غديريات

اشارة

نام كتاب: غديريات

نويسنده: العلامة الشيخ عبدالحسين اميني- نعمان النصري

موضوع: اعتقادات و پاسخ به شبهات

زبان: عربي

تعداد جلد: 1

ناشر: نشر مشعر

مكان چاپ: تهران

نوبت چاپ: 1

ص:1

اشارة

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

ص:6

ص:7

المقدمة

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

قال تبارك وتعالى في كتابه الكريم:

والشعراءُ يتّبعهم الغاوونَ ألم تر أنّهم في كلّ وادٍ يهيمون وأنّهم يقولون ما لا يفعلون إلّاالذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا اللَّه كثيراً وانتصروا من بعدِ ما ظُلِموا .. الآية «(1)»ذكر ابن كثير في تفسيره أنّه لمّا نزلت هذه الآية (أي قوله والشعراء يتّبعهم الغاوون) جاء عدّة من الشعراء إلى رسول اللَّهصلى الله عليه و آله وهم يبكون قائلين: إنّا شعراء، واللَّه أنزل هذه الآية، فتلا النبيصلى الله عليه و آله: إلّاالذين آمنوا وعملوا الصالحات قال: أنتم،


1- الشعراء: 224- 227

ص:8

وذكروا اللَّه كثيراً قال: أنتم، وانتصروا من بعد ما ظلموا قال: أنتم «(1)».

بهذا يكون القرآن الكريم قد بيّن لنا الخطوط العامّة التي يمكن الاستناد إليها في معرفة الشعر الحقّ الذي يؤدّي رسالته بالشكل المطلوب ويكون مصداقاً لقولهصلى الله عليه و آله: إنّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، فالشعر المستند على الحقائق البعيد عن الخيالات والأباطيل، ذلك هو الذي يرشد إليه الحديث الشريف، وقد حفل تأريخنا بنماذج عديدة لا يمكن احصاؤها من الشعر والشعراء، فمنهم من نهج جادّة الحقّ ومنهم من عدل عنها، والعلّامة الأميني بوصفه ذا خبرة فائقة في تمييز الشعر المذهبي الطافح بالحقيقة من غيره، قد ضمّن موسوعته الكبرى الغدير في الكتاب والسنّة والأدب بمجموعة رائعة وعظيمة مما قيل من الشعر حول الغدير، وقد اختار من الشعراء من هو عالم بما يقول، أو هو من رواة الحديث؛ من الذين لا يقصدون بشعرهم القصصي الصور الخيالية الفارغة وإنما يبغون بيان تلك الحقيقة الناصعة التي ذكرها القرآن الكريم وبيّنها الرسول الكريم بأبين كلامه وأوضحه، ولْنقفْ على بعض ماذكره العلّامة الفذ الأميني في مقدّمة الجزء الثاني من غديره


1- تفسير القرآن العظيم 3: 354

ص:9

الذي خصصه وما بعده لبحث الغدير في الشعر:

غير أنَّه يروقنا هاهنا التبسّط في ذلك، بإيراد الشعر المقول فيه، مع يسير من مكانة الشاعر وتوغّله في العربيّة، ليزداد القارئ بصيرةً على بصيرته.

إلّا أنَّ كلًاّ من أولئك الشعراء الفطاحل- وقلّ في أكثرهم العلماء- معدود من رواة هذا الحديث، فإنَّ نظمهم إيّاه في شعرهم القصصي ليس من الصور الخياليّة الفارغة، كما هو المطّرد في كثير من المعاني الشعريّة، ولدى سواد عظيم من الشعراء، ألم ترهم في كلِّ وادٍ يهيمون؟ لكنّ هؤلاء نظموا قصّةً لها خارجٌ، وأفرغوا ما فيها من كَلِمٍ منثورة أو معانٍ تلكم القوافي المنضّدة في عقودها الذهبيّة من جملة المؤكِّدات لتواتر الحديث.

ومن هنا لم نعتبر في بعض ما أوردناه أن يكون من علّية الشعر، ولا لاحظنا تناسبه لأوقات نبوغ الشاعر في القوّة، لما ذكرناه من أنَّ الغاية هي روايته للحديث وفهمه المعنى المقصود منه، ولن تجد أيَّ فصيح من الشعراء والكتّاب تشابهت ولائد فكرته في القوّة والضعف في جميع أدواره وحالاته.

وقد بدأ العلامة الأميني قدس سره الجزء الثاني من غديره العظيم بذكر ما جاء على لسان الشعراء ابتداءً بشعراء القرن الأول وأولهم سيدهم وسيد الأولين والآخرين بعد حبيب إله العالمين أمير

ص:10

المؤمنين عليه السلام، بقوله عليه السلام:

محمّد النبيّ أخي وصنوي وحمزة سيّدُ الشهداء عمّي

ثمّ أتبع ذلك ببقية شعراء القرن الأول ثم الثاني والثالث... الى القرن الحادي عشر وبلغ مجموع الشعراء الذين ذكرهم 105 آخرهم الشاعر السيد بدر الدين الصنعاني مختتماً جولته الشعرية بقول الشاعر المتقدم:

فيه الذي في الغدير عيّنه وبَخْبَخَ القومُ فيه واعترفوا

فإليك- عزيزي القارئ- أوّل حلقات سلسلة «من فيض الغدير» التي تضمّ أهمّ الأمور المذكورة في كتاب الغدير والتي تتعلق بالشبهات التي تثار من هنا وهناك في سبيل النيل من هذه الطائفة الشيعية وقد قام بردّها الشيخ المؤلّف ردّاً علمياً رصيناً بعد تحقيقها وإخراجها على الوجه المطلوب.

وقد انتخبت في هذه الحلقة أهم القصائد التي ذكرها الشيخ المؤلّف والتي تعرضت لواقعة الغدير، فاخترت بمعونة اللَّه تعالى مجموعة من القصائد لأربعين شاعراً من مجموع الشعراء واعتمدت على ما جاء فيه ذكر الغدير زماناً ومكاناً ومعنى ولغة وتأريخاً وتفسيراً ممّا خطّته أنامل الشعراء؛ وقد استخرجت

ص:11

مصادرها وصحّحت ما جاء فيها من الأخطاء المطبعية والإملائية وغيرها ورتّبتها بحسب ما رتّبها المصنّف رحمه الله وأبقيت على حواشي المصنف في الغدير كما هي، وقد استفدت أيضاً من الطبعة المحقّقة لمركز الغدير للدراسات الإسلامية، الذي أخرج الكتاب إخراجاً فنّياً وعلمياً يليق به فشكر اللَّه سعي العاملين فيها وما توفيقي إلّا باللَّه عليه توكلت وإليه أنيب.

نعمان النصري

ص:12

ص:13

من أشعار الغدير في القرن الأول

اشارة

ص:14

ص:15

1

أمير المؤمنين عليه السلام

نتيمّن في بدء الكتاب بذكر سيّدنا أمير المؤمنين عليّ خليفة النبيّ المصطفى-صلّى اللَّه عليهما وآلهما- فإنّه أفصح عربيّ، وأعرف الناس بمعاريض كلام العرب بعدصنوه النبي الأعظم، عرف من لفظ المولى في قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» معنى الإمامة المطلقة، وفرض الطاعة التي كانت لرسول اللَّهصلى الله عليه و آله و سلم وقال عليه السلام:

محمّد النبيّ أخي وصنوي وحمزةُ سيّدُ الشهداءِ عمّي

وجعفرٌ الذي يُضحي ويُمسي يطيرُ مع الملائكة ابنُ أمّي

وبنتُ محمّد سَكَني وعِرْسي منوطٌ لحمُها بدمي ولحمي

وسبطا أحمدٍ وَلَداي منها فَأيّكمُ له سَهْمٌ كسهمي

ص:16

سبقتكُم إلى الإسلام طُرّاً على ما كان من فَهْمي وعلمي

فأوجبَ لي ولايتَهُ عليكمْ رسولُ اللَّه يومَ غديرِ خُمّ

فويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويلٌ لمن يلقى الإله غداً بظلمي «(1)»

2

حسّان بن ثابت

يُناديهمُ يومَ الغديرِ نبيُّهمْ بخمٍّ وأسْمِعْ بالرسولِ مُناديا

فقال فمن مولاكُمُ ونبيُّكمْ فقالوا ولم يُبدوا هناك التعاميا

إلهُكَ مولانا وأنتَ نبيُّنا ولم تَلْقَ منّا في الولايةِ عاصيا

فقال له قم يا عليُّ فإنّني رضيتُكَ من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنتُ مولاهُ فهذا وليُّهُ فكونوا له أتباعصدقٍ مواليا

هناك دعا اللّهمَّ والِ وليّهُ وكن للذي عادى عليّاً معاديا «(2)»


1- الفصول المختارة للشيخ المفيد ص 226 ومعجم الادباء لياقوت الحموي 14: 48.
2- فرائد السمطين للحمّوئي 1: 73/ الرقم 39 وتذكرة خواصّ الامّة لابن الجوزي ص 33.

ص:17

3

عمرو بن العاص

«(1)»

القصيدة الجلجليّة

معاويةُ الحالَ لا تجهلِ وعن سُبُلِ الحَقِّ لا تعدِلِ

نسيتَ احتياليَ في جِلّقٍ «(2)» على أهلِها يوم لُبْسِ الحُلي

وقد أقبلوا زُمَراً يُهْرَعونَ مهاليعَ كالبقرِ الجُفَّلِ «(3)» وقولي لهم إنَّ فرضَ الصلاةِبغيرِ وجودِكَ لمْ تُقبلِ

فَوَلَّوا ولم يعبأوا بالصلاةِورمت النفار الى القَسْطَلِ «(4)» ولمّا عصيتَ إمام الهدى وفي جيشِهِ كلُّ مُستفحلِ

أَبالْبَقر البُكْم أهلِ الشآمِ لأهلِ التقى والحجا أَبتلي؟ فقلت نعم قم فإنّي أرى قتالَ المُفضَّل بالأفضلِ

فبي حاربوا سيِّدَ الأوصياءِبقولي دمٌ طُلَّ مِن نعثلِ «(5)»


1- المتوفّى سنة 43
2- جِلّق: دمشق.
3- أهرع: أسرع. الهلع: الجزع. الجفل: النفر والشرد. المؤلف
4- القسطل: الغبار الساطع
5- طلّ الدم: هدر أو لم يثأر له، فهو طليل، ومطلول، ومطل. المؤلف

ص:18

وكدتُ لهمْ أنْ أقاموا الرماحَ عليها المصاحفُ في القَسْطَلِ

وعلّمتُهمْ كشفَ سوآتِهم لردِّ الغَضَنفَرَةِ المُقبلِ

فَقامَ البغاةُ على حيدرٍ وكفّوا عن المِشعَلِ المصطلي

نسيتَ محاورةَ الأشعريِّ ونحنُ على دَوْمَةِ الجَنْدلِ

ألينُ فيطمعُ في جانبي وسهميَ قد خاضَ في المَقْتَلِ

خلعتُ الخلافةَ من حيدرٍ كخَلعِ النعالِ من الأرجلِ

وألبستُها فيك بعد الإياس كَلُبس الخواتيمِ بالأنمُلِ

ورقّيتُكَ المنبرَ المُشْمَخِرَّ بلا حدِّ سيفٍ ولا مُنصِلِ

ولو لم تكن أنت من أهلِهِ وربِّ المقام ولم تَكْمُلِ

وسيّرتُ جيشَ نفاقِ العراقِ كَسَيْرِ الجَنوبِ مع الشمأَلِ

وسيّرتُ ذِكرَك في الخافقينِ كَسَيرِ الحَميرِ مع المحملِ

وجهلُكَ بي يا ابنَ آكلةِ ال - كبودِ لأَعظَمُ ما أبتلي فلولا موازرتي لم تُطَعْ

ولولا وجوديَ لمْ تُقبَلِ ولولايَ كنتَ كَمِثْلِ النساءِ

تعافُ الخروجَ من المنزلِ نصرناك من جَهْلِنا يا ابن هندٍ

على النبأ الأعظمِ الأفضلِ وحيث رفعناك فوقَ الرؤوسِ

نَزَلْنا إلى أسفلِ الأسفَلِ وكمْ قد سَمِعْنا من المصطفى

وَصايا مُخصّصةً في علي وفي يومِ خُمٍّ رقى منبراً

يُبلّغُ والركبُ لم يرحلِ

ص:19

وفي كفِّهِ كفُّهُ معلناً يُنادي بأمرِ العزيزِ العلي

ألستُ بكم منكُم في النفوسِ بأولى فقالوا بلى فافعلِ

فأَنْحَلهُ إمرَةَ المؤمنينَ من اللَّه مُستخلف المُنحِلِ

وقال فمن كنتُ مولىً لَهُ فهذا له اليومَ نعمَ الولي

فوالِ مُواليهِ يا ذا الجلا لِ وعادِ مُعادي أخي المُرْسَلِ

ولا تَنْقضُوا العهدَ من عِترتي فقاطِعُهُمْ بيَ لم يُوصِلِ

فَبخْبَخَ شيخُكَ لَمّا رأى عُرى عَقْدِ حيدر لم تُحْلَلِ

فقالَ وليُّكُم فاحفظوهُ فَمَدْخَلُهُ فيكمُ مَدْخَلي

وإنّا وما كان من فعلِنا لفي النارِ في الدرَكِ الأسفلِ

وما دَمُ عثمانَ مُنْجٍ لنا من اللَّه في الموقفِ المُخجِلِ

وإنَّ عليّاً غداً خصمُنا ويعتزُّ باللَّهِ والمُرسَلِ «(1)»

يُحاسُبنا عن أمورٍ جَرَتْ ونحنُ عن الحقِّ في مَعْزلِ

فما عُذْرُنا يومَ كشفِ الغطا لكَ الويلُ منه غداً ثمّ لي

ألا يا ابن هندٍ أبِعتَ الجِنانَ بعهدٍ عهدتَ ولم تُوفِ لي

وأخسرتَ أُخراك كيما تَنالَ يَسيرَ الحُطامِ من الأجزلِ

وأصبحتَ بالناسِ حتى استقام لك المُلكُ من ملِكٍ محولِ


1- في بعض النسخ: وبلّغ والصحب لم تَرحل. المؤلف

ص:20

وكنتَ كمُقتنصٍ في الشراكِ «(1)» تذودُ الظِّماءَ عن المنهلِ

كأنَّكَ أُنسِيتَ ليلَ الهريرِ بصفِّينَ مَعْ هولِها المُهْولِ

وقد بتَّ تذرقُ ذَرقَ النعامِ حذاراً من البطل المُقبلِ

وحين أزاحَ جيوشَ الضلالِ وافاك كالأسد المُبسلِ

وقد ضاق منكَ عليكَ الخناقُ وصارَ بكَ الرحبُ كالفلفلِ «(2)»

وقولك يا عمرو أين المفَرُّ من الفارسِ القَسْوَرِ المُسبلِ

عسى حيلةٌ منك عن ثنيهِ فإنَّ فؤاديَ في عسعلِ

وشاطرتني كلَّ ما يستقيمُ من المُلْكِ دهرَكَ لم يكملِ

فقمتُ على عَجْلَتي رافعاً وأكشِفُ عن سوأتي أَذْيُلي

فستّرَ عن وجههِ وانثنى حياءً وروعُكَ لم يعقلِ

وأنتَ لخوفِكَ من بأسهِ هناك مُلئت من الأفكلِ «(3)»

ولمّا ملكتَ حُماة الأنامِ ونالتْ عصاك يدَ الأوّلِ

منحتَ لِغيريَ وزنَ الجبالِ ولم تُعْطِني زِنةَ الخردلِ

وأَنْحَلْتَ مصراً لعبد الملك «(4)» وأنت عن الغيِّ لم تَعدِلِ

وإن كنتَ تطمعُ فيها فقدْ تخلّى القَطا من يَدِ الأجدلِ


1- اقتنص الطير أو الظبي: اصطاده. المؤلف
2- الفلفل: القرب بين الخطوات. المؤلف
3- الأفكل: الرعدة من الخوف. المؤلف
4- عبد الملك بن مروان والد الخلفاء الأمويين. المؤلف

ص:21

وإن لم تسامحْ إلى ردِّها فإنّي لحَوبِكُم مُصطلي

بِخَيْلٍ جيادٍ وشُمِّ الأُنوفِ وبالمُرهَفات وبالذبّلِ

وأكشفُ عنك حجابَ الغرورِ وأوقظُ نائمةَ الأثكلِ

فإنَّك من إمرةِ المؤمنينَ ودعوى الخلافةِ في مَعْزلِ

ومالَكَ فيها ولا ذرّةٌ ولا لجدُودك بالأوّل

فإن كانَ بينكما نِسْبةٌ فأينَ الحُسامُ من المِنجلِ

وأين الحصى من نجوم السما وأين معاويةٌ من علي

فإن كنتَ فيها بلغتَ المُنى ففي عُنقي عَلَقُ الجلجلِ «(1)» «(2)»

4

محمد الحميري

بحقِّ محمدٍ قولوا بحقٍّ فإنَّ الإفك من شِيَم اللئامِ

أبعدَ محمدٍ بأبي وأمّي رسول اللَّه ذي الشرف التهامي


1- مثل يضرب[ لِمن يُشهر نفسه ويخاطر بها بين القوم]، راجع مجمع الأمثال للميداني: ص 195[ 3/ 209 رقم 3694]. المؤلف
2- توجد منها نسختان في مجموعتين في المكتبة الخديويّة بمصر كما في فهرستها المطبوع سنة 1307 4: 314. وروى جملة منها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 10: 56/ خ 178

ص:22

أليس عليٌّ أفضلَ خلقِ ربِّي وأشرفَ عند تحصيل الأنامِ

ولايتُهُ هي الإيمانُ حقّاً فذَرْني من أباطيلِ الكلامِ

وطاعةُ ربِّنا فيها وفيها شفاءٌ للقلوبِ مِن السقامِ

عليٌّ إمامُنا بأبي وأمّي أبو الحسنِ المطهَّرُ من حرامِ

إمامُ هدىً أتاهُ اللَّه عِلماً به عُرِفَ الحلالُ من الحرامِ

ولو أنّي قَتلْتُ النفسَ حُبّاً له ما كان فيها من أثامِ

يحِلُّ النارَ قومٌ أبغضوهُ وإنصلّوا وصاموا ألفَ عامِ

ولا واللَّه لا تزكوصلاةٌ بغير ولايةِ العدلِ الإمامِ

أميرَ المؤمنين بك اعتمادي وبالغُرِّ الميامينِ اعتصامي

فهذا القولُ لي دينٌ وهذا إلى لقياكَ يا ربّي كلامي

برئت من الذي عادى عليّاً وحاربه من اولادِ الطغامِ

تناسوا نصبَهُ في يوم خمٍّ من الباري ومن خير الأنامِ

برغم الأنفِ من يشنأ كلامي عليٌّ فضلُهُ كالبحر طامي

وأَبرأُ من أُناسٍ أخّروهُ وكان هو المقدَّمَ بالمقامِ

عليّ هزّمَ الأبطالَ لمّا رأوا في كفِّهِ بَرْقَ الحُسامِ «(1)»


1- فرائد السمطين 1: 375/ ح 305.

