فيما لو باع مد تمر و درهما بمدين، أو بدرهمين، أو بمدين و درهمين ثم تلف الدرهم أو المد قبل قبضه، فيصح البيع في الأول بمد أو درهم، و في الأخير بمدين أو درهمين، لانفساخ البيع شرعا فيما يقابل الزيادة أو الجنس المخالف، و إن لم يكن هو مقتضى المقابلة عرفا، و هو الذي مال إليه المحقق الثاني، و الشهيد الثاني إذا كان كل من العوضين مشتملا على جنسين.


1- 1 هكذا كان في النسخة الأصلية و في الكافي« بسابور» و في الوسائل نيسابور».
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب الصرف الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب الصرف الحديث- 4.

ج 23، ص: 393

و فيه أن دعوى ظهور الأدلة في الانصراف على الوجه المزبور محل نظر أو منع، إنما المسلم منها بالنسبة إلى حكم الربا، بمعنى أنه لا يتحقق و يكون كما لو خصت الزيادة أو الجنس المخالف في عدم جريان الربا، لا ان المراد جريان سائر الأحكام على ذلك، حتى لو كانا مثلا لمالكين اختص كل واحد منهما بما يخالفه، و إن لم يكن مقابلا لما له و كذا بالنسبة إلى حكم الصرف فلو بيع مثلا فضة و نحاسا بفضة و نحاس لم يجب التقابض في المجلس للانصراف المزبور إلى غير ذلك من الاحكام التي يصعب التزامها مع عدم ظهور الأدلة فيها، بل في نصوص (1)الصرف الآتية ما يشهد بخلافها، مضافا إلى مخالفتها القواعد المحكمة، خصوصا الالتزام بثمن لم يكن مقصودا أنها ثمن على كل حال، بل لعل المقصود خلافه، بل ظاهر النصوص السابقة(2)كبعض العبارات أن الضميمة على الوجه المزبور من الجانبين أو من جانب واحد؛ من الحيل الشرعية للتخلص من الربا، جارية على مقتضى الضوابط ليس فيها أثر للتعبد أصلا، و إنما نبه الشارع عليها تنبيها، و إلا فمبناها أنه بذلك يخرج عن صدق بيع المتجانسين متفاضلا، و ذلك لأن أجزاء الثمن مقابلة بأجزاء المثمن على الإشاعة، فلا تفاضل حينئذ في الجنس الواحد في عقد البيع، لانضمام جنس آخر معه، فقول الأصحاب بانصراف

كل جنس إلى مخالفه أو الزيادة إليه، يراد به ما ذكرنا، لا أن ذلك حكم شرعي تعبدي، إذ عليه لا تكون حيلة كما هو واضح، فلا ريب حينئذ في بطلان القول بالصحة في الفرض على هذا الوجه.

و من هنا احتمل غير واحد البطلان في مفروض المسألة، إذا حصل الربا بعد إسقاط ما يقابل التلف بالنسبة، كما لو باع مد أو درهما بمدين و درهمين مثلا، و تلف الدرهم لمفروض أنه نصف المبيع، لكون قيمة المد درهما بطل البيع في نصف الثمن، و يبقى لنصف الآخر، و حيث كان منزلا على الإشاعة، كان النصف في كل من الجنسين، فيكون نصف المدين و نصف الدرهمين في مقابل المد، فيلزم الزيادة الموجبة للبطلان، بل


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب الربا الصرف.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب الربا الصرف.

ج 23، ص: 394

جزم به المحقق الثاني إذا كان المشتمل على الجنسين أحد العوضين، و المقابل له في الأخر الزيادة، و كان التالف المخالف، و كان التقسيط في الباقي يقتضي الزيادة.

