جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد20

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج20، ص: 1

اشارة

ج20، ص: 2

ج20، ص: 3

[تتمة القسم الأول في العبادات ]

[تتمة كتاب الحج ]

[تتمة ثلاثة أركان ]

[تتمة الركن الثاني في أفعال الحج ]
[القول في الأحكام المتعلقة بمنى بعد العود]
اشاره

القول في الأحكام المتعلقة بمنى بعد العود ف اعلم أنه إذا قضى الحاج ما عرفته من مناسكه بمكة من طواف الزيارة و السعي و طواف النساء فالواجب العود إلى منى للمبيت بها، و يجب عليه أن يبيت بها ليلتي الحادي عشر و الثاني عشر مطلقا و الثالث عشر على تفصيل تسمعه إنشاء الله بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن أكثر العامة موافقتنا عليه، مضافا الى النصوص التي إن لم تكن متواترة فهي مقطوعة المضمون، منها

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1)«لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى، فان بت في غيرها فعليك دم، و إن خرجت أول الليل فلا ينتصف لك الليل إلا و أنت بمنى إلا أن يكون

شغلك بنسكك أوقد خرجت من مكة و إن خرجت نصف الليل فلا يضرك أن تصبح بغيرها، قال: و سألته عن رجل زاد عشاء فلم يزل في طوافه و دعائه في السعي بين الصفا و المروة حتى يطلع الفجر قال. ليس عليه شي ء كان في طاعة الله تعالى»

و غيره من النصوص، بل في

المروي من طرق العامة عن ابن عباس (2)«انه لم يرخص النبي (صلى الله عليه و آله) لأحد أن يبيت بمكة إلا للعباس من أجل سقايته»

نحو

المروي عن العلل بسنده عن مالك بن أعين (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «ان العباس استأذن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يبيت بمكة ليالي منى فأذن له رسول الله (صلى الله عليه و آله) من أجل سقاية


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 9.
2- 2 سنن البيهقي ج 5 ص 153.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 21.

ج 20، ص: 4

الحاج»

فما عن تبيان الشيخ من القول باستحباب المبيت نادر كالمحكي عن الطبرسي من القول باستحباب جميع مناسك منى السابقة و اللاحقة، و قد تقدم سابقا بعض الكلام في ذلك، و يمكن أن يكون نحو المحكي عن بعض الكتب من جعله المبيت من السنة أو حصر واجبات الحج في غيره أو الحكم بأنه إذا طاف للنساء تمت مناسكه أو حجه أو نحو ذلك مما لا ينافي الوجوب و لو من جهة السنة و كونه خارجا عن الحج، و إن حكي عن الحلبي التصريح بكونه من مناسكه، قيل: و لذا اتفقوا على وجوب الفداء لو أخل به، و إن كان فيه أن ذلك لا ينافي خروجه عن الحج.

و كيف كان فتجب فيه النية التي هي الأصل في كل مأمور به، و قد نص عليه في الدروس و غيرها، و لكن عن اللمعة الحلية أنه يستحب، و ضعفه واضح، نعم يكفي فيها الداعي الذي قد تكرر لك ذكره و إن كان المحكي عن الفخرية ينوي أنه يبيت هذه الليلة بمنى لحج المتمتع حج الإسلام مثلا قربة الى الله تعالى، إذ يمكن إرادته تحليل الداعي، و حينئذ فإن أخل بالنية عمدا اثم، و في الفدية وجهان كما في المسالك بل نفي فيها البعد عن عدم الفدية، و لعله للأصل و عدم معلومية شمول إطلاق ما دل على لزوم الفدية بترك المبيت لمثله لانصرافه بحكم التبادر الى الترك الحقيقي لا الحكمي، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

[في لزوم الشاة لكل ليلة بات بغير منى ]

و على كل حال فلو بات الليلتين بغيرها كان عليه عن كل ليلة شاة وفاقا للمشهور، بل عن صريح الخلاف و الغنية و غيرهما و ظاهر المنتهى و غيره الإجماع عليه، و ما عن المقنعة و الهداية و المراسم و الكافي و جمل العلم و العمل- من أن على من باب ليالي منى بغيرها دما نحو صحيح

ج 20، ص: 5

معاوية(1)السابق و ما تسمعه في صحيح علي بن جعفر(2)محمول على إرادة الجنسية لا إرادة التسوية بين ليلة و ليلتين و ثلاث، أو لا يجب الدم إلا بثلاث و إلا كان محجوجا بما عرفت و بعض المعتبرة الدالة على أصل الحكم، منها صحيح معاوية السابق الذي قيل مقتضى إطلاقه وجوب الشاة ليلة، فلليلتين شاتان، و إن كان فيه نظر، إلا أنه لا بأس به جمعا بينه و بين ما دل على ذلك من النص و معاقد الإجماعات و غير ذلك، و

خبر جعفر بن ناجبة(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن بات ليالي منى بمكة قال: عليه ثلاث من الغنم يذبحهن»

و صحيح صفوان (4)عنه (عليه السلام) أيضا أو عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألني بعضهم عن رجل بات ليلة من ليالي منى بمكة فقلت لا أدري، فقلت له جعلت فداك ما تقول فيها. قال: عليه دم إذا بات، فقلت إن كان حبسه شأنه الذي كان فيه من طوافه و سعيه لم يكن لنوم و لا لذة عليه شي ء مثل ما على هذا، قال: ليس هذا مثل هذا، و ما أحب أن ينشق له الفجر إلا و هو في منى»

و صحيح علي بن جعفر(5)عن أخيه (عليه السلام) «عن رجل بات بمكة في ليالي منى حتى أصبح قال: إن كان أتاها نهارا فبات فيها حتى أصبح فعليه دم يهريقه»

بناء على إرادة الجنس من الدم لا الوحدة، و عن

قرب الإسناد روايته بزيادة «و إن كان خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس عليه شي ء»

و صحيح جميل (6)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «زار فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم، و إن كان قد خرج منها فليس عليه شي ء و إن أصبح دون


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 5 عن أبي الحسن عليه السلام.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 16.

ج 20، ص: 6

منى»

و خبر علي (1)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «سألته عن رجل زار البيت فطاف بالبيت و بالصفا و المروة ثم رجع فغلبته عيناه في الطريق فنام حتى أصبح قال:

عليه شاة»

الى غير ذلك.

لكن في

صحيح العيص بن القاسم (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى قال: ليس عليه شي ء و قد أساء»

و صحيح سعيد بن يسار(3)«قلت له أيضا: فاتتني ليلة المبيت بمنى من شغل قال لا بأس»

بعد قصورهما عن المعارضة من وجوه، فلا بأس بطرحهما أو حملهما على التقية المفهومة من الصحيح السابق أو غير ذلك مما لا ينافي الأول.

ثم إن إطلاق النص و الفتوى يقتضي ما صرح به بعض من عدم الفرق في ذلك بين الجاهل و الناسي و المضطر و غيرهم على إشكال في الأخير، بل قيل إن فيه وجهين، أظهرهما العدم، للأصل و انتفاء العموم في النصوص، و لأن الفدية كفارة عن ترك الواجب، و لا وجوب عليه، و فيه أن الأصل مقطوع بالإطلاق الذي هو بمنزلة العموم، و لعل الفدية جبران لا كفارة، نعم قد يقال بانسياق غير المضطر من الإطلاق المزبور، إلا أن الأحوط ثبوتها، بل عن الحواشي المنسوبة للشهيد أنه لا شي ء على الجاهل، و ربما مال اليه بعض الناس قال: و يمكن حمل خبري العيص و سعيد السابقين عليه، بل لولا تخيل الإجماع على هذا الحكم لأمكن القول بمضمونهما و حمل ما تضمن لزوم الدم على الاستحباب و إن كان هو كما ترى بعد ما سمعت من قصورهما عن المعارضة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 12.

ج 20، ص: 7

من وجوه نحو النصوص (1)الدالة على عدم شي ء عليه لو خرج من مكة و إن نام في الطريق اختيارا أو أصبح دون منى التي منها ما سمعته في صحيح جميل (2)السابق و

حسن هشام بن الحكم (3)أو صحيحه «إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاور بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شي ء عليه»

و صحيح محمد بن إسماعيل (4)عن أبي الحسن (عليه السلام) «في الرجل يزور فينام دون منى فقال: إذا جاوز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام»

المحكي عن أبي علي و الشيخ في كتابي الأخبار الفتوى به، و

خبر عبد الغفار الجازي (5)سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل خرج من منى يريد البيت فأصبح بمكة قال: لا يصلح له حتى يتصدق بها صدقة أو يهريق دما»

و خبر أبي البختري (6)المروي عن الحميري في قرب الإسناد عن الصادق (عليه السلام) «في رجل أفاض الى البيت فغلبته عيناه حتى أصبح قال: لا بأس عليه و يستغفر الله و لا يعود»

إلا أنه- مع الطعن في سند بعضها و لا جابر بل و الدلالة إذ لم نجد من أفتى بشي ء منها عدا ما سمعته من أبي علي و الشيخ في كتابي الأخبار- لا تقاوم تلك النصوص المعتضدة بالعمل، و إن توقف لأجلها في المدارك حتى قال: إن المسألة قوية الإشكال، بل في الرياض «لا يخلو القول بها عن قوة إن لم ينعقد الإجماع على خلافه، لوضوح دلالتها مضافا الى صحتها و كثرتها و موافقتها الأصل مع عدم وضوح معارض لها إلا إطلاق بعض الصحاح السابقة

و يقبل التقييد بها، و خبر علي بن إبراهيم السابق (7)و في سنده ضعف، و يحتمل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 0.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 17.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 15.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 14.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 22.
7- 7 لم يتقدم لعلي بن إبراهيم خبر، و الظاهر انه سهو من قلم الناسخ و الصحيح خبر علي عن أبي إبراهيم عليه السلام المتقدم في ص 6.

ج 20، ص: 8

تقييد الطريق فيه بطريق في حدود مكة لا خارج عنها، و لا بعد فيه سيما بعد ملاحظة الصحيح السابق» لكن لا يخفي عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه سيما عمل الأصحاب.

و حينئذ فالمتجه وجوب الشاة على من بات في غيرها و لو الطريق إلا ان يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة كما هو المشهور، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1)«إذا فرغت من طوافك للحج و طواف النساء فلا تبت إلا بمنى إلا أن يكون شغلك في نسكك»

و صحيحه الآخر(2)أيضا المتقدم آنفا الذي مقتضى قوله (عليه السلام) فيه: «ليس عليه شي ء كان في طاعة الله عز و جل»

العموم لكل عبادة واجبة أو مندوبة، خلافا للمحكي عن ابن إدريس فأوجب الدم للعموم المخصص بما عرفت، بل قيل مقتضاه أيضا ما نص عليه الشهيدان من لزوم استيعاب الليل إلا ما يضطر اليه من غداء أو شرب أو نوم يغلب عليه، و إن كان فيه منع واضح باعتبار كون ذلك في سئواله، اللهم إلا أن يكون لقاعدة الاقتصار على المتيقن فيما خالف ما دل على وجوب الدم، و لعل وجه استثناء الأولين حملا لإطلاق النص على الغالب بل لعل الثالث أيضا

كذلك، و احتمل في الدروس كون القدر الواجب ما كان يجب عليه بمنى، و هو أن يتجاوز نصف الليل، و لكنه كما ترى أيضا.

نعم له المضي في الليل إلى منى كما صرح به غير واحد، لظاهر النصوص السابقة، بل قد يستفاد من

صحيح صفوان (3)السابق كراهية عدم العود إليها إلى الصبح، لقوله (عليه السلام) فيه: «و ما أحب أن ينشق الفجر له إلا و هو بمنى»

كقول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح ابن مسلم (4)«إذا خرجت من منى قبل غروب


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 3.

ج 20، ص: 9

الشمس فلا تصبح إلا بمنى»

و نحوه صحيح جميل (1)عن الصادق (عليه السلام)،

و في صحيح العيص (2)عنه (عليه السلام) أيضا «ان زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح إلا و هو بمنى»

بل قد تومئ هذه النصوص إلى إدراك المبيت بمنى بذلك فلا تجب الشاة حينئذ إلا بالمبيت تمام الليل في غيرها، و لكن لم أجد من أفتى به.

[في جواز الخروج من منى بعد نصف الليل ]

بل اقتصروا في الاستثناء على الاشتغال بالنسك أو يخرج من منى بعد نصف الليل و لم يدخل مكة إلا بعد الفجر بلا خلاف أجده فيه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الغفار الجازي(3): «فإن خرج من مني بعد نصف الليل لم يضره شي ء»

و في

خبر جعفر بن ناجية(4)«إذا خرج الرجل من منى أول الليل فلا ينتصف له الليل إلا و هو بمنى، و إذا خرج بعد النصف الليل فلا بأس أن يصبح بغيرها»

و في

صحيح العيص (5)«ان زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح إلا و هو بمنى، و إن زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح و هو بمكة»

بل قد يدل عليه أيضا صحيح معاوية السابق(6).

بل صريح بعض هذه النصوص و ظاهر غيره كالفتاوى جواز دخول مكة قبل الفجر، خلافا للمحكي عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و الجامع من أنه إذا خرج من منى بعد الانتصاف فلا يدخل مكة قبل الفجر، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله و قيل بشرط ان لا يدخل مكة إلا بعد طلوع الفجر و لكن لم نعرف له مأخذا معتدا به كما اعترف به في الدروس


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 19.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب العود إلى منى الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 14.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 20.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 9.

ج 20، ص: 10

و إن قيل لعلهم استندوا الى ما مر من الأخبار الناطقة بأن الخارج من مكة ليلا إلى منى يجوز له النوم في الطريق إذا جاز بيوت مكة، لدلالتها على أن الطريق في حكم منى، فيجوز أن يريدوا الفضل لما مر من أن الأفضل الكون الى الفجر و الوجوب اقتصارا على اليقين، و هو جواز الخروج بعد الانتصاف من منى لا مما هو في حكمها: و لا يعارضه ما في قرب الاسناد من

قول الكاظم (عليه السلام) لعلي بن جعفر(1): «و إن كان خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس عليه شي ء»

و لا صحيح العيص (2)المتقدم لاحتمالهما، بل يمكن أن يكونوا استظهروا منهما ما ذكروه، إلا أنها كما ترى مجرد تهجس لا يصلح مدركا فضلا عن أن يعارض ما عرفت.

و على كل حال يكون القدر الواجب من المبيت بناء على ما عرفت هو الكون بها ليلا حتى يتجاوز نصف الليل، بل في الرياض «أن ظاهر الأصحاب انحصاره في النصف الأول فأوجبوا عليه الكون بها قبل الغروب الى النصف الثاني» بل صرح به ثاني الشهيدين في المسالك و الروضة، و زاد وجوب مقارنة النية لأول الليل، نعم قد يستفاد من خبر ابن ناجية(3)و خبر معاوية(4)السابقين تساوي نصفي الليل في تحصيل

الامتثال كما عن الحلبي، بل قد عرفت سابقا أن أقصى ما يستفاد من النصوص ترتب الدم على مبيت الليالي المذكورة في غير منى بحيث يكون خارجا عنها من أول الليل الى آخره كما اعترف به بعض، و استحسنه أخر إلا أن الشهرة بين الأصحاب إن لم يكن الإجماع على الوجه المزبور يجبر دلالة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 23.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 20.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 8.

ج 20، ص: 11

الأخبار عليه، بل في كشف اللثام نفي الاشكال عن وجوب استيعاب النصف من الليل أو كله، و أنه لا يكفي المسمى، مضافا الى الاحتياط.

بل الأفضل الكون بها الى الفجر كما صرح به غير واحد، لما سمعته من النصوص، بل ظاه

ر خبر أبي الصباح (1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الدلجة إلى مكة أيام منى و هو يريد أن يزور البيت قال: لا حتى ينشق الفجر كراهية أن يبيت الرجل بغير منى»

و عن الوسيلة التصريح بذلك، و إن قال الفاضل في محكي المختصر ان خبر الجازي (2)ينفيها و ان كان الأفضل المبيت بها الى الفجر، و مما ذكرنا يظهر لك انه لا وقع لما قيل من أن الكلام في أن الأصل أ هو المبيت جميع الليل فلا يستثنى منه إلا ما قطع باستثنائه، و يبقى الباقي على الوجوب أم الأصل الكون بها ليلا فلا يجب إلا ما قطع بوجوبه، و هو النصف، و هو مبني على معنى البيتوتة؟

فعن الفراء «بات الليل كله إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية» و في العين «البيتوتة دخولك في الليل، تقول: بت اصنع كذا إذا كان بالليل و بالنهار ظللت» و عن الزجاج «كل من أدرك الليل فقد بات» و عن ابن عباس «من صلى بعد العشاء الآخرة ركعتين فقد بات لله ساجدا و قائما» و في الكشاف في تفسير قوله تعالى (3)«وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً»: «البيتوتة خلاف الظلول، و هي أن يدركك الليل، نمت أو لم تنم و قالوا من قرأ شيئا من القرآن في صلاة و إن قل فقد بات ساجدا و قائما، و قيل هما الركعتان بعد المغرب و الركعتان بعد العشاء،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 14.
3- 3 سورة الفرقان الآية 65.

ج 20، ص: 12

و الظاهر أنه وصف لهم بإحياء الليل أو أكثره، يقال: يظل فلان صائما و يبيت قائما» و يجوز أن يكون انما استظهر هذا للمقام، و كلام المنتهى يعطى فهم الاستيعاب، لقوله لأن المتجاوز عن النصف هو معظم ذلك الشي ء، و يطلق عليه اسمه، قال امرء القيس.

فبات عليه سرجه و لجامه و بات بعين قائما غير مرسل.

و ظاهره الاستيعاب، ضرورة أن ذلك كله لا يوافق ما سمعت، بل يمكن دعوى الإجماع على عدم وجوب الاستيعاب و على عدم كفاية المسمى، فالأحوط و الأولى مراعاة ما سمعته من الأصحاب من الكون بها قبل الغروب الى نصف الليل.

هذا كله في المختارين، و أما ذوو الأعذار فلا أجد خلافا بين الأصحاب في جواز المبيت لهم بغير منى، و لعله لنفي الحرج في الدين، و فحوى الرخصة للرعاة و السقاية، فإن العامة روت ترخصهم (1)، و عن الخلاف و المنتهى نفي الخلاف عنه، و في

خبر مالك بن أعين(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) المروي عن كتاب العلل «ان العباس استأذن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يبيت بمكة ليالي منى، فأذن له رسول الله (صلى الله عليه و آله) من أجل سقاية الحاج»

و لعله لذا كان المحكي عن مالك و أبي حنيفة قصر الرخصة على أولاد عباس، و إن كان ذلك خصوصا من الثاني منهما الذي شرع القياس و غيره غريبا على أن مقتضى الجمود الاقتصار على العباس لا إلحاق أولاده به.

نعم ربما قيل إن للرعاة ترك المبيت ما لم تغرب الشمس عليهم بمنى، فان غربت وجب عليهم، بخلاف السقاة، لاختصاص شغل الرعاة


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 150 و 153.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى- الحديث 21.

ج 20، ص: 13

بالنهار بخلاف السقاة، بل عن التحرير و الدروس الفتوى بهذا الفرق، و في كشف اللثام و هو حسن، قلت: المدار على ارتفاع العذر و عدمه، و إلا فلو فرض احتياج الرعاة الى الرعي ليلا كان لهم ذلك و ان غربت الشمس لهم بمنى، و من هنا ألحقنا جميع ذوي الأعذار بهم، قال في محكي الخلاف: «و أما من له مريض

يخاف عليه أو مال يخاف ضياعه فعندنا يجوز له ذلك، لقوله تعالى (1)«ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» و إلزام المبيت و الحال ما وصفناه حرج، و للشافعي فيه وجهان» و نحوه عن المنتهى، بل قيل هو فتوى التحرير و الدروس و مقرب التذكرة، بل في الدروس و كذا لو منع من المبيت منعا خاصا أو عاما كنفر الحجيج ليلا، قال: «و لا إثم في هذه المواضع، و تسقط الفدية عن أهل السقاية و الرعاة، و في سقوطهما عن الباقين نظر» قلت: لعل الفرق ظهور خصوص.

الرخصة فيهما بذلك أما غيرهم فلعموم نفي الحرج الذي مقتضاه عدم الإثم دون الفدية التي عرفت سابقا ظهور النصوص (2)في وجوبها، و لا ريب في أنه الأحوط، و عن بعض العامة تعليل الفرق بأن شغل الأولين ينفع الحجيج عامة و شغل الباقين يخصهم، و لكنه كما ترى، و الله العالم.

[في لزوم الكفارة لو ترك المبيت بمنى ]

و كيف كان فقد قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و ابن إدريس بل في المدارك نسبته الى جمع من الأصحاب غيرهما لو بات الليالي الثلاث بغير منى لزمه ثلاث شياه لإطلاق منا سمعته من خبر جعفر بن ناجية، بل و غيره من النصوص و لكن هو محمول على من غربت عليه الشمس في الليلة الثالثة و هو بمنى أو من لم يتق الصيد


1- 1 سورة الحج الآية 77.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العود إلى منى.

ج 20، ص: 14

و النساء في إحرامه، لاختصاص وجوب مبيت الثالثة فيها بهما دون غيرهما كما ستعرف تحقيق الحال في الثاني منهما إنشاء الله، أما الأول فلا أجد فيه خلافا، بل عن المنتهى و ظاهر التذكرة الإجماع عليه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي(1): «فإن أدركه المساء بات و لم ينفر»

و في

خبر ابن عمار(2)«إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح»

و في

خبر أبي بصير(3)«فان هو لم ينفر حتى يكون غروبها فلا ينفر و ليبت بمنى، حتى إذا أصبح و طلعت الشمس فلينفر متى شاء»

بل قيل و لأن الآية(4)إنما سوغت التعجيل في يومين، و بالغروب ينقضي اليومان و إن كان فيه ما فيه، إلا أن ما تقدم كاف في إثبات المطلوب الذي هو وجوب المبيت عليه و إن كان متقيا للصيد و النساء.

و لو رحل فغربت قبل خروجه من منى فعن المنتهى لم يلزمه المقام على إشكال، و عن التذكرة الأقرب ذلك مستندا فيها إلى المشقة في الحط و الرحال، لكنه كما ترى لا يصلح معارضا لما سمعته من ظواهر النصوص، و لذا قال في الدروس الأشبه المقام، و تبعه في المسالك و غيرها ضرورة كون المراد بغروب الشمس هنا هو الغروب المعتبر في حل الصلاة و الإفطار، من غير فرق بين من تأهب للخروج و غربت عليه قبل أن يخرج و غيره، و بين من نفر و لم يتجاوز حدود منى و غيره، لصدق الغروب عليه بمنى، فإن أجزائها متساوية في وجوب المبيت بها.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب العود إلى منى- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب العود إلى منى- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب العود إلى منى- الحديث 4.
4- 4 سورة البقرة الآية 199.

ج 20، ص: 15

نعم لو خرج منها قبله ثم رجع بعده لأخذ شي ء نسيه مثلا لم يجب عليه المبيت، بل و كذا لو عاد لتدارك واجب عليه بها، و لو رجع قبل الغروب فغربت عليه بها ففي المسالك في وجوب الإقامة عليه وجهان و قرب العلامة الوجوب، و الوجهان آتيان في وجوب الرمي، قلت:

لا ريب في أن الأقوى الوجوب، كما أنه لا إشكال في الوجوب عليه لو غربت في أثناء التأهب كما عن المنتهى و التحرير الجزم به و إن قال في محكي التذكرة إنه أقرب، إلا أنه لا ريب في ضعف احتمال عدم الوجوب مع فرض كون رجوعه على غير الوجه الذي ذكرناه سابقا و

قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر علي (1): «في رجل بعث ثقله يوم النفر الأول و أقام هو الى الأخير انه ممن تعجل في يومين»

لا دلالة فيه على عدم وجوب المبيت على من خرج و غربت عليه الشمس قبل الخروج من حدود منى، فضلا عن غيره، و إن احتمله بعض الناس.

و على كل حال فلا يجب مبيت الثالثة إلا عليهما، و تجب الفدية حينئذ لو أخلا بها، بل ظاهر المصنف حمل القول المزبور على ذلك أيضا و لعله للإجماع و غيره على جواز النفر في اليوم الثاني عشر لغيرهما، فلا يجب مبيت و لا رمي في اليوم الثالث عشر، و الله العالم.

[في وجوب الرمي أيام التشريق ]

و يجب أن يرمي كل يوم من أيام التشريق اي الحادي عشر و الثاني عشر الجمار الثلاث كل جمرة بسبع حصيات بلا خلاف محقق أجده فيه كما اعترف به بعضهم، قال في محكي السرائر لا خلاف بين أصحابنا في كونه واجبا و لا أظن أحدا من المسلمين يخالف فيه، و إن الأخبار به متواترة، و في محكي الخلاف «الإجماع على وجوب الترتيب»


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العود إلى منى- الحديث 12.

ج 20، ص: 16

بين رمي الثلاث و تفريق الحصا و وجوب القضاء» و في محكي التذكرة و المنتهى لا نعلم فيه مخالفا،

قال الصادق (عليه السلام) في حسن ابن أذينة(1)«الحج الأكبر الوقوف بعرفة و رمى الجمار»

بل في خبر عبد الله بن جبلة(2)«من ترك رمي الجمار متعمدا لم تحل له النساء، و عليه الحج من قابل»

و إن كان هو محمولا على المبالغة في الوجوب، إذ لم نجد قائلا به كما اعترف به في محكي الذخيرة بعد أن نسبه الى الشذوذ.

بل و كذا يجب الرمي أيضا في اليوم الثالث عشر إن أقام ليلته فيها كما صرح به الفاضل و غيره، بل في كشف اللثام لعله لا خلاف فيه و لعله للتأسي و إطلاق بعض النصوص (3)و على كل حال فما عن التبيان من عده الرمي من المسنون محمول على إرادة ثبوت وجوبه بالسنة، و كذا ما عن الجمل و العقود في الكلام في رمي جمرة العقبة في يوم النحر أن الرمي مسنون، كما عن السرائر و المنتهى الاعتراف به، و الله العالم

[في وجوب الترتيب في الرمي ]

و يجب هنا زيادة على ما تضمنه شروط الرمي الترتيب، يبدأ بالأولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منه صريحا و ظاهرا. مستفيض كالنصوص التي منها

خبر معاوية بن عمار(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ارم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة، فابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل، و قل كما قلت يوم النحر،


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب العود إلى منى الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب العود إلى منى الحديث 5.
3- 3 المستدرك الباب- 5- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 12- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1 و ذيله في الباب 10 منها الحديث 2.

ج 20، ص: 17

ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد الله و أثن عليه وصل على النبي (صلى الله عليه و آله) ثم تقدم أيضا ثم افعل ذلك عند الثانية، و اصنع كما صنعت بالأولى، و تقف و تدعو الله كما دعوت، ثم تمضي إلى الثالثة و عليك السكينة و الوقار فارم و لا تقف عندها»

فإن الأمر بالبدأة و العطف بثم ظاهر في الترتيب، و نحوه غيره، مضافا الى التأسي.

و حينئذ ف لو رماها منكوسة عمدا أو جهلا أو سهوا أعاد على الوسطى و جمرة العقبة بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه تحصيلا لإيقاع المأمور به على وجهه، و في

صحيح معاوية أو حسنه (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل نسي رمي الجمار يوم النحر فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى قال: يؤخر ما رمى بما رمى و يرمي الجمرة الوسطى ثم جمرة العقبة»

أي يؤخر ما قدم رميه نسيانا و لو بقرينة

صحيحه الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له: الرجل يرمي الجمار منكوسة قال: يعيدها على الوسطى و جمرة العقبة»

و الله العالم.

[في وقت الرمي ]

و وقت الرمي للمختار ما بين طلوع الشمس الى غروبها وفاقا للمشهور، و لعله يرجع اليه ما في محكي الوسيلة «أن وقت الرمي طول النهار» و ما عن الإشارة أنه من أول النهار، خصوصا بعد ما عن بعض كتب أهل اللغة من كون النهار من طلوع الشمس الى الغروب، بل و ما عن رسالة علي بن بابويه أنه مطلق لك أن ترمي الجمار من أول النهار الى الزوال، و قد روي من أول النهار الى آخره بناء على العمل منه بما أرسله، و إلا كان مخالفا كالمحكي عن مقنع ولده «و ارم الجمار في كل


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب العود إلى منى الحديث 2 عن مسمع و فيه « في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني».
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب العود إلى منى الحديث 1.

ج 20، ص: 18

يوم بعد طلوع الشمس الى الزوال، و كلما قرب منه فهو أفضل» و من لا يحضره الفقيه مع زيادة الرواية المرسلة، و عن الغنية و الإصباح و الجواهر «أن وقته بعد الزوال» و في الخلاف «لا يجوز الرمي أيام التشريق إلا بعد الزوال، و قد روي رخصة قبل الزوال في الأيام كلها، و بالأول قال الشافعي و أبو حنيفة إلا أن أبا حنيفة قال: و إن رمى يوم

الثالث قبل الزوال جاز استحسانا، و قال طاوس: يجوز قبل الزوال في الكل، دليلنا إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط، فان من فعل ما قلناه لا خلاف أنه يجزيه و إذا خالفه ففيه الخلاف» و نحوه الجواهر.

و لا ريب في أن الأقوى الأول ل

صحيح منصور بن حازم و أبي بصير(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «رمى الجمار من طلوع الشمس الى غروبها»

و صحيح جميل (2)عنه (عليه السلام) أيضا في حديث «قلت له متى يكون رمى الجمار فقال:

من ارتفاع النهار الى غروب الشمس»

و صحيح زرارة أو حسنه (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنه قال للحكم بن عيينة ما حد رمي الجمار فقال عند الزوال، فقال أبو جعفر (عليه السلام) أ رأيت لو كانا رجلين فقال أحدهما لصاحبه احفظ علينا متاعنا حتى أرجع كان يفوته الرمي، هو و الله ما بين طلوع الشمس الى غروبها»

و صحيح صفوان (4)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: رمي الجمار ما بين طلوع الشمس الى غروبها»

و هي مع اعتبار أسانيدها و عمل الطائفة بها قديما و حديثا لا محيص عن العمل بها، خصوصا بعد سلامتها عن معارضة ما عدا الإجماع المحكي

الموهون بمصير معظم من تقدمه كابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد و الصدوقين و المرتضى و جميع


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2.

ج 20، ص: 19

من تأخر عنه إلى خلافه، بل هو قد رجع عنه في مبسوطة و نهايته، و لذا قال في المختلف «انه شاذ لم يعمل به أحد من علمائنا، حتى أن الشيخ المخالف وافق أصحابه، فيكون إجماعا، لأن الخلاف إن وقع منه قبل الوفاق فقد حصل الإجماع، و إن وقع بعده لم يعتد به، إذ لا اعتبار بخلاف من يخالف الإجماع» و إن كان لا يخلو من نظر، و أما الاحتياط فهو معارض بالنصوص المعتبرة المعمول بها بين الطائفة، على أن التحقيق العمل بأصل البراءة مع فرض الشك في أمثال ذلك، و عدا

صحيح معاوية(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ارم في كل يوم عند زوال الشمس»

القاصر عن المعارضة من وجوه الذي لا بأس بحمله حينئذ على الندب، و منه حينئذ يعلم الوجه فيما ذكره غير واحد من الأصحاب من كون الأفضل وقوعه عند الزوال، مضافا الى كونه المحكي من فعل النبي (صلى الله عليه و آله) الذي كان يبادر إلى الأفضل، نعم لا دلالة فيه بل و لا في غيره على ما ذكره في محكي الهداية و الفقيه و المقنع من أنه كلما قرب الى الزوال كان أفضل و إن توهمه بعض الناس، بل و ما عن المقنعة و المراسم ما قرب من

الزوال أفضل فضلا عما عن الكافي من أنه قبل الزوال، و ما عن بعض نسخ المبسوط من أن الأفضل بعد الزوال، نعم يحكي عن

الكتاب (2)المنسوب الى الرضا (عليه السلام) أنه قال: «و أفضل ذلك ما قرب من الزوال»

و لم تثبت نسبته عندنا، فالأولى الاقتصار في الفضل على ما في الصحيح المزبور، و من الغريب ما في القواعد من امتداد الفضل من حين الزوال الى الغروب، و لم أجده لغيره، و لا ما يدل عليه، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.
2- 2 المستدرك الباب- 12- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2.

ج 20، ص: 20

[في عدم جواز الرمي ليلا]

و كيف كان ف لا يجوز ان يرمي ليلا لما عرفت إلا لعذر كالخائف و المريض و الرعاة و العبيد بلا خلاف أجده فيه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان(1): «لا بأس أن يرمي الخائف بالليل و يضحى و يفيض بالليل»

و في

موثق سماعة(2)«و رخص للعبد و الخائف و الراعي في الرمي ليلا»

و في حسن زرارة و محمد بن مسلم (3)«في الخائف لا بأس أن يرمي الجمار بالليل و يفيض بالليل»

و سأله (عليه السلام) أبو بصير(4)أيضا «عن الذي ينبغي له أن يرمي بليل من هو قال: الحاطب و المملوك الذي لا يملك من أمره شيئا و الخائف و المدين و المريض الذي لا يستطيع أن يرمي يحمل الى الجمار، فان قدر على أن يرمي و إلا فارم عنه و هو حاضر»

و في

خبر أبي بصير الآخر(5)عنه (عليه السلام) أيضا «رخص رسول الله (صلى الله عليه و آله) لرعاة الإبل إذا جاؤا بالليل أن يرموا».

و لا فرق في الليل بين المتقدم و المتأخر لعموم النصوص و الفتاوى كما اعترف به في كشف اللثام، و لكن في المدارك «و الظاهر أن المراد بالرمي ليلا رمي جمرات كل يوم في ليلته، و لو لم يتمكن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة، لأنه أولى من الترك أو التأخير، و ربما كان في إطلاق بعض (6)الروايات المتقدمة دلالة عليه» قلت: هو العمدة و إلا فسابقه مجرد اعتبار، بل ظاهر النصوص المزبورة ذلك و إن لم يعلم حاله فيما يأتي من الليالي، و الله العالم.

[فيما حصل به الترتيب في رمي الجمار]

و من حصل له رمي أربع حصيات ثم رمى على الجمرة الأخرى حصل الترتيب و إلا فلا بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الرياض إلا


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 6.
6- 6 الوسائل الباب- 14- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 6.

ج 20، ص: 21

من ظاهر المحكي عن علي بن بابويه، بل عن صريح الخلاف و ظاهر التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، ل

صحيح معاوية(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل رمى الأولى بأربع و رمى الأخيرتين بسبع سبع قال: يعود فيرمي الأولى بثلاث و قد فرغ، و إن كان رمى الأولى بثلاث و رمى الأخيرتين بسبع سبع فليعد فليرمهن جميعا بسبع سبع، و إن كان رمى الوسطى بثلاث، ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع، فان كان رمى الوسطى بأربع، رجع فرمى بثلاث»

و الصحيح الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع و الثالثة بسبع قال:

يعيد فيرميهن جميعا بسبع سبع، قلت: فان رمى الأولى بأربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع قال: يرمي الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع، و يرمي جمرة العقبة بسبع، قلت: فان رمى الجمرة الأولى بأربع و الثانية بأربع و الثالثة بسبع قال: يعيد فيرمي الأولى بثلاث و الثانية بثلاث، و لا يعيد على الثالثة»

و خبر علي بن أسباط(3)قال أبو الحسن (عليه السلام):

«إذا رمى الرجل الجمار أقل من أربع لم يجزه أعاد عليها و على ما بعدها و إن كان قد أتم

ما بعدها، و إذا رمى شيئا منها بنى عليها و لم يعد على ما بعدها إن كان قد أتم رميه»

بل و إطلاق

حسن الحلبي (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) على ما في الكافي «في رجل رمى الجمار منكوسة قال:

يعيد على الوسطى و جمرة العقبة»

و زاد في المدارك «فان كان قد رمى الجمرة الأولى أقل من أربع حصيات و أتم الأخيرتين فليعد على الثلاث


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب العود إلى منى الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب العود إلى منى الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب العود إلى منى الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من أبواب العود إلى منى الحديث 3.

ج 20، ص: 22

جمرات، و إن كان قد رمى من الأولى أربعا فليتم ذلك و لا يعيد على الأخيرتين، و كذلك إن كان قد رمى من الثانية ثلاثا فليعد عليها و على الثالثة، و إن كان قد رماها بأربع و رمى الثالثة بسبع فليتمها و لا يعيد الثالثة» إلا أن الظاهر كون هذه الزيادة من كلام الشيخ لا من الرواية كما يظهر لك بالتأمل فيما في الكافي و ما رواه في التهذيب عنه و لعله لذا لم تذكر في الوافي و الوسائل، و الأمر سهل، ضرورة كفاية النصوص السابقة في المطلوب الذي هو البناء مع الإتيان بالأربع و عدمه بدونه، و ما سمعته من ابن بابويه لم نعرف له دليلا سوى فوات الموالاة التي لم نجد عليها دليلا، بل ظاهر

الأدلة خلافه بل مقتضاه حينئذ عدم الاكتفاء بإكمال ما زاد على الأربع لفوات الموالاة فيه، مع أنه لا يقول به، إذ المحكي من عبارته في المختلف «فان جهلت و رميت الأولى بسبع حصيات و الثانية بست و الثالثة بثلاث فارم على الثانية بواحدة و أعد الثالثة و متى لم تجز النصف فأعد الرمي من أوله، و متى جزت النصف فابن على ما رميت، و إذا رميت الجمرة الأولى دون النصف فعليك أن تعيد الرمي إليها و الى ما بعدها من أوله».

و على كل حال فالنصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات حجة عليه بل ظاهرها عدم الفرق في ذلك بين العامد و الجاهل و الناسي، بل قيل هو ظاهر المتن و النافع و المحكي عن المبسوط و الخلاف و السرائر و الجامع و التحرير و التلخيص و اللمعة، خلافا للفاضل في القواعد و التذكرة و المنتهى و الشهيدين في الدروس و الروضة، و ربما عزي الى الشيخ و الأكثر و ربما جعل أشهر فقيدوه بالناسي، بل في الحدائق نسبة تقييده به و بالجاهل إلى الأصحاب، و إن كنا لم نتحققه في الثاني، نعم ألحقه الشهيدان

ج 20، ص: 23

منهم بالناسي.

و على كل حال فعن الفاضل الاستدلال له بأن الأكثر انما يقوم مقام الكل مع النسيان، ورد بأنه إعادة للمدعى، و فيه أن المراد الإشارة الى ما سمعته في الطواف بمعنى أن الأصل عدم قيام غير ذلك مقامه بالنسبة إلى الترتيب، و لذا استدل له في الروضة بأنه منهي عن رمي اللاحقة قبل إكمال السابقة فيفسد، و إن ضعف أيضا بأن المعلوم انما هو النهي عنه قبل الأربع لا مطلقا، و لو سلم فهو اجتهاد في مقابلة إطلاق النص، و لكنه كما ترى، ضرورة عدم شموله للعامد لندرته فلا ينصرف إليه السؤال المعلق عليه الجواب، مضافا الى حمل فعل المسلم على الصحة، و الى إطلاق ما دل على وجوب الترتيب المقتضي لفساد اللاحق قبل إتمام السابق المعتضد بما سمعته من فتوى الأصحاب.

ثم إن ظاهر ما سمعته من الإعادة في بعض النصوص أو صريحه كصريح معظم الفتاوى وجوب الاستئناف بالإتيان بدون الأربع، فلا يكفي إكمالها مع إعادة ما بعدها في الأولى أو الثانية، لكن في القواعد و التحرير و التذكرة و المنتهى و محكي السرائر يكمل الناقص و يعيد ما بعده، للأصل، و الأصح الأول، لما سمعته من النصوص معتضدا بفتوى المعظم كالشيخ و بني الجنيد و حمزة و البراج و علي بن بابويه و غيرهم و به ينقطع الأصل، و هو خيرته في المختلف، و دعوى إرادة الإكمال من الإعادة لأن كل رمية لاحقة إعادة للرمي كما ترى، نعم لو كان الناقص في الثالثة أكملها و اكتفى به من غير فرق بين الأربع و غيرها لعدم ترتيب عليه بعدها، و لعله لا خلاف فيه إلا ما سمعته من ابن بابويه بناء على اعتبار الموالاة الذي لم نجد له دليلا بالخصوص، بل ظاهر

ج 20، ص: 24

الأدلة سابقا خلافه، و كونه المعهود في العمل للعادة لا يقتضي الاعتبار خصوصا بعد ما سمعته من النصوص، و الله العالم.

[في وجوب القضاء غدا لو نسي رمي يوم أو تركه عمدا]

و لو نسي رمي يوم أو تركه عمدا قضاه من الغد مرتبا يبدأ بالفائت و يعقب بالحاضر بلا خلاف أجده بيننا في أصل وجوب القضاء، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى

صحيح معاوية(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قلت له: الرجل ينكس في رمى الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى قال: يعود و يرمى الوسطى ثم جمرة العقبة و إن كان من الغد»

نعم عن الشافعي قول بالسقوط، و آخر بأنه في الغد أداء، و كذا من فاته رمى يومين قضاهما في الثالث مقدما للأول على الثاني و يختم بالأداء، و فيما تسمعه من حسن عمار(2)الفصل بين كل رميين ساعة، و إن فاته يوم النحر قضاه بعده، و لا شي ء عليه غير القضاء عندنا في جميع الصور للأصل.

و أما الترتيب فلا خلاف أجده فيه أيضا بل في المدارك هو مقطوع به في كلام الأصحاب بل عن الخلاف الإجماع عليه، مضافا الى ما قيل من تقدم سببه و الاحتياط، و إن كان فيه ما فيه، و صحيح ابن سنان (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل أفاض من جمع حتى انتهى الى منى فعرض له عارض فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس قال: يرمي إذا


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب العود إلى منى الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب العود إلى منى الحديث 2 عن معاوية بن عمار و هو الصحيح كما يأتي في ص 26.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 2 و لكن الصدوق قده رواه عن عبد الله بن سنان أيضا.

ج 20، ص: 25

أصبح مرتين، إحداهما بكرة و هي للأمس، و الأخرى عند زوال الشمس» و رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار مثله، و الشيخ في الصحيح عنه أيضا إلا أنه قال «يرمي إذا أصبح مرتين، مرة لما فاته، و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرق بينهما، يكون إحداهما بكرة، و هي للأمس»

، بل في كشف اللثام الاستدلال عليه بالأخبار و إن كان لم يحضرنا الآن إلا ما سمعت، بل في الرياض «لم نجد الأخبار المفيدة لوجوب التقديم، لأنها ما بين مطلقة للأمر بالقضاء و بين مصرحة بالتقديم، لكنه مقيد بقيد هو للاستحباب- الى ان قال-: و ظاهرهم عدم الخلاف في الاستحباب و إن أشعر بوجوده عبارة الدروس حيث جعله أظهر، و هو كذلك جمعا بينه و بين الصحيح المتقدم الآمر بالفصل بينهما بساعة المنافي لما في هذا الصحيح قطعا، و الجمع بالحمل على تفاوت مراتب في الاستحباب، فأدناها ما سبق و أعلاها ما هنا، لكن ظاهر الأصحاب الاعراض عن الحديث السابق، فيلحق بالشواذ، و يتوجه حينئذ وجوب ما في هذا

الصحيح إن لم ينعقد الإجماع على جواز الإتيان بهما في وقت واحد، و ان انعقد كما صرح به بعض الأصحاب حيث قال بعد الحكم بجوازه بلا خلاف بشرط الترتيب فالوجه الاستحباب و مما ذكرنا ظهر انه لا مستند لوجوب الترتيب سوى الإجماع» و إن كان فيه نظر من وجوه، منها دعوى عدم دلالة الصحيح المزبور على وجوب التقديم، فإنه يمكن دعوى ظهوره فيه و لو بملاحظة الشهرة أو الإجماع، و لا ينافيه استحباب القيد، و على كل حال فما عن قول لبعض العامة من عدم وجوب تقديم الفائت واضح الفساد، هذا.

ج 20، ص: 26

و يستحب أن يكون ما يرميه لأمسه غدوة، و ما يرميه ليومه عند الزوال كما صرح به الفاضل و غيره، بل قد سمعت دعوى ظهور عدم الخلاف فيه، لكن في المدارك «و ينبغي إيقاع الفائت بعد طلوع الشمس و إن كان الظاهر جواز الإتيان به قبل طلوعها لإطلاق الخبر» و فيه أن المراد من «بكرة» في الخبر المزبور طلوع الشمس كما اعترف به في كشف اللثام و محكي السرائر لا طلوع الفجر، و لو لما عرفت من تحديد الرمي بما بين طلوع الشمس الى غروبها الشامل للأداء و القضاء، و أن الرمي في غيره لذوي الأعذار، بل عن المنتهى التصريح بمساواة القضاء للأداء في ذلك، فلا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى مراعاته، و في المسالك في بعض الأخبار دلالة عليه.

و لو فاته جمرة و جهل تعينها أعاد على الثلاث مرتبا، لإمكان كونها الأولى فتبطل الأخيرتان، و كذا لو فاته أربع حصيات من جمرة و جهل تعينها، و لو فاته دون الأربع من جمرة و جهل تعينها كرره على الثلاث و لا يجب الترتيب هنا، لأن الفائت من واحدة و وجوب الباقي من باب المقدمة، كوجوب ثلاث فرائض عن واحدة مشتبهة من الخمس، و لو فاته من كل جمرة واحدة أو ثنتان أو ثلاث وجب الترتيب لتمدد الفائت و لو فاته ثلاث و شك في كونها من واحدة أو أكثر رماها عن كل واحدة مرتبا لجواز التعدد، و لو كان الفائت أربعا استأنف، و الله العالم.

[في وجوب الرجوع من مكة للرمي إذا نسيه ]

و لو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة رجع و رمى مع بقاء أيام التشريق التي هي زمان الرمي بلا خلاف أجده، ل

حسن ابن عمار(1)


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب العود إلى منى الحديث 2.

ج 20، ص: 27

عن الصادق (عليه السلام) «قلت رجل نسي أن يرمي الجمار حتى أتى مكة قال: يرجع فيفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فاته ذلك و خرج قال: ليس عليه شي ء»

و صحيحه (1)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة قال: فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي، و الرجل كذلك»

و صحيحه الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له: رجل نسي رمي الجمار قال: يرجع فيرمي قلت: فإنه نسيها حتى أتى مكة قال: يرجع فيرمي متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فإنه نسي أو جهل حتى فاته و خرج قال: ليس عليه أن يعيد»

لكن في المدارك بعد أن ذكر الحسن و الصحيح قال: «و إطلاق هاتين الروايتين يقتضي وجوب الرجوع من مكة و الرمي و إن كان بعد انقضاء أيام التشريق، لكن صرح الشيخ و غيره ان الرجوع انما يجب مع بقاء أيام التشريق، و مع خروجها تقضى في القابل، و استدل عليه في التهذيب ب

خبر عمر بن يزيد(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فان لم يحج رمى عنه وليه، فان لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمى عنه، و أنه لا يكون رمى الجمار إلا في أيام التشريق»

و هذه الرواية واضحة، لكن في طريقها محمد بن عمر بن يزيد و لم يرد فيه توثيق و لا مدح يعتد به، و لعل ذلك هو السر في إطلاق المصنف وجوب الرجوع من مكة و الرمي» و فيه أن إطلاق المصنف منزل على قوله متصلا بما سمعت:


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب العود إلى منى الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب العود إلى منى الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب العود إلى منى الحديث 4.

ج 20، ص: 28

و إن خرج من مكة لم يكن عليه شي ء إذا انقضى زمان الرمي كما عن التهذيب و الخلاف و الكافي و الغنية و السرائر و الإصباح و القواعد و غيرها على ما حكي عن بعضها، بل عن الغنية منها الإجماع عليه.

و بذلك كله مضافا الى ما حكاه غير واحد من شهرة الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا- ينجبر سند الخبر المزبور، و لعل عدم ذكر فوت الزمان في النافع و محكي النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذب و الجامع و التلخيص و انما في المهذب و الوسيلة الرجوع الى أهله، و في الباقية الخروج من مكة بناء على الغالب من خروج وقت الرمي، و بذلك يظهر لك أنه لا وجه للتوقف في سقوط الرمي بعد خروج زمانه، بل يمكن دعوى عدم تناول الإطلاق لهذه الصورة.

[في حكم من تعمد ترك رمي الجمار]

إنما الكلام في قول المصنف فان عاد في القابل رمى، و إن استناب فيه جاز الذي استظهر منه في المدارك أن العود في القابل لقضاء الرمي أو الاستنابة على الاستحباب كما صرح به في النافع، قال: «و لو حج في القابل استحب له القضاء، و لو استناب جاز» و مال إليه في المدارك للأصل بعد ضعف الخبر المزبور المعارض بنفي الشي ء و الإعادة في الصحيحين (1)السابقين الشامل للقضاء، و لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد ما عرفت من

انجبار سند الخبر المزبور بالشهرة العظيمة، بل في كشف اللثام نفي الخلاف فيه، بل لم نجد مصرحا بالندب غير المصنف في النافع و الفاضل في محكي التبصرة، و أما باقي الأصحاب فهم على ما في الرياض بين مصرح بالوجوب كالشيخ في التهذيبين


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب العود إلى منى الحديث 2 و 3.

ج 20، ص: 29

و الخلاف و الشهيدين في الدروس و المسالك و الروضة، و باللزوم كالحلبي و آمر به كالشيخ في النهاية و الحلي في السرائر و الفاضل في التحرير و القواعد و ابن زهرة في الغنية مدعيا عليه الإجماع، و إن كان فيه أن المحكي عن الخلاف في كشف اللثام أنه قال: «إن فاته دون أربع حصيات حتى مضت أيام التشريق فلا شي ء عليه و إن أتى به في القابل كان أحوط، قال: و نحوه التحرير و التذكرة و المنتهى، و لكن على كل حال بما عرفت ينجبر سند الخبر المزبور، و ينقطع به الأصل بعد الإغضاء عن احتمال عدم جريانه، لاشتغال ذمته به و يخص به الصحيحان المحمولان على ما يجامعه بأن يراد نفي الكفارة و نحوه و الإعادة في تلك السنة التي مضى فيها زمان الرمي، بل قد يحتمل أن يكون انما أراد السائل أنه نسي التفريق، و يؤيده لفظ «يعيد» بل قيل إن في الطريق النخعي، فلا يكون صحيحا إلا إذا كان أيوب بن نوح، و لا يقطع به، و أما عبارة المصنف هنا فلا ظهور فيها في الندب، بل قوله فيها «رمى» ظاهر في الوجوب، بل في المسالك دعوى ظهور قوله: «و ان استناب جاز» فيه أيضا، بل فيها بعد أن جعل الأقوى وجوب القضاء في القابل في أيامه «لكن إذا كان اتفق حضوره وجبت عليه المباشرة، و إلا جازت الاستنابة و إن أمكن العود» و الظاهر ان مراد المصنف ذلك و لكن العبارة مجملة.

و كيف كان فلا شي ء عليه من كفارة عندنا للأصل، و عن الشافعي وجوب هدي و لا دليل عليه، و لا يختل بذلك إحلاله عندنا و إن تعمد الترك للأصل، و لكن في محكي التهذيب و قد روي أن من ترك الجمار متعمدا لا تحل له النساء و عليه الحج من قابل مريدا بذلك

خبر عبد الله بن جبلة(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «من ترك و رمى الجمار متعمدا لم تحل له النساء، و عليه الحج من قابل»

و نحوه


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب العود إلى منى الحديث 5.

ج 20، ص: 30

عن أبي علي، و لم نعرف قائلا به غيره، و لذا حمله غير واحد على الندب، على أنه ضعيف بل قيل إنه يحتمل تعمد الترك لزعمه عند ما أحرم أو بعده أنه لغو لا عبرة به، فإنه حينئذ كافر لا عبرة بحجه، و أن يكون إيجاب الحج عليه من قابل لقضاء الرمي فيه، فيكون بمعنى ما في خبر عمر بن يزيد(1)من ان عليه الرمي من قابل إن أراده بنفسه، و إذا جاء

بنفسه فلا بد من أن يحرم بحج أو عمرة، و الله العالم.

[في جواز النيابة في الرمي ]

و لا خلاف أجده في أنه يجوز أن يرمى عن المعذور كالمريض إذا لم يزل عذره وقت الرمي، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى النصوص، ففي

حسن معاوية و ابن الحجاج (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الكسير و المبطون يرمي عنهما، و الصبيان يرمى عنهم»

و في

موثق إسحاق بن عمار(3)«سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن المريض يرمى عنه الجمار قال: نعم يحمل إلى الجمرة و يرمى عنه»

و في

خبره الآخر(4)أنه سأل أبا الحسن موسى (عليه السلام) «عن المريض يرمى عنه الجمار قال نعم يحمل إلى الجمرة و يرمى عنه، قلت: فإنه لا يطيق ذلك قال: يترك في منزله و يرمى عنه»

و غيرها من النصوص التي ظاهرها ذلك و إن لم يكن مأيوسا من برئه كالفتاوى، كما أن مقتضى قاعدة الاجزاء عدم وجوب الإعادة بعد الرمي و إن كان الوقت باقيا كما عن التحرير و المنتهى القطع به، و قربة في محكي التذكرة، لكن استشكله بعض الناس بمنع السقوط ما دام وقت الأداء باقيا، و هو محتمل ما في القواعد

و يجوز الرمي عن المعذور كالمريض إذا لم يزل عذره وقت الرمي، و لعل الأقوى


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب العود إلى منى الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2.

ج 20، ص: 31

ما سمعت للقاعدة المزبورة و إطلاق النص و الفتوى الذين مقتضاهما أيضا عدم بطلان النيابة بالإغماء بعد الاستنابة، فما عن بعض الناس من البطلان قياسا على الوكالة واضح المنع، بل في المدارك «منع ثبوت الحكم في الأصل إن لم يكن إجماعا على وجه لا تجوز مخالفته لانتفاء الدليل عليه» و إن كان فيه ما فيه كما بيناه في محله.

بل عن المنتهى و التحرير استحباب استئذان النائب، و مقتضاه عدم توقف النيابة على الاذن المعتبر في التوكيل، و لعله كذلك لإطلاق النصوص، خلافا لما عن المبسوط من أنه لا بد من اذنه إذا كان عقله ثابتا، بل ينبغي الجزم بعدم اعتبارها مع فرض عدم قابلية المنوب عنه لها بإغماء و نحوه، و لذا قال في محكي المنتهى: إن زال عقله قبل الاذن جاز له أن يرمى عنه عندنا عملا بالعمومات

و صحيح رفاعة بن موسى) عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1)«سألته عن رجل أغمي عليه فقال: يرمى عنه الجمار»

بل في المدارك ربما ظهر منه وجوب الرمي عنه كفاية و إن كان لا يخلو من نظر بل منع، و في الدروس لو أغمي عليه قبل الاستنابة و خيف

فوات الرمي فالأقرب رمي الولي عنه، فان تعذر فبعض المؤمنين، ل

رواية رفاعة(2)عن الصادق (عليه السلام) «يرمى عمن أغمي عليه».

نعم قد يقال بوجوب الاستنابة عليه مع بقاء عقله و اختياره، و إن كان لو فعل من غير إذنه جاز و سقط عنه ذلك، لما سمعته من إطلاق النص و الفتوى مؤيدا بالاجزاء عن المغمى عليه، و باجزاء الحج متبرعا عن الميت، و لعل استحباب الاستئذان الذي سمعته من المنتهى و التحرير إغناء للمنوب عنه عن الاستنابة الواجبة عليه، و إبراء لذمته عنها، كما أن ما في المحكي عنهما أيضا من استحباب وضع المنوب الحصى في يد النائب تشبيها بالرامي، و لايماء حمله


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب رمى جمرة العقبة الحديث 5.

ج 20، ص: 32

الى الجمار إليه أيضا، بل في محكي التذكرة استحباب وضع النائب الحصى في يد المنوب يعني و الرمي بها و هي في يده كما عن المنتهى أو ثم أخذها من يده و رميها كما عن المبسوط، بل قيل هو الموافق لرسالة علي بن بابويه، و السرائر و الوسيلة و التحرير و غيرها، و الأمر سهل، و الله العالم.

[في استحباب أن يقيم الإنسان بمنى أيام التشريق ]

و يستحب أن يقيم الإنسان بمنى أيام التشريق بلا خلاف أجده فيه ل

صحيح العيص بن القاسم (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الزيارة بعد زيارة الحج أيام التشريق فقال: لا»

و خبر ليث المرادي (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت أسبوعا فقال: المقام بمنى أفضل و أحب الي»

و لا ينافي ذلك

صحيح جميل (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف بها في أيام منى و لا يبيت بها»

و صحيح رفاعة(4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يزور البيت في أيام التشريق قال: نعم إن شاء»

و صحيح يعقوب بن شعيب (5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن زيارة البيت أيام التشريق فقال: حسن»

و نحوها من النصوص الدالة على أصل الجواز الذي لا ينافي الاستحباب، بل قوله في الأخير «حسن» لا ينافي كون الأحسن منه المقام بها، بل و كذا ما في

موثق إسحاق بن عمار(6)«قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): رجل زار فقضى طواف حجه كله أ

يطوف بالبيت أحب إليك أم يمضي على وجهه إلى منى؟ فقال: أي ذلك شاء فعل ما لم يبت»

المحتمل مع ذلك للتقية، و الأمر سهل.

و المراد من النص و الفتوى استحباب ما زاد على زمن الرمي الذي عرفت وجوبه و لو بتقدير مضاف أي بقية أيام التشريق،. أو بالحمل على إطلاق اسم


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العود إلى منى الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب العود إلى منى الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب العود إلى منى الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب العود إلى منى الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب العود إلى منى الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 2- من أبواب العود إلى منى الحديث 4.

ج 20، ص: 33

الجزء على الكل فإن الإقامة في باقي الأجزاء مستحبة، أو يكون الاستحباب متعلقا بالمجموع من حيث هو مجموع، فلا ينافي وجوب بعض أجزاء المجموع المغايرة له من تلك الحيثية.

و على كل حال فالظاهر إرادة النهار من الأيام هنا حتى على القول بشمولها الليالي. إلا أن يكون على أحد الوجوه السابقة أيضا، و الله العالم.

[في استحباب أن يرمي الجمرة الأولى عن يمينه ]

و يستحب أن يرمي الجمرة الأولى التي هي أبعد الجمرات من مكة و تلي مسجد الخيف عن يمينه أي يمين الرامي و يسارها كما هو المعروف في النص و الفتوى،

قال الصادق (عليه السلام)(1): «ابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل»

إذ المراد بيسارها جانبها اليسار بالإضافة إلى المتوجه إلى القبلة، فيجعلها حينئذ عن يمينه، فيكون ببطن المسيل، لأنها عن يسارها و يرميها منه، و اليه يرجع

قول الرضا (عليه السلام) في صحيح إسماعيل (2): «ترمي الجمار من بطن الوادي»

و بذلك كله صرح المصنف في النافع، قال: «و يستحب الوقوف عند كل جمرة و رميها عن يسارها مستقبل القبلة، و يقف داعيا عدا جمرة العقبة، فإنه يستدبر القبلة و يرميها عن يمينه» و لكن في القواعد «و يستحب رمي الأولى عن يساره» نحو ما عن بعض نسخ الكتاب عن يمينها، فإنه يكون عن يسار الرامي لمستقبل القبلة، و ربما أولت الأولى في عبارة القواعد بالمذكور و على كل حال فالموافق للنص و الفتوى ما عرفت، و لعله يشهد لما سمعته من الرمي مستقبل القبلة يوم النحر، فلاحظ و تأمل.

[في استحباب أن يقف عن يسار الطريق مستقبل القبلة ذاكرا لله تعالى ]

و يستحب أيضا أن يقف عن يسار الطريق مستقبل القبلة ذاكرا لله تعالى بالحمد و الثناء مصليا على النبي و آله صلوات الله عليهم ثم يتقدم قليلا و يدعو


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 5.

ج 20، ص: 34

و كذا يصنع في الثانية، و يرمي الثالثة مستدبر القبلة مقابلا لها و لا يقف عندها كل ذلك عدا الأخير ل 18597

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1): «ارم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة، فابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل، و قل كما قلت يوم النحر ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد الله و أثن عليه وصل على النبي (صلى الله عليه و آله) ثم تقدم قليلا فتدعو و تسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم أيضا ثم افعل ذلك عند الثانية، و اصنع كما صنعت بالأولى، و تقف و تدعوا الله تعالى كما دعوت، ثم تمضي إلى الثالثة و عليك السكينة و الوقار، فارم و لا تقف عندها»

بل النصوص بعدم الوقوف على الثالثة كثيرة، نعم ليس فيها الاستدبار، لكن قد عرفت الحال في رمي يوم النحر، فلاحظ و تأمل، مضافا الى أنه المحكي من فعل النبي (صلى الله عليه و آله)، و الله العالم.

[في حكم التكبير بمنى ]

و المشهور أن التكبير بمنى مستحب كما صرح به في

صحيح علي بن جعفر(2)عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن التكبير أيام التشريق أو أجب أو لا؟ قال، مستحب، و إن نسي فلا شي ء عليه»

و منه يعلم إرادته من الأمر بالتكبير و بالذكر في أيام معدودات في الكتاب العزيز(3)بناء على أن المراد بها منى كما في

صحيح ابن مسلم (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 12- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1 و ذيله في الباب 10 منها الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب صلاة العيد الحديث 10- من كتاب الصلاة.
3- 3 سورة البقرة الآية 199.
4- 4 الوسائل الباب- 21- من أبواب صلاة العيد الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 20، ص: 35

الله عز و جل «وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ» قال: التكبير في أيام التشريق صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث، و في الأمصار عشر صلوات، فإذا نفر الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار و من أقام بمنى فصلى الظهر و العصر فليكبر»

و صحيح منصور بن حازم (1)عنه (عليه السلام) أيضا في قول الله عز و جل «وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ» قال: «هي أيام التشريق، كانوا إذا أقاموا بمنى بعد النحر تفاخروا فقال الرجل منهم: كان أبي يفعل كذا و كذا فقال الله عز و جل، «فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ . فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً»(2)- قال-: و التكبير الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله و الله أكبر الله أكبر و لله الحمد الله أكبر على ما

هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام».

و لكن مع ذلك قيل و القائل المرتضى و ابن حمزة فيما حكي عنهما واجب محتجا عليه أو لهما بالإجماع الموهون بمصير غيره الى خلافه، و بالأمر المراد منه الندب كما عرفت، و الله العالم.

و صورته المشهورة بين الأصحاب الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد الحديث 3 من كتاب الصلاة.
2- 2 هكذا في الوسائل و الكافي ج 4 ص 516 إلا أنه سهو فان ما يتلو قوله تعالى «فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ» هو قوله عز و جل: «فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ. إلخ» و أما الجملة الثانية فهي بعد قوله عز من قائل «فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ» و لعله كان الصحيحة هكذا «فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ- الى قوله- فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً» فسقط كلمة «الى قوله» من قلم الناسخ.

ج 20، ص: 36

و الله أكبر الله أكبر على ما هدانا، و الحمد لله على ما أولانا و رزقنا من بهيمة الأنعام و قد سمعت ما في صحيح ابن حازم، و في

صحيح معاوية(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «و التكبير ان يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله و الله أكبر و لله الحمد الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام و الحمد لله على ما أبلانا»

و قد تقدم تحقيق ذلك و غيره من مباحث التكبير في صلاة العيد، و تأمل، و لعل هذا الاختلاف يومي الى الاستحباب، بل في

صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن التكبير بعد كل صلاة فقال: كم شئت إنه ليس شي ء موقت»

و الله العالم.

[في جواز النفر في الأول للمتقي ]

و يجوز النفر في الأول و هو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة لمن اجتنب النساء و الصيد في إحرامه كما هو المشهور أو سائر ما يحرم عليه فيه كما عن ابن سعيد أو خصوص ما يوجب الكفارة كما عن بني إدريس و أبي المجد فهو في الجملة لا خلاف معتد به أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في محكي المنتهى نسبته الى العلماء كافة، و الأصل فيه قول الله عز و جل (3):

«فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى » بناء على كون المراد اتقاء الصيد و النساء كما في النافع و محكي النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذب، و في

خبر حماد بن عثمان (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب صلاة العيد الحديث 4 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب صلاة العيد الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 سورة البقرة الآية 199.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب العود إلى منى الحديث 2.

ج 20، ص: 37

عز و جل «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى الصيد يعني

في إحرامه، فإن أصابه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول»

و خبره الآخر(1)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول، و من نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس، و هو قول الله تعالى فَمَنْ تَعَجَّلَ ، الآية، قال: اتقى الصيد»

و في

خبر جميل (2)عنه (عليه السلام) أيضا في حديث «و من أصاب الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول»

و في

خبر محمد بن المستنير(3)عنه (عليه السلام) أيضا «من أتى النساء في إحرامه فليس له أن ينفر في النفر الأول»

و به مضافا الى الإجماع يقيد مفهوم الخبر الأول كالعكس، و عدم ذكر غير رواية الصيد في محكي التبيان و المجمع و روض الجنان و أحكام القرآن ليس خلافا.

و المناقشة بضعف السند- كما في المدارك، و بإجمال المراد بالاتقاء المحتمل ما سمعت، و ما قيل من أن معناه أن التخيير و نفي الإثم عن المتعجل و المتأخر لأجل الحاج المتقي كي لا يتخالج قلبه اثم منهما، أو أن هذه المغفرة إنما تحصل لمن كان متقيا قبل حجه، لقوله تعالى (4)«إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»

أو لمن كان متقيا من المحظورات حال اشتغاله في الحج، أو ما في

صحيح معاوية بن عمار(5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سمعته يقول في قول الله عز و جل: «فَمَنْ تَعَجَّلَ - الآية-» يتقي الصيد حتى ينفر أهل منى في


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب العود إلى منى الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب العود إلى منى الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب العود إلى منى الحديث 1.
4- 4 سورة المائدة الآية 30.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من أبواب العود إلى منى الحديث 6.

ج 20، ص: 38

النفر الأخير»

أو ما في

خبر إسماعيل بن نجيح الرماح (1)قال: «كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) بمنى ليلة من الليالي فقال ما يقول هؤلاء فيمن تعجل في يومين فلا إثم عليه- الآية- قلنا: ما ندري قال: بلى يقولون من تعجل من أهل البادية فلا إثم عليه و من تأخر من أهل الحضر فلا إثم عليه، و ليس كما يقولون، قال الله عز و جل «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» ألا لا إثم عليه «وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ» ألا لا إثم عليه «لِمَنِ اتَّقى » انما هي لكم، و الناس سواد، و أنتم الحاج»

أو ما في

المرسل (2)عن الصادق (عليه السلام) في قول الله عز و جل فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ إلخ قال: «يرجع مغفورا لا ذنب له»

أو ما في رواية علي بن عطية(3)لمن اتقى الله عز و جل، أو ما في

خبر سفيان بن عيينة(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في قول الله تعالى فَمَنْ تَعَجَّلَ إلخ يعني من مات فلا إثم عليه «وَ مَنْ تَأَخَّرَ» أجله «فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى » الكبائر»

و في

خبره الآخر(5)عنه (عليه السلام) أيضا قال: «سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف فقال:

أ ترى يخيب الله هذا الخلق كلهم؟ فقال: أبي ما وقف هذا الموقف أحد إلا غفر الله له مؤمنا كان أو كافرا، ألا انهم في مغفرتهم على ثلاث منازل، مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و أعتقه من النار، و ذلك قوله عز و جل (6)«رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ. أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَ اللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ» و مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب العود إلى منى الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب العود إلى منى الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب العود إلى منى الحديث 9 عن علي بن عطية عن أبيه.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب العود إلى منى الحديث 12.
5- 5 الوسائل الباب- 18- من أبواب إحرام الحج الحديث 1.
6- 6 سورة البقرة الآية 197 و 198.

ج 20، ص: 39

و قيل له أحسن فيما بقي من عمرك، و ذلك قول الله تعالى «فَمَنْ تَعَجَّلَ»- الآية- يعني من مات قبل أن يمضي فلا إثم عليه، و من تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الكبائر، و أما العامة فيقولون فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه يعني في النفر الأول، و من تأخر فلا إثم عليه يعني لمن اتقى الصيد أ فترى الصيد يحرمه الله بعد ما أحله في قوله عز و جل (1)«وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» و في تفسير العامة معناه و إذا حللتم فاتقوا الصيد، و كافر وقف هذا الموقف يريد زينة الحياة الدنيا غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر إن تاب من الشرك فيما بقي من عمره، و إن لم يتب وفاه أجره و لم يحرمه أجر هذا الموقف، و ذلك قوله عز و جل (2)مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ، وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ»

و منه يعلم أن ما في أخبار معاوية بن عمار(3)و

الحلبي (4)من أن «من نفر في النفر الأول لا يصيب الصيد حتى ينفر الناس النفر الآخر أو إذا زالت الشمس من اليوم الثالث»

موافق للعامة، و لذا لم نجد أحدا أفتى بذلك من أصحابنا، بل و لا من ذكر كراهته أو استحباب تركه أو غير ذلك.

مدفوعة بالانجبار بما سمعت، و بمرجوحية المنافي منها، لما ذكرنا


1- 1 سورة المائدة- الآية 3.
2- 2 سورة هود عليه السلام الآية 18 و 19.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب العود إلى منى الحديث 4 و 5 و 6.
4- 4 هكذا في النسخة الأصلية و الظاهر ان الصحيح هكذا« ما في اخبار معاوية بن عمار و حماد» حيث أنه ليس للحلبي في المقام ما يدل على ذلك و قد تقدم لحماد خبرين في ذلك في ص 36 و 37 ذكرهما في الوسائل في الباب- 11- من أبواب العود إلى منى الحديث 2 و 3.

ج 20، ص: 40

من وجوه، على أنه لو سلم الإجمال في المراد بالآية كان فيما سمعته من الإجماع على الحكم مؤيدا بما سمعته من النصوص كفاية، كما هو واضح، و على كل حال فما عن الكافي و الغنية و الإصباح من كون الصرورة كغير المتقي لا أعرف شاهدا له، بل ظاهر الأدلة السابقة خلافه، بل و خلاف القولين الآخرين، بل لم نجد للأول منهما شاهدا، نعم في

خبر سلام بن المستنير(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «لمن اتقى الرفث و الفسوق و الجدال و ما حرم الله في إحرامه»

و هو و إن كان شاهدا للآخر منهما مؤيدا بما قيل من ظاهر الآية التي قد عرفت الحال فيها، لكنه قاصر عن المعارضة لما عرفت من وجوه إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه، و المنساق من عدم اتقاء الصيد اصطياده، و لعله المراد مما في المسالك و المدارك من قتله و في كشف اللثام قتله و أخذه، و من عدم اتقاء النساء وطؤهن الظاهر من الإتيان في خبر محمد بن المستنير.

و في المسالك «و في إلحاق باقي المحرمات المتعلقة بها و كالقبلة و اللمس و العقد و شهادته نظر» و في المدارك و في إلحاق باقي المحرمات المتعلقة بالقتل و الجماع بهما كأكل الصيد و لمس النساء بشهوة وجهان، و لا ريب في أن الأحوط الإلحاق، كما أن الأحوط إن لم يكن الأقوى عدم الفرق بين العامد و الناسي و الجاهل، و ربما فرق بين الصيد و غيره لوجوب الكفارة في الأول على كل حال، و كذا الأحوط إن لم يكن الأقوى اعتبار الاتقاء في عمرة حج التمتع لارتباطها به و دخولها فيه.


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب العود إلى منى الحديث 7 عن محمد بن المستنير إلا أن الموجود في الفقيه ج 2 ص 288 الرقم 1416 عن سلام ابن المستنير.

ج 20، ص: 41

و كيف كان فقد ظهر لك من جميع ما ذكرنا أن المراد من الآية التخيير في النفر بين اليومين لمن التقى الصيد و النساء و لم يكن قد غربت عليه الشمس و هو فيها كما عرفت، أما غير المتقي فلا ينفر إلا في النفر الثاني، نعم ربما أشكل بأن نفي الإثم عن الثاني يعطي كونه مظنة له، مع أنه أفضل باعتبار اشتماله على الإتيان بمناسك اليوم الثالث، فلا يتوهم تقصيره كي يحتاج الى نفيه عنه كالنفر الأول، و يدفع باستعمال نحو ذلك فيما لا يراد منه هذا المعنى نحو رفع الحرج و الجناح في التقصير و الطواف مع إرادة العزيمة منهما، و بأن المراد الرد على أهل الجاهلية القائل بعضهم بالإثم على المعجل و بعضهم بالإثم على المؤخر، و بأن المراد عدم الإثم عن المؤخر لمن زاد على مقام ثلاثة على معنى أن القيام بمنى ينبغي أن يكون ثلاثة، فمن نقص فلا إثم عليه، و من زاد على الثلاثة لا إثم عليه، و بأن ذلك رعاية للمقابلة نحو قوله تعالى (1)«وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» و بأن المراد عن ذلك دفع ما يتوهم من المفهوم الأول المقتضي ثبوت الإثم على غير المعجل، كما يومي اليه

صحيح أبي أيوب (2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنا نريد أن نعجل السير و كانت ليلة النفر حين سألته فأي ساعة ننفر؟ فقال:

أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس و كانت ليلة النفر، و أما اليوم الثالث فإذا ابيضت الشمس فانفر على بركة الله تعالى، فان الله جل ثناؤه يقول فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ، و لو سكت لم يبق أحد إلا تعجيل، و لكنه قال وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ »

و بغير ذلك مما لا فائدة مهمة تترتب عليه، و الله العالم.

[في عدم جواز النفر في الثاني قبل الزوال ]

و النفر الثاني هو اليوم الثالث عشر بلا خلاف نصا و فتوى و لا إشكال فمن نفر في اليوم الأول لم يجز إلا بعد الزوال إلا لضرورة أو حاجة


1- 1 سورة الشورى الآية 38.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العود إلى منى- الحديث 4.

ج 20، ص: 42

كما صرح به غير واحد، بل نفي الخلاف عنه جماعة، بل في المدارك الإجماع عليه، لكن في محكي التذكرة أنه قرب فيها استحباب التأخير، و وجه بأن الواجب انما هو الرمي و البيتوتة، و الإقامة في اليوم مستحبة كما مر، فإذا رمى جاز النفر متى شاء، قال: و يمكن حمل كثير من العبارات عليه، و يؤيده

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة(1): «لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأول قبل الزوال»

و إن حمل على الضرورة أو الحاجة، و فيه أنه كالاجتهاد في مقابلة النص و الفتوى و ما سمعته من الإجماع المعتضد بنفي الخلاف،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(2): «إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس، و إن تأخرت إلى آخر أيام التشريق و هو يوم النفر الأخير فلا شي ء عليك أي ساعة نفرت، و رميت قبل الزوال أو بعده»

و سأل أيضا في صحيح الحلبي (3)«عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول الشمس فقال: لا و لكن يخرج ثقله إن شاء و لا يخرج هو حتى تزول الشمس»

الى غير ذلك من النصوص التي منها ما سمعته في صحيح أبي أيوب (4)مضافا الى ضعف الخبر المزبور و لا جابر، و إلى احتماله الضرورة

أو الحاجة. فلا وجه للجمع بالكراهة أو الندب بعد عدم المقاومة، و استحباب الإقامة على وجه يجوز له النفر قبل الزوال محل منع، فالمتجه حينئذ ما عليه الأصحاب.

و أما النفر في الثاني فلا خلاف كما اعترف به في محكي المنتهى و غيره في أنه يجوز قبله للأصل و النصوص السابقة و الإجماع المحكي عن التذكرة و الغنية، مع أنه في الأخير لم يجوز الرمي إلا بعد الزوال كالمحكي عن الإصباح، فيعلم من ذلك اتفاق الجميع هنا على القول المزبور، نعم ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العود إلى منى- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العود إلى منى- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العود إلى منى- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العود إلى منى- الحديث 4.

ج 20، ص: 43

المصنف و غيره عدم الفرق في ذلك بين الامام و غيره، لكن عن التهذيب و النهاية و المبسوط و المهذب و السرائر و الغنية و الإصباح أنه يجوز يوم النفر الثاني المقام الى الزوال و بعده إلا للإمام خاصة، فعليه أن يصلي الظهر بمكة، و لعلهم يريدون الندب كما في محكي التحرير و التذكرة، ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن ابن عمار(1)«يصلي الامام الظهر يوم النفر بمكة»

و خبر أيوب بن نوح (2)«كتبت اليه أن أصحابنا قد اختلفوا علينا فقال بعضهم: إن النفر يوم الأخير بعد الزوال أفضل، و قال بعضهم:

قبل الزوال، فكتب (عليه السلام) أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) صلى الظهر و العصر بمكة، فلا يكون ذلك إلا و قد نفر قبل الزوال»

بل ظاهره استحباب ذلك لغير الإمام أيضا.

[في سقوط الرمي في اليوم الثالث عمن نفر في الأول ]

ثم إنه لا يخفى عليك سقوط الرمي في اليوم الثالث عمن نفر في النفر الأول و في محكي المنتهى نفي الخلاف عنه، لكن قال: يستحب أن يدفن الحصى المختصة بذلك اليوم، و أنكره الشافعي، و قال: إنه لا يعرف فيه أثرا، بل ينبغي أن يطرح أو يدفع الى من لم يتعجل، و لم يذكر الأثر الدال على ما ذكره من الدفن، و لم نعثر عليه، نعم في

الدعائم (3)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال:

«من تعجل النفر في يومين ترك ما يبقى عنده من الجمار بمنى»

و لا دلالة فيه على الدفن، و الأمر سهل.

و ينبغي للمقيم بمنى أن يوقع صلاته كلها في مسجد الخيف فرضها


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب العود إلى منى الحديث 1 عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام و كذلك في الكافي ج 4 ص 520 الطبع الحديث، و لكن الشيخ قده رواه عن الكليني بالإسناد عن معاوية بن عمار بدل« حماد عن الحلبي» في التهذيب ج 5 ص 273 الرقم 934.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب العود إلى منى- الحديث 2.
3- 3 المستدرك- الباب- 7- من أبواب العود إلى منى الحديث 2.

ج 20، ص: 44

و نقلها، و أفضله في مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) منه، و هو من المنارة إلى نحو

من ثلاثين ذراعا من جهة القبلة، و عن يمينها و يسارها و خلفها كذلك،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1)«صل في مسجد الخيف و هو مسجد بمنى، و كان مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد، و فوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، و عن يمينها و يسارها و خلفها نحوا من ذلك، فان استطعت أن يكون مصلاك فيه فافعل، فإنه قد صلى فيه ألف نبي، و انما سمي مسجد الخيف لأنه مرتفع عن الوادي و ما ارتفع عن الوادي يسمى خيفا».

مضافا الى ما دل على فضل الصلاة فيه مائة ركعة و ست ركعات و التسبيح و التحميد و التهليل،

قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر الثمالي (2): «من صلى في مسجد الخيف من مني مائة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما و من سبح الله تعالى فيه ماءة تسبيحة كتب الله له كأجر عتق رقبة، و من هلل الله فيه ماءة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة، و من حمد الله فيه ماءة تحميدة عدلت أجر خراج العراقين يتصدق به في سبيل الله»

و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(3): «صل ست ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة»

و لعل المراد عند المنارة.

و أسماء أيام منى على الراء: العاشر يوم النحر، و الحادي عشر يوم النفر(4)و الثاني عشر يوم النفر، و الثالث عشر يوم النفر و يوم الصدر، و تسمى ليلته ليلة


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 من كتاب الصلاة.
4- 4 و في الدروس و المدارك« يوم القر».

ج 20، ص: 45

التحصيب، و عن المبسوط هي ليلة الرابع عشر كما تقدم الكلام فيه سابقا، و أيام التشريق أي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر هي المراد بالمعدودات في قوله تعالى (1)«وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ، فَمَنْ تَعَجَّلَ» الآية، كما أن المراد بالمعلومات في قوله تعالى (2)«وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ» أيام العشر في المشهور بل عن روض الجنان أنه مذهبنا، و عن مجمع البيان أنه المروي عن أئمتنا (عليهم السلام)، و عن الخلاف نفي الخلاف عن الأول الذي ربما يؤيده إشعار اللفظ بالقلة، و قوله تعالى «فَمَنْ تَعَجَّلَ» كما أنه يدل على الأمرين

صحيح حماد(3)عن الصادق (عليه السلام) قال علي (عليه السلام) في قول الله عز و جل «وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ» أيام العشر،

و قوله «وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ»: أيام التشريق»

و بتفسير المعدودات خاصة حسن محمد بن مسلم (4)عن الصادق (عليه السلام) و خبر الحميري (5)المروي عن قرب الإسناد، و العياشي في المحكي عن تفسيره عن رفاعة(6)عنه (عليه السلام)، لكن أرسل في محكي التبيان عن الباقر (عليه السلام) العكس و هو المحكي عن الشيخ في النهاية و الزجاج و الفراء لأن الذكر يدل على التسمية على ما ينحر و يذبح من البهائم، بل هو المحكي عن التذكرة أيضا، قال

قال الصادق (عليه السلام) في الصحيح: «قال أبي قال علي (عليهما السلام) «اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ


1- 1 سورة البقرة الآية 199.
2- 2 سورة الحج الآية 28 و 29.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب العود إلى منى- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب العود إلى منى- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب العود إلى منى- الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب العود إلى منى- الحديث 7.

ج 20، ص: 46

عشر ذي الحجة، و أيام معلومات أيام التشريق»

و عن الخلاف عن ابن جبير اتحادهما، و في الدروس عن الجعفي أنهما أيام التشريق، و به خبر الشحام (1)عن الصادق (عليه السلام)، و

عن معاني الأخبار للصدوق في خبر أبي الصباح (2)عنه (عليه السلام) «ان المعلومات أيام التشريق»

و الأمر سهل و إن كان الأظهر الأول، و الله العالم.

[في استحباب قراءة الخطبة للإمام ]

و في النافع و القواعد و غيرهما يستحب للإمام أن يخطب و عن التحرير بعد صلاة الظهر، و عن المنتهى بعد العصر من اليوم الثاني و يعلم الناس ذلك أي وقت النفر الأول و الثاني، و في الدروس و غيرها «و ينبغي أن يعلمهم أيضا كيفية النفر و التوديع، و يحثهم على طاعة الله تعالى و على أن يختموا حجهم بالاستقامة و الثبات على طاعة الله تعالى، و أن يكونوا بعد الحج خيرا منهم قبله، و أن يذكروا ما عاهدوا الله عليه من خير» و لا بأس بذلك كله.

[في جواز الانصراف لمن كان قضى مناسكه بمكة]

و من كان قضى مناسكه بمكة جاز أن ينصرف حيث شاء بلا خلاف و لا إشكال، بل الظاهر الإجماع عليه، للأصل و النصوص، ك

خبر الحسين بن علي السري (3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما ترى في المقام بمنى بعد ما ينفر الناس؟

فقال: إن كان قضى نسكه فليقم ما شاء، و ليذهب حيث شاء»

و قال أيضا في خبر إسحاق بن عمار(4): «كان أبي (عليه السلام) يقول: لو كان لي طريق إلى منزلي من منى ما دخلت مكة»

و غيرهما نعم من بقي عليه شي ء من المناسك كطواف و نحوه عاد وجوبا لتداركه بلا إشكال و لا خلاف.

[مسائل ]
[المسألة الأولى التضييق على من أحدث و لجأ إلى الحرم ]

الأولى من أحدث ما يوجب حدا أو تعزيرا أو قصاصا و لجأ إلى الحرم ضيق عليه في المطعم و المشرب بأن لا يمكن من ماله، بل يطعم و يسقى مالا


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب العود إلى منى الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب العود إلى منى الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب العود إلى منى الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب العود إلى منى الحديث 1.

ج 20، ص: 47

يحتمله مثله عادة أو ما يسد الرمق كما عن بعض حتى يخرج، و لو أحدث في الحرم قوبل بما تقتضيه جنايته فيه كل ذلك مع أنه لا خلاف أجده فيه كما اعترف به في كشف اللثام، للنصوص التي و إن لم تكن مشتملة على لفظ التضييق المزبور لكن يمكن إرادته منها و لو بمعونة الفتاوى و مراعاة بعض العمومات، بل الأولى تفسيره بما فيها، بل في المسالك حكايته عن بعض و استحسنه،

قال معاوية بن عمار(1)في الصحيح: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قتل رجلا في الحل ثم دخل في الحرم فقال: لا يقتل و لا يطعم و لا يسقى و لا يبايع و لا يؤوى حتى يخرج من

الحرم، فيقام عليه الحد، قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال: يقام عليه الحد في الحرم صاغرا، لأنه لم ير للحرم حرمة، و قد قال الله تعالى (2)«فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» فقال: هذا في الحرم، و قال (3)فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ »

و سأله (عليه السلام) الحلبي (4)أيضا في الحسن عن قول الله عز و جل (5)«وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» قال: «إذا أحدث العبد جناية في غير الحرم ثم فر الى الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم، و لكن يمنع من السوق و لا يبايع و لا يطعم و لا يسقى و لا يكلم فإنه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ، و إذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لأنه لم ير للحرم حرمة»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر علي بن أبي حمزة(6)في قول الله عز و جل «وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً»: «إن سرق سارق


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة- الآية 190.
3- 3 سورة البقرة- الآية 189.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.
5- 5 سورة آل عمران الآية 91.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 3.

ج 20، ص: 48

بغير مكة أو منى جناية على نفس ففر إلى مكة لم يؤخذ ما دام في الحرم حتى يخرج منه، و لكن يمنع من السوق و لا يبايع و لا يجالس حتى

يخرج منه فيؤخذ، و إذا أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه»

و لكن

أرسل في الفقيه (1)عن الصادق (عليه السلام) «ان من بال في الكعبة معاندا أخرج منها و من الحرم و ضربت عنقه»

و لعله محمول على ضرب من الندب.

و كيف كان ففي المسالك عن بعض إلحاق مسجد النبي و مشاهد الأئمة عليهم السلام به، و لعله لا يخلو من وجه و إن نسبه الى الندرة فيها، و استضعفه سبطه في المدارك، و تمام الكلام في المسألة قد ذكرناه في كتاب الحدود، فلاحظ و تأمل.

[المسألة الثانية في كراهة منع الحاج من سكنى دور مكة]

المسألة الثانية المشهور أنه يكره أن يمنع أحد الحاج و المعتمرين من سكنى دور مكة، و قيل و القائل الشيخ فيما حكي عنه:

يحرم لما عن الفخر من أن مكة كلها مسجد، لقوله تعالى (2)«سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» و كان الاسراء به من دار أم هاني، و إن كان هو كما ترى مناف للإجماع بقسميه على عدم كونها مسجدا، مع منع كونه في الدار المزبورة، على أنه يمكن أن يكون أسري به منها الى المسجد الحرام ثم منه إلى المسجد الأقصى، و عن ابن إدريس الاستدلال بالإجماع و الأخبار المتواترة،

قال: «و إن لم تكن متواترة فهي متلقاة بالقبول» و فيه منع واضح، و الأولى الاستدلال بظاهر قوله تعالى (3)«سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ» مؤيدا بما تسمعه من النصوص المفسرة له بذلك، فلا يرد ما عن السرائر


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 3.
2- 2 سورة الإسراء الآية 1.
3- 3 سورة الحج الآية 25.

ج 20، ص: 49

من أن الضمير فيه للمسجد الحرام، بل منها يعلم كون المراد به الحرم أو مكة كما في آية الاسراء، و بما ورد من ذم معاوية حيث كان أول من علق المصر أعين و منع الحاج حقه،

قال الصادق (عليه السلام) في حسن الحسين بن أبي العلاء(1): «إن معاوية أول من علق على بابه المصر أعين بمكة، فمنع حاج بيت الله ما قال الله عز و جل «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ» و كان الناس إذا قدموا مكة نزل البادي على الحاضر حتى يقضي حجه، و كان معاوية صاحب السلسلة التي قال الله تعالى (2):

«فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ، إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ» و كان فرعون هذه الأمة»

و قال أيضا في حسنه الآخر(3)في قوله تعالى «سَواءً» إلى آخره «كانت مكة ليس على شي ء منها باب، و كان أول من علق على بابه المصر

أعين معاوية بن أبي سفيان، و ليس ينبغي لأحد أن يمنع الحاج شيئا من الدور و المنازل»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر يحيى بن أبي العلاء(4): «لم يكن لدور مكة أبواب، و كان أهل البلدان يأتون بقطراتهم فيدخلون فيضربون بها، و كان أول من بوبها معاوية لعنه الله»

و قال (عليه السلام) أيضا في صحيح البختري (5): «ليس ينبغي لأهل مكة أن يجعلوا على دورهم أبوابا، و ذلك أن الحاج ينزلون معهم في ساحة الدار حتى


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 32- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1 و تمامه في الكافي ج 4 ص 244.
2- 2 سورة الحاقة الآية 32 و 33.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 5 عن حفص بن البختري و هو الصحيح كما في التهذيب ج 5 ص 463 الرقم 1615.

ج 20، ص: 50

يقضوا حجهم»

و قال (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1)المروي عن العلل بعد أن سأله عن قول الله عز و جل «سَواءً» الآية: «لم يكن ينبغي أن يوضع على دور مكة أبواب، لأن للحاج أن ينزلوا معهم في دورهم في ساحة الدار حتى يقضوا مناسكهم، و إن أول من جعل لدور مكة أبوابا معاوية لعنه الله»

و في

خبر الحسين ابن علوان (2)عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام المروي عن قرب الإسناد «انه

نهي أهل مكة أن توجر دورهم و أن يغلقوا أبوابا، و قال «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ» قال: و فعل ذلك أبو بكر و عمر و عثمان و علي (عليه السلام) حتى كان في زمن معاوية»

و في

خبر علي بن جعفر(3)عن أخيه موسى (عليه السلام) «ليس ينبغي لأهل مكة أن يمنعوا الحاج شيئا من الدور ينزلونها»

أن شهرة الأصحاب و التعبير بلفظ «لا ينبغي» و نحوه رجح الكراهة.

و لذا كان الأول أصح و كونها مفتوحة عنوة لا يمنع من الأولوية و اختصاص الآثار بمن فعلها، و حينئذ فيجوز أخذ الأجرة خلافا لأبي على فحرمها، و لعله لما سمعته من خبر قرب الاسناد الذي لا جابر له، فليحمل على الكراهة، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه، و لعله لذلك استحب للحاج أن يدفع ما يدفع لأجرة حفظ رحله لا أجرة ما ينزله، و ربما كان في حرمة الأجرة لو قلنا بها إيماء إلى حرمة المنع عن النزول، و قد ذكرنا في كتاب المكاسب بعض ما يشهد لما هنا فلاحظ و تأمل.

[المسألة الثالثة في حكم رفع البناء فوق الكعبة]

المسألة الثالثة قال الشيخ و جماعة على ما في المدارك يحرم أن يرفع أحد بناء فوق الكعبة لاستلزامه الإهانة لها، و في كشف اللثام حكاه عن الشيخ و ابن إدريس، ثم قال: و لم أره في كلامهما، نعم نهى عنه القاضي


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب مقدمات الطواف الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب مقدمات الطواف الحديث- 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب مقدمات الطواف الحديث- 8.

ج 20، ص: 51

و هو يحتمل الحرمة و قيل و القائل المشهور كما في كشف اللثام يكره و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده، و ما يشعر به

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (1): «لا ينبغي لأحد أن يرفع بناء فوق الكعبة»

ثم البناء يشمل الدار و غيرها حتى حيطان المسجد، و ظاهر رفعه أن يكون ارتفاعه أكثر من ارتفاع الكعبة، فلا يكره البناء على الجبال حولها مع احتماله، خصوصا مع التسامح في الكراهة، و الله العالم.

[المسألة الرابعة لا تحل لقطة الحرم ]

المسألة الرابعة لا تحل عند المصنف و غيره تملك لقطة الحرم قليلة كانت أو كثيرة، و تعرف سنة، ثم إن شاء تصدق بها و لا ضمان عليه، و إن شاء جعلها في يده أمانة و قد أشبعنا الكلام في المسألة و جميع أطرافها و فروعها في كتاب اللقطة، و الحمد لله تعالى، فلاحظ و تأمل.

[المسألة الخامسة إذا ترك الناس زيارة النبي (صلى الله عليه و آله) أجبروا عليها]

المسألة الخامسة إذا ترك الناس زيارة النبي (صلى الله عليه و آله) أجبروا عليها ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حفص و هشام و حسين الأحمسي و حماد و معاوية بن عمار و غيرهم(2): «لو أن الناس تركوا، الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك و على المقام عنده، و لو تركوا زيارة النبي (صلى الله عليه و آله) لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك و على المقام عنده، فان لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين»

و ظاهره وجوب الإجبار على ذلك و على الحج و على المقام في الحرمين و لكن على الكفاية، و المناقشة بأن ذلك لا يدل على الوجوب الذي عقابه أخروي بخلافه فإن عقابه- و هو الإجبار- دنيوي واضحة الفساد، ضرورة عدم مشروعية الإجبار على غير الواجب، نعم قد يقال: إنه لا بعد في الخبر بترك الكل المندوب بعد ورود الصحيح المعتضد بالعمل به، فهو حينئذ نحو الجبر على


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.

ج 20، ص: 52

الأذان الذي ذكره الشهيدان، قال ثانيهما: «قد اتفقوا على أن إجبار أهل البلد على الأذان بل على قتالهم إذا أطبقوا على تركه».

و في المتن و النافع و محكي المختصر و التذكرة و المنتهى الاستدلال لذلك بما يتضمن من الجفاء المحرم و ذكر غير واحد أنهم أشاروا بذلك إلى

النبوي «من أتى مكة حاجا و لم يزرني إلى المدينة جفاني»

ففي

خبر أبي حجر الأسلمي (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) المروي في الكافي قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من أتى مكة حاجا و لم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة و من أتاني زائرا أوجبت له شفاعتي و من أوجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، و من مات في أحد الحرمين مكة و المدينة لم يعترض و لم يحاسب، و من مات مهاجرا الى الله عز و جل حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر»

و لكنه كما ترى لا دلالة فيه على المطلوب. بل قيل في حرمة الجفاء نظر، على أنه لو تم لوجب إجبار كل واحد من الحاج عليها، و هو مناف لكونها مندوبة على الآحاد، و على كل حال فهو ليس نصا في الوجوب، و نحوه المحكي عن النهاية و المبسوط و الجامع، و عن ابن إدريس حمله على تأكد الندب، و حينئذ فالظاهر عدم إرادة من علل الإشارة الى الخبر المزبور، و يمكن إرادته أنها و إن كانت مندوبة على الآحاد و لكن إذا اتفق الجميع أو الحاج على تركها كان جفاء له، و لا ريب كما في الرياض أنه حرام، فيجب على الوالي إجبارهم على تركه، و فيه إمكان منع الحرمة في مثل هذا الجفاء الذي هو ترك الزيارة

المفروض استحبابها، على أنه فرض المسألة في النافع في ترك الحاج لها لا الناس، و دعوى تحقق الجفاء المحرم بترك الزيارة المندوبة واضحة المنع، على أنه يأتي في جميع زيارات الأئمة


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب المزار- الحديث 3.

ج 20، ص: 53

عليهم السلام، فالعمدة في المسألة الصحيح المزبور الذي حمله على ما هو المنساق منه من وجوب ذلك كفاية فيجبرون عليه لو تركوه أولى من حمله على ندب يجبرون عليه للدليل مراعاة لقاعدة الإجبار، و لعل التزامه في الأذان بعد تسليم الإجماع المزبور أولى من تخصيص قاعدة عدم جواز الإجبار على ما يجوز للعبد تركه، و مع فرض تسليمه فهو مخصوص به للإجماع المفروض، فلا يتعدى منه للمقام.

[في استحباب طواف الوداع ]

ثم إنك قد عرفت سابقا جواز المضي حيث شاء لمن نفر من منى إذا لم يكن عليه شي ء من المناسك (النسك خ ل) في مكة و لكن لا خلاف عندنا في أنه يستحب العود إلى مكة لمن قضى مناسكه لطواف وداع البيت بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى النصوص الواردة في توديع البيت،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1): «إذا أردت أن تخرج من مكة فتأتي أهلك فودع البيت و طف أسبوعا، و إن استطعت أن تستلم الحجر الأسود و الركن اليماني في كل شوط

فافعل، و إلا فافتح به و اختم، فان لم تستطع ذلك فموسع عليك، ثم تأتي المستجار فتصنع عنده مثل ما صنعت يوم قدمت مكة، ثم تخير لنفسك من الدعاء، ثم استلم الحجر الأسود، ثم ألصق بطنك بالبيت، و احمد الله و أثن عليه و صل على محمد و آله، ثم قل: اللهم صل على محمد عبدك و رسولك و نبيك و أمينك و حبيبك و نجيبك و خيرتك من خلقك، اللهم كما بلغ رسالتك و جاهد في سبيلك و صدع بأمرك و أوذي فيك و في جنبك و عبدك حتى أتاه اليقين اللهم اقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة و البركة و الرضوان و العافية مما يسعني أن أطلب أن تعطيني مثل الذي


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب العود إلى منى- الحديث 1.

ج 20، ص: 54

أعطيته أفضل من عبدك تزيدني عليه، اللهم إن أمتني فاغفر لي، و إن أحييتني فارزقنيه من قابل، اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك، اللهم اني عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك حملتني على دابتك و سيرتني في بلادك حتى أوصلتني حرمك و أمتك، و قد كان في حسن ظني بك أن تغفر لي ذنوبي، فإن كنت قد غفرت لي ذنوبي فازدد عني رضي، و قربتي إليك زلفى، و لا تباعدني، و إن كنت لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى من بيتك داري، و هذا أوان انصرافي إن كنت أذنت لي غير راغب عنك و لا عن بيتك و لا مستبدل بك و لا به، اللهم احفظني من بين يدي و عن خلفي و عن يميني و عن شمالي حتى تبلغني أهلي، و اكفني مئونة عبادك و عيالي، فإنك ولي ذلك من خلقك و مني، ثم ائت زمزم فاشرب منها، ثم اخرج فقل آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون الى ربنا راغبون الى ربنا راجعون، فإن أبا عبد الله (عليه السلام) لما أن ودعها و أراد أن يخرج من المسجد خر ساجدا عند باب المسجد طويلا، ثم قام فخرج»

و في

خبر إبراهيم بن أبي محمود(1)قال:

«رأيت أبا الحسن (عليه السلام) ودع البيت فلما أراد أن يخرج من باب المسجد خر ساجدا ثم قام فاستقبل الكعبة فقال: اللهم اني أنقلب على لا إله إلا الله»

و في

خبر الحسين بن علي الكوفي (2)«قال: رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) في سنة خمس عشرة و مائتين ودع البيت بعد ارتفاع الشمس و طاف بالبيت يسلم الركن اليماني في كل شوط، فلما كان الشوط السابع استلمه و استلم الحجر و مسح بيده ثم مسح


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب العود إلى منى- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب العود إلى منى- الحديث 3 عن الحسن بن علي الكوفي و هو الصحيح إذ ليس في الرواية الحسين بن علي الكوفي، هذا و لكن الموجود في الكافي ج 4 ص 532 و التهذيب ج 5 ص 281 الرقم 959 عن الحسن بن علي الكوفي عن علي بن مهزيار قال:« رأيت. إلخ».

ج 20، ص: 55

وجهه بيده ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين، ثم خرج الى دبر الكعبة إلى الملتزم فالتزم البيت و كشف الثوب عن بطنه ثم وقف عليه طويلا يدعو ثم خرج من باب الحناطين و توجه قال: و رأيته في سنة تسع عشرة و مائتين ودع البيت ليلا يستلم الركن اليماني و الحجر الأسود في كل شوط، فلما كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريبا من الركن اليماني و فوق الحجر المستطيل و كشف الثوب عن بطنه ثم أتى الحجر فقبله و مسحه و خرج الى المقام فصلى خلفه، ثم مضى و لم يعد الى البيت، و كان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط و بعضهم ثمانية»

و في

خبر قثم بن كعب (1)قال: «قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): إنك لتدمن الحج قلت: أجل، قال فليكن آخر عهدك بالبيت أن تضع يدك على الباب و تقول: المسكين على بابك فتصدق عليه بالجنة»

و في

خبر أبي إسماعيل (2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): هو ذا أخرج جعلت فداك فمن أين أودع البيت؟ قال: تأتي المستجار بين الحجر و الباب فتودعه من ثم، ثم تخرج فتشرب من زمزم، ثم تمضي، فقلت أصب على رأسي فقال: لا تقرب الصب»

الى غير ذلك من النصوص، إلا أنه ليس واجبا عندنا، للأصل و النصوص (3)التي تقدم بعضها، و في

خبر هشام بن سالم (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن نسي زيارة البيت حتى يرجع الى أهله قال: لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه»

و في

خبر علي (5)عن أحدهما عليهما السلام «في رجل لم يودع البيت قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب العود إلى منى- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب العود إلى منى- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- و 14 من أبواب العود إلى منى- الحديث 1 و الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب العود إلى منى- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 19- من أبواب العود إلى منى- الحديث 2.

ج 20، ص: 56

لا بأس به إذا كانت به علة أو كان ناسيا»

و منهما يفهم شدة تأكد الاستحباب، و عن أحمد و الشافعي في قول وجوبه حتى أوجبا في تركه دما.

[في استحباب صلاة ست ركعات بمسجد الخيف ]

و يستحب أمام ذلك في يومه أو قبله و إن قال المفيد في المحكي عنه إذا ابيضت الشمس يعني يوم الرابع صلاة ست ركعات بمسجد الخيف بمنى كما عن المقنعة و النهاية و المبسوط، لخبر أبي بصير(1)المتقدم، لكن لا دلالة فيه على استحباب ذلك أمام العود، بل ظاهره استحباب

الصلاة في المكان المزبور لشرفه، كخبر الثمالي (2)المتقدم المشتمل على صلاة ماءة ركعة فيه، و غير ذلك، إلا أن أمر الاستحباب مما يتساهل فيه.

و كيف كان ف آكده استحبابا عند المنارة المعبر عنها في خبر الثمالي (3)بالصومعة التي في وسطه، و فوقها إلى جهة القبلة بنحو ثلاثين ذراعا و عن يمينها و يسارها كذلك بل و خلفها كما سمعته في الخبر(4)و لكن تركه المصنف و غيره إلا الشيخ في المحكي من مصباحه، فقال: من كل جانب، و لم أعرف له وجها، و ربما تكلف إرادتهم ذلك من قولهم «عند المنارة» خصوصا إذا تعلق قولهم بنحو من ثلاثين ذراعا به و بالفوق، و الأمر سهل، و لعل وجه التأكد حمل ما في خبر أبي بصير(5)من الأمر بصلاة الست في مسجد منى في


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 من كتاب الصلاة و هو خبر أبي بصير.
4- 4 الوسائل- الباب- 50- من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 51- من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 من كتاب الصلاة.

ج 20، ص: 57

الصومعة على التأكد و إن كنا لم نعثر على رواية مطلقة بصلاتها فيه، نعم في خبر الثمالي ما يدل على استحباب الصلاة في مسجد الخيف مائة ركعة كما سمعته سابقا، و الله العالم.

[في استحباب التحصيب لمن نفر في الأخير]

و يستحب التحصيب لمن نفر في الأخير أي النزول في وادي المحصب و أن يستلقي فيه كما صرح بذلك كله غير واحد من الأصحاب، بل نسبه بعضهم إليهم مشعرا بالإجماع عليه،

قال معاوية بن عمار(1): «إذا نفرت و انتهيت إلى الحصبة و هي البطحاء فشئت أن تنزل قليلا فإن أبا عبد الله (عليه السلام) قال:

كان أبي (عليه السلام) ينزلها ثم يرتحل فيدخل مكة من غير أن ينام فيها، و قال:

إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) إنما نزلها حيث بعث بعائشة مع أخيها عبد الرحمن الى التنعيم، فاعتمرت لمكان العلة التي أصابتها فطافت بالبيت ثم سعت ثم رجعت فارتحل من يومه»

و في

خبر أبي مريم (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه سئل عن الحصبة فقال: كان أبي (عليه السلام) ينزل الأبطح قليلا ثم يجي ء فيدخل البيوت من غير أن ينام بالأبطح، فقلت له أ رأيت من تعجل في يومين إن كان من أهل اليمن عليه أن يحصب؟ قال: لا» و رواه الصدوق بإسقاط قوله «إن كان من أهل اليمين» و زيادة «كان أبي (عليه السلام) ينزل الحصبة قليلا ثم يرتحل و هو دون ذو خبط و حرمان»

و على كل حال فمنه خص الأصحاب التحصيب بالنفر الأخير، و لم نعثر على غير هذين الخبرين فيما وصل إلينا من النصوص، نعم عن

الفقه المنسوب (3)الى الرضا (عليه السلام) «فإذا رميت الجمار يوم الرابع ارتفاع النهار فامض منها إلى مكة، فإذا بلغت مسجد الحصبة دخلته و استلقيت فيه على قفاك على قدر


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب العود إلى منى- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب العود إلى منى- الحديث 3.
3- 3 فقه الرضا عليه السلام ص 29.

ج 20، ص: 58

ما تستريح»

و في

دعائم الإسلام (1)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «أنه قال: يستحب لمن نفر من منى أن ينزل بالمحصب، و هي البطحاء فيمكث بها قليلا ثم يرتحل إلى مكة، فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كذلك فعل و كذلك كان أبو جعفر (عليه السلام) يفعله»

و لكن في الدروس و يستحب للنافر في الأخير التحصيب تأسيا بالرسول (صلى الله عليه و آله)، و هو النزول بمسجد الحصبة بالأبطح الذي نزل به رسول الله (صلى الله عليه و آله) و يستريح فيه قليلا و يستلقي على قفاه، و

روي (2)أن النبي (صلى الله عليه و آله) يصلي فيه الظهرين و العشائين و هجع هجعة ثم دخل مكة،

و ليس التحصيب من سنن الحج و مناسكه، و انما هو فعل مستحب اقتداء برسول الله (صلى الله

عليه و آله) و قال ابن إدريس: «ليس للمسجد أثر الآن فتتأدى هذه السنة بالنزول بالمحصب من الأبطح، و هو ما بين العقبة و بين مكة، و قيل: هو ما بين الجبل الذي عند مقابر مكة و الجبل الذي يقابله مصعدا في الشق الأيمن لقاصد مكة، و ليست المقبرة فيه، و اشتقاقه من الحصباء و هو الحصى المحمول بالسيل» و قال السيد ضياء الدين بن الفاخر شارح الرسالة: «ما شاهدت أحدا يعلمني به في زماني، و انما أوقفني أحد على أثر مسجد بقرب منى على يمين قاصد مكة في مسيل- واد- قال- و ذكر آخرون أنه عند مخرج الأبطح إلى مكة» و

روى الصدوق (3)أن الباقر (عليه السلام) كان ينزل بالأبطح قليلا ثم يدخل البيوت،

و أكثر الروايات ليس فيها تعيين مسجد، و لعله عثر على ما لم نعثر عليه من النصوص، أو أن ما ذكره من روايات العامة.

و على كل حال فقد اعترف غير واحد بأنه ليس لهذا المسجد أثر،


1- 1 المستدرك- الباب- 13- من أبواب العود إلى منى- الحديث 1.
2- 2 سنن البيهقي- ج 5 ص 160.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب العود إلى منى- الحديث 4.

ج 20، ص: 59

و لكن قيل ظاهر كلام الصدوق و الشيخين وجوده في زمنهم، و قد عرفت أن المستفاد من النصوص استحباب النزول في المحصب الذي هو الوادي لا المسجد و إن ذكر ذلك غير واحد إلا ما سمعته من الفقه المنسوب الى الرضا (عليه السلام) الذي لم تثبت عندنا نسبته، و لعل ما ذكره

ابن إدريس من تأدي السنة بالنزول في الوادي لعدم معرفة المسجد مبني على الجمع بينهما على فرض وجود الأمر به في المسجد بالحمل على التأكد فيه لا أصل السنة، و قد نص الجوهري و غيره على ما قيل انه الشعب الذي يخرجه إلى الأبطح، و قد سمعت ما في خبر أبي مريم أنه دون خبط و حرمان، و الظاهر أنهما اسمان ثم زالا و زال اسمهما، و في المدارك «لم أقف في كلام أهل اللغة على شي ء يعتد به في ضبط هذين اللفظين و تفسيرهما» و في الوافي «لعل المراد بما دون خبط و حرمان أن لا ينام فيه مطمئنا و لا يجاوزه محروما من الاستراحة فيه، فان الخبط بالمعجمة و الموحدة طرح النفس حيث كان النوم، و في بعض النسخ «ذو خبط» يعني يرتحل و هو طارح نفسه للنوم و محروم من النوم» انتهى، و عن الأزرقي «حد المحصب من الحجون متصعدا في الشق الأيسر و أنت ذاهب إلى منى الى حائط حرمان مرتفعا عن بطن الوادي» و هو يشهد لما قلناه، كقوله أيضا في المحكي عن تاريخه «كان أهل مكة يدفنون موتاهم في جنبي الوادي يمنة و شامة (يمنة و شامية خ ل) في الجاهلية و في صدر الإسلام، ثم حول الناس جميعا قبورهم الى الشعب الأيسر لما جاء فيه من الرواية ففيه اليوم قبور أهل مكة إلا آل عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، و آل سفيان بن عبد الأسد بن هلال ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فهم يدفنون بالمقبرة العليا بحائط حرمان» و عن السيد تقي الدين المالكي في مختصر المقدمة «قلت حائط حرمان هو الموضع

ج 20، ص: 60

الذي يقال له الحرمانية عند المعاندة» و الله العالم.

[في استحباب دخول الكعبة إذا عاد إلى مكة]

و كيف كان ف إذا عاد إلى مكة فمن السنة أن يدخل الكعبة بغير حذاء و يتأكد ذلك في حق الصرورة، و أن يغتسل و يدعو عند دخولها و أن يصلي بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين يقرأ في الأولى الحمد و حم السجدة، و في الثانية الحمد و عدد آيها، و يصلي في زوايا البيت ثم يدعو بالدعاء المرسوم، و يستلم الأركان و يتأكد في اليماني بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك،

قال معاوية بن عمار(1)في الصحيح: «رأيت العبد الصالح (عليه السلام) دخل الكعبة فصلى فيها ركعتين على الرخامة الحمراء ثم قام فاستقبل الحائط بين الركن اليماني و الغربي فرفع يده عليه و لصق به و دعا، ثم تحول الى الركن اليماني فلصق به و دعا، ثم أتى الركن الغربي ثم خرج»

و في

خبر أبي القداح (2)عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «سألته عن دخول الكعبة فقال: الدخول

فيها دخول في رحمة الله تعالى: و الخروج منها خروج من الذنوب، معصوم فيما بقي من عمره، مغفور له ما سلف من ذنوبه»

و في مرسل علي بن خالد(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان يقول: الداخل في الكعبة يدخل و الله راض عنه، و يخرج عطلا من الذنوب»

و في مرسل الصدوق (4)«من دخل الكعبة بسكينة و وقار و هو أن يدخلها غير متكبر و لا متجبر غفر له»

و قال الصادق (عليه السلام) في خبر سعيد الأعرج (5)«لا بد للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع، فإذا دخلته فادخله بسكينة و وقار ثم ائت كل زاوية من زواياه،


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 36- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 6.

ج 20، ص: 61

ثم قل: اللهم إنك قلت: و من دخله كان آمنا فآمني من عذابك يوم القيامة وصل بين العمودين يليان الباب على الرخامة الحمراء، و إن كثر الناس فاستقبل كل زاوية في مقامك حيث صليت و ادع الله و سله»

و في مرسل أبان بن عثمان (1)«يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام، و أن يدخل البيت»

و في

خبر حماد ابن عثمان (2)المحمول على ذلك «سألته (عليه السلام) أيضا عن دخول البيت فقال: أما الصرورة فيدخله، و أما من حج فلا»

و كذا

خبر سليمان بن مهران (3)عنه (عليه السلام) أيضا في حديث «قلت له: و كيف صار الصرورة يستحب له دخول الكعبة دون من قد حج؟ قال: لأن الصرورة قاضي فرض مدعوا الى حج بيت الله تعالى، فيجب أن يدخل البيت الذي دعي اليه ليكرم فيه»

و كذا

خبر علي ابن جعفر(4)المروي عن قرب الإسناد «سألت أخي موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن دخول الكعبة أ واجب هو على كل من قد حج، قال: هو واجب أول حجة، ثم إن شاء فعل و إن شاء ترك»

و في مرسل المقنعة(5)عنه (عليه السلام) أيضا «أحب للصرورة أن يدخل الكعبة و أن يطأ المشعر الحرام، و من ليس بصرورة فإن وجد الى ذلك سبيلا و أحب ذلك فعل و كان مأجورا، و إن كان على باب الكعبة زحام فلا يزاحم الناس»

و في

صحيح معاوية(6)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخل، و لا

تدخلها بحذاء، و تقول إذا دخلت: اللهم إنك قلت و من دخله كان آمنا فآمني من عذاب النار، ثم تصلي ركعتين بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء، تقرأ في الركعة الأولى حم


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 35- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 36- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.

ج 20، ص: 62

السجدة و في الثانية عدد آيها من القرآن، و تصلي في زواياه، و تقول: اللهم من تهيأ أو تعبأ أو أعد أو استعد لوفادة الى مخلوق رجاء رفده و جائزته و نوافله و فواضله فإليك يا سيدي تهيئتي و تعبئتي و إعدادي و استعدادي رجاء رفدك و نوافلك و جائزتك، فلا تخيب اليوم رجائي يا من لا يخيب عليه سائل، و لا ينقصه نائل، فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته و لا شفاعة مخلوق رجوته، و لكن أتيتك مقرا بالظلم و الاسائة على نفسي، فإنه لا حجة لي و لا عذر، فأسألك يا من هو كذلك أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تعطيني مسألتي و تقيلني عثرتي، و تقبلني برغبتي، و لا تردني مجبوها ممنوعا و لا خائبا، يا عظيم يا عظيم أرجوك للعظيم، أسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب العظيم، لا إله إلا أنت، قال و لا تدخلها بحذاء و لا تبزق فيها، و لا تمتخط فيها، و لم يدخلها رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلا يوم فتح مكة»

و في

خبر محمد بن إسماعيل بن همام (1)قال أبو الحسن (عليه السلام) «دخل النبي (صلى الله عليه و آله) الكعبة فصلى في زواياها الأربع، و صلى في كل زاوية ركعتين»

و قال الحسين بن أبي العلاء(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) و ذكرت الصلاة في الكعبة قال: بين العمودين تقوم على البلاطة الحمراء فان رسول الله صلى الله عليه و آله صلى عليها ثم أقبل على أركان البيت، و كبر الى كل ركن منه»

الى غير ذلك من النصوص المشتملة أيضا على السجود فيها و الدعاء بالمأثور

قال ذريح (3)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) في الكعبة و هو ساجد و هو يقول: لا يرد غضبك إلا حلمك، و لا يجير من عذابك إلا رحمتك، و لا ينجي منك إلا التضرع إليك، فهب لي يا الهي فرجا بالقدرة التي بها تحيي أموات العباد، و بها تنشر


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2 عن أحمد بن محمد عن إسماعيل بن همام.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.

ج 20، ص: 63

ميت البلاد، و لا تهلكني يا الهي حتى تستجيب لي دعائي و تعرفني الإجابة، اللهم ارزقني العافية إلى منتهى أجلي، و لا تشمت بي عدوي و لا تمكنه من عنقي، من ذا الذي يرفعني إن وضعتني، و من ذا الذي يضعني إن رفعتني، و

إن أهلكتني فمن ذا الذي يعرض لك في عبدك و يسألك عن أمره، فقد علمت يا الهي أنه ليس في حكمك ظلم و لا في نقمتك عجلة، و انما يعجل من يخاف الفوت و يحتاج الى الظلم الضعيف، و قد تعاليت يا الهي عن ذلك، الهي فلا تجعلني للبلاء عرضا، و لا لنقمتك نصبا، و مهلني و نفسي، و أقلني عثرتي، و لا ترد يدي في نحري، و لا تتبعني بلاء على أثر بلاء، فقد ترى ضعفي و تضرعي إليك، و وحشتي من الناس و أنسي بك، و أعوذ بك اليوم فأعذني، و أستجير بك، فأجرني و أستعين بك على الضراء فأعني و أستنصرك فانصرني، و أتوكل عليك فاكفني و أومن بك فأمنى، و أستهديك فاهدني، و أسترحمك فارحمني، و أستغفرك مما تعلم فاغفر لي، و أسترزقك من فضلك الواسع فارزقني، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.»

و يستحب البكاء فيها و حولها من خشية الله، فان

الصادق (عليه السلام)(1)قال:

«انما سميت الكعبة بكة لبكاء الناس فيها و حولها».

و قد سمعت ما في صحيح معاوية(2)من الأمر بالغسل لدخولها، و الظاهر ثبوته للنساء أيضا لقاعدة الاشتراك، و

قال الحلبي (3): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أ يغتسلن النساء إذا أتين البيت

قال: نعم ان الله عز و جل يقول طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ، فينبغي للعبد أن لا يدخل


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.

ج 20، ص: 64

إلا و هو طاهر قد غسل عنه العرق و الأذى و يطهر».

و يستحب التكبير ثلاثا و هو خارج من الكعبة

قال عبد الله بن سنان (1)«سمعت أبا عبد الله و هو خارج من الكعبة و هو يقول الله أكبر الله أكبر حتى قالها ثلاثا، ثم قال: اللهم لا تجهد بلاءنا ربنا و لا تشمت بناء أعداءنا، فإنك أنت الضار النافع، ثم هبط فصلى الى جانب الدرجة جعل الدرجة عن يساره مستقبل القبلة ليس بينها و بينه أحد، ثم خرج الى منزله».

و منه يستفاد صلاة ركعتين عن يمين الدرجة، و

قال يونس (2): «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إذا دخلت الكعبة كيف أصنع؟ قال: خذ بحلقتي الباب إذا دخلت ثم امض فائت العمودين فصل على الرخامة الحمراء، ثم إذا خرجت من البيت فنزلت من الدرجة فصل عن يمينك ركعتين»

نعم الظاهر عدم تأكد الدخول للنساء و إن كن صرورة للنصوص الدالة على وضع ذلك عنهن و إن دخلنه كان أفضل،

قال عبد الله بن سنان (3)«سئل الصادق (عليه السلام) عن دخول النساء الكعبة قال: ليس عليهن و إن فعلنه فهو أفضل»

و قال (عليه السلام) أيضا في مرسل فضالة بن أيوب (4): «ان الله وضع عن النساء أربعا و عد منهن دخول الكعبة»

و نحوه غيره، و لا يخفي عليك بعد التأمل في هذه النصوص ما فيها من كيفيات الدخول و الصلاة و غير ذلك مما أمر به و نهي عنه، و في

صحيح هشام بن الحكم(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 42- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.