ص:23

من أشعار الغدير في القرن الثاني

اشارة

ص:24

ص:25

5

الكميت بن زيد

«(1)»

نفى عن عينكَ الأرقُ الهجوعا وهمٌّ يمتري منها الدموعا

دخيلٌ في الفؤادِ يهيجُ سُقماً وحزناً كان من جَذَلٍ «(2)» منوعا

وتوكافُ «(3)» الدموع على اكتئابٍ أحلَّ الدهر موجَعَهُ الضلوعا ترقرق أسحماً دَرَراً وسكباً

يشبّه سحّها غرباً هَموعا «(4)» لفقدانِ الخضارِم من قريشٍ

وخيرِ الشافعين معاً شفيعا


1- المولود 60، المتوفّى 126
2- الجذل: الفرح. المؤلف
3- وكَفَ الدمع: سال
4- رقرقت العين: أجرت دمعها. الأسحم: السحاب. يقال أسحمت السماء: صبّت ماءها. السحّ: الصبّ. الغرب: الدلو العظيمة. الهموع: السيّال. المؤلف

ص:26

لدى الرحمن يصدعُ بالمثاني وكان له أبو حسنٍ قَريعا «(1)»

حَطوطاً في مسرّته ومولى إلى مرضاة خالقِهِ سريعا

وأصفاه النبيُّ على اختيارٍ بما أعيا الرفوض له المذيعا

ويوم الدوحِ دَوحِ غديرِ خمٍّ أبان له الولايةَ لو أُطيعا

ولكنَّ الرجالَ تبايعوها فلم أَرَ مثلها خَطَراً مبيعا

فلم أبلغْ بها لعناً ولكنْ أساءَ بذاك أوّلُهمصنيعا

فصار بذاك أقربَهم لعدلٍ إلى جورٍ وأحفظهم مضيعا

أضاعوا أمرَ قائدِهم فضلّواو أقومهم لدى الحدثانِ ريعا

تناسَوا حقّه وبَغَوا عليه بلا تِرةٍ وكان لهم قريعا

فقل لبني أميّة حيثُ حَلُّو اوإن خفتَ المُهنّد والقطيعا

ألا أُفٍّ لدهرٍ كنتُ فيه هدانا طائعاً لكمُ مُطيعا

أجاع اللَّه من أشبعتموهُ وأشبع من بجوركُمُ أُجيعا

ويلعنُ فَذَّ أمّته جهاراً إذا ساسَ البريّة والخليعا

بمرضيِّ السياسةِ هاشميٍّ يكون حَياً «(2)» لأمّته ربيعا

وليثاً في المشاهد غير نكْسٍ لتقويمِ البريّةِ مستطيعا

يُقيم أمورها ويذبُّ عنها ويترك جدبَها أبداً مَريعا «(3)»


1- القريع: السيِّد. الرئيس. المؤلف
2- الحَيَا: المطر
3- تذكرة الخواص ص 33- 34 ومعجم الشعراء للمرزباني ص 239

ص:27

6

السيّد الحميري

«(1)»

القصيدة المذهّبة

هلّا وقفتَ على المكانِ المُعشِبِ بين الطُّوَيْلعِ فاللّوى من كَبْكَبِ

ويقول فيها:

وبخُمٍّ إذ قال الإله بعزمِهِ قم يا محمّدُ في البريّةِ فاخطُبِ

وانصبْ أبا حسنٍ لقومك إنّه هادٍ وما بلّغتَ إنْ لم تَنْصِبِ

فدعاهُ ثمَّ دعاهُمُ فأقامَهُ لَهُمُ فبينَ مصدِّقٍ ومُكذِّبِ

جعل الولايةَ بعده لمُهذَّبٍ ما كان يجعلُها لغيرِ مهذَّبِ


1- المتوفّى 173

ص:28

وله مناقبُ لا تُرامُ متى يُرِدْ ساعٍ تناول بعضها بتذبذبِ

إنّا نَدين بحبِّ آلِ محمّدٍ ديناً ومن يُحبِبهمُ يستوجبِ

منّا المودّة والولاء ومن يُرِدْ بدلًا بآل محمّدٍ لا يُحببِ

ومتى يَمُت يَرِدِ الجحيمَ ولا يَرِدْ حوضَ الرسولِ وإن يَرِدْهُ يُضرَبِ

ضربَ المُحاذِرِ أنْ تعرَّ رِكابهُ بالسوط سالفة البعير الأجربِ

وكأنَّ قلبي حين يَذكرُ أحمداً ووصيَّ أحمدَ نيطَ من ذي مخلبِ

بذُرى القوادم من جَناح مصعّدٍ في الجوِّ أو بذُرى جناحٍ مصوبِ

حتى يكادَ من النزاع إليهما يَفري الحجابَ عن الضلوع القُلَّبِ

هبةٌ وما يهبِ الإله لعبده يزدد ومهما لا يَهبْ لا يُوهَبِ

ص:29

يمحو ويُثبتُ ما يشاءُ وعنده علمُ الكتابِ وعلمُ ما لم يُكتبِ «(1)»

وله أيضاً:

يا بائعَ الدين بدنياهُ ليس بهذا أَمَرَ اللَّهُ

من أين أبغضتَ عليَّ الوصيَّ وأحمدٌ قد كان يرضاهُ

من الذي أحمدُ من بينهم يوم غدير الخُمِّ ناداهُ

أقامَهُ من بين أصحابهِ وهم حوالَيهِ فسمّاهُ

هذا عليُّ بن أبي طالبٍ مولىً لمن قد كنتُ مولاهُ

فوالِ من والاهُ ياذا العلا وعادِ من قد كان عاداهُ

وله أيضاً:

عليٌّ أميرُ المؤمنينَ وحقُّهُ من اللَّهِ مفروضٌ على كلِّ مسلمِ


1- طبعت هذه القصيدة مع شرحها لسيد الطائفة الشريف المرتضى بضميمة كتاب مسار الشيعة للشيخ المفيد في القاهرة سنة 1313 ه. وطبعت وشرحها فقط في بيروت سنة 1970 م من منشورات دار الكتاب الجديد بتحقيق محمد الخطيب تحقيقاً أخرج الكتاب عن طابعه الشيعي. وطبعت أيضاً في قم سنة 1410 ه ضمن سلسلة رسائل الشريف المرتضى/ المجموعة الرابعة ص 132.

ص:30

وأنَّ رسول اللَّهِ أوصى بحقِّهِ وأشركه في كلِّ حقٍّ مقسَّمِ

وزوّجهُ صدّيقةً لم يكنْ لها مُعادلةٌ غيرُ البتولة مريمِ

وردّم أبوابَ الذين بنى لهمْ بيوتاً سوى أبوابه لم يُرَدِّمِ

وأوجبَ يوماً بالغدير ولايةً على كلِ برٍّ من فصيحٍ وأعجمِ «(1)»

وله قوله:

لقد سمعوا مقالتهُ بخُمٍّ غداةَ يضمُّهمْ وهو الغديرُ

فمن أولى بكمْ منكمْ فقالوا مقالةَ واحدٍ وهُمُ الكثيرُ

جميعاً أنت مولانا وأولى بنا منّا وأنت لنا نذيرُ

فإنَّ وليّكم بعدي عليٌّ ومولاكم هو الهادي الوزيرُ

وزيري في الحياة وعند موتي ومن بعدي الخليفةُ والأميرُ

فوالى اللَّهُ من والاهُ منكمْ وقابله لدى الموتِ السرورُ

وعادى اللَّهُ من عاداهُ منكم وحلَّ به الموت الثبورُ

وله أيضاً:

ألا الحمد للَّهِ حمداً كثيراً وليِّ الَمحامِد ربّاً غفورا

هداني إليه فوحّدتُهُ وأخلصتُ توحيدَهُ المستنيرا

إلى أن يقول:

لذلك ما اختاره ربُّهُ لخير الأنامَ وَصيّاً ظهيرا

فقام بخُمٍّ بحيثُ الغديرُ وحطَّ الرحالَ وعافَ المسيرا

وقُمَّ له الدوحُ ثمَّ ارتقى على منبرٍ كان رحلًا وكورا

ونادى ضحىً باجتماع الحجيجِ فجاءوا إليهصغيراً كبيرا

فقال وفي كفِّه حيدرٌ يُليحُ إليه مُبيناً مُشيرا

ألا إنَّ من أنا مولىً لهُ فمولاه هذا قَضاً لن يجورا

فهل أنا بلّغتُ قالوا نعم فقال اشهدوا غُيَّباً أو حضورا

يبلّغ حاضرُكمْ غائباً وأُشهد ربِّي السميعَ البصيرا

فقوموا بأمر مَليكِ السما يبايعْهُ كلٌّ عليه أميرا

فقاموا لبيعته صافقينَ أكفّاً فأوجس منهم نكيرا

فقال إلهيَ والِ الوليَّ وعادِ العدوَّ له والكفورا

وكنّ خاذلًا للأُلى يخذلون وكن للأُلى ينصرون نصيرا

فكيف ترى دعوة المصطفى مجاباً بها أو هباءً نثيرا

أُحبّك يا ثانيَ المصطفى ومن أشهدَ الناسَ فيه الغديرا

وأشْهدُ أنَّ النبيَّ الأمي - ن بلّغ فيك نداءً جهيرا

وأنَّ الذين تعادَوا عليك سيُصلَون ناراً وساءت مصيرا


1- تفسير أبي الفتوح: 4/ 280.

ص:31

ص:32

ص:33

من أشعار الغدير في القرن الثالث

اشارة

ص:34

ص:35

7

أبو تَمّام الطائي

«(1)»

أظبيةُ حيث استنّتِ الكُثُب العُفرُ رُوَيدَكِ لا يغتالكِ اللومُ والزجرُ «(2)»

أسرّي حِذاراً لم تُقيِّدْك رِدّةٌ فيحسِرُ ماءً من محاسِنكِ الهذرُ

أراكِ خلالَ الأمر والنهي بوّةً «(3)» عَداكِ الردى ما أنتِ والنهيُ والأمرُ


1- المتوفّى سنة 231 ه
2- استنَّت: عَدَت إقبالًا وإدباراً. الكُثُب: الجماعات. العُفر: الظباء التي يعلو بياضها حُمرة.
3- البوّة: الحمقاء

ص:36

أتُشْغلُني عمّا هُرِعتُ لمثلِهِ حوادثُ أشجانٍ لصاحِبها نُكْرُ

ودهرٌ أساءَ الصُّنْعَ حتى كأنّما يُقَضِّي نذوراً في مساءتيَ الدهرُ

له شجراتٌ خَيّمَ المجدُ بينها فلا ثَمَرٌ جانٍ ولا ورقٌ نَضْرُ

وما زِلتُ ألقى ذاك بالصبرِ لابساًرد اءَيهِ حتّى خِفْتُ أن يَجزَعَ الصبرُ

وإنَّ نكيراً أن يضِيقَ بمن لهُ عشيرةُ مِثلي أو وسيلتُهُ مِصْرُ

وما لامرىٍ من قائلٍ يومَ عثْرةٍ لعاً «(1)» وَخَدِيناهُ الحداثةُ والفقرُ

وإن كانتِ الأيّامُ آضَتْ وما بها لذي غُلَّةٍ وِردٌ ولا سائلٍ خُبْرُ

همُ الناسُ سارَ الذمُّ والحربُ بينهمْ وحمّرَ أن يغشاهُمُ الحمدُ والأجرُ


1- لعاً: كلمة يدعى بها للعاثر، ومعناها الارتفاع

ص:37

صَفِيُّكِ منهمْ مُضمِرٌ عُنجهيّةً «(1)» فقائدهُ تِيْهٌ وسائِقُهُ كِبْرُ

إذا شام برقَ اليُسرِ فالقُربُ شأنُهُ وأنأى من العَيّوقِ إن نالَهُ عُسْرُ

أريني فتىً لم يَقْلِهِ الناسُ أو فتىً يصحُّ له عَزْمٌ وليس له وَقْرُ

تَرَى كلَّ ذى فضلٍ يطولُ بفضلِهِ على مُعتفيهِ والذي عنده نَزْرُ

وإنَّ الّذي أحذانيَ الشيبَ لَلَّذي رأيتِ ولم تَكْمُلْ له السبعُ والعشرُ

وأخرى إذا استودعتُها السرَّ بيّنَتْ به كَرَهاً ينهاض من دونها الصدرُ

طغى من عليها واستبدَّ برأيهمْ وقولِهمُ إلّاأقلَّهمُ الكفرُ

وقاسَوا دُجى أمْرَيْهِمُ وكلاهما دليلٌ لهمْ أولى به الشمسُ والبدرُ

سَيَحْدوكُمُ استسقاؤكمْ حَلَبَ الردى إلى هُوّةٍ لا الماءُ فيها ولا الخمرُ


1- العُنجُهيّة- بضمّ العَين والجيم-: الكِبْر. المؤلف

ص:38

سَئِمتم عبورَ الضحل خوضاً فأيَّةً تعدّونها لو قد طغى بكمُ البحرُ

وكنتم دماءً تحتَ قِدرٍ مفارةٍ على جهلِ ما أمست تفورُ به القِدرُ

فهلّا زجرتمْ طائرَ الجهل قبل أن يجي ءَ بما لا تبسؤون «(1)» به الزجرُ

طَوَيْتُمْ ثنايا تخبؤون عُوارَها فأين لكمْ خِب ءٌ وقد ظهر النشرُ

فعلتمْ بأبناءِ النبيِّ ورهطِهِ أفاعيلَ أدناها الخيانةُ والغَدرُ

ومن قبله أخلفتمُ لوصيِّهِ بداهيةٍ دهياءَ ليس لها قَدرُ

فجئتم بها بِكراً عَواناً ولم يَكُنْ لها قبلَها مِثْلٌ عَوانٌ ولا بِكرُ

أخوه إذا عُدَّ الفَخارُ وصِهْرُهُ فلا مثلُهُ أخٌ ولا مثلُهُصِهْرُ

وشُدَّ به أزْرُ النبيِّ محمّدٍ كما شُدَّ من موسى بهارونِهِ الأزْرُ


1- بسأ بالشي: أنَس به ومرنَ عليه

ص:39

وما زال كشّافاً دياجيرَ غَمْرَةٍ يُمزِّقُها عن وجهِهِ الفتحُ والنصرُ

هو السيفُ سيفُ اللَّهِ في كلِّ مشهدٍ وسيفُ الرسولِ لا ددانٌ ولا دثرُ «(1)»

فأيُّ يدٍ للذمِّ لم يَبْرِ زَنْدَها ووجهِ ضلالٍ ليس فيه له أثرُ

ثوى ولأهلِ الدينِ أمنٌ بحدّهِ وللواصمين الدينَ في حدِّه ذُعْرُ

يسدُّ به الثغرَ المخوفَ من الردى ويعتاضُ من أرض العدوِّ به الثغرُ

بأُحْدٍ وبدرٍ حين ماجَ بِرَجْلِهِ وفرسانه أُحدٌ وماجَ بهم بدرُ

ويوم حُنينٍ والنضيرِ وخيبرٍ وبالخندق الثاوي بعقوتِهِ عمرو «(2)»

سما للمنايا الحُمْر حتى تكشّفتْ وأسيافُه حمرٌ وأرماحُهُ حُمْرُ


1- الدَدَان: الكليل الضعيف. الدثر: الصدئ
2- العقوة: الساحة

ص:40

مشاهدُ كان اللَّه كاشفَ كَرْبِها وفارجَه والأمرُ ملتبسٌ إمْرُ

ويوم الغدير استوضح الحقَّ أهلُهُ بضحياء «(1)» لا فيها حجابٌ ولا سترُ

أقام رسول اللَّه يدعوهمُ بها ليقربَهمْ عُرْفٌ وينآهمُ نُكْرُ

يَمُدُّ بضبعيه ويُعلِمُ «(2)» أنّهُ وليٌّ ومولاكمْ فهل لكُمُ خُبْرُ

يروحُ ويغدو بالبيانِ لِمَعْشَرٍ يروح بهم غَمْرٌ ويغدو بهمْ غَمْرُ «(3)»

فكان لهم جَهْرٌ بإثباتِ حقِّهِ وكان لهم في بَزِّهِمْ حقَّهُ جَهْرُ

أثَمَّ جعلتمْ حظَّهُ حدَّ مُرْهَفٍ من البيضِ يوماً حظُّصاحبهِ القبرُ


1- وفي نسخة: بفيحاء. المؤلف
2- من أفعل. ويظهر من الدكتور ملحم شارح ديوان أبي تمّام أنّه قرأه مجرّداً من عَلِمَ لا مزيداً من أعلم كما قرأناه، ومختارنا هو الصحيح الذي لا يعدوه الذوق العربي. المؤلف
3- الغَمْر: الكريم

ص:41

بكفَّيْ شقيٍّ وجَّهَتْهُ ذنوبُهُ إلى مرتعٍ يُرعَى به الغَيُّ والوِزرُ

«(1)» 8

دعبل الخزاعي

«(2)»

تجاوبنَ بالإرنانِ وَالزَّفراتِ نوائحُ عُجْمُ اللَّفظِ والنّطقاتِ

يُخَبِّرن بالأنفاسِ عن سِرِّ أنفسٍ أُسارى هوىً ماضٍ وآخرَ آتِ

فأسعدنَ أو أَسعفنَ حتى تقوّضت «(3)»صُفوفُ الدُّجى بالفَجرِ مُنهزِماتِ

على العرصاتِ الخالياتِ من المَها سلامُ شجٍصبٍّ على العَرَصاتِ «(4)»


1- ديوان أبي تمّام ص: 143
2- الشهيد 246
3- تَقَوّضت الصفوف: انتقضت وتفرّقت. المؤلف
4- المها: البقرة الوحشية. الصبّ: العاشق وذو الولع الشديد. المؤلف

ص:42

فعهدي بها خُضْر المعاهد مأْلفاً من العَطِرات البيضِ والخفِراتِ «(1)»

لياليَّ يُعدينَ الوصال على القِلى ويُعدي تدانينا على الغُرُباتِ

وإذ هُنَّ يَلْحَظنَ العُيون سوافراً ويَستُرْنَ بالأيدي على الوَجناتِ

وإذ كلَّ يومٍ لي بلحظيَ نشوةٌ يَيبتُ لها قلبي على نشواتِ

فكم حسراتٍ هاجها بمُحَسِّرٍ «(2)» وقُوفيَ يوم الجمعِ من عَرَفاتِ

أَلَم ترَ للأيّامِ ما جَرَّ جَوْرُها على الناسِ من نقصٍ وطُولِ شَتَاتِ

ومن دُوَلِ المستَهزئينَ، ومَنْ غَدا بهم طالباً للنورِ في الظلماتِ

فكيفَ ومن أَنَّى بطالبِ زُلفَةٍ إلى اللَّه بَعدَ الصومِ والصلواتِ


1- خفرت الجارية: استحيت أشدّ الحياء. المؤلف
2- وادي محسِّر- بكسر السين المشدّدة-: حدُّ مِنى إلى جهة عَرَفة. المؤلف

ص:43

سوى حُبِّ أبناء النَّبيّ ورهطِهِ وبُغضِ بني الزَّرقاءِ والعَبَلاتِ

وهِندٍ وما أدَّتْ سُميَّةُ وابنُها أُولو الكفرِ في الإسلامِ والفَجَراتِ

هُمُ نقضوا عهدَ الكتابِ وفَرضَهُ وَمُحْكَمَهُ بالزُّورِ والشُّبُهاتِ

وَلَم تَكُ إلَّامِحْنَةٌ كَشَفتْهُمُ بدعوى ضلالٍ من هَنٍ وَهَنَاتِ

تُراثٌ بِلا قُرْبى، ومِلْكٌ بِلا هُدى وحكمٌ بِلا شُورى بِغيرِ هُداةِ

رزايا أَرَتنا خُضرَةَ الافقِ حُمْرَةً وردَّتْ اجاجاً طَعمَ كلِّ فُراتِ

ومَا سَهَّلَتْ تلك المذاهبَ فيهمُ على النَّاسِ إلّابيعةُ الفَلَتاتِ «(1)»

وما قيل أصحاب السقيفة جهرةً بدعوى تُراثٍ في الضلال نتاتِ «(2)»


1- قوله:« بيعة الفلتات»، إشارة إلى قول عمر:« كانت بيعة أبي بكر فلتةً وقى اللَّه المسلمين شرّها»
2- كذا، وفي أعيان الشيعة: بتات

ص:44

ولو قلَّدُوا المُوصى إليه أمورَها لَزَمَّتْ بمأمونٍ عن العثَراتِ

أخي خاتَمِ الرُّسْلِ المصفّى من القَذَى ومُفتَرِسِ الأبطالِ في الغَمَراتِ

فإنْ جَحَدوا كان الغديرُ شهيدَهُ وبدرٌ وأُحدٌ شامخُ الهَضَباتِ

وآيٌ من القرآنِ تُتْلى بِفضلهِ وإيثارُهُ بالقُوتِ في اللّزَبَاتِ

وغُرُّ خِلَالٍ أدركتْهُ بِسبِقها مناقبُ كانتْ فيهِ مُؤْتنفاتِ «(1)» «(2)»

9

أبو إسماعيل العلوي

وجدّي وزيرُ المصطفى وابنُ عمّهِ عليٌّ شهابُ الحربِ في كلِّ مَلْحمِ


1- أنف كل شي ء: أوّله. وروض أُنف: ما لم يَرْعَهُ أحد: كأس أُنُف: لم يُشْرب بها. المستأنف: ما لم يسبق إليه. المؤلف
2- أعيان الشيعة 6: 418 والأغاني لأبي الفرج الاصفهاني 20: 132 و 162

ص:45

أليس ببدرٍ كان أوّلَ قاحمٍ يُطيرُ بحدّ السيف هامَ المقحّمِ

وأوّلَ منصلّى ووحّد ربَّهُ وأفضلَ زُوّارِ الحطيمِ وزمزمِ

وصاحبَ يومِ الدوحِ إذا قام أحمدٌ فنادى برفع الصوتِ لا بتَهمهُمِ

جعلتُكَ منّي يا عليُّ بمنزلٍ كهارونَ من موسى النجيبِ المكلّمِ

فصلّى عليه اللَّهُ ما ذرّ شارقٌ وأوفتْ حجورَ البيت أركُبُ مُحرِمِ «(1)»

10

الوامق النصراني

أليس بخمٍّ قد أقام محمدٌ عليّاً بإحضار الملا في المواسمِ


1- معجم الشعراء للحافظ المرزباني ص 435[ ص 382]. المؤلف.