و فيه منع تحقق الربا لهذه الزيادة التي لم يبن العقد عليها، و إنما حصلت بالتقسيط، و إلا لاتجه البطلان من أول الأمر، مع أن الإمامية على خلافه، في مقابل ما حكي عن الشافعي من البطلان في كل ما اقتضى التقسيط فيه الزيادة، و رد بأن المعلوم من أدلة الربا حرمة الزيادة في نفس العقد، لا ما إذا كانت بمقتضى التقسيط في العقد الذي قد وقع المقابلة فيه بالمجموع، و هو بعينه جار فيما نحن فيه، ضرورة أن الزيادة المفروضة إنما كانت بحسب التقسيط الذي احتيج إليه لمكان التلف، و إلا فالعقد لا زيادة فيه، فصحته مستصحبة، و تبعض الصفقة لو سلم عدم خروج الباقي بها عن كونه معاوضة، و عن كونه بيعا؛ إلا أن المتيقن من أدلة الربا الزيادة في نفس العقد الأول لا المتجدد.

نعم قد يقال فيما لو انكشف استحقاق بعض الثمن مثلا باعتبار تحقق الزيادة حينئذ من أول الأمر و إن كانت مجهولة، مع أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق بين صورتي التلف قبل القبض و الخروج مستحقا، و هو محتاج إلى التأمل.

و كيف كان فالأجود فيما نحن فيه الصحة و إن حصلت الزيادة، كما عن السيد عميد الدين الجزم به، مع أنه يمكن فرض التقسيط على وجه لا يستلزم الربا، بأن يجعل نصف الدرهم التالف مثلا، في مقابل مثله من الشي ء، و نصفه الأخر في مقابل مد و نصف من الثمن، فيكون نصف المد في مقابل نصف مد و النصف الأخر في مقابل درهم و نصف و حينئذ، فكل من نصفي المبيع في مقابل ما يساوى درهمين من الجنسين معا، فلا زيادة في الجنس الواحد.

و لعل وجهه أن أجزاء المبيع لما قوبلت بأجزاء الثمن على طريق الشيوع، لم يجب أن يقع التقسيط على وجه يلزم معه المحذور، فإن صيانة العقد عن الفساد مع إمكان السبيل إليه متعين، و هو جيد بعد وجود مرجح له على غيره، ضرورة عدم انحصار التقسيط

ج 23، ص: 395

الذي يتلخص به من الربا فيه، إذ يمكن جعل ثلث الدرهم مثلا في مقابل ثلث درهم من الثمن، و ثلثاه في مقابل مد و ثلثين من المثمن، و يجعل ثلث المد من المبيع في مقابل مثله من الثمن، و ثلثاه في مقابل الباقي من الدرهمين، و هو درهم و ثلثان، أو يجعل الربع أو ما دونه، أو ما فوق النصف، أو غير ذلك من الطرق التي لا ترجيح لواحد منها على الأخر.

بل قيل و على التقسيط يصرف كل جنس إلى ما يخالفه بل ربما، رجح عليها بنص الأصحاب إلا انك قد عرفت ما فيه، مضافا إلى أن التحقيق مقابلة أجزاء الثمن باجزاء المثمن على الإشاعة- لا أن المنزل عليه البيع قبل التلف مقابله المجموع بالمجموع من دون تعيين كونه على الإشاعة أو غيره، فإذا تلف احتجنا إلى التعيين فنحتاج إلى مرجح، ضرورة ظهور قصد المتعاملين بمقابلة أجزاء المبيع بأجزاء الثمن على الإشاعة، و كان الرجوع إليه في التلف و في العيب و في ظهور الاستحقاق و غير ذلك من المقامات، لابتناء العقد عليه، فظهر حينئذ أن المصحح للبيع هو المنزل عليه عند التلف، فحينئذ يبطل منه فيما نحن فيه على الإشاعة، إلا أنه إذا تراضيا على ما يتحقق به الزيادة في هذا الحال لم يتحقق الربا، لما عرفت من ظهور أدلته في الزيادة في نفس العقد.