ج 20، ص: 65

عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ما دخل رسول الله صلى الله عليه و آله الكعبة إلا مرة و بسط فيها ثوبه تحت قدميه و خلع نعليه»

و قال معاوية بن عمار(1)في دعاء الولد قال (عليه السلام): «أفض عليك دلوا من ماء زمزم، ثم ادخل البيت، فإذا أقمت على باب البيت فخذ بحلقة الباب ثم قل: اللهم إن البيت بيتك، و العبد عبدك، و قد قلت و من دخله كان آمنا فآمني من عذابك، و أجرني من سخطك، ثم ادخل البيت فصل على الرخامة الحمراء ركعتين ثم قم إلى الأسطوانة التي بحذاء الحجر و ألصق بها صدرك، ثم قل: يا واحد يا

أحد يا ماجد يا قريب يا بعيد يا عزيز يا حليم لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ، هب لي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ، ثم در بالأسطوانة فألصق بها ظهرك و بطنك و تدعو بهذا الدعاء فان يرد الله شيئا كان»

و الله العالم

[في استحباب طواف الوداع ]

ثم يطوف بالبيت طواف الوداع أسبوعا ثم يستلم الأركان و المستجار، و يتخير من الدعاء ما أحب و قد تقدم صحيح معاوية بن عمار(2)و غيره المشتمل على كيفية ذلك و الدعاء، و فيه ثم يأتي زمزم فيشرب منها ثم يخرج و هو يدعو بأن يقول «آئبون تائبون» الخبر، و مثله في الشرب من ماء زمزم قبل الخروج خبر أبي إسماعيل (3)المتقدم آنفا أيضا لكن عن صريح الصدوق و المفيد و سلار أنه يقول ما سمعت إذا خرج من المسجد، و ظاهر غيرهم حين الأخذ في الخروج، و لعله ظاهر الخبر المزبور، و قد تقدم أيضا ما

قال الصادق (عليه السلام) لقثم بن كعب (4)و ظاهره باب الكعبة كما عن القاضي، قال: «و إن قدر أن يتعلق بحلقة الباب فليفعل، و يقول: المسكين»

الى آخره،


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب العود إلى منى- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب العود إلى منى- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب العود إلى منى- الحديث 4.

ج 20، ص: 66

و لكن عن المقنعة و المراسم أنه إذا خرج من المسجد وضع يده على الباب و قال ذلك، و ظاهره باب المسجد، و فيهما أيضا قبل إتيان زمزم صلاة ركعتين أو أكثر نحو كل ركن آخرها ركن الحجر ثم إتيان الحطيم مرة أخرى و الالتصاق به و الحمد و الصلاة و مسألة أن لا يجعله آخر العهد، و لا بأس به، و الله العالم.

[في استحباب خروجه من باب الحناطين ]

و يستحب أيضا خروجه من باب الحناطين تأسيا بما سمعته في خبر الأحمسي (1)من خروج أبي جعفر الثاني (عليه السلام) منه، و عن ابن إدريس أنه باب بني جمح، و هي قبيلة من قبائل قريش، و في القواعد و غيرها أنه بإزاء الركن الشامي على التقريب، و سمي بذلك لبيع الحنطة عنده، أو الحنوط، و عن الكركي لم أجد أحدا يعرف موضع هذا الباب، فان المسجد قد زيد فيه، فينبغي أن يتحرى الخارج موازاة الركن الشامي ثم يخرج، و لا بأس به.

كما لا بأس بإكثار الشرب من ماء زمزم و حمله و إهدائه، قال في الدروس و رابعها الشرب من زمزم، و الإكثار منه و التضلع منه أي الامتلاء، فقد

قال النبي (صلى الله عليه و آله)(2)«ماء زمزم لما شرب له»

و قد روى حماد أن جماعة من العلماء شربوا منه لمطالب مهمة ما بين تحصيل علم و قضاء حاجة و شفاء من علة و غير ذلك فنالوها، و الأهم طلب المغفرة من الله تعالى، فليسم و لينو بشربه طلب المغفرة و الفوز بالجنة و النجاة من النار و غير ذلك، و يستحب حمله و إهداؤه،

قال (عليه السلام) في


1- 1 لم يتقدم للأحمسي خبر يدل على ذلك و انما ذكر في خبر الحسن ابن علي الكوفي عن علي بن مهزيار الذي ذكره في الوسائل في الباب- 18- من أبواب العود إلى منى- الحديث 3 و قد تقدم في ص 54.
2- 2 سنن البيهقي ج 5 ص 148.

ج 20، ص: 67

رواية معاوية(1)«أسماء ماء زمزم ركضة جبرائيل، و سقيا إسماعيل، و حفيرة عبد المطلب، و زمزم، و المصونة، و القيا، و طعام طعم و شفاء سقم»

انتهى،

و أرسل الصدوق (2)عن الصادق (عليه السلام) «ماء زمزم لما شرب له»

قال و روي (3)«ان من روى من ماء زمزم أحدث به شفاء و صرف عنه داء»

قال (4): «و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يستهدي ماء زمزم و هو بالمدينة»

الى غير ذلك من النصوص الواردة فيه.

و كيف كان ف يخر ساجدا و يستقبل القبلة و يدعو قبل الخروج من المسجد كما سمعته في صحيحي معاوية(5)و إبراهيم بن أبي محمود(6)و لعل عبارة المتن لا تنافي ذلك و إن قيل إن ظاهرها أن محل هذا السجود بعد الخروج من المسجد، لكن فيه منع واضح، و عن الصدوق «خر ساجدا و اسأل الله أن يتقبله منك و لا يجعله آخر العهد منك» و عن المفيد و القاضي «يقول:

سجدت لك تعبدا ورقا، و لا إله إلا أنت ربي حقا حقا، اللهم اغفر لي ذنوبي و تقبل حسناتي و تب على، إنك أنت التواب الرحيم، ثم ترفع الرأس» و لا بأس بقول ذلك جميعه و غيره مما يخطر، و الله العالم.

[في استحباب اشتراه التمر بدرهم و التصدق ]

و يستحب أيضا أن يشتري بدرهم مثلا تمرا و يتصدق به قبضة قبضة احتياطا ل ما وقع منه في إحرامه و حرم الله عز و جل،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(7): «يستحب للرجل و المرأة أن لا يخرجا من مكة حتى يشتريا بدرهم تمرا فيتصدقا به لما كان منهما في إحرامهما، و لما كان منهما في حرم الله عز و جل»

و قال (عليه السلام) أيضا في صحيحه


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 6- مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2- مع الاختلاف.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب العود إلى منى- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 18- من أبواب العود إلى منى- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 20- من أبواب العود إلى منى- الحديث- 1.

ج 20، ص: 68

و حفص بن البختري (1): «ينبغي للحاج إذا قضى مناسكه و أراد أن يخرج أن يبتاع بدرهم تمرا فيتصدق به فيكون كفارة لما لعله دخل في حجه من حك أو قملة سقطت أو نحو ذلك»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر أبي بصير(2): «إذا أردت أن تخرج من مكة فاشتر بدرهم تمرا فتصدق به قبضة قبضة فيكون لكل ما كان حصل في إحرامك، و ما كان منك في مكة»

بل جزم الشهيدان و غيرهما بأنه لو تصدق بذلك ثم ظهر له موجب يتأدى بالصدقة أجزأ، لظاهر هذه النصوص لكنه لا يخلو من نظر، و عن الجعفي (3)الصدقة بدرهم.

و يستحب التطوع بطواف بعد الحج عن سائر أرحامه و أهل بلده، ل

خبر إبراهيم الحضرمي (4)قال: «رجعت من مكة فأتيت أبا الحسن موسى (عليه السلام) في المسجد و هو قاعد فيما بين المنبر و القبر فقلت يا ابن رسول الله (صلى الله عليه و آله): اني إذا خرجت إلى مكة ربما قال لي الرجل طف عني أسبوعا و صل عني ركعتين فربما شغلت عن ذلك فإذا رجعت لم أدر ما أقول له قال فإذا أتيت مكة فقضيت نسكك فطف أسبوعا وصل ركعتين، و قل: اللهم إن هذا الطواف و هاتين الركعتين عن أبي و أمي و زوجتي و عن ولدي و

عن خاصتي و عن جميع أهل بلدي حرهم و عبدهم و أبيضهم و أسودهم، فلا بأس أن تقول للرجل اني قد طفت عنك و صليت عنك ركعتين إلا كنت صادقا»

و الله العالم.

[في كراهة الحج و العمرة على الإبل الجلالة]

و يكره الحج و العمرة على الإبل الجلالة ل

خبر إسحاق بن عمار(5)عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «ان عليا (عليه السلام) كان يكره الحج و العمرة


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب العود إلى منى- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب العود إلى منى- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب العود إلى منى- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب العود إلى منى- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 57- من أبواب آداب السفر- الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 20، ص: 69

على الإبل الجلالات».

[في استحباب العزم على العود للحاج ]

و يستحب لمن حج أن يعزم على العود لأنه من أعظم الطاعات المعلوم كون العزم عليها من قضايا الايمان و قد سمعت ما في أخبار الدعاء بأن لا يجعله أخر العهد به، و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان (1): «من خرج من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره»

بل الظاهر كراهة عدم إرادة العود إليها، ل

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل حسين بن عثمان(2): «من خرج من مكة و هو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله و دنى عذابه»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر الحسن بن علي(3): «ان يزيد بن معاوية قد حج فلما انصرف قال:

إذا جعلنا ثافلا يمينا فلا نعود بعدها سنينا

للحج و العمرة ما بقينا.

فنقص الله من عمره و أماته قبل أجله،»

هذا.

و في الدروس استحباب إتيان مولد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو الآن مسجد في زقاق يسمى زقاق المولد، و إتيان منزل خديجة الذي كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يسكنه و خديجة: و فيه ولدت أولادها منه، و فيه قد توفيت، و لم يزل رسول الله صلى الله عليه و آله مقيما به حتى هاجر، و هو الآن مسجد أيضا.

و زيارة خديجة بالحجون، و قبرها هناك معروف بسفح الجبل.

و إتيان مسجد راقم، و يقال للدار التي هو بها دار الحروانة، فيه أنشر (استتر خ ل) النبي صلى الله عليه و آله أول الإسلام.

و إتيان الغار بجبل الحرا الذي كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) في ابتداء الوحي يتعبد فيه و إتيان الغار الذي بجبل ثور استتر به النبي (صلى الله عليه و آله) عن المشركين، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 57- من أبواب وجوب الحج- الحديث 5.

ج 20، ص: 70

[في أفضلية الطواف للمجاور من الصلاة، و للمقيم بالعكس ]

و الطواف أفضل للمجاور من الصلاة، و للمقيم بالعكس كما صرح به غير واحد، ل

خبر حريز أو صحيحه (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الطواف لغير أهل مكة ممن جاور بها أفضل أو الصلاة قال: الطواف للمجاورين أفضل، و الصلاة لأهل مكة و القاطنين بها أفضل من الطواف»

و صحيح حفص، و حماد و هشام (2)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا أقام الرجل بمكة سنة فالطواف أفضل، و إذا أقام سنتين خلط من هذا و هذا، و إذا أقام ثلاث سنين فالصلاة أفضل»

الى غير ذلك من النصوص التي ظاهرها تحديد المجاورة بسنة، و أما الثانية فالخلط، و أما الثالثة فالصلاة، و هو مناف لإطلاق المصنف و غيره الحكم في المجاور و المقيم، و على

كل حال فالظاهر إرادة غير الرواتب من الصلاة، لزيادة الحث عليها بل قد سمعت قطع الطواف لخوف فوات الوتر منها، بل قد يقال إن المراد أفضلية الطواف من النوافل المبتدأة، أما المخصوصة كنوافل ليلة القدر و نحوها فلا، و الأمر سهل بعد كون الأمر مستحبا.

[في كراهة المجاورة بمكة]

و تكره المجاورة بمكة في المشهور كما في الدروس و على المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك معللين له بخوف الملالة و قلة الاحترام أو بالخوف من ملابسة الذنب، فان الذنب فيها أعظم، و بأن المقام فيها يقسي القلب، و بأن من سارع الى الخروج منها يدوم شوقه إليها، و ذلك المطلوب لله عز و جل، بل في المدارك أن هذه التعليلات كلها مروية، لكن أكثرها غير واضحة الإسناد، قلت: قد عرفت مكررا التسامح في أدلة الكراهة، مضافا الى

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (3)«لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكة سنة، قلت: كيف يصنع؟ قال: يتحول عنها» و الى صحيح الحلبي(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الطواف- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.

ج 20، ص: 71

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل»(1)«وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ» فقال: كل الظلم فيه إلحاد حتى لو ضربت خادمك ظلما خشيت أن يكون إلحادا، فلذلك كان الفقهاء تكره سكنى مكة»

و خبر أبي الصباح الكناني (2)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل:

«وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ» الى آخره فقال: كل ظلم يظلمه الرجل بنفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد أو شي ء من الظلم فإني أراه إلحادا، و لذلك كان يتقي الفقهاء سكنى الحرم»

و خبر داود الرقي (3)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا فرغت من نسكك فارجع فإنه أشوق لك الى الرجوع»

و نحوه خبر أبي بصير(4)عنه (عليه السلام) أيضا

و المرسل (5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا قضى أحدكم نسكه فليركب راحلته و ليلحق بأهله، فإن المقام بمكة يقسي القلب»

و عنه (6)(عليه السلام) أيضا «انه كره المقام بمكة، و ذلك لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أخرج منها»

و في الحدائق استنباط كراهة سكنى الأماكن المشرفة و المشاهد المعظمة من هذه النصوص،

و هو استنباط قبيح يمكن دعوى منافاته لما هو كالضروري، إنما الكلام في خصوص مجاورة مكة، قيل و المراد به هو المسافر بعد نية إقامة عشرة أيام، و في المسالك في شرح العبارة يعني الإقامة بها بعد انقضاء المناسك و ان لم يكن سنة، و يمكن أن يريد به سنة، و كلاهما مروي في الصحيح، و مع الثاني أنه المتعارف.

و على كل حال فقد سمعت ما ورد فيه لكن في

صحيح ابن مهزيار(7)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) المقام بمكة أفضل أو الخروج الى بعض الأمصار


1- 1 سورة الحج الآية 26.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 8.
7- 7 الوسائل- الباب- 16- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.

ج 20، ص: 72

فكتب (عليه السلام) المقام عند بيت الله أفضل»

مؤيدا بما عن

علي بن الحسين (عليهما السلام)(1)«من ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و يرى منزله من الجنة، و تسبيحة بمكة تعدل خراج العراقين ينفق في سبيل الله، و من صلى بمكة سبعين ركعة فقرأ في كل ركعة بقل هو الله أحد و انا أنزلناه و آية السخرة و آية الكرسي لم يمت إلا شهيدا، و الطاعم بمكة كالصائم فيما سواها و صوم يوم بمكة يعدل صيام سنة فيما سواها، و الماشي في مكة في عبادة الله عز و جل»

الى غير ذلك من النصوص التي لا تنافي عند التأمل كراهة المجاورة خصوصا بعد احتمال كون الطاعم فيها كالصائم و الماشي كالعابد خصوص من نويا بكونهما التقرب الى الله تعالى بأداء المناسك أو غيرها من العبادات، على أنه غير مناف لكون الخارج منها لتشويق نفسه إليها و التحرز من الإلحاد و القسوة و الاندراج في الحاج و الوافدين على الله تعالى و نحو ذلك مما لا يحصل للمقيم كذلك أيضا، أو أفضل منه،

قال أبو جعفر (عليه السلام) في المرسل (2)«من جاور بمكة سنة غفر الله له ذنوبه و لأهل بيته و لكل من استغفر له و لعشيرته و لجيرته تسع سنين قد مضت، و عصموا من كل سوء أربعين و مائة سنة» و قال بعد ذلك: «و الانصراف و الرجوع أفضل من المجاورة»

و ان احتمل كون ذلك من الصدوق، و جمع الشهيد بين الخبرين باستحباب المجاورة لمن يثق من نفسه بعدم المحذورات المذكورة، و حكى قولا باستحبابها للعبادة و كراهيتها للتجارة و لم يستوضحه في المدارك، قال: إذ مقتضى الروايتين كراهة المجاورة على ذينك الوجهين، و تبعه بعض من تأخر عنه و يمكن منعه عليه، كما أنه يمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.

ج 20، ص: 73

كون مراد القائل استحباب الجوار من حيث كونه جوارا لأمن حيث العبادات الأخر من طواف و نحوه، و بذلك يظهر لك عدم التنافي بين

النصوص، و لعل صحيح ابن مهزيار محمول على خصوص القادم للحج و العبادة، فإن مقامه بالبيت أفضل له من مقامه في غير مكان، و الله العالم.

[في استحباب النزول بالمعرس ]

و يستحب النزول بالمعرس بضم الميم و فتح العين و تشديد الراء المفتوحة، و يقال بفتح الميم و سكون العين و تخفيف الراء لمن رجع على طريق المدينة ليلا أو نهارا، و إن كان أصل التعريس في آخر الليل للاستراحة كما نص عليه أهل اللغة و صلاة ركعتين به بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك للنصوص التي منها

حسن معاوية بن عمار(1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا انصرفت من مكة على المدينة فانتهيت إلى ذي الحليفة و أنت راجع الى المدينة من مكة فائت معرس النبي (صلى الله عليه و آله) فان كنت في وقت صلاة مكتوبة أو نافلة فصل فيه و إن كان في غير وقت صلاة مكتوبة فانزل فيه قليلا، فان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يعرس فيه و يصلي»

و في الموثق (2)«قال علي بن أسباط لأبي الحسن عليه السلام و نحن نسمع إنا لم نكن عرسنا فأخبرنا أبو القاسم بن الفضيل أنه لم يكن عرس و أنه سألك فأمرته بالعود الى المعرس ليعرس فيه، فقال له: نعم، فقال له فإذا انصرفنا فعرسنا فأي شي ء نصنع؟ قال: تصلي فيه و تضطجع، و كان أبو الحسن (عليه السلام) يصلي بعد العتمة فيه، فقال محمد فان مر به في غير وقت صلاة مكتوبة قال: بعد العصر، قال

سئل أبو الحسن (عليه السلام) عن ذا فقال: ما رخص في هذا إلا في ركعتي الطواف، فان الحسن بن علي عليهما السلام فعله، فقال: يقيم حتى


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المزار الحديث 1.
2- 2 الكافي ج 4 ص 566 و فيه« فأخبرنا ابن القاسم بن الفضيل».

ج 20، ص: 74

يدخل وقت الصلاة، قال: فقلت له جعلت فداك: فمن مر به بليل أو نهار يعرس فيه و انما التعريس بالليل، فقال إن مر به بليل أو نهار فليعرس فيه»

و خبر عيسى بن القاسم (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه سئل عن الغسل في المعرس فقال: ليس عليك غسل، و التعريس هو أن تصلي فيه و تضطجع فيه ليلا أو نهارا»

و خبر علي بن أسباط(2)«قلت لعلي بن موسى (عليهما السلام) إن الفضيل بن يسار روى عنك و أخبرنا عنك بالرجوع الى المعرس و لم نكن عرسنا فرجعنا إليه فأي شي ء نصنع؟ قال: تصلي و تضطجع قليلا، و قد كان أبو الحسن (عليه السلام) يصلي فيه و يقعد، فقال محمد بن علي بن فضال قد مررت في غير وقت صلاة بعد العصر فقال: سئل أبو الحسن (عليه السلام) عن ذلك فقال: صل، فقال له الحسن بن علي بن فضال: إن مررت به ليلا أو نهارا نعرس و انما التعريس بالليل فقال:

نعم إن مررت به ليلا أو نهارا فعرس فيه، لأن رسول الله كان يفعل ذلك»

و خبر معاوية بن عمار(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال لي في المعرس معرس النبي (صلى الله عليه و آله) إذا رجعت الى المدينة فمر به و انزل و أنخ فيه و صل فيه، إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) فعل ذلك، قلت: فان لم يكن وقت صلاة قال: فأقم، قلت:

لا يقيمون أصحابي قال: فصل ركعتين و امض و قال انما المعرس إذا رجعت الى المدينة ليس إذا بدأت»

و من الأمر بالعود اليه و الصلاة في الوقت المكروه مع العذر و الانتظار مع عدمه يفهم كمال تأكده، و عن أبي عبد الله الأسدي «بذي


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المزار الحديث 2 عن العيص ابن القاسم و هو الصحيح كما في الفقيه ج 2 ص 336 الرقم 1561.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المزار الحديث 4 و أسقط في الوسائل عن الحديث جملة و ذكر تمام الحديث في التهذيب ج 6 ص 16 الرقم 37.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المزار الحديث 3.

ج 20، ص: 75

الحليفة مسجدان لرسول الله (صلى الله عليه و آله)، فالكبير الذي يحرم الناس منه، و الآخر مسجد المعرس و هو دون مصعد البيداء بناحية عن هذا المسجد» و في الدروس أنه بإزاء مسجد الشجرة الى ما يلي القبلة، و الله العالم، و كذا يستحب للراجع على طريق المدينة الصلاة في مسجد غدير خم و الإكثار فيه من الدعاء، و هو موضع النص (1)من رسول الله (صلى الله عليه و آله) على أمير المؤمنين (عليه السلام) و في الدروس و المسجد باق الى الآن جدرانه و الله العالم.

[مسائل ثلاث ]
[المسألة الأولى للمدينة حرم ]

الأولى للمدينة حرم بلا خلاف فيه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين وحده من عائر الى وعير بفتح الواو على ما في الدروس، لكن في حاشية الكركي أنه وجدها في مواضع معتمدة بضم الواو و فتح العين، و في كشف اللثام «كذا وجدته مضبوطا بخط بعض الفضلاء» و في المسالك و غيرها هما جبلان يكتنفان المدينة من المشرق و المغرب» و عن خلاصة الوفاء «عير و يقال عائر جبل مشهور في قبلة المدينة قرب ذي الحليفة» و كيف كان فهو لا يعضد شجرة

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(2)قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) «إن مكة حرم الله تعالى شأنه حرمها إبراهيم (عليه السلام)، و ان المدينة حرمي ما بين لابتيها حرمي، لا يعضد شجرها، و هو ما بين ظل عائر إلى ظل وعير، و ليس صيدها كصيد مكة، يؤكل هذا و لا يؤكل ذلك، و هو بريد»

و لعل المراد بظل وعير فيؤه كما رواه الصدوق (3)مرسلا، قيل: و التعبير بظلمها للتنبيه على أن الحرم داخلهما بل بعضه، و

قال (عليه السلام) أيضا في خبر الصيقل(4): «كنت جالسا عند زياد بن عبد الله و عنده ربيعة الرأي، فقال له زياد يا ربيعة ما الذي حرم


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 2 مع الاختلاف و ذكره بعينه في التهذيب ج 6 ص 13 الرقم 26.

ج 20، ص: 76

رسول الله (صلى الله عليه و آله) من المدينة، فقال بريد في بريد، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) فقلت لربيعة و كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) أميال فسكت فلم يحسن، فمال علي زياد، فقال يا أبا عبد الله فما تقول أنت؟ قلت حرم رسول الله من المدينة من الصيد ما بين لابتيها فقال و ما لابتيها قلت: ما أحاطت به الحرتان، قال: و ما الذي يحرم من الشجر قال من عائر الى وعير»

قال ابن صفوان قال ابن مسكان قال الحسن فسأله رجل فقال: و ما بين لابتيها قال: ما بين الصورين إلى الثنية، و في

خبر معاوية بن عمار(1)المروي عن معاني الأخبار «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما بين لابتي المدينة ظل عائر إلى ظل وعير حرم قلت: طائره كطائر مكة، قال: و لا يعضد شجرها»

و الظاهر اتحاد المراد مما ورد في تفسير لابتيها كظهور الاتحاد فيما بين ما سمعته من التحديد و بين ما في

خبر أبي بصير(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: حد ما حرم رسول الله (صلى الله عليه و آله)

من المدينة من ذباب الى واقم و العريض و النقب من قبل مكة»

و ذباب كغراب و كتاب جبل بشامي المدينة، يقال كان مضرب قبة النبي (صلى الله عليه و آله) يوم الأحزاب، و العريض بالتصغير واد في نثرتي الحرة قرب قناة، و هي أيضا واد، و النقب الطريق في الجبل، و

خبر أبي العباس (3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) حرم رسول الله (صلى الله عليه و آله) المدينة فقال: نعم حرم بريدا في بريد غضاها، قال: قلت:

صيدها قال لا يكذب الناس»

و جمع بينهما في

خبر زرارة(4)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

«حرم رسول الله (صلى الله عليه و آله) المدينة ما بين لابتيها صيدها و حرم حولها بريدا في بريد أن يختلى خلاها أو يعضد شجرها إلا عودي الناضح»

و قال أبو عبد الله (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 5.

ج 20، ص: 77

في خبر عبد الله بن سنان (1): «يحرم من صيد المدينة ما صيد بين الحرتين»

و في

خبر الفضيل بن يسار المروي (2)عن بصائر الدرجات قال: «سألته (عليه السلام) الى أن قال ان الله تعالى أدب نبيه فأحسن تأديبه، فلما ائتدب فوض اليه فحرم الله الخمر و حرم رسول الله (صلى الله عليه و آله) كل مسكر، فأجاز الله له ذلك، و حرم الله مكة و حرم رسول الله (صلى الله عليه و آله) المدينة، فأجاز الله ذلك كله له»

و نحوه خبر عبد الله ابن سنان (3)المروي عنه (عليه السلام) أيضا، الى غير ذلك من النصوص المتفقة على أن لا يعضد أي يقطع شجره كما هو ظاهر الأكثر، بل عن التذكرة أنه المشهور، بل عن المنتهى أنه لا يجوز عند علمائنا، بل لم أجد من نص على الكراهة، قبل الفاضل في القواعد و إن جعله في المسالك من معقد الشهرة على الكراهة، لكن لم نتحققه، بل هو حكى فيها عن بعض الأصحاب القطع بتحريم قطع الشجر، و جعل الخلاف في الصيد، قال فيها بعد أن حكى ذلك و ظاهر الأخبار يدل عليه، فإنه لم يرد خبر بجواز قطع الشجر، و انما تعارضت في الصيد، إلا أن الأصحاب نقلوا الكراهة في الجميع و اختاروها، و هو غريب نعم عن التذكرة و المنتهى و التحرير استثناء ما يحتاج اليه من الحشيش لخبر عامي و للحرج لأن بقرب المدينة أشجارا و زروعا كثيرة، فلو منع من الاحتشاش للحاجة لزم الحرج المنفي بخلاف حرم مكة، و هو كما ترى بعد ما سمعت من النصوص المفسر ما فيها من الخلا بالرطب من النبات، و اختلاؤه قطعه، و عن ابن سعيد استثناء ما سمعته في خبر زرارة من عودي الناضح، و لا بأس به، بل لا يبعد استثناء ما

سمعته سابقا في الحرم للمساواة و لأولويته و الله العالم


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 13.

ج 20، ص: 78

و كيف كان ف لا بأس عند المصنف و الفاضل بصيده إلا ما صيد بين الحرتين، و هذا أيضا على الكراهة المؤكدة و المراد حرة واقم، و هي شرقية المدينة، و تسمى حرة بني قريظة، و واقم اسم صنم لبني عبد الأشهل بني عليها، أو اسم رجل من العماليق نزل بها (و حرة ليلى، و هي غربيتها، و هي حرة العقيق)(1)و لها حرتان أخريان جنوبا و شمالا يتصلان بهما، فكأن الأربع حرتان، و هما حرة قبا و حرة الرجلى ككسرى، و يمد، يترجل فيها لكثرة حجارتها، و وافقه عليه الفاضل، و لعله للأصل و ما سمعته سابقا في خبر معاوية(2)و خبر أبي العباس (3)و خبر معاوية(4)أيضا المروي عن معاني الأخبار المؤيد ب

خبر يونس بن يعقوب (5)سأله (عليه السلام) «يحرم علي في حرم رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما يحرم علي في حرم الله قال: لا»

إلا أنها- بعد الإغضاء عن السند و لا جابر، و احتمال خبر أبي العباس منها نفي الكذب عن الناس أي العامة في روايتهم ذلك، كظهور خبر

( 1) ما بين القوسين و ان لم يكن في النسخة الأصلية أيضا إلا أنه مما لا بد منه فإنه قده في مقام تفسير الحرتين فلا وجه لذكر إحداهما و ترك الأخرى مضافا إلى أنه بعينه كلام الرياض و ما أثبتناه موجود فيه.

يونس في إرادة نفي الكلية لا خصوص الأمرين، و احتمال خبر ابن عمار نفي حرمة الأكل لا الاصطياد- قاصرة عن معارضة غيرها مما دل على الحرمة فيما بين الحرتين سندا و عملا، فإن المحكي عن الأكثر الحرمة، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليها، كظهور المنتهى، و من هنا جمع بين النصوص بالفرق بين صيد ما بين الحرتين و بين صيد غيره، فيحرم الأول دون الثاني، و لعله لا يخرج من قوة مع أنه أحوط، فما في المتن من الكراهة غير واضح، و إن نسبه


1- 1 ما بين القوسين و ان لم يكن في النسخة الأصلية أيضا إلا أنه مما لا بد منه فإنه قده في مقام تفسير الحرتين فلا وجه لذكر إحداهما و ترك الأخرى مضافا إلى أنه بعينه كلام الرياض و ما أثبتناه موجود فيه.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المزار الحديث 8.

ج 20، ص: 79

في المسالك إلى الشهرة أيضا، إلا أنا لم نتحققه، بل لعل المتحقق خلافه، بل رجع المصنف عنها في النافع إلى الحرمة، نعم ظاهر النافع عدم الكراهة في غير ذلك من الحرم الذي سمعت أنه بريد في بريد، و لا بأس به لظاهر النصوص و إن كان لو قيل به لكان وجها للتسامح فيها.

ثم اعلم أنه لا كفارة في صيد الحرم المزبور، و لا في قطع شجره، و لا يجب إحرام في دخوله كحرم مكة كما صرح بذلك بعضهم للأصل و غيره، بل عن الفاضل في المنتهى أن من أدخل صيدا المدينة لم يجب عليه إرساله، لأن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يقول ما فعل النفر و هو طائر صغير رواه الجمهور و ظاهره إباحة إمساكه، و الا لأنكر عليه، و كأنه أراد بذلك تأييد الأصل المقتضي للجواز، و الله العالم.

[المسألة الثانية يستحب زيارة النبي ]

المسألة الثانية يستحب زيارة النبي أبي القاسم رسول الله محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف (صلى الله عليه و آله)، ولد بمكة في شعب أبي طالب يوم الجمعة بعد طلوع الفجر سابع عشر شهر ربيع الأول عام الفيل، و كان حمل أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن مرة بن كلاب به أيام التشريق في منزل أبيه عبد الله بمنى عند الجمرة الوسطى، و الاشكال فيما بين الولادة و الحمل يدفعه أن أيام التشريق في ذلك الزمان كانت في رجب، لأن حجهم كان فيه، أو أن المراد ظهور حملها به فيها.

و على كل حال فقد صدع بالرسالة في اليوم السابع و العشرين من رجب لأربعين سنة، و قبض بالمدينة يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة، و قيل لاثنى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول، و له من العمر ثلاث و ستون سنة، و في التحرير قبض مسموما.

ج 20، ص: 80

خصوصا للحاج استحبابا مؤكدا إجماعا و ضرورة من الدين، و لذا يجبر الإمام الناس عليها لو تركوها كما سمعت،

قال هو (صلى الله عليه و آله)(1): «من زارني بعد موتي كان كمن هاجر الي في حياتي، فان لم يستطيعوا فابعثوا الي بالسلام فإنه يبلغني»

و قال (صلى الله عليه و آله)(2): «من زارني أو زار أحدا من ذريتي زرته يوم القيامة، فأنقذته من أهوالها».

و منه يستفاد استحباب زيارة غير المعصومين من ذريته و

قال: (صلى الله عليه و آله) أيضا(3)لعلي (عليه السلام): «يا علي من زارني في حياتي أو بعد موتي أو زارك في حياتك أو بعد موتك أو زار ابنيك في حياتهما أو بعد مماتهما ضمنت له يوم القيامة أن أخلصه من أهوالها و شدائدها حتى أصيره معي في درجتي»

و قال (صلى الله عليه و آله) للحسن (عليه السلام)(4)«من زارني حيا أو ميتا أو زار أباك حيا أو ميتا أو زار أخاك حيا أو ميتا أو زارك حيا أو ميتا كان حقا علي أن أستنقذه يوم القيامة»

و قال (صلى الله عليه و آله) للحسين (عليه السلام)(5)«يا بني من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنة، و من أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنة و من أتى أخاك زائرا بعد موته فله الجنة، و من أتاك زائرا بعد موتك فله الجنة»

الى غير ذلك من النصوص المتضمنة أن له الجنة و أنه في جواره و أنه شفيعه في يوم القيامة، و أن زيارته تعدل حجة معه، بل زيارته الله في عرشه،

قال عبد السلام بن صالح الهروي (6)«قلت لعلي بن موسى الرضا (عليهما السلام): يا ابن رسول الله ما تقول بالحديث الذي يرويه أهل الحديث ان المؤمنين يزورون الله في منازلهم في الجنة؟ فقال يا أبا الصلت: إن الله تعالى فضل نبيه محمدا على جميع خلقه من النبيين و الملائكة، و جعل طاعته طاعته، و متابعته متابعته و زيارته في الدنيا


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المزار الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 23.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 16.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 19.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 17.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 11.

ج 20، ص: 81

و الآخرة زيارته، فقال (1)«مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ» و قال (2)«إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ» و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله، و درجة النبي (صلى الله عليه و آله) أرفع الدرجات، فمن زاره إلى درجة في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك و تعالى»

و قال علي (عليه السلام) في المروي (3)عن الخصال في حديث الأربع مائة: «أتموا برسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا خرجتم الى بيت الله الحرام، فان تركه جفاء، و بذلك أمرتهم، و أتموا بالقبور التي ألزمكم الله حقها و زيارتها، و اطلبوا الشرف عندها»

و في

خبر الشحام (4)«قلت ما لمن زار رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ قال: كمن زار الله فوق عرشه»

الى غير ذلك من النصوص بل في

خبر العيص بن القاسم (5)ما يقتضي استحباب البدأة بزيارته و تقديمها على إتيان مكة، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحاج من الكوفة يبدأ بالمدينة أفضل أو بمكة؟ قال: بالمدينة»

و أفتى به الفاضل في القواعد فقال:

و يستحب تقديمها على مكة، و إن كان يعارضه

خبر غياث بن إبراهيم (6)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «سألت أبا جعفر (عليه السلام) أبدأ بالمدينة أو بمكة؟ قال:

ابدأ بمكة و اختم بالمدينة فإنه أفضل»

و نحوه خبر أحمد بن أبي عبد الله(7)


1- 1 سورة النساء الآية 82.
2- 2 سورة الفتح الآية 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 10 و فيه « و اطلبوا الرزق عندها» و كذلك في الخصال ج 2 ص 158 الطبع القديم.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب المزار الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المزار الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المزار الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المزار الحديث 4.

ج 20، ص: 82

عن أبيه عنه (عليه السلام) أيضا مؤيدا ب

خبر سدير(1)عنه (عليه السلام) أيضا «ابدأوا بمكة و اختموا بنا»

و بغيره من النصوص (2)الآمرة بلقاء الامام (عليه السلام) بعد الحج و أنه المراد من قوله تعالى (3)«ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» و أنه تمام الحج، بل

قال أبو حمزة الثمالي(4): «دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) و هو جالس على الباب الذي يلي المسجد و هو ينظر الى الناس يطوفون، فقال يا أبا حمزة: بما أمر هؤلاء فلم أدر ما أرد عليه، فقال: إنما أمروا أن يطوفوا بهذه الأحجار ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم»

و قال جعفر بن محمد (عليهما السلام) في خبر إسماعيل بن مهران (5): «إذا حج أحدكم فليختم بزيارتنا، لأن ذلك من تمام الحج».

بل الظاهر رجحان زيارته على إتيان مكة مجردا عنها(6)ففي

المروي عن مزار ابن قولويه بسنده الى الحسن بن الجهم (7)قال: «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) أيهما أفضل: رجل يأتي مكة و لا يأتي المدينة، أو رجل يأتي النبي (صلى الله عليه و آله) و لا يبلغ مكة؟ قال: فقال أي شي ء تقولون أنتم؟ فقلت: نحن نقول في الحسين (عليه السلام) فكيف النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: أما لئن قلت ذلك لقد شهد أبو عبد الله (عليه السلام) عيدا بالمدينة فدخل على النبي (صلى الله عليه و آله) فسلم ثم قال لمن

حضره لقد فضلنا أهل البلدان كلهم مكة فما دونها بسلامنا على رسول الله


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 1 و 3 و 4 و 8 و 12.
3- 3 سورة الحج الآية 30.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 7.
6- 6 في النسخة الأصلية المبيضة« مجردا عنه» و الصحيح ما أثبتناه كما في المسودة فإن الضمير يرجع الى الزيارة.
7- 7 الوسائل- الباب- 10- من أبواب المزار الحديث 1.

ج 20، ص: 83

صلى الله عليه و آله»

بل قد سمعت ما في الخبر السابق (1)من أن السلام عليه من بعد يبلغه، و في

خبر عبد الله بن مسعود(2)المروي عن المجالس قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) «ان لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام»

كقوله (صلى الله عليه و آله) أيضا في خبر الأمالي (3)مسندا الى أمير المؤمنين (عليه السلام) «من سلم علي في شي ء من الأرض أبلغته، و من سلم علي عند التبر سمعته»

و قول الصادق (عليه السلام) لأبي بكر الحضرمي(4): «تأتي قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) قلت: نعم، قال: أما أنه يسمعك من قريب، و يبلغه عنك إذا كنت نائيا»

و نحوه خبر عمر بن عبد الله (5)عنه (عليه السلام) أيضا و غيره من النصوص.

و أما كيفية زيارته صلى الله عليه و آله على ما رواه

معاوية بن عمار(6)في الحسن عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها ثم تأتي قبر النبي صلى الله عليه و آله فسلم على رسول الله صلى الله عليه و آله ثم تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر و أنت مستقبل القبلة و منكبك الأيسر إلى جانب القبر و منكبك الأيمن مما يلي المنبر، فإنه موضع رأس رسول الله (صلى الله عليه و آله) و تقول»

الى آخره، و في

خبر علي بن جعفر(7)عن أخيه أبي الحسن موسى (عليه السلام) عن جده (عليه السلام) قال: «كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقف على قبر النبي (صلى الله عليه و آله) فيسلم عليه و يشهد له بالبلاغ، و يدعو بما حضره ثم يسند ظهره إلى المروة الخضراء الدقيقة العرض مما يلي القبر و يلتزق بالقبر، و يسند ظهره الى القبر و يستقبل القبلة و يقول»

الى آخره، و في

خبر محمد بن مسعود(8): «قال رأيت


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المزار الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المزار الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المزار الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المزار الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المزار الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المزار الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المزار الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المزار الحديث 5.

ج 20، ص: 84

أبا عبد الله (عليه السلام) انتهى الى قبر النبي صلى الله عليه و آله فوضع يده عليه و قال:

أسأل الله الذي اجتباك و اختارك و هداك و هدى بك أن يصلي عليك، ثم قال إن الله و ملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما»

و لا بأس بالجميع، و

قال أبو عبد الله (عليه السلام) في حسن معاوية(1): «إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلى الله و عليه و آله فائت المنبر فامسحه بيدك و خذ برمانتيه و هما السفلاوان، و امسح عينيك و وجهك، فإنه يقال إنه شفاء للعين، و قم عنده و احمد الله و أثن عليه و سل حاجتك، فان رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة، و منبري على ترعة من ترع الجنة، و الترعة هي الباب الصغير، ثم تأتى مقام النبي (صلى الله عليه و آله) فتصلي فيه ما بدالك»

و زاد في

خبر الحضرمي (2)فيما رواه عن النبي (صلى الله عليه و آله) «و قوائم منبري رتب في الجنة، قال: قلت: هي روضة اليوم قال: نعم إنه لو كشف الغطاء لرأيتم».

و في الدروس «و ليدخل المسجد من باب جبرائيل (عليه السلام) و يدعو عند دخوله فإذا دخل المسجد صلى التحية ثم أتى سيدنا

رسول الله صلى الله عليه و آله فزارة مستقبلا حجرته الشريفة مما يلي الرأس، ثم يأتي إلى جانب الحجرة القبلي فيستقبل وجهه مستدبر القبلة و يسلم عليه و يزوره بالمأثور أو بما حضر ثم يستقبل القبلة و يدعوا بما أحب، ثم يصلي ركعتي الزيارة بالمسجد و يدعو بعدهما، و ليكثر من الصلاة بالمسجد، و خصوصا الروضة، و هي ما بين القبر و المنبر» قلت لا يخفى عليك المأثور من كيفية زيارته بعد الإحاطة بما ذكرناه من النصوص التي لا بأس بالعمل بما فيها أجمع و أما الروضة فقد

روى أبو بصير(3)


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المزار الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المزار الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب أحكام المساجد الحديث 3- و فيه « حد الروضة في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله . إلخ، إلا ان الموجود في التهذيب ج 6 ص 14 الرقم 27 كما في المتن.

ج 20، ص: 85

عن الصادق (عليه السلام) «ان حدها من مسجد الرسول الى طرف الظلال»

و عن البزنطي «أنه قال بعضهم هي ما بين القبر و المنبر الى طرف الظلال»

و قال أبو بصير: «حد مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله إلى الأساطين يمين المنبر الى الطريق مما يلي سوق الليل»

و قال مرازم (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يقول الناس في الروضة، فقال قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فيما بين بيتي و منبري روضة من رياض الجنة، و منبري على

ترعة من ترع الجنة، فقلت له جعلت فداك ما حد الروضة؟ فقال بعد: أربع أساطين من المنبر الى الظلال، فقلت: جعلت فداك من الصحن فيها شي ء قال: لا»

و الله العالم.

[المسألة الثالثة استحباب زيارة فاطمة (س) و الأئمة (ع)]
اشاره

المسألة الثالثة لا خلاف في أنه يستحب أن تزار فاطمة عليها السلام بنت رسول الله (صلى الله عليه و آله) أم الحسن و الحسين عليها السلام حليلة أمير المؤمنين و سيد الوصيين استحبابا مؤكدا، بل هو من ضروريات المذهب بل الدين، و في

خبر زيد بن عبد المالك (2)عن أبيه عن جده قال: «دخلت على فاطمة فبدأتني بالسلام ثم قالت ما غذا بك؟ قلت: طلب البركة، قالت أخبرني أبي و هو ذا أنه من سلم عليه و علي ثلاثة أيام أوجب الله له الجنة، قلت في حياته و حياتك قالت:

نعم و بعد موتنا».

و قد ذكر المصنف و غيره كون ذلك عند الروضة ل

قول الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المزار الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب المزار الحديث 1 و فيه يزيد ابن عبد الملك كما في التهذيب ج 6 ص 9 الرقم 18.

ج 20، ص: 86

في مرسل ابن أبي عمير(1)قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة، و منبري على ترعة من ترع الجنة لأن قبر فاطمة عليها السلام بين قبره و منبره و قبرها روضة من رياض الجنة، و اليه ترعة من ترع الجنة»

و ظاهر اقتصاره على ذلك اختياره له، لكن في

صحيح البزنطي (2)الذي رواه المشايخ الثلاثة بل رواه الصدوق منهم في الفقيه و العيون و معاني الأخبار «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن قبر فاطمة عليها السلام فقال: دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد»

و هو الذي اختاره الصدوق، و قال الشيخ في التهذيب بعد أن ذكر الاختلاف في ذلك: و هاتان الروايتان كالمتقاربتين، و الأفضل أن يزور الإنسان في الموضعين جميعا، فإنه لا يضره ذلك و يحوز به أجرا عظيما، فأما من قال: إنها دفنت في البقيع فبعيد من الصواب و كذلك استبعده ابنا سعيد و إدريس و الفاضل في التحرير و غيره، و في المسالك أبعد الاحتمالات كونها في الروضة، و الأولى زيارتها في المواضع الثلاثة، و كيف كان ففيها و في المدارك و الروضة جزء من مسجد النبي (صلى الله عليه و آله) و هي ما بين قبره و منبره الى طرف الظل، و لعل ذلك يكون وجه جمع بين الخبرين.

و كيف كان فينبغي أن تكون زيارتها بما رواه

العريضي (3)قال:

«حدثنا أبو جعفر (عليه السلام) ذات يوم قال إذا صرت الى قبر جدتك فقل: يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك، فوجدك كما امتحنك صابرة، و زعمنا انا لك أولياء، و مصدقون و صابرون لكل ما أتانا به أبوك (صلى الله عليه و آله) و أتى به وصيه (عليه السلام) فإنه نسألك إن كنا صدقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لتبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك».

و ولدت على ما في الدروس بعد المبعث بخمس سنين و قبضت بعد أبيها (صلى الله عليه و آله)


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب المزار الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب المزار الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب المزار الحديث 2.

ج 20، ص: 87

بنحو مائة يوم، و يستحب الصلاة لزيارتها ثمان ركعات أو ستا أو أربعا أو ركعتين كما ستعرفه إنشاء الله، و في

صحيح هشام بن سالم (1)«عاشت فاطمة عليها السلام بعد أبيها رسول الله (صلى الله عليه و آله) خمسة و سبعين يوما لم تر كاشرة و لا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين: الاثنين و الخمسين»

و الله العالم.

و كذا تستحب زيارة الأئمة عليهم السلام بالبقيع إجماعا أو ضرورة من المذهب أو الدين، مضافا الى النصوص المتواترة التي قد تقدم بعضها، و

قيل للصادق (عليه السلام)(2): «ما لمن زار واحدا منكم فقال: كمن زار رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

و قال الرضا (عليه السلام) في خبر الوشاء(3): «إن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه و شيعته و إن من تمام الوفاء بالعهد و حسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم، رغبة في زيارتهم و تصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة»

و قال الحراني (4)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما لمن زار الحسين (عليه السلام)؟ قال من أتاه و زاره و صلى عنده ركعتين كتبت له حجة مبرورة، فإن صلى عنده أربع ركعات كتبت له حجة و عمرة، قلت: جعلت فداك و كذلك كل من زار إماما مفترضة طاعته قال: و كذلك كل من زار إماما مفترضة طاعته»

الى غير ذلك.

و على كل حال فمنهم الحسن بن علي عليهما السلام أبو محمد سيد شباب أهل الجنة ولد بالمدينة يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان سنة اثنين من الهجرة، و عن المفيد سنة ثلاث، و قبض بها مسموما يوم الخميس سابع صفر سنة تسع و أربعين أو سنة خمسين من الهجرة عن سبع أو ثمان و أربعين سنة، و قد سمعت ما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) في زيارة أبيه و أخيه عليهم السلام جميعا، و في

خبر أبي


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب المزار الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 2.

ج 20، ص: 88

البختري (1)عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام «ان الحسين بن علي عليهما السلام كان يزور قبر الحسن بن علي عليهما السلام في كل عشية جمعة».

و منهم الإمام أبو محمد زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام ولد بالمدينة يوم الأحد خامس شعبان سنة ثمان و ثلاثين، و قبض بها يوم السبت ثاني عشر المحرم سنة خمس و تسعين عن سبع و خمسين سنة، و أمه شاه زنان بنت شروية ابن كسرى اپرويز، و قيل ابنة يزدجرد.

و منهم الإمام الخامس أبو جعفر محمد بن علي الباقر لعلهم الدين و لبطن الباطل حتى استخرج منه الحق بعد أن أشرف على الاندراس، ولد بالمدينة يوم الاثنين ثالث صفر سنة سبع و خمسين، و قبض بها يوم الاثنين سابع ذي الحجة سنة أربع عشر و مائة و روي (2)سنة ست عشر، أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي عليهما السلام فهو علوي بين علويين.

و منهم الإمام السادس أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ولد بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الأول سنة ثلاث و ثمانين، و قبض بها في شوال و قيل في منتصف رجب يوم الاثنين سنة ثمان و أربعين و مائة عن خمس و ستين سنة، أمه أم فروة ابنة القاسم الفقيه بن محمد النجيب بن أبي بكر،

و عن الجعفي أن اسمها فاطمة و كنيتها أم فروة، و قبورهم أجمع بالبقيع في مكان واحد، بل في بعض الروايات (3)ان فاطمة بنت أسد جدتهم معهم في تربتهم، و

عن أبي محمد


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب المزار الحديث 1.
2- 2 البحار- ج 46 ص 217 المطبوعة في إيران عام 1385.
3- 3 التهذيب- ج 6 ص 78« باب نسب أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام».

ج 20، ص: 89

الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (1)«من زار جعفرا أو أباه عليهما السلام لم يشك عينه و لم يصبه سقم و لم يمت مبتلى»

و عن الصادق (عليه السلام)(2)من زارني غفرت له ذنوبه و لم يمت فقيرا»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر أبان المروي (3)مسندا عن مزارا ابن قولويه «من أتى قبر أبي فقد وصل رسول الله (صلى الله عليه و آله) و وصلنا و حرمت عيناه و حرم لحمه على النار، و أعطاه الله بكل درهم أنفقه عشرة آلاف مدينة له في كتاب محفوظ، و كان الله له من وراء حوائجه، و حفظ في كل ما خلف، و لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه و أجابه فيه، إما أن يعجله، و إما أن يؤخره»

و في خبر هشام بن سالم (4)المروي عنه (عليه السلام) أيضا في حديث «ان رجلا قال له هل يزار والدك؟ قال: نعم و يصلى عنده و يصلى

خلفه و لا يتقدم عليه، قال فما للمنفق في خروجه اليه و المنفق عنده؟ قال: الدرهم بألف درهم»

هذا، و في الدروس «و الروايات في زيارة الحسن (عليه السلام) تدل على فضيلة زيارتهم عليهم السلام» قلت: مضافا الى ما سمعته و تسمعه من الروايات في زيارة كل إمام مفترض الطاعة، بل هو من ضروريات المذهب.

[فضل زيارة الأئمة الأخر (ع)]

و من المستحبات المؤكدة زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) و سيد الوصيين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، و أبو طالب و عبد الله أخوان للأبوين، و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، و هو و إخوته أول هاشمي ولد بين هاشميين، ولد يوم الجمعة ثالث عشر رجب، و روي (5)و سابع شعبان بعد مولد رسول الله (صلى الله عليه و آله) بثلاثين سنة، و قبض قتيلا بالكوفة ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة أربعين عن ثلاث و ستين سنة، و دفن بالغري من نجف


1- 1 الوسائل- الباب- 79- من أبواب المزار الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 79- من أبواب المزار الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب المزار الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 58- من أبواب المزار الحديث 3.
5- 5 البحار ج 35 ص 7 الطبع الحديث.

ج 20، ص: 90

الكوفة بمشهده الآن الذي هو أول طور سيناء، و قطعة من الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليما، و قدس عليه عيسى تقديسا، و اتخذ عليه إبراهيم خليلا، و اتخذ محمدا (صلى الله عليه و آله) حبيبا، و جعله للنبيين مسكنا، و أنه ما سكن فيه بعد أبويه الطيبين آدم و

نوح أكرم من أمير المؤمنين (عليه السلام)، و قبره ما بين صدر نوح و مفرق رأسه، و من زاره عارفا بحقه غير متجبر و لا متكبر كتب الله له أجر مائة ألف شهيد، و غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، و بعث من الآمنين، و هون عليه الحساب، و استقبله الملائكة، فإذا انصرف شيعوه إلى منزله، فإن مرض عادوه، و إن مات شيعوه بالاستغفار الى قبره، و من زاره عارفا بحقه كتب الله له بكل خطوة حجة مقبولة و عمرة مبرورة، و انه ما تطعم النار قد ما تغبرت في زيارته ماشيا كان أو راكبا، و

قال يونس بن أبي وهب القصري (1)«دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت له أتيتك و لم أزر قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال بئسما صنعت، لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك، ألا تزور من يزوره الله تعالى مع الملائكة، و تزوره الأنبياء و يزوره المؤمنون، قلت: جعلت فداك ما علمت ذلك، قال: فاعلم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) عند الله تعالى أفضل من الأئمة كلهم، و له ثواب أعمالهم، و على قدر أعمالهم فضلوا».

و منه يستفاد كراهة ترك زيارته لمن تمكن منها، و

قال الصادق (عليه السلام)(2)«ما خلق الله خلقا أكثر من الملائكة، و أنه لينزل كل يوم سبعون ألف ملك و يأتون البيت المعمور فيطوفون به، فإذا هم طافوا نزلوا فطافوا بالكعبة، فإذا

طافوا بها أتوا قبر النبي (صلى الله عليه و آله) فسلموا عليه ثم أتوا قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فسلموا عليه ثم أتوا قبر الحسين (عليه السلام) فسلموا عليه ثم عرجوا، و ينزل مثلهم الى يوم القيامة»،

و قال (عليه السلام) أيضا(3): «لا يلوذ بقبره ذو عاهة إلا شفاه الله»


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب المزار الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب المزار الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب المزار الحديث 5.

ج 20، ص: 91

و(1)«ما أتاه مكروب قط فصلى عنده ركعتين أو ركعات إلا نفس الله كربه و قضى حاجته»

و(2)«إن أبواب السماء لتفتح عند دعاء الزائر لأمير المؤمنين عليه السلام فلا تكن عن الخير نوما».

و منه يستفاد استحباب صلاة أربع ركعات لزيارته، بل هو كذلك بالنسبة الى كل إمام، بل في

المرسل (3)عن الصادق (عليه السلام) «انه صلى عنده ست ركعات بعد أن خر على القبر و لا نحيبه، و كان صفوان معه، و قد صلى كما صلى، ثم سأله عن القبر فقال هذا قبر جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام)»

و قال (عليه السلام) أيضا(4): «من زاره ماشيا كتب الله له بكل خطوة حجة و عمرة، فإن رجع ماشيا كتب الله له بكل خطوة حجتين و عمرتين»

و قيل للرضا (عليه السلام)(5): «أيما أفضل: زيارة قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) أو زيارة الحسين (عليه السلام)؟ قال: إن الحسين (عليه السلام) قتل مكروبا فحقيق على الله عز و جل أن لا يأتيه مكروب إلا فرج الله كربه، و فضل زيارة قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) على زيارة الحسين (عليه السلام) كفضل أمير المؤمنين على الحسين عليهما السلام»

و قال الصادق (عليه السلام)(6)أيضا: «زيارة الحسين (عليه السلام) تعدل حجة و عمرة، و زيارة أبي علي (عليه السلام) تعدل حجتين و عمرتين»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر أبي عامر واعظ أهل الحجاز(7)قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام): «و الله لتقتلن بأرض العراق و تدفن بها، قلت يا رسول الله: ما لمن زار قبورنا و عمرها و تعاهدها؟ فقال: يا أبا الحسن ان الله قد جعل قبرك و قبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة و عرصة من عرصاتها، و ان الله


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب المزار الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب المزار الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب المزار الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب المزار الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب المزار الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 25- من أبواب المزار الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 26- من أبواب المزار الحديث 1.

ج 20، ص: 92

تعالى جعل قلوب نجباء من خلقه و صفوة من عباده تحن إليكم، و تتحمل المذلة و الأذى فيكم، فيعمرون قبوركم و يكثرون زيارتها تقربا منهم الى الله تعالى و مودة منهم لرسوله (صلى الله عليه و آله)، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، و الواردون حوضي و هم زواري غدا في الجنة، يا علي من عمر قبوركم و تعاهدها فكأنما أعان سليمان ابن داود عليهما السلام على بناء بيت المقدس، و من زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، و خرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر و بشر أولياءك و محبيك من النعيم و قرة العين بما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر، و لكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها، أولئك شرار أمتي لا أنا لهم الله شفاعتي، و لا يردون حوضي»

و قال الصادق (عليه السلام)(1): «إذا زرت جانب النجف فزر عظام آدم و بدن نوح و جسم علي بن أبي طالب عليهم السلام».

قلت: و ينبغي أيضا زيارة هود و صالح معه، لما

روي (2)عنه أنه قال عليه السلام:

«ادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي هود و صالح عليهما السلام»

و قد

سئل الحسن بن علي عليهما السلام (3)«اين دفنتم أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: على شفير الجرف، و مررنا به ليلا على مسجد الأشعث و قال: ادفنوني في قبر أخي هود (عليه السلام)».

بل في

خبر مبارك الخباز(4)«ان الصادق (عليه السلام) لما قدم الحيرة ركب و ركبت معه حتى دخل الجرف، ثم نزل فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا آخر فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا آخر فصلى ركعتين ثم ركب و رجع، فقلت له:

جعلت فداك ما الأوليتين و ما الثانيتين و ما الثالثتين؟ قال: الركعتين الأوليتين


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب المزار الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب المزار الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب المزار الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المزار الحديث 1.

ج 20، ص: 93

قبر أمير المؤمنين عليه السلام و الركعتين الثانيتين موضع رأس الحسين عليه السلام و الركعتين الثالثتين موضع منبر القائم عليه السلام»

و نحوه خبر أبان بن تغلب (1)عن الصادق عليه السلام

و في مرفوع ابن أسباط(2)عنه عليه السلام أيضا «انك إذا أتيت الغري رأيت قبرين قبرا كبيرا و قبرا صغيرا، فأما الكبير فقبر أمير المؤمنين عليه السلام، و أما الصغير فرأس الحسين عليه السلام»

و قال يونس بن ظبيان (3)«ان الصادق عليه السلام ركب و ركبت معه حتى نزل عند الذكوات الحمر، و توضأ ثم دنى إلى أكمة فصلى عندها و بكى، ثم مال الى أكمة دونها ففعل مثل ذلك، ثم قال: الموضع الذي صليت عنده أولا موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) و الآخر موضع رأس الحسين عليه السلام و ان ابن زياد لعنه الله لما بعث برأس الحسين بن علي عليهما السلام الى الشام رد إلى الكوفة، فقال: أخرجوه منها لا يفتتن به أهلها، فصيره الله تعالى عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فدفن، فالرأس مع الجسد، و الجسد مع الرأس».

لكن عن ابن طاوس (4)ان رأس الحسين (عليه السلام) أعيد فدفن مع بدنه بكربلاء و ذكر أن عمل العصابة على ذلك، و لعله لا منافاة لإمكان دفنه مدة ثم نقل الى كربلاء، و لا بأس بالصلاة و زيارته بمكان وضعه،

قال مفضل بن عمر(5)«جاز الصادق (عليه السلام) بالقائم المائل في طريق الغري فصلى عنده ركعتين، فقيل له: ما هذه الصلاة؟ فقال:

هذا موضع رأس جدي الحسين (عليه السلام) وضعوه هنا»

و يمكن أن يكون هذا المكان موضع دفن الرأس الشريف بعد سلخه، فإنهم لعنهم الله تعالى نقلوه بعد أن سلخوه.

و على كل حال فينبغي حينئذ أن تكون الصلاة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) اثنى عشر ركعة، ثمانية لزيارته (عليه السلام)، و ركعتان لزيارة الرأس الشريف،


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المزار الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المزار الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المزار الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المزار الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المزار الحديث 6.

ج 20، ص: 94

و ركعتان لمنبر القائم أو منزله، بل لو قلنا باندراج آدم و نوح و هود و صالح عليهم السلام تحت

قوله (عليه السلام)(1)«و كذا كل إمام مفترض الطاعة»

ينبغي صلاة أربع ركعات لزيارة كل واحد منهم، فيكون المجموع ثمانية و عشرين ركعة، بل

قال الصادق (عليه السلام) في خبر حنان بن سدير الصيرفي (2)المروي عن مزار ابن قولويه و عن الحميري: «ان صلاة الزيارة ثمانية أو ستة أو أربعة أو ركعتان، و أفضلها ثمان»

و حينئذ تكون الركعات عند أمير المؤمنين (عليه السلام) ستا و خمسين ركعة، و لا بأس بذلك كله.

و تتأكد زيارته (عليه السلام) يوم الغدير الذي

قال الرضا (عليه السلام) فيه على ما في خبر محمد بن أبي نصر(3)الذي رواه الشيخ و غيره: «أنه في السماء أشهر منه في الأرض، و إن الله تعالى بنى في الفردوس الأعلى قصرا لبنة من ذهب و لبنة من فضة، ثم ذكر وصف ذلك القصر و ما يجمع فيه يم الغدير من الملائكة و ما ينالون من كرامة ذلك اليوم، ثم قال يا ابن أبي نصر أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، فان الله يغفر فيه لكل مؤمن و مؤمنة و مسلم و مسلمة ذنوب ستين سنة، و يعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان و في ليلة الفطر، و الدرهم فيه بألف درهم لإخوانك العارفين، فأفضل على إخوانك في هذا اليوم، و سر فيه كل مؤمن و مؤمنة، ثم قال يا أهل الكوفة: لقد أعطيتم خيرا كثيرا و انكم لمن امتحن الله قلبه للايمان، مثقلون مقهورون ممتحنون، يصب عليكم البلاء صبا، ثم يكشفه كاشف الكرب العظيم،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المزار الحديث 20.
2- 2 الوسائل- الباب- 96- من أبواب المزار الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب المزار الحديث 1 عن أحمد ابن محمد بن أبي نصر.

ج 20، ص: 95

و الله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات، و لو لا أني أكره التطويل لذكرت من فضل هذا اليوم و ما أعطى الله من عرفه ما لا يحصى بعد»

قال علي بن الحسن بن فضال قال لي محمد بن عبد الله لقد ترددت إلى أحمد بن محمد أنا و أبوك و الحسن بن جهم أكثر من خمسين مرة، و سمعناه منه، الى غير ذلك من النصوص الواردة في مطلق زيارته و في خصوص الأيام و في خصوص الزيارات كالجامعة الصغيرة و غيرها و في آداب زيارته من الغسل و المشي مع تقصير الخطى و لبس أنظف الثياب و شم شي ء من الطيب و السكينة و الوقار، بل

قال الصادق (عليه السلام)(1): «يا صفوان أنخ الراحلة فهذا قبر جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) فأنختها ثم نزل فاغتسل و غير ثوبه و تحفى فقال: افعل كما أفعل، ثم أخذ نحو الذكوات، ثم قال: قصر خطاك، و ألق ذقنك إلى الأرض يكتب لك بكل خطوة مائة ألف حسنة، و يمحي عنك مائة ألف سيئة، و ترفع لك مائة ألف درجة، و تقضى لك مائة ألف حاجة، و يكتب لك ثواب كل صديق و شهيد مات أو قتل، ثم مشى و مشيت معه و علينا السكينة و الوقار نسبح و نقدس و نهلل الى أن بلغنا الذكوات الى أن قال و أعطاني دراهم و أصلحت القبر»

بل لا يبعد استعمال هذه الآداب مع كل إمام مفترض الطاعة.

و كذا يستحب زيارة الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) بن أمير المؤمنين (عليه السلام) سيد شباب أهل الجنة، و في الدروس ولد بالمدينة آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة، و قيل يوم الخميس ثالث عشر من شهر رمضان و قال المفيد: لخمس خلون من شعبان سنة أربع، و قتل بكر بلاء يوم عاشوراء

سنة إحدى و ستين عن ثمان و خمسين سنة، بل تأكد استحبابها من


1- 1 الوسائل- الباب- 29 من أبواب المزار الحديث 7.

ج 20، ص: 96

ضروريات المذهب أو الدين حتى

ورد(1)«ان زيارته فرض على كل مؤمن»

و(2)«واجبة على الرجال و النساء»

و(3)«من تركها ترك حق الله تعالى و رسوله»

بل

(4)«تركها عقوق رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

و(5)«انتقاص في الايمان و الدين»

(6)«فان حقا على الغني زيارته في السنة مرتين، و الفقير في السنة مرة»

و(7)«ان من أتى عليه حول و لم يأت قبره نقص من عمره حول»

بل في

مضمر منصور بن حازم (8)«و لو قلت إن أحدكم يموت قبل أجله بثلاثين سنة لكنت صادقا، و ذلك انكم تتركون زيارته، فلا تدعوها يمد الله في أعماركم و يزيد في أرزاقكم، و إذا تركتم

زيارته نقص الله من أعماركم و أرزاقكم، فتنافسوا في زيارته، و لا تدعوا ذلك، فان الحسين بن علي عليهما السلام شاهد لكم عند الله و عند رسوله و عند علي و عند فاطمة صلوات الله عليهم أجمعين»

و(9)«انها تعطيل العمر»

و(10)«أن أيام زيارته لا تعد من الأجل»

و(11)«تفرج


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب المزار الحديث 1 و 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المزار الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب المزار الحديث 1 و 14.
4- 4 الوسائل- الباب- 38- من أبواب المزار الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 38- من أبواب المزار الحديث 5 و 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 40- من أبواب المزار الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 38- من أبواب المزار الحديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 38- من أبواب المزار الحديث 4.
9- 9 الوسائل- الباب- 37- من أبواب المزار الحديث 8.
10- 10 الوسائل- الباب- 37- من أبواب المزار الحديث 9.
11- 11 الوسائل- الباب- 25- من أبواب المزار الحديث 2.

ج 20، ص: 97

الغم»

و(1)«تمحص الذنوب، و لكل خطوة حجة مبرورة»

بل (2)«له بزيارته عشرون حجة»

و(3)«أجر عتق ألف نسمة، و حمل على ألف فرس في سبيل الله»

و(4)«له بكل درهم أنفقه عشرة آلاف درهم»

و(5)«ان من أتى قبره (عليه السلام) عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر»

و(6)«انه كمن يزور الله في عرشه»

و(7)«أن بقبره أربعة آلاف أو سبعين ألف ملك شعثا غبرا يصلون عليه منذ يوم قتل الى ما شاء الله، و يدعون لزواره»

الى غير ذلك من النصوص التي لا يمكن استقصاء ما تضمنته من ثواب زيارته و من كراهة الترك مع الإمكان، و خصوصا زيارته في الأيام المعروفة عند الشيعة و خصوص الزيارات المأثورة المطلقة و غيرها، بل ينبغي لذوي الأماكن القريبة زيارته كل جمعة أو كل شهر، و إلا كان جفاء له، فضلا عن النصوص (8)المتضمنة للبكاء عليه و للشعر فيه إنشاء و إنشادا، و ما في تربته الشريفة من أكل أو صلاة عليها أو تسبيح بها أو غير ذلك من الأمور المتعلقة بحرمة و روضته، فان ذلك يحتاج الى كتب متعددة، و قد كفانا مؤنة معظم ذلك أصحابنا رضوان الله عليهم.

و كذا يستحب مؤكدا زيارة الامام السابع الكاظم لغيظه موسى بن جعفر الصادق (عليهما السلام) أبي الحسن و أبي إبراهيم و أبي علي، أمه حميدة البربرية، ولد


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب المزار الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب المزار الحديث 0.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب المزار الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 58- من أبواب المزار الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 37- من أبواب المزار الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 37- من أبواب المزار الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 37- من أبواب المزار الحديث 1 و 2 و 12.
8- 8 الوسائل- الباب- 66 و 72 و 75 و 104- من أبواب المزار و الباب 16 من أبواب ما يسجد عليه من كتاب الصلاة.

ج 20، ص: 98

بالأبواء بين مكة و المدينة سنة ثمان و عشرين و مائة، و قيل سنة تسع و عشرين و مائة يوم الأحد سابع صفر، و قبض مسموما ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة، و قيل يوم

الجمعة لخمس خلون من رجب سنة إحدى و ثمانين و مائة، و دفن في مقابر قريش في مشهده الآن، و زيارته كزيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قبر أمير المؤمنين و قبر الحسين عليهما السلام، و لزائره الجنة و ينبغي زيارته بالمأثور.

و كذا يستحب مؤكدا خصوصا في رجب زيارة الامام الثامن الرضا أبي الحسن علي بن موسى عليهما السلام، أمه أم البنين أم ولد، ولد بالمدينة سنة ثمان و أربعين و مائة، و قيل يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة، و قبض بطوس في صفر، و دفن فيها بمشهده الآن سنة ثلاث و مائتين، و من زاره عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، و له الجنة، و كان كمن زار الله في عرشه و زار رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و بني الله له منبرا حذاء منبر محمد و علي صلى الله عليهما و آلهما حتى يفرغ الله من حساب الخلائق، و أعطاه الله أجر من أنفق قبل الفتح و قاتل و يخلصه الرضا (عليه السلام) من أهوال ثلاث: إذا تطايرت الكتب يمينا و شمالا، و عند الصراط، و عند الحساب، و يشفع فيه يوم القيامة، و زيارته تبلغ عند الله ألف ألف حجة، بل

قيل للجواد عليه السلام (1): «زيارة الرضا (عليه السلام) أفضل أم زيارة أبي عبد الله الحسين عليهما السلام؟ فقال: زيارة أبي أفضل، و ذلك ان أبا عبد الله (عليه السلام) يزوره كل الناس، و أبي لا يزوره إلا الخواص من الشيعة»

و قال الكاظم (عليه السلام)(2): «إذا كان يوم القيامة كان على عرش الرحمن أربعة من الأولين و أربعة من الآخرين، فأما الأربعة الذين هم من الأولين فنوح و إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام،


1- 1 الوسائل- الباب- 85- من أبواب المزار الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 86- من أبواب المزار الحديث 1.

ج 20، ص: 99

و أما الأربعة من الآخرين فمحمد و علي و الحسن و الحسين عليهم السلام، ثم يمد الطعام فيقعد معنا زوار قبور الأئمة عليهم السلام، إلا ان أعلاهم درجة و أقربهم حبوة زوار قبر ولدي علي (عليه السلام)».

و كذا يستحب مؤكدا زيارة الامام الجواد أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام أمه الخيزران أم ولد، كانت من أهل بيت مارية القبطية، ولد بالمدينة في شهر رمضان سنة خمس و تسعين و مائة، و قبض ببغداد في آخر ذي القعدة، و قيل يوم الثلاثاء حادي عشر ذي القعدة سنة عشرين و مائتين، و دفن في ظهر جده الكاظم (عليه السلام)،

قال ابن عقبة(1)«كتبت إلى أبي الحسن الثالث الهادي (عليه السلام) أسأله عن زيارة أبي عبد الله الحسين و عن زيارة أبي الحسن و أبي جعفر عليهم السلام و عن الأئمة عليهم السلام فكتب الي أبو عبد الله (عليه السلام) المقدم، و هذا أجمع و أعظم أجرا».

و كذا يستحب زيارة الامام الهادي المنتجب أبي الحسن علي بن محمد الجواد عليهما السلام أمه سمانة أم ولد، ولد بالمدينة منتصف ذي الحجة سنة اثنى عشر و مائتين و قبض بسر من رأى في يوم الاثنين ثالث رجب سنة أربع و خمسين و مائتين، و دفن في داره بها.

و كذا يستحب زيارة الامام النقي الهادي ولي المؤمنين أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام أمه حديثة أم ولد، ولد بالمدينة في شهر ربيع الآخر، قيل يوم الاثنين رابعة سنة اثنين و ثلاثين و مائتين، و قبض بسر من رأى يوم الأحد، و قال المفيد:

يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأول سنة ستين و مائتين، و دفن إلى جانب أبيه، و ثواب زيارتهما يعلم مما تقدم من النصوص و أنه كمن زار رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و

قال العسكري (عليه السلام)(2)«قبر بسر من رأى أمان لأهل الجانبين»

لكن عن المفيد


1- 1 الوسائل- الباب- 89- من أبواب المزار الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 90- من أبواب المزار الحديث 2.

ج 20، ص: 100

أنهما يزاران من ظاهر الشباك و منع من دخول الدار، بل عن الشيخ أنه أحوط، لأنها ملك الغير، فلا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه، قال: و لو أن أحدا دخلها لم يكن مأثوما، و خاصة إذا تأول في ذلك ما روي عنهم أنهم جعلوا شيعتهم في حل من مالهم، و لكن الآن من ضروري

مذهب الشيعة جواز ذلك و لعله لأن قبورهم عليهم السلام بقع من بقاع الجنة، و أنها مشاعر و مختلف أوليائهم و مجمع شيعتهم و غير ذلك مما يكون التوقف فيه من الوساوس.

و كذا يستحب مؤكدا زيارة الإمام المهدي الحجة صاحب الزمان أبي القاسم محمد بن الحسن (عليه السلام) عجل الله فرجه و سهل الله مخرجه، ولد بسر من رأى ليلة الجمعة، و قيل ضحى خامس عشر شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين، أمه صقيل، و قيل نرجس، و قيل مريم بنت زيد العلوية، و هو الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، أسأل الله تعالى به و بآبائه الطاهرين أن يصلي على محمد و آل محمد، و أن يرزقني رضاه، و يعرف بيني و بينه، و يعدني في أوليائه و شيعته و أنصاره، فإنه أرحم الراحمين، و يستحب زيارته في كل مكان و كل زمان، و الدعاء بتعجيل الفرج في زيارته، و تتأكد زيارته في السرداب المعروف بسر من رأى.

و يستحب زيارة النبي و فاطمة و الأئمة صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين من بعد بمعنى الإيماء إلى قبورهم بالسلام، و يستحب أن يكون ذلك على سطح الدار أو في فلاة من الأرض بعد الغسل و لبس أطهر الثياب و صلاة الزيارة الثمانية أو الست أو الأربعة أو الركعتين مؤميا بالسلام الى قبورهم، و ينبغي أن يكون بالمأثور، و يتأكد ذلك في كل جمعة، و الظاهر جواز تأخير الصلاة بعد الإيماء بالسلام.

و ليزر علي بن الحسين في زيارة الحسين عليهما السلام من بعد و العباس و جميع الشهداء عليهم السلام

ج 20، ص: 101

الى غير ذلك مما ورد في زيارات الأئمة عليهم السلام من قرب و من بعد من الأقوال المخصوصة و الآداب كالغسل قبل دخول المشهد، و الكون على طهارة و قد تقدم البحث في انتقاض الغسل بالحدث أو النوم خاصة و عدمه، بل تستحب إعادته مطلقا أو في النوم خاصة، و الإتيان بخضوع و خشوع في ثياب نظيفة جديدة أو غسيلة، و الوقوف على الباب و الدعاء و الاستئذان بالمأثور، بل قيل إن وجد خشوعا ورقة دخل، و إلا فالأفضل أن يتحرى زمان الرقة لأن الغرض حضور القلب لتلقي الرحمة النازلة من الرب، و تقديم الرجل اليمنى في الدخول و اليسرى في الخروج و المشي الهوينا بسكينة و وقار مسبحا و مهللا و مقدسا، و الوقوف على الضريح ملاصقا له أو غير ملاصق، و دعوى أن البعد أشد أدبا وهم، فقد روي (1)الاتكاء على الضريح و تقبيله.

و أما تقبيل الأعتاب ففي الدروس لم نقف له على نص يعتد به، و لكن عليه الإمامية، و لو سجد لله تعالى قاصدا الشكر على توفيقه و بلوغه تلك البقعة كان أولى، و في

خبر حسن بن حسين البغدادي (2)المروي عن فرحة الغري «أن زين العابدين (عليه السلام) ورد الكوفة و دخل مسجدها و به أبو حمزة الثمالي و كان من زهاد أهل الكوفة و مشايخها فصلى ركعتين و ذكر دعاء إلى أن قال فتبعته إلى الكوفة فوجدت عبدا أسود معه نجيب و ناقة فقلت يا أسود من الرجل فقال:

أو تخفى عليك شمائله، هو علي بن الحسين عليهما السلام، قال أبو حمزة فأكببت على قدميه أقبلهما فرفع رأسي بيده، و قال يا أبا حمزة: انما يكون السجود لله،


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المزار الحديث 2 و الباب 30 منها الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب المزار الحديث 1 عن حسن ابن حسين بن طحال المقدادي.

ج 20، ص: 102

فقلت يا ابن رسول الله ما أقدمك إلينا؟ ما رأيت، و لو علم الناس ما فيه من الفضل لأتوه حبوا».

و على كل حال فينبغي استقبال وجه المزور و استدبار القبلة حال زيارة ثم يضع عليه خده الأيمن عند الفراغ من الزيارة، و يدعو متضرعا، ثم يضع خده الأيسر، و يدعو سائلا من الله بمنه و بحق صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته، و يبالغ في الدعاء و الإلحاح، ثم ينصرف الى ما يلي الرأس، ثم يستقبل القبلة و يدعو، و الزيارة بالمأثور، و صلاة الزيارة في الروضة عند النبي و عند الرأس في غيره الى القبر، و يجوز في غير ذلك، بل لعل الأولى الصلاة في الخارج مع الازدحام، و

الدعاء بعدها بالمأثور أو بما يسنح له من أمور الدنيا و الدين، و تلاوة شي ء من القرآن عند الضرائح و إهداؤه إلى المزور، و إن كان المنتفع بذلك الزائر على ما في الدروس، و إحضار القلب في جميع أحواله بما يمكن، و التوبة من الذنب و الاستغفار، و الإقلاع و تعجيل الخروج عند قضاء الوطر لتعظيم الحرمة و يشتد الشوق، و ليخرج القهقرى حتى يتوارى، بل عد في الدروس من آداب الزيارة التصدق على السدنة و الحفظة للمشهد، و إكرامهم و إعظامهم فان فيه إكرام صاحب المشهد، قال: و ينبغي لهؤلاء أن يكونوا من أهل الخير و الصلاح و الدين و المروة و الاحتمال و الصبر و كظم الغيظ خالين من الغلظة على الزائرين، قائمين بحوائج المحتاجين مرشدي الغرباء و الواردين، و ليتعهد أحوالهم الناظر فيه، فان وجد من احد منهم تقصيرا نهاه عنه، فإن أصر زجره عنه، فان كان من المحرم جاز ردعه، بالضرب إن لم يجد التعنيف من باب النهي عن المنكر، و جعل منها أيضا انه إذا انصرف إلى منزله من الزيارة استحب له العود إليها ما دام مقيما، فإذا حان الخروج ودع و دعا بالمأثور و سأل الله تعالى العود اليه، و أن يكون الزائر الزيارة خيرا منه قبلها، فإنها تحط

ج 20، ص: 103

الأوزار إذا صادفت القبول، و الصدقة على المحاويج بتلك البقعة، فإن الصدقة مضاعفة هنالك، و خصوصا على الذرية الطاهرة و لا بأس بذلك و إن كان هو ليس من آداب الزيارة.

و كذا يستحب زيارة منتجبي الصحابة كسلمان بالمدائن، و عمار بصفين و أبي ذر بالربذة، و حذيفة و نحوهم و الشهداء سيما جعفر بن أبي طالب بموتة و نحوه، و الأنبياء حيث كانوا، و جميع الصلحاء من المؤمنين،

قال الكاظم (عليه السلام)(1)«من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي إخوانه يكتب له ثواب زيارتنا، و من لم يقدر أن يصلنا فليصل صالحي إخوانه يكتب له ثواب صلتنا».

و كذا يستحب زيارة عبد العظيم بالري فإنها كزيارة الحسين (عليه السلام)، و قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام بقم، فان من زارها له الجنة، و جميع قبور العلماء و الصلحاء و الأولياء و كافة إخوانه أحياء و أمواتا، و لكل ذلك آداب و وظائف قد تكفلت بها الكتب المعدة لذلك، و الرجاء بالله تعالى شأنه أن يوفقنا بعد إتمام هذا الكتاب إلى تأليف كتاب يجمع جميع ما ورد عنهم عليهم السلام في ذلك، و الله الموفق و المؤيد و المسدود.

[خاتمة]

خاتمة لا خلاف و لا إشكال في أنه تستحب المجاورة بها أي المدينة، بل في الدروس الإجماع عليه، للتأسي و لما ورد(2)في مدحها و دعاء النبي (صلى الله عليه و آله) لها، و لما تستتبعه من العبادات فيها، بل

قال الصادق (عليه السلام) في خبر الزيات(3): «من مات فيها بعثه الله تعالى في الآمنين يوم القيامة»

و قال ابن الجهم (4)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) أيهما أفضل: المقام بمكة أو بالمدينة؟

فقال: أي شي ء تقول أنت؟ قال: فقلت و ما قولي مع قولك، قال: إن قولك


1- 1 الوسائل- الباب- 97- من أبواب المزار الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المزار الحديث 0.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المزار الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المزار الحديث 1.

ج 20، ص: 104

يرد إلى قولي، فقلت له أما أنا فأزعم أن المقام بالمدينة أفضل من الإقامة بمكة، فقال: أما لئن قلت ذلك لقد قال أبو عبد الله (عليه السلام) ذلك يوم فطر، و جاء الى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فسلم عليه ثم قال: لقد فضلنا الناس بسلامنا على رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

و قال مرازم (1): «دخلت أنا و عمار و جماعة على أبي عبد الله (عليه السلام) بالمدينة فقال: ما مقامكم؟ فقال عمار: قد سرحنا ظهرنا و أمرنا أن نؤتى به الى خمسة عشر يوما، فقال: أصبتم المقام في بلد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و الصلاة في مسجده و اعملوا لآخرتكم و أكثروا لأنفسكم، ان الرجل قد يكون كيسا،

فيقال ما أكيس فلانا، و إنما الكيس كيس الآخرة»

و في النبوي (2)«لا يصبر على لأواء المدينة و شدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا»

و إن نفرا كانوا يريدون الخروج منها الى أحد الأمصار فقال (صلى الله عليه و آله)(3)«المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون»

و ان احتمل الاختصاص بهم، و على كل حال فلا معارض هنا لما عرفت كما في مكة و ان حكي عن بعض العامة تعدية العلل إلا أنه في غير محله، خصوصا بعد

قوله (صلى الله عليه و آله) في المرسل «من غاب عن المدينة ثلاثة أيام جاءها و قلبه مشرب جفوة».

و يستحب الغسل عند دخولها لما سمعته من

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار(4): «إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المزار الحديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 12- من أبواب المزار الحديث 16.
3- 3 صحيح مسلم ج 4 ص 122.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المزار الحديث 1.

ج 20، ص: 105

ثم تأتي قبر النبي (صلى الله عليه و آله) فتسلم على رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

، نعم ظاهره الاكتفاء بهذا الغسل لها و لدخول المسجد و للزيارة و لو أراد تكراره جاز، بل لعله أفضل و أولى، و قد مر في كتاب الطهارة تفصيل ذلك، فلاحظ.

و تستحب الصلاة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فإنها تعدل ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام، و خصوصا بين القبر و المنبر، و هو الروضة التي هي بقعة من بقاع الجنة و إن كنا لم نقف في الصلاة فيها على نص بالخصوص، و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(1)«حدها إلى طرف الظلال، و حد المسجد إلى الأسطوانتين عن يمين المنبر الى الطريق مما يلي سوق الليل»

و قال ابن مسلم (2)في الصحيح «سألته (عليه السلام) عن حد مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: الأسطوانة التي عند رأس القبر إلى الأسطوانتين من وراء المنبر عن يمين القبلة، و كان وراء المنبر طريق تمر فيه الشاة، و يمر الرجل منحرفا، و كان ساحة المسجد من البلاط إلى الصحن»

و كيف كان فظاهر المصنف و غيره التأكد هنا، و لكن

قال جميل ابن دراج (3)لأبي عبد الله (عليه السلام): «الصلاة في بيت فاطمة عليها السلام مثل الصلاة في الروضة قال: و أفضل»

و قال يونس بن يعقوب (4)«قلت له (عليه السلام) أيضا:

«الصلاة في بيت فاطمة أفضل أو في الروضة قال: في بيت فاطمة عليها السلام»

و قال الصادق (عليه السلام)(5): «و بيت علي و فاطمة عليهما السلام ما بين البيت الذي فيه النبي (صلى الله عليه و آله)


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 59- من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 59- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 57- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 20، ص: 106

الى الباب الذي يحاذي الزقاق الى البقيع، و قال: لو دخلت من ذلك الباب و الحائط مكانه أصاب منكبك الأيسر، ثم سمى سائر البيوت»

و الله العالم.

و يستحب أيضا أن يصوم الإنسان بالمدينة ثلاثة أيام للحاجة و غيرها و إن كان مسافرا و قلنا بعدم جواز صوم الندب في السفر، إلا أن ذلك مستثنى نصا(1)و فتوى كما عرفته في كتاب الصوم، و ينبغي أن تكون الأربعاء و الخميس و الجمعة،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(2): «إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء و تصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة، و هي أسطوانة التوبة التي كان ربط نفسه إليها حتى نزل عذره من

السماء، و تقعد عندها يوم الأربعاء، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها مما يلي مقام النبي (صلى الله عليه و آله) ليلتك و يومك، و تصوم يوم الخميس ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي (صلى الله عليه و آله) و مصلاه ليلة الجمعة، فتصلي عندها ليلتك و يومك، و تصوم يوم الجمعة، فإن استطعت أن لا تتكلم بشي ء في هذه الأيام فافعل إلا ما لا بد لك منه، و لا تخرج من المسجد إلا لحاجة، و لا تنام في ليل و لانهار فافعل، فان ذلك مما يعد فيه الفضل، ثم احمد الله في يوم الجمعة و أثن عليه وصل على النبي (صلى الله عليه و آله) و سل حاجتك، و ليكن فيما تقول: اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها و التماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجه إليك بنبيك محمد (صلى الله عليه و آله) نبي الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها و كبيرها، فإنك حري أن تقضى حاجتك إنشاء الله»

و قال (عليه السلام) أيضا في صحيحه (3)الآخر: «صم الأربعاء و الخميس و الجمعة وصل ليلة الأربعاء و يوم الأربعاء عند الأسطوانة التي تلي رأس النبي (صلى الله عليه و آله) و ليلة الخميس و يوم الخميس عند أسطوانة أبي لبابة، و ليلة الجمعة و يوم الجمعة


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب المزار.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب المزار الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب المزار الحديث 4.

ج 20، ص: 107

عند الأسطوانة التي تلي مقام النبي (صلى الله عليه و آله)، و ادع بهذا الدعاء لحاجتك، و

هو اللهم إني أسألك بعزتك و قوتك و قدرتك و جميع ما أحاط به علمك أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تفعل بي كذا و كذا»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر مرازم (1): «الصيام بالمدينة و القيام عند الأساطين ليس بمفروض، و لكن من شاء فليصم فإنه خير له، انما المفروض صلوات الخمس و صيام شهر رمضان فأكثروا الصلاة في هذا المسجد ما استطعتم، فإنه خير لكم، و اعلموا أن الرجل قد يكون كيسا في أمر الدنيا، فيقال ما أكيس فلانا، فكيف من كاس في أمر آخرته»

و قال (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي (2): «إذا دخلت المسجد فان استطعت أن تقيم ثلاثة أيام: الأربعاء و الخميس و الجمعة فتصلي بين القبر و المنبر يوم الأربعاء عند الأسطوانة التي عند القبر، فتدعو الله عندها و تسأله كل حاجة تريدها من آخرة أو دنيا، و اليوم الثاني عند أسطوانة التوبة، و يوم الجمعة عند مقام النبي (صلى الله عليه و آله) مقابل الأسطوانة الكثيرة الخلوق، فتدعو الله عندهن بكل حاجة، و تصوم تلك الثلاثة الأيام»

إلى غير ذلك من النصوص.

و منها يستفاد ما ذكره المصنف بقوله و أن يصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة بشر بن عبد المنذر الأنصاري شهد بدرا، و تسمى بأسطوانة التوبة أيضا و في ليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلي مقام رسول الله (صلى الله عليه و آله) و غيره من الأمور أيضا

حتى ما أو مات اليه من الاعتكاف الذي صرح به غير واحد.

و كذا يستحب أن يأتي المساجد بالمدينة كمسجد الأحزاب و مسجد الفتح و مسجد الفضيخ و قبور الشهداء بأحد خصوصا قبر حمزة عليهم السلام و مشربة أم إبراهيم أي غرفتها التي كانت فيها، و هي مارية القبطية، و يقال إنها ولدت


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب المزار الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب المزار الحديث 3.

ج 20، ص: 108

إبراهيم فيها،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1): «لا تدع إتيان المشاهد كلها: مسجد قبا فإنه المسجد الذي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ، و مشربة أم إبراهيم، و مسجد الفضيخ و قبور الشهداء، و مسجد الأحزاب و هو مسجد الفتح، قال: و بلغنا أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان إذا أتي قبور الشهداء قال: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، و ليكن فيما تقول عند مسجد الفتح، يا صريخ المكرومين، و يا مجيب دعوة المضطرين اكشف همي و كربي و غمي كما كشفت عن نبيك همه و غمه و كربه و كفيته هول عوده في هذا المكان»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر الحلبي (2): «هل أتيتم مسجد قبا أو مسجد الفضيخ أو مشربة أم إبراهيم فقلت: نعم، فقال: إنه لم يبق من آثار رسول الله (صلى الله عليه و آله) شي ء إلا و قد غير غير هذا»

و قال (عليه السلام) أيضا في مرسل حريز(3)المروي عن مزار ابن قولويه: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من أتي مسجد قبا فصلى فيه ركعتين رجع بعمرة»

و عن القاضي أنه يصلى فيه عند الأسطوانة التي تلي المحراب، و

قال الصادق (عليه السلام) أيضا في خبر الفضيل بن يسار(4): «زيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) و زيارة قبور الشهداء و زيارة قبر الحسين عليهم السلام تعدل حجة مبرورة مع رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

بل ينبغي ملاحظة الترتيب الذي رواه

عقبة بن خالد(5)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أنا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيها أبدأ قال: ابدأ بقبا فصل فيه و أكثر فيه، فإنه أول مسجد صلى فيه رسول الله (صلى الله عليه و آله) في هذه العرصة، ثم ائت مشربة أم إبراهيم فصل فيها فإنها مسكن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و مصلاه، ثم تأتي مسجد الفضيخ فتصلي فيه فقد صلى فيه نبيك، فإذا قضيت هذا الجانب أتيت جانب أحد فبدأت بالمسجد الذي دون الحيرة، فصليت فيه،


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المزار الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المزار الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المزار الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المزار الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المزار الحديث 2.

ج 20، ص: 109

ثم مررت بقبر حمزة بن عبد المطلب فسلمت عليه، ثم مررت بقبور الشهداء فقمت عندهم، فقلت: السلام عليكم يا أهل الديار، أنتم لنا فرط و إنا بكم لاحقون ثم تأتي المسجد الذي في المكان الواسع إلى جنب الجبل عن يمينك حين تأتي أحد، فتصلي فيه، فعنده خرج النبي (صلى الله عليه و آله) إلى أحد حين لقي المشركين و لم يبرحوا حتى حضرت الصلاة فصلى فيه، ثم مر أيضا حين ترجع فصل عند قبور الشهداء ما كتب الله لك، ثم امض على وجهك حتى تأتي مسجد الأحزاب فتصلي فيه و تدعو الله تعالى، فان رسول الله (صلى الله عليه و آله) دعا فيه يوم الأحزاب، و قال يا صريخ المكروبين و يا مجيب دعوة المضطرين و يا مغيث الملهوفين اكشف همي و كربي و غمي فقد ترى حالي و حال أصحابي».

ثم لا يخفى عليك ظهور الخبر في كراهة الترك، و في أن مسجد الأحزاب هو مسجد الفتح كما عن العلامة القطع به في جملة من كتبه و الشهيد في الدروس فالعطف في عبارة المصنف و القواعد حينئذ على الأحزاب دون المسجد، و انما سمي بذلك لأن النبي (صلى الله عليه و آله) دعا فيه يوم الأحزاب فاستجاب الله تعالى بالفتح علي يد أمير المؤمنين و سيد الوصيين (عليه السلام) بقتله عمرو بن عبدود، و انهزم الأحزاب، و سمي الفضيخ بالمعجمات لأنهم كانوا يفضخون فيه التمر قبل الإسلام أي يدخرونه، و في

خبر ليث (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسجد الفضيخ لم سمي مسجد الفضيخ قال: نخل يسمى بالفضيخ»

أو لما يقال من أنه كان إذ حاصر بني النضير ضربت قبته قريبا منه و كان يصلي هناك ست ليال، و حرمت الخمر هناك، و جماعة من الأنصار كانوا يشربون فضيخا فحلوا وكاء السقاء فهرقوة فيه، أو للجميع.


1- 1 التهذيب ج 6 ص 18- الرقم 40 و الكافي ج 4 ص 561 المطبوعين حديثا.

ج 20، ص: 110

و على كل حال فالظاهر أن هذا المسجد هو الذي ردت فيه الشمس لأمير المؤمنين (عليه السلام) حتى صلى العصر حين فاته الوقت بسبب نوم النبي (صلى الله عليه و آله) في حجره فلما فرغ من الصلاة انقضت انقضاض الكوكب كما صرح به في الدروس، بل رواه الكليني (1)عن عمار عن الصادق (عليه السلام).

و ينبغي أن يأتي أيضا مقام جبرائيل (عليه السلام)،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر معاوية بن عمار(2): «ائت مقام جبرائيل و هو تحت الميزاب، فإنه كان مقامه إذا استأذن على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقل: أي جواد أي كريم أي قريب أي بعيد أسألك أن تصلي على محمد و أهل بيته و أن ترد علي نعمتك قال: و ذلك مقام لا تدعو فيه حائض بدعاء الدم إلا رأت الطهر».

و كذا يستحب له زيارة إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه و آله) و عبد الله بن جعفر و فاطمة بنت أسد و جميع من بالبقيع من الصحابة و التابعين، و الله العالم.

و يكره النوم في جميع المساجد كما عرفته في أحكامها و تتأكد الكراهة في المسجد الحرام و مسجد النبي (صلى الله عليه و آله) ل

حسن زرارة(3)المحمول على ذلك، قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في النوم في المساجد قال:

لا بأس به إلا في المسجدين مسجد النبي (صلى الله عليه و آله) و المسجد الحرام، قال: كان يأخذ بيدي في بعض الليل و يتنحى ناحية ثم يجلس و نتحدث في المسجد الحرام فربما نام، فقلت له: الكراهة في ذلك فقال: انما يكره أن ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأما الذي في هذا الموضع فليس به بأس»


1- 1 الكافي ج 4 ص 562 الطبع الحديث.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المزار الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 من كتاب الصلاة.

ج 20، ص: 111

و ربما استفيد مما في ذيله عدم الكراهة أصلا في غيرهما، بل في المدارك لا يبعد عدم تأكدها فيهما أيضا ل

صحيحة معاوية بن وهب (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النوم في المسجد الحرام و مسجد الرسول قال: نعم أين ينام الناس»

و لعل المراد به حال الضرورة، و إلا فالنوم في مسجده (صلى الله عليه و آله) أشد كراهة من المسجد الحرام كما يومي اليه اقتصار المصنف عليه، ل

خبر علي بن جعفر(2)المروي عن قرب الاسناد، سأل أخاه (عليه السلام) «عن النوم في المسجد الحرام قال:

لا بأس، و سأله عن النوم في مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله) قال: لا يصلح»

و في النبوي (3)«لا ينام في المسجد أحد و لا يجنب فيه»

نعم يستثنى ذلك و الجنابة لهم خاصة

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «ان الله أوحى اليه أن أتخذ مسجدي مسجدا طهورا لا يحل لأحد أن يجنب فيه إلا أنا و علي و الحسن و الحسين (عليهم السلام)»

و قد روى (4)ذلك أو ما يقرب منه جم غفير من العامة و الخاصة، و الله العالم.

[ (الركن الثالث في اللواحق)]
اشاره

(الركن الثالث في اللواحق) (و فيه مقاصد)

[المقصد الأول في الإحصار و الصد]
[في الفرق بين الحصر و الصد]

الأول في الإحصار و الصد) الصد بالعدو و الإحصار بالمرض لا غير كما هو المعروف بين الفقهاء


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1- من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام المساجد الحديث 6- من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام المساجد الحديث 3- من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الجنابة و المستدرك- الباب 7 منها.

ج 20، ص: 112

بل في المسالك اختصاص الحصر بالمرض هو الذي استقر عليه رأي أصحابنا و وردت به نصوصهم، بل ظاهر المنتهى الاتفاق على إرادة ذلك من اللفظين المزبورين بل عن صريح التنقيح و كنز العرفان ذلك، و

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(1): «المحصور غير المصدود، فان المحصور هو المريض، و المصدود هو الذي رده المشركون كما ردوا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، ليس من مرض، و المصدود تحل له النساء، و المحصور لا تحل له النساء»

بل في المسالك هو أي الحصر بمعنى المرض مطابق للغة، قال في الصحاح: «حصر الرجل على ما لم يسم فاعله» قال ابن السكيت أحصره المرض إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها، قال الله تعالى (2)«فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ» الآية، و ربما حكي عن تغلب أيضا، بل عن الفراء هذا كلام العرب و إن كان المحكي عن غيرهم من أهل اللغة خلاف ذلك كما تسمع، بل و كون المراد من الآية الأعم أيضا.

و على كل حال فالمراد منهما هنا في النص و الفتوى ذلك و إن كان الحصر لغة مطلق الضيق و الحبس عن السفر و غيره، و الصد المنع كما

في القاموس و الصحاح و مقتضاه الترادف، بل في المدارك هو قول أكثر الجمهور، بل فيها أيضا أنه نقل النيسابوري و غيره اتفاق المفسرين على نزول قوله تعالى «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ» الى آخره في حصر الحديبية و لذلك احتج بها الأصحاب على مسائل من أحكام الصد و في المسالك عند العامة الحصر و الصد واحد من جهة العدو، و نحوه عن المنتهى إلا أن ذلك كله كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه، بل في كشف اللثام «المصدود الممنوع بالعدو نصا و اتفاقا، و كل من يمنع الناسك من إتمام


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة الآية 192.

ج 20، ص: 113

نسكه فهو عدو له من هذه الجهة، و إن كان منعه لإفراط في المحبة» و إن كان ما ذكره أخيرا لا يخلو من نظر، و ستسمع إنشاء الله تمام الكلام في الإحصار.

و كيف كان فالحصر و الصد يشتركان في ثبوت أصل التحلل عند المنع من إكمال النسك في الجملة، و يفترقان في أمور تعرفهما في تضاعيف الباب إنشاء الله و إن قيل هنا إن جملتها ستة، عموم تحلل المصدود بمحلله لكل ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء، بخلاف المحصر الذي يحل له ما عدا النساء المتوقف حلهن له علي طوافهن، و الإجماع على اشتراط الهدي في المحصور بخلاف المصدود، فان فيه خلافا، و تعيين مكان ذبح هدي المحصور بمكة في إحرام العمرة و بمنى في إحرام الحج، بخلاف المصدود الذي يذبح حيث وجد المانع، و افتقار المحصور إلى الحلق أو التقصير مع الهدي بخلاف المصدود، فان فيه قولين، و تعيين تحلل المصدود بمحلله في مكانه بخلاف المحصور الذي هو بالمواعدة التي قد تتخلف، و كون فائدة الشرط في عقد الإحرام للمحصور تعين تعجيل التحلل بخلاف المصدود الذي فيه ما تقدم من الخلاف في أنه هل يفيد سقوط الهدي أو كون التحلل عزيمة لا رخصة أو مجرد التعبد، لكن من المعلوم أن اختلاف هذه الأحكام مع وقوع كل واحد من السببين منفردا عن الآخر، أما إذا اجتمعا على المكلف بأن مرض و صده العدو ففي المسالك «في ترجيح أيهما أو التخيير بينهما فيأخذ حكم ما اختاره أو الأخذ بالأخف فالأخف من أحكامهما أوجه أجودها الأخير، لصدق اسم كل واحد عند الأخذ بحكمه، و لا فرق في ذلك بين عروضهما دفعة أو متعاقبين إذا كان قبل الشروع في حكم السابق، فلو عرض الصد بعد بعث المحصر أو الإحصار بعد ذبح المصدود و لما يقصر احتمل ترجيح السابق، و هو خيرة الدروس، و بقاء التخيير لصدق الاسم قبل التحلل» قلت: لا يخلو القول بترجيح السابق مطلقا أو على الوجه الذي

ج 20، ص: 114

ذكره الشهيد من وجه، و في الدروس «لو اجتمع الإحصار و الصد فالأشبه تغليب الصد لزيادة التحلل به، و يمكن التخيير، و تظهر الفائدة في الخصوصيات و الأشبه جواز الأخذ بالأخف من أحكامهما، و لا فرق بين عروضهما معا أو متعاقبين، نعم لو عرض الصد بعد بعث المحصر أو الإحصار بعد ذبح المصدود و لما يقصر فترجيح جانب السابق قوي» قلت هو كذلك.

[في المصدود]
اشاره

و كيف كان فالمصدود إذا تلبس بإحرام حج أو عمرة وجب عليه الإكمال إجماعا بقسميه، مضافا إلى الكتاب و السنة، نعم هو كذلك مع الاختيار أما إذا تلبس بإحرام الحج ثم صد تحلل بمحلله من كل ما أحرم منه إذا لم يكن له طريق غير موضع الصد، أو كان له طريق و قصرت نفقته بلا خلاف معتد به أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ما سمعته من قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن عمار(1)السابق،

و في رواية أخرى (2)له أيضا «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) حين صده المشركون يوم الحديبية نحر و أحل و رجع إلى المدينة»

كرواية حمران (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «ان رسول الله صلى الله عليه و آله حين صد بالحديبية قصر و أحل و نحر ثم انصرف منها»

و خبر زرارة(4)عنه (عليه السلام) أيضا «المصدود يذبح حيث شاء و يرجع صاحبه فيأتي النساء»

و نحوها غيرها في الدلالة على ذلك، و ما عن ظاهر الوسيلة و غيرها من اعتبار الاشتراط في التحلل معلوم الفساد نصا و فتوى، نعم لا خلاف و لا إشكال في أنه يستمر


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 5 و فيه « المصدود يذبح حيث صد. إلخ».

ج 20، ص: 115

على إحرامه إذا كان له مسلك غيره و لو كان أطول مع تيسر النفقة بل ليس هو من المصدود و من هنا لو خشي الفوات حينئذ لم يتحلل و صبر حتى يتحقق الفوات ثم يتحلل بعمرة نحو غيره ممن يفوته الحج بدون الصد، نعم لو قصرت نفقته بسلوكه جاز له التحلل لأنه مصدود، و لا طريق له سوى موضع المنع لعجزه عن غيره، فيتحلل و يرجع إلى بلده إن شاء، بخلاف من لم تقصر نفقته و لكن فاته الحج من جهة طول الطريق فإنه من أفراد من فاته الحج فيتحلل بالعمرة، و بذلك ظهر لك أنه لا يجوز له التحلل بخوف الفوات ضرورة ظهور الأدلة في انحصاره بالصد و بالفوات فعلا، نعم في قواعد الفاضل الإشكال في التحلل بعلم الفوات، و لعله من الضرر بالاستمرار كما في الصد، و أنه أولى بالتسويغ منه، فإنه يسوغ به و إن احتمل الإدراك كما ستعرف إنشاء الله بل قيل انه خيرة السيد و الشيخ و ابن إدريس، و من الأمر بالإتمام و الأصل إلا فيما عرفت، مع أنه إذا فات الحج انقلب عمرة و أتمها فلا إحلال قبل إتمام النسك، و لا دليل هنا على الانقلاب و لا العدول، و لا ريب في أن الأخير أقوى لما عرفت، و لا ضرر في استمراره إلى تحقق الفوات، و لعل من العلم بالفوات نفاد النفقة، لكن عن الشهيد أنهم نصوا على التحلل عنده، و مع التسليم قيل يمكن الفرق بالضرر و الخروج عن التكليف بالإتمام، و لكنه كما ترى.

و كيف كان فيتحلل في الفرض بالعمرة عند الفوات ثم يقضي أي يأتي بالفعل في القابل واجبا إن كان الحج واجبا عليه وجوبا مستقرا أو كان مستطيعا في السنة القابلة و إلا أتي به ندبا و ألحق في المسالك بالأول من قصر في السفر بحيث لولاه لما فاته الحج، كأن ترك السفر مع القافلة الأولى و لم تصد، و في المدارك هو انما يتم إذا أوجبنا الخروج مع الأولى أما إذا جوزنا التأخير إلى سفر الثانية مطلقا أو على بعض الوجوه سقط وجوب

ج 20، ص: 116

القضاء، لعدم ثبوت الاستقرار و انتفاء التقصير» قلت: قد عرفت التحقيق في المسألة في محلها، فلا حظ.

و كيف كان ف لا يتحلل المصدود إلا بعد ذبح الهدي أو نحره كما صرح به غير واحد، بل نسبه بعض إلى الأكثر، و آخر الى المشهور، بل في المنتهى «قد أجمع عليه أكثر العلماء إلا مالكا» لاستصحاب حكم الإحرام الى أن يعلم حصول التحلل، و لما سمعته من النصوص السابقة المعتضدة

بالمرسل (1)عن الصادق (عليه السلام) «المحصور و المضطر يذبحان بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه»

بل و بقوله تعالى (2)«فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» بناء على أن المراد من الإحصار فيها ما يشمل الصد، بل عن الشافعي لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية، بل في المدارك عن النيشابوري و غيره اتفاق المفسرين على نزولها في حصر الحديبية، و قد سمعت أنه صلى الله عليه و آله نحر و أحل، و المناقشة بأعمية فعله (صلى الله عليه و آله) من الوجوب واضحة الضعف، خصوصا بعد ظهوره في امتثال ما نزل إليهم من الله تعالى، فما عن ابن إدريس و ظاهر المحكي عن علي بن بابويه من سقوط الهدي و ربما مال اليه بعض متأخري المتأخرين للأصل الممنوع أو المقطوع بما عرفت، و ما عساه يظهر من المحكي عن

الفقه (3)المنسوب الى الرضا (عليه السلام) الذي لم تثبت حجيته عندنا، قال: «و إن صد رجل عن الحج و قد أحرم فعليه الحج من قابل، و لا بأس بمواقعة النساء، لأن هذا مصدود و ليس كالمحصور»

على أنه مطلق يقيد بما سمعت.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.
2- 2 سورة البقرة الآية 192.
3- 3 المستدرك- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 3.

ج 20، ص: 117

ثم إن صريح بعض ما سمعته من النصوص و الفتاوى و ظاهر غيره ذبح المصدود أو نحره في محل صده و إن كان خارج الحرم، و لا يجب عليه البعث، خلافا للمحكي عن أبي الصلاح من إنفاذه كالمحصور، و يبقى على إحرامه حتى

يبلغ الهدي محله و يذبح يوم النحر، و عن الإسكافي من التفصيل في البدنة بين إمكان إرسالها فيجب، و عدمه فينحرها في مكانه، و في كشف اللثام عن الأحمدي نحو ما عن أبي الصلاح فيمن ساق هديا و أمكنه البعث، و لم يعين يوم النحر، بل ما يقع فيه الوعد، و نحوه الغنية، لكن نص فيها على العموم للسائق و غيره، و للحاج و المعتمر، و الجامع لكن نص فيه على العموم للحاج و المعتمر، و لم نجد لهم دليلا على ذلك، بل ظاهر ما سمعته من النصوص و صريح بعضها خلافه، نعم قد يستدل لبعضهم بعموم قوله تعالى (1)«وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» و ظهور اختصاصه بالمحصور الذي هو المريض كما مر و يأتي غير مناف بعد ما عرفت من كون المراد به في خصوص الآية الأعم منه و من المصدود، و يدفع بأن الآية و إن كانت ظاهرة في ذلك على التقدير المزبور و لكن النصوص (2)صرحت باختصاص الحكم المزبور فيها بالمحصور الذي هو المريض دون أصل الهدي الواجب عليهما، و لا بأس بذلك بعد أن كانوا عليهم السلام هم المرجع في المراد من القرآن، فالمتجه عدم الوجوب.

نعم لا يبعد القول بالتخيير بين البعث و الذبح عنده كما عن الخلاف و المنتهى و التحرير و التذكرة، بل في الأول أن البعث أفضل، و في الثاني أولى، هذا، و في كشف اللثام «لا بد من الاستنابة فيما صد عنه من

الطواف أو السعي أو كليهما إن أمكن لعموم ما دل عليهما مع التعذر، فإذا فعل النائب ذلك ذبح


1- 1 سورة البقرة الآية 192.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و 2- من أبواب الإحصار و الصد.

ج 20، ص: 118

الهدي» و لم يحضرني غيره ممن تعرض لذلك على الإطلاق، بل ظاهرهم خلافة فان كان إجماع عينه بالخصوص فذاك، و إلا فمقتضى إطلاق النص و الفتوى في المصدود خلافه، و تسمع إنشاء الله تفصيل الحال في ذلك.

و أما زمان النحر فمن حين الصد الى ضيق الوقت عن الحج إن صد عنه و لا يجب عليه التأخير إلى الضيق و إن ظن انكشاف الصد قبله كما صرح به غير واحد، لأصالة عدم التوقيت، و لظهور النصوص أو صراحتها في عدمه، و لذا قال الشهيد: و يجوز التحلل في الحل و الحرم بل في بلده، إذ لا زمان و لا مكان مخصوصين فيه، خلافا للمحكي عن الخلاف و المبسوط و الكافي و الغنية فوقتوه بيوم النحر، بل عن الشيخ و ابن زهرة تفسير الآية به، و به مضمر سماعة(1)و لا ريب في أنه أحوط، و لكن الأصح عدمه.

و كيف كان فيجب نية التحلل عند ذبح الهدي كما صرح به الشيخ و ابن حمزة و الحلي و يحيى بن سعيد و الفاضل و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، قيل لأن الأعمال بالنيات، و لأنه عن إحرام فيفتقر إلى نية كمن يدخل فيه، و لأن

الذبح يقع على وجوه، فلا يتخصص إلا بالنية، و اعتبارها فيه دون غيره ممن يتحلل بإتمام الرمي من دون نية باعتبار تمحض الرمي للنسك الذي يحل من عليه بإكماله من غير احتياج إلى نية، بخلاف الذبح الذي يقع على وجوه، و إن كان قد يناقش بأن الأول لا يدل على اعتبار نية التحلل، و إلا لاقتضى في غيره، و الثاني مجرد مصادرة، مع وضوح


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2 و هو مضمر زرعة على ما رواه عن التهذيب ج 5 ص 423 الرقم 1470 و مضمر سماعة على ما رواه عن مقنع الصدوق قدس سره إلا ان الموجود فيه سأل سماعة أبا عبد الله عليه السلام و ليس بمضمر.

ج 20، ص: 119

الفرق بين الابتداء و الانتهاء، و بأنه كما يتحلل غير المصدود بإتمام المناسك فكذا المصدود بإتمام ما عليه، و كما أن الذبح يقع لغوا لا يفيد تحللا و يقع نسكا فكذا الرمي، و دعوى الاكتفاء بنية ما عليه من الرمي في الحج كسائر المناسك بخلاف هدي التحلل الذي لا يتعين إلا بنية التحلل، و إن لم ينوه كان كاللغو من الرمي و الذبح لا شاهد لها، بل هي عند التأمل مصادرة محضة، ضرورة الاكتفاء بقصد القربة بعد أن لم يكن الأمر مشتركا بينه و بين غيره بذبح الهدي في الفرض، بل الأمر به انما هو للتحلل خاصة، و نية التعيين انما يحتاج إليها مع التعدد كما عرفته غير مرة، و كون الأصل الذبح بمكة أو منى لا يقتضي الاحتياج إلى نية التعيين كما هو واضح، لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في مراعاتها، سيما بعد تغير حكم المصدود و لم يبق على نسكه الذي يحل بمجرد إكماله، مضافا الى استصحاب بقائه على الإحرام، و إن كان يكفي في قطعة إطلاق الدليل.

ثم إن ظاهر المتن و غيره بل قيل الأكثر عدم اعتبار غير الذبح أو النحر على الوجه المزبور للأصل و إطلاق الأدلة السابقة الظاهرة في حصول التحلل بذلك من دون توقف على شي ء آخر، خلافا للفاضل في القواعد، فاعتبر مع ذلك التقصير، و للمراسم و الكافي و الغنية فخيروا بينه و بين الحلق في أحد النقلين عن الأخيرين، و في آخر تعين الحلق و اختار الشهيدان التخيير بينهما، و لكن لا دليل معتبر على التعيين لأحدهما و لا على التخيير عدا رواية عامية(1)بحلقه (صلى الله عليه و آله) يوم الحديبية، مع أن ما سمعته سابقا من الرواية(2)بتقصيره (صلى الله عليه و آله) ترده، و لكن في سندها كالمرسلة ضعف، و لا دليل على تعيين التقصير غيرها


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 214.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.

ج 20، ص: 120

بل ربما كان في

خبر الفضل بن يونس-(1)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن رجل حبسه سلطان يوم عرفة بمكة فلما كان يوم النحر خلى سبيله قال: يلحق بجمع ثم ينصرف إلى منى و يرمي و يذبح و لا شي ء عليه، قال، فان خلى عنه يوم الثاني قال: هذا مصدود عن الحج إن كان دخل مكة متمتعا بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعا و ليسع أسبوعا و يحلق رأسه و يذبح

شاة، و إن كان دخل مكة مفردا للحج فليس عليه ذبح و لا حلق»

فإنه لا محالة يعدل إلى العمرة المفردة، و لا شبهة أن عليه التقصير أو الحلق- دلالة على عدمه و إن كان الخبر المزبور كما ترى، نعم ربما استدل عليه بثبوته أصالة، و لم يظهر أن الصد أسقطه، فالإحرام مستصحب اليه، و فيه بعد تسليم بقاء وجوبه مع تغير الحال الأول أنه يكفي إطلاق الأدلة كتابا و سنة في قطع الاستصحاب المزبور، إلا أن الاحتياط مع ذلك لا ينبغي تركه، و الله العالم.

و كذا البحث في المعتمر إذا منع عن الوصول إلى مكة على معنى أن ما سبق في حكم المصدود من إكمال الحج على الوجه الآتي يأتي مثله في المعتمر عمرة مفردة أو غيرها إذا منع من الوصول إليها، بل الظاهر أنه بحكم ذلك أيضا من وصل و منع من فعل الطواف و السعي و الله العالم.

و لو كان ساق هديا ثم صد أو أحصر قيل و القائل الصدوقان يفتقر الى هدي التحلل مع ذلك، لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب، و للمحكي من

فقه (2)الرضا (عليه السلام) «فإذا قرن الرجل الحج و العمرة فأحصر


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.
2- 2 ذكر ذيله في المستدرك في الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 3 و تمامه في فقه الرضا عليه السلام ص 29.

ج 20، ص: 121

بعث هديا مع هديه، و لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، فإذا بلغ محله أحل و انصرف الى منزله، و عليه الحج من قابل، و لا يقرب النساء حتى يحج من قابل و إن صد رجل عن الحج و قد أحرم فعليه الحج من قابل، و لا بأس بمواقعة النساء، لان هذا مصدود و ليس كالمحصور»

و لعله اليه يرجع ما عن ابن الجنيد من أنه إن أحصر و معه هدي قد أوجبه الله تعالى بعث بهدي آخر عن إحصاره، فان لم يكن أوجبه بحال من إشعار و لا غيره أجزأه عن إحصاره، ضرورة عدم صدق الهدي المسوق قبل الاشعار مثلا، و من هنا استحسنه في المختلف و اختاره المصنف في النافع و الفاضل في القواعد و ثاني الشهيدين و غيرهم لقاعدة عدم التداخل في غيره، و عدم صدق الهدي عليه في التحلل، و العزم على سوقه لا يجعله هديا فعلا قبل الاشعار و قبل النذر له بعينه أو كلي و قد عينه به بناء على تعينه بمثل ذلك.

و قيل و القائل المشهور يكفيه ما ساقه مطلقا و إن وجب بإشعار أو غيره، بل في السرائر نسبته إلى ما عدا الصدوق من أصحابنا، بل عن الغنية الإجماع عليه و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها أصل البراءة بعد صدق قوله تعالى «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» عليه، و بعد ما قيل من أنه لم نقف على دليل يدل على إيجاب الحصر و الصد هديا مستقلا، و انما المستفاد من الأدلة كتابا و سنة انما هو ما استيسر من الهدي كما في الأول أو هديه كما في الثاني و لا ريب في صدقهما على المسوق مطلقا في محل البحث، و إن كان لا يخلو ما ذكره أولا من نظر أو منع، و

خبر رفاعة(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «قلت: رجل ساق الهدي ثم أحصر قال: يبعث بهديه، قلت يتمتع من قابل قال: لا، و لكن يدخل في مثل ما خرج منه»

و صحيحه (2)عنه (عليه السلام) أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.

ج 20، ص: 122

و

صحيح محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) أنهما قالا: «القارن يحصر و قد قال و اشترط فحلني حيث حبستني قال: أ يبعث بهديه، قلت: هل يتمتع من قابل؟ قال: لا و لكن يدخل في مثل ما خرج منه»

و صحيح رفاعة(2)عن الصادق (عليه السلام) «خرج الحسين (عليه السلام) معتمرا و قد ساق بدنة حتى انتهى الى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه و نحرها ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب»

الخبر،

و في آخر(3)«انه جاء إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) و فعل ذلك به»

و المناقشة في الأخير باحتمال عدم إحرامه (عليه السلام) واضحة الضعف كالمناقشة في

الجميع بأنها في المحصور دون المصدود بعد الاتفاق ظاهرا على عدم الفرق بينهما في هذا الحكم، و كذا المناقشة في الأولين باحتمال كون الاكتفاء لما فيها من الاشتراط أي قوله «فحلني» إلى آخره بناء على أن فائدته ذلك، ضرورة عدم مدخلية تلك المسألة فيما نحن فيه، و لذا لم يحك عن أحد التفصيل فيها بذلك.

نعم في الدروس قول بعدم التداخل إن وجب بنذر أو كفارة أو شبههما يعني دون ما وجب بالإشعار أو التقليد، و لعل الفرق أنه واجب بالإحرام فاتحد السبب، مضافا الى ظهور فتاوى الأصحاب ببعث هديه أو ذبحه فيه و فيما يجب للصد أو الحصر لا الواجب بكفارة و نحوها، و إن كان فيه أيضا أنه لا مدخلية للنذر و نحوه بعد صدق اسم الهدي عليه الذي به يندرج فيما سمعته من الأدلة، و أما ما عن الفاضل من احتمال أن يكون المراد أن هدي السياق كاف لكن يستحب هدي آخر للتحلل ففيه ما لا يخفى من أنه لا دليل له، مع أنه لا يخلو إما أن يحل بما ساقه، فلا معنى لذبح هدي آخر للتحليل، أو لا فيجب الآخر، و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.

