الحج : موتمر عبادي - سياسي

اشارة

سرشناسه : خميني، روح الله، رهبر انقلاب و بنيانگذار جمهوري اسلامي ايران، 1368 - 1279

عنوان و نام پديدآور : الحج : موتمر عبادي - سياسي/ مجموعه خطابات و نداآات الامام الخميني ...؛ ترجمه مركز الحج للدراسات و النشر

مشخصات نشر : تهران: المشعر، 1407ق. = 1366.

مشخصات ظاهري : ص 300

شابك : بها:800ريال

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

موضوع : خميني، روح الله، رهبر انقلاب و بنيانگذار جمهوري اسلامي ايران، 1368 - 1279 -- نظريه درباره حج

موضوع : حج

شناسه افزوده : مركز تحقيقات و انتشارات حج

رده بندي كنگره : DSR1574/5 /ح3 ك9043 1366

رده بندي ديويي : 955/0842

شماره كتابشناسي ملي : م 66-304

ص:1

اشارة

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

ص:6

ص:7

ص:8

ص:9

ص:10

مقدمة

ص: 11

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد جمعت نداءات وخطابات الامام الخميني (قدس سره)، بشأن الحج، التي جاءت خلال الفترة الممتدة حتي نهاية عام 1405 الهجري القمري، وطبعت تحت عنوان «الحج مؤتمر عبادي- سياسي».

وهذا هو الجزء الثاني من هذه المجموعة، حيث ضمّ النداءات والخطابات التي صدرت عن الامام الراحل (قدس سره) بشأن الحج. خلال الفترة الممتدة من اوائل عام 1406 ه-. ق. وحتي نهاية عام 1408 ه-. ق. نقدّمه لعشاق الحق وكلّ السائرين علي طريق التوحيد.

انّ السمات التي امتازت بها نداءات الامام الراحل خلال الاعوام الاخيرة، توجب الاشارة الى نقاط مهمة اخرى، اضافة الى ما اشرنا اليه في مقدمة الجزء الاول من هذه المجموعة.

ان عظمة شخصية الامام الراحل وسموّ افكاره، اشبه ما تكون بجبل اشم تطال قمته اعنا السماء الي ماوراء السحب،

ص: 12

بعيدة عن انظار الناس ومتناول ايديهم .. إلّا أنّها رُغم ذلك، تتدفق من باطنها الفوّاردوماً، ينابيع زلال الحقيقةوالحكمة والفكر، بعد أن امتلأت من امطار الرحمة الإلهية وسبحت في انوار شمس الوحي، وذابت في انعكاسات اشعة الولاية، وبالتالي أفاضت بضيائها ليعمّ اجواء الامة الاسلامية، ويبعث الحياة في روح ابنائها التّواقين للحقيقة، ولتزدهر براعم الايمان في حقول القلوب الطاهرة الخضراء.

اجل، انّه «روح الله» الذي تسامي بفضل رأسمال «نفخت فيه من روحي» ((1) )، وتمسّكه الراسخ ب- «العروة الوثقي» المتمثلة بالولاية، واضطلاعه برسالة الجهاد في طريق الحق: «الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا» ( (2)) ...

وقد استطاع بفضل ذلك، ان يخترق حجب هذه الدنيا الترابية الفانية، وأن يتحرر من قيود الاهواء المادية، ليحلِّق في اجواء المعنوية اللامتناهية نحو الكمال المطلق، ويلتحق بمبدأ الحياة والهداية الازلي.

ومن هنا فإن السبيل باتجاه الوجود المطلق، وخالق الوجود، بلا نهاية، وان هذا العبد الصالح المتقي، الذي حرّر ابعاده المعنوية من سلطة جسمه الترابي والحياة المادية، ظلّ حتي


1- سورة الحجر/ 29، سورة ص/ 72
2- سورة العنكبوت/ 69

ص: 13

آخر لحظة من حياته يتسامي في سلّم الايمان والخلوص والعبادة والعروج نحو المبدأ الاعلي، خلافاً لما تفرضه الشيخوخة من ضعف ووهن. حيث أنه وبموازاة هذا السموّ المعنوي، تضاعفت قدرته العلمية واتّسعت معرفته وحكمته الإلهية، واستمرت ينابيع الحكمة والهداية تتدفق بقوة من لسانه وقلمه.

وهل حقاً يمكن ان يكون الامر غير هذا يا تُرى؟!

ألم يكن هؤلاء الذين لم يتمكنوا من تحرير انفسهم من اسر المادية وظلماتها، واقتصرت دائرة وعيهم في حدود الجسم الترابي الضيق، قد اضطرب تفكيرهم وضعفت عقولهم كلّما امتد العمر بهم، وامست حركاتهم وسكناتهم بلا معني ولا محتوى؟!

ولهذا بالذات، فإن فطرة كل من المهزومين الجاهلين بحقيقة الانسان، وعبدة المادة من ذوي البصائر العمياء، البعيدين عن فهم رموز العالم المعنوي، ظلّت عاجزة عن فهم الحقيقة و فك رموز واسرار شخصية الامام الراحل، ممّا دعاهم الى اللجوء الى اساليب كافرة وبلهاء في تفسير وفهم آثار وكلمات سماحته، وفقاً لأوهامهم وظنونهم الباطلة، لأنهم يقارنون الامام مع زعماء و رؤساء عالم الاستكبار الجهلة، الذين تعجزون حتّى عن القاء خطاب أو تحرير كلمة وضمن اطار عالمهم المادي، رغم استعانتهم بمؤسساتهم الاحصائية ومراكز المعلومات والمستشارين والمعاونين والكتّاب والمفكرين الخاضعين

ص: 14

لسلطتهم. كيف يمكن لمثل هؤلاء أن يدركوا حقيقةالأمر بالنسبة لسماحة الامام الراحل لاسيما أنّهم يرون أن هذا الانسان لم يكتف بما يصدره من بيانات ونداءات، بل يأتي بالجديد يوماً بعد آخر.

انهم لايعرفون ولايمكنهم أن يعرفوا معايير القيادة والولاية في نظام الجمهورية الاسلامية، وان ما تحقق بشأن الامام (قدس سره)، لوكان قد تحقق لأي شخصيةاخرى في زمن الامام نفسه لإجتمع الناس علي زعامتها.

انهم يجهلون أن ما تدفق من ينبوع معرفة وحكمة الامام وفقاً للظروف والحاجة، لايمثل سوي قطرات معدودة من فيض نبعه الممتزج با شعاعات الوحي المتلألئة، والمتصل بالمحيط غير المتناهي للحكمة والعرفان الإلهي.

ما الذي يفقهون، وما الذي يتمكنون من معرفته من عشرات الكتب ومئات الرسائل والآثار العلمية، وآلاف الدروس الحوزوية، التي توزعت على مختلف الميادين: الفقه، علم الكلام، الفلسفة، العرفان، التفسير، ... والتي تمثل حصيلة السبعين عاماً من عمره الشريف؟.

هل من الممكن أن تتوفر لأي انسان كل هذه الملكات، ما لم يذوب في مدرسة الوحي ويستلهم من فيض النبع الإلهي بحيث يتمكن مقابل موضوع واحد «كالحج»، من الكتابة ليس مرة

ص: 15

أو مرتين أوثلاث، بل عشر مرات أو اكثر، وفي كل مرة يتبادر الى الذهن أن الموضوع قد أشبع بحثاً ووصل به الى غايته وكماله، إلّا أننا نراه في ندائه التالي قد جاء بمفاهيم جديدة تفوق سابقتها كمّاً وكيفاً، وبأساليب بلاغية رائعة؟.

ان مراجعة سريعة لنداءات وخطابات الامام الراحل (قدس سره) حول الحج، تبرهن هذه الحقيقة وتثبت هذا الادّعاء.

ان نداءات سماحته التي اطلق عليها بحق اسم «منشور الثورة» والتي كان سماحته قد حررّها مسترسلًا، كما هي عادته، دون أن يكون هناك شطب أو اعادة كتابة لها، تتميز، فضلًا عن المضمون الرائع والمفاهيم العظيمة، بأساليبها البلاغية الرائعة والصور الفنية الأدبية الباهرة، التي تحكي عن نفحات الجمال والكمال المطلق التي تفيض بها روح سماحته.

لقد مارس الامام الراحل الكتابة خلال اكثر من ستين عاماً، في شتي ميادين المعرفة، ومن العجيب أن الامام، وخلافاً لبقيةالكتّاب ممّن يعمدون الي اتخاذ اسلوب واحد يميز كتاباتهم ومن ثم يمسون اسيري اسلوبهم هذا، كان دوماً متميزاً بمسايرته لأحدث الآراء والنظريات التي تطرأ على الآداب وفنون الكتابة، لاسيما في القرآن الاخير، بل كان سبّاقاً في ذلك.

وعلي الرغم من ا ن الامام كان له الاطلاع الكامل علي اسلوب الكتابة في كل عصر، إلّا أنه لم يحصر طريقته في الكتابة

ص: 16

علي اسلوب تقليدي واحد، بل نراه في كل يوم وكل مقام يطل علينا بنغمة جديدة في الاسلوب وفي الالفاظ تبهر النفوس، وتشنّف الاسماع، يصب فيها مفاهيم مدرسة الوحي بصورة تطرب لها نفوس المؤمنين الطاهرة، وتخفق لها قلوبهم.

النطقة المهمة الاخرى التي أودّ أن اشير اليها هنا هي، أن الامام الراحل (قدس سره) علي الرغم من صرف نظره عن اصدار نداءاته السنوية بشأن الحج، والتأكيد علي مناسكه العبادية- السياسية، وتبيين فلسفتها، وضرورة احياء المعني الحقيقي لهذه الفريضة العبادية السياسية، المتضمن نفي كل انواع الشرك وعبادة الاوثان، فضلًا عن اثبات التوحيد والعبادة المطلقة لله الواحد الاحد.

واستمراراً لهذا النهج التوحيدي، واحياءً لهذه الحركة الباعثة للحياة والمتضمنة لفلسفة «الحج»، باعتباره أكبر مؤتمر دولي واسلامي، وأفضل موسم لتصدير الثورة الاسلامية العالمية ونشرها في العالم، وكذلك باعتباره خير فرصة وافضل وسيلة للاتصال والتعارف فيما بين مسلمي انحاء العالم، والتعرف علي آلام ومعاناة بعضهم البعض، وهوخير سبيل لتلاحمهم وتفكيرهم معاً في ايجاد الحلول المناسبة لمشاكلهم وضمان مصالح الامة الاسلامية.

لهذا كله، عمد الامام الراحل في نداءاته التي كان يصدرها

ص: 17

بمناسبة موسم الحج، الي تضمينها المواقف المبدئية الاسلامية، ومواقف الثورة الاسلامية الاصلية، وتوضيح شتي الامور المهمة التي تهم العالم الاسلامي، وفضح اعداء الاسلام والكشف عن مؤامراتهم فضلًا عن توضيح اساليب النضال والجهاد المشروعة والمؤدية الى رفع الحواجز والعقبات التي تحول دون تحقيق الآمال والاهداف الاسلامية السامية.

لقد اضطلعت هذه النداءات بترسيم الخطوط العريضة للاسلام المحمدي الاصيل، وأوضحت مفاهيمه ومبادئه السامية التي تؤمّن الحرية للناس والانعتاق من كل القيود والاغلال المذلّة، في ظل العبودية المطلقة للحق، ووحدة «الامة الواحدة» حول محور التوحيد ومركز الولاية الإلهية.

وقد أدّت هذه النداءات القاصمة الى انطلاق صرخات «البراءة والانزجار» التي اطلقها ابناء الامة الاسلامية في «فلسطين»، و «لبنان»، و «افغانستان»، ضد جميع الشياطين، وبالأخص «امريكا» الطامعة، و «روسيا» المجرمة، و «اسرائيل» الغاصبة، وعملائهم في كل مكان، ووصول صداها الى اسماع ابناء المعمورة.

كما أوصلت هذه النداءات صرخات «المظلومية والغربة» للشعب الايراني المسلم، الى اسماع باقي المسلمين، وأزالت الاقنعة التي تستّر بها الكفار والمنافقون والمجرمون خلال سنوات طويلة. حيث دعا الامام الراحل في بياناته باقي المسلمين

ص: 18

الى الإلتحاق بقافلة الثورة الإسلامية العالمية، وذلك عن طريق توضيح اهدافها ومكاسبها في «ايران»، ومدي صمود وبطولة ابناء الشعب الايراني المسلم في هذا السبيل.

وهكذا، وبفضل اهتمام سماحة الامام الخميني (قدس سره) بالحج، وارشاداته المستمرة الى المسلمين، تهيّأت السُبل لإحياء المفهوم الحقيقي «للحج» ونثر بذور الوحدة في مركز التوحيد، وأخذت صرخات «البراءة من المشركين وعبدة الاوثان» ترتفع من جوار قبلة العبودية الحقّة، ومركز مجاهدة الشرك والوثنية ورمي الشياطين، وبدأ قطف ثمار «الحج»، الغصن الأصيل المتفرع من شجرة الاسلام الطيبة، ونزلت الرحمة والشفاء على المؤمنين كما كان القرآن.

وبذلك تمّ القاء غبار الذلّ والخسران بوجوه الكافرين والظالمين، وتمت ازالة الحُجب الداكنة عن شمس الاسلام المحمدي الاصيل، وكشف قناع النفاق عن الاسلام الامريكي، وتعرّى الخائنون الذين تقمّصوا لسنوات طويلة رداء «خدمة الحرمين» للتغطية على جرائم «امريكا» بأسم الاسلام، مما دفعهم الى الاعلان عن نواياهم الخبيثة، واعلان الحرب ضد المسلمين، وارتكاب الجريمة الكبرى التي ادّت الى تلطيخ روضة «الحرم»، ورياض «الوحي» الزاهر، بدماء طيور «الحرم» والبلابل التي كانت تغرد ب- «لبّيك اللهم لبّيك».

ص: 19

لقد تزيّنت ثمار «الوحدة» و «البراءة» بألوان البراعم المدماة، ووهبت عشاق الحق الذين ثملوا بعشق الحق من «زمزم»، حالة اخرى، وتحققت فلسفة «قياماً للناس» ( (1)) عملياً، واجتازت آثارها الحدود والحواجز لتنشر نورها في كل مكان، حيث وصلت أمواجها الى فلسطين السليبة التي انتفض ابناؤها المسلمون ضد الصهاينة الغاصبين.

وعلي الرغم من ان احفاد «أبي جهل» و «أبي لهب»، قد عمدوا الى تنفيذ اوامر سيّدهم الشيطان الاكبر، ولم يألوا جهداً في الصدّ «عن سبيل الله والمسجد الحرام» ( (2))، إلّا أن وعد الله حق، حيث يقول جلّ وعلا: «لتدخلنّ المسجد الحرام ان شاء اللهُ آمنين». ( (3))

كلنا أمل في أن تكون هذه المجموعة النفيسة من نداءات وخطابات الامام الراحل (قدس سره)، والذي أخذ مركز الحج للدراسات والنشر، على عاتقه مسؤولية اعدادها ونشرها، بهمّة حجةالاسلام الشيخ رحيميان، والجهود المخلصة لحجة الاسلام السيد محمدهادي مدرسي مسؤول المركز، خطوة في طريق احياء «الحج» والاهداف الاسلامية السامية. وندعوا الله أن يتقبل هذا


1- سورة المائدة/ 97
2- سورة الحج/ 25
3- () سورة الفتح/ 27.