و من هنا كان لا فرق عندنا في ذلك بين اشتمال كل من العوضين على جنسين مختلفين، و بين اشتمال أحدهما على ذلك و مقابلته بالزيادة، و إن كان يمكن منع فرض تحقق الزيادة في الأول على الجنس الواحد بعد فرض الإشاعة في الاجزاء، إلا بالتراضي منهما على ما يحصل به ذلك، و قد عرفت عدم البأس فيه عندنا، فلا يجب عليهما اختيار مالا يتحقق به ذلك تخلصا من الربا.

- أنه و إن تعاسرا في أفراده رجعا إلى القرعة أو الحاكم أو أن التخيير للبائع، لأن الثمن قد انتقل إليه بالعقد، و المستحق عليه إرجاع أمر كلي فيخير في أفراده أو للمشتري إذا لم يكن قد دفعه إلى البائع، أو غير ذلك مما لا يحتاج إليه بعد ما ذكرنا،

ج 23، ص: 396

و منه يعلم ما في خيرة السيد في الرياض من وجوب التقسيط بما لا يحصل معه الربا و اللَّه اعلم.

[التخلص من الربا]

و كيف كان فقد عرفت مشروعية الاحتيال في التخلص من الربا، نصا و فتوى إذ هو فرار من الباطل إلى الحق، و قد يتخلص من الربا أيضا بأن يبيع أحد المتبايعين سلعته من صاحبه بجنس غير جنسها، ثم يشتري من الآخر سلعته بالثمن الذي باع به سلعته، و حينئذ يسقط اعتبار المساواة، ضرورة عدم بيع كل منهما بالاخر حتى يشترط ذلك تخلصا من الربا، فلو باع مثلا وزنة من الحنطة بعشرة دراهم، ثم اشترى منه وزنتين بذلك صح.

و كذا لو وهبه أحدهما سلعته ثم وهبه الأخر الأخرى من غير معاوضة و إلا بنى الحال على اختصاص الربا بالبيع و عدمه، أو أقرض سلعته صاحبه، ثم أقرضه هو و تبارعا، و كذا لو تبايعا متساويا و وهبه الزيادة إلى غير ذلك مما يخرج عن بيع المجانس بمثله متفاضلا لكن قال المصنف هنا كل ذلك من غير شرط (11) و هو متجه في الأخير، ضرورة حصول الزيادة باشتراط هبة الزيادة، لما عرفت سابقا من تحقق الربا بالزيادة في العقد و لو حكما كاشتراط الأجل و نحوه، و في سابقه على إرادة القرض بشرط قرض الجنس الأخر، و التباري بعد ذلك، فإن الظاهر تحقق ربا القرض بمثل ذلك، بل في الهبة بشرط الهبة، بناء على عموم الربا للمعاوضات، إذ الظاهر كون ذلك من الهبة المعوضة، أما الأول و هو البيع بثمن مخصوص مشترطا عليه بيع الجنس الأخر بذلك الثمن، فلا أرى به بأسا، لوجود مقتضى الصحة، و عدم المانع، فإن أراد المصنف ما يشمل ذلك، كان محلا للنظر، فتأمل.

و كيف كان فلا يناقش في هذه الحيل- بعدم قصد هذه الأمور أولا و بالذات، و من المعلوم تبعية العقود للقصود- لاندفاعها بالمنع من عدم القصد، بل قصد التخلص من الربا المتوقف على قصد الصحيح من البيع و القرض و الهبة و غيرها من العقود كاف في حصول

ج 23، ص: 397

ما يحتاج إليه البيع من القصد، إذ لا يشترط في القصد الى عقد قصد جميع الغايات المترتبة عليه، بل يكفى قصد غاية من غاياته، و اللَّه أعلم.