ج 20، ص: 123

قدمه على ما ساقه أشكل نية الإحلال به، و يشكل تقديم ما ساقه بلا نية إحلال بناء على وجوبها، اللهم إلا أن يريد الاحتياط من الاستحباب، فينوي بهما التحلل للاحتياط، و على كل حال فقد ظهر أن الأقوى ما عليه المشهور لما عرفت، و به ينقطع استصحاب البقاء على الإحرام، كما أنه بالتأمل فيما ذكرنا تندفع كثير من المناقشات.

هذا كله فيمن ساق هديا، أما من لم يسق هديا فلا ريب في وجوب هدي التحلل عليه على معنى إن أراده فلا يحل بدونه حينئذ اتفاقا و لا بدل لهدي التحلل لا اختيارا و لا اضطرارا، بخلاف هدي التمتع و نحوه الذي قد عرفت الكلام فيه سابقا بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الاستصحاب و الاحتياط و ظاهر الآية و أصالة عدم بدل له بعد عدم الدليل، لكن عن الإسكافي أنه يتحلل حينئذ بدون دم، لقوله تعالى «فَمَا اسْتَيْسَرَ»، و لم يستيسر و لم أجد من وافقه عليه، نعم في القواعد الإشكال في ذلك، و لعله مما عرفت و من العسر و الحرج و

قول الصادق عليه السلام في خبر زرارة(1): «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فأذاه رأسه قبل أن يذبح هديه فإنه يذبح في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدق، و الصوم ثلاثة أيام، و الصدقة على ستة مساكين نصف صاع لكل مسكين»

و قوله عليه السلام أيضا في حسن ابن عمار(2)في المحصور و لم يسق الهدي: «ينسك و يرجع، فان لم يجد ثمن هدي صام»

و كذا في

صحيحه (3)إلا أن فيه قيل له: «فان لم يجد هديا


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2 مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.

ج 20، ص: 124

قال: يصوم»

و قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة(1)«إذا أحصر الرجل فبعث بهديه ثم أذاه رأسه قبل ان ينحر فحلق رأسه فإنه يذبح في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يطعم ستة مساكين»

و ما عن الجامع عن كتاب المشيخة لابن محبوب أنه

روى صالح عن عامر بن عبد الله بن جذاعة عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل خرج معتمرا فاعتل في بعض الطريق و هو محرم قال: فقال: ينحر بدنة و يحلق رأسه و يرجع الى رحله و لا يقرب النساء، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما، فإذا بري ء من وجعه اعتمر إن كان لم يشترط على ربه في إحرامه، و إن كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر إلا أن يشاء فيعتمر»

و إذا ثبت البدل للمحصور فالمصدود أولى لأن الحرج فيه أشد غالبا، لكن لا يخفى عليك منع الأولوية المزبورة، كما لا يخفى عليك إعراض الأصحاب عنها، مضافا إلى اختلافها، و إلى عدم اجتماع شرائط الحجية في أكثرها، بل في المدارك دعوى إجمال متن حسن معاوية، قال و لا يبعد حمل الصوم الواقع فيه على الواجب في بدل الهدي، و لذا قال في المسالك و روي أن له بدلا و هو صوم ثمانية عشر يوما، لكن لم

نعلمه على وجه يسوغ العمل به، و ربما قيل بأنه عشرة كهدي التمتع، لكن لا يجب فيها المتابعة و كونها في أيام الحج و غيرها لانتفاء المقتضي، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط، خصوصا في المحصور، و سيما مع احتمال عدم عثور الأصحاب على مجموع هذه الروايات كما يظهر من بعضهم، فلم يتحقق إعراض عنها حينئذ، و إن كان الأصح ما عرفت و حينئذ فلو عجز عنه و عن ثمنه بقي على إحرامه إلى أن يقدر عليه أو على إتمام النسك و لو عمرة، بل لا مدخل هنا للعجز عن ثمنه و إن وقع في المتن و القواعد إلا على القول ببعثه حتى في المصدود عينا أو تخييرا، اللهم إلا أن يريدا بذلك بيان وجوب الشراء مع التمكن من الثمن و إرادة الإحلال.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1

ج 20، ص: 125

و على كل حال ف لو تحلل حينئذ بغير ما ذكرنا لم يحل إلا مع الاشتراط بناء عليه، و الله العالم.

و لا خلاف و لا إشكال في أنه يتحقق الصد عن الحج بالمنع عن الموقفين بل يتحقق أيضا بالمنع عما يفوت الحج بفواته منهما كما عرفت الحكم فيه في الأقسام الثمانية، و لا يجب عليه الصبر حتى يفوته الحج للأصل و إطلاق النصوص، و لأنه لا فوات حقيقة إلا بالموت و خصوصا العمرة المفردة، مع أنه (صلى الله عليه و آله) تحلل بالحديبية، و الفرق بين عام و عام ترجيح بلا مرجح، و ربما نوقش بالمنع من إطلاق النصوص، فان الصد عن الوقوف انما يتحقق بالصد عنه الى فوات وقته، إذ لا صد عن الشي ء قبل وقته، و لا عن الكل بالصد عن بعضه، و الأصل معارض بالاستصحاب و الاحتياط، و الفارق بين عام و عام مع لزوم الحرج فعله صلى الله عليه و آله، أو يفرق بين العمرة و الحج، لافتراقهما بالفوات و عدمه، و لا حرج و لا عسر بالبقاء على الإحرام مدة لو لم يصد بقي عليه، و لكن لا يخفى عليك اندفاعها، بل لا تستأهل أن تسطر، ضرورة كونها كالاجتهاد في مقابلة النص و الفتوى، فالحكم حينئذ لا إشكال فيه.

بل في المسالك و من هذا الباب ما لو وقف العامة بالموقفين قبل وقته لثبوت الهلال عندهم لا عندنا، و لم يمكن التأخير عنهم لخوف العدو منهم أو من غيرهم، فإن التقية هنا لم تثبت، و لعله لأنها في موضوع، و ربما يؤيده ما ورد(1)من الأمر بقضاء يوم العيد الذي ثبت عندهم و أفطر فيه تقية، اللهم إلا أن يفرق بينهما بشدة المشقة في الحج دون صوم اليوم، فيلحق الموضوع حينئذ فيه بحكم التقية، و يجزيه الوقوف معهم بخلاف الصوم، و لكن هو في غاية الاشكال، و قد


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.

ج 20، ص: 126

تقدم منا سابقا بعض الكلام في ذلك و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا بعد وضوح منع تحقق الصد في ذلك سيما في بعض الأفراد، و حينئذ يتجه إدراجه في حكم من فاته الحج لا في حكم المصدود.

و لو صد بعد إدراك الموقفين عن نزول منى خاصة استناب في الرمي و الذبح كما في المريض، ثم حلق و تحلل و أتم باقي الأفعال، فان لم يمكنه الاستنابة فالأقوى جواز التحلل بالهدي في مكانه، لصدق الصد، و في المسالك و المدارك و غيرهما احتمال البقاء على إحرامه، بل حكي عن بعض للأصل المقطوع بإطلاق الأدلة المعتضد بقاعدة نفي الحرج، و بأولوية البعض بالإحلال من الكل، و دعوى ظهور أدلة الصد فيما يفوت به الحج أو العمرة بالكلية لا بعض أفعالهما المتأخرة يدفعها ظهورها و لو من الفحوى في الأعم من ذلك، حتى ما يمكن فيه الاستنابة، لكن خرج بالنص و الإجماع، و ليس من لوازم المصدود قضاء الحج وجوبا أو ندبا من قابل، و انما ثمرته اللازمة له جواز الإحلال من الإحرام و وجوب الهدي، و نحن نقول بهما هنا، و إن توقف في الأخير منهما بعض، قال: «لفقد العموم فيه، و عدم مساعدة الفحوى لإيجابه بعد فرض اختصاصه بصورة الصد عن الحج أو العمرة من أصله، فإن غاية الأولوية إفادة جواز الإحلال لا وجوبه، لاحتمال خصوصية في الصد عن كل الحج في إيجابه، و لا يوجد في الصد عن أبعاضه» و فيه أن ظاهر الأدلة كتابا و سنة و فتوى ثبوت الهدي بتحقق موضوع الصد، لا أقل من الشك، و الأصل البقاء على الإحرام، فإيجابه الشرطي حينئذ للأصل لا للفحوى، و هو كاف في ذلك، و حينئذ يكون الحاصل تحقق الصد الموجب للتحلل و الهدي بالمنع عن الحج و العمرة و لو أبعاضهما، و سقوط ما صد عنه بعد التحلل في عامه إلا ما يقبل النيابة فيجب، و لا ثمرة للصد فيه إلا إفادة جواز التحلل فيما

ج 20، ص: 127

لا تحلل فيه إلا بفعله أو بالصد، فلا إشكال في تحقق الصد حينئذ في الفرض.

و أولى من ذلك لو كان الصد عن منى و مكة، و لذا جزم به الفاضل في محكي التذكرة و المنتهى نظرا إلى أن الصد يفيد التحلل من الجميع، فمن بعضه أولى و استحسنه في المدارك، و جعله في المسالك أجود الوجهين، لعموم الآية و الأخبار، قال: «و يحتمل أن يحلق و يستنيب في الرمي و الذبح إن أمكن.

و يتحلل بما عدا الطيب و النساء و الصيد حتى يأتي بالمناسك» و لا يخفى عليك ما في الاحتمال المزبور مع عدم إمكان الاستنابة بعد عدم الدليل، بل ظاهر الأدلة خلافه، كما أنه لا يخفى عليك ما في إشكال الفاضل في القواعد في ذلك قال: و لو لم يدرك سوى الموقفين فإشكال أي في تحقق الصد و أحكامه و إن قال في كشف اللثام: من الإشكال في أنه إن أحل حينئذ بنيته مع الهدي فهل سبب الإحلال ذلك وحده أو مع الوقوفين، للشك في أن المحلل أ هي مناسك منى وحدها أو مع الوقوفين؟ و لا تصغ الى ما في الشرحين فلا ارتباط له بالمقام، لكنه كما ترى لا حاصل معتد به له، و لذا قال بعد ذلك و المتجه التحقق لما عرفت اي من الإطلاق و غيره.

و لو صد عن الذبح خاصة قيل فهو ممن لا يستطيع الهدي، فعليه الصيام بدله إن لم يمكنه إيداع الثمن ممن يذبحه بقية ذي الحجة، و لكنه لا يخلو من نظر بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و لو صد عن مكة خاصة بعد الإتيان بأفعال منى فان أتى بالطواف و السعي في تمام ذي الحجة و لو بالاستنابة كما صرح به في الروضة صح حجه، و إلا ففي المبسوط و السرائر و القواعد و التذكرة و التحرير و المنتهى و الدروس و حواشي الكركي و ظاهر التبصرة و التلخيص على ما حكي عن بعضها بقي على إحرامه بالنسبة للنساء و الطيب و الصيد، لأن المحلل للإحرام إما الهدي للمصدود

ج 20، ص: 128

و المحصور أو الإتيان بأفعال يوم النحر و الطوافين و السعي، فإذا شرع في الثاني و أتى بمناسك منى يوم النحر تعيين عليه الإكمال، لعدم الدليل على جواز التحلل بالهدي حينئذ، فيبقي على إحرامه الى أن يأتي بباقي المناسك، و بالجملة التحلل من الجميع إما بأداء المناسك أو بنيته للصد مع الهدي، و لا دليل على التبعيض مع الأصل و الاحتياط، و لكن قد يدفع ذلك كله إطلاق النص المؤيد بالحرج و الأولوية، فيتحلل بهدي حينئذ كما في كشف اللثام، و خصوصا بعد مضي ذي الحجة كما جزم به في المدارك، بل الظاهر تحقق الصد بالمنع عن أحدهما أيضا، و من هنا قال المصنف و كذا اي يتحقق الصد بالمنع من الوصول إلى مكة مطلقا ذلك.

و كيف كان ف لا يتحقق الصد بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار الثلاث و المبيت بها بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه و حينئذ ف يحكم بصحة الحج و يستنيب في الرمي في تلك السنة مع الإمكان و إلا ففي القابل، و إن كان المصدود معتمرا بعمرة التمتع تحقق صده بمنعه من دخول مكة، و بمنعه بعد الدخول من الإتيان بالأفعال، و في المسالك «في تحققه بالمنع من السعي خاصة بعد الطواف وجهان من إطلاق النص، و عدم مدخلية الطواف في التحلل و عدم التصريح بذلك في النص و الفتوى» و فيه ما لا يخفى بعد وضوح صدق اسم الصد عليه. ثم قال: «الوجهان آتيان في العمرة المفردة مع زيادة إشكال فيما لو منعه بعد التقصير عن طواف النساء، فيمكن أن لا يتحقق حينئذ الصد بل يبقى على إحرامه بالنسبة إليهن» و فيه منع واضح أيضا بعد عدم توقف تحقق الصد على عدم إمكان الإتيان بالنسك، بل ظاهر النص و الفتوى تحققه و إن كان يمكن فيما بعد ذلك الإتيان بالمصدود عنه مع البقاء على

ج 20، ص: 129

إحرامه، و من ذلك يظهر لك النظر فيما في حاشية الكتاب للكركي من دعوى عدم صدق الصد على المعتمر عمرة إفراد بالشروع في بعض أفعالها، فيبقى على إحرامه الى أن يأتي بالباقي، نعم لو منع من دخول مكة أو المسجد تحقق الصد، و فيه منع واضح بعد الإحاطة بما ذكرنا.

ثم إن الأمر بالإحلال في النص و الفتوى و إن أفاد الوجوب إلا أن الظاهر إرادة الإباحة منه، لأنه في مقام توهم الحظر كما صرح به غير واحد، بل ظاهرهم الاتفاق عليه كما عن بعض الاعتراف به، فإذا بقي على إحرامه حينئذ للحج حتى فات الحج كان عليه التحلل بعمرة إن تمكن منها كما هو شأن من يفوته الحج، و لا دم عليه لفوات الحج كما صرح به المصنف في الفرع الثاني و الفاضل و غيرهما، بل في كشف اللثام أنه المشهور للأصل و غيره، لكن في محكي الخلاف عن بعض الأصحاب أن عليه دما ل

خبر داود الرقي (1)قال:

«كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) بمنى إذ دخل عليه رجل فقال: قدم اليوم قوم قد فاتهم الحج فقال: نسأل الله العافية، ثم قال: أرى عليهم أن يهريق كل واحد منهم دم شاة و يحلق و عليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم، و إن أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا الى بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا منه و اعتمروا فليس عليهم الحج من قابل»

بدعوى أن الظاهر كون الدم للتحلل، لعدم تمكنهم من العمرة، و لكنه كما ترى لا دلالة فيه على أنه للفوات من حيث كونه كذلك، و على كل حال فهل يجوز له التحلل بعمرة قبل الفوات؟ عن المنتهى و التذكرة إشكال، و به قال بعض الجمهور، لجواز العدول بدون الصد، فمعه أولى، و هو متجه حيث يجوز له العدول، لإطلاق دليله الشامل لحال الصد، لكن عن الشهيد القطع بعدم جواز التحلل له بعمرة إلا أن


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5.

ج 20، ص: 130

يكون إفرادا ندبا، لجواز التحلل بلا بدل، فبه أولى، و فيه أن غيره مثله و ان وجب، بناء على جواز التحلل منه بلا بدل في عامه، و كيف كان فالوجه جواز التحلل له بالعمرة في كل مقام يجوز له ذلك بدون صد، و الله العالم.

[فروع ]

فروع:

[الأول إذا حبس بدين ]

الأول إذا حبس بدين فان كان قادرا عليه و لم يدفعه لم يتحلل بالهدي بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة عدم كونه من المصدود الذي شرع فيه ذلك و حينئذ فاستصحاب بقاء الإحرام بحاله حتى يأتي بالمحلل لمثله، نعم إن عجز عن أدائه تحلل بالهدي لكونه مصدودا عن الحج حينئذ، لأن الصد هو المنع الصادق على مثله، و دعوى إرادة خصوص المنع للعداوة منه التي لم تتحقق في الفرض و إن كان ظالما له يدفعها منع كون المراد منه ذلك، بل هو مطلق المنع كما عساه يشهد له ما سمعته في خبر الفضل بن يونس (1)عن أبي الحسن (عليه السلام) الذي حكم فيه بالصد بمطلق حبس السلطان له، بل و ما تقدم أيضا من تحقق الصد بالمنع عن طريق مخصوص و لم تكن عنده نفقة لغيره، أو كان الوقت ضيقا، بل في المسالك «أن حصر الصد فيما ذكروه في موضع النظر، فقد عد من الأسباب فناء النفقة و فوات الوقت و ضيقه و الضلال عن الطريق مع الشرط قطعا و لا معه في وجه، ل

رواية حمران (2)عن الصادق (عليه السلام) حين سأله «عن الذي يقول حلني حيث حبستني فقال: هو حل حيث حبسه الله تعالى قال أو لم يقل»

و في إلحاق أحكام هؤلاء بالمصدود.

أو بالمحصر أو استقلالهم نظر، من مشابهة كل منهما، و الشك في حصر السبب فيهما، و عدم التعرض لحكم غيرهما، و يمكن ترجيح جانب الحصر، لأنه أشق و به يتيقن البراءة» و إن كان لا يخفى عليك ما فيه، بل هو من غرائب الكلام


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الإحرام الحديث 4.

ج 20، ص: 131

ضرورة عدم صدق كل منهما على أمثال هؤلاء، كضرورة عدم لحوق حكم كل منهما لشي ء منهم بعد عدم اندراجهم، بل يبقون على الإحرام أو الى الإتيان بالنسك و لو العمرة المفردة، و قد ذكر الأصحاب حكم من فاته الحج غيرهما مكررا، و أغرب شي ء احتماله أخيرا ترجيح جانب الحصر باعتبار كونه أشق و أن به يتيقن البراءة، فإنه واضح المنع، فالتحقيق ما ذكرناه، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بمراعاة محلل غير المصدود أيضا.

ثم إن الظاهر تحقق الصد بالحبس ظلما على مال و إن قدر على دفعه للإطلاق و الحكم على المحبوس عند السلطان بأنه مصدود فيما سمعته من خبر الفضل (1)و لأنه لا يجب عليه بذله و إن كان غير مجحف للأصل و غيره، و الأمر بالإتمام

بعد تحقق اسم الصد لا يقتضي البذل مقدمة، و لذا جزم به الفاضل في القواعد من غير إشارة إلى خلاف، بل حكاه في المسالك أيضا عن ظاهر جماعة أيضا.

بل لعله مراد المصنف بقوله و كذا لو حبس ظلما بناء على أن المراد التشبيه بالجزء الأخير من حكم المديون و هو قوله «تحلل» فيكون الحاصل حينئذ أن المحبوس ظلما يتحلل مطلقا، لأنه مصدود سواء قدر على دفع المطلوب منه أم لا، و سواء كان مجحفا أم لا، و ربما احتمل في عبارة المتن كون المشبه به المشار اليه بذا مجموع حكم المحبوس بدين بتفصيله، فيكون الحاصل حينئذ أن المحبوس ظلما إن قدر على دفع ما يراد منه لم يتحلل، و إن عجز تحلل نحو ما سمعته في المديون، و اختاره في المسالك، و ربما يشهد له ما تقدم له في الشرائط فيما لو كان في الطريق عدو لا يندفع إلا بمال، حيث قال: و لو قيل يجب التحمل مع المكنة كان حسنا، بل و ما تسمعه منه في الفرع الخامس من أنه لو طلب أي العدو ما لا لم يجب بذله، و لو قيل بوجوبه إذا كان غير


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.

ج 20، ص: 132

مجحف كان حسنا.

لكن لا يخفى عليك ما في اختلاف عبارة المصنف في المواضع الثلاثة، مع أنها متقاربة الموضوع، و بينها اختلاف يسير، إذ الأول منها فيما لو طلب منه المال في الطريق قبل الشروع في الحج، و الأخريان بعده، إلا أن هذه مفروضة في كونه قد حبس بالفعل، و الثانية في كونه ممنوعا من المسير الى أن يؤدي لهم ما لا، فعلى الاحتمال الأخير في عبارة المتن هنا لا اختلاف في الحكم ضرورة اشتراك الثلاثة في وجوب الدفع مع الإمكان إلا أن في الأخيرة التقييد بعدم الإجحاف فيحتاج حينئذ إلى توجيه الفرق بين ذكر القيد و عدمه إن كان أو دعوي تغيير الحكم، و أما على الاحتمال الأول في العبارة المقتضي لعدم وجوب دفع المال للظالم مطلقا، فلا ريب في اختلاف الحكم حينئذ، و من هنا تكلف للفرق بين هاتين العبارتين هنا بأن الأولى مفروضة في كونه محبوسا على مال ظلما، لا لخصوص المنع من الحج بل بسبب المال خاصة، حتى أنه لو أعرض عن الحج رأسا لم يندفع عنه المال، بخلاف منع العدو في الثانية، فإنه لخصوصية الحج حتى لو أعرض عن الحج خلى سبيله، و حينئذ فيجب بذل المال في الثانية لأنه بسبب الحج دون الأولى، و لكن في اختلاف الأحكام بسبب هذا الفرق منع واضح، خصوصا بعد عدم ظهوره من الكلام بل و المقام، هذا.

و ربما قيل إنه كان الأولى للمصنف العكس، فيجب بذل جميع ما يتمكن و يقدر مع التلبس بالإحرام لوجوب الائتمام عليه وجوبا مطلقا، فيقتضي وجوب مقدمته، بخلاف ما إذا لم يتلبس بالحج فان الوجوب فيه مشروط بتخلية السرب، و هو منتف، و شرط الواجب لا يجب تحصيله، و لكن فيه ما لا يخفى أيضا، فإن مقتضاه عدم الوجوب و إن كان غير مجحف، على أنه قد تقدم سابقا أن الوجوب للمقدمة قد يعارضه قاعدة نفي الحرج و نفي الضرر و غيرهما، و لذا

ج 20، ص: 133

قيد بعضهم وجوبها بما إذا لم يستلزم ضررا، و كيف كان فذلك كله خارج عن المقصود الذي هو تحقق الصد بالحبس ظلما من غير فرق بين كونه على الحج أو على المال، و الله العالم.

[الفرع الثاني عدم جواز التحلل إذا صابر ففات الحج ]

الفرع الثاني إذا صابر المصدود لما عرفته من كون الأمر بالتحلل له للإباحة ففات الحج لم يجز له التحلل بالهدي لعدم صدق اسم المصدود حينئذ عليه من غير فرق بين كون ذلك منه رجاء لزوال العذر قبل خروج الوقت أم لا و حينئذ تحلل بعمرة مفردة كغيره ممن يفوته الحج و لا دم عليه للفوات، خلافا لما سمعته من المحكي مرسلا عن خلاف الشيخ، لخبر داود الرقي (1)الذي لا دلالة فيه على ذلك و عليه القضاء أي تدارك الحج إن كان واجبا عليه مستقرا و لو للتفريط في عدم المبادرة بناء عليه أو مستمرا على الاستطاعة، و إلا فإن كان ندبا بالأصل فلا و إن كان قد وجب بالشروع، و كذا ما وجب عليه في عامه و لم يتحقق التقصير و ذهبت استطاعته كما تقدم الكلام في ذلك كله آنفا، و لو استمر المنع عن مكة بعد الفوات تحلل من العمرة بالهدي كالأول كما في المسالك و المدارك بل في الدروس و على هذا لو صار الى بلده و لم يتحلل و تعذر العود في عامه لخوف الطريق فهو مصدود، فله التحلل بالذبح في بلده و التقصير و تبعه عليه في المدارك، و لكنه لا يخلو من نظر، ضرورة عدم صدق اسم الصد على مثله عرفا، و الله العالم.

[الفرع الثالث جواز التحلل و إن ظن انكشاف العدو]

الفرع الثالث إذا غلب على ظنه انكشاف العدو قبل الفوات جاز له التحلل كما في القواعد و غيرها، بل لا أجد فيه خلافا معتدا به فضلا عمن كان يرجوه، لصدق اسم المصدود، بل عن بعض و لو علم ذلك، و لم يستبعده الأصبهاني لو تم الدليل على الظن، و كأنه أشار بذلك الى ما سلف منه من


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5.

ج 20، ص: 134

المناقشة في تحقق الصد قبل فوات الوقت، و الى ما في المدارك من المناقشة بأن ما وصل إلينا من الروايات لا عموم فيه بحيث يتناول هذه الصورة أي صورة غلبة الظن، و مع انتفاء العموم يشكل الحكم بالجواز، أو يلوح من كلام الشهيد في الروضة و موضع من الشرح أن التحلل انما يسوغ إذا لم يرج المصدود زوال العذر قبل خروج الوقت، و لا ريب في أنه أولى، و فيه ما لا يخفي عليك من كونه كالاجتهاد في مقابلة النص و الفتوى، و يكفي في العموم ما سمعته من النصوص السابقة، بل و الآية بناء على إرادة الأعم من الحصر فيها كما سمعته سابقا، نعم قد يشك في صورة العلم التي يمكن دعوى ظهور كلمات الأصحاب في خلافها و لو لا ذلك لكان إلحاقها متجها أيضا.

و لكن مع ذلك فلا ريب في أن الأفضل و الأولى بل و الأحوط البقاء على إحرامه كما في غير المقام من ذوي الأعذار، أو تخلصا من احتمال توقف تحقق اسم الصد على الفوات في جميع الوقت كما سمعته من بعض الأفاضل و غير ذلك مما يكفي في إثبات مثله، و حينئذ فإذا لم يتحلل و انكشف العدو و لم يفت الوقت أتم نسكه المأمور بإتمامه و لو اتفق الفوات تحلل بعمرة كما هو حكم من يفوته الحج و سمعته مكررا، و لو تحلل فانكشف العدو و الوقت متسع للإتيان به وجب الإتيان بحج الإسلام مع بقاء الشرائط بناء على ما سمعته سابقا من وجوب المبادرة على من جمع الشرائط، و لا يشترط في بقاء وجوبه الاستطاعة من بلده حينئذ و إن كان في حج الإسلام، لعموم النصوص، لصدق الاستطاعة، و الله العالم.

[الفرع الرابع لو أفسد حجه فصد فتحلل جاز]

الفرع الرابع لو أفسد حجه فصد فتحلل جاز، لعموم الأدلة أو إطلاقها الرافع لاحتمال اختصاص الصد بالحج الصحيح، و حينئذ كان عليه بدنة الإفساد و دم التحلل للصد و الحج من قابل (11) للإفساد و إن كان

ج 20، ص: 135

الحج مندوبا و سقط عنه وجوب الإتمام بالصد بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل و لا إشكال، لعموم الأدلة، فإن كانت الحجة حجة الإسلام و كان استقر وجوبها أو استمر الى قابل و قلنا فيما على المفسد من الحجتين التي أفسدها و ما يفعله في قابل إن الأولى حجة الإسلام و الثانية عقوبة لم يكف الحج الواحد، إذ لم يأت بشي ء مما عليه من العقوبة و حجة الإسلام و قد وجبا عليه، لأن المفروض تحلله بالصد، و ما عن الأردبيلي من الشك في شمول دليل القضاء لمثل هذا الفاسد في غير محله بعد إطلاقه أو عمومه كما تعرفه إنشاء الله فيما يأتي، نعم إن قلنا إن الأولى عقوبة كان المتجه وجوب حجة واحدة كما عن المبسوط و الإيضاح و غيرهما، للأصل بعد كون المعلوم وجوبه عليه عقوبة إتمام ما أفسده و الفرض سقوطه عنه بالصد فليس عليه إلا حجة الإسلام بعد أن لم يكن دليل على قضاء حجة العقوبة، إلا أن ظاهر المصنف كون الأولى حجة الإسلام و الثانية عقوبة، و لذا أطلق وجوبها عليه، و لعله لأنه حج واجب قد صد عنه، و كل حج واجب قد صد عنه يجب عليه قضاؤه، و لما تسمعه فيما يأتي إنشاء الله من الخبر(1)الدال صريحا على ان الأولى حجة الإسلام و الثانية عقوبة، إلا أنه لا يخفى عليك وضوح منع كلية الكبرى في الأول بعد ما عرفت من عدم اقتضاء الصد نفسه من حيث هو كذلك قضاء حج، بل إن كان وجوبه مستقرا أو مستمرا وجب لدليله، و إلا فلا وجوب، و أما الثاني فستعرف الكلام فيه إنشاء الله، و على كل حال فبناء على وجوب الحجتين عليه ينبغي تأخرها حينئذ عن حجة الإسلام لتقدم وجوبها، بل عن الإيضاح الإجماع عليه.

و كيف كان ف لو تحلل المصدود قبل الفوات و انكشف العدو في وقت يتسع لاستيناف القضاء وجب القضاء في عامه إن كان واجبا من أصله


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 9.

ج 20، ص: 136

ضرورة تناول الخطابات له مع فرض بقاء الوقت و هو حينئذ حج يقضى بل عن المبسوط و السرائر و المنتهى أنه ليس في غير هذه الصورة حج فاسد يقضى لسنته، و لعله لأنه في غير الصد و الحصر يجب عليه إتمام الفاسد، فلا يتصور قضاؤه في تلك السنة، نعم الظاهر إرادة التدارك من القضاء في هذه السنة، ضرورة كونها حجة الإسلام، و هذا العام عامها، لا أنها قضاء فيه، و لكن في القواعد في مفروض المسألة «و هو حج يقضى لسنته على إشكال» و في كشف اللثام «من الإشكال في أن الأولى حجة الإسلام» فتكون مقضية في سنتها، أو لا فلا، فإن السنة حينئذ سنة العقوبة، و هي إما أن لا تقضى أو تقضى من قابل، فان قيل العام في الأصل عام حجة الإسلام و الذي كان أحرم له كان أيضا حجة الإسلام و قد تحلل منها و الآن يقضيها قلنا: انقلبت الى عام العقوبة بناء على كون الأولى عقوبة، و إن قيل ان القضاء ليس في شي ء من هذا العام و ما بعده بالمعنى المصطلح لامتداد الوقت بامتداد العمر و إن وجبت المبادرة فإنما هو بمعنى الفعل و الأداء قلنا: المراد به فعل ما تحلل منه، نعم لا طائل تحت هذا البحث».

قلت لا يخفى عليك ضعف الوجه الثاني من الاشكال على هذا التقدير، ضرورة عدم اقتضاء كون الأولى عقوبة عدم صحة حجة الإسلام فيها، خصوصا بعد ما عرفت من الإجماع على تأخرها عن حجة الإسلام على القول بوجوبها و كذا ما حكاه في كشف اللثام أيضا «من أن معنى كونه حجا يقضي لسنته أنه ليس عليه حج آخر، و الاشكال مما تقدم من الإشكال في وجوب حجتين و عدمه» و لعله الذي فهمه الشهيد و عميد الإسلام، إلا أنه كما ترى واضح الفساد، و يمكن أن يكون مراد الفاضل الإشكال في صدق كونه حجا يقضى لسنته على الفرض و ذلك للإشكال في كون الأولى حجة الإسلام و الثانية عقوبة و بالعكس، فعلى

ج 20، ص: 137

الأول يصدق ضرورة أنه قضاء عن الفاسد الذي كان هو حجة الإسلام، بخلاف الثاني فإنها تكون هي حجة الإسلام لا قضاء عن الفاسد و إن قلنا بكونه موجبا للقضاء، لما عرفت من الإجماع المحكي على تقديم حجة الإسلام عليه، فهو حينئذ حج إسلام لا قضاء عنه لسنته و حج العقوبة بعده، و الأمر سهل، فإنه لا ثمرة لذلك كما سمعت الاعتراف به في كشف اللثام.

هذا كله في حج الإسلام المستقر أو المستمر، أما إذا كان مندوبا و قد أفسده ثم صد و تحلل ثم انكشف العدو قضى أيضا واجبا لأن الفرض بقاء الوقت و احتمال اختصاص مشروعية القضاء في القابل لظاهر النصوص واضح الضعف بعد ظهور النصوص في غير صورة الصد التي يجب فيها إتمام الفاسد، و لذا أطلق فيها أن عليه الحج من قابل، بل الظاهر أنه على هذا التقدير حج يقضى لسنته بل قد يقال لا صورة يتصور فيها القضاء للفاسد في سنته غير هذه الصورة، ضرورة وجوب الإتمام عليه في غير الفرض.

و لعله لذا، أطلق المصنف، و لكن قوله متصلا بما سمعت و على ما قلناه فحجة العقوبة باقية يقتضي كون مراده في مفروض المسألة حجة الإسلام و أن مختاره ما عرفت من كون حجة الإسلام الأولى و الثانية عقوبة، و حينئذ يتجه له القضاء بمعنى التدارك عن الفاسد مع فرض سعة الوقت، و كونه حجا يقضى لسنته، و يبقى حج العقوبة في ذمته، و لا يشكل ذلك بعدم سبق ما يدل على أن مختاره كون الأولى هي الفرض و الثانية عقوبة، لإمكان استفادته من إطلاق قوله و عليه الحج من قابل الشامل لصورة انكشاف العدو بعد التحلل مع سعة الوقت، فإنه لا يتم إلا على ذلك، ضرورة عدم وجوبه عليه من قابل لو كان غير حج الإسلام و قد تداركه في تلك السنة، بل لا ينافيه أيضا كون حج العقوبة على التراخي، فلا يتعين كونه من قابل، لإمكان

ج 20، ص: 138

عدم إرادته الفورية أو عدمها، و انما مقصوده عليه حج بسبب الإفساد، و ربما ذكر كونه من قابل تبعا للنصوص الواردة التي يمكن أن يكون محلها الفساد في حج الإسلام أو غير ذلك، بل قد يندفع بالتأمل في ذلك ما عساه يقال على عبارة المصنف من كونها موهمة للتناقض باعتبار ظهور قوله و عليه الحج من قابل في كون الواجب حجا واحدا مع تصريحه بقوله و لو انكشف الى آخره بوجوب حجتين.

و على كل حال فمما ذكرناه يظهر لك النظر فيما في التنقيح حيث قال:

«إذا أعتق العبد في الحج الفاسد قبل الوقوف أجزأه مع القضاء عن حج الإسلام و لو كان العتق بعد الوقوف و قلنا الأولى فرضه لم يجزه و يجب حج الإسلام بعد حج القضاء، و إن قلنا إنها العقوبة أجزأ القضاء عن حجة الإسلام، لصدق عتقه قبل الوقوف» إذ فيه أولا ما لا يخفى عليك بعد ما عرفت من الإجماع على وجوب تأخير حج القضاء عن حج الإسلام، نعم عن الشيخ الاجتزاء بحجة القضاء لو قدمها غفلة، لأن الزمان متعين لها، و المشهور البطلان، لعدم دليل على التعين على وجه يقع لها و إن لم تنو، و هو الأصح، و ثانيا ما في قوله: «و ان قلنا إنها العقوبة» الى آخره فان مراده على الظاهر كون عتقه قد حصل قبل وقوف القضاء، و قد قلنا إن الثانية هي حجة الإسلام، و هو قد أعتق قبل وقوف حجة الإسلام فيجزيه لعموم

قولهم عليهم السلام : «إذا أعتق العبد قبل الوقوف أجزأ عن حجة الإسلام»

و فيه أن القضاء انما يجزي عن حج الإسلام على القولين في موضع لو سلم من الإفساد لأجزأ عن حج الإسلام، و في الفرض لو سلم عن الإفساد لم يجز عن حج الإسلام، لكون المفروض وقوع العتق بعد الموقفين، و لأن القضاء قد صار عليه بسبب الإفساد، فلا يجزي عن حج الإسلام الذي لا يجزي عنه

ج 20، ص: 139

الفاسد على تقدير عدم فساده، ضرورة أن الصرورة مثلا لو حج قبل الاستطاعة ندبا ثم أفسد كان عليه الإتمام و القضاء، فلو استطاع قبل القضاء لم يجز القضاء عن حج الإسلام، لأن الفاسد لو سلم لم يجز عن حج الإسلام، و من هنا صرح الحلبي و الفاضل و الشهيد فيما حكي عنهم بعدم الاجزاء على القول بكون الأولى عقوبة و الثانية حجة الإسلام، و الله العالم.

و على كل حال ف لو انكشف العدو و لم يكن قد تحلل مضى في إتمام فاسده و قضاه واجبا و إن كان الفاسد ندبا في القابل كما عرفت و تعرف إنشاء الله، فان فاته تحلل بعمرة و قضى واجبا و إن كان ندبا، و عليه بدنة الإفساد لادم الفوات، لما سمعته سابقا، و لو فاته و كان العدو باقيا يمنعه عن العمرة فله التحلل من دون عدول إلى العمرة، تنزيلا لإطلاق النص و الفتوى على العمرة المقدورة، و عليه دم التحلل كما كان عليه قبل الفوات للعمومات، و بدنة الإفساد و القضاء على حسبما عرفت، و لو صد فأفسد جاز التحلل أيضا لإطلاق الأدلة الذي لا فرق فيه بين الإفساد و عدمه، و لا بين التقدم و التأخر كما عرفته سابقا، و حينئذ فعليه البدنة للإفساد و الدم للتحلل و القضاء، و إن بقي محرما حتى فات تحلل بعمرة، و الله العالم.

[الفرع الخامس لو لم يندفع العدو إلا بالقتال لم يجب ]

الفرع الخامس لو لم يندفع العدو إلا بالقتال لم يجب سواء غلب على الظن السلامة أو العطب بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك الاتفاق عليه، و في المدارك هو مقطوع به في كلام الأصحاب، و لعله للأصل السالم عن معارضة باب المقدمة الساقطة هنا باستلزامها حرجا و مشقة و نحوهما مما تسقط بمثله كما في غير المقام، و لا فرق في ذلك بين المسلم و الكافر، خلافا للشافعي في قول فأوجب القتال إذا كانوا كفارا و لم يزد عددهم على ضعف المسلمين، و لا ريب في ضعفه، و في محكي المبسوط الأعداء إن كانوا مسلمين

ج 20، ص: 140

فالأولى ترك القتال إلا أن يدعوه الامام (عليه السلام) أو نائبه إلى القتال، فيجوز لأنهم تعدوا على المسلمين بمنع الطريق، فأشبهوا سائر قطاع الطريق، و إن كانوا مشركين لم يجب أيضا قتالهم لأنه انما يجب للدفع عن النفس أو الدعوة للإسلام، و إذا لم يجب فلا يجوز أيضا سواء كانوا قليلين أو كثيرين، و المسلمون أكثر أو أقل، مع أنه قال في المسلمين إن الأولى ترك قتالهم، و هو مشعر بالجواز، و من هنا قال في المسالك الظاهر إرادته التحريم لأنه أولى، و تعليله بإذن الإمام (عليه السلام) يدل عليه و لكن فيه المنع من اشتراط اذن الامام في ذلك، ضرورة كونه من الدفاع إذا كان قد أراد السير في الطريق المباح فمنعه، أو من النهي عن المنكر، و لذا صرح الفاضل و الشهيد بالجواز في الكفار إذا ظن الظفر بهم، بل عن المنتهى استحباب قتالهم، لما فيه من الجهاد و حصول النصر و إتمام النسك و دفعهم عن منع السبل، و أشكله في المسالك بمنع عدم توقف النهي المؤدي إلى القتال أو الجرح على اذن الامام و قد اعترفا به في بابه، و بأن ذلك لو تم لم يتوقف الجواز على ظن الظفر بل متى جوزه كما هو الشرط فيه، و أيضا إلحاقه بباب النهي عن المنكر يقضي إلى وجوبه لا إلى جوازه بالمعنى الأخص، و هم قد اتفقوا على عدم الوجوب مطلقا، و فيه أن إطلاق الأدلة يقتضي عدم التوقف في نحو الفرض، خصوصا بعد ما سمعت أنه من الدفاع مع فرض إرادة السير و منعهم، بل هم من قطاع الطريق الذين لا إشكال في جواز دفاعهم، و الظاهر إرادة ظن السلامة من ظن الظفر، و عدم الوجوب للمعارضة بما فيه من الخطر على النفس كما حررناه في نظير ذلك في كتاب الحدود.

و على كل حال فلو ظن العطب أو تساوى الاحتمالان ففي المسالك أن ظاهرهم الاتفاق على عدم الجواز، و هو إن تم كان الحجة، و إلا أمكن القول بالجواز مع تساوي الاحتمالين، و لو بدأ العدو بالقتال فان اضطر إلى الدفاع

ج 20، ص: 141

وجب، و كان جهادا واجبا من غير حاجة إلى اذن الامام (عليه السلام)، بل في كشف اللثام «و هو كذلك أيضا مع ظن الظفر و العلم بعدم المخاطرة و إن لم يضطر إلى الدفاع، و إلا استحب» و إن كان لا يخلو من نظر، و لقد أجاد أبو علي فيما حكي عنه بقوله: و لو طمع المحرم في دفع من صده إذا كان ظالما له بقتال أو غيره كان ذلك مباحا له و لو أتي على نفس الذي صده سواء كان كافرا أو ذميا أو ظالما، و لذا نفى البأس عنه في محكي المختلف، هذا، و في المسالك فان لبس جنة للقتال ساترة للرأس كالجوشن أو مخيطة فعليه الفدية، كما لو لبسها للحر و البرد، و لو قتل نفسا أو أتلف مالا لم يضمن، و لو قتل صيدا للكفار كان عليه الجزاء لله و لا قيمة للكفار، إذ لا حرمة لهم، قلت: ستسمع إنشاء الله تمام الكلام في ذلك في الكفارات.

و لو طلب العدو مالا لم يجب بذله إن لم يكونوا مأمونين إجماعا كما عن التذكرة و المنتهى قليلا كان أو كثيرا، بل عن المبسوط ذلك أيضا و إن أمنوا، بل عنه أيضا و عن التذكرة و المنتهى الكراهة مع كونهم مشركين لأن فيه تقوية لهم و صغارا على المسلمين، و إن كان قد يناقش بمنافاة ذلك لوجوب المقدمة، و لعله لذا قال المصنف و لو قيل بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسنا و نحوه عن المنتهى، بل قد سمعت ما ذكره المصنف سابقا من وجوب التحمل مع التمكن قبل التلبس بالحج فضلا عن الفرض المأمور فيه بإتمام الحج و العمرة، و من هنا قال في المسالك و المدارك كان حقه التسوية بين المقامين أو عكس الحكم، و إن كان فيه أن الظاهر إرادته عدم الإجحاف من التمكن في السابق، ضرورة كونه المناسب لسقوط باب المقدمة بقاعدة نفي العسر و الحرج، و غيرها، و كأنه يرجع اليه ما عن التذكرة من عدم وجوب بذله مع كثرته مطلقا، بل عنه أيضا انه جعل بذله مكروها للعبد و الكافر،

ج 20، ص: 142

لما فيه من الصغار و تقوية الكفار، و ان كان فيه ما عرفت ما لم يرجع الى قاعدة نفي الحرج و نحوها.

هذا كله في المصدود

[أما المحصر]

و أما المحصر اسم مفعول من أحصره المرض إذا منعه من التصرف، و يقول للمحبوس حصر بغير همن فهو محصور، و لكن عن الفراء جواز قيام كل منهما مقام الآخر، و ربما يؤيده استعمال الفقهاء لهما هنا خلافا لما عن الزجاج و المبرد من اختصاص الحصر بالحبس: و الإحصار في غيره، و كذا عن يونس، قال: «إذا رد الرجل عن وجه يريده فقد أحصر، و إذا حبس فقد حصر» و عن أبي إسحاق النحوي «الرواية عن أهل اللغة أن يقال للذي منعه الخوف و المرض أحصر، و يقول للمحبوس حصر» و عن أبي عمرو الشيباني «حصر بي الشي ء و أحصر بي أي حبسني» و

عن التبيان و المجمع عن أهل البيت عليهم السلام «أن المراد بالآية من أحصره الخوف أو المرض و لكن بلوغ هدي الأول محله ذبحه حيث صد و هدي الثاني ذبحه في الحرم»

و كذا عن ابن زهرة انه عمم الإحصار في الآية و اللغة، و قال الكسائي و الفراء و أبو عبيدة و تغلب و أكثر أهل اللغة: يقول: أحصره المرض لا غير، و حصره العدو و أحصره أيضا، و كذا الشيخ في محكي الخلاف إلا أنه حكي هذه العبارة عن الفراء خاصة، و الأمر في ذلك كله سهل بعد التوسع في التعبير.

و على كل حال ف هو الذي يمنعه المرض عن الوصول إلى مكة أو عن الموقفين على حسب ما سمعته في المصدود ف إذا تلبس هذا بالإحرام لحج أو عمرة تمتع أو مفردة ثم أحصر كان عليه أن يبعث ما ساقه إن كان قد ساق و لو لم يسق بعث هديا أو ثمنه، و لا يحل حتى يبلغ الهدي محله و هو منى إن كان حاجا، و مكة إن كان معتمرا بلا خلاف أجده في تحلله بالهدي بل توقته بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى الكتاب و السنة، نعم

ج 20، ص: 143

ما سمعته من البحث في الاجتزاء في التحلل بالهدي المسوق في المصدود يجري هنا، و كذا الكلام في اعتبار النية و عدمها، و انما الخلاف في البعث و عدمه، فالمحكي عن ابني بابويه و الشيخ و أبي الصلاح و بني حمزة و البراج و إدريس ما ذكره المصنف، بل حكى غير واحد عليه الشهرة، و هو كذلك، نعم عن الأكثر تقييد مكة بفناء الكعبة، و ابن حمزة بالحزورة، و عن الراوندي في فقه القرآن تخصيص مكة بالعمرة المفردة، و جعل منى محل المتمتع بها كالحج، خلافا للإسكافي فخيره بين الذبح حيث أحصر و البعث، و جعله أولى، و سلار ففصل بين التطوع و حجة الإسلام، ففي الأول يذبح الهدي حيث أحصر، و عن المفيد روايته (1)مرسلا، بل ظاهره العمل به لأنه قال:

قال الصادق (عليه السلام):

«المحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ثم يحل، و لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل، هذا إذا كان في حجة الإسلام، فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه و قد حل ما كان أحرم منه، فان شاء حج من قابل، و إن لم يشاء لا يجب عليه الحج»

و عن المقنع (2)«و المحصور و المضطر ينحران بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه»

و رواه في الفقيه (3)مرسلا عن الصادق (عليه السلام)، و عن الجعفي أنه يذبح مكان الإحصار ما لم يكن ساق، و هو خلاف ما فعله الحسين (عليه السلام)(4)على إحدى الروايتين إن كان أحرم، و لكن ظاهر الآية و الأخبار حجة على الجميع، و المناقشة في الأول باحتمال كون معناه حتى تنحروا هديكم حيث حبستم كما هو المنقول من فعل النبي (صلى الله عليه و آله) يدفعها ظاهر النصوص التي منها الخبر الطويل (5)في حج الوداع


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج الحديث 13.

ج 20، ص: 144

المشتمل على احتجاجه (صلى الله عليه و آله) بالآية على عدم الإحلال حتى يبلغ محله يعني منى، بل و

صحيح معاوية بن عمار(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) الدال على الحكم في المسألة و المشعر بكون محل الهدي ما ذكرناه، قال: «سألته عن رجل أحصر فبعث بالهدي قال يواعد أصحابه ميعادا إن كان في الحج، فمحل الهدي يوم النحر فإذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه، و لا يجب عليه الحلق حتى يقضى المناسك، و إن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصر و أحل، و إن كان مرض في الطريق بعد ما يخرج فأراد الرجوع رجع الى أهله و نحر بدنة أو أقام مكانه حتى يبرئ إذا كان في عمرة، فإذا بري ء فعليه العمرة واجبة، و إن كان عليه الحج رجع أو أقام ففاته الحج فان عليه الحج من قابل، فان الحسين بن علي عليهما السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا (عليه السلام) ذلك و هو في المدينة فخرج في طلبه و أدركه بالسقيا و هو مريض بها فقال: يا بني ما تشتكي؟ قال أشتكي رأسي فدعى علي (عليه السلام) ببدنة فنحرها و حلق رأسه و رده الى المدينة، فلما بري ء من مرضه اعتمر، قلت: أ رأيت حين بري ء من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة أحل له النساء قال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و بالصفا و المروة، قلت: فما بال رسول الله (صلى الله عليه و آله) حين رجع من الحديبية حلت له النساء و لم يطف بالبيت؟

قال: ليسا سواء كان النبي (صلى الله عليه و آله) مصدودا و الحسين (عليه السلام) محصورا»

و خبر زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا أحصر بعث بهديه»

، و خبره الآخر(3)


1- 1 ذكر صدره في الوسائل- في الباب- 2- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1 و ذيله في الباب 1 منها الحديث 3 مع اختلاف يسير.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.

ج 20، ص: 145

عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فأذاه رأسه»،

و خبر رفاعة(1)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت رجل ساق الهدي ثم أحصر قال: يبعث بهديه، قلت: هل يتمتع من قابل قال: لا و لكن يدخل في مثل ما خرج منه»

و صحيح ابن مسلم (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) و رفاعة(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنهما قالا: «القارن يحصر و قد قال و اشترط فحلني حيث حبستني، قال:

يبعث بهديه، قلت: هل يتمتع من قابل؟ قال: لا، و لكن يدخل في مثل ما خرج منه»

و موثق زرعة(4)«سألته عن رجل أحصر في الحج قال: فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، و محله أن يبلغ الهدي محله، و محله منى يوم

النحر إذا كان في الحج، و إن كان في العمرة نحر بمكة، و انما عليهم أن يعدهم لذلك يوما، فإذا كان ذلك اليوم فقد و في، و إن اختلفوا في الميعاد لم يضره إنشاء الله».

و هو مع أنه صريح في الحكم صريح أيضا في المراد من الآية، و لا ينافي ذلك فعله (صلى الله عليه و آله) بعد احتمال إرادة ظاهرها في خصوص المحصور و ان اشترك معه المصدود في اعتبار الهدي كما أشرنا إليه سابقا، بل في المسالك «كان الأولى للمصنف ترك ذكر المحل، لأن كل موضع يذبح فيه الهدي أو ينحر فهو محله سواء كان أحد الموضعين المذكورين أو محل الصد كما يقتضيه تفسير الآية عندنا، فإنها شاملة للمصدود و المحصر و إن عبر فيها بلفظ المحصر، فيراد حينئذ بالمحل فيها الأعم، و ليس في ذكره فيها ما يفيد الاختصاص بالموضعين بل هو حكم مشترك بين المصدود و المحصر، و انما يمتازان بمكان الذبح، و هو أحد الموضعين في المحصر، و موضع الصد في المصدود» و إن كان لا يخلو من


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.

ج 20، ص: 146

نظر يظهر مما ذكرناه، و على كل حال فالمناقشة واهية.

نعم قد يعارض ذلك في الجملة ما سمعته في ذيل

صحيح ابن عمار(1)المعتضد بصحيحه الآخر و حسنه عن الصادق (عليه السلام) «إن الحسين بن علي عليهما السلام خرج معتمرا فمرض في

الطريق فبلغ عليا عليه السلام و هو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا و هو مريض، فقال يا بني ما تشتكي؟ قال: أشتكي رأسي فدعا علي (عليه السلام) ببدنة فنحرها و حلق رأسه و رده إلى المدينة»

و صحيحه الآخر عنه (عليه السلام)(2)أيضا «إنه قال في المحصور و لم يسق الهدي قال: ينسك و يرجع، فان لم يجد ثمن هدي صام»

و خبر رفاعة أو قويه (3)عنه (عليه السلام) أيضا قال: «خرج الحسين (عليه السلام) معتمرا و قد ساق بدنة حتى انتهى الى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه و نحرها مكانه ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب فقال علي (عليه السلام) ابني و رب الكعبة افتحوا له، و كان قد حموه الماء فأكب عليه و يشرب ثم اعتمر بعده»

و مرسل الفقيه (4)و المفيد(5)المتقدمين، و لكن المرسل منهما لا حجة فيه بعد عدم الجابر، فضلا عن أن يعارض ما سمعت، مع احتمال الأول منهما الضرورة، و الآخر أن منتهى قول الصادق (عليه السلام) فيه إلى قوله «هذا» و الباقي من المفيد، و صحيح ابن عمار و حسنه و قوي رفاعة محتملان بل قيل ظاهران في الضرورة التي يحتملها كلام الصدوق أيضا، بل قد يحتملان عدم إحرام الحسين (عليه السلام) و انما نحر هو أو علي عليهما السلام تطوعا و خصوصا إذا كان قد ساق، بل ربما أيد بما سمعته من صدر حسنه الآخر


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 6.

ج 20، ص: 147

المروي (1)في التهذيب صحيحا، لكن مكان «بعد ما يخرج» «بعد ما أحرم» إلا أن السياق يؤيد الأول و إن ظن عكسه و حينئذ فالسقيا هي البئر التي كان النبي (صلى الله عليه و آله) يستعذب ماءها فيستسقي له منها، و اسم أرضها الفلجان، لا السقيا التي يقال بينها و بين المدينة يومان، و ما في المدارك- من احتمال الجمع بين صدره و ذيله بحمل الأول على الهدي المتطوع به إذا بعثه المريض من منزله- كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه من النصوص و الفتاوى، و بذلك و غيره يظهر لك أنه لا وجه للجمع بين النصوص بالتخيير المتوقف على التكافؤ المعلوم عدمه من وجوه، فالتحقيق حينئذ ما عليه المشهور.

نعم قال الشهيد رحمه الله: و ربما قيل بجواز النحر مكانه إذا أضربه التأخير و هو في موضع المنع، لجواز التعجيل مع البعث يعني تعجيل الإحلال قبل بلوغ الهدي محله، فإنما فيه مخالفة واحدة لأصل الشرع، و هو الحلق قبل بلوغ محله، بخلاف ما إذا نحره مكانه ففيه مع ذلك مخالفة بأنه لم يبلغ الهدي محله أصلا، و لكن قد يقال: إن الضرورة التي قد عرفت ظهور بعض النصوص فيها و احتمال آخر لها ظاهرة في ذلك أو في الأعم منه، بل لعل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة(2): «أحصر الرجل فبعث هديه و أذاه رأسه قبل أن

ينحر فحلق رأسه فإنه يذبح في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم، أو يطعم ستين مسكينا»

كالصريح فيه، اللهم إلا أن يحمل على إرادة أن المحصور قبل بلوغ الهدي محله إذا احتاج الى حلق رأسه لأذى به ساغ له ذلك و وجب عليه الفداء كما عن المنتهى التصريح به، مستدلا عليه بالخبر المزبور، و حينئذ يكون الذبح .


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1. و فيه «أو يطعم ستة مساكين».

ج 20، ص: 148

كفارة لا للتحلل.

هذا كله في مكانه، و أما زمانه ففي الحج يوم النحر كما عن الأصحاب الاقتصار عليه، و لعله لقصره عليه في صحيح ابن عمار و حسنه (1)و مضمر زرعة(2)المتقدمة سابقا، و لكن في القواعد «و أيام التشريق» و لعله إليه أشار الشهيد بنسبة ذلك الى القيل، و لا ريب في أن الأحوط الاقتصار على يوم النحر و إن كان الذي يقوى خلافه، لكون أيام التشريق أيام ذبح الهدي، بل يمكن إرادة ذلك من يوم النحر، و الله العالم.

و كيف كان فإذا بلغ الهدي قصر لما سمعته في صحيح معاوية(3)عن الصادق (عليه السلام)، مضافا إلى

قول أبي جعفر في خبر حمران (4). «فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير»

إلى غير ذلك و أحل من كل شي ء على المحرم إلا من النساء خاصة حتى يحج في القابل إن كان واجبا، أو يطاف عنه طواف النساء إن كان تطوعا بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من ذلك، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، بل في كشف اللثام نسبة ذلك إلى النصوص و الإجماع على كل من المستثنى و المستثنى منه، و هو كذلك، إذ قد سمعت ما في صحيح معاوية بن عمار(5)المتقدم المشتمل على الفرق بين المصدود و المحصور بذلك، و صحيحه (6)الآخر المشتمل على إحصار الحسين (عليه السلام)، مضافا إلى النصوص (7)المتقدمة فيمن نسي طواف النساء الدالة على جواز الاستنابة فيه و إن تمكن من


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف.

ج 20، ص: 149

الرجوع بنفسه كما مر الكلام فيه مفصلا، و منه يعلم ما في المدارك فإنه- بعد أن ذكر عن الفاضل في المنتهى أنه أسند الاكتفاء بالاستنابة فيه إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه و لم يستدل عليه بشي ء، و استدل عليه جمع من المتأخرين بأن الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه، و البقاء على تحريم النساء ضرر عظيم، فاكتفي في الحل بالاستنابة في طواف النساء- قال: و هو مشكل جدا، لإطلاق

قوله (عليه السلام)(1): «لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و بالصفا و المروة»

و تبعه المحدث البحراني، لكنه اختار سقوط طواف النساء فيه بعد أن حمل ما في النص هنا على الواجب، للأصل و مرسل المفيد، و لكنه كما ترى ضرورة انقطاع الأصل بالإطلاق المعتضد باستصحاب حرمتهن عليه، و المرسل بعد تسليم ظهوره في ذلك على وجه لا يقبل التخصيص بغيرهن لا حجة فيه، و كذا ما في المدارك، فإن الإطلاق المزبور لا ينافي التقييد بطواف النائب فيه بعد معلومية مشروعية النيابة مع التمكن من الرجوع في غير المقام حتى في الحج الواجب، و من هنا صح للفاضل فيما يحكى عنه إلحاق الواجب غير المستقر هنا بالمندوب في النيابة بل و الواجب المستقر مع عجزه عنه في القابل، و إن نسبه في الدروس إلى القيل مشعرا بتمريضه، لكنه في غير محله، لما عرفت من مشروعية النيابة فيه مؤيدا بدليل نفي الحرج و نحوه، كل ذلك مع ضعف دلالة الصحيح المزبور على ذلك، لكونه في مقام بيان الفرق بين المصدود و المحصور لا لبيان أجزاء الاستنابة و عدم إجزائها كما هو واضح، و منه يعلم ضعف الاستدلال به على عدم إجزائها في الواجب حال العجز كالاستدلال بالأصل المقطوع بما عرفت.

فالأقوى حينئذ الاجتزاء بها، و لعله هو مقتضي إطلاق ما عن الخلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 3.

ج 20، ص: 150

و الغنية و التحرير «لا يحللن للمحصور حتى يطوف لهن في قابل أو يطاف عنه» من غير تفصيل بين الواجب و غيره، بل و ما عن الجامع «إذا استناب المريض لطواف النساء و فعل النائب حلت له النساء» و لم يقيد بالقابل، بل و ما عن السرائر «أنهن لا يحللن حتى يحج في القابل أو يأمر من يطوف عنه للنساء» و ما عن الكافي «و لا يحللن له حتى يحج أو يحج عنه» بناء على إرادة الطواف عنه من الحج عنه.

نعم لو كان قادرا على الإتيان به و الفرض استقرار وجوبه أو استمراره لم يتحلل إلا بالإتيان بالنسك، فلا يجديه الطواف فضلا عن الاستنابة فيه كما هو ظاهر الكتاب و النافع و القواعد و محكي النهاية و المبسوط و المهذب و الوسيلة و المراسم و الإصباح و المنتهى و التذكرة و الإرشاد و التبصرة و التلخيص، للأصل و ما سمعته من

قول الصادق (عليه السلام)(1): «لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت، و يسعى بين الصفا و المروة»

الظاهر في الإتيان بالنسك ك

قوله (عليه السلام) في مرسل المفيد(2)«و لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك»

و إطلاق العبارات المزبورة و إن اقتضى جواز الاستنابة في الواجب مع القدرة إلا أنه يمكن دعوى الإجماع على خلافه، مضافا إلى الأصل و

الصحيح (3)و غيره، مع احتمال إرادتهم بالإطلاق المزبور التنويع لا الاجزاء مطلقا على كل حال، و منه يعلم ما في احتمال مدافعة الإطلاق المزبور لما سمعته من إجماع المنتهى على الفرق بين الواجب و المندوب، و من هنا قال بعض الناس: يتوجه حينئذ القول بإطلاق الصحيح المقتضي لعدم الاجتزاء بالاستنابة من غير فرق بين الواجب و المندوب، لكنه كما ترى، ضرورة إمكان كونه بعد التسليم خرقا للإجماع المركب، إذا الأصحاب


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 3.

ج 20، ص: 151

بين مفصل بينه و بين الواجب بما عرفت، و بين مطلق لجوازها فيه و في الواجب و بين قائل بالتحلل، بالندب من غير توقف على شي ء كما عن المراسم و ظاهر المفيد أو محتمله، للمرسل الذي عرفته.

فالقول بمساواة الندب للواجب في توقف الإحلال منه على أداء المناسك خلاف ما اتفقت عليه الأقوال أجمع، فلا مناص حينئذ عن القول بالمشهور ضرورة عدم المستند لما سمعته عن المراسم و محتمل المفيد، كما أنه لا مستند لإطلاق المزبور بناء على عدم إرادة التنويع منه، بل ظاهر الأدلة خلافه، و منه يقوى احتمال إرادة التنويع منه فيختص الواجب حينئذ بتوقف الإحلال منه على فعل النسك مع القدرة، و مع العجز أو الندب أو عدم استقرار الوجوب يكفي الحج عنه، بل يقوى إلحاق المستأجر و المتبرع عن الغير بذلك، و بذلك كله يظهر لك النظر فيما ذكره غير واحد

من متأخري المتأخرين، و الله الموفق و المسدد، هذا.

و في الدروس و لو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له، إذ لا طواف لأجل النساء فيها، و استحسنه بعض من تأخر عنه، بل استدل له ب

صحيح البزنطي (1)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن محرم انكسرت ساقه أي شي ء حل له و أي شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كل شي ء، فقال من النساء و الثياب و الطيب فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم»

لكن فيه أنه مطلق شامل للعمرة المفردة و الحج بأقسامه، و لا قائل به حينئذ، و إخراج ما عدا العمرة المتمتع بها بالإجماع و إن أمكن جمعا بين الصحيح و الإجماع إلا أنه غير منحصر في ذلك، إذ من المحتمل حمله على التقية، فإن من العامة من يرى الإحلال حتى من النساء مطلقا، و منهم من لا يرى الإحلال إلا أن يأتي بالأفعال، فإن فاته الحج تحلل بالعمرة، خصوصا مع كون زمان الامام (عليه السلام) المروي عنه في شدة التقية، أو


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.

ج 20، ص: 152

إذا استناب و طيف عنه كما ذكره بعض المحدثين، على أنه معارض بما سمعته من قضية الحسين (عليه السلام) و غيره مما لا فرق فيه بين عمرة التمتع و غيرها، مضافا إلى الاستصحاب، و من هنا مال جماعة منهم ثاني

المحققين و الشهيدين إلى توقف الإحلال منه عليه أيضا، و التعليل بعدم الطواف لهن في خصوص النسك المفروض انما يتم لو علق الإحلال منهن على طوافهن، و ليس، إذ ليس فيما وصل إلينا من الروايات تعرض لذكر طواف النساء، و انما المستفاد من الصحيح المتقدم توقف حلهن على الطواف و السعي، و هو متناول للحج بأقسامه و العمرتين، اللهم إلا أن يقال إن سياقه غير متناول لها، فلا إطلاق فيه، و لكنه غير كاف في إخراجها، إذ أقصاه نفي الإطلاق، و حينئذ فينبغي الرجوع الى الأصول التي مقتضاها البقاء على الإحرام بالإضافة إليهن حتى يثبت المحلل، و ليس إلا الطواف لانعقاد الإجماع على الإحلال به منهن دون غيره، و لكن لا يخفى عليك انسياق اعتبار الطواف في حلهن مع الحصر عن النسك الذي يتوقف حلهن عليه، أما إذا لم يكن معتبرا فيه ذلك فالمحلل للنساء و غيرهن متحد، و هو الإتيان بالنسك أو ما جعله الشارع محللا في الحصر، و هو الهدي، و لعل هذا هو الأقوى و إن كان الأحوط الإتيان به مباشرة أو استنابة في الحال الذي تجوز فيه، كما عرفت، و الله العالم.

و لو بان أن هديه الذي بعثه أو أرسل دراهم لشرائه لم يذبح و كان قد تحلل لم يبطل تحلله فلا إثم عليه و لا كفارة فيما فعله من منافيات الإحرام و كان عليه ذبح هدي في القابل بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك كما اعترف به غير واحد بل و لا إشكال، لأن تحلله قد كان باذن من

ج 20، ص: 153

الشارع، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن عمار(1)المتقدم، لكن زاد فيه في التهذيب «فان ردوا الدراهم عليه و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد أحل لم يكن عليه شي ء، و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا»

و قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة(2): «المصدود يذبح حيث صد، و يرجع صاحبه فيأتي النساء و المحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه، قلت أ رأيت إن ردوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحل فأتى النساء قال: فليعد و ليس عليه شي ء، و ليمسك الآن عن النساء إذا بعث»

و موثق زرعة(3)السابق.

انما الكلام في وجوب الإمساك عليه الى يوم الوعد كما هو مقتضى الخبرين، بل لعله المشهور كما اعترف به ثاني الشهيدين و غيره، و عدمه كما هو خيرة المصنف في النافع و الفاضل في المختلف و المقداد و الحلي على ما حكي عنهم، بل هو ظاهر المتن و غيره للأصل بعد أن لم يكن محرما و لا في الحرم، فيحمل الخبران، على الندب، و لكن فيه أنه متجه بناء على عدم حجيتهما عند الحلي لكونهما من الآحاد، أما على المختار فلا يصلح الأصل لمعارضتهما، مع احتمال كون الأصل بالعكس،

باعتبار ظهور الآية في اعتبار بلوغ الهدي محله في التحلل في نفس الأمر، و لا فرق بين الحلق و غيره، فلو تحلل و لم يبلغ كان باطلا، و لا يستفاد من النصوص المتقدمة إلا عدم الضرر بالتحلل يوم الوعد و لعله من جهة الإثم و الكفارة، لكونه وقع باذن الشارع، فلا يتعقبه شي ء من ذلك، و لكن ذلك لا يقتضي حصول التحلل في أصل الشرع و لو مع الانكشاف بل لعل الأمر بالإمساك في الخبرين لذلك، فهو حينئذ محرم، فينبغي له الإمساك


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.

ج 20، ص: 154

من حين الانكشاف، خصوصا بعد عدم تصريح أحد من القائلين بوجوب الإمساك بخلافه، لسكوتهم عن بيان وقته، فيمكن إرادتهم ما ذكرناه كالنصوص، و دعوى عدم الخلاف في صحته أو عدم بطلانه يمكن منعها بالنسبة الى ما زاد على ما ذكرناه من الإثم و الكفارة، و نفي الضرر في الموثق (1)لا ينافي وجوب الإمساك، لكونه ضررا بعد ظهوره في إرادة أن الخلف لا يوجب ضررا فيما فعله من منافيات الإحرام، و وجوب الإمساك انما هو من الإحرام السابق لا من الخلف كي يتوجه نفيه، إذ احتمال وجوبه تعبدا و إن كان هو غير محرم كما ترى، على انه بعد تسليم تناول نفي الضرر له يتجه حينئذ تخصيصه بالخبرين، هذا.

و لكن قد يقال بظهور خبر زرارة في كون الإمساك عن النساء حين البعث لا من حين

الانكشاف، فلو بعثه بعد مدة لم يجب عليه الإمساك قبل البعث و لو بعد الانكشاف، و هو ظاهر في تحقق الإحلال في الواقع، و أن الأمر بالإمساك ليس للإحرام السابق معتضدا بما سمعته من دعوى جماعة عدم الخلاف في عدم بطلان الإحلال المراد به ظاهرا انتفاء الإحرام السابق، كما عساه يشهد لها عبارة المتن و غيرها، فالمتجه حينئذ وجوب الإمساك مقيدا من حين البعث و إن كان الأحوط من حين الانكشاف، هذا، و في المدارك «و اعلم أنه ليس في الرواية و لا في كلام من وقفت على كلامه من الأصحاب تعيين وقت الإمساك صريحا و إن ظهر من بعضها أنه من حين البعث، و هو مشكل، و لعل المراد انه يمسك من حين إحرام المبعوث معه الهدي» و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من وجوه، خصوصا ما ذكره أخيرا، فإنه يمكن تحصيل الإجماع على خلافه.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.

ج 20، ص: 155

بقي الكلام في شي ء، و هو أن ظاهر الموثق المزبور حلية النساء للمحصور ببلوغ الهدي، و قد عرفت عدم حلهن إلا بالطواف بنفسه أو نائبه على الوجه الذي تقدم، و من هنا قال الكاشاني: لعل المراد بإتيانه النساء إتيانه إياهن بعد الطواف و السعي، و فيه أنه خلاف صريح الخبر كما اعترف به في الحدائق، لكن قال: اللهم إلا أن يحمل إتيانه النساء على الخطأ و الجهل بتوهم حلهن له بالمواعدة كما في سائر محرمات الإحرام، و يكون قوله (عليه السلام) «ليس عليه شي ء» يعني من حيث الجهل، فإنه معذور كما في غير موضع من أحكام الحج، و أنه بعد العلم بذلك فليمسك الآن عن النساء إذا بعث، و فيه بعد الإغضاء عما في دعواه من معذورية الجاهل مطلقا في الحج من غير فرق بين الكفارة و غيرها أنه أيضا خلاف ظاهره، و لعل الأولى حمله على عمرة التمتع التي قد عرفت أن الأقوى عدم احتياج حل النساء فيها الى الطواف، كما سمعت الكلام فيه مفصلا و الله العالم.

و لو بعث هديه ثم زال العارض قبل التحلل لحق بأصحابه في العمرة المفردة مطلقا، و في الحج إن لم يفت، لزوال العذر و انحصار جهة إحلاله حينئذ في الإتيان بالمناسك المأمور بإتمامها فإن كان حاجا و أدرك أحد الموقفين في وقته على وجه يصح حجه كما عرفته سابقا فقد أدرك الحج، و إلا تحلل بعمرة مفردة كما هو فرض كل من فاته الحج و إن كان قد ذبحوا و عليه في القابل قضاء الواجب المستقر أو المستمر و يستحب قضاء الندب بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل و لا إشكال، ضرورة كونه محرما حينئذ بأحد النسكين اللذين يجب عليه إتمامهما مع التمكن كما هو الفرض، مضافا الى

صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا أحصر بعث


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.

ج 20، ص: 156

بهديه، فإذا أفاق و وجد من نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فان قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك و ينحر هديه، و لا شي ء عليه، و إن قدم مكة و قد نحر هديه فان عليه الحج من قابل أو العمرة، قلت: فان مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة قال: يحج عنه إذا كان حجة الإسلام و يعتمر، انما هو شي ء عليه»

و الظاهر أن قوله (عليه السلام) «من قابل» قيد للحج خاصة دون العمرة، و انما الحج من قابل إذا نحر هديه و فات وقت مناسكه، و قوله (عليه السلام) «أو العمرة» يعني إن كان إحرامه للعمرة، نعم بناء على ما عن بعض النسخ من العطف بالواو لا «أو» يتجه إرادة عمرة التحلل، و حينئذ يكون صريحا في اعتبارها و إن وقع الذبح كما هو مقتضي إطلاق الأصحاب، بل و إطلاق ما دل على أن ذلك حكم من فاته الحج، لكن في الدروس بعد أن قرب ذلك قال: وجهان، اعتبارا بحالة البعث، أو حالة التحلل، يعني أنه أتى حالة البعث بما عليه فيجزيه، و فيه أنه لم يأت بنية التحلل و لا التقصير، فالأصل حينئذ يقتضي البقاء على الإحرام، خصوصا بعد عدم مقتضي (ما يقتضي خ ل) التحلل ببلوغ الهدي محله بحيث يشمل الفرض، إذ غايته الإطلاق المنساق بحكم التبادر الى غيره، فيبقى حينئذ عموم حكم من فاته الحج، و هو التحلل بالعمرة بحاله.

و لو علم الفوات أو فات بعد البعث و زال العذر قبل التقصير فالأحوط و الأقوى وجوب المضي إلى مكة للتحلل بعمرة، لما عرفت من أن ذلك حكم من فاته الحج إذا أمكنه العمرة، و لأن سبب التحلل منحصر في أداء المناسك و الحصر أو الصد، و لكن في القواعد «الإشكال في ذلك، و لعله مما عرفت و من أن إيجاب ذلك عليه يجمع عليه التكليفين اللذين أحدهما عوض عن الآخر، مع أن العدول خلاف الأصل، و الأصل البراءة» و لا يخفى عليك ما فيه بعد

ج 20، ص: 157

الإحاطة بما ذكرناه من أنه لا عموم يقتضي التحليل (التحلل خ ل) ببلوغ الهدي على وجه يشمل الفرض و نحوه، فالأصل بقاؤه على الإحرام حتى يأتي بالعمرة، و الله العالم.

هذا كله في الحاج و أما المعتمر مفردة فلا خلاف و لا إشكال في مساواته له في الأحكام، بل قد سمعت النص المشتمل على العمرة، نعم إذا تحلل يقضي عمرته أي يتدارك واجبا (وجوبا خ ل) مع استقرار وجوبها أو استمرارها، و إلا فندبا عند زوال العذر من غير تربص زمان كما في القواعد، بناء على التوالي كما عن الدروس و غيرهما، أو على بطلان ما أحصر فيه، فلا توالي فيه بين عمرتين، و احتمال اعتبار مضي الزمانين بين الإحرامين كالعمرتين لا دليل عليه و لكن قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و المبسوط و بنو حمزة و البراج و إدريس: يقضيها في الشهر الداخل بناء على اشتراط فصل شهر بين عمرتين على معنى أن لكل شهر عمرة، بل في المدارك ظاهر الأصحاب أن الخلاف هنا كالخلاف في أصل المسألة في الزمان الذي يجب كونه بين عمرتين، قال في الدروس: المعتمر إفرادا يقضي عمرته في زمان يصح فيه الاعتمار ثانيا، فيبني على الخلاف، و لكن قد عرفت إمكان الفرق بين المقام و غيره كما يومي اليه إطلاق المصنف في النافع القضاء عند زوال العذر مع اشتراطه فيه مضي الشهر بين العمرتين، و الله العالم.

و القارن إذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل إلا قارنا وفاقا لمحكي النهاية و المبسوط و التهذيب و المهذب و الجامع، بل الأكثر بل المشهور، ل

صحيحي محمد بن مسلم (1)و رفاعة(2)عن الصادقين عليهما السلام أنهما قالا: «القارن يحصر و قد قال و اشترط فحلني حيث حبستني، قال: يبعث بهديه قلنا: هل يتمتع في قابل


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.

ج 20، ص: 158

قال: لا و لكن يدخل بمثل ما خرج منه»

و خبر رفاعة(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قلت: رجل ساق الهدي ثم أحصر قال: يبعث بهديه، قلت: هل يتمتع من قابل؟ قال: لا و لكن يدخل في مثل ما خرج منه»

و ما في كشف اللثام- من احتمال أن فرضه القران، قال: و كذا كلام الشيخ و القاضي و صاحب الجامع- لا قرينة عليه، كاحتمال حمل النصوص المزبورة على الندب لعدم وجوب قضاء الأصل فضلا عن الكيفية، و فيه أن غاية ذلك

عدم الوجوب النفسي الذي لا يلزم منه نفي الوجوب الشرطي التعبدي، بمعنى أنه لا يجب عليه القضاء و لكن إن قضى فليقضه مما مماثلا، و هذا الوجوب أقرب الى الحقيقة من الاستحباب و التقييد السابقين، على أنه لا يتم في الواجب التخييري، فإن المتجه على ما ذكرناه من العمل بالنصوص تعين الفرد المزبور عليه، بخلافه على القول الآخر الذي مرجعه الى عدم تعين القران عليه بالدخول فيه، بل إن كان قبله مخيرا بينه و بين غيره فهو الآن مخير، و إن كان أحدهما متعينا عليه تعين، و إن كان المتعين عليه التمتع و انما قرن للضرورة أتى بالتمتع، و الأصل في هذا القول ابن إدريس، قال في المحكي من سرائره قال شيخنا أبو جعفر في نهايته «و المحصور إن كان قد أحصر و قد أحرم بالحج قارنا فليس له أن يحج في المستقبل متمتعا، بل يدخل بمثل ما خرج منه» قال محمد بن إدريس: «و ليس على ما قاله دليل من كتاب و لا سنة مقطوع بها و لا إجماع، بل الأصل براءة الذمة، و بما شاء يحرم في المستقبل» و تبعه في النافع و إن زاد في تفصيل ما أجمله قال: «و قيل لو أحصر القارن حج في القابل قارنا، و هو على الأفضل إلا أن يكون القران متعينا عليه بوجه» و نحوه الفاضل و غيره.

و الى ذلك أشار المصنف بقوله و قيل: يأتي بما كان واجبا و لكن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحصار و الصد- الحديث 3.

ج 20، ص: 159

لم أجد لهم دليلا على ذلك سوى الاستصحاب المقطوع بظاهر النصوص المزبورة الذي لا قرينة على تقييده أو على إرادة الندب منه، بل ينبغي القطع بعدمه لو أريد من إطلاق الحلي ما يشمل صورة التعين الذي مقتضى الأصول و النصوص و الفتاوى وجوب مراعاته، بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا ما توهم من إطلاق الحلي الممكن (الذي يمكن خ ل) تنزيله على التفصيل المزبور، و إلا كان مقطوعا بفساده، و بذلك ظهر لك ان المشهور مع كونه أحوط أقوى.

نعم قد يشك فيمن فرضه التمتع و قرن للضرورة ثم صد أو أحصر ثم تحلل، لانسياق النصوص المزبورة إلى خلافه، فيبقي على مقتضى الأصول.

ثم إن مفروض المتن و غيره بل و النصوص هو خصوص من حج قارنا، إلا أن بعض الأصحاب كما قيل عمم و جعل فرض المسألة أعم، فإن تم الإجماع على ذلك و إلا فالمتجه الرجوع الى التفصيل المزبور الموافق للأصول السالمة هنا عن المعارض، اللهم إلا أن يقال بظهور إرادة المماثلة منها و إن كان المورد القران، بل لعله في خبر رفاعة منها لا يخصص الوارد، و من هنا كان الاحتياط لا ينبغي تركه و إن كان الأول أقوى و إن كان ندبا حج بما شاء من أنواعه و إن كان الإتيان بمثل ما خرج منه أفضل و الله العالم.

و روي عن الصادق (عليه السلام) بعدة طرق فيها الصحيح و غيره أن باعث الهدي تطوعا يواعد أصحابه وقتا لذبحه أو نحوه ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم، فإذا كان وقت المواعدة أحل و لكن هذا لا يلبي

قال معاوية بن عمار في الصحيح (1): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبعث بالهدي تطوعا و ليس بواجب قال: يواعد أصحابه يوما فيقلدونه، فإذا كان تلك الساعة اجتنب ما يجتنبه المحرم الى يوم النحر، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه، فان رسول الله صلى الله عليه و آله


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 5.

ج 20، ص: 160

حين صده المشركون يوم الحديبية نحر و أحل و رجع الى المدينة»

و قال الحلبي (1)في الصحيح أيضا: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بعث بهديه مع قوم سياق و واعدهم يوما يقلدون فيه هديهم و يحرمون، فقال: يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم فيه حتى يبلغ الهدي محله، قلت: أ رأيت إن اختلفوا عليه في الميعاد و أبطؤا في المسير عليه و هو يحتاج الى أن يحل في اليوم الذي واعدهم فيه قال: ليس عليه جناح أن يحل في اليوم الذي وعدهم فيه»

و قال هارون بن خارجة(2): «إن أبا مراد بعث ببدنة و أمر الذي بعث بها معه أن يقلد و يشعر في يوم كذا و كذا فقلت له إنه لا ينبغي أن تلبس الثياب فبعثني الى أبي عبد الله (عليه السلام) و هو بالحيرة فقلت له إن أبا مراد فعل كذا و كذا و انه لا يستطيع أن يدع

الثياب لمكان أبي جعفر فقال (عليه السلام): مره أن يلبس الثياب و لينحر بقرة يوم النحر عن لبسه الثياب»

و قال ابن مسكان (3)في الصحيح أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ان ابن عباس و عليا (عليه السلام) كانا يبعثان بهديهما من المدينة ثم يتجردان، و إن بعثا به من أفق من الآفاق و أعد أصحابهما بتقليدهما و إشعارهما يوما معلوما، ثم يمسكان يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم، و يجتنبان كل ما يجتنبه المحرم إلا أنه لا يلبي إلا من كان حاجا أو معتمرا»


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 3 عن عبد الله ابن سنان و فيه« ثم ينحران» بدل« ثم يتجردان» إلا أن الموجود في التهذيب ج 5 ص 424 الرقم 1473 كما في الجواهر.

ج 20، ص: 161

و خبر أبي الصباح الكناني (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بعث بهدي مع قوم و واعدهم يوما يقلدون فيه هديهم و يحرمون فيه فقال: يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي و أعدهم فيه حتى يبلغ الهدي محله، فقلت: أ فرأيت إن اختلفوا في ميعادهم و أبطأوا في المسير عليه جناح في اليوم الذي و أعدهم؟

قال: لا، و يحل في اليوم الذي واعدهم»

بل عن الشيخ روايته صحيحا عن الحلبي (2)و

خبر سلمة(3)عنه (عليه السلام) أيضا «ان عليا (عليه السلام) كان يبعث بهديه ثم يمسك عما يمسك عنه المحرم غير أنه لا يلبي، و يواعدهم يوما ينحرون فيه، فيحل».

و من الغريب- بعد هذه النصوص المروية في كتب المشايخ الثلاثة و عمل الشيخ و القاضي بها، بل في المختلف نسبة ذلك إلى الأكثر، و غيره إلى المشهور و تعاضدها- رد ابن إدريس لها قائلا «أنها أخبار آحاد لا يلتفت إليها و لا يعرج عليها، و هذه أمور شرعية يحتاج مثبتها و مدعيها إلى أدلة شرعية، و لا دلالة من كتاب و لا سنة مقطوع بها و لا إجماع، فأصحابنا لا يوردون هذا في كتبهم و لا يودعونه في تصانيفهم، و إنما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في كتاب النهاية إيرادا لا اعتقادا لأن الكتاب المذكور كتاب خبر لا كتاب بحث و نظر، كثيرا ما يورد فيه أشياء غير معمول عليها، و الأصل براءة الذمة من التكاليف الشرعية» و رده في المختلف بأن هذه الأخبار ظاهرة مشهورة صحيحة السند عمل بها أكثر العلماء، فكيف يجعل ذلك شاذا من غير دليل، و هل هذا إلا جهل منه بمواقع الأدلة و مدارك الأحكام الشرعية، و تبعه على ذلك غير واحد.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحصار و الصد الحديث 2.

ج 20، ص: 162

و أغرب منه احتمال بعض متأخري المتأخرين أن هذه النصوص عدا صحيح ابن خارجة منها في المصدود و المحصور، حتى الصحيح الأول منها المشتمل على الإرسال تطوعا، قال لقبوله

التنزيل على ما يوافق التعليل في ذيله بأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى آخره، و يلائمه من الاختصاص بالمصدود، و لا كلام في الحكم فيه و لا في المحصور، بل قال أيضا منكرا على من نسب العمل بذلك إلى الكليني و الصدوق: «إن ذلك مبني على ظهور الأخبار عندهما في محل البحث، و هو محل نظر» إذ هو كما ترى، فإنه لم ينكر ابن إدريس دلالتها على المطلوب، و انما منعه من العمل بها أصله المعلوم بطلانه، و به نفى أكثر الأحكام الشرعية، أو زعمه الفاسد أنها أخبار آحاد و إن تعاضدت و تعددت في حكم ندبي يتسامح في مثله، مع أنه لا زال يعمل بأحكام واجبة و محرمة بورود بعض النصوص مدعيا خروجها عن الآحاد بالتعاضد و نحوه من القرائن التي هي أضعف مما في المقام بوجوه، فما أدري ما الذي يقع في نفسه بعد معلومية حرمة التشهي و الهوى في الأحكام الشرعية، و على كل حال فلا مناص عن العمل بها، بل عن ظاهر الشيخ و القاضي وجوب التكفير لو فعل ما يحرم على المحرم، لما سمعته من الأمر في صحيح هارون بذبح البقرة للبس نفسه المؤمي إلى التكفير في سائر المحرمات، بل هو المنساق من التصريح بوجوب اجتناب ما يجتنبه المحرم.

لكن قال المصنف و تبعه الفاضل و غيره و لو أتى بما يحرم على المحرم كفر استحبابا و لعله للأصل، و اختصاص الصحيح المزبور بالبقرة للبس نفسه، مع أنهم لا يقولون به في كفارة غيره من الإحرام الحقيقي، و لا يشكل ذلك بأنه لا دليل حينئذ على الندب الذي ذكروه، إذ يمكن أن يكون وجهه بعد التسامح الخروج عن شبهة الخلاف، إلا أن ذلك كما ترى، مضافا إلى

ج 20، ص: 163

أن الاستحباب المزبور إن كان لعدم وجوب ما يجب على المحرم كما صرح به ثاني الشهيدين و حكم بالكراهة الشديدة كانت النصوص المزبورة صريحة في خلافه، و التصرف فيها بلا قرينة مناف للقواعد الشرعية، و إن كان مع القول بوجوب ما يجب على المحرم عليه ففيه أن المنساق من الوجوب المزبور جريان حكم المحرم عليه من الكفارة و نحوها، و لذا لم يستثن في بعضها إلا التلبية، فلا ريب في أن الأحوط إن لم يكن أقوى اعتبار كفارات الإحرام.

نعم ينبغي اختصاص مورد المسألة ببعث الهدي نفسه لا ثمنه، لأن هذه الكيفية المتلقاة من الشارع و من فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي يجب التأسي به، خلافا لثاني الشهيدين فساوى بينهما في ذلك

للمرسل (1)في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) «ما يمنع أحدكم أن يحج كل سنة؟ فقيل: لا تبلغ ذلك أموالنا فقال: أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أضحية و يأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت و يذبح عنه،

فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه و تهيأ و أتي المسجد و لا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس»

و فيه أن الظاهر كون ذلك صورة أخرى غير الصورة السابقة كما اعترف به غير واحد، لعدم ذكر المواعدة فيه و لا إشعار الهدي و لا اجتناب ما يجتنبه المحرم، و الثياب المأمور بها في يوم عرفة الثياب التي تلبس يوم الجمعة و العيد، و احتمال تقييد النصوص الأولى به بالنسبة إلى هذا الحكم فرع اتحاد الموضوع، و قد عرفت أنه مختلف فيها، ففي تلك الهدي و في هذا الثمن، و أحدهما غير الآخر، و من هنا جعله غير واحد كيفية أخرى، و لا بأس به بعد التسامح في أدلة السنن.

إن إطلاق النصوص الهدي يقتضي التخيير بين النعم الثلاثة، نعم ينبغي إحراز الشرائط التي سمعتها من السن و غيره، و إن كان هدي البعيد لا يصل


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحصار و الصد الحديث- 6.

ج 20، ص: 164

منه إلا البدن التي قد سمعت إهداء أبي مراد لها، و لعل المنساق من المواعدة في النصوص التقدير التخميني لبلوغ الميقات الذي يحرمون منه و يشعرون و يقلدون، و لكن في المسالك «لا فرق في يوم المواعدة بإشعاره أو

تقليده بين كونه وقت إحرامهم و غيره، لإطلاق النص، و لا بين كونه بعد تلبسهم بالحج أو قبله، و لا بين كون الزمان الذي بينه و بين يوم النحر طويلا أو قصيرا، للإطلاق في ذلك كله، و ينبغي أن يكون قبل زوال عرفة ليتهيأ للتعريف محرما، و لو كان بعدها فالظاهر الاجزاء، و يمكن استفادته من

قوله (عليه السلام) في الخبر السابق: «فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه»

فان الثياب عرفا شاملة للمخيط أو يمكن أن يريد بها ثياب الإحرام، و هو الأولى» و لا يخفى عليك ما فيه، خصوصا ما ذكره أخيرا، فإنه مبني على إدراج المرسلة في روايات المسألة، و قد عرفت ما فيه، و كذا ما فيها أيضا من أنه «لو اقتصر على مواعدتهم لذبحه أو نحره من غير إشعار و لا تقليد ففي تأدي الوظيفة به وجه، لعدم ذكره في الخبر السابق و إن ذكر في غيره من الأخبار، و عبارة المصنف هنا تدل عليه، فإنه اقتصر على ذكر المواعدة للذبح، و على هذا يكون (يمكن ظ) سقوط أحكام الإحرام من التجرد من المخيط و غيره، و يمكن الاجتزاء بالتحرم متى شاء قبل وقت المواعدة للذبح و لو لحظة، و الموجود في الفتاوى الإحرام عند المواعدة بالتقليد» قلت هو المنساق من النصوص، بل هو صريح صحيح هارون بن خارجة الذي يجب الاقتصار على ما فيه من الكيفية التي هي المتيقن ثبوتها من الأدلة، بل هو مقتضي الجمع بينها و بين إطلاق غيرها من النصوص التي قد عرفت خروج المرسل عنها.

بل من الصحيح المزبور يستفاد لبس ثوبي الإحرام و اجتناب ما يجتنبه المحرم إلى وقت المواعدة بالذبح، فما في المسالك- من احتمال الاجتزاء

ج 20، ص: 165

باجتناب تروك الإحرام من غير أن يلبس ثوبيه، لأن ذلك هو مدلول النصوص، و تظهر الفائدة فيما لو اقتصر على ستر العورة أو جلس في بيته عاريا و نحو ذلك أما الثياب المخيطة فلا بد من نزعها و كذلك كشف الرأس و نحوه- لا يخفى عليك ما فيه، خصوصا بعد ملاحظة الانسياق في النصوص و الفتاوي، بل الظاهر اعتبار النية في هذه العبادة و إن كانت هي الداعي عندنا.

و أما مصرفه الذي لا ريب في سقوط الأكل منه فيه ففي المسالك هنا بعد أن ذكر مصرفه الفقراء و المساكين بتلك البقعة قال: «و يمكن اعتبار الاهداء و الصدقة لا مكانهما و الاكتفاء بالذبح خاصة كهدي القران غير الواجب بنذر و شبهه لأصالة البراءة مما زاد على الذبح، و النصوص و الفتاوى خالية من بيان مصرفه و زمانه و مكانه» قلت: لعل الأخير هو المتجه عملا بإطلاق النصوص، كما أن مقتضاه في الزمان يوم النحر المصرح به في النصوص المنساق منها كون مكانه متى، كما أنك قد سمعت التصريح من بعضهم بعدم البأس مع الخلف في الميعاد نحو ما سمعته في المحصور، و الله العالم.

[المقصد الثاني في أحكام الصيد]
اشاره

« (المقصد الثاني في أحكام الصيد)» المحرم على المحرم و في المحرم و المحلل له و جملة مما يتعلق به من أحكام الكفارات، فنقول الصيد هو الحيوان الممتنع حلالا أو حراما كما في القواعد مع زيادة بالأصالة التي يمكن إرادة المصنف لها أيضا و لو بدعوى انسياقها من إطلاق الممتنع، فلا يرد حينئذ دخول ما توحش من الأهلي و امتنع كالإبل و البقر و نحوهما مما قتله جائز إجماعا محكيا في المسالك و غيرها بل و محصلا، و لا خروج ما استأنس من الحيوان البري كالظبي و نحوه مما

ج 20، ص: 166

لا يجوز قتله إجماعا محكيا في المسالك و غيرها بل و محصلا بل عن الراوندي هو أي التعريف بما سمعت مذهبنا مشعرا بالإجماع عليه، و ما عن المبسوط و التذكرة من الاتفاق على عدم حرمة قتل الذئب و الفهد و النمر لا ينافي دخولها في اسم الصيد و إن حلت، كما أنه لا ينافيه أيضا اقتصار المصنف على حرمة الثعلب و الأرنب و الضب و اليربوع و القنفذ و الزنبور من غير المأكول، إذ أقصاه أن ما عداها صيد حلال، لا أنها ليست بصيد فيكون تخصيصا لقوله تعالى (1)«لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» كما عساه يشهد له ما ينسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) من قوله.

صيد الملوك ثعالب و أرانب و إذا ركبت فصيدي الأبطال و قول العرب: «سيد الصيد الأسد» و قول شاعرهم

«ليث تردى زبية فاصطيدا»

مضافا إلى

خبر زيد الشحام (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى (3)«وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ» قال: إن رجلا انطلق و هو محرم فأخذ ثعلبا فجعل يقرب النار إلى وجهه و جعل الثعلب يصيح و يحدث من استه، و جعل أصحابه ينهونه عما يصنع، ثم أرسله بعد ذلك فبينما الرجل نائم إذ جائته حية فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب ثم خلته»

و لا قائل بالفرق، و لعله لذا عد الحلبي فيما حكي عنه مما يجتنبه المحرم الصيد و الدلالة عليه و قتل شي ء من الحيوان عدا الحية و العقرب و الفأرة و الغراب ما لم يخف شيئا منه.

و لكن مع ذلك قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط، بل عن بعض نسبته إلى الأكثر، بل اختاره المصنف في النافع يشترط أن يكون


1- 1 سورة المائدة الآية 96.
2- 2 الوسائل- الباب- 8 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- 3 سورة المائدة الآية 96.

ج 20، ص: 167

حلالا و لا ينافيه إيجاب الكفارة في الثعلب و الأرنب و القنفذ و اليربوع و الضب لإمكان كون

ذلك لخصوص نصوصها لا لأنها صيد، بل قد يشهد له أن المتبادر من قوله تعالى (1)«حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» أكله، و لا اختصاص لحرمة المحرم منه بالمحرم، و كذا قوله تعالى (2)«فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» فان المحرمات ليست كذلك مع أصل الحل و البراءة، بل لا ينكر ظهور سياق الآية الأخيرة في التلازم بين حرمة قتل الصيد و لزوم الكفارة، و أنه مسبب عنها و كذلك ظاهر الأخبار الكثيرة المعتبرة،

كالصحيح (3)«لا تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا تدلن عليه محلا و لا محرما فيصطاده، و لا تشر إليه فيستحل من أجلك، فإن فيه الفداء لمن تعمده»

و في الآخر(4)«المحرم لا يدل على الصيد، فان دل فعليه الفداء»

و هذا التلازم لا يتم إلا على تقدير تخصيص الصيد بالمحلل منه، فإنه الذي وقع الإجماع نصا و فتوى على التلازم فيه كليا دون غيره، فلم يثبت التلازم كذلك بل صرح الشيخ في محكي المبسوط بأنه لا خلاف أي بين العلماء في عدم وجوب الجزاء في قتل الحية و العقرب و الفأرة و الغراب و الحدأة و الكلب و الذئب، و انه لا يجب الجزاء عندنا في الجوارح من الطير كالبازي و الصقر و الشاهين و العقاب و نحو ذلك و السباع من البهائم كالأسد و

النمر و الفهد و غير ذلك، و قال: «في قتل المتولد بين ما يجب الجزاء فيه و ما لا يجب فيه ذلك كالسمع و هو المتولد بين الضبع و الذئب، و المتولد بين الحمار الأهلي و حمار الوحش يجب الجزاء فيه عند من خالفنا، و لا نص لأصحابنا فيه، فالأولى أن نقول لاجزاء فيه، لأنه .


1- 1 سورة المائدة الآية 97.
2- 2 سورة المائدة الآية 96.
3- 3 الوسائل- الباب- 1 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3 و فيه « فان دل عليه فقتل فعليه الفداء».

ج 20، ص: 168

لا دليل عليه، و الأصل براءة الذمة» انتهى، فلو كان صيد هذه الأنواع المحرمة محرما للزم فيه الفداء بمقتضى ما مر من التلازم الظاهر من الآية و الأخبار، و التالي باطل لما عرفت من الإجماع، فتعين أن المراد بالصيد المحرم عليه إنما هو المحلل منه دون المحرم، و إلا للزم إما الفداء فيه مطلقا، و هو خلاف الإجماع كما مضى، أو رفع اليد عن التلازم بين الأمرين الظاهر من الآية و الأخبار كما قدمناه، و لا سبيل إليه أيضا، فإن تخصيص الصيد فيهما بالمحلل أولى من رفع اليد عن التلازم المستفاد منهما، سيما و أن التخصيص و لو في الجملة لو عم الصيد لازم أيضا قطعا، و الخبر المتقدم في تفسير الآية المشتمل على الثعلب ضعيف، و إشعار عبارة الراوندي بالإجماع موهون بما عرفت من الحكاية عن الأكثر التخصيص بالحلال، فلا مستند حينئذ لدعوى العموم في الصيد.

لكن قد يناقش في ذلك كله بأنه لا ينافي العموم في مفهوم الصيد لغة و عرفا بعد تسليم كون المنساق من الكتاب خصوصا الآية الأخيرة إرادة خصوص المأكول منه، إذ أقصاه ثبوت الجزاء له على الإطلاق، بخلاف غيره فإنه يتوقف على الدليل و إن كان اصطياده محرما على المحرم، لاندراجه في مفهوم الصيد المحرم عليه بغير الآية من معقد إجماع و نحوه، كما أنه بعد تسليم عدم اندراجه في الصيد يمكن الاستناد في حرمته إلى نحو

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1)الذي عبر بمضمونه في محكي المقنع «إذا أحرمت فاتق الدواب كلها إلا الأفعى و العقرب و الفأرة، فأما الفأرة فإنها توهي السقاء و تحرق


1- 1 الوسائل- الباب- 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4 و الكافي ج 4 ص 363.

ج 20، ص: 169

أهل البيت، و أما العقرب فإن نبي الله صلى الله عليه و آله مديدة إلى الجحر فلسعته عقرب، فقال: لعنك الله لا برا تدعين و لا فاجرا، و الحية إذا أرادتك فاقتلها، و إن لم تردك فلا تردها، و الكلب العقور و السبع إذا أراداك فاقتلهما، فان لم يريداك فلا تردهما، و الأسود الغدر فاقتله على كل حال، و ارم الحدأة و الغراب رميا عن ظهر بعيرك»

و في

صحيح حريز(1)«كلما خاف المحرم على نفسه من السباع و الحيات و غيرهما فليقتله، و لو لم يردك فلا ترده»

و في

خبر محمد بن الفضيل (2)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن المحرم و ما يقتل من الدواب فقال: يقتل الأسود و الأفعى و الفأرة و العقرب و كل حية، و إن أرادك السبع فاقتله، و إن لم يردك فلا تقتله، و الكلب العقور إن أرادك فاقتله، و لا بأس للمحرم أن يرمي الحدأة»

و في

خبر حنان بن سدير(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) الذي رواه مع سابقه في الفقيه قال: «أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) بقتل الفأرة في الحرم و الأفعى و العقرب، و الغراب الأبقع ترميه، فإن أصبته فأبعده الله، و كان يسمي الفأرة الفويسقة، و قال:

إنها توهي السقاء و تصرم البيت على أهله»

و في

حسن الحلبي (4)«تقتل في الحرم و الإحرام الأفعى و الأسود الغدر و كل حية سوء و العقرب و الفأرة، و هي الفويسقة، و ترجم الغراب و الحدأة رجما، فان عرض لك اللصوص امتنعت منهم»

و حسن ابن أبي العلاء(5)عن الصادق (عليه السلام) أيضا «يقتل المحرم الأسود الغدر و الأفعى و العقرب و الفأرة، فإن رسول الله صلى الله عليه و آله سماها الفاسقة و الفويسقة، و يقذف الغراب، و قال: اقتل كل واحد منهن يريدك»

و خبر أبي البختري (6)المروي عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام «يقتل المحرم ما عدا عليه من سبع و غيره، و يقتل الزنبور و العقرب و الحية و النسر و الذئب


1- 1 الوسائل- الباب- 81- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 81- من أبواب تروك الإحرام الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 81- من أبواب تروك الإحرام الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 81- من أبواب تروك الإحرام الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 81- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 81- من أبواب تروك الإحرام الحديث 12.

ج 20، ص: 170

و الأسد، و ما خاف أن يعدو عليه من السباع و الكلب العقور»

و مرسل المقنعة(1)قال: «سئل عن قتل الذئب و الأسد فقال: لا بأس بقتلهما للمحرم إن أراداه، و كل شي ء أراده من السباع و الهوام فلا حرج عليه في قتله»

و خبر غياث بن إبراهيم (2)عن الصادق (عليه السلام) «يقتل المحرم الزنبور و النسر و الأسود الغدر و الذئب و ما خاف أن يعدو عليه، و قال: الكلب العقور هو الذئب»

إلى غير ذلك مما يفهم و لو من جهة القرائن الرخصة فيها دون غيرها.

بل ربما استدل ب

قوله (عليه السلام)- في خبر عمر بن يزيد(3)«و اجتنب في إحرامك صيد البر كله»

إلى آخره، و

قوله (عليه السلام) في حسن الحلبي أو صحيحه (4)«لا تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم»

- على تناول الصيد للمحرم و إن كان لا يخلو من نظر، كالاستدلال بما ورد من النصوص في الكفارات لأنواع المحرمات كالثعلب و الأرنب كما ستعرف إنشاء الله، نعم قد يستأنس له بما ذكرناه في كتاب الصيد من احتمال جريان حكمه بالكلب و بالآية الجمادية في الممتنع من غير المأكول على معنى الاستفادة بذلك خروجه عن الميتة، كما عساه يشهد له

موثق سماعة(5)«عن جلود السباع ينتفع بها قال: إذا رميت و سميت فانتفع بجلده»

مضافا إلى عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 81- من أبواب تروك الإحرام الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 81- من أبواب تروك الإحرام الحديث 8 و فيه غياث بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 49- من أبواب النجاسات الحديث 2 من كتاب الطهارة.

ج 20، ص: 171

اختصاص منفعة الصيد بالأكل، ضرورة إمكان إرادة الانتفاع بجلده و نحوه، فلا حظ و تأمل، هذا، و قد سمعت ما عن الحلبي، و في محكي

النهاية أنه لا يجوز له قتل شي ء من الدواب ثم استثناء ما يخافه على نفسه كالسباع و الهوام و الحيات و العقارب، و نحوه السرائر، و في محكي الخلاف

«أنه لا كفارة في جوارح الطير و السباع صالت أم لا

إلا الأسد ففيه كبش على ما رواه بعض أصحابنا(1)»

و في محكي التهذيب «لا بأس بقتله جميع ما يخافه من السباع و الهوام من الحيات و العقارب و غيرها، و لا يلزمه شي ء، و لا يقتل شيئا من ذلك إذا لم يرده» قلت قد سمعت بعض النصوص الدالة على ذلك الذي يحمل عليه إطلاق الرخصة في غيره، و يأتي فيها و في جوارح الطير بعض الكلام إنشاء الله.

و في محكي المبسوط «الحيوان على ضربين مأكول و غير مأكول، فالمأكول على ضربين إنسي و وحشي، فالانسي هو النعم من الإبل و البقر و الغنم فلا يجب الجزاء بقتل شي ء منه، و الوحشي هو الصيود المأكولة مثل الغزلان و حمر الوحش و بقر الوحش و غير ذلك، فيجب الجزاء في جميع ذلك على ما نبينه بلا خلاف، و ما ليس بمأكول فعلى ثلاثة أضرب: أحدها لاجزاء فيه بالاتفاق، و ذلك مثل الحية و العقرب و الفأرة و الغراب و الحدأة و الكلب و الذئب و الثاني يجب فيه، الجزاء عند من خالفنا، و لا نص لأصحابنا فيه و الأولى أن نقول لا جزاء فيه، لأنه لا دليل عليه، و الأصل براءة الذمة، و ذلك مثل المتولد بين ما يجب الجزاء فيه و

ما لا يجب فيه ذلك كالسمع، و هو المتولد بين الضبع و الذئب، و المتولد بين الحمار الأهلي و حمار الوحش، و الضرب الثالث مختلف فيه، و هو الجوارح من الطير كالبازي و الصقر و الشاهين و العقاب و نحو ذلك و السباع من البهائم كالأسد و النمر و الفهد و غير ذلك، فلا يجب الجزاء


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 172

عندنا في شي ء منه، و قد روي أن في الأسد خاصة كبشا، و يجوز للمحرم قتل جميع المؤذيات كالذئب و الكلب العقور و الفأر و العقارب و الحيات و ما أشبه ذلك، و لا جزاء عليه، و له أن يقتل صغار السباع و إن لم يكن محذورا منها، و يجوز له قتل الزنابير و البراغيث و القمل إلا أنه إذا قتل القمل على بدنه لا شي ء عليه، و إن أزاله عن جسمه فعليه الفداء، و الأولى أن لا يعرض له ما لم يؤذه- ثم ذكر- أن من قتل زنبورا أو زنابير خطأ لا شي ء عليه، فان قتل عمدا تصدق بما استطاع- و ذكر أيضا- أن من أصاب ثعلبا أو أرنبا فكمن أصاب ظبيا، و إن أصاب يربوعا أو قنفذا أو ضبا أو شبه كان عليه جدي» قلت:

ستعرف إنشاء الله تفصيل الكلام في ذلك كله.

و في محكي الوسيلة «و الصيد حلال اللحم و حرامه، و الحرام اللحم مؤذ و غير مؤذ، فالمؤذي لا يلزم بقتله شي ء سوى الأسد إذا لم يرده، فان قتله و لم يرده لزمه كبش، و غير المؤذي جارحة و غير جارحة، فالجارحة جاز صيدها و بيعها في الحرم و إخراجها منه، و غير الجارحة يحرم صيدها و يلزم بالجناية عليها الكفارة، و الحلال اللحم صيد بحر، و لا حرج فيه بوجه، و صيد بر و خطأه في حكم العمد في الكفارة» و في الدروس هو أي الصيد الحيوان المحلل إلا أن يكون أسدا أو ثعلبا أو أرنبا أو ضبا أو قنفذا أو يربوعا الممتنع بالأصالة البري، فلا يحرم قتل الضبع و النمر و الصقر و شبهها و الفأرة و الحية، و لا رمي الحدأة و الغراب عن البعير و لا الحيوان الأهلي و لو صار وحشيا، و لا الدجاج و إن كان حبشيا، و لا يحل الممتنع بصيرورته إنسيا» و لا يخفى عليك الموافق من هذه الكلمات لما ذكرناه و المخالف، و تسمع إنشاء الله تمام الكلام و الله الموفق و الهادي.

[النظر فيه يستدعي فصولا]
اشاره

و من هنا كان النظر فيه يستدعي فصولا:

[الفصل الأول الصيد قسمان ]
[القسم الأول ما لا يتعلق به كفارة]

الأول الصيد قسمان

ج 20، ص: 173

فالأول منهما ما لا يتعلق به كفارة لكونه جائزا كصيد البحر المعلوم جوازه كتابا(1)و سنة(2)و إجماعا بقسميه، بل هو كذلك بين المسلمين كما في المنتهى فضلا عن المؤمنين و

هو ما يبيض و يفرخ بضم حرف المضارعة و كسر العين أو فتح الفاء و تشديد الراء في الماء معا، و بحكم ذلك التوالد كما تقدم الكلام فيه مفصلا، و من المعلوم أن ذلك ميزان لما يعيش فيهما، أما ما لا يعيش إلا في أحدهما فهو من صيده من غير إشكال.

و مثله في الجواز عندنا الدجاج الحبشي المسمى بالسندي و الغرغر، و في المسالك قيل: إنه طائر أغبر اللون في قدر الدجاج الأهلي، أصله من البحر، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض كالنصوص منها

صحيحا معاوية(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الدجاج الحبشي فقال:

ليس من الصيد، إنما الطير ما طار بين السماء و الأرض وصف»

و منها

صحيح جميل و محمد بن مسلم (4)قالا: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الدجاج السندي يخرج به من الحرم فقال: نعم، لأنها لا تستقل بالطيران»

إلى غير ذلك من النصوص العامة لإباحة كل ما لا يصف و الخاصة للدجاج الحبشي، بل منها يستفاد أنه ليس بصيد، لعدم امتناعه، خلافا للمحكي عن الشافعي فحرمه، قال: لأنه وحشي يمتنع بالطيران و إن كان ربما يألف البيوت و هو الدجاج البري قريب من الأهلي في الشكل و اللون يسكن في الغالب سواحل البحر، و هو

كثير ببلاد المغرب يأوي مواضع الطرفاء و يبيض فيها، و يخرج فراخه، كيسة كاسبة


1- 1 سورة المائدة الآية 97.
2- 2 الوسائل- الباب 6 من أبواب تروك الإحرام.
3- 3 الوسائل- الباب 40 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 و 7.
4- 4 الوسائل الباب 40 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 174

تلتقط الحب من ساعتها كفراخ الدجاج الأهلي، و لا يخفى عليك ما فيه بعد ما سمعته

عن الصادقين عليهما السلام، و عن الأزهري «كانت بنو إسرائيل من أهل تهامة أغنى الناس على الله تعالى فقالوا قولا لم يقله أحد، فعاقبهم الله بعقوبة ترونها الآن بأعينكم، جعل رجالهم القردة، و برهم الذرة، و كلابهم الأسود، و رمانهم الحنظل، و عنبهم الأراك، و جوزهم السرو، و دجاجهم الغرغر، و هو دجاج الحبش، لا ينتفع بلحمه لرائحته»

و عن التهذيب لاغتذائه بالعذرة.

و كذا لا كفارة و لا حرمة في ذبح النعم و أكلها إجماعا أو ضرورة، بل و لو توحشت بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه منا عليه، بل عن المنتهى نسبته إلى علماء الأمصار، مضافا إلى الأصل و إطلاق النصوص (1)الدالة على جواز ذبحها و ذبح الدجاج في الحرم و للمحرم، و بالعكس ينعكس الحكم بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل قد سمعت الإجماع عليه، بل هو محصل، مضافا إلى الأصل و الإطلاق، فما عن مالك من عدم الجزاء للمستأنس منه في غير محله، كالمحكي عن المزني من عدم الجزاء أيضا في المملوك منه، ضرورة منافاته لإطلاق الأدلة الذي لا فرق فيه بين المملوك منه و غيره، بل يزداد المملوك إذا أتلفه القيمة لمالكه مع

الجزاء، أو ما بين قيمته حيا و مذبوحا، و لا فرق في حرمة الإتلاف بين الجميع و أبعاضه، فكما يحرم إتلافه يحرم إتلاف بعضه ككسر قرنه أو يده أو نحو ذلك للنصوص (2)و لحرمة تنفيره الذي هو دون ذلك، و الله العالم.

و لا كفارة أيضا في قتل السباع ماشية كانت أو طائرة أرادتك أو لم تردك إلا الأسد فان على قاتله كبشا إذا لم يرده على رواية فيها ضعف


1- 1 الوسائل- الباب 82 من أبواب تروك الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب 28 من أبواب كفارات الصيد.

ج 20، ص: 175

بلا خلاف أجده في المستثنى منه، بل عن صريح الخلاف و ظاهر المبسوط و التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الأصل، و أما المعتبرة المستفيضة المبيحة لقتلها إذا إرادته أو خشيها على نفسه- التي منها ما سمعته سابقا، و منها قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في

خبر عبد الرحمن العرزمي (1)«يقتل المحرم كلما خشيه على نفسه»

و في

خبر أبي البختري (2)المروي عن قرب الاسناد للحميري «يقتل المحرم ما عدا عليه من سبع أو غيره، و يقتل الزنبور و الحية و النسر و الذئب و الأسد و ما خاف أن يعدو عليه من السباع و الكلب العقور»

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر غياث بن إبراهيم (3)«يقتل المحرم الزنبور و الأسود الغدر و الذئب و ما خاف أن يعدو عليه»

- فلا دلالة فيها على نفي الكفارة، ضرورة عدم التلازم بين الجواز و نفيها لو كان هناك دليل يقتضيها، بل لا دلالة فيها على الإباحة مطلقا، فالاستدلال بها على المطلوب لا يخلو من نظر، بل ربما استدل أيضا ب

صحيح معاوية أو حسنه (4)«أتى الصادق عليه السلام فقيل له إن سبعا من سباع الطير على الكعبة ليس يمر به شي ء من حمام الحرم إلا ضربه، فقال: انصبوا له و اقتلوه، فإنه ألحد في الحرم»

و لكن قد يشكل بأن تعليله يقتضي التخصيص و

بالصحيح (5)ان ابن أبي عمير أرسل عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل «عن رجل أدخل فهذه إلى الحرم فقال: هو سبع، و كلما أدخلت من السبع الحرم أسيرا فلك أن تخرجه»

و عن حمزة بن


1- 1 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8 عن غياث بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام.
4- 4 الوسائل- الباب 42 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب 41 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 176

اليسع (1)صحيحا أنه سأله (عليه السلام) «عن الفهد يشترى بمنى و يخرج به من الحرم فقال:

كلما أدخل الحرم من السبع مأسورا فعليك إخراجه»

و يشكل أيضا بعدم دلالتهما على المفروض، و نحو ذلك ما عن التذكرة و المنتهى من الاستدلال بقوله في

صحيح حريز(2)«كلما يخاف المحرم على نفسه من السباع و الحيات و غيرها فليقتله، و إن لم يردك فلا ترده»

و بما روته العامة(3)من أمر النبي صلى الله عليه و آله بقتل خمس في الحرم أو نفي الجناح عن قتلهن:

الحدأة و الغراب و الفأرة و العقرب و الكلب العقور، قال: «نص من كل جنس على صنف من أدناه تنبيها على الأعلى، و دلالة على ما في معناه، فنبه بالحدأة و الغراب على البازي و العقاب و شبههما، و بالفأرة على الحشرات، و بالعقرب على الحية، و بالكلب العقور على السباع» فإنه لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، بل لا يبعد كون الثاني جريا على مذاق العامة، فالعمدة حينئذ في نفي الكفارة ما عرفت.

و أما الجواز و عدمه فلا ينبغي التأمل فيه مع الخشية على النفس، لما سمعته من النص و الفتوى، و أما مع عدمها فمقتضى ما سمعته من النصوص من النهي الحرمة، و لا داعي إلى حمله على الكراهية بعد عدم ثبوت الاعراض عنه سيما بعد ما سمعت من الصدوق و غيره مما ظاهره العمل به، و في محكي المقنعة و

سئل أي الصادق (عليه السلام)(4)«عن قتل الذئب و الأسد فقال: لا بأس بقتلهما


1- 1 الوسائل- الباب 41 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- 3 سنن البيهقي ج 5 ص 209.
4- 4 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 13.

ج 20، ص: 177

للمحرم إذا أراداه، و كل شي ء أراده من السباع و الهوام فلا حرج عليه في قتله»

و في محكي المراسم «فأما قتل السباع و الذئاب و الهوام و كل مؤذنان كان على جهة الدفع عن المهجة فلا شي ء عليه، و إن كان خلافه فلا نص في كفارته، فليستغفر الله منه».

و من ذلك مضافا إلى ما قدمناه سابقا يظهر لك النظر فيما في الرياض من وجوه، قال: «بقي الكلام في حرمة قتله، و لا ريب فيها على القول بلزوم الكفارة، و يشكل فيها على القول بالعدم، من الأصل بناء على المختار من اختصاص الصيد المحرم في الكتاب و السنة بالمحلل، و من ورود النهي عن قتله إذا لم يرده فيما مر من الصحيح و غيره، لكنه فيهما يعم الأسد و غيره، و لم أعثر بقائله، مضافا إلى ورود مثله في الحية، و قد عرفت أنه محمول على الكراهة فالقول بها أيضا هنا لا يخلو من قوة، سيما ان ظاهر جماعة التلازم هنا بين نفي الكفارة و ثبوت إباحة القتل و بالعكس كالفاضل في المنتهى و المختلف و غيره» إذ قد عرفت منع اختصاص الصيد بالمحلل، و أنه بعد تسليمه لا ينافي تحريمه للنصوص و إن لم يكن صيدا، و أنه لا تلازم بين نفي الكفارة و بين الجواز، بل و لا بينها و

بين الحرمة، فقد يكون الشي ء جائزا و إن وجبت به الكفارة كما عرفت و تعرف إنشاء الله، و منه يعلم أنه لا دلالة في نفي الكفارة في المتن على الجواز، خصوصا بعد أن سبق منه تعميم الصيد للمحرم، و عدم الكفارة و الجواز في سابقه لا يقضي بمساواة السباع له، فلا ريب في أن الأحوط و الأقوى عدم قتل شي ء منهن إذا لم يردنه، كما أن الأحوط و الأقوى عدم قتل شي ء من سباع الطير مع عدم إيذائهن في الحرم.

هذا كله في المستثنى منه، أما المستثنى فقد ذكر المصنف أن فيه رواية

ج 20، ص: 178

فيها ضعف مشيرا بذلك إلى

خبر أبي سعيد المكاري (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل قتل أسدا في الحرم قال: عليه كبش يذبحه»

و هو- مع ضعفه و اختصاصه بالحرم، و لذا اقتصر عليه في الدروس محلا كان أو محرما- خال عن التقييد بعدم الإرادة و إن قيده الشيخ بذلك جمعا بينه و بين غيره المجوز لقتله مع الإرادة، و فيه أنه لا تنافي بينها و بين الجواز و إن وافقه على ذلك القاضي و ابن حمزة و غيرهما على ما حكي، بل عن ابن زهرة الإجماع على الكفارة إذا لم يرده، و عن المبسوط و الخلاف أن عليه كبشا، بل عن الأخير الإجماع عليه، و لعله لذا أسقطه الفاضل في

محكي المنتهى مطلقا كالمحكي عن ابن إدريس و استحبها في محكي المختلف.

و لكن قد يناقش بأن الخبر و إن كان ضعيفا و لكنه معتضد بالمحكي عن

الفقه المنسوب (2)إلى الرضا (عليه السلام) «و إن كان الصيد أسدا ذبحت كبشا»

و بما سمعته من الإجماعين في الغنية و الخلاف، و بما قيل من أن كل ما يحرم قتله في الحرم يحرم قتله على المحرم، و إن كان فيه بعد تسليمه أنه لا يقتضي التلازم في الكفارة التي هي محل البحث، فالعمدة حينئذ في ثبوتها الإجماعان المزبوران مع عدم الإرادة، و إطلاق إجماع الخلاف معها أيضا، إذ لم نعثر على غير الخبر المزبور كما اعترف به غير واحد و إن أرسله المصنف و الفاضل، و لا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى، و خصوصا إذا كان في الحرم للخبر المزبور، و الله العالم.