ص: 20

الجهد والسعي من الجميع ان شاءالله

مندوب القائد والمشرف العام على الحجاج الايرانيين

مهدي كروبي

ص: 21

خطاب الامام الخميني (قدس سره) لدي لقائه اعضاء مجلس الخبراء 27/ شوال/ 1405 ه-. ق.

ص:22

ص: 23

بسم الله الرحمن الرحيم

في البدء اشكر الشيخ المشكيني على حسن ظنّه، وآمل أن اكون عند الله وفقاً لذلك، واسأله سبحانه أن يوفقنا جميعاً لخدمة الاسلام.

كذلك اشكر السادة الذين شرّفوني بزيارتهم، وآمل أن يؤدوا المسؤولية التي انيطت بهم بأحسن وجه، وأن يعملوا بما يرضي الله.

أن من أهم الامور التي ينبغي التذكير بها، أمر يختص بجميع علماء الدين ومسؤولي البلاد، والذي هو علي الدوام مورد قلقي؛ انني اخشي أن تؤدي تصرفاتنا الى ايذاء وقلق هؤلاء الناس، الذين ضحوا بكل ما لديهم من اجل خدمة الاسلام، والذين هم اصحاب منَّة علينا.

ان ما ينتظره الناس منّا، والذي بسببه التحقوا بناوبكم وروّجوا للاسلام، وأقاموا الجمهوريّة الاسلامية بعد أن قضوا على الطاغوت، هو بساطة الحياة التي يعيشها اهل العلم. فلو أن الناس

ص: 24

شاهدوا- لا سمح الله- أن السادة قد تغيّر حالهم واخذوا يشيّدون المباني، وامسي سلوكهم وتصرفاتهم بشكل لايتناسب مع مكانة علماء الدين، فإن ما كانوا يكنّونه في قلوبهم للعلماء سيتغير حتماً، وأن ذلك يعني زوال الاسلام والجمهورية الاسلامية. طبعاً، لايخفي أن هناك مجموعة من السادة تتهددها الاخطار وعليها أن توفر لنفسها الحماية، إلّا أنه حتي في مثل هذه الحالات يجب أن لاتتعدي حدّها الطبيعي.

لاتظنوا أنّكم ستكسبون مقاماً كبيراً عند الناس إن خرجتهم إلى الشارع برفقة عدد من سيارات الحماية، أنّ ما يهتم به الناس ويتوافق مع ذوقهم العام، هو أن تكون حياتكم اليومية بسيطة من غير تكلّف.

فكما كانت حياة قادة الاسلام، ورسول الاسلام وامير المؤمنين وائمتنا- صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين- عاديةودون أي تكلّف، بل اقل من العادية، كذلك فإن من أقام الجمهورية الاسلامية هم الناس البسطاء، أما المرفهون والاعيان فلم ولن يكون لهم أي دور في هذه الاحداث. أن البسطاء من اصحاب الحرف والفلاحين، وعمال المصانع وابناء الطبقات الضعيفة- وفقاً للقياس الدنيوي- والذين هم اقوياء في الآخرة، هم الذين ينتظرون منا مثل هذه الامور، ولوأن نفوس هؤلاء الناس ابتعدت عنا- لا سمح الله-، فإن ضرر ذلك لن يقتصر

ص: 25

علينا فقط بل سيشمل الاسلام ايضاً.

علينا أن نسعي لبقاءولاء هؤلاء، الذين حافظوا علي الاسلام والمجهورية السلامية، لنا، وسوف يحافظون عليها في المستقبل ايضاً وأن ولاءهم لنامرهون بمدي التزامنا بالبساطة في حياتنا.

علي هؤلاء الذين يستفيدون من المظاهر المتعددة للحفاظ علي انفسهم، أن يعرفوا أنّ بإمكانهم أن يوفروا ذلك لأنفسهم بمظاهر بسيطة بعيدة عن الانظار.

كذلك، فإن ائمة الجمعة والجماعة ممّن يعتقدون أنهم هدف للاعتداء، عليهم أن لايبالغوا في مظاهر الحماية التي توفّر لهم، بحيث أنه لو اراد أحدهم المرور في احد الشوارع لجؤوا الى تخلية الشارع واثارة الضجيج لأجل ذلك. ان مثل هذه التصرفات تذهب بحيثيتهم ومكانتهم من بين المجمتع.

أيّها السادة! أن حيثيتكم ومنزلتكم ليس مكانها هذه الدنيا وإنّما مكانها الآخرة، وذلك بأن تنالوا منزلةرفيعة عند الله. انّ هذا الأمر من الامور المهمة التي لها صلة بالحفاظ علي الجمهورية الاسلامية، ولابدّ لنا ولاهل العلم ولأفراد الحكومة والمسؤولين أن نولي هذا الأمر اهمية كبيرة، ذلك لأن هناك الكثيرين ممن يتربصون لأهل العلم عسي أن يجدوا عندهم زلّة ليشيعوها في كل مكان. علينا أن نعيش بشكل بحيث لو حُرمنا منه

ص: 26

فلن نتحسرّ عليه ابداً، بعكس عيش الرئيس الأمريكي، حيث أنه لو جُرّد من منصبه فإنه سيموت كمداً.

الأمر الآخر الذي ارى من الضوري الاشارة اليه هو:

أن موسم الحج علي الابواب، والحج من الامور الهامة لدولتنا ولغيرنا، إلّا أنّنا نوليه اهمية خاصة.

ان لي معرفة مسبقة بالسيد «موسوي خوئينيها» وقد كان نشطاً جداً، وقد أدّى مسؤوليته بأفضل وجه؛ ولكن نظراً لضرورة وجوده في الادِّعاء العام، فإنّه لن يتمكن من التوجه الى الحج هذا العام. وطالما فكّرت في الأمر فلم أجد انسب من السيد «كروبي» لاداء مهمته. ولا يخفي أن السيد «كروبي» هو من الافراد الصالحين الصاميدن ممّن عانوا، ولسنوات طوال، من ظلم النظام البائد ومطاردته. لذا فإننا ارتأينا أن يكون على رأس الحجاج هذا العام، حتي نرى ما الذي سيكون في الاعوام القادمة.

وكما قلت آنفاً، فإنهم (اعداء الثورة الاسلامية) يتربصون ويفتشون عن موارد ليثيروا الضجيج حولها. فمثلًا عندما سيرون ممثّلًا لنا غير السيد «موسوي خوئينيها» هذا العام، فإنهم سيشيعون بأن مواقف ايران قد تغيّرت وأن سياستها اختلفت عن السابق. انهم لا يعرفون أن سياسة الحج لم نكن نحن الذين أوجدناها، بل أن الحج سياسة اسلامية.

لقد عزمنا منذ البداية علي أن نؤدي الحج كما كان في عهد

ص: 27

رسول الله، كيف أن الرسول الاكرم (ص) حطّم الاصنام في الكعبة، نحن أيضاً نريد أن نحطم الاصنام، وأن هذه الاصنام الموجودة في عصرنا هي اعظم واسوأ من اصنام ذلك الوقت.

علينا أن نذهب الى الحج ونؤدي شعائرنا كما في السابق، نقيم المسيرات والمظاهرات كما في السابق، حيث أن سياستنا لن تتغير بغياب السيد «موسوي». لابد للحج يُودّى كما كان يؤدّى خلال العامين أو الثلاثة الماضية، وعلى الحكومات أن تتحمل ذلك، لأننا لايمكننا أن نعدل عن الواجب الذي ألقاه الاسلام علي عواتقنا، والقرآن ايضاً قد أمرنا بذلك. ( (1))

ان سياستنا في الحج هي نفسها السياسة السابقة. ومتي ما ذهبنا الى الحج فإنّنا سنؤدي نفس هذه السياسة، إلّا أن يصدّونا ويمنعونا من الحج، وهذه مسألة اخرى.

آمل أن تُؤدّى فريضة الحج هذا العام كما كانت تؤدّى في الاعوام الماضية، بل وبشكل افضل وتجمّع أكثر. وعلي الافراد العازمين علي الحج هذا العام أن يراقبوا اعمالهم وأن يتّحدوا مع بعضهم البعض.

كما اتمنّي أن يسود هذا الشعور البلدان الاسلامية الاخرى، وإن من تجاوز عددهم المليار مسلم عليهم أن لايعبأوا بما تقوله


1- سورة التوبة/ 3.

ص: 28

امريكا وروسيا، بل عليهم أن يقفوا علي اقدامهم بأنفسهم، وأن لايهتموا بالآخرين، كما هي وقفة هذا البلد ذي الأربعين مليون، والذي يعد صغيراً قياساً بالبلدان الأخرى، حيث وقف علي اقدامه بنفسه وأخذ يهتف: «لا شرقية ولا غربية»، والذي هو اليوم يحظي باحترام الآخرين اكثر ممّا تحظي به تلك البلدان التابعة، وأن انظار المسلمين قد توجهت الينا أكثر فأكثر.

بناءً علي هذا، فإن هذه الشعوب عليها أن لاتهاب امريكا، لأنها ليست سوى طلباً أجوفاً، فهي ترفع عقيرتها دون أن يكون لها أي عمل.

أنظروا كيف تصرفت امريكا مع الارهابيين، الذين هم منبوذون من قبلنا والآخرين. لقد حرصت امريكا علي أن تنسبهم الى احدى الدول المخالفة لها ولكنها فشلت في ذلك. ان ازيرهم خاو ولايؤدي إلى أي شي ء.

علي الشعوب أن لاتخشي احداً ابداً، وعليها أن تواصل طريقها، لأن الاسلام والله جل وعلا في عونهم، ومن يعينه الله عليه أن لايخشي احداً. نأمل أن يوفقنا الله لتنفيذ اوامره.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 29

خطابات الامام الخميني بمناسبة عيد الاضحى المبارك 10/ ذي الحجه/ 1405 ه-. ق.

ص:30

ص: 31

بسم الله الرحمن الرحيم

أُهنّي ء مسلمي العالم والمستضعفين، والسادة الذين شرّفوا هذا المكان بمناسبة حلول العيد السعيد، الذي له ابعاد مختلفة كالبُعد العرفاني، والبُعد السياسي، والايثار، وابعاد اخرى.

لنعمل مقارنة بين الحاضر والماضي في بعض النواحي، ولتبدأ المقارنة من هذا المجلس:

ان من بركات هذه الجمهورية، اجتماع نخبةمن الفضلاء في هذا المجلس، ما كان يتسني لهم أن ينضموا الى تشكيلة مجالس العهود السابقة. لأنّكم كما تعرفون، لم يحدث أن اجتمع علماء الحوزة العلمية بمدينة «قُم» وعلماء «طهران» والجامعيون، في مجلس واحد وبقلب واحد وتفكير واحد. وكذلك الأمر بالنسبة لسفراء الدول الصديقة واساتذة الجامعات واركان الدولة، حيث لم يجمعهم في السابق أي مجلس ليتدارسوا فيه احتياجاتنا والخطوات التي يتطلب اتخاذها. بل كانوا يأكدون على بثّ الفرقة والاختلاف داخل البلاد.

لقد كانت الدعايات بشكل بحيث كان العالم الديني يخشي

ص: 32

الدخول الى حرم الجامعة والتحدث فيه. وكذا الأمر بالنسبة للجامعيين، حيث كانوا يتهيّبون دخول حرم الحوزات العلمية والمدارس الدينية وطرح استفساراتهم امام العلماء. وهكذا اساتذة الجامعة، المسؤولون الحكوميون، نواب المجالس، لم يكن ليجمعهم أي مجلس أو مكان، ليتدارسوا فيما بينهم علي الاقل احتياجات بلدهم، والسبل الكفيلة لتحقيق ذلك.

ان السبب في وجود كل هذا، كان يعود لوسائل الاعلام الرسمي، الاتي كانت تسعي لايجاد اجواء من سوء الظن فيما بين هؤلاء، ومن ثم نفور بعضهم علي البعض الآخر، بل اكثر من هذا، حيث يمكن القول أنها سعت لايجاد العداوة والبغضاء فيما بينهم.

لم يكن ليحضر أي من السفراء الاجانب في المجالس التي كان يتردد عليها العلماء (علماءالدين)، بل لم يكونوا مستعدين اساساً للحضور في مثل هذا المجالس، وذلك لأن وسائل الاعلام كانت تعرّف العلماءبأنّهم جماعة من الرجعيين المتمسكين بالماضي، يسعون للبقاء علي طراز التفكير الذي اوجده السلف! نعم مثل هذه الامور وما شابهها كانوا قد روّجوا لها خلال العهود البائدة وبالاخص خلال العهد الأخير.

ولايخفي، ان الخبراء الاجانب، خبراء اروبا وامريكا، كانوا علي علم بهذه الحقيقة وهي: ان هذه الفئات لوتسنّي لها أن تلتقي فيما بينها، فإنها ستشكل خطراً عليهم، وكانوا يسمونهم أيضاً بالارهابيين!.

وكذلك فقد عملوا كثيراً، عن طريق عملائهم والعناصر التي تربّت في

ص: 33

مدارسهم، للايحاء بأن من مثل هذا الاجتماع من غير الممكن حدوثه.

اننا اليوم نجتمع تحت سقف واحد، ويشغلنا تفكير واحد، التفكير في السبل الكفيلة لعدم استمرار المسائل التي كانت سائدة من قبل. التفكير في امكانية استيلاء نفس الايادي السابقة- لا سمح الله- علي الجماعات. التفكير في امكانية تعرّض علماءالدين لنفس العقبات التي كانوا يتعرضون لها في السابق. التفكير في امكانية عودة البلاد الى سابق عهدها والذي يعرف الجميع أي وضع كانت فيه واي بلاءكانت تتجرعه. اننا نجتمع اليوم في هذاه المكان حتى نتدارس السبل الكفيلة دون تكرار مثل هذه الامور.

ان ما يساعدنا علي الوصول الي هذه السبل الناجعة، قليل من التمعن في ابعاد عيد الاضحي، والامور التي اختصت بالتضحية التي قدّمها سيدنا ابراهيم (ع). التدبّر في ايثاره وتضحيته، والتدبر في الحج وشؤونه، بل ومختلف القضايا الاسلامية، وكيف جمع بين ابعاده المختلفة: بين العرفان والتعبّد، بين السياسة والعبادة، بين المسائل الاجتماعية وغيرها من المسائل. لقد اوجدوا هذا المبدأ لنفهم من شيئاً.

ان اولئك، الذين يتشرفون الآن بأداء الحج، لهم واجبات وتكاليف، وآمل- ان شاءالله- ان يكونوا قد عملوا بها وسيعملون فيما بقي منها. وان لنا ولهم- بعد عودتهم- تكاليف؛ هي امتداد لتلك الآثار الناتجة عن التدبر في عيد الاضحى وتقديم القربان.

ص: 34

فعلي الحجاج، ان يحملوا معهم هذا الإيثار، وهذه الوحدة، هدايا لنا؛ ونحن بدورنا علينا أن نشيع هذه المفاهيم بين ابناء شعبنا. انها لمسؤولية ملقاة علي عاتق كل من السادة علماء الدين، والجامعيين في مختلف انحاء البلاد.