المسألة السابعة لا ريب في أن مقتضى ما دل على حرمة الربا و فساد المعاملة المشتملة عليه، وجوب رد الزيادة خاصة، المأخوذة بالقرض و نحوه، ضرورة بقاؤها على ملك المالك، معينة أو مشاعة، فحكمها حكم غيرها من الأمور التي للغير، في الرد و الصدقة و نحوهما من مسائل الاشتباه للمال و الصاحب أولهما، مما هو مقرر في كتاب الخمس و غيره من محاله، من غير فرق في ذلك بين العلم و الجهل.

و أما لو كان الربا في عقد المعاوضة، فالمتجه حينئذ فساد المعاملة فيبقى كل من العوضين على ملك صاحبه لا الزيادة خاصة، إذ الفرق بينه و بين القرض واضح، و حينئذ يجري فيه ما يجري في باقي المعاملات الفاسدة، من غير فرق أيضا بين العالم و الجاهل إلا في الإثم و عدمه، إذا كان غير مقصر في البحث و التفحص، و لو لأنه غير متنبه، إلا أن الأصحاب هنا لم يفرقوا بين الموضوعين، فأطلقوا وجوب رد الزيادة إذا كان حال تناولها عالما بالتحريم، بل نفى بعضهم عنه الخلاف فيه، بل عن المقداد و الكركي الإجماع عليه، و هو الحجة مضافا إلى ما سمعت، قيل: و إلى قوله تعالى (1)«وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ» و غيرها من الآيات الأخر الناصة هي كالروايات بحرمة الربا الذي هو الزيادة لغة، الموجبة لعدم الملكية، فيلزم الرد مع معرفتها قدر أو معرفة الصاحب بالضرورة، قلت قد عرفت أن مقتضاها ذلك في الربا في نحو القرض: أما البيع فالفساد، و على كل حال فالمتجه حينئذ كونه كغيره من الأموال المحترمة، في التصدق به عن المالك إذا لم يتمكن من معرفته، و

غير ذلك مما هو مقرر في محله، نعم خلت نصوص المقام التي ستسمعها مع أنها في مقام البيان، عن ذكر الحكم بإخراج الخمس لو كان مختلطا بالحلال، و لم يعرف المقدار و لا الصاحب، بل ظاهر بعضها حل الجميع، و لكن لم يعمل بها الا نادر من الطائفة، و مع ذلك فظاهر سياقها الجهل بالحرمة خاصة،


1- 1 سورة البقرة الآية- 279.

ج 23، ص: 398

فالعمل بالنصوص (1)المتقدمة في مبحث الخمس العامة لما نحن فيه المفتي بها في المقام أيضا أقوى منها، و إن كانت خاصة، و إن كان جاهلا بالتحريم لخطأ في التقليد أو الاجتهاد أو غيرهما، فالمعروف بين المتأخرين بل في الدروس نسبته إليهم، أنه كالعالم في وجوب الرد من غير فرق بين تلف العين و بقائها، لإطلاق ما دل على حرمة الربا مما هو صريح في عدم انتقاله عن المالك، و العذر في الحكم التكليفي لا ينافي الفساد الذي هو الحكم الوضعي، و حينئذ فيجري فيه ما قلناه في العالم، في ربا القرض و ربا البيع، و قوله تعالى (2)«وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ» خلافا للنهاية و النافع و الدروس و الحدائق و الرياض و محكي الصدوق و الراوندي و الآبي و القطيفي و الأردبيلي؛ فلم يوجبوا الرد؛ بل عن التنقيح نسبته إلى الشيخ و أتباعه، بل قيل أنه ظاهر الطبرسي أو صريحه و كأنه مال إليه في التحرير و حواشي الشهيد، و لا فرق

في ذلك بين وجود المال و تلفه، كما عن نهاية الاحكام التصريح به.

نعم ظاهر هم اشتراط ذلك بالانتهاء عما مضى، بأن يتوب عما سلف، و صرح في الحدائق بصحة المعاملة في هذا الحال، و لعله مراد الباقين، إذ الحكم بعدم وجوب الرد مع القول بفساد المعاملة في غاية البعد. نعم قد يقال أن محل كلامهم في ربا القرض و نحوه مما تخص الحرمة الزيادة لا مطلق العوض، إلا أن إطلاقهم مناف له.