و كذا لا كفارة عند الشيخ فيما تولد بين وحشي و إنسي أو بين ما يحل للمحرم و ما يحرم عليه، و قد سمعت عبارة المبسوط و لعله للأصل


1- 1 الوسائل- الباب 39 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب 28 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 179

و نحوه و لكن لا يخفى عليك أنه لو قيل يراعي الاسم كان حسنا بل جزم به الفاضل و من تأخر عنه، بل الظاهر ذلك أيضا في المتولد بين المتفقين، ضرورة كونه المدار بعد أن كان هو العنوان ما لم يعارضه غيره، نعم لو انتفى

عنه الاسمان و كان له اسم آخر كالسمع المتولد بين الذئب و الضبع و المتولد بين الحمار الوحشي و الأهلي ففي القواعد و كشفها «إن دخل فيما امتنع جنسه بالأصالة كالسمع حرم، و إلا فلا، دخل في غيره أم لم يعهد له جنس» و إليه أشار في المسالك بقوله: «إن لم يكن ممتنعا فلا شي ء، و إن كان ممتنعا قيل يحرم، و فيه نظر، لأنه ليس بمحلل، فلا يكفي وصف الامتناع فيه، فان التحريم مشروط بامتناع المحلل و المحرمات المذكورة، و هذا ليس منها» قلت: من ذلك يعلم أن المتجه بناء الحكم فيه على المسألة السابقة، بل منه يعلم الحرمة و إن لم يكن ممتنعا بناء على حرمة قتل كل دابة على المحرم إلا ما استثني و إن لم يطلق عليه اسم الصيد لعدم امتناعه، فلا حظ و تأمل، و الله العالم.

و لا بأس بقتل الأفعى و العقرب و الفأرة كما صرح به غير واحد، بل عن الغنية إجماع الطائفة، بل عن المبسوط اتفاق الأمة، مضافا إلى ما سمعته من النصوص (1)في الثلاثة، و في

الدعائم (2)عن جعفر بن محمد عن علي عليهم السلام «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أباح قتل الفأرة في الحرم و الإحرام»

فما في محكي السرائر من إطلاق عدم جواز قتل المحرم شيئا من الدواب في غير محله، نعم قد سمعت سابقا

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز(3)«كلما خاف المحرم


1- 1 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام.
2- 2 المستدرك- الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 180

على نفسه من السباع و الحيات و غيرها فليقتله و إن لم يردك فلا ترده»

و في

خبر ابن عمار(1)«و الحية إن أرادتك فاقتلها، و إن لم تردك فلا تردها»

بل و غيرهما من النصوص السابقة الناهية صريحا و ظاهرا عن قتل ما لم يرده، و لكن التدبر فيها أجمع يقتضي الجواز في هذه الثلاثة و الأسود الغدر الذي هو قسم من الحيات، المصرح في النص بقتله على كل حال، مع أنه لا قائل بالتفصيل في الحيات، فلا بد حينئذ من الجمع بينها بحمل النهي عن القتل مع عدم الإرادة على الكراهة، ضرورة أولويته من تقييد إطلاق النهي الذي هو كالصريح في بعض النصوص السابقة بعدم إرادة المقيد منه و لو من جهة الاقتصار في التقييد فيه على السباع خاصة، خصوصا بعد عدم المقاومة من وجوه، منها الشهرة العظيمة على الإطلاق، بل لعل إطلاق ابن إدريس عدم جواز قتل شي ء من الدواب من الشواذ، لمعلومية إباحة القتل مع الخوف على النفس نصا و فتوى، و الله العالم.

و كذا يستفاد أيضا من النصوص السابقة أنه لا بأس أن يرمى الحدأة بكسر الحاء و فتح الدال مع الهمز المحرك نحو عنبة و الغراب رميا في الحرم و الإحرام فضلا عن غيرهما، بل و عن ظهر البعير و غيره كما هو مقتضى إطلاق المتن و غيره، و إن ذكر الأول في صحيح معاوية(2)لكنه غير مناف لإطلاق غيره، فما عن المنتصر من التعبير بالرمي عن ظهر البعير في غير محله إن أراد التقييد، نعم ظاهر النصوص المزبورة جواز رميهما لا قتلهما إلا إذا اتفق إفضاء الرمي إليه، خلافا للمحكي عن المبسوط فجوز قتلهما، بل يظهر منه الإجماع عليه، و إن كان ربما يؤيده ما سمعته من قول


1- 1 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ج 20، ص: 181

الصادق (عليه السلام) في خبر حنان بن سدير(1)في الغراب الأبقع الذي دعا عليه بالابعاد، بل في فوائد الشرائع للكركي تقييد جواز الرمي للغراب بالمحرم الذي هو من الفواسق الخمس دون المحلل الذي هو محترم، و ليس من الفواسق بل في الرياض «لا بأس به إن لم نقل بحرمته مطلقا، لإطلاق ما دل على حرمة الصيد من الكتاب و السنة المتواترة الشامل لما حل من الغراب، و تقييده بما عدا الغراب لهذين الصحيحين و إن أمكن لكنه ليس بأولى من تقييد إطلاقهما بما عدا المحلل، فان التعارض بينهما و بين نحو الكتاب من وجه، بل هو

أولى لقطعية الكتاب و نحوه، و إشعار بعض النصوص السابقة بإباحة القتل و آخر بالتقييد أيضا، على أن الجمع الأول مبني على عدم القول بتحريم الغراب مطلقا، و لكنه كما سيأتي خلاف التحقيق، و أن الأصح تحريمه مطلقا، و حينئذ فالأظهر إباحة رمي الغراب مطلقا، لعدم التعارض بين الأدلة ضرورة كونهما متباينين، فلا موجب لتقييد أحدهما بالآخر، مضافا إلى إمكان التأمل في دعوى تعارض العموم من وجه، بل النسبة بينهما إما التباين الكلي، أو العموم و الخصوص المطلق، الأول في الكتاب، و الثاني فيهما، فتدبر و تأمل» و فيه أنه تطويل بلا حاصل، لما عرفت سابقا من عموم الصيد للمحلل و المحرم، و مقتضاه عدم الفرق بين الحدأة و الغراب و غيرهما، كما أن مقتضاه عدم الفرق بين القتل و التنفير و غيرهما من أنواع الأذى، لكن للنصوص السابقة جاز رمي الغراب و الحدأة بأفرادهما عن ظهر البعير أو مطلقا، و لا ريب في أنه خاص بالنسبة إلى ذلك مطلقا، بل إن قلنا إن المحرم في الكتاب خصوص أكل الصيد أو قتله كان بينهما التباين، فلا تعارض، فالمتجه حينئذ إطلاق جواز الرمي للحدأة و الغراب مطلقا، كما هو مقتضى عبارة المتن و غيره، بل لا فرق بين


1- 1 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 11.

ج 20، ص: 182

رميهما عن ظهر البعير و غيره، خلافا لظاهر المحكي من عبارة المقنع فعبر به بل في كشف اللثام احتماله أيضا احتياطا و اقتصارا على المنصوص خصوصا، بل قال: «و يحتمل أن يكون المراد عن ظهر بعير به دبر، فيجوز رميهما عنه لايذائهما البعير» و فيه ما عرفت من إطلاق بعض النصوص الذي لا تنافي بينه و بين الآخر بعد التوافق في الإباحة، بل ما ذكره من الاحتمال أخيرا واضح الضعف بعد ما سمعت، نعم يجب الاقتصار على الرمي دون القتل و إن تقدم عن الحلبي جواز قتل الغراب، لكنه خلاف ظاهر الأدلة، و على كل حال فلا جزاء بقتلهما، بل عن المبسوط اتفاق الأمة على ذلك، و الله العالم.

و كذا لا بأس بقتل البرغوث كما في القواعد و عن موضع من المبسوط للأصل، و

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن فضال (1)«لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم»

و ما في محكي السرائر عن

نوادر البزنطي عن جميل (2)أنه سأله «عن المحرم يقتل البقة و البراغيث إذا أذاه قال: نعم»

و خبر زرارة(3)سأل أحدهما عليهما السلام «عن المحرم يقتل البقة و البرغوث إذا رآه قال: نعم»

فما عن الجامع و التذكرة و التحرير و المنتهى و موضع من المبسوط من الحرمة على المحرم، بل يعطيه ما سمعته من الحلبي و السرائر واضح الضعف و لعله لما سمعته في صحيح ابن عمار(4)و حسنه و

خبر زرارة(5)سأله «هل


1- 1 الوسائل- الباب 84 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4 عن ابن فضال عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام.
2- 2 الوسائل- الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب 79 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و 3 و 4.
5- 5 الوسائل- الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

ج 20، ص: 183

يحك المحرم رأسه؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة»

لعمومها البرغوث و فيه بعد تسليم دلالة الثاني أنهما مخصصان بما سمعت، و منه يعلم ما في محكي التهذيب و النهاية و المهذب و الغنية و السرائر من الحرمة على المحرم في الحرم، بمعنى أنه لا يحرم على المحل و إن قيل كأنهم جمعوا به بين الدليلين، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط، و الله العالم.

و في جواز تعمد قتل الزنبور تردد من الأصل و كونه من المؤذيات، و خبري غياث بن إبراهيم (1)و أبي البختري (2)السابقين، و لا ينافيهما وجوب الكفارة التي وجبت في قتل الصيد خطأ، و لذا جوز في محكي المبسوط قتله مع التكفير كما عن جماعة على ما في المسالك، و من صحيح (3)معاوية بن عمار و

حسنه و فحوى الأمر بالكفارة التي لا ينافيها التخلف في بعض الأفراد و من هنا تردد أولا في محكي المنتهى ثم ذكر أن أصحابنا رووا أن فيه شيئا من الطعام، فبان أن الوجه المنع كالمصنف إذا لم يرده، لما سمعته من النهي في النصوص السابقة عن قتل ما لم يرده من المؤذيات، و ل

صحيح معاوية بن عمار(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن محرم قتل زنبورا قال:

إن كان خطأ فليس عليه شي ء، قلت: لا بل متعمدا قال: يطعم شيئا من الطعام، قلت: إنه أرادني قال: إن أرادك فاقتله»

و نحوه خبره (5)الآخر أيضا إلى قوله (عليه السلام) «قلت» و كذا خبر يحيى الأزرق (6)و بذلك ينقطع


1- 1 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 8 عن غياث بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام.
2- 2 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب 81 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و 3 و 4.
4- 4 الوسائل- الباب 8 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب 8 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب 8 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.

ج 20، ص: 184

الأصل و ينزل الخبران مع ضعفهما على ما إذا أراده أو خاف منه، فإنه لا إشكال و لا خلاف في الجواز حينئذ، بل الظاهر سقوط الكفارة كما صرح به بعضهم للأصل بعد دعوى انسياق نصوصها لغير الفرض، و إن كان يحتمل ثبوتها للإطلاق الذي لا ينافيه الرخصة في القتل، فتأمل.

و كذا من النصوص المزبورة مع الأصل يعلم أنه لا كفارة في قتله خطأ و كأنه لا خلاف فيه و إن حكي عن جماعة إطلاق التكفير، كما أن منها

يعلم الوجه في الجملة أيضا في قوله و في قتله عمدا صدقة و لو بكف من طعام و في القواعد و محكي المقنع و الفقيه و الغنية و الكافي و الوسيلة و المهذب و الجامع التكفير بكف من طعام، كما عن الفقه المنسوب (1)إلى الرضا (عليه السلام)،

و في دعائم الإسلام (2)عن جعفر بن محمد عليهما السلام «من قتل عظاية أو زنبورا و هو محرم فان لم يتعمد ذلك فلا شي ء عليه فيه، و إن تعمده أطعم كفا من طعام، و كذلك النمل و الذر و البعوض و القراد و القمل»

و لعله إليه أشار في كشف اللثام بقوله: و في بعض الكتب إرساله عن الصادق و في الأول منها زيادة «و شبهه» و في النافع التكفير بشي ء من الطعام نحو ما سمعته في النصوص، و عن النهاية التكفير بشي ء، و يمكن و لو على بعد إرجاعها أجمع عدا ما في المتن إلى ما في النصوص، نعم ما في السرائر و كذا التلخيص- من التكفير بتمرة، بل عن الأخير و الغنية و المهذب «في الكثير منه شاة» و عن الكافي «فإن قتل زنابير فصاع، و في قتل الكثير دم شاة» و عن المقنعة تصدق بتمرة، فإن قتل زنابير كثيرة تصدق بمد من طعام أو مد من تمر» و نحوه عن جمل العلم و العمل، و عن التحرير «هو حسن» و نحوه عن المراسم إلا في مد من طعام، فلم


1- 1 المستدرك- وسائل- الباب 8 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 المستدرك- وسائل- الباب 8 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 185

يذكره- لم أعرف له دليلا معتبرا و إن قيل كان القول بالتمر لكونه من الطعام و أنه ليس خيرا من الجراد، إلا أنه كما ترى، اللهم إلا أن يقال إن

قوله (عليه السلام) «يطعم شيئا من طعام»

ظاهر فيما يتناوله، بل من ذلك يعرف ما في زيادة «و شبهه» في القواعد كما سمعت بناء على كون المراد به التمر و الزبيب و غيرهما، و كذا ما قيل كان إيجاب الشاة لكثيرة للحمل على الجراد.

نعم قد يقال إن إيجاب المد و الصاع بضم فداء بعضه إلى بعض مع أنه كما ترى أيضا، فالوجه الاقتصار على النصوص المستفاد منها أنه ليس من الصيد، كما هو مقتضى العرف أيضا، و إلا لتساوى خطأه و عمده، بل قيل إن موردها كبعض العبارات الزنبور المتحد، فالمتعدد و الكثير خال عن النص، فيجب الرجوع فيهما إلى الأصل، و يحتمل إلحاقها بالواحد في كفارته إن لم يثبت بالأصل الزيادة عليها، قلت: لعل المنساق تعددها بقدر كل واحد، كما أنه قد يقال بانسياق الندب منها إن لم يكن إجماع، لكن هي متفقة على شي ء من الطعام لا مطلق الصدقة بكف من طعام كما هو ظاهر المتن، اللهم إلا أن يريد الصدقة بطعام و لو بكف منه، و لعل التقدير بها لأنه أقل ما ينتفع به الفقير، و أقل ما قدر به ذلك من الطعام في غيرها، مضافا إلى ما سمعته من المرسل عن الصادق (عليه السلام) و الى الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام) و إلى خبر الدعائم، لكن في المسالك اكتفى بالأقل للإطلاق، هذا، و لا دلالة في المتن على المنع في صورة الخطأ و إن عقبه بذكر الكفارة لإرادة ذكر ما في النصوص، و للفرق بينه و بين الصيد الذي تترتب الكفارة على خطأه و عمده.

و يجوز شراء القماري جمع قمرية بالضم ضرب من الحمام، و القمرة بالضم لون الخضرة أو الحمرة فيه كدرة و الدباسي جمع أدبس من الطير الذي لونه بين السواد و الحمرة، و منه الدبسي لطائر أدكن يقرقر و إخراجهما

ج 20، ص: 186

من مكة على رواية

العيص بن القاسم بل حسنه بل صحيحه (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شراء القماري يخرج من مكة و المدينة قال: لا أحب أن يخرج منها شي ء»

و به صرح في النافع و القواعد بل و محكي المبسوط لحكمه بالكراهة كالدروس، بل و النهاية و الجامع لحكمهما بالكراهة في القماري و شبهها.

خلافا للحلي و الفاضل في المختلف و ولده و جماعة من متأخري المتأخرين للنصوص الدالة على عدم جواز إخراجهن من مكة،

قال علي بن جعفر (عليه السلام)(2)في الصحيح «سألت أخي موسى (عليه السلام) عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها

قال: عليه أن يردها، فان ماتت فعليه ثمنها يتصدق به»

و قال يونس بن يعقوب (3)«أرسلت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أن أخا لي اشترى حماما من المدينة فذهبنا بها إلى مكة فاعتمرنا و أقمنا إلى الحج ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة فعلينا في ذلك شي ء، فقال للرسول: إني أظنهن كن فرهة، فقال: قل له يذبح مكان كل طير شاة»

و سأل زرارة(4)أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل أخرج طيرا من مكة إلى الكوفة قال: يرده إلى مكة»

و سأل أيضا أبا جعفر (عليه السلام)(5)«عن رجل أخرج طيرا من مكة إلى الكوفة فقال: يرده إلى مكة»

و نحوه

خبر علي بن جعفر(6)عن أخيه موسى (عليه السلام) و زاد «فان مات تصدق بثمنه»

و في

مرسل يعقوب (7)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا أدخلت الطير المدينة فجاز بذلك أن تخرجه منها، فإذا أدخلته مكة فليس لك أن تخرجه»

بل في

خبر مثنى (8)«خرجنا إلى مكة


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب كفارات الصيد الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب كفارات الصيد الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب كفارات الصيد الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 14- من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
8- 8 الوسائل- الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10.

ج 20، ص: 187

فاصطاد النساء قمرية من قماري أمج حيث بلغنا البريد فنتفت النساء جناحها ثم دخلوا به مكة فدخل أبو بصير على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبره فقال: ينظرون امرأة لا بأس بها فيعطونها الطير تعلفه و تمسكه حتى إذا استوى جناحاه خلته»

بل نحوه غيره (1)في إطعام طير الحرم و سقيه إذا كان منتوف الجناح، فإذا استوى خلى عنه، و إن كان مسافرا أودعه عند أمين، و دفع إليه ما يحتاج من الطعام حتى يستوي جناحاه فيتخلى عنه، بل و الروايات الدالة(2)على عدم جواز التعرض لطير الحرم فضلا عن قوله تعالى (3)«وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» على أن الصحيح (4)المزبور بعد الإغضاء عن المناقشة في صحته كما في كشف اللثام مختص بالقماري، و لا صراحة فيه بالجواز، بل قيل و لا ظهور، بل عن ظاهر الشيخ في التهذيب و غيره دلالته على التحريم، و لعله لدوران الأمر فيه بين إبقاء لفظ «لا أحب» على ظاهره من الكراهة و تخصيص الشي ء المنفي في سياق النفي بخصوص القماري و الدباسي أيضا، و بين إبقاء العموم بحاله و صرف «لا أحب» عن ظاهره إلى التحريم أو الأعم منه و الكراهة، و الأول خلاف

التحقيق و إن كان التخصيص أولى من المجاز بناء على اختصاص الأولوية بالتخصيص المقبول، و هو ما بقي من العام بعده أكثر أفراده، و ليس هنا كذلك، فاختيار الثاني لازم، هذا إن سلم ظهور لفظ «لا أحب» في الكراهة و إلا فهو أعم منها و من الحرمة لغة، لكن مقتضى هذا عدم دلالته على الحرمة أيضا، بل تكون الرواية حينئذ مجملة لا تصلح حجة لأحد القولين و لكن الأصل


1- 1 الوسائل- الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 و 2 و 13.
2- 2 الوسائل- الباب 13 من أبواب كفارات الصيد.
3- 3 سورة آل عمران الآية 91.
4- 4 الوسائل- الباب 14 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.

ج 20، ص: 188

عدم الجواز للعمومات، لكن ذلك كله كما ترى مناف لما يقتضيه الانصاف من دلالة الصحيح على جواز الإخراج من مكة و لو بملاحظة حكم المدينة المعلوم أنه الجواز، و دعوى إرادة القدر المشترك بين الكراهة و الحرمة من قوله «لا أحب» لا دليل عليها، فلا إشكال في دلالته على ذلك.

نعم هو خاص بالقماري و يمكن إتمامه بعدم القول بالفصل، فمن الغريب عن المختلف و التذكرة من الاستدلال بالصحيحة على الحرمة، و أغرب من ذلك ما في كشف اللثام من أنه ليس فيها أي الصحيحة و لا في شي ء من الفتاوى إلا الإخراج من مكة لا الحرم، فلا يخالفه منع ابن إدريس من الإخراج منه و نصوص المنع من إخراج الصيد أو الحمام منه و الأمر بالتخلية، نعم نص الشهيد على جواز الإخراج من الحرم، و لم أعرف جهته، إذ هو كما ترى ضرورة ظهور النص فضلا عن الفتاوى في الإخراج من مكة الشامل للخروج عن الحرم و لو بترك الاستفصال، و من هنا تحقق التعارض و التنافي بينه و بين ما سمعته من ابن إدريس كما فهمه الأصحاب حيث ذكروا الحلي مخالفا للشيخ هنا، فمنهم من وافقه، و منهم من خالفه، بل قيل إن مورد السؤال في النص الذي ينطبق عليه الجواب هو الإخراج منها و من المدينة بمقتضى الواو المفيدة للجمعية في الحكم الذي هو هنا الإخراج، و الإخراج منهما معا يستلزم الإخراج من الحرم، و إن كان لا يخلو من نظر أو منع، نعم في قواعد الفاضل الاقتصار في جواز الإخراج من مكة على المحل، قال: و في المحرم إشكال، قيل من عموم الخبر، و من عموم نصوص حرمة الصيد على المحرم من الكتاب و السنة، مع احتمال اختصاص الخبر بالمحل بل ظهوره فيه، قلت: قد يمنع ظهوره في ذلك، و حينئذ فإطلاقه كالفتاوى يقتضي جواز الإخراج مطلقا، بل الظاهر أن مكة فيه مثال لغيرها، نعم قد يقال إن مقتضاهما جواز إخراجهما

ج 20، ص: 189

لا صيدهما، فيقتصر عليه، بل لعل خبر مثنى شاهد لذلك.

و من هنا لا يجوز قتلهما و لا أكلهما للمحرم و لغيره في الحرم اتفاقا على ما في كشف اللثام، بل ظاهر غيره المفروغية من ذلك، للعمومات المقتصر في الخروج عنها على ما عرفت، و ما تسمعه من خبر سليمان بن خالد(1)و لذا قال في الدروس و القماري و الدباسي مستثنى من الصيد، فيجوز على كراهة شراؤهما و إخراجهما من الحرم للمحل و المحرم على الأقوى لا إتلافهما، ثم قال: «و لو كان الصيد

مملوكا فعليه الجزاء لله تعالى و القيمة للمالك، و في القماري في الحرم نظر، أقربه وجوب جزاء و قيمة للمالك، فعلى هذا يجب جزاء لله تعالى أيضا- ثم قال فيها-: و

روى سليمان بن خالد(2)في القمري و الدبسي و السماني و العصفور و البلبل القيمة، فإن كان محرما في الحرم فعليه قيمتان، و لا دم عليه، و هذا جزاء الإتلاف»

و فيه تقوية تحريم إخراج القماري و الدباسي، و في كشف اللثام لدلالته على أنها كسائر الصيود، قلت: لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه عدم الوقع لهذا الكلام بعد أن كان المستثنى الشراء و الإخراج دون القتل و الإتلاف في الحرم أو في الإحرام، بل احتمل في المسالك تحريم الإتلاف و الأكل لو خرج بهما المحل من الحرم، لتحريمهما في الحرم ابتداء خرج منه الإخراج، فيبقى الباقي، و إن كان فيه ما لا يخفى، و الله العالم.

[القسم الثاني ما يتعلق به الكفارة]
اشاره

القسم الثاني ما يتعلق به الكفارة و هو ضربان

[الضرب الأول ما لكفارته بدل على الخصوص ]
اشاره

الأول ما لكفارته بدل على الخصوص، و هو كل ما له مثل من النعم في الصورة تقريبا لأنه المنساق من المماثلة لا القيمة، نحو البدنة في النعامة، و البقرة الأهلية في بقرة الوحش


1- 1 الوسائل- الباب 44 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب 44 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.

ج 20، ص: 190

و الشاة الأهلية في الظبي، و الأصل فيه قوله تعالى (1)«فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» لكن المصنف و غيره عدوا البيض من ذوات الأمثال، و لا مماثلة بينه و بين فدائه لا صورة و لا قيمة، و من هنا كان المدار على الثابت شرعا، و الأمر في التسمية سهل بعد وضوح الحكم في نفسه كما ستسمع تفصيله إنشاء الله.

و كيف كان ف أقسامه خمسة:

[الأول النعامة]

الأول النعامة، و في قتلها بدنة مع فرض شمول البدنة للجزور كما ستعرف الحال فيه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع حينئذ بقسميه عليه، بل هو المحكي عن أكثر المخالفين أيضا، لأنه أظهر أفراد المثل المأمور به في الكتاب،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز(2)في قول الله عز و جل «فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ» إلى آخره: «في النعامة بدنة، و في حمار الوحش بقرة، و في الظبي شاة، و في البقرة بقرة»

و قال أيضا في صحيح زرارة و ابن مسلم (3): «في محرم قتل نعامة عليه بدنة، فان لم يجد فإطعام ستين مسكينا، فان كان قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد على إطعام ستين مسكينا و إن كانت قيمة البدنة

أقل من إطعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة»

و قال له (عليه السلام) أيضا يعقوب بن شعيب(4): «المحرم يقتل نعامة قال: عليه بدنة من الإبل قلت: يقتل حمار وحش قال: عليه بدنة، قلت: فالبقرة قال:

بقرة»

و قال (عليه السلام) أيضا في صحيح سليمان بن خالد(5): «في الظبي شاة، و في البقرة بقرة، و في الحمار بدنة، و في النعامة بدنة، و فيما سوى ذلك قيمته»


1- 1 سورة المائدة- الآية 96.
2- 2 الوسائل- الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 191

و قال أبو بصير(1): «سألته (عليه السلام) أيضا عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش قال: عليه بدنة، قلت: فان لم يقدر على بدنة قال: فليطعم ستين مسكينا، قلت فان لم يقدر على أن يتصدق قال: فليصم ثمانية عشر يوما، و الصدقة مد على كل مسكين»

هذا، و لكن في

خبر أبي الصباح (2)سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل في الصيد «مَنْ قَتَلَهُ» إلى آخره قال: في الظبي شاة، و في حمار الوحش بقرة، و في النعامة جزور».

و به أفتى في محكي النهاية و المبسوط و السرائر إلا أن في طريقه محمد بن الفضيل، بل في كشف اللثام لا مخالفة بينه و بين النصوص السابقة و لا بين القولين كما يظهر من المختلف، إذ لا فرق بين الجزور و البدنة إلا أن البدنة ما يحرز للهدي و الجزور أعم، و هما يعمان الذكر و الأنثى كما في العين و النهاية الأثيرية و تهذيب الأسماء للنووي، و في التحرير له و المعرب و المغرب في البدنة، و خصت في الصحاح و الديوان و المحيط و شمس العلوم بالناقة و البقرة، لكن عبارة العين «كذا البدنة ناقة أو بقرة، الذكر و الأنثى منه سواء، يهدى إلى مكة» فهو مع تفسيره بالناقة و البقرة نص على التعميم للذكر و الأنثى، فقد يكون أولئك أيضا لا يخصونها بالأنثى، و إنما اقتصروا على الناقة و البقرة تمثيلا، و إنما أرادوا تعميمها للجنسين ردا على من يخصها بالإبل، و هو الوجه عندنا، و يدل عليه قوله تعالى (3)«فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها» قال الزمخشري: «و هي الإبل خاصة، و لأن

رسول الله (صلى الله عليه و آله) ألحق البقر بالإبل حين قال (4): «البدنة عن


1- 1 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
3- 3 سورة الحج الآية 37.
4- 4 سنن البيهقي ج 5 ص 234.

ج 20، ص: 192

سبعة، و البقرة عن سبعة»

فجعل البقر في حكم الإبل صارت البدنة في الشريعة متناولة للجنسين عند أبي حنيفة و أصحابه، و إلا فالبدن هي الإبل، و عليه تدل الآية» انتهى، قلت: و في المحكي عن مصباح المنير «الجزور من الإبل خاصة يقع على الذكر و الأنثى» بل فيه أيضا «و إذا أطلقت البدنة في الفروع فالمراد البعير ذكرا كان أو أنثى» و إن كان ظاهر هذه العبارة كونه مرادا شرعيا لا وضعا لغويا، لكن في المحكي عن مجمع البحرين بعد ذكر البدنة «و إنما سميت بذلك لعظم بدنها و سمنها، و تقع على الجمل و الناقة عند جمهور أهل اللغة و بعض الفقهاء» و في محكي التذكرة «يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع، فمن قتل نعامة و هو محرم وجب عليه جزور» و نحوه عن المنتهى، و هو مشعر أو ظاهر في إرادة الجمع بين القولين، و ربما يؤيده ما عن ابن زهرة من نفي الخلاف عن وجوب البدنة، نعم في الرياض مناقشة الأصبهاني فيما حكاه من ظهور الاتحاد و عدم المخالفة بين الروايات و القولين بأن الذي وقفنا عليه من عبارته تفيد العكس، و هو كذلك، لكن يمكن أن يريد المخالفة لا نفيها، و عبر بذلك غير مرة، و الأمر سهل.

و كيف كان فان تم ذلك فذاك و إلا فالترجيح للبدنة، لصحة نصوصها و تعددها و اعتضادها بمعقد نفي الخلاف و الإجماع، و أكثر الفتاوى، بل هو المشهور في التعبير نقلا و تحصيلا، و دعوى الجمع بالتخيير يدفعها عدم دخول البقرة فيها و إن سمعت التصريح به عن العين بل تقدم سابقا ما في الصحاح و القاموس من أن البدنة اسم للناقة و البقرة التي تنحر بمكة كما عن صريح شمس العلوم، قال: «البدنة الناقة و البقرة تنحر بمكة» و لكن المنساق منها عرفا الإبل خاصة، و الإطلاق أعم، مضافا إلى ما سمعته من الزمخشري في

ج 20، ص: 193

الآية، و إن كان قد حكي ما سمعته عن أبي حنيفة و أصحابه، بل مقابلة البدنة للبقرة فيما سمعته من النصوص السابقة أوضح شاهد على مغايرتها لها أيضا.

ثم لما كانت البدنة اسما لما يهدى اعتبر فيها السن المعتبر في الهدي، نعم مقتضى إطلاق النص و الفتوى إجزاؤها معه وافقت النعامة في الصغر و الكبر و غيرهما أم لا، خلافا للمحكي عن التذكرة فاعتبر المماثلة بين الصيد و فدائه ففي الصغير من الإبل ما في سنه، و في الكبير كذلك، و في الذكر ذكر، و في الأنثى أنثى، و لم نقف له على دليل سوى دعوى كونه المراد من المماثلة في الآية، و هو كالاجتهاد في مقابلة النص المقتضي كون مسمى البدنة مثلا مماثلا للنعامة على كل حال، و الله العالم.

و كيف كان ف مع العجز عن البدنة تقوم البدنة قيمة عدل و يفض ثمنها على البر، و يتصدق به لكل مسكين مدان، و لا يلزم ما زاد عن ستين إن زاد البر و لا الإتمام لو نقص كما صرح بذلك كله غير واحد، بل في الحدائق حكايته عن الشيخ و ابن إدريس و أنه المشهور بين المتأخرين، بل في المدارك نسبته إلى الأكثر، و نسبه في كشف اللثام إلى الشيخ و بني حمزة و إدريس و البراج و سعيد، لكن قال: إلا أن في المبسوط و الخلاف و الوسيلة و الجامع مكان البر الطعام، و في التذكرة و المنتهى الطعام المخرج الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب، قال: «و لو قيل يجزي كل ما يسمى طعاما كان حسنا، لأن الله تعالى أوجب الطعام» قلت: و مقتضى ذلك قلة القائل بالبر و إن كان فيه

قول علي بن الحسين عليهما السلام للزهري (1)فيما رواه الصدوق في محكي


1- 1 الوسائل- الباب 1 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب الصوم عن الكليني قده و المقنع ص 56 و الهداية ص 49 المطبوعين جديدا و روى في المستدرك عنهما أيضا في الباب 1 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 2.

ج 20، ص: 194

المقنع و الهداية: «أ تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟ قال:

قلت: لا أدري، فقال: يقوم الصيد قيمة عدل ثم تفض تلك القيمة على البر، ثم يكال ذلك البر أصواعا، فيصوم لكل نصف صاع يوما»

و نحوه عن الفقه المنسوب (1)إلى الرضا عليه السلام، و هو و إن أمكن حمل إطلاق الكتاب و السنة عليه، بل ربما قيل بانصراف الطعام إلى البر إلا أنه بعد وضوح منع الانصراف المزبور قاصر عن ذلك من وجوه، نعم هو أحوط، فالمتجه الاجتزاء بغيره مما يجزي في الكفارة كما أن المتجه الاجتزاء بالمد كغيره من الكفارة و إن كان بالمدين خبر الزهري السابق و

صحيح أبي عبيدة(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم ثم قومت الدراهم طعاما لكل مسكين نصف صاع، فان لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما».

إلا أن غيره من النصوص بين مطلق- ك

صحيح زرارة و محمد بن مسلم (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في محرم قتل نعامة قال: عليه بدنة، فان لم يجد فإطعام ستين مسكينا، قال: فان كان قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد على إطعام ستين مسكينا، و إن كانت قيمة البدنة أقل من إطعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة»

و نحوه مرسل جميل (4)عنه (عليه السلام) أيضا بلا تفاوت، و

خبر علي بن جعفر(5)عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه قال عليه بدنة، فان لم يجد فليتصدق على ستين مسكينا، فان لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما»

و مرسل تحف العقول (6)عن الجواد (عليه السلام)


1- 1 المستدرك- الباب 1 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 195

«و إن كان من الوحش فعليه في حمار الوحش بدنة، فكذلك في النعامة بدنة، فان لم يقدر فإطعام ستين مسكينا، و إن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما»

و عن المقنع و المقنعة و جمل العلم و العمل و المراسم الإطلاق كالنصوص المزبورة- و بين مقيد بالمد، ك

خبر أبي بصير(1)«سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش قال:

عليه بدنة قلت فان لم يقدر على بدنة قال: فليطعم ستين مسكينا قلت: فان لم يقدر على أن يتصدق قال: فليصم ثمانية عشر يوما، و الصدقة مد على كل مسكين، قال: و سألته عن محرم أصاب بقرة قال عليه بقرة، قلت: فان لم يقدر على بقرة قال: فليطعم ثلاثين مسكينا قلت: فان لم يقدر على أن يتصدق قال: فليصم تسعة أيام»

و صحيح ابن عمار(2)عن الصادق (عليه السلام) «من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل فان لم يجد ما يشتري به فأراد أن يتصدق فعليه أن يطعم ستين مسكينا، لكل مسكين مد، فان لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما، لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام»

و خبر عبد الله بن سنان (3)المروي عن تفسير العياشي عنه (عليه السلام) أيضا قال: «سألته عن قول الله عز و جل فيمن قتل صيدا متعمدا و هو محرم «فَجَزاءٌ». إلى آخره ما هو؟ قال:

ينظر الذي عليه جزاء ما قتل فاما أن يهديه و إما أن يقوم فيشتري به طعاما فيطعمه المساكين، يطعم لكل مسكين مدا و إما أن ينظر كم يبلغ عدد ذلك من المساكين فيصوم لكل مسكين يوما».

و الجمع بينهما يقتضي حمل الأول على الندب، خصوصا بعد أن كان إطعام المسكين في غير المقام من الكفارات مدا على الأصح كما حررناه في محله، و لعل هذا الاختلاف راجع إلى ذلك، لا أنه شي ء مخصوص بهذه الكفارة، و إن كان المصنف قد اختار المد هناك، و لعله للفرق بين المقام و غيره بتعارض حق


1- 1 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 12.

ج 20، ص: 196

الفقراء هنا، إذ هو تفريق للموجود، بخلاف غيره فإنه دفع ممن عليه الكفارة فلا بأس باستحباب دفعه للمدين بخلاف ما هنا، و من هنا يمكن ترجيح نصوص المدين بالفتاوى، و في كشف اللثام احتمال الجمع بينها باختلاف القيمة، فإن وفت بمدين تصدق بهما، و إلا فبمد على كل أو على البعض، و لكن لا أعرف به قائلا بالتنصيص، و يحتمله كلام من أطلق إطعام الستين، و فيه ما لا يخفى من عدم شاهد له، مضافا إلى ما اعترف به من عدم القائل.

و أما عدم وجوب الزائد و لا إكمال الناقص فلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف الإجماع على الأول، مضافا إلى ما سمعته من النصوص الدالة على الحكمين التي لا ينافيها إطلاق غيرهما من النصوص إطعام الستين بعد تنزيله على ذلك، بل لعله كذلك أيضا في كلام من أطلق كالمفيد و ابني بابويه و ابن أبي عقيل و المرتضى و سلار على ما حكي عنهم، نعم عن أبي الصلاح و ابن زهرة إطلاق أن من لم يجد البدنة تصدق بثمنها، ك

قول أبي جعفر (عليه السلام) لمحمد بن مسلم (1)في الصحيح «عدل الهدي ما بلغ يتصدق به»

و يمكن تنزيله على إرادة الصدقة به على الوجه المزبور، بل يمكن تنزيل إطلاقهما أيضا على ذلك و إلا كان لا دليل له، نحو المحكي عن الحلبيين أيضا من الانتقال إلى الصوم مع العجز عنها، بل هو مناف للكتاب و السنة و الإجماع، و من هنا يمكن حمله على إرادة العجز عنها عينا و قيمة، و إلا كان واضح البطلان، كما أن

خبر داود الرقي (2)عن الصادق عليه السلام «فيمن عليه بدنة واجبة في فداء إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما»

لا عامل به هنا و إن حكي عن المقنع و الجامع الفتوى بمضمونه، لكنهما وافقا المشهور في المقام.

و لو فقد العاجز عن البدنة مثلا البر و قلنا بتعينه دون قيمته فأقوى


1- 1 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.

ج 20، ص: 197

الاحتمالات عند الفاضل وضع قيمة عادلة عند ثقة ليشتريه إذا وجده إذا أراد الرجوع، و إلا أبقاها عنده مترقبا لوجوده، لعدم صدق العجز مع القدرة على القيمة و عدم فورية الإخراج، ثم أقواها شراء غيره من الطعام، و حينئذ ففي الاكتفاء بالستين مسكينا لو زاد إشكال، فإن تعدد احتمل التخيير، و الأقرب إليه، ثم يحتمل الانتقال إلى الصوم، قلت: قد يقال إن الأخير أقواها، لصدق عدم القدرة عليه مع رجحان المسارعة، ثم قال:

«و الأولى إلحاق المعدل بالزكاة أي المعزولة في عدم الضمان بالتلف بغير تفريط لإتيانه بالواجب، و أصالة البراءة من الإخراج ثانيا و نفي الحرج» و فيه أن الأقوى عدم الإلحاق، لعدم الدليل بعد وضوح الفرق بين الزكاة التي هي في العين و الغداء الذي هو في الذمة.

بقي شي ء، و هو أن ظاهر الآية اعتبار حكم العدلين في مثلية الجزاء، و من هنا قال الطبرسي في جامع الجوامع و المقداد في آيات الأحكام: «يحكم به رجلان عدلان فقيهان» و كذلك في الوجيز، و حكاه في مجمع البيان عن ابن عباس، إلا أني لم أجد له أثرا في كلام الفقهاء، و لذا قال الأردبيلي في آيات الأحكام: «إن اعتبار التعدد ينافي اعتبار الحكم إذ ليس بعد شهادة العدلين شي ء إلا ما جاء من الحلف في دعوى الدين على الميت، فلا يبعد إرادة الشهادة من الحكم في الآية» قلت: و لكن فيه أنه لا أثر في كتب الفروع لاعتبار شهادة العدلين في المثلية أيضا إلا ما تسمعه في آخر الكفارات ضرورة أن المنصوص حكمه ما جاء في النص و غير المنصوص حكمه ضمان القيمة، و ذلك كله يشهد لكون القراءة ذو عدل، كما في الصافي

عن المجمع عن الباقر و الصادق عليهما السلام، قال «و في الكافي و العياشي عن الباقر (عليه السلام)(1)


1- 1 الكافي ج 4 ص 397- باب النوادر من أبواب الصيد من كتاب الحج الحديث 5 و تفسير العياشي ج 1 ص 343 سورة المائدة الرقم 197.

ج 20، ص: 198

«و العدل رسول الله (صلى الله عليه و آله) و الامام من بعده، ثم قالا هذا مما أخطأت به الكتاب» و زاد العياشي «يعني رجلا واحدا يعني الإمام (عليه السلام)»(1)

أقول يعني أن رسم الألف في ذَوا عَدْلٍ من تصرف نساخ القرآن خطأ و الصواب عدم نسخها، و ذلك أنه يفيد أن الحاكم اثنان، و الحال أنه واحد و هو الرسول في زمانه ثم كل إمام في زمانه على سبيل البدل، و في

التهذيب عن الباقر (عليه السلام)(2)العدل رسول الله صلى الله عليه و آله و الامام من بعده يحكم به، و هو ذو عدل، فإذا علمت ما حكم به الرسول و الامام فحسبك، و لا تسأل عنه»

قلت:

و في الموثق (3)«ان زرارة سأل أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز و جل «يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ» فقال: العدل رسول الله صلى الله عليه و آله و الامام من بعده، ثم قال: هذا مما أخطأت به الكتاب»

و نحوه

حسن إبراهيم ابن عمر اليماني (4)عن الصادق (عليه السلام)، و في الحسن عن حماد بن عثمان (5)قال: «تلوت عند أبي عبد الله (عليه السلام) ذوا عدل منكم فقال: ذو عدل، هذا مما أخطأت فيه الكتاب»

و في المحكي عن

تفسير العياشي عن زرارة(6)«سمعت


1- 1 تفسير العياشي ج 1 ص 344 سورة المائدة الرقم 198 و هذا في رواية أخرى.
2- 2 الوسائل- الباب 7 من أبواب صفات القاضي الحديث 26 و التهذيب ج 6 ص 314 الرقم 867.
3- 3 الكافي ج 4 ص 397- باب النوادر من أبواب الصيد من كتاب الحج الحديث 5.
4- 4 الكافي ج 4 ص 396- باب النوادر من أبواب الصيد من كتاب الحج الحديث 3.
5- 5 روضة الكافي ص 205 الرقم 247 الطبع الحديث.
6- 6 تفسير العياشي ج 1 ص 344 سورة المائدة الرقم 200.

ج 20، ص: 199

أبا جعفر (عليه السلام) يقول: يحكم به ذوا عدل منكم، قال: ذلك رسول الله و الامام من بعده صلوات الله عليهما، فإذا حكم به الامام فحسبك»

و فيه

عن محمد بن مسلم (1)عنه (عليه السلام) في الآية «يعني رجلا واحدا يعني الإمام عليه السلام».

فإذا عرفت ذلك يمكن أن يكون المراد من ذوا عدل النبي صلى الله عليه و آله و الامام (عليه السلام) على معنى الاجتزاء بحكم أحدهما، و أن المراد من الحكم بيان المثل للمقتول من الصيد، و هو حينئذ ما ذكره الفقهاء في كتبهم من الخمسة أو العشرة، فتكون الآية دليلا على اعتبار النص الشرعي في المثلية، لأنه منوط بنظر العدلين من سائر الناس كما توهمه بعض العامة، حتى أنه جعل الآية من الأدلة على جواز القياس، و في دعائم الإسلام (2)بعد أن ذكر الآية ذو عدل قال: «هكذا يقرؤها أهل البيت عليهم السلام ذو عدل على الواحد، و هو الامام (عليه السلام) أو من أقامه الامام، و قد روينا أن رجلا من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وقف على أبي حنيفة و هو في حلقة يفتي الناس و حوله أصحابه، فقال: يا أبا حنيفة ما تقول في محرم أصاب صيدا؟ قال: عليه الكفارة، قال: و من يحكم عليه بها؟ قال أبو حنيفة ذَوا عَدْلٍ كما قال الله تعالى، قال الرجل: فان اختلفا قال أبو حنيفة: يتوقف عن الحكم حتى يتفقا، قال الرجل: فأنت لا ترى أن تحكم في صيد قيمته درهم وحدك حتى يتفق معك آخر و تحكم في الدماء و الفروج و الأموال برأيك، فلم يحر أبو حنيفة جوابا غير أن نظر إلى أصحابه فقال: مسألة رافضي» و في قوله «يتوقف عن الحكم» إبطال للحكم، لأنا لم نجدهم اتفقوا على شي ء من الفتيا إلا و قد خالفهم فيه آخرون، و لما علم أصحاب أبي حنيفة بفساد هذا القول قالوا يؤخذ بحكم أقلهما قيمة، لأنهما


1- 1 تفسير العياشي ج 1 ص 344 سورة المائدة الرقم 198.
2- 2 دعائم الإسلام- ج 1 ص 306.

ج 20، ص: 200

قد اتفقا على الأقل، و هذا قول يفسد عند الاعتبار، و إنما يكون ما قالوه على قياسهم لو كانت القيمة بدنانير أو دراهم و ما هو في معناهما، فيقول أحدهما قيمته خمسة، و يقول الآخر عشرة، فكأنهما اتفقا على خمسة عندهم، و ليس ذلك باتفاق بالحقيقة، لأنه إذا جزى بخمسة لم يكن عند من قال بعشرة جزاء مع أن جزاء الصيد يكون بأعيان متفرقة من النعم، و يكون بإطعام مساكين، و يكون بصوم، و ليس في هذا شي ء متفق فيه على الأقل، و لا يكون قد جزى عند كل واحد منهما إلا أن يجزي بما أمره به ان اتفق فيه قوم و خالفهم آخرون، و هذا بين لمن تدبره و وفق لفهمه.

قلت: لعل أصحاب أبي حنيفة بنوا ذلك على المحكي من مذهب أبي حنيفة من إرادة القيمة من المماثلة في الآية، فالاختلاف فيها حينئذ من الاختلاف في شغل الذمة بالأقل و الأكثر، يثبت الأقل و ينفي الزائد بالأصل، و لكن فيه أن الفرض أشبه شي ء بقاعدة وجوب البراءة اليقينية من الشغل اليقيني، و من هنا حكي عن بعضهم وجوب الأزيد، و على كل حال فهو كما ترى، ضرورة عدم مورد له، كضرورة ذلك على تقدير تفسيرها بإرادة شهادة العدلين كما سمعته من بعض أصحابنا، و من العجب أن جماعة من الخاصة رووا قراءة السيدين الإمامين المعصومين من الزلل ذو عدل و أنه النبي (صلى الله عليه و آله) و الامام (عليه السلام) من بعده ثم يذكرون بعد ذلك من التفسير ما ينافيه، مع أنه لا مورد له، بل العامة قد حكوا قرائتهما عليهما السلام كذلك، فلا بد حينئذ من أتباعهما و إرجاع قراءة ذوي عدل إليها على الوجه الذي ذكرناه، و الله العالم.

و كيف كان ف لو عجز عن إطعام الستين صام عن كل مدين يوما وفاقا للمشهور، بل عن التبيان أنه مذهبنا، كما عن المجمع

ج 20، ص: 201

و فقه القرآن أنه المروي عن أئمتنا عليهم السلام، بل عن الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد ما سمعته من خبر الزهري (1)و صحيح أبي عبيدة(2)و صحيح ابن مسلم (3)نعم عن الخلاف أنه يصوم عن كل مد يوما، و هو مبني على إعطاء المسكين مدا، و يوافقه

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن بكير(4)«بثمن قيمة الهدي طعاما، ثم يصوم لكل مد يوما، ثم إنه يصوم إلى أن يتم شهرين، فإذا ازدادت الأمداد على شهرين فليس عليه أكثر منه»

و حينئذ فالمدار في عدد الأيام التي تصام على عدد الأمداد أو نصف الصاع على القولين كما أومى إليه في

صحيح ابن مسلم (5)«فان لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ، لكل طعام مسكين يوما».

نعم لو فرض زيادتها على الستين كما لو كانت أربعين صاعا مثلا فإنها زائدة على كل حال لم تجب غير الستين كما سمعته في مرسل ابن بكير، بل صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا، بل عن الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الأصل و معلومية كون الستين منتهى الكفارة صوما و إطعاما، أما لو نقص عن الستين كما لو كان خمسة و عشرين صاعا بناء على كون المدين إطعام المسكين ففي قواعد الفاضل الأقرب الصوم ستين بل، هو مقتضى إطلاق محكي المقنعة و المراسم و جمل العلم و العمل صيام شهرين متتابعين أو ستين يوما، قيل للاحتياط لاحتمال عدل الصيد أو الجزاء لا الطعام، و لا يعلم أن عدلهما يتناول ما دون الستين، و فيه أنه كالاجتهاد في مقابلة ما سمعته من النصوص الدالة على كون الصوم بمقدار نصف الصاع أو المد، و منه يعلم أنه


1- 1 الوسائل- الباب 1 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5 مع زيادة في الحديث في الجواهر.
5- 5 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 8.

ج 20، ص: 202

المراد بالعدل في الكتاب، و لعله لذا كان ظاهر غير من سمعت ذلك، بل هو المحكي عن صريح الغنية و الكافي و التذكرة و المنتهى و التحرير، و هو الأقوى، نعم لو انكسر نصف الصاع أو المد على القولين صام عنه يوما كما صرح به الفاضل أيضا و غيره، بل في محكي التذكرة و المنتهى لا نعلم فيه خلافا، لأن صيام اليوم لا يتبعض، و السقوط غير ممكن، لشغل الذمة، فيجب كمال اليوم، و إن كان فيه أن المتجه السقوط، لاشتراط صوم اليوم بإطعام المسكين، و هو منتف، فالعمدة ما ذكره من عدم علم الخلاف إن كان مراده الإجماع، و إلا كان محلا للنظر بل المنع أيضا، و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه.

فان عجز عن صوم الستين مثلا صام ثمانية عشر يوما كما صرح به غير واحد، بل هو المشهور، لما سمعته من النصوص التي هي و إن لم يكن فيها اشتراط العجز المزبور- بل أطلقت صومها عند العجز عن الصدقة، بل عن الحسن و الصدوق التعبير بمضمونها- إلا أنه بالحمل على العجز عن عدل أمداد الطعام يحصل الجمع بينها و بين ما مر مع الاحتياط و رعاية المطابقة لسائر الكفارات و ما سمعته من الشهرة، و بذلك يرجح على احتمال الجمع بحمل الأولى على الفضل و الثانية على الاجزاء كما في غير المقام الذي يحصل فيه التعارض بين الأقل و الأكثر، على أن الجمع الأول من باب التقييد و الثاني من المجاز، و الأول أرجح، بل قيل مع فرض تساوي احتمالي الجمع يجب الأخذ بما تحصل به البراءة اليقينية، للإجماع على ثبوت اشتغال الذمة بشي ء من الصوم في الجملة بعد العجز عن الصدقة، و إن كان فيه ما لا يخفى من أن المتجه في مثله الاجتزاء بالأقل مع نفي الزائد بالأصل، اللهم إلا أن يدعى أن الأقل هنا لا تحصل به براءة عن التكليف حتى عن نفسه إلا مع إكمال الستين، فهو حينئذ كركعات الصلاة، إلا أنه كما ترى، ضرورة كونه كالديون

ج 20، ص: 203

و الضمانات و نحوهما.

و لو تمكن من أكثر من الثمانية عشر كالعشرين و نحوها ففي القواعد في وجوبه إشكال، و لعله من الأصل و إطلاق النصوص و الفتاوى، و من الاحتياط و أن الميسور لا يسقط بالمعسور، و لكن لا يخفى عليك أن الأول أقوى و إن كان الثاني أحوط، كما أن الأقوى السقوط أيضا لو عجز بعد صيام شهر عن الشهر الآخر، و لكن في القواعد أقوى الاحتمالات وجوب تسعة، ثم ما قدر، ثم السقوط، و لعل الأول لأن المعجوز عنه شهر، و بدله تسعة و إن قدر على الأكثر كما يومي إليه ما تسمعه في البقرة، و الثاني للاحتياط مع قاعدة الميسور، و خروج الفرض عن إطلاق الأخبار و الفتاوي بثمانية عشر عن شهرين فإنه إذا كان يصوم لم يكن عاجزا، و لأنه و الآن عاجز عن شهر لا عن شهرين، و لا يدخل بهذا في عموم الأخبار و الفتاوى بتسعة عن شهر، فإنها فيمن تكليفه شهر من أول الأمر لا من بقي عليه شهر، و الثالث لأنه يصدق عليه من أول الأمر إلى آخره، أنه ممن عليه شهران و قد عجز عنهما، فتشمله أدلة الثمانية عشرة و قد صامها، و يؤيده أن الله تعالى عليم بعجزه عنهما قبل شروعه في الصوم، فعجزه كاشف عن أنه تعالى لم يكن كلفه إلا ببدل الشهرين، و هو الثمانية عشر، و من هنا قلنا إن الأقوى السقوط، و ربما عورض باحتمال كون التكليف منوطا بعلم المكلف لا المكلف، و حينئذ فما لم يعلم عجزه كان مكلفا بالشهرين، و إنما انتقل تكليفه إلى البدل من حين علمه بالعجز، فعليه تسعة أو ما قدر، و لكنه كما ترى، ضرورة ظهور الأدلة في كون التكليف على الوجه المزبور و لا أقل من الشك، و الأصل براءة الذمة، كما هو واضح، و الله العالم.

و في فرخ النعامة روايتان: إحداهما مثل ما في النعامة و هي

صحيحة

ج 20، ص: 204

أبان بن تغلب (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في قوم حجاج محرمين أصابوا فراخ نعام فأكلوا جميعا قال: عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها على عدد الفراخ و على عدد الرجال»

مؤيدة بعموم ما دل (2)على أن في النعامة بدنة و الرواية الأخرى ان فيها من صغار الإبل كما عن النهاية و السرائر و المبسوط إرسالها و إن كنا لم نقف عليها كما اعترف به غير واحد و لكن هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، وفاقا لمحكي الأحمدي و المقنعة و الخلاف و الكافي و المراسم و جمل العلم و العمل و السرائر، بل في الأخيرين و المقنعة و المراسم في سنه للمماثلة التي في الآية، و بها مضافا إلى الشهرة ترجح هذه المرسلة على الصحيحة المزبورة المحتملة مضاعفة الفداء بذلك، لحصول جنايتين:

القتل و الأكل، بل يخص العموم المزبور لو سلم شموله للفرض، و لكن لا ريب في أن الأحوط الكبير كما اعترف به الإسكافي و الشيخ و الفاضل، بل قال الأول:

من تطوع بالأعلى سنا كان تعظيما لشعائر الله تعالى: و من ذلك يعلم عدم تعين الصغير في الاجزاء عند القائل به، بل لم نجد قائلا بتعيين الكبير عدا بعض متأخري المتأخرين

للصحيحة المزبورة، و إطلاق بعض أن في النعامة بدنة متصرف إلى غير الفرض، بل لعل التعليل بالمماثلة يومي إلى ذلك، بل عن المهذب في صغار النعام مثل ما في كبارها، مع أنه ذكر أن الصغير منها يجب فيها الصغير من الإبل في سنه، و كذلك في البقر و الغنم، و الكبار أفضل، فيعلم كون مراده أن الواجب الصغير، و مع العجز يساوي بدل فدائه من الإطعام أو الصيام بدل فداء الكبير، إلا أنه يقوم هنا الصغير من الإبل الذي في سنه.

ثم إن ظاهر النصوص المزبورة الترتيب في هذه الكفارة كما هو المحكي


1- 1 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 205

عن الأكثر بل لعله المشهور، بل عن المبسوط نسبته إلى أصحابنا مشعرا بالإجماع عليه، و حينئذ فإطلاق الآية و خبر العياشي (1)منزل على ذلك، لا أن المراد من النصوص الندب و من الآية التخيير كما عن الفاضل في جملة من كتبه، بل ربما حكي عن ابن إدريس و عن الشيخ في الجمل و الخلاف و إن كنا لم نتحققه، فالأول مع كونه أحوط و أشهر أظهر، نعم قد يقوى عدم اعتبار التتابع في الصوم منها، للإطلاق و حصر التتابع في غيرها في

صحيح سلمان بن جعفر الجعفري (2)قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أ يقضيها متفرقة؟ قال: لا

بأس بتفريقه قضاء شهر رمضان إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار و كفارة اليمين»

خلافا للمحكي عن المفيد و المرتضى و سلار فأوجبوه لظهور الكتاب و السنة و الفتاوى في أنه كفارة و الأصل فيها اعتبار التتابع، و فيه منع، و إن كان أحوط، و الله العالم.

[الثاني بقرة الوحش و حمار الوحش ]

الثاني بقرة الوحش و حمار الوحش، و في قتل كل واحد منهما بقرة أهلية وفاقا للمشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه، بل لا أجد خلافا في الأول منهما، للنصوص (3)التي سمعت جملة منها المعتضدة بالمماثلة المستفادة من الكتاب و الإجماع المحكي و غير ذلك، بل و الثاني إلا ما عن الصدوق من وجوب بدنة فيه، و ربما حكي عن الشيخين، و لم نتحققه، لبعض (4)المعتبرة السابقة


1- 1 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب 26 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 8 عن سليمان بن جعفر الجعفري.
3- 3 الوسائل- الباب 1 من أبواب كفارات الصيد و الباب 2 منها الحديث 10 و الباب 3 منها أيضا.
4- 4 الوسائل- الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.

ج 20، ص: 206

الذي حمله بعض على الفضل كما يعطيه كلام أبي علي، أو على إرادة البقرة من البدنة لما مر من عمومها لها عند الحنفية و جماعة من اللغويين، و إن كان فيه منع الفضل بعد منع الاجزاء، لعدم كونه المأمور به، و بعد قصور ما تضمنه عن الجمع بينه و بين غيره بذلك من وجوه، مضافا إلى عدم إرادة البقرة من البدنة في خصوص بعض النصوص المزبورة، و

إلا(1)ما عن الإسكافي و بعض متأخري المتأخرين من التخيير جمعا بين الأدلة، و فيه أنه فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه.

و كيف كان مع العجز تقوم البقرة الأهلية و يفض ثمنها على البر و يتصدق به لكل مسكين مدان و لا يلزم ما زاد على ثلاثين بلا خلاف أجده للمعتبرة المستفيضة(2)التي تقدم بعضها، و منها في خصوص الثلاثين

صحيح معاوية(3)عن الصادق (عليه السلام) «من كان عليه شي ء من الصيد فداؤه بقرة فان لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا، فان لم يجد فليصم تسعة أيام»

إلا في تعيين البر الذي قد ذكره في المتن و محكي السرائر، و المدين فان فيهما البحث السابق الذي عرفت فيه أن الأقوى عدم تعين البر و الاكتفاء بالمد، و الثمرة في ذلك خصوصا الأخير واضحة، و لا يلزم الإكمال لو نقص ثمنها، للأصل و ظاهر النص، كما أنه لا يجب عليه بذلك الزائد لذلك أيضا، بل عن الخلاف الإجماع عليه في البقرة.

و مع العجز يصوم عن كل مدين أو عن كل مد على البحث السابق يوما الذي مر أن الصوم يوما عن طعام كل مسكين، و هو مدان أو مد كما عرفت و إن عجز صام تسعة أيام للمعتبرة المستفيضة(4)التي منها


1- 1 عطف على قوله:« إلا ما عن الصدوق».
2- 2 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد.
3- 3 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد.

ج 20، ص: 207

ما سمعت، و لكن فيها الأمر بذلك بعد العجز عن الصدقة كما عن جماعة إلا أنها محمولة على ما ذكرناه من التفصيل كما سمعته في البدنة وفاقا للأكثر، بلى عن الغنية الإجماع عليه، و بذلك يرجح هذا الجمع بينها على غيره كما عرفته مفصلا، بل عرفت أيضا جملة من الفروع التي لا يخفى جريانها في المقام، منها البحث في الاكتفاء في الصغير بمماثله، فلاحظ، و عن ابن حمزة عدم إثبات بدل لغداء الحمار، و لكن عموم النصوص و خصوصها و الفتاوى حجة عليه و الله العالم.

[الثالث في قتل الظبي ]

الثالث في قتل الظبي شاة بلا خلاف أجده فيه كما عن ابن زهرة الاعتراف به، بل عن المنتهى الإجماع عليه، و هو الحجة، بل ظاهر الآية(1)و المعتبرة المستفيضة منها

خبر أبي بصير(2)عن الصادق (عليه السلام) «قلت فإن أصاب ظبيا قال: عليه شاة، قلت: فان لم يقدر قال: فإطعام عشرة مساكين، فان لم يجد ما يتصدق به فعليه صيام ثلاثة أيام»

و منها

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر سليمان بن خالد(3)«في الظبي شاة، و في البقرة بقرة، و في الحمار بدنة، و في النعامة بدنة، و فيما سوى ذلك قيمته»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا فرق فيها بين الضأن و المعز و الذكر و الأنثى و مع العجز تقوم الشاة و يفض ثمنها على البر أو غيره على حسبما عرفت و يتصدق به لكل مسكين مدان أو مد على البحث السابق و لا يلزم ما زاد عن عشرة إجماعا محكيا عن الخلاف، مضافا إلى الأصل و خلو النصوص التي منها ما سمعته من خبر أبي بصير،


1- 1 سورة المائدة- الآية 96.
2- 2 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 208

و منها

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1)«و من كانت عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام»

و لا إكمالها لو نقصت القيمة عنها كما نص عليه محكي النهاية و المبسوط و السرائر و الوسيلة و المهذب و الجامع، و لعل إطلاق المصنف هنا و النافع و الفاضل في القواعد بل و محكي المقنع و المقنعة و جمل العلم و العمل و المراسم منزل على ذلك، لما سمعته سابقا من الأصل و خبري أبي عبيدة(2)و ابن مسلم (3)المصرح فيهما بالقيمة لا غيرها، و ربما احتمل في كلام المصنف و الفاضل أنهما احتاطا بترك عدم الإكمال، و لا بأس به إن أريد الاحتياط ندبا، و عن الحلبيين أنهما أطلقا أن على من لم يجدها القيمة كخبري أبي عبيدة و ابن مسلم المنزلين على التفصيل المزبور نحو ما سمعته في النعامة و غيرها فان عجز صام عن كل مدين أو مد يوما على

البحث السابق، و لا يزيد على العشرة لما عرفت من أن الصيام بدل الإطعام الذي قد سمعت عدم زيادته على العشرة، لكن عن ظاهر الوسيلة يصوم عشرة أيام و إن لم تف القيمة بعشرة مساكين، و إن كان فيه ما عرفت في نظائره، فإن البحث هنا في ذلك نحو البحث السابق فيه و في نظائره، فلا حظ فان عجز صام ثلاثة أيام للنصوص المنزلة على ذلك و إن أطلق فيها صومها بعد العجز عن الصدقة كالمحكي عن المقنع و المقنعة و المراسم و جمل العلم و العمل، لكنه منزل على ذلك لما سمعته من أخبار أبي عبيدة و ابن مسلم و ابن بكير، و بالحمل على العجز عن عشرة أيام أو ما يفي به القيمة يجمع بينها كما سمعته في نظائره، لا أن الواجب الثلاثة و الزائد ندب كما اختاره بعض متأخري


1- 1 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 8.

ج 20، ص: 209

المتأخرين جمعا بين الأدلة، و قد عرفت ما فيه، و الله العالم.

و في الثعلب و الأرنب شاة بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر الغنية الإجماع عليه كنسبته إلى علمائنا في الأرنب في محكي التذكرة و المنتهى و مع ذلك هو المروي في

صحيح الحلبي (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأرنب يصيبه المحرم فقال: شاة هديا بالغ الكعبة»

و في

صحيح أحمد بن محمد(2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن محرم أصاب أرنبا أو ثعلبا فقال: في الأرنب شاة»

و خبر أبي بصير(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قتل ثعلبا قال: عليه دم، قلت فأرنبا قال: مثل ما في الثعلب»

بل النصوص في الأرنب كثيرة، أما الثعلب فلم أعثر فيه إلا على خبر أبي بصير، و هو بعد انجباره و المماثلة في الآية كاف في إثبات حكمه، و المناقشة في سنده مدفوعة بالانجبار، و لا ينافيه تخصيص الأرنب بالشاة في الصحيح الأول بعد احتمال الترك وجوها منها الاكتفاء بذكر الأرنب لمعلومية التساوي بينهما، بل لعل الثعلب أولى بالشاة حينئذ من الأرنب لأنها أتم بالمماثلة فيه، فوسوسة بعض متأخري المتأخرين حينئذ في حكم الثعلب بالنسبة إلى الشاة في غير محله، نعم ظاهر المصنف أو صريحه عدم بدل لفدائهما، كالمحكي عن ظاهر الصدوقين و ابني الجنيد و أبي عقيل للأصل من غير معارض بعد اقتصار النصوص على الشاة خاصة.

و لكن قيل و القائل الشيخان و سلار و القاضي و ابن حمزة و الحلي و يحيى بن سعيد على ما حكي عنهم فيه ما في الظبي لما سمعته من قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(4)السابق الشامل لهما، كأخبار أبي


1- 1 الوسائل- الباب 4 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 4 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب 4 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 11.

ج 20، ص: 210

عبيدة و ابني مسلم و بكير المتقدمة سابقا المعتضدة بظاهر الآية و غيرها في البدلية الشاملة للفرض، و من هنا كان هو الأصح، و من الغريب ما في المسالك من اختياره القول الأول، لعدم وضوح مستند القول الثاني بعد اختصاص الروايات بوجوب الشاة، ثم قال: «فعلى الأول و هو الأقوى يجب مع العجز عن الشاة إطعام عشرة مساكين، فان لم يجد صام ثلاثة أيام لصحيح معاوية بن عمار بوجوب ذلك في كل شاة لا نص في بدلها- إلى أن قال- و الفرق بين مدلول الرواية و بين إلحاقهما بالظبي يظهر فيما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين، فعلى الإلحاق يقتصر على القيمة، و على الرواية يجب إطعام العشرة» و فيه ما لا يخفى، ضرورة ظهور النصوص السابقة أو صراحتها في أن الإطعام يتبع القيمة و إن كان لا يزيد على الستين في قيمة البدنة، و لا الثلاثين في قيمة البقرة، و لا العشرة في قيمة الشاة، كما أن الصيام يتبع ذلك على الوجه الذي ذكرناه، فلا حظ و تأمل كي تعرف أنه لا وجه لفرقه بين الظبي الذي مستنده تلك النصوص و بينهما، على أنه يقتضي زيادة فداء الثعلب و الأرنب على الظبي، و يمكن القطع بعدمه، و الله العالم.

و كيف كان ف الأبدال المتقدمة في الأقسام الثلاثة على التخيير عند جماعة، لظهور «أو» في الآية فيه و لو ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز(1): «كل شي ء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء و كل شي ء في القرآن فمن لم يجد فعليه كذا فالأول الخيار»

و قيل و القائل الأكثر بل المشهور على الترتيب، و هو الأظهر لظاهر النصوص المنزل عليه ما في الآية و الرواية، بل منه يظهر كون «أو» في الآية للتقسيم كما تقدم تحقيق ذلك كله في بدل فداء النعامة، إذ لا فرق بين الجميع في ذلك، هذا،


1- 1 الوسائل- الباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 211

و في المسالك أن الصوم الأخير في الثلاثة و هو الثمانية عشر و التسعة و الثلاثة لا خلاف في أنه مترتب على المتقدم، و هو كذلك بناء على وجوب المتقدم كما سمعت الكلام فيه، نعم قد اكتفى بعض الناس بالمتأخر عملا بظاهر بعض النصوص المنزل على عدم التمكن من المتقدم كما عرفت البحث فيه مفصلا، و الله العالم.

[الرابع في كسر بيض النعام ]

الرابع في كسر بيض النعام إذا تحرك فيه الفرخ فتلف بالكسر بكارة من الإبل لكل واحدة واحد إذ البكارة جمع بكر، و الأنثى بكرة، و جمعها بكرات كما عن الجمهرة و القاموس و غيرهما، و البكر هو الفتى كما صرح به بعضهم، بل لعله المعروف في اللغة، و إليه يرجع ما عن العين «البكر من الإبل ما لم يبزل، و الأنثى البكرة، فإذا بزلا فجمل و

ناقة» بل و ما عن ابن الأعرابي «البكر ابن المخاض و ابن اللبون و الحق و الجذع، فإذا أثنى فهو جمل و هو جلة و هو بعير حتى يبزل، و ليس بعد البازل سن يسمى، و لا قبل الثني سن يسمى» و عن الأزهري «أن ما قاله ابن الأعرابي صحيح، و عليه كلام من شاهدت من العرب» و حينئذ فالبعير عندهما هو الثني خاصة، و كأنه يرجع إليه ما عن المحيط من أنه الجذع، و كذا يرجع إلى ما ذكرنا أيضا ما عن السرائر و الجامع من أن فيه صغار الإبل، بل و ما عن الكافي و الغنية فصيل، نعم عن المهذب و الإصباح بدنة، و عن الوسيلة ماخض، و لعلهما احتاطا بالكامل من البكر، مع أنه سيأتي أن في بيض القطا ماخضا.

و على كل حال فالمشهور ما عرفت، بل في المدارك و صريح محكي المختلف و ظاهر الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

خبر سليمان بن خالد(1)عن الصادق (عليه السلام) «إن في كتاب علي (عليه السلام) في بيض القطا بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل»

و صحيح علي بن جعفر(2)سأل


1- 1 الوسائل- الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 212

أخاه (عليه السلام) «عن رجل كسر بيض نعام و في البيض فراخ قد تحرك فقال: عليه لكل فرخ تحرك بعير ينحره في المنحر»

بناء على كون المراد منه الكامل في الأجزاء كما أنه يراد من إطلاق خبر سليمان ما إذا كان فيه فراخ تحرك للصحيح المزبور و ما سمعته من الإجماع المحكي، أو أن المراد من البعير في الصحيح البكر كما سمعت، و التعبير في المتن و النص بالجمع باعتبار فرض المكسور البيض لا البيضة، و لذا قال المصنف «لكل واحدة واحد» لكن عن النهاية و المبسوط و التحرير و المختلف و التذكرة و المنتهى التعبير بأن في كل بيضة بكارة من الإبل، و لعل المراد بكرة، أو أن المراد في البيض البكارة، و إلا فلا وجه له كما هو واضح.

و في كسره أي البيض قبل التحرك و مع عدم فرخ فيه إرسال فحولة الإبل و إن زادت على عدد البيض في إناث منها بعدد البيض فما نتج فهو هدي وفاقا للمشهور، بل في المدارك الإجماع عليه، و يدل عليه

صحيح الكناني (1)عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في حديث «في رجل أوطأ بيض نعام ففدغها و هو محرم قال: قضى فيه علي (عليه السلام) أن يرسل الفحل على مثل عدد البيض من الإبل، فما لقح و سلم حتى ينتج كان النتاج هديا بالغ الكعبة»

و نحوه

صحيحه الآخر(2)مع زيادة قول الصادق (عليه السلام) فيه: «ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابتك و أنت محرم فعليك فداؤه»

و المرسل (3)الذي رواه الشيخان في التهذيب و المقنعة «أن رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له يا أمير المؤمنين إني خرجت محرما فوطأت ناقتي بيض نعام فكسرته هل علي كفارة؟ فقال له: امض فاسأل ابني الحسن عنها و كان بحيث يسمع كلامه


1- 1 الوسائل- الباب 23 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب 23 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب 23 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.

ج 20، ص: 213

فتقدم إليه الرجل فسأله فقال له الحسن عليه السلام: يجب عليك أن ترسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض، فما نتج فهو هدي لبيت الله تعالى، فقال له أمير المؤمنين: يا بني كيف قلت ذلك و أنت تعلم أن الإبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق، فقال (عليه السلام) يا أمير المؤمنين: و البيض ربما أمرق أو كان فيه ما يمرق، فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له: صدقت يا بني، ثم تلى (1)ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »

و صحيح الحلبي (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «من أصاب بيض نعام و هو محرم فعليه أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل، فإنه ربما فسد كله، و ربما خلق كله، و ربما صلح بعضه و فسد بعضه، فما نتجت الإبل فهديا بالغ الكعبة»

و خبر علي بن أبي حمزة(3)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن رجل أصاب بيض نعامة و هو محرم قال: يرسل الفحل في الإبل في عدد البيض، قلت: فان البيض يفسد كله و يصلح كله قال:

ما نتج من الهدي فهو هدي بالغ الكعبة، و إن لم ينتج فليس عليه شي ء، فمن لم يجد إبلا فعليه لكل بيضة شاة، فان لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين، لكل مسكين مد، فان لم يقدر فصيام ثلاثة أيام».

و هذه النصوص و إن كانت مطلقة في البيض إلا أن ما سمعته من الحسن و الصادق عليهما السلام ظاهر أو صريح في كسر البيض المجرد عن الفرخ المتحرك، بل ربما يستفاد من كلامهما انصراف إطلاق كسر البيض إلى ذلك أو المجهول حاله، بخلاف ذي الفرخ المتحرك الذي يقتل بسبب الكسر، بل لعل مراد أبي علي و المفيد و سلار و السيد و الصدوق في المقنع حيث عبروا بمضمونها أيضا ذلك، لا أنهم مخالفون في المسألة لاختلاف النصوص كما ظنه صاحب الحدائق


1- 1 سورة آل عمران الآية 30.
2- 2 الوسائل- الباب 23 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 23 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.

ج 20، ص: 214

حتى أنكر على سيد المدارك دعواه الإجماع، نعم عن الصدوقين في الرسالة و الفقيه النص على الإرسال إذا تحرك، و أنه إذا لم يتحرك فعن كل بيضة شاة، و لعله للمحكي عن

الفقه (1)المنسوب إلى الرضا (عليه السلام) «فإن أكلت بيض النعامة فعليك دم شاة، و كذلك إذا وطأتها، فان وطأتها و كان فيها فرخ يتحرك فعليك أن ترسل فحولة من البدن على عددها من الإناث قدر عدد البيض، فما نتج منها فهو هدي لبيت الله تعالى»

و ما تسمعه من خبر محمد بن الفضيل(2) ، أو أنهما استندا إلى الجمع بين أخبار الإرسال و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(3)«في بيضة النعامة شاة، فان لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، فمن لم يستطع فكفارة إطعام عشرة مساكين إذا أصابه و هو محرم»

و قول أبي جعفر (عليه السلام) لأبي عبيدة(4)في الصحيح و غيره، إذ سأله عن محرم أكل بيض نعامة: «لكل بيضة شاة»

و لكن ذلك كله كما ترى بعد ما عرفت، خصوصا بعد عدم ثبوت نسبة الكتاب المزبور إليه (عليه السلام) عندنا، و عدم المكافاة من وجوه، و عدم الشاهد، فوجب حمل الخبرين على صورة العجز عن الإرسال التي ستعرفها إنشاء الله أو غير ذلك، على أنه في محكي المقنع أيضا «إذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض، فان لم يجد شاة فعليه صيام ثلاثة أيام، فان لم يقدر فإطعام عشرة مساكين، و إذا وطأ بيض نعام ففدغها و هو محرم فعليه أن يرسل الفحل من الإبل على قدر عدد البيض، فما لقح و سلم حتى ينتج كان النتائج هَدْياً بالِغَ


1- 1 المستدرك- الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الآتي في ص 215.
3- 3 الوسائل- الباب 23 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.

ج 20، ص: 215

الْكَعْبَةِ» و هو مضمون

خبر محمد بن الفضيل عن أبي الحسن (عليه السلام)(1)«و إذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض، فان لم يجد شاة فعليه صيام ثلاثة أيام، فان لم يقدر فإطعام عشرة مساكين، و إذا وطأ بيض نعام ففدغها و هو محرم و فيها أفراخ تتحرك فعليه أن يرسل فحولة من البدن على الإناث بقدر عدد البيض، فما لقح و سلم حتى ينتج فهو هدي لبيت الله الحرام، فان لم ينتج شيئا فليس عليه شي ء»

فكان الصدوق عنى بالإصابة الأكل ففرق بينه و بين الكسر، لاختصاص خبر أبي عبيدة بالأكل، و لما سمعته من خبر ابن الفضيل، مع أن المحكي عن والده التصريح بتساويهما، بل ظاهر غيره أو صريحه ذلك أيضا، بل لم نعرف أحدا وافقه عليه، بل ذلك و نحوه منه أعظم شاهد على إرادة تعبيره بمضمون بعض النصوص التي عثر عليها من غير التفات إلى تحقيق حالها و تنقيح المراد منها و الجمع بين مضامينها كما هو عادة أهل الأخبار في الأصول و الفروع.

و لو لا ما سمعت من النص و الفتوى بل الإجماع لكان المتجه في تحقيق المثلية في الآية الكريمة التي يشهد بها ذو عدل ما رواه في

دعائم الإسلام(2)


1- 1 الفقيه ج 2 ص 234- الرقم 1117 و الظاهر أنه من عبارة الصدوق قدس سره في ذيل خبر محمد بن فضيل و ليس منه، حيث أن صاحب الوسائل قدس سره لم يتعرض لهذا الذيل مع ذكره صدر الخبر الوارد في قتل حمامة الحرم، و كذلك الشيخ قدس سره روى عن محمد بن فضيل صدر الحديث في التهذيب ج 5 ص 345 الرقم 1198 و الاستبصار ج 2 ص 200 الرقم 679 و لم يذكر له ذيلا أبدا، و الله أعلم.
2- 2 ذكر صدره في المستدرك في الباب 17 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 و ذيله في الباب 18 منها الحديث 1.

ج 20، ص: 216

عن علي (عليه السلام) أنه قال: «في محرم أصاب بيض نعام قال: يرسل الفحل من الإبل في البكارة منها بعدة البيض، فما نتج مما أصاب كان هديا، و ما لم ينتج فليس عليه فيه شي ء، لأن البيض كذلك منه ما يصح و منه ما يفسد، فان أصابوا في البيض فراخا لم تجر فيها الأرواح فعليهم أن يرسلوا الفحل في الإبل حتى يعلموا أنها لقحت، فما نتج منها بعد أن علموا أنها لقحت كان هديا، و ما أسقطت بعد اللقاح فلا شي ء فيه، لأن الفراخ في البيض منها ما يتم و منها ما لا يتم، و إن أصابوا فراخا قد أنشأت فيها الأرواح في البيض أرسلوا الفحل في الإبل بعدتها حتى تلقح و تتحرك أجنتها في بطونها، فما نتج منها كان هديا، و ما مات بعد ذلك فلا شي ء فيه، لأن الفراخ في البيض كذلك منها ما ينشق عنه فيخرج حيا، و منها ما يموت في البيض»

إلا أني لم أجد قائلا بهذا التفصيل و إن كان هو ألصق بالمماثلة، و الله العالم، و الموفق و الهادي.

و مع العجز ف عن كل بيضة شاة، و مع العجز إطعام عشرة مساكين فان عجز صام ثلاثة أيام

على المشهور، بل في المدارك ظاهر الأصحاب الاتفاق على مضمون خبر علي بن أبي حمزة المتقدم، و لعله الحجة، و كذا عن ظاهر الغنية، بل ينبغي الجزم بذلك بعد انجباره بما عرفت، فما عن الصدوق من العكس فجعل على من لم يجد شاة صيام ثلاثة أيام فان لم يقدر أطعم عشرة لخبري أبي بصير(1)و ابن الفضيل (2)السابقين اللذين لا جابر لهما و المخالفين للمعهود من الترتيب في نظائره، و عن ابن زهرة عدم ذكر الإطعام أصلا، و لعله ليس خلافا، و إلا كان محجوجا بما عرفت، هذا، و قد


1- 1 الوسائل- الباب 23 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 راجع التعليقة 1 في ص 215.

ج 20، ص: 217

نص في محكي التحرير و التذكرة و المنتهى و المختلف و الدروس على أن لكل مسكين مدا كما في الخبر، و هو موافق لما قلناه سابقا في نظائره، لكن عن القاضي إطلاق أن من وجب عليه شاة فلم يقدر عليها أطعم عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، و فيه أنه لا دليل عليه بعد أن كان صحيح أبي عبيدة السابق في إصابة الصيد الذي لا يدخل فيه البيض، مضافا إلى ما عرفته سابقا من إرادة الندب منه، و عن ابن إدريس أنه حكى عن المقنعة أن على من عجز عن الإرسال أطعم عن كل بيضة ستين مسكينا، فان لم يجد صام شهرين متتابعين، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما، لكن في كشف اللثام لم نجده في نسخها، و لا حكاه الشيخ في التهذيب.

و لو كسر بيضة مثلا فيها فرخ ميت لم يلزمه شي ء كما صرح به بعضهم للأصل، بل و كذا لو كانت البيضة فاسدة، بل و كذا لو كسرها فخرج منها فرخ فعاش.

ثم إن الظاهر ما صرح به غير واحد من كون الاعتبار في الإرسال بعدد البيض من الإناث، فيجب لكل بيضة أنثى، و أما الفحل فلا بأس بتعدده، بل لعله أحوط و أولى، نعم يشترط صلاحية الأنثى للحمل، بل في المدارك لا يكفي مجرد الإرسال حتى يشاهد كل واحدة قد طرقت من الفحل، و لا بأس به، و لا فرق بين كسره بنفسه أو بدابته كما سمعت التصريح به في صحيح أبي الصباح بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب.

و الأظهر أن مصرف هذا الهدي كغيره من جزاء الصيد مساكين الحرم، لإطلاق اسم الهدي عليه في الكتاب و فحوى إبداله بإطعام المساكين و غير ذلك و لا يجب ترتيبه للأصل و غيره، بل يصرفه في ذلك الوقت، لكن في المسالك ظاهر الأخبار و الفتاوى أنه يصرف لمصالح الكعبة لا للمساكين، و في عبارة

ج 20، ص: 218

الكتاب أطلق كونه هديا، و هو لا يقتضي كونه للكعبة، بل ظاهره جواز تفرقته على المساكين، و يمكن جواز ذلك بناء على أن ما وجب للكعبة يجوز صرفه لمعونة الحاج و الزائرين كما يحقق إنشاء الله في باب النذر، و فيه ما لا يخفى، ضرورة كونه كغيره، و الله العالم.

[الخامس في كسر بيض القطا و القبج ]

الخامس في كسر بيض القطا و القبج بسكون الباء الحجل إذا تحرك الفرخ فيه من صغار الغنم كما في النافع بل و القواعد و محكي الجامع و إن زاد فيهما الدراج، بل و محكي الخلاف و إن اقتصر على القطاة و ذكر البكارة من الغنم، لكن الظاهر إرادته الصغار منها للمماثلة في الآية و ما سمعته من صحيح سليمان بن خالد(1)بناء على إرادة الصغار من البكارة فيه، بل صحيحه الآخر(2)في بيض القطاة كفارة كما في بيض النعام و إن اقتصر فيهما على بيض القطاة، إلا أنه يمكن إرادة المثالية منه للحجل و الدراج للمشابهة، و كذا

مرسل ابن رباط(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن بيض القطاة قال:

يصنع فيه في الغنم كما يصنع في بيض النعام في الإبل»

و قد عرفت الحكم في المشبه به و ما تسمعه إنشاء الله تعالى من أن فيهما حملا.

و لكن مع ذلك قيل و القائل الشيخ و ابنا حمزة و إدريس:

عن البيضة مخاض من الغنم بل قيل يوافقهم التذكرة و المنتهى و التحرير و المختلف و الإرشاد و الدروس، و هو كما في السرائر و

القواعد ما من شأنه أن يكون حاملا لا الحامل، ل

مضمر سليمان بن خالد(4)سأله «عن رجل وطأ بيض قطاة فشدخه قال: يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل، و من أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم»

و هو- مع


1- 1 الوسائل- الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب 25 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب 25 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.

ج 20، ص: 219

إضماره، و عدم ذكر تحرك الفرخ فيه، و ظهوره في الفرق بين الوطء و الإصابة المفسرة بالأكل، و كون المذكور فيه بيضة لا بيض قطاة، فيحتمل بيضة النعام، كما يحتمل في المخاض إرادة بنت المخاض من الإبل لأن فيها فرخا يتحرك بناء على أنها من البكارة، و استبعاد كون الجزاء في البائض حملا فطيما و في البيض مخاضا- معارض بما سمعت من صحيحه و غيره، و في كشف اللثام «لا تعارض، لأن المخاض تكون بكرة، و لذا استدل الفاضل في التذكرة و المنتهى و المختلف عليها بخبر البكارة، فلو لا أن في نفس القطاة حملا لحملنا البكارة على المخاض، و الآن نحمل المخاض على الفضل، و لو تباينتا كليا جاز الحمل على الفضل فكيف و إنما يتباينان جزئيا، و احتمل الشهيد أن يراد بالمخاض بنت المخاض» انتهى، و إن كان قد يناقش بأنه إن لم يرد بالبكرة ما يشمل

الحمل بل و ما دونه من الصغار لم يكن دليل على الحكم الأول، لانحصاره بما عرفت، بل لو أريد من البكرة الأكبر من الحمل لزم أن يكون فداء البيض أعظم من البائض نحو ما عرفته سابقا في قول الخصم، فالمتجه حينئذ إرادة الصغار من البكارة فيه و إن شملت الحمل أيضا، إذ أقصاه اتحاد الفداء للبيض و البائض، و لا بأس به، على أن الحمل كما ستعرف إنشاء الله العظيم الذي يرعى الشجر، و الصغير أعم منه، نعم لا يبعد إرادة الصغار فصاعدا على وجه يشمل المخاض، و يكون ذلك أفضل الأفراد نحو ما سمعته فيما ورد في بيض النعام من أن فيه البعير على بعض الوجوه، هذا، و عن المهذب و الإصباح أن في بيضة الحجلة شاة، و قد عرفت أنا لم نعثر على بيض الحجلة في شي ء من النصوص، و إنما ألحقناه ببيض القطاة الذي قد سمعت ما ورد(1)فيه من بكارة الغنم، و خبر المخاض (2)منها، و يمكن إرادتهما ما يرجع إلى


1- 1 الوسائل- الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.

ج 20، ص: 220

ذلك بعد إرادة ذات الفرخ المتحرك من البيضة.

ثم إن المتجه هنا بدلية الطعام ثم الصيام مع تعذر ذلك، لأنهما إذا صارا بدلا عن الأعلى قيمة فصيرورتهما بدلا عن الأقل بالأولى، و أولى من ذلك لو قلنا بأن الواجب مخاض،

ضرورة كونهما حينئذ شاة، فما دل على بدليتهما عنها شامل للمقام، كما هو واضح.

هذا كله في البيض ذي الفرخ المتحرك و أما حكمه قبل التحرك لعدم فرخ فيه أو كان فيه و لم يتحرك بعد ف إرسال فحولة الغنم في إناث منها بعدد البيض، فما نتج فهو هدي نحو ما سمعته في بيض النعام الذي سمعت تشبيه كفارته به بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه كما اعترف به غير واحد، ل

صحيح سليمان بن خالد و منصور بن حازم (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قالا «سألناه عن محرم وطأ بيض القطاة فشدخه فقال: يرسل الفحل في مثل عدة البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدة البيض من الإبل»

المحمول على غير ذي الفرخ المتحرك بقرينة ما سمعته في بيض النعام، و ما تقدم آنفا في مرسل ابن رباط(2)بل و ذيل

خبر محمد بن الفضيل (3)المتقدم «فإن وطأ بيض قطاة فشدخه فعليه أن يرسل فحولة من الغنم على عددها من الإناث بقدر عدد البيض، فما سلم فهو هدي لبيت الله الحرام».

و منه يعلم ما في كشف اللثام من خلو النصوص عن ذكر كونه هديا لبيت الله، كما أنه مما قدمناه سابقا في بيض النعام يعلم الوجه فيمن أطلق هنا


1- 1 التهذيب ج 5 ص 356 الرقم 1237 و رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 مع اختلاف في السند و ذيل المتن فراجع.
2- 2 الوسائل- الباب 25 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
3- 3 الفقيه ج 2 ص 234 الرقم 1117 راجع التعليقة 1 في ص 215.

ج 20، ص: 221

كإطلاق هذه النصوص و هو الصدوق و المفيد و سلار و الحلبيان، و يمكن إرادتهم كسر البيض من حيث كونه بيضا لا مع قتل فرخ، و كذا النصوص، و من هنا صح نفي الخلاف المعتد به، نعم عن علي بن بابويه تقييد ذلك بما إذا تحرك الفرخ و بالمعز، فان لم يتحرك فالقيمة، و لعله

للفقه المنسوب (1)إلى الرضا (عليه السلام) «في بيض القطا إذا أصبته قيمته، فان وطأتها و فيها فرخ يتحرك فعليك أن ترسل الذكران في المعز على عددها من الإناث على قدر عدد البيض، فما نتج كان هديا لبيت الله»

و قد ذكرنا غير مرة عدم ثبوت نسبة الكتاب المذكور، و أما احتمال الجمع بين النصوص بالفرق بين الإصابة باليد و الأكل ففيه البكارة و بين الوطء ففيه الإرسال، فهو مع أنه لا شاهد له لا قائل به، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، و إن مال إليه في الحدائق تبعا للكاشاني، لكنه في غير محله.

ثم لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه في بيض النعام جريان جملة مما سمعته هناك هنا، ضرورة اتحاد الحكم في المقامين، و إن كان ذلك في الإبل و هذه في الغنم كما سمعت التصريح به في النصوص، و لعله لذلك قال المصنف هنا فان عجز كان كمن كسر بيض النعام كما في محكي النهاية، و قال ابن إدريس: هكذا أورده شيخنا في نهايته، و قد وردت بذلك أخبار، و معناه أن النعام إذا كسر بيضه فتعذر الإرسال وجب في كل بيضة شاة، و

القطا إذا كسر بيضه فتعذر إرسال الغنم وجب في كل بيضة شاة، فهذا وجه المشابهة بينهما، فصار حكمه حكمه، و لا يمنع ذلك إذا قام الدليل عليه، و حكي عن المفيد أيضا أنه إن عجز عنه ذبح عن كل بيضة شاة، فان لم يجد أطعم عن كل بيضة عشرة مساكين، فان عجز صام عن كل بيضة ثلاثة أيام، و ظاهر


1- 1 المستدرك- الباب 19 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 222

المصنف في النافع و الفاضل في القواعد متابعته على هذا التعبير، لتصريحهما بوجوب الشاة مع العجز، بل حكاه في كشف اللثام عن النهاية و المبسوط و إن كان فيه أن عبارة النهاية المحكية ما سمعته، بل هو المناسب لما تسمعه من الفاضل في تفسيرها، لكن عن المصنف في النكت أن وجوب الشاة عن كل بيضة إذا تعذر الإرسال شي ء ذكره المفيد في المقنعة، و تابعه عليه الشيخ، و لم ينقل به رواية على الصورة، بل رواية سليمان بن خالد(1)في كتاب علي (عليه السلام) في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام، و هذا فيه احتمال، قيل و كذا قول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن رباط(2)و إن كان فيه أبعد، و فيه أنه صريح في غير ذلك، و قال في محكي المنتهى: عندي في ذلك تردد، فإن الشاة تجب مع تحرك الفرخ لا غير، بل و لا تجب شاة كاملة بل صغيرة على ما بيناه، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرك و إمكان فساده

و عدم خروج الفرخ منه، قال: و الأقرب أن مقصود الشيخ مساواته لبيض النعام في وجوب الصدقة على عشرة مساكين و الصيام ثلاثة أيام إذا لم يتمكن من الإطعام، و نحوه محكي التحرير و التذكرة و المختلف، و فيه القطع بأنه لا يجوز المصير إلى ما ذكره ابن إدريس رحمه الله، قال: و كيف يتوهم إيجاب الأقوى و هو الشاة التي لا تجب مع المكنة حال العجز، فان ذلك غير معقول.

ثم لما كان ظاهر كلام ابن إدريس أن الأخبار وردت به رده بأنها لم ترد بما قاله، نعم روي سليمان بن خالد، و ذكر ما في النكت، و قال: و لكن إيجاب الكفارة كما يجب في بيض النعام لا يقتضي المساواة في القدر، و تبعه على ذلك غيره ممن تأخر عنه، و حاصله منع تناول التشبيه لذلك مع الاستبعاد المزبور، و فيه منع واضح إن أراد منع الظهور الكافي في المقام و أمثاله، و إن


1- 1 الوسائل- الباب 25 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 25 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.

ج 20، ص: 223

أراد الصراحة فهو كذلك، لكن من المعلوم في أغلب الأحكام عدم اعتبار الصراحة في حجية أدلتها على أنه إن لم يفهم من هذا و نحوه المساواة الشاملة للفرض فلا دليل حينئذ على ما ذكره من الانتقال مع العجز إلى الإطعام ثم إلى الصيام، ضرورة ظهور باقي النصوص في المساواة لبيض النعام بالنسبة إلى خصوص البدل من الأنعام ففي المتحرك البكارة فيهما، لكن في النعام من الإبل و في القطا و نحوه من الغنم، و في غير المتحرك الإرسال، فلا محيص حينئذ عن إرادة مساواتها في الأبدال التي منها وجوب الشاة مع العجز، و أما الاستبعاد فمع أنه غير حجة يمكن منعه، و لا ينافي ذلك، فإن الشاة و إن كانت أقوى في الشبه و لكن الإرسال أشق منها على الحاج، لأنه يتوقف على تحصيل الفعل الكثير و الانتظار حتى تلد ثم يهدي، بخلاف ذبح الشاة و تفريقه على فقراء الحرم، فإنه سهل غالبا، بل من ذلك ينقدح عدم إجزائها أي الشاة عنه مع التمكن و إن احتمله في المسالك، بل جزم به في الروضة جاعلا له أقل أفراد الواجب، و إلا فالشاة مجزية عنه، لكن فيه بعد ما عرفت من أشقية الإرسال منها أنها لا تجزي، لأن المراد من الفداء أن يذوق و بال أمره، و مع الإغضاء عن ذلك يتجه ما يحكي عن ابن حمزة من أنه إن عجز عن الإرسال تصدق عن كل بيضة بدرهم، بل في المختلف ما أحسنه إن ساعده النقل، بل قيل ربما استند إلى خبر سليمان (1)مع ما يأتي إنشاء الله من

صحيح أبي عبيدة(2)«في محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله أن على المحل قيمة البيض، لكل بيضة درهما»

أو حمله على بيض الحمام الذي ستعرف إنشاء الله أن فيه درهما، إذ الظاهر أن وجهه مع فرض خلو النصوص عن هذه المرتبة الرجوع إلى القيمة التي هي درهم لهذا الخبر و غيره، و حينئذ فلا حاجة إلى النقل الذي شرط


1- 1 الوسائل- الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.

ج 20، ص: 224

الفاضل استحسانه به، و تبعه في المسالك، نعم شذوذ هذا القول- بل يمكن دعوى الإجماع المركب على خلافه، مضافا إلى ظاهر النص السابق- منع من موافقته، فليس حينئذ إلا ما عليه الشيخان على الوجه الذي ذكرناه.

و قد أطنب في المسالك و لكن لم يأت بشي ء يعتد به، و ملخصه ما ذكره في الروضة فإنه بعد أن منع تفسير الفاضل و غيره لما سمعته من عبارة الشيخ بما تقدم وافقهم في المذهب، قال: لا لذلك بل لأن الشاة يجب أن تكون مجزية هنا بطريق أولى، لأنها أعلى قيمة و أكثر منفعة من النتاج، فيكون كبعض أفراد الواجب، و الإرسال أقله، و متى تعذر الواجب انتقل إلى بدله، و هو هنا الأمران الأخيران يعني الإطعام ثم الصيام من حيث البدل العام الا الخاص، لقصوره عن الدلالة، لأن بدليتهما عن الشاة تقتضي بدليتهما عما هو دونهما قيمة بطريق أولى» و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه من منع إجزائها مع التمكن من الإرسال الذي قد عرفت أنه أشق و لو من حيث العمل ليذوق و بال أمره، على أن المعروف في الفتوى الانتقال إليها بعد تعذر الإرسال، و بدلية الأخيرين عند المتأخرين مع إمكانها لا مع تعذرها الذي هو شرط البدل العام كما هو واضح، فمن الغريب وقوع ذلك منه، و من هذا و غيره مما قدمناه يظهر أن التحقيق ما صرح به المفيد و غيره من وجوب شاة مع تعذر الإرسال، و إلا فالاطعام ثم الصيام على حسب ما سمعت في بيض النعام الذي قد سمعت النص على أن كفارته كفارته، و الله العالم.

[الضرب الثاني فيما لا بدل له على الخصوص ]
اشاره

الضرب الثاني فيما لا بدل له على الخصوص، و هو خمسة أقسام أيضا بخلاف الأول الذي لكفاراته بدل على الخصوص بالنصوص على كل بدل منها كما عرفت، أما هذا الضرب فإن للشاة من إبدالها فيه بدلا بنص عام،

ج 20، ص: 225

و هو الإطعام أو الصيام، ثم لها و لغيرها الاستغفار و التوبة، و ذلك بدل يعم الكل و من هنا ذكر بيض القطا و القبح من الأول، و بائضهما من الثاني، نعم يشترك القسمان في أن لهما أمثالا من النعم بالنصوص و الفتاوى، بل الظاهر عدم اختصاص هذه الخمسة بذلك، كما ستعرف إنشاء الله.

[القسم الأول الحمام ]

الأول الحمام، و هو اسم لكل طائر يهدر و يرجع صوته و يواصله مرددا و يعب الماء و يشربه كرعا أي يضع منقاره في الماء و يشرب، و هو واضع له فيه، لا بأن يأخذ الماء بمنقاره قطرة قطرة و يبلعها بعد إخراجه كالدجاج و العصافير كما في النافع و التحرير و التذكرة و محكي المنتهى و المبسوط بل في الأخير «أن العرب تسمي كل مطوق حماما» و ظاهره أن المراد به هنا ذلك و إن لم يكن في اللغة كذلك، فما في المدارك- من المناقشة فيه بعد أن حكاه عن الشيخ و جمع من الأصحاب بأنه لم أقف عليه فيما وصل إلينا من كلام أهل اللغة، بل قد يوافقه ما عن الأزهري من أنه أخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعي أنه قال: «كلما عب و هدر فهو حمام يدخل فيه القماري و الدباسي و الفواخت سواء كانت مطوقة أو غير مطوقة ألفه أو وحشية» بل عن الكركي «أنه أعرف بين أهل اللغة» بل عن الرافعي «الاكتفاء بالاقتصار على العب» قال: كما نص عليه الشافعي في عنوان المسائل، قال: «و ما عب في الماء عبا فهو حمام، و ما شرب قطرة قطرة فليس بحمام- في غير محله، و لعله إلى ذلك أشار في القواعد بعطف العب على الهدر بأو على معنى الاكتفاء بأحدهما و إن كان فيه أنه خلاف المعروف بين من ذكر ذلك، بل قد سمعت ما عن الشافعي من الضابط فيمكن أن يكون ما ذكره في العنوان اتكالا عليه بل ربما أورد عليه بقول الشاعر:

على حوضي نغر مكب إذا فترت فترت يعب

نه وصف النغر بالعب مع أنه لا يهدر، و إلا كان حماما، و هو نوع من

ج 20، ص: 226

العصفور، و إن كان قد يدفع- بعد تسليم كون الواقع أن النغر الذي هو نوع من العصفور يعب- بأنه على ضرب من التجوز، بل عن المحكم أنه إنما يقال في الطائر عب و لا يقال شرب، فللعب حينئذ معنى آخر، و هو شرب الطائر.

و كيف كان فقد قيل كما في الصحاح و القاموس و محكي فقه اللغة للثعالبي و شمس العلوم و السامي و المصباح المنير و غيرها: ان الحمام كل مطوق من الطيور، بل عن الأزهري عن أبي عبيد عن الأصمعي قال:

«مثل القمري و الفاختة و أشباه ذلك» نحو ما عن الجوهري من أنه «نحو الفواخت و القماري و ساق حر و القطا و الوارشين و أشباه ذلك- ثم قال- و عند العامة أنها الدواجن فقط- قال- قال حميد بن ثور الهلالي:

و ما هاج هذا الشوق إلا حمامة دعت ساق حر ترحة و ترنما

و الحمامة هنا القمرية، و قال الأصمعي في قول النابغة:

و احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام سراع وارد الثمد

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد

فحسبوه فألفوه كما حسبت تسعا و تسعين لم تنقص و لم تزد

هذه زرقاء اليمامة نظرت إلى قطا فقالت ذلك، و قال الأموي: و الدواجن التي تستفرخ في البيوت حمام أيضا و أنشد قواطنا مكة من ورق الحما يريد الحمام» التي تستفرخ في البيوت حمام أيضا و أنشد قواطنا مكة من روق الحما يريد الحمام» انتهى كلام الجوهري، و عن الأزهري أبو عبيد عن الكسائي «الحمام هو البري الذي لا يألف البيوت، و هذه التي تكون في البيوت هي اليمام- قال-: و قال الأصمعي: اليمام ضرب من الحمام بري، و نحوه عن الصحاح، و عن أدب الكاتب إنما الحمام ذوات الأطواق و ما أشبهها مثل الفواخت و القماري و القطا، قال ذلك الأصمعي و وافقه عليه الكسائي- ثم قال- و أما الدواجن التي تستفرخ في البيوت فإنها و ما شاكلها من طير الصحراء اليمام» قلت: لا ريب في أنها من

ج 20، ص: 227

الحمام و إن سميت مع ذلك باليمام، و عن الدميري في حياة الحيوان عن كتاب الطير لأبي حاتم «إن أسفل ذنب الحمامة بما يلي ظهرها بياض، و أسفل ذنب اليمامة لا بياض فيه» ثم عن الدميري «المراد بالطوق الخضرة أو الحمرة أو السواد المحيط بعنق الحمامة» قلت: أو بياض كذلك، و في المصباح المنير «و الحمام عند العرب كل ذي طوق من الفواخت و القماري و القطا و الدواجن و الوراشين و أشباه ذلك، و يقال للواحدة حمامة، و تقع على الذكر و الأنثى، و العامة تخص الحمام بالدواجن، و كان الكسائي يقول: الحمام هو البري، و اليمام هو الذي يألف البيوت، و قال الأصمعي اليمام حمام الوحش، و هو ضرب من طير الصحراء».

و كيف كان فلا ريب في أن المعروف في اللغة تفسير الحمام بذي الطوق و اختاره الشهيدان في الدروس و المسالك، و عند الفقهاء بما يهدر و يعب الماء، و لكن في اللمعة «الحمامة هي المطوقة أو ما تعب» و في الروضة «الظاهر أن التفاوت بينهما قليل أو منتف، و هو يصلح لجعل المصنف كلا منهما معرفا» قلت: و كذا القواعد، قال: «الحمام كل مطوق أو ما يهدر أي يرجع صوته أو يعب أي يشرب كرعا» لكن قد يناقش بمنع عدم التفاوت، ضرورة أن جملة مما يهدر و يعب لا طوق له و بالعكس، فيمكن أن يراد بالواو التقسيم جمعا بين ما سمعته من الفقهاء و اللغة أو الترديد باعتبار ما سمعته من الاختلاف، و في الرياض «يحتمل أن يكون الترديد إشارة إلى ثبوت الحكم الآتي للحمامة بأيهما فسرت، و ذلك لعدم انحصار ما دل عليه من الأخبار فيما تضمنت لفظها خاصة، بل فيها ما تضمن لفظ الطير بقول مطلق أو الفرخ أو البيض كذلك، و جميع هذه يعم الحمامة بالتفسيرين، فلا يحتاج هنا إلى الدقة في تعيين أحدهما، و لا تعارض بين الأخبار ليحتاج إلى حمل مطلقها على مقيدها، و الحمد لله» و فيه أن

ج 20، ص: 228

المناسب لذلك جعل العنوان الطير حماما أو غيره لا الترديد بين تفسيري الحمام اللذين هما على كل حال أخص من مطلق الطير و الفرخ و البيض، كما هو واضح، و احتمال كون المتجه في النصوص ذلك يدفعه ظهور اتفاق الأصحاب على كون العنوان الحمام بأحد تفسيريه لا مطلق الطير و الفرخ و الحمام، نعم لا بد من إخراج القطا قيل و الحجل من حكم الحمام كما صرح به غير واحد لما ستعرف من أن لهما كفارة معينة غير كفارة الحمام و إن اشتركت معه في التعريف، فالتحقيق جعل عنوان الحكم ما عند الأصحاب لقوة الظن بذلك، و لما تسمعه من كون الفداء فيها الشاة التي هي أقل أمثالها من النعم في الكرع، و لغير ذلك، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

و على كل حال ف في قتلها شاة على المحرم في الحل على المشهور بين الأصحاب بل في التذكرة و محكي الخلاف و المنتهى الإجماع عليه، بل في الأول أيضا و به قال علي (عليه السلام) و عمر و عثمان و ابن عمر، بل روى العامة(1)أن ابن عباس قضى في الحمام حال الإحرام بالشاة، و لم يخالفه أحد من الصحابة، كل ذلك مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، منها

قول الصادق (عليه السلام) في حسن (2)حريز: «المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة، و إن قتل فراخه ففيه حمل، و إن وطأ البيض فعليه درهم»

و في

موثق الكناني (3)«في الحمام و أشباهها إن قتله المحرم شاة، و إن كان فراخا فعدلهما من الحملان»

و خبر أبي بصير(4)عنه (عليه السلام) أيضا، قال: «سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم قال: فقال: عليه شاة- إلى أن قال-: قلت: فمن قتل فرخا من حمام


1- 1 سنن البيهقي- ج 5 ص 205.
2- 2 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 9.

ج 20، ص: 229

الحرم و هو محرم قال: عليه حمل»

و خبر عبد الله بن سنان (1)عنه (عليه السلام) أيضا قال: «سمعته يقول في حمام مكة الطير الأهلي من غير حمام الحرم من ذبح طيرا منه و هو غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه، فان كان محرما فشاة عن كل طير»

و خبره الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «سمعته يقول: في حمام مكة الأهلي غير حمام الحرم من ذبح منه طيرا و هو غير محرم فعليه أن يتصدق إن كان محرما بشاة عن كل طير»

و خبره الثالث (3)عنه (عليه السلام) أيضا أنه قال «في محرم ذبح طيرا أن عليه دم شاة يهريقه، فان كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن»

و خبر سليمان بن خالد(4)«قلت له أيضا رجل أغلق بابه على طائر فقال: إن كان أغلق الباب بعد ما أحرم فعليه شاة، و أن عليه لكل طائر شاة، و لكل فرخ حملا، و إن لم يكن تحرك فدرهم، و للبيض نصف درهم»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا ريب في إرادة الحمام من الطير في خبري ابن سنان الأولين منها بل لا يبعد ذلك في غيرهما أيضا و إن لم يكن تعارض، بل لما عرفته من عدم العنوان في كلام الأصحاب إلا الحمام.

إلا أنه مع ذلك كله قال في محكي المقنعة: «إن على المحرم في الحمامة درهما» لكن ذكر أن المحرم إذا صار في الحل كان عليه الفداء، و إذا صار في الحرم كان عليه الفداء، و القيمة مضاعفة، و أن في تنفير حمام الحرم شاة بالتفصيل الآتي فيمكن أن لا يكون مخالفا، و في محكي المراسم «أن مما لا دم فيه الحمام ففي كل حمامة درهم» و لم يذكر مما فيه الدم إلا تنفير حمام الحرم، و ذكر أن في الصيد على المحرم في الحرم الفداء و القيمة، و على المحرم في الحل الفداء، و على المحل في الحرم القيمة، و عن جمل العلم و العمل «أن على المحرم في الحمامة


1- 1 الوسائل- الباب- 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 11.

ج 20، ص: 230

و شبهها درهما» و عن المهذب و الإصباح «أن مما فيه شاة أن يصيب طائرا من حمام الحرم أو يخرجه من الحرم و ينفره» ثم في الأخير أن

«في قتله على المحرم في الحرم دما و القيمة» و في المهذب «أن على المحرم في الحرم في كل صيد الجمع بين الجزاء و القيمة» و في محكي الوسيلة أن على المحرم في صيد حمامة في الحرم دما مطلقا، و كذا في قتل المحل الصيد في الحرم و على المحل في إصابة حمامة في الحرم درهما، و ان الشاة على من أغلق الباب على حمام الحرم حتى يموت أو أطارها عن الحرم» و عن الكافي و الغنية و الإشارة «في حمامة الحرم شاة و في حمامة الحل درهم» و عن الحسن «ان على المحرم في الحرم شاة» و لا يخفى عليك أن ما أمكن من هذه العبارات أو غيرها رجوعه إلى المختار و لو بحملها على ما ستسمع إنشاء الله فذاك، و إلا فهو محجوج بما عرفت، و الله العالم.

و يجب على المحل في قتلها في الحرم درهم وفاقا للمشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، ل

قول الرضا (عليه السلام) في صحيح صفوان (1): «من أصاب طيرا في الحرم و هو محل فعليه القيمة درهم يشتري به علفا لحمام الحرم»

و خبر محمد بن الفضيل (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم و هو غير محرم قال: عليه قيمتها، و هو درهم يتصدق به أو يشتري به طعاما لحمام الحرم، و إن قتلها و هو محرم في الحرم فعليه شاة و قيمة الحمامة»

و صحيح منصور بن حازم (3)قال: «حدثني صاحب لنا ثقة قال: كنت أمشي في بعض طرق مكة فلقيني إنسان فقال لي: اذبح لنا هذين الطيرين فذبحتهما ناسيا و أنا حلال، ثم سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قال: عليك


1- 1 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 8.

ج 20، ص: 231

الثمن»

و صحيح عبد الله بن سنان (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في حمام مكة من ذبح منه طيرا و هو غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه»

بل

و صحيح الحلبي (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات قال: يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم»

و خبر حماد ابن عثمان (3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل أصاب طيرين واحدا من حمام الحرم و الآخر من غير حمام الحرم قال: يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا فيطعمه حمام الحرم، و يتصدق بجزاء الآخر»

و صحيح معاوية بن عمار(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل أهدي له حمام

أهلي جي ء به و هو في الحرم فقال: إن أصاب منه شيئا فليتصدق بثمنه نحوا مما كان يسوى في القيمة» و رواه في الفقيه «فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه»

و صحيح صفوان (5)عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «من أصاب طيرا في الحرم و هو محل فعليه القيمة درهم يشتري به علفا لحمام الحرم»

و صحيح محمد بن مسلم (6)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل أهدي له حمام أهلي و جي ء به و هو في الحرم و محل قال: إن هو أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه»

و صحيح معاوية بن عمار(7)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل أهدي له حمام أهلي و هو في الحرم فقال: إن أصاب منه شيئا


1- 1 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب 16 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 22 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.

ج 20، ص: 232

فليتصدق مكانه من ثمنه نحوا مما كان يساوي في القيمة»

و صحيحه الآخر(1)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن طائر أهلي أدخل الحرم حيا فقال: لا يمس، إن الله تعالى يقول وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً»

إلى غير ذلك من النصوص التي تقدم بعضها و تسمع الآخر إنشاء الله، و هي بين ناص على الدرهم، و ناص على القيمة مفسرا لها به و غير مفسر، و ناص على الدرهم و شبهه و على الثمن و على مثل الثمن و على أفضل من الثمن.

و في محكي التذكرة «لو كانت القيمة أزيد من درهم أو أنقص فالأقرب الغرم عملا بالنصوص، و الأحوط وجوب الأزيد من الدرهم و القيمة» و كذا عن المنتهى مع احتمال لكون الدراهم قيمة وقت السؤال في الأخبار، و استشكل في وجوب الأزيد مع إطلاق الأصحاب وجوب الدرهم من غير التفات إلى القيمة السوقية، و في المدارك «أن المتجه اعتبار القيمة مطلقا» قلت: لكنه مخالف لكلام الأصحاب المقطوع فيه بعدم إرادة كون ذلك قيمة سوقية له، ضرورة اختلافها باختلاف الأزمنة و الطيور و غيرهما من الأحوال، بل لعله كذلك في النصوص، خصوصا مع ملاحظة سؤال السائل لهم عن ذلك و جوابهم عليهم السلام له مع أن مرجع ذلك إلى غيرهم، فلا يبعد كون ذلك قيمة شرعية له، بل ربما كان قرائن في النصوص تشهد له، كما أنه يمكن اجتماع النصوص عليه، فيتفق النص و الفتوى حينئذ، و كيف كان فعن الكركي «ان إجزاء الدرهم في الحمام مطلقا في غاية الإشكال، لأن المحل إذا قتل المملوك في غير الحرم تلزمه قيمته السوقية بالغة ما بلغت، فكيف يجزي الأنقص في الحرم، و فيه أن هذا إنما يتم إذا قلنا بكون فداء المملوك لمالكه، لكن سيأتي إنشاء الله أن الأظهر كون الفداء لله تعالى، و للمالك القيمة السوقية، فلا بعد


1- 1 الوسائل- الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 11.

ج 20، ص: 233

في أن يجب لله تعالى في حمام الحرم أقل من القيمة مع وجوبها للمالك، و الله العالم.

و يجب في قتل فرخها للمحرم أي عليه في الحل حمل بالتحريك وفاقا للمشهور أيضا، لما سمعته من حسن حريز(1)أو صحيحه و خبر أبي بصير(2)و خبر أبي الصباح الكناني (3)و غيرها من النصوص، نعم في

صحيح ابن سنان (4)منها «فان كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن»

و من هنا اجتزي به سيد المدارك إلا أني لم أجد له موافقا، و المعروف بين الأصحاب كالنصوص تعين الحمل، نعم عن الكافي و الغنية «في فرخ حمام الحرم حمل، و في فرخ حمام غيره نصف درهم» و عن سلار إطلاق أن في فرخ الحمامة نصف درهم، و عن المفيد و المرتضى ذلك أيضا في فرخ الحمامة و شبهها، و لعلهم لا يريدون ما نحن فيه، و إلا كانوا محجوجين بالنصوص المعتضدة بالفتاوي، هذا.

و عن بني بابويه و حمزة و البراج و الفاضل وصف الحمل بأن يكون فطم و رعى الشجر كما تسمعه إنشاء الله في القطا، و عن جماعة الإطلاق، و لعله لكون الحمل لا يكون إلا كذلك، ففي محكي التذكرة و المنتهى و التحرير أن حده أن يكمل له أربعة أشهر قال: فإن أهل اللغة بعد أربعة أشهر يسمون ولد الضأن حملا، و كذا

عن السرائر، و عن ابن قتيبة في أدب الكاتب «فإذا بلغ أربعة أشهر و فصل عن أمه فهو حمل و خروف، و الأنثى خروفة و رخل» و بمعناه ما عن الثعالبي في فقه اللغة «فإذا فصل عن أمه فهو حمل و خروف» و عن الميداني في السامي موافقة ابن قتيبة على الاختصاص بالذكر، بل قيل كأنه بمعناه ما في العين و المحيط و تهذيب اللغة من أنه الخروف، و أن الخروف هو الحمل الذكر، فما عن المطرزي- من أن الحمل ولد الضائنة في السنة الأولى، و عن


1- 1 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.

ج 20، ص: 234

الدميري الحمل الخروف إذا بلغ ستة أشهر، و قيل هو ولد الضأن الجذع فما دونه- موهوم بالنسبة إلى ما عرفت، و عن الراغب أن الحمل سمي به لكونه محمولا لعجزه أو لقربه من حمل أمه به، و الله العالم.

و للمحل أي عليه في الحرم نصف درهم وفاقا للمشهور أيضا، للنصوص التي منها

صحيح ابن الحجاج (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فرخين مسرولين ذبحتهما و أنا بمكة محل فقال لي: لم ذبحتهما؟ قلت: جائتني بهما جارية من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما فظننت أني بالكوفة و لم أذكر الحرم فقال: عليك قيمتهما، قلت كم قيمتهما قال: درهم، و هو خير منهما»

المنزل عليه

صحيحه (2)الآخر عنه (عليه السلام) أيضا «في قيمة الحمامة درهم، و في الفرخ نصف درهم، و في البيض ربع درهم»

و صحيح حفص (3)عنه (عليه السلام) «في الحمامة درهم، و في الفرخ نصف درهم، و في البيض ربع درهم»

و الله العالم.

و لو كان محرما و قتل شيئا من ذلك في الحرم اجتمع عليه الأمران وفاقا للمشهور، بل عن شرح الجمل للقاضي الإجماع عليه، لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب، فإنه قد هتك حرمة الحرم و الإحرام، فيجتمع عليه في قتل الحمامة في الحرم شاة و درهم أو قيمتها، و في الفرخ حمل و نصف درهم، بل يجب عليه مع ذلك القيمة للمالك لو كان مملوكا و لم يأذن المالك في أحد القولين كما ستعرف إنشاء الله، مضافا إلى ما سمعته من

قول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي أو صحيحه (4)«إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة و ثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدق به أو يطعمه حمام الحرم»

كقوله (عليه السلام) في خبر


1- 1 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.

ج 20، ص: 235

محمد بن الفضل (1): «و إن قتلها و هو محرم في الحرم فعليه شاة و قيمة الحمامة»

و قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(2): «إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه و يتصدق بمثل ثمنه أيضا، و إن أصاب منه و هو حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه»

و خبر أبي بصير(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل قتل طيرا من طيور الحرم و هو محرم في الحرم فقال: عليه شاة و قيمة الحمامة درهم يعلف به حمام الحرم، و إن كان فرخا فعليه حمل و قيمة الفرخ نصف درهم يعلف به حمام الحرم»

و موثقه الآخر(4)عنه (عليه السلام) أيضا «سأله عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم قال: عليه شاة، قلت: فان قتلها في جوف الحرم قال: عليه شاة و قيمة الحمامة، قلت: فان قتلها في الحرم و هو حلال قال: عليه ثمنها ليس عليه غيره، قلت: فمن قتل فرخا من فراخ الحمام و هو محرم قال: فعليه حمل»

إلى غير ذلك من النصوص.

فما عن ظاهر العماني من وجوب الشاة خاصة واضح الضعف، بل لم أجد له دليلا إلا الإطلاق المقيد بما سمعت، كالمحكي عن المرتضى في أحد قوليه من وجوب الفداء و القيمة مضاعفة،

نعم قوله الآخر بوجوب تضاعف الفداء و هو المحكي عن الإسكافي قد يستدل له ب

قول الصادق (عليه السلام) في الحسن أو الصحيح (5)«إن أصبت الصيد و أنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك، و إن أصبته و أنت حلال في الحرم فقيمة واحدة، و إن أصبته و أنت حرام في الحل فإنما عليك


1- 1 الوسائل- الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل في الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 و بعده في الباب 10 منها الحديث 9 و ذيله في الباب 9 منها الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب 44 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.

ج 20، ص: 236

فداء واحد»

و قوله (عليه السلام) في الموثق (1)«و إن أصبته و أنت محرم في الحرم فعليك الفداء مضاعفا».

و لكن يمكن تنزيلهما على ما عرفت بإرادته من المضاعفة و لو مجازا أو على غير المقام، فإن المحكي عن الشيخ في النهاية و المبسوط و التهذيب وجوب تضاعف الفدية فيه للمحرم في الحرم ما لم يبلغ بدنة، فلا يجب عليه غيرها، ل

خبر الحسن بن علي بن فضال (2)«عن رجل سماء عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الصيد يضاعفه ما بينه و بين البدنة، فإذا بلغ البدنة فليس عليه التضعيف»

و مرسله الآخر(3)عنه (عليه السلام) أيضا «إنما يكون الجزاء مضاعفا مما دون البدنة حتى يبلغ البدنة، فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف، لأنه أعظم ما يكون، قال الله عز و جل (4)وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ »

خلافا للمحكي عن ابن إدريس فأوجبه مطلقا، بل قال: إن باقي أصحابنا أطلق التضعيف، و لعله لإطلاق الخبرين، و تقييدهما بما سمعت من الخبرين الأخيرين لو صلحا للتقييد الموافق للأصل جيد، لكنهما مرسلان، فلا ريب في أن الأحوط ما ذكره ابن إدريس، و الله العالم.