ص:46

فقال لهم من كنتُ مولاه منكُمُ فمولاكمُ بعدي عليُّ بنُ فاطمِ

فقال إلهي كن وليّ وليّهِ وعادِ أعاديه على رغم راغمِ

ويقول فيها:

أما رَدَّ عمراً يوم سَلعٍ بباترٍ كأنّ على جنبيهِ لطخَ العنادمِ «(1)»

وعاد ابن معدي نحو أحمدَ خاضعاً كشاربِ أثلٍ في خطامِ الغمائمِ «(2)»

وعاديتَ في اللَّهِ القبائل كلّها ولم تخشَ في الرحمن لومةَ لائمِ

وكنتَ أحقّ الناس بعد محمدٍ وليس جهول القوم في حكم عالمِ «(3)»


1- سلع: جبل بالمدينة[ معجم البلدان 3: 236]. العندم: الدم والبقم. المؤلف
2- أثل: شجر عظيم لا ثمر له، جمع أثلة. الخطام: كل ما وضع في فم البعير ليقتاد به. الغمائم جمع الغمامة: خريطة فم البعير. كناية عن نهاية الذلّة والخضوع. المؤلف
3- مناقب ابن شهر آشوب 1: 286، 532[ 3: 40، 2: 83]. المؤلف

ص:47

من أشعار الغدير في القرن الرابع

اشارة

ص:48

ص:49

11

ابن الرومي

«(1)»

يا هندُ لم أعشق ومثليَ لا يرى عشقَ النساء ديانةً وتحرُّجا

لكنّ حبّي للوصيّ مخيّمٌ في الصدر يسرحُ في الفؤاد تولّجا

فهو السراجُ المستنيرُ ومن بهِ سببُ النجاةِ من العذاب لمن نجا

وإذا تركتُ له المحبّة لم أجدْ يومَ القيامةِ من ذنوبي مَخرجا


1- المتوفّى 283

ص:50

قل لي أأترك مستقيمَ طريقِهِ جهلًا وأتّبعُ الطريقَ الأعوجا

وأراهُ كالتّبرِ المُصفّى جوهراً وأرى سواه لناقديهِ مبهرجا

ومَحِلُّهُ من كلِّ فضلٍ بيّنٌ عالٍ محلّ الشمسِ أو بدر الدجى

قال النبيُّ له مقالًا لم يكنْ يوم الغديرِ لسامعيه مُمجمجا «(1)»

من كنتُ مولاهُ فذا مولىً له مثلي وأصبحَ بالفَخارِ متوّجا

وكذاك إذْ منعَ البتولَ جماعةً خطبوا وأكرمَهُ بها إذ زوّجا

وله عجائبُ يومَ سارَ بجيشِهِ يبغي لقصرِ النهروانِ المخرجا

رُدّت عليهِ الشمسُ بعد غروبِها بيضاءَ تلمعُ وقدةً وتأجُّجا «(2)»


1- مجمجَ الرجل في حديثه: لم يبيّنه.
2- مناقب ابن شهر آشوب 1: 531 ط ايران[ 3: 38]. المؤلف

ص:51

12

الحِمّاني الأفوه

«(1)»

ابنُ الذي رُدّت عليه الشم - سُ في يوم الحجابِ

وابنُ القسيمِ النارَ في يومِ المواقفِ والحسابِ

مولاهمُ يومَ الغديرِ برغمِ مرتابٍ وآبي «(2)»

وله:

قالوا أبو بكرٍ له فضلُهُ قلنا لهم هنّأهُ اللَّهُ

نسيتمُ خطبةَ خمٍّ وهل يُشبَّهُ العبدُ بمولاهُ

إنّ عليّاً كان مولىً لمنْ كان رسولُ اللَّهِ مولاهُ «(3)»


1- المتوفّى 301. تبعاً للمؤرخين ذكرناه في هذا القرن. المؤلف
2- امتدح بها بعض أهل البيت الطاهر، ذكرها ابن شهر آشوب في المناقب: 1/ 432 2/ 357- 358. المؤلف
3- ذكرها البياضي في صراطه المستقيم[ 2/ 72]. المؤلف

ص:52

13

أبو القاسم الصنوبري

«(1)»

ما في المنازلِ حاجةٌ نقضيها إلّا السلامُ وأدمعٌ نذريها

وتفجّعٌ للعينِ فيها حيث لا عيشٌ أوازيه بعيشيَ فيها

أبكي المنازلَ وهي لو تدري الذي بحثَ البكاءَ لكنتُ أستبكيها

باللَّه يا دمعَ السحائبِ إسقها ولئن بَخِلتَ فأدمعي تسقيها

يا مغرياً نفسي بوصفِ عزيزةٍ أغريتَ عاصيةً على مغريها

لا خيرَ في وصفِ النساءِ فأعفني عمّا تُكلّفُنيهِ من وصفِيها

يا رُبَّ قافيةٍ حلا إمضاؤها لم يَحلُ ممضاها إلى مُمضيها


1- المتوفّى 334

ص:53

لا تُطْمِعَنَّ النفسَ في إعطائِها شيئاً فتطلبَ فوق ما تُعطيها

حبُّ النبيِّ محمدٍ ووصيّهِ مَعْ حبِّ فاطمةٍ وحبِّ بنيها

أهل الكساءِ الخمسة الغرر التي يبني العلا بعلاهمُ بانيها

كم نعمةٍ أوْلَيْتَ يا مولاهمُ في حبّهمْ فالحمدُ للموليها

إنّ السَّفاهَ بشُغل مدحي عنهمُ فيحقُّ لي أن لا أكونَ سفيها

همصفوةُ الكرمِ الذي أصفاهمُ وُدِّي وأصفيتُ الذي يُصفيها

أرجو شفاعتَهمْ فتلكَ شفاعةٌ يلتذُّ بردَ رجائِها راجيها

صلّوا على بنتِ النبيِّ محمدٍ بعد الصلاةِ على النبيِّ أبيها

وابكوا دماءً لو تشاهدُ سفكَها في كربلاءَ لَما وَنَتْ تَبكيها

ص:54

تلك الدماءُ لَوَ انّها تُوقى إذن كانتْ دماءُ العالمين تقيها

لو أنّ منها قطرةً تُفدى إذن كنّا بنا وبغيرِنا نَفديها

قُتِل ابنُ من أوصى إليهِ خيرُ مَن أوصى الوصايا قطُّ أو يوصيها

رَفعَ النبيُّ يمينَهُ بيمينِه ليرى ارتفاعَ يمينِهِ رائيها

في موضعٍ أضحى عليهِ مُنبّهاً فيهِ وفيهِ يُبدئ التنبيها

آخاه في خُمٍّ ونوّهَ باسمِهِ لم يَألُ في خيرٍ به تنويها

هو قالَ أفضلُكمْ عليٌّ إنّهُ أمضى قضيّتَهُ التي يُمضيها

هو لي كهارونٍ لموسى حبّذا تشبيهُ هارونٍ به تشبيها

يوماه يومٌ للعدى يرويهمُ جوراً ويومٌ للقنا يرويها

ص:55

يسع الأنامَ مثوبةً وعقوبةً كلتاهما تمضي لِما يمضيها «(1)»

14

القاضي التنوخي

«(2)»

مِن ابن رسول اللَّه وابنِ وصيِّهِ إلى مُدْغِلٍ «(3)» في عقبة الدينِ ناصبِ

نشابين طنبورٍ وزقٍّ ومِزْهَرٍ «(4)» وفي حجْرٍ شادٍ أو علىصدر ضاربِ

ومن ظهرِ سكرانٍ إلى بطنِ قَيْنةٍ على شُبَهٍ في مِلْكِها وشوائبِ

يَعيبُ عليّاً خيرَ من وطئ الحصى وأكرمَ سارٍ في الأنام وساربِ


1- الغدير 3: 501- 502.
2- المولود 278، المتوفّى 342
3- أدغل في الأمر: أدخل فيه ما يفسده
4- الطنبور والمِزهر: آلتان من آلات الطرب

ص:56

ويُزري على السبطين سبطَي محمدٍ فقل في حضيضٍ رامَ نَيْلَ الكواكبِ ويَنسِبُ أفعالَ القراميطِ كاذباً

إلى عترة الهادي الكرام الأطائبِ إلى معشرٍ لا يبرحُ الذمُّ بينهمْ ولا تُزْدَرى أعراضُهمْ بالمعايبِ إذا ما انتدوا كانوا شموسَ بيوتهمْ

وإن ركبوا كانوا شموسَ المواكبِ وإن عبَسوا يوم الوغى ضحِكَ الردى وإن ضَحِكوا أبكَوا عيونَ النوادبِ نَشَوا بين جبريلٍ وبين محمدٍ

وبين عليٍّ خير ماشٍ وراكبِ وزيرِ النبيّ المصطفى ووصيِّهِ ومُشبهِهِ في شيمه وضرائبِ ومن قال في يوم الغدير محمدٌ

وقد خاف من غدرِ العِداةِ النواصبِ أما إنّني أولى بكم من نفوسكمْ فقالوا بلى قولَ المُريبِ الموارِبِ

ص:57

فقال لهم من كنت مولاه منكمُ فهذا أخي مولاهُ بعدي وصاحبي أطيعوه طُرّاً فهو منّي بمنزلٍ

كهارونَ من موسى الكليمِ المخاطَبِ «(1)»

15

أبو القاسم الزاهي

«(2)»

له في ذكر خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وأنَّها له بنصّ حديث الغدير، قوله:

قدّمتُ حيدرَ لي مولىً بتأميرِ لمّا علمتُ بتنقيبي وتنقيري

إنّ الخلافةَ من بعد النبيِّ لهُ كانت بأمرٍ من الرحمن مقدورِ

من قال أحمدُ في يوم الغدير له بالنقلِ في خبرٍ بالصدقِ مأثورِ


1- الغدير 3: 515- 516 ط. قم
2- المولود 318، المتوفّى 352

ص:58

قم يا عليُّ فكن بعدي لهم عَلَماً واسعد بمنقلبٍ في البعثِ محبورِ

مولاهمُ أنتَ والموفي بأمرِهمُ نصٌّ بوحيٍ على الأفهام مسطورِ

وذاك أنَّ إلهَ العرش قال لهُ بلّغْ وكن عند أمري خيرَ مأمورِ

فإن عَصَيْتَ ولم تفعل فإنّك ما بلّغت أمري ولم تصدع بتذكيري «(1)»

16

الأمير أبو فراس الحمداني

«(2)»

الحقُّ مُهتضمٌ والدينُ مُخترمُ وفَي ءُ آلِ رسولِ اللَّه مُقتسَمُ

والناسُ عندَكَ لا ناسٌ فيحفظَهمْ «(3)» سَوْمُ الرعاةِ ولا شاءٌ ولا نَعَمُ


1- الغدير 3: 533 ط. قم.
2- المولود 320، 321، المتوفّى 357
3- احفظه: اغضبه فغضب.

ص:59

إنّي أبِيتُ قليلَ النومِ أرّقني قلبٌ تَصارعَ فيه الهمُّ والهِمَمُ

وعزمةٌ لا ينامُ الليلَصاحبُها إلّا على ظَفَرٍ في طيِّهِ كَرَمُ

يُصان مُهري لأمرٍ لا أبوحُ به والدرعُ والرمحُ والصمصامةُ الحذمُ «(1)»

وكلّ مائرةِ الضبعين مسرحُها رِمْثُ الجزيرةِ والخذرافُ والعَنَمُ «(2)»

وفتيةٌ قلبهمْ قلبٌ إذا ركِبوا وليس رأيهمُ رأياً إذا عزموا

يالَلرِّجال أما للَّهِ مُنتصرٌ من الطغاةِ أما للَّهِ مُنتقمُ

بنو عليٍّ رعايا في ديارهمُ والأمرُ تملكه النّسوان والخدمُ


1- الحذم من السيوف، بالحاء المهملة: القاطع. المؤلف
2- مار: تحرّك. الضبع: العضد، كناية عن السمن. الرِّمث- بكسر المهملة-: خشب يضمُّ بعضه إلى بعض ويسمّى: الطوف. الخذراف- بكسر الخاء ثمّ الذال المعجمتين-: نبات إذا أحسّ بالصيف يبس. العَنم- بفتح المهملة-: نبات له ثمرة حمراء يشبّهُ به البنان المخضوب. المؤلف

ص:60

محلّؤون فأصْفَى شُرْبِهمْ وَشَلٌ عند الورودِ وأوفى وُدّهِم لَمَمُ «(1)» فالأرضُ إلّاعلى مُلّاكها سعةٌوالمالُ إلّاعلى أربابهِ دِيَمُ

فما السعيد بها إلّاالذي ظَلمواوما الغني بها إلّاالذي حرموا «(2)» للمتّقين من الدنيا عواقبُهاوإن تعجّلَ منها الظالمُ الأثِمُ

أتفخرون عليهم لا أبا لكُمُ حتّى كأنّ رسولَ اللَّه جدُّكمُ

وما توازن فيما بينكم شرفٌ ولا تساوت لكم في موطنٍ قدمُ

ولا لكم مثلُهم في المجد متّصلٌ ولا لجدِّكمُ معشار جدِّهمُ «(3)»


1- حلّاه عن الماء: طرده. الوشل: الماء القليل. لمم: أي غبّ. المؤلف
2- الشطر الثاني في الأصل: وما الشقيّ بها إلّاالذي ظلموا. والصحيح، بحسب المعنى والقواعد النحوية، ما أثبتناه عن الديوان ص 256
3- في الديوان وأعيان الشيعة 4: 341: مسعاة جدّهم

ص:61

ولا لعرقِكمُ من عرقِهم شَبَهٌ ولا نثيلتكم من أُمِّهم أُمَمُ «(1)»

قام النبيُّ بها يومَ الغدير لهم واللَّه يشهدُ والأملاكُ والأُممُ

حتى إذا أصبحتْ في غيرصاحِبها باتت تنازعها الذُّؤبان والرخمُ

وصيّروا أمرهم شورى كأنّهمُ لا يعرفون ولاة الحقّ أيّهمُ

تاللَّه ما جَهِلَ الأقوامُ موضعَها لكنّهمْ ستروا وجهَ الذي علموا

ثمّ ادّعاها بنو العبّاس مُلكَهُمُ ولا لهم قَدَمٌ فيها ولا قِدَمُ

لا يُذْكَرون إذا ما معشرٌ ذُكِروا ولا يُحَكَّمُ في أمرٍ لهم حَكَمُ

ولا رآهم أبو بكرٍ وصاحبُهُ أهلًا لِما طَلبوا منها وما زَعموا

فهل همُ مدّعوها غيرَ واجبةٍ أم هل أئمّتُهمْ في أخذِها ظلموا


1- نثيلة: هي أُمّ العبّاس بن عبد المطلّب. الامم: القرب. المؤلف

ص:62

أمّا عليٌّ فأدنى من قرابتكم عند الولاية إن لم تُكفَرِ النِّعمُ

أيُنكِرُ الحَبْرُ عبداللَّه نعمتَهُ أبوكُمُ أم عبيدُ اللَّهِ أَم قَثَمُ

بئس الجزاءُ جَزَيتُمْ في بني حسنٍ أباهُم العَلَمَ الهادي وأُمّهمُ

لا بيعةٌ ردَعتكمْ عن دمائهمُ ولا يمينٌ ولا قُربى ولا ذَممُ

هلّاصفحتمْ عن الأسرى بلا سببٍ للصافحين ببدرٍ عن أسيركمُ «(1)»

هلّا كففتمْ عن الديباجِ سوطَكُمُ «(2)» وعن بناتِ رسولِ اللَّه شتمَكُمُ «(3)»


1- أراد بالأسرى: عبداللَّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وبأسيرهم ببدر: العبّاس بن عبد المطّلب رضى الله عنه
2- الديباج: هو محمّد بن عبداللَّه العثمانيّ، أخو بني حسن لُامّهم فاطمة بنت الحسين السبط، ضربه المنصور مائيتن وخمسين سوطاً. المؤلف
3- لعلّه أشار إلى قول المنصور لمحمّد الديباج: يا ابن اللخناء. فقال محمد: بأيّ أمّهاتي تعيّرني؟ أبفاطمة بنت الحسين أم بفاطمة الزهراء أم بِرُقيّة؟ المؤلف

ص:63

ما نُزِّهتْ لرسول اللَّهِ مُهْجَتُهُ عن السياطِ فهلّا نُزِّهَ الحَرَمُ

ما نالَ منهمْ بنو حربٍ وإن عظُمَتْ تلكَ الجرائرُ إلّادون نَيْلِكُمُ

كم غدرةٍ لكم في الدين واضحةٍ وكم دمٍ لرسول اللَّه عندكمُ

أنتم له شيعةٌ فيما ترونَ وفي أظفارِكُم من بنيه الطاهرينَ دمُ

هيهاتَ لا قرّبتْ قُربى ولا رَحِمٌ يوماً إذا أَقْصَتِ الأخلاقُ والشِّيَمُ

كانت مودّةُ سلمانٍ له رَحِماً ولم يكن بين نوحٍ وابنه رَحِمُ

يا جاهداً في مساويهم يكتِّمُها غَدْرُ الرشيدِ بيحيى كيف يْنكَتِمُ «(1)»

ليس الرشيدُ كموسى في القياسِ ولامأ مونُكُمْ كالرضا لو أنصفَ الحكمُ


1- أشار إلى غدر الرشيد بيحيى بن عبداللَّه بن الحسن الخارج ببلاد الديلم سنة 176، فإنّه أمّنه ثمّ غدره وحبسه، ومات في حبسه. المؤلف

ص:64

ذاقَ الزبيري غِبّ الحنثِ وانكشفت عن ابن فاطمةَ الأقوالُ والتُّهَمُ «(1)»

باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعتِهِ وأبصروا بعضَ يومٍ رُشدَهم وعموا

يا عُصْبَةً شَقِيَتْ من بعدما سعدتْ ومَعْشَراً هلكوا من بعدما سلِموا

لَبِئسما لَقِيَتْ منهم وإن بليَتْ بجانبِ الطفِّ تلكَ الأعظمُ الرممُ «(2)»

لا عن أبي مسلمٍ في نُصْحِهِصفحوا ولا الهبيريَّ نجّا الحلفُ والقَسَمُ «(3)»


1- الزبيري: هو عبداللَّه بن مصعب بن الزبير، باهله يحيى بن عبداللَّه بن حسن فتفرّقا، فما وصل الزبيري إلى داره حتى جعل يصيح: بطني بطني، ومات. المؤلف
2- أشار إلى ما فعله المتوكّل بقبر الإمام الشهيد. المؤلف
3- أبو مسلم: هو الخراساني مؤسّس دولة بني العبّاس، قتله المنصور. والهبيريّ: هو يزيد بن عمر بن هبيرة، أحد ولاة بني أميّة، حاربه بنو العبّاس أيّام السفّاح ثمّ أمّنوه، فخرج إلى المنصور بعد المواثيق والأيمان، فغدروا به وقتلوه سنة 132. المؤلف

ص:65

ولا الأمانُ لأهل الموصلِ اعتمد وافيه الوفاءَ ولا عن غيِّهم حَلِموا «(1)»

أبلغ لديك بني العبّاس مألُكةً «(2)» لا يدّعوا ملكَها ملّاكُها العجمُ

أيّ المفاخِر أمستْ في منازِلكُمْ وغيرُكُمْ آمرٌ فيها ومحتكِمُ

أنّى يَزيدُكمُ في مفخرٍ عَلَمٌ وفي الخلافِ عليكمْ يخفِقُ العَلَمُ

يا باعةَ الخمرِ كُفّوا عن مفاخرِكمْ لمعشرٍ بَيعُهمْ يومَ الهِياجِ دَمُ

خلّوا الفَخَار لعلّامينَ إن سُئلوا يومَ السؤالِ وعَمّالين إن عَلِموا

لا يغضبونَ لغيرِ اللَّه إن غضبو اولا يُضيعُونَ حُكمَ اللَّه إن حَكموا


1- استعمل السفّاح أخاه يحيى بن محمد على الموصل فأمّنهم ونادى: من دخل الجامع فهو آمن. وأقام الرجال على أبواب الجامع، فقتلوا الناس قتلًا ذريعاً. قيل: إنّه قتل فيه أحد عشر ألفاً ممّن له خاتم، وخلقاً كثيراً ممّن ليس له خاتم، وأمر بقتل النساء والصبيان ثلاثة أيّام وذلك في سنة 132. المؤلف
2- المألُكة: الرسالة