اننا خطونا حتي الآن- ولله الحمد- خطوات مؤثرة في هذا الطريق. فلو قارنتم ما نحن فيه الآن وما كان في العهود السابقة لاتّضحت لكم العديد من الفروق. لعلّ الاكثرية منكم تتذكر الاستفتاء الذي سُمِّي بالثورة البيضاء، وكيف ان النظام، رغم كل الضجيج والضغوط والحيل والخدع التي لجأ اليها، لم يتمكن من الادَّعاء اكثر من هذا، حيث اعلن أن ستة ملايين مقترع شاركوا في الاستفتاء. ولاشك كلكم يعرف أن العدد الاصلي المشارك في الاستفتاء كان اقلّ من هذا المعلن!.

فعلي الرغم من كل الضغوط التي لجأت اليها الحكومة الجائرة، وكل ذلك الاعلام والدعايات الكاذبة، فإنهم لم يتمكنوا من تجميع اكثر مما جمعوا، ولم يتجرأوا علي الادّعاء بأن عشرة ملايين اشتركت في الاستفتاء، بل ولم يتجرأوا حتي علي المبالغة والادّعاء اكثر من الرقم المعلن!.

ولكنكم ترون، في بلد معرّض للضغوط من كل جاانب؛ ودعوات المطالبة بمقاطعة الانتخابات تنهال عليه من كل حدب وصوب؛ والدعايات المغرضة والمختلفة توجه اليه من كل مكان؛ إلّا انه ورغم

ص: 35

كل ذلك فقد اشترك اكثر من 14 مليون شخص في الانتخابات الاخيرة. فلو قورنت هذه الاحصاءات مع أي بلد آخر في العالم، لاتضح الفرق بين بلدنا والاماكن الاخرى، وعُلم حقيقة التحول الذي شهدته ايران.

لقد كان هذا التحول تحولًا عجيباً، حيث أنه في نظام كان يسيطر علي كافة السلطات، وبيده مختلف وسائل الضغط، ولم يواجه بضغوط من أية قوة، إلّا أنه لم يتمكن من الادِّعاء حتي ولو كذباً، أن عدد المشاركين في الاستفتاء بلغ ثمانيةملايين مثلًا؛ مع كل هذه المبالغة والكذب وتوفر الظروف المواتية له لم يتمكن من الاعلان من اكثر من ستة ملايين بل انه ملأ الدنيا ضجيجاً تبجحاً بهذا الرقم، رغم كذبهم فيه.

وها انتم ترون، فدون أن تكون هناك دعايات مسبقة، أو ضغوط موجّهة لأحد، أو تهديد يدعو الناس الى الاشتراك الاجباري في الانتخابات، بل حتي ان هذا العالم لم تكن هناك اعلانات؛ رأيتم الجموع الغفيرة من ابناء الشعب الذين اشتركوا في الانتخابات، والتي لا نظير لها في أية بقعة اخرى من بقاع العالم. انه دليل علي تحول كبير طرأ علي بلدنا.

كذلك يمكننا أن نأخذ الجبهات، كمثال آخر علي هذا التحول:

عندما دخلت قوات الحلفاء بلادنا، ادّعي البعض اننا قاومنا القوات لمدة ثلاث ساعات! وعندما سئلوا عن الحقيقة قالوا: اننا بالغنا

ص: 36

في الامر، لقد دخلت قوات الحلفاء من هذا الجهة ونحن خرجنا من الجهة الاخرى.

قارنوا تلك الواقعة مع ما هو موجود في الوقت الحاضر من صمود شبابنا وابناء شعبنا، مقابل جميع القوى. فعلي الرغم من ان جميع القوى المعادية قد وضعت يداًبيد وتآمرت علينا، وبذلت قصاري جهدها للابقاءعلي النظام البائد، إلّا أن شبابنا الغاري استطاعوا أن يحققوا النصر المؤزر في قيام الجمهورية الاسلامية.

وهكذا في هذه الحرب، فقد علموا جميعاً لايجاد نصرٍ ما لهم، وهم يزعمون ذلك في كل يوم، إلّا أن شبابنا الاعزاءصمدوا أمامهم بل وأخذوا يدحرون اعداءهم يوماً بعد آخر.

وهكذا الحال بالنسبة للنساء لاحظوا ما الذي هنّ عليه الآن، وما كان يجري لهن في العهد البائد. لقد أضحت نساؤنا اليوم رساليات، فهن اليوم وفي مختلف انحاء هذا البلد، يتطوّعن للخدمة خلف الجبهات وتوفير الدعم والاسناد لشبابنا المرابضين علي الجبهات. هذا فضلًا عن ما لهنّ من صفوف الدراسة والتدريس، ومجالس قراءة القرآن. وقد سمعت ان هناك البعض منهن يدرسن الدروس المتقدمة في الحوزة العلمية.

أي تحول هذا؟ ما الذي كان؟ ما الذي كانت عليه اوضاع النساءفي ايران؟ ان الانسان ليخجل من ذكر ذلك. هل هذه هي الحرية؟ كلا. انه نوع من الاختناق هل ان فعل كل ما يريدونه

ص: 37

وبأي نحو كان هو الحرية؛ وان ما تقدم عليه النساء من اداءٍ للخدمات طوعاً، اختناق! هل ان خدمتهن خلف الجبهات طوعاً، ومتابعتهن لدروسهن بحرية، والاشتراك بالنشاطات، هل هذا اختناق؟ انهم يسمّون ذلك اختناقاًلأننا لانسمح للمرأة بأن تعمل ما من شأنه أن يشلّ المجتمع. لانسمح لعدة متحللة فاسدة أن تفسد علي المجتمع خيرة شبابه وتشلّه عن الحركة والخدمة بين صفوف هذه الأمة.

لم يكن هناك من يفكر في الاقدام علي ايجاد عمل اجتماعي نافع. الكل كان يفكر بماذا يسلّي به نفسه عند حلول الصباح، أو كيف يقضي يومه. اما الآن فانظروا الى الاسواق، وانظروا الى الشوارع. هم الآن، عندما يريدون النيل منا، يقولون انه لايوجد في ايران اماكن للترفيه. صحيح لايوجد في ايران اماكن للترفيه الذي اعتادوا وجوده من قبل، ولكن أماكن الترفيه والتسلية السليمة موجودة في كل مكان. أو يقولون ان المرأة الايرانية باتت ترتدي «الشادور». ولكنهم يجهلون صور الارهاب والمطاردة التي كانت تقابل بها المرأة المحجبة في العهد البائد، وكيف أنها كانت تخشي الخروج بل وقد تخرج ليلًا متخفية لتنتقل من مكان الى آخر. وهكذا بقية النواحي الاخرى.

الحج أيضاً تغيرت صورته خلال الاعوام الاخيرة، وقد كان هذا العام- بحمد الله- بأفضل صورة، ويجب اشاعة صورته هذه

ص: 38

في العالم علي أنها صورته المثلي، وانه هو الذي اراده «ابراهيم» خليل الله، و «محمد» رسول الله. ولو تحققت مفاهيم سورة البراءة في اهلها- اولئك الذين هم اهل لهذا المعني- فإن جميع المشكلات ستحل ايضاً، لأن الانسان عندما يعي أن كل شي ء هو لله، فإنه عندها لن يخشي ايةقوة اخرى. اننا نخشي ونرهب هذه القوى اعتقاداً منا بأن القوة تمكن فيها. إلّا ان الانسان عندما يؤمن بأن قوته مستمدة من قوة الله، وان كل ما لديه مصدره الله سبحانه، عندها لن يخشي احد.

ان جميع اسباب خوفنا تعود الى اننا لم نفهم أن القوة الرئيسية هي قوة واحدة، وهذه القوة هي لمصلحة جميع الافراد والمجتمع وكل البشر، وهي مسخرة لمنفعتهم. فلو اننا ادركنا هذا المعني وجسّدناه وذُبنا فيه بشكل عملي، وهو أن كل ما في الوجود هو منه سبحانه و هو لصالحنا ومن اجل تربيتنا، فإن كل هذه المشكلات ستحل حتماً.

يجب علينا أن نعرّف الناس بمعني التوحيد. ينبغي على العلماء الاعلام أن يعرّفوا الناس بفهموم التوحيد وبالمعارف الالهية. يعرّفونهم قول سيدالشهداء الامام «الحسين» (ع) في دعاء عرفة: «ألغَيركَ الظُهور ما ليسَ لك»، «متي غبتَ حتي تَحتاج الى ...»، القرآن ايضاً له مثل هذا المعني، لكل

ص: 39

القرآن أُنزل من الله وقد وصل الينا، وادعية ائمتنا (ع) هي «قرآن صاعد» كما عبّر عنها بعض المشايخ، وكل ما يحتاجه الناس موجود فيها.

ان لغة الادعية تختلف عن لغة تبيين الاحكام، وهي تختلف ايضاً عن لغة الفلسفة ولغة العرفان العلمي؛ انها لغة اخرى فوق هذه اللغات، وهي تحتاج الى من يفهمها، وعلى من يفهمها أن ينتبه الى ذلك.

طبعاً القرآن مائدة للجميع، فهو نعمة تفيض بالفائدة علي الجميع، إلّا أن الاستفادة التي كان النبي الاكرم (ص) يحصل عليها منه هي غير الاستفادة التي كان الآخرون يكسبونها منه، «انّما يعرف القرآن من خوطب به». ( )(1) الآخرون لايفقهونه. اننا لانفقه سوى خيالات أو اشياء، او ذرة منه، إنّما يفقهه من أُنزل القرآن عليه و أوحي به اليه. هو الذي يعرف كيف نزل وما هي كيفية النزول، وما هي اسباب النزول، وما هو المحتوى وما هي الغاية من هذه القراءة.

وعليه ومن هنا كان يريد افهامنا بوجوب قراءة سورة «البراءة» في ذلك المكان. في حين أن المشاكل التي كانت تواجه

مرآة الانوار و مشكاة الاسرار في تفسير القرآن/ الطبعة الحجرية/ ص 12.


1- فروع الكافي/ ج 8/ ص 312/ ح 485.

ص: 40

المسلمين في زمن رسول الله لم تكن كما هي عليه الآن، بل كانت بشكل آخر، إلّا أن القرآن المجيد والسنة النبوية توجهنا الى وجوب اداء هذه الاعمال في الحج.

فالحج وجميع عبادات الاسلام ممتزجة مع بعضها البعض وفي مختلف الابعاد. وان من معجزات الانبياء، وبالاخص الاسلام، هو امتزاج عبادته بعرفانه.

فلو ان انساناً ممن يفقه هذه المسائل، تمعّن في الصلاة- في بعدها العرفاني-، وفي اذكارها وحركاتها، لوجدها بحراً متلاطماً، بل انها المعراج، معراج المؤمن. ويعني ذلك ان الصلاة تجر الانسان الى مافوق عالم الطبيعة ومافوق عالم الوجود.

فاحياناً كلمة واحدة أو جملة واحدة تتميز بأن لها ذلك القدر من البعد المعنوي والبعد العرفاني بحيث أنها لو تحققت لانسان سالك فأنّه سيجتاز كل الحُجب.

ولعلّ سورة «الحمد» التي هي اوّل سورة في القرآن وجعلت لتقرأ في الصلاة، ولاتقبل الصلاة بدون «الحمد» كما قيل؛ تحتوي علي جميع المعارف ولكنها تحتاج الى من يتأمل ويتمعن فيها، ونحن لسنا اهلًا لذلك.

نحن نقول (الحمدُ لله ربِّ العالَمين) ونفهم منها ان الله اهل للحمد كله، ولكن القرآن لايقول ذلك!. انّ قول القرآن هو ما من حمد إلّا لله؛ حتّي عبادة الوثن هي حمد، حمد لله ولكنّه لايعرف

ص: 41

ذلك. الإشكال هو في جهلنا وعدم معرفتنا.

وعند ما يقال: «ايّاك نَستَعينُ»، فإن المعني ليس هو اننا نطلب الاستعانة منك ان شاء الله. كلّا، ليس هو كذلك، بل هو: لا وجود للاستعانة بغير الله، أصلًا، فلا وجود لقوة اخرى اصلًا.

ما هي القوة التي نملكها غير قوة الله؟! هل ان ما عندك هو غير قوة الله؟!

فالأمر ليس بهذا الشكل، اننا نعبد الله إن شاءالله، او نستعين بالله إن شاء الله. الحقيقة هي: ليس هناك عبادة ولا مدح في الدنيا اساساً لغير الله. حتي اولئك الذين يمدحون مثلًا الشياطين والسلاطين وامثالهم، فهم لايفهمون ان ذلك هو مدح لله. هم غافلون عن هذا الأمر وهو، ان المدح ليس للنقصان، بل ان المدح هو للكمال، وكلّ من يستعين بالآخر فهو في الحقيقة استعانة بالله. هذه ما تقوله سورة «الحمد».

وإلّا فما هو الهدف، فالذين تربّوا بفضل تعليمه، يعلمون بفضل تربيته، فابداع الانبياء يكمن في انهم كانوا يعبّرون عن المسائل العرفانية الدقيقة بلفظة واحدة، بحيث كلّ انسان كان يفهم منها حسب استعداده، وهي في الحقيقة كانت لمن تميز استعداده فوق هذا الحد. ومثل هذا الفن موجود في القرآن اكثر من أي مكان آخر، وهو موجود في الادعية أيضاً.

فلو كنا، نحن علماء الدين، والجامعيين، نريد حقاً صيانة هذا

ص: 42

البلد، وخاصة الجامعيون واساتذة الجامعات، لو كانوا حقاً يودّون أن لايعود هذا البلد الى ما كان عليه في السابق، فإن عليهم أن ينتبهوا ويحذروا، عليهم أن يراقبوا أنفسهم ويهتموا بتربيتها، ويراقبوا تربية الشباب والطلبة، ويعملوا للحافظ علي الجامعات بشكلها الجديد الذي استمد وجوده من التحول الذي طرأ في ايران. فالجامعات ينبغي أن تكون قد اخذت نصيبها من التحول، وبالطبع فقد اخذت الكثير، ولكنّه يحتاج الى حذر واهتمام اكثر.

وعلي العلماء اينما كانوا، ولاسيما في الحوزات العلمية، أن يهتموا بجميع الامور التي يحتاجها الطلبة وبالاخص الجدّد منهم، وان يؤكدوا في دروسهم علي كل ما يقرّبهم من الله تبارك وتعالى ويرغبهم فيه.

وعلي الحوزات أن تهتم بتدريس الاخلاق والجوانب الاخلاقية للطلبة، وأن لايقتصر ذلك علي درس واحد أو اثنين أو عشرةأو عشرين. فلو كنتم تريدون لبلدكم مستقبلًا زاهراً، فإن عليكم أن تهتموا بتربية الطلبة في الحوزات العلمية، أو أي مكان آخر؛ ربّوا طلبتكم بشكل يجعلهم يهاجرون من هذا العالم، ويهتمون بما وراء هذا العالم، ويصبحون روحانيين، أي ارواح تهتم بماوراء الطبيعة. لابد أن تكون الخطوات الاولى في هذا الطريق، وعندها عندما تكون الامور بهذا الشكل فإن الاوضاع ستتحسن هنا ايضاً.

ص: 43

ان من يقوي جوانبه المعنوية فإنّه سيكون قوياً في جوانبه الطبيعية أيضاً. كما كان متجسداً في الانبياء والاولياء، الذين تميزوا بكمالهم المعنوي وامتلاكهم للمعارف الالهية الجمّة، إلّا أنهم ورغم ذلك، كانوا يمارسون اعمال ادارة الدولة، ويؤسسون الحكومات، ويقيمون الحدود الشرعية، كانوا يقيمون الحدود الشرعية، كانوا يقيمون الحدّ علي كل من تسول له نفسه الاضرار بالمجتمع، في نفس الوقت الذي هم فيه غاية المعرفة ونبعها.