و يجب في بيضها إذا تحرك الفرخ حمل لاندراجه في نصوص الفرخ الشامل للخارج عنها و الحاصل منها و لو لشهادة

صحيح علي بن جعفر(5)سأل أخاه (عليه السلام) «عن رجل كسر بيض الحمام و في البيض فراخ قد تحركت قال: عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرك بشاة، و يتصدق بلحومها إن


1- 1 الوسائل- الباب 31 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب 46 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب 46 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
4- 4 سورة الحج الآية 33.
5- 5 الوسائل- الباب 26 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 237

كان محرما، و إن كان للفراخ لم تتحرك تصدق بقيمته ورقا يشتري به علفا يطرحه لحمام الحرم»

بإرادة الحمل من الشاة فيه، و

خبر يونس بن يعقوب (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم و فراخ و بيض قال: إن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإن عليه لكل طائر شاة، و لكل فرخ حملا، و إن لم يتحرك فدرهم، و للبيض نصف درهم»

بل

و صحيح الحلبي (2)عنه (عليه السلام) أيضا، قال: «حرك الغلام مكتلا فكسر بيضتين في الحرم، فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: جديين أو حملين»

بناء على إرادة تحرك الفرخ فيهما، إنما الإشكال في أن ظاهر المصنف و غيره عدم الفرق في ذلك بين المحرم و المحل، خصوصا بملاحظة تفصيله بينهما في غير ذي الفرخ، و كذا عن المنتهى و التذكرة و في القواعد و مال إليه سيد المدارك، قال: «و عبارة المصنف كالصريحة في التعميم حيث أطلق وجوب الشاة بعد تحرك الفرخ و فصل الحكم قبله و صرح الشهيدان بأن حكم البيض بعد تحرك الفرخ حكم الفرخ، و مقتضاه اختصاص هذا الحكم بالمحرم في الحل و يجب على المحل في الحرم نصف درهم و يجتمع الأمران على المحرم في الحرم و هو غير واضح، لاختصاص الرواية الثانية أي صحيح الحلبي بحمام الحرم و ظهور الرواية الأول أي صحيح علي ابن جعفر في التعميم» و فيه أن ذلك يقتضي زيادة فداء المحل البيض ذي الفرخ المتحرك في الحرم على فداء الفرخ نفسه فيه الذي قد عرفت وجوب نصف درهم له، و هو مستبعد نحو ما سمعته في بيض القطا، على أنه

يمكن جعل الشرط في الخبر الأول للحكم بالحمل، فيكون مفهومه عدم كون حكمه كذلك، و ليس إلا بقاؤه حينئذ على حكمه في الفرخ، و كذا الكلام في خبر يونس، مضافا إلى صدق قتل الفرخ الذي قد عرفت ما دل على التفصيل بين المحرم في الحل و المحرم في الحرم فيه بالنسبة إلى وجوب الحمل و الدرهم،


1- 1 الوسائل- الباب 16 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 26 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 238

فالمتجه حينئذ الجمع بين النصوص بحمل المطلق فيها على المقيد، و منه يعلم أن الأقوى حينئذ ما سمعته من الشهيدين.

هذا كله مع التحرك و أما قبل التحرك سواء كان قد تصور أولا ف على المحرم في الحل درهم لما سمعته من قول الصادق (عليه السلام) في حسن حريز(1)المتقدم في أصل المسألة المحمول عليه هنا ما سمعته في صحيح علي بن جعفر المتمم بعدم القول بالفصل المحمول ما في آخره من نصف الدرهم على كسر المحل له إذا كان فيه فرخ قد تحرك و إن كان بعيدا جمعا بين النصوص التي منها ما سمعته في صحيح حفص (2)و ابن الحجاج (3)المراد منهما المحل في الحرم و لو بقرينة غيرهما أيضا، فيستفاد منهما ما ذكره المصنف و غيره من أن على المحل في الحرم في كسر البيض و لم يكن فيه فرخ قد تحرك ربع درهم كما أنه مما قدمنا يعلم الوجه في قوله و لو كان محرما في الحرم لزمه درهم و ربع ضرورة كونه كقتل المحرم الحمامة أو الفرخ في الحرم الموجبين

للشاة و درهم، و للحمل و نصف درهم بالنصوص و قاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب، فما عن سلار- من إطلاق ربع درهم في البيضة، و المفيد و المرتضى في بيض الحمامة و شبهها و أبي الصلاح و ابن زهرة في بيضة من حمام الحرم درهم، و من غيره نصف درهم- لا يخفى عليك ما فيه إن لم ينزل على ما ذكرناه و الله العالم.

و يستوي الأهلي و الوحشي من حمام الحرم في القيمة التي هي الفداء بسبب الجناية إذا قتل في الحرم (11) كما يستويان في الحل أيضا في الفداء لكن يشتري بقيمة الحرمي علفا لحمامه (12) كما في القواعد و غيرها


1- 1 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 239

بل لا خلاف فيه كما عن المنتهى و التذكرة الاعتراف به إلا من داود، فلا جزاء لصيد الحرم، و يمكن القطع بفساده بملاحظة النصوص السابقة و الفتاوى و الإجماعات، نعم في بعضها التخيير بين الصدقة به و بين علفه لحمام الحرم، كصحيح الحلبي (1)و خبر محمد بن الفضيل (2)و غيرهما، و عليه يحمل الأمر بالعلف في غيرها حتى

خبر حماد(3)المشتمل على التفصيل، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل أصاب طيرين واحدا من حمام الحرم و الآخر من غير حمام الحرم قال: يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم

قمحا فيطعمه حمام الحرم و يتصدق بجزاء الآخر»

لقصوره في إفادة الوجوب التعيني سندا و عددا عن مقاومة غيره، كقصوره عن ثبوت وجوب كونه قمحا أي حنطة على وجه يقيد إطلاق غيره، فلا بأس بحمل ذلك فيه على الندب، كحمل الأمر فيه على أفضل فردي الواجب التخييري، أما غير الحرمي فالنص و الفتوى متوافقان على الصدقة بثمنه، و في كشف اللثام- بعد أن ذكر أخبار حماد و أبي بصير و صفوان و علي بن جعفر دليلا للعلف لحمامه- قال: «و ما خلا خبر حماد مطلقة، و هو المفصل المخصص ذلك بالحرمي و العلف و القمح، و في

حسن الحلبي (4)عن الصادق (عليه السلام) «ان الدرهم و شبهه يتصدق به أو يطعمه حمام مكة» فيحتمل التفصيل بالحرمي و غيره، و التخيير مطلقا»

قلت: لا يخفى عليك التحقيق في ذلك بعد الإحاطة بما ذكرناه.

بقي الكلام فيما ذكره المصنف و غيره من التعبير بالأهلي المشعر بكونه مملوكا، و قد صرح الكركي بعدم تصور ملك الصيد في الحرم إلا في القماري


1- 1 الوسائل- الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 22 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.

ج 20، ص: 240

و الدباسي لجواز شرائهما و إخراجهما و تبعه في المسالك، و في المدارك و غيرها «هو مبني على ما هو المشهور من عدم دخول الصيد و إن

كان أهليا في الملك إذا كان في الحرم كما تقدم سابقا، و أما على ما ذهب إليه المصنف في النافع من دخوله في الملك و إن وجب عليه إرساله فلا» قلت: يمكن القول بعدم اعتبار الملك في الأهلي منه، ضرورة صدقه على اليمام الذي يسكن الدور و إن لم يتولد في الحرم، و الحكم المزبور لا يعتبر فيه الملكية، كما أنه يمكن تملكه بتملك بيض خارج من الحرم، فيضعه تحت حمام الحرم و يكون فرخا و بغير ذلك، و من هنا قال في كشف اللثام مازجا به عبارة القواعد: «يستوي الأهلي أي اليمام أو المملوك من حمام الحرم تولد منه أو أتاه من الحل، و هو لا ينافي الملك و إن لم يكن قمريا أو دبسيا كما يأتي، و لا بأس إن ناقاه هنا أيضا» و مرجعه إلى ما ذكرنا.

و كيف كان ففي المسالك «أن المراد بالقيمة هاهنا ما يعم الدرهم و الفداء ليدخل حكم بيضه و فرخه و غيرهما» و فيه منع واضح، ثم قال: «و إنما يستويان في ذلك مع اذن المالك في إتلاف الأهلي أو كان المتلف هو المالك، أما لو كان غيرهما افترق الحكم على الأقوى، إذ يجتمع على المتلف في الأهلي القيمة للمالك و الفداء كما سيجي ء- إلى أن قال-: و أما الأهلي فقد أطلقوا وجوب الصدقة بقيمته على المساكين، و ينبغي أن يكون ذلك في موضع لا يضمنه للمالك، و إلا كان فداؤه للمساكين و قيمته للمالك، فينبغي تأمل ذلك، فان النص و الفتوى متطابقان» قلت لا ريب في أن ما ذكره أحوط، و إن كان الأصل و ظاهر النص و الفتوى خلافه، اللهم إلا أن يدعي انسياقهما إلى غير المملوك و إن عبروا عنه بالأهلي و نحوه المراد منه كما عرفت الذي يألف البيوت

ج 20، ص: 241

و يسكنها في مقابل الوحشي، هذا.

و في الرياض «و هل يختص الاستواء المزبور بالمحل أم يعمه و المحرم حتى لو قتل المحرم الحمام الأهلي في الحرم لم يكن عليه غير القيمة على الثاني، و مع الفداء على الأول؟ إشكال من إطلاق النص و الفتوى باجتماع الأمرين إذا جنى على الحمامة في الحرم من غير فرق بين الأهلي منها و الحرمي، و من أن ظاهر تعليلهم الاجتماع المزبور بهتكه حرمة الحرم و الإحرام فيلزمه الأمران كل بسببه، و هذا إنما يتوجه في الحرمي خاصة، لكونه صيدا منع عنه المحرم، و أما الأهلي منها فلا منع فيه إلا من جهة الحرم، لأن من دخله كان آمنا، و لم أر من الأصحاب من تعرض لهذا الفرض فضلا عن الحكم فيه بأحد الطرفين أو التوقف فيه و الاشكال، و الأقرب من وجهي الإشكال الأول، لقوة دليله» إلى آخره.

قلت لا إشكال في وجوب الشاة على المحرم في قتل الحمامة من غير فرق بين الأهلي منها و غيره، و بين اصطيادها و عدمه، و بين الحرم و غيره، و إن زاد الأول مع ذلك قيمتها التي هي الدرهم الواجب على المحل، بل الظاهر جريان ما سمعته من الشراء بها علفا لطيور الحرم، أو يتخير بين ذلك و الصدقة بها، و قد سمعت التصريح في خبر عبد الله بن سنان (1)عن الصادق (عليه السلام) بالفرق بين المحرم و

غيره في حمام مكة في الطير الأهلي غير حمام الحرم بوجوب الشاة على الأول، و القيمة على الثاني، فلاحظ، نعم لم يذكر وجوب القيمة فيه مع الشاة لو كان القتل في الحرم اتكالا على ما ذكره في غير الخبر المزبور الذي لم يسق لبيان ذلك، و بالجملة فالمسألة من الواضحات التي لا تحتاج إلى بيان بعد إطلاق النص و الفتوى حكم الحمام الذي قد سمعت الحال فيه، بل لا يبعد إرادة


1- 1 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5 و 10.

ج 20، ص: 242

المصنف و غيره من الاستواء هنا ما يشملها أيضا على معنى وجوب القيمة من حيث الحرم، و لكن يشتري بقيمة الحرمي علفا لحمامه أو يتخير، بخلاف غيره فإنه يتصدق بها، و الله العالم.

[القسم الثاني في كل واحد من القطا و الحجل و الدراج حمل ]

الثاني في كل واحد من القطا و الحجل و الدراج حمل قد فطم و رعى الشجر بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، ل

صحيح سليمان بن خالد(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) في القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللبن و أكل من الشجر»

و خبر المفضل بن صالح (2)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا قتل المحرم قطاة فعليه حمل قد فطم من اللبن و رعى من الشجر»

متممين بعدم القول بالفصل بينها و بين الآخرين ب

خبر سليمان بن خالد(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظيرهن فعليه دم»

بعد حمل الدم فيه على الحمل و لو لقاعدة التقييد، فلا جهة للإشكال في الاستدلال بالنصوص المزبورة التي قد عرفت وصف الحمل فيها بما سمعت، لكن في المسالك «كون المراد أنه قد آن وقت فطامه و رعيه و إن لم يكونا قد حصلا بالفعل» و لا داعي له، كما تقدم الكلام مفصلا في المراد بالحمل لغة، بل و في الاشكال بوجوب ذلك و وجوب المخاض لبيضها ذي الفرخ، و إن كان قد يدفع بأن الشرع مبني على اختلاف المتماثلات و اتفاق المختلفات، فجاز أن يثبت في الصغير أزيد مما يثبت في الكبير، أو بأن المراد من المخاض بنت المخاض، بل ربما دفع أيضا بالتزام وجوبها فيها دون الحمل أو بالتخيير بين الأمرين، و لكن يمكن تحصيل الإجماع على خلاف الأول منهما، فليس حينئذ إلا ما سمعته سابقا من وجوب الحمل، فيه، و أقصاه مساواة الكبير للصغير


1- 1 الوسائل- الباب 5 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 5 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب 5 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 243

في الفداء و لا بأس به، فلا حظ و تأمل، هذا، و ظاهر المصنف و غيره الاقتصار على الثلاثة، و لكن قد سمعت ما في الخبر الأخير من إلحاق نظيرهن، بهن و الاحتياط لا ينبغي تركه.

[القسم الثالث في قتل كل واحد من القنفذ و الضب و اليربوع جدي ]

الثالث في قتل كل واحد من القنفذ و الضب و اليربوع جدي على المشهور بين الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا بين المتأخرين، خلافا للحلبيين فأوجبوا فيها حملا قد فطم و رعى من الشجر، بل عن ابن زهرة الإجماع عليه، و إن كان فيه أنه لم نجد موافقا له على ذلك لا سابقا و لا لاحقا عدا من عرفت بل صريح كلام من عثرنا عليه ممن تقدمه خلافه، و من هنا كان الأقوى الأول ل

حسن مسمع أو صحيحه (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في اليربوع و القنفذ و الضب إذا أصابه المحرم فعليه جدي، و الجدي خير منه، و إنما جعل عليه هذا لكي ينكل عن قتل غيره من الصيد»

المعتضد بما عن التذكرة و المنتهى من الاستدلال عليه بالمماثلة، و بما في المختلف من أنه قول أكثر أصحابنا، فيكون راجحا على قول الأقل، فيتعين العمل به، إذ ترك النقيضين أو العمل بهما أو بالمرجوح محال، فتعين ما قلناه، و عن نسخة أخرى و إلا لزم العمل بالنقيضين أو تركهما أو العمل بالمرجوح، و الكل محال، و إن كان فيه ما لا يخفى، فالعمدة ما عرفت.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره كالخبر الاقتصار عليها، لكن عن السيد و الشيخين و بني إدريس و حمزة و سعيد و غيرهم إلحاق أشباهها بها، و لعله لما سمعته في الخبر من ثبوت ذلك في الثلاثة و كونه خيرا منه، و أنه إنما جعل لكي ينكل به عن صيد غيره، بل في الرياض لا يخلو من وجه، و لذا مال إليه من المتأخرين المحقق الثاني في شرح القواعد، بل أفتى به صريحا، و لكن لا يخفى عليك ما فيه من عدم صلاحية مثل ذلك لإثبات حكم شرعي كما هو واضح.


1- 1 الوسائل- الباب 6 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 244

و الجدي الذكر من أولاد المعز في السنة الأولى كما عن المغرب المعجم و عن أدب الكاتب «أنه جدي من حين ما تضعه أمه إلى أن يرعى و يقوى» و لعل العرف يساعده، و لكن عن السامي «أنه جدي من أربعة أشهر إلى أن يرعى» بل قيل و يظهر من بعض العبارات أنه ابن ستة أشهر أو سبعة، و من المصباح المنير احتمال عدم اختصاصه بالسنة الأولى لنسبته إلى بعض، و لكن الجميع على خلاف العرف، و الله العالم.

[القسم الرابع كفارة العصفور و القبرة و الصعوة]

الرابع في كل واحد من العصفور و القبرة بضم القاف و تشديد الباء و الصعوة التي هي على ما قيل عصفور صغير له ذنب طويل يرمح به مد من طعام وفاقا للمشهور، ل

مرسل صفوان (1)المنجبر بالشهرة إن لم نقل باعتباره في نفسه عن أبي عبد الله (عليه السلام) «القبرة و الصعوة و العصفور إذا قتله المحرم فعليه مد من طعام»

خلافا للصدوقين فأوجبا لكل طائر عدا النعامة شاة ل

صحيح ابن سنان (2)عنه (عليه السلام) أيضا أنه قال: «في محرم ذبح طيرا إن عليه دم شاة يهريقه، فان كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن»

الذي هو مع أن عمومه بترك الاستفصال مخصص بالمرسل الأول المنجبر بما عرفت، و للمحكي من الفقه المنسوب (3)إلى الرضا (عليه السلام) الذي لم تثبت نسبته عندنا، و للإسكافي فأوجب في العصفور و القمري و ما جرى مجريهما قيمته، و في الحرم قيمتين ل

خبر سليمان بن خالد(4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عما في القمري و الدبسي و السماني و العصفور و البلبل قال: قيمته، فإن أصابه و هو محرم فقيمتان، ليس عليه فيه


1- 1 الوسائل- الباب 7 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
3- 3 المستدرك- الباب 10 و 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب 44 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.

ج 20، ص: 245

دم شاة»

و في طريق آخر «الزنجي» مكان الدبسي، و هو قاصر سندا، فلا يصلح للعمل فضلا عن المعارضة، و الله العالم.

[القسم الخامس في قتل الجرادة]

الخامس في قتل الجرادة تمرة كما عن الفقيه و النهاية و المقنع و الخلاف و المهذب و النزهة و الجامع و رسالة علي بن بابويه و السرائر و إن عبروا في الجرادة تمرة، ل

صحيح زرارة(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في محرم قتل جرادة قال: يطعم تمرة، و تمرة خير من جرادة»

و صحيح معاوية(2)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت: ما تقول في رجل قتل جرادة و هو محرم، قال تمرة خير من جرادة»

و مرسل حريز(3)عنه (عليه السلام) أيضا «في محرم قتل جرادة قال: يطعم تمرة، و التمرة خير من جرادة»

و لكن مع ذلك الأظهر عند المصنف كف من طعام كما في النافع و القواعد و محكي المقنعة هنا و الغنية بل و المراسم و إن عبر بما هو أعم من القتل، فقال في الجرادة، و جمل العلم و العمل مع زيادة قتل القملة، لما قيل من

صحيح ابن مسلم (4)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن محرم قتل جرادة قال: كف من طعام، و إن كان كثيرا فعليه شاة»

و جمع غير واحد بينهما بالتخيير كما عن المبسوط و التهذيب و التحرير و التذكرة مع احتمالها التردد، و لا بأس به لو كان الخبر صحيحا، لكن هو خبر ضعيف كما اعترف به في كشف اللثام، نعم في

خبره الصحيح (5)«قتل جرادا»

بل عن بعض النسخ «قتل جرادا كثيرا» و من هنا يشكل العمل به و لو على التخيير، كما أنه يشكل العمل ب

خبر الحناط(6)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل أصاب جرادة فأكلها قال: عليه دم»

لضعف سنده و احتمال إرادة الجنس من الوحدة فيه، و في محكي السرائر عن علي بن بابويه أن على كل من أكل جرادة شاة، قال في المختلف


1- 1 الوسائل- الباب 37 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 37 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 37 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب 37 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب 37 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب 37 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.

ج 20، ص: 246

«و الذي وصل إلينا من كلام ابن بابويه في رسالته «و إن قتلت جرادة تصدقت بتمرة، و تمرة خير من جرادة، فإن كان الجراد كثيرا ذبحت شاة، و إن أكلت منه فعليك دم شاة» و هذا اللفظ ليس صريحا في الواحد- قال-: و قال ابن الجنيد: في أكل الجراد عمدا دم، كذلك روى ابن يحيى عن عروة الحناط عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و معناه إذا كان على

الرفض لإحرامه، و قد ذهب إلى ذلك ابن عمر، فان قتلها خطأ كان فيها كف من طعام، كذا

روى ابن سعيد عن محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن قتل كثيرا فشاة»

- قال-: و حديث ابن الجنيد في طريقه صالح بن عقبة، و هو كذاب غال لا يلتفت إليه، و عروة لا يحضرني الآن حاله» قلت: لا ريب في عدم صلاحية الخبر المزبور للعمل به و إن حكي عن الفقه (2)المنسوب إلى الرضا (عليه السلام) ما يوافقه أيضا إلا أنه لم تثبت النسبة عندنا، فالمتجه إلحاق أكل الجرادة بقتلها في التصدق بتمرة، خصوصا بعد

قوله عليه السلام «و تمرة خير من جرادة»

الظاهر في العموم، و عن كفارات المقنعة «فإن قتل جرادا كثيرا كفر بمد من تمر فان كان قليلا كفر بكف من تمر» و لم أجد ما يشهد له، اللهم إلا أن يراد من الكف من الطعام الكف من التمر، و عن ابن حمزة «و إن أصاب جرادا و أمكنه التحرز منها تصدق لكل واحدة بتمرة» و هذا مع قوله «في الكثير شاة» يدل على أنه يريد بالكثير ما لا يحصيه أو الكثير عرفا.

و كذا يجب الكف من الطعام في القملة يلقيها من جسده كما في المقنعة و النافع و القواعد و محكي الغنية و جمل العلم و العمل مع زيادة قتلها أيضا، كقوله في محكي المهذب «في القملة يرميها أو يقتلها» ل

خبر حماد بن


1- 1 الوسائل- الباب 37 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6 و 3.
2- 2 فقه الرضا عليه السلام ص 29.

ج 20، ص: 247

عيسى أو صحيحه (1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها قال: يطعم مكانها طعاما»

و نحوه خبر ابن مسلم (2)عنه (عليه السلام) أيضا بناء على إرادة الكف من إطعام الطعام مكانه إذ هو أقل مقدر منه أو ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحسين بن أبي العلاء(3)«المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمدا، و إن قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده»

و لكنه في القتل، و أولى منه بذلك

خبر ابن مسكان عن الحلبي (4)قال:

«حككت رأسي و أنا محرم فوقع منه قملات فأردت ردهن فنهاني، و قال:

تصدق بكف من طعام»

لكن

صحيح ابن عمار(5)سأل الصادق (عليه السلام) «عن المحرم يحك رأسه فيسقط عنه القملة و الثنتان فقال: لا شي ء عليه و لا يعود»

ظاهر في عدم الكفارة، اللهم إلا أن يخصص بما عدا الكف أو يحمل على غير التعمد، بل قيل إنه ظاهره، و أنه يعضده

قوله (عليه السلام) في صحيحه (6)أيضا «لا شي ء في القملة، و لا ينبغي أن يتعمد قتلها»

بل ربما احتملا معا إرادة عدم العقاب عليه و عدم الكفارة المعينة، كما أن

خبر مرة مولى خالد(7)أنه سأله «عن المحرم يلقي القملة فقال: ألقوها أبعدها الله تعالى غير محمودة و لا مفقودة»

لا ينافي التكفير، إذ أقصاه الرخصة في إلقائها مع إيذائها و إن وجبت الكفارة حينئذ، و قد يجمع بين النصوص بكون الكفارة في ذلك على الندب، خصوصا مع صحة سند النافي لها، و ضعف المثبت لها، فلا يصلح لإثبات الوجوب، و لكنه مناف للاحتياط، خصوصا بعد العمل بظاهر الأمر ممن عرفت، بل في المسالك و حكم قتلها حكم إلقائها على المشهور خلافا للشيخ في المبسوط حيث جوز قتلها و أوجب الفداء


1- 1 الوسائل- الباب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب 15 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب 78 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6.

ج 20، ص: 248

في رميها دون قتلها، و الله العالم.

و كيف كان ف في قتل الكثير من الجراد دم شاة كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا محققا عدا ما سمعته من المحكي عن

كفارات المقنعة مع قوله فيها هنا بما في المتن، بل عن الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجة بعد صحيح ابن مسلم (1)و خبره (2)عن الباقر و الصادق عليهما السلام المتقدمين، بل ظاهر الخبر أو الصحيح تحقق الكثرة بالزيادة على الواحد، و لكنه خلاف ظاهر الأصحاب بل صريح جملة منهم كثاني الشهيدين و المحققين، فقالا: إن المرجع في الكثرة إلى العرف، و يحتمل اللغة، فتكون الثلاثة كثيرا، و كيف كان فيجب لما دونه في كل واحدة تمرة أو كف طعام، و هو حسن، للأصل مضافا إلى ما عرفته من اختلاف نسخة الخبر المزبور، فالتحقيق الرجوع في الكثرة إلى العرف.

هذا كله مع إمكان التحرز و إن لم يمكنه التحرز من قتله بأن كان في طريقه على وجه يتعذر أو يتعسر عدم قتله فلا إثم و لا كفارة ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز(3)«على المحرم أن ينكب الجراد إذا كان على طريقه، فان لم يجد بدا فقتل فلا بأس»

و قال معاوية(4)له (عليه السلام) أيضا في الصحيح «الجراد يكون على ظهر الطريق و القوم محرمون فكيف يصنعون؟ قال:

يتنكبون ما استطاعوا، قلت: فان قتلوا منه شيئا ما عليهم؟ قال: لا شي ء عليهم»

و الله العالم.

و كلما لا تقدير لفديته ففي قتله قيمته بلا خلاف أجده فيه كما


1- 1 الوسائل- الباب 37 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 37 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب 38 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب 38 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 249

اعترف به غير واحد، لقاعدة الضمان مع عدم ما يخالفها من نص و نحوه، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح سليمان بن خالد(1)«في الظبي شاة، و في البقرة بقرة، و في الحمار بدنة، و في النعامة بدنة، و فيما سوى ذلك قيمته».

و كذا القول في البيوض التي لا تقدير لفديتها كما عرفت، نعم قد عرفت سابقا أن هذا و نحوه حكم المحرم في الحل و المحل في الحرم، أما المحرم في الحرم فتتضاعف عليه القيمة ما لم تبلغ البدنة كما صرح به في المسالك هنا، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك، و ربما يأتي له تتمة إنشاء الله.

و قيل كما عن المبسوط و الوسيلة و الإصباح في البطة و الإوزة و الكركي شاة و لعله لما تقدم من

صحيح ابن سنان (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «في محرم ذبح طيرا أن عليه دم شاة يهريقه، فان كان فرخا فجدي أو حمل من صغير الضأن»

و لوجوبها في الحمام و هو أصغر منها، و الغالب أن قيمتها أقل من الشاة، لكن لا يخفى عليك ما في الأخير من عدم موافقته لقواعد

الإمامية، كما أن مقتضى الأول عدم الفرق في الطيور.

و لعله لذا قال المصنف و هو تحكم فان تخصيصها من بين الطيور بذلك كذلك، بل قيل إنه خاص بالذبح، مع أنه لا فرق بينه و بين غيره و إن كان قد يدفع الأخير بأنه يتم بعدم القول بالفصل، و على كل حال فما عن ابن حمزة من دعوى الرواية في الكركي خاصة لم نعثر عليها، نعم عن ابن بابويه العمل بمضمون الصحيح المزبور حيث لم يستثن إلا النعامة، و لكنه لندرته قاصر عن معارضة ما سمعت، فما في المدارك- من أنه ينبغي العمل به فيما لم يقم دليل خارج على خلافه، و حينئذ يكون الطير بأنواعه من المنصوص- في غير


1- 1 الوسائل- الباب 1 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.

ج 20، ص: 250

محله، إلا أن الاحتياط حيث لا تكون القيمة أزيد من ذلك لا ينبغي تركه، و الظاهر من التقويم هنا كغيره من المقامات، فيجري البحث في إجزاء العدل الواحد لكونه من باب الاخبار، أو لا بد من التعدد لكونه من باب الشهادة، لكن في القواعد و غيرها يجب أن يحكم في التقويم عدلان عارفان، و لو كان أحدهما القائل أو كلاهما فان كان عمدا لم يجز، و إلا جاز، و استدلوا له بظاهر الآية التي هي المماثل من النعم دون التقويم، و لعدم الاجزاء في حال العمد بالفسق المخرج عن العدالة، إلا أن تفرض التوبة، و أما الإشكال بعدم جواز حكم الإنسان لنفسه كما عن النخعي فيدفعه، أنه لا مانع منه بعد عموم الآية و بعد كونه مالا يخرج في حق الله، فيجوز أن يكون من وجب عليه أمينا فيه كالزكاة.

و لو حكم عدلان بأن له مثلا من النعم و آخران بخلافه ففي كشف اللثام «أمكن ترجيح حكم نفسه، قال: و إن لم يحكم بشي ء و لا وجد آخر يرجح أحدهما فالظاهر التخيير» و في التذكرة عن بعض العامة «أن الأخذ بالأول أولى» قلت: قد سمعت سابقا المراد بالعدل في الآية، و أن منه يعلم خروج هذا الكلام من أصله عن الصواب كما أنه علم أيضا مما ذكرناه سابقا الوجه في أن هذه الخمسة لا بدل لكفارتها على الخصوص اختيارا و لا اضطرارا، و إنما ورد في بدل الشاة عموما إطعام عشرة أو صيام ثلاثة،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن عمار(1)«من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، و في غيرها الاستغفار و التوبة»

و الله العالم.

[فروع خمسة]
اشارة

فروع خمسة:

[الفرع الأول إذا قتل صيدا معيبا]

الأول إذا قتل صيدا معيبا كالمكسور و الأعور فداه بصحيح على الأفضل كما في القواعد و محكي الخلاف، و الأولى كما عن


1- 1 الوسائل- الباب 23 و 24 و 25 و 26 من أبواب كفارات الصيد.

ج 20، ص: 251

التحرير، و الأحوط كما عن التذكرة و المنتهى و على كل حال ف لو فداه بمثله جاز بلا خلاف أجده إلا من أبي علي لظاهر الآية، نعم ينبغي مراعاة المماثلة في العيبية، فيفدي الأعور باليمنى بمثله، و الأعرج بها كذلك لكن في القواعد «و يجزي أعور اليمنى عن أعور اليسار» و لعله لاتحاد نوع العيب، و كون الاختلاف يسيرا لا يخرجه عن المماثلة، و لا بأس به، و كذا يجزي المريض عن مثله إذا كان مريضا بعين مرضه لا بغيره، لمثل ما عرفت، أما مع اختلاف نوع العيب كالعور و العرج فلا يجزي أحدهما عن الآخر كما صرح به غير واحد، لعدم صدق المماثلة، و كذا الحكم في مختلف نوع المرض، و على كل حال فلا ريب في أن الصحيح أفضل و أولى، لأنه زيادة في الخير و في تعظيم الشعائر، و من ذلك يعلم إجزاء الكبير عن الصغير الذي لا خلاف عندنا في إجزاء الصغير من النعم الذي هو مماثل عنه للآية و نصوص الحمل و الجدي و نحوهما، خلافا لمالك، و الله العالم.

و يفدي الذكر بمثله و بالأنثى و كذا الأنثى كما في القواعد و محكي المبسوط و الخلاف لصدق المماثلة المراد منها في الخلقة لا في جميع الصفات حتى اللون و نحوه، و عن بعض الشافعية عدم الاجزاء بالذكر عن الأنثى، بل عن ظاهر التحرير و المنتهى و التذكرة التوقف فيه و القطع بالعكس، قال: لأن لحمها أطيب و أرطب، و قال: لو فدى الأنثى بالذكر فقد قيل إنه يجوز، لأن لحمه أوفر فتساويا، و قيل لا يجوز لأن زيادته ليست من جنس زيادتها فأشبه فداء المعيب بنوع آخر، و لعله لذا قال المصنف و بالمماثل أحوط و إن كان الأقوى ما عرفت للآية و ما تقدم من النصوص في البدنة و الشاة و الحمل و غيرها، و الله العالم.

[الفرع الثاني الاعتبار بتقويم الجزاء وقت الإخراج ]

الثاني الاعتبار بتقويم الجزاء وقت الإخراج لأنه حينئذ ينتقل إلى

ج 20، ص: 252

القيمة، فتجب، و الواجب أصالة هو الجزاء و فيما لا تقدير لفديته وقت الإتلاف لأنه وقت الوجوب، و العبرة في قيمة الصيد الذي لا تقدير لفديته بمحل الإتلاف، لأنه محل الوجوب، و في قيمة البدل من النعم بمنى إن كانت الجناية في إحرام الحج، و بمكة إن كانت في إحرام العمرة، لأنهما محل الذبح، و ربما كان لمسألة ضمان المثلي بمثله- فان تعذر فقيمته، و لضمان القيمي بقيمته وقت الإتلاف أو وقت الأداء أو غير ذلك- مدخلية في الجملة لما هنا، و الله العالم.

[الفرع الثالث إذا قتل ماخضا مما له مثل ]

الثالث إذا قتل ماخضا مما له مثل من النعم يخرج ماخضا بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالشيخ و الفاضلين و الشهيدين و غيرهم، لشمول معنى المماثلة لذلك، نعم عن الشافعي لا يذبح الحامل من الفداء، لأن فضيلتها لتوقع الولد، و قال: يضمنها بقيمة مثلها، لأن قيمة المثل أكثر من قيمة اللحم، و فيه أنه عدول عن المثل مع إمكانه، و لا وجه له، كما لا عبرة بالقيمة مع إمكان المثل، و ربما أشعر نسبة ذلك إلى الشيخ في محكي التحرير و المنتهى بنوع توقف فيه، بل في المدارك احتمال إجزاء غير الماخض قويا لعدم تأثير هذه الصفة في زيادة اللحم، بل ربما اقتضت نقصه، فلا يعتبر وجودها كاللون و لكنه في غير محله.

و لو تعذر يقوم الجزاء ماخضا لأنه هو المثل المتعذر الذي بتعذره ينتقل إلى قيمته، هذا، و لكن في التحرير و التذكرة و المنتهى أنه لو أخرج عن الحامل حائلا ففي الإجزاء نظر، لانتفاء المماثلة، و من أن الحمل لا يزيد في اللحم بل ينقص فيه غالبا، فلا يشترط كاللون و العيب، و كأن هذا التوقف مبني على التوقف في أصل وجوب فداء الماخض بمثلها الذي قد عرفت أني لم أجد فيه خلافا بيننا، و إلا فلا وجه له، و في الدروس «لو لم تزد قيمة الشاة حاملا عن قيمتها حائلا ففي سقوط اعتبار الحمل هنا نظر» و فيه أن عدم اعتباره

ج 20، ص: 253

حيث يراد القيمة، بخلاف ما لو أريد المثل المفروض توقف صدقه عليه، و فيها أيضا «لو زاد جزاء الحامل عن إطعام المقدر كالعشرة في شاة الظبي فالأقرب وجوب الزيادة بسبب الحمل إلا أن يبلغ العشرين، فلا يجب الزائد» و في كشف اللثام يعني على العشرين، إذ لا يزيد قيمة الحمل علي قيمة أمه، و يحتمل وجوبه، لأن الحمل إنما يقوم وحده إذا انفرد، و الآن فإنما المعتبر قيمة الحامل، و يحتمل أن لا يعتبر الزائد عن العشرة بسبب الحمل أصلا للأصل و العمومات، و لو كانت حاملا باثنين فالأحوط إن لم يكن أقوى اعتباره في الفداء إذا أمكن، قال في الدروس: «لو تبين أنها حامل باثنين فصاعدا تعدد الجزاء و القيمة لو كان محرما في الحرم» و هو موافق لما ذكرناه، نعم لا شبهة في اعتباره في القيمة، و في كشف اللثام «إذا لم يزد على العشرة في الشاة و الثلاثين في البقرة و الستين في البدنة» و فيه أن ذلك لا مدخلية له في أصل التقويم، و الله العالم.

[الفرع الرابع إذا أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا حيا ثم ماتا]

الرابع إذا أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا حيا ثم ماتا بالإصابة فدى الأم بمثلها و الصغير بصغير بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل في المدارك نفيه بين العلماء، بل و لا إشكال، لوجوب الأمر بالفداء ملاحظا للذكورة و الأنوثة و الصحة و العيب على حسب ما عرفت و لو عاشا معا أثم و لكن لم يكن عليه فدية لأحدهما إذا لم يعب المضروب، و لو عاب كل منهما أو أحدهما و قد عاش ضمن أرشه لقاعدة الضمان التي لا تفاوت فيها بين الجزء و الكل و الصفة و غير ذلك مما يتعلق به الضمان و لو مات أحدهما فداه لتحقق الموجب دون الآخر، و لو ألقت جنينا ظهر أنه كان ميتا قبل الضرب و الأم حية كما في كشف اللثام لزمه الأرش، و هو تفاوت ما بين قيمتها حاملا و مجهضا (11) قيل كما يضمن ما ينقصه من عضو كالقرن و الرجل على

ج 20، ص: 254

ما يأتي، و لا يضمن الجنين لكون المفروض موته بغير الجناية، بل في كشف اللثام «قيل: و لا يضمنه ما لم يعلم أنه كان حيا فمات بالضرب، لأصل البراءة- ثم قال- و لا بأس به و إن عارضه أصل الحياة» و كأنه أشار بذلك إلى ما في المسالك من أنه لا يعتبر الولد هنا للشك في حياته، و الحكم إنما يتعلق بالحي بعد الولادة، حتى لو علم تحركه قبلها لم يعتد به، لعدم تسميته حينئذ حيوانا و استحسنه في المدارك، و لعله كذلك، و أصالة الحياة لا محل لها هنا، ضرورة أن مقتضى الأصل عدمها، نعم يستفاد من نصوص البيض الضمان للمستعد فضلا عن مجهول الحال بالنسبة إلى الحياة و عدمها زيادة على استعداده، اللهم إلا أن يقال إن ذلك كله داخل في الأرش الذي هو التفاوت المزبور، فتأمل جيدا.

و لو ضرب ظبيا فنقص عشر قيمته احتمل وجوب عشر الشاة كما عن الشيخ و الشهيدين و المزني لوجوبها في الجميع، و هو يقتضي التقسيط، و يحتمل وجوب عشر ثمنها كما عن الشافعي، للحرج المفضي إلى العجز عن الأداء غالبا، و الأقرب وجوب الجزء مع الإمكان و لو بوجود مشارك، و مع التعذر فالقيمة.

و لو أزمن صيدا و أبطل امتناعه وجب كمال الجزاء عند أبي حنيفة، بل و الشافعي في وجه كالفاضل في القواعد لأنه كالهالك، و لذا لو أزمن عبدا لزمه تمام القيمة، بل هو المحكي عن المبسوط، و فيه أنه إنما يضمن ما نقص لا ما ينقص و لعله لذا لم يستجوده في المنتهى، فيتجه حينئذ ضمان الأرش كما يشهد له أنه لو قتله محرم آخر ضمن قيمة المعيب المزمن، و لو أبطل أحد امتناعي مثل النعامة و الدراج ضمن الأرش قطعا، لأنه لبقاء امتناعه الآخر ليس كالهالك.

[الفرع الخامس إذا قتل المحرم حيوانا و شك في كونه صيدا]

الخامس إذا قتل المحرم حيوانا و شك في كونه صيدا لم يضمن

ج 20، ص: 255

للأصل، و كذا لو شك في قتله في الحرم ليتضاعف عليه الفداء إن كان محرما أو تعلق به الحكم إن كان محلا، بل و كذا لو شك في الإصابة و عدمها بلا خلاف أجده فيه إلا ما عن المهذب من ضمان الجزاء، لدعوى أن الأصل الإصابة الواضح منعها، و كذا إذا شك في كونه صيد البر، لكن هذا إذا التبس عليه المقتول بأن احتمل أن يكون شيئا من النعم أو الحيتان مثلا، أما إذا علم عين المقتول و شك في كونه صيدا أو صيد البر ففي كشف اللثام عليه الاستعلام كما قد يرشد إليه

قوله عليه السلام (1)في الجراد «ارمسوه في الماء»

و فيه نظر لأصالة البراءة، و الخبر إنما هو في مقابل من قال إنه صيد بحري لا في مثل الفرض، و أما الشك في تأثير الإصابة بعد العلم بحصولها فستعرف البحث فيه إنشاء الله.

[الفصل الثاني في موجبات الضمان ]
اشاره

« (الفصل الثاني في موجبات الضمان)» و هي ثلاثة: مباشرة الإتلاف و اليد و السبب و في جملة من كتب الفاضل أنها أمران: المباشرة و التسبيب، بل نص في بعضها على دخول اليد في التسبيب، و فيه توسع، و الأمر سهل

[الموجب الأول المباشرة]

أما المباشرة فنقول: قتل الصيد موجب لفديته بلا خلاف أجده فيه و لا إشكال بعد تطابق الكتاب و السنة و الإجماع بقسميه عليه فان أكله أو شيئا منه لزمه فداء آخر عند الشيخ و الحلي و الفاضل و الشهيدين على ما حكي عن بعضهم، بل نسب إلى الأكثر بل إلى المشهور و قيل و القائل الشيخ في محكي الخلاف و الفاضل في القواعد


1- 1 الوسائل- الباب 7 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 256

و محكي الإرشاد يفدي ما قتل و يضمن قيمة ما أكل و هو الوجه عند المصنف وفاقا لمن عرفت، قيل للأصل و

قول الصادق (عليه السلام) في موثق ابن عمار(1)«و أي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فان على كل انسان منهم قيمته، فان اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك»

و حسن منصور بن حازم أو صحيحه (2)عنه (عليه السلام) أيضا قال له: «أهدي لنا طائر مذبوح بمكة فأكله أهلنا فقال لا يرى به أهل مكة بأسا، قال: فأي شي ء تقول أنت؟ قال: عليهم ثمنه».

و لكن فيه أن الأصل لا موقع له بعد العلم بوجوب شي ء عليه بذلك إما الفداء أو القيمة، و ربما زادت القيمة على الفداء أو ساوت أو نقصت، و مع التسليم يجب الخروج عنه بما دل على الأول من النصوص المعتضدة بما سمعت من الشهرة، منها المعتبرة المستفيضة(3)التي فيها الصحيح و الموثق و غيرهما الآتية في مسألة اضطرار المحرم إلى الميتة و الصيد أنه يأكله و يفديه، و منها

صحيح أبي عبيدة(4)الآتي المشهور في مسألة ما لو اشترى محل لمحرم بيض نعام فأكله المحرم، فإنه سأله «عن محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم فقال: على الذي اشتراه للمحرم فداء، و على المحرم فداء، قال: و ما عليهما قال: على المحل جزاء قيمة البيض، لكل بيضة درهم، و على المحرم الجزاء لكل بيضة شاة»

و منها

صحيح زرارة(5)عن أبي جعفر (عليه السلام) «من أكل طعاما

ج 20، ص: 257

لا ينبغي له أكله و هو محرم متعمدا فعليه دم شاة»

و مرفوع محمد بن يحيى (6)«عن رجل أكل من لحم صيد لا يدري ما هو و هو محرم قال: عليه دم شاة»

و صحيح علي بن جعفر(7)سأل أخاه (عليه السلام) «عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا و هم حرم ما عليهم فقال على كل من أكل منهم فداء صيد، على كل انسان منهم على حدته»

و خبر يوسف الطاطري (8)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) صيد أكله قوم محرمون قال: عليهم شاة شاة، و ليس على الذابح إلا شاة».

بل ربما استدل بالنصوص الدالة على تضاعف الفداء بالجناية و الأكل، منها

مرسلة ابن أبي عمير(9)التي هي كالصحيحة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قلت له المحرم يصيد الصيد فيفديه أ يطعمه أو يطرحه قال:

إذا يكون عليه فداء آخر، قلت: فما يصنع به؟ قال: يدفنه»

و نحوها

روايته الأخرى (10)و فيها «قلت أ يأكله؟ قال: لا، قلت: فيطرحه؟ قال: إذا طرحه فعليه فداء آخر، قلت: فما يصنع به قال: يدفنه»

و منها

خبر الحرث بن المغيرة(11)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «عن رجل أكل من بيض حمام الحرم و هو محرم قال: عليه لكل بيضة دم، و عليه ثمنها أو سدسها- إلى أن قال- إن الدماء لزمته لأكله، و الجزاء لزمه لأخذ بيض حمام الحرم»

و إن كان لا يخلو من نظر.

نعم قد يستدل ب

صحيح أبان بن تغلب (12)سأله (عليه السلام) «عن محرمين أصابوا فراخ نعام فذبحوها و أكلوها فقال: عليهم مكان كل فرخ أصابوه و أكلوه بدنة


1- 1 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب 43 من أبواب كفارات الصيد.
4- 4 الوسائل- الباب 24 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
6- 1 الوسائل- الباب 54 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
7- 2 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
8- 3 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 8.
9- 4 الوسائل- الباب 55 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
10- 5 الوسائل- الباب 55 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
11- 6 الوسائل- الباب 44 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
12- 7 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.

ج 20، ص: 258

يشتركون فيهن، فيشترون على عدد الفراخ و عدد الرجال، قال: فان منهم من لا يقدر على

شي ء فقال: يقوم بحساب ما يصيبه من البدن، و يصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما»

لكن ظاهره الاكتفاء بجزاء واحد، و لم نعرف به قائلا كما اعترف به غير واحد، بل عن ظاهر المنتهى الاجتماع على خلافه، و عن فخر الإسلام «لو تضاعف الفداء لكان عليهم أي على كل واحد منهم عن كل جزء أكله من كل فرخ بدنة كاملة، فلو أكل جزئين من فرخين من كل فرخ جزء كان عليه بدنتان» و فيه أنه يمكن دعوى ظهور

قوله (عليه السلام) «على عدد الفراخ و الرجال»

في ذلك، بل و

قوله (عليه السلام) «يصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما»

فيكون معنى

قوله (عليه السلام) «عليهم مكان كل فرخ أصابوه و أكلوه بدنة»

أن على كل منهم مكان كل فرخ أصابوا منه و أكلوا منه بدنة، و على كل حال فهو دال على المطلوب الذي هو وجوب الفداء بالأكل لا القيمة، خصوصا مع روايته بمتن آخر، و هو في قوم حاج محرمين أصابوا فراخ نعام فأكلوا جميعا فقال: عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها فيشترونها على عدد الفراخ و عدد الرجال، و هو كما ترى ليس فيه «ذبحوها» و إنما فيه «أكلوها» خاصة، فيكون مما نحن فيه، و بذلك كله أو بعضه يخرج عن الأصل المزبور بعد تسليم جريانه.

بل ينبغي حمل الموثق (1)المذكور على إرادة الفداء من القيمة فيه، كما أريد منها في آخره، بل ربما كان في قوله «مثل ذلك» إشارة إلى إرادة الفداء من الأول حتى يصح التشبيه، إذ من المعلوم إرادة الفداء في المشبه، لكونه صيدا لا أكلا، بل قد يشهد له أن

الموثق المزبور مروي بطريق(2)


1- 1 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 و فيه« أو أكلوا منه» كما في التهذيب ج 5 ص 351 الرقم 1219 و الكافي ج 4 ص 391.

ج 20، ص: 259

صحيح هكذا «إذا اجتمع قوم محرومون على صيد في صيده و أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته»

و لا ريب في إرادة الفداء من القيمة في القتل، فكذا في الأكل، بل في الرياض «و الفرق بينه و بين الموثق تأدية الجزاء في الصيد و الأكل هنا بلفظ الفداء، و لا كذلك الموثق، لذكر الفداء في خصوص الصيد بلفظه، و في الأكل بالإشارة بلفظ مثل ذلك المحتملة لإرادة المماثلة في نفس الجزاء لا خصوص الفداء، فيحتمل حينئذ إرادة القيمة، و هو و إن بعد أيضا فإن الظاهر من المماثلة ثبوتها في الأمرين إلا أنها ليست نصا فيه، بخلاف الصحيح، فإنه نص فيه. و بعد ضمه إلى الموثق يجعله كالنص، فان أخبارهم عليهم السلم سيما مع اتحاد الراوي و المروي عنه كما هنا يكشف بعض عن بعض، و حينئذ فسبيل هذين الخبرين سبيل الأخبار المتقدمة للمختار بلزوم الفداء

بالأكل، فهي لنا لا علينا» انتهى، و إن كان لا يخلو من نظر يظهر بأدنى تأمل إلا أنه على كل حال تنفق الأخبار جميعا على وجوب الفداء بالأكل لا القيمة.

و أما الحسن أو الصحيح فالظاهر خروجه عما نحن فيه من أكل المحرم، خصوصا بعد ملاحظة

الصحيح الآخر(1)بهذا المضمون المصرح فيه بكون الآكل محلا، قال فيه «عن رجل أهدي إليه حمام أهلي جي ء به و هو في الحرم محل، قال: إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه»

بل لعل المراد من قوله (عليه السلام) «ان أهل مكة» إلى آخره إذا كانوا محلين، بل ربما قيل هو الظاهر، و لعله لذلك لم يستدل الأكثر لما في المتن بالأخبار، بل اعترف في المدارك بعدم الوقوف فيه على دليل يعتد به، و إنما ذكروا له بعض الوجوه الاعتبارية، و من الغريب ما في المدارك فإنه- بعد أن ذكر القولين و ذكر


1- 1 الوسائل- الباب 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.

ج 20، ص: 260

بعض النصوص دليلا للأول و استضعفه و اعترف بعدم دليل للثاني- قال: «و لو لا تخيل الإجماع على ثبوت أحد الأمرين لأمكن القول بالاكتفاء بفداء القتل تمسكا بمقتضى الأصل، و يؤيده صحيح أبان الذي قد سمعته باعتبار عدم ذكره شيئا غير الفداء في مقام البيان» و قد سبقه إلى هذا أستاده الأردبيلي، بل منع

الإجماع، و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، مضافا إلى قاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب بل وافقنا عليه من العامة عطا و أبو حنيفة، و إن فرق الثاني منهما بين الأكل بعد الفداء و قبله، فيضمن القيمة في الأول، و لا يضمن في الثاني، و عن الشافعي و مالك و أبي يوسف و محمد عدم الضمان أصلا، و أجمعوا كما ترى، و ليعلم أن موضوع المسألة على ما صرح به بعض كون القتل و الأكل للمحرم في الحل، لا في الحرم و إلا فيتضاعف الجزاء لو كانا في الحرم و هو محرم، فيأتي على قول المصنف إذا قتل في الحرم و أكل و هو محرم فداء و قيمتان، و إن كان في الحل فداء و قيمة، و عن الوسيلة إطلاق أن على المحرم في الحل قيمتين، و في الحرم الجزاء و قيمتين.

ثم إن الظاهر ما صرح به بعض متأخري المتأخرين من كون الفداء شاة على كل حال للأكل، و صحيح البدنة(1)في البيض محتمل كما في كشف اللثام أن يكون لتضاعف الجزاء، و الله العالم.

و لو رمى المحرم صيدا بلا شريك معه في الرمي فأصابه و لكن علم أنه لم يؤثر فيه أثرا لا جرحا و لا كسرا و لا غيرهما فلا فدية و لكن يستغفر الله تعالى بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر جماعة


1- 1 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 و هذا هو الذي استدل به في كشف اللثام إلا أنه دل على لزوم البدنة في الفراخ لا في البيض.

ج 20، ص: 261

الإجماع عليه، بل و لا إشكال للأصل السالم عن معارض المعتضد ب

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) سأله (عليه السلام) «عن محرم رمى صيدا فأصاب يده فعرج فقال:

إن كان مشى عليها و رعى و هو ينظر إليه فلا شي ء عليه، و إن كان الظبي ذهب على وجهه و هو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فداؤه، لأنه لا يدري لعله قد هلك»

و عن بعض نسخ التهذيب «و جرح فعرج» و عن بعض آخر كالاستبصار الاقتصار على قوله «فعرج» و لعلها الصواب، و لعل في قوله «و هو ينظر إليه» إشارة إلى ما ذكرناه من التقييد بالعلم بعدم التأثير لما ستعرفه من الحكم في صورة الشك، كما أن الظاهر من المتن و غيره بل و النص كون الرامي متحدا فلا يحتاج إلى استثناء حكم الراميين إذا أخطأ أحدهما و أصاب الآخر الذي ستعرفه إنشاء الله.

و لو جرحه ثم رآه سويا صحيحا بلا عيب أو مطلقا ضمن أرشه زمن الجرح كما في القواعد، لأنها إصابة مضمونة دون الإتلاف، و لا مقدر لها شرعا و قيل كما عن النهاية و المبسوط و المهذب و الإصباح و السرائر و الجامع ربع القيمة بل في النافع ربع الفداء، ل

صحيح علي بن جعفر(2)عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن رجل رمى صيدا و هو محرم

فكسر يده أو رجله فمضى الصيد على وجهه فلم يدر الرجل ما صنع الصيد قال: عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع الصيد، فان رآه بعد ان كسر يده أو رجله و قد رعى


1- 1 الوسائل- الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 إلى قوله عليه السلام « إذا لم يدر ما صنع الصيد» و أما الذيل فليس في الوسائل و إنما هو من كلام الشيخ قده في التهذيب بعد ذكر الصحيحة ج 5 ص 359 الرقم 1246.

ج 20، ص: 262

و انصلح فعليه ربع قيمته»

و خبره الآخر(1)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن رجل رمى صيدا فكسر يده أو رجله فتركه فرعى الصيد قال: عليه ربع الفداء»

و خبر أبي بصير(2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل رمى ظبيا و هو محرم فكسر يده أو رجله فذهب الظبي على وجهه فلم يدر ما صنع فقال عليه فداؤه، قلت: فإنه رآه بعد ذلك مشى قال: عليه ربع ثمنه».

إلا أنها كما ترى في كسر اليد و الرجل خاصة، و لا صراحة فيها على البراءة فضلا عن انتفاء التعيب، على أن في الأول و الأخير ربع القيمة و الثمن، و في الثاني ربع الفداء، لكن يمكن إرجاعه إليها كارجاع ما في النافع من التعبير بذلك إليه أيضا، بل في الرياض «أن الفداء بنفسه لا يوجب تربيعه بل قيمته، فعلى هذا المراد ربع قيمة الفداء لا ربع قيمة الصيد كما ربما يتوهم من نحو الصحيحين، لأن مرجع الضمير المجرور فيها إنما هو الفداء المذكور فيهما بعد الصيد قبيل الضمير لا

الصيد، و إن احتمله لبعده و قرب المرجع الأول، لكن ظاهر بعض (3)الأخبار الأخر الرجوع إلى الصيد، لكنه قاصر السند» و إن كان فيه ما لا يخفى من انسياق ربع قيمة الصيد من النص و الفتوى بل كاد يكون صريح ما حكاه في المنتهى عن الشيخ، و قصور سند بعض الأخبار المزبورة لا ينافي تأكد الظن بإرادة ذلك من الضمير على وجه يكون من الظن بالمراد من اللفظ.

و على كل حال فقد عرفت عدم نص الجرح، و لعله لذا كان المحكي


1- 1 الوسائل- الباب 28 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 و ذيله في الباب 28 منها الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.

ج 20، ص: 263

عن والد الصدوق و المفيد و الحلبي و الديلمي و ابن حمزة التصدق بشي ء، بل عن الفاضل في المختلف اختياره في الدماء، قال «لأنه جناية لا تقدير فيها» و فيه أن المتجه الأرش إن أوجبنا الضمان في أجزاء الصيد كما حكي عليه الإجماع في المنتهى لا التصدق بشي ء، و احتمال إرادة الأرش من الشي ء في العبارات المزبورة مع أنه خلاف الظاهر يدفعه تصريح المفيد منهم بالتصدق بشي ء مع انتفاء العيب، و إلا فالأرش، كما أن دعوى الإجماع المركب على عدم الفرق بين الجرح و الكسر- و إن اختلفوا في الفداء و ربع القيمة كما عسا يظهر من المسالك و غيرها فلا بد إما من العمل بقاعدة الأرش و طرح النصوص المزبور أو العمل بالنصوص و تخصيص القاعدة بها في الكسر و

الجرح- واضحة المنع بعد ظهور كثير من العبارات كما في الرياض في اختصاص إلحاق الجرح بالكسر بالشيخ فالتحقيق الاقتصار على مضمونها و إبقاء الجرح على قاعدة الأرش، بل ربما أيد ذلك بما عن

الفقه المنسوب (1)إلى الرضا (عليه السلام) «فان رميت ظبيا فكسرت يده أو رجله فذهب على وجهه لا يذري ما صنع فعليك فداؤه، فإن رأيته بعد ذلك يرعي و يمشي فعليك ربع قيمته، و إن كسرت قرنه أو جرحته تصدق بشي ء من طعام»

بناء على الأرش من الشي ء فيه جمعا بينه و بين القاعدة المزبورة، و إن كان هو كما ترى، نعم قد يقال بالتصدق بشي ء يحتمل انطباقه على الأرش في حال عدم العلم بالأرش كما هو الغالب بعد العلم ببقائه، ضرورة أصالة براءة الذمة من التكليف، بالزائد كما حققناه في كتاب الديات و غيره من نظائر المقام، و الله العالم.

هذا كله مع علمه بحاله بعد جرحه إياه و إن كان لم يعلم حاله بعد جرحه فضلا عن كسر يده أو رجله لزمه الفداء كما صرح به الصدوق و السيد و الشيخان و ابنا حمزة و البراج و غيرهم على ما حكي عن


1- 1 المستدرك- الباب 22 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 264

بعضهم، بل لا أجد فيه خلافا بينهم، بل في المنتهى بل عن الانتصار و الخلاف و الجواهر الإجماع عليه، و هو الحجة بعد ما سمعته من

النصوص و غيرها المشتملة على التعليل بأنه لا يدري لعله هلك الذي منه مضافا إلى الإجماع المزبور يظهر عدم البأس في اختصاص موردها بالكسر هنا، على أنه في المنتهى روى

خبر أبي بصير(1)السابق «فأصاب يده و جرح»

بل في

قوي السكوني (2)عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام «في المحرم يصيب الصيد فيدميه ثم يرسله قال: عليه جزاؤه»

بناء على أن المنساق من الجزاء الفداء الكامل، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من الوسوسة في هذا الحكم بأخصية الروايات من المدعى في غير محله، كالمحكي عن العامة من القول بأن الجراحة إن كانت موجبة أي لا يعيش معها المجروح غالبا ضمن جميعه، و إلا ضمن ما نقص و الله العالم.

و كذا يضمن الفداء كاملا لو أصابه و لم يعلم أنه أثر فيه أولا كما في القواعد و غيرها و محكي النهاية و السرائر و الجامع و محتمل كلام الحلبيين الذي منه ما عن الغنية من الإجماع على أنه إذا أصاب فغاب الصيد و لم يعلم حاله ضمن فداءه، و ما عن الجواهر من الإجماع على أنه يضمن الجزاء بل عن ابن فهد في المهذب ما يفهم منه الإجماع على ذلك، بل ربما يفهم من غيره أيضا، و لعله لما سمعته من التعليل في النصوص المزبورة المعتضد بما قيل من غلبة التأثير مع فرض حصولها، بخلاف الشك فيها فإنه لا غلبة في الإصابة، اللهم إلا

أن يفرض كون الرمي كذلك، و على كل حال فإذا بني على التأثير رجع إلى المسألة الأولى، و إن كان قد يناقش بأن غاية ذلك بعد تسليمه


1- 1 الوسائل- الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.

ج 20، ص: 265

حصول الظن، و اعتباره في نحو المقام من موضوعات الأحكام يحتاج إلى دليل، و ليس، و موضوع المسألة الأولى في ظاهر النصوص و الفتاوى صورة القطع به لا الظن و لعله لهذا عزاه المصنف في النافع و الفاضل في التحرير إلى القيل مشعرين بتمريضه، لأصلي البراءة و عدم التأثير مع انتفاء نص فيه، بخلاف المسألة الأولى التي لو لا النص لكان المتجه فيها عدم الضمان أيضا، و لكن فيه أن التعليل المزبور المعتضد بما سمعته من محتمل الإجماع المحكي و غيره بل و ربما يفهم من الأدلة من شدة الاحتياط في مراعاة الحرم و الإحرام كاف في إثبات الحكم المزبور، و مما ذكرنا ظهر لك الحال في الصور الخمسة، و الله العالم.

و لا خلاف أجده بيننا في أن ضمان أبعاض الصيد كجميعه، بل قد سمعت سابقا من المنتهى دعوى الوفاق عليه، بل هو مقتضى ضمان الجملة، بل عنه أيضا و عن التذكرة و الخلاف أنه لم يخالف فيه إلا أهل الظاهر، نعم روى أبو بصير(1)عن أبي عبد الله عليه السلام في كسر قرني الغزال نصف قيمته، و في كل واحد ربع قيمته و في عينيه كمال قيمته، و في كسر

إحدى يديه نصف قيمته، و كذا في إحدى رجليه قال: ما هذا لفظه

«قلت: ما تقول في محرم كسر إحدى قرني الغزال في الحل؟ قال: عليه ربع قيمة الغزال، قلت فان كسر قرنيه قال: عليه نصف قيمته يتصدق به، قلت فان هو فقأ عينيه قال: عليه قيمته، قلت: فان هو كسر إحدى يديه قال: عليه نصف قيمته، قلت: فان هو كسر إحدى رجليه قال: عليه نصف قيمته، قلت: فان هو فعل به و هو محرم في الحل قال: عليه دم يهريقه، و عليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم»

و عمل به في القواعد و فوائد الشرائع و محكي النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذب و السرائر و الجامع و الإرشاد بل و المختلف في خصوص العين، بل نسبه


1- 1 الوسائل- الباب 28 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.

ج 20، ص: 266

غير واحد إلى الشهرة الجابرة لما في الخبر من الضعف، مضافا إلى علم نحو الحلي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد المعتبرة فضلا عن الضعيف منها إلا بعد القرائن القطعية.

و لكن مع ذلك قال المصنف في الرواية ضعف و هو إن كان كذلك لما في المدارك من أن في طريقها عدة من الضعفاء منهم أبو جميلة المفضل ابن صالح، و قيل إنه كان كذابا يضع الحديث، و تبعه على ذلك غيره، فاختاروا الأرش كالمحكي عن ظاهر الخلاف بل في كشف اللثام و به قال المفيد و سلار و كذا الحلبيان في الكسر، بل ربما عورض بخبري أبي بصير(1)و صحيح علي بن جعفر(2)المتقدمة، إلا أنك قد عرفت انجبار الضعف بما سمعت، و خبر أبي بصير أحدهما في العرج، و الآخر في الكسر، و صحيح علي بن جعفر في الكسر الذي قد بري ء منه لأن المفروض فيها أنه قد صلح و رآه يرعى، فلا تنافي حينئذ بين النصوص، و لذا حكي عن النهاية و المبسوط و المهذب و السرائر أنه إن أدماه أو كسر يده أو رجله ثم رآه صح فعليه ربع الفداء، بل عن الفاضل في المختلف موافقتهم على ذلك، و إن قال إنا لم نقف على حجة على التسوية بين الإدماء و الكسر، و لكن قد سمعت ما رواه السكوني (3)في القوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، و عن سلار أن فقأ عين الصيد أو كسر قرنه تصدق بصدقة و في كشف اللثام لكنه حكم بالأرش في الجرح مطلقا إذا بقي معيبا، فيجوز أن يريد بالصدقة الأرش كما صرح به المفيد، و إن كان هو كما ترى.


1- 1 الوسائل- الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 و 3.
2- 2 الوسائل- الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 راجع التعليقة 2 من ص 261.
3- 3 الوسائل- الباب 27 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.

ج 20، ص: 267

و من ذلك يظهر لك أن دعوى معارضة ما سمعته في ترجيح الأول بالمثل- باعتبار دعوى جماعة كون ذلك خلاف مذهب الأكثر من تعين الأرش كما هو مقتضى الأصل بناء على ما ظاهرهم الاتفاق عليه من ثبوت ضمان أجزاء الصيد- في غير محلها و إن قال ذلك في المدارك و الحدائق، إلا أن التتبع يشهد بخلافها، و كذا دعوى زيادة و هن الرواية بفتوى من عرفت من

الديلمي و غيره ممن لا يعمل بالآحاد بخلافها، مع أنها بمنظر منهم، بل رواها في الغنية بعد الفتوى بالأرش، و هذا مما يوهنها زيادة على ما فيها من الضعف، إذ لا يخفى عليك أن إعراض هؤلاء عنها لعدم قرائن دلتهم على صحتها بناء منهم على عدم جواز العمل بخبر الواحد الصحيح، و على كل حال فالمتجه العمل بها، و لكن ينبغي الاقتصار على مضمونها، و في غير الأرش، و في

خبر آخر لأبي بصير(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن محرم كسر قرن ظبي قال: يجب عليه الفداء، قال: قلت: فان كسر يده قال: إن كسر يده و لم يرع فعليه دم شاة»

و لعل المراد بالفداء فيه الربع الذي في خبره السالف، و بوجوب الشاة باعتبار أنه لم يره يرعى و لعله هلك كما عرفت الكلام فيه سابقا، و حينئذ يكون مؤيدا للمختار، بل لعل صحيح الحلبي (2)و

خبر عبد الغفار الجازي (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا كذلك، قال في الأول: «إذا كنت حلالا فقتلت الصيد في الحل ما بين البريد إلى الحرم فان عليك جزاؤه، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة»

و قال في الثاني «سألت أبا عبد الله (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب 28 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب 32 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 12 و ذيله في الباب 32 منها الحديث 2.

ج 20، ص: 268

عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة- إلى أن قال و ذكر- انك إذا كنت حلالا و قتلت الصيد ما بين البريد و الحرم فان عليك جزاؤه، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة»

بحمل الصدقة فيه بالنسبة إلى القرن و العين على ما ذكر في الخبر السابق، و بالنسبة إلى غيره على الأرش، و الله العالم.

و لو اشترك جماعة في قتل صيد ضمن كل واحد منهم فداء بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه صريحا و ظاهرا مستفيض كالنصوص، منها

صحيح عبد الرحمن (1)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجلين أصابا صيدا و هما محرمان الجزاء بينهما أم على كل واحد منهما جزاء، قال:

لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد، قلت: إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه، فقال: إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا»

و صحيح زرارة و بكير(2)عن أحدهما عليهما السلام «في محرمين أصابا صيدا فقال: على كل واحد منهما الفداء»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على الحكم المزبور، و مثله الاجتماع في الأكل الذي تقدم من النصوص ما يدل (3)عليه أيضا، مضافا إلى

الخبر(4)الذي رواه المشايخ الثلاثة «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم محرمين اشتروا صيدا فاشتركوا فيه فقالت رفيقة لهم اجعلوا لي فيه بدرهم فجعلوا لها فقال: على كل إنسان منهم فداء»

و في محكي الفقيه و التهذيب شاة، بل صرح الفاضل و الشهيدان بعدم الفرق في ذلك بين المحرمين و المحلين و المختلفين، فيلزم كل منهم حكمه لو كان منفردا، فيجتمع على المحرم منهم في الحرم الفداء و القيمة، و على المحل القيمة، و لو اشتركا فيه في الحل لم يكن على المحل شي ء، و على المحرم الفداء


1- 1 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 0.
4- 4 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.

ج 20، ص: 269

بل في الرياض أن مورد النصوص و إن كان جماعة محرمين إلا أن إطلاق الفتاوى يشملهم و غيرهم من المحلين في الحرم و المتفرقين، و به صرح جماعة منهم الشهيدان في الدروس و المسالك تبعا للعلامة في التحرير و المنتهى، و ظاهرهم سيما الأخير أنه لا خلاف فيه بيننا إلا من الشيخ في التهذيب في المحل و المحرم إذا اشتركا في صيد حرمي فأوجب على المحرم الفداء كاملا و على المحل نصف الفداء، و عن بعض العامة فيه أيضا فأوجب فداء واحدا عليهما، و إن كان قد يناقش بمنع شمول إطلاق

الفتاوي لمثل الفرض بعد أن كان المذكور فيها الفداء الذي هو خاص بالمحرمين، و احتمال إرادة ما يشمل القيمة منه ليس بأولى من إرادة خصوص المحرمين، بل هو أولى باعتبار غلبة تعبير الأصحاب بمضمون النصوص و رجحان التخصيص على المجاز مع التعارض، و خصوصا هنا، لانصراف الإطلاق في كلامهم المنساق في بيان ما يجب على المحرم من الكفارات إليه دون المحل و لو في الحرم، و إنما ذكر سابقا تبعا له، و دعوى ثبوت الحكم بإطلاق ما دل على الحكم في كل منهما يدفعها انصراف الإطلاق المزبور إلى استقلال كل منهما بالقتل لا في صورة استناد القتل إليهما على وجه الشركة المقتضية خلاف ذلك، و لعله لذا توقف في التعميم بعض متأخري المتأخرين، اللهم إلا أن يقال إنه يستفاد من نصوص المقام ترتب الفداء بالاشتراك المزبور الذي مقتضاه أن الجزء المنضم من المحرم كاف، و لا فرق فيه بين كون الشريك محرما أو محلا، كما أنه يستفاد بمعونة ما سمعت من التصريح من جماعة من الأساطين أن الجزء المنضم من المحل كذلك، و حينئذ فإذا قتل المحلون في الحرم كان على كل منهم قيمته، و إذا اشترك المحرم و المحل ترتب على كل منهما حكمه كما لو كان مستقلا، أما إذا كان محلا و محرما في غير الحرم لم يكن على المحل شي ء.

ج 20، ص: 270

و كيف كان فما سمعته من الشيخ شاذ و إن كان قد يشهد له

خبر إسماعيل ابن أبي زياد أو قوية(1)عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال: «كان علي (عليه السلام) يقول في محرم و محل قتلا صيدا فقال: على المحرم الفداء كاملا، و على المحل نصف الفداء»

لكن يمكن إرادة القيمة من نصف الفداء فيه، و إلا كان شاذا، إلا أنه يعلم منه عدم هدر جناية المحل بغرامة المحرم الفداء كاملا، و ليس إلا القيمة، إذ احتمال نصفها و إن كان لا يخلو من وجه لأنه مقتضى التوزيع في جنايته، بل يمكن إرادته من نصف الفداء على معنى نصف قيمته إلا أن لا قائل به، اللهم إلا أن يكون هو المراد ممن منع التعميم من متأخري المتأخرين، و لا ريب في أن الأحوط إن لم يكن أقوى وجوب تمام القيمة على المحل، و الله العالم.

و من كان محرما في الحرم ف ضرب بطير على الأرض فقتله بعد أن اصطاده فيه كان عليه دم و قيمتان: إحداهما للحرم و أخرى لاستصغاره كما في القواعد و غيرها و محكي النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و غيرها و الأصل فيه

خبر معاوية بن عمار(2)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في محرم اصطاد طيرا في الحرم فضرب به الأرض فقتله قال: عليه ثلاث قيمات قيمة لإحرامه، و قيمة للحرم، و قيمة لاستصغاره أباه»

المنجبر بالشهرة بل عدم الخلاف، و إن اختلفوا في التعبير عن ذلك، فمنه ما عرفت، و في النافع التعبير بلفظه، و في محكي الوسيلة و المهذب التعبير بالجزاء و قيمتين، و لعله أولى من غيره، إذ يشكل الأخذ بظاهره مع ما عرفت من ثبوت الدم في بعض الطيور التي يمكن دعوى انصراف الحمام من مفردها هنا، و قد تقدم أن فيه شاة، و من هنا عبر من عرفت بالدم و قيمتين حاملا للقيمة الأولى على الدم، خصوصا


1- 1 الوسائل- الباب 21 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 45 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 271

بعد ملاحظة التعليل في الخبر بأن إحدى القيم للإحرام الذي قد سمعت إيجابه في الحمام أو في مطلق الطير الدم، إلا أنه بعد منع دعوى انصراف خصوص الحمام وجب إرادة الجزاء منها الشامل للدم و القيمة، و حينئذ فالدم في عبارة من سمعت مثال، و لا استبعاد في إرادة الجزاء من القيمة، بل ربما ادعي شيوعه في ذلك، و أما قوله (عليه السلام) فيه «لاستصغاره إياه» فيحتمل عود الضمير فيه للحرم من حيث الاستخفاف بجاره و للطير، و حينئذ فينسحب فيما إذا فعله في الحل، و عن الشهيد في بعض تحقيقاته أن استصغاره يرجع إلى قصده، فان قصد استصغاره بالحرم لزمه دم و قيمتان إن كان الفعل بالحرم، و إن كان في غير الحرم فعليه القيمة لا غير، و إن قصد الاستصغار بالصيد لزمه مطلقا القيمتان سواء كان في الحل أو الحرم، و لكن لا يخفى عليك ما فيه من الخروج عن النص بغير دليل، إذ من الجائز أن تكون العلة استصغار الطير في الحرم، فلا يتعدى الحكم إلى غير محل الفرض، بل لعل قوله «و إن قصد الاستصغار بالصيد» إلى آخره إحداث قول ثالث خارج عن مدلول النص و فتوى الأصحاب، على أنه لم يذكر حكم عدم قصد شي ء من الأمرين، مع أنه أشكل الأقسام، بل لعله الظاهر من النص، فان القصد غير محرز عنه، و الاستصغار يمكن أن يكون نشأ من الفعل لزوما و إن لم يقصده، بل لعل الأقوى اختصاص الحكم بموضع اليقين، و هو قتل الصيد بالضرب في الأرض في الحرم سواء قصد الاستصغار أم لم يقصد، و رجوع ما عداه إلى الأحكام المقررة.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى القتل بالضرب، و ربما احتمل أنه ضربه ثم قتله بذبح أو غيره، و لكنه كما ترى، نعم ربما كان مقتضى التعليل المزبور وجوب الكفارة أيضا في غير هذا الفرد من الاستصغار إلا أنه لا جابر له بالنسبة إلى ذلك، و من هنا يتجه الجمود على ما فيه من خصوص الطير و خصوص هذا الفرد من

ج 20، ص: 272

الاستصغار، بل الظاهر عدم اندراج الجراد سيما الدبا منه في المنساق من الطير و إن قلنا بلحوق فرخ الطير في الحكم به على إشكال، و بالجملة ينبغي الاقتصار على مدلول الخبر ملاحظا فيه الانجبار، فلا يلحق غير الطير لو ضرب به الأرض فقتله و إن احتمل، لكنه في غير محله، نعم قد زاد الأكثر التعزير مع ذلك، و لعله لثبوته على كل معصية، مضافا إلى تأييده ب

خبر حمران (1)قال لأبي جعفر (عليه السلام): «محرم قتل طيرا فيما بين الصفا و المروة عمدا قال: عليه الفداء و الجزاء و يعزر، قال: قلت: فإنه قتله في الكعبة عمدا قال: عليه الفداء و الجزاء و يضرب دون الحد و يقام للناس كي ينكل غيره»

و الله العالم.

و من كان محرما و شرب لبن ظبية في الحرم بعد أن اجتذبها و احتلبها لزمه دم و قيمة اللبن ل

خبر يزيد بن عبد الملك (2)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل مر و هو محرم في الحرم فأخذ عنز ظبية فاحتلبها و شرب لبنها قال: عليه دم و جزاء للحرم عن اللبن»

و ضعفه منجبر بعمل الأصحاب به إلا الحلي، فإنه أفتى به أيضا، و لكن قال على ما روي في بعض الأخبار، نعم وقع اختلاف بينهم في التعبير عنه، لأنه اشترط فيه الإحرام و الحرم جميعا، و أغفل في النافع و محكي الوسيلة الحرم، و أغفل المصنف و الفاضل الإحرام، و المتجه اعتبار الجميع، للقطع حينئذ بحصول الانجبار، بل في محكي التذكرة و المنتهى زيادة الاستدلال بأنه شرب ما لا يحل شربه، إذ اللبن كالجزء من الصيد، فكان ممنوعا منه، فيكون كالأكل لما لا يحل أكله، فيدخل في

قول


1- 1 الوسائل- الباب 44 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 54 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 مع الاختلاف.

ج 20، ص: 273

الباقر (عليه السلام)(1)«من نتف إبطه- إلى أن قال- أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة»

إذ لا فرق بين الأكل و الشرب، ثم قال: «و أما وجوب قيمة اللبن فلأنه جزء صيد، فكان عليه قيمته» و إن كان ما ذكره لا يخلو من نظر أو منع، كقوله في القواعد و ينسحب الحكم في غيرها أي الظبية من بقرة و نحوها بالتقريب الذي سمعته منه، فان الحكم مخالف للأصل، فينبغي الاقتصار فيه على النص في محل الانجبار، و كذا ما عن الشهيد من احتمال وجوب القيمة على المحل في الحرم و الدم على المحرم في الحل، و احتمال القول بأن

قوله (عليه السلام):

«و جزاء للحرم عن اللبن»

يرشد إلى ذلك يدفعه أولا عدم الجابر له بالنسبة إلى ذلك، و ثانيا احتمال أن المقتضي لوجوب كل من الأمرين اجتماع الوصفين: الإحرام و الوقوع في الحرم، و لا ينسحب الحكم فيمن حلب فشرب غيره أو تلف اللبن لما عرفت، و إن احتمل أيضا أن يكون عليه أحد الأمرين من الدم أو القيمة، قيل: و كذا إذا حلب فأتلف اللبن لكون الإتلاف كدفن المذبوح، و يمكن كونه كالشرب، و لا يخفى

عليك ما في الجميع بعد ما عرفت، و الله العالم.

و لو رمى الصيد و هو حلال فأصابه و هو محرم لم يضمنه بلا خلاف أجده بين من تعرض له كالشيخ و الفاضل و غيره، بل و لا إشكال، لافتتاح الجناية على عدم الضمان فيتبعها ما تولد منها كما حررناه في كتاب القصاص و الديات، و لا ينافي ذلك حكمهم بوجوب الفدية فيما لو رماه في الحل فمات في الحرم، إذ هو إن سلم فالله ليل المخرج له عما يقتضيه الأصل المزبور.

و كذا الكلام لو جعل في رأسه ما يقتل القمل ثم أحرم فقتله كما صرح به من عرفت، نعم قيده الكركي بما إذا لم يتمكن من الإزالة


1- 1 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 274

حال الإحرام، و إلا ضمن، و لا بأس به كما اعترف به في المدارك، ضرورة عدم كونه مع التمكن من التوليد الذي يتبع الابتداء و مع ذلك هو أحوط، و كذا الكلام لو نصب شبكة للصيد محلا فاصطادت محرما أو احتفر بئرا كذلك، و لو لم يقصد الصيد بها لم يضمن للأصل و غيره، و الله العالم.

[الموجب الثاني اليد]

الموجب الثاني اليد التي إثباتها على الصيد حرام على المحرم إجماعا و نصا(1)، بل هي سبب الضمان إذا تلف قبل الإرسال و لو حتف أنفه

كالغصب، فإن أخذه ضمنه بالأخذ، و إن كان معه ضمنه بإهمال الإرسال.

و كيف كان ف من كان معه صيد فأحرم زال ملكه عنه كما صرح به الشيخ و القاضي و الفاضلان و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل ظاهر غير واحد منهم الفاضل في محكي المنتهى اتفاق الأصحاب عليه، بل عن الخلاف و الجواهر الإجماع عليه صريحا، و لعله العمدة في إثبات ذلك لا ما قيل من أنه لا يملكه ابتداء فكذا استدامة، و عموم الآية(2)فإن صيد البر فيها ليس مصدرا و لأنه وجب عليه إرساله كما في النافع و القواعد و غيرهما و محكي المبسوط و الغنية و الإصباح، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه و لو كان باقيا على ملكه كان له تصرف الملاك في أملاكهم، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي سعيد المكاري (3): «لا يحرم أحد و معه شي ء من الصيد حتى يخرجه من ملكه، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه، فان لم يفعل حتى


1- 1 كنز العمال ج 5 ص 257 الرقم 5197 و سنن البيهقي ج 6 ص 90.
2- 2 سورة المائدة- الآية 97.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب 34 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 و تمامه في التهذيب ج 5 ص 362 الرقم 1257.

ج 20، ص: 275

يدخل الحرم و مات لزمه الفداء»

و خبر بكير بن أعين (1)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم فقال:

إن كان حين أدخله الحرم خلى سبيله فلا شي ء عليه، و إن أمسكه حتى مات فعليه الفداء»

لوضوح منع التلازم في الأول بعد تسليم الحكم في الابتداء الذي يمكن منعه إن لم يكن إجماعا لإطلاق الأدلة، و خصوص النصوص (2)الآتية في مسألة الاضطرار إلى أكل الميتة أو الصيد المصرحة بأولوية أكل الصيد لأنه ماله بخلاف الميتة، فلا حظ، و عدم دلالة الآية بعد تسليم إرادة غير المصدر من الصيد فيها إلا على حرمة الإبقاء، قيل فلا يفيد فساده إلا إذا اقتضاه النهي و كان ذاكرا، و يمكن منع الاقتضاء المزبور، و لو سلم فالدليل أخص من المدعي، فإنه قد ينسى، على أن المنساق منه حرمة الأكل و نحوه من التصرفات لا ما يشمل بقاء الملكية، و وضوح بطلان كل من الملازمة و اللازم، مضافا إلى ضعف الخبر و عدم الجابر، خصوصا بعد ما قيل من عدم ظهور ما في الغنية ظهورا يعتد به، و أن مفاد الخبر الأول وجوب الإرسال بعد دخول الحرم لا بعد الإحرام، و عدم دلالة الخبر الثاني على المطلوب بوجه، و إنما فيه الفداء و عدمه و من هنا قد مال غير واحد من متأخري المتأخرين إلى المحكي عن الإسكافي و الشيخ من عدم الخروج عن الملك، للأصل الذي عرفت انقطاعه بالإجماع المعتضد بشهرة الأصحاب المؤيد بما سمعت من الأمور المزبورة، بل يمكن دفع هذه المناقشات كلها و لو بملاحظة الإجماع المزبور كما تسمع إنشاء الله فيما يأتي ما يستفاد منه ذلك و تظهر الفائدة فيما لو أخذه آخذ أو جنى عليه جان، فعلى المختار لا ضمان بخلاف القول الآخر، و لعل الأمر بالإرسال مشعر


1- 1 الوسائل- الباب 36 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 43 من أبواب كفارات الصيد.

ج 20، ص: 276

بلحوقه بالوحوش، و الله العالم.

و كيف كان فلو مات حتف أنفه فضلا عما لو أتلفه قبل إرساله الممكن له لزمه ضمانه كما صرح به غير واحد، بل في محكي المنتهى الإجماع عليه منا و من القائلين بوجوب الإرسال، قال: لكونه حينئذ مضمونا بالدخول تحت اليد العادية، فكان كالمغصوب، بل ظاهر إطلاقه كالمتن و غيره عدم الفرق في ذلك بين الحرم و غيره، لكن الخبرين السابقين دلا على ذلك في الحرم، بل ظاهر أولهما اختصاص الحكم به إلا أنه ضعيف لا يصلح معارضا للإجماع المحكي المعتضد بإطلاق الأصحاب.

نعم لو لم يمكنه الإرسال حتى تلف فلا ضمان كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف في الرياض، و لعله للأصل السالم عن معارضة الخبرين بعد انسياقهما إلى صورة الإمكان، بل و الإجماع المحكي بعد اعتراف حاكيه بعدم الضمان في الفرض، و إن كان مقتضى تعليله الضمان كما هو المحكي عن العامة، بل عن التذكرة أن فيه وجهين، بل قد يدعى تناول إطلاق المتن و نحوه له، و لا ريب في أنه الأحوط و إن كان الأقوى الأول.

و لو لم يرسله حتى أحل و لم يكن قد أدخله الحرم فلا شي ء عليه سوى الإثم، للأصل و غيره، و لكن في وجوب إرساله بعد الإحلال قولان أحوطهما إن لم يكن أقواهما ذلك إذا كان قد وجب عليه حال الإحرام بأن كان متذكرا فأهمل، بل الأحوط ذلك مطلقا، بل عن ظاهر الشهيد وجوبه، و إن كان القول بالعدم فيه لا يخلو من قوة، و على القول بعدم الوجوب كما جزم به الفاضل في القواعد جاز له ذبحه كما عن المنتهى و التذكرة التصريح به، لكن قال في الأخير: و في الضمان إشكال من حيث تعلقه به بسبب الإمساك بل عن المنتهى الوجه لزوم الضمان لذلك، و فيه أنه لا دليل على الضمان، و لو أرسله ثم

ج 20، ص: 277

اصطاده لم يضمن قطعا، و عن المنتهى و التحرير «أنه لما زال ملكه عنه فلا يعود إليه بعد الإحلال إلا بسبب آخر» و مراده إما بأن يرسله ثم يصطاده أو يأخذه ممن يصطاده أو يكتفي بنية التملك ثانيا.

و لو أرسله من يده مرسل فلا ضمان عليه، خلافا لأبي حنيفة، لأنه فعل ما يلزمه فعله، فكان كمن دفع المغصوب إلى مالكه من يد الغاصب، و لو أدخله الحرم ثم أخرجه ففي المسالك وجب إعادته إليه للرواية، فإن تلف قبل ذلك ضمنه» و نوقش بمنع كونه من صيد الحرم بمجرد الإدخال، على أن النصوص مختصة بالطير كما تسمع إنشاء الله.

و لو كان الصيد بيده وديعة أو عارية أو شبههما و تعذر المالك ففي المسالك أيضا «دفعه إلى وليه، و هو الحاكم أو وكيله، فان تعذر فالى بعض العدول، فان تعذر أرسله و ضمن» و لا يخلو من نظر أيضا.

هذا كله إذا كان الصيد معه و لو كان الصيد نائيا عنه لم يزل ملكه كما في النافع و القواعد و غيرهما، بل محكي المبسوط و الخلاف و إن قالا في منزله تبعا لما تسمعه من النص كالمحكي عن الجامع من عدم وجوب التخلية إذا كان في منزله للأصل و

صحيح جميل (1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يحرم و هو في منزله قال: و ما به بأس لا يضره»

و صحيح ابن مسلم (2)سأله (عليه السلام) «عن الرجل يحرم و عنده في أهله صيد إما وحش و إما طير قال: لا بأس»

و حينئذ فله البيع و الهبة و غيرهما كما في المنتهى و التحرير التصريح به، بل في المسالك و غيرها و كما لا يمنع الإحرام استدامة ملك البعيد لا يمنع ابتدائه أي للبعيد، فلو اشترى صيدا أو اتهبه أو ورثه انتقل إلى ملكه أيضا، و لعله للأصل و إطلاق الأدلة،


1- 1 الوسائل- الباب 34 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 34 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.

ج 20، ص: 278

لكن عن بعض المنع في الأول، و عن ظاهر الشيخ المنع في الثاني، و لعله لتحريم الصيد بناء على إرادة غير المصدر منه، و فيه منع خصوصا بملاحظة قوله تعالى (1)«وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» نعم

سأل أبو الربيع (2)الصادق (عليه السلام) «عن رجل خرج إلى مكة و له في منزله حمام طيارة

فألفها طير من الصيد و كان مع حمامه قال: فلينظر أهله في المقدار أي الوقت الذي يظنون أنه يحرم فيه، و لا يعرضون لذلك الطير و لا يفزعونه و يطعمونه حتى يوم النحر و يحل صاحبهم من إحرامه»

لكن لضعف سنده حمله غير واحد على الاستحباب، على أنه ليس من الصيد للمحرم مع صيد أهله له، و طيوره ليست آلة صيد له، كما هو واضح، و الله العالم.

و لو أمسك المحرم صيدا في الحل فذبحه محرم آخر ضمن كل منهما فداء كاملا بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل عن الخلاف و التذكرة الإجماع عليه، بل و لا إشكال قطعا في الثاني بل و الأول، لأولويته من الضمان بالدلالة و المشاركة في الرمي بدون إصابة، فما عن الشافعية من أن فيه وجهين أحدهما أن الفداء على القاتل، و الآخر أنه بينهما في غير محله.

و لو كانا في الحرم تضاعف الفداء بوجوب القيمة معه ما لم يكن يبلغ بدنة كما مضى و يأتي إنشاء الله.

و لو كانا محلين في الحرم لم يتضاعف لعدم هتكه غير حرمة الحرم.

و لو كان أحدهما أي الذابح أو الممسك محرما و الآخر محلا تضاعف الفداء في حقه لوجود سببه دون المحل الذي لم يهتك حرمه الإحرام، كما هو واضح و (11) من هنا لو أمسك المحرم الصيد في الحل


1- 1 سورة المائدة- الآية 3.
2- 2 الوسائل- الباب 34 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 279

فذبحه المحل فيه ضمنه المحرم خاصة دون المحل.

و لو نقل المحرم أو المحل في الحرم بيض صيد عن موضعه ففسد بالنقل و نحوه ضمنه كما صرح به غير واحد، بل عن الشيخ نسبته إلى الأخبار، و لعله يريد أخبار الكسر، بل في المسالك الأقوى ضمانه ما لم يتحقق عدم خروج الفرخ منه سليمان، فلو جهل الحال ضمنه أيضا، و هو ظاهر كلام الدروس، قلت: لعله يومي إليه ما سمعته فيمن رمى صيدا فأصابه فغاب فلم يعرف حاله و غير ذلك مما تقدم في نصوص بيض النعام.

و لو أحضنه طير آخر فخرج الفرخ سليما لم يضمنه كما صرح به غير واحد للأصل، و كذا لو كسره فخرج فاسدا على الأقوى، و ربما احتمل الضمان، لعموم أخبار الكسر، و كونه جناية محرمة، و عليه فيحتمل ضمان قيمة القشر كما عن بعض العامة أو ما ورد من الفداء، و هما معا كما ترى.

و إذا ذبح المحرم صيدا مختارا كان ميتة و يحرم على المحل كما تقدم الكلام فيه سابقا و لا كذا لو اصطاده المحرم و ذبحه محل (11) فإنه ليس ميتة قطعا، بل هو حلال للمحل بلا خلاف و لا إشكال، بل هو موضع وفاق كما في المدارك للأصل و الصحاح المستفيضة(1)بل ربما يستفاد منها إباحته له مطلقا و إن ذبحه

محرم في الحل، و لكن قد عرفت الحال فيه و الله العالم.

[الموجب الثالث السبب ]
اشاره

الموجب الثالث السبب، و هو يشتمل على مسائل:

[المسألة الأولى من أغلق على حمام من حمام الحرم ]

الأولى من أغلق على حمام من حمام الحرم و فراخ و بيض ضمن بالإغلاق (12) الذي يتعقبه هلاك، للتسبيب القائم مقام المباشرة في صدق الإتلاف فإن زال السبب (13) بنفسه أو بغيره و أرسلها سليمة سقط الضمان (14) وفاقا للمشهور للأصل و (15) فحوى


1- 1 الوسائل- الباب 3 من أبواب تروك الإحرام.

ج 20، ص: 280

ما سمعت من عدم الضمان بالأخذ ثم الإرسال، نعم لو هلك ضمن الحمامة بشاة و الفرخ بحمل و البيضة بدرهم إن كان محرما، و إن كان محلا ففي الحمامة درهم و في الفرخ نصف درهم و في البيضة ربع درهم كما صرح بذلك كله غير واحد، لما سمعته من صدق الإتلاف المحرم الذي يترتب عليه ذلك بالنسبة للمحرم و المحل في الحرم، مضافا إلى

خبر يونس أو موثقه (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم و فراخ و بيض فقال: إن كان أغلق عليها قبل أن يحرم فان عليه لكل طير درهما،

و لكل فرخ نصف درهم، و لكل بيضة ربع درهم، و إن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإن عليه لكل طائر شاة، و لكل فرخ حملا، و إن لم يكن تحرك فدرهم، و للبيض نصف درهم»

و الصحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني و سليمان بن خالد(2)قالا: «قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل أغلق بابه على طائر فقال: إن كان أغلق الباب بعد ما أحرم فعليه شاة، و إن كان أغلق الباب قبل أن يحرم فعليه ثمنه»

و رواه الصدوق بزيادة «فمات» في السؤال، و

خبر الواسطي (3)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «سألته عن قوم أغلقوا على طير من حمام الحرم الباب فمات قال: عليهم قيمته كل طير درهم يعلف به حمام الحرم»

المنزل على المحل، ك

صحيح الحلبي (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات قال: يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم».

و لكن قيل و إن كنا لم نعرفه لمن تقدم على المصنف و إن نسبه في الحدائق إلى الشيخ إلا أنا لم نتحققه، بل المتحقق خلافه يستقر


1- 1 الوسائل- الباب 16 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 16 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب 16 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب 16 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 281

الضمان بنفس الاغلاق و لو مع السلامة، نعم هو ظاهر المصنف في النافع و صريح المحكي عن التلخيص لظاهر الرواية المزبورة المؤيدة بأنه لو أريد منها الموت لاتجه وجوب الفداء و القيمة كما صرح به في المنتهى و التحرير و محكي السرائر لا الأول خاصة كما هو ظاهرها و ظاهر الفتاوى، و حملها على غير الحرم يبعده أنه لا شي ء فيه حينئذ على المحل، اللهم إلا أن يكون ذلك حكم حمام الحرم و إن لم يكن في الحرم، و لكن يتجه حينئذ وجوبهما أيضا عليه لحصول السببين كالحرم، اللهم إلا أن يقال بعدم وجوبهما عليه في هذا القسم، من الإتلاف، فيبقى الخبر على ظهوره في الحرم و إن كان فيه منع واضح، ضرورة صدق اجتماع السببين فيه الموجب للفداء أيضا، و لكن فيه ما عرفت من أن الاغلاق مع السلامة أولى بعدم الضمان من الرمي مع عدم الإصابة و من الأخذ ثم الإرسال فلا بد من حمل الخبر على حال الهلاك، خصوصا بعد ما سمعته في صحيح سليمان في الفقيه و خبر الواسطي و صحيح الحلبي في المحل، مضافا إلى الشهرة بين الأصحاب قديما و حديثا أو الأعم منه و من حال عدم العلم بالحال الذي هو أظهر من الإطلاق، و عدم ذكر القيمة لكون المراد بيان الحكم من حيث الإحرام كما في غيره من حيث الإحرام كما في غيره من النصوص و لعله لذا قال المصنف الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها أصالة البراءة من الضمان و إن كان الأحوط الإطلاق، و الله العالم.

[المسألة الثانية كفارة تنفير حمام الحرم ]

المسألة الثانية قيل و القائل الشيخان و بنو بابويه و البراج و حمزة و إدريس و سلار فيما حكي عنهم إذا نفر حمام الحرم فان عاد فعليه شاة واحدة، و إن لم يعد فعن كل حمامة شاة بل في كشف اللثام ذكره أكثر الأصحاب، و في المسالك اشتهر بينهم حتى كاد يكون إجماعا، و به صرح الفاضل و غيره لكن في التهذيب في شرح عبارة المقنعة المتضمنة للحكم المزبور ذكر

ج 20، ص: 282

ذلك علي بن الحسين بن بابويه في رسالته، و لم أجد به حديثا مسندا، و لعله لذا نسبه المصنف إلى القيل هنا و النافع مشعرا بتمريضه، لكن قد يفهم من عبارة التهذيب أن فيه خبرا غير مسند، فيكون منجبرا بفتوى الأكثر الذين فيهم من لا يعمل إلا بالعلم كابن إدريس، مضافا إلى ما هو المعروف من أن الأصحاب كانوا إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إلى رسالة علي ابن بابويه، قال في المسالك: «و لقد كان المتقدمون يرجعون إلى فتوى هذا الصدوق عند عدم النص إقامة لها مقامه بناء على أنه لا يحكم إلا بما دل عليه النص الصحيح عنده» بل في الحدائق أن ما فيها مأخوذ من

الفقه الرضوي (1)«و إن نفرت حمام الحرم فرجعت فعليك في كلها شاة، و إن لم ترها رجعت فعليك لكل طير دم شاة»

و إن كان قد عرفت غير مرة عدم ثبوت النسبة إليه (عليه السلام) عندنا، و إلى احتمال التلف في حال عدم الرجوع، فهو كمن رمي صيدا و لم يعلم حاله، بل في المنتهى الاستدلال عليه بأن التنفير حرام، لأنه سبب للإتلاف غالبا، و لعدم العود، فكان عليه مع الرجوع دم لفعل المحرم، و مع عدم الرجوع لكل طير شاة لما تقدم أن من أخرج طيرا من الحرم وجب عليه أن يعيده، فان لم يفعل ضمنه و نحوه عن التذكرة، و على كل حال فما عن ابن الجنيد من أن من نفر طيور الحرم كان عليه لكل طائر ربع قيمته لم نعرف له مستندا، و إن كان الظاهر منه كما اعترف به في المختلف حال الرجوع لا عدمه.

ثم التنفير و العود يحتملان عن الحرم و إليه، بل هو الظاهر و عن الوكر و إليه و عن كل مكان يكون فيه و إليه، و عن الشهيد في بعض تحقيقاته و ظاهر التذكرة أن المراد منه خروجها من الحرم إلى الحل، و المراد بعودها رجوعها إلى محلها من الحرم، و في اشتراط الاستقرار مع ذلك وجه، و لا يخفى عليك أنه لا نص يرجع إليه في المقام،


1- 1 المستدرك- الباب 40 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 283

و إنما هو مضمون الفتاوى الذي لا إشكال في عدم اعتبار شي ء من ذلك فيه.

و الشاك في العدد يبني على الأقل، و في العود على العدم، و هل يختص الحكم بالمحل كما قيل فان كان محرما كان عليه جزاءان وجهان أقواهما التساوي، للأصل من غير معارض، بل هو مقتضى إطلاق الفتاوى، على أن عدم وجوبهما مع العود واضح، بل و مع عدم العود، لعدم كون مثل ذلك إتلافا كما هو واضح، و لكن أطنب في المسالك في ذلك بما لا يعود إلى حاصل معتد به.

و الأقرب أنه لا شي ء في الواحدة مع الرجوع للأصل، و اختصاص الفتاوى بالجمع سواء قلنا إن الحمام جمع أم لا خصوصا بملاحظة قولهم فعن كل حمامة شاة الذي هو قرينة على ارادة الجمع من الحمام، و إن حكي عن المحققين أنه اسم جنس، على أنه يمكن كونه اسم جنس جمعي، و لأنه لو وجب فيها شاة لم يكن فرق بين عودها و عدمه بل تلفها، و ربما احتمل المساواة للكثير كما يتساوى ثلاثة منها و ألف و كما يتساوى حمامة و جزؤها في الفداء عند الأكل لتحصيل يقين البراءة، و منع اختصاص الفتاوى بالجمع إنما يعطيه ظاهر قولهم فعن كل حمامة شاة، و هو لا يعينه، و أما بحسب اللغة فالمحققون على أنه اسم جنس، و لا بعد في تساوي التنفير و الإتلاف، و لكن هو كما ترى.

و لو اشترك في التنفير جماعة فان كان فعل كل واحد منهم موجبا للنفور لو انفرد ففي المسالك «الظاهر تعدد الجزاء عليهم، لصدق التنفير على كل واحد، مع احتمال وجوب جزاء واحد عليهم، لأن العلة مركبة و خصوصا مع العود، أما مع عدمه فالاحتمال ضعيف جدا، لأن سبب الإتلاف كاف في الوجوب، و كذا الشركة» و فيه أنه لا فرق بين العود و عدمه مع فرض عدم الصدق باعتبار تركب العلة، و دعوى الاكتفاء بالاشتراك يمكن منعها في المقام

ج 20، ص: 284

و إن قلنا بها في الإتلاف للدليل، بخلاف الفرض الذي مقتضى إطلاق الفتوى عدم الفرق فيه بين المتحد و المتعدد، و من ذلك يعلم الحال في قوله أيضا: لو كان فعل كل واحد لا يوجب النفور فان لم تعد فالحكم كما مر، و إن عادت قوي احتمال عدم التعدد، لأن التنفير استند إلى الجميع لا إلى كل واحد، و لم يتحقق الإتلاف ليثبت الحكم مع الاشتراك، ثم إن كانوا جميعا محلين أو محرمين في الحرم أو في الحل فالحكم واحد، و لو اختلفوا فعلى القول بالتعدد لا إشكال، فيجب على كل واحد ما أوجبه فعله لو كان منفردا، و على الاتحاد ففي المسالك يشكل الحال، فيحتمل حينئذ أن يجب على كل واحد بنسبته من العدد مما وجب عليه، فيجب على المحرم في الحل لو كانوا ثلاثة ثلث شاة و على المحل في الحرم ثلث القيمة، و هكذا، و يحتمل هنا عدم وجوب شي ء.

لأنه خلاف الحكم المذكور» قلت: إن المسألة غير منصوصة، و العمدة فيها الفتاوى التي مقتضاها ترتب الحكم المذكور على المنفر متحد أو متعدد، محل أو محرم أو مختلف نعم قد يقال إن المنساق منها كون ذلك في الحرم، و من هنا يتجه الاقتصار فيه على خصوص طير الحرم دون غيره من الصيد المحرم كالظباء و إن احتمله بعضهم لكنه في غير محله، و منه يعلم وضوح منع كون عدم العود إتلافا.

و لو عاد البعض خاصة ففي كل واحدة لم تعد شاة، و أما العائد فالمتجه عدم وجوب شي ء له للأصل بعد عدم النص، و يحتمل وجوب جزء من شاة بنسبة الجمع، فلو كان الجمع أربعة مثلا و عاد اثنتان فنصف شاة، و في المسالك «إن كان العائد أزيد من واحدة ففيه شاة واحدة- إلى أن قال-: و لو كان العائد واحدة ففي وجوب شاة لها أو جزء من شاة أو عدم وجوب شي ء الأوجه المتقدمة، و أولى بالعدم لو قلنا به ثم» و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، و يجب على المنفر السعي في إعادتها مع الإمكان، حتى أنه لو افتقر إلى مئونة وجبت

ج 20، ص: 285

أيضا، و لو لم تخرج عن الحرم و لم تبعد كثيرا عن محلها الذي نفرها منه و قلنا بإيجابه الجزاء ففي وجوب إعادتها إلى الأول نظر، من تحريم التنفير الموجب لخروجها عن محلها، فيجب ردها إليه، و من انتفاء الفائدة مع القرب خصوصا لو كان المحل الأول ليس هو موضع إقامتها و الثاني مساو له أو أقرب إليه، و لعله الأقوى، و من الغريب الإطناب في الفروع في المقام مع أنك قد عرفت الكلام في الأصل، و الله العالم.

[المسألة الثالثة كفارة رمي الصيد إصابة و خطأ]

المسألة الثالثة إذا رمى اثنان صيدا فأصاب أحدهما و أخطأ الآخر فعلى المصيب فداء بجنايته، و كذا على المخطئ لا عانته التي بها يكون سببا بلا خلاف أجده فيه و لا إشكال عدا ما عن الحلي فلا شي ء على المخطئ بل و إن لم تتحقق إعانته ل

صحيح ضريس بن أعين (1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجلين محرمين رميا صيدا فأصابه أحدهما قال: على كل واحد منهما الفداء»

و خبر إدريس بن عبد الله (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن محرمين يرميان صيدا فأصابه أحدهما الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما قال: عليهما جميعا، يفدي كل واحد منهما على حدة»

و ما عن بعضهم من قصر الحكم على صورة الإعانة منزلا للخبرين عليها لا داعي له، كما أن ما عن ابن إدريس من عدم شي ء على المخطئ إلا أن يدل فيجب للدلالة للرمي في غير محله، و في كشف اللثام بعد أن حكى التعليل بالإعانة عن المصنف و الفاضل في المنتهى و التذكرة قال: «و لا أفهمه إلا أن يكون دله عليه بالرمي أو أغراه أو أغواه» قلت حينئذ يكونان موافقين لابن إدريس، و لعل المراد بالإعانة إرادة صيده للرامي، و الأولى التعبير بمضمون النص الذي هو مدرك الحكم، نعم يتجه الاقتصار على مورده و الفتوى، فلا يجري الحكم على المحلين في الحرم مع


1- 1 الوسائل- الباب 20 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 20 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 286

فرض عدم السبب من أحدهما، أما إذا تعدد الرماة ففي تعدي الحكم و عدمه وجهان أقواهما و أحوطهما وجوبه على كل واحد منهم، و يحتمل الاجتزاء بفداء واحد لجميع المخطين، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها صيد]

المسألة الرابعة إذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها صيد لزم كل واحد منهم فداء إذا قصدوا بالإيقاد الاصطياد، و إلا لزمهم فداء واحد بلا خلاف أجده بين من تعرض له كالشيخ و الفاضلين و الشهيدين و غيرهم، ل

صحيح أبي ولاد الحناط(1)قال «خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلى مكة فأوقدنا نارا عظيمة في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحما نكبيه و كنا محرمين فمر بنا طير صاف مثل حمامة أو شبهها فاحترق جناحاه فسقط في النار فمات، فاغتممنا لذلك فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) بمكة فأخبرته و سألته فقال: عليكم فداء واحد تشتركون فيه جميعا ان كان ذلك منكم على غير تعمد، و لو كان ذلك منكم تعمدا ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كل رجل منكم دم شاة، قال أبو ولاد و كان ذلك منا قبل أن ندخل الحرم»

لكن ظاهر المصنف الإطلاق، بل في الدروس التقييد بالحرم، قال: «و لو أوقدوا نارا في الحرم فوقع فيها صيد تعدد الجزاء إن قصدوا، و إلا فواحد» و لعله يريد التمثيل، و ذكر ما ليس في الخبر لخفائه، نعم صرح جماعة بوجوب القيمة على المحل لو فعل ذلك في الحرم، و هو متجه مع فرض القصد، كما أنه يتجه تضاعف الجزاء لو فعله المحرم حينئذ، ضرورة كونه مع القصد بحكم الاشتراك في القتل مباشرة أما مع عدم القصد فقد يشكل وجوب القيمة على المحل في الحرم بعدم الدليل اللهم إلا أن يستفاد من فحوى هذا الصحيح و نصوص التضمين بالدلالة للمحرم و المحل في الحرم التسبيب الذي لا فرق فيه بين المحل و المحرم، و لا بين القصد


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 287

و عدمه، فتتجه مضاعفة الجزاء فيه حينئذ أيضا.

و لو قصد بعضهم دون الآخر وجب على كل قاصد الجزاء و على مجموع الباقين فداء واحد إذا لم يكن واحدا، و إلا أشكل بمساواته القاصد حينئذ مع أنه أخف حكما منه، و يمكن الالتزام به، و يحتمل كما في الدروس و غيرها مع اختلافهم في القصد أن يجب على من لم يقصد ما كان يلزمه مع عدم قصد الجميع، فلو كانا اثنين مختلفين فعلى القاصد شاة و على الآخر نصفها لو كان الواقع كالحمامة، نعم لا إشكال في وجوب الشاة على الموقد الواحد قصد أو لا و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا رمى صيدا فقتله أو جرحه ]

المسألة الخامسة إذا رمى صيدا ف قتله أو جرحه و لم يعلم حاله و لكن اضطرب فقتل فرخا أو صيدا آخر كان عليه فداء الجميع بلا خلاف و لا إشكال في الصيد المرمي بل و الآخر لأنه سبب الإتلاف كالدلالة، و لا فرق في ذلك بين المحرم في الحل و المحل في الحرم بناء على اتحاد حكمهما في المباشرة و التسبيب، فيضمن حينئذ كل منهما ما عليه، و من جمع الوصفين كان ضامنا للأمرين كما هو واضح.

[المسألة السادسة السائق للدابة]

المسألة السادسة السائق للدابة يضمن ما تجنيه دابته بأي جزء منها، لقوة السبب على المباشر و كذا الراكب إذا وقف بها و أما إذا سار ضمن ما تجنيه بيديها و رأسها كالقائد ل

قوله ص (1): «الرحل جبار»

أي هدر إلا إذا جنت و هو عالم في غير الجراد و نحوه مما لا يمكنه التحرز منه لما تقدم من النصوص، و بالجملة فالمقام نحو الجناية في غير الإحرام الذي ذكرنا الكلام فيه مفصلا في كتاب الديات بل ذكرنا فيه و في كتاب الغصب ما له مدخل في المقام، ضرورة الاتحاد في أسباب الضمان و هي المباشرة و اليد و التسبيب، فلاحظ و تأمل، لكن في

صحيح


1- 1 سنن البيهقي ج 8 ص 343.

ج 20، ص: 288

أبي الصباح الكناني (1)أنه قال أبو عبد الله (عليه السلام) «ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابتك و أنت محرم فعليك فداؤه»

و نحوه في حسن معاوية(2)عنه (عليه السلام) أيضا، و هما مطلقان في الضمان من غير فرق بين اليدين و الرجلين، إلا أني لم أجد عاملا بهما على إطلاقهما و إن كان محتملا، لخصوصية في الإحرام، لكن ظاهر الأصحاب مساواة المقام لغيره، و منه عدم الضمان لو أتلفت الدابة بلا تفريط من صاحبها، للأصل، و ل

قوله صلى الله عليه و آله (3)«العجماء جبار».

هذا كله في المحرم، و أما المحل ففي المدارك «لم أقف على رواية تتضمن تضمينه بجناية دابته إلا أن الأصحاب قاطعون بأن ما يضمنه المحرم في الحل يضمنه المحل في الحرم، و يتضاعف الجزاء في اجتماع الأمرين» و لا بأس به إن تم إجماعا أو استفيد من النصوص اتحاد حكمهما في التسبيب و لو بمعونة فهم الأصحاب، كما هو كذلك في الظاهر، خصوصا بملاحظة نصوص الضمان بالدلالة للمحرم و المحل في الحرم، و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا أمسك المحرم صيدا]

المسألة السابعة إذا أمسك المحرم صيدا في الحل أو في الحرم و كان له طفل في الحل أو الحرم فتلف الطفل بإمساكه ضمن الطفل و لو مع مضاعفة الجزاء بلا خلاف و لا إشكال، للتسبيب فضلا عن الأم لو فرض تلفها بإمساكه الذي هو مباشرة و كذا لو أمسك المحل صيدا في الحل له طفل في الحرم فتلف الطفل بإمساكه للتسبيب أيضا بناء على ما سمعت من مساواة المحل للحرم في الضمان به أيضا لما كان في الحرم، نعم لا يضمن الأم لو تلفت لكونه محلا، أما إذا فرض كونها في الحرم و تلفت بالإمساك ضمنها


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 53- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب موجبات الضمان من كتاب الديات.

ج 20، ص: 289

أيضا مع الطفل كالمحرم، و لو أمسك المحل الأم في الحرم فمات الطفل في الحل ضمن الأم لو فرض تلفها قطعا، و أما الطفل ففي القواعد و غيرها وجهان، من كون الإتلاف بسبب في الحرم فصار كما لو رمى من الحرم، ففي

خبر مسمع (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل حل في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله قال: عليه الجزاء، لأن الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم»

و من كونه قياسا، و لكن لا يخفى عليك ضعف الوجه الثاني، خصوصا بعد ما سمعته من العلة المنصوصة، و من هنا كان خيرة ثاني الشهيدين الأول، و الله العالم.

[المسألة الثامنة إذا أغرى المحرم كلبه بصيد]

المسألة الثامنة إذا أغرى المحرم كلبه بصيد فقتله ضمن سواء كان في الحل أو في الحرم، لكن يتضاعف إذا كان في الحرم بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة كون إغراء الكلب نحو رمي السهم، بل إن أغراه المحل في الحل فدخل الصيد الحرم فتبعه الكلب فأخذه فيه ضمنه كما عن المنتهى لذلك أيضا، و عن الشافعي و أحمد في رواية لا يضمن، و عن مالك و أحمد في رواية أخرى إن كان قريبا من الحرم ضمنه، و إلا فلا، نعم لا يضمن إن أغرى الكلب بصيد في الحل فدخل الحرم فأخذ غيره، لأنه باسترسال نفسه لا بالإغراء فليس كسهم رمى به صيدا في الحل فأخطأ فأصاب آخر في الحرم، مع احتماله للتسبيب، خصوصا بعد ما ذكره غير واحد من أنه بحكم الإغراء في الضمان حل الكلب المربوط في الحرم، أو و هو محرم و الصيد حاضر أو بقصد الصيد فقتل صيدا لأنه شديد الضراوة بالصيد، فيكفي في التسبيب حل الرباط، و كذا لو حل الصيد المربوط فتسبب ذلك لأخذ الكلب أو الغير له على إشكال إن لم يقصد به الأخذ، من التسبيب و من الإحسان، خصوصا مع الغفلة، و لو انحل رباط الكلب لتقصيره في الربط فكذلك يضمن ما صاده للتسبيب إذا كان هو الذي أتى بالكلب، قيل:


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 290

و لا ضمان لتقصيره في ربط كلب غيره و إن أمره الغير، بل الآمر حينئذ مقصر حيث اكتفى بالأمر، و لا يخلو من نظر، و لو لم يقصر في ربط كلبه فلا ضمان عليه بمجرد الاستصحاب، و للأصل و الربط المانع من التسبيب مع احتماله، نعم لا يحتمل إن لم يكن هو المستصحب بل تملكه في الحرم، أو محرما و قد أتى به غيره.

و لو حفر بئرا في محل عدوان فتردى فيها صيد ففي القواعد ضمن، و لو كان في ملكه أو موات لم يضمن، و لو حفر في ملكه في الحرم فالأقرب الضمان لأن حرمة الحرم شاملة فصار كما لو نصب شبكة في ملكه في الحرم، و فيه أن مثله متجه في المحرم لو حفر في ملكه أو موات من الحل، لأن حرمة الإحرام شاملة كالحرم الذي قبل يضمن المحل و المحرم بالحفر فيه و لو للحاجة إليه لمنفعة الناس أو غيرها، فان الضمان هنا يترتب على المباح و الواجب، بل مقتضى ذلك الضمان حتى مع سبق الحل على الإحرام، و إن كان ذلك كله لا يخلو من نظر فان السبب المذكور في الديات الذي قد دلت النصوص (1)على الضمان به لا يقتضي ترتب الحكم هنا عليه، ضرورة عدم عنوان في النصوص على وجه يشمله مضافا الى الأصل و الإباحة، بل عن المنتهى و التحرير الوجه عدم الضمان فيما لو حفر في ملكه في الحرم، نعم كلما كان نحو الدلالة على الصيد يتجه إلحاقه به دون غيره، و لو أرسل الكلب أو حل رباطه و لا صيد فعرض له صيد ففي القواعد و المسالك و غيرهما ضمن التسبيب أيضا و فيه النظر السابق، و لعله لذا احتمل في محكي التذكرة و المنتهى العدم و إن استوضح ضعفه في كشف اللثام لكنه لا يخلو من وجه، و إن كان الاحتياط يقتضي الضمان، و الله العالم.

[المسألة التاسعة لو نفر صيدا فهلك بمصادمة شي ء]

المسألة التاسعة لو نفر صيدا فهلك بمصادمة شي ء أو أخذه جارح


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب موجبات الضمان من كتاب الديات

ج 20، ص: 291

ضمن بلا خلاف بل في المدارك نسبته الى القطع به في كلام الأصحاب، بل و لا إشكال للتسبيب الذي لا فرق فيه بين من نفره و بين من تلف أيضا بمصادمته من الصيد لو فرض، نعم لو عاد الى و كره أو جحره أو فيما نفر عنه و تلف بعد ذلك لا ضمان بل و كذا إذا سكن في غير ذلك إذا لم يستند التلف الى ما سكن فيه، لزوال السبب، و إن استند اليه ضمن، كما انه لو تلف قبل ذلك بآفة سماوية يضمنه أيضا على الأقوى، وفاقا للفاضل و غيره، ل

قول الكاظم (عليه السلام) لأخيه (1)علي «في رجل أخرج حمامة من الحرم عليه أن يردها، فان ماتت فعليه ثمنها يتصدق به»

فينحصر حينئذ سبب خروجه عن الضمان في عوده الى للسكون و إن لم تشتمل يده عليه، و يحتمل العدم لعدم استناد التلف إليه مباشرة و لا تسبيبا مع الأصل، و فيه أنه يمكن كون ضمانه كضمان المغصوب و إن لم يكن في يده لما عرفت من ضمانه بالسبب المزبور حتى يعود، و احتمال كون المراد من الخبر الإخراج

المشتمل على كونه في يده لا داعي له، و الله العالم.

[المسألة العاشرة لو وقع الصيد في شبكة]

المسألة العاشرة لو وقع الصيد في شبكة فأراد تخليصه فهلك أو عاب بالتخليص المفروض ضمن كما في محكي الخلاف و المبسوط و الجامع و جميع كتب الفاضل إلا التبصرة فلم يتعرض فيها له، لصدق قتل الصيد و لو خطأ، لكن عن الشهيد الاشكال فيه من ذلك و من قاعدة الإحسان، و تبعه على ذلك غيره، بل في المدارك «ينبغي القطع بعدم الضمان مع انتفاء التعدي و التفريط لأن تخليصه على هذا الوجه مباح بل إحسان محض، و ما على المحسنين من سبيل، و مثله ما لو خلص الصيد من فم هرة أو سبع أو من شق جدار و أخذه ليداويه و يتعهده فمات في يده بما ناله من السبع» و فيه أن قاعدة الإحسان لا تنافي الضمان بعد عموم مقتضية، و أما الأخذ للتداوي ففي القواعد الضمان


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 292

به أيضا لكن قال: على إشكال، و لعله من أن إثبات اليد عليه مضمن، بل عن الشهيد رحمه الله القطع به، بل و الفاضل في غير القواعد، و من الأصل و قاعدة الإحسان و الأمر(1)بحفظ ما نتف ريشه حتى يكمل، لكن الجميع كما ترى لا ينافي الضمان بعد فرض عمومه لمحل الفرض، نعم قد يشك في ذلك، ضرورة كون المتيقن من

الضمان بوضع اليد مع العدوان دون غيره، فالمتجه عدم الضمان، و فرق واضح بين ذلك و بين سابقه، و الله العالم.

[المسألة الحادية عشر من دل على صيد من المحرمين في الحل و الحرم أو المحلين في الحرم فقتل ضمنه ]

المسألة الحادية عشر من دل على صيد من المحرمين في الحل و الحرم أو المحلين في الحرم فقتل ضمنه بلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

قول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي (2)و صحيحه «لا تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم و لا تدلن عليه محلا و لا محرما فيصطاده، و لا تشر اليه فيستحل من أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمده»

و احتمال كون الفداء فيه على المستحل لا الدال كما ترى، خصوصا بعد ما سمعته من الإجماع المحكي و غيره، بل و

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر ابن حازم (3)«المحرم لا يدل على الصيد، فان دل فقتل فعليه الفداء»

و الظاهر إلحاق الجرح بالقتل، و كذلك الأخذ أيضا، نعم لا ضمان مع عدم ترتيب أخذ أو جرح أو قتل على الدلالة للأصل السالم عن معارضة ما عرفت بعد ظهوره في غير الفرض، لكن عن جمل العلم و العمل و شرحه و المراسم و

المهذب إطلاق الفداء، بل ربما استدل لهم بخبر ابن حازم بحذف قوله (عليه السلام) «فقتل» منه، و لكن فيه أن القيد موجود في نسخ الكافي و التهذيب بل لعل القيد مراد للمطلقين، خصوصا مع التصريح بلفظي الضمان و التسبيب، ضرورة معلومية


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 293

اعتبار ترتب التلف على ذلك في الضمان، و على كل حال فما عن الشافعي من عدم الضمان مطلقا و أبي حنيفة إذا كان الصيد ظاهرا و أحمد من كون الجزاء بين الدال و المدلول واضح الضعف.