و كيف كان فالعمدة في ذلك بعد الأصل قيل و استصحاب الحكم حال الجهل إلى ما بعد المعرفة، و اختصاص أدلة حرمة الربا كتابا و سنة- للتبادر من السياق و قاعدة التكليف- بصورة العلم، خصوصا الآية المزبورة التي هي (3)«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ» مؤيدا بما حكي من سبب النزول، أن


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب الخمس.
2- 2 سورة البقرة الآية 279.
3- 3 سورة البقرة الآية 279.

ج 23، ص: 399

الوليد بن المغيرة كان يربى في الجاهلية، و قد بقي له بقايا على ثقيف فأراد خالد المطالبة بها بعد ما أسلم، فنزلت الآية قوله تعالى (1)«فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ» المفسر في ظاهر المحكي عن الطبرسي بأن له ما أخذ و أكل من الربا قبل النهي، و

لا يلزمه رده كالمحكي عن الراوندي في تفسيرها بأن له ما أكل و ليس عليه رد ما سلف، إذا لم يكن علم أنه حرام، مستدلا عليه ب

قول أبى جعفر عليه السلام (2)«من أدرك الإسلام و تاب عما كان عمله في الجاهلية وضع اللَّه عنه ما سلف»

فمن ارتكب ربا بجهالة. و لم يعلم أن ذلك محظور، فليستغفر اللَّه في المستقبل، و ليس عليه فيما مضى شي ء، و متى علم أن ذلك حرام أو تمكن من علمه فكلما يحصل له من ذلك محرم عليه و يجب عليه رده إلى صاحبه.

ثم قال: قال السدي: له ما سلف له ما أكل، و ليس عليه رد ما سلف، فأما من لم يقبض بعد فليس له أخذه، و له رأس المال، لكن عن الطبرسي أنه روى الخبر المزبور إلى قوله تعالى «فَلَهُ ما سَلَفَ» فيحتمل أن يكون ما بعده من كلام

الراوندي، و في الصحيح (3)«دخل رجل على أبي جعفر عليه السلام من أهل خراسان قد عمل بالربا حتى كثر ماله ثم إنه سأل الفقهاء فقالوا ليس يقبل منك شي ء إلا أن ترده إلى أصحابه، فجاء إلى أبي جعفر عليه السلام، فقص عليه قصته، فقال له أبو جعفر عليه السلام: مخرجك من كتاب اللَّه عز و جل» فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ» و الموعظة التوبة.

و قد فسرت الموعظة بالتوبة؛ في صحيح ابن مسلم (4)الآخر أيضا عن أحدهما عليه السلام

و في المروي عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى (5)عن أبيه «قال إن رجلا أربى دهرا من الدهر؛ فخرج قاصدا إلى أبي جعفر عليه السلام يعنى الجواد فقال له: مخرجك


1- 1 سورة البقرة الآية 275.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 479.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب الربا الحديث- 7-.
4- 4 تفسير العياشي ج 1 ص 152.
5- 5 الوسائل الباب- 5- من أبواب الربا الحديث 10-.

ج 23، ص: 400

من كتاب اللَّه «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ و الموعظة هي التوبة، لجهله بتحريمه ثم معرفته به، فما مضى فحلال، و ما بقي فليتحفظ»

و نحوه ما عن فقه الرضا عليه السلام (1)راويا له عن أبى جعفر عليه السلام

و في صحيح هشام (2)«سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل يأكل الربا و هو يرى أنه حلال، قال: لا يضره حتى يصيبه متعمدا فإذا أصابه متعمدا فهو بالمنزل الذي قال اللَّه عز و جل»

ك

قوله، عليه السلام في صحيح الحلبي (3)«كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة.