فلو ربّيتم الناس تربية صالحة، ودعوتهم ليتعرفوا علي الله، ويطلعوا علي المعارف الالهيةوالقرآن الكريم، فإن بلدكم سينهج نهجاً سليماً، وسيسري ذلك الى الاماكن الاخرى، وهذا امرٌ قهري.

وان ما ترونه اليوم، كل هذا الضجيج الذي ملأ الدنيا، هو بسبب هذا الموج الذي انطلق من هنا. هو من بركات هذا الشعب المسلم الذي اوجد كل هذه الامواج المتلاطمة. ولكن هناك البعض ممن يهدف الى اللعب بمشاعر الناس واحاسيسهم، فتراه يتظاهر بالاسلام ويرفع عقيرته بالدعوة لأسلمةالقوانين. إلّا ان هناك آخرين يدعون بصدق الى أن يكون الاسلام هو الحاكم حقّاً.

كونوا علي ثقة، ان الله معكم ما دمتم تقدرون هذه النعمة الالهيةوالنعمة التي منَّها الله عليكم حق قدرها؛ مثل نعمة الوحدة،

ص: 44

ونعمة الثورة، وهذا الشباب الملتزم، الذي يتواجد الآن في الجبهات، وكذلك نعمةوجود هؤلاء الاساتذة. ان كل هذه النعم تستلزم الشكر، لأننا لابد أن نعرف قدر الجميع وأن نشكرهم.

وأنا بدوري اشكر ابناء الشعب الايراني، الذين يجدّون في مختلف المجالات، ويحرصون علي التواجد في كافة الساحات، وادعو لهم جميعاً.

ادعوا الله أن يحفظ الشعوب الاسلامية وان يعرّفها بواجباتها، ويعرّفنا نحن ايضاً بواجباتنا، لنسعي في هذه الايام القليلة من عمرنا، لاعمار آخرتنا، والانعتاق من اسر الارض والركون لها.

والسلام عليكم ورحمةالله

ص: 45

نداء الامام الخميني (قدس سره) الى حجاج بيت الله الحرام 1/ ذي الحجة/ 1407 ه-. ق.

ص:46

ص: 47

بسم الله الرحمن الرحيم

(ومَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ...) ( (1))

الحمد لله علي آلائه، والصَّلاة والسلام علي انبيائه سيّما خاتمهم وأفضلهم، وعلي اوليائه وخاصة عباده سيّما خاتمهم وقائمهم ارواح العالمين لمقدمه الفداء.

ان الاقلام والألنس، والأحاديث والكتابات، لتعجز عن شكر النعم اللامتناهية التي حظي بها العالمين وسيحظون، من قبل الخالق الذي بلطف تجلي نوره التام، أفاض نعمة وجود عوالم الغيب والشهادة والسر والعلن، وأوصله الينا ببركة من اصطفاهم، حيث أن «الله نورُ السَّمواتِ والارض ...» ( (2))

وبظهور جميله سطع جماله، حيث أنه: «هو الأوّل والآخر

مرآد الانوار و مشكاة الاسرار في تفسير القرآن/ الطبعة الحجرية/ ص 12.


1- سورة النساء/ 100.
2- سورة النور/ 35.

ص: 48

والظاهر والباطنُ ...» ( (1)).

وبفضل كتبه السماوية المقدسة، التي طلعت من الغيب علي انبيائه ابتداءً من «صفي الله» وحتي «خليل الله». ومن «خليل الله» حتي «حبيب الله»- صلوات الله وسلامه عليهم-، حدّد سبحانه سبيل الوصول الى الكمالات والفناء في الكمال المطلق، ورسم مسير السلوك الى الله، حيث الآية الكريمة: «ومن يخرج من بيته مُهاجراً الى الله ...» ((2) ).

كما عرّفنا (سبحانه) سبيل التعامل مع المؤمنين واوليائه، ومع الملحدين والمتكبرين واعدائه: «محمدٌ رسولُ الله والذينَ معهُ اشداء علي الكفار رُحَماء بينهم ...» ((3) )

وآلاف التحية والثناء إذ جعلنا من أمّة خاتم النبيين محمد المصطفي (ص) افضل واشرف الموجودات، ومن اتباع القرآن المجيد، اعظم واشرف الكتب المقدسة، والصور الكتبية لحضرة الغيب المستجمع لجميع الكمالات بهيئة الوحدة الجمعية، وقد ضمن حفظه وصيانته من ايدي شياطين الأنس والجن: «إنّا نحنُ نزّلنا الذِّكر وانّا لهُ


1- سورة الحديد/ 3
2- سورة النساء/ 100
3- سورة الفتح/ 29.

ص: 49

لَحافظون» ( (1)). قرآن محفوظ لم يضف اليه حرف ولم ينقص منه حرف.

الكتاب الكريم، هو الذي اخبرنا باسلوب تعامل انبياءالله العظام مع مستكبري العالم والناهبين الدوليين عبر التاريخ، واطلعنا علي النهج الذي اتبعه حضرة خاتم الرسل (ص) مع المشركين والجائرين والكفار وعلي رأسهم المنافقين، وان هذا النهج في التعامل سيبقي خالداً وصالحاً لكل عصر ومصر.

في هذا الكتاب الخالد، نقرأ قوله جل وعلاء:

(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وأَبْناؤُكُمْ وإِخْوانُكُمْ وأَزْواجُكُمْ وعَشِيرَتُكُمْ وأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها ومَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ وجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) ( (2))

وهو خطاب موجّه الى المصلحيين والمهاذنين والمتأسفين لاستشهاد الشباب وفقدان الاموال والارواح وغيرها من الخسائر الأخرى.

والملفت في الآية هو أنها ذكرت الجهاد في سبيل الله، من بين كل الاحكام الالهية؛ بعد حب الله سبحانه ورسوله الاكرم (ص) ونبّهت الى أن الجهاد في سبيل الله في مقدمة جميع الاحكام، حيث أنه حافظ للمبادي والاصول.


1- سورة الحجر/ 9
2- سورة التوبة/ 24.

ص: 50

كما انها نبّهت الى أنه لو تخلّفتم عن الجهاد، فعليكم أن تنتظروا عواقب هذا الأمر، من امثال الذل والاسر وفناء القيم الاسلامية والانسانية، وهي نفسها التي كنتم تخشونها، كإبادة الصغار والكبار وأسر الازواج والعشيرة.

وبديهي أن كل هذه الامور هي من نتائج ترك الجهاد، ولاسيما الجهاد الدفاعي الذي نخوضه نحن الآن.

والى هذا المعني ايضاً تشير الآية الكريمة: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَويُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)، وأي فتنة وبلاء اكبر مما يخطط له اعداء الاسلام في هذا العصر لاجتثاث جذور الاسلام، واقامة الحكومات الظالمة، كالحكومة الشاهنشاهية المبُادة، ودعوة المستشارين الناهبين، وهلاك الحرث والنسل لهذا الشعب، وبالتالي تكرار ما جرّعوه للشعب العراقي المظلوم خلال السنوات الاخيرة، علي ابناءالشعب الايراني.

وحمداً وشكراً لا حدّ له، للذات الربوبية المقدسة، التي انقذت بتربيتها المعنوية، ابناءالشعب الايراني من أوحال الفساد الملكي الجائر، واخذت بأيديهم الى الحياة المستقلة تحت لواء الاسلام الزاهر.

واننا اليوم لانجد في العالم بلداً كما هي ايران، حيث استطاعت أن تحصّن نفسها من تدخّل القوي الكبرى، وأن تقرر

ص: 51

مصيرها بنفسها استناداً للاسلام العزيز، وأن تقف بوجه الاشرار. وقد منَّ الله علينا بأن جعلنا نحيا بين ظهراني هذا الشعب.

وشكراً لا حدّ له للحق، جلّ وعلا، علي عنايته بنا، حيث اننا علي اعتاب عزيمة الحجاج الايرانيين المحترمين الى معبد العشق (الكعبة)، ومرقد المعشوق (مرقد النبي الاكرم)، والهجرة نحو الله تعالى ورسوله الاعظم (ص)، نرى أن نداء الاسلام قد ملأ صداه اصقاع العالم، وأن لواء الاسلام المعنوي قد رفرف في اقطار المعمورة، كما وأن انظار العالمين قد اتجهت صوب بلد ولي الله الاعظم- ارواحنا لمقدمه الفداء-.

ورغم انف الاعداء السيّئين والمنحرفين، الذين افتضح امرهم للجميع، وخلافاً لاحلامهم البائسة ووعودهم بإسقاط الجمهورية الاسلامية خلال ثلاثة اشهر أو سنةواحدة، فإن البلد الاسلامي العزيز ايران اليوم اقوى واصلب من أي وقتٍ مضي، كما وأن الشعب الايراني العظيم اكثر فخراً، وقواته المسلحة اكثر قوة واقتداراً، وشبابه وشيوخه اكثر عزماً، وحوزاته العلمية المقدسة اكثر نشاطاً في ظل المراجع العظام والعلماء الاعلام- كثر الله امثالهم-. وان الحوزات والجامعات هي اليوم اكثر ارتباطاً وتقارباً فيما بينها، وان القوي الثلاث اليوم اكثر فعالية وتطوراً ونمواً في المجالات السياسية والثقافية والعسكرية.

كما ان اعداءالشعب، الذين هم في الحقيقة اعداء الاسلام

ص: 52

واعداء استقلال البلاد، هم اليوم اكثر ضعفاً وذلًا، وأن قصور المستكبرين اكثر وهناً واهتزازاً، وان فضيحة البيت (الاسود) اكثر شيوعاً، وان خوف وبأس اصحاب القصور امسي قاتلًا، وقد بات واضحاً اضطراب وهيجان وسائل الاعلام العالمية، والذي هو انعكاس لاضطراب وقلق اصحاب القصور.

لذا يتوجب علي مسلمي ومستضعفي العالم أن يستفيدوا وبوعي، من الظروف الجديدة التي ظهرت للوجود، وذلك بأن يتلاحم ابناء مختلف الفرق الاسلامية والمستضعفين، لانقاذ انفسهم من أسر اغلال القوي الكبرى.

وفيما يلي اشير هنا الى عدة امور:

1- ان اعلان البراءة من المشركين، الذي هو ركن من اركان التوحيد، ومن الواجبات السياسية للحج ( (1))، يجب أن يتجلّي خلال ايام الحج، في اقامة التظاهرات والمسيرات بكل صلابة وروعة.

وعلي الحجاج الايرانيين وغير الايرانيين، الاشتراك في جميع المراسم بعد التنسيق التام مع مسؤولي الحج وممثلي هناك، سماحة حجةالاسلام الشيخ «كروبي». والاعلان بنداءات مدوية مجلجلة، عن برائتهم من المشركين وملحدي الاستكبار العالمي وعلي رأسهم امريكا المجرمة، وأن لايغفلوا عن ابراز بغضهم


1- سورة التوبة/ 3.

ص: 53

وحقدهم ضد اعداءالله واعداء خلقه.

وهل يمكن ان تتحقق العبودية، ما لم يتم البوح بالمحبة والوفاء للحق، واظهار الغضب والبراءة من الباطل؟! حاشا لله أن يصدق اخلاص عشق الموحدين ما لم يتم الاعلان عن الانزجار والنفور الكامل من المشركين والمنافقين.

واي بيت انسب من «الكعبة» وبيت الأمن ( (1)) والطهارة ( (2)) والناس ((3) )، ليتم فيه الاعلان عن الرفض، قولًا وعملًا، لكل اعتداء وظلم واستغلال وعبودية ودناءة وحقارة.

ومن خلال تجديد ميثاق «ألستُ بربِّكم» تتحطم اصنام الآلهة والارباب «المتفرقة» وتبقي حية ذكرى اهم واعظم حركة سياسية نفّذها النبي (ص) وذلك: «واذانٌ من اللهِ ورسوله الى النّاس يوم الحجُ الاكبر ...» ( (4))، بل وتكرارها.

حيث ان سنّة النبي الاكرم (ص) واعلان البراءة، لايمكن لها ان تُبلي، كما أن اعلان البراءة لايقتصر علي ايام ومراسم خاصة بل انه ينبغي علي المسلمين أن يملأوا اجواء العالم، حباً وعشقاً لذات الحق، وبغضاً وكرهاً عملياً


1- سورة البقرة/ 125
2- سورة البقرة/ 125
3- سورة التوبة/ 125
4- سورة التوبة/ 24.

ص: 54

لاعداء الله. وان لايصغوا الى وساوس الخنّاسين، وشبهات المتردّدين والمتحجرين والمنحرفين.

وان لايغفلوا، ولا للحظة، عن انشودة التوحيد المقدسة، والبعد العالمي للاسلام، حيث ان الناهبين الدوليين واعداء الشعوب، سوف لن يقرّ لهم قرار بعد اليوم، وسيلجأون الى شتّي الحيل والتزوير والمراوغة والخداع، وسيسخِّرون وعاظ البلاط، واجراء السلاطين، ودعاة القومية، والمنافقين، لِاشاعة فلسفاتهم وتحليلاتهم واستنتاجاتهم الخاطئة والمنحرفة، ولن يتورعوا عن أي عمل من اجل تجريد المسلمين من سلاحهم وتوجيه لطمة الى صلابة وابهة واقتدار امّة محمد (ص).

ولعلّ هناك مَن يدّعي، من المتنسّكين الجاهلين، ان حرمة وقدسية بين الحق، الكعبة المعظمة، تُنتهك برفع الشعارات واقامة التظاهرات والمسيرات واعلان البراءة، وان الحج مكان للعبادة والذكر وليس مسرحاً لعرض القدرات والحرب.

وكذلك لعلّ هناك من يشير، من العلماء المتهتّكين، بأن النضال والبراءة وخوض الصراع هو من شأن اصحاب الدنيا والساعين لها، وان التداخل في الامور السياسية، لاسيّما في ايام الحج، ليس من شأن طلبة العلوم الدينية والعلماء.

ان مثل هذه الاقاويل هي من ايحاءات وخبث السياسات الخفية للناهبين الدوليين، ولابد للمسلمين أن ينهضوا، وبكل

ص: 55

ما لديهم من امكانات ومايلزمهم من استعدادات، لخوض المواجهة الجادة، والدفاع عن القيم الإلهية ومصالح المسلمين، وأن يرصّوا صفوف الجهاد والدفاع المقدس. وأن لايسمحوا لهؤلاء الجهلة، ذوي القلوب الميتة واتباع الشياطين، بالإساءة اكثر من هذا، لعقيدة المسلمين وعزتهم، وعليهم أن يلتحقوا، اينما كانوا وفي أي مكان، لاسيّما من كعبة الحق، بجنود الله.

وعلي الزوار الاعزاء أن يتوجهوا، من افضل واقدس بقاع العشق والشعور والجهاد، نحو كعبة اسمي؛ كما هو سيدالشهداء الامام «ابي عبدالله الحسين» (ع) حيث توجه من احرام الحج الى احرام الحرب، ومن طواف الكعبة والحرب الى طواف صاحب البيت، ومن التوضُّؤ بزمزم الى غسل الشهادة والدم، وبذلك تُبدَّل الأمّة ذات بنيان مرصوص لاتعرف الهزيمة. وآنذاك لن تجرأ لا القوى الشرقية ولا الغربية علي مواجهتهم.