نعم لا ضمان إن كان رآه المدلول قبل الدلالة، لعدم التسبيب و الدلالة حقيقة فالأصل بحاله حينئذ، و كذا إن فعل ما فظن به غيره و لم يكن قصد به ذلك، لخروجه عنها أيضا، و من الغريب ما عن التحرير و المنتهى من التوقف في ضمان المحل لو دل محرما أو محلا على صيد في الحرم مع ما سمعته من خبري الحلبي.

نعم إن دل محل محرما على الصيد في الحل لم يضمن كما عن التذكرة لأنه لا ضمان عليه بالمباشرة فضلا عن التسبيب، و عن المنتهى التردد في ذلك لأنه أعان على محرم فكان كالمشارك، و هو كما ترى.

و مما ذكرنا يظهر لك الحال في جميع صور المسألة المرتقية الى اثنين و ثلاثين صورة، لأن الدال و المدلول إما أن يكونا محلين أو محرمين أو بالتفريق و على كل تقدير فاما أن يكونا في الحل أو في الحرم أو بالتفريق، فهذه ست عشرة صورة، و على كل تقدير فاما أن يكون الصيد في الحل أو في الحرم، بل لو لوحظ مع ذلك اتحاد الدال و المدلول و تعددهما زادت على ذلك و الله العالم

[الفصل الثالث في صيد الحرم ]

(الفصل الثالث في صيد الحرم) و هو ما أحاط بمكة من جميع جوانبها، و تسميته بذلك إما لأن آدم (عليه السلام) لما أهبط الى الأرض خاف على نفسه من الشيطان فبعث الله ملائكة تحرسه فوقفوا في مواضع أنصاب الحرم فصار ما بينه و بين موافقهم حرما، و إما لأن

ج 20، ص: 294

الحجر الأسود لما وضعه الخليل (عليه السلام) في الكعبة حين بناها أضاء الحجر يمينا و شمالا و شرقا و غربا فحرم الله من حيث انتهى نوره، أو غير ذلك، و عن السيد القاسي أن له علامات مبينة، و هي الأنصاب من جميع جوانبه خلا جهة جدة و جهة الجعرانة، فإنه ليس فيهما أنصاب، و أول من وضع الأنصاب على حدود الحرم إبراهيم الخليل (عليه السلام) بدلالة جبرئيل (عليه السلام) ثم قصي بن كلاب، و قيل نسبها إسماعيل (عليه السلام) بعد أبيه، و قيل عدنان، و قلعتها قريش في زمن النبي صلى الله عليه و آله فاشتد ذلك عليه فجاءه جبرئيل و أخبره أنهم سيعيدونها فرأى رجال منهم في المنام قائلا يقول: حرم أعزكم الله به، نزعتم أنصابه سيحطمكم العرب فأعادوها، فقال جبرئيل للنبي صلى الله عليه و آله يا محمد قد أعادوها، فقال هل أصابوا فقال ما وضعوا فيها إلا بيد ملك، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و آله عام الفتح تميم بن أسيد فجددها ثم بعث عمر لتجديدها مخزمة بن نوفل و سعيد بن يربوع و خويطب بن عبد العزى و أزهر بن عبد مناف فجددوها، ثم جددها عثمان، ثم معاوية ثم الخلفاء و المملوك الى عهدنا هذا.

و كيف كان فلا خلاف بيننا في أنه يحرم من الصيد على المحل في الحرم ما يحرم على المحرم منه في الحل و الحرم، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى النصوص (1)التي منها ما تقدم آنفا من صحيح الحلبي و حسنه (2)بل لعله كذلك عند العامة إلا ما يحكي عن داود منهم من عدم ضمان المحل إذا قتل صيدا في الحرم، و لا ريب في فساده، و حينئذ فمن قتل صيدا في الحرم من المحلين كان عليه فداؤه أي قيمته لما عرفته سابقا من كون


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و الباب 4 منها الحديث 2 و الباب 5 منها الحديث 1 و 3 و 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 295

الأصح ذلك عند المصنف و غيره، و أما المحرم فتجب هي عليه مع الفداء إذا كان مما له فداء، و إلا تضاعفت القيمة للإحرام و الحرم كما تقدم الكلام فيه مفصلا و لو اشترك جماعة من المحلين أيضا في قتله فعلى كل واحد فداء كما في القواعد و غيرها، و عن ظاهر الخلاف و جماعة نحو ما سمعته في المحرمين قيل: لصدق القتل و الإصابة على كل، و ل

قول الصادق عليه السلام في خبر ابن عمار(1)«أي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فان على كل انسان منهم قيمته، فان اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك».

و لكن مع ذلك فيه تردد مما عرفت و من الأصل بعد منع صدق القتل على كل، و ضعف الخبر سندا و دلالة باحتمال اختصاصه بالمحرمين كأكثر النصوص، و كونه ليس بأعظم، من الاشتراك في قتل مؤمن إذا لزمت الدية، و لعله لذا قال في محكي المبسوط إن قلنا يلزمهم جزاء واحد لكان قويا و لكن قد تقدم سابقا في مسألة اشتراك المحرمين في القتل ما يستفاد منه قوة القول بمساواة المحلين لهم في ذلك أيضا، بل نفي الخلاف فيه بعضهم، بل ظاهر محكي المنتهى اختصاص الخلاف فيه بالعامة و الشيخ في التهذيب، قال:

«لو اشترك الحلال و الحرام في قتل صيد حرمي وجب على المحل القيمة كملا و على المحرم الجزاء و القيمة معا» و خالف فيه بعض الجمهور فأوجب جزاء واحدا عليهما، و قال الشيخ في التهذيب: على المحرم الفداء كاملا و على المحل نصف الفداء لما رواه

إسماعيل بن أبي زياد(2)إلى آخر الخبر الذي ذكرناه في المسألة السابقة عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: «كان علي (عليه السلام) يقول في محرم و محل قتلا صيدا على المحرم الفداء كاملا و على المحل نصف الفداء»

و قد


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 296

ذكرنا هناك احتمال كون المراد بالفداء الكامل هو المضاعف الذي على المحرم في الحرم، و نصفه القيمة وحدها، فالخبر حينئذ شاهد لتساوي المحلين و المحرمين في ذلك، و لا ريب في أنه الأحوط إن لم يكن أقوى.

نعم الظاهر عدم الخلاف في جواز قتل المحل في الحرم القمل و البراغيث و البق و النمل، بل في المدارك الإجماع عليه، مضافا الى

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1)«لا بأس بقتل البق و القمل في الحرم و قال: لا بأس بقتل القملة في الحرم»

كصحيحه الآخر عنه (عليه السلام)(2)أيضا «لا بأس بقتل النمل و البق في الحرم»

و قد تقدم الكلام في حكم ذلك بالنسبة للمحرم، بل في المسالك استثناء قتل القمل و البراغيث من نحو إطلاق المتن، كما أن فيها أيضا التساوي بين المحرم و المحل في الحرم في أسباب التلف من الدلالة و الإعانة و غيرهما كما تقدم لنا بعض الكلام في ذلك، و الله العالم.

و هل يحرم على المحل قتل الصيد و هو يؤم الحرم و يقصده قيل و القائل الشيخ في محكي الخلاف و التهذيب و النهاية و المبسوط نعم

يحرم، بل في المدارك نسبته الى الشيخ و جمع، بل في الأول الإجماع عليه ل

مرسل ابن أبي عمير(3)عن الصادق (عليه السلام) «كان يكره أن يرمي الصيد و هو يؤم الحرم»

بناء على إرادة الحرمة من الكراهة فيه، و

خبر علي بن عقبة(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 84- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و فيه « لا بأس بقتل النمل و البق في الحرم».
2- 2 الوسائل- الباب- 84- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 عن علي ابن عقبة عن أبيه عقبة بن خالد كما يشير اليه فيما يأتي في الجواهر.

ج 20، ص: 297

عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا «سألته عن رجل قضى حجته ثم أقبل حتى إذا خرج من الحرم فاستقبله صيد قريبا من الحرم و الصيد متوجه نحو الحرم فرماه فقتله ما عليه؟ قال: يفديه على نحوه»

و صحيح الحلبي (1)عنه (عليه السلام) أيضا، قال: «إذا كنت محلا في الحل فقلت صيدا فيما بينك و بين البريد الى الحرم فان عليك جزاؤه، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه تصدقت بصدقة».

و قيل و القائل الصدوق في محكي الفقيه و الشيخ أيضا في محكي الاستبصار و الحلي في محكي السرائر بل المتأخرون كافة يكره، و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها الأصل السالم عن معارضة الخبرين بعد ضعفهما

سندا و لا جابر بعد تبين و هو الإجماع المحكي بمصير معظم من عرفت إلى خلافه، بل و دلالة، ضرورة أعمية الكراهة من الحرمة إن لم نقل بظهورها في المصطلح، و عدم التلازم بين الضمان و الحرمة، و لذا قال به من قال بالكراهة، على أنه معارض

بصحيح ابن الحجاج (2)في العلل و حسنه (3)في الفقيه «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل رمى صيدا في الحل و هو يؤم الحرم فيما بين البريد و المسجد فأصابه في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات فيه برميته هل عليه جزاء؟ فقال ليس عليه جزاء. انما مثل ذلك مثل من نصب شركا في الحل إلى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات، فليس عليه جزاؤه، لأنه نصب حيث نصب و هو له حلال و رمى حيث رمى و هو له حلال، فليس عليه فيما كان بعد ذلك شي ء، فقلت هذا القياس عند الناس، فقال انما شبهت لك الشي ء لتعرفه»

بل و

صحيحه الآخر(4)أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.

ج 20، ص: 298

سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن رجل رمى صيدا في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم

فمات أ عليه جزاؤه؟ قال: لا، ليس عليه جزاؤه»

الشامل لما أم الحرم و غيره، و

خبره أيضا(1)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يرمي الصيد و هو يوم الحرم فتصيبه الرمية فيتحامل بها حتى يدخل الحرم فيموت فيه قال: ليس عليه شي ء، انما هو بمنزلة رجل نصب شبكة في الحل فوقع فيها صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات فيه»

و خبر دعائم الإسلام (2)عن جعفر بن محمد عليهما السلام «فيمن رمى صيدا في الحل فأصابه فيه فتحامل الصيد حتى دخل الحرم فمات فيه من رميته فلا شي ء عليه فيه»

فلا ريب حينئذ في أن الأقوى الكراهة لكن في محكي التهذيب و النهاية و الاستبصار و المبسوط و المهذب و الإصباح و الجامع أنه لو أصابه و دخل الحرم فمات ضمنه لما سمعته من صحيح الحلبي (3)و خبر عقبة بن خالد(4)الخالي عن ذكر الموت في الحرم، و لذا أطلق في محكي التهذيب و الاستبصار مؤيدا ذلك بما في المسالك من حرمة اللحم و أنه ميتة على القولين، و لما تسمعه من النصوص (5)المشتملة علي الضمان للصيد فيما بين البريد و الحرم و لكن مع ذلك فيه تردد و إشكال كما في القواعد مما عرفت، و من صحيح ابن الحجاج و غيره مما تقدم الذي لا يخفى قصور المعارض له بعد الاعتضاد بالأصل


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 23- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب كفارات الصيد و الباب 30 منها الحديث 1.

ج 20، ص: 299

و الشهرة و صحة السند و كثرة العدد من وجوه، و من الغريب احتمال إرادة عدم العقاب من النفي فيها للكراهة، أو لكونه ناسيا أو جاهلا مع التصريح في الفقيه و الكافي بنفي الجزاء، و منه يعلم إرادة ذلك من نفي الشي ء في رواية التهذيب فالمتجه حينئذ حمل خبر عقبة و صحيح الحلبي على ضرب من الندب، خصوصا بعد خلو خبر عقبة عن الموت في الحرم، و القائل بالضمان لا يقول بعمومه إلا ما سمعته من إطلاق التهذيب و الاستبصار، و حرمة لحمه و كونه كالميتة يمكن كونهما تعبدا ل

حسن مسمع (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل حل رمى صيدا في الحل فتحامل الصيد حتى دخل الحرم فقال: لحمه حرام، مثل الميتة»

الذي حكي الفتوى به عن الشيخ في التهذيب و النهاية و المبسوط و القاضي و ابن سعيد بل قد سمعت ما في المسالك من دعوى اتفاق القولين عليه لا لكونه مضمونا، و نصوص (2)ضمان ما بين البريد و الحرم- سواء مات في الحرم أو لا التي منها صحيح الحلبي المزبور- انما هي في مسألة أخرى تسمع الكلام فيها إنشاء الله خارجة عما نحن فيه من ضمان مطلق الصيد المضروب في الحل ثم مات في الحرم كما هو واضح.

و لذا أشار إليه المصنف بقوله و يكره الاصطياد بين البريد و الحرم كما في النافع

و القواعد و غيرهما أي خارج الحرم إلى بريد من كل جانب، و يسمى بحرم الحرم على الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها الأصل و ما يفهم من الأدلة من انحصار المانع من الاصطياد في الحرم و الإحرام، و فحوى


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب كفارات الصيد و الباب 30 منها الحديث 1.

ج 20، ص: 300

صحيح ابن الحجاج (1)السابق، بل و إطلاق (2)صحيحه و خبره (3)الآخرين المتقدمين السالمين عن المعارض عدا صحيح الحلبي (4)و خبر عقبة(5)السابقين المتضمنين لثبوت الجزاء الذي هو أعم من الحرمة، مع أنهما معارضان بنفيه في النصوص (6)السابقة، فيتجه حينئذ حملهما على الندب كما صرح به غير واحد من المتأخرين جمعا بين النصوص، فما عن الشيخين و ابن حمزة و القاضي من المنع عنه واضح الضعف، و من الغريب ما في المدارك فإنه بعد أن حكى عن المتأخرين الحمل على الندب قال: و هو مشكل لانتفاء المعارض، مع أنه نفسه قد ذكر الصحيح المزبور و أفتى به، فليس إلا الغفلة عنه، و إلا فالعمل بهما مما لا يمكن بل لا بد من صرف هذا إلى الندب أو الآخر إلى ما سمعته سابقا من الشيخ أو غيره، و لا ريب في أولوية ما ذكرناه من وجوه، خصوصا بعد اعتضاده بمفهوم قوله تعالى (7)«حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ

ما دُمْتُمْ حُرُماً» المقتضي عدم الحرمة ما دمتم محلين، كقوله تعالى (8)«وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» خرج منه صيد الحرم للإجماع و النصوص، و بقي الباقي، و منه ما نحن فيه.

و حينئذ ف لو أصاب صيدا فيه ففقأ عينه أو كسر قرنه كان عليه صدقة استحبابا للأمر به في الصحيح (9)و الخبر(10)المزبورين المحمول على ذلك، بل و على استحباب الفداء و الجزاء لو قتله و إن لم يذكره المصنف


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 30- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 30- من أبواب كفارات الصيد.
7- 7 سورة المائدة الآية 97.
8- 8 سورة المائدة الآية 3.
9- 9 الوسائل- الباب- 32- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
10- 10 الوسائل- الباب- 32- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 301

مكتفيا بذكر الصدقة المزبورة بالحكم بالكراهة، خلافا لمن عرفت فأوجبوا الفداء له، بل عن الشيخ في الخلاف ما سمعته من الإجماع على ذلك، و فيه ما عرفته سابقا في الصيد الذي أم الحرم و إن كان في البريد، نعم لا تعرض في المتن و غيره لغير الجناية المزبورة، و لعله لعدم النص و أصالة البراءة المقتضية لعدم ترتب الكفارة في غير ذلك و إن قلنا بحرمة الجناية، إذ لا تلازم بينها و بين لزوم الكفارة، اللهم إلا ان يقال باستفادة معاملته معاملة صيد الحرم و لو استحبابا من فحوى الصحيح و الخبر المزبورين، خصوصا بعد التسامح في أدلة السنن، هذا.

و قد عرفت أن البريد المزبور خارج الحرم يحيط به من كل جانب، و الحرم في داخله، و في المسالك «أنه بريد في بريد، فيكون مكسرا ستة عشر فرسخا، لأن البرية أربعة فراسخ فإذا ضربت في أربعة بلغت ذلك و إلا فالواحد إذا ضرب في مثله لا يتعدد، و معنى الاصطياد بين البريد و الحرم الاصطياد في منتهى البريد و غايته و طرف الحرم، و إلا فلا واسطة بين البريد و الحرم حتى يتعلق به حكم، ففي العبارة حينئذ تجوز» قلت: قد صرح غيره أيضا بأن الحرم بريد في بريد، قال في المنتهى: و حد الحرم الذي لا يجوز قتل صيده و لا قطع شجره بريد في بريد، رواه

الشيخ في الموثق عن زرارة(1)قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: حرم الله حرمه بريدا في بريد ان يختلى خلاه و يعضد شجره إلا الإذخر و يصطاد طيره، و حرم رسول الله صلى الله عليه و آله من المدينة ما بين لابتيها، و حرم ما حولها بريدا في بريد أن يختلى خلاها، و يعضد شجرها إلا عودي الناضح»

إذا ثبت هذا فصيد وج و شجره مباح، و هو واد بالطائف،


1- 1 الوسائل- الباب 87 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

ج 20، ص: 302

قاله علماؤنا و اختاره أحمد، و قال أصحاب الشافعي: و هو محرم الى آخره.

و على كل حال فالظاهر أن التحديد المزبور هو المروي عن أئمة الهدى عليهم السلام و أفتى به علماؤنا و لكن في كتب العامة اختلاف

فيه، فعن القاسي و الطبرسي ضبط الحرم بالذراع، فإن المسافة من باب الشبكية إلى إعلام العمرة التي هناك عشرة آلاف ذراع و ثمانمائة ذراع و اثني عشر ذراعا، فتزيد على الثلاثة أميال ثلاث مائة ذراع و اثني عشر ذراعا، و من باب الشبكية إلى باب المسجد المعروف بباب العمرة ألف و ستمائة ذراع و ثمانية أذرع، و من جهة اليمن من جدار باب المسجد المعروف بباب إبراهيم إلى علاقة حد الحرم في تلك الجهة أربعة و عشرون ألف ذراع و خمسمائة ذراع و تسعة أذرع بتقديم التاء و نحو نصف ذراع، و من جهة العراق من عتبة باب العلاء إلى العلمين الذين هما الحرم خمسة و عشرون ألف ذراع و خمسة و عشرون ذراعا، و من جهة عرفة من عتبة باب السلام سبعة بتقديم السين و ثلاثون ألف ذراع إلا ذراع و عشرة أذرع و سبعا ذراع، و من جهة الجعرانة إلى شعيب عبد الله بن خالد اثني عشر ميلا، و من جهة جدة إلى البئر المعروفة ببئر شمس و بقاعها الحديبية عشرة أميال، و مقتضى ذلك عدم كونه بريدا في بريد، و عن العلامة القاسي أنه قال: لم أر من تعرض لمقدار دور الحرم إلا ابن خرداد، فإنه قال: طوله حول مكة سبعة و ثلاثون ميلا، و هي التي يدور بها أنصاب الحرم، و عن جمع المناسك للملإ أعلم أن معرفة حدود الحرم من أهم ما ينبغي أن يعتنى به فإنه تتعلق به أحكام كثيرة، و قد اختلفوا في ذلك، فقال الامام الهندوانى و مقدار الحرم من المشرق قدر ستة أميال، و من الجانب الثاني اثني عشر ميلا، و من الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا، و من الجانب الرابع أربعة و عشرون ميلا، و هذا شي ء لا يعرف إلا نقلا، قال الصدر الشهيد: فيه نظر، فان من الجانب الثاني التنعيم، و هو قريب من ثلاثة أميال

ج 20، ص: 303

كذا في فتاوى الظهرية، و في السراجية أن الجانب الثاني قيل ثلاثة أميال و هو الأصح، و قال السروجي: حد الحرم من طريق المدينة دون التنعيم عند بيوت تعابر على ثلاثة أميال من مكة، و من طريق اليمن على سبعة أميال، و من طريق الجعرانة في شعيب أبي عبد الله بن خالد على تسعة أميال، و من طريق جدة لتقطع الاعشاش على عشرة أميال، و من طريق الطائف على عرفات من بطن نمرة على سبعة أميال، و من طريق العراق على ثنية جبل على سبعة أميال أيضا، هكذا ذكر هذه الحدود جماعة كثيرة كالأزرقي و النووي و غيرهما، و انفرد الأزرقي فقال: حده من طريق الطائف أحد عشر ميلا، و قال الجمهور:

سبعة فقط، و لم يذكر الطرابلسي فيما نقل عن السروجي حده من طريق العراق، و قد ذكره النووي و غيره كما مر، قلت: المدار الآن على النصب المعلومة المأخوذة يدا عن يد إلى أهل بيت الوحي عليهم السلام، و الله العالم.

و لو ربط صيدا في الحل فدخل برباطه في الحرم لم يجز إخراجه بلا خلاف أجده فيه، للعمومات التي منها قوله تعالى (1)«وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» الذي استدل به

الصادق (عليه السلام)(2)لما سأله محمد بن مسلم «عن ظبي دخل في الحرم فقال: لا يؤخذ و لا يمس، إن الله تعالى يقول وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً»

و خصوص

خبر عبد الأعلى بن أعين (3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أصاب صيدا في الحل فربطه إلى جانب الحرم فمشى الصيد بربطه حتى دخل الحرم و الرباط في عنقه فاجتره الرجل بحبله حتى أخرجه و الرجل في الحل من الحرم، فقال ثمنه و لحمه حرام مثل الميتة»

بل في المدارك الاستدلال عليه بأنه


1- 1 سورة آل عمران- الآية 91.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 304

بعد الدخول يصير من صيد الحرم، فيتعلق به حكمه، و إن كان فيه منع واضح بل مقتضاه وجوب الجزاء بقتله، و لم أجد من صرح بذلك، و انما اقتصروا على حرمة الفعل، بل لم يذكروا ما في متن الخبر من حرمة الثمن و لكونه ميتة اللهم إلا أن يقال باستفادة مساواة حكمه لحكم صيد الحرم من الاستدلال بالآية في خبر ابن مسلم السابق، و لا ريب في أنه أحوط.

و لو كان في الحل فرمى بسهم مثلا صيدا في الحرم فقتله فعليه فداؤه أي جزاؤه و لو بقيمته بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه

عليه مضافا إلى عموم أدلة الجزاء على القاتل في الحرم الذي هو الأمان المقيد لحل الصيد سواء كان الرامي في الحل أو الحرم، قال الصادق عليه السلام في

صحيح ابن سنان (1): «و ما دخل من الوحش و الطير في الحرم كان آمنا من أن يهاج و يؤذي حتى يخرج من الحرم»

و بمعناه إرسال الكلب عليه، أما إذا أرسله على صيد في الحل فدخل الكلب بنفسه إلى الحرم فقتل صيدا آخر على وجه لا يكون صاحبه سببا في ذلك فلا ضمان كما لو استرسل من غير أن يرسله صاحبه للأصل بعد انتفاء المباشرة و التسبيب و اليد، بل ربما احتمل العدم أيضا فيما لو أرسله على صيد في الحل فدخل الصيد الحرم فتبعه الكلب فقتله في الحرم، للأصل، لكن عن الفاضل في المنتهى أن الأقرب الضمان، لأنه قتل صيدا حرميا بإرسال كلبه عليه، و نحوه أو أقرب منه ما عن التذكرة من أنه لو رمى و هو و الصيد في الحل و لكن دخل الصيد الحرم ثم أصابه السهم ضمنه أيضا، و لا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى، و على كل حال فما عن أحمد من عدم الضمان في أصل المسألة واضح الضعف، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 305

و كذا يجب عليه الجزاء لو كان في الحرم فرمى صيدا في الحل فقتله بلا خلاف أجده فيه، بل في ظاهر المدارك و غيرها و صريح محكي

المنتهى و التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

حسن مسمع (1)أو صحيحه السابق عن الصادق (عليه السلام) «في رجل حل في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله فقال: عليه الجزاء لأن الآفة جائت الصيد من ناحية الحرم»

خلافا للشافعي و الثوري و أبي ثور و ابن المنذر و أحمد في رواية فلا ضمان، و هو واضح البطلان، و ربما مال اليه بعض متأخري المتأخرين لضعف السند المنجبر بعد التسليم بما عرفت مما هو حجة في نفسه، و الله العالم.

و لو كان بعض الصيد في الحرم فأصاب ما هو في الحل أو في الحرم منه فقتله ضمنه أيضا بلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف و الجواهر الإجماع عليه، و هو الحجة بعد تغليب جانب الحرم، بل ربما كان في صحيح ابن سنان (2)السابق إشارة اليه أيضا، بل و ما تسمعه من صحيح الشجرة(3).

و لو كان الصيد على فرع شجرة في الحل فقتله ضمنه إذا كان أصلها في الحرم و بالعكس بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الرياض، بل عن الخلاف و الجواهر الإجماع عليه، و عن التذكرة و المنتهى في العكس، مضافا إلى

قوي السكوني (4)عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام «انه سئل عن شجرة أصلها في الحرم و أغصانها في الحل على غصن منها طير رماه رجل فصرعه قال:

عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم»

المؤيد ب

صحيح معاوية(5)«سألت


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 90- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 90- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 90- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 306

أبا عبد الله (عليه السلام) عن شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحل قال: حرم فرعها لمكان أصلها، قال: قلت: فإن أصلها في الحل و فرعها في الحرم فقال: حرم أصلها لمكان فرعها»

و ظاهره تحريم الأصل الذي هو في الحل لمكان كون الفرع في الحرم، و هو مناف في الظاهر للمفهوم في خبر السكوني، و في المسالك «الضابط أن أصل الشجرة متى كان في الحرم فما كان عليها مضمون مطلقا، و متى كان في الحل فأغصانها تابعة لهواء ما هي فيه، فما كان منها في الحرم بحكمه و ما كان في الحل بحكمه، و الثاني لا إشكال فيه، و الأول مروي عن علي (عليه السلام)» و مقتضاه اختصاص الاحترام لما كان أصله في الحل بما إذا كان الفرع في الحرم دون غيره، كما هو مقتضى مفهوم خبر السكوني، و لكن قد سمعت صحيح معاوية الظاهر في تغليب جانب الحرم لمكان كون بعض الفرع فيه و إن كان الأصل في الحل، بل ظاهر المنتهى الفتوى به، بل ربما يستفاد منه عدم الخلاف فيه عندنا، و لا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى، و الله العالم.

و من دخل بصيد حي إلى الحرم وجب عليه إرساله إجماعا بقسميه و نصوصا بل لو أخرجه من الحرم فتلف كان عليه ضمانه سواء كان التلف بسببه أو بغيره بل مات حتف أنفه بلا خلاف أيضا أجده فيه، لكون يده عادية نحو يد الغصب،

قال بكير بن أعين (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم فقال: إن كان حين أدخله خلى سبيله فلا شي ء عليه، و إن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء»

و قال معاوية(2)أيضا: قال الحكم بن عيينة: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) ما تقول في رجل أهدي إليه حمام أهلي و هو في الحرم من غير الحرم فقال: أما إن كان


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد الحديث 12.

ج 20، ص: 307

مستويا خليت سبيله، و إن كان غير ذلك أحسنت إليه حتى استوى ريشه خليت سبيله»

و قال الحلبي (1)في الصحيح أيضا: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به الى الحرم و هو حي فقال: إذا أدخله الحرم فقد حرم عليه أكله و إمساكه، فلا يشترين في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل ثم جي ء به الى الحرم مذبوحا، فلا بأس به للحلال»

و في الصحيح (2)عن شهاب بن عبد ربه «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)، إني أتسحر بفراخ أوتي بها من غير مكة فتذبح في الحرم فأتسحر بها قال: بئس السحور سحورك، أما علمت أن ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه و إمساكه»

الى غير ذلك من النصوص التي منها ما دل على أمان الحرم مضافا الى الآية و أن من دخله لا يمس و لا يؤذى و لا يهاج.

نعم إن سلمه غيره فأرسله و علم بالإرسال ثم مات فلا ضمان، كما أنه لا ضمان أيضا لو كان سبعا كالفهد و نحوه إذا أخرجه، ف

في الصحيح (3)«ان ابن أبي عمير أرسل عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن رجل أدخل فهده الى الحرم إله أن يخرجه فقال: هو سبع، و كلما أدخلت من السبع الحرم أسيرا فلك أن تخرجه»

و عن حمزة بن اليسع (4)أنه سأله (عليه السلام) «الفهد يشترى بمنى و يخرج به من الحرم فقال: كل ما دخل الحرم من السبع لا مأسورا فعليك إخراجه»

بل ظاهر الأخير الوجوب، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك.

و كيف كان فقد ظهر من بعض (5)النصوص السابقة ما ذكره


1- 1 الوسائل- الباب- 14 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 12 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 41 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 41 من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 12 من أبواب كفارات الصيد.

ج 20، ص: 308

المصنف و غيره من أنه لو كان طائرا مقصوصا وجب حفظه حتى يكمل ريشه ثم يرسله بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به بعضهم، مضافا الى

صحيح حفص البختري (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «فيمن أصاب طيرا في الحرم قال: إن كان مستوي الجناح فليخل عنه، و إن كان غير مستو نتفه و أطعمه و أسقاه، فإذا استوى جناحاه خلى عنه»

و صحيح زرارة(2)«ان الحكم سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أهدي له في الحرم حمامة مقصوصة فقال: انتفها و أحسن علفها حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها»

و خبر مثنى (3)قال: «خرجنا إلى مكة فاصطاد النساء قمرية من قماري أمج بلغنا البريد فنتف النساء جناحيها ثم دخلوا به مكة فدخل أبو بصير على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبره فقال: ينظرون امرأة لا بأس بها فيعطونها الطير تعلفه و تمسكه حتى إذا استوى جناحاه خلته»

و خبر كرب الصيرفي (4)قال: «كنا جماعة فاشترينا طيرا فقصصناه و دخلنا به مكة فعاب ذلك علينا أهل مكة، فأرسل كرب الى أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله فقال:

استودعوه رجلا من أهل مكة مسلما أو امرأة مسلمة فإذا استوى ريشه خلوا سبيله».

و منهما يستفاد جواز الاستيداع و لو من امرأة، لكن عن المنتهى اعتبار العدالة في الودعي، ل

قوله (عليه السلام) في خبر مثنى: «امرأة لا بأس بها»

و فيه أنه أعم من ذلك.

نعم يستفاد منها و من غيرها وجوب المئونة على الممسك زمان بقائه، بل الظاهر وجوب دفع الأجرة لمن لم يقبله إلا بها.

و لو أرسله قبل ذلك فقد صرح غير واحد بضمانه مع تلفه أو اشتباه


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد الحديث 13.

ج 20، ص: 309

حاله، و لا بأس به.

كما لا بأس بإلحاق غير الطير به في ذلك مع احتمال برئه حتى الفرخ و نحوه مما لا يمتنع، فان إرساله بمنزلة إتلافه و إن توقف فيه غير واحد، لعدم النص، بل قال بعضهم: يقوى الإشكال إذا كان زمنا مأيوسا من عوده إلى الصحة لما في الالتزام بحفظه و مئونته دائما من الحرج، و فيه أنه اعتبار لا يعارض المستفاد من الأدلة.

و لو كان هو الذي نتف ريش الطير كان عليه الأرش بين كونه منتوفا و كونه صحيحا، لأن ضمان الكل يوجب ضمان الأبعاض مع تحقق النقص في القيمة، و لا يسقط مع ذلك وجوب حفظه الى أن يكمل ريشه، خلافا لبعض العامة، و الله العالم.

و هل يجوز للمحل صيد حمام الحرم و هو في الحل؟ قيل و القائل الشيخ في المحكي عن صيد الخلاف و المبسوط و الحلي نعم يحل و تبعه بعض متأخري المتأخرين و قيل و القائل هو أيضا في محكي النهاية و التهذيب و حج المبسوط لا يحل و تبعه الفاضل في محكي التحرير و المنتهى و التذكرة و ثاني الشهيدين و سبطه و غيرهما و هو و إن كان أحوط إلا أن الأول أقوى، للأصل السالم عن معارضة ما دل على تحريم صيد الحرم بعد انصرافه الى غير الفرض، خصوصا بعد ما

في الصحيح (1)عن قول الله عز و جل «وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» قال: «من دخل الحرم مستجيرا كان آمنا من سخط الله تعالى، و من دخله من الوحش و الطير كان آمنا من أن يهاج و يؤذى حتى يخرج من الحرم»

فان مفهومه كغيره من النصوص جواز الإيذاء بعد الخروج مضافا الى العمومات، سيما ما تقدم فيما يؤم الحرم من الصيد، و الى كونه الموافق


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 310

لحكم الإنسان الملتجئ اليه، بل و الى

قول الكاظم عليه السلام لأخيه في المروي (1)عنه في مسائله و في قرب الاسناد للحميري،

سأله «عن الرجل هل يصلح له أن يصيد حمام الحرم في الحل فيذبحه فيدخل الحرم فيأكله؟ قال: لا يصلح أكل حمام الحرم على كل حال»

بعد انسياق الكراهة منه المحمول عليها

قوله (عليه السلام) لأخيه أيضا في الصحيح (2)«لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنه من حمام الحرم»

و على الندب

قول الصادق في خبر عبد الله بن سنان (3)«الطير الأهلي من حمام الحرم من ذبح منه طيرا فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه»

و لا ريب في أنه أولى من الجمع بحمل النهي فيه على الحرمة، و تخصيص الصحيح و غيره بما عدا الحمام، خصوصا مع تضمن الصحيح الطير الغالب فيه الحمام، و لو سلم التساوي فأصل البراءة باق على حاله و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

و من نتف ريشة من حمام الحرم كان عليه صدقة بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك و غيرها نسبته الى القطع به في كلام الأصحاب ل

خبر إبراهيم ابن ميمون (4)المنجبر بما عرفت «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل نتف ريشة حمامة


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب كفارات الصيد الحديث 5 و فيه « الطير الأهلي من غير حمام الحرم. و هو غير محرم فعليه. إلخ» و كذا في التهذيب ج 5 ص 347 الرقم 1204 و الكافي ج 4 ص 235 إلا أن الموجود في الفقيه ج 2 ص 169 الرقم 742 كما ذكره في الجواهر.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب كفارات الصيد الحديث 5 و لم يذكر فيه قوله عليه السلام في ذيله: « فإنه قد أوجعه» و قد ذكر ذلك في الفقيه ج 2 ص 169 الرقم 739 و الكافي ج 4 ص 236.

ج 20، ص: 311

من حمام الحرم قال يتصدق بصدقة على مسكين و يعطي باليد التي نتف بها، فإنه قد أوجعه»

و لو تعدد نتف الريشة تكررت الفدية كما عن المنتهى و التذكرة و ربما احتمل الأرش كغيره من الجنايات، و يدفعه ظهور النص في خلافه، نعم لو نتف الأكثر من ريشة دفعة فعن التذكرة و المنتهى الأرش، مع أنه قد يشكل فيما إذا لم يحصل النقص بذلك، فلا أرش و لا صدقة كما هو الفرض مع القطع بأولوية نتف الأزيد من نتف الواحدة، على أن الخبر في الكافي و الفقيه فيمن نتف حمامة لا ريشة، و لعله لذا احتمل الشهيد التكرر مطلقا، و هو جيد، كالمحكي عنه أيضا من أنه لو حدث بالنتف عيب ضمن الأرش مع الصدقة، و أجود منه احتمال كون المراد من الخبر على الطريقين أن نتف الحمامة و لو ريشة موجب للصدقة.

أما إذا نتف غير الريش كالوبر أو الريش من غير حمام الحرم فالمتجه الأرش مع النقص، و قد يحتمل إلحاق غير حمام الحرم من طيوره به، بل عن المقنعة و المراسم و جمل العلم و العمل نتف ريش من طائر من طيور الحرم، و عن الجامع نتف ريشة من طير الحرم، خصوصا مع ملاحظة التعليل بأنه قد أوجعه بل منه يستفاد حكم التعدية الى غير النتف أيضا مما يوجعه، و لا يسقط الصدقة و لا الأرش بالنبات، خلافا لبعض العامة.

و على كل حال فلا خلاف أيضا في أنه يجب على الناتف أن يسلمها أي الصدقة بتلك اليد الجانية التي نتفها بها إن نتف باليد بل ظاهر غير واحد الإجماع عليه لما سمعته من النص المنجبر بما عرفت، نعم في الدروس «الأقرب عدم وجوب تسليم الأرش باليد الجناية» و نحوها في غيرها أيضا، و لعله للأصل السالم عن معارضة الخبر المزبور الظاهر في وجوب تسليم الصدقة لا الأرش و لا ما يشمله، بل إن لم يكن إجماع أمكن القول بذلك

ج 20، ص: 312

فيها أيضا بعد حمل الخبر المزبور على ضرب من الندب، بل لولاه لأمكن القول بالندب في أصل الصدقة مع فرض عدم العيب، خصوصا بعد إطلاق الصدقة الذي مقتضاه الاكتفاء بمسماها، و الله العالم.

و من أخرج صيدا من الحرم وجب عليه إعادته اليه بلا خلاف أجده فيه، نعم في القماري و الدباسي ما عرفته سابقا و لا في أنه لو تلف قبل ذلك و لو حتف أنفه ضمنه ل

صحيح علي بن جعفر(1)«سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها قال:

عليه أن يردها، فان ماتت فعليه ثمنها يتصدق به»

و نحوه صحيحه (2)الآخر عنه عليه السلام أيضا، و

خبر زرارة(3)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل أخرج طيرا من مكة إلى الكوفة قال: يرده إلى مكة»

و خبر يونس بن يعقوب (4)قال: «أرسلت الى أبي الحسن (عليه السلام) أن أخا لي اشترى حماما من المدينة فذهبنا بها معنا إلى مكة فاعتمرنا و أقمنا إلى الحج ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة هل علينا في ذلك شي ء؟ فقال للرسول: أظنهن كن فرهة، قل له: يذبح عن كل طير شاة»

و ربما جمع بينه و سابقه بإرادة الشاة من الثمن، و هو بعيد، لكن ليس فيه النص على التلف بخلاف الأول، و في التهذيب «و لا يجوز أن يخرج شيئا من طيور الحرم من الحرم، و من أخرج وجب على من أخرجه أن يرده، فان مات فعليه قيمته يتصدق بها» و استدل عليه بخبر علي بن جعفر الصادق، ثم قال: «و إذا أدخل المحرم طيرا الحرم فليس له إخراجه منه، و إذا أخرجه فعليه دم» و استدل عليه بخبر يونس، و مقتضاه


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب كفارات الصيد الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب كفارات الصيد الحديث 9.

ج 20، ص: 313

كونهما عنوانين، و قد يقال إن مقتضى الجمع بينهما وجوب الشاة بالإخراج و الصدقة بالثمن لو تلف، كما انه قد يحتمل وجوب الشاة لعدم إمكان الإعادة، و الاحتياط لا ينبغي تركه و إن كان الأقوى الصدقة بالثمن مع التلف قبل العود، و الله العالم.

و لو رمى بسهم في الحل فدخل الحرم ثم خرج الى الحل فقتل صيدا لم يجب الفداء عندنا، للأصل السالم عن المعارض حتى خبر مسمع (1)السابق المشتمل على التعليل بأن الآفة قد جائت الى الصيد من قبل الحرم، بعد الشك في تناوله لمحل الفرض، و عدم الجابر له، مضافا الى ما عن المنتهى من الاستدلال عليه بأنه لو عدا فسلك الحرم في طريقه ثم خرج منه و قتل صيدا لا يضمنه إجماعا، فالسهم أولى، و إن كان لا يخلو من نظر، و إن استحسنه في المدارك خلافا لبعض الشافعية فيضمن، نعم لو قلنا بالضمان في حرم الحرم اتجه حينئذ ذلك كما صرح به في محكي المبسوط لكن عن التذكرة التوقف في الضمان، و لعله لصدق خروج السهم من الحرم المقتضي للضمان، كما لو كان أصل الرمي منه، فيشمله التعليل في خبر مسمع، و في المسالك «مثله ما لو أرسل كلبا في الحل الى صيد فيه لكن قطع في مروره اليه جزأ من الحرم» قلت:

لا يخفى عليك أن المتجه عدم الضمان في الجميع، و الله العالم.

و لو ذبح المحل فضلا عن المحرم في الحرم صيدا كان ميتة بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك و الحدائق الإجماع عليه، ل

خبر وهب بن وهب (2)عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحرام و الحلال و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد فهو ميتة، حلال ذبحه أو حرام»

و خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

ج 20، ص: 314

إسحاق (1)عن جعفر (عليه السلام) أيضا «ان علينا (عليه السلام) كان يقول إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم، و إذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم»

المنجبرين بما عرفت، مضافا الى غيرهما من النصوص المتقدمة في تروك الإحرام، بل تقدم سابقا الكلام في ذبح المحرم و لو في غير الحرم، و الكلام أيضا في استعمال جلده و غيره من الاستعمالات بل و تقدم أيضا أنه لو ذبحه المحل في الحل فأدخله الحرم لم يحرم على المحل بلا خلاف نصا و فتوى و لا إشكال، نعم فيه خبران بالتصدق بثمنه و لكن يحرم على المحرم كذلك أيضا فلاحظ و تأمل و لا يدخل في ملكه أي المحل شي ء من الصيد في الحرم على الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها أصالة عدم دخوله بعد الشك في تناول سبب الملك له، ل

صحيح معاوية بن عمار(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) سأله «عن طائر أهلي أدخل الحرم حيا فقال: لا يمس، إن الله عز و جل يقول:

وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً»

و صحيحه الآخر(3)قال: «قال الحكم بن عيينة سألت أبا جعفر (عليه السلام) ما تقول في رجل أهدي له حمام أهلي و هو في الحرم، فقال:

أما إن كان مستويا خليت سبيله»

و غيرهما من النصوص، مضافا الى ما دل على وجوب إرساله المتفق عليه نصا و فتوى، بل عن بعض دعوى الإجماع، و هو مناف لملكيته المقتضية لجواز التصرف بجميع أنواعه، و لكن الجميع كما ترى ضرورة عدم اقتضاء النهي عن مسه عدم تملكه بسبب من أسباب التملك، كعدم اقتضاء تخلية السبيل و وجوب الإرسال ذلك أيضا، خصوصا أسباب الملك القهرية كالإرث، و خصوصا في الصيد النائي عنه، بل عدم جواز التصرف فيه لو كان معه


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد الحديث 12.

ج 20، ص: 315

باعتبار وجوب إرساله عليه لا ينافي تملكه، إذا الرهن مملوك، و لا يجوز التصرف فيه لمالكه، و كذا أم الولد و المال المحجور عليه لسفه أو فلس، و دعوي الفرق بين المقام و بينها بتصور فائدة للملك في الرهن و في أم الولد و في المال المحجور عليه بخلاف الفرض خالية عن الحاصل، خصوصا بعد تصور أمور كثيرة لملكه في المقام أيضا و إن وجب عليه إرساله.

و من هنا قيل و القائل الشيخ فيما حكي عنه يدخل في ملكه بأسبابه حتى الصيد و لكن عليه إرساله إن كان حاضرا معه و اختاره المصنف

في النافع، بل عن أبي العباس و غيره نسبته الى المشهور، بل لم نعرف قائلا بما ذكره المصنف هنا على إطلاقه و إن حكي عن بعض الناس نسبته إلى الأكثر، بل ينبغي القطع بعدمه في الصيد النائي عنه الداخل في ملكه بإرث أو شراء وكيل أو اصطياد أجير أو مملوك، لما سمعته في المحرم و إن كان في المحرم فضلا عن المحل فيه، نعم قد يشك في تملكه الصيد في الحرم معه باصطياد أو شراء أو نحو ذلك باعتبار كون الصيد في الحرم أخرجه الله تعالى عن التملك كما أومأ إليه

الصادق (عليه السلام)(1)بقوله «لا يمس»

و بالأمر بتخلية السبيل و غير ذلك مما يظهر منه خروجه عن قابلية التملك لمكان حرمة الحرم، و يمكن إرادة المصنف بإطلاقه ذلك، بل ربما احتمل رجوع قوله: «إن كان حاضرا معه» إلى الأول أو ما يشمله، و إن كان هو كما ترى، فالتحقيق حينئذ التفصيل بين ما كان في الحرم من الصيد مع المحل و بين غيره، فلا يدخل الأول في ملكه بخلاف الثاني، بل قد يقال بزوال ملكه عنه لو كان معه نحو ما سمعته في المحرم، فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو من تشويش بالنسبة للمحل و المحرم و بالنسبة الى ابتداء الملك و استدامته، و بالنسبة إلى السبب الاختياري و القهري


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد الحديث 11.

ج 20، ص: 316

و قد تقدم سابقا بعض الكلام في بعض ذلك، و يأتي إنشاء الله بعض الكلام أيضا في تملك

المحرم، و منه يعلم الحال فيما لو أخذه آخذ في الحل لو أرسله المحرم أو المحل في الحرم، فإنه يملكه الآخذ بناء على زوال ملك المرسل له عنه، ضرورة صيرورته كغيره من المباحات، نعم لو قلنا ببقاء ملك الأول لم يملكه الآخذ، و الله العالم.

[الفصل الرابع في التوابع ]

(الفصل الرابع في التوابع) كلما يلزم المحرم في الحل من كفارة الصيد فدائه أو بدله أو قيمته أو المحل في الحرم من القيمة على الأصح يجتمعان على المحرم في الحرم فيجب الفداء و القيمة أو القيمتان على المشهور، بل عن شرح الجمل للقاضي الإجماع عليه، لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب و للمعتبرة المستفيضة(1)المتقدمة في الحمام و الطير و الفرخ و البيض، بل هو المراد من المضاعفة في

قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية بن عمار(2): «و إن أصبت الصيد و أنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك، و إن أصبته و أنت حلال في الحرم فقيمة واحدة و إن أصبته و أنت حرام في الحل فإنما عليك فداء واحد»

و لو بقرينة السياق، و موثقه (3)الآتي و الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة و نصوص الحمام


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب كفارات الصيد و الباب- 3 منها الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.

ج 20، ص: 317

و الفرخ و البيض بل و

خبر أبي بصير(1)عنه (عليه السلام) أيضا في الغزال «فان هو قتله قال: عليه قيمته، قال: فان فعل و هو محرم في الحل فعليه دم يهريقه، و عليه هذه القيمة إن كان محرما في الحرم»

بناء على كون المراد منه أن عليه هذه القيمة أيضا، و احتمال الجمع باعتبار المضاعفة في الفداء في غير الحمام و نحوه مما تقدم في النصوص السابقة فإن المضاعفة فيها الفداء مع القيمة يدفعه عدم القائل إذ الأصحاب كما عرفت و تعرف بين قائل بما ذكرناه، و هو المشهور، و بين قائل بتضاعف الفداء مطلقا كما عن الإسكافي و المقنع و أحد قولي المرتضى، و مخير أو مردد كما عن المفيد و الديلمي و ابن زهرة، و التخصيص المزبور خارج عن الأقوال كلها، فتعين ما ذكرناه.

و على كل حال فما عن ابن أبي عقيل من أنه ليس على المحرم في قتل الحمامة في الحرم إلا شاة واضح الفساد، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه فضلا عن محكيه الذي سمعته عن شرح الجمل و تسمعه عن الانتصار و الغنية، بل قد سمعت النصوص في خصوص الحمام و فرخه و بيضه فضلا عن النصوص العامة، و قد تقدم الكلام في ذلك و غيره سابقا، كما أنه قد تقدم أيضا ما يظهر لك منه و من ما في محكي النهاية و المبسوط و السرائر من أنه إذا قتل اثنان في الحرم صيدا أحدهما محرم و الآخر محل فعلى المحل القيمة، و على المحرم الفداء و

القيمة و إذا ذبح المحل صيدا في الحرم كان عليه دم لا غير، بل لم يعرف لما ذكره من الفرق بين المحل مشتركا و منفردا ما يدل عليه، و ربما يتكلف له الاستدلال ب

خبر الطاطري (2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن محرمين أكلوا صيدا قال: عليهم شاة شاة و ليس على الذي ذبحه إلا شاة»

لكنه كما ترى خال عن الفرق


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب كفارات الصيد الحديث 8.

ج 20، ص: 318

المزبور، و كذا ما عن الحلبي أيضا قال: فأما الصيد فيلزم من قتله أو ذبحه أو شارك في ذلك أو دل عليه فقتل إن كان محلا في الحرم أو محرما في الحل فداء بمثله من النعم، و إن كان محرما في الحرم فالفداء و القيمة، و روي الفداء مضاعفا» إذ فيه أولا وجوب الفداء على المحل، و قد عرفت وجوب القيمة عليه و ثانيا إيجاب القيمة مع ذلك على المحرم في الحرم، و كان المتجه ما ذكره من رواية المضاعفة إعمالا لكل من السببين عمله، و كأنه أشار بالرواية الى ما سمعته سابقا من حسن ابن عمار، و أصرح منه

قول الجواد (عليه السلام) في مسئلة يحيى بن أكثم القاضي (1)«ان المحرم إذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير و كان الطير من كبارها فعليه شاة، و إن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، و إذا قتل فرخا

في الحل فعليه حمل فطيم من اللبن، و إذا قتله في الحرم الحمل و قيمة الفرخ، و إن كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة، و إن كان نعامة فعليه بدنة، و إن كان ظبيا فعليه شاة، و إن كان قتل من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ»

فإن قوله هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ نصب على معنى مضاعفة الجزاء، قيل: و يجوز أن لا يكون حينئذ فرق بين الفداء و القيمة إلا في الفرخ، فلذا فرق بينهما فيه دون غيره، و فيه أنه- بعد الإغماض عن السند و عدم المكافاة لما مر- فرع وجود قائل به، و لم نجده.

و كذا يظهر لك أيضا ما في كلام ابن زهرة، قال: «فمن قتل صيدا له مثل أو ذبحه و كان حرا كامل العقل محلا في الحرم أو محرما في الحل فعليه فداؤه بمثله من النعم بدليل الإجماع من الطائفة و طريقة الاحتياط، و أيضا قوله تعالى (2)فَجَزاءٌ» الى آخره فأوجب مثلا من النعم، و ذلك يبطل قول


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 سورة المائدة الآية 96.

ج 20، ص: 319

من قال الواجب قيمة الصيد، و إن كان محرما في الحرم فعليه الفداء و القيمة أو الفداء مضاعفا بدليل الإجماع المشار اليه، و طريقة الاحتياط، و اليقين لبراءة الذمة، و أيضا فالجزاء إذا لزم المحل في الحرم و المحرم في الحل وجب اجتماع الجزءين باجتماع الأمرين: الإحرام و الحرم» بل فيه نظر من

وجوه، و أما ما عن المفيد و المرتضى في الجمل من أن المحل إذا قتل صيدا في الحرم فعليه جزاؤه فيمكن إرادة القيمة من الجزاء فيه المتعارف إطلاقه على ما يشملها و الفداء، بخلاف الفداء كما عن المحقق القطع به، فلا يكون مخالفا للمختار كقول المفيد: «و المحرم إذا صاد في الحل كان عليه الفداء، و إذا صاد في الحرم كان عليه الفداء و القيمة مضاعفة» بناء على إرادته من المضاعفة اجتماع الفداء و القيمة، و نحوه المحكي عن سلار، و حينئذ يكون موافقا للمختار، و أظهر منهما في ذلك ما عن المرتضى في الجمل «كان عليه الفداء و القيمة أو القيمة مضاعفة» و هو نص فيما قلناه، ثم عن المفيد في الزيادات و

قال (1)يعنى الصادق (عليه السلام): «المحرم لا يأكل الصيد و إن صاده الحلال، و على المحرم في صيده في الحل الفداء، و عليه في الحرم القيمة مضاعفة»

و يحتمل قوله «و على المحرم» الى آخره أن يكون من كلامه و من الخبر.

و على كل حال فيجوز أن يراد بالقيمة ما يعم الفداء كما في

موثق ابن عمار(2)عن الصادق (عليه السلام) «ليس عليك فداء شي ء أتيته و أنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك إلا الصيد، فان عليك الفداء بجهل كان أو عمد، و

لأن الله قد أوجبه عليك فان أصبته و أنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة، و إن أصبته و أنت حرام في الحل فعليك القيمة، و إن أصبته و أنت


1- 1 المقنعة ص 71.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.

ج 20، ص: 320

حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا»

نعم عن

سليمان بن خالد(1)أنه سأله (عليه السلام) «ما في القمري و الدبسي و السمان و العصفور و البلبل قال: قيمته، فإن أصابه المحرم في الحرم فعليه قيمتان ليس عليه دم»

و يمكن أن يكون لعدم المثل لها من النعم كما عن التذكرة و المنتهى، فلا يكون مخالفا، نعم ظاهر المقنع المضاعفة في الفداء، قال: «إن على المحرم في الحرم الفداء مضاعفا» و أظهر منه ما عن الانتصار «أن عليه فداءين للإجماع، و لأن على المحرم في الحل فدية، و على المحل في الحرم فدية» و يمكن إرادتهما القيمة و إن بعد، و إلا كانا محجوجين بما عرفته سابقا من وجوب القيمة على المحل، و كذا ما عن خلاف الشيخ «أن قاتل صيد الحرم إن كان محرما تضاعف الجزاء، و إن كان محلا لزمه جزاء واحد» بل هو أظهر في الموافقة لما سمعته من إطلاق الجزاء على ما يشمل القيمة، نعم من الغريب ما عن الوسيلة «إن المحرم إذا قتل في الحل على بريد لزمه القيمة، و

إن قتل في الحرم فالجزاء و القيمة، و المحل إذا قتل في الحرم أو على بريد لزمه الفداء» إذ هو عكس ما سمعته في النصوص، و لعل ذلك من النساخ أو من القلم، و عن الانتصار و الناصرية «ان المحرم إذا تعمد الصيد كان عليه جزاءان» و زاد في الناصرية «قاصدا به نقض الإحرام للإجماع و الاحتياط، و لأن عليه مع النسيان جزاء و العمد أغلظ فتجب له المضاعفة» و عن ابن إدريس «فإن كان ذلك منه في الحرم و هو محرم عامدا اليه تضاعف ما كان يجب عليه في الحل» و فيه أنه لا فرق في دليل المضاعفة في الحرم بين العمد و غيره، كما أنه لا نجد لها دليلا في الحل من حيث العمدية، بل لم يحضرني الآن موافق له فضلا عن كونه مجمعا عليه، فالتحقيق ما عرفته سابقا و لاحقا من


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب كفارات الصيد الحديث 7.

ج 20، ص: 321

وجوب القيمة على المحل في الحرم، و وجوب الفداء على المحرم في الحل إن كان له فداء، و وجوبه مع القيمة عليه في الحرم، و إلا فقيمتان.

نعم قد ذكر الشيخ و ابنا حمزة و البراج و ابن سعيد و الفاضلان و غيرهم بل في المسالك أنه المشهور أن ذلك كذلك حتى تنتهي المضاعفة إلى البدنة، فلا تتضاعف بمعنى أن ما تجب فيه البدنة لا تجب معها القيمة أو البدنتان، للأصل و

قول الصادق (عليه السلام) فيما تقدم من مرسل ابن فضال (1)«انما يكون الجزاء مضاعفا فيما دون البدنة حتى يبلغ البدنة، فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف، لأنه أعظم ما يكون»

و نحوه مرسله (2)الآخر، فيخص أو يقيد بذلك ما دل عليها، إلا أنه قد يناقش بانقطاع الأصل بما عرفت، و قصور المرسل سندا عن التقييد و التخصيص، و معارضة خصوص ما سمعته من قول الجواد (عليه السلام) المروي (3)بعدة طرق المشتمل على قرائن عديدة تدل على صحته، و لعله لذا مال غير واحد من متأخري المتأخرين الى ما عن ابن إدريس من التضعيف مطلقا، بل هو المحكي عن الأكثر، بل عن ابن إدريس نسبته الى ما عدا الشيخ من الأصحاب مؤذنا بالاتفاق عليه، و هو مع كونه أحوط لا يخلو من قوة، و إن أمكن القول بانجبار المرسلين بما سمعته من الشهرة في المسالك، مضافا الى تبيين ما في الكتب الأربع، فيصلحان للتخصيص و التقييد، بل و المعارضة التي يمكن الجمع فيها بالحمل على ضرب من الندب، فتأمل، نعم ما في المسالك من أن المراد ببلوغ البدنة بلوغ نفس البدنة أو قيمتها غير واضح، إذ المستفاد من النص و الفتوى تعلق الحكم بنفس البدنة، و كذا لا يلحق بها أرشها قطعا، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 و 2 و المستدرك الباب- 3 منها الحديث 1.

ج 20، ص: 322

و كلما تكرر من الجناية على الصيد من المحرم نسيانا للإحرام وجب عليه ضمانه بلا

خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر، و هو الحجة بعد العموم كتابا(1)و سنة(2)و خصوص ما تسمعه من النصوص (3)و كذا لو كان خطأ بأن أراد قتل غير الصيد فقتله أو ضرب من غير قصد للضرب الذي هو من معقد إجماع المدارك، بل و إن كان عن جهل بالحكم الشرعي في أقوى الوجهين و لو تعمد وجبت الكفارة أولا إجماعا بقسميه و كتابا(4)و سنة(5)بل هو كالضروري ثم لا يتكرر و هو ممن ينتقم الله منه لو فعل عمدا أيضا كما في الفقيه و المقنع و النهاية و التهذيب و الاستبصار و المهذب و الجامع و غيرها على ما حكي عن بعضها بل عن كنز العرفان نسبته الى أكثر الأصحاب، بل في محكي التبيان «أنه ظاهر مذهب الأصحاب» و المجمع «أنه الظاهر في روايتنا» و قيل و القائل ابنا الجنيد و إدريس و الشيخ في المبسوط و الخلاف و السيد و الحلبي في ظاهرهما على ما حكي عنهم تتكرر، و الأول أشهر فتوى و رواية، بل عن الخلاف نسبته الى كثير من الأخبار، للأصل السالم عن معارضة ظاهر النصوص بعد ظهور قوله تعالى (6)«وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ» في أن الجزاء مع العود انتقام الله تعالى في مقابل جزاء الابتداء من الفدية، و مرجعه الى أن الجزاء للتكفير لا للعقوبة، و لا تكفير

بالفدية مع العود، مضافا الى ما في النصوص من التصريح بكون المراد من الآية ذلك،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (7)«المحرم


1- 1 سورة المائدة- الآية 96.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب كفارات الصيد.
3- 3 الوسائل- الباب- 47 و 48- من أبواب كفارات الصيد.
4- 4 سورة المائدة- الآية 96.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب كفارات الصيد.
6- 6 سورة المائدة- الآية 96.
7- 7 الوسائل- الباب- 48- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 323

إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه، و يتصدق بالصيد على مسكين، فان عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاء، و ينتقم الله منه، و النقمة في الآخرة»

و في

حسنه (1)«إذا أصاب آخر فليس عليه كفارة، قال الله عز و جل وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ »

و في

خبر حفص الأعور(2)«إذا أصاب المحرم الصيد فقولوا له هل أصبت قبل هذا و أنت محرم فان قال: نعم فقولوا له إن الله منتقم منك فاحذر النقمة، و إن قال لا فاحكموا عليه جزاء ذلك الصيد»

و في مرسل ابن أبي عمير(3)عن بعض أصحابه الذي هو كالصحيح للإجماع على قبول مراسيله «إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه أبدا في

كل ما أصاب الكفارة، فإن عاد فأصاب ثانيا متعمدا فليس عليه فيه الكفارة، و هو ممن قال الله عز و جل وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ » و رواه في الكافي عن ابن أبي عمير(4)عن بعض أصحابه غير مسند له الى الصادق (عليه السلام)،

و في دعائم الإسلام (5)عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال في قول الله عز و جل «وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ» قال: «من قتل صيدا و هو محرم حكم عليه أن يجزي بمثله، فان عاد فقتل آخر لم يحكم عليه، و ينتقم الله منه»

و في حديث الجواد (عليه السلام)(6)مع المأمون المنقول في جملة من الأصول «كلما أتى به المحرم بجهالة فلا شي ء عليه إلا الصيد، فان عليه الفداء


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب كفارات الصيد الحديث 4 و ليس فيه « و لم يكن عليه كفارة».
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 48- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 مع الاختلاف.
4- 4 الوسائل- الباب- 48- من أبواب كفارات الصيد الحديث 5 مع الاختلاف.
5- 5 المستدرك- الباب- 32- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 عن أبي جعفر عليه السلام.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 324

بجهالة كان أو بعلم أو بخطإ الى أن قال و إن كان ممن عاد فهو ممن ينتقم الله منه و ليس عليه كفارة، و النقمة في الآخرة».

و المناقشة في الأول بأنه متروك الظاهر- لكون مقتول الحرم (المحرم ظ) من الصيد ميتة، فلا يتصدق به على المسكين، فيحمل على بطلان امتناعه، فلا يدل على القتل المكرر، و فيه أيضا و في مرسل ابن أبي عمير بالحمل

على أنه ليس عليه الجزاء وحده بل يعاقب- كما ترى لا ينبغي أن تسطر و لا تستأهل دفعا، كالمناقشة بأن مقتضى إطلاق بعض النصوص المزبورة عدم الفرق بين العمد و غيره، ضرورة اندفاعها بتحكيم المقيد عليها، مضافا الى ظهور قوله «فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ» في حال العمد، كإطلاق بعض النصوص المزبورة وجوب التكرار مطلقا المحمول على ذلك أيضا.

و منه يعلم ما في الاستدلال للأول بالآية، و بعموم نحو

قول الصادق (عليه السلام) في حسن ابن عمار(1)«عليه الكفارة في كل ما أصاب»

و في صحيحه (2)«عليه كلما عاد كفارة»

إذ أقصاه تحكيم الخاص على العام، بل إن كانت «ما» موصولة في الأول خرج عما نحن فيه ضرورة كونه في أفراد الصيد الذي لا كلام فيه، بل الإجماع منعقد عليه، و انما الكلام في تكرر الإصابة الذي لم يرد بالعموم، و على كل حال فلا تنافي بين النصوص.

و أولى من ذلك بذلك ما في

صحيح البزنطي (3)سأل الرضا (عليه السلام) «عن المحرم يصيب الصيد بجهالة أو خطأ أو عمدا هم فيه سواء قال: لا، قال جعلت فداك ما تقول في رجل أصاب الصيد بجهالة و هو محرم قال: عليه الكفارة قال: فإن


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 و التهذيب ج 5 ص 360 الرقم 1253.

ج 20، ص: 325

أصاب خطأ قال: عليه الكفارة، قال: فإن أخذ ظبيا متعمدا فذبحه قال:

عليه الكفارة، قال جعلت فداك: ألست قلت إن الخطأ و الجهالة و العمد ليس سواء فبأي شي ء يفضل المتعمد الجاهل الخاطى؟ قال: بأنه أثم و لعب بدينه»

بتقريب أن العامد لو فضل بغير ذلك لبينه لأنه وقت الحاجة، فإنه يكفي في البيان ما سمعته من النصوص، على أنه في بيان فضله في المرة الواحدة، بل لعل إطلاق جميع النصوص منساق الى بيان ذلك لا إلى إرادة التكرير.

و أغرب من ذلك الاستدلال بأنه يلزم أن يكون من قتل جرادة ثم نعامة عليه كفارة الجرادة دون النعامة و هو لا يناسب الحكمة، و بأنه يلزم أن يكون ذنب من يقتل جرادة أو زنبورا عقيب نعامة أعظم من قتله النعامة، و ليس كذلك إذ هو كما ترى لا يوافق أصول الإمامية، ضرورة كونه كالاجتهاد في مقابلة النص، و نحو ذلك ما وقع من مثل الفاضل من التأويل في النصوص المزبورة مما هو كالمقطوع بفساده معللا ذلك بأنه و إن بعد لكن الجمع بين الأدلة أولى، إذ هو كما ترى ليس بأولى من الجمع بينها بما هو مستفاد منها من التفصيل الذي يحمل عليه الإطلاق في كل من الطرفين، سيما بعد موافقة هذه النصوص لظاهر الكتاب، و مخالفتها لما عليه العامة التي جعل الله الرشد في خلافها، فإن المحكي عنهم عدا النادر منهم تكرار الكفارة بتكرار الفعل مطلقا، فلا محيص حينئذ بعد الإحاطة بما ذكرنا عن القول بالتفصيل.

نعم الظاهر اختصاص ذلك بالمحرم دون المحل في الحرم كما صرح به ثاني الشهيدين و غيره، و احتمال إرادة من في الحرم من المحرم بل و من قوله تعالى «ما دُمْتُمْ حُرُماً» في غاية البعد إن لم يكن الفساد في الإحرام الواحد دون الإحرامين و إن تقارب زمان التكرار بينهما بأن كان في آخر الأول و أول الثاني فضلا عن مثل الإحرامين في عامين الذي لا خلاف في تعدد الكفارة فيه

ج 20، ص: 326

و لا فرق أيضا بين ارتباط أحدهما بالآخر كحج التمتع و عمرته، و عدمه كحج الافراد و عمرته اقتصارا فيما خالف ما يقتضي التكرير و لو قاعدة وجود المسبب بوجود السبب على المتيقن، و هو ما عرفت، فما في غاية المراد من خلاف ذلك- حيث أنه بعد أن اعترف بأن ظاهر كلامهم التكرار في إحرام واحد و إن تباعد الزمان قال: «أما لو تكرر في إحرامين ارتبط أحدهما بالآخر أولا فيحتمل انسحاب الخلاف لصدق التكرار، و عدمه لتغايرهما بتحقق الإحلال، و يقوى صدق التكرار لو تقارب الزمان بأن يصيد في آخر المتلو و أول التالي مع قصر الزمان» كالمحكي عن غيره من صدق التكرار إذا ارتبط أحدهما بالآخر و عدمه مع عدمه- واضح الضعف، إذ الجميع كما ترى، و دعوى أن المرتبطين بمنزلة إحرام واحد على أنه لا دليل على اعتبار الوحدة في الإحرام إلا الاتفاق الذي لم يعلم تحققه في الفرض- واضحة المنع بعد انسياق الواحد و قاعدة الاقتصار و غير ذلك، نحو المحكي عن أحمد من الفرق بين تخلل التكفير و عدمه، ضرورة ظهور الآية في عدم الفرق، و كذا ما عن بعض من عدم الفرق في عدم التكفير بالعود بين كونه عقيب عمد أو سهو، إذ الظاهر من الآية و مرسل ابن أبي عمير إن لم يكن صريحهما و صريح محكي النهاية و المهذب كون العمد عقيب العمد، أما هو عقيب الخطأ أو بالعكس فلا خلاف كما عن بعض بل و لا إشكال في وجوب التكرير فيه، نعم في كشف اللثام كان جهل الحكم هنا كالسهو و لعله كذلك، لانسياق العالم المتذكر من الآية و النصوص دون الجاهل لا أقل من الشك، فيبقى على مقتضى التكرير، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف في أنه أي المحرم بل و المحل في الحرم يضمن الصيد بقتله عمدا بأن يعلم أنه صيد فيقتله ذاكرا لإحرامه عالما بالحكم أولا، مختارا أو مضطرا سوى ما تقدم من الجراد الذي يشق التحرر عنه

ج 20، ص: 327

و ما صال عليه من السباع و سهوا بأن يكون غافلا عن الإحرام أو الحرمة أو عن كونه صيدا، أو خطأ بأن قصد شيئا فأخطأه إلى الصيد فأصابه، بل أو قصد تخليصه من سبع و نحوه فأدي الى قتله على الأصح، بل الإجماع بقسميه على ذلك كله عدا الأخير، بل في كشف اللثام على الجميع، خلافا للمحكي عن الحسن البصري و مجاهد، فلم يضمنا العامد، و هو خلاف نص القرآن و الإجماع بل الضرورة من المذهب، و للأوزاعي فلم يضمن إن اضطر اليه، و لآخرين فلم يضمنوا الخاطى، مضافا الى النصوص ك

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1)«و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد، فان عليك الفداء فيه بجهل كان أو بعمد»

و في

صحيح مسمع (2)«إذا رمى المحرم صيدا فأصاب اثنين فان عليه كفارتين جزائهما»

و صحيح البزنطي (3)سأل الرضا (عليه السلام) «عن المحرم يصيد الصيد بجهالة قال: عليه كفارة، قلت: فإن أصابه خطأ قال: أي شي ء الخطأ عندكم قلت: يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى، قال: نعم هذا الخطأ و عليه الكفارة»

و غيرها من النصوص.

فلو رمى صيدا فمرق السهم فقتل آخر كان عليه فداءان و كذا لو رمى غرضا فأصاب صيدا ضمنه لما عرفت، ثم إن ظاهر النصوص و الفتاوى عدم الفرق بين العامد و غيره في مقدار الكفارة، خلافا للمرتضى في محكي الانتصار و الناصريات فالتضاعف في العمد إما مطلقا كما في الأخير أو مع قصد نقض الإحرام كما في الأول، مستدلا عليه بالإجماع و الاحتياط، و بأن عليه مع

النسيان جزاء، و العمد أغلظ، فيجب له المضاعفة، و فيه أن الأول موهون بعدم موافق له عليه كما اعترف به في الرياض، و الثاني ليس بدليل شرعي على


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب كفارات الصيد الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 20، ص: 328

الوجوب كما هو محرر في محله، و الثالث اجتهاد في مقابلة النص المصرح بأن الفارق بين العمدة و غيره ليس إلا الإثم الموجب للعقاب، و به يثبت الغلظ، فلا يحتاج الى تعدد الكفارة، كما هو واضح، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك، و الله العالم.

و لو اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله كان على المحرم عن كل بيضة شاة، و على المحل عن كل بيضة درهم بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك الاتفاق عليه، ل

صحيح أبي عبيدة(1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم فما على الذي أكله؟ فقال على الذي اشتراه فداء لكل بيضة درهم، و على المحرم لكل بيضة شاة»

و ظاهره كالفتاوى ترتب ذلك على المحل و إن كان في الحل، و لا استبعاد فيه بعد النص و الفتوى و إن لم يكن كفارة على المحل لو اشترك مع المحرم في قتل الصيد في الحل، لكن في المسالك «يمكن وجوب أكثر الأمرين عليه من القيمة و الدرهم لو كان في الحرم، لأن حكم البيض المذكور يقتضي تغليظا، فلو اقتصر على

الدرهم مع وجوب القيمة في غيره مع فرض زيادتها عليه لكان أنقص منه و الواقع خلافه» إلا أنه كما ترى مجرد اعتبار، و كذا ما فيها أيضا «من أن الأكل إن كان في الحل فالحكم كما ذكر و إن كان في الحرم ففي تضاعف الفداء بحيث يجتمع عليه الشاة و الدرهم نظر، من إطلاق القاعدة الدالة على الاجتماع، و من إطلاق النص هنا على وجوب الشاة، و يمكن هنا قويا أن يجمع بين المطلقين بالتضاعف لعدم المنافاة إلا أن الأصحاب هنا لم يصرحوا بشي ء» قلت: قد يقال بظهور الفتاوى في عدم وجوب غير الشاة، لذكرهم هذه


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب كفارات الصيد الحديث 5.

ج 20، ص: 329

المسألة مستقلة عن مسألة المضاعفة بالاجتماع على وجه يظهر منهم انفرادها بالحكم المزبور للنص المذكور.

و من ذلك يظهر لك النظر أيضا فيما ذكره غير واحد من أن كسر بيض النعام قبل التحرك موجب للإرسال، فلا يتم إطلاق وجوب الشاة هنا بل إن كسره ثم أكله وجب الجمع بين الإرسال بسبب الكسر و الشاة بسبب الأكل تقريرا للنصين، و انما يتم وجوب الشاة خاصة إذا اشتراه المحل مكسورا أو كسره هو إذ يمكن إخراج هذه المسئلة بالنص و الفتوى عن ذلك الإطلاق، و أولى منه ما لو اشتراه مطبوخا ثم كسره المحرم، فان الواجب الشاة خاصة، لزوال منفعة البيض بالنسبة إلى الفرخ الذي هو حكمة الإرسال، و مثله ما لو ظهر البيض بعد الكسر فاسدا، و في المسالك و يمكن الجمع لصدق الكسر، و ضعفه واضح.

و لو طبخه المحرم ثم كسره و أكله فالظاهر وجوب الشاة خاصة و إن قلنا بوجوب الإرسال بالكسر، لعدم تناوله و إن شاركه في منع الاستعداد، لكن في المسالك «الأقوى وجوب الإرسال مع الشاة، لمساواة الطبخ للكسر في منع الاستعداد للفرخ، و لصدق الكسر بعد ذلك، و لا يقصر الأمران عن الكسر ابتداء» و فيه ما لا يخفى، قيل: و أولى بالعدم لو طبخه و لم يكسره لو قيل به ثمة، و فيه أنه لا مدخل للكسر بعد فرض قيام الطبخ المذهب للاستعداد مقام الكسر، و حينئذ فلو كسره له محل بعد ذلك و أكله المحرم وجبت الشاة بالأكل و في الإرسال ما عرفت، و لا يجب على المحل الكاسر شي ء، للأصل السالم عن معارضة النص، و لو كان الكاسر محرما ففي المسالك في وجوب الشاة أو القيمة أو الدرهم نظر، قلت: قد يقال بعدم وجوب شي ء عليه للأصل السالم عن معارضة النص بعد فرض ذهاب استعداد البيض للفرخ بالطبخ المفروض من غيره، و لو فرض شمول تلك النصوص لاتجه الإرسال لا أحد الثلاثة.

ج 20، ص: 330

و لو كان المشتري للمحرم محرما ففي المسالك احتمل قويا وجوب الدرهم خاصة، لأولويته، من المحل بذلك، مع أصالة البراءة من الزيادة و وجوب الشاة لمشاركته للمحرم، كما لو باشر أحدهما للقتل و دل الآخر» و استجوده في المدارك، و في المسالك أيضا «و يقوى الاشكال لو اشتراه صحيحا فكسره الآخر و أكله حيث يجب الإرسال إذ ليس المشتري بكاسر و لا أكل و لكنه سبب فيهما» قلت: قد يقال بعدم ترتب شي ء على المحرم غير الإثم للأصل بعد الخروج عن النص، و عن فحوى التسبيب الذي هو نحو الدلالة على الصيد، و منع الأولوية بالنسبة إلى الدرهم، فتأمل.

و لو اشترى المحرم لنفسه من محل و باشر الأكل و مقدماته ففي المسالك أيضا «في وجوب الدرهم و الشاة و الإرسال معهما نظر، من وجوب الأخيرين عليه بدون الشراء، و وجوب الدرهم على المحل، فعلى المحرم أولى، و من خروجه عن صورة النص، و الأول أقوى لأن حكم الأخيرين منصوص، و الأول يدخل بمفهوم الموافقة» و فيه منع الدخول بالمفهوم المزبور كما جزم به في المدارك، نعم يتجه عليه ما يقتضيه الكسر و الأكل.

و لو انتقل الى المحل بغير الشراء و بذله للمحرم ففي المدارك في وجوب الدرهم على المحل وجهان، أظهرهما العدم، و قوى ابن فهد في المهذب الوجوب لأن السبب إعانة المحرم، و لا أثر لخصوصية سبب تملك العين، و في المسالك «لو انتقل الى المحل أو المحرم بغير الشراء ففي لحوق الأحكام نظر من المشاركة في الغاية، و عدم النص مع مخالفته في المحل للقواعد الدالة على عدم وجوب شي ء في غير هذه الصورة من مسائل الصيد، و يمكن أن يجب على المحرم ما كان يجب بالشراء و لا يجب على المحل» قلت قد يقال: إن المتجه وجوب قيمة البيض على المحرم بسبب الأكل و الإرسال مع الكسر صحيحا

ج 20، ص: 331

أخذا من القواعد السابقة خاصة، كما أن المتجه أيضا عدم ترتب شي ء على المحل لو كان المشتري غير البيض و إن كان أعظم كالنعامة و الظبي، نعم يتجه وجوب القيمة أو المنصوص على المحرم، و مما ذكرنا يظهر لك ما في كشف اللثام من الموافق و المخالف، قال: «و هل الأخذ بغير الشراء كالشراء احتمال قريب و إن كان المشتري أيضا محرما و كان مكسورا أو مطبوخا أو فاسدا لم يكن عليه إلا درهم، لإعانته المحرم على أكله، و إن كان صحيحا فدفعه الى المحرم كذلك كان مسببا للكسر، فعليه ما عليه إن باشره، و إن كسره بنفسه فعليه فداء الكسر، و كان الطبخ مثله، ثم عليه لدفعه الى الآكل الدرهم، و إن اشتراه المحرم لنفسه لم يكن عليه لشراء شي ء، كما لا شي ء على من اشترى غير البيض من صيد أو غيره و إن أساء، للأصل و بطلان القياس و منع الأولوية» و إن تبعه في أكثره في الرياض، و الله العالم.

و لا يدخل الصيد في ملك المحرم في الحل و في الحرم باصطياد و لا ابتياع و لا هبة و لا ميراث و لا غير ذلك من أسباب التملك كما في النافع و القواعد و غيرهما بل في المدارك نسبته الى القطع به في كلام الأصحاب، بل عن المنتهى الإجماع عليه في الاصطياد، لظهور الكتاب و السنة و الفتاوى في التنافي بين الإحرام و تملك الصيد، فان قوله تعالى (1)«وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» ظاهر في إرادة حرمة سائر الانتفاعات المنافية حقيقة

للتملك، خصوصا إذا لو حظ كون تملكه من جملة الانتفاع، كظهور

خبر أبي سعيد المكاري (2)عن الصادق (عليه السلام) «لا يحرم أحد و معه شي ء من الصيد حتى يخرجه


1- 1 سورة المائدة- الآية 97.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 34 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3 و تمامه في التهذيب ج 5 ص 362 الرقم 1257.

ج 20، ص: 332

عن ملكه، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه، فان لم يفعل حتى يدخل و مات لزمه الفداء»

في ذلك أيضا مضافا الى ظهور وجوب إرساله و ضمانه المقتضي لخروجه عن ملكه، و إلا فلا يعقل ضمانه مال نفسه فيه أيضا، بل و الى ظهور الإجماع المحكي عن الخلاف و الجواهر و ظاهر المنتهى على زوال ملكه عنه بالإحرام فيه أيضا، ضرورة كون ذلك ليس إلا لمنافاة الإحرام تملك الصيد الذي هو أثر سبب من أسبابه الاختيارية من الاصطياد و الابتياع و نحوهما أو القهرية كالإرث و نحوه، فإذا أبطل الإحرام أثر السبب علم منه عدم تأثير السبب معه أثره، لكن ناقش في ذلك كله غير واحد من متأخري المتأخرين حتى مال سيد المدارك منهم الى ما أرسله عن الشيخ من الدخول في الملك ثم وجوب الإرسال، و إن كنا لم نتحقق ذلك عن الشيخ، بل في كشف اللثام عنه أنه لا يدخل بالاتهاب في ملكه و أطلق، و لا يجوز له شي ء من الابتياع و غيره من أنواع التملك، و أن

الأقوى أنه يملك بالميراث، و لكن إن كان معه وجب عليه إرساله و إلا بقي في ملكه، و لا يجب إرساله، و الذي حكاه عنه في المختلف أنه قال: «إذا انتقل الصيد اليه بالميراث لا يملكه و يكون باقيا على ملك الميت الى أن يحل، فإذا حل ملكه- قال-: و يقوى في نفسي أنه إن كان حاضرا معه فإنه ينتقل اليه و يزول ملكه عنه، و إن كان في بلده، يبقى في ملكه، ولي في الانتقال الذي قواه الشيخ إشكال، لنا قوله تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» انتهى ما في المختلف.

و في كشف اللثام بعد أن حكى عن الشيخ ما سمعت قال: «و هو قوي لأن الملك هنا ليس بالاختيار ليدخل في عموم الآية بالتحريم فيرثه لعموم أدلة الإرث، و انما الذي باختياره الاستدامة، فلذا وجب الإرسال إن كان معه- قال- و هو مقرب التذكرة و فيها و في المنتهى أن الشيخ قائل به في الجميع، و الذي في

ج 20، ص: 333

المبسوط يختص بالإرث، و هو المنقول في المختلف و الشرحين» قلت ظاهر القائلين بعدم الدخول في الملك عدم الفرق فيه بين أسبابه القهرية و الاختيارية بل لعل وجوب الإرسال لكونه غير مالك له كما لو صاده و هو محرم، و ليس إلا لتنافي الإحرام و ملكية الصيد ابتداء و استدامة، بل سمعت ما حكاه في المختلف عن الشيخ من أنه يملكه ثم يزول عنه.

و على كل حال فليس له القبض من البائع أو الواهب أو نحوهما، بل و لا من التركة لحرمة إثبات اليد على الصيد، فان قبض و تلف في يده فعليه الجزاء لله تعالى و القيمة للمالك الذي هو البائع و نحوه، لكونه مقبوضا بالمعاملة الفاسدة و إن أذن المالك، ضرورة كون القبض عدوانا باعتبار عدم المشروعية و ما في كشف اللثام من التوقف في ذلك في غير محله و إن حكي عن المبسوط أنه قال: لا قيمة عليه للواهب ثم قال: و هو الوجه لأنه إباحة له فلا يضمن إذا تلف، و فيه أنه يمكن أن يكون ذلك من الشيخ لقاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده بناء على تسليمها، و لنا فيها نظر ذكرناه في محله إن لم يكن إجماع، ضرورة اقتضاء قاعدة اليد الضمان، و الاذن الحاصلة من العقد الفاسد لا ترفع الضمان.

ثم بناء على عدم التملك بالإرث إذا كان معه قال في كشف اللثام أيضا «يبقى الموروث على ملك الميت إذا لم يكن وارث غيره، و إذا أحل دخل الموروث في ملكه إن لم يكن في الحرم، و إن كان معه مثله في الإرث فإن أحل قبل قسمة التركة شارك في الصيد أيضا، و إلا فلا، و إن لم يكن معه إلا وارث أبعد اختص بالصيد و هو بغيره» انتهى، و لا يخلو من نظر، و لو أحرم بعد بيع الصيد و أفلس المشتري أو ظهر عيب في الثمن أو باعه بخيار لم يكن له حالة الإحرام أخذ العين، لما عرفت من عدم دخولها في ملكه حالته، و في كشف اللثام «و للمشتري

ج 20، ص: 334

رده بعيب أو غيره من أسباب الخيار و لكن ليس له الأخذ» و فيه أن الرد بالعيب إذا لم يترتب عليه تملك البائع للعين يمكن منع مشروعيته، بل حقيقة الرد رجوع العين الى ملك البائع، فلا يبعد تعين الأرش له أو الانتظار الى أن يحل.

و لو استودع صيدا محلا ثم أراد الإحرام سلمه الى المالك ثم الى الحاكم إن تعذر المالك، فان تعذر الحاكم فإلى ثقة محل لما عرفت من حرمة استيلائه على الصيد حال الإحرام، فإن تعذر الثقة ففي القواعد إشكال أقربه الإرسال و الضمان، و لعل وجه الاشكال من تعارض وجوب حفظ الأمانات أو ردها، و وجوب الإرسال عند الإحرام، كما أن وجه الأقربية الجمع بين الحقين و التغليب للإحرام، و يحتمل الحفظ و ضمان الفداء إن تلف تغليبا لحق الناس و قد يقال بعدم جواز الإحرام له حتى يرده الى صاحبه، فتأمل.

و لو كان عنده الى أن أحرم ففي كشف اللثام «في كل من الحفظ و التسليم الى المالك أو الحاكم أو ثقة إشكال أقربه الإرسال و ضمان القيمة لهذا الدليل، فان سلم إلى أحدهم ضمن الفداء إلا أن يرسله المستسلم كما نص عليه في التذكرة» و فيه أنه بناء على ترجيح ما دل على وجوب الحفظ و التسليم للمالك أو وليه على ما دل على وجوب الإرسال يتجه عدم الفداء بالإهمال، ضرورة تخصيص تلك الأدلة بغير الفرض.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أن المحرم حال إحرامه لا يدخل ملكه الصيد بسبب من أسبابه، لكن هذا كله إذا كان الصيد عنده و أما لو كان في بلده أو غيرها مما لا يصدق عليه كونه عنده أو معه ففيه تردد من وجود الإحرام المانع عن الملك بدليل الآية(1)و غيرها و من البعد الموجب لعدم خروج الصيد فيه عن الملك، فيقبل دخوله فيه


1- 1 سورة المائدة- الآية 97.

ج 20، ص: 335

و الأشبه وفاقا للفاضل و ثاني الشهيدين و غيرهما أنه يملك بل لا أجد فيه خلافا صريحا، نعم ربما كان ذلك مقتضى إطلاق بعض الفتاوى، و التحقيق خلافه، لما عرفته في الاستدامة التي يظهر هنا من النص و الفتوى تلازمها مع الابتداء، و به يخرج عن عموم الآية، فيبقى حينئذ عموم التملك بأسبابه حينئذ بحاله.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره عدم الفرق في ذلك بين كون المحرم في الحرم أو في الحل، و عن التذكرة و المنتهى و التحرير التفصيل بذلك في أصل التملك معللا بأن له استدامة الملك فيه فكذا ابتداءه، و قد يناقش بأنه مناف لقطعه فيها بزوال ملكه عنه بالإحرام و احتجاجه له بأن استدامة الإمساك كابتدائه و هو يعم المحرم في الحرم و في الحل، و بما سمعته سابقا من تملك المحل في الحرم النائي عنه، نعم لو كان الصيد في الحرم زال ملك المالك عنه، فلا يدخل في ملك أحد، فالوجه حينئذ تملك المحرم في الحل و الحرم النائي عنه، بخلاف ما كان معه، و قد تقدم بعض الكلام في المسألة في المحرم، و الله العالم.

و لو اضطر المحرم إلى أكل الصيد لمخمصة جاز أكله إجماعا بقسميه و نصوصا(1)و لكن فداه

إجماعا بقسميه و نصوصا(2)أيضا و لو كان عنده مع الصيد ميتة أكل الصيد إن أمكنه الفداء، و إلا أكل الميتة كما في القواعد، بل و محكي النهاية و المبسوط و المهذب، إلا أن فيها و إلا جاز له أكل الميتة ل

صحيح ابن بكير و زرارة(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل اضطر إلى ميتة أو صيد و هو محرم قال: يأكل الصيد و يفدي»

و صحيح الحلبي (4)عنه عليه السلام أيضا «سألته عن المحرم يضطر فيجد الميتة و الصيد أيهما


1- 1 الوسائل- الباب- 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 0.
2- 2 الوسائل- الباب- 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 0.
3- 3 الوسائل- الباب- 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 336

يأكل قال: يأكل من الصيد، أما يحب أن يأكل من ماله، قلت: بلى قال:

انما عليه الفداء فليأكل و ليفده»

و خبر منصور بن حازم (1)عنه عليه السلام أيضا على ما عن المنتهى بخط العلامة و المضمر في التهذيب «سألته عن محرم اضطر إلى أكل الصيد و الميتة قال: أيهما أحب إليك أن تأكل من الصيد أو الميتة قلت:

الميتة، لأن الصيد محرم على المحرم، فقال: أيهما أحب إليك أن تأكل من مالك أو الميتة قلت: آكل من مالي، قال: فكل الصيد وافده»

و خبر يونس ابن يعقوب (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المضطر إلى الميتة و هو يجد الصيد قال: يأكل الصيد قلت: إن الله عز و جل قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها و لم يحل له الصيد، قال: أ تأكل من مالك أحب إليك أو الميتة؟ قلت: من مالي، قال: هو مالك و عليك فداؤه، قلت: فان لم يكن عندي مال قال:

تقضيه إذا رجعت الى مالك»

و في كشف اللثام و كذا قال عليه السلام لمنصور بن حازم (3)فيما رواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن منصور مؤيدا ذلك بالانجبار بالفداء و اختصاص الميتة بالحرمة الأصلية، و بالخبث و فساد المزاج و إفسادها المزاج و المخالفة لما عليه أكثر العامة و رؤساؤهم و منهم أصحاب الرأي و هم أصحاب أبي حنيفة، بل في الانتصار الإجماع على اختيار الصيد مع فدائه و لا يأكل الميتة، و إن كان لم يتعرض لحكم من لا يقدر على الفداء كإطلاق المفيد


1- 1 الوسائل- الباب- 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 9 عن الشيخ بالإسناد عن أبي عبد الله عليه السلام و الظاهر أنه أخذه عن الاستبصار ج 2 ص 209 الرقم 713 حيث أن الشيخ قدس سره رواه في التهذيب ج 5 ص 368 الرقم 1282 مضمرا.
2- 2 الوسائل- الباب- 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10.

ج 20، ص: 337

و المحكي عن سلار و مقنع الصدوق يأكل الصيد و يفدي، و كذا النصوص.

و ظاهر المصنف في النافع أنه قول مقابل للسابق، قال فيه: «و لو كان عنده مع الصيد

ميتة ففيه روايتان، أشهرهما أنه يأكل الصيد و يفديه» و قيل إن لم يكن الفداء أكل الميتة، و مفهومه أنه يأكل الصيد مع الفداء إن أمكنه و وجه الفرق بين القولين حينئذ أنه يأكل الميتة مع عدم التمكن من الفداء على القول الثاني و لا على الأول، بل يرجع فيه الى القواعد المقررة كما عن المهذب في شرح النافع قال: «و هي أن الصيد إن كان نعامة انتقل إلى إبدالها حتى ينتهي الى ما يلزم العاجز، و هو الصوم، و كذا إن كان ظبيا أو غيرهما، فهذا فرق ما بينهما، فاعرفه» و حاصله أن الأول الأكل و وجوب الفداء لا الأكل بشرط التمكن من الفداء الذي هو القول الثاني، و في التنقيح- بعد أن حكى القول بالتفصيل بإمكان الفداء فلا يضطر إلى الميتة و عدمه فيضطر- قال: «و في هذا الترجيح نظر، فإنه على تقدير تمامه أي فارق بينه و بين الوجه الأول، و هو الأكل و الفداء، فان جواز الأكل إذا كان مشروطا بالمكنة من الفداء لا يكون هناك قول آخر فيه تفصيل، بل يكون القولان قولا واحدا، و الذي يظهر من كلام المصنف و غيره أنهما قولان أحدهما الأكل مطلقا و لزوم الفداء في الذمة سواء قدر عليه في الحال أولا، و ثانيهما جواز الأكل مع إمكان الفداء، و يمكن أن يجاب بأن الفرق بينهما ما بين الرخصة و العزيمة، فإن الأكل في الأول رخصة، و في الثاني عزيمة».

و لا يخفى عليك ما في السؤال و الجواب، و التحقيق أن الفرق بينهما شرطية التمكن في جواز الأكل و عدمها بل الأكل سبب في وجوبه في الذمة، بل قد يقال إن ظاهر الفتاوى عدم اعتبار الابدال، و أن المتعين الفداء على معنى وجوبه في ذمة الآكل، و لا يخلو من إجمال، و في الرياض بعد أن حكى ما

ج 20، ص: 338

سمعت قال: «و ظاهرهما بل و غيرهما أن المعتبر من التمكن و عدمه انما هو وقت الاضطرار إلى الأكل كما عن الإسكافي الذي هو أحد القائلين بالقول الثاني و فيه نظر، بل الأظهر أنه مع عدم التمكن وقت الاضطرار يأكل الصيد و يقضي الفداء إذا رجع الى ماله، كما في الموثق (1)و نحوه الصحيح (2)المروي عن المحاسن «قلت: لا ظهور في كلامهم في ذلك، نعم هو ظاهر الإسكافي، لقوله:

«فان كان في الوقت ممن لا يطيق الجزاء أكل الميتة» و أما غيره فقد أطلق الإمكان الشامل للحال و لحال الرجوع الى ماله.

و على كل حال ففي مقابل النصوص المزبورة

خبر عبد الغفار الجازي (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة فوجدها و وجد صيدا قال: يأكل الميتة و يترك الصيد»

و خبر إسحاق (4)عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «ان عليا عليه السلام كان يقول: إذا اضطر المحرم الى الصيد و الميتة فليأكل الميتة التي أحل الله له»

إلا أنهما قاصران عن المعارضة من وجوه، بل لم أجد عاملا بإطلاقهما من أصحابنا، فأحسن شي ء حملهما على التقية، بل قد يحتمل في ثانيهما أن لا يكون واجدا للصيد و إن اضطر اليه كما عن الشيخ، بل احتمل فيهما الاضطرار الى ذبح صيد لعدم وجدان مذبوح منه، فان المحرم إذا ذبحه كان ميتة، و نفي البأس عنه في المختلف بل عن أطعمة الخلاف و المبسوط و السرائر اختيار ذلك، ففرقوا بين أن يجد صيدا مذبوحا ذبحه محل في حل فيأكله و يفديه، و بين أن يفتقر الى ذبحه و هو محرم، أو يجده مذبوحا ذبحه محرم أو ذبح في الحرم فيأكل الميتة.

و عن ابن إدريس أنه قواه لأنه مضطر اليه، و لا عليه في أكلها كفارة،


1- 1 الوسائل- الباب- 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 11.

ج 20، ص: 339

و لحم الصيد ممنوع منه لأجل الإحرام على كل حال، لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة، و زاد بعضهم أن تحريم الصيد في الفرض من وجوه: تناوله و إمساكه و قتله و أكله بخلاف الميتة التي ثبت التحريم فيها من وجه واحد، و ربما نوقش بأنه يمكن حرمتها من وجوه في بعض الأفراد، كما لو غصب شاة و ضربها حتى ماتت، و لا قائل بالفصل، و بإمكان وجه واحد في الصيد إذا كان قد ذبحه غيره و هو محل في حل، بل قد يرجح الصيد عليها بأن حرمة أكله عارضية بسبب الإحرام و الحرم بخلاف الميتة فإنها أصلية، و بأن الصيد له بدل و هو الفداء الموجب للعفو عن إثمه في غير المقام فضلا عنه، بخلاف الميتة و بأن الميتة مشروط أكلها بالضرورة، و لا ضرورة مع وجود الصيد و الالتزام بالفداء كما أشارت إليه الرواية، و بالشهرة فتوى و رواية و بغير ذلك.

و عن الصدوق في الفقيه التخيير بين أكل الصيد و الفداء و أكل الميتة، قال: إلا أن

أبا الحسن عليه السلام (1)قال: «يذبح الصيد و يأكله أحب الي من الميتة»

و عن ابن سعيد موافقته مصرحا بأنه يذبح الصيد و يأكله، و لكن قال في محكي المقنع يأكل الصيد و يفدي، و قد

روي (2)في حديث آخر انه «يأكل الميتة لأنها قد حلت له و لم يحل له الصيد»

و ظاهره اختيار القول الأول و هو كذلك، ضرورة أن الجمع بالتخيير فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه، بل و نحوه الجمع بالإمكان و عدمه مع عدم الشاهد له.

و قد تلخص من ذلك أن الأقوال في المسألة أربعة أو خمسة: الأول الأكل و الفداء، و الثاني الأكل إن تمكن من الفداء حال الأكل في قول، أو و لو مع الرجوع الى ماله كما في آخر، و الثالث التخيير، و الرابع التفصيل


1- 1 الوسائل- الباب- 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 43 من أبواب كفارات الصيد الحديث 8.

ج 20، ص: 340

الذي سمعته عن أطعمة الخلاف و غيره، و الخامس ترجيح الميتة مطلقا، و قد حكاه ابن

إدريس، إلا أنا لم نتحققه، و أقواها الأول لما عرفته من النصوص المؤيدة بما سمعت المحمول ما خالفها على التقية أو غيرها، من غير فرق بين الصيد المذبوح في الحل و غيره حتى لو تمكن المحرم من الاصطياد، بل و إن كان في الحرم فيصيده و يذبحه و يأكله مقدما له على الميتة و إن كانت مباحة الأكل بالذكاة فضلا عن غيرها، و لكن عليه الفداء و لو بعد الرجوع الى ماله، و لا يناقش بأن ذبح المحرم له و خصوصا في الحرم لا يفيده تذكية بل هو ميتة أيضا، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص، مع إمكان منع كونه ميتة هنا و إن قلنا به في غير المقام الذي هو حال الضرورة، بل قد سمعت احتمال كونه غير ميتة مطلقا، و الله العالم.

و إذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه كما في النافع و القواعد و غيرهما، بل في المسالك هكذا أطلق الأكثر، ثم قال: «و المفهوم من الفداء ما يلزم المحرم بسبب الجناية على الصيد من مال أو صوم أو إرسال، و هو شامل أيضا لما إذا زاد عن قيمة الصيد المملوك أو نقص، و لما إذا كانت الجناية غير موجبة لضمان الأموال كالدلالة على الصيد مع المباشر، و لما كان للمالك فيه نفع و غيره كالارسال إذا لم ينتج شيئا و الصوم، و لما إذا كانت الجناية من المحرم في الحل أو في الحرم أو من المحل في الحرم فيشمل ما يجتمع فيه القيمة و الجزاء و مقتضاه أنه لا يجب لله تعالى سوى ما يجب للمالك، مع أن القواعد المستقرة تقتضي ضمان الأموال بالمثل أو القيمة كيف كان، و كما قد يقتضي الحال في هذه المسألة ضمان ما هو أزيد من ذلك كما إذا زاد الجزاء عن القيمة أو اجتمع عليه الأمران قد يقتضي ضمان ما هو أقل، بل ما لا ينتفع به المالك فلا يكون الإحرام موجبا للتغليظ عليه زيادة عن الإحلال، فيتحصل في المسألة مخالفة

ج 20، ص: 341

في أمور، منها لزوم البدنة عوضا عن النعامة مع أنها قيمته، و الواجب على غاصبها المتلف ضمان قيمتها، و هي قد تكون أزيد من البدنة، و قد تكون أقل، و منها فض ثمنها على البر و إعطاؤه للمالك على الوجه الذي سمعته في فضه على المساكين، و منها أن الصيام مع العجز عنه يقتضي ضياع حق المالك المالي مع أن الصوم من جملة الفداء الشرعي و إيجابه لله تعالى، و بقاء ضمان الصيد للمالك خروج عن القاعدة المذكورة، و منها لو كان المتلف بيضا موجبا للإرسال فأرسل الجاني و لم ينتج شيئا يلزم ضياع حق المالك، و إن أوجبنا القيمة هنا و نفينا الإرسال لزم الخروج عن النص المعلوم، و لو عجز عن الإرسال فالكلام في الصوم بدله كما مر، و منها لو كان المحرم مثلا دالا ضمن أيضا مع المباشر، و منها اجتماع الفداء من المباشر المتعدد و السبب كذلك و إعطاؤه للمالك، و ربما يزيد على ماله أضعافا مضاعفة، و منها الضمان لو كان المملوك حماما في الحرم كالقماري فنفره ثم عاد الى المالك، الى غير ذلك من المخالفات للأصل المتفق عليه من غير موجب يقتضي المصير اليه.

و قد ذهب جماعة من المحققين منهم العلامة في التذكرة و التحرير و الشهيد في الدروس و المحقق الشيخ علي الى أن فداء المملوك لله تعالى و عليه القيمة لمالكه، و هذا هو الأقوى لأنه قد اجتمع في الصيد المملوك حقان لله تعالى باعتبار الإحرام و الحرم، و للآدمي باعتبار الملك، و الأصل عدم التداخل، فحينئذ ينزل الجاني منزلة الغاصب و القابض بالسوم، ففي كل موضع يلزمه الضمان يلزمه هنا كيفية و كمية، فيضمن القيمي بقيمته و المثلي بمثله، و مثله الأرش في موضع نوجبه للمالك، و يجب عليه ما نص الشارع عليه هنا لله تعالى.

و لو كان دالا و نحوه ضمن الفداء لله تعالى خاصة، و تبعه على ذلك كله غير واحد ممن تأخر عنه، و لا ريب في قوة مختاره إن لم نقل بتعارض الأدلة

ج 20، ص: 342

من وجه باعتبار إطلاق ما دل على ضمان المال لصاحبه بمثله أو قيمته، و إطلاق ما دل علي ضمان النعامة مثلا بالبدنة سواء كانت مباحة أو مملوكة، و لكن في الأول تكون لله تعالى باعتبار عدم مالك غيره، بخلاف الثاني الذي كان المالك فيه غيره، فيكفي حينئذ دفع البدل له، للأصل و حصول امتثال ما في الكتاب و السنة، نعم ما ذكره من أبدال الفداء من الصوم و نحوه مما يمكن القطع بعدم إرادة القائل ما يشمل، خصوصا و القائل مثل المصنف و الفاضل و نحوهما الذين هم أساطين هذا الفن، بل هم الذين لخصوصه، و لذا اقتصر الفاضل في القواعد على زيادة الفداء على القيمة و نقصه، فقال: و فداء المملوك لصاحبه و إن زاد على القيمة على إشكال، و عليه النقص، و كأن وجهي الاشكال أنه بدل قدره الشارع مثلا للمتلف، فلا عبرة بغيره، و لا زيادة حقيقة، و أنه ليس بدلا منه مطلقا، لأنه لو لم يكن محرما لم يكن عليه سوى القيمة، فالزائد إنما وجب لحرمة الإحرام فلا يتعلق به ملك المالك، كما أن الوجه في جزمه بأن عليه النقص أن الإحرام لا يصلح سببا للضرر على المالك و التخفيف عن المتلف مع كونه سببا للتغليظ، و لأن النصوص لا تنفي وجوب الزائد بسبب آخر، و لأن كلا من الإحرام و التعدي على مال الغير سبب للضمان، فلئن لم يتعدد المسبب فلا أقل من دخول الناقص في الزائد، و ربما قيل بأن مراده كون النقص على المالك، كما أن الزيادة له، و لكنه كما ترى في غاية البعد.

و أما ما ذكره في البيض فقد يدفع بمنع اندراجه في نحو العبارة، لعدم صدق الصيد عليه، و كذا تنفير الحمام، و مع التسليم فان لم ينتج شي ء أو نتج ما ينقص عن القيمة فعليه القيمة، كما أنه يمكن القول فيما لو كان التكليف الصيام بعدم اندراجه في نحو العبارة، لعدم صدق الفداء عليه، و انما هو بدل الفداء فيتعين الضمان للمالك، و كذا الكلام في الإطعام المختص في النصوص.

ج 20، ص: 343

كما سمعت بالمساكين، و يحتمل الصبر إلى القدرة على الفداء أو الإصلاح مع المالك، و لعل المتجه في صورة جناية المحرم في الحرم التي يجتمع فيها على الجاني القيمة و الفداء تعين الأولى للمالك و الفداء لله تعالى، كما أن المتجه فيما لو اجتمع دال و مباشر تعين فداء المباشر للمالك، و غيره لله تعالى، و إذا تعدد مباشرون فالمالك شريك المساكين كما صرح به بعضهم، و يحتمل أن يكون له واحد منها و الباقي للمساكين، و المراد من ذلك كله نفي ما سمعته من المسالك مما لا ينبغي التزامه من مثل الفاضلين و إن كان الأقوى خلاف ما ذكراه لعموم ما دل على ضمان الأموال بالمثل أو القيمة، و ظهور الكتاب و السنة في كون الفداء المزبور انما هو من جهة الإحرام و الحرم، خصوصا بملاحظة قوله تعالى «هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» و نحوه مما أمر فيه بالصدقة به على المساكين و نحو ذلك، فتبقى حينئذ جهة المالية على حالها في الاقتضاء كما و كيفا، و لا يلحقها شي ء من حكم الإحرام و الحرم، و الله العالم.

و إن لم يكن الصيد مملوكا تصدق به بعد ذبحه إن كان حيوانا بلا خلاف و لا إشكال، قال أبو جعفر عليه السلام في

صحيح زرارة(1): «إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة الى أن يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه و يتصدق بمثل ثمنه فإن أصاب منه و هو حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه»

و قال الصادق عليه السلام في حسنة الحلبي (2): «إن قتل المحرم حمامة من حمام الحرم فعليه شاة و ثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدق به»

الى غير ذلك مما تقدم، نعم تضمن بعض (3)النصوص إطعام حمام الحرم في بعض أفراد الجزاء، و الأحوط ما عن العلامة و غيره من أن مستحق هذه الصدقة فقراء الحرم و مساكينه، كما أن الأحوط اعتبار الإيمان


1- 1 الوسائل- الباب- 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 11 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 22 من أبواب كفارات الصيد.

ج 20، ص: 344

فيهم و إن قال في المدارك لم أقف للأصحاب على تصريح باعتبار الايمان و لا بعدمه، و إطلاق النصوص يقتضي العدم، و الله العالم.

و كل ما يلزم المحرم من فداء يذبحه أو ينحره بمكة إن كان معتمرا و بمنى إن كان حاجا كما في النافع و القواعد و غيرهما و محكي الخلاف و المراسم و الإصباح و الإشارة و الفقيه و المقنع و الغنية، بل في المدارك هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا، و هو كذلك في الأخير، أما الأول فقد سمعت من صرح فيه بما ذكره، و لكن عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع التصريح بأن للمعتمر أن يذبح غير كفارة الصيد بمنى، و كذا عن روض الجنان و عن المهذب التصريح بجوازه في

العمرة المبتولة، و عن السرائر و الوسيلة و فقه القرآن للراوندي و ظاهر الخلاف «ان العمرة المبتولة كالحج في ذبح جزاء الصيد بمنى» و عن الكافي أن العمرة المتمتع بها كالمبتولة في ذبح جزاء الصيد بمكة» و نحوه عن الغنية، و إن كان الأقوى الأول، لقول الجواد عليه السلام للمأمون فيما رواه المفيد في محكي الإرشاد عن

الريان بن شبيب (1)عنه عليه السلام «و إذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان إحرامه بالحج نحره بمنى، و إن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة»

و في المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن محمد بن الحسن عن محمد بن عون النصيبي (2)و في

ما أرسله الحسن بن علي بن شعبة في محكي تحف العقول (3)«و المحرم بالحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس، و المحرم بالعمرة ينحر الفداء بمكة»

و في خصوص جزاء الصيد مضافا الى الآية(4)و الإطلاق المزبور

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
4- 4 سورة المائدة- الآية 96.
5- 5 الوسائل- الباب- 49 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 345

«من وجب عليه فداء صيد أصابه محرما فان كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى، و إن كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة»

و قول أبي جعفر عليه السلام في خبر زرارة(1)«في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الهدي فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس، و إن كان في عمرة نحر بمكة و إن شاء تركه الى أن يقدم فيشتريه فإنه يجزي عنه».

و المراد بالأخير ما عن الشيخ من أنه لا يجب عليه الشراء من حيث صاده و السياق إلى مكة أو منى و إن كان أفضل خلافا لما عن الحلبيين فأوجباه، ل

مقطوع ابن عمار في الصحيح (2)«يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد»

و لكنه ظاهر في إرادة ذبح الفداء حيث صاد، و لم أجد قائلا به إلا ما حكاه في الدروس عن الشيخ، و لعله ظاهره في التهذيب و من هنا يكون شاذا، بل لو سلم عدم ظهوره في ذلك فهو قاصر عن معارضة الأصل و الإطلاق نصا و فتوى، فلا بأس حينئذ بحمله على الندب بالمعنى الذي ذكره الشيخ، فما عن الأردبيلي رحمه الله- من الفتوى بظاهره، و هو جواز فداء الصيد في موضع الإصابة و إن كان الأفضل التأخير إلى مكة و منى، حاملا للآية على ذلك أيضا، محتجا عليه زيادة على ما في المضمر المزبور ب

قول الصادق عليه السلام في كفارة قتل النعامة(3)«إذا أصاب المحرم الصيد و لم

يكفر في موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاءه»

بل و ب

قوله عليه السلام أيضا في خبر محمد(4): «فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه»

الى أن قال: «و لا يبعد الأفضلية في مكان الإصابة في غير كفارة الصيد»- في غير محله


1- 1 الوسائل- الباب- 51 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 51 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10.

ج 20، ص: 346

ضرورة أنه يمكن دعوى الإجماع على خلافه، مضافا الى ظاهر الكتاب و السنة التي منها ما عرفت، و منها ما مر في نصوص المباحث السابقة، ك

قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (1)في كفارة الأرنب: «شاة هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ»

و منها ما مر(2)في نصوص الإرسال فما نتج منها فهو هدي بالغ الكعبة أو هدي لبيت الله الحرام و غير ذلك، فالمتجه حمل المضمر المزبور على ما سمعت بعد قصوره عن المعارضة من وجوه، و لعل المراد بصحيح أبي عبيدة(3)تقويم الجزاء بعد صدق عدم الوجدان لا ذبح الهدي في ذلك المكان، و كذا خبر محمد(4)انما هو في الثمن لا في الهدي، على أنها قاصرة عن معارضة غيرها من وجوه، فلا يخرج عنه لها، خصوصا بعد ملاحظة فتاوى الأصحاب.

و على كل حال فمما ذكرنا يظهر لك النظر فيما في المدارك تبعا للمحكي عن شيخه، فان بعد أن ذكر ما سمعت و ذكر صحيح ابن سنان و خبر زرارة قال: و هذه الروايات كما ترى مختصة بفداء الصيد، أما غيره فلم أقف على نص يقتضي تعين ذبحه في هذين الموضعين، فلو قيل بجواز ذبحه حيث كان لم يكن بعيدا، للأصل و ما رواه

الشيخ عن أحمد بن محمد(5)عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام «من وجب عليه هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء إلا فداء الصيد، فان الله تعالى يقول هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ»

إذ قد عرفت أن النصوص و الفتاوي على خلاف ذلك بالنسبة إلى فداء الحج صيدا و غيره، فلا يخرج عنها


1- 1 الوسائل- الباب- 4 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 23 من أبواب كفارات الصيد.
3- 3 الوسائل- الباب- 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 10 من أبواب كفارات الصيد الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 49 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.

ج 20، ص: 347

بالمرسل المزبور، نعم في

صحيح ابن حازم (1)سأل الصادق عليه السلام «عن كفارة العمرة المفردة أين تكون، قال: بمكة إلا أن يشاء صاحبها أن يؤخرها إلى منى، و يجعلها بمكة أحب الي و أفضل»

و يمكن حمل المرسل المزبور عليه، كما أنه يمكن تقييد الصحيح المزبور بغير فداء الصيد لما عرفته من ظاهر الآية و غيره و حينئذ فينحصر الإشكال في خصوص كفارة غير الصيد في العمرة المفردة دون الحج، و دون فداء الصيد في العمرة بالنسبة الى عدم تعين أحد

الموضعين، لأنه يجوز ذبحه في كل مكان، و دفعه ممكن بالجمع بين النصوص بحمل الأولة على تعين مكة لفداء الصيد فيها، دون غيره فإنه أفضل و إن جاز وقوعه بمنى، فإنه بذلك تجتمع جميع النصوص، و لعله أولى من الجمع بينها بالندب في العمرة مطلقا بالنسبة إلى الصيد و غيره.

و الظاهر إلحاق عمرة التمتع بالعمرة المبتولة في الحكم لا بالحج كما عن ابني حمزة و إدريس و غيرهما ممن عرفت، بل ربما حكي عن والد الصدوق أيضا للمحكي عن الفقه (2)المنسوب الى الرضا عليه السلام الذي قد تكرر منا عدم ثبوت نسبته، فلا يصلح معارضا لهذه الأدلة فضلا عن أن يقاومها، فالتحقيق مساواتها لها في الحكم لا للحج، كما أن الأحوط تعين مكة لفداء العمرة المبتولة مطلقا، و الله العالم، هذا.

و روى معاوية بن عمار(3)في الصحيح أن كل من وجب عليه شاة في كفارة الصيد و عجز عنها كان عليه إطعام عشرة مساكين، فان عجز صام ثلاثة أيام و زاد المصنف و الفاضل فيها في الحج و إن لم نجدها


1- 1 الوسائل- الباب- 49 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
2- 2 فقه الرضا عليه السلام ص 28.
3- 3 الوسائل- الباب- 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 11.

ج 20، ص: 348

فيما حضرنا من نسخة التهذيب كما اعترف به في كشف اللثام و المدارك، بل في الأول نفيها في نسخ التهذيب، قال: و لا ظفرنا بها في خبر آخر، و لفظه

قال أبو عبد الله عليه السلام: «من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل فان لم يجد ما يشتري بدنة فأراد أن يتصدق فعليه أن يطعم ستين مسكينا، كل مسكين مدا، فان لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما مكان كل عشرة مساكين ثلاثة أيام، و من كان عليه شي ء من الصيد فداؤه بقرة فان لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا، فان لم يجد فليصم تسعة أيام، و من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام»

بل ليس فيه كون الشاة كفارة الصيد، إلا أن السياق يقتضيه، و على كل حال فعن القاضي و الفاضل في التحرير و التذكرة و ظاهر المنتهى الفتوى به، و لا بأس به بعد أن كان جامعا لشرائط الحجية، بل في المسالك و كذا غيرها أن العمل به متعين، نعم قد عرفت عدم وجوب كونها في الحج كما عن التحرير و إن كان هو أحوط، بل ربما احتمل عدم اعتبار كونها في خصوص كفارة الصيد، فيشمل الشاة الواجبة لغيره من المحظورات، لأن العبرة بعموم اللفظ و الجواب لا خصوص المحل و السؤال، لكن قد عرفت شهادة السياق بذلك، بل لعل عموم «من» الموصولة مشروط بما إذا لم يتقدمه معهود، و قد تقدمه هنا.

و الطعام المخرج عوضا عن المذبوح تابع له في محل الإخراج كما في القواعد و محكي المبسوط لأنه عوض عما لمساكين ذلك المكان، فيدفع إليهم، و قد يشمله

قول الصادق عليه السلام (1)فيما أرسله المفيد في المحكي عنه «من أصاب صيدا فعليه فداؤه من حيث أصابه»

و مضمر ابن عمار(2)«يفدي المحرم فداء الصيد من حيث أصابه»

نعم لا يتعين الصوم بمكان للأصل من غير معارض حتى


1- 1 الوسائل- الباب- 51 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 51 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 349

الصحيح المزبور على تقدير زيادة «في الحج»، فإنه لا يعين مكة و لا منى كما هو واضح، و الله العالم.

[المقصد الثالث في باقي المحظورات ]
اشاره

(المقصد الثالث في باقي المحظورات) التي تترتب عليها الكفارة

[و هي سبعة]
اشاره

و هي سبعة:

[المحظور الأول الاستمتاع بالنساء]
اشاره

الأول الاستمتاع بالنساء ف نقول من جامع زوجته محرما في الفرج قبلا أو دبرا عامدا للجماع ذاكرا للإحرام عالما بالتحريم فسد حجه و عليه إتمامه و بدنة و الحج من قابل سواء كان حجته التي أفسدها فرضا أو نفلا بلا خلاف أجده فيه في الجملة بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص، ففي

صحيح معاوية(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل محرم وقع على أهله فقال: إن كان جاهلا فليس عليه شي ء، و إن لم يكن جاهلا فان عليه أن يسوق بدنة، و يفرق بينهما حتى يقضى المناسك و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا و عليهما الحج من قابل»

و صحيح زرارة أو حسنه (2)«سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة فقال: جاهلين أو عالمين، فقلت أجبني على الوجهين جميعا، قال:

إن كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا على حجمهما و ليس عليهما شي ء، و إن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا مناسكهما و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت: فأي الحجتين لهما، قال:

الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، و الأخرى عليهما عقوبة»

و صحيحه الآخر(3)«قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل وقع على أهله و هو محرم قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 2 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث

ج 20، ص: 350

أ جاهل أو عالم قلت جاهل قال: يستغفر الله و لا يعود»

و صحيح معاوية(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في المحرم يقع على أهله قال إن كان أفضى إليها فعليه بدنة و الحج من قابل، و إن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة»

و خبر علي ابن أبي حمزة(2)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل محرم واقع أهله فقال: قد أتى عظيما، قلت: قد ابتلى قال: استكرهها أو لم يستكرهها، قلت أفتني فيهما جميعا فقال: إن كان استكرهها فعليه بدنتان، و إن لم يكن استكرهها فعليه بدنة و عليها بدنة، و يفرقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة، و عليهما الحج من قابل لا بد منه، قال: قلت: فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت فقال: نعم هي امرأته كما هي، فإذا انتهيا الى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا، فإذا أحلا فقد انقضى عنهما، إن أبي كان يقول ذلك»

و في التهذيب و في رواية أخرى (3)«فان لم يقدر على بدنة فإطعام ستين مسكينا، لكل مسكين مد، فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما، و عليها أيضا كمثله إن لم يكن استكرهها»

و صحيح جميل بن دراج (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن محرم وقع على أهله قال: عليه بدنة، قال: فقال له زرارة قد سألته عن الذي سألته عنه فقال لي: عليه بدنة، قلت: عليه شي ء غير هذا قال: نعم عليه الحج من قابل»

و صحيح معاوية(5)عن أبي عبد الله عليه السلام


1- 1 الوسائل- الباب- 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3 و التهذيب ج 5 ص 318- الرقم 1094.
4- 4 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.

ج 20، ص: 351

«إذا واقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل»

و نحوه حسنه (1)أيضا، و

مرسل الصدوق (2)عن الصادق عليه السلام «إن وقعت على أهلك بعد ما تعقد للإحرام و قبل أن تلبي فلا شي ء عليك، و إن جامعت و أنت محرم قبل أن تقف بالمشعر فعليك بدنة و الحج من قابل، و إن كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليك»

الى غير ذلك من النصوص التي إطلاقها كالفتاوى يقتضي عدم الفرق في الزوجة بين الدائم و المنقطع و الحرة و الأمة كما صرح به غير واحد لصدق الزوجة و الأهل و الامرأة، لقوله تعالى (3)«إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ»* و إن كان ربما يحتمل اختصاص الدائمة لدعوى الانصراف و أصلي الصحة و البراءة إلا أن الأصح ما عرفته.

بل يقتضي أيضا ما صرح به المصنف و غيره ممن تأخر عنه بل و من تقدمه كالمحكي عن المبسوط و ابن إدريس من عدم الفرق بين القبل و الدبر كما في غير المقام مما جعل فيه العنوان الجماع و الإتيان و المواقعة و الوطء و الدخول و نحو ذلك مما لا ريب في صدقه بكل منهما، فان الدبر أحد المأتيين، خلافا للمحكي عن بعض الأصحاب و إن كنا لم نعرفه، و انما أرسله الشيخ في محكي الخلاف من اختصاص الحكم بالقبل محتجا له بأصل البراءة المقطوع بما سمعت


1- 1 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 10.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 1 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2 و وسطه في الباب- 6 منها الحديث 2 و ذيله في الباب- 2 منها الحديث 5.
3- 3 سورة المؤمنين- الآية 6.