و قال: لو أن رجلا ورث من أبيه ما لا و قد عرف أن في ذلك المال ربا، و لكن قد اختلط في التجارة بغيره حلالا، كان حلالا طيبا، فليأكله، و إن عرفت منه شيئا معزولا أنه ربا فليأخذ رأس ماله و يرد الربا، و أيما رجل أفاد مالا كثيرا فيه الربا فجهل ذلك، ثم عرفه فأراد أن ينزعه، فما مضى فله، و يدعه فيما يستأنف»

و قال أيضا

في صحيح الحلبي الآخر(4): «أتى رجل أبي فقال: إني ورثت مالا و قد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربى و قد اعترف به و استيقن ذلك، و ليس يطيب لي حلاله؛ لحال علمي به، و قد سألت الفقهاء من أهل العراق و أهل الحجاز فقالوا: لا يحل أكله من أجل ما فيه، فقال أبو جعفر عليه السلام: إن كنت تعلم بأن فيه مالا معروفا ربا و تعرف أهله؛ فخذ رأس مالك و رد ما سوى ذلك؛ و إن كان مختلطا، فكله هنيئا فإن المال مالك، و اجتنب ما كان يصنع صاحبه، فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله قد وضع ما مضى من الربا و حرم عليهم ما بقي، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه، فإذا عرف تحريمه حرم عليه، و وجب عليه فيه العقوبة إذا ارتكبه، كما يجب على من يأكل الربا.

و

سأل الصادق عليه السلام (5)أيضا أبوا الربيع الشامي «عن رجل أربى بجهالة ثم أراد أن يتركه فقال أما ما مضى فله و ليتركه فيما

يستقبل، ثم قال: إن رجلا أتى أبا جعفر عليه السلام فقال:


1- 1 فقه الرضا ص 77.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب الربا الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب الربا الحديث- 2 باختلاف يسير.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من أبواب الربا الحديث- 3 باختلاف يسير.
5- 5 الوسائل الباب- 5- من أبواب الربا الحديث- 4 باختلاف يسير.

ج 23، ص: 401

إنى ورثت مالا، و قد علمت أن صاحبه كان يربى و قد سألت فقهاء أهل العراق و فقهاء أهل الحجاز فذكروا أنه لا يحل أكله، فقال أبو جعفر عليه السلام: إن كنت تعرف منه شيئا معزولا و تعرف أهله و تعرف أنه ربا فخذ رأس مالك و دع ما سواه و إن كان المال مختلطا فكله هنيئا مريئا، فإن المال مالك، و اجتنب ما كان يصنع صاحبك، فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله قد وضع ما مضى من الربا، فمن جهله وسعه أكله، فإذا عرفه حرم أكله، فإن أكله بعد المعرفة وجب عليه ما وجب على آكل الربا»

لكن لا يخفى عليك أن ما في جملة من هذه النصوص لا يطابق القول بالعفو مع الجهل مطلقا.

نعم ظاهرها منطبق على المحكي عن ابن الجنيد قال «من اشتبه عليه من الربا لم يكن له أن يقوم عليه إلا بعد اليقين بأن ما يدخل فيه حلال، فإن قلد فيه غيره، أو استدل فأخطأ، ثم تبين له أن ذلك ربا لا تحل له، فإن كان معروفا رده على صاحبه، و تاب إلى اللَّه، و إن اختلط بماله حتى لا يعرفه، أو ورث مالا يعلم أن صاحبه كان يربى، و لا يعلم الربا بعينه فيعزله، جاز له أكله و التصرف فيه، إذا لم يعلم فيه الربا.

اللهم إلا أن يدعى ظهور صحيح الحلبي منها المشتمل على تعليل حل أكل الربا المختلط بوضع الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم ما مضى منه، في أن المراد بما مضى نفس الربا في حالة الجهل مطلقا؛ و منه حينئذ يظهر صحة تفسير الآية بما عرفت، كما هو أيضا ظاهرها.