ولاشك ان روح الحج ونداءه، لايمكن أن يكون غير هذا، حيث أن المسلمين يستلهمون من الحج الدستور العملي للجهاد مع النفس، والنهج لمقارعة الكفر والشرك.

علي اية حال، ان إعلان البراءة في الحج، تجديد لميثاق النضال، وهو تمرين لإعداد صفوف المجاهدين، ومواصلة الصراع ضد الكفر والشرك وعبدة الاوثان.

كما وانه لاينحصر برفع الشعارات، بل انه منطلق علني

ص: 56

لوضع منشور النضال وتنظيم صفوف جنود الله في مواجهة جنود ابليس والمتأسيّن بابليس، وهو يعد من مبادى ء التوحيد الاولى.

اذا لم يعلن المسلمون براءتهم من اعداء الله، في بيت الناس وبيت الله، فأين اذن يعلنون عن ذلك؟

واذا لم تكن، الحرم والكعبة والمسجد والمحراب، معاقلًا وسنداً لجنود الله والمدافعين عن الحرم وحرمة الانبياء، فأين اذن يكمن مأمنهم وملجأهم؟

وبكلمة واحدة، ان اعلان البراءة يمثل المرحلة الاولى للنضال، وان مواصلة المراحل الاخرى هي من واجبنا، وان اداءه في كل عصر وزمان، يختلف باختلاف الاساليب والبرامج الخاصة بذلك العصر والزمان، ولابد أن نرى ما الذي نتمكن من عمله في عصر كعصرنا، الذي عرّض فيه زعماء الكفر والشرك، كل وجود التوحيد للخطر، وجعلوا من المظاهر القومية، والثقافية، والدينية والسياسية للشعوب، ألعوبة لتلبية اهوائهم وشهواتهم الخاصة؟!.

هل ينبغي ملازمة البيوت، والاكتفاء بالتحليلات الخاطئة، وتوجيه الاهانة الى مقام ومكانة الناس، وإلقاء روح العجز والخنوع في قلوب المسلمين، والذي هو تحمّل للشيطان واعوانه عملياً، والحيلولة دون وصول المجتمع الى الخلوص الذي هو غاية الكمال ونهاية الآمال؟!.

او أن نتصور ان مقارعة الانبياء للاصنام ولعبادة الاوثان،

ص: 57

اقتصرت علي الاحجار والاخشاب الجامدة التي لا روح فيها، وان انبياء من مثل «ابراهيم» الذي كان سبّاقاً في تحطيم الاصنام، اقتصر عمله- والعياذ بالله- علي هذا وترك ميدان النضال ضد الظالمين.

في حين ان كل ما أقدم عليه النبي ابراهيم، من تحطيم الاصنام وخوض النضال والحروب ضد النمروديين وعبدة القمر والشمس والنجوم، ما هو إلّا مقدمة لهجرة كبرى، وان كل تلك الهجرات وتحمّل الصعاب والعيش في واد «غير ذي زرع» ( (1))، وبناء البيت والتضحية باسماعيل، هي مقدمة لبعثة ورسالة خُتمت فيها الرسل، وضمت تكراراً لحديث اول وآخر بناة ومؤسسي الكعبة، وابلغت رسالتها الابدية بكلام ابدي: «... انّني بري ءٌ ممّا تُشركون». ((2) )

ولو اننا عرضنا تحليلًا غير هذا لكانت النتيجة هي انّه لا وجود للاصنام ولعبادة الاصنام اساساً في عصرنا الحاضر!.

حقاً، اي انسان عاقل يجهل اليوم عبادة الاوثان بشكلها الحديث المتقدم والتي اتخذت لنفسها اشكالًا وألا عيب وحيلًا خاصة، أو انّه يجهل سلطة معابد الاوثان العصرية، من امثال البيت (الاسود)، المفروضة علي البلدان الاسلامية، وعلي دماء واعراض المسلمين، وسكان العالم الثالث عموماً؟!.


1- سورة ابراهيم/ 37
2- سورة الانعام/ 19.

ص: 58

انّ صرخة براءتنا من المشركين والكافرين اليوم، هي صرخةٌ ضد ظلم الظالمين؛ صرخة أمّة تحتضر نتيجة لاعتداءات الشرق والغرب، وعلي رأسهما امريكا واذنابها، وقد نُهب بيتها ووطنها ومواردها.

انّ صرخة براءتنا، هي صرخة الشعب الافغاني المظلوم والمقهور، واني لآسف للهجوم الذي شنّه الاتحاد السوفيتي علي هذا البلد المسلم، والذي لم يأخذ بتحذيري ونصيحتي.

لقد قلت مراراً، وأذكر اليوم أيضاً واقول: اتركوا الشعب الافغاني لحاله، فهو قادر بنفسه علي تقدير مصيره والمحافظة علي ايتقاله الحقيقي، وهو لايحتاج لا لولاية الكرملين ولا لقيمومةامريكا.

وبتأكيد، فإن هذا الشعب، وبعد خروج القوات الاجنبية من بلده، لن يقبل بأي تسلط آخر، وانه سيكسر قدم امريكا ان هي حاولت التدخل والاعتداء علي بلده.

كذلك، فإنَّ صرخة براءتنا، هي صرخة الشعب الافريقي المسلم، صرخة اخواننا واخواتنا في الدّين، الّذين تعرضوا بسبب بشرتهم السوداء، لسياط ظلم العنصريين الجائرين عديمي الثقافة.

انّ صرخة براءتنا، هي صرخة براءة الشعبين اللّباني والفلسطيني وجميع الشعوب والبلدان الأخرى، التي تتطلع اليهم القوي العالمية الشرقية والغربية، وبالاخص امريكا واسرائيل،

ص: 59

بنظرات طامعة، وقد نهبوا مواردهم وفرضوا عليهم عبيدهم وعملاءهم، واشعلوا نار الحرب في اراضيهم واحتلوا حدودهم المائية والبرية، علي الرغم من آلاف الكيلومترات التي تفصلهم عنها.

انَّ صرخة براءتنا، هي صرخةكل الناس الذين لايطيقون تفرعن امريكا وحضورها السلطوي بعد الآن؛ والذين لن يرضوا بأبقاء اصداء غضبهم ونفرتهم حبيسة الى الأبد، والاكتفاء بالتأسف علي ذلك، بل عقدوا العزم علي العيش احراراً، والموت بحرية، وان يصرخوا نيابة عن الاجيال.

انّ صرخة براءتنا، هي صرخة الدفاع عن الرسالة والكرامة والعرض، وصرخة الدفاع عن الموارد والثروات والممتكلات، وصرخة الشعوب التي تئنّ ألماً من طعنة خنجر الكفر والنفاق الذي قطّع قلوبها.

انّ صرخة براءتنا، هي صرخة فقر وعوز الجياع والمحرومين والحفاة الذين سلب السرّاق واللّصوص الدوليون ثمارا تعابهم المضنية ونتاج عرق جبينهم، اللّصوص الذين يحرصون علي امتصاص دماء الفقراء والمزارعين والعمّال والكادحين، تحت عناوين الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية، ويسعون لربط شريان الحياة الاقتصادية للعالم بهم، وحرمان سكان العالم من تحقق أبسط حقوقهم الحقّة.

ص: 60

انّ صرخة براءتنا، هي صرخة أمّة يتربص للقضاء عليها الكفر والاستكبار كله، وقد وجّهوا كل سهامهم وطعانهم نحو القرآن والعترة المعظمة. وهيهات أن تستسلم أمّة محمّد (ص)، التي يرتوي ابناؤها من كوثر عاشوراء، ويتطلّعون لوراثة الصالحين؛ تستسلم للموت المذل، أو أن ترضي بأسر الغرب والشرق.

هيهات أن يقرّ للخميني قرار، مقابل اعتداءات المتوحشين والمشركين والكافرين علي حرمة القرآن الكريم، وعترة رسول الله، وأمّة محمد (ص)، واتباع ابراهيم الحنيف، أوأن يلوذ بالصمت وهويشهد ذلّ وتحقير المسلمين.

لقد أعددتُ روحي ودمي، المتواضعين، لأداء واجب الحق وفريضة الدفاع عن المسلمين، وأنا بانتظار فوز الشهادة العظيم.

فلتطمئن القوى العالمية واجراؤها، بأن الخميني سيواصل طريقه، طريق مقارعة الكفر والظلم والشرك وعبادة الاوثان، حتي ولوبقي وحيداً.

وبعون الله، وجنباً الى جنب قوات التعبئة في العالم الاسلامي، هؤلاء الحفاة مورد غضب الدكتاتوريين، سنسلب نوم الراحة من جفون الناهبين الدوليين وعملائهم الذين يتمادون في الظلم والجور.

اجل، إن شعارنا: «لاشرقية ولاغربية»، هو الشعار المبدئي

ص: 61

للثورة الاسلامية في عالم الجياع والمستضعفين، وهو الذي يرسم سياسة عدم الانحياز الحقيقية للبلدان الاسلامية والبلدان التي ستقبل الاسلام- بعون الله- في المستقبل القريب كرسالة منقذة للبشرية، واننا لن نحيد عن هذه السياسة ابداً.

وعلي البلدان الاسلامية ومسلمي العالم، أن لاتربط مصيرها بالغرب، أوروبا وامريكا، ولا بالشرق السوفيتي، حيث أنهم مرتبطون- إن شاءالله- بالله ورسول الله والحجة المنتظر.

ويقيناً، إن اهمال هذه السياسة الدولية للاسلام وعدم الاقتداء بها، يعني التنصل عن اهداف وآمال الرسالة الاسلامية، وهي بمثابة خيانة لرسول الله (ص) ولأئمة الهدى (ع) وبالتالي الموت الزؤام لبلدنا وشعبنا وجميع البلدان الاسلامية.

ولايظنّ احد إن هذا الشعار شعار مرحلي، بل ان هذه السياسة هي الملاك العملي الابدي لشعبنا وجمهوريتنا الاسلامية وكل مسلمي العالم، وذلك لأنّ من متطلبات انتهاج صراط نعمة الحق، هو البراءة والابتعاد عن صراط الضالّين، ولابد من تطبيقه وعلي مختلف الاصعدة، في المجتمعات الاسلامية.

هذا، وعلي المسلمين، بعد الانتهاء من المشاركة في مسيرة البراءة واعلان التضامن مع الشعب الايراني الشجاع، أن:

يفكروا برمي الاستعمار خارج بلدانهم واراضيهم

ص: 62

الاسلامية. وأن يسعوا من اجل طرد جنود ابليس، وازالة القواعد العسكرية الشرقية والغربية، من بلدانهم.

وان لايسمحوا لناهبي الدنيا، بالاستفادة من امكانات بلدانهم، لتحقيق مصالحهم وتوجيه ضربة الى البلدان الاسلامية، لأنه عار كبير علي البلدان الاسلامية وزعمائها، ان يمسحوا للاجانب بالتغلغل في المراكز السرية والعسكرية للمسلمين.

ينبغي علي المسلمين أن لايهابوا الضجيج والطبول الفارغة، والاعلام الظالم، لأن القصور والقوات العسكرية والسياسية للاستكبار العالمي، هي كبيوت العنكبوت الواهية، التي في طريقها الى الانهيار.

علي مسلمي العالم أن يفكروا في تربية ومراقبة واصلاح زعماء بعض البلدان المأجورين، وان يعمدوا، عن طريق النصيحة أو التهديد، الى ايقاظهم من هذا السبات الثقيل الذي يهدّد بفنائهم وفناء مصالح الشعوب الاسلامية.

عليهم أن ينذروا هؤلاء الأجراء والعبيد، وأن يكونوا علي بصيرة تامة من خطر المنافقين وسماسرة الاستكبار العالمي، وأن لايضعوا يداً علي يد ويجلسوا يرقبون هزيمة الاسلام ونهب موارد وممتلكات واعراض المسلمين.

علي الشعوب المسلمة أن تفكر بأنقاذ فلسطين، وأن تعلن للعالم انزجارها وبراءتها من اقدمات الزعماء العملاء الخبثاء التساومية

ص: 63

والسلمية، الذين فرّطوا، باسم فلسطين، بآمال سكان الاراضي المغتصبة آمال المسلمين. عليهم أن لايسمحوا لهؤلاء الخونة، بالجلوس الى طاولة المفاوضات، وبهذا الجولات والزيارات، من المساس بحيثية ومكانة وشرف الشعب الفلسطيني البطل، حيث ان هؤلاء المأجورين اشباه الرجال، من المتظاهرين بالثورية، قد لجأوا- باسم التحرير القدس- الى امريكا واسرائيل.

العجيب، ان كل يوم يمر علي الفاجعة الدامية لاغتصاب فلسطين، يزداد فيه صمت ومهادنة زعماء البلدان الاسلامية، ويتوضح اكثر مخطط مسايرة اسرائيل. حتي انه لاتسمع أي دعوة أو شعار عن تحرير بيت المقدس.

بل اكثر من هذا، فلو أن بلداً أو شعباً مثل ايران- رغم انها تخوض حرباً وتعاني من الحصار، وهي منهمكة في دفع العدوان- لو بادر الى الاعلان عن دعمه للشعب الفلسطيني، وهتف له، فإنهم يدينونه؛ إنهم يضطربون حتي من اقامة يوم باسم يوم القدس.

لعلّ هؤلاء اعتقدوا إن مرور الايام قد غيّر من الطبيعة العدوانية الخبيثة لاسرائيل والصهيونية، وان ذئاب الصهيونية المتعطشة للدماء، قد تخلّت عن احلامها في اسرائيل الكبرى الممتدة من النيل الى الفرات؟!

ان المسؤولين الايرانيي المحترمين، وابناء شعبنا، والشعوب الاسلامية، لن يتخلّوا ابداً عن مقارعة هذه الشجرة الخبيثة والعمل

ص: 64

علي اجتثاث جذورها. وبعون الله تعالى، وبالاستفاده من قطرات اتباع الاسلام المتناثرة، والقدرة المعنوية لأمّة محمد (ص) والامكانات المتوفرة للبلدان الاسلامية، وعبر تشكيل خلايا حزب الله للمقاومة في شتي انحاء العالم، فإننا سنجعل اسرائيل تندم علي افعالها الاجرامية السابقة، وسنحرر أراضي المسلمين السليبة من قبضتها.

وكما قلت مراراً ونبّهت المسلمين، سواءخلال الاعوام التي سبقت انتصار الثورة أو بعدها، فإنني احذر مجدداً من خطر انتشار هذه الغدة السرطانية الخبيثة للصهيونية، في جسد البلدان الاسلامية، وأعلن عن دعمي التام ودعم الشعب والحكومة والمسؤولين الايرانيين لجميع المجاهدات الاسلامية للشعوب المسلمة وشبابها الغيور، علي طريق تحرير القدس. وأنا أشكر الشباب اللبنانيين الاعزاء، الذين اكسبوا الأمّة الاسلامية فخراً، وأذاقو الناهبين الدوليين الذّل والخنوع.