ج 20، ص: 352

و ب

صحيح ابن عمار(1)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج قال: عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل»

الظاهر في غير الدبر، بل الممنوع عدم شمول الفرج فيه للدبر لا لأنه مأخوذ من الانفراج و هو متحقق فيه، بل للصدق عليه لغة، لأنه لما بين الرجلين كما صرح به في النهاية و القاموس و المصباح، بل و عرفا فإنه أحد الفرجين، و دعوى انسياق القبل منه على وجه يكون مخصصا للعموم السابق حتى في مثل المقام الذي قد عرفت عدم القائل فيه بالاختصاص واضحة المنع، هذا، و في المدارك نقل عن الشيخ في المبسوط أنه أوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة، و لكن لم نتحققه، بل عبارته المحكية عنه في المختلف صريحة في الموافقة، و أن الذي فيه البدنة

خاصة انما هو الوقاع فيما دون الفرج يعني القبل و الدبر لا القبل خاصة كما صرح به في صدر عبارته المحكية عنه، و على تقديره فلا ريب في ضعفه لما عرفت و كذا يقتضي ما صرح به الشيخ و القاضي و الحلي و المصنف و الفاضل و غيرهم على ما حكي عن بعضهم من عدم الفرق بين الحج الواجب و الندب الذي يجب إتمامه بالشروع فيه.

و كذا يقتضي عدم الفرق بين الانزال و عدمه بعد صدق العنوان المزبور في النصوص، نعم لا بد من صدقة بغيبوبة الحشفة، و إلا كان من الإتيان دون الفرج الذي هو كالملاعبة، فما عن المنتهى من التردد فيه فاحتمل عمومه حاكيا عن إطباق الجمهور أن عليه شاة إذا لم ينزل في غير محله قطعا.

و كذا يقتضي تعلق الحكم بمن جامع قبل المشعر بعد عرفة، مضافا الى


1- 1 الوسائل- الباب- 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.

ج 20، ص: 353

ما سمعته من التصريح به في الصحيح (1)و غيره، و هو خيرة الشيخ و الصدوقين و بني الجنيد و البراج و حمزة و إدريس و زهرة و السيد و المصنف في النافع و الفاضل و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل عن الشيخ و السيدين و القاضي في شرح الجمل و الجواهر الإجماع عليه، خلافا للمحكي عن المفيد و سلار و الحلبي و السيد في الجمل فاعتبروا تقدمه على عرفة لما

روي (2)من أن «الحج عرفة»،

و هو مع ضعفه محتمل لكون المراد به أنه أعظم الأركان، و ك

قوله صلى الله عليه و آله «من وقف في عرفة فقد تم حجه»

المحتمل لإرادة أنه قارب التمام، نحو

قوله عليه السلام (3)«إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة فقد تمت صلاته»

و على كل حال فقصورهما عن معارضة ما عرفت من وجوه واضح، خصوصا بعد ما قيل من موافقتها للمحكي عن العامة من فوات الحج بفوات عرفة مطلقا.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره ممن عبر بفساد الحج- بل في المختلف نسبته إلى إطلاق الفقهاء، بل في

صحيح سليمان بن خالد(4)عن الصادق عليه السلام «و الرفث فساد الحج»

- ما صرخ به في محكي الخلاف و السرائر من كون الأولى الفاسدة و الثانية هي الفرض، بل عن الفاضل حكايته عن أبيه، بل هو خيرته في القواعد و محكي المنتهى و المختلف فلا يكون حينئذ مبرءا للذمة، و إتمام الأداء إما عقوبة أو لأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 18 من أبواب إحرام الحج الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 13 من أبواب التشهد الحديث 2- من كتاب الصلاة و فيه « الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال: تمت صلاته. إلخ».
4- 4 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 8.

ج 20، ص: 354

من قبيل خطاب الوضع بأنه لا محلل من الإحرام إلا التحلل بعد قضاء المناسك أو للإحصار (أو الإحصار خ ل) و المناقشة بمنع الفساد- لخلو النصوص عنه و اقتصارها على الإتمام و الإعادة، و هو أعم بل لعل الإتمام مشعر بالصحة- مدفوعة بما سمعت من التصريح به في النص و الفتوى، و احتمال إرادة نقصه من فساده على معنى أنه لا يبرئ الذمة مجردا بل المبرئ هو مع القضاء كما ترى ضرورة أنه بناء على أن الأولى الحج و الثانية عقوبة تبرئ ذمته من التكليف و إن اشتغلت بالعقوبة، و تظهر الثمرة فيما لو مات قبل التمكن من امتثال أمر العقوبة، فإن المتجه حينئذ سقوطه و براءة ذمته بالأول، بخلاف القول بفساده نعم قد يقال إن المراد بالفساد كونها كالفاسدة باعتبار وجوب الإعادة و لو عقوبة لا تداركا، و الدليل على ذلك ما سمعته من التصريح في صحيح زرارة(1)بأن الأولى هي الحج و الثانية عقوبة، و المناقشة بإضماره يدفعها معلومية كونه الامام عليه السلام و لو بقرينة كون المضمر مثل زرارة المعلوم عدم نقله عن غير الامام عليه السلام، على أن الظاهر كون الإضمار قد وقع في تأليف الشيخ لا في أصل الخبر كما هو مذكور في محله، و دعوى القطع زيادة على الإضمار ممنوعة، فيتعين حينئذ حمل الفساد في

الصحيح السابق على ما ذكرناه، خصوصا بعد ما ورد من إطلاقه فيما أجمعوا على صحته كما تقدم في حديث

حمران بن أعين (2)«فيمن جامع بعد أن طاف ثلاثة أشواط قال:» «قد أفسد حجه و عليه بدنة»

مع الإجماع على صحة الحج في هذه الصورة، و ما في التنقيح من دعوى الإجماع على الفساد لا يراد منه إلا ما سمعته من إطلاق الفتاوى، خصوصا بعد أن حكى هو فيه القول بعدم الفساد، و لعله لذا كان المحكي عن النهاية و الجامع أن الفرض الأول


1- 1 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 11 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.

ج 20، ص: 355

و الثاني العقوبة، بل لعله ظاهر المصنف في النافع بل و في الكتاب في أحكام الصيد بل اختاره غير واحد من متأخري المتأخرين، و العمدة ما عرفت مؤيدا باستصحاب الصحة و نجوه، لا ما قيل من أن الفرض لو كان القضاء لاشترط فيه من الاستطاعة ما اشترط في الأداء، ضرورة ظهور ضعفه باستقراره في ذمته لتفريطه بالإفساد و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط، بل قد تقدم منا في حجة النيابة أن التحقيق كون الثاني الفرض لا الأول.

و تظهر الفائدة في النية، فينوي على الأول في الإحرام مثلا حجة الإسلام مثلا، و على الثاني ما وجب عليه بالإفساد، و في الأجير للحج في

سنته و في الناذر له فيها بالنسبة إلى عود الأجرة و الكفارة للنذر، و في المفسد المصدود إذا تحلل و وجب القضاء، فعلى الأول لم يكف القضاء الواحد، لوجوب قضاء حجة الإسلام بالتحلل منها، و بقاء حجة العقوبة في ذمته، و يقدم حجة الإسلام في القضاء، و إن قلنا بالثاني كفي القضاء الواحد لسقوط حجة العقوبة بالتحلل منها كما تقدم سابقا، و في غير ذلك.

ثم إن الظاهر وفاقا للفاضل و غيره، ترتب الحكم على الزنا و وطء الذكر لا لأنهما أفحش فبالافساد و العقوبة أولى، إذ لعل أفحشيته تمنع من التكفير له بناء على أن البدنة و الحج ثانيا أو أحدهما تكفير، بل لصدق الجماع، و جماع النساء المفسر به الرفث المصرح بإفساده الحج، و ما في النصوص من التعبير بإتيان الأهل مبني على الغالب أو المتعارف أو الذي ينبغي وقوعه لا أن المراد خصوص وطء الأهل مع احتماله، للأصل و قاعدة الاقتصار على المتيقن، و لعله لذا لم يوجب الحلبي فيما حكي عنه في اللواط إلا البدنة، و عن الشيخ و ابن زهرة حكايته أحد القولين، لكن فيه أن المتجه عدم وجوبها أيضا بناء على عدم تناول هذه النصوص، و إلا وجبت و الإعادة أيضا، مع أنه لا خلاف في وجوب البدنة به،

ج 20، ص: 356

فتلخص من ذلك كله أن الأحوط و الأقوى ترتب الحكم عليهما، و حينئذ فلو وطأ الخنثى المشكل في الدبر ترتب الحكم بخلاف ما لو وطأها في القبل خاصة للأصل، أما وطء البهيمة فظاهر بعض أن حكمه حكم وطاء الدبر، لكن يمنعه عدم إتيان ما ذكرنا فيه، فيبقى الأصل فيه بحاله، فلا بدنة و لا إعادة كما هو أشهر القولين على ما في المسالك.

و لا خلاف في اعتبار العلم و العمد في ترتب الأحكام المزبورة، فلا شي ء على الجاهل بالحكم و الناسي للإحرام و الساهي، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه في الناسي مضافا الى الأصل و ما سمعته من النص، و كذا لا شي ء على المكره بلا خلاف بل و لا إشكال لذلك أيضا، نعم تسمع الكلام إن شاء الله في تحمل الكفارة، و الله العالم.

و كذا في وجوب البدنة و إعادة الحج لو جامع مع أمته و هو محرم كما صرح به في القواعد و غيرها، لصدق الامرأة و الأهل، و لكن لا يخفى عليك وضوح إمكان المنع، نعم لو قلنا بأن المدار على صدق الجماع و المواقعة و نحو ذلك و إن ذكر الأهل لكونه المعهود اتجه حينئذ ذلك، و هو مؤكد لما ذكرناه سابقا، و إلا كان مقتضى الأصل عدم شي ء منهما، و الله العالم.

و لو كانت امرأته محرمة مطاوعة لزمها مثل ذلك أي إتمام الحج و البدنة و الحج من قابل بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى ما سمعته من النصوص، و الى خصوص

خبر خالد الأصم (1)قال: «حججت و معنا جماعة من أصحابنا و كان معنا امرأة فلما قدمنا مكة جاءنا رجل من أصحابنا فقال يا هؤلاء اني

قد ابتليت، قلنا بما ذا؟ قال: سكرت بهذه المرأة


1- 1 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 7.

ج 20، ص: 357

فاسألوا أبا عبد الله عليه السلام فسألناه قال: عليه بدنة، فقالت الامرأة فاسألوه لي فإني قد اشتهيت فسألناه فقال: عليها بدنة»

على أن المستفاد من النصوص المزبورة كون المدار في هذه الاحكام على الجماع مع العلم و العمد من غير فرق بين الرجل و المرأة و بين الزوج و غيره، فلو أدخلت ذكر زوجها مثلا في فرجها عالمة عامدة و هو غير عالم أو غير عامد ترتب عليها الأحكام دونه، أما إذا أدخلت ذكر بهيمة في فرجها ففيها الكلام السابق، و يقوى في النظر العدم فيهما، و الله العالم.

و يجب عليهما أن يفترقا في حجة القضاء إذا بلغا ذلك المكان حتى يقضيا المناسك إذا حجا على تلك الطريق كما صرح بذلك الصدوقان و الفاضل و الشهيد و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل هو ظاهر كل من عبر بعبارة المتن بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، و لعله كذلك، إذ لا أجد فيه خلافا محققا و إن عبر عنه في محكي النهاية و المبسوط و السرائر و المهذب بلفظ «ينبغي» فإنه يمكن إرادة الوجوب منه، و على تقديره فلا ريب في ضعفه، لما سمعته من الأمر به في المعتبرة المستفيضة(1)مؤيدا ذلك بأنه محل غلبة

الشيطان لهما فينبغي التفريق فيه حذرا منه أو رغما لأنفه.

نعم ظاهر المصنف و محكي التذكرة ما عن الصدوق و الشهيد من التصريح باعتبار سلوك ذلك الطريق، و إلا فلا يجب و إن اشترك معه في الطريق، و لعله للأصل بعد ظهور النصوص فيه، بل في

صحيح عبيد الله و حسنه (2)عن الصادق عليه السلام «يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قال: قلت أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى


1- 1 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع.
2- 2 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 14.

ج 20، ص: 358

أ يجتمعان، قال: نعم»

و نحوه

موثق ابن مسلم (1)المروي عن نوادر البزنطي سأل أبا جعفر عليه السلام «أ رأيت من ابتلى بالرفث ما عليه، قال: يسوق الهدي و يفرق بينه و بين أهله حتى يقضيا المناسك و حتى يعودا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قال: أ رأيت إن أراد أن يرجعا في غير ذلك الطريق قال: فليجتمعا إذا قضيا المناسك»

بناء على عدم الفرق في ذلك بين الأداء و القضاء.

و كيف كان فالموجود في النصوص أن غاية الافتراق هو ما سمعته في هذه الأخبار، و في حسن معاوية و صحيحه (2)عن الصادق عليه السلام «حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» كما عن الجامع على معنى حتى يحل بالذبح كما صرح به في خبر آخر و في صحيح آخر(3)له عنه عليه السلام أيضا و خبر سليمان بن خالد(4)و

حسن زرارة(5)«حتى يقضيا المناسك و يعود الى موضع الخطيئة»

و في

خبر علي بن أبي حمزة(6)عن الكاظم عليه السلام «و يفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة و عليهما الحج من قابل لا بد منه، قلت: فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت فقال: نعم هي امرأته كما هي، فإذا انتهيا الى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا، فإذا أحلا فقد انقضى عنهما، فان أبي عليه السلام كان يقول ذلك».


1- 1 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 15.
2- 2 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5 و 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.

ج 20، ص: 359

و في الحدائق و الرياض «أن الذي يقتضيه النظر في الجمع بين هذه الأخبار حمل تعدد هذه الغايات على تفاوت مراتب الفضل و الاستحباب، فأعلاها الرجوع الى موضع الخطيئة و إن أحلا و قضيا المناسك قبله، ثم قضاء

المناسك، ثم بلوغ الهدي محله كما في الصحيحين، و هو كناية عن الإحلال بذبح الهدي كما وقع التصريح به في بعض الأخبار المتقدمة، و لكن الاحتياط يقتضي المصير إلى المرتبة العليا، ثم الوسطى سيما في الحجة الأولى لكثرة أخبارها و اشتهارها» و فيه أن الذي يقتضيه النظر في النصوص بعد تقييد المفهوم في بعضها بالمنطوق في آخر إن لم يكن إجماع كون الغاية العليا في الأداء و القضاء، و هي محل الخطيئة، نعم يمكن تحصيل الإجماع على وجوب الافتراق في حجة القضاء الى قضاء المناسك لا أزيد، و اليه يرجع جعل الغاية بلوغ الهدي في الصحيح و في معقد محكي إجماع الغنية، بناء على كون المراد به ذلك و إن عبر به لحصول الإحلال به في الجملة، و لأنه غاية المعظم فيتعين القول باستحباب الافتراق أيضا بعد ذلك الى محل الحدث إذا رجعا على ذلك الطريق ل

مضمر زرارة(1)«إن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا»

المشتمل مضافا الى ذلك على التفريق في الأداء و القضاء كخبر ابن أبي حمزة(2)كما صرح بالأداء خاصة في

صحيح معاوية(3)عن الصادق عليه السلام، قال: «و يفرق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و عليه الحج من قابل»

عكس

حسنه(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 12.

ج 20، ص: 360

الآخر عنه عليه السلام أيضا المصرح بالقضاء خاصة، قال: «سألته عن رجل وقع على امرأته و هو محرم قال: إن كان جاهلا فليس عليه شي ء، و إن لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة و عليه الحج من قابل، فإذا انتهى الى المكان الذي وقع بها فرق محملاهما، فلم يجتمعا في خباء واحد إلا أن يكون معهما غيرهما حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ».

و من ذلك يظهر لك النظر فيما عن علي بن بابويه من وجوب الافتراق في الأداء و القضاء الى قضاء المناسك و إن نفى عنه البأس في محكي المختلف و استحسنه في محكي التحرير و استجوده في محكي التذكرة و المنتهى، إذ قد سمعت ما في النصوص من كون الغاية أزيد من ذلك، و أقصى ما يخرج عنها للإجماع إن تم في خصوص القضاء دون الأداء، و من هنا يظهر لك أنه قد أجاد أبو علي فيما حكي عنه حيث أفتى بالافتراق في الأداء الى بلوغهما محل الخطيئة

و إن أحلا قبله، و في القضاء الى بلوغ الهدي محله، و كذا ابن زهرة و إن لم ينص على الإحلال بناء على ارادة قضاء المناسك، من بلوغ الهدي محله، لما عرفت من كونه مقتضى الجمع بين النصوص المقتصر في الخروج عنه على القضاء، اللهم إلا أن يدعى أن المفهوم من النصوص اتحاد الغاية فيهما، و الفرض الإجماع على عدم وجوب الزائد على قضاء المناسك في القضاء، فيكون الأداء مثله مؤيدا ذلك بأنه لا إحرام بعد قضاء المناسك، فليس إلا التعبد المحض فالأولى حمله على الندب فيهما.

و كذا قيل أيضا إن إطلاق النصوص كالفتاوى يشمل صورتي الإكراه و المطاوعة، و ربما يوجد في بعض الفتاوى تقييده بالمطاوعة، و لا وجه له، نعم

ج 20، ص: 361

قد يدل مفهوم مضمر زرارة(1)على عدم الافتراق بينهما إذا لم يكونا عالمين سواء كانا جاهلين كما في صدر الرواية أو أحدهما عالما و الآخر جاهلا و المكره بحكم الجاهل، لكنه مقطوع السند، فلا يقيد به إطلاق الأخبار السابقة إلا أن يقال: إن الغالب الذي ينصرف إليه الإطلاق انما هو صورة المطاوعة دون الإكراه، فليحمل عليها، و بنحوه يمكن الجواب عن إطلاق الفتاوى سيما نحو العبارة مما ذكر فيه الحكم بالتفريق بعد حكم صورة المطاوعة دون المكرهة، و لا يخلو عن وجه، إلا أن

الاحتياط يقتضي التفريق مطلقا، سيما مع عدم وضوح صحة دعوى الغلبة في ذلك، قلت: قد يقال بناء على عدم صحتها بظهور العبارة و ما شابهها المشتملة على قول و عليهما و على وجوب الحج عليهما مما هو صريح أو كالصريح في المطاوعة، ضرورة عدم وجوب ذلك على غيرهما، و الله العالم.

و كيف كان ف معنى الافتراق أن لا يخلوا إلا و معهما ثالث كما في القواعد و محكي النهاية و المبسوط و السرائر و المهذب و غيرها، لما سمعته من صحيح ابن عمار و حسنه (2)و

مرفوع أبان بن عثمان (3)عن أحدهما عليهما السلام، قال: «معنى يفرق بينهما أي لا يخلوان إلا و يكون معهما ثالث»

و مرفوعه (4)الآخر الى أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام قالا: «المحرم إذا وقع على أهله يفرق بينهما يعني بذلك لا يخلوان إلا أن يكون معهما ثالث»

و منهما يعلم المراد بذلك، و إلا فمعنى الافتراق عدم الاجتماع، نعم الظاهر كونه كناية عن المانع من المواقعة و لو بحضور ثالث يمتنع معه حصولها، فلا عبرة بغير المميز


1- 1 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5 و 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6.

ج 20، ص: 362

و الزوجة و الأئمة و نحوهم ممن لا يمنعها حضورهم، و الله العالم.

و لو أكرهها كان حجها ماضيا و لا تحتاج الى قضاء بلا خلاف أجده بل و لا إشكال، للأصل و ظاهر النصوص عموما و خصوصا، و كذا لو أكره هو كما صرح به في محكي التذكرة و المنتهى مشعرا بالإجماع عليه، و هو كذلك ضرورة عدم الفرق و إن ذكرت النصوص صورة المكرهة باعتبار غلبة وقوعها و تعارف حصولها لا العكس.

نعم كان عليه أي الزوج المكره المحرم كفارتان بدنتان بلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف الإجماع على لزوم كفارتين بجماعها محرمين مضافا الى

صحيح معاوية بن عمار(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل محرم واقع أهله فيما دون الفرج قال: عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل، و إن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه، و إن كان استكرهها فعليه بدنتان، و عليهما الحج من قابل»

و خبر ابن أبي حمزة(2)المتقدم المجبور بالعمل و لا ينافي ذلك ما في

صحيح سليمان بن خالد(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن


1- 1 الوسائل- الباب- 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 و في ذيله« و عليه الحج من قابل» إلا أن الموجود في التهذيب ج 5 ص 318 الرقم 1097« و عليهما الحج من قابل» و أورد العلامة القمشهي قدس سره هنا تعليقة في هامش النسخة الأصلية ما لفظه« و عليه كذا في الوسائل المصحح على أربع نسخ و هو الصواب إذ ليس على المرأة المستكرهة حج من قابل و قد استدل به لذلك المصنف قدس سره و لو كان كما في الجواهر لدل على وجوب الحج من قابل عليها أيضا و هو خلاف الإجماع نصا و فتوى و لكن في المسودة أيضا كالمبيضة بلفظ عليهما».
2- 2 الوسائل- الباب- 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.

ج 20، ص: 363

رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟ قال: إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا، و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و إن كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها فليس عليها شي ء»

و إن قال في المدارك: «و ربما ظهر من هذه الرواية عدم تعدد الكفارة على الزوج مع الإكراه» إلا أنه كما ترى ضرورة عدم دلالة نفي الشي ء عنها على ذلك بوجه من الوجوه، فيكون غيره مما دل على ذلك سالما عن المعارض، و حينئذ فما في المدارك من الدغدغة في هذا الحكم في غير محله، نعم يتجه الاقتصار في ذلك على محل النص و الفتوى كما اختاره في المسالك، و هو إكراه الزوج لأهله لا غيره حتى صورة العكس فضلا عن إكراه الأجنبي لهما، فلا شي ء على المكره إلا الإثم، للأصل السالم عن معارضة النص بعد فرض ظهوره في غير الفرض، بل لعله لا يتحمل لو أكرهها و هو محل لما عرفته، مع احتماله لأن إحرامه لا يؤثر إلا في وجوبها عن نفسه، و لعل الأول أقوى، ثم إنه هل لبدنة الإفساد بدل أم لا؟ تسمع الكلام فيه إنشاء الله.

و على كل حال فلا إشكال و لا خلاف في أنه لا يتحمل عنها شيئا سوى الكفارة للأصل السالم عن المعارض، فلا يجب عليه تعدد قضاء الحج، و الله العالم.

و لو جامع عالما عامدا بعد الوقوف بالمشعر و لو قبل أن يطوف طواف النساء أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دون أو جامع في غير الفرج كالتفخيذ و نحوه قبل الوقوف كان حجه صحيحا و عليه بدنة لا غير بلا خلاف أجده في الأول، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى أصل الصحة

ج 20، ص: 364

و مفهوم

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(1): «إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل»

و حسنه (2)الآخر عنه عليه السلام أيضا «سألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء قال:

عليه جزور سمينة، و إن كان جاهلا فليس عليه شي ء»

و نحوه خبر زرارة(3)عن أبي جعفر عليه السلام و عبر بمضمونه في محكي المقنع، و لعل المراد به البدنة، و غير ذلك كمرسل الصدوق (4)السابق و نحوه.

و كذا لا خلاف أجده كما اعترف به غير واحد في الثاني أيضا الذي هو مندرج فيما سمعته من

الحسن، إذ المركب لا يتم إلا بجميع أجزائه، نعم ظاهر

خبر حمران (5)عن أبي جعفر عليه السلام الفساد، قال: «و إن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه»

إلا أن الإجماع بقسميه على خلافه مع ضعفه، فوجب إرادة مطلق النقص منه، و في

خبر القلانسي (6)عن الصادق عليه السلام «ان على الموسر بدنة، و على المتوسط بقرة، و على الفقير شاة»

و لكن لم نجد من أفتى به.

و على كل حال فلا شي ء على الجاهل و الناسي لما عرفت من أنه لا شي ء عليهما قبل الوقوف و قبل طواف الزيارة، فهنا أولى، و خصوص حسن معاوية(7)في الجاهل هنا، ك

خبر سلمة بن محرز(8)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع على أهله قبل أن يطوف طواف النساء قال: ليس عليه شي ء، فخرجت


1- 1 الوسائل- الباب 6 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب 6 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.

ج 20، ص: 365

إلى أصحابنا فأخبرتهم فقالوا: اتقاك، هذا ميسر قد سأله عن مثل هذا فقال:

عليك بدنة، قال: فدخلت عليه فقلت: جعلت فداك إني أخبرت أصحابنا بما أجبتني به فقالوا: اتقاك، هذا ميسر قد سأله عن ذلك فقال: عليه بدنة، فقال: إن ذلك كان بلغه فهل بلغك؟ قلت: لا، قال: ليس عليك شي ء»

و رواه الشيخ (1)في الصحيح اليه، قال: «انه كان تمتع حتى إذا كان يوم النحر طاف بالبيت و بالصفا و المروة ثم رجع الى منى و لم يطف طواف النساء فواقع أهله، فذكر لأصحابه فقالوا فلان قد فعل مثل ذلك فسأل أبا عبد الله عليه السلام فأمره أن ينحر بدنة، قال سلمة: فذهبت الى أبي عبد الله عليه السلام فسألته فقال:

ليس عليك شي ء، فرجعت الى أصحابي فأخبرتهم بما قال، فقالوا: اتقاك و أعطاك من عين كدرة، فرجعت الى أبي عبد الله عليه السلام فقلت اني لقيت أصحابي فقالوا اتقاك و قد فعل فلان مثل ما فعلت فأمره أن ينحر بدنة، فقال: صدقوا، ما اتقيتك و لكن فلان قد فعله متعمدا و هو يعلم، و أنت فعلته و أنت لا تعلم، فهل كان بلغك ذلك؟ فقلت: لا و الله ما كان بلغني، فقال: ليس عليك شي ء»

الى غير ذلك من النصوص.

بل و كذا لا خلاف أجده في الثالث، المراد بالفرج فيه ما يشمل الفرجين كما أنك قد سمعت ما في

صحيح معاوية بن عمار(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع على أهله فيما دون

الفرج قال: عليه بدنة، و ليس عليه الحج من قابل، و إن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه، و إن كان استكرهها فعليه بدنتان، و عليهما الحج من قابل»

و لا يقدح عدم القائل بما في ذيله خصوصا إذا كان المراد حكم هذا الجماع الذي هو التفخيذ، أما ما فيه


1- 1 الوسائل- الباب 10 ن أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 راجع التعليقة 1 ص 362.

ج 20، ص: 366

من وجوب البدنة عليها مع المطاوعة و تحمله عنها مع الإكراه فكذلك لم أجد مصرحا به هنا، و يمكن حمله على الجماع الحقيقي لا مثل الفرض، أو أنه تطرق بعض التحريف من النساخ، و

صحيحه (1)الآخر عنه عليه السلام أيضا «في المحرم يقع على أهله قال: إن كان أفضى إليها فعليه بدنة و الحج من قابل، و إن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل»

على أنك قد عرفت عدم الفساد بالجماع الحقيقي بعد الوقوف فضلا عن التفخيذ و نحوه بعده.

نعم قد يتوقف في وجوب البدنة معه إذا لم يكن أنزل و لكن في المدارك «و إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في لزوم البدنة بالجماع في غير الفرج بين أن ينزل و عدمه، و تردد العلامة في المنتهى في وجوب البدنة مع عدم الانزال، و لا وجه له بعد إطلاق النص

بالوجوب و تصريح الأصحاب بوجوب الجزور بالتقبيل و الشاة بالمس بشهوة كما سيجي ء بيانه» قلت: لعل وجهه انسياق غيره من الإطلاق المزبور، فيبقى الأصل سالما، فتأمل جيدا، بقي شي ء و هو أن ظاهر التعبير في المتن بلو الوصلية يقتضي وجوب البدنة بعد الطواف و لا ريب في فساده، ضرورة حلهن له بعده، فكان الأولى ترك ذكرها، اللهم إلا أن يراد بذلك بيان وجوبها قبل ذلك لا بعده، و الله العالم.

تفريع

إذا حج في القابل بسبب الإفساد فأفسد لزمه ما لزم أولا و هكذا، للعمومات الشاملة له، إذ هو حج صحيح سواء قلنا عقوبة أو فريضة لكن لا يتعدد القضاء، فإذا أتى في السنة الثالثة بحجة صحيحة كفاه عن الفاسد ابتداء و قضاء و لا يجب عليه قضاء آخر و إن أفسد عشر حجج، كما نص عليه الفاضل في جملة من كتبه و غيره، لأنه انما كان يجب عليه حج واحد صحيح و كذا لو تكرر الجماع في الإحرام الواحد لم يتكرر القضاء، و أما البدنة ففي


1- 1 الوسائل- الباب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.

ج 20، ص: 367

تكررها أوجه يأتي الكلام فيها إنشاء الله.

و في الاستمناء أي استدعاء المني بالعبث بيديه أو بملاعبة غيره أو غير ذلك، و الفرق بينه و بين الاستمتاع بغير الجماع تجرده عن قصد الإمناء بخلافه، و قيده غير واحد منهم المصنف في النافع و الفاضل في القواعد بكونه بيده و لا دليل عليه بدنة بلا خلاف أجده فيه مع الانزال كما اعترف به في المدارك و غيرها و لكن الكلام في أنه هل يفسد به مع ذلك الحج و يجب القضاء قيل كما في التهذيب و المهذب و الوسيلة و الجامع نعم يجب به القضاء، و اختاره في المختلف بل في التنقيح نسبته إلى الأكثر، بل ظاهره اختياره كالشهيدين و الكركي ل

موثق إسحاق بن عمار(1)عن أبي الحسن عليه السلام «قلت: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى قال: أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم بدنة و الحج من قابل»

و المناقشة في السند مدفوعة بما حررناه في الأصول من حجية الموثق، على أنه معتضد هنا بما في التنقيح قال: قال ابن الجنيد: هي في حديث الكليني عن مسمع بن عبد الملك (2)عن الصادق عليه السلام ، و مسمع ممدوح مدحه الصادق عليه السلام يلقب بكردين بكسر الكاف فانجبر ضعف رواية ابن عمار بهذه، مع أن القائل بها أكثر، و العمل بها أحوط و في المختلف و قال أبو علي بن الجنيد: و على المحرم إذا أنزل الماء إما بعبث بحرمته أو بذكره أو بإدمان نظره مثل الذي يجامع في حديث الكليني عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام، مضافا الى ما قيل من أنه أقبح من إتيان أهله، فيكون أولى بالتغليظ، بل في المختلف زيادة الاستدلال ب

صحيح


1- 1 الوسائل- الباب 15 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 12 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

ج 20، ص: 368

ابن الحجاج (1)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن المحرم يعبث بأهله و هو محرم حتى يمني من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما؟ قال: عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع»

و إن كان فيه أنه لا يدل على وجوب القضاء، نعم فيه إشعار بكون ذلك كالجماع الذي قد عرفت إيجابه القضاء فضلا عن إيجابه ذلك في الصوم.

و قيل لا يجب القضاء كما عن ابن إدريس و الحلبي و جماعة، و ربما نقل عن الشيخ في الخلاف و الاستبصار و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها الأصل المعتضد بما في صحيحي ابن عمار(2)السابقين من عدم القضاء على من جامع فيما دون الفرج الذي هو أغلظ من الاستمناء أو أنه فرد منه، بل ربما كان شاملا لما إذا أراد الاستمناء بوضع الحشفة بالفرج من غير إدخال على أن الموثق المزبور الذي هو الأصل في المسألة لا دلالة فيه على حكم الاستمناء على الإطلاق، بل على الفعل المخصوص المذكور فيه المجامع للاستمناء تارة، و المتخلف عنه أخرى، و لذا اقتصر على مورده الشيخ الذي هو الأصل في القول به، و في الرياض و هو الأقوى، و لا موجب للتعدية هنا حتى رواية مسمع المتقدمة، فإن متنها كما في المختلف عن الإسكافي هكذا «إذا أنزل الماء إما بعبث بحرمته أو بذكره أو بإدمان نظره مثل الذي جامع» قال في المختلف بعد نقله: و ليس هذا صريحا منه بالإفساد لاحتمال المساواة في البدنة فإن النظر لا يقتضي

الإفساد، قلت: و لعله لذا لم يستدل بها أحد سوى المقداد في التنقيح، و مع ذلك ينبغي تقييدها بما إذا وقع ذلك قبل أحد


1- 1 الوسائل- الباب 14 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 و 2.

ج 20، ص: 369

الموقفين مع ما مر من أحد الوصفين لا مطلقا اتفاقا، فلا يبعد أن يكون المراد بها ما في صحيح ابن الحجاج المصرح بالكفارة مثل الذي جامع، فينحصر الدليل في الموثق الذي قد عرفت عدم صراحته في الاستمناء و إن جامعه في بعض الأحوال، و لكنه معارض بما سمعته في الصحيحين الذي قد يجامع الاستمناء أيضا في بعض الأحوال، و لا ريب في رجحانهما عليه، و من هنا حمل على الندب و به يعلم ما في كلام الشهيد من دعوى عدم معارض للموثق، و بعد تسليم التكافؤ فالأصل عدم القضاء به من غير فرق بين الاستمناء بيده و بغيره، إذ قد عرفت أنه لا دليل على التقييد الواقع من غير واحد، و الله العالم.

و لو جامع أمته محلا عالما بأنه لا ينبغي له ذلك عامدا مختارا و هي محرمة بإذنه تحمل عنها الكفارة بدنة أو بقرة أو شاة مخيرا بينها مع قدرته عليها و إن كان معسرا لم يقدر إلا على الشاة فشاة أو صيام ثلاثة أيام بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه غير واحد الى قطع الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، و إن كان لم يحك إلا عن والد الفاضل و يحيى بن سعيد، بل عن النهاية عليه بدنة، فان لم يقدر فشاة أو صيام ثلاثة أيام، و عن المبسوط و السرائر كان عليه كفارة يتحملها عنها، فان لم يقدر على البدنة كان عليه دم شاة أو صيام ثلاثة أيام، و على كل حال فالأصل فيه

موثق إسحاق بن عمار أو صحيحه (1)«قلت لأبي الحسن عليه السلام أخبرني عن رجل محل وقع على أمة محرمة قال: مؤسرا أو معسرا، قلت: أجبني عنهما، قال: هو أمرها أو لم يأمرها و أحرمت من قبل نفسها، قلت: أجبني عنهما، قال: إن كان مؤسرا و كان عالما أنه لا ينبغي له و كان هو الذي أمرها بالإحرام كان عليه بدنة، و إن شاء بقرة، و إن شاء شاة، و إن لم يكن أمرها بالإحرام فلا شي ء عليه مؤسرا كان


1- 1 الوسائل- الباب 8 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.

ج 20، ص: 370

أو معسرا، و إن كان أمرها و هو معسر فعليه دم شاة أو صيام»

و عن البرقي (1)روايته في المحاسن بسنده عن صباح الحذاء، و في آخره «أو صيام أو صدقة»

و الظاهر أن المراد بإعسار المولى الموجب للشاة و الصيام إعساره عن البدنة و البقرة و بالصيام صيام ثلاثة أيام التي هي المعروفة في بدل الشاة مع احتمال الاكتفاء باليوم الواحد.

و على كل حال فلا محيص عن العمل بالموثق المزبور بعد اعتباره في نفسه بل قيل و انجباره بفتوى الأصحاب، و أما ما سمعته من

الشيخ و ابن إدريس فلم أجد لهما دليلا عليه فضلا عن أن يكون معارضا، نعم في كشف اللثام كأنهما حملا الخبر على الإكراه للأصل، مع ضعفه و معارضته ب

صحيح ضريس (2)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت و لم يكن هو أحرم فغشيها بعد ما أحرمت قال: يأمرها فتغتسل ثم تحرم و لا شي ء عليه»

و هو كما ترى، مع أنه حمله في المحكي من كتابي الأخبار على أنها لم تكن لبت، كما أن المراد من

خبر وهب بن عبد ربه (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل كانت معه أم ولد له فأحرمت قبل سيدها أ له أن ينقض إحرامها و يطأها قبل أن تحرم؟ قال: نعم»

صورة عدم الاذن لها، فإنه حينئذ يكون لغوا لا أثر له.

ثم إن ظاهر الموثق المزبور ما صرح به غير واحد من عدم الفرق بين المطاوعة و المكروهة، لكن ذكر الفاضل و من تبعه أن عليها مع المطاوعة الإثم و الحج من قابل، و على المولى اذنها فيه إن كان قبل المشعر، و الصوم ستين يوما أو ثمانية عشر يوما عوض البدنة إن قلنا بالبدل لهذه البدنة، لعجزها عنها،


1- 1 الوسائل- الباب 8 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 8 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب 8 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.

ج 20، ص: 371

و إن لم نقل بالبدل توقعت العتق و المكنة، و توقف فيه غير واحد من متأخري المتأخرين، و فيه أنه يمكن أن يكون ذلك لإطلاق النصوص السابقة، خصوصا بعد ما ذكره هناك من عموم الأهل و المرأة للأمة، و إن كان فيه ما عرفت، قيل: و لا ينافيه إطلاق هذا الموثق لأنه بالنسبة إلى المولى خاصة دون حكم الأمة فهو مجمل فيه لا تعرض فيه لشي ء منه، و لم يقيد في الفتوى و الرواية الجماع بوقت، فيشمل سائر أوقات إحرامها التي يحرم الجماع بالنسبة اليه، أما بالنسبة إليها فيختلف الحكم كالسابق، فلو كان قبل الوقوف بالمشعر فسد حجها مع المطاوعة و العلم، قلت: لكن الانصاف مضافا الى كون مورد تلك النصوص المحرمين أن الموثق المزبور ظاهر في كون الكفارة على المولى باعتبار إحرامها، و إلا فهو محل لا كفارة عليه، ففي الحقيقة ذلك كفارة عنها و لا شي ء عليها من غير فرق بين المطاوعة و المكرهة، و لا استبعاد بعد الأصل و ظهور الموثق في عدم الفساد الموجب لإعادة الحج، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا بعد إمكان دعوى انسياق الموثق المزبور الى ما هو الغالب من علم الجارية بتقديم طاعة مولاها على كل شي ء، فهي غير عالمة بالحال، فلا يترتب عليها شي ء.

و لو كان المحرم باذنه عبدا فالظاهر عدم إلحاقه بالأمة في الحكم، لأصالة البراءة من الكفارة، و الاشتراك في المملوكية و كونه أفحش لا يقضيان بترتبها بعد حرمة القياس، و إن حكي عن بعض المتأخرين اختياره، و لكنه أحوط.

ثم إن المنساق من النص و الفتوى حرمة وطء الأمة المحرمة بإذنه عليه بل

قوله عليه السلام في الموثق: «و كان عالما أنه لا ينبغي له»

كالصريح في ذلك، و لولاه لأمكن القول بعدم الحرمة عليه و إن وجب على الأمة الامتناع، فإن أكرهها لا إثم على أحد منهما نحو ما قيل في الزوج الذي حكمه الإفطار مع الزوجة التي حكمها الصيام، اللهم إلا أن يستفاد الحرمة عليه أيضا من فحوى

ج 20، ص: 372

المقام كما جزم به بعض مشايخنا و إن كان انطباقه على القواعد لا يخلو من إشكال ثم إنه قد يستفاد من فحوى المقام وجوب الكفارة أيضا لو جامع المحل زوجته المحرمة مكروها لها أو مطاوعة نحو ما سمعته من الكلام في الأمة، بل قد يستفاد حكم العكس أيضا، و هو ما لو كان الرجل محرما و الأمة أو الامرأة محلة فأكرهته على المواقعة أو طاوعها، و إن كان ذلك كله لا يخلو من نظر، و الله العالم.

و لو جامع المحرم قبل طواف الزيارة لزمه بدنة كما عرفته سابقا فيمن جامع بعد الوقوف بالمشعر قبل طواف النساء، إذ هو شامل للفرض و انما أعاده للتنبيه على حكم الأبدال، فقال فان عجز فبقرة أو شاة كما في النافع و القواعد و محكي التهذيب و عن المهذب و الإرشاد و التلخيص، فان عجز فبقرة، فإن عجز فشاة، و عن النهاية و المبسوط و السرائر و التحرير و التذكرة و المنتهى عليه جزور، فان عجز فبقرة، فإن عجز فشاة، و لكن لا خلاف بين الجميع في صحة الحج، و قد عرفت أن المراد من

قول أبي جعفر عليه السلام في خبر حمران (1): «فقد أفسد حجه»

النقص، كما أنك قد سمعت اتحاد المراد من الجزور و البدنة كما عن المنتهى و التذكرة، و سمعت أيضا سابقا ما يدل على وجوب البدنة أو الجزور، مضافا الى

حسن ابن عمار(2)سأل الصادق عليه السلام «عن متمتع وقع على أهله و لم يزر قال: ينحر جزورا و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالما، و إن كان جاهلا فلا شي ء عليه»

و هو نص في السقوط عن الجاهل، و مثله الناسي إن لم يكن أولى منه بالعذر، كأولوية العفو عنها كما عرفت قبل الوقوف فضلا عما بعده.

إنما الكلام في البدل عنها حالة العجز، و لم أجد ما يدل عليه من


1- 1 الوسائل- الباب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.

ج 20، ص: 373

النصوص كما اعترف به غير واحد لا على جهة التخيير المذكور في المتن و لا الترتيب المذكور في غيره، بل لعل

خبر أبي بصير(1)يدل على عدم البدل، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل واقع امرأته و هو محرم قال: عليه جزور كوما فقال: لا يقدر، قال: ينبغي لأصحابه أن يجمعوا له و لا يفسدوا حجه»

و صحيح العيص بن القاسم (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل واقع أهله حين ضحى قبل أن يزور البيت قال: يهريق دما»

لا دلالة فيه على أحدهما بل مقتضاه الاجتزاء بمطلق الدم أو خصوص الشاة بناء على أنها المفهوم منه عند الإطلاق من أول الأمر، و هو مخالف للإجماع و لغيره من النصوص، على أن المتجه حمل مطلق الدم فيه على البدنة لقاعدة التقييد، و أولى بعدم الدلالة

خبر أبي خالد القماط(3)سأله عليه السلام «عمن وقع على أهله يوم النحر قبل أن يزور فقال:

إن كان وقع عليها بشهوة فعليه بدنة، و إن كان غير ذلك فبقرة، قال: قلت: أو شاة قال: أو شاة»

إذ هو كما ترى مشتمل على تفصيل لم يعرف قائل به، و مخالف للنصوص المعمول عليها بين الأصحاب، فهو حينئذ من الشواذ المطروحة و

خبر داود بن فرقد(4)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل يكون عليه بدنة واحدة في فداء قال: إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما»

انما هو في فداء الصيد لا مطلق الكفارة.

و كذا لا دلالة في

خبر خالد بياع القلانس (5)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أتى أهله و عليه طواف النساء قال: عليه بدنة، ثم جاء آخر فسأله


1- 1 الوسائل- الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.

ج 20، ص: 374

عنها فقال عليك بقرة ثم جاء آخر و سأله عنها فقال: عليك شاة، فقلت بعد أن قاموا: أصلحك الله كيف قلت: عليه بدنة؟ فقال: أنت موسر عليك بدنة و على الوسط بقرة، و على الفقير شاة»

إذ هو- بعد الإغماض عن السند بالجهالة، و عدم انطباقه على القول بالتخيير بين الشاة و البقرة، و إثباته البقرة على الوسط الذي هو أعم من العجز عن البدنة، و إيجاب الشاة على الفقير الذي هو أعم من العجز عن البقرة- فيمن طاف طواف الزيارة و عليه طواف النساء، و هذا غير مفروض المسألة الذي هو من كان عليه طواف الزيارة، و إلحاق أحدهما بالآخر من غير موجب قياس فاسد، اللهم إلا أن

يدفع ذلك كله بعدم الخلاف، بل بالاتفاق ظاهرا على ثبوت البدل حال العجز، و أصالة الشغل تقتضي تعين الترتيب، مؤيدا ذلك في الجملة ب

صحيح علي بن جعفر(1)عن أخيه عليه السلام في تفسير قوله تعالى:

«فَلا رَفَثَ» قال: «الرفث الجماع- الى أن قال-: فمن رفث فعليه بدنة ينحرها، و إن لم يجد فشاة»

بل و بما تقدم من تحمل المحل كفارة الأمة المحرمة باذنه و واقعها.

ثم لا فرق في وجوب الكفارة بين من لم يطف شيئا من الأشواط أو طاف أقل من النصف أو أكثر، لعموم الأخبار و الفتاوى، لصدق أنه قبل الطواف و أنه لم يزر فإنه بمعنى لم يطف، و خصوص

قول الصادق عليه السلام لعبيد بن زرارة(2)«فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة فطاف أربعة أشواط فغمزه بطنه فخرج فقضى حاجته فغشي أهله أفسد حجه، و عليه بدنة، و يغتسل ثم يرجع فيطوف


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4 و ذيله في الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4 عن التهذيب و رواه عن قرب الاسناد في الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 16.
2- 2 الوسائل- الباب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.

ج 20، ص: 375

أسبوعا»

و لعل المراد بإفساد الحج ثلمة و نقصه، لعدم قائل بفساده شرعا بذلك أو الحج بمعنى الطواف تسمية للجزء باسم الكل أو رجوعا إلى اللغة، و بطواف الأسبوع الاستيناف كما عن النهاية و المبسوط و المهذب و السرائر وجوبا أو استحبابا أو الإكمال، و قد تقدم الكلام في قطع الطواف عمدا لا لحاجة و زاد هذا الجماع في أثنائه.

بقي الكلام في أن البدنة الواجبة للإفساد بالجماع قبل المشعر هل لها بدل؟ ظاهر الاقتصار عليها ممن عرفت بل و النصوص عدمه، بل و عن ابن حمزة و سلار عدمه و انه لا بدل لها إلا في صيد النعامة، و إنما عليه الاستغفار و العزم عليها إذا أمكن، و يؤيده مضافا الى الأصل ما سمعته من خبر أبي بصير(1)لكن في محكي الخلاف «من وجب عليه دم في إفساد الحج فلم يجد فعليه بقرة، فان لم يجد فسبع شياه على الترتيب، فان لم يجد فقيمة البدنة دراهم أو ثمنها طعاما يتصدق به، فان لم يجد صام عن كل مد يوما، و نص الشافعي على مثل ما قلناه، و في أصحابه من قال هو مخير، دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم و طريقة الاحتياط» و عن الفاضل في التذكرة الفتوى بذلك، بل استدل فيها و في محكي المنتهى على الترتيب بأن الصحابة و الأئمة قضوا بالبدنة في الإفساد، فتتعين و البقرة حسا و شرعا دونها، فلا تقوم مقامها، و لذا

ورد(2)في الرواح إلى الجمعة «ان من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، و من راح في الثانية فكأنما قرب بقرة»

و قد سمعت ما في التهذيب بعد أن ذكر خبر ابن أبي حمزة(3)


1- 1 الوسائل- الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 13.
2- 2 المستدرك- الباب 21 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 6 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.

ج 20، ص: 376

من قوله:

و في رواية أخرى (1)«فان لم يقدر على بدنة فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد، فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما»

و نحوه الكافي، و لكن لم أجد العامل بها، مضافا الى إرسالها، و عن السرائر «من وجب عليه بدنة في نذر أو كفارة و لم يجدها كان عليه سبع شياه» و عن الفقيه و المقنع «إذا وجبت على الرجل بدنة في كفارة و لم يجدها فعليه سبع شياه، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله» قيل و بذلك خبر داود الرقي (2)في الفداء لكن قد عرفت أن ظاهره فداء الصيد، و عن القاضي أنه أطلق إذا وجبت بدنة فعجز عنها قومها و فض القيمة على البر الى آخر ما مر في النعامة، و لا يخفى عليك ما في الجميع من عدم الدليل إلا ما سمعته من إجماع الخلاف و ما أرسله من الأخبار و لا ريب في أن الأحوط العمل به و إن كان في تعينه نظر يعرف مما ذكرناه و الله العالم.

و إذا طاف المحرم من طواف النساء خمسة أشواط ثم واقع و لو عالما عامدا لم تلزمه الكفارة و بنى على طوافه بلا خلاف أجده فيه

إلا ما يحكى عن الحلي من وجوبها عليه قبل تمامه و لو شوطا، لعموم الأخبار(3)بأنه إذا لم يطف طواف النساء فعليه بدنة، قال: و لأن الإجماع حاصل على أن من جامع قبل طواف النساء وجبت عليه الكفارة، و هو متحقق في الفرض و قواه في كشف اللثام، و لكن فيه مضافا الى الإغضاء عما في سند كثير من


1- 1 الوسائل- الباب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3 و التهذيب ج 5 ص 318 الرقم 1094.
2- 2 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع.

ج 20، ص: 377

تلك النصوص أنها ظاهرة في الجماع قبل الشروع فيه لا ما يشمل الفرض، و مخصصة ب

خبر حمران بن أعين (1)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج الى منزله فنقض ثم غشي جاريته قال: يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان بقي عليه من طوافه، و يستغفر الله ربه و لا يعد، و إن كان طاف طواف النساء و طاف منه ثلاثة أشواط ثم رجع فغشي فقد أفسد حجه و عليه بدنة و يغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا»

و المناقشة في سنده يدفعها الانجبار بما عرفت على أنه من الحسن، بل في سنده من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و في الدلالة بأنه لا ينفي الكفارة لأعمية عدم الذكر من ذلك يدفعها أنه في مقام البيان وقت الحاجة، على أن ذكر وجوبها بالجماع بعد الثلاثة في مقابل الخمسة كالصريح في نفيها، و من هنا لم تعرف المناقشة في دلالة الخبر

المزبور، و نحو ذلك يجري في معقد ما حكاه من الإجماع، و إن أراد منه المحصل فهو واضح المنع، كل ذلك مضافا الى ما تسمعه من عدمها في مجاوزة النصف، فظهر أن القول المزبور مع كونه شاذا واضح الضعف.

و قيل و القائل الشيخ و أتباعه يكفي في ذلك أي سقوط الكفارة مجاورة النصف و اختاره الفاضل في المختلف لمفهوم الشرط في الخبر المزبور المقتصر في الخروج عنه للإجماع على ما إذا لم يتجاوز النصف، و لا يعارضه نقصها عن الخمسة في الصدر بعد أن كان ذلك من كلام الراوي المعتضد ب

قول الصادق عليه السلام لأبي بصير(2): «إذا زاد على النصف و خرج ناسيا أمر من يطوف عنه، و له أن يقرب النساء إذا زاد على النصف»

إذ لا معنى للكفارة على الفعل المرخص فيه، و بما


1- 1 الوسائل- الباب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 10.

ج 20، ص: 378

سلف من أن مجاورة النصف كالإتمام في الصحة.

و لكن مع ذلك كله قال المصنف و الأول مروي مشعرا باختياره كالفاضل في القواعد و المنتهى و التحرير و الإرشاد و التبصرة و التلخيص، و لكن فيه أن الرواية المزبورة تدل على نفي الكفارة عمن طاف خمسة لا أن ذلك مخصوص به، فلا تنافي حينئذ سقوطها عمن تجاوز

النصف مع ذلك لما عرفت، و لعله الأقوى، و الله العالم.

و إذا عقد المحرم لمحرم على امرأة و دخل بها المحرم فعلى كل واحد منهما كفارة بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه غير واحد الى قطع الأصحاب به مشعرا بدعوى الإجماع، بل عن ابن زهرة دعواه عليه صريحا، و هو الحجة، مضافا الى فحوى الموثق (1)الآتي، بل إطلاق المتن و غيره بل قيل الأكثر يقتضي تساوي علمهما بالإحرام و الحرمة و الجهل و وجوب الكفارة و إن كان دخول المعقود له بعد الإحلال، و لكن عن بعض القيود اشتراط علمهما بهما، و في كشف اللثام و لعله الوجه، و هو كذلك، خصوصا مع فحوى الموثق الآتي لو لا إطلاق معقد الإجماع المعتضد بما عرفت و بالاحتياط، و المراد بالكفارة البدنة كما يشير اليه الموثق الآتي، و صرح به غير واحد و بعدم الكفارة أيضا إذا لم يدخل، للأصل السالم عن المعارض، و الإثم أعم من وجوب الكفارة كما هو واضح.

و كذا الكلام لو كان العاقد محلا على رواية سماعة

الموثقة به أو الصحيحة(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوج محرما و هو يعلم أنه لا يحل له، قلت: فان فعل فدخل بها المحرم قال: إن كانا عالمين فان على كل واحد منهما بدنة، و على المرأة إن كانت محرمة بدنة، و إن لم تكن محرمة فلا شي ء عليها إلا أن تكون قد علمت أن الذي تزوجها


1- 1 الوسائل- الباب 21 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 21 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.

ج 20، ص: 379

محرم، فان كانت علمت ثم تزوجت فعليها بدنة»

و ظاهر المتن و القواعد التوقف فيه في الجملة، بل في محكي المنتهى و في سماعه قول، و عندي في هذه الرواية توقف، بل عن الإيضاح الأصح خلافه للأصل، و لأنه مباح بالنسبة اليه، و تحمل الرواية على الاستحباب، و فيه أن الرواية من قسم الموثق أو الصحيح، و كل منهما حجة سيما مع الاعتضاد هنا بالشهرة المحكية من غير واحد، بل في التنقيح نسبته إلى عمل الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، فالعمل به حينئذ متعين، و ظاهره لزوم البدنة للمرأة المحرمة و المحلة إذا كانت عالمة بإحرام الزوج، بل عن الشيخ و جماعة منهم الكركي العمل به، خلافا للشهيد في الدروس فجزم بالعدم، و هو في غير محله بعد العمل به في الحكم الأول.

و لو كان الثلاثة محرمين وجبت على الجميع، و لو كانت المرأة و العاقد محرمين و الزوج محلا وجبت الكفارة على المرأة مع الدخول و العلم بسبب الدخول لا بسبب العقد، و في وجوبها على العاقد نظر، أقواه العدم للأصل، و في المسالك «و الضابط أن الزوجين لا يجب عليهما إلا مع إحرامهما و الدخول و العلم، و العاقد لا يجب عليه شي ء إلا مع إحرام الزوج و دخوله» ففيه ما مر، و لا يخلو من نظر، و هل يلحق بالمحلة المزوجة محرما عالمة بذلك المحل المزوج محرمة عالما بذلك؟ وجهان لا يخلو أولهما من قوة.

هذا كله في حكم الكفارة، و أما وجوب الإتمام و القضاء فهو مختص بالمجامع على ما صرح به الكركي في حاشيته، و في الحدائق هو مبني على ما هو المشهور من إلحاق الزنا في هذا الحكم بالزوجة كما تقدمت الإشارة اليه و فيه إمكان الفرق بشبهة العقد، كما أنه يمكن دعوى ظهور النص و لو من حيث الاقتصار على الكفارة في مقام البيان في عدم القضاء بناء على اختصاصه بجماع الأهل، و أنه لا يلحق به الزنا و لا اللواط و إن كان أغلظ، و الله العالم.

ج 20، ص: 380

و من جامع في إحرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته و عليه بدنة و قضاؤها كما صرح بذلك غير واحد، بل في المدارك هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا، بل ظاهر عبارة المنتهى أنه موضع وفاق، و ما عن ابن أبي عقيل- من أنه إذا جامع الرجل في عمرته بعد أن طاف لها و سعى قبل أن يقصر فعليه بدنة و عمرته تامة، فأما إذا جامع قبل أن يطوف لها و يسعى فلم أحفظ عن الأئمة عليهم السلام شيئا أعرفكم به، فوقفت عند ذلك و رددت الأمر إليهم- ليس خلافا، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه في العمرة المفردة التي حكي التصريح بها عن النهاية و المبسوط و المهذب و السرائر و الجامع فضلا عن إطلاق غيرها، مضافا إلى المعتبرة، ففي

صحيح بريد العجلي (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه و سعيه قال:

عليه بدنة لفساد عمرته، و عليه أن يقيم إلى الشهر الآخر فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة مفردة»

و حسن مسمع أو صحيحه (2)عنه عليه السلام أيضا «في الرجل يعتمر عمرة مفردة ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا و المروة قال: قد أفسد عمرته و عليه بدنة و عليه أن يقيم بمكة محلا حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه، ثم يخرج إلى الوقت الذي وقته رسول الله صلى الله عليه و آله لأهله فيحرم منه و يعتمر»

و خبر أحمد بن أبي علي (3)عن أبي جعفر عليه السلام «في رجل اعتمر عمرة مفردة و وطأ أهله و هو محرم قبل أن يفرغ من طوافه و سعيه قال: عليه بدنة لفساد عمرته، و عليه أن يقيم شهرا آخر فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم منه ثم يعتمر».

نعم لم أعثر على نص في المتمتع بها كما اعترف به غير واحد، و لعله


1- 1 الوسائل- الباب 12 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 12 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب 12 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4.

ج 20، ص: 381

لذا قال في القواعد: «و لو جامع في إحرام العمرة المفردة أو المتمتع بها على إشكال قبل السعي عامدا عالما بالتحريم بطلت عمرته

و وجب إكمالها و قضاؤها و بدنة» لكن في المدارك «أن ظاهر الأكثر و صريح البعض عدم الفرق بينهما و ربما أشعر به

صحيحة معاوية بن عمار(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل متمتع وقع على امرأته و لم يقصر قال: ينحر جزورا، و قد خشيت أن يكون ثلم حجه إن كان عالما، و إن كان جاهلا فلا شي ء عليه»

فان الخوف من تطرق الفساد إلى الحج بالوقاع بعد السعي قبل التقصير ربما اقتضى تحقق الفساد بوقوع ذلك قبل السعي» و فيه أولا انا لم نعرف إطلاقا لغير المصنف بل قد يظهر من قوله: «و الأفضل» إلى آخره إرادة المفردة، نعم عن أبي الصلاح التصريح بفساد المتعة بالجماع قبل طوافها و سعيها و أن عليه بدنة، و ثانيا ما قيل من أن الوقاع بعد السعي قبل التقصير لا يوجب الفساد بل البدنة خاصة بمقتضى الصحيحة و غيرها، فكيف يثلم به الحج، و الفحوى لو تمسك بها إنما تكون حجة لو قلنا بحجية أصلها، و إلا فلا كما هنا، و كذا إن ادعي تناول إطلاقها لما إذا لم يسع، لأن المتبادر منه الوقاع بعد السعي قبل التقصير، و إن كان لا يخلو من مناقشة، فإن المراد الاشعار بالفساد من حيث الخوف في هذا الحال، أما قبل هذا الحال فالفساد محقق، نعم هو ليس دلالة يعتد بها.

و على كل حال فقد قيل إن وجهي الإشكال الذي سمعته من الفاضل التساوي في الأركان و حرمتهن قبل أدائها، و إنما الاختلاف باستتباع الحج و وجوب طواف النساء و عدمهما، و الأصل

و الخروج عن النصوص، و لزوم أحد أمرين إذا لم يسع الوقت إنشاء عمرة أخرى قبل الحج أما تأخير الحج إلى قابل أو الإتيان به مع فساد عمرته، و هو يستلزم إما فساده مع الإتيان بجميع


1- 1 الوسائل- الباب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4.

ج 20، ص: 382

أفعاله و التجنب فيه عن المفسد، أو انتقاله الى الافراد، و إذا انتقل إلى الافراد سقط الهدي و انتقلت العمرة مفردة، فيجب لها طواف النساء، و في جميع ذلك إشكال، و فيه أنه لا مانع من التزام انقلاب الحج إلى الافراد مع عدم سعة الوقت و إن انقلبت العمرة إلى أفراد نحو ما لو ضاق الوقت عنها ابتداء، كما لا مانع من التزام عمرة مستأنفة مع سعة الوقت، و لعله لذا حكي عن ثاني المحققين و فخر الإسلام حاكيا له عن والده أنه لا إشكال في فساد العمرة، و إنما الإشكال في فساد الحج بفسادها من ارتباطه بها و من انفراده بإحرام آخر، و الأصل صحته و البراءة من القضاء، ثم رجح الفخر الفساد يعني إن لم يسع الوقت إنشاء عمرة أخرى، قيل: و هو ظاهر الحلبيين لقولهما بفساد المتعة بالجماع فيه قبل الطواف أو السعي، هذا، و في الرياض و كان عدم إشكالهم في الفساد لعدم الخلاف فيه، و إلا فالنصوص مختصة بالمفردة كما عرفت، و حينئذ فالتعميم أقوى، و هو كما ترى تهجس.

ثم إنه لا يخفى عليك ضعف وجه الاشكال على هذا التقدير، ضرورة عدم تعقل صحة حج التمتع مع فساد عمرته، اللهم إلا أن يراد بالفساد النقص و عدم الكمال نحو ما سمعته سابقا في الحج، و في المسالك «و لو كانت عمرة التمتع ففي وجوب إكمال الحج أيضا ثم قضاؤهما و الافتراق كما مر قولان أجودهما الوجوب» و حكاه في المدارك عنه مع التعليل له بما بينهما من الارتباط، ثم قال: و هو ضعيف، لأن الارتباط انما ثبت بين الصحيح منهما لا الفاسد، قلت:

لعل وجهه إطلاق تلك النصوص أن الجماع قبل الوقوف بالمشعر مقتض لوجوب الإكمال و القضاء من قابل مع التكفير، و هو شامل لحج التمتع الذي دخلت العمرة فيه على وجه صارت منه كبعض أفعاله، و إن كان الانصاف عدم انسياق ذلك من النصوص السابقة، ضرورة كون المنصرف منها نفس الحج، اللهم

ج 20، ص: 383

إلا أن يقال إنه لو فرض حصول الجماع في حج التمتع بعد إتمام عمرته قبل الوقوف بالمشعر وجب عليه قضاء حج التمتع في القابل.

و كيف كان فلم نجد دليلا معتدا به في المسألة، و مقتضى الأصول عدم الفساد في عمرة التمتع بالجماع فيها بعد ما عرفت من اختصاص تلك النصوص في المفردة، و دعوى التنقيح بعد عدم إجماع و نحوه غير مسموعة، و مع التسليم يتجه اختصاصها بالفساد، فينشئ عمرة أخرى غيرها مع سعة الوقت، و إلا انقلب الحج إلى إفراد، و لكن الاحتياط مع ذلك لا ينبغي تركه.

هذا كله في الجماع قبل السعي، أما إذا كان بعده فلا فساد في عمرة التمتع قطعا، لصحيح معاوية بن عمار(1)السابق و غيره، نعم في القواعد و محكي النهاية و التهذيب و المبسوط و المهذب و السرائر و الوسيلة و الجامع وجب عليه بدنة للموسر، و بقرة للمتوسط، و شاة للمعسر، و لعله لتنزيل الصحيح المزبور و

صحيح الحلبي (2)- سأل الصادق عليه السلام «عن متمتع طاف بالبيت و بين الصفا و المروة و قبل امرأته قبل أن يقصر من رأسه قال: عليه دم يهريقه، و إن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة»

و نحوه صحيح عمران الحلبي (3)و

حسن ابن مسكان (4)عنه عليه السلام أيضا، سأله عن ذلك، فقال: «عليه دم شاة»

- على مراتب العسر و اليسر جمعا و احتياطا، بل قد يرشد اليه التنصيص عليه فيمن أمنى بالنظر الى غير أهله، و في الجماع قبل طواف النساء، و عن الحسن إيجاب البدنة لا غير، لصحيح معاوية، و احتمال «أو» في الأولين أن يكون من كلام الراوي، و عن سلار وجوب بقرة لا غير، قيل للتخيير بينها و بين الجزور، فهي الواجبة، و الجزور


1- 1 الوسائل- الباب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.

ج 20، ص: 384

أفضل، و عن الصدوق في المقنع الاقتصار على الفتوى بمضمون صحيح التخيير، و لعل الأول لا يخلو من قوة، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه، و لو لا مخافة خرق الإجماع كان المتجه التخيير مترتبة في الفضل.

و كيف كان فقد جزم ثاني الشهيدين و غيره بمساواة العمرة المفردة لها في عدم الفساد بذلك أيضا، بل لعله ظاهر المصنف و غيره ممن قيد الفساد بما إذا كان قبل السعي، و لكن في المدارك هو محتاج الى دليل، و فيه أنه يكفي أصل الصحة بعد أن كان دليل الفساد منحصرا فيما سمعته من النصوص المفروض فيها قبل السعي، مضافا الى ما سمعته من ابن أبي عقيل مما يظهر منه أن ذلك محفوظ له عن الأئمة عليهم السلام، و لذا لم يتوقف فيه، هذا، و قد ذكر غير واحد أنه ليس في كلام الأكثر تعرض لوجوب إتمام العمرة الفاسدة، و لا وجوب التفريق، و لكن قطع الفاضل و الشهيدان و غيرهم به، و مستندهم غير واضح، لخلو الأخبار عنه، بل ربما أشعرت بالعدم، للتصريح فيها بالفساد، و عدم التعرض فيها للأمرين بالكلية مع كون المقام مقام حاجة، و ربما استدل لهم بأنه لا يجوز إنشاء إحرام آخر قبل إكمال الأول كما مر، و فيه نظر، لقوة اختصاص ذلك بالإحرام الصحيح دون الفاسد، قلت: يمكن أن يكون دليله استصحاب بقاء حكم الإحرام و الأمر بإتمام الحج و العمرة، بناء على أن المراد ما يشمل إتمام الفاسد منهما على معنى وجوب إتمامهما بعد الشروع فيهما و إن فسدا في الأثناء، لأن التحليل من الإحرام لا يكون إلا بتمام الأفعال، كل ذلك مضافا إلى قوة احتمال كون المراد في النصوص المزبورة الإشارة إلى ما ورد في الحج، بل لعل الأمر بالانتظار إلى الشهر الآخر للعمرة قرينة على مراعاة تلك العمرة حتى لا يكون اقتران بينهما، بل قد يشعر ذلك بأن الأولى هي

ج 20، ص: 385

الفروض و الثانية عقوبة نحو ما سمعته في الحج، و حينئذ فإطلاق اسم الفساد على ضرب من التجوز لا الفساد بالمعنى المصطلح، و الله العالم.

و كيف كان ففي المتن و غيره أن الأفضل أن يكون قضاء العمرة في الشهر الداخل حملا للأمر به في النصوص السابقة عليه، و لكن فيه أنه لا داعي له، فالأولى و الأحوط تعين إيقاع القضاء في الشهر الداخل هنا و إن قلنا بجواز توالي العمرتين، أو الاكتفاء بالفرق بينهما بعشرة أيام في غير هذه الصورة، و الله العالم.

و لو نظر الى غير أهله فأمنى كان عليه بدنة إن كان موسرا، و إن كان متوسطا فبقرة، و إن كان معسرا فشاة كما في النهاية و المبسوط و السرائر و المهذب و الجامع و النافع و القواعد و غيرها على ما حكي عن بعضها، بل هو خيرة الأكثر كما اعترف به غير واحد، بل هو المشهور، ل

موثق أبي بصير(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل محرم نظر الى ساق امرأة فأمنى

قال: إن كان موسرا فعليه بدنة، و إن كان متوسطا فعليه بقرة، و إن كان فقيرا فعليه شاة ثم قال فيه أما اني لم أجعل عليه لأنه أمنى، إنما جعلته عليه لأنه نظر الى ما لا يحل له»

و عن المفيد و سلار و ابن زهرة أنه إن عجز عن الشاة صام ثلاثة أيام، و لم نجد له ما يدل عليه بالخصوص، و لعله لفحوى قيامها في كفارة الصيد و لو بعد العجز عن إطعام عشرة مساكين، إلا أنها كما ترى لا يوثق بمثلها في الحكم الشرعي، لكن في الرياض الحكم به معللا له بأنه أصل عام، و فيه بحث خصوصا بعد ظهور النص هنا و الفتوى في أن الغاية الشاة لا غيرها كما هو واضح، و أما ما عن ابن حمزة من ترك الشاة أصلا فهو في غير محله بعد ما سمعت من النص و الفتوى، فالتحقيق حينئذ ما عليه المعظم للموثق


1- 1 الوسائل- الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.

ج 20، ص: 386

المزبور، و المناقشة في سنده بعد أن كان من قسم الموثق و منجبرا بما عرفت واضحة الفساد، كالمناقشة فيه بمعارضته ب

صحيح زرارة(1): «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل محرم نظر الى غير أهله فأنزل قال: عليه جزور أو بقرة، فان لم يجد فشاة»

كما عن المقنع الفتوى به، و تبعه بعض متأخري المتأخرين، إذ هي كما ترى، ضرورة قصوره بعد شذوذ العمل به عن معارضة الأول المعتضد بما سمعت، على أنه يمكن تنزيله على

الأول بحمل «أو» فيه على التخيير المجامع للترتيب، بل لعل قاعدة الإطلاق و التقييد تقضي بذلك، كل ذلك مع صراحة الموثق و احتمال الصحيح، و كذا الكلام فيما ذكره بعض الناس من قوة احتمال الاكتفاء بشاة مطلقا ل

حسن معاوية بن عمار(2)«في محرم نظر الى غير أهله فأنزل قال: عليه دم لأنه نظر الى غير ما يحل له، و إن لم يكن أنزل فليتق الله تعالى و لا يعد و ليس عليه شي ء»

إذ هو أيضا قابل للتنزيل على الموثق سواء أريد من الدم فيه الشامل للثلاثة أو خصوص الشاة، بل هو مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيد.

ثم إن الظاهر الرجوع في المفاهيم الثلاثة إلى العرف كما في نظائرها، و قيل ينزل ذلك على الترتيب فتجب البدنة على القادر عليها، فان عجز عنها فالشاة، بل عن الفاضل و الشهيد القطع به، إلا أن الموثق ظاهر في الأول، نعم هو ظاهر في أن الكفارة للنظر لا للإمناء كما سمعته في الحسن المصرح فيه أيضا بعدم الكفارة مع عدم الانزال، و به يصرف هنا ظاهر التعليل في الموثق.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى عدم الفرق في الحكم المزبور بين ما لو قصد الإمناء أو لا، و بين النظر بشهوة أو لا، و معتاد الامناء و عدمه، لكن في المسالك هذا كله إذا لم يكن معتاد الامناء عند النظر أو قصد الامناء به، و إلا كان


1- 1 الوسائل- الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.

ج 20، ص: 387

حكمه حكم مستدعي المني، و فيه مع أنه مناف لإطلاق النص و الفتوى هنا ما عرفته سابقا من عدم دليل على الاستمناء إلا ما سمعت مما لا يصلح معارضا للمقام، و الله العالم.

و لو نظر الى امرأته لم يكن عليه شي ء و لو أمنى بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه غير واحد الى قطع الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، بل عن المنتهى دعواه صريحا، بل لعله كذلك، و هو الحجة بعد الأصل و

صحيح معاوية ابن عمار(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم قال: لا شي ء عليه» و زاد في الكافي «و لكن يغتسل و يستغفر ربه، و ان حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شي ء عليه، و ان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم، و قال: في المحرم ينظر إلى امرأته و ينزلها بشهوة حتى ينزل قال: عليه بدنة»

و غيره كمفهوم التعليل في خبر أبي بصير(2)السابق و نحوه.

نعم لو كان قد نظر إليها بشهوة فأمنى كان عليه بدنة كما صرح به غير واحد، بل في المدارك و غيرها نسبته الى قطع الأصحاب أيضا، بل عن المنتهى الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

حسن مسمع أبي سيار(3)عن الصادق عليه السلام «و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور»

المعتضد بما سمعت بناء على اتحاد المراد بالجزور و البدنة كما هو مقتضى الجمع بينه و بين ذيل الصحيح الأول الذي هو دليل آخر على المطلوب أيضا خلافا للمحكي عن المفيد و المرتضى من إطلاق نفي الكفارة، و لعله للأصل المقطوع بما عرفت، و إطلاق


1- 1 الوسائل- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.

ج 20، ص: 388

الصحيح المزبور أو عمومه المقيد أو المخصص به أيضا، خصوصا بعد الالتفات الى ما في ذيله بناء على ما قيل من أن قوله عليه السلام فيه «بشهوة» إن خص به الانزال تباين الصدر و الذيل تباينا كليا، فليرجع الى النظر أيضا ليمكن الجمع بينهما إما بحمل الذيل على الاستحباب أو تقييد الصدر بالنظر بغير شهوة، و هو الوجه لرجحان التخصيص على المجاز و إن وافق الأصل، و إن كان لا يخلو من نظر، و لكن عليه لم يبق إلا

موثق إسحاق بن عمار(1)عن الصادق عليه السلام «في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى قال: ليس عليه شي ء»

القاصر عن معارضة الأول من وجوه، و لذا حمله الشيخ في التهذيب على السهو، هذا، و في المسالك «ينبغي تقييد عبارة المتن بعدم

اعتياده الامناء عند النظر أو قصده، و إلا وجبت الكفارة كما لو نظر بشهوة فأمنى» و نفي عنه البأس بعضهم بالنسبة إلى الأول، بل قال: إنه لا ينفك نظره عن الشهوة، و هو جيد، و على كل حال فما عن الحلبي- من أن في النظر بشهوة و الإصغاء إلى حديثها و حملها أو ضمها الإثم، فإن أمنى فدم شاة- كما ترى، و في كشف اللثام و كأنه حمل الدم في حسن ابن عمار على الشاة كما هو المعروف و البدنة على الفضل، فان النظر دون المس، و فيه أنا لم نعثر على حسن لابن عمار مشتمل على الدم في النظر، و لذا اعترف غيره بعدم الدليل له، و على تقديره فهو قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه، كما هو واضح.

و لو مسها أي امرأته بغير شهوة لم يكن عليه شي ء و إن أمنى إذا لم يكن معتاد الامناء و لا قصده بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم نصا و فتوى، ففي

حسن الحلبي (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن المحرم


1- 1 الوسائل- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 7.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2 و ذيله في الباب- 18- منها الحديث 1.

ج 20، ص: 389

يضع يده من غير شهوة على امرأته قال: نعم يصلح عليها خمارها و يصلح عليها ثوبها و محملها قلت: أ فيمسها و هي محرمة؟ قال: نعم، قلت: المحرم يضع يده بشهوة قال: يهريق دم شاة، قلت: قبل قال: هذا أشد، ينحر بدنة»

و خبر محمد بن مسلم (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى قال: إن كان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه» و عن الفقيه «فعليه دم شاة يهريقه، فان حملها أو مسها بغير شهوة فأمنى أو لم يمن فليس عليه شي ء»

و في

صحيح مسمع (2)من مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه»

و قد سمعت ما في صحيح ابن عمار(3).

و من هذه النصوص يعلم الوجه فيما ذكره المصنف و غيره بل الأكثر بل المشهور من أنه لو مسها بشهوة كان عليه شاة و لو لم يمن و لإطلاق الدم في بعض النصوص جعل ابن حمزة فيما حكي عنه الفرض من قسم ما فيه الدم المطلق الذي جعله قسيما لما فيه بدنة أو بقرة أو شاة أو حمل أو جدي، و لكن فيه مضافا الى انسياق الشاة من الدم أنه قد صرح بها في خبر ابن مسلم على ما عن الفقيه المعتضد بفتوى الأصحاب، و منه يعلم ما في المحكي عن ابن إدريس من تخصيص الشاة بما إذا لم يمن، و إلا فالبدنة مع الامناء و إن استدل له بأنه أفحش من النظر الذي فيه بدنة، فيحتمل إطلاق الدم فيما سمعت على ما إذا لم يمن كما هو الغالب في المس و لو بشهوة، مضافا الى ما في ذيل

صحيح ابن عمار(4)السابق من البدنة «فيمن ينظر إلى امرأته و ينزلها حتى ينزل»

و الى ضعف الخبر المزبور، فلا يعارض الصحيح المذكور، و فيه أولا انسياق الشاة من الدم، بل في

خبر ابن مسلم على ما في الفقيه «فعليه دم شاة»


1- 1 الوسائل- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.

ج 20، ص: 390

و ثانيا ما عرفت من انجبار الخبر بفتوى المشهور شهرة كادت تبلغ الإجماع، فيرجح على الصحيح، بل قيل مع أن في العمل بالخبر إبقاء لإطلاق الصحيحين بل عموم أحدهما الناشئ عن ترك الاستفصال على حاله، فليطرح الصحيح أو يحمل على الاستحباب أو الاستمناء، و هو الوجه، و ربما يشعر به

قوله عليه السلام «ينزلها حتى ينزل»

قلت: بل ظاهر الصحيح المزبور اعتبار النظر و النزول بشهوة حتى ينزل لا النزول خاصة، و حينئذ فالبدنة للنظر، و دعوى أفحشية المس من النظر لا توافق مذهب الإمامية من حرمة القياس، و بالجملة فالعمل على المشهور، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه، و الله العالم.

و لو قبل امرأته بغير شهوة كان عليه شاة، و لو كان بشهوة كان عليه جزور كما في النهاية و المبسوط و القواعد و التحرير و الدروس و

غيرها على ما حكي عن بعضها، بل نسبه بعضهم إلى الأكثر، لما سمعته سابقا من

قول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي (1)«ينحر بدنة»

الظاهر بمقتضى سياقه في كون التقبيل بشهوة ان لم نقل بانصراف التقبيل الى ذلك و لو بملاحظة الغلبة، و

خبر ابن أبي حمزة(2)عن الكاظم عليه السلام «في رجل قبل امرأته و هو محرم قال عليه بدنة و إن لم ينزل»

و حسن مسمع أو صحيحه (3)عنه عليه السلام أيضا «فمن قبل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة و من قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر ربه»

إلا أنه ظاهر في اعتبار الامناء كما عن سلار و ابن سعيد و إن أطلق أولهما وجوبها بالتقبيل و قيد ثانيهما بالشهوة كالمحكي عن ابن إدريس «من قبل امرأته بغير شهوة كان عليه دم، فان قبلها بشهوة كان عليه دم شاة إذا لم يمن، فإن أمنى كان عليه جزور» قيل: و نحوه الحلبي،


1- 1 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.

ج 20، ص: 391

لقوله: في القبلة دم شاة للأصل المقطوع بما سمعت، و ضعف الخبر لمنجبر بما عرفت، و ظهور التقييد بالامناء في خبر مسمع المحمول على

عدم ارادة التقييد بقرينة التصريح في الخبر المنجبر بما عرفت تقديما للنص على الظاهر، و إطلاق الصادقين عليهما السلام في خبري زرارة(1)و العلاء بن الفضيل (2)بأن عليه دما مع ظهوره في الشاة المحمول على ارادة حال غير الشهوة.

و بذلك كله ظهر لك أن المتجه في الجمع بين النصوص هو ما ذكره المصنف و غيره دون ما سمعته من ابن إدريس و غيره، و نحو ما عن الصدوق في الفقيه من إطلاق وجوب الشاة بالتقبيل و كذا ما عن المفيد و السيد و الصدوق في المقنع من إطلاق البدنة مع احتمال إرادة مع الشهوة، خصوصا الأول منهم لقوله: و إن هوت المرأة ذلك كان عليها مثل ما عليه» فان ظاهر قوله «و ان هوت» الشهوة، ضرورة منافاة كل من هذه الأقوال لبعض النصوص بخلاف المختار.

و لو قبلها بعد أن طاف هو طواف النساء دونها ففي

صحيح ابن عمار أو حسنه (3)عليه دم يهريقه، قال: «سألته عن رجل قبل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي قال: عليه دم يهريقه من عنده»

و لم يحضر في أحد عمل به على جهة الوجوب، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب، لأن الفرض كونه قد أحل، فلا شي ء عليه إلا الإثم إن كان، و أما

خبر العلاء بن فضيل (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل و امرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته و لم يقصر فقبلها قال: يهريق دما، و إن كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما أن يهريق دما»

فالحكم فيه ظاهر لما عرفت كما أنك عرفت سابقا في محرمات الإحرام


1- 1 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6.

ج 20، ص: 392

حكم قبلة الأم و نحوها مما لم تكن قبلة بشهوة و لذة، و أنه لا شي ء عليها،

قال الحسين بن حماد(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يقبل أمه قال: لا بأس هذه قبلة رحمة، إنما تكره قبلة الشهوة»

بل استظهر منه اختصاص التحريم و الكفارة بقبلة الشهوة دون غيرها، فلا شي ء فيها، و إن كان فيه أن المراد منه إخراج قبلة الأم و نحوها من ذي المحارم ممن تكون قبلته لغير تلذذ و شهوة نكاح و مقاربة، و هو واضح، كوضوح حكم ما يحضر في الذهن هنا من قبلة الأجنبية و الغلام المحرمين و غير المحرمين مع كون المقبل محرما، و حكم التقبيل بغير الوجه من النحر و البطن و تقبيل الامرأة للرجل و غير ذلك بعد الإحاطة بنظائرها في الجماع، و معلومية ملاحظة العنوان في الحكم على حسب ما تقتضيه الضوابط التي يخرج بها عن القياس المحرم، و من هنا لم يكرر الأصحاب التفريع في كل موضوع خاص، و الله العالم.

و كذا يجب الجزور عليه لو أمنى عن ملاعبة بامرأته، بل و على الامرأة لو كانت مطاوعة ل

صحيح ابن الحجاج (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألت عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني و هو محرم من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان فقال: عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع»

بل في المدارك و غيره أن مقتضاه وجوب البدنة، لأنها الواجب في الجماع، و يمكن أن تكون هي المراد من الجزور كما سمعته مكررا، و الله العالم.

و لو استمع على من يجامع فأمنى من غير نظر لم يلزمه شي ء بلا خلاف أجده فيه، للأصل و

موثق سماعة(3)عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:


1- 1 الوسائل- الباب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب 14 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 20 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4.

ج 20، ص: 393

«في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى قال: ليس عليه شي ء»

و غيره من النصوص، و كذا لا شي ء عليه لو سمع كلام امرأة أو وصفها فأمنى، للأصل و

خبر أبي بصير(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل سمع كلام امرأة من خلف حائط و هو محرم فتشاهى حتى أنزل قال: ليس عليه شي ء»

نعم قد صرح غير واحد و منهم ثاني الشهيدين في المسالك باستثناء معتاد الامناء بذلك، لأنه حينئذ من الاستمناء أي فتجب فيه البدنة كما عرفت سابقا، و لكن فيه ما تقدم أيضا من الاشكال خصوصا مع إطلاق النص و الفتوى هنا، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه، و احترز بقوله: «من غير نظر» عما لو نظر الى الامرأة المجامعة بالفتح فأمنى، فإنه قد سمعت وجوب الكفارة حينئذ أما إذا نظر إلى المجامع دونها أو إلى المتجامعين و هما ذكران أو ذكر و بهيمة فلا شي ء للأصل و إن قيل إنه أطلق الأصحاب شرط انتفاء النظر إليهما، و في المهذب من غير أن ينظر إلى الذي يفعل، و جعل الحلبي في الإصغاء إليها مع الإمناء شاة، و لكن لا يخفى أن الدليل لا يقتضي أريد مما ذكرناه، بل يمكن تنزيل الإطلاق و غيره عليه، بل لعله الظاهر، و الله العالم.

فرع

لو حج أو اعتمر تطوعا فأفسده ثم أحصر كان عليه بدنة للإفساد لما تقدم من النص (2)المعتضد بالفتوى و دم للإحصار لذلك أيضا كما عرفته في محله، و لا تسقط بدنة الإفساد بالاحصار لتحقق الهتك و لإطلاق الأدلة، كما أن الإفساد لا يمنع التحلل بالاحصار للعمومات نعم كفاه قضاء واحد في سنته أو في القابل و إن قلنا في فساد حجة الإسلام إن الثانية الفريضة و الأولى عقوبة، للفرق بأن المفروض فيما نحن فيه


1- 1 الوسائل- الباب 20 من أبواب الاستمتاع الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 3 و 12 من أبواب كفارات الاستمتاع.

ج 20، ص: 394

أنه تطوع غير واجب، و إنما وجب بالإحرام الذي لا يتحلل منه إلا بأداء المناسك أو بالاحصار، و قد حصل الأخير، فخرج عن العهدة، و لم يبق عليه إلا حج العقوبة، و احتمال أنه بالإحرام وجب عليه حجة أو عمرة صحيحة و لم يأت بها فلا فرق بينه و بين حجة الإسلام واضح المنع بعد أصالة البراءة و انكشاف عدم وجوب الإتيان بها بالاحصار فضلا عن وجوب الإتيان بها صحيحة و قد تقدم تحقيق الحال في ذلك في بحث الإحصار.

ثم ان ظاهر النصوص المتقدمة وجوب القضاء في القابل، و المنساق منه السنة الأولى مما بعد هذه السنة من السنين لا أي سنة كانت منها، كما أن إطلاقها يقتضي عدم الفرق في ذلك بين حجة الإسلام و غيرها و بين ما كان الفاسد فوريا أولا، بل عن ظاهر المنتهى و التذكرة الإجماع عليه، و في محكي الخلاف القضاء على الفور الى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم التي تضمنت أن عليه الحج من قابل، و احتمال إرادته إجماعهم على مضمون النصوص الذي يمكن منع انحصار القابل فيه في أولى ما بعد هذه السنة من السنين كما ترى، نعم قال بعد ذلك: و لا ناقد بيننا أن حجة الإسلام على الفور دون التراخي، و هذه حجة الإسلام، و هذا يفيد أنه على الفور إن كان الفاسد كذلك كما هو نص الفاضل في القواعد، لكن يمكن أن يكون ذلك دليلا على بعض أفراد الدعوى و لذا قال بعد ذلك أيضا و أيضا، فلا خلاف في أنه مأمور بذلك و الأمر عندنا يقتضي الفور، و إن كان فيه منع واضح، كقوله أيضا: و ما ذكرناه مروي عن عمر و ابن عمر، و لا مخالف لهما يعني فكان إجماعا كما عن التذكرة و المنتهى، و زيد فيهما أنه لما دخل في الإحرام تعين عليه، فيجب أن يتعين عليه القضاء، و لعله يريد تعين عليه فورا و إن كان هو أيضا كما ترى، و العمدة ما ذكرناه من النصوص و محكي الإجماع، و لو لا ذلك لكان المتجه الفور إن كان القضاء فرضه و كان فوريا،

ج 20، ص: 395

و إلا فالأصل العدم، و الله العالم.

[المحظور الثاني الطيب ]

المحظور الثاني الطيب فمن تطيب أي استعمل الطيب كان عليه دم شاة سواء استعمله صبغا بالكسر أي إداما أو بالفتح أو إطلاء ابتداء أو استدامة بأن كان مستعملا له قبل الإحرام ثم أحرم أو بخورا أي تبخيرا أو في الطعام بلا خلاف أجده فيه، بل عن المنتهى الإجماع عليه، بل زاد في محكي التحرير «سواء استعمله في عضو كامل أو بعضه، و سواء مست الطعام النار أولا» كما عن التذكرة بزيادة «شما و مسا، علق به البدن أو عبقت به الرائحة، و احتقانا و اكتحالا و استعاطا لا لضرورة، و لبسا لثوب مطيب و افتراشا له بحيث يشم الريح، أو يباشر بدنه أو ثياب بدنه» بل قال: «لو داس بنعله طيبا فعلق بنعله وجبت الفدية» مستدلا على الجميع بالعمومات، و الذي يحضرنا من النصوص

صحيح زرارة(1)«من أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا

فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه شاة»

و خبر علي بن جعفر(2)عن أخيه المروي عن قرب الاسناد «لكل شي ء خرجت من حجك فعليك دم تهريقه حيث شئت»

و صحيح زرارة(3)عن أبي جعفر عليه السلام «من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسيا فلا شي ء عليه، و يستغفر الله و يتوب اليه»

و الصحيح المضمر(4)«في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج فقال: إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، و إن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه» و لكن في مرسل


1- 1 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5.

ج 20، ص: 396

حريز و صحيحه (1)عن الصادق عليه السلام «لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به و لا بريح طيبة، فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر شبعه»

و في

صحيح ابن عمار(2)عنه عليه السلام أيضا «اتق قتل الدواب كلها، و لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك، و اتق الطيب في زادك، و أمسك على أنفك من الريح الطيبة، و لا تمسك من الريح المنتنة فإنه لا ينبغي أن يتلذذ بريح طيبة، فمن ابتلى بشي ء من ذلك فعليه غسله، و ليتصدق بقدر ما صنع»

و سأله عليه السلام الحسن بن هارون (3)«قلت له: أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت، قال: إذا فرغت من مناسكك و أردت الخروج من مكة فاشتر بدرهم تمرا ثم تصدق به يكون كفارة لما أكلت و لما دخل عليك في إحرامك مما لا تعلم».

و عن الصدوق في المقنع الاقتصار على الفتوى بمضمونهما مع صحيح زرارة و لعل الأولى حمل هذه النصوص على حال السهو أو الضرورة كما عن المنتهى، بل ربما يشعر به قوله عليه السلام «فمن ابتلى» و العمدة ما سمعته من النصوص و محكي الإجماع المعتضد بما عن الخلاف من أنه «لا خلاف في أن في الدهن الطيب الفدية على أي وجه استعمله، و أن ما عدا المسك و العنبر و الكافور و الزعفران و الورس و العود لا كفارة فيه عندنا للإجماع و الأخبار و أصل البراءة، و أن في أكل طعام فيه طيب الفدية على جميع الأحوال، و قال مالك: «إن مسته النار فلا فدية» و قال الشافعي: «إن كانت أوصافه باقية من طعم أو لون أو رائحة ففيه الفدية، و إن بقي له وصف و معه رائحة ففيه الفدية قولا واحدا، و إن لم يبق غير لونه و ما


1- 1 الوسائل- الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 6 و 11.
2- 2 الوسائل- الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب 3 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 397

بقي ريح و لا طعم فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه و الثاني لا فدية عليه- قال-: دليلنا عموم الأخبار في أن من أكل طعاما لا يحل له أكله وجبت عليه الفدية، و طريقة الاحتياط أيضا تقتضيه، و إن كان قد يشكل بأنه مع عدم بقاء الرائحة له لم يكن طعاما لا يحل له أكله- و قال أيضا-: إذا مس طيبا ذاكرا لإحرامه عالما بالتحريم رطبا كالغالية أو المسك أو الكافور إذا كان مبلولا بماء ورد أو دهن طيب فعليه الفداء في أي موضع كان من بدنه و لو بعقبة، و كذلك لو تسعط به أو حقن به، و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: «لو ابتلع الطيب فلا فدية» و عندنا و عند الشافعي ظاهر البطن و باطنه سواء و كذلك إن حشى جرحه بطيب فداه، دليلنا عموم الأخبار التي وردت فيمن استعمل الطيب أن عليه الفدية، و هي عامة في جميع المواضع، و طريقة الاحتياط أيضا تقتضيه- قال-: و إن كان الطيب يابسا مسحوقا فان علق ببدنه منه شي ء فعليه الفدية، فان لم يعلق بحال فلا فدية، و إن كان يابسا غير مسحوق كالعود و العنبر و الكافور فان علق ببدنه رائحته ففيه الفدية، و قال الشافعي: إن علق به رائحته ففيه قولان، دليلنا عموم الأخبار و طريقة الاحتياط» و نحوه ما في محكي المبسوط بالنسبة إلى حكم الطيب، نعم ليس في محكي النهاية كالمهذب و السرائر سوى أكل ما لا يحل له فشاة، و استعمال دهن طيب فعن المهذب شاة و في النهاية و السرائر دم و إن اضطر اليه، لكن ذلك ليس خلافا كعدم ذكر المفيد له في باب الكفارات، و لا في باب الكفارة عن خطأ المحرم كفارة إلا ما ذكره من «أن أكله طعاما لا يحل له متعمدا فعليه دم شاة» و نحوه عن ابن حمزة، بل قيل لم يذكر له سلار كفارة أيضا و لا السيد في الجمل، و لكنه قال أخيرا «فاما إذا اختلف النوع كالطيب و اللبس فالكفارة واجبة على كل نوع منه» و لا ابن

ج 20، ص: 398

سعيد إلا قوله: روي (1)فيمن داوى قرحة له بدهن بنفسج بجهالة طعام مسكين» و قوله: «في الدهن الطيب مختارا دم» نعم عن النزهة «إذا استعمل المحرم المسك أو العنبر أو العود أو الكافور أو الزعفران مختارا وجب عليه شاة و لم أقف في التهذيب على خبر يتضمن وجوب الشاة في استعمال الكافور، و المعتمد في ذلك على عمل أصحابنا، و كذا ما عن الحلبي من الاقتصار على الشم و الأكل قال: «في شم المسك و العنبر و الزعفران و الورس و أكل طعام فيه شي ء منها دم شاة، و فيما عدا ذلك من الطيب الإثم دون الكفارة» و بالجملة فالعمدة ما سمعته من المنتهى و الخلاف بل و غيرهما أيضا مضافا الى ما سمعته من النصوص و لا يقدح سكوت هؤلاء، كما لا يقدح ما سمعته

من الصدوق المحجوج على تقدير خلافه بما عرفت، كما هو واضح، و لكن قد تقدم سابقا في تروك الإحرام تحقيق الحال، فلا حظ و تأمل.

ثم إنه قد عرفت حرمة الاستدامة كحرمة الابتداء فان كان عليه أو على ثوبه طيب و سهى عن إزالته الى أن أحرم أو وقع عليه و هو محرم أو سهى فتطيب وجبت إزالته بنفسه أو بغيره، و لا كفارة عليه بغسله بيده، لأنه بذلك تارك للطيب لا متطيب كالماشي في الأرض المغصوبة للخروج عنها، و ل

قوله صلى الله عليه و آله (2)لمن رأى عليه طيبا: «اغسل عنك الطيب»

و عن المبسوط و المنتهى و التذكرة استحباب الاستعانة فيه بحلال، بل لعل الأولى استقلاله (3)بإزالته، لما سمعته من التذكرة من ترتب الفدية عليه لو داسه بنعله فضلا عن غسله بيده، بل لا يبعد تعين الحلال عليه إذا كان غسله بيده يستلزم بقاء الطيب بيده، و الله العالم


1- 1 الوسائل- الباب 4 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5
2- 2 صحيح مسلم ج 4 ص 4.
3- 3 هكذا في النسخة الأصلية و لعل الصواب« عدم استقلاله».

ج 20، ص: 399

و لا بأس بخلوق الكعبة و إن كان فيه زعفران، و كذا الفواكه كالأترج و التفاح، و الرياحين كالورد و النيلوفر أي لا بأس بشمها كخلوق الكعبة، لكن احتمل في المسالك كونه معطوفا على الطيب للرواية الصحيحة(1)الدالة على تحريمه، قال: «و هو الأقوى، لكن يستثنى منه

الشيخ و الخزامى و الإذخر و القيصوم للرواية(2)» قلت: تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا في التروك، فلا حظ و تأمل، و الله العالم.

[المحظور الثالث القلم ]

المحظور الثالث القلم، و في كل ظفر مد من طعام الى أن يبلغ العشرة أو العشرين و حينئذ ف في أظفار يديه و رجليه في مجلس واحد إذا لم يتخلل التكفير دم واحد و لو كان كل واحد منهما في مجلس لزمه دمان وفاقا للمشهور في ذلك كله، بل عن الخلاف و الغنية و المنتهى الإجماع عليه، بل هو كذلك في الأخير، و أما الأول فهو الحجة فيه بعد المعتبرة المستفيضة، ففي

صحيح أبي بصير(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قلم ظفرا من أظفاره و هو محرم قال: عليه مد من طعام حتى يبلغ عشرة، فإن قلم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة، قلت: فان قلم أظفار يديه و رجليه جميعا فقال: إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم، و إن كان فعليه متفرقا في مجلسين فعليه دمان»

و عن نسخة بدل «مد من طعام» قيمته، إلا أن النسخة الأولى هي الموافقة لفتوى المعظم و محكي الإجماع و الاحتياط، و ل

خبر الحلبي (4)المنجبر ضعفه بما سمعت، «سألته عن محرم قلم أظافيره قال: عليه مد في كل إصبع،


1- 1 الوسائل- الباب 25 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و 3.
2- 2 الوسائل- الباب 25 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 12 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب 12 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.

ج 20، ص: 400

فان هو قلم أظافيره عشرتها فان عليه دم شاة»

خلافا للمحكي عن الإسكافي ففي الظفر مد أو قيمته حتى يبلغ خمسة فصاعدا فدم إن كان في مجلس واحد فان فرق بين يديه و رجليه فليديه دم و لرجليه دم و عن الحلبي «في قص ظفر كف من طعام، و في أظفار إحدى يديه صاع، و في أظفار كلتيهما دم شاة، و كذا حكم أظفار رجليه، و إن كان الجميع في مجلس فدم» و هما محجوجان بما سمعت، بل في المدارك «لم نقف لهذين القولين على مستند» و هو كذلك بالنسبة إلى تمام الدعوى، أما بعضها فقد يشهد للإسكافي في التخيير ما سمعته من نسختي المد و القيمة، و للدم في الخمسة

صحيح حريز(1)عن الصادق عليه السلام «في المحرم ينسى فيقلم ظفرا من أظافيره قال: يتصدق بكف من الطعام، قال:

قلت: اثنين قال: كفين، قلت: فثلاثة قال: ثلاثة أكف حتى تصير خمسة فإذا قلم خمسة فعليه دم واحد خمسة كان أو عشرة أو ما كان»

و مرسله (2)عن أبي جعفر عليه السلام «في محرم قلم ظفرا قال: يتصدق بكف من طعام، قال:

قلت: ظفرين قال: كفين، قال: ثلاثة قال: ثلاثة أكف، قال: أربعة قال:

أربعة أكف، قال: خمسة قال: عليه دم يهريقه، فان قص عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه إلا دم يهريقه»

و لكن الأول في الناسي الذي لا شي ء عليه نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، على أنه و الثاني الذي لا جابر له قد تضمنا التقدير بالكف من الطعام، و يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، فيكون من الشواذ إن لم تحمل على الندب، مع احتمال الأخير اتحاد المجلس و التقية، فإن المحكي عن أبي حنيفة إيجاب الدم لها، بل لعل الأول كذلك إن لم يكن في الناسي، و أما

صحيح ابن عمار و حسنه (3)سأل الصادق عليه السلام «عن المحرم


1- 1 الوسائل- الباب 12 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 12 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب 12 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4.

ج 20، ص: 401

تطول أظفاره أو ينكسر بعضها فيؤذيه قال: لا يقص شيئا منها إن استطاع، فان كانت تؤذيه فليقصها و ليطعم، مكان كل ظفر قبضة من طعام»

فحمله على الضرورة متجه، و إلا فقد عرفت الإجماع على عدم التقدير بذلك.

و أما الصاع فلم نجد له أثرا في شي ء مما وصل إلينا من النصوص، و لعله أراد به صاع النبي صلى الله عليه و آله الذي هو خمسة أمداد، و حينئذ يكون موافقا للمشهور

كالمحكي عن ابن أبي عقيل «من انكسر ظفره و هو محرم فلا يقصه، فان فعل فعليه أن يطعم مسكينا في يده» بناء على إرادة الكناية عن المد بذلك، و عن ابن حمزة أنه جعل تقليم أظفار اليدين في مجلس مما فيه شاة، و تقليم أظفار اليدين و الرجلين في مجلس مما فيه دم مطلق، و في مجلسين مما فيه دمان، للتصريح بالشاة للأول في خبري الحلبي و أبي بصير بخلاف الثاني و فيه أن الظاهر إرادة الشاة من الدم، هذا.

و في اليد الناقصة إصبعا فصاعدا أو اليدين الزائدتين إشكال أما الناقصة فمن صدق اليدين، و من الأصل و النص على العشر في الأخبار، و أما الزائدة من إصبع أو يد فللشك في دخولهما في إطلاقهما و عن فخر الإسلام الأقوى عندي أنها كالأصلية، و تبعه في الدروس و لعل المنساق من النص و الفتوى خلافه، فالأصل حينئذ بحاله و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه، كما أن المنساق منهما أيضا ما صرح به غير واحد من أن وجوب الدم و الدمين إذا لم يتخلل التكفير عن السابق قبل البلوغ الى حد يوجب الشاة، و إلا تعدد المد بحسب تعدد الأصابع.

و لو كفر بشاة لليدين أو الرجلين ثم أكمل الباقي في المجلس وجب عليه شاة أخرى و إلا لزم خلو الباقي عن الكفارة مع تحريمه قطعا، و هو باطل و لا ينافيه الإطلاق المزبور بعد تبادر غير الفرض منه، هذا، و في المسالك و كما

ج 20، ص: 402

تجب الشاة لليدين و الرجلين في مجلس واحد كذا تجب لأحدهما مع بعض الآخر نعم لو قلم إحدى اليدين و إحدى الرجلين بل لو قلم عن كل منهما ما ينقص عن المجموع بيسير فالفدية لكل ظفر لا غير، و هو كذلك بالنسبة إلى الأخير، أما الأول فقد يشكل بأن المتجه حينئذ المد للزائد على عشرة اليدين أو الرجلين، ثم فيها أيضا و في غيرها أن بعض الظفر كالكل، نعم لو قصه في دفعات مع اتحاد المجلس لم تتعدد الفدية، و لو تغاير ففي التعدد وجهان، من وجوب الفداء بالسابق فلا يسقط و من صدق قص ظفر واحد، قلت: قد ينقدح الشك من الأخير في إلحاق حكم البعض بالكل بعد فرض عدم صدق قص الظفر المفروض كونه عنوانا للحكم، و قد يحتمل توزيع المد و السقوط، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

و لو أفتاه مفت خطأ بتقليم ظفره ف قلمه و أدماه لزم المفتي شاة بلا خلاف أجده فيه، ل

خبر إسحاق (1)عن أبي إبراهيم عليه السلام «ان رجلا قلم أظفاره فكانت إصبع له عليلة فترك ظفره لم يقصه فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه قال: على الذي أفتاه شاة»

المنجبر بعمل الأصحاب كما اعترف به غير واحد مشعرين بالإجماع عليه، بل في

موثقه (2)سأله عليه السلام أيضا «أن رجلا أفتاه أن يقلمها و أن يغتسل و يعيد إحرامه ففعل قال: عليه دم»

بناء على عود الضمير فيه الى المفتي، و لكن ينبغي تقييده بالإدماء حينئذ ليوافق الخبر الأول المفتي بمضمونه، و لقاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن نعم الظاهر أنه لا يشترط إحرام المفتي و لا كونه من أهل الاجتهاد لترك الاستفصال كما صرح به في الدروس و المسالك و غيرهما، لكن قد يقال باشتراط


1- 1 الوسائل- الباب 13 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 77 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ج 20، ص: 403

صلاحيته للإفتاء بزعم المستفتي ليتحقق كونه مفتيا كما استظهره في المسالك خلافا للمحكي عن ظاهر جماعة على ما في الرياض من اعتبار الاجتهاد في المفتي، لأنه المتبادر منه دون غيره، و فيه منع واضح، بل لو لا ظهور الاتفاق أمكن تنزيل الخبر على المفتي من العامة الذي هو الغالب في ذلك الزمان، و لو تعمد المستفتي الإدماء فلا شي ء فيه على المفتي، و في الدروس الأقرب قبول قول القالم في الإدماء، و لا يخلو من نظر، و كذا قوله فيها: «و لو أفتى غيره فقلم السامع فأدمى فالظاهر الكفارة أيضا» و لو أفتاه بالإدماء فأدمى أو بغيره من المحظورات ففي الدروس احتمل الضمان لما

روى (1)أن كل مفت ضامن

و الأقوى خلافه للأصل بعد معلومية عدم إرادة ما نحن فيه من الضمان، و لذا قال هو قبل ذلك: إنه لو أفتاه مفت بالحلق فلا شي ء عليه، و الأقرب عدم ضمان المفتي، هذا، و في القواعد و غيرها: «و لو تعدد المفتي تعددت الشاة» و ظاهره عدم الفرق بين الفتوى دفعة و على التعاقب، و لكن قد يحتمل الاتحاد معه لأصل البراءة و استناد القلم الى الجميع أو الاتحاد إذا أفتوا دفعة، و إلا فعلى الأول خاصة، لاستناد القلم اليه، و التعدد إن كان كل منهم بحيث يكتفى بفتياه القالم، و إلا فلا، و لو كان بعضهم كذلك دون بعض كانت الشاة عليه دونه، و إن كان كل منهم يكتفى بفتواه فان تعاقبوا كانت على الأول خاصة، و إلا فعلى كل واحد، و لعل الأقوى وجوب الشاة الواحدة على الجميع إذا كان قد استند القلم الى فتواهم التي هي من باب التسبيب المقدم على المباشر، خصوصا إذا كان الإفتاء دفعة، و في الرياض «و في تعدد الشاة بتعدد المفتي مطلقا أو وحدتها كذلك موزعة عليهما أو مع الإفتاء دفعة و إلا فعلى الأول خاصة أوجه: أحوطها الأول و أوجهها الثالث لإطلاق النص في


1- 1 الوسائل- الباب 7 من أبواب آداب القاضي الحديث 2 من كتاب القضاء.

ج 20، ص: 404

المفتي الأول، لدخوله فيه بيقين بخلاف الثاني، لعدم وضوح دخوله فيه بعد اختصاصه بحكم التبادر بالمفتي الأول، هذا إن قلنا بعدم اعتبار الاجتهاد في المفتي أو كان الأول مجتهدا و لو انعكس و اعتبرنا الاجتهاد فيه انعكس الأمر فتجب الشاة على الثاني دون

الأول» و فيه نظر من وجوب تعرف مما ذكرناه، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه، و الله العالم.

[المحظور الرابع لبس المخيط]

المحظور الرابع لبس المخيط حرام على المحرم مع الاختيار كما عرفت الكلام فيه مفصلا في التروك و حينئذ فلو لبس عالما عامدا مختارا كان عليه دم شاة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى النصوص التي منها

صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر عليه السلام «من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا أو ساهيا فلا شي ء عليه، و من فعله متعمدا فعليه دم»

و خبر سليمان (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يلبس القميص، متعمدا قال: عليه دم»

و غيرهما من النصوص، بل لو اضطر الى لبس ثوب يتقي به الحر أو البرد جاز و عليه دم شاة أيضا بلا خلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة بعد النصوص أيضا التي منها مضافا الى إطلاق الأولى

صحيح ابن مسلم (3)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن المحرم إذا احتاج الى ضروب من الثياب يلبسها قال: عليه لكل صنف منها فداء»

بل استدامة اللبس بعد الإحرام و علمه كابتدائه في لزوم الفدية كما صرح به بعضهم

للصدق، بل ربما استدل زيادة على ذلك بقوله تعالى(4):


1- 1 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب 9 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
4- 4 سورة البقرة الآية 192.

ج 20، ص: 405

«فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» بتقدير كون المراد منه من كان منكم مريضا فلبس أو تطيب أو حلق، و إن كان فيه منع واضح باعتبار ظهور السوق في إرادة الحلق منها، لتفريعها على قوله تعالى(1):

«وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ» فيكون المراد من كان منكم مريضا محتاجا الى الحلق و إلا لكان فدية اللبس مخيرة، و لم أعرف قائلا به، فالأولى الاقتصار في الاستدلال على ما عرفت.

نعم عن الخلاف و التذكرة و المنتهى استثناء السراويل، فلا فدية فيها مع الضرورة للأصل و خلو النصوص و الفتاوى عن ذكرها لها، بل عن ظاهر الثاني الإجماع عليه، و فيه أن النصوص المزبورة تشملها ضرورة كونها من الثياب و احتمال أنه عند الضرورة ينبغي له لبسه يدفعه أولا عدم اختصاصها حينئذ بالحكم و ثانيا قوله عليه السلام: «ففعل ذلك ناسيا» على أنه لا يتم في صحيح ابن مسلم، فالعمدة حينئذ الإجماع المزبور إن تم، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك، فلا حظ، هذا.

و في القواعد و كذا لو لبس الخفين أو الشمشك و إن كان مضطرا أي كان عليه شاة و إن انتفى التحريم في حقه، و لعله لما قيل

من أن الأصل في تروك الإحرام الفداء الى أن يظهر المسقط، و لا دليل على سقوطه هنا، و عموم الخبرين- و فيه منع- دليل على الأصل المزبور حتى في المخيط، و عدم عموم الثوب في الخبرين لهما، و لعله لذا كان المحكي عن التهذيب و الخلاف و التذكرة عدم الفدية إذا اضطر للأصل و تجويز اللبس في صحيح الحلبي (2)عن الصادق عليه السلام من غير إيجاب فداء مع أنه وقت حاجة، و عن ابن حمزة جعلهما مما فيه الدم المطلق الذي


1- 1 سورة البقرة الآية 192.
2- 2 الوسائل- الباب 51 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ج 20، ص: 406

جعله قسيما للشاة و البقرة و البدنة إذا لبسهما مختارا، و لا دليل عليه أيضا، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك أيضا، كما أنه تقدم أيضا في شمول اللبس للتوشح و لذا قال في القواعد: و التحريم في المخيط متعلق باللبس، و لو توشح به فلا كفارة على إشكال أي من الإشكال في كونه لبسا، و في أن المحرم اللبس مطلقا أو مع الإحاطة، و ربما يؤيد العدم تجويز لبس القباء مقلوبا عند الضرورة من غير إدخال اليدين في الكمين، و طرح القميص على العاتق إن لم يكن رداء، و

قول أحدهما عليهما السلام في صحيح زرارة(1)«يلبس كل ثوب إلا ثوبا يتدرعه»

و قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن عمار و حسنه (2)«لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم إلا أن تنكسه و لا ثوبا تدرعه»

و قد تقدم بعض الكلام في ذلك، بل تقدم أيضا ما في المسالك هنا من أن الظاهر أن ما ألحق بالمخيط من الدرع المنسوج و نحوه بحكمه، و كذا القباء إذا لبسه المضطر غير مقلوب، و الطيلسان إذا زره، فلا حظ و تأمل، و يأتي الكلام إنشاء الله في تعدد اللبس و لبس عدة ثياب في وقت واحد، و الله العالم.

[المحظور الخامس حلق الشعر]

المحظور الخامس حلق الشعر، و فيه شاة أو إطعام عشرة مساكين، لكل منهم مد، و قيل ستة لكل منهم مدان أو صيام ثلاثة أيام بلا خلاف أجده في وجوب أحد الثلاثة في حلق شعر الرأس للمحرم، بل في المنتهى و محكي التذكرة لا فرق بين شعر الرأس في ذلك و البدن عند أهل العلم عدا أهل الظاهر و إن كان المحكي عمن قبل المصنف ذكر الرأس، بل ينبغي على الأول استثناء حلق الإبطين أو نتفهما أو نتف أحدهما من العموم، لما ستعرفه، و على كل


1- 1 الوسائل- الباب 36 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب 35 من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 407

حال فالذي يدل على الفداء المزبور مضافا الى ظاهر الآية(1)و الإجماع في غير تقدير الصدقة

مرسل حريز(2)عن الصادق عليه السلام «مر رسول الله صلى الله عليه و آله على كعب بن عجزة و القمل يتناثر من رأسه و هو محرم فقال له: أ تؤذيك هوامك؟ فقال: نعم، فأنزل الله تعالى هذه الآية «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ

رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» فأمره رسول الله صلى الله عليه و آله أن يحلق و جعل الصيام ثلاثة أيام، و الصدقة على ستة مساكين، لكل مسكين مدان و النسك شاة، قال أبو عبد الله عليه السلام: و كل شي ء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء، و كل شي ء في القرآن فمن لم يجد كذا فعليك كذا فالأول بالخيار»

أي الأول المختار و الثاني بدل عنه و رواه الشيخ في التهذيب بطريق لا يبعد صحته عن حريز عن الصادق عليه السلام، و

خبر عمر بن يزيد(3)عنه عليه السلام أيضا قال: «قال الله تعالى «فَمَنْ كانَ»- الآية- فمن عرض له أذى من رأسه أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيام، و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام، و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم، و انما عليه واحد من ذلك».

و لا ينافي ذلك ما في

صحيح زرارة(4)«سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه، و من فعله متعمدا فعليه دم»

و صحيحه (5)الآخر عنه عليه السلام أيضا «من نتف إبطه أو قلم


1- 1 سورة البقرة الآية 192.
2- 2 الوسائل- الباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 408

أظفاره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعليه متعمدا فعليه دم شاة»

و لعله لذا كان المحكي عن سلار أنه اقتصر على

قوله: «من حلق رأسه من أذى فعليه دم»

و لكن يمكن في الصحيحين إرادة أحد الأفراد بالنسبة إلى حلق الرأس، و انما ذكره لكونه القدر المشترك بينه و بين الأمور المذكورة معه و إن اختص هو بفردين آخرين أو ان ذلك مخصوص بمن تعمد حلق رأسه من غير أذى كما ستعرف.

انما الكلام في أن ظاهر الآية و الرواية اختصاص ذلك بحلق الرأس، لكن قد سمعت ما في المنتهى و التذكرة من الإجماع على عدم الفرق بين الرأس و غيره، بل عن الأخير و غيره أن المراد بالحلق هنا و بالنتف في الإبطين مطلق الإزالة كما عنون به بعضهم مؤيدا بالاعتبار الذي هو عدم التنظيف و الرفاهة الحاصلة بمطلق الإزالة، بل لعل خبر ابن يزيد أيضا يعم غير الحلق و غير الرأس نعم عن النزهة «أن التخيير انما هو لمن حلق رأسه من أذى، فإن حلقه من غير أذى متعمدا وجب عليه شاة من غير تخيير» و مال اليه غير واحد من متأخري المتأخرين، و لعله لاختصاص دليل التخيير بالأول دون الثاني، فإن ما سمعته من صحيح زرارة ظاهر في التعيين، و لا بأس به إن لم يكن إجماع على عدم الفرق في خصال الفدية بين الضرورة و غيرها كما عساه يظهر من المنتهى و نحو إطلاق المصنف فيحمل الصحيح المزبور على ما ذكرناه أولا و لكن الاحتياط باختيار الفرد المخصوص منها لا ينبغي تركه.

ثم الأشهر في الرواية و الفتوى على ما في كشف اللثام كون الصدقة على ستة مساكين، لكل مسكين مدان، و أما العشرة فقد سمعت خبر عمر بن يزيد

ج 20، ص: 409

عن الصادق عليه السلام إلا أن فيه «يشبعهم» و خير بينهما في التهذيب و محكي الاستبصار و الجامع و الدروس، و في النافع بين عشرة أمداد لعشرة و اثني عشر لستة، و عن النهاية و المبسوط الاحتياط بالطعام عشرة، و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما سمعته، بل عن المختلف الأحوط الستة لكل واحد مدان، و في القواعد و محكي الوسيلة نحو ما في الكتاب عشرة لكل واحد مد، و لعل تعيين ذلك لكونه الذي يشبع به المسكين غالبا، و عن المقنعة و النهاية و المبسوط و السرائر ستة أمداد لستة، و لم نعرف له مستندا إلا

ما أرسله (1)في الفقيه، قال: «و الصدقة على ستة مساكين، لكل مسكين صاع من تمر»

و روي (2)و مد من تمر

، على أن المحكي في التهذيب من عبارة المقنعة «لكل مسكين مدان» و لعل الأقوى الستة لكل مسكين مدان، لصحة مستنده، بل في المدارك أفتى به الشيخ و أكثر الأصحاب، مضافا الى ما سمعته من كونه الأشهر فتوى و رواية، مع ضعف رواية العشر على وجه تكافؤه كي يجمع بينهما بالتخيير بين ذلك و بين إشباع العشرة خصوصا بعد اشتماله على ما لا يقول به الأصحاب من الأكل من الفداء، بل عن الغنية نفي الخلاف عن الستة و ان كان لم يصرح بالمد و المدين، و دعوى انجبار الخبر المزبور بالشهرة المحكية في المسالك يدفعها عدم تحقق ذلك، بل لعل المتحقق خلافه إذ لم نعرفه إلا لمن سمعت، و كذا القول بالتخيير فإنه و إن ذكره من عرفت إلا أنه بين اثني عشر مدا و إشباع العشرة أو عشرة أمداد لكل واحد مد، و هو موقوف على المكافاة، و بالجملة فلا ريب في أن الأقوى الستة لكل واحد مدان، هذا.

و قال الحلبيان فيما حكي عنهما في قص الشارب أو حلق العانة أو الإبطين


1- 1 الوسائل- الباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5.

ج 20، ص: 410

دم شاة، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان لم أجد في الأول خبرا مخصوصا، بل و الثاني إلا أنه يمكن استفادته من فحوى نتف الإبطين، كما أني لم أجد هنا عاملا بما في

خبر الحسن الصيقل (1)«إذا اضطر الى حلق القفا للحجامة فليحلق و ليس عليه شي ء»

لكن قد تقدم في التروك بعض الكلام في ذلك فلا حظ و تأمل ثم إن الظاهر كون المدار على صدق مسمى حلق الرأس و إن لم يكن جميعه كما إذا أبقى في قنتة شيئا، نعم لو حلق منه ما لا يصدق معه مسمى حلق الرأس أمكن القول بوجوب دم عليه إذا كان مساويا لنتف الإبط أو أزيد و إن كان لا يخلو من نظر، و في المنتهى و الكفارة عندنا تتعلق بحلق جميع الرأس أو بعضه قليلا كان أو كثيرا، لكن يختلف، ففي حلق الرأس دم، و كذا فيما يسمى حلق الرأس، و في حلق ثلاث شعرات صدقة بهما كان، و لعله لما تسمعه فيمن مس لحيته أو رأسه فوقع منهما شي ء، و حينئذ يتجه اعتبار ما تسمعه.

و لا فرق في ترتب الفدية على الحلق بين فعله بنفسه أو بغيره مع الاذن له سواء كان الحالق محلا أو محرما، أما إذا لم يأذن فحلق رأسه غيره على وجه لا يستند الفعل اليه و لو بالرضا منه فالظاهر عدم ترتب الفدية على أحد منهما للأصل السالم عن المعارض و لو قلنا بالإثم على الحالق في بعض الأحوال، إذ هو أعم من ترتب الكفارة، كما أنها لا تترتب على المحرم الحالق للمحل بل و لا إثم أيضا، و المنساق من قوله تعالى (2)«وَ لا تَحْلِقُوا» ما هو المتعارف من كون الحلق بنفسه أو بطلب منه و نحوه فتترتب الفدية عليه دون المباشر الذي قد عرفت عدم ثبوتها في حقه حتى في صورة الإكراه، و الله العالم.

و لو مس لحيته أو رأسه فوقع منهما شي ء أطعم كفا من طعام كما


1- 1 التهذيب ج 5 ص 306 الطبع الحديث.
2- 2 سورة البقرة الآية 192.