و بالجملة فيحمل الأمر بالرد حينئذ مع التميز و العزل لذلك على الاستحباب، و أما الجمع- بحمل الأمر على ظاهره، و تقييد الأدلة المتقدمة الدالة على إطلاق الإباحة بصورة الخلط- فيدفعه عدم التكافؤ بسبب الكثرة و الاعتضاد بفتوى من عرفت، مضافا إلى ظهور سياق المعتبرة في عموم الإباحة حتى لصورة التمييز و المعرفة، فلا ريب حينئذ في أولوية صرف الأمر عن ظاهره إلى الاستحباب من ذلك هذا.

و لكن لا يخفى أنه لا يصلح للفقيه الجرية بمثل هذه النصوص التي لا يخفى عليك اضطرابها في الجملة، و ترك الاستفصال فيها عن الربا أن صاحبه كان جاهلا بحرمته أو عالما،

ج 23، ص: 402

و الأمر فيها بالتوبة مع عدم الذنب حال الجهل الذي يعذر فيه، بل قد اشترط في الآية الحل بها و حمله على الجهل الذي لا يعذر فيه، ينافيه ما في خبر الباقر عليه السلام(1)

السابق من إلحاق مثله بالعالم و ترك الاستفصال فيها عن الربا في القرض و البيع، و قد عرفت الفرق بينهما، و غير ذلك على مخالفته الضوابط السابقة، و الاقدام على حل الربا الذي قد ورد فيه من التشديد ما ورد.

و قد نزه ابن إدريس حمل كلام الشيخ على ذلك، فضلا عن النصوص، فإنه بعد أن حكى عن الشيخ في النهاية قوله «فمن ارتكب الربا بجهالة و لم يعلم أن ذلك محظور فليستغفر اللَّه، و ليس عليه فيما مضى شي ء؛ و متى علم أن ذلك حرام ثم استعمله فكل ما يحصل له من ذلك محرم عليه، و يجب رده على صاحبه، قال: «المراد بذلك ليس عليه شي ء من العقاب بعد استغفاره، لا أن المراد بذا أنه ليس عليه شي ء من رد المال الحرام، بل يجب عليه رده إلى صاحبه بقوله تعالى (2)«وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ» فأما قوله (3)«فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ» إلى آخره فالمراد و اللَّه أعلم فله ما سلف من الوزر و غفران الذنب، و حق القديم سبحانه بعد انتهائه و توبته، لأن إسقاط الذنب عند التوبة تفضل عندنا، بخلاف ما يذهب إليه المعتزلة.

و قيل في التفسير ذكره شيخنا في التبيان،(4)و غيره من المفسرين، أن المراد بذلك ما كان في الجاهلية من الربا بينهم فقال «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ» فأما ما يجرى من المسلم فيجب رده على صاحبه، سواء كان جاهلا بحاله؛ غير عالم بأنه محرم، أو كان عالم بذلك، فإنه يجب رد الربا على من

أربى عليه من المسلمين جميعا، فلا يظن ظان و لا يتوهم متوهم على شيخنا فيما قال: غير ما حررناه، و تبعه في حمل الآية و بعض النصوص على أحد الأمرين العلامة في المختلف.


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب الربا الحديث- 7.
2- 2 سورة البقرة الآية 279 ص 275.
3- 3 سورة البقرة الآية 279 ص 275.
4- 4 تفسير تبيان ج 2 ص 360 المطبوع في النجف الأشرف.

ج 23، ص: 403

يمكن و حمل بعض النصوص على العلم بأن الميت كان يربى و إن لم يعلم في خصوص المال منه شيئا، و على أنه مجهول المالك، و قد أباحه الإمام عليه السلام له أو على أنه من الشبهة الغير المحصورة أو غير ذلك، بل في المحكي عن كشف الرموز أنه يمكن أن يقال أن من ادعى اليوم في الإسلام جهالة تحريم الربا لا يسمع منه، فيحمل النص و الفتوى على أول الإسلام، و قد حكاه هو أيضا عن صاحب الشرائع.