ص:66

تُنشى التلاوةُ في أبياتهم سَحَراً وفي بيوتكُمُ الأوتارُ والنغَمُ

منكمْ عُليّةُ أم منهم وكان لكمْ شيخُ المغنِّين إبراهيمُ أم لَهُمُ «(1)»

إذا تلوا سورةً غنّى إمامُكمُ قف بالطلولِ التي لم يعفها القِدَمُ

ما في بيوتهمُ للخمرِ مُعتصَرٌ ولا بيوتكمُ للسوءِ مُعتَصَمُ

ولا تبيت لهم خُنْثَى تنادمهمْ ولا يُرى لهمُ قِرْدٌ ولا حَشَمُ «(2)»

الركن والبيتُ والأستارُ منزلُهمْ وزمزمٌ والصفا والحِجرُ والحَرَمُ

وليس من قَسَمٍ في الذِكر نعرفهُ إلّا وهم غيرَ شكٍّ ذلكَ القَسَمُ «(3)»


1- عُليّة: بنت المهدي بن المنصور كانت عوّادة، وإبراهيم أخوها كان مغنّياً وعوّاداً. المؤلف
2- الخُنثى: هو عبادة نديم المتوكّل. والقرد كان لزبيدة. المؤلف
3- ديوان أبي فراس ص 255 ط دار صادر بيروت

ص:67

17

أبو الفتح كشاجم

«(1)»

له شغُلٌ عن سؤالِ الطللْ أقام الخليطُ به أم رحلْ

فما ضَمِنته لحاظُ الظّبا تطالعُه من سجوفِ الكِلَلْ

ولا تستفزُّ حجاهُ الخدودُ بمصفرّة واحمرار الخجلْ

كفاهُ كفاهُ فلا تعذلا هُ كرُّ الجديدين كرُّ العذلْ

طوى الغيّ مشتعلًا في ذراه فتطفى الصبابةُ لمّا اشتعلْ

له في البكاءِ على الطاهري - ن مندوحةٌ عن بكاءِ الغزلْ


1- المتوفّى 360

ص:68

فكم فيهمُ من هلالٍ هوى قُبيل التمامِ وبدرٍ أفلْ

همُ حُجَجُ اللَّهِ في خلقِهِ ويومَ المعادِ على من خَذَلْ

ومن أنزلَ اللَّهُ تفضيلَهمْ فردّ على اللَّه ما قد نَزَلْ

فجدُّهمُ خاتمُ الأنبياءِ ويعرِفُ ذاكَ جميعُ المِلَلْ

ووالدُهمْ سيّدُ الأوصياءِ ومُعطي الفقيرِ ومُردي البطلْ

ومن علّم السُّمرَ طعن الحليّ لدى الروعِ والبيضَ ضربَ القللْ

ولو زالتِ الأرضُ يوم الهيا جِ من تحت أخمُصه لم يزُلْ «(1)»

ومنصدّ عن وجهِ دنياهمُ وقد لبست حُلْيَها والحُلَلْ

وكان إذا ما أُضيفوا إليه فأرفعُهم رتبةً في المَثَلْ


1- أخمص القدم: ما لا يصيب الأرض من باطنها، ويراد به القدم كلّها. المؤلف

ص:69

سماءٌ أُضيف إليها الحضيضُ وبحرٌ قَرَنْتَ إليه الوَشَلْ «(1)»

بجود تعلّمَ منه السحابُ وحِلمٍ تولّد منه الجبلْ

وكم شبهةٍ بهُداه جلا وكم خطّةٍ بحِجاه فَصَلْ

وكم أطفأ اللَّهُ نار الضلالِ به وهي ترمي الهدى بالشُّعَلْ

ومن ردَّ خالقُنا شمسَهُ عليه وقد جَنَحَتْ للطَفَلْ «(2)»

ولو لم تعُدْ الناسَ بالمُرهفاتِ على الدينِ ضربَ عِرابِ الإبلْ

وقد علموا أنّ يومَ الغديرِ بغدرهمُ جرَّ يومَ الجَمَلْ

فيا معشرَ الظالمين الذينَ أذاقوا النبيّ مضيضَ الثكلْ


1- الوشل: الماء القليل، يتحلّب من صخر أو حبل. المؤلف
2- طفلت الشمس: دنت للغروب المؤلف

ص:70

إلى أن قال:

يُخالفكمْ فيه نصُّ الكتابِ وما نصّ في ذاك خير الرسُلْ

نبذتمْ وصيّتَهُ بالعراءِ وقلتمْ عليه الذي لم يَقُل «(1)»

18

الناشي الصغير:

بآلِ محمدٍ عُرِف الصوابُ وفي أبياتِهم نَزَل الكتابُ

همُ الكلماتُ والأسماءُ لاحتْ لآدمَ حين عزَّ لهُ المتابُ

وهم حُجج الإلهِ على البرايا بهمْ وبحكمهم لا يُسترابُ

بقيّةُ ذي العُلى وفروعُ أصلٍ بحُسْنِ بيانهمْ وضحَ الخِطابُ

وأنوارٌ تُرى في كلِّ عصرٍ لإرشادِ الورى فَهُمُ شِهابُ


1- الغدير 4: 13- 14 ط. قم.

ص:71

ذراري أحمدٍ وبنو عليٍّ خليفتِه فهم لبٌّ لبابُ

تناهَوا في نهايةِ كلّ مجدٍ فطهَّر خَلْقهمْ وزكوا وطابوا

إذا ما أعوز الطلّابَ علمٌ ولم يوجدْ فعندهمُ يُصابُ

محبّتهم صراطٌ مستقيمٌ ولكنْ في مسالِكِهِ عِقابُ «(1)»

ولا سيما أبو حسنٍ عليّ له في الحربِ مرتبةٌ تُهابُ

كأنّ سِنانَ ذابلِهِ ضميرٌ فليس عن القلوبِ له ذِهابُ وصارمهُ كبيعتِهِ بخمٍ معا

قدُها من القومِ الرقابُ عليُّ الدرُّ والذهبُ المصفّى

وباقي الناس كلِّهمُ تُرابُ


1- عقاب جمع عقبة، وهي ما يعرض في الطريق من الصعوبة والشدة

ص:72

إذا لم تَبرَ من أعدا عليٍّ فما لك في محبّتِهِ ثوابُ «(1)»

إذا نادتْصوارمُهُ نفوساً فليس لها سوى نَعَمٍ جوابُ

فبينَ سِنانِهِ والدرعِ سِلْمٌ وبين البيض والبيض اصطحابُ

هو البكّاءُ في المحرابِ ليلًا هو الضحّاكُ إن جدَّ الضرابُ

ومن في خُفِّه طرحَ الأعادي حُباباً كي يلسِّبَهُ الحُبابُ «(2)»

فحين أرادَ لُبسَ الخُفِّ وافى يُمانعُهُ عن الخُفِّ الغُرابُ

وطار به فأكفأهُ وفيهِ حُبابٌ في الصعيد له انسيابُ «(3)»


1- كذا في تخميس العلّامة الشيخ محمد علي الأعسم. وفي كتاب الإكليل، والتحفة: ومن لم يبرَ من أعدا عليٍّ فليس له النجاة ولا ثواب
2- لسبته الحيّة: لدغته. المؤلف
3- انسابت الحيّة: جرت وتدافعت. المؤلف

ص:73

ومن ناجاهُ ثعبانٌ عظيمٌ ببابِ الطهر ألقتهُ السحابُ

رآه الناس فانجفلوا برعبٍ وأُغلِقتِ المسالكُ والرحابُ «(1)»

فلمّا أن دنا منهُ عليٌّ تدانى الناسُ واستولى العُجابُ

فكلّمه عليٌّ مُستطيلًا وأقبلَ لا يخافُ ولا يَهابُ

ودنَّ لحاجر وانساب فيه وقال وقد تغيّبه الترابُ «(2)»

أنا مَلَكٌ مُسِختُ وأنت مولىً دُعاؤك إن مَننتَ به يُجابُ

أتيتُكَ تائباً فاشفعْ إلى مَن إليه في مهاجرتي الإيابُ


1- انجفل وتجفّل القوم: هربوا مسرعين. المؤلف
2- دنّ: طأطأ وانحنى]. الحاجر: الأرض المرتفعة ووسطها منخفض. المؤلف

ص:74

فأقبلَ داعياً وأتى أخوهُ يؤمِّنُ والعيونُ لها انسكابُ

فلمّا أن اجيبا ظلَّ يعلو كما يعلو لدى الجدّ العقابُ

وأنبتَ ريشَ طاووسٍ عليهِ جواهرُ زانها التِّبرُ المُذابُ

يقولُ لقد نجوتُ بأهلِ بيتٍ بهم يُصلى لظىً وَبِهمْ يُثابُ

همُ النبأُ العظيمُ وفُلْكُ نوحٍ وبابُ اللَّه وانقطع الخطابُ

19

البشنوي الكردي

«(1)»

وقد شهدوا عيدَ الغديرِ وأسمعوا مقالَ رسولِ اللَّهِ من غير كتمانِ

ألستُ بكم أولى من الناسِ كلّهم فقالوا: بلى يا أفضل الإنس والجانِ


1- توفّى بعد 380

ص:75

فقام خطيباً بين أعوادِ منبرٍ ونادى بأعلى الصوتِ جهراً بإعلانِ

بحيدرةٍ والقومُ خرشٌ أذلّةٌ قلوبُهمُ ما بين خلفٍ وعينانِ

فلبّى مُجيباً ثمّ أسرع مقبلًا بوجهٍ كمثل البدرِ في غُصُنِ البانِ

فلاقاه بالترحيب ثمّ ارتقى به إليه وصار الطهر للمصطفى ثاني

وشال بِعَضْديه وقال وقدصغى إلى القولِ أقصى القوم تاللَّه والداني

عليٌّ أخي لا فرقَ بيني وبينه كهارونَ من موسى الكليمِ ابنِ عمرانِ

ووارثُ علمي والخليفةُ في غدٍ على أُمّتي بعدي إذا زُرت جثماني

فيا ربِّ من والى عليّاً

فوالِهِ وعادِ الذي عاداه واغضب على الشاني «(1)»


1- الغدير 4: 54 ط. قم

ص:76

20

الصاحب بن عبّاد

«(1)»

قالت فمنصاحبُ الدينِ الحنيفِ أجبْ فقلتُ أحمدُ خيرُ السادةِ الرسُلِ

قالت فمن بعده تصفي الولاءَ له قلتُ الوصيُّ الذي أربى على زُحَلِ

قالت فمن بات من فوقِ الفراشِ فدىً فقلتُ أثبت خلقِ اللَّهِ في الوَهَلِ «(2)»

قالت فمن ذا الذي آخاه عن مقةٍفقلتُ من حاز ردَّ الشمس في الطَّفَلِ «(3)» قالت فمن زوَّجَ الزهراءَ فاطمةً

فقلتُ أفضلُ من حافٍ ومُنتعلِ قالت فمن والدُ السبطينِ إذ فرعا

فقلتُ سابقُ أهلِ السبقِ في مَهلِ


1- المولود 326، المتوفّى 385
2- الوَهَل: الفزع
3- المقة: المحبّة. طفلت الشمس: مالت للغروب

ص:77

قالت فمن فاز في بَدرٍ بمعجزها فقلتُ أضربُ خلقِ اللَّه في القُلَلِ

قالت فمن أسدُ الأحزابِ يفرسُها فقلتُ قاتلُ عمرِو الضيغمِ البطلِ

قالت فيوم حُنين من فرا وبَرا فقلتُ حاصدُ أهلِ الشركِ في عجَلِ

قالت فمن ذا دُعي للطير يأكلُهُ فقلتُ أقربُ مَرضيٍّ ومُنتحلِ

قالت فمن تِلْوُهُ يومَ الكساءِ أجبْ فقلتُ أفضلُ مَكسوٍّ ومُشتمِلِ

قالت فمن سادَ في يومِ الغديرِ أَبِنْ فقلتُ من كان للإسلامِ خيرَ ولي

قالت ففي من أتى في هل أتى شرفٌ فقلت أبذلُ أهل الأرضِ للنفَلِ

قالت فمن راكعٌ زكّى بخاتمهِ فقلتُ أطعنُهم مذ كان بالأَسَلِ

قالت فمن ذا قسيمُ النارِ يسهمُها فقلتُ من رأيُه أذكى من الشُّعَلِ

ص:78

قالت فمن باهَل الطهرُ النبيُّ به فقلتُ تاليهِ في حِلٍّ ومُرتحَلِ

قالت فمن شبهُ هارونَ لنعرفَه فقلتُ من لم يَحُلْ يوماً ولم يَزُلِ

قالت فمن ذا غدا بابَ المدينةِ قل فقلتُ من سألوهُ وهو لم يَسلِ

قالت فمَن قاتل الأقوامَ إذ نكثوا فقلتُ تفسيرُهُ في وقعةِ الجملِ

قالت فمَن حاربَ الأرجاسَ إذ قسطوا فقلتصفِّين تُبديصفحةَ العملِ

قالت فمَن قارعَ الأنجاسَ إذ مرقوا فقلت معناه يوم النهروانِ جَلي

قالت فمَنصاحبُ الحوضِ الشريفِ غداً فقلت مَن بيتُهُ في أشرفِ الحللِ

قالت فمَن ذا لواء الحمدِ يحملُه فقلتُ مَن لم يكن في الروعِ بالوجلِ

قالت أكلُّ الذي قد قلتَ في رجلٍ فقلت كلُّ الذي قد قلتُ في رجلِ

ص:79

قالت فمَن هو هذا الفردُ سِمهُ لنا فقلت ذاك أميرُ المؤمنين علي «(1)»

وله أيضاً:

وقالوا عليٌّ علا قلت لا فإنّ العُلى بعليٍّ عَلا

ولكن أقولُ كقولِ النبيِّ وقد جمعَ الخلقَ كلَّ الملا

ألا إنّ من كنتُ مولىً له يُوالي علياً وإلّا فلا

وله من قصيدة قوله:

وكم دعوةٍ للمصطفى فيه حُقِّقَتْ وآمالُ من عادى الوصيَّ خوائبُ

فمن رَمَدٍ آذاه جَلّاه داعياً لساعته والريحُ في الحربِ عاصبُ

ومن سطوةٍ للحرِّ والبردِ دوفعت بدعوتِهِ عنه وفيها عجائبُ


1- الغدير 4: 63 ط قم

ص:80

وفي أيِّ يومٍ لم يكن شمسُ يومِهِ إذا قيل هذا يومُ تُقضى المآربُ

أفي خطبةِ الزهراءِ لمّا استخصَّهُ كِفاءً لها والكلُّ من قبلُ طالبُ

أفي الطيرِ لمّا قد دعا فأجابَهُ وقد ردّه عنه غبيٌّ مواربُ

أفي رفعِهِ يومَ التباهلِ قدرَهُ وذلك مجدٌ ما علمت مواظبُ

أفي يومِ خمٍّ إذ أشاد بذكرِهِ وقد سمع الإيصاءَ جاءٍ وذاهبُ

أيعسوبَ دينِ اللَّهِصنوَ نبيِّه ومن حبُّهُ فرضٌ من اللَّهِ واجبُ

مكانُكَ من فوقِ الفواقدِ لائحٌ ومجدُك من أعلى السماك مراقبُ

وسيفُكَ في جيدِ الأعادي قلائدٌ قلائدُ لم يعكفْ عليهنّ ثاقبُ «(1)»


1- الغدير 4: 65 ط. قم.

ص:81

21

الجوهري الجرجاني

«(1)»

أما أَخذت عليكمْ إذْ نزلتُ بكمْ غديرَ خمٍّ عقوداً بعد أيمانِ

وقد جذبتُ بضبعَيْ خيرِ من وَطِئَ ال - بطحاءَ من مضرِ العليا وعدنانِ

وقلتُ واللَّهُ يأبى أن أُقصِّر أو أعفي الرسالةَ عن شرحٍ وتبيانِ

هذا عليٌّ لَمولى من بُعِثتُ له مولى وطابقَ سرّي فيه إعلاني

هذا ابنُ عمّي ووالي منبري وأخي ووارثي دون أصحابي وإخواني

محلُّ هذا إذا قايستُ من بدني محلُّ هارونَ من موسى بنِ عمرانِ


1- المتوفّى حدود 380

ص:82

وله أيضاً قوله:

وغديرُ خمٍّ ليس يُنكِرُ فضلَهُ إلّا زنيمٌ فاجرٌ كفّارُ

من ذا عليه الشمسُ بعد مغيبها رُدّت ببابل فاستبن يا حارُ

وعليه قد رُدّت ليومِ المصطفى يوماً وفي هذا جرتْ أخبارُ

حاز الفضائلَ والمناقبَ كلَّها أنّى تُحيطُ بمدحِهِ الأشعارُ «(1)»

22

ابن الحجّاج البغدادي

«(2)»

ياصاحبَ القبّةِ البيضاءِ في النجفِ من زارَ قبرَكَ واستشفى لديك شُفي

زوروا أبا الحسن الهادي لعلّكمُ تحظَوْنَ بالأجرِ والإقبالِ والزُّلَفِ

زوروا لمن تُسمَعُ النجوى لديه فمن يزرْهُ بالقبر ملهوفاً لديه كُفي


1- مناقب ابن شهر آشوب 1: 532 ط إيران[ 3: 40 طبع دار الأضواء- بيروت]، والصراط المستقيم للبياضي العاملي[ 1: 311]. المؤلف
2- مناقب آل أبي طالب 2: 203[ 2: 355]. المؤلف.