كذلك اسأل الله سبحانه الموفقية والنصر لأعزّتنا، سواء المتواجدين منهم في الاراضي المغتصبة أو بالقرب منها، الذين يقاومون اسرائيل ويوجهون الضربات لمصالحها، اعتماداً علي سلاح الايمان والجهاد؛ واني اطمئنهم بأن الشعب الايراني لن يتخلّي عنكم ويترككم لوحدكم ابداً.

توكّلوا علي الله المتعال، واستفيدوا من القدرة المعنوية للمسلمين، واحملوا علي الاعداء بسلاح التقوى والجهاد والصبر

ص: 65

والمقاومة حيث: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) ((1) )

2- طالما كانت الحرب في مقدمة الامور بالنسبة لاهتمامات وتوجهات البلاد، وحيث أننا علي اعتاب الانتصار الحاسم للشعب الايراني ضد النظام العفلقي العفن الذي هو في طريقه للزوال، فان الناهبين الدوليين يبذلون جهوداً كبيرة من اجل تشويه الرأي العام العالمي، فبعد كل تلك الاعتداءات والجرائم التي ارتكبها الصداميّون، وما قابلها من صمت المحافل الدولية، فإنهم يظهروننا للعالم بأننا طلاب حرب، ويمكن أن تكون هذه الفرية قد انطلت علي بعض الافراد غير الواعين، لذا فإني أرى من الضروري الاشارة الى بعض الامور لتوضيح الحقائق وتنوير الرأي العام للشعوب المحاصرة ولاسيما الحجاج المحترمين:

انّ العالم ومنذ بدء الحرب وحتي الآن، وفي مختلف المراحل التي مرّ بها دفاعنا المقدس، لم يتحدث معنا ابداً بمنطق العدالة والحياد.

فعندما شنّ صدام وحزب البعث، بوحي من غروره وعدم فهمه، هجومه ضد بلدنا ايران العزيزة، بهدف اسقاط نظام الجمهورية الاسلامية الوليد في ايران، ومزّق المعاهدات الدولية، وقاد بنفسه الاعتداءات الجوية والبحرية والبرية التي قام بها جيشه، حيث قام المعتدون بقصف بيوت الناس الآهلة في عشرات


1- سورة محمد/ 7.

ص: 66

المدن ومئات القرى وتدميرها، وقتل الاطفال الابرياء في احضان امهاتهم، واستمر في عدوانه الوحشي الى حدٍ بحيث يخجل القلم واللسان عن بيان ابعاده.

وكذلك، عند ما اشعل صدام اول شرارة لنيران الحرب في الحريم الأمني للبلدان الاسلامية والخليج الفارسي، فإنه لم يبادر آنذاك أي من ادعياء السلام الى الوقوف بوجه موقد تلك النيران، ولم يستفيدوا من امكانات ووسائل الضغط والاتفاقيات الدولية للسيطرة عليه وايقافه عند حدّه، ولم يدافعوا عن الشعبين المظلومين الايراني والعراقي. لم يقل أي منهم لصدام، مُشعل هذه الحرب، بأي ذنب ولأي جرم تريد قتل الشعب الايراني، ولأي ذنب شُرّد الملايين من النساء والرجال والشيوخ والشباب، وهُدّمت بيوتهم وأماكن سكناهم؛ ولأيّ جرم تُفني حصيلة اتعاب عشرات السنين من البذل والسعي والبناء والاستثمار في مجالات الصناعة والمعامل والمزارع والحقول؟.

هل ان ذنبنا هو لأننا ايرانيون؟ ام ان جرمنا هو لأننا فرس؟ أو ان السبب هو ما كان من اختلافات ونزاعات حدودية سابقة؟!

كلّا، الأمر ليس أي من هذا. فالجميع يعلم اليوم، ان جُرمنا الحقيقي، من وجهة نظر الناهبين الدوليين والمعتدين، هو دفاعنا عن الاسلام، واقامتنا للجمهورية الاسلامية عوضاً عن النظام الطاغوتي الشاهنشاهي الجائر.

ص: 67

ان جرمنا وذنبنا، هو احياؤنا لسنة النبي (ص) بأحكام القرآن الكريم، واعلان الوحدة بين المسلمين، اعم من الشيعة والسنة، لمواجهة حبائل الكفر العالمي؛ وكذلك دعمنا للشعوب المحرومة في فلسطين وافغانستان ولبنان، وغلقنا للسفارة الاسرائيلية في ايران، واعلان الحرب ضد هذه الغدة السرطانية والصهيونية العالمية، ومقارعتنا للعنصرية، ودفاعنا عن المحرومين في افريقا، والغاءنا الاتفاقيات الاستبعادية التي كان النظام البهلوي الخبيث قد وقّعها من امريكا الناهبة.

أي ذنب اعظم، لدي الناهبين الدوليين واذنابهم عديمي الارادة، من الحديث عن الاسلام وحاكمية، ودعوة المسلمين الى العزة والاستقلال والوقوف بوجه ظلم المعتدين؟!

اننا كنا قد توصلنا الى هذه النتيجة، والتي عززتها الحرب المفروضة، منذ الايام الاولى لانطاق النضال، أي منذ الخامس عشر من خرداد ((1) ) وحتي الثاني والعشرين من بهمن ((2) )، وعرفنا جيداً اننا لابد أن ندفع ثمناً باهضاً لتحقيق الهدف الكبير والآمال الاسلامية الالهية العظمي، وعلينا ان نقدم الشهداء العظام؛ وان الناهبين الدوليين لن يتركونا وشأننا، وانهم وبالاستفادة من العلملاء في الداخل


1- انتفاضة الخامس عشر من خرداد عام 1342 ه-. ش/ الخامس من حزيران 1963 م
2- اليوم الذي انتصرت فيه الثورة الاسلامية في ايران الموافق 11/ 2/ 1979.

ص: 68

والخارج، سيبا غتونا ليسفكوا دماء اعزتنا علي مفترق الازقة والطرق وعلي الحدود؛ وقد حدث ذلك بالضبط.

فعند ما طرقت اسماع امريكا صرخات شعبنا المطالبة بالاسلام، في الخامس عشر من خرداد، وحينما تحطم غرور امريكا واقتدار قوتها المزعومة لأول مرّة في ايران، في حادثة الاعتراض علي منح الحصانة لرعاياها في بلدنا، وعرفت امريكا آنذاك مدي قدرة ونفوذ زعامة علماءالاسلام وطلبة العلوم الدينية، وعزم وارادة الشعب الايراني الفولاذبة علي نيل الحرية والاستقلال، واقامة نظام العدل الاسلامي، عندها اصدرت امريكا او امرها الى عبدها المطيع الذي باع وطنه وخيراته (محمدرضا خان) بإخماد اصوات الشعب المنادية بالاسلام؛ وهو بدوره قدعادهم علي ابادة كل من يقف بوجه امريكا في ايران.

وقد رأينا كيف ان هؤلاء الخونة والاجراء، لم يألوا جهداً في انجاز هذه المهمة الخبيثة، وقد صنعوا من قتلي هذا الشعب، وبإسم الحرية، معابر للوصول الى الحضارة الكبرى، بعد أن تلطخت بدماء اعزتنا وشبابنا المكبّرين والسائرين علي نهج الله ورسوله (ص)، ابواب وجدران بلدنا من المدرسة الفيضية ( (1)) حتي الجامعة، ومن الجامعة حتي الازقة والاسواق والشوارع، ومن الشارع حتي المسجد والمحراب.


1- المعدة لطلاب علوم الدين في الحوزة العلمية بمدينة «قم» المقدسة.

ص: 69

وفي مثل تلك الظروف المؤلمة، التي كان فيها جلادو النظام الشاهنشاهي الظالم يهشّمون اجنحة وفروع واغصان شجرة الحرية الطيبة، كان جميع الناهبين الدوليين قد تلاحموا معاً لتنفيذ خطوة اعلامية دولية منسقة، وذلك بالعمل علي اظهار الشاه بأنه شخص متحضر وتقدمي يؤمن بالحرية؛ وفي المقابل، العمل علي اظهار المسلمين كأناس رجعيين، وان مطاليبهم الاسلامية مطاليب رجعية سوداء.

واستمراراً لهذه السياسة القمعية، فقد تكررت عشرات المرات، في كربلاء ايران الدامية، جرائم اليزيديين، وقد تجدد عاشوراء وتاسوعاء مراراً. حيث جعلوا من بلدنا جزيرة أمن وثبات لأمريكا، ومقبرة وخربةلشعبنا.

وقد قلت في يوم عودتي الى ايران العزيزة، عند ما ذهبت الى مقبرة (جنة الزهراء): ان الشاه دمّر بلدنا وعمّر المقابر، والآن اكرر نفس ذلك القول: ان الشاه دمّر بلادنا وعمر المقابر.

ولكن، مع وجود الشاه، من الذي كان يعمل علي اصدار الأوامر له؟ لأنه لو كان ينفّذ افكاره الشخصية الفاسدة لانتهت الامور بسقوطه، إلّا اننا نعرف أن الشاه كان عبداً مأموراً من قبل امريكا، وان جميع شهدائنا واعزتنا كانوا ضحايا وقرابين ذبحت من اجل حرية ايران، وان عمله هذه لم يكن سوى تنفيذ لمهمة كلّف بها من قبل اسياده، وقدانتقم لامريكا، وقدر

ص: 70

استطاعته، من الاسلام والمسلمين.

ان المخطط الاصلي لكل هذه الجرائم، والتي هي امريكا، جهدت للبقاء علي موقعها خلف مسرح الاحداث.

أجل، امريكا هي التي تخشي الاسلام الحقيقي، وتهاب الثورة التي تنتهي باقامةحكومة العدل.

لقد تصورت امريكا، ان العناصر القومية والمنافقين، وباقي عملاء اليسار واليمين، سوف يوجهون مقود سياسة الثورة وحاكمية النظام وادارة البلاد، بشكل يصب في منافعها، لذا تراها قد انتهجت ولعدة ايام، سياسة الخوف والرجاء، ومن ثم عملت علي اعداد وتدبير انقلاب فاشل، وممارسة سياسة الضغط علي الثورة، وروّجت للعناصر العميلة المرتبطة بها. كذلك عمدت الى اغتيال شخصيات الثورة والثوريين الحقيقيين، ولكن الله منّ علينا بلطفه ثانية، حيث هاجم ابناءالشعب «وكرالتجسس» ( (1)) وسيطروا عليه، وأعلنوا براءتهم مرة اخرى، من امريكا واذنابها.

إلّا أن امريكا، اضطلعت مرة اخرى بمهمة تسليم نفس الحربة التي سبق وأن سلّمتها لمحمدرضا خان، الى عبدها المطيع صدام.

ما الذي فعله صدام؟ هل اقدم علي تنفيذ ما كان يفعله الشاه


1- السفارة الامريكية في طهران.

ص: 71

قبل انتصار الثورة؟.

ألم يملأ الشاه مقابرنا بأغصان شجرة الحرية الشامخة؟

وهل عمل صدام، الذي توفرت له قوة اكبر وقدرة علي المناورة افضل، غير هذا؟

ألم يبع الشاه بلدنا لأمريكا؟!

ألم يعمل صدام علي بيع ايران لاميركا، ولكن علي نحو آخر؟

لقد قلت من قبل، ان الخرائب التي تركها لنا الشاه، ليس بإمكاننا اعمارها، فيما لو سعي كل ابناءالشعب الشرفاء وتوفرت الفرصة لذلك، في اقل من عشرين عاماً. فهل يا ترى يمكن اعمار الدمار الذي خلّفه صدام بأقل من عشرين عاماً؟!

علي الشعب الايراني الشريف، والمسلمين، وجميع الاحرار في العالم، أن يعلموا أنهم لو ارادو الوقوف علي اقدامهم دون التمايل نحو اليسار أو اليمين، وبشكل مستقل عن كل قدرة أو قوة عالمية، عليهم أن يدفعوا ثمناً باهضاً لتحقيق الاستقلال والحرية.

ان تجربة الثورة الاسلامية في ايران، ما كان لها أن تتحقق لولا التضحية بدماء آلاف الشهداء والمجروحين، وتدمير المساكن، وحرق حقول المزارعين، وقتل العديد من الناس في تفجير القنابل، واسر أبناء الاسلام والثورة علي يد جلادي البعث

ص: 72

العراقي، ناهيك عن آلاف الممارسات الأخرى من اساليب التهديد والضغط الاقتصادي والروحي.

ان الشعب الايراني كسب تجربة النضال وحقق الانتصار ضد الكفر العالمي، بعد ان دُمِّرت مسان ابنائه علي رؤوس الاطفال وهم في مضاجعهم، وقد صانوا ثورتهم وبلدهم بفضل التضحيات والمجاهدات التي قدموها في هذا السبيل، واننا نقدم تجاربنا الى كل العالم، ونضع حصيلة نضالنا ودفاعنا ضد الظالمين- دون ادنى طمع- في خدمة السائرين والمجاهدين في طريق الحق. ومما لا شك فيه أن ثمرة انتقال هذه التجارب لن تكون سوى ازدهار النصر والاستقلال وتطبيق احكام الاسلام بالنسبة للشعوب الاسيرة.

فعلي كافة المثقفين المسلمين، ان يخطوا قدماً، بالعلم والوعي، في طريق تغيير عالم الرأسمالية والشيوعية الملي ء بالاشواك والمطبّات.

وعلي جميع الاحرار توعية الجماهير من ابناءالبلدان الاسلامية المظلومة، والعالم الثالث، ممن عانوا من صفعات القوي العالمية، لاسيما امريكا، وهدايتهم الى الطريق الذي يكفل لهم الثأر لكلّ ما تجرّعوه من هذه القوي.

انني اقول بكل ثقة وطمأنينة.

ان الاسلام سيمرِّغ انوف القوي العظمي في وحل المذّلة.

ص: 73

وسيزيل العقبات الكبرى من امام طريقه، في الداخل والخارج، واحدة بعد اخرى، واحدة بعد اخرى، وسوف يقتحم المعاقل الحيوبة في العالم.

وليعلم الشعب الايراني الشريف، بأن الانتصار الذي حققه ابناؤه من الرجال والنساء، لهو غالٍ وباهض الثمن، الى درجة بحيث أن ايران لو دُمّرت تماماً مئات المرات، وعُمّرت ثانية بسعي وفكر ابنائكم الاعزاء، فإنّكم ليس لم تخسروا شيئاً فحسب، بل تفوزون بالعيش الى جانب اولياء الله وتخلدون في العالم الأبدي، والدنيا تغبطكم علي ما انتم فيه، فطوبى لكم.

انني اعلن وبكل حزم، للعالم اجمع: لو اراد الناهبون الدوليون الوقوف بوجه ديننا، فإنّنا سنقف بوجه دنيا هم كلها، وسوف لايقرّ لنا قرار حتي ابادتهم جميعاً. فاما أن نتحرر جميعاً أو نصل الى الفوز الاكبر ألا وهو الشهادة.

وكما استطعنا أن نحقق النصر لثورتنا، رغم عزلتنا وغربتنا ودون دعم أو موافقة أي من البلدان والمنظمات والتشكيلات العالمية؛ وكذلك في الحرب، حيث اننا خضنا معاركها بمظلومية اكثر مما كنّا ايام الثورة، واستطعنا- رغم عدم تلقّينا أي مساعدة من أي بلد اجنبي- أن نلحق بالمعتدين هزيمة نكراء، فكما كان التوفيق حليفنا في كل هذا، فإننا سنواصل المسير في طريقنا الشائك هذا، بفضل ايماننا بالله ونصرته لنا، لنكمل المتبقي منه، اداءً لواجبنا.