ج 20، ص: 411

في النافع و القواعد و محكي الغنية و السرائر، بل في المدارك نسبته الى قطع الأصحاب بل عن ظاهر المنتهى و التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

قول الصادق عليه السلام في صحيح هشام بن سالم (1)«إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته و هو محرم فيسقط شي ء من الشعر فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق»

و في

صحيح (2)آخر له «بكف من كعك أو سويق»

و الشي ء يعم الشعرة و الأكثر كنحو عبارة المصنف، و عن السيد و سلار سقوط شي ء من شعره بفعله من غير تخصيص بشعر الرأس و اللحية، و عن النهاية و المبسوط كف أو كفان و لعله ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح منصور(3)«في المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة قال: يطعم كفا من طعام أو كفين»

و لكن لا يخفى عليك ان المتجه في مثله الحمل على الندب كما في غيره من أفراد التخيير بين الأقل و الأكثر فما عن الوسيلة و المهذب من الكفين احتياطا بالأخذ بالأكثر في غير

محله إلا ان يريدا ما ذكرناه، و عن المقنع «إذا عبث المحرم بلحيته فسقط منها شعرة أو ثنتان فعليه ان يتصدق بكف أو كفين من طعام» و هو كما ترى يحتمل معنيين و عن الجامع صدقة ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن عمار(4)«يطعم شيئا»

و في حسن الحلبي (5)«ان نتف المحرم من شعر لحيته و غيرها شيئا فعليه ان يطعم مسكينا في يده»

و لكن يمكن تقييدهما بأخبار الكف، و إن كان الإنصاف إن لم يكن إجماع ظهور هذه النصوص في إرادة الندب، خصوصا بعد

قول الصادق في خبر الحسن بن هارون (6)و سأله عليه السلام «انه مولع بلحيته و هو محرم


1- 1 الوسائل- الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5 بسند الصدوق و الكليني قدس سرهما.
3- 3 الوسائل- الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4.

ج 20، ص: 412

فتسقط الشعرات قال: إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمرا و تصدق به فإن تمرة خير من شعرة»

بل

سأله عليه السلام ليث المرادي (1)«عمن يتناول لحيته و هو محرم يعبث بها فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطأ أو عمدا فقال لا يضره»

و احتمال إرادة عدم استحقاق العقاب من عدم الضرر باعتبار الصدقة بالكف كما ترى، و عن

جعفر بن بشير و المفضل بن عمر النباحي (2)سأله عليه السلام «عن محرم مس لحيته فسقط منها شعرتان فقال عليه السلام: لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان على شي ء» و

دعوى ظهوره في غير المتعمد يدفعها أنه مثل نصوص الكف و الكفين.

و كيف كان فالمشهور أنه لو فعل ذلك في وضوء الصلاة لم يلزمه شي ء للأصل و الحرج و منافاة إيجاب الكفارة فيه لغرض الشارع، و

صحيح الهيثم ابن عروة التميمي (3)قال: «سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فيسقط من لحيته الشعرة و الشعرتان فقال: ليس بشي ء، ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ »

بل ظاهره عدم اختصاص ذلك بالوضوء للصلاة و لعله لذا كان المحكي عن بني زهرة و إدريس، و البراج الطهارة التي تعم الغسل المصرح به

في محكي الخلاف و المبسوط و الدروس، بل في غيرها التصريح بإلحاق التيمم و إزالة النجاسة و الحك الضروري، لكن عن الصدوق و السيد و سلار إطلاق


1- 1 الوسائل- الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 7 عن جعفر بن بشير و المفضل بن عمر قال:« دخل الساجبي على أبي عبد الله عليه السلام فقال: ما تقول في محرم مس. إلخ، و كذلك في التهذيب ج 5 ص 339 الرقم 1173 و فيه« النباجي».
3- 3 الوسائل- الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 6.

ج 20، ص: 413

التكفير من غير استثناء، بل عن المفيد التصريح بأن على من أسبغ الوضوء فيسقط شي ء من شعره كفا من طعام، و إن كان الساقط من شعره كثيرا فعليه دم شاة، و كذا عن سلار، و كأنهما ألحقاه بالحلق، و لكن لا يخفى عليك ما فيه، خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا، و الله العالم.

و لو نتف أحد إبطيه أطعم ثلاثة مساكين، و لو نتفهما لزمه شاة بلا خلاف أجده في الثاني منهما، ل

صحيح حريز(1)«سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من حلق رأسه أو نتف إبطيه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه، و من فعله متعمدا فعليه دم»

بل و الأول إلا من بعض متأخري المتأخرين، ل

خبر عبد الله بن جبلة(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في محرم نتف إبطه قال:

يطعم ثلاثة مساكين»

و المناقشة بضعف السند يدفعها الانجبار بالعمل خصوصا من مثل من لا يعمل إلا بالقطعيات كابني زهرة و إدريس، على أنه معتضد بمفهوم الشرط في الصحيح الأول المقتضي عدم الدم في نتف أحد الإبطين، بل


1- 1 الوسائل- الباب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1 و هو صحيح زرارة المتقدم قريبا و فيه« أو نتف إبطه» و ليس لحريز في المقام إلا رواية واحدة نقلها الشيخ في الاستبصار ج 2 ص 199 الرقم 675 عن أبي جعفر عليه السلام، و في التهذيب ج 5 ص 340 الرقم 1177 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: « إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم» و نقلها الصدوق قدس سره في الفقيه ج 2 ص 228 الرقم 1079 عن أبي عبد الله عليه السلام و فيه« إبطه» بدل« إبطيه» و قد تعرض لهما في الجواهر ج 18 ص 377.
2- 2 الوسائل- الباب 11 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.

ج 20، ص: 414

من ذلك يعلم أن المراد بالابط فيما مر من صحيح زرارة(1)الذي أوجب فيه الدم الإبطين، بل و كذا ما في صحيح حريز(2)السابق على ما رواه في الفقيه من الافراد، بل قد يقال إن الغالب نتف الإبطين معا فينصرف إطلاق الإبط اليه، و إن كان مقتضى ذلك عدم الوثوق بالمفهوم المزبور، لخروج الشرط حينئذ مخرج الغالب، بل و إطلاق خبر ابن جبلة، لكن في الرياض لا ضير في ذلك بعد الإجماع على لزوم شي ء في نتف الإبط الواحدة أما الإطعام أو الشاة، و لا دليل على الثاني مع مخالفته لأصل البراءة، فتعين الأول، و يمكن جعل هذا الإجماع قرينة على رجوع الإطلاق في الرواية إلى خصوص غير الغالب تخصيصا أو تجوزا، و هما شائعان، و لا بأس في المصير إليهما بعد تعذر الحقيقة، و إن كان فيه من المناقشة ما لا يخفى، نعم قد يقال إن شهرة الأصحاب ترجح على الغلبة التي تقتضي صرف إطلاق الإبط في خبر ابن جبلة الى الإبطين، خصوصا بعد عدم

القائل به، بل الإجماع على لزوم الشاة فيهما، هذا.

و قد ألحق جماعة حلق الإبطين بنتفهما، و كذا نتف الإبط الواحدة و لا بأس به، و على كل حال فالحكم هنا مستثنى مما سمعته سابقا من التخيير في الفداء بين الصيام و الصدقة و النسك في إزالة الشعر.

ثم إن الظاهر عدم كون بعض الإبط كالكل للأصل، و إرشاد الفرق بين الواحدة و الاثنين، و حينئذ فلو نتف من كل إبط شيئا لا يتحقق به صدق اسم نتف الإبط لم تترتب الكفارة، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط فيه، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب 10 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 11 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1 و تقدم في ج 18 ص 377.

ج 20، ص: 415

و في التظليل سائرا شاة كما في النافع و القواعد و غيرهما، و محكي الكافي و الغنية و المهذب و الجامع، بل في المدارك مذهب الأصحاب عدا ابن الجنيد وجوب الفدية بالتظليل، و انما اختلفوا فيها فذهب الأكثر إلى أنها شاة، و هو كذلك، بل هو المشهور للمعتبرة المستفيضة(1)الدالة على ذلك، بل في بعضها تفسير الفدية بها،

قال إبراهيم بن أبي محمود(2)«قلت للرضا عليه السلام المحرم يظلل على محمله و يفدي

إذا كانت الشمس و المطر يضره قال: نعم، قلت: كم الفداء قال: شاة»

و قال ابن بزيع (3)«سأله عليه السلام رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس و أنا أسمع فأمره أن يفدي شاة يذبحها بمنى»

و غير ذلك من النصوص المنجبر ضعف السند في بعضها بالعمل، فيجب حينئذ حمل إطلاق الفدية و الدم في غيرها على الشاة لقاعدة الإطلاق و التقييد.

نعم في

صحيح علي بن جعفر(4)«سألت أخي موسى عليه السلام أظلل و أنا محرم فقال: نعم و عليك الكفارة قال- أي الراوي عن علي بن جعفر-: فرأيت عليا- أي علي بن جعفر كما فهمه الأكثر على ما قيل-: إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل»

و ربما كشف ذلك عن فهم علي بن جعفر كونها الكفارة أو ما يعمها، و لكن فهمه و فعله ليس حجة تصلح معارضا للنصوص المزبورة، خصوصا بعد عدم القائل به، و إن حكي عن المقنعة و جمل العلم و العمل و المراسم و النهاية و المبسوط و السرائر التعبير بدم كبعض (5)النصوص إلا إن المنساق


1- 1 الوسائل- الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 0.
2- 2 الوسائل- الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5 و فيه« يضران به» و في التهذيب ج 5 ص 311 الرقم 1066 و الاستبصار ج 2 ص 187 الرقم 626« يضربه».
3- 3 الوسائل- الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 416

منها الشاة خصوصا بعد التصريح بذلك في جملة من النصوص (1)و لعله لذا حمله بعضهم على الندب، و لكن لا يخلو من إشكال، و المتجه العمل على النصوص الأولة، مع أنه الأحوط.

و على كل حال فما عن المقنع من الصدقة كل يوم مد ل

خبر أبي بصير(2)سأله عليه السلام «عن المرأة يضرب عليها الظلال و هي محرمة قال: نعم، قال فالرجل يضرب عليه الظلال و هو محرم قال: نعم إذا كانت به شقيقة، و يتصدق بمد كل يوم»

الذي لا جابر له كي يصلح معارضا للنصوص المزبورة، و كذا ما عن الحسن بن أبي عقيل فان حلق رأسه لأذى أو مرض أو ظلل فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك، و الصيام ثلاثة أيام، و الصدقة ثلاثة أصوع بين ستة مساكين و النسك شاة بناء على إرادته تخيير كل من الحالق و المظلل، ل

خبر عمر بن يزيد(3)عن الصادق عليه السلام المتقدم في تفسير الآية «فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيام، و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام، و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم، و انما عليه واحد من ذلك»

و لكنه مع قصوره عن المعارضة و اشتماله على الأكل من الفداء أقصاه العموم المخصص بغير الظلال للنصوص المزبورة.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في الزوم الفدية بين المختار و المضطر كما صرح به غير واحد، بل في كشف اللثام «نص عليه الشيخ و الحلبيان و غيرهم و الأخبار» و إن كان فيه أن ظاهر النصوص في المضطر، نعم هي مساقة لبيان الرخصة في


1- 1 الوسائل- الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب 6 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.

ج 20، ص: 417

التظليل له دون المختار و إن كفر، فإن الكفارة لا ترفع الإثم عنه، فما وقع من بعض الناس من اختصاص الفدية بالمضطر دونه في غير محله، بل يمكن دعوى ظهور الاتفاق على خلافه، بل عن ظاهر المفيد و السيد و سلار الاختصاص بالمختار، و إن كان هو في غير محله، لاستفاضة النصوص المعمول بها أو تواترها بخلافه، نعم عن أبي الصلاح و ابن زهرة أنها على المختار، لكل يوم شاة، و على المضطر لجملة الأيام شاة، و لكن لم أجد لهما موافقا على التفصيل المزبور، بل ظاهر الأصحاب اتحادهما في الكيفية التي لا ينكر ظهور النصوص في عدم تكريرها للمضطر، بل كاد يكون صريح

مضمر علي بن راشد(1)قال: «قلت له عليه السلام جعلت فداك انه يشتد علي كشف الظلال في الإحرام لأني محرور تشتد علي الشمس فقال: ظلل و ارق دما، فقلت له دما أو دمين قال: للعمرة قلت إنا نحرم بالعمرة و ندخل مكة فنحل و نحرم بالحج قال: فارق دمين»

و لكنه صرح بالفرق بين العمرة و الحج، و هو كذلك كما عن الشيخ و غيره التصريح به أيضا لكونهما نسكين متباينين، بل قد يقال بتعددها في المضطر إذا تعدد السبب بأن أصابه صداع مثلا فظلل ثم ارتفع فكشف ثم أصابه سبب آخر اقتضى التظليل، بل لو عاد عليه ذلك السبب، لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب، خصوصا إذا كان قد كفر، بل لو تعدد المختار على هذا الوجه بأن ظلل ثم تاب فكشف ثم بعد مدة مثلا عاد، و لعل النصوص لا تشمل ذلك، إذ المنساق منها التظليل المستدام بعذر مستمر، و يلحق به العصيان كذلك، و بالجملة المتجه الاقتصار على المتيقن في تخصيص قاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب، بل يمكن أن يدعى أن مورد النصوص عدم تعدد السبب باعتبار كون التظليل المستمر سببا


1- 1 الوسائل- الباب 7 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1 عن أبي علي بن راشد.

ج 20، ص: 418

لا كل آن منه، و الله العالم.

و كذا تجب الشاة لو غطى رأسه بثوب مثلا أو طينه بطين يستره أو ارتمس في الماء أو حمل على رأسه ما يستره بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك كما عن المنتهى و المبسوط و التذكرة الاعتراف به، بل في المدارك و غيرها هو مقطوع به في كلام الأصحاب، بل عن الغنية الإجماع عليه صريحا، بل ظاهر محكي الخلاف وجود رواية فيه قال: إذا حمل مكتلا أو غيره لزمه الفداء الى أن قال: دليلنا ما روي (1)فيمن غطى رأسه أن عليه الفداء، و حينئذ فيكفي هذا المرسل المنجبر بما عرفت مع

الإجماع المحكي صريحا و ظاهرا دليلا في الحكم، خصوصا بعد اعتضاده بنفي الخلاف الذي يشهد له التتبع و إن قيل إنه خلا عن فداء الساتر المقنع و النهاية و جمل العلم و العمل و المقنعة و المراسم و المهذب و السرائر و الجامع، إلا أن ذلك ليس خلافا، و أولى من ذلك ما عن ابن حمزة من الاقتصار على الارتماس و أنه مما فيه الدم المطلق إذ يمكن أن يريد به المثال، نعم هو مخالف في تعيين الشاة، و لكنه نادر.

كل ذلك مضافا الى ما سبق في

صحيح زرارة(2)من أن على من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه متعمدا دم شاة،

و قول الكاظم عليه السلام لأخيه في المروي (3)عن قرب الاسناد: «لكل شي ء خرجت به من حجك فعليك دم تهريقه حيث شئت»

هذا، و قد ذكر الحلبيان فيما حكي عنهما تغطية رأس الرجل و وجه المرأة جميعا، و أن على المختار لكل يوم شاة، و على المضطر لكل المدة شاة، بل عن ابن زهرة منهما الإجماع على ذلك، و إن كان التتبع يشهد بخلاف الإجماع


1- 1 الخلاف- كتاب الحج المسألة 82- ج 1 ص 436.
2- 2 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5.

ج 20، ص: 419

المزبور، فالأصل حينئذ عدم الفرق بينهما، و في الدروس الأقرب عدم تكررها بتكرر تغطيته، نعم لو فعل ذلك مختارا تعددت، و لا تتعدد بتعدد الغطاء مطلقا و وافقه ثاني الشهيدين

إلا أنه حكم بعدم التكرار لو اتحد المجلس، و ربما نوقشا بعدم نص أو إجماع على ذلك، فالأصل حينئذ بحاله، و لكن قد عرفت سابقا في التظليل ما يستفاد منه صحة ذلك في الجملة، فلا حظ و تأمل.

و كأن المصنف احترز بقوله «يستره» عما يستر بعض الرأس بحيث لا يخرجه عن كونه حاسرا عرفا كنقطة من الطين، و كذا مثل عصام القربة و الخيط و نحوهما، لا عن نحو طين رقيق يحكي ما تحته لتحقق الستر حينئذ به كما عن التذكرة و المنتهى، قال فيها: «لو خضب رأسه وجبت الفدية سواء كان الخضاب ثخينا أو رقيقا لأنه ساتر، و به قال الشافعي: و فصل أصحابه بين الثخين و الرقيق فأوجبوا الفدية بالأول دون الثاني، و ليس بمعتمد، و كذا لو وضع عليه مرهما له جرم يستر رأسه- قال-: و لو طلى رأسه بغسل أو لبن ثخين فكذلك، خلافا للشافعي» و اختلف كلامه في التلبيد فجوزه في محكي المنتهى، قال: «لو طلى رأسه بعسل أو صمغ ليجتمع الشعر و يتلبد فلا يتخلله الغبار و لا يصيبه الشعث و لا يقع فيه الدبيب جاز، و هو التلبيد،

روى ابن عمر(1)قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله يهل ملبدا»

و نسبه في محكي التذكرة إلى الحنابلة، و قد تقدم الحال في التروك، فلا حظ و تأمل.

بل منه يعلم أنه لا شي ء لو غطى رأسه بيده أو شعره أو نحو ذلك مما لا يثبت له حكم الستر المنصرف الى غير المتصل به

قال الصادق عليه السلام في صحيح ابن عمار(2): «لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس، و لا


1- 1 صحيح مسلم- ج 4 ص 8.
2- 2 الوسائل- الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

ج 20، ص: 420

بأس أن يستر بعض جسده ببعض»

و في

خبر المعلى بن خنيس (1)«لا يستر المحرم من الشمس بثوب، و لا بأس أن يستر بعضه ببعض»

و لا ينافي ذلك ما في

خبر أبي سعيد(2)سأل الصادق عليه السلام «عن المحرم يستر من الشمس بعود أو بيده فقال: لا إلا من علة»

بعد حمله على ضرب من الكراهة أو غير ذلك كما تقدم الكلام فيه سابقا، بل في كشف اللثام هنا لا تنافي، فإن المحرم من التظليل الاستتار من الشمس بحيث لا يضحى، و يحصل باليد و نحوها عرفا و شرعا، و لذا إذا استتر من يبول حذاءها بيده زالت الكراهية، فلذا نهي عنه في هذا الخبر، و المحرم من التغطية ما يسمى تغطية و تخميرا كما ورد في الأخبار، و لا يصدق بنحو اليد عرفا، فلذا نفي عنه البأس في نحو الخبرين الأولين، و استشكل فيه في التحرير، بقي أنه نفي البأس في الأول عن الاستتار من الشمس بالذراع مع صدق

التظليل، فليحمل على الضرورة، و يرشد اليه لفظ الحر، فلعل المراد لا بأس لمن لا يطيق حر الشمس، ك

خبر إسحاق بن عمار(3)سأل أبا الحسن عليه السلام «عن المحرم يظلل عليه و هو محرم فقال: لا إلا مريض أو من به علة و الذي لا يطيق حر الشمس»

و لكن فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم صدق التظليل بنحو ذلك و لا إرشاد إليه في الخبر المزبور، و الله العالم.

[المحظور السادس الجدال ]

المحظور السادس الجدال الذي مر الكلام في المراد منه في التروك و المشهور بين الأصحاب بل قيل لا خلاف يعتد به أن في الكذب منه مرة شاة، و مرتين بقرة، و ثلاثا بدنة، و في الصدق منه ثلاثا شاة، و لا كفارة فيما دونه و لكن في استفادة ذلك كله مما وصل إلينا من النصوص إشكال، إذ


1- 1 الوسائل- الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 67 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5 عن سعيد الأعرج.
3- 3 الوسائل- الباب 64 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7.

ج 20، ص: 421

هي

صحيح الحلبي و محمد بن مسلم (1)عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز و جل (2)«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ» الى أن قالا له:

«أ رأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال: لم يجعل الله له حدا يستغفر الله و يلبي، فقالا: و من ابتلى بالجدال فقال: إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه شاة، و على المخطئ بقرة»

و صحيح ابن مسلم (3)أيضا عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن الجدال في الحج فقال: من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم، فقيل له الذي يجادل و هو صادق قال: عليه شاة، و الكاذب عليه بقرة»

و خبر أبي بصير(4)عن أحدهما عليهما السلام «إذا حلف ثلاث أيمان متتابعات صادقات فقد جادل، و عليه دم، و إذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل، و عليه دم»

و صحيح معاوية بن عمار(5)عن الصادق عليه السلام «ان الرجل إذا حلف ثلاث أيمان في مقام ولاء و هو محرم، فقد جادل و عليه حد الجدال دم يهريقه و يتصدق به»

و خبر أبي بصير(6)عنه عليه السلام أيضا «إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان و هو صادق و هو محرم فعليه دم يهريقه، و إذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل، فعليه دم يهريقه»

و خبر أبي بصير(7)أيضا «إذا جادل الرجل و هو محرم فكذب متعمدا فعليه جزور»

و موثق يونس بن يعقوب (8)


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و بعده في الباب 2 من بقية كفارات الإحرام الحديث 2 و ذيله في الباب 1 منها الحديث 2 و الفقيه ج 2 ص 212 الرقم 968.
2- 2 سورة البقرة الآية 193.
3- 3 الوسائل- الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 9.
8- 8 الوسائل- الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 8.

ج 20، ص: 422

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يقول لا و الله و بلى و الله و هو صادق عليه شي ء فقال: لا».

و هي كما ترى لا دلالة فيها على تمام التفصيل المزبور، و لكنها تدل على الشاة في الصدق ثلاثا، و في الكذب مرة، بل الأولان يدلان على البقرة في الثلاث كذبا لا الجزور، اللهم إلا أن يراد بها الجزور بمعنى البدنة، بل خبر أبي بصير الأخير دال على الجزور بالكذب أولا، نعم في

خبر إبراهيم بن عبد الحميد(1)عن أبي الحسن موسى عليه السلام «من جادل في الحج فعليه إطعام ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع إن كان صادقا أو كاذبا، فان عاد مرتين فعلى الصادق شاة و على الكاذب بقرة»

و عدم العمل بصدره لا يخرج ما في ذيله عن الحجية، خصوصا بعد انجباره بالعمل و

بالرضوي (2)لاحتمال صحة النسبة «و اتق في إحرامك الكذب و اليمين الكاذبة و الصادقة، و هو الجدال الذي نهى الله سبحانه و تعالى عنه- إلى أن قال- فان جادلت مرة أو مرتين و أنت صادق فلا شي ء عليك و ان جادلت ثلاثا و أنت صادق فعليك دم شاة، و إن جادلت مرة و أنت كاذب فعليك دم شاة، و إن جادلت مرتين

كاذبا فعليك دم بقرة، و إن جادلت ثلاثا و أنت كاذب فعليك بدنة»

و هو مشتمل على تمام التفصيل المذكور في كلام الأصحاب، بل هو المحكي أيضا من رسالة علي بن بابويه التي كان الأصحاب إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إليها، بل إن لم يقطع بكونه مضمون نص وصل اليه و إلا فهو مظنون قويا، فيقيد به حينئذ إطلاق تلك النصوص، بل صحيح الجزور و المراد به البدنة كما عرفته في المباحث السابقة و إن كان مطلقا يشمل


1- 1 الوسائل- الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 10.
2- 2 ذكر صدره في المستدرك في الباب 23 من أبواب تروك الإحرام الحديث 5 و ذيله في الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.

ج 20، ص: 423

المرة الأولى و الثانية، لكنه مناف للنصوص السابقة مضافا الى إمكان دعوى الإجماع على خلافه، فيتعين تقييده بالمرة الثالثة.

نعم اختلفت النصوص في الصدق بالنسبة إلى اعتبار التتابع في الثلاث في مقام واحد كما سمعته في بعضها بل أكثرها(1)و الإطلاق في الآخر(2)و قاعدة الجمع بين الإطلاق و التقييد تقتضي حمل المطلق على المقيد كما مال اليه بعض متأخري المتأخرين حاكيا له عن العماني إلا أنه نادر يمكن دعوى اتفاق الأصحاب على خلافه، خصوصا بعد أن كان المحكي عنه يعم الصادق و الكاذب قال: «من حلف ثلاث أيمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل، و عليه دم» و لم يفصل، و قد سمعت تصريح النصوص و الفتاوى بخلافه في الكاذب، و كذا ما عن الجعفي «الجدال فاحشة إن كان كاذبا أو في معصية فإذا قالها مرتين فعليه شاة» لا دليل عليه،

بل الأدلة بخلافه، نحو المحكي عن العماني الذي لم نجد له دليلا على إطلاقه.

و من ذلك يظهر قوة النصوص المطلقة على وجه لا تكافؤها المقيدة كي يحكم بها عليها، فاذن المتجه العمل بالمطلقة و حمل المقيدة على إرادة كونها أحد الأفراد أو على إرادة بيان اتحاد الجدال و تعدده بالنسبة إلى المجادل فيه أو نحو ذلك، كما أن المتجه حمل موثق يونس (3)على ما دون الثلاث و لو لقاعدة الإطلاق و التقييد، أو على ما قيل من أنه لو اضطر الى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل فلا كفارة و لا إثم بناء على ما عن الدروس و غيرها من أن الأقرب جوازه و انتفاء الكفارة، أو على ما كان في إكرام أخيه و نحوه لا في


1- 1 الوسائل- الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3 و 5.
3- 3 الوسائل- الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 8.

ج 20، ص: 424

معصية الله تعالى،

قال أبو بصير(1)في الصحيح: «سألته عليه السلام عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه: و الله لا تعمل، فيقول: و الله لأعملنه، فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم صاحب الجدال، قال: لا انما أراد بهذا إكرام أخيه انما ذلك ما كان لله فيه معصية»

أو غير ذلك مما تقدم في الجدال.

ثم إن المنساق مما في النص و الفتوى من عدم الشي ء في المرة و المرتين مع الصدق عدم الدم و نحوه مما يتحقق به اسم الكفارة، أما الاستغفار و التوبة فالظاهر وجوبهما كما عن

الشيخين و غيرهما التصريح به، لصدقه، و هو منهي عنه كتابا و سنة، فلا بد فيه من الاستغفار و التوبة، و ظهور بعض النصوص السابقة في عدم صدق الجدال بالواحدة يراد منه بالنسبة إلى ترتب الكفارة، ضرورة صدقه لغة و شرعا، كما هو واضح، و من ذلك كله يظهر لك النظر فيما في المدارك و غيرها، فلا حظ و تأمل، هذا.

و المحكي عن صريح جماعة من غير خلاف يظهر فيه «أنه انما تجب البقرة بالمرتين و البدنة بالثلاث إذا لم يكن كفر عن السابق، فلو كفر عن كل واحدة فالشاة ليس إلا أو ثنتين فالبقرة، و الضابط اعتبار العدد السابق ابتداء أو بعد التكفير، فللمرة شاة، و للمرتين بقرة، و للثلاث بدنة، على معنى أنه لو حلف يمينا كاذبة فكفر لها بشاة، ثم الثانية و كفر لها بشاة أيضا، ثم الثالثة أما إذا لم يكفر و كانا اثنتين فبقرة، أو ثلاثا فبدنة، و لو كن أزيد من ثلاث و لم يكن قد كفر فليس إلا بدنة واحدة، و كذا في ثلاث الصدق» قلت: إن لم يكن إجماع أمكن كون المراد من النص و الفتوى وجوب الشاة بالمرة، ثم هي مع البقرة بالمرتين، ثم هما مع البدنة في الثلاث إلا أن يكون قد كفر عن السابق


1- 1 الوسائل- الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 7.

ج 20، ص: 425

فتجب البقرة خاصة أو البدنة، كما أنه يمكن أن يقال إن الشاة في ثلاث الصدق دون ما دونه، أما ما زاد فان بلغ الثلاث وجب شاة أخرى و إن لم يكن قد كفر عن الأول، و إلا فليس إلا الشاة الأولى، و كذا الكلام في ثلاثة الكذب الشاة و البقرة و البدنة، و هكذا، فتأمل جيدا.

هذا كله في الجدال، و أما الفسوق فلم أجد من ذكر له كفارة، بل قيل ظاهر الأصحاب لا كفارة فيه سوى الاستغفار، بل عن المنتهى التصريح بذلك، للأصل و ما سمعته في

صحيح الحلبي و ابن مسلم (1)«أنه لم يجعل الله له حدا، يستغفر الله و يلبي»

لكن

قال الصادق عليه السلام في صحيح سليمان بن خالد(2)«في الجدال شاة، و في السباب و الفسق بقرة، و الرفث فساد الحج»

و في

صحيح علي بن جعفر(3)عن أخيه عليه السلام المروي عن قرب الاسناد أيضا «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها، و إن لم يجد فشاة، و كفارة الفسوق يتصدق بها إذا فعله»

و عن نسخة عن قرب الاسناد «و كفارة الجدال و الفسوق شي ء يتصدق به»

و قد أطنب في محكي المنتقى في هذا الصحيح، و احتمل التصحيف فيه، و الأولى حمله و حمل صحيح سليمان بن خالد على ضرب من الندب، و الله العالم.

[المحظور السابع قلع شجر الحرم ]

المحظور السابع قلع شجر الحرم غير المستثنى الذي قد مر الكلام فيه و في حكم المستثنى منه و غير ذلك في التروك، فلا حظ و في محكي المبسوط و الخلاف و الغنية و الوسيلة أن في الكبيرة بقرة و لو كان القالع محلا، و في الصغيرة شاة، و في أبعاضها قيمته بل حكى غير واحد الشهرة


1- 1 الفقيه ج 2 ص 212 الرقم 968.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب 1 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1 و ذيله في الباب 2 منها الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4 و 16.

ج 20، ص: 426

عليه، بل عن الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجة بعد ما رواه

الشيخ (1)عن موسى بن القاسم، قال: روى أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: «إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع، فإذا أراد نزعها نزعها و كفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين»

معتضدا ب

قول ابن عباس فيما روى عنه صلى الله عليه و آله «في الدوحة بقرة، و في الجزلة شاة»

المظنون أنه عن رواية و لكن مع ذلك قال المصنف نحو ما عن المنتهى و التحرير و عندي في الجميع تردد مما عرفت و من كون الخبر مرسلا متروك الظاهر، بل عن ابن إدريس الجزم بالعدم، قال: و لم يتعرض في الأخبار عن الأئمة عليهم السلام لكفارة لا في الكبيرة و لا في الصغيرة، و لكن الشيخ ادعى الإجماع، إلا

أنه لا يخفى عليك إمكان دفع المناقشة المزبورة بالانجبار بما سمعته من الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحكية بل المحصلة إن لم تكن إجماعا على الكفارة في الجملة، على أن إرساله بالعبارة المزبورة التي تلحقه بالصحيح على قول، و بالتخصيص أو التقييد بغير ما غرسه و أنبته أو نبت في داره بعد اتخاذ الدار الذي قد عرفت استثناء سابقا، على أنه معتضد بما في

صحيح منصور بن حازم (2)سأل الصادق عليه السلام «عن الأراك يكون في الحرم فأقطعه قال: عليك فداؤه»

بناء على إرادة البقرة أو الشاة من الفداء و إلا كان دليلا لحكم الأبعاض

كالموثق أو الصحيح (3)عنه عليه السلام أيضا «عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة قال: عليه ثمنه يتصدق به»

بل لعل الظاهر إرادة قطع الأبعاض منهما، على أن الجملة إذا كانت مضمونة فالأبعاض


1- 1 الوسائل- الباب 18 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 18 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 18 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.

ج 20، ص: 427

كذلك، نعم عن المنتهى و التذكرة الأرش، و يمكن اتحاد المراد، و بذلك كله يتضح لك الدليل على الأحكام الثلاثة لا عدم الكفارة مطلقا كما سمعته من ابن إدريس و لا البقرة مطلقا كما عن القاضي عملا بالمرسل المزبور، و لا القيمة مطلقا كما عن الإسكافي للصحيح و

الموثق المزبورين، بل عن الفاضل في المختلف اختياره مع ظهور ضعفه، ضرورة ظهورهما أو صراحتهما في القطع لا القلع، و لا ما يتيسر من الصدقة في قطع الأبعاض كما قاله الحلبيان على ما حكي عنهما و الله العالم.

و لو قلع شجرة منه و غرسها في غيره أو لم يغرسها أعادها كما في القواعد، و ظاهرهما إرادة إلى مكانها كما عن المبسوط و عن التحرير و المنتهى و الدروس الى الحرم، و استجوده في المسالك إلا أن يكون محلها الأول أجود فيتعين أو مساويه و إلا فأرض الحرم متساوية في الإحرام، و ربما احتمل إرادة ذلك من مكانها و إن بعد، و على كل حال لم نجد دليلا معتدا به على أصل وجوب الإعادة المنافي للأصل إلا دعوى قاعدة الضمان الذي لا يرتفع إلا بالتأدية التي مصداقها هنا عودها الى مكانها أو الحرم الذي به تثبت حرمتها، و لعله الى ذلك أشار في محكي التذكرة و المنتهى بالاستدلال عليها بأنه أزال حرمتها، فكان عليه إعادتها إليها، بل ربما يؤيده في الجملة مضافا الى الاحتياط أيضا

خبر هارون بن حمزة(1)عن الصادق عليه السلام «ان علي بن الحسين عليهما السلام كان يتقي الطاقة من العشب ينتفها من الحرم، قال: و رأيته قد نتف طاقة و هو يطلب أن يعيدها مكانها»

و إن ضعف سنده بل و دلالته، بل ربما كان منافاة بين اتقائه و نتفه، بل لا يتصور عود المنتوف، و الله العالم.

و كيف كان ف لو جفت على وجه لم تفدها الإعادة العود الى ما كانت


1- 1 الوسائل- الباب 86 من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

ج 20، ص: 428

عليه قيل كما عن المبسوط و التحرير و المنتهى و التذكرة يلزمه ضمانها معللين له بالإتلاف، و في القواعد قيل يلزمه ضمانها و لا كفارة، و مقتضاه كون الضمان بالقيمة لا البقرة و الشاة، لكن فيه أن مقتضى ما سمعته سابقا في قلع الكبيرة منها بقرة و الصغيرة شاة إرادة ضمان الكفارة التي وجبت بالقلع و لم يعرض مسقط لها، فإنها إنما تسقط إذا أعادها، فعادت الى ما كانت عليه، و يمكن إرادة ذلك من التعليل بالإتلاف لا ضمان القيمة، بل ربما احتمل في عبارة القواعد أن يكون مجموعه أي ضمانها و لا كفارة قولا لبعض الأصحاب و انما نسب الى القيل الجمع بينهما، و يكون المختار لزوم الكفارة، و إن كان هو كما ترى، بل ربما احتمل قويا لزومها على التقديرين، لإطلاق النصوص بها إذا قلع، و لا دليل على السقوط بالإعادة مع العود، و لكن فيه أن المنساق من النصوص المزبورة القلع المؤدي إلى تلفها لا القلع المفروض عدم ترتب ضرر عليه، بل ربما كان فيه نفع.

و كيف كان ف لا كفارة في قلع الحشيش و إن كان فاعله مأثوما إلا ما استثني كما مر في التروك للأصل السالم عن المعارض، فان نصوص النهي عن ذلك لا تقتضي ترتب الكفارة حتى ضمان القيمة، خلافا للفاضل في القواعد فإنه حكم بضمان قيمته لو قلعه، كالمحكي عن المبسوط، و قال الحلبيان فيما حكي عنهما عليه ما تيسر من الصدقة، و لكن لم أعرف لشي ء منهما دليلا سوى الحمل على أبعاض الشجر و على سائر المحرمات من الصيد و نحوه و غير ذلك من الاعتبارات التي لا تصلح دليلا لإثبات حكم شرعي، و لذا جزم المصنف بعدمها و تحقق الإثم الذي لا خلاف فيه، و إن قيل ظاهر الدروس يعطي احتمال العدم إلا أنه في غير محله، لما عرفته مفصلا في التروك فلا حظ، و في المسالك لا فرق في ذلك بين الأخضر و اليابس، نعم يجوز قطع اليابس مع بقاء أصله

ج 20، ص: 429

في الأرض لينبت ثانيا، و قد تقدم أيضا الكلام فيه، و الله العالم.

و من استعمل دهنا طيبا في إحرامه و لو في حال الضرورة ظاهرا أو باطنا كالحقنة و السعوط به كان عليه شاة على قول محكي عن النهاية و السرائر و المبسوط و الخلاف و غيرها، بل في الأخير نفي الخلاف فيه، بل عن المنتهى الإجماع على لزوم الفدية به، مضافا الى ما سمعته سابقا من مضمر ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار(1)المشتمل على دهن البنفسج إذا داوى به قرحة، و المناقشة بكونه مقطوعا يدفعها الانجبار بالعمل، كاندفاع الإضمار بظن إرادة الإمام عليه السلام منه إن لم يكن القطع، و كذا دعوى أخصيته من المدعي و اشتماله على ما لا يقول به الأصحاب من الكفارة على الجاهل يدفعها عدم القول

بالفصل، و عدم خروج الباقي عن الحجية، و حينئذ فلا مناص عن القول بوجوبها فيه، بل هو من أفراد مسألة استعمال الطيب السابقة التي جزم بها المصنف هناك و إن تردد في خصوص المقام، نعم عن الشيخ في الجمل كراهة استعمال الأدهان الطيبة قبل الإحرام بحيث تبقى الرائحة بعده، و عن ابن سعيد تخصيص وجوب الدم باستعماله مختارا، و قد سمعت تحقيق الحال فيه، اللهم إلا أن يدعى الفرق بين استعمال الطيب و الدهن الطيب، و لكنه كما ترى، ضرورة بناء المسألة على حرمة استعماله كالطيب، و انما الكلام في الكفارة، و المتجه وجوبها لما عرفت.

و كذا قيل يضمن شاة فيمن قلع ضرسه كما عن الكافي و المهذب و عن النهاية و المبسوط دم، و عن الجامع دم مع الاختيار، و عليه حمل إطلاق الشيخ في محكي المنتهى، و الأصل في ذلك

خبر محمد بن عيسى عن عدة من أصحابنا(2)عن رجل من أهل خراسان «ان مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه عليه السلام فيها


1- 1 الوسائل- الباب 4 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب 19 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 430

شي ء محرم قلع ضرسه فكتب يهريق دما»

و لكن قال المصنف و في الجميع مشيرا بذلك الى ما هنا و المسألة السابقة تردد مما عرفت، و من إضمار الخبرين، بل عن المختلف هنا الاستناد إلى البراءة الأصلية أولى، فإن

الرواية غير مسندة الى إمام عليه السلام، بل احتمل فيها أن يكون أدمى بالقلع، و يكون الدم لأجله، و قد قيل في الإدماء شاة، و عن الكافي فيه طعام مسكين، و عن الغنية مد من الطعام و المعنى واحد، مع أن

الحسن الصيقل (1)سأل الصادق عليه السلام «عن المحرم يؤذيه ضرسه أ يقلعه قال: نعم لا بأس به»

و عن ابني بابويه و الجنيد نفي البأس عن قلع الضرس و لم يوجبا شيئا، و لكن عرفت سابقا أن الأقوى وجوبها، بل و كذا هنا عملا بالمضمر الذي تشهد القرائن أنه عن الامام عليه السلام خصوصا بعد عمل من عرفت به، بل قيل إنه المشهور، ثم في المسالك هذا كله مع عدم الحاجة، أما معها فلا كفارة، و في إلحاق السن بالضرس على قول الوجوب وجه بعيد، و فيه أولا أن النص و الفتوى مطلقان، و ثانيا لا بعد في الإلحاق، بل يمكن إرادة ما يعم السن من الضرس، و الله العالم.

و لا خلاف في أنه يجوز للمحرم أكل ما ليس بطيب من الأدهان كالسمن و الشيرج بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى السيرة و الأصل و غيرهما، نعم لا يجوز الادهان به على قول تقدم الكلام فيه، و عليه فهل فيه كفارة؟ مقتضى الأصل العدم، كما عن الشيخ و ابن إدريس و الفاضل التصريح به، لكن قد سمعت قول الكاظم عليه السلام لأخيه في

خبر(2)قرب الاسناد «لكل شي ء خرجت من حجك فعليك دم تهريقه حيث شئت»

و قول الصادق عليه السلام


1- 1 الوسائل- الباب 95 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5.

ج 20، ص: 431

في خبر عمر بن يزيد(1)السابق المشتمل على التخيير بين الصدقة و الصيام و النسك لكل من عرض له أذى أو وجع، فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا و لا ريب في أن الأحوط التكفير بالدم له و إن كان الذي يقوى العدم، و الله العالم.

[خاتمة تشتمل على مسائل ]
اشارة

خاتمة تشتمل على مسائل:

[المسألة الأولى إذا اجتمعت أسباب للكفارة]

الأولى إذا اجتمعت أسباب للكفارة، مختلفة كا لصيد و ا للبس و تقليم الأظفار و الطيب لزم عن كل واحد كفارة به بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب سواء فعل ذلك في وقت واحد أو وقتين، كفر عن الأول أو لم يكفر لوجود المقتضي و انتفاء المسقط.

[المسألة الثانية إذا كرر السبب الواحد]

المسألة الثانية إذا كرر السبب الواحد و كان كالصيد و الوطء و نحوهما مما لم يفرق

الشرع و لا العرف في صدق السبب من مسماه بين اتحاد المجلس و الوقت و تعددهما و تخلل التكفير و عدمه لزمه أيضا بكل مرة كفارة على الأشهر، بل المشهور بين الأصحاب قديما و حديثا، بل عن المرتضى و ابن زهرة الإجماع عليه، نعم أوردا بعد دعوى الإجماع على ذلك في الوطء بأن الجماع الأول قد أفسد الحج، فترتبت عليه الكفارة، بخلاف الثاني الذي تعقب الفساد، و أجابا بأن الحج و إن كان قد فسد لكن حرمته باقية، و لهذا وجب المضي فيه، فجاز أن تتعلق به الكفارة، و نحوه عن الجواهر، و لكن ليس فيه الإجماع، و ناقشة في المدارك بمنع دليل على تعلق الكفارة، لمنع الإجماع، و منع دلالة النص الذي أقصاه الدلالة على أن من جامع قبل الوقوف بالمشعر يلزمه بدنة و إتمام الحج و الحج من قابل، و من المعلوم أن مجموع هذه الأحكام الثلاثة انما تترتب على الجماع الأول خاصة، فإثبات بعضها في غيره محتاج الى دليل، و فيه أن إتمام الحج و الحج من قابل لا يتصور


1- 1 الوسائل- الباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.

ج 20، ص: 432

تكررهما، بخلاف البدنة، و لذا تكررت دونهما، مضافا الى ما سمعته من الإجماع المحكي المؤيد بظاهر ما دل على أن ماهية الجماع توجب ذلك، و لا ريب في تكرر إيجادها بتكرر الجماع من غير فرق بين اتحاد المجلس و تعدده و سبق التكفير و عدمه، و دعوى أن مقتضى أصالة البراءة كون الجماع مرة أو مرتين أو أزيد سببا في ترتب الكفارة يدفعها ظهور و النص و الإجماع المحكي في خلافها.

و بذلك يظهر لك النظر فيما عن ابن حمزة من التفصيل، قال: الاستمتاع ضربان جماع و غيره، و الجماع ضربان، إما أن يفسد الحج أو لا يفسد، فإن أفسد الحج لم تتكرر فيه الكفارة، و إن لم يفسد الحج إما تكرر منه فعله في حالة واحدة أو في دفعات، فالأول لا تتكرر فيه الكفارة بتكرر الفعل و الثاني تتكرر فيه الكفارة، و إن مال إليه في المدارك و استحسنه في محكي المختلف لأصل البراءة المقطوع بما عرفت، و نحوه عن الخلاف، بل في المدارك أن ظاهر الشيخ في الخلاف عدم التكرار مطلقا، و لم يستبعده و إن كنا لم نتحقق شيئا من ذلك، بل المحكي عنه أنه ذكر تكررها بتكرر الوطء كفر عن الأول أو لم يكفر لإطلاق النصوص، لكن قال و إن قلنا بما قال الشافعي-: «إنه إن كان كفر عن الأول لزمته الكفارة، و إن كان قبل أن يكفر فعليه كفارة واحدة»- كان قويا لأن الأصل براءة الذمة يعني أن النصوص انما أفادت أن على المجامع بدنة، و هو أعم من المجامع مرات، و أيد بما سمعته سابقا، و عرفت ما فيه.

و على كل حال فلا ريب في ضعفه لما تقدم، مضافا الى ما ذكرناه سابقا من عدم فساد الحج بالجماع و إن وجبت الإعادة عقوبة كما هو أحد القولين في

ج 20، ص: 433

المسألة، نعم ربما مال بعض الأفاضل الى عدم تكرر السبب بتكرر الإيلاج و الإخراج في الموطوءة الواحدة في مجلس واحد، لعدم تعدد الوطء عرفا فيه، بل الإطلاقات الموجبة للبدنة و ما بعدها مرة الغالب فيها الذي ينصرف اليه بحكم العادة و الغلبة تكرر الأمرين فيه مرارا عديدة، و إن أمكن فرض وقوعهما مرة و مع ذلك حكم فيها بوجوب البدنة مثلا مرة، فالوجه عدم تكرر الكفارة في هذه الصورة لا لمنع الحكم بل لمنع تكرر الموضوع و السبب عرفا، فليس فيه مخالفة للإجماعات المزبورة بوجه، و أما عدم تكررها في المفسد فلظهور النص المثبت لها فيه بما يترتب عليه الأمور الثلاثة حقيقة، و ليس هو إلا الأول، و لا يدخل فيه الثاني مثلا، لعدم تصور ترتب الثلاثة عليه، و بذلك يظهر لك قوة ما سمعته من ابن حمزة.

و لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله، ضرورة صدق التعدد بذلك، خصوصا مع الانزال و الفصل في الجملة، فيقال جامعها مرة و مرتين و أزيد، و يترتب عليه سائر الأحكام، نعم لو تعدد الإيلاج من دون نزعه من الفرج بل و الإنزال في إيلاج واحد كان جماعا واحدا، و دعوى غلبة الإيلاج و النزع في الإطلاق المزبور واضحة المنع، بل الأمر بالعكس، كدعوى تقييد السبب بما يترتب عليه الثلاث، ضرورة كون السبب ماهية الجماع، و الترتب حكم شرعي لا وصف للسبب، كما هو واضح، و التسامح العرفي في صدق وحدة الجماع مع تعدد الإيلاج و النزع في المجلس الواحد غير معتبر كما في نظائره مما هو كذلك في بادئ النظر لا في ثانيه و ثالثة، و من هنا صرح غير واحد بصدق التعدد بما ذكرناه في المقام و في كتاب الصوم و إن كان سبق لنا بعض الكلام في ذلك، فلا حظ و تأمل، و الله العالم.

هذا كله في الوطء و أما لو كرر الحلق فان كان في وقت

ج 20، ص: 434

واحد لم تتكرر الكفارة لعده في العرف حلقا واحدا، بل المنساق مما ورد فيه كتابا و سنة اتحادها بحلق الرأس أجمع على ما هو المتعارف فيه و لا ريب في تعدد مصداق الحلق لكل جزء منه، نعم إن كان الحلق في وقتين بأن حلق بعض رأسه غدوة و الآخر عشية تكررت الكفارة لصدق تعدد الحلق الذي هو السبب، فيتعدد المسبب بتعدده بلا خلاف أجده فيه إلا من بعض متأخري المتأخرين، فأشكله بأن ما ذكر في الأول يأتي هنا، و بأن أقصى ما يستفاد من الأدلة ترتب الكفارة على حلق الرأس كله للأذى، و ما عدا ذلك يستفاد حكمه من باب الفحوى أو من انعقاد الإجماع على تعلق الكفارة به في بعض الموارد، فلو قيل بالاكتفاء بالكفارة الواحدة في حلق الرأس كله سواء وقع في وقت واحد أم في وقتين كان حسنا، و فيه أن محل البحث إذا تكرر سبب الحلق الموجب للكفارة في وقتين، كما إذا حلق بعض رأسه على وجه يوجب الكفارة في وقت ثم حلق البعض الآخر الذي هو أيضا بانفراده سبب أيضا للكفارة، فإنه لا إشكال في تعددها، خصوصا إذا كفر عن الأول أو حصل للثاني سبب غير السبب للأول، لا أن المفروض كون السبب حلق الرأس جميعه بحيث لو حصل البعض لم تترتب الكفارة، لعدم حصول سببها، فان ذلك ليس من باب تكرر السبب بل من عدم تمامه، و دعوى أن السبب في المقام ذلك يدفعها ما عرفته سابقا من الإجماع على عدم اعتبار حلق جميع الرأس في ترتب الكفارة، نعم لو فرض حصول الجميع في وقت واحد عد في العرف حلقا واحدا بل المنساق من دليل ترتب الكفارة به الاجتزاء بكفارة واحدة له، فتأمل جيدا، على أنك قد عرفت سابقا الكلام في أن السبب حلق الشعر أو حلق الرأس و على كل حال فالتعدد عرفا و الاتحاد فيه يتبع اتحاد الوقت و تعدده، و مع الشك في بعض الأفراد يتجه الرجوع الى أصل البراءة، فتأمل جيدا، و أما قلم

ج 20، ص: 435

الأظفار فقد كفانا الشرع فيه عن ملاحظة العرف، لما سمعته من النصوص المفرقة فيه بين الاجتماع و الافتراق، و الله العالم.

و لو تكرر منه اللبس أو الطيب فان اتحد المجلس لم تتكرر، و إن اختلف تكررت كما عن النهاية و الوسيلة و المهذب و الغنية و السرائر، بل في المسالك هكذا أطلق الأصحاب، و لعله لأن إليه يرجع ما عن المبسوط و الخلاف قال في الأول: «الثالث الاستمتاع باللباس و الطيب و القبلة، فإن فعل ذلك دفعة واحدة بأن لبس كل ما يحتاج اليه أو تطيب بأنواع الطيب أو قبل و أكثر منه لزمه كفارة واحدة، فإن فعل ذلك في أوقات متفرقة لزمه عن كل دفعة كفارة سواء كفر عن الأول أو لم يكفر» قيل و نحوه التحرير و المنتهى و التذكرة، و قال في محكي الخلاف «تتكرر الكفارة بتكرر اللبس و الطيب إذا فعل ثم صبر ساعة ثم فعل ثانية و هكذا كفر عن الأول أولا» و استدل بأنه لا خلاف أنه يلزمه بكل لبسة كفارة، فمن ادعى تداخلها فعليه الدلالة، و بالاحتياط بناء على اتحاد المراد من المجلس و الوقت و إلا كانا قولين كما فهمه في المدارك، ثم حكى عن بعض التكرر مع اختلاف صنف الملبوس كالقميص و السراويل و إن اتحد الوقت، قال و به جزم في المنتهى، فقال: و من لبس قميصا و عمامة و خفين و سراويل وجب عليه لكل واحد فدية، لأن الأصل عدم التداخل، خلافا لأحمد و ربما ظهر من كلامه في موضع آخر من المنتهى تكرر الكفارة بتكرر اللبس مطلقا، فإنه قال: «لو لبس ثيابا كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد، و لو كان في مرات متعددة وجب عليه لكل ثوب دم، لأن لبس كل ثوب يغاير لبس ثوب آخر، فيقتضي كل واحد منهما مقتضاه» قلت: قد سمعت ما في

صحيح ابن مسلم (1)سأل أبا جعفر عليه السلام «عن المحرم إذا احتاج الى ضروب


1- 1 الوسائل- الباب 9 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 436

من الثياب فقال: عليه لكل صنف منها فداء»

و لا محيص عن العمل به بعد أن كان جامعا لشرائط الحجية، و هو يعم لبسها دفعة و دفعات، بل قد يمنع كون لبسها دفعة واحدة

لبسا واحدا، و لو سلم فقد يمنع أن سبب الكفارة اللبس كي يعتبر اتحاده و تعدده، لما سمعته في

صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر عليه السلام «من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه»

و لا ريب في صدقه على المتعدد و لو كان من ضرب واحد و لبسه دفعة واحدة.

و من ذلك يتجه وجوب الكفارة لكل ثوب، مع أنه الأحوط من غير فرق بين اتحاد المجلس و عدمه الذي لم نجد له في النصوص أثرا، بل يمكن القطع بعدم اعتباره مع فرض سبق التكفير، كما أنه لم نعرف الفرق بين التعبير به هنا و التعبير بالوقت في الحلق، اللهم إلا أن يراد باتحاد المجلس الكناية عن حصول سبب اللبس له و تعدده، و لكنه على كل حال لم نجد له أثرا فيما وصل إلينا من النصوص، بل ظاهرها خلافه كما عرفت.

و في المسالك و المصنف اعتبر المجلس، و الأكثر اعتبروا الوقت، و هو أجود، فعلى هذا لو طال زمان المجلس بحيث يحصل منه تعدد الوقت عادة تكررت، و فيه ما عرفت سابقا من احتمال اتحاد المراد منهما، كما أن الظاهر إرادة صدق الاتحاد عرفا و عدمه و إن قصر التعبير، ثم قال فيها أيضا: «الذي يقتضيه الدليل أنه لو لبس المتعدد أو تطيب به دفعة واحدة بأن جمع من الثياب جملة و وضعها على بدنه لم تتعدد الكفارة و إن اختلفت أصنافها، و إن لبسها مترتبة تعددت و إن اتحد المجلس و الوقت العادي، لأن كل واحد منها سبب في الكفارة بانفراده، فلا يزيل

الاجتماع في الوقت ما ثبت لها من السببية، فإن الأصل عدم التداخل إلا لعارض، و هو مختار العلامة في التذكرة، و لعله أقوى


1- 1 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 437

و مثله ينبغي القول في ستر ظهر القدم و لم يفرقوا هنا بين المضطر و غيره كما في تغطية الرأس، و يمكن الفرق بينهما كما هناك» و لا يخفى عليك ما فيه من محال النظر أولا و آخرا، نعم ما حكاه عن الفاضل و اختاره هو جيد لما عرفت، بل الأقوى كون الحكم كذلك حتى في لبس المتعدد دفعة، لما سمعته من صحيح زرارة(1)الذي منه يعرف الحكم في المضطر، و في غيره بالأولوية و غيرها كما سمعت الكلام فيه سابقا.

و على كل حال فمن ذلك كله ظهر لك الحال فيما ذكره المصنف من التكرر في خصوص بعض الأسباب و غيره مما لم يذكره، ضرورة كون الضابط فيما لو تكرر سبب واحد أنه إن كان إتلافا مضمنا للمثل أو القيمة تعددت بحسبه اتفاقا، لأن المثل انما يتحقق بذلك، و إلا فان لم يفصل العرف أو الشرع فيه بين مجلس واحد و مجلسين أو وقت و وقتين و كان السبب مسماه كالوطء الذي قد عرفت تعدده بتعدد الإيلاج حقيقة و عرفا و شرعا تعددت الكفارة أيضا بتعدده و لو في مجلس واحد، و كذا اللبس إذا لبس ثيابا واحدا بعد واحد، أو ثوبا واحدا لبسا بعد نزع، بل أو الثياب المتعددة و لو دفعة بناء على المختار، و كذا التطيب إذا فعله مرة بعد أخرى، و التقبيل إذا نزع فاه ثم أعاد فقبل، أما إذا كثر منه و لم ينزع فاه أمكن أن يكون واحدا، و كأنه مراده في محكي التذكرة و المنتهى حيث حكم وفاقا لما سمعته عن المبسوط باتحاد الكفارة إذا كثر منه في وقت واحد، بل قيل و كذا ستر الرأس و التظليل و إن كان لا يخلو من نظر، لصدق تعدد القبلة عرفا في مثله، فمع فرض كون مصداقها السبب في الكفارة اتجه تعددها بتعددها، و قد سمعت الكلام في التظليل، فلا حظ و تأمل و لو تكرر ما يفصل العرف أو الشرع فيه بين مجلس و مجلسين أو الوقت و الوقتين


1- 1 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 438

مثل الحلق و القلم تعددت الكفارة إن تغاير الوقت أو المجلس، و إلا فلا إذا كان المدار على وحدة تحققه و لو عرفا، و الله العالم.

[المسألة الثالثة كل محرم لبس أو أكل عالما عامدا ما لا يحل له ]

المسألة الثالثة كل محرم لبس أو أكل عالما عامدا ما لا يحل له أكله أو لبسه و لم يكن له مقدر شرعي بخصوصه كأكل النعامة كان عليه دم شاة كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلاف ل

صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر عليه السلام «من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا

فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة»

نعم قد سمعت سابقا عدم تناوله للبس الخفين و الشمشك و نحوهما مما لا يعد ثوبا، فكان ينبغي التقييد بذلك لكن أطلق المصنف و غيره، و لا ريب في أنه أحوط، بل لعل ذكر الثوب مثال لكل ما يحرم عليه لبسه، و الله العالم.

[المسألة الرابعة تسقط الكفارة عن الجاهل و الناسي و المجنون ]

المسألة الرابعة تسقط الكفارة عن الجاهل و الناسي و المجنون إلا في الصيد، فإن الكفارة تلزم فيه و لو كان سهوا أو جهلا على المشهور بين الأصحاب في المستثنى منه، بل لا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم في الجاهل و الناسي، للأصل و رفع القلم، و نحو

قول الصادق عليه السلام في خبر عبد الصمد ابن بشير(2)«أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه»

و في حسن ابن عمار(3)«و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد، فان عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد»

و في

حسن آخر له و صحيح (4)«اعلم أنه ليس عليك فداء شي ء أتيته و أنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك إلا الصيد، فان عليك


1- 1 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب 31 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب 31 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.

ج 20، ص: 439

الفداء بجهالة كان أو عمد»

و قول أبي جعفر الجواد عليه السلام فيما أرسل عنه علي بن شعبة في المحكي عن تحف العقول (1)«كل ما أتى به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شي ء عليه إلا الصيد، فان عليه الفداء بجهالة كان أم بعلم، بخطإ كان أم بعمد، و كل ما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شي ء عليه»

مضافا الى ما سمعته سابقا من نصوص (2)مواقعة الأهل و صحيح زرارة(3)المتقدم آنفا،

و في صحيحه (4)الآخر أيضا «من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسيا فلا شي ء عليه، و يستغفر الله و يتوب اليه».

نعم قد سمعت

خبر معاوية بن عمار(5)«في القرحة التي داواها بدهن بنفسج و أن عليه مع الجهالة طعام مسكين»

و خبر الحسن بن زياد(6)قال:

للصادق عليه السلام «و ضأني الغلام و لم أعلم بدستشان فيه طيب فغسلت يدي و أنا محرم فقال: تصدق بشي ء لذلك»

و صحيح حريز(7)«في المحرم ينسي فيقلم ظفرا من أظافيره قال: يتصدق بكف من الطعام»

و سمعت أيضا أخبار سقوط الشعر(8)و أنها ظاهرة في غير المتعمد، و

قول الصادق عليه السلام للحسن بن هارون (9)و ذكر أنه أكل خبيصا فيه زعفران: «إذا فرغت من مناسكك و أردت الخروج من


1- 1 الوسائل- الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع.
3- 3 الوسائل- الباب 8 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب 4 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب 4 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب 4 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب 12 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3.
8- 8 الوسائل- الباب 16 من أبواب بقية كفارات الإحرام.
9- 9 الوسائل- الباب 3 من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.

ج 20، ص: 440

مكة فاشتر بذرهم تمرا ثم تصدق به يكون كفارة لما أكلت و لما دخل عليك في إحرامك مما لا تعلم»

الذي ذكرنا أنه محمول على الندب، بل و غيره من النصوص، نعم قد استثنى بعض الناس من ذلك سقوط الشعر فاكتفى في وجوب الكفارة فيه بتعمد المس المسقط مع تذكر الإحرام و العلم بالحرمة، قال:

«و الأخبار لا تنافيه و لا هي ظاهرة في خلافه» و لكن لا يخفى عليك ما في قوله «تعمد المس المسقط» ضرورة كون ذلك من تعمد الاسقاط، و إن كان تعمد المس الذي قد يتعقبه السقوط

فهو ليس من العمد، لكن الظاهر عدم ترتب الكفارة عليه، لما ذكروه هنا على وجه لم يعرف فيه خلاف، فلا بد من حمل النصوص المزبورة على ما هنا أو على ضرب من الندب.

و أما المستثنى فلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن الخلاف و الغنية و التذكرة و المنتهى الإجماع على ثبوت الكفارة فيه على الناسي و الجاهل، مضافا الى النصوص (1)التي قد سمعت بعضها، فما عن ابن أبي عقيل من عدم الكفارة في الصيد على الناسي واضح الفساد، و أما المجنون فقد صرح به الشيخ في محكي الخلاف و المصنف و الفاضل و غيرهم، لأن عمده و إن كان كالسهو لكن قد عرفت أن السهو هنا كالعمد، و حينئذ فالكفارة في ماله يخرجه بنفسه إن أفاق، و إلا فالولي، نعم لو كان مجنونا أحرم به الولي و هو مجنون فالكفارة على الولي على ما في الغنية و غيرها كالصبي الذي لم يذكره المصنف، و لعله لأن كفارته على الولي لا عليه كما سلف، و قد سمعت ما في مرسل تحف العقول،

و في خبر الريان بن شبيب (2)«و الصغير لا كفارة عليه، و هي على الكبير واجبة»

كما أنه تقدم سابقا الكلام فيه و في المجنون، فلا حظ و تأمل، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب 31 من أبواب كفارات الصيد.
2- 2 الوسائل- الباب 3 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.

ج 20، ص: 441

[كتاب العمرة]

اشاره

(كتاب العمرة) و هي لغة الزيارة أخذا من العمارة، لأن الزائر يعمر المكان بزيارته و شرعا اسم لمناسك مخصوصة واقعة في الميقات و مكة زادها الله تعالى شرفا

[في بيان صورة العمرة]

و صورتها المشتركة بين المتمتع بها و المفردة أن يحرم من الميقات الذي يسوغ له الإحرام منه لها ثم يدخل مكة فيطوف و يصلي ركعتيه ثم يسعى بين الصفا و المروة و يقصر كما تقدم الكلام في هذه الأفعال كلها مفصلا لا أن المراد صورة المفردة، و إلا لوجب ذكر طواف النساء و التخيير بين القصر فيها و الحلق، و لا المتمتع بها خاصة، لعدم ذكر لها بالخصوص، و عدم ملائمته لما بعد من الضمائر، فوجب إرادة قدر المشترك بينهما، و الأمر في ذلك سهل.

[في بيان شرائط وجوب العمرة]

و على كل حال فلا خلاف في أن شرائط وجوبها شرائط وجوب الحج و أنها مع الشرائط تجب في العمرة مرة كالحج بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى الكتاب و السنة، قال الله تعالى (1)«وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ»

و قال زرارة(2)في الصحيح «قلت لأبي جعفر عليه السلام الذي يلي الحج في الفضل قال:

العمرة المفردة ثم يذهب حيث شاء، و قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، فان الله تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ ، و

انما نزلت العمرة في المدينة، فأفضل العمرة عمرة رجب، و قال: المفرد للعمرة إن اعتمر في رجب


1- 1 سورة البقرة الآية 192.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب 2 من أبواب العمرة الحديث 1 و بعده في الباب 1 منها الحديث 2 و ذيله في الباب 3 منها الحديث 2.

ج 20، ص: 442

ثم أقام للحج بمكة كانت عمرته تامة، و حجته ناقصة مكية»

و قال الصادق عليه السلام (1)في قول الله عز و جل «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» قال: «هما مفروضان،

و قال عمر بن أذينة(2)في الحسن «كتبت الى أبي عبد الله عليه السلام بمسائل بعضها مع ابن بكير و بعضها مع أبي العباس فجاء الجواب بإملائه عليه السلام سألت عن قول الله عز و جل وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يعني به الحج و العمرة جميعا، لأنهما مفروضان، و سألت عن قول الله عز و جل وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ قال: يعني بتمامهما أداءهما و اتقاءهما ما يتقي المحرم فيهما، و سألت عن قول الله الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فقال: الحج الأكبر الوقوف بعرفة و رمي الجمار، و الحج الأصغر العمرة»

و قال الصادق عليه السلام في حسن معاوية بن عمار(3)أو قوية «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع، لأن الله عز و جل يقول:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ ، و انما نزلت العمرة بالمدينة، قال: قلت فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أ يجزي ذلك عنه؟ قال: نعم»

و قال الصادق عليه السلام أيضا في خبر أبي بصير(4)«العمرة مفروضة مثل الحج»

و قال أمير المؤمنين عليه السلام (5)«أمرتم بالحج و العمرة فلا تبالوا بأيهما بدأتم»

الى غير ذلك من النصوص التي مقتضاها الوجوب في العمر مرة كالحج، مضافا الى الإجماع بقسميه عليه، فلذا تسقط بفعلها مع حجة الإسلام كما ستعرف إنشاء الله.

و لا خلاف أيضا أجده في أنها على الفور كما صرح به الشيخ و الحلبي


1- 1 الوسائل- الباب 1 من أبواب العمرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 1 من أبواب وجوب الحج الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب 1 من أبواب العمرة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب 1 من أبواب العمرة الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب 1 من أبواب العمرة الحديث 6 و المستدرك الباب 1 منها الحديث 2.

ج 20، ص: 443

و الفاضلان و غيرهم، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه، بل عن التذكرة الإجماع عليه، بل هو واضح في عمرة التمتع التي هي جزء من الحج الذي قد عرفت فوريته على من يجب عليه، بل و المفردة أيضا المشبهة بالحج في الوجوب مضافا الى ما سمعته من الإجماع المحكي، نعم ربما كان في بعض كلماتهم تشويش في المقام، و ذلك لأن ظاهر النصوص المزبورة و الفتاوى كالمتن و نحوه أنه لا يشترط في وجوب العمرة المفردة الاستطاعة للحج معها بل لو استطاع

لها خاصة وجبت كما أنه لو استطاع للحج خاصة دونها وجب، بل صرح في القواعد بالثاني، قال: و لو استطاع لحج الافراد دون عمرته فالأقرب وجوبه خاصة، و لعله لكون كل منهما عبادة برأسه، فلا يسقط شي ء منهما بسقوط الآخر، و لا يجب لوجوبه، بخلاف التمتع الذي تطابقت النصوص و الفتاوى على كونه ثلاثة أطواف بالبيت و طوافين بالصفا و المروة، دون القران و الافراد فإنهما طوافان بالبيت و سعي واحد، و أكثر نصوص (1)حجة الوداع ظاهرة في عدم اعتماره صلى الله عليه و آله بل جملة من نصوص أخر(2)ناصة على أنه صلى الله عليه و آله انما اعتمر ثلاث عمر كلها في ذي القعدة، نعم عن

الصدوق في الخصال عن عكرمة عن ابن عباس (3)«أنه صلى الله عليه و آله اعتمر أربعا رابعتها مع حجته»

و لا دلالة فيه على ارتباطها به، و ما عساه يتوهم مما ذكره المصنف و غيره في كيفية حج الافراد من الاعتمار بعد الفراغ من الحج من دخول العمرة في الحجين معا يدفعه أنه مساق لبيان كيفية تأدية من وجبا معا عليه، مع أنه قد تقدم سابقا منا المناقشة في وجوب الترتيب المزبور إن لم يكن إجماع كما ادعاه ضرورة بعضهم، ضرورة اقتضاء ما سمعته من الإطلاق


1- 1 الوسائل- الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 3 و 13 و 31 و 32.
2- 2 الوسائل- الباب 2 من أبواب العمرة الحديث 2 و 3 و 4.
3- 3 الوسائل- الباب 2 من أبواب العمرة الحديث 6.

ج 20، ص: 444

كتابا و سنة بل صريح المرسل (1)أنه مخير في تقديم أيهما شاء، كما سمعت الكلام فيه سابقا في محله.

و حينئذ فالقول بأن كلا منهما لا يجب إلا عند الاستطاعة للآخر كما أرسله غير واحد و لكن لم أعرف القائل به واضح الفساد، لما عرفته من ظهور الأدلة بخلافه، و كذا القول بأن العمرة لا تجب إلا مع الاستطاعة للحج بخلاف الحج كما اختاره في الدروس، و ان احتج له بالأصل المقطوع بما عرفت، و ظهور حج البيت في الآية بغير العمرة الممنوع على مدعيه، خصوصا بعد ما سمعته من النصوص، و عدم ظهور إتمامها في وجوب إنشائهما، و منع استلزامه له الذي قد عرفت عدم انحصار الدليل فيه أولا و دلالة النصوص عليه ثانيا، و أنها لو وجبت لكان من استكمل الاستطاعة لها فمات قبل أدائها و قبل ذي الحجة يجب استيجارها عنه من التركة، و لم يذكر ذلك في كتاب و لا خبر، و إن المستطيع لها و للحج إذا أتى الحرم قبل أشهر الحج نوى بعمرته عمرة الإسلام، لاحتمال أن يموت أو لا تبقى استطاعته للحج الى وقته، و رده في كشف اللثام بأن المستطيع لهما فرضه عمرة التمتع أو قسيميه و ليس له الإتيان بعمرة الإسلام إلا عند الحج، فما قبله كالنافلة قبل فريضة الصبح مثلا و احتمال الموت أو فوت الاستطاعة غير ملتفت اليه، و كأنه مبني على ما ذكره سابقا من أنه لو استطاع للعمرة دون الحج وجبت خاصة لذلك أي لأن كلا منهما نسك مستقل برأسه، ثم قال: نعم

لا تجب المبادرة إليها قبل أيام الحج، لاحتمال أن يتجدد له استطاعته أيضا، و هو كما ترى كلام خال عن التحصيل بعد ظهور ما سمعته من الأدلة في وجوبها، و أنها كالحج حتى في الفورية، فالمتجه التزام إخراجها من التركة مع الاستطاعة لها و التمكن من أدائها و لو قبل أشهر الحج


1- 1 الوسائل- الباب 1 من أبواب العمرة الحديث 6.

ج 20، ص: 445

و نية كونها عمرة الإسلام، بل لا وجه لدعوى وجوبها و عدم وجوب المبادرة إليها قبل أيام الحج للاحتمال المزبور.

نعم لو أمكن القول بعدم وجوبها على النائي الذي فرضه حج التمتع اتجه حينئذ سقوطها بالموت قبل أشهر الحج، فلا تخرج من التركة، و اتجه عدم نية عمرة الإسلام بها، و ربما تشهد له السيرة على عدم استقرار عمرة على من استطاع من النائين فمات أو ذهبت استطاعته قبل أشهر الحج، و عدم الحكم بفسقه لو أخر الاعتمار إلى أشهر الحج.

و بذلك يتجه عدم وجوب عمرة على النواب النائين في سنة النيابة و إن استطاعوها استطاعة شرعية، بل قد يشهد له قول المصنف و غيره فيما يأتي على وجه لم يعرف فيه خلاف بينهم إنها قسمان متمتع بها و مفردة، و الأولى فرض النائي، و الثانية فرض حاضري مكة، ضرورة ظهوره في اختصاص وجوب المفردة بغير النائي، كظهور كلامهم في غير المقام في عدم وجوب غير حج التمتع على النائي، لا أنه يجب عليه مع ذلك العمرة، و الاجتزاء بحج التمتع عنها لا ينافي وجوبها الذي تظهر ثمرته في الاستطاعة لها دونه، فتأمل جيدا، فإنك تسمع إنشاء الله عند تعرض المتن له من ثاني الشهيدين ما يظهر منه عدم وجوبها على النائي من رأس، و لم أجد للأصحاب في ذلك كلاما منقحا، و قد قال في كشف اللثام أيضا سابقا: «إن المراد بالفورية انما هي المبادرة بها في وقتها و وقت المتمتع بها أشهر الحج، و وقت المفردة لمن يجب عليه حج الافراد أو القران بعد الحج، و لا تجب عمرتان أصالة حتى تجب المبادرة إليها أول الاستطاعة لها إلا إذا لم يستطع إلا لها، فان ذلك أول وقتها، و لا تستقر في الذمة إذا استطاع لها و للحج إذا أخرها إلى الحج أو أشهره فزالت الاستطاعة» و لا يخفى عليك ما فيه أيضا بعد الإحاطة بما ذكرناه، ضرورة اقتضاء تلك الأدلة وجوب

ج 20، ص: 446

المبادرة إليها قبل أشهر الحج مع فرض الاستطاعة لها، لأنها تصح في جميع السنة بخلاف الحج الذي لا يصح إلا في وقت مخصوص.

نعم لا خلاف في إجزاء عمرة التمتع عنها كما اعترف به غير واحد، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا كافة، و هو الحجة بعد

قول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي (1)«إذا تمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة»

و سأله عليه السلام أيضا يعقوب بن شعيب (2)في الصحيح عن قول الله عز و جل: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ

الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» فقال: «يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان تلك العمرة المفردة، قال: كذلك أمر رسول الله صلى الله عليه و آله»

و قال أحمد بن محمد بن أبي نصر(3)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن العمرة أ واجبة، قال: نعم، قلت فمن تمتع يجزي عنه قال: نعم»

و قال الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير(4): «العمرة مفروضة مثل الحج، فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة»

الى غير ذلك من النصوص، إلا أن أقصاها الاجتزاء بها عنها، لا أن وجوبها الفوري ساقط عمن استطاع إليها، كما هو واضح.

بل قد يقال إن وجوب حج التمتع على النائي لا ينافي وجوبها عليه أيضا لإطلاق تلك الأدلة و إن سقطت عنه به، و لكن لو أداها امتثالا لأمرها الفوري قبل أشهر الحج امتثله و إن بقي مخاطبا مع ذلك بحج التمتع إذا كان مستطيعا بل و لا ينافيه قولهم عمرة التمتع فرض النائي، و المفردة فرض الحاضر، لاحتمال كون المراد أن النائي المخاطب بحج التمتع يلزمه عمرة التمتع فرضا له، لدخولها في الحج الذي هو فرضه، و هذا لا ينافي وجوب المفردة عليه أيضا الذي تظهر ثمرته فيما ذكرناه سابقا، أما الحاضر فليس عليه إلا المفردة بناء على عدم


1- 1 الوسائل- الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 6.

ج 20، ص: 447

المتعة له، لا أن المراد عدم وجوب غير المتعة على النائي، لكن قد سمعت ما في ذلك من المفاسد، بل تسمع ما في المسالك الظاهر في عدم وجوبها على النائي، بل لا تخلص مما ذكرناه إلا بذلك كما عرفت و تعرف إنشاء الله، و من ذلك و نحوه يظهر لك التشويش في كلامهم.

و منه أيضا ما ذكره غير واحد منهم من أنه لو حج المفرد و القارن أو المتمتع الذي لم يتمكن من التمتع أتى بالعمرة إن شاء بعد أيام التشريق بلا فصل أو في استقبال المحرم، بل ذكر بعضهم و غير المحرم، و من المعلوم منافاة ذلك للفورية التي ذكروها، اللهم إلا أن يريدوا بذلك الصحة و الاجزاء و إن أثم بالتأخير، إلا أنه لا ينبغي التخصيص بالمحرم حينئذ كما وقع من بعضهم، بل قال في الدروس و ليس هذا القدر منافيا للفورية، و فيه ما لا يخفى، بل أشكله ثاني الشهيدين أيضا بوجوب إيقاع الحج و العمرة المفردة في عام واحد إلا أن يراد بالعام اثنا عشر شهرا، و مبدؤها زمان التلبس بأيام الحج و إن أمكن دفعه بعدم دليل يدل على ذلك، بل ظاهر الأدلة خلافه، نعم هو كذلك في عمرة التمتع دون غيره، بل قد يقال بعدم اعتبار ذلك فيها أيضا إذا اضطر المتمتع إلى تأخير العمرة عن الحج، فإنه حينئذ يكون له حكم الافراد فتصح عمرته في جميع السنة.

نعم تجب الفورية التي هي ليست بتوقيت عندنا، و احتمال كون المراد بالفورية المبادرة إليها في عامها أي عام استطاعتها أو عام حجها، فلا ينافي التأخير إلى المحرم و ما بعده و انما اقتصروا على استقبال المحرم لما في التهذيب أن الأصحاب

رووا عن الصادق عليه السلام (1)أنه قال: «المتمتع إذا فاته عمرة المتعة و أقام إلى هلال المحرم اعتمر، فأجزأت عنه و كان مكان عمرة المتعة»

و في


1- 1 الوسائل- الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 5.

ج 20، ص: 448

التهذيب أيضا «من فاتته عمرة المتعة فعليه أن يعتمر بعد الحج إذا أمكن الموسى من رأسه»

فوقت عمرة الإفراد بإمكان الموسى، و احتج له ب

خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1)سأل الصادق عليه السلام عن المعتمر بعد الحج فقال: إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن»

بل و في

صحيح ابن عمار(2)سأل «عن رجل أفرد الحج هل له أن يعتمر بعد الحج؟ قال: إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن»

كما ترى مناف لظاهر الفورية و أقصى ما في رواية الأصحاب الاجزاء لا عدم وجوب الفورية، نعم قد يقال بعدم منافاتها للتأخير عن أيام التشريق، ل

قول الصادق عليه السلام لابن عمار(3)في الصحيح: «لا عمرة فيها»

و قد تقدم سابقا بعض الكلام في ذلك، و منه مضافا الى ما سمعت يتحقق التشويش المزبور و إن كان الذي يقوى في النظر سقوطها عن النائي الذي يجب عليه أن يتمتع بها الى الحج و لا عمرة مفردة عليه لما عرفت و تعرف إنشاء الله، و الله العالم.

و كيف كان ف قد تجب العمرة أيضا بالنذر و ما في معناه من العهد و اليمين و بالاستيجار و الإفساد و الفوات أي فوات الحج فان من فاته وجب عليه التحلل بعمرة، و من وجب عليه التمتع مثلا فاعتمر وفاته الحج فعليه حج التمتع من قابل، و هو انما يتحقق بالاعتمار قبله و بالدخول إلى مكة بل الحرم للدخول إلى مكة فيجب عليه العمرة أو الحج تخييرا إن وجب الدخول، و إلا كان من الوجوب الشرطي نحو الوضوء للنافلة، و على كل حال انما يجب أحدهما مع انتفاء العذر كقتال مباح و مرض لا يمكنه الإحرام معه و لا به أورق لم يأذن له سيده في قول أو رمد


1- 1 الوسائل- الباب 8 من أبواب العمرة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 8 من أبواب العمرة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث

ج 20، ص: 449

كذلك كما تقدم الكلام فيه و مع عدم تكرار الدخول كالحطاب و الحشاش و من أحل و لما يمض شهر كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا، فلا حظ.

و يتكرر وجوبها بحسب تكرر السبب و وقتها عند حصوله.

[في بيان أفعال العمرة]

و أفعالها أي العمرة المفردة التي هي الواجبة بأصل الشرع ثمانية:

النية و الإحرام من الميقات الذي قد عرفته و الطواف و ركعتاه و السعي و التقصير أو الحلق و طواف النساء و ركعتاه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك فتوى و نصا إلا في وجوب طواف النساء فيها، فإنه قيل بعدمه كعمرة التمتع و قد عرفت أن الأصح ما هو المشهور من وجوبه، بل عرفت أيضا تفصيل الكلام في غيره من الأفعال.

[في بيان أقسام العمرة]

اشاره

و تنقسم العمرة بالمعنى الأعم إلى متمتع بها الى الحج و مفردة

[القسم الأولى متمتع بها تجب على من ليس من حاضري المسجد الحرام ]

فالأولى تجب على من ليس من حاضري المسجد الحرام (11) و هو من بعد عنه بثمانية و أربعين ميلا أو باثني عشر ميلا من كل جانب على ما تقدم من الخلاف إذ هي جزء من الحج الذي قد عرفت أنه فرض من كان كذلك و (12) لذا لا تصح إلا في أشهر الحج، و تسقط المفردة معها (13) بلا خلاف أجده فيه كما عرفت الكلام فيه آنفا، لكن في المسالك يفهم من لفظ السقوط أن العمرة المفردة واجبة بأصل الشرع على كل مكلف، كما أن الحج مطلقا يجب عليه و أنها انما تسقط عن المتمتع إذا اعتمر عمرته تخفيفا، و من قوله: «و المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام» الى آخره عدم وجوبها على النائي من رأس، و بين المفهومين تدافع ظاهر، و كأن الموجب لذلك كون عمرة التمتع أخف من المفردة، فكانت المفردة بسبب ذلك أكمل و هي المشروعة بالأصالة المفروضة قبل نزول آية التمتع، و كانت عمرة التمتع قائمة مقام الأصلية مجزئة عنها، و هي منها بمنزلة الرخصة من العزيمة، و يكون قوله: «و المفردة تلزم» الى آخره

ج 20، ص: 450

إشارة الى ما استقر عليه الحال، و صار هو الحكم الثابت الآن بأصل الشرع، ففي الأول إشارة إلى ابتدائه، و الثاني إلى استقراره، و هو كالصريح في المفروغية من عدم وجوب عمرة مفردة على النائي، و يؤيده ما ذكرناه مضافا الى صراحة النصوص أو ظهورها الواردة في حج التمتع في وجوب المتعة بها الى الحج على النائي، بل هو ظاهر قوله تعالى «فَمَنْ تَمَتَّعَ» الآية، و حينئذ يظهر لك ما في المعروف الآن في عصرنا من العلماء و غيرهم من وجوب عمرة مفردة على النائبين عن غيرهم مع فرض استطاعتهم المالية معللين له بأن العمرة واجبة على كل أحد و الفرض استطاعتهم لها، فتجب و إن وجب عليهم الحج بعد ذلك مع حصول شرائط وجوبه، و الله العالم.

و كيف كان ف يلزم فيها التقصير الذي هو أحد المناسك فيها عندنا على وجه يكون تركه نقصا فيها، بل في المنتهى إجماع علمائنا عليه و إن حصل الإحلال له منها، خلافا للشافعي في أحد قوليه، فجعله إطلاق محظور كالطيب، و اللباس، و لا ريب في فساده عندنا بعد ما سمعت من الإجماع بقسميه عليه، و النصوص التي منها

خبر عبد الله بن سنان (1)عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «سمعته يقول: طواف المتمتع أن يطوف بالكعبة و يسعى بين الصفا و المروة و يقصر من شعره، فإذا فعل ذلك فقد أحل»

و خبر عمر بن يزيد(2)عنه عليه السلام أيضا «ثم ائت منزلك و قصر من شعرك و حل لك كل شي ء»

و قال الصادق عليه السلام أيضا في صحيح معاوية بن عمار(3)«ليس في المتعة إلا التقصير»

الى غير ذلك من المعتبرة المستفيضة التي مقتضاها كإطلاق الأكثر الاجتزاء بتحقق مسماه بالإزالة للشعر


1- 1 الوسائل- الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب 4 من أبواب التقصير الحديث 2.

ج 20، ص: 451

أو الظفر بحديد أو نتف أو قرض بالسن أو نحو ذلك،

قال عبد الله بن سنان (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن متمتع قرض أظفاره و أخذ من شعره بمشقص قال لا بأس، ليس كل أحد يجد جلما»

و قال الحلبي في الموثق (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة متمتعة عاجلها زوجها قبل أن تقصر فلما تخوفت أن يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منها بأسنانها و قرضت بأظافيرها هل عليها شي ء؟ فقال: لا، ليس كل أحد يجد المقاريض»

و في حسنه (3)«قلت له عليه السلام أيضا جعلت فداك: اني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم أقصر قال: عليك بدنة، قال: قلت: إني لما أردت ذلك منها و لم تكن قصرت امتنعت، فلما غلبتها قرضت بعض إشعارها بأسنانها، فقال: رحمها الله كانت أفقه منك، عليك بدنة، و ليس عليها شي ء»

و في حسن حفص بن البختري و جميل و غيرهما و صحيحهم (4)عن الصادق عليه السلام «في محرم يقصر من بعض و لا يقصر من بعض قال: يجزيه»

الى غير ذلك من النصوص الدالة على الاكتفاء بمسماه، بل في المنتهى و عن التحرير و التذكرة أدنى التقصير أن يقص شيئا من شعر رأسه، و أقله ثلاث شعرات ناسبا له في الأول إلى اختيار علمائنا و إن كان هو إن لم يتم الإجماع المزبور محل نظر، للشك في تحقق مسماه بذلك، و اليه يرجع ما عن المبسوط من اشتراط كون المقطوع جماعة من الشعر.

و على كل حال فما في

صحيح معاوية و حسنه (5)عن الصادق عليه السلام أيضا «تقصر من شعرك من جوانبه و لحيتك، و خذ من شاربك و قلم أظفارك، و أبق


1- 1 الوسائل- الباب 2 من أبواب التقصير الحديث 1 عن معاوية بن عمار.
2- 2 الوسائل- الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 1 و 4.

ج 20، ص: 452

منها لحجك»

محمول على ضرب من الندب و إن حكي عن جمل العلم و العمل «قصر من شعر رأسه و من حاجبه» و الفقيه «قصر من شعر رأسك من جوانبه و من حاجبيك و من لحيتك، و خذ من شاربك و قلم أظفارك و أبق منها لحجك» قيل:

و كذا المقنع إلا أنه ترك فيه اللحية، و الهداية و المصباح و مختصره إلا أنه ترك فيها الحاجب، لكن لعلهم عبروا بذلك تبعا لما سمعته من قول الصادق عليه السلام لا أن مرادهم الوجوب، و إلا كانوا محجوجين بالنصوص المزبورة التي لا يكافؤها الصحيح و الحسن المزبوران خصوصا بعد اعتضاد النصوص السابقة بإطلاق الفتاوى نعم ظاهر المتن و القواعد و محكي الجمل و العقود و السرائر و التبصرة الاجتزاء ببعض الأظفار أو الشعر من اللحية أو الرأس أو الشارب أو الحاجب أو غيرها، و عن النهاية و التحرير و الإرشاد الاقتصار على شعر الرأس، و عن الاقتصاد و الغنية و المهذب و الإصباح و الإشارة على شعر الرأس و اللحية، و عن المفيد زيادة الحاجب أو الاقتصار عليه و على شعر الرأس، و عن الحلبي و ابن سعيد زيادة الشارب، و في التهذيب و المنتهى و محكي التذكرة «أدنى التقصير أن يقرض أظفاره و يجز من شعره شيئا يسيرا» و عن الوسيلة «أدناه أن يقص شيئا من شعر رأسه أو يقص أظفاره، و الأصلع يأخذ من شعر اللحية أو

الشارب أو يقص الأظفار» و نحوه عن المبسوط و السرائر إلا أن فيهما الحاجب مكان الشارب، و ليس في المبسوط قص الأظفار لغير الأصلع، و لكن الظاهر أن ذلك كله ليس خلافا في المسألة، و انما هو ذكر بعض أفراد ما يتحقق به المسمى.

و كيف كان فيما عن الخلاف من إطلاق أن المعتمر إن حلق جاز و التقصير أفضل واضح الضعف بعد الإحاطة بما ذكرناه إن أراد المتمتع أو ما يعمه، و إن حكي عن المختلف أنه قال: كان يذهب إليه والدي، بل قيل كان دليله أنه إذا أحل من العمرة حل له كل ما حرمه الإحرام، و منه إزالة الشعر بجميع أنواعها

ج 20، ص: 453

فيجوز له الحلق بعد التقصير و أول الحلق تقصير، بل عن التهذيب من عقص شعر رأسه عند الإحرام أو لبده فلا يجوز له إلا الحلق، و متى اقتصر على التقصير كان عليه دم شاة، و ظاهره العموم للحج و عمرة التمتع و المفردة، بل في عمرة التمتع أظهر، و استدل عليه ب

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار(1)«و إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق، و ليس لك التقصير، و إن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير و الحلق في الحج، و ليس في المتعة إلا التقصير»

و صحيح العيص (2)سأله عليه السلام «عن رجل عقص شعر رأسه و هو متمتع ثم قدم مكة فقضى نسكه و حل عقاص رأسه فقصر و أدهن و أحل قال: عليه دم شاة».

و لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله، ضرورة منع كون أو الحلق تقصيرا و لذا كان مقابلا له، فلا يتحقق امتثال فيه، و صحيح معاوية صريح في أنه ليس في المتعة إلا تقصير، و من المحتمل تعلق قوله عليه السلام فيه «في الحج» بالجميع، و أما «نسكه» في صحيح العيص فيحتمل الحج، و إياه و العمرة، و الدم يحتمل الهدي أو الندب كما عن الشهيد، و مما ذكرنا يظهر لك ضعف ما عن المنتهى من أن الحلق مجز و إن قلنا إنه محرم، لكونه عن أمر خارج عن التقصير الحاصل بأول الحلق، فيكون المحرم ما زاد عليه، ضرورة عدم تحقق التقصير به، على أنه ينبغي حينئذ اعتبار النية التي لا أثر لها في النص و لا الفتوى، بل ظاهر إطلاق النص خلافه.

كما أنه يظهر لك الوجه فيما ذكره المصنف و غيره إلا النادر من أنه لا يجوز فيها حلق جميع الرأس، و لو خالف ف حلق لزمه دم كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل هو المشهور مستدلين عليه


1- 1 الوسائل- الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 9.

ج 20، ص: 454

بخبر أبي بصير(1)سأل الصادق عليه السلام «عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه قال: عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق»

و صحيح جميل (2)عنه عليه السلام أيضا «في متمتع حلق رأسه بمكة إن كان جاهلا فليس عليه شي ء، و إن تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء، و إن تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه»

و مرسله (3)عن أحدهما عليهما السلام «إن كان ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء و إن كان متمتعا في أول شهور الحج فليس عليه شي ء إذا كان قد أعفاه شهرا».

لكن قد يناقش في الأول مضافا الى ضعف سنده بظهوره في غير العامد الذي حكي الإجماع ممن عدا الماتن على عدم وجوب ذلك عليه، للأصل و الصحيح و المرسل المزبورين، فلا بد من حمله على ضرب من الندب، و في الصحيح بعدم ظهوره في الحلق بعد الإحرام، بل لعل الدم فيه لترك توفير الشعر المستحب عند الأصحاب، و الواجب عند الشيخين، بل عن المفيد منهما التصريح بوجوب الدم فيه كما سمعت البحث فيه في بحث الإحرام، بل استدل له به و سمعت الكلام فيه هناك، على أنه مشتمل على التفصيل في العمد المنافي لإطلاق الأصحاب و من هنا يقوى الاحتمال المزبور، و إلا كان من الشواذ المطرحة، و حينئذ فلا دليل على وجوب الدم، و لذا جزم بعدمه بعض متأخري المتأخرين إلا أن يكون

إجماعا أو شهرة تجبر الدلالة على وجه يثبت بها المطلوب، و لا ريب في أنه أحوط حتى في صورة السهو التي هي مقتضى إطلاق المصنف هنا و في النافع.

و الأحوط أن يكون شاة و إن أطلق في النصوص السابقة، بل هو المحكي عن إطلاق الأكثر أيضا، بل عن ابن حمزة جعله مما يوجب الدم المطلق لكن


1- 1 الوسائل- الباب 4 من أبواب التقصير الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 4 من أبواب التقصير الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب 4 من أبواب التقصير الحديث 1.

ج 20، ص: 455

في القواعد و محكي التهذيب و المهذب و السرائر تعيينه بالشاة لا لقاعدة الاقتصار على الأقل لأصالة البراءة، ضرورة ثبوت أقل منها كالجدي و نحوه، بل لدعوى الانصراف إليها، مضافا الى الاحتياط.

نعم قد يقال باختصاص الدم بحلق جميع الرأس المنصرف من الأدلة السابقة و من الفتاوى دون البعض، كما عن التهذيب التصريح به، بل يوافقه محكي التحرير و المنتهى و الدروس، بل قد صرح بجوازه في القواعد و المنتهى و محكي النهاية و المبسوط و التهذيب و السرائر، بل في الثاني منها «أنه يجزي عن التقصير و لا دم عليه» بل في كشف اللثام «لأنه تقصير لما عرفت من عمومه لأنواع الإزالة طرا. و لأحد لأكثر و الأصل الإباحة و البراءة من الدم، فلتحمل الأخبار على حلق الكل، قال الشهيد: و لو حلق الجميع احتمل الاجزاء لحصوله بالشروع، و هو جيد» و إن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا من مقابلة الحلق للتقصير في النص و الفتوى، فلا يتحقق به مسماه، و لكن لا دم بحلق البعض الذي لا يتحقق به مسمى حلق الرأس، للأصل بعد ما سمعت من كون العمدة الإجماع أو الشهرة الجابرة، و هما في الكل دون البعض.

بل قد يناقش في الإثم به لذلك أيضا بعد ظهور نصوص الدم المستفاد منها الإثم في الجميع، بل قد يناقش في تحريمه أجمع أيضا بعد التقصير فضلا عن ثبوت الدم فيه و إن حكي التصريح به عن الشهيد وفاقا لابني حمزة و البراج، لايجابهما الكفارة بالحلق قبل الحج، بل في كشف اللثام «لأنه لو لم يحرم بعده لم يحرم أصلا، لأن أوله تقصير، إلا أن تلحظ النية» و لكن فيه أن ظاهر خبر أبي بصير(1)الموجب للدم في الحلق قبل التقصير، و لعله لذا قال في النافع


1- 1 الوسائل- الباب 4 من أبواب التقصير الحديث 3.

ج 20، ص: 456

و لو حلق قبله لزمه شاة مشعرا بعدمها فيه بعده، بل و بعدم الإثم للأصل و العموم في النصوص و الفتاوى أنه يحل له كل شي ء حرم عليه بالإحرام بعد التقصير، فدعوى اختصاص الإحلال بغيره منافية لذلك، و احتمال الاستدلال لها بالصحيح المتقدم الذي هو في قوة تخصيص الإحلال بما عداه- كما عن بعض المحدثين التصريح به، فقال: إنه يحل له بالتقصير كل ما حرم عليه بالإحرام إلا الحلق و هو ظاهر الأصحاب- يدفعه ما عرفته من خروج الصحيح عن محل الفرض كي يصح به الاستدلال على الحكم المزبور المنافي للعمومات المذكورة، و لا

ظهور في كلام الأصحاب فيما ذكره، و انما ظاهره حرمة الحلق بدل التقصير على معنى الإحلال به دونه كالحج، لا أن المراد حرمته عليه حتى بعد الإحلال بالتقصير و إن بقي مدة طويلة لانتظار الحج، بل يمكن القطع بعدمه، كما هو واضح هذا و قد تقدم سابقا في أفعال الحج حكم من حلق رأسه قبل محله، و الأصلع بالنسبة إلى وجوب إمرار الموسى على رأسه في الأول دون الثاني، فلا حظ.

و لو ترك التقصير حتى أهل بالحج سهوا صحت متعته بلا خلاف أجده فيه ل

صحيح معاوية و حسنه (1)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل أهل بالعمرة و نسي أن يقصر حتى دخل في الحج قال: يستغفر الله و لا شي ء عليه و تمت عمرته»

بل ظاهره عدم دم عليه أيضا كما في القواعد و المحكي عن سلار و ابن إدريس، و هو مقتضى الأصل، لكن

سأل إسحاق بن عمار(2)أبا إبراهيم عليه السلام «عن الرجل يتمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج فقال: عليه دم يهريقه»

بل عن الشيخ و بني زهرة و البراج و حمزة العمل به، و لا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى لقاعدة التخصيص التي هي أولى من الحمل على الندب إن لم يكن المراد من


1- 1 الوسائل- الباب 6 من أبواب التقصير الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 6 من أبواب التقصير الحديث 2.

ج 20، ص: 457

نفي الشي ء في الأول العقاب، بل ينبغي أن يكون شاة كما عن الغنية و المهذب و الإشارة لما سمعته مكررا من الانصراف و للاحتياط، و عن ابن حمزة إدراجه فيما فيه دم مطلق، و الأول أحوط إن لم يكن أقوى.

و لو ترك التقصير عمدا حتى أهل بالحج بطلت متعته و صارت حجته مبتولة كما عن الشيخ و ابني حمزة و سعيد و الفاضل في المختلف و الإرشاد و التحرير و التذكرة و المنتهى بل في الدروس أنه المشهور، ل

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير(1): «المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبى قبل أن يقصر فليس له أن يقصر و ليس له متعة»

و خبر محمد بن سنان (2)عن العلاء بن الفضيل قال: «سألته عليه السلام عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصر قال: بطلت متعته و هي حجة مبتولة»

و المناقشة في السند مع وصف أولهما بالصحة في المنتهى مدفوعة بالانجبار، فما عن ابن إدريس- من بطلان الثاني، لأنه لم يتحلل من عمرته مع الإجماع على عدم جواز إدخال الحج على العمرة قبل إتمام مناسكها، و التقصير من مناسكها عندنا، فهو حج منهي عنه فيفسد، خصوصا و قد نوى المتعة دون الافراد- واضح الفساد بناء على أصولنا من العمل بمثل الخبرين المزبورين اللذين لا وجه لاحتمال

اختصاصهما بمن نوى العدول بعد إطلاقهما أو ظهورهما في عدمه، فمن الغريب موافقة الفاضل و الشهيد له على ذلك في محكي التلخيص و الدروس مع مخالفتهما له في أصله الذي هو عدم العمل بأخبار الآحاد و إن صحت، و الله العالم.

و يستحب للمتمتع بعد التقصير التشبه بالمحرمين في ترك المخيط و غيره ل

قول الصادق عليه السلام في مرسل ابن البختري (3)«ينبغي للمتمتع بالعمرة الى


1- 1 الوسائل- الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب 54 من أبواب الإحرام الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب 7 من أبواب التقصير الحديث 1.

ج 20، ص: 458

الحج إذا أحل أن لا يلبس قميصا و ليتشبه بالمحرمين».

و كذا يستحب لأهل مكة التشبه بالمحرمين أيام الحج ل

خبر معاوية(1)عنه عليه السلام «لا ينبغي لأهل مكة أن يلبسوا القميص، و أن يتشبهوا بالمحرمين شعثا غبرا، قال: و قال عليه السلام و ينبغي للسلطان أن يأخذهم بذلك»

و الله العالم.

و كيف كان ف لا يجب فيها طواف النساء بخلاف المفردة إلا على قول نادر في كل من المستثنى و المستثنى منه، و قد تقدم الكلام فيه مفصلا

[القسم الثاني المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام ]

و المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام غير البعيدين بالمقدار المزبور، كما يلزمهم أيضا الحج بأحد قسميه، و لو وجبا معا فقد قطع الأصحاب بوجوب تأخير العمرة حينئذ عن الحج، بل ظاهر غير واحد كالعلامة الطباطبائي و سيد الرياض الإجماع عليه، بل في كشف اللثام الإجماع قولا و فعلا عليه، بل عن المنتهى ذلك أيضا و قد ذكرنا سابقا أن الإجماع المزبور هو العمدة في إثبات ذلك، و لولاه لكان للنظر فيه مجال، إذ في استفادته من النصوص نظر كما في المدارك، بل ظاهرها خلافه، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف في أن العمرة المفردة تصح في جميع أيام السنة و إن كان أفضلها ما وقع في رجب فإنها فيه تلي الحج في الفضل كما عن الشيخ إرساله عنهم عليهم السلام في المصباح (2)

و قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(3): «المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء، و أفضل العمرة عمرة رجب»

و في صحيحه الآخر(4)عنه عليه السلام أيضا «سئل عليه السلام أي العمرة أفضل عمرة في رجب أو عمرة في شهر رمضان؟ قال: لا بل في رجب أفضل»

كقول الباقر عليه السلام


1- 1 الوسائل- الباب 7 من أبواب التقصير الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 13.
4- 4 الوسائل- الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 3.

ج 20، ص: 459

في صحيح زرارة(1)في حديث «و أفضل العمرة عمرة رجب»

و الظاهر أنه يكفي في كونها رجبية الإهلال بها فيه و إن وقع باقي أفعالها في شعبان،

قال الصادق عليه السلام في صحيح أبي أيوب الخزاز(2)في حديث «اني كنت أخرج الليلة أو الليلتين يبقيان من رجب فتقول أم فروة أي أبه إن عمرتنا شعبانية، فأقول لها أي بنية انها فيما أهللت و ليس فيما أحللت»

و قال عليه السلام أيضا في صحيح عبد الله بن سنان (3)«إذا أحرمت و عليك من رجب يوم و ليلة فعمرتك رجبية»

بل

قال عليه السلام أيضا في خبر عيسى الفراء(4)«إذا أهل بالعمرة في رجب و أحل في غيره كانت عمرته لرجب، و إذا أهل في غير رجب و طاف في رجب فعمرته لرجب»

و لكن

كتب علي بن حديد(5)الى أبي جعفر عليه السلام «عن الخروج في شهر رمضان أفضل أو يقيم حتى ينقضي الشهر و يتم صومه، فكتب اليه كتابا

قرأه بخطه سألت رحمك الله عن أي العمرة أفضل عمرة شهر رمضان أفضل يرحمك الله»

و يمكن إرادته الفضل على الصوم في شهر رمضان و اختصاصه بالسائل، نحو ما في

خبر الوليد بن صحيح (6)قال للصادق عليه السلام «بلغنا أن عمرة في شهر رمضان تعدل حجة فقال: انما كان ذلك في امرأة وعدها رسول الله صلى الله عليه و آله فقال لها: اعتمري في شهر رمضان أفضل، فهو لك حجة»

و الله العالم.

و من أحرم بالمفردة في أشهر الحج و دخل مكة و لم تكن متعينة عليه بسبب من الأسباب على ما في المسالك، و إن نوقش بأن مقتضى إطلاق الأدلة خلافه، و قد يدفع بأن المراد إذا كان هناك سبب يقتضي تعين المفردة على وجه لا يكفي في امتثاله المتمتع بها، و على كل حال فمتى كان كذلك


1- 1 الوسائل- الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب 3 من أبواب العمرة الحديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب 4 من أبواب العمرة الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب 4 من أبواب العمرة الحديث 1.

ج 20، ص: 460

جاز أن ينوي المتمتع و يلزمه دم كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا، للمعتبرة التي منها

قول الصادق عليه السلام في قوى عمر بن يزيد(1)«من دخل مكة معتمرا مفردا للحج فيقضي عمرته كان له ذلك، و إن أقام الى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة، قال: و ليس تكون متعة إلا في أشهر الحج»

و سأله عليه السلام أيضا يعقوب بن شعيب (2)في الصحيح «عن المعتمر في أشهر الحج فقال: هي متعة»

بل الظاهر استحباب ذلك له خصوصا إذا أقام إلى هلال ذي الحجة، و لا سيما إذا أقام إلى التروية تنزيلا للنصوص على ذلك، ففي

مرسل موسى بن القاسم (3)«من اعتمر في أشهر الحج فليتمتع»

و في

صحيح عمر بن يزيد(4)عن أبي عبد الله عليه السلام «من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج مع الناس»

و في صحيحه (5)الآخر عنه عليه السلام أيضا «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء إلا أن يدركه خروج الناس يوم التروية»

و لهذا الصحيح حكي عن القاضي وجوب الحج على من أدرك التروية إلا أنه قول نادر، فالمتجه حمله على ضرب من الكراهة، خصوصا بعد

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (6)«لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم يرجع الى أهله»

و في

خبر اليماني (7)بعد أن سأله عليه السلام «عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم رجع الى

بلاده قال: لا بأس و إن حج من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم، فان الحسين بن علي عليهما السلام خرج قبل التروية بيوم، و قد كان دخل معتمرا»

بل في التهذيب خرج يوم التروية،


1- 1 الوسائل- الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 8 مع اختلاف في اللفظ.
4- 4 الوسائل- الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 2.

ج 20، ص: 461

و لعله الأصح ل

صحيح معاوية(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام من أين افترق المتمتع و المعتمر، فقال: إن المتمتع مرتبط بالحج، و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء، و قد اعتمر الحسين عليه السلام في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق و الناس يروحون إلى منى، و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج»

و منه يعلم أنه لا وجه لاحتمال الضرورة في خروج الحسين عليه السلام، ضرورة كون الاستدلال بما ذكره عليه السلام من الفرق مستدلا عليه بفعل الحسين عليه السلام، و

قال أبو جعفر عليه السلام في حسن (2)نجية «إذا دخل المعتمر مكة غير متمتع فطاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و صلى الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام فليلحق بأهله إن شاء و قال: إنما أنزلت العمرة المفردة و المتعة، إلا أن المتعة دخلت في الحج و لم تدخل العمرة المفردة في الحج»

و إن كان قد يظهر من ذيله عدم جواز الدخول في حج التمتع بالمفردة و إن كانت في أشهر الحج، و لذا حكي عن الشيخ حمله على المفردة في غير أشهر الحج، و لعل حمله على إرادة كون الأمر له فيها أولى، و

قال الصادق عليه السلام في موثق سماعة(3)«من حج معتمرا في شوال و من نيته أن يعتمر و يرجع الى بلاده فلا بأس بذلك، و إن هو أقام إلى الحج فهو متمتع، لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن اعتمر فيهن فأقام إلى الحج فهي متعة، و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهي عمرة، و إن اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس بمتمتع، و انما هو مجاور و أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرة إلى الحج


1- 1 الوسائل- الباب 7 من أبواب العمرة الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب 5 من أبواب العمرة الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب 10 من أبواب أقسام الحج- الحديث 2.

ج 20، ص: 462

فان هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها»

الى غير ذلك من النصوص المتجه الجمع بينها بما ذكرناه لا بالمحكي عن القاضي، فإنه و إن كان يوافق قاعدة حمل المطلق على المقيد في بعضها إلا أنه لمكان ندرته لا يكافؤ المطلق، فيتجه الحمل على الكراهة و الندب بالمراتب المزبورة، كما أن المتجه إرادة التمتع بها

بالنية لا أنها تكون قهرا و إن لم ينو و إن أفاده بعض النصوص السابقة، إلا أنه لم نجد قائلا به، بل الأصل يقتضي خلافه أيضا.

و من النصوص المزبورة و غيرها ظهر لك الوجه فيما ذكره المصنف و غيره من أنه لو كان العمرة المفردة في غير أشهر الحج لم يجز التمتع بها، مضافا الى ما عرفته سابقا من دخول عمرة التمتع في الحج، فلا يجوز وقوعها في غير أشهره و كذا ظهر لك أيضا من بعضها مضافا الى ما تقدم ما ذكره المصنف و غيره من أنه لو دخل مكة متمتعا لم يجز له الخروج حتى يأتي بالحج لأنه مرتبط به، نعم لو خرج بحيث لا يحتاج الى استئناف إحرام بأن عاد قبل الشهر جاز، و لو خرج و لم يعد حتى مضى الشهر فاستأنف عمرة تمتع بالأخيرة دون الأولى، فإنها تكون حينئذ مفردة و إن قيل أن في افتقارها الى طواف النساء حينئذ و ركعتيه وجهين كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا، فلا حظ و تأمل.

و تستحب المفردة في كل شهر بلا خلاف أجده فيه إلا من العماني فاعتبر السنة بين العمرتين، ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (1)«العمرة في كل سنة مرة»

و قوله و أبي جعفر عليهما السلام في صحيح حريز و زرارة(2)«لا يكون عمرتان في سنة»

و لكنهما لندرة القائل بهما حتى من العماني فإن العبارة


1- 1 الوسائل- الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 7 و 8.

ج 20، ص: 463

المحكية عنه غير صريحة في ذلك، قال «و قد تأول بعض الشيعة هذا الخبر على معنى الخصوص، فزعمت أنها في التمتع خاصة، فأما غيره فله أن يعتمر في أي الشهور شاءوكم شاء من العمرة فإن يكن ما تأولوه موجودا في التوقيف عن السادة آل الرسول صلى الله عليه و آله فمأخوذ به، و إن كان غير ذلك من جهة الاجتهاد و الظن فذلك مردود عليهم، و أرجع في ذلك كله الى ما قالته الأئمة عليهم السلام» قلت:

يكفي في وجوده استفاضة النصوص بها في الأقل من ذلك،

قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(1)«كان علي عليه السلام يقول لكل شهر عمرة»

و في

صحيح ابن الحجاج (2)عنه عليه السلام أيضا «في كتاب علي عليه السلام في كل شهر عمرة»

و في الموثق (3)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن عليا عليه السلام كان يقول: في كل شهر عمرة»

و في آخر(4)«كان علي عليه السلام يقول: لكل شهر عمرة»

و في

خبر علي بن أبي حمزة(5)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يدخل مكة في السنة المرة أو المرتين و الأربعة كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبيا، و إذا خرج فليخرج محلا، قال: و لكل شهر عمرة، فقلت يكون أقل قال: لكل عشرة أيام، ثم قال: و حقك لقد كان في عامي هذه السنة ست عمر، قلت: و لم ذاك؟ فقال:

كنت مع محمد بن إبراهيم بالطائف فكان كلما دخل مكة دخلت معه»

و قال الصادق عليه السلام أيضا في الموثق (6): «السنة اثنا عشر شهرا، يعتمر لكل شهر عمرة، قال: فقلت له: أ يكون أقل من ذلك قال: لكل عشرة أيام عمرة»

و قد عمل بها الشيخ في التهذيب و ابنا حمزة و زهرة و أبو الصلاح و المصنف في النافع


1- 1 الوسائل- الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 9 و 10 و الصدر من رواية إسحاق بن عمار و الذيل من خبر علي بن أبي حمزة.

ج 20، ص: 464

و الفاضل في المختلف و الشهيد في الدروس على ما حكي عن بعضهم، و أيد بأن من دخل مكة بعد خروجه منها لم يجب عليه الإحرام إذا لم يكن مضى شهر و بما سمعت من إطلاق الأصحاب أن من أفسد عمرته قضاها في الشهر الآتي، و قال الحلبيان فيما حكي عنهما في كل شهر أو في كل سنة مرة، و هو يحتمل التردد و التخيير،

و لعل الثاني أظهر، بل عن الإسكافي و المهذب و الجامع ما في المتن و أقله أي الفصل بين العمرتين عشرة أيام بل هو خيرة محكي التحرير و التذكرة و المنتهى و الإرشاد و التبصرة لما سمعته من الخبرين اللذين لا يعارضهما ما في باقي النصوص من أنه لكل شهر أو في كل شهر عمرة بعد عدم دلالته على عدم ذلك في الأقل، بل ما سمعته من سؤال الراوي عن الأقل كالصريح في عدم فهمه من العبارة المزبورة المنع عن غيره، خصوصا بعد أن أقره الإمام عليه السلام على ذلك، و قال: «لكل عشرة عمرة» بل لعل المتجه و الموافق للضوابط في السنن القول بأن المراد من

قوله عليه السلام «لكل عشرة عمرة»

أنه يكره أن يأتي بعمرتين بينهما أقل من عشرة أيام كما في كشف اللثام و محكي المنتهى كراهة عبادة جمعا بين ذلك و بين ما دل على استحباب العمرة على الإطلاق و إن كان قيل كما عن صريح الحسن و الإصباح و النافع و ظاهر الوسيلة و كتب الشيخ يحرم عدم الفصل بأحد ما ذكر، و أنها لا تصح بدونه لأنها عبادة لا تصح إلا متلقاة من الشارع و لم تتلق إلا مشروطة بالفصل به و لكن الأول أشبه بأصول المهذب و قواعده التي منها التسامح في المستحبات، و عدم صراحة نصوص الشهر و العشر في التحريم، بل و ظهورها، خصوصا بعد ما سمعته في الشهر و العشر، بل اليه يرجع ما عن الجمل و الناصريات و السرائر و المراسم و التلخيص و اللمعة من جواز التوالي بين العمرتين

ج 20، ص: 465

بل نسب الى كثير من المتأخرين، بل في الناصريات نسبته إلى أصحابنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، للإطلاق المزبور الذي منه أنها الحج الأصغر بل في

النبوي (1)«العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما»

و نحوه، و احتمال المناقشة فيه- بعد الإغماض عن السند أنه بالنسبة إلى تحديد المدة مجمل غير واضح الدلالة، فإن إطلاقه مسوق لبيان الفضيلة لا لتحديد المدة، بل بذلك يمكن الجواب عن الإطلاق الآخر في الندب إليها إن وجد- يدفعه أنه ظاهر بمقتضى إطلاقه في عدم اعتبار المدة لا أنه مجمل بالنسبة إليها، و كذا ما دل على طلبها و الحث عليها حتى شبه غيرها من العبادات بها و بالحج كما لا يخفى على ذي مسكة، و لا ينافيه نصوص الشهر و العشر التي أقصاها عدم ترتب الاستحباب المخصوص أو الكراهة، نعم في صحيحي حريز(2)و زرارة(3)النهي عنهما قبل سنة و قد عرفت الإجماع على خلاف ذلك من غير العماني، فليحمل على التقية من بعض العامة أو على إرادة عمرة التمتع، أو على إرادة مرتبة من مراتب الكراهة، أو على أن المراد اني لا أعتمر في كل سنة إلا مرة كما أن المراد من الصحيح الآخر تأكد استحباب الاعتمار في كل سنة أو غير ذلك مما هو أولى من الطرح و إن بعد، و إن أبيت فلا بأس به بعد ما عرفت من شذوذ

القول به، بل يمكن القطع بفساده و لو للسيرة و العسر و الحرج، ضرورة شدة احتياج الدخول إلى مكة و الخروج منها لجملة من الناس في السنة مرارا متعددة، بل و في الشهر الواحد، و من الغريب بعد هذا كله ما وقع من بعض متأخري المتأخرين من دعوى كون المسألة مشكلة، لعدم وضوح دليل على شي ء مما فيه من الأقوال، فلا يترك الاحتياط فيها على حال.


1- 1 كنز العمال- ج 3 ص 22- الرقم 487 و 488.
2- 2 الوسائل- الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب 6 من أبواب العمرة الحديث 8.

ج 20، ص: 466

نعم ينبغي القطع بجوازها في كل شهر، و يبقى الكلام في العشر فما دونها لضعف المستند فيهما، فتركها فيهما أحوط و أولى، و لا تجوز المسامحة هنا في الفتوى باستحبابها فيهما، لوجود القول بالتحريم و المنع عنهما، إذ هو كما ترى لأن القول بالتحريم الناشئ من دعوى التشريع في العبادة لا ينافي القول بثبوتها بأدنى دليل صالح لإثبات الاستحباب فيها، فضلا عما عرفت من المطلقات و غيرها، على أن نصوص الشهر تحتمل إرادة جوازها في كل شهر على وجه لا يحصل الفصل، بينها بغيره، كما إذا كانت إحداهما في آخر شهر و الأخرى في أول آخر، و بالجملة فالأقوى جواز التوالي بين العمرتين على الوجه الذي ذكرناه، بل لا يبعد جوازه في كل يوم و إن كان قد توهم بعض العبارات أن أقل الفصل يوم على معنى أن لكل يوم عمرة، لكن مقتضى ما ذكرنا عدم الفرق بين اليوم و غيره، فتأمل جيدا.

و يتحلل من العمرة المفردة بالتقصير و الحلق بلا خلاف أجده بل و لا إشكال بعد

قول الصادق عليه السلام في الصحيح (1): «المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة و صلاة الركعتين خلف المقام و السعي بين الصفا و المروة حلق أو قصر»

و في آخر(2)«في الرجل يجي ء معتمرا عمرة مبتولة قال: يجزيه إذا طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و حلق أن يطوف طوافا واحدا بالبيت و إن شاء أن يقصر قصر»

و غيرهما من النصوص و لكن الحلق أفضل بلا خلاف أيضا بل و لا إشكال بعد

قول الصادق عليه السلام في الصحيح (3)«قال:

رسول الله صلى الله عليه و آله في العمرة المبتولة اللهم اغفر للمحلقين، فقيل يا رسول الله:


1- 1 الوسائل- الباب 5 من أبواب التقصير الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 9 من أبواب العمرة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب 5 من أبواب التقصير الحديث 1.

ج 20، ص: 467

و للمقصرين فقال: و للمقصرين»

و حسن سالم بن الفضيل (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام دخلنا بعمرة فنقصر أو نحلق؟ فقال: احلق فان رسول الله صلى الله عليه و آله

ترحم على المحلقين ثلاث مرات، و على المقصرين مرة»

يرا بذلك الى ما

روي عنه صلى الله عليه و آله أنه قال: «اللهم اغفر للمحلقين فقيل يا رسول الله: و للمقصرين، فقال: اللهم اغفر للمحلقين، فقيل يا رسول الله: و للمقصرين فقال:

اللهم اغفر للمحلقين، فقيل يا رسول الله: و للمقصرين فقال: و للمقصرين».

و كيف كان ف إذا قصر أو حلق حل له كل شي ء إلا النساء، فإذا أتى بطواف النساء حل له النساء بلا خلاف أجده في ذلك إلا ما يحكي عن أبي الصلاح فقدم طواف النساء على الحلق أو التقصير، و النصوص المتقدمة في المقام و غيره حجة عليه و حينئذ ف هو أي طواف النساء واجب في المفردة بعد السعي و الحلق أو التقصير على كل معتمر من امرأة و خصي و صبي خلافا لما سمعته سابقا من ظاهر العماني من عدم الوجوب فيها، و قد مر الكلام فيه مفصلا، و إن كان المراد من الوجوب بالنسبة إلى الصبي الثبوت، لعدم التكليف عليه، فيمتنع حينئذ من مباشرة النساء و لو بعد البلوغ حتى يأتي بطوافهن، كما تمتنع الصبية و النساء عن الرجال حتى يطفن كما سمعت الكلام في ذلك فيما مضى و كذا مر ان وجوب العمرة

على الفور و الحمد لله الذي يسر لنا هذا القدر من مسائل الحج، و له الشكر على ذلك أولا و آخرا و باطنا و ظاهرا و إلا فمسائل الحج أجل من أن تستقصى،

قال زرارة(2)في


1- 1 الوسائل- الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير الحديث 13 عن سالم أبي فضل إلا أن الموجود في الفقيه ج 2 ص 276 الرقم 1346 سالم بن الفضيل.
2- 2 الوسائل- الباب 1 من أبواب وجوب الحج الحديث 12.

ج 20، ص: 468

الصحيح للصادق عليه السلام: «جعلني الله فداك إني أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتني، فقال يا زرارة: بيت يحج قبل آدم بألفي عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاما»

و كتب بيده مؤلفه العبد العاثر المقصر القاصر محمد حسن بن المرحوم الشيخ باقر تغمدهما الله برحمته في يوم الأحد سادس و عشرين من شهر رمضان المبارك سنة الألف و المأتين و ست و خمسين من الهجرة النبوية على مهاجرها و آله الطيبين الطاهرين ألف ألف صلاة و سلام و تحية قد تم الجزء العشرون من كتاب جواهر الكلام بحمد الله و منه المشتمل على الأحكام المتعلقة بمنى بعد العود و الإحصار و الصد و أحكام الصيد و ما يتعلق به الكفارة و الضمان و باقي المحظورات و العمرة، و قد بذلنا الجهد غايته في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف نور الله ضريحه و قد خرج بعون الله و لطفه خاليا عن الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه

البصر، و يتلوه الجزء الحادي و العشرون في الجهاد إن شاء الله تعالى عباس القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.