ص:83

إذا وصلتَ فأحرمْ قبل تدخلَهُ ملبّياً واسْعَ سعياً حوله وطُفِ

حتى إذا طفتَ سبعاً حول قبّتِهِ تأمّل البابَ تلقى وجهه فقفِ

وقل سلامٌ من اللَّهِ السلامِ على أهلِ السلامِ وأهل العلمِ والشرفِ

إنّي أتيتك يا مولاي من بلدي مُستمسكاً من حبال الحقِّ بالطرفِ

راجٍ بأنّك يا مولاي تشفعُ لي وتسقِني من رحيقٍ شافيَ اللّهفِ

لأنّك العروةُ الوثقى فمن علِقَتْ بها يداه فلن يشقى ولم يخفِ

وإنّ أسماءَك الحُسنى إذا تُليت على مريضٍ شُفي من سقمه الدنفِ

لأنّ شأنك شأنٌ غيرُ مُنتقصٍ وأنّ نورَك نورٌ غير منكسفِ

وإنّك الآيةُ الكبرى التي ظهرتْ للعارفين بأنواعٍ من الطرفِ

ص:84

هذي ملائكةُ الرحمنِ دائمةً يهبطنَ نحوكَ بالألطافِ والتحفِ

كالسطلِ والجامِ والمنديلِ جاء به جبريلُ لا أحدٌ فيه بمختلفِ

كان النبيُّ إذا استكفاك معضلةً من الأمور وقد أعيت لديه كُفي

وقصّةُ الطائر المشويِّ عن أنسٍ تخبر بما نصّهُ المختارُ من شرفِ

والحَبُّ والقضبُ والزيتونُ حين أتوا تكرُّماً من إله العرش ذي اللطفِ

والخيلُ راكعةٌ في النقعِ ساجدةٌ والمشرفيّاتُ قد ضجّت على الحَجَفِ «(1)»

بعثتَ أغصانَ بانٍ في جموعِهمُ


1- الحَجَف محرّكة: التروس من جلود بلا خشب ولا عقب. واحدتها: الحَجَفَة. المؤلف

ص:85

فأصبحوا كرمادٍ غير منتسفِ لو شئتَ مسخَهمُ في دورِهمْ مُسِخوا

أو شئتَ قلتَ لهم يا أرض إنخسفي والموتُ طوعُكَ والأرواحُ تملكُها

وقد حكمتَ فلم تظلِمْ ولم تحفِ لا قدَّس اللَّهُ قوماً قال قائلُهمْ

بخٍ بخٍ لك من فضلٍ ومن شرفِ وبايعوك بخمٍّ ثمَّ أكّدَها

محمّدٌ بمقالٍ منه غيرِ خفي عاقوك واطّرحوا قولَ النبيِّ ولم

يمنعهمُ قولُه هذا أخي خلَفي هذا وليُّكُمُ بعدي فمن علِقَتْ

به يداهُ فلن يخشى ولم يخفِ «(1)»


1- رياض العلماء 2: 14

ص:86

23

أبو العلاء السرَوي

عليٌّ إماميَ بعدَ الرسولِ سيشفعُ في عَرصةِ الحقِّ لي

ولا أدّعي لعليٍّ سوى فضائلَ في العقلِ لم يشكلِ

ولا أدّعي أنّه مرسَلٌ ولكن إمامٌ بنصٍّ جلي

وقول الرسول له إذا أتى له شبهُ الفاضل المفضلِ

ألا إنّ من كنتُ مولىً له فمولاه من غيرِ شكٍّ علي «(1)»

24

أبو محمد العوني

إمامي له يومَ الغديرِ أقامَهُ نبيُّ الهدى ما بين من أنكرَ الأمرا


1- ذكرها ابن شهر آشوب في المناقب 1: 531 طبع إيران[ 3/ 39] ويعبّر عن المترجم في المناقب بأبي العلاء بلا قيد زائد كما يظهر عند نقله بعض أبيات قصيدته الفائية في 2: 139[ 3: 447]. المؤلف

ص:87

وقامَ خطيباً فيهمُ إذا أقامَهُ ومن بعد حمدِ اللَّهِ قالَ لهم جهرا

ألا إنّ هذا المرتضى بعلُ فاطمٍ عليُّ الرضاصهري فأَكرمْ بهصهرا

ووارثُ علمي والخليفةُ فيكمُ إلى اللَّه من أعدائِه كلّهم أبرا

سمعتم؟ أطعتم؟ هل وعيتم مقالتي؟ فقالوا جميعاً ليس نعدوا له أمرا

سمعنا أطعنا أيّها المرتضى فكن على ثقةٍ منّا وقد حاولوا غدرا «(1)»

ومنها قوله:

وفي خبرٍصحّتْ روايتُهُ لهم عن المصطفى لا شكَّ فيه فيستبرا

بأن قال لمّا أن عرجتُ إلى السما رأيتُ بها الأملاكَ ناظرةً شزرا


1- مناقب ابن شهر آشوب 1: 532 طبع إيران[ 3: 40]. المؤلف

ص:88

إلى نحوِ شخصٍ حِيلَ بيني وبينه لعُظمِ الذي عاينتُه منه لي خيرا

فقلت حبيبي جبرئيل من الذي تلاحظه الأملاكُ قال لك البشرى

فقلت ومن ذا قال عليُّ الرضا «(1)» وما خصّه الرحمنُ من نِعَمٍ فخرا

تشوّقتِ الأملاكُ إذ ذاك شخصَهُ فصوّره الباري علىصورةٍ اخرى

فمال إلى نحو ابن عمٍّ ووارثٍ على جذلٍ منه بتحقيقِهِ خُبْرا «(2)»

25

ابن حمّاد العبدي

ألا قُل لسلطانِ الهوى كيف أعملُ لقد جار من أهوى وأنتَ المؤمّلُ


1- كذا.
2- المصدر السابق 2: 267

ص:89

أابدي إليك اليوم ما أنا مضمرٌ من الوجدِ في الأحشاءِ أم أتحمّلُ

وما أنا إلّاهالكٌ إن كتمتُهُ ولا شكّ كتمانُ الهوى سوف يقتلُ

فخذ بعضَ ما عندي وبعضٌ أصونُهُ فإن رمتُصونَ الكلّ فالحالُ مشكلُ

لقد كنتُ خلواً من غرامٍ وصبوةٍ أبِيتُ ومالي في الهوى قطُّ مدخلُ

إلى أن دعاني للصبابةِ شادنٌ تحيّرُ فيه الواصفون وتذهلُ

بديعُ جمالٍ لو يَرى الحسنُ حسنَه لقرَّ اختياراً أنّه منه أجملُ

فسبحانَ من أنشاه فرداً بحسنِهِ فلا تعجبوا فاللَّهُ ما شاء يفعلُ

دعاني فلم ألبث ولبّيتُ عاجلًا وما كنت لولا ذلك الحسنُ أعجلُ

بذلتُ له روحي وما أنا مالكٌ وفي مثله الأرواحُ والمالُ تُبذَلُ

ص:90

وصرتُ له خِدناً ثلاثينَ حجّةً أُعانق منه الشمسَ والليلُ أليلُ

بسمعيَ وَقرٌ إن لحا فيهِ كاشحٌ كذاك به عن عذلِ من راح يعذلُ

إلى أن بدا شيبي ولاحَ بياضُهُ كما لاح قرنٌ من سنا الشمس مسدلُ

وبدّل وصلي بالجفا متعمِّداً وما خلتُه للهجرِ والصدّ يفعلُ

فحاولته وصلًا فقال ليَ ابتدئ وإلّا يميناً إنّه ليس يقبلُ

وفرَّ كما من حيدرٍ فرَّ قرنُهُ وقد ثار من نقعِ السنابكِ قسطَلُ

غداةَ رأتهُ المشركون وسيفُهُ بكفّيه منه الموتُ يجري ويهطلُ

حسامٌ كصلّ الريمِ في جنباتِهِ دبيبٌ كما دبّت على الصخرِ أنملُ

إذا ما انتضاه واعتزى وسطَ مأزقٍ تزلزل خوفاً منه رضوى ويذبلُ

ص:91

به مرحبٌ عضّ الترابَ معفّراً وعمرو بن ودٍّ راح وهو مجدّلُ

وقام به الإسلامُ بعد اعوجاجه وجاء به الدين الحنيف يُكمّلُ

إلى أن يقول فيها:

هو الضاربُ الهاماتِ والبطلُ الذي بضربتِهِ قد ماتَ في الحالِ نوفلُ

وعرّجَ جبريلُ الأمينُ مصرِّحاً يكبِّرُ في أُفق السما ويهلّلُ

أخو المصطفى يومَ الغديرِ وصنوُهُ ومُضجِعُهُ في لحدِه والمغسِّلُ

له الشمس رُدّت حين فاتتْصلاتُهُ وقد فاته الوقتُ الذي هو أفضلُ

فصلّى فعادتْ وهي تهوي كأنّها إلى الغربِ نجمٌ للشياطين مُرسَلُ

أما قال فيهِ أحمدٌ وهو قائمٌ على منبرِ الأكوار والناسُ نُزّلُ «(1)»


1- في بعض المصادر: والجمع حُفَّلُ. المؤلف

ص:92

عليٌّ أخي دون الصحابةِ كلِّهم به جاءني جبريلُ إن كنتَ تسألُ

عليِّ بأمرِ اللَّه بعدي خليفةٌ وصيّي عليكم كيفما شاء يفعلُ

ألا إنّ عاصيهِ كعاصي محمدٍ وعاصيه عاصي اللَّهِ والحقُّ أجملُ

ألا إنّه نفسي ونفسيَ نفسُه به النصُّ أنبا وهو وحيٌ منزّلُ

لا إنّني للعلمِ فيكمْ مدينةٌ عليٌّ لها بابٌ لمن رام يدخلُ

ألا إنّه مولاكمُ ووليّكمْ وأقضاكمُ بالحقِّ يقضي ويعدلُ

فقالوا جميعاً قد رضيناه حاكماً ويقطعُ فينا ما يشاءُ ويوصلُ «(1)»


1- الغدير 4: 197- 198 ط. قم

ص:93

من أشعار الغدير في القرن الخامس

اشارة

ص:94

ص:95

26

الشريف الرضي

«(1)»

نطقَ اللسانُ عن الضميرِ والبشرُ عنوانُ البشيرِ

ألآن أعْفَيْتَ القلو بَ من التقلقلِ والنفورِ

وانجابتِ الظلماءُ عن وضَحِ الصباح المستنيرِ

إلى أن قال:

غدرَ السروُ بنا وكا ن وفاؤه يومَ الغديرِ

يومٌ أطافَ به الوص - يُّ وقد تلقّبَ بالأميرِ

فتسلَّ فيه ورُدَّ عا ريةَ الغرامِ إلى المعيرِ


1- المولود 359، المتوفّى 406

ص:96

وابتزّ أعمارَ الهمومِ بطولِ أعمارِ السرورِ

فلِغَيرِ قلبِكَ من يعلّلُ همَّهُ نُطَفُ الخمورِ

لا تقنعَنْ عندَ المطا لب بالقليلِ من الكثيرِ

فتبرّضُ الأطماعِ مثل تبرّض «(1)» الثَّمَدِ الجرورِ «(2)»

هذا أوان تطاول الحاج اتِ والأملِ القصيرِ

فانفحْ لنا من راحتي - كَ بلا القليلِ ولا النزورِ

لا تحوجنَّ إلى العصاب و أنت في الضرْعِ الدرورِ آثارُ شكرِكَ في فمي

وسماتُ ودِّكَ في ضميري وقصيدةٌ عذراءُ مث

- لُ تألّقِ الروضِ النضيرِ فرحتْ بمالِكِ رِقِّها

فرحَ الخَميلةِ «(3)» بالغديرِ «(4)»


1- التبرّض- من تَبرّضَ-: إذا تبلّغ بالقليل من العيش. المؤلف
2- الَثمد: الماء القليل. الجرور: البعيد القعر
3- الخميلة: الشجر الكثير الملتفّ، الموضع الكثير الشجر المنهبط من الأرض. المؤلف
4- توجد في ديوانه 1: 327[ 1/ 427] يمدح بها أباه في يوم الغدير، ويذكر ردّ أملاكه عليه في سنة 396. المؤلف

ص:97

27

مهيار الديلمي

«(1)»

هل بعدَ مُفترَقِ الأظعانِ مجتمعُ أم هل زمانٌ بهم قد فاتَ يُرتجَعُ

تحمّلوا تَسَعُ البيداءُ ركبَهمُ ويحملُ القلبُ فيهم فوقَ ما يَسعُ

مغرِّبين همُ والشمسَ قد ألفوا ألَا تغيبَ مغيباً حيثما طلعوا

شاكين للبَيْنِ أجفاناً وأفئدةً مفجّعين به أمثالَ ما فجعوا

تخطو بهم فاتراتٌ في أزمّتِها أعناقُها تحت إكراهِ النوى خُضُعُ

تشتاق نعمانَ لا ترضى بروضتِهِ داراً ولو طابَ مصطافٌ ومرتبَعُ


1- المتوفّى 428

ص:98

فداء وافين تمشي الوافياتُ بهمْ دمعٌ دمٌ وحَشَاً في إثرِهم قِطَعُ

الليلُ بعدهُمُ كالفجرِ متّصلٌ ما شاء والنومُ مثلُ الوصلِ منقطِعُ

ليت الذين أصاخوا يومَصاحَ بهمْ داعي النوى ثوِّرواصمّوا كما سمِعوا

أوليتَ ما أخذَ التوديعُ من جسدي قضى عليَّ فللتعذيبِ ما يدعُ

وعاذلٍ لجَّ أعصيه ويأمُرني فيه وأهربُ منه وهو يتّبعُ

يقول: نفسَك فاحفظها فإنّ لها حقّاً وإنّ علاقاتِ الهوى خدَعُ

روِّح حشاك بِبَردِ اليأس تسلُ به ما قيل في الحبِّ إلّاأنّه طمعُ

والدهرُ لونانِ والدنيا مقلّبةٌ الآنَ يعلمُ قلبٌ كيف يرتدعُ

هذي قضايا رسولِ اللَّهِ مهملةٌ غدراً وشملُ رسولِ اللَّه منصدعُ

ص:99

والناسُ للعهدِ ما لاقوا وما قربوا وللخيانة ما غابوا وما شَسَعوا «(1)»

وآلُهُ وهمُ آلُ الإلهِ وهمْ رُعاةُ ذا الدينِ ضِيموا بعده ورُعُوا

ميثاقُهُ فيهمُ ملقىً وأمّتُهُ معْ من بغاهم وعاداهم له شِيَعُ

تُضاعُ بيعتُهُ يومَ الغديرِ لهمْ بعد الرضا وتُحاطُ الرومُ والبِيَعُ

مقسّمين بأيمانٍ همُ جذبوا ببوعها وبأسيافٍ همُ طبعوا

ما بين ناشرِ حبلٍ أمسِ أبرمه تُعَدُّ مسنونةً من بعدِهِ البِدَعُ

وبين مُقتنصٍ بالمكرِ يخدعُهُ عن آجلٍ عاجلٌ حلوٌ فينخدعُ

وقائل لي عليٌّ كان وارثَهُ بالنصِّ منه فهل أَعَطَوه أم منعوا

فقلت كانت هَناتٌ لستُ أذكرُها يجزي بها اللَّه أقواماً بماصنعوا


1- شسعوا: بعدوا

ص:100

أبلغْ رجالًا إذا سمّيتُهمْ عُرِفوا لهم وجوهٌ من الشحناءِ تُمتقعُ توافقوا وقناةُ الدين مائلةٌ

فحين قامتْ تلاحَوا فيه واقترعوا أطاع أوّلُهم في الغَدرِ ثانيَهمْ وجاءَ ثالثُهم يقفو ويتّبعُ قفوا على نظرٍ في الحقِّ نفرضُهُ

والعقلُ يفصلُ والمحجوجُ ينقطعُ بأيّ حكمٍ بنوه يتبعونكمُ وفخرُكمْ أنّكمْصحبٌ له تَبَعُ وكيف ضاقتْ على الأهلينَ تربتُهُ

وللأجانبِ من جنبيهِ مضطجَعُ وفيمصيّرتمُ الإجماعَ حجّتَكمْ والناسُ ما اتّفقوا طوعاً ولا اجتمعوا أَمْرٌ «عليٌّ» بعيد من مشورتِهِ

مستكرَهٌ فيه والعبّاس يَمتنعُ وتدّعيه قريشٌ بالقرابة وال أنصار لا رُفُعٌ فيه ولا وُضُعُ

ص:101

فأيّ خُلفٍ كخُلْفٍ كان بينكُمُ لولا تُلفَّقُ أخبارٌ وتصطَنَعُ واسألهمُ يوم خُمٍّ بعدما عقدو

اله الولايةَ لِمْ خانوا ولِمْ خَلَعوا قولُصحيحٌ ونيّاتٌ بها نَغَلٌ لا ينفع السيفَ صَقلٌ تحته طَبَعُ «(1)» إنكارُهمْ يا أميرَ المؤمنينَ لها

بعد اعترافِهمُ عارٌ به ادّرعوا ونكثُهمْ بكَ مَيْلًا عن وصيّتهمْ شرعٌ لَعمرُكَ ثانٍ بعده شرعوا تركتَ أمراً ولو طالبتَهُ لدرتْ

معاطسٌ راغمته كيف تُجتدَعُصبرت تحفظُ أمرَ اللَّهِ ما اطّرحو اذبّاً عن الدينِ فاستيقظتَ إذ هجعوا ليشرقنَّ بحلوِ اليومِ مُرُّ غدٍ

إذا حصدتَ لهم في الحشرِ ما زرعوا


1- النغَل: الضغن وسوء النيّة، الطبع: الصدأ. المؤلف

ص:102

جاهدتُ فيك بقولي يومَ تختصمُ ال أبطالُ إذ فات سيفي يومَ تمتصِعُ «(1)»

إنّ اللسانَ لوصّالٌ إلى طُرُقٍ في القلبِ لا تهتديها الذُبّلُ الشُّرُعُ

آباي في فارسٍ والدينُ دينكمُ حقّاً لقد طاب لي أُسٌّ ومرتبعُ

ما زلتُ مذ يفعتْ سنّي ألوذُ بكمْ حتى محا حقُّكمْ شكّي وأنتجعُ

وقد مضتْ فُرُطاتٌ إن كفلتُ بها فرّقتُ عنصُحفي البأسَ الذي جمعوا

سلمان فيها شفيعي وهو منك إذا ال آباءُ عندَكَ في أبنائِهم شفعوا

فكن بها منقذاً من هول مُطّلعي غداً وأنت من الأعرافِ مطّلِعُ

سوّلتُ نفسي غروراً إن ضمنتُ لها أنّى بذخرٍ سوى حبَّيك أنتفعُ

«(2)»


1- تمتصع: تقاتل بالسيف. المؤلف
2- ديوان مهيار 2: 182. المؤلف

ص:103

28

سيّدنا الشريف المرتضى

«(1)»

لو لم يُعاجله النوى لتحيّرا وقَصارُه وقد انتأوا أن يُقصِرا

أفكلّما راع الخليطُ تصوّبتْ عبراتُ عينٍ لم تقلّ فتكثرا

قد أوقدتْ حرّى «(2)» الفراقِصبابةً لم تستعرْ ومَرَيْنَ دمعاً ما جرى «(3)»

شَغَفٌ يكتِّمُهُ الحياءُ ولوعةٌ خَفِيَتْ وحُقَّ لمثلِها أن يظهرا

أين الركائب لم يكن ما عُلنهصبراً ولكن كان ذاك تصبّرا


1- المولود 355، المتوفّى 436
2- في الديوان 1/ 479: حُرَقُ.
3- مَرَيْن: اعتصرن، من مرى الناقة إذا مسح ضرعها لتدرَّ اللبن

ص:104

لبّيْنَ داعيةَ النوى فأَرينَنا بين القبابِ البيضِ موتاً أحمرا

وبعُدْنَ بالبَيْنِ المشتِّتِ ساعةً فكأنّهنّ بعُدنَ عنّا أشهرا

عاجوا على ثَمَدِ البطاحِ وحبُّهمْ أجرى العيونَ غداةَ بانوا أبحُرا «(1)»

وتنكّبوا وَعْرَ الطريقِ وخلّفو اما في الجوانحِ من هواهمْ أوعرا

أمّا السلوُّ فإنّه لا يهتدي قصدَ القلوبِ وقد حُشِينَ تذكّرا

قد رمتُ ذاكَ فلم أجدْهُ وحقُّ مَن فقدَ السبيلَ إلى الهدى أن يُعذَرا

أهلًا بطَيْفِ خيالِ مانعةٍ لنا يقظى ومُفضلةٍ علينا في الكرى

ما كان أنعَمَنا بها من زورةٍ لو باعدتْ وقتَ الورودِ المصدرا

جزعت لِوَخْطاتِ المشيبِ وإنّما بلغَ الشبابُ مدى الكمالِ فنوّرا


1- الَثمد: الماء القليل الذي لا مادّ له

ص:105

والشيب إن أنكرتَ فيهِ مورِدٌ لابدّ يوردُه الفتى إن عُمِّرا

يَبْيَضُّ بعد سواده الشّعرُ الذي إن لمْ يزرْهُ الشيبُ واراه الثرى

زمنَ الشبيبةِ لا عدَتْكَ تحيّةٌ وسقاك منهمرُ الحيا ما استغزرا

فلطالما أضحى ردائي ساحباً في ظلِّك الوافي وعوديَ أخضرا

أيّامَ يرمقُني الغزالُ إذا رنا شَغَفاً ويطرقُني الخيالُ إذا سرى

ومرنّح في الكورِ تحسبُ أنّه اص - طبحَ العُقار وإنّما اغتبق السُّرى «(1)»

بطلٌصَفاهُ للخداعِ مزلّةٌ فإذا مشى فيه الزماع تغشمرا «(2)»

إمّا سألتَ به فلا تسألْ به ناياً يناغي في البطالة مِزمَرا


1- المرنّح: المتمايل. الكور: الهودج. اصطبح: شرب الخمر صباحاً. العقار: الخمر. اغتبق: شربها مساء
2- صفاه: صخره. الزماع: المضاء في الأمر. تغشمر: تنمّر

ص:106

واسأل به الجُردَ العِتاقَ مُغِيرةً يخبطن هاماً أو يطأنَ سَنَوَّرا «(1)»

يحملن كلَّ مدجّجٍ يقري الظبا عَلَقاً وأنفاسَ السوافي عِثيرا «(2)»

قَومي الذين وقد دجتْ سبلُ الهدى تركوا طريقَ الدينِ فينا مُقمرا

غلبوا على الشرفِ التليدِ وجاوز واذاك التليدَ تطرّفاً وتخيّرا

كم فيهمُ من قسوَرٍ متخمّطٍ يُردي إذا شاء الهزبرَ القسوَرا

متنمِّرٍ والحربُ إن هتفتْ به أدّتهُ بسّامَ المحيّا مُسفرا

وملوَّمٍ في بذلِهِ ولطالما أضحى جديراً في العلى أن يُشكرا

ومرفَّعٍ فوقَ الرجالِ تخالُهُ يومَ الخطابةِ قد تسنّم مِنبرا


1- السنَوَّر: السلاح من الحديد، أو هو الدرع
2- العَلَق: الدم. السوافي: الرياح. العِثيَر: التراب والعجاج