قلت: لا يخفى قوة كون المراد بالآية العفو عما سلف في حال الجاهلية، نحو قوله تعالى «وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ» و غيره مما هو وارد مورده، و من هنا ادعى الفاضل المقداد في المحكي عن كنزه صراحة الآيتين في أنه لا يجب رد الربا مع الجهل السابق على نزول التحريم، ثم قال: «إنه قرار يجب الرد مع الجهل و العلم، ثم إنه جمع بين الكلامين بأنه لا يجب على الكافر رد ما أخذ حال كفره، إلا أن يكون عينه موجودة، و أما المسلم فيجب عليه الرد مطلقا، سواء علم بالتحريم أو لم يعلم، و إن كان قد يناقش فيه بأن الظاهر عدم وجوب الرد على الكافر و إن كانت العين موجودة.

نعم ليس له قبضه كما أنه قد يناقش في وجوب الرد على المسلم بعد تلف العين، لإمكان القول بأنه قد سلطه المالك عليها، بل قال بعض مشايخنا في تأييد القول بالعفو مع الجهل، إن الدافع قد أباح للقابض هذه الزيادة، لأنه إن كان عالما فظاهر، و إن كان جاهلا فكذلك، لأنه دفعها على التراضي مبيحا لها، غاية ما في الباب أنها لو بقيت و أراد الرجوع بها رجع، و ليس هذا التراضي منوطا بوجه مخصوص، حتى يكون كالتراضي في العقد الفاسد، فتكون الإباحة مشروطة بصحة العقد، في الواقع و سلامة المقابل، و صريحه أن القائل بالعفو معترف بالفساد في هذا الحال، خلاف ما سمعته سابقا من صاحب الحدائق.

لكن فيه أن القول بالعفو عنه أشد مخالفة للقواعد و الضوابط خصوصا في ربا البيع

ج 23، ص: 404

و من الغريب دعوى عدم تقييد الإباحة بذلك، و الفرض أنه ما دفعه إليه إلا بعنوان الاستحقاق بالمعاملة الربوية، و منه ينقدح دفع المناقشة الأخيرة، و أن المتجه الضمان مطلقا مع وجود العين و تلفها، كما حكاه في الدروس عن المتأخرين و هو كذلك، و قد بان لك من ذلك كله أنه لا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى اجتناب ذلك كله، على أن النصوص المزبورة ظاهرة في معذورية من تناول الربا جهلا، و هو شامل لما إذا كان الطرف الأخر عالما مع أن المعاملة حينئذ فاسدة قطعا، لحرمة الربا و فساد المعاملة بالنسبة إلى العالم، و ذلك يقتضي فسادها بالنسبة إلى الجاهل، فلا بد من التزام أمور عظيمة حينئذ بالنسبة إلى حل مال الغير في يد الأخر و عدم جواز أخذه لمالكه مع وجود عينه، و غير ذلك مما يصعب التزامه، و أيضا الجاهل الغير المعذور الذي قد تاب، مندرج في قوله تعالي (1)«وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ» و منه ينقدح الإشكال في النصوص المزبورة المشتملة على تفسير الموعظة بالتوبة مضافا إلى ظهور الآية و غيرها أن المراد «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى » أي امتثل ما جاء من ربه من النهي فهو ظاهر في أول النزول و اللَّه العالم.


1- 1 سورة البقرة الآية 275.

ج 23، ص: 405

إلى هنا تم الجزء الثالث و العشرون من كتاب جواهر الكلام بحمد اللَّه و المنة و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و مقابلته للنسخة المصححة على النسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه و يتلوه الجزء الرابع و العشرون إن شاء اللَّه تعالى في بيع الصرف و أحكامه.

على الآخوندى

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.