ص:107

جمعوا الجميلَ إلى الجمالِ وإنّما ضمّوا إلى المرأى المُمدَّحِ مَخْبرا

سائلْ بهم بدراً وأُحداً والتي ردّتْ جبينَ بني الضلالِ مُعفّرا

للَّهِ درُّ فوارسٍ في خيبرٍ حملوا عن الإسلامِ يوماً مُنكرا

عصفوا بسلطانِ اليهودِ وأولجو اتلك الجوانحَ لوعةً وتحسّرا

واستلحموا أبطالَهم واستخرجوا ال أزلامَ من أيديهمُ والميسِرا

وبمرحبٍ ألوى فتىً ذو جمرةٍ لا تُصطلى وبسالةٍ لا تُقترى «(1)»

إن حزَّ حزَّ مطبّقاً أو قالَ قال مصدَّقاً أو رام رام مطهّرا

فثناه مصفّرَ البَنانِ كأنّما لطخَ الحِمامُ عليهصِبغاً أصفرا

شهقَ العُقابُ بشلوِهِ ولقد هَفَتْ زمناً به شُمُّ الذوائِب والذرى


1- لا تقترى: لا تقدّر ولا تخمّن. المؤلف

ص:108

أمّا الرسولُ فقد أبانَ ولاءَهُ لو كان ينفعُ جائراً أن يُنذَرا

أمضى مقالًا لم يَقُلْهُ معرِّضاً وأشادَ ذكراً لم يُشِدْهُ معذّرا «(1)»

وثنى إليه رقابَهمْ وأقامه عَلَماً على بابِ النجاةٍ مُشَهَّرا

ولقد شفى يومُ الغديرِ معاشر اًثَلِجَتْ نفوسُهُمُ وأودى معشرا

قلقت به أحقادُهمْ فمرجِّعٌ نفساً ومانعُ أنّةٍ أن تجهرا

يا راكباً رقصتْ به مَهْرِيّةٌ أَشِبَتْ بساحته الهمومُ فأصحرا «(2)»

عُجْ بالغريِّ فإنّ فيهِ ثاوياً جبلًا تطأطأ فاطمأنَّ به الثرى

واقرا السلامَ عليهِ من كَلِفٍ بهِ كُشفتْ له حُجبُ الصباحِ فأبصرا


1- في الديوان: مغرّرا
2- المهريّة: من النوق الموصوفة بسرعة الجري. أشِبَت الهموم بساحته: أي اكتنفته وألمّت به. أصحر: خرج إلى الصحراء

ص:109

ولو استطعتُ جعلتُ دارَ إقامتي تلك القبورَ الزُّهرَ حتى أُقبرا

«(1)» 29

المؤيّد في الدين

«(2)»

قال والرحل للسرى محمولُ حُقَّ منك النوى وجدَّ الرحيلُ

وعدا الهزلُ في القطيعة جِدّاً ما كذا كان منك لي المأمولُ

قلتُ والقلبُ حسرةً يتقلّى وعلى الخدِّ دمعُ عيني يسيلُ

بأبي أنت ما اقتضى البينُ إلّا قدرٌ ثمّ عهدُك المستحيلُ

كمْ وكمْ قلت خلِّني يا خليلي من جفاءٍ منه الجبال تزولُ

إنّما أمرُه لديك خفيفٌ وهو ثقلٌ على فؤادي ثقيلُ

إنّك السالمُ الصحيحُ وإنّي من غرامٍ بك الوقيذُ العليلُ «(3)»

قال قد مرَّ ذا فهل من مُقامٍ عندنا قلتُ ما إليه سبيلُ


1- ديوان الشريف المرتضى 1: 479
2- المولود 363، المتوفّى 449
3- الوقيذ: الشديد المرض، المشرف على الموت. المؤلف

ص:110

قال إنّي لدى مُرادِكَ باقٍ قلت ما إن تفي بما قد تقولُ

قال أضرمتَ في الحشا نارَ شوقٍ حرُّ أنفاسِها عليها دليلُ

قلتُ حسبي الذي لقيتُ هو اناًفلقاءُ الهوانِ عندي يهولُ

فقبيحٌ بيَ التصابي وهذا عسكرُ الشيب فوقَ رأسي نزولُ

إنّ أمرَ المعاد أكبرُ همّي فاهتمامي بما عداهُ فضولُ

كثر الخائضون بحرَ ظلامٍ فيه والمؤنسو الضياءِ قليلُ

قال قومٌ قُصرى الجميع التلاشي فئةٌ منتهاهمُ التعطيلُ

وأدّعى الآخرون نسخاً وفسخاً ولهم غيرُ ذاك حشوٌ طويلُ

وأبوا بعد هذه الدارِ داراً نحوها كلُّ من يؤولُ يَؤولُ

لم يروا بعدها مَقامَ ثوابٍ وعقابٍ لهم إليه وُصولُ

فالمثابون عندهم مُترفوهمْ ولذي الفاقة العذابُ الوبيلُ

قال قومٌ وهم ذوو العدد الج - مِّ لنا الزنجبيل والسلسبيلُ

ولنا بعد هذه الدارِ دارٌ طابَ فيها المشروب والمأكولُ

ولكلٍّ من المقالاتِ سوقٌ وإمامٌ روايةٌ ورَعيلُ

ما لهم في قَبيل عقلٍ كلامٌ لا ولا في حِمَى الرشاد قَبولُ

أمّةٌ ضيّع الأمانةَ فيها شيخُها الخاملُ الظلومُ الجهولُ

بئس ذاك الإنسانُ في زُمرِ الإنسِ وشيطانُه الخَدوعُ الخذولُ

فهم التائهون في الأرضِ هُلْكاً عقدُ دينِ الهُدى بهم محلولُ

نكسوا ويلَهمْ ببابلَ جهراً جُملٌ ذا وراءها تفصيلُ

ص:111

مَنعواصفوَ شربةٍ من زُلالٍ ليس إلّابذاك يشفى الغليلُ

ملّكوا الدين كلّ أُنثى وخُنثى وضعيفٍ بغير بأسٍ يصولُ

إلى أن قال:

لو أرادوا حقيقةَ الدينِ كانوا تبعاً للذي أقامَ الرسولُ

وأتت فيه آيةٌ النصِّ بلِّغْ يوم خمٍّ لمّا أتى جبريلُ

ذاكمُ المرتضى عليٌّ بحقٍّ فبعلياهُ ينطقُ التنزيلُ

ذاك برهان ربِّه في البرايا ذاكَ في الأرضِ سيفُهُ المسلولُ

فأطيعوا جحداً أُولي الأمر منهم فلهم في الخلائق التفضيلُ

أهل بيتٍ عليهمُ نزل الذك - رُ وفيه التحريمُ والتّحليلُ

همْ أمانٌ من العمى وصراطٌ مستقيمٌ لنا وظِلٌّ ظليلُ «(1)»


1- ديوان المؤيّد ص 215- 218. المؤلف

ص:112

ص:113

من أشعار الغدير في القرن السادس

اشارة

ص:114

ص:115

30

أبو الحسن الفنجكردي

«(1)»

لا تُنكرَنَّ غديرَ خمٍّ إنّه كالشمسِ في إشراقِها بل أظهرُ

ما كان معروفاً بإسنادٍ إلى خيرِ البرايا أحمدٍ لا يُنكَرُ

فيهِ إمامةُ حيدرٍ وكمالهُ وجلالُهُ حتى القيامةِ يُذكَرُ

أولى الأنامِ بأن يوالي

المرتضى من يأخذُ الأحكامَ منه ويأثرُ «(2)»


1- المولود 433، المتوفّى 513
2- روضة الواعظين ص 103، مناقب آل أبي طالب 3: 55، مجالس المؤمنين 1: 563، رياض العلماء 3: 353، محبوب القلوب 2: 323.

ص:116

31

ابن العودي النيلي

بفنا الغريّ وفي عراصِ العلقمِ تُمحى الذنوب عن المسي ءِ المجرمِ

قبران قبرٌ للوصيّ وآخرٌ فيه الحسين فعُجْ عليه وسلّمِ

هذا قتيلٌ بالطفوفِ على ظماً وأبوه في كوفانَ ضُرِّجَ بالدمِ

وإذا دعا داعي الحجيجِ بمكّةٍ فإليهما قصدُ التقيِّ المسلمِ

فاقصدْهما وقلِ السلامُ عليكما وعلى الأئمّةِ والنبيِّ الأكرمِ

أنتمْ بنو طه وقافٍ والضحى وبنو تباركَ والكتابِ المحكَمِ

وبنو الأباطحِ والمسلخِ والصفا والركنِ والبيتِ العتيقِ وزمزمِ

ص:117

بكمُ النجاةُ من الجحيم وأنتمُ خيرُ البريّة من سلالةِ آدمِ

أنتم مصابيحُ الدجى لمن اهتدى والعروةُ الوثقى التي لم تُفصمِ

وإليكمُ قصدُ الوليِّ وأنتمُ أنصارُهُ في كلِّ خطبٍ مولمِ

وبكم يفوزُ غداً إذا ما أُضرِمتْ في الحشرِ للعاصين نارُ جهنّم

مَن مثلُكْم في العالمينَ وعندكمْ علمُ الكتابِ وعلمُ ما لم يُعلَمِ

جبريلُ خادمُكمْ وخادمُ جدِّكمْ ولغيرِكمْ فيما مضى لم يخدمِ

أبني رسولِ اللَّهِ إنّ أباكمُ من دوحةٍ فيها النبوّةُ ينتمي

آخاه من دونِ البريّةِ أحمدٌ واختصّه بالأمرِ لو لم يُظلَمِ

نصَّ الولايةَ والخلافةَ بعدَهُ يومَ الغدير له برغمِ اللوّمِ

ص:118

ودعا له الهادي وقال ملبّياً يا ربِّ قد بلّغتُ فاشهد واعلمِ

حتى إذا قُبِضَ النبيُّ وأصبحوا مثلَ الذباب تلوحُ حول المطعمِ

نكثتْ ببيعته رجالٌ أسلمتْ أفواهُهمْ وقلوبُهم لم تُسلمِ

وتداولوها بينهم فكأنّها كأسٌ تدور على عطاشٍ حُوّمِ «(1)»

32

الخطيب الخوارزمي

«(2)»

ألا هل من فتىً كأبي ترابِ إمامٌ طاهرٌ فوقَ الترابِ

إذا ما مقلتي رمدتْ فكُحلي ترابٌ مسَّ نعل أبي ترابِ


1- الغدير 4: 504- 505 ط. قم.
2- المولود 484، المتوفّى 568

ص:119

محمّدٌ النبيُّ كمصرِ علمٍ أميرُ المؤمنين له كبابِ

هو البكّاءُ في المحراب لكن هو الضحّاكُ في يوم الحرابِ

وعن حمراءِ بيتِ المالِ أمسى وعنصفرائه صفرَ الوطابِ «(1)»

شياطينُ الوغى دُحروا دحوراً به إذ سلَّ سيفاً كالشهابِ عليٌّ بالهداية قد تحلّى

ولمّا يدّرع بُردَ الشبابِ عليٌّ كاسرُ الأصنامِ لمّا علا كتفَ النبيِّ بلا احتجابِ عليٌّ في النساء «(2)» له وصيُ

أمينٌ لم يمانعْ بالحجابِ عليٌّ قاتلٌ عمرَو بنَ ودٍّ بضربٍ عامر البلدِ الخرابِ


1- الوطاب: جمع وطب، وهو سقاء اللبن.
2- إقرأ واضحك. المؤلف

ص:120

حديث براءةٍ وغديرُ خمٍّ ورايةُ خيبرٍ فصلُ الخطابِ

هما مَثَلًا كهارونٍ وموسى بتمثيلِ النبيِّ بلا ارتيابِ

بنى في المسجد المخصوص با باًله إذ سدَّ أبوابَ الصحابِ

كأنّ الناسَ كلَّهم قشورٌ ومولانا عليٌّ كاللبابِ

ولايتُه بلا ريبٍ كطوقٍ على رغمِ المعاطسِ في الرقابِ

إذا عُمَرٌ تخبّطَ في جوابٍ ونبّهه عليٌّ بالصوابِ

يقول بعدله لولا عليٌّ هلكتُ هلكتُ في ذاك الجوابِ

ففاطمةٌ ومولانا عليٌّ ونجلاه سروري في الكتابِ

ومن يك دأبُه تشييدَ بيتٍ فها أنا مدحُ أهلِ البيتِ دأبي

ص:121

وإن يك حبّهمْ هيهات عاباً فها أنا مذ عقلتُ قرين عابِ

لقد قتلوا عليّاً مذ تجلّى لأهلِ الحقِّ فحلًا في الضرابِ

وقد قتلوا الرضا الحسنَ المرجّى جوادَ العربِ بالسمِّ المذابِ

وقد منعوا الحسينَ الماءَ ظلماً وجُدِّل بالطعانِ وبالضرابِ

ولولا زينبٌ قتلوا عليّاً «(1)»صغيراً قتلَ بقٍّ أو ذُبابِ

وقدصلبوا إمام الحقِّ زيداً فياللَّهِ من ظلمٍ عجابِ

بنات محمدٍ في الشمس عطشى وآلُ يزيد في ظلِّ القبابِ

لآل يزيد من أدمٍ خيامٌ وأصحابُ الكساءِ بلا ثيابِ


1- يعني الإمام السجاد عليّ بن الحسين. المؤلف

ص:122

33

كمال الدين الشافعي

«(1)»

أصخ واستمع آياتِ وحيٍ تنزّلتْ بمدح إمامٍ بالهدى خصّه اللَّهُ

ففي آلِ عمرانَ المباهلةُ التي بإنزالها أولاه بعضَ مزاياهُ

وأحزابُ حاميم وتحريمُ هل أتى شهودٌ بها أثنى عليه فزكّاهُ

وإحسانُه لمّا تصدّق راكعاً بخاتمه يكفيه في نيل حسناهُ

وفي آيةِ النجوى التي لم يفُز بها سواه سنا رشد به تمَّ معناهُ

وأزلفَهُ حتى تبوَّأ منزلًا من الشرفِ الأعلى وآتاهُ تقواهُ


1- المتوفّى 652

ص:123

وأكنفَهُ لطفاً به من رسولِهِ بوارقَ إشفاق عليه فربّاهُ

وأرضعه أخلافَ أخلاقِهِ التي هداه بها نهجَ الهدى فتوخّاهُ

وأنكحه الطهرَ البتول وزاده بأنّك منّي يا عليُّ وآخاهُ

وشرّفه يومَ الغدير فخصَّه بأنّك مولى كلّ من كنت مولاهُ

ولو لم يكن إلّا قضيّةُ خيبرٍ كفت شرفاً في مأثراتِ سجاياهُ «(1)»

34

القاضي نظام الدين

«(2)»

للَّه درُّكمُ يا آلَ ياسينا يا أنجم الحقِّ أعلام الهدى فينا


1- مطالب السؤول لناظمها[ ص 20]، الصراط المستقيم للبيضاوي[ 1: 297]، التهاب مثير الأحزان. المؤلف.
2- المتوفّى 678

ص:124

لا يقبلُ اللَّه إلّافي محبّتكِمْ أعمالَ عبدٍ ولا يرضى له دينا

أرجو النجاةَ بكم يومَ المعادِ وإن جنت يداي من الذنبِ الأفانينا

بلى أُخفِّفُ أعباءَ الذنوبِ بكمْ بلى أثقِّل في الحشرِ الموازينا

من لا يواليكمُ في اللَّه لم يرَ من قيح اللظى وعذابِ القبر تسكينا

لأجل جدِّكمُ الأفلاكُ قد خُلقِت لولاه ما اقتضت الأقدار تكوينا

من ذا كمثل عليٍّ في ولايتِهِ ما مبغضيه أرى إلّامجانينا

إسمٌ على العرشِ مكتوبٌ كما نقلوا من يستطيعُ له محواً وترقينا «(1)»

من حجّةُ اللَّهِ والحبلُ المتينُ ومن خيرُ الورى وولاهُ الحشرَ يغنينا


1- الترقين: الكتابة.

ص:125

من المبارزُ في وصفِ الجلالِ ومن أقامَ حقّاً على القطع البراهينا

من مثلُه كان ذا جفرٍ وجامعةٍ له يُدوَّنُ سرُّ الغيبِ تدوينا

ومن كهارونَ من موسى أخوّته للخلق بيَّن خير الرسلِ تبيينا

مهما تمسّك بالأخبارِ طائفةٌ فقولهُ والِ من والاه يكفينا

يومَ الغديرِ جرى الوادي فطمّ على قويّ قومٍ همُ كانوا المعادينا

شبلاه ريحانتا روضِ الجنانِ فقل في طيبِ أرضٍ نمت تلك الرياحينا

«(1)»


1- مجالس المؤمنين للقاضي المرعشي 1: 543

ص:126

ص:127

من أشعار الغدير في القرن السابع

اشارة

ص:128

ص:129

35

شمس الدين محفوظ

«(1)»

راق الصبوحُ ورقّتِ الصهباءُ وسرى النسيمُ وغنّتِ الورقاءُ

وكسا الربيعُ الأرضَ كلَّ مدبّجٍ ليست تجيدُ مثالَهصنعاءُ

فالأرضُ بعد العريِ إمّا روضةٌ غنّاءُ أو ديباجةٌ خضراءُ

والطيرُ مختلف اللحان فنائحٌ ومطرّبٌ مالت به الأهواءُ


1- المتوفّى حدود 690

ص:130

والماءُ بين مدرّجٍ ومُجدولِ ومسلسلٍ جادت به الأنواءُ

وسرى النسيمُ على الرياضِ فضمّختْ أثوابَهُ عطريّةٌ نكباءُ «(1)»

كمديحِ آلِ محمد سفنِ النجافبنظمهِ تتعطّرُ الشعراءُ الطيّبون الطاهرون الراكعون

الساجدون السادةُ النجباءُ منهم عليُّ الأبطحيُّ الهاشميُ

اللوذعيُّ إذا بدت ضوضاءُ ذاك الأمير لدى الغدير أخو البشي

- رِالمستنيرِ ومن له الأنباءُ أفهل يحيطُ الواصفون بمدحِهِ

والذكرُ فيه مدائحٌ وثناءُ ذو زوجةٍ قد أزهرتْ أنوارُها

فلأجل ذلكمُ اسمُها الزهراءُ


1- النكباء: الريح.

ص:131

وأئمةٌ من ولدها سادت بها ال متأخِّرون وشرّف القدماءُ

مبداهمُ الحسن الزكيُّ ومن إلى أنسابهِ تتفاخر الكرماءُ

والطاهر المولى الحسين ومن له رفعت إلى درجاتها الشهداءُ

والندبُ زين العابدين الماجد الن دب الأمين الساجد البكّاءُ

والباقر العلَمُ الشريفُ محمدٌ مولىً جميعُ فعالِهِ آلاءُ

والصادق المولى المعظّمُ جعفرٌ حبرٌ مواليه هم السعداءُ

وإمامنا موسى بنُ جعفر سيّدٌ بضريحِه تتشرّفُ الزوراءُ

ثمّ الرضا علَمُ الهدى كنزُ التقى باب الرجا محيي الدجى الجلّاءُ

ثمّ الجوادُ مع ابنهِ الهادي الذي تهدي الورى آياته الغرّاءُ

ص:132

والعسكريُّ إمامنا الحسنُ الذي يغشاه من نورِ الجلالِ ضياءُ

والطاهرُ ابن الطاهرين ومن له في الخافقين من البهاء لواءُ

من يُصلح الأرضين بعد فسادها حتى يُصاحب ذئبهنَّ الشاءُ

أنا ياابن عمِّ محمد أهواكمُ وتطيب منّي فيكم الأهواءُ

وأكفّر الغالينَ فيك وألعنُ القا لينَ إنّهمُ لديَّ سواءُ

«(1)»


1- ذكرها العلامة السماوي في الطليعة: ج 2. المؤلف

ص:133

من أشعار الغدير في القرن الثامن

اشارة

ص:134

ص:135

36

أبو محمد بن داود الحلّي

«(1)»

وإذا نظرتَ إلى خطاب محمدٍ يوم الغدير إذ استقرَّ المنزلُ

من كنتُ مولاه فهذا حيدرٌ مولاه لا يرتابُ فيه محصِّلُ

لعرفتَ نصَّ المصطفى بخلافةٍ من بعدِه غرّاءَ لا يُتأوَّلُ

وله من أُرجوزة في الإمامة طويلة:

وقد جرتْ لي قصّةٌ غريبه قد نتجت قضيّةً عجيبه

فاعتبروا فيها ففيها معتبرْ يغني عن الإغراق في قوسِ النظرْ


1- المولود 647

ص:136

حضرتُ في بغدادَ دارَ علمِ فيها رجال نظرٍ وفهمِ

في كلِّ يومٍ لهمُ مجالُ تدنو به الأوجالُ والآجالُ

لابدَّ أن يسفرَ عن جريحِ بصارمِ الحجّة أو طريحِ

لمّا اطمأنّت بهمُ المجالسُ ووضعتْ لاماتِها الفوارسُ

واجتمعَ المدرِّسون الأربعه في خلوةٍ آراؤهم مجتمعه

حضرتُ في مجلسِهمْ فقالوا أنت فقيهٌ وهنا سؤالُ

من ذا تُرى أحقُّ بالتقدُّمِ بعد رسولِ اللَّهِ هادي الأُممِ

فقلت فيه نظرٌ يحتاجُ أن يُترك العنادُ واللجاجُ

وكلّنا ذوو عقولٍ ونظرْ وفِكَرٍصالحةٍ ومعتبرْ

ص:137

فلنفرض الآن قضى النبيُّ واجتمع الدنيُّ والقصيُ

وأنتمُ مكانَ أهلِ العقدِ والحلِّ بل فوقهمُ في النقدِ

فالتزموا قواعد الإنصافِ فإنَّها من شِيَم الأشرافِ

لمّا قضى النبيُّ قال الأكثرُ إنَّ أبا بكر هو المؤمَّرُ

وقال قومٌ ذاك للعبّاسِ وانقرضوا وقال باقي الناسِ

ذاك عليٌّ والجميع مدّعي أنَّ سواه للمحال يدَّعي

فهل ترون أنَّه لمّا قضى نصَّ على خليفةٍ أم فوّضا

ترتيبه بعدُ إلى الرعايا ليجمعوا على الإمام رايا

فقال منهم واحدٌ بل نصّا على أبي بكر بها وخصّا

ص:138

قال له الباقون هذا يشكلُ بما عن الفاروق نحن ننقلُ

من أنَّهُ قال إن استخلفتُ فلأبي بكر قد اتّبعتُ

وإن تركتُ فالنبيُّ قد ترك والحقُّ بين الرجلين مشترك

وقال كانت فلتةً بيعتهُ فمن يعد حلّت لكم قتلتهُ

وقول سلمان لهم فعلتم وما فعلتم إذ له عزلتم

وقالت الأنصار نستخيرُ منّا أميراً ولكم أميرُ

فلو يكون نصّ في عتيقِ للزمَ الطعنُ على الفاروقِ

ثمَّ على سلمانَ والأنصارِ وليس ذا بالمذهبِ المختارِ

معْ أنَّه استقال واستقالتُهْ دلّت على أن باختيارٍ بيعتُهْ

ص:139

لو أنَّها نصٌّ من الرسولِ لم يك في العالم من مقيلِ

فاجتمعَ القومُ على الإنكارِ للنصِّ والقولِ بالاختيار

فقلت لمّا فوّضت إلينا أيلزم الأمّة أن يكونا

أفضلَهم أم ناقصاً مفضولا لا يستحقُّ الحكم والتأهيلا

فاجتمعوا أن ليس للرعيّه إلّا اختيار أفضلِ البقيّه

قلت لهم يا قوم خبّروني أعلىصفات الفضلِ بالتعيينِ

فقدّموا السبقَ إلى الإيمانِ وهجرةَ القوم عن الأوطانِ

إلى أن يقول فيها:

قلت دعوني منصفات الفضلِ فأنتمُ من كلّها في حلِ

ص:140

نفرضُها كأمةٍ بين نفرْ قد أحدقوا من حولها وهم زُمَرْ

وافترق الناسُ فقال الأكثرُ لواحد خذها فأنت أجدرُ

وقال باقيهم لشخصٍ ثاني ليس لها مولىً سواك قاني

ثمَّ رأينا الأوّل المولّى ينكر فيها الملك مستقلّا

يقول ليس لي بها من حقِّ وذا يقول أمتي ورقّي

ويستغيث وله تألّمُ على الذي يغصبُه ويظلمُ

وكلُّ شخصٍ منهماصدِّيقُ ليس إلى تكذيبه طريقُ

فما يقول الفقهاء فيها شرعاً أنعطيها لمدّعيها

أم من يقول ليس لي بحقِّ باللَّه أفتونا بمحض الحقِ

ص:141

بُعيد هذا قالت الجماعه سمعاً لما ذكرتمُ وطاعه

ما عندنا في فضله تردّدُ وأنَّه المكمّل المؤيَّدُ

لكنّنا لا نترك الإجماعا ولا نرى الشقاق والنزاعا

والمسلمون قطُّ لم يجتمعوا على ضلالٍ فلهم نتّبعُ

ثمَّ الأحاديثُ عن النبيِّ ناطقةٌ بنصِّهِ الجليِ

قلت لهم دعواكمُ الإجماعا ممنوعة إذ ضدُّها قد شاعا

وأيُّ إجماعٍ هنالك انعقدْ والصفوةُ الأبرارُ ما منهم أحدْ

مثل عليّ الصنو والعبّاسِ ثمَّ الزبير هم سراة الناسِ

ولم يكن سعدُ فتى عباده ولا لقيسٍ ابنهِ إراده

ص:142

ولا أبو ذرٍّ ولا سلمانُ ولا أبو سفيانَ والنعمانُ

أعني ابنَ زيد لا ولا المقدادُ بل نقضوا عليهمُ ما شادوا

وغيرهم ممَّن له اعتبارُ لم يقنعوا بها ولم يختاروا

فلا يقال إنّه إجماعٌ بل أكثرُ الناسِ له أطاعوا

لكنّما الكثرة ليست حجّه بل ربما في العكس كان أوجه

فاللَّهُ قد أثنى على القليلِ في غيرِ موضعٍ من التنزيلِ

فسقطَ الإجماعُ باليقينِ إلّا إذا كابرتمُ في الدينِ

ونصّكمْ كيف ادّعيتموهُ وعن قليلٍ قد منعتموهُ

أليس قد قرّرتمُ أنَّ النبي مات بلا نصٍّ وليس مذهبي

ص:143

لكنّني وافقتكم إلزاما ولم أقل بذلك التزاما

لأنَّني أعلمُ مثلَ الشمسِ نصَّ الغدير واضحاً عن لبسِ

وأنتمُ أيضاً نقلتموهُ كنقلنا لكن رفضتموهُ

الى آخر الارجوزة «(1)» 37

جمال الدين الخلعي

فاح أريجُ الرياضِ والشجرِ ونبّه الورقُ راقدَ السحرِ

واقتدحَ الصبحُ زندَ بهجتهِ فأشعلت في محاجر الزهرِ

وافترَّ ثغرُ النوار مبتسماً لمّا بكته مدامعُ المطرِ


1- أعيان الشيعة 5: 591

ص:144

واختالتِ الأرضُ في غلائلِها فعطّرتنا بنشرِها العطرِ

وقامت الورقُ في الغصونِ فلم يبق لنا حاجةٌ إلى الوترِ

ونبّهتنا إلى مساحبِ أذ يالِ الصبا بالأصيلِ والبُكرِ

يا طيبَ أوقاتِنا ونحن على مستشرفٍ شاهقٍ نَدٍ نضرِ

تطلُّ منه على بقاع أنيقا تٍ كساها الربيعُ بالحُبرِ

في فتيةٍ ينثرُ البليغُ لهم وتراً فيهدي تمراً إلى هجرِ

من كلِّ من يشرفُ الجليسُ له معطّر الذكر طيِّب الخبرِ

فمن جليلِصدرٍ ومن شادنٍ شادٍ فصيحٍ كطلعة القمرِ

يورد ما جاء في الغديرِ وما حدّث فيه عن خاتمِ النذرِ

ص:145

ممّا روته الثقاتُ فيصحّة النقلِ وما أسندوا إلى عمرِ

قد رقى المصطفى بخمّ على ال أقتابِ لا بالونْيِ ولا الحصرِ

إذ عاد من حجّةِ الوداعِ إلى منزلة وهي آخرُ السفرِ

وقال يا قوم إنَّ ربِّيَ قد عاودني وحيُه على خطرِ

إن لم أُبلّغ ما قد أُمرِتُ به وكنتُ من خلقكم على حذرِ

وقال إن لم تفعلْ محوتُكَ من حكمِ النبيِّين فاخشَ واعتبرِ

إن خفت من كيدِهم عصمتُكَ فاس تبشر فإنّي لَخيرُ منتصرِ

أقمْ عليّاً عليهمُ علماً فقد تخيّرتُه من البشرِ

ثمَّ تلا آيةَ البلاغ لهم والسمع يعنو لها مع البصرِ

ص:146

وقال قد آن أن أُجيب إلى داعي المنايا وقد مضى عمري

ألستُ أولى منكم بأنفسكم قلنا بلى فاقضِ حاكماً ومُرِ

فقالَ والناسُ محدقون به ما بين مصغٍ وبين منتظرِ

من كنتُ مولىً له فحيدرةٌ مولاه يقفو به على أثري

يا ربّ فانصر من كان ناصرَهُ واخذل عداه كخذلِ مقتدرِ

فقمت لمّا عرفتُ موضعَهُ من ربِّه وهو خيرةُ الخيرِ

فقلت يا خيرةَ الأنامِ بخٍ جاءتك منقادةً على قدرِ

أصبحتَ مولىً لنا وكنتَ أخاً فافخر فقد حزتَ خيرَ مفتخرِ

ويقول فيها:

تاللَّه ما ذنبُ من يقيسُ إلى نعلك من قدّموا بمغتفرِ

ص:147

أنكر قومٌ عيد الغدير وما فيه على المؤمنين من نكرِ

حكّمك اللَّهُ في العبادِ به وسرتَ فيهم بأحسنِ السِّيرِ

وأكملَ اللَّهُ فيه دينَهمُ كما أتانا في محكمِ السُّورِ

نعتُكَ في محكمِ الكتابِ وفي التوراةِ بادٍ والسّفر والزُّبُرِ

عليك عرضُ العباد تقضي على من شئت منهم بالنفع والضررِ

تُظمئ قوماً عند الورود كما تروي أُناساً بالوِردِ والصَدرِ

يا ملجأ الخائف اللهيفِ ويا كنزَ الموالي وخير مدّخرِ

لقّبتُ بالرفضِ وهو أشرفُ لي من ناصبيٍّ بالكفر مشتهرِ

نعم رفضتُ الطاغوتَ والجبتَ واستخلصتُ ودّي للأنجم الزُّهرِ

وله قوله:

حبّذا يومُ الغديرِ يومُ عيدٍ وسرورِ

إذ أقامَ المصطفى من بعده خيرَ أميرِ

قائلًا هذا وصيِّي في مغيبي وحضوري

وظهيري ونصيري ووزيري ونظيري

وهو الحاكمُ بعدي بالكتابِ المستنيرِ

والذي أظهرَهُ اللَّهُ على علمِ الدهورِ

والذي طاعتُهُ فر ضٌ على أهلِ العصورِ

فأطيعوه تنالوا ال - قصدَ من خيرِ ذخيرِ

ص:148

فأجابوه وقد أخ - فَوا له غلَّ الصدورِ

بقبولِ القولِ منه والتهاني والحبورِ

يا أمير النحلِ يا من حبُّه عقدُ ضميري

والذي ينقذني من حرِّ نيرانِ السعيرِ

والذي مِدحتُهُ ما عشت أُنسي وسميري

والذي يجعلُ في الحشر إلى الخلدِ مصيري

لكَ أخلصتُ الولا ياصاحبَ العلمِ الغزيرِ

ولمن عاداكَ منّي كلُّ لعنٍ ودحورِ

نال مولاك «الخليعيُّ» ال - هَنا يوم النشورِ

بتبرِّيه إلى الرح - من من كلِّ كفورِ «(1)»

38

صفيّ الدين الحلّي

«(2)»


1- الغدير 6: 19- 21 ط. قم.
2- المولود 677، المتوفّى 752

ص:149

خمدتْ لفضلِ ولادِكَ النيرانُ وانشقَّ من فرَحٍ بك الإيوانُ

وتزلزلَ النادي وأوجسَ خيفةً من هولِ رؤياه أنوشروانُ

فتأوّلَ الرؤيا سطيحُ «(1)» وبشّرتْ بظهورِك الرهبانُ والكهّانُ

وعليك أرميّا وشعيا أثنَياوهما وحزقيلٌ لفضلِكَ دانوا «(2)» بفضائل شهدت بهنَّ الصحفُ وال

- توراة والإنجيلُ والفرقانُ فوُضِعتَ للَّهِ المهيمنِ ساجداً

واستبشرتْ بظهورِكَ الأكوانُ


1- توجد قصة الرؤيا وتأويل سطيح إيّاها في كتب السِّيَر النبوية ودلائلها ومعاجم التاريخ، وسطيح هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن غسان. المؤلف
2- أرميا بن حلقيا من سبط لاوي بن يعقوب من أنبياء بني إسرائيل، شعيا بن أمصيا ممّن بشّر بالنبي الأعظم من أنبياء بني إسرائيل، حزقيل بن بوذي ابن العجوز، الذي دعا اللَّه فأحيا الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم اللَّه: موتوا. المؤلف

ص:150

متكمِّلًا لم تنقطعْ لك سرّةٌ شرفاً ولم يطلق عليك ختانُ «(1)»

فرأت قصورَ الشامِ آمنةٌ وقد وضعتكَ لا تخفى لها أركانُ «(2)»

وأتت حليمةُ وهي تنظر في ابنِها «(3)» سرّاً تحارُ لوصفِهِ الأذهانُ

وغدا ابنُ ذي يزنٍ ببعثِكَ مؤمناً «(4)» سرّاً ليشهد جدّك الديّانُ


1- أشار إلى ما أخرجه الحفّاظ: البيهقي[ في دلائل النبوّة: 1/ 114]، والحاكم-[ في المستدرك 2: 657، في تعقيبه على ح 4177]، وابن عساكر[ في تاريخ مدينة دمشق 3: 80، وفي مختصر تاريخ دمشق 2: 32] وغيرهم؛ من أنّه صلى الله عليه و آله و سلم ولد مختوناً مسروراً. المؤلف
2- يوجد حديث رؤية آمنة أُمّ النبي الأعظم قصور الشام حين وضعته صلى الله عليه و آله و سلم في تاريخ ابن كثير: 2/ 264[ 2/ 323]. المؤلف
3- حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية مرضعة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أقام عندها نحواً من أربع سنين. إمتاع الأسماع ص 27[ ص 6]. المؤلف
4- سيف بن ذي يزن الحميري؛ له بشارة بالنبي الأعظم، أخرج حديثها الحافظ أبو بكر الخرائطي في كتابه هواتف الجان، وحكى عنه جمع من الحفّاظ والمؤرّخين في تآليفهم. المؤلف

ص:151

شرح الإلهُ الصدرَ منك لأربعٍ «(1)» فرأى الملائكَ حولَكَ الأخوانُ

وحييتَ في خمسٍ بظلّ غمامةٍ لك في الهواجِر جرمهاصيوانُ

ومررتَ في سبعٍ بديرٍ فانحنى منه الجدارُ وأسلمَ المطرانُ

وكذاك في خمسٍ وعشرين انثنى نسطورُ منك وقلبُه ملآنُ

حتى كملتَ الأربعينَ وأشرقتْ شمسُ النبوّة وانجلى التبيانُ

فرمت رجومُ النيِّراتِ رجيمَها وتساقطتْ من خوفِكَ الأوثانُ

والأرض فاحت بالسلام عليك وال أشجارُ والأحجارُ والكثبانُ


1- في هذا البيت وما يليه من الأبيات إشارة إلى قضايا من دلائل النبوّة، توجد جمعاء في كتب الدلائل والسيرة النبوية ومعاجم التاريخ. المؤلف

ص:152

وأتت مفاتيحُ الكنوزِ بأسرِها فنهاكَ عنها الزهدُ والعرفانُ

ونظرتَ خلفَك كالأمام بِخاتمٍ أضحى لديه الشكُّ وهو عيانُ

وغدت لك الأرضُ البسيطةُ مسجداً فالكلُّ منها للصلاةِ مكانُ

ونُصِرتَ بالرعبِ الشديدِ على العدى ولك الملائكُ في الوغى أعوانُ

وسعى إليك فتى «(1)» سلامٍ مسلماً طوعاً وجاء مسلِّماً سلمانُ

وغدت تكلِّمكَ الأباعر والظبا والضبُّ والثعبانُ والسرحانُ

والجذع حنَّ إلى علاك مسلِّماًو ببطن كفِّكَ سبَّح الصوَّانُ

«(2)»


1- هو عبداللَّه بن سلام، يوجد حديث إسلامه في سيرة ابن هشام: 2/ 138[ 2/ 163]. المؤلف
2- الصوّان جمع الصوانة: حجر شديد يقدح به. المؤلف

ص:153

وهوى إليك العذقُ ثمَّ رددتَهُ في نخلةٍ تزهى به وتزانُ

والدوحتانِ وقد دعوتَ فأقبلا حتى تلاقت منهما الأغصانُ

وشكا إليك الجيشُ من ظمأ به فتفجّرت بالماءِ منك بنانُ

ورددتَ عينَ قتادةٍ من بعدِما ذهبتْ فلم ينظرْ بها إنسانُ

وحكى ذراعُ الشاةِ مودعَ سمِّه حتى كأنَّ العضوَ منه لسانُ

وعرجت في ظهرِ البُراقِ مجاوز السّ بعِ الطباقِ كما يشَا الرحمنُ

والبدرُ شُقَّ وأشرقت شمسُ الضحى بعدَ الغروب وما بها نقصانُ

وفضيلةٌ شهدَ الأنامُ بحقِّها لا يستطيعُ جحودَها الإنسانُ

في الأرض ظلُّ اللَّه كنتَ ولم يلُحْ في الشمسِ ظلُّكَ إن حواك مكانُ

ص:154

نُسختْ بمظهرِك المظاهرُ بعدما نُسختْ بملِّةِ دينِك الأديانُ

وعلى نبوّتِكَ المعظَّمِ قدرُهاقامَ الدليلُ وأوضح البرهانُ وبك استغاثَ الأنبياءُ جميعُهم عند الشدائدِ ربَّهم ليُعانوا

أخذ الإله لك العهودَ عليهمُ من قبل ما سمحتْ بك الأزمانُ

وبك استغاثَ اللَّهَ آدمُ عندما نُسب الخلافُ إليه والعصيانُ

وبك التجا نوحٌ وقد ماجت به دُسُرُ السفينةِ إذ طغى الطوفان

وبك اغتدى أيّوبُ يسأل ربَّه كشفَ البلاءِ فزالتِ الأحزانُ

وبك الخليلُ دعا الإلهَ فلم يخف نمرودَ إذ شبّت له النيرانُ

وبك اغتدى في السجنِ يوسفُ سائلًا ربَّ العباد وقلبه حيرانُ

ص:155

وبك الكليمُ غداةَ خاطبَ ربَّهُ سأل القبولَ فعمّه الإحسانُ

وبك المسيحُ دعا فأحيا ربُّهُ ميتاً وقد بُليت به الأكفانُ

وبك استبانَ الحقُّ بعد خفائِهِ حتى أطاعَكَ إنسُها والجانُ

ولو انَّني وفَّيتُ وصفَكَ حقَّه فَنيَ الكلامُ وضاقتِ الأوزانُ

فعليك من ربِّ السلامِ سلامُهُ والفضلُ والبركاتُ والرضوانُ

وعلى صراطِ الحقِّ آلُكَ كلّما هبَّ النسيمُ ومالتِ الأغصانُ

وعلى ابنِ عمِّك وارثِ العلمِ الذي ذلَّت لسطوةِ بأسِه الشجعانُ

وأخيكَ في يوم الغديرِ وقد بد انورُ الهدى وتآختِ الأقرانُ

وعلىصحابتِكَ الذين تتبّعو اطرقَ الهدى فهداهم الرحمنُ

ص:156

وشروا بسعيِهمُ الجنانَ وقد دروا أنَّ النفوسَ لبيعِها أثمانُ

يا خاتمَ الرسلِ الكرامِ وفاتح ال - نّعم الجسامِ ومن له الإحسانُ

أشكو إليك ذنوبَ نفسٍ هفوها طبعٌ عليهِ رُكّبَ الإنسانُ

فاشفع لعبدٍ شانَهُ عصيانُه إنَّ العبيدَ يشينها العصيانُ

فلك الشفاعةُ في محبِّكمُ إذا نُصبَ الصراطُ وعُلّقَ الميزانُ

فلقد تعرّضَ للإجازةِ طا معاًفي أن يكون جزاءه الغفرانُ «(1)»

39


1- توجد في ديوانه ص 47 وفي طبعة ص 52[ ديوان صفي الدين الحلّي: ص 79] يمدح بها النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم. المؤلف

ص:157

شمس الدين المالكي

«(1)»

وإنّ عليّاً كان سيفَ رسوله وصاحبه السامي لمجدٍ مشيّدِ

وصهر النبيِّ المجتبى وابن عمِّه أبو الحسنين المحتوي كلَّ سوددِ

وزوَّجه ربُّ السما من سمائه وناهيك تزويجاً من العرش قد بُدي

بخيرِ نساءِ الجنّة الغرِّ سؤدداً وحسبُك هذا سؤدداً لمسوّدِ

فباتا وجلُّ الزهدِ خيرُ حلاهما وقد آثرا بالزاد من كان يجتدي

فآثرت الجنّات من حللٍ ومن حليٍّ لها رعياً لذاك التزهّدِ

وما ضرّ من قد بات والصوفُ لبسُهُ وفي السندسِ الغالي غداً سوف يغتدي


1- المتوفّى 780

ص:158

وقال رسول اللَّه إنّي مدينةٌ من العلمِ وهو البابُ والبابَ فاقصدِ

ومن كنتُ مولاه عليٌّ وليُّهُ ومولاكَ فاقصد حبَّ مولاك ترشُدِ

وإنّك منّي خالياً من نبوّةٍ كهارون من موسى وحسبُكَ فاحمدِ

وكان من الصبيان أوّل سابقٍ «(1)» إلى الدين لم يسبق بطائع مرشدِ

وجاء رسولُ اللَّه مرتضياً له وكان عن الزهراء بالمتشرِّدِ

فمسّحَ عنه التربَ إذ مسَّ جلدَهُ وقد قام منها آلفاً للتفرّدِ

وقال له قولَ التلطّف قم أبا ترابٍ كلام المخلص المتودّدِ

وفي ابنيه قال المصطفى ذانِ سيِّد اشبابِكمُ في دارِ عزٍّ وسوددِ


1- راجع الجزء الثالث: ص 219- 241 تعرف قيمة هذه الكلمة التي تصبّى بها صاحبها. المؤلف.

ص:159

وأرسله عنه الرسولُ مبلّغاً وخص بهذا الأمرِ تخصيصَ مفردِ

وقال هل التبليغ عنّيَ ينبغي لمن ليسَ من بيتي من القوم فاقتدِ

وقد قال عبدُ اللَّهِ للسائلِ الذي أتى سائلًا عنهم سؤالَ مشدّدِ

وأمّا عليٌّ فالتفت أين بيتُه وبيتُ رسولِ اللَّه فاعرفه تشهدِ

وما زالصوّاماً منيباً لربِّهِ على الحقِّ قوّاماً كثيرَ التعبّدِ

قنوعاً من الدنيا بما نالَ معرضاً عن المالِ مهما جاءه المالُ يزهدِ

لقد طلَّقَ الدنيا ثلاثاً وكلّمار آها وقد جاءت يقول لها ابعدي

وأقربهم للحقِّ فيها وكلّهم أولو الحقِّ لكن كان أقرب مهتدي

ص:160

40

علاء الدين الحلي

يا روحَ قدسٍ من اللَّهِ البدي ء بدا وروحَ انسٍ على العرش العليِّ بدا

يا علّةَ الخلقِ يا من لا يُقاربُ خي - ر المرسلين سواه مشبهٌ أبدا

يا سرَّ موسى كليمِ اللَّهِ حين رأى ناراً فآنس منها للظلامِ هدى

ويا وسيلةَ إبراهيمَ حين خبتْ نارُ ابنِ كنعانَ برداً والضرامُ هدا

أنت الذي قسماً لولا علاك لما كلّت لدى النحرِ عن نحر الذبيح مُدى

ولا غدا شملُ يعقوب النبيّ مع ال -صدّيق مشتملًا من بعد طول مَدى

أليِّةً بك لولا أنت ما كشفت مسرّة الأمنِ عن قلب النبيِّ صدى

ص:161

ولا غدت عرصاتُ الكفر موحشةً يبكي عليهنَّ من بعد الأنيسِصدى «(1)»

يا من به كَمُلَ الدينُ الحنيفُ وللإسلامِ من بعدِ وهنٍ ميلَهُ عضدا وصاحبَ النصِّ في خمٍّ وقد رفع ال

- نبيّ منه على رغم العدا عَضُدا أنت الذي اختارك الهادي البشيرُ أخاً

وما سواك ارتضى من بينهم أحدا أنت الذي عجبتْ منه الملائكُ في

بدرٍ ومن بعدِها إذ شاهدوا أُحدا وحقِّ نصرك للإسلامِ تكلؤه

حياطةً بعد خطبٍ فادحٍ ورَدى ما فصّلَ المجدُ جلباباً لذي شرفٍ

إلّا وكان لمعناك البهيجِ رِدا


1- الصدى: نوع من البوم يأوي إلى الأماكن الخربة المظلمة ويسمى أيضاً: الهامة. المؤلف.

ص:162

يا كاشفَ الكربِ عن وجه النبيِّ لدى بدرٍ وقد كثرت أعداؤه عَددا

استشعروا الذلَّ خوفاً من لقاك وقد تكاثروا عددا واستصحبوا عُددا

ويومَ عمروِ بن ودِّ العامريّ وقد سارتْ إليك سرايا جيشه مَددا

أضحكتَ ثغرَ الهدى بشراً به وبكتْ عينُ الضلالِ له بعد الدما مُددا

وفي هوازنَ لمّا نارُها استعرتْ من عزمِ عزمِكَ يوماً حرُّها بردا

أجرى حسامُكصوباً من دمائهمُ هدراً وأمطرتهمْ من أسهم بَردا «(1)»

أقدمتَ وانهزمَ الباقون حين رأوا على النبيِّ محيطاً جحفلًا لَبدا «(2)»


1- ثلج جامد ينزل من السحاب يسمى حبّ الغمام وحبّ المزن. المؤلف
2- لبد القوم بالرجل: لزموه وأطافوا به. المؤلف

ص:163

لولا حسامُكَ ما ولّوا ولا اطّرحوا من الغنائمِ مالًا وافراً لُبدا «(1)»

وله أيضاً:

أجآذرٌ منعتْ عيونَكَ ترقدُ بعراصِ بابلَ أم حِسانٌ خُرّدُ

ومعاطفٌ عطفتْ فؤادَكَ أم غصو نُ نقىً على هضباتِها تتأوّدُ

وبروقُ غاديةٍ شجاكَ وميضُها أم تلك درٌّ في الثغورِ تنضّدُ

وعيونُ غزلانِ الصريمِ بسحرِها فتنتْكَ أم بيضٌ عليك تُجرَّدُ

يا ساهرَ الليلِ الطويلِ يمدُّهُ عوناً على طولِ السهادِ الفرقدُ

ومُهاجراً طيبَ الرقادِ وقلبُه أسفاً على جمرِ الغضا يتوقّدُ


1- لبد بضمّ اللام: أي الكثير الجمّ. المؤلف

ص:164

ألّا كففتَ الطرفَ إذ سفرت بدو ر السعد بالسعدى عليك وتسعدُ

أسلمتَ نفسَكَ للهوى متعرِّضاً وكذا الهوى فيه الهوانُ السرمدُ

وبعثتَ طرفَكَ رائداً ولربّماصَرعَ الفتى دون الورود الموردُ

فغدوتَ في شركِ الظباءِ مقيّداً وكذا الظباءُ يصدن من يتصيّدُ

فلعبن أحياناً بلبِّكَ لاهياً بجمالهنّ فكادَ منك الحسّدُ

حتى إذا علقت بهنّ بعدتَ من كثبٍ فهل لك بعد نجد منجدُ

رحلوا فما أبقَوا لجسمِكَ بعدَهمْ رمقاً ولا جَلَداً به تتجلّدُ

واها لنفسِكَ حيث جسمُك بالحمى يبلى وقلبُكَ بالركائب منجدُ

ألِفَتْ عيادتَكَ الصبابةُ والأسى وجفاكَ من طول السقامِ العُوَّدُ

ص:165

وتظنُّ أنّ البعدَ يُعقِبُ سلوةً وكذا السلوُّ مع التباعدِ يبعدُ

يا نائماً عن ليلِصبٍّ «(1)» جفنه أَرِقٌ إذا غفت العيون الهجّدُ

ليس المنامُ لراقدٍ جهل الهوى عجباً بلى عجبٌ لمن لا يرقدُ نام الخليُّ من الغرامِ وطرفُ من

أَلِفَ الصبابةَ والهيامَ مُسهَّدُ أترى تقرُّ عيونَصبٍّ قلبُهُ

في أسرِ مائسةِ القوامِ مقيّدُ شمسٌ على غصنٍ يكاد مهابةً

لجمالِها تعنو البدورُ وتسجدُ تفترّ عن شنبٍ كأنّ جمانَه

بردٌ به عذبُ الزلالِ مبرَّدُ ويصدُّني عن لثمِه نارٌ غدتْ

زفراتُ أنفاسي بها تتصعّدُ


1- الصبّ: العاشق، يقال: رجل صبّ والجمع صبون. المؤلف

ص:166

من لي بقربِ غزالةٍ في وجهِهاصبحٌ تجلّى عنه ليلٌ أسودُ

أعنو لها ذلًاّ فتعرض في الهوى دَلًاّ وأمنحها الدنوّ وتبعدُ

تحمي بناظرها مخافة ناظرٍ خدّاً لها حسن الصقال مورَّدُ

يا خالَ وجنتِها المخلّدَ في لظى ما خلتُ قبلك في الجحيمِ يخلّدُ

إلّا الذي جحد الوصيَّ وما حكى في فضلِهِ يومَ الغديرِ محمدُ

إذ قام يصدعُ خاطباً ويمينُه بيمينِه فوق الحدائجِ تعقدُ

ويقول والأملاكُ مُحدِقةٌ به واللَّه مطّلعٌ بذلك يشهدُ

من كنتُ مولاه فهذا حيدرٌ مولاه من دون الأنامِ وسيّدُ

يا ربّ والِ وليَّه واكبت مُعاديه و عاند من لحيدر يعندُ

ص:167

واللَّه ما يهواه إلّامؤمنٌ برٌّ ولا يقلوه إلّاملحدُ

كونوا له عوناً ولا تتخاذلوا عن نصره واسترشدوه ترشدوا

قالوا سمعنا ما تقول وما أتى ال - روحُ الأمين به عليكَ يؤكّدُ

هذا عليٌّ امامُنا ووليُّنا وبه إلى نهجِ الهدى نسترشدُ

حتى إذا قُبِضَ النبيُّ ولم يكن من بعده في وسط لحدٍ يلحدُ

خانوا مواثيقَ النبيِّ وخالفو اما قاله خيرُ البريةِ أحمدُ

واستبدلوا بالرشدِ غيّاً بعدما عرفوا الصوابَ وفي الضلالِ تردّدوا

وغدا سليلُ أبي قحافةَ سيّد اًلهمُ ولم يكُ قبلَ ذلك سيّدُ «(1)»


1- كذا

ص:168

يا للرجالِ لأُمّةٍ مفتونةٍ سادتْ على السادات فيها الأعبدُ أضحى بها الأقصى البعيدُ مقرّباً

والأقربُ الأدنى يذاد ويبعدُ هلّا تقدّمه غداة براءة إذ ردّ وهو بفرط غيظ مكمدُ ويقول معتذراً أقيلوني وفي

إدراكها قد كان قِدماً يجهدُ أيكون منها المستقيل وقد غدا في آخرٍ يوصي بها ويؤكّدُ

ثم اقتفى:

فقضى بها خشناءَ يغلظُ كلمُها ذلَّ الوليُّ بها وعزَّ المفسدُ

وأشار بالشورى فقرَّب نعثلًا منها فبئس الخائن .... «(1)»

فغدا لمالِ اللَّهِ في قربائِهِ عمداً يفرِّق جمعه ويبدِّدُ


1- بياض في الأصل.

ص:169

ونفى أبا ذرّ وقرّبَ فاسقاً «(1)» كان النبيُّ له يصدُّ ويطردُ

لعبوا بها حيناً وكلٌّ منهمُ متحيّرٌ في حكمِها متردِّدُ

ولو اقتدوا بإمامِهم ووليّهمْ سعدوا به وهو الوليُّ الأوكدُ

لكن شقَوا بخلافِهِ أبداً وما سعدوا به وهو الوصيُّ الأسعدُ

صنوُ النبيِّ ونفسُه وأمينُه ووليُّه المتعطّفُ المتودّدُ

كُتِبا على العرشِ المجيدِ ولم يكنْ في سالفِ الأيّامِ آدمُ يوجدُ

نورانِ قدسيّانِ ضمَّ علاهما من شيبةِ الحمدِ ابن هاشم محتدُ

من لم يُقم وجهاً إلىصنمٍ ولا للّات والعزّى قديماً يسجدُ


1- هو الحكم بن أبي العاص بن اميّة عمّ عثمان بن عفّان، أخرجه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من المدينة وطرده عنها، راجع الاستيعاب[ القسم الأوّل: 359/ رقم 529] وغير واحد من المعاجم. المؤلف

ص:170

والدينُ والإشراكُ لولا سيفُه ما قام ذا شرفاً وهذا يقعدُ

سَلْ عنه بدراً حين وافى شيبةً شلواً عليهِ النائحاتُ تعدّدُ

وثوى الوليدُ بسيفِه متعفّر اًوعليه ثوبٌ بالدماءِ مجسّدُ

وبيوم أُحدٍ والرماحُ شوارعٌ والبيضُ تصدر في النحورِ وتوردُ

من كان قاتلَ طلحةَ لمّا أتى كالليثِ يرعدُ للقتالِ ويزبدُ

وأبادَ أصحابَ اللواءِ وأصبحوا مثلًا بهم يروى الحديثُ ويُسندُ

هذا يُجرُّ وذاك يُرفعُ رأسُه في رأسِ منتصبٍ وذاك مقيّدُ

وبيومِ خيبرَ إذ برايةِ أحمدٍ ولّى عتيقٌ والبريّةُ تشهدُ

ومضى بها الثاني فآب يجرُّها ذلًاّ يوبّخ نفسَه ويفنّدُ

ص:171

حتى إذا رجعا تميّز أحمدٌ حرداً وحقّ له بذلك يحردُ وغدا يحدِّثُ مُسمعاً من حولَهُ

والقولُ منه موفَّقٌ ومؤيَّدُ إنّي لُاعطي رايتي رجلًا وفى بطلٌ بمختلسِ النفوسِ معوّدُ رجلٌ يحبُّ اللَّه ثمّ رسولَهُ

ويحبّه اللَّهُ العليُّ وأحمدُ حتى إذا جنحَ الظلامُ مضى على عجلٍ وأسفرَ عن صبيحته غدُ قال ائت يا سلمانُ لي بأخي

فقالَ الطهرُ سلمانٌ عليٌّ أرمدُ ومضى وعاد به يُقادُ ألا لقد شرُفَ المقودَ عُلًا وعزَّ القَيِّدُ فجلا قذاهُ بتفلةٍ وكساه سابغةً

بها الزردُ الحديد منضَّدُ «(1)»


1- درع سابغة: واسعة، والجمع سوابغ. الزرد: الدرع المزرودة يتداخل بعضها في بعض، والجمع زرود. المؤلف

ص:172

فيدٌ تناولُه اللواءَ وكفُّهُ الأُخرى تُزرِّد درعَه وتُبنِّدُ

ومضى بها قدماً وآبَ مظفَّراً مستبشراً بالنصرِ وهو مؤيَّدُ

وهوى بحدِّ السيفِ هامةَ مرحبٍ فبراه وهو الكافرُ المتمرِّدُ

ودنا من الحصنِ الحصينِ وبابُهُ مستغلقٌ حذرَ المنيّةِ موصدُ

فدحاه مقتلعاً له فغدا له حسّان ثابت في المحافلِ ينشدُ

إنَّ امرأً حملَ الرتاجَ «(1)» بخيبرٍ يومَ اليهودِ لقدره لمؤيّدُ

حمل الرتاجَ وماجَ باب قموصِها والمسلمون وأهلُ خيبرَ تشهدُ

واسأل حنيناً حين بادرَ جرولٌ «(2)» شاكي السلاحِ لفرصةٍ يترصَّدُ


1- الرتاج: الباب العظيم. الباب المغلق وفيه باب صغير. المؤلف
2- هو أبو جرول صاحب راية هوازن يوم حنين، كان يوم ذاك على جمل له أحمر، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام الناس وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه، وكان يرتجز بقوله: أنا أبو جرول لا براح حتى يبيح القوم أو يباح فهوى له عليّ أمير المؤمنين من خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ثمّ ضربه فقطره ثمّ قال: قد علم القوم لدى الصباح إنّي لدى الهيجاء ذو نضاح المؤلف

ص:173

حتى إذا ما أمكنته غشاهمُ في فيلقٍ يحكيه بحرٌ مزبدُ

وثوى قتيلًا أيمنٌ «(1)» وتبادرت عُصَبُ الضلال لحتفِ أحمد تقصدُ

وتفرّقت أنصارُه من حولِهِ جزعاً كأنّهمُ النعامُ الشرّدُ

ها ذاك منحدرٌ إلى وَهدٍ وذا حذرُ المنيّةِ فوقَ تلعٍ يصعدُ

هلّا سألتَ غداة ولّى جمعُهمْ خوفَ الردى إن كنتَ من يسترشدُ


1- أيمن- ابن أُمّ أمين- بن عبيد، من المستشهدين في غزوة حنين. المؤلف

ص:174

من كان قاتلَ جرولٍ ومذلَّ جيشِ هو ازنٍ إلّاالوليُّ المرشدُ

كلٌّ له فقدَ النبيُّ سوى أبي حسنٍ عليٍّ حاضرٌ لا يفقدُ

ومبيتُهُ فوقَ الفراشِ مجاهداً بمهادِ خيرِ المرسلين يُمهّدُ

وسواه محزونٌ خلال الغارِ من حذر المنيّةِ نفسُهُ تتصعّدُ

وتعدُّ منقبةً لديه وإنّها إحدى الكبائرِ عند من يتفقّدُ

ومسيرُهُ فوق البساطِ مخاطباً أهلَ الرقيمِ فضيلةٌ لا تُجحدُ

وعليه قد رُدّت ذُكاءُ وأحمدٌ من فوقِ ركبتهِ اليمين موسَّدُ

وعليه ثانيةً بساحةِ بابلٍ رجعت كذا ورد الحديث المسندُ

ووليُّ عهد محمدٍ أفهل ترى أحداً إليه سواه أحمد يعهدُ

ص:175

إذ قال إنّك وارثي وخليفتي ومغسِّلٌ لي دونهم ومُلَحّدُ

أم هل ترى في العالمين بأسرِهمْ بشراً سواه ببيت مكّةَ يولدُ

في ليلةٍ جبريلُ جاء بها مع ال - ملأ المقدَّس حوله يتعبّدُ

فلقد سما مجداً عليُّ كما علاشر فاً به دون البقاعِ المسجدُ

أم هل سواه فتىً تصدَّق راكعاً لمّا أتاه السائل المسترفدُ

ألمؤثر المتصدِّق المتفضّلُ ال - متمسّكُ المتنسّكُ المتزهّدُ

ألشاكرُ المتطوّعُ المتضرّعُ ال - متخضّعُ المتخشّعُ المتهجّدُ

ألصابرُ المتوكّلُ المتوسِّلُ ال - متذلِّلُ المتململُ المتعبِّدُ

رجلٌ يتيهُ به الفخارُ مفاخر اًويسود إذ يُعزى إليه السؤددُ

ص:176

إن يحسدوه على عُلاه فإنّما أعلى البريّة رتبةً من يُحسدُ

وتتبّعت أبناؤهم أبناءه كلٌّ لكلٍّ بالأذى يتقصّدُ

حسدوه إذ لا رتبةٌ وفضيلةٌ إلّا بما هو دونهم متفرّدُ «(1)»

الى آخر القصيدة


1- الغدير 6/ 503- 508 ط. قم

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.