فإمّا أن نتبادل التهاني بانتصار الاسلام في انحاء المعمورة،

ص: 74

أو أن ننتقل جميعاً الى الحياة الأبدية والفوز بالشهادة، حيث انّنا نرحب بالموت بشرف. وفي كل الاحوال، فإنّ النصر والتوفيق حليفنا. هذا ولن يفوتنا الدعاء في هذا الطريق.

اللهم! مُنَّ علينا بفضلك بأن تجعل من ثورتنا الاسلامية مقدمة لانهيار قصور ظلم الجبارين، وافول نجم عمر المعتدين في أرجاء العالم.

اللّهم! مُنَّ علي جميع الشعوب، ببركات وألطاف وراثة وامامة المستضعفين والحفاة.

والآن، وبعد كل هذه الاوليات، فإننا نترك الحكم علي هذه الحرب للمسلمين انفسهم، ليتعرفوا، بوحي من بصيرتهم ووعيهم، علي الدوافع الحقيقة للعدوان الذي تعرّضنا له وقدّمنا بسببه الشهداء العظام لدي محضر الحق المتعال، وما كان يدور في خُلد صدام البليد عندما أقدم علي هذا العدوان. كذلك ليتعرفوا علي الدوافع التي تقف وراء استنفار العالم لدعم صدام في السرّ والعلن.

حيث انّ المعتدين وحتي هذا اليوم، لم يواجهوا ازمة في التسليح والامكانات العسكرية والاقتصادية والسياسية. وفي الوقت الذي نرى فيه العالم يتذرع كل يوم بمختلف الذائع لتبرير تجهيزه للنظام العراقي بأحدث الاسلحة وأفضلها، نراه يمتنع عن تسليما للصفقات التي دُفعت اثمانها من قبل، والتي

ص: 75

هي حقّنا المسلّم به.

ولكن، وعلي الرغم من كل هذا، نحن نفتخر بأننا استطعنا أن نحقق النصر في هذه الحرب الطويلة غير المتكافئة، بالاستناد فقط الى سلاح الايمان والتوكل علي الله المتعال، وبفضل دعاء بقية الله [وبالاعتماد علي النفس، وهمّة الرجال الشجعان، وصمود النساء وخدماتهن.

نحمد الله ونشكره علي توفيقه لنا بعدم احتياجنا لأيّ احد، ودون أن تكون أي منَّة لأي بلد أو جهة في اعناقنا، حيث ان ابناءشعبنا المتمرّسين، والمتوكّلين والمستعينين بذات الكبرياء المقدسة، قدوفّقوا، رغم عزلتهم ومظلوميتهم، في التغلب علي الكثير من مشكلات الحرب، من مثل التخطيط للعمليات وتنفيذها، وتعبئة وتدريب القوات، بل وحتي توفير الاحتياجات التسليحية.

وفضلًا عن النجاحات الباهرة المعجزة، التي حقّقوها في ميادين الدفاع عن البلد الاسلامي وطرد المعتدين من آلاف الكيلومترات من ارضنا، فإنهم حققوا انجازات كبرى في الحقل الصناعي من مثل تشغيل المصانع، واحداث تغيير كبير في خطوط الانتاج، واختراع وتصنيع عشرات الوسائل والمعدات العسكرية المتطورة والحديثة؛ هذا وقد تمّ كل ذلك، دون أن يكون هناك أي وجود للمستشارين الأجانب أو الدعم الاجنبي.

ص: 76

وحيث اقتربنا من حافة النصر النهائي، ولم تبق غير الخطوات الأخيرة، تُسمع اصوات غير مألوفةتطلقها افواه الظالمين ومشعلي نار الحرب، تدعو الى السلام، وقد ملأوا العالم ضجيجاً، وأقاموا مآتم العزاء للسلام، وأمسوا مدافعين عن حرية وأمن بني الانسان، وبات يؤلمهم هدر دماء الشباب واضاعة الثروات المادية والمعنوية للبلدين ايران والعراق.

حقاً! ما الّذي حدث يا ترى، حتي اضحي الاستكبار العالمي، وعلي رأسه امريكا، يدافع عن الشعوب؛ وأمسي مثير والحروب، ومشعلو نيران المعارك، وجلاد والقرن، يعتقدون بالشرف الانساني والتعايش السلمي؟

ما الذي حدث، حتي يتخلي هؤلاء عن ظمأهم الذي لايرتوي لسفك الدماء، والذي هو الطبيعة الثقافية للرأسمالية والشيوعية؟.

ما الذي حدث حتي يعمد هؤلاء الي وضع السيوف والخناجر والحراب في اغمدتها، بعد ان كانوا قد أوغلوها في قلوب وافئدة الشعوب؟.

أهو حقيقة ما يدعون اليه، ام خدعة؟.

أليس هو مظهر آخر للغدر والظلم الذي تتطلبه مصلحتهم، فيوم يرونها تتحقق في التزام الصمت، واليوم يرونها في المطالبة بالسلام؟.

ألم يرغب حقاً، الناهبون الدوليون، وعن طريق الحؤول

ص: 77

دون تنفيذنا لضربتنا الأخيرة، في الابقاء علي ارتباط سياسة الحرب والسلم العالمي بقراراتهم وافكارهم الشيطانية العفنة، من اجل حفظ مصالحهم الخاصة، واستمرار احكام قبضتهم- عملياً- علي ارواح واموال وبلدان وأمن شعوب العالم؟!

لاشك، ان سبب وفلسفة اصرار الناهبين الدوليين وضغوطهم علي الشعب الايراني للقبول بالسلام المفروض، ينطلق من هذا التفكر، وفيما لو اغضضنا الطرف عن كل هذا، فان تحديد المطالبين الحقيقيين بالسلام، وممن يريد الحرب حقاً، هو من أولى اهتماماتنا.

أصحيح ان صداماً آسف لما ارتكبه من جرائم واعتداءات وظلم وجور، وهو الآن نادم علي ما فعل، ويطلب العذر، ويعترف بتقصيره ازاء خيانته بحق الشعوب والبلدان الاسلامية، واضغافه للبنية الدفاعية للشعوب الاسلامية؟!.

هل ان دعوة صدام للسلام نابعة من اعماق قلبه ونتيجة لوعيه ويقظته؛ بل اساساً هل بامكاننا أن نتصور إن هذا الافعي الجريحة، ونتيجة لاصابتها وانهاكها، تشبثت بحبل السلام والصلح؟.

والعجيب، ان البعض من ادعياء العقل والسياسة وبُعد النظر، كيف أنهم، بطرحهم الخاص للقضايا وتحريفهم لآيات كتاب الله وبالانتساب الى السنّة النبوية (ص)، يحرفوا مسير عزة وكرامة المسلمين، ويحذّروا شعبنا من

ص: 78

شرف الجهاد.

واننا لنشكر الله ونحمده علي ما انعمه علي الشعب الايراني من وعي وقدرة علي التفكير، بحيث انهم ليس لم يتأثروا بهذه الالقاءات فحسب، بل انهم يعدون هذه المواقف الطفولية البلهاء دليلًا علي ما يعانيه اصحاب هذه التحليلات من نقص وضعف في المبادي ء الفكرية والعقائدية، ويسخرون منها.

أي انسان عاقل لايبالي برسالته ومجتمعه وبلده، ويتخلي عن مقارعة عدوه المحتضر، مع توفر كلّ هذه الظروف المناسبة، وتهيئة المقدمات اللازمة، وتقديم آلاف الضحايا العظام؛ ليوفر لعدوه فرصة اخرى بمهاجمة بلدنا بعد أن يستجمع قواه؟ هل ان الرئاسة في الدنيا لأيام معدودة، تستحق كل هذا الذل والخنوع؟

لقد كان العالم، إبان العدوان، يقترح علينا ان نقبل بشروط صدام وسلطته، ونرضخ لضغوط الصداميين، وذلك للحؤول دون مواصلة اعتدائاته علي بلادنا.

واليوم، واستمراراً لتلك السياسات ولكن بلغة اخرى، وتحت حراب القصف الجوي للاحياء السكنية، والسلاح الكيمياوي، والهجوم علي ناقلات النفط والطائرات المدنية وقطارات المسافرين، يدعونا الى القبول بسلطة القوة واعتداء الصداميين، وقد ادرك كل الواعين في العالم اليوم، ان صداماً ليس لم يعدل ولاقيدا نملة عن خُلقه وطبيعته الوحشية والبربرية

ص: 79

فحسب، بل تحول- وللأسف- ونتيجة لدعم الناهبين الدوليين، وصمت المنظمات والمراكز الدولية، الى ذئب جريح متهور، يتطلع لأثارة الفتنة واشعال نار الحرب بين بلدان المنطقة سيّما الخليج الفارسي.

ومع وجود مثل هذه الظروف، فأنّي احذر زعماء بلدان الخليج الفارسي، وكافة القوي العالمية الشرقية والغربية، وبالأخص امريكا وروسيا، وانذرهم من مغبة التدخل وتصعيد الاحداث، واتخاذ القرارات العجولة.

كما اني انصح العشب الامريكي وانبّهه الى خطر تسليم عنان عقله وارادته، لاسيما فيما يتعلق بأهم الامور السياسية والدولية والعسكرية، بأيدي افراد من مثل ريغان، ذلك لأن ريغان قد أظهر عجزه في اداء مهام عمله واتخاذ القرارات اللازمة لاسيما في الامور السياسية، وهو بحاجة الى استشارة العقلاء والمفكرين، لابعاد الشعب الامريكي من التورط والسقوط.

كذلك، فإني أوصي قادة بلدان الخليج الفارسي، أن لايحقِّروا أنفسهم وشعبهم اكثر من هذا، وذلك من اجل عنصر أعلن عن افلاسه السياسي والعسكري والاقتصادي؛ وأن لايفضحوا ضعفهم وعجزهم بلجوئهم الى امريكا، وأن لايطلبوا العون من الذئاب والوحوش لحراستهم وحفظ مصالحهم.

فالقوي العالمية ومتي ما اقتضت مصالحها، فإنها ستضحي

ص: 80

بكم، وبأقدم وأوفى اصدقائها؛ فلاقيمة للصداقة والعداوة والعمالة والنزاهة عند هؤلاء؛ ليس لهذا الامور مفهوم لديهم، ان مصالحهم هي الملاك في كل الاحوال، وهم يعلنون عن هذا بكل صراحة وفي كل وقت وفي كل مكان.

لعلّه من الانسب لقادة بعض البلدان الاسلامية الأجراء، أن ينبّهوا اسيادهم، وآلهة الثروة والقوة والتزوير، الى هذه الحقيقة وهي أن يكفّوا عن التحدث عن مصالحهم في الخليج الفارسي ليل نهار، ذلك لأن مثل هذا الحديث يؤجِّج مشاعر سكان المنطقة ويجعلهم يتساءلون: ما هي المصالح التي تملكها امريكا وفرنسا وبريطانيا في مياه الخليج الفارسي، التي لاتتوان حتي عن اللجوء الى التدخل العسكري وخوض الحرب، من اجلها؟!.

طبعاً، ان سياستنا بالنسبة للخليج الفارسي تميزت منذ البداية بالصراحة والوضوح، وهي ان الجمهورية الاسلامية تولي اهمية كبرى للأمن في الخليج الفارسي، ولهذا بالذات فإنها رغم توفر جميع الامكانات، البحرية والجوية والبرية المساعدة علي غلق مضيق هرمز، وتوجيه الضربات الى البواخر وناقلات النفط، ومراكز تصدير النفط والمصافي ومواني ء المنطقة المهمة، إلّا أنها لازالت تلتزم بسياسة الصبر وتفضل الانتظار والتروّي والحيلولة دون توسع رقة الحرب، وانها لم تظهر من قدراتها العسكرية واستعدادها إلّا في موارد قليلة اضطرّت فيها للرّد

ص: 81

بالمثل.

وقد ادرك العالم هذه الحقيقة وهي، ان انعدام الأمن في الخليج الفارسي لاتتضرر منه ايران لوحدها، بل ان اقوى قدرة واعظم قوة عالمية وحتي ولو كانت امريكا نفسها، قد عبّأت جميع امكاناتها الجوية والبحرية والجاسوسية الخبرية، وامكانات حلفائها في المنطقة، من اجل المحافظة على ناقلة واحدة وصيانتها من الخطر، فإنها لن تفلح في ذلك، حيث أنها ستغرق في هذه الدوامة من حالة الأمن

ورغم كل تلك المقدمات والاستعدادات، واثارة الضجيج والضوضاء من قبل امريكا في العالم، وجلبها لعشرات المراسلين والمصورين الى المنطقة عسى أن يتمكنوا من ارسال خبر نجاح خططها الخبيثة، إلّا أن الله سبحانه قد هيّأ ارضية افتضاح وذلّ امريكا بأيدٍ غيبة، وأبان للعالم الاقتدار المعنوي لراية «لا اله الّا الله» ودحرها لراية الكفر، وأدخل الفرحة قلوب عباده المخلصين.

ومن الانسب لأمريكا وريغان، أن لايقتحموا ثانية مسير السياسة الملغم في الخليج الفارسي الذي فضحهم في العالم، وان لايركبوا مركب الغرور والجهل، الذي اطاح بصاحبه عشرات المرات حتي الآن؛ وعلي امريكا أن تحافظ- كحدٍ ادنى- علي شبح قدرتها وقوتها لدي عبيدها في المنطقة كالكويت، وأن

ص: 82

لاتخجلهم وتذلّهم اكثر من هذا بسبب هزيمتها واندحارها.

وليطمئنوا، ان استمرار الاضطراب وعدم الأمن في الخليج الفارسي يسوق المنطقة الى بؤرة توتر وخطر يهددهم قبل غيرهم. واذا كانت الدنيا قداعدت نفسها لتحمّل ازمةنفطية، وقلب المعادلات الاقتصادية والتجارية والصناعية، فإنّنا أيضاً قد اعددنا انفسنا وربطنا احزمتنا بقوة، وكل الامور معدّة لتنفيذ العمليات.

وبالتأكيد، ان امريكا قد وصلت الى هذه النتيجة، وهي: ان التدخل العسكري في الخليج الفارسي ليس نزهة، بل هو شرك كبير ولعبة خطرة. واننا، وجميع مسلمي منطقة الخليج الفارسي، ننظر الى التواجد العسكري للقوي العالمية في المنطقة، بأنّه مخطط يمهد لشن هجوم واسع ضد البلدان الاسلامية، والجمهورية الاسلامية الايرانية، ونعتبره استمراراً للدعم المقدّم لصدام.

فعلي مسلمي العالم، وبالتلاحم مع نظام الجمهورية الاسلامية، أن يشدّوا من عزمهم لتوجيه اللّطمة لفم امريكا وتحطيم اسنانها، ويشهدوا تفتّح براعم الحرية والتوحيد والامامة في عالم النبي الاكرم.

بالطبع، يستوجب هنا أن اؤكد مرة اخرى علي هذه النقطة، واوضحها لقادة البلدان الاسلامية المطلة علي الخليج الفارسي،

ص: 83

واقول لهم: ان القاء المخاوف وتضخيم خطر الاسلام والثورة والجمهورية الاسلامية الايرانية بالنسبة لبلدان المنطقة، هي نفسها كانت ولاتزال، الحربة القديمة الجديدة للناهبين الدوليين، عسي أن يتمكنوا من خلالها من الحؤول دون شيوع اجواء التفاهم والتعاون والتعايش السلمي في المنطقة، وبالتالي ترسيخ تصور هم القائل بحاجة هذه البلدان الماسّة الى الشرق والغرب.

ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تتطلع لدعم البلدان والشعوب الاسلامية ومساعدتهم في حل مشكلاتهم، وذلك ضمن اطار حفظ وحدتهم والدفاع عن مصالحهم والعمل علي ازالةبوادر ظهور حوادث سياسية وعسكرية يحرص الاستكبار العالمي علي ايجادها، وذلك بفضل نفوذها وقدرتها. كذلك تتطلع للعمل علي تهيئة واعداد مشاريع قوية ودقيقة تهدف الى التخلص من السلطة السياسة للشرق والغرب والسيطرة عليها.

إلّا أننا نعرف أن هذه المسألة لايمكن أن تنجز مع وجود صدام والحزب العفلقي في العراق، ذلك لأنه كما تخشي القوى العالمية من ائتلاف ووحدة الشعوب الاسلامية، فإن صداماً أيضاً يخشي تعاون ايران مع البلدان الاسلامية.

علي اية حال، ان اصرارنا علي مواصلة الحرب حتي رحيل صدام والحزب الخبيث في العراق، وتحقق شروطنا الحقّة والعادلة، هو تكليف شرعي وواجب الهي لن نتخطاه ابداً. وان شاءالله، وبعد أن

ص: 84

يتحقق لنا ذلك، فإننا وجنباً الى جنب البلدان الاسلامية، سننفّذ السياسة المحكمة والمبدئية التي وضعت لجميع البلدان والشعوب الاسلامية، والتي علي ضوئها ستُصان مصالح الناس من خطر المهاجمين والمعتدين، وسيتّعظ من مصير الصداميين، كل من تسول له نفسه الاعتداء علي حرمة البلدان الاسلامية، ويصون نفسه من غضب وحقد الشعوب.

لا شك ان مصير جميع الأمم والبلدان الاسلامية قد ارتبط اليوم بمصيرنا في هذه الحرب. وان الجمهورية الاسلامية الايرانية هي الآن في وضع يعني الانتصار فيه انتصاراً لجميع المسلمين، والهزيمة فيه- لا سمح الله- تعني يأس وهزيمة وتحقير جميع المؤمنين. وان التخلّي عن شعب وبلد ورسالة كبرى في منتصف طريق الانتصار، يمثل خيانة لاهداف البشرية ولرسول الله. لذا فإن اوار هذه الحرب لن يهدأ في بلدنا إلّا بسقوط صدام، وان شاء الله لم يبق علي تحقيق هذا الهدف إلّا اليسير.

واننا لنحمد الله علي أن حكومتنا ومسؤولينا وجيشنا وحرسنا وقوات التعبئة الجماهيرية وجميع فئات الشعب الشجعان في افضل حالات استعدادهم، انهم جميعاً فرسان حرب وعناصر نشطة في مدرسة العشق والشهادة، وقد خلّفوا وراءهم وبنجاح، مؤامرات الاستكبار وأياديه من الجواسيس والمنافقين، وهم يواصلون الدرب، بعون الله المتعال، حتي يفتحوا آخر معابر النصر.

ص: 85

وفضلًا عن حضورنا المقتدر في الخليج الفارسي والجزر والسواحل والمناطق الغربية والجنوبية، فإننا بادرنا الى تنظيم وتعبئة ابناء الشعب العراقي المظلوم، الذي كان يعد من أهم مطالبنا واهدافنا، لاننا منذ البداية أعلنّا صراحة أن ايران لاتطمع بشبرٍ واحدٍ من الارض العراقية، وان الشعب العراقي حُرّ في اتخاذ قراراته وانتخاب حكومته، وكم هو مناسب أن ينتخب الشعب العراقي حكومته بنفسه قبل أن يسقط الحكم البعثي في العراق بشكل تام علي ايدي ابطال الاسلام الشجعان في جبهات الحرب.

ولله الحمد، فإن ملامح هذه الحركة الكبرى قد لاحت في الافق، وعلي القوي العالمية وحماة النظام البعثي الذي يوشك علي الزوال، أن يطمئنوا، ان تدويل الحرب والعمل علي ايجاد اجواء الضغط، واختلاق الاحداث السياسية والاعلامية و الدبلو ماسية ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية في العالم، والتداخل العسكري وغير العسكري في الخليج الفارسي، والتضخيم الكاذب للمشكلات والاختلافات، وترديد التحليلات غير المجدية والخاطئة، كل هذا لن يمنعنا عن مواصلة طريقنا حتي تحقيق هدفنا باسقاط صدام وحزب البعث في العراق ومعاقبة المعتدي.

وسنقاوم، بلطف الله، الحصار العالمي وكل الضغوطات

ص: 86

وصولًا للهدف الاكبر، ولن نتعب من خوض الحرب في طريق الله. وها هو الشعب الايراني الكبير، يقف بشموخ علي قمة الشهادة والايثار، وان نشاطه وتحركه وهتافه يزداد يوماً بعد آخر لمواصلة الطريق.

بالطبع قد يكون هناك من يتحدث، من (المتغرّبين) وعبيد الغرب الجنباء، ممّن لم يكن لهم وجود لا في ساحات الدفاع منذ بداية الحرب وحتي اليوم، ولا في ميدان تقديم الخدمات لحماة الوطن وصانعي الملاحم، ولن يكون لهم توفيق الحضور بين صفوف جنود الرحمن مستقبلًا، وبدافع من تقديم الخدمات لأسيادهم وتطمينهم، يتحدثون عن تعب الناس ووصول الحرب الى طريق مسدود، عسي أن يتمكنوا- وفقاً لتصورهم هم الواهي- من حرف الافكار عن الحرب، أو علي الاقل، اقناع اولئك المتواجدين خارج البلاد، بأن الناس والمسؤولين والجيش والحرس وقوات التعبئة، قد أنهكتهم الحرب واستمرارها، أو ان الخلاف قد دبَّ فيما بين المسؤولين بشأن الحرب.

في حين اننا، وبفضل الله ولطفه، في الجمهورية الاسلامية لايوجد هناك مكان للخلافات في الامور المبدئية والسياسة والعقائدية، وان الجميع مصمّمون علي مواصلةالدرب حتي يعمّ العالم الاسلامي التوحيد الخالص، وسوف نرمي رأس العدو بآخر حجر حتي يتحقق نصر الاسلام في العالم في غدٍ ليس ببعيد.

ص: 87

لله الحمد، فإن هذا البلد، بلد رسول الله (ص)، يمتلك اليوم ملايين الشباب المتطوع للحرب والشهادة، وان ما يشغل شعبنا ويملأ قلبه هو رضا الحق وحده، ولهذا بالذات فهم يتلذّذون ببذلهم المال والارواح والأبناء في سبيل الله، وقد اضحي مِلاك التقييم والتفاضل عندهم التقوى والتسابق في الجهاد، وهم متنفرون من تفرعن وانانية الجاهلية القديمة والجديدة، وأنا اعتبر نفسي خادماً لمثل هذا الشعب وافتخر لهذه الخدمة، واعتبر أن كل هذه البركات المعنوية هي من ألطاف اهتمام النبي، الذي كان رحمةللعالمين، وخاتم المرسلين (ص). وأنا ادعو أبناء وشباب البلدان الاسلامية، الى سبرغور ومعرفة حصيلة الفضيلة والتقوى هذه، والسعي لاقامة العلاقات الودية والاخوية معها.

وفي هذه المناسبة، اذكّر جميع مسؤولي البلاد بهذه الامور:

لا وجود- في تفاضل الملاكات- قيمة وملاك اهم من التقوى ( (1)) والجهاد في سبيل الله ((2) )، وينبغي أن يكون هذا التفاضل المعنوي والالهي هو المعيار في الانتخاب، ومنح الامتيازات للاشخاص، والاستفادة من الامكانات، وتعيين المسؤولين


1- سورة الحجرات/ 13. أمالي الصدوق/ ص 193. فروع الكافي/ ج 8/ ص 181/ ح 203. امالي الطوسي/ ج 1/ ص 229
2- سورة النساء/ 95. سورة التوبة/ 20.

ص: 88

والمتصدّين لادارة البلاد. حيث يجب أن تكون هذه المعايير بديلًا عن كل السنن والمعابير المادية و (الاهواء) النفسية الخاطئة. يجب أن تكون هذه الحالة هي السائدة سواءفي زمن الحرب أو السلم، اليوم أو غداً، لأنّ الله سبحانه قدأقرّ هذا الامتياز.

كما أن الاكتفاء بمنح الامتيازات اللفظية والعرفية لايغني شيئاً، فلابدّ من ادخالها في صلب القوانين والمقررات، ناهيك عن تجسيدها في العمل والمعتقد والسلوك في المجتمع.

ولابد من تفضيل مصلحة الكادحين والمتألمين، وروّاد الجبهات، والمنجبين للشهداء والاسرى والمفقودين والجرحي، وفي كلمة واحدة لابدّ من تقديم مصلحة الحفاة وسكان الاكواخ والمستضعفين علي مصلحة المنزوين في مساكنهم ومنازلهم، من المتمولين والمرفهين الهاربين من الجبهةوالجهاد والتقوى والنظام الاسلامي.

ولابد من المحافظة علي شرف وحيثية طلائع النهضة المقدسة وحرب الفقر والغني هذه، وهي مسؤولية في اعناق كل جيل ينقلها الى الجبل الآتي.

يجب السعي للحفاظ علي الوجه المُشرق لثورتنا في عدائها للكفر ومحاربتها للفقر، والحؤول دون الاساءة اليه من قبل العناصر المشبوهةالتي باعت دينها بدنياها، وذلك بإلصاقهم وصمة عار الدفاع عن المرفهين الذين لايعرفون الله،

ص: 89

بالمسؤولين.

كما يجب أن لايسمح للعناصر التي فضّلت الدّعة والراحة في مساكن مرفهة مجللة، ولم تهزها الآلام والمعاناة والمصائب التي تحمّلها الحفاة المحرومون، الذين شكّلوا صرح الثورة الشامخ، بل اكتفوا بمراقبة الاحداث عن بعد، ولم يكلفوا انفسهم مشقة الاقتراب من النار قليلًا، يجب أن لايسمح لهؤلاء بتقلد المسؤوليات الحكومية الاساسية، لأنهم إن حصلوا علي مثل هذه المناصب فإنهم لايتورعون عن بيع الثورة خلال ليلة واحدة والتفريط بثمار كل تلك الاتعاب والآلام التي تحملها الشعب الايراني، لأنهم لم ولن يدركوا أبداً عظمة الطريق الذي سلكه الشعب، ولم يشهدوا الجنايات المروعة لاعداء الله بحق مسؤولي النظام وأبناء الشعب، وهم يجهلون اساساً ما عاناه المناضلون من تغرّب وآلام، وما تحمّله المجاهدون من تشرّد واضطراب، وما قُدّم في هذا الطريق من تضحيات من أجل القضاء علي ظلم الاجانب.

3- نظراً للمسؤولية الخطيرة التي يضطلع بها علماءالدين والمدراء ومسؤولو قوافل الحج المحترمون، في ادارة وارشاد الحجاج الكرام، ونظراً للظروف الاستثنائية التي تمرّ بها الجمهورية الاسلامية الايرانية فإن عليهم:

أن لايألوا جهداً وهمّة في اقامة مراسم الحج بشكل سليم ومنظّم، وأن يأخذوا علي عاتقهم مسؤولية تعليم حجّاج بيت الله

ص: 90

المحترمين مسائل الحج واداء مناسكه، برحابةصدر وبعيداً عن كل منّة أو توقّع.

كما أن عليهم أن يعدّوا البرامج بما يتناسب ومختلف الفئات التي تضمّها قوافل الحجيج، وأن لايغفلوا عن الدور البنّاءوالتأثير الكبير الذي يمكن أن يتركه الحج بشكل دائم علي مصير الانسان، وذلك لأنه في مثل هذه الاجواء المعنوية، تكون القلوب مهيّأة للتحول وقبول الحق، ومن هنا فإن عليهم أن يمتنعوا عن تنفيذ آرائهم الخاصة في شؤون الحج، لاسيما في المسائل والمناسك، وأن لايكون لهم رأي في مسائل الحج إلّا بعد العلم واليقين، واذا كانت هناك موارد موضع ترديد فعليهم مراجعة ممّن هو مطّلع أو مراجعة المصادر الفقهية. ذلك لأن المسائل الحديثة وموارد الابتلاء كثيرة في اعمال ومناسك الحج، وان التوضيح الناقص والخاطي ء- لا سمح الله- يؤدي الى بطلان الاعمال، ومعاناة الحجاج المحترمين للعسر والحرج.

هذا وينبغي علي علماء الدين الاعزاء، وهم يطرحون المسائل بشكل واضح ودقيق، أن يتجنبوا طرح الموارد التي تثير الوساوس في النفوس، وتجعل الحجاج في حالات من الشك والترديد واتخاذ الحيطة غير اللازمة، ذلك لأن الوسوسة في البرنامج والمراسم والعبادات والأدعية، تأخذ بصاحبها الى الخمول والغفلة عن الواجبات.

ص: 91

كما أن هذه المناسبة، من الفرص الثمينةالتي توفر لعلماء الدين امكانية اللقاء بذوي الرأي والمفكرين وعلماء البلدان الاسلامية، والاتصال بهم وتعزيز اواصرهم. وعلي الرغم من ان الاستكبار العالمي، وقادة بعض البلدان الاسلامية، يهابون بشدة مثل هذا اللقاءات والاواصر، ويسعون لعدم تحققها ومراقبتها بدقة، إلّا أن التخطيط السليم والاستفادة المثلي من هذه الفرصة المواتية لتبادل الافكار والآراء، والبحث عن حلول لمعضلات المجتمعات الاسلامية، يعتبر من اهتمامات الجمهورية الاسلامية، لذا فإن علي علماءالدين العظام ومسؤولي الاعلام والتبليغ في الحج، أن يغتنموا هذا الفرصة ويلعبوا دوراً بناءً في نقل تجارب الثورة، وتوضيح المناهج السياسية الاصيلة وفقاً لاحكام القرآن، وتعريف الدور البارز لعلماء الدين الاسلامي في قيادة الناس والمجتمع.

ان ما يؤسف له، هو أن الشعوب الاسلامية لم تكن لوحدها بعيدة عن اداء دورها البنّاء والمصيري الفاعل في الشؤون اليومية والسياسات الدولية، بل أن علماء الدين في البلاد الاسلاميةهم أيضاً كذلك، وتبعاً لتأثرهم بالالقاءات والتصورات المادية، فهم يعتقدون أن نفوذ علماءالدين قدانحسر في عصر الحضارة والرقي والتكنولوجيا والصناعة والتحولات العلمية والتقدم المادي، وان الاسلام عاجز عن ادارة البدان- والعياذ بالله-.

ص: 92

إلّا ان انتصار الثورة الاسلامية في ايران- ولله الحمد- اثبت عكس هذه التصورات تماماً. وعلي الرغم من كل العراقيل والعقبات والمؤامرات التي حاكها الشرق والغرب، وحسد وحقد عملائهما، فإن قدرة وكفاءة علماء الدين المسلمين قد بانت للجميع. وأنا ادعوا كل العلماءوالفكرين الاسلاميين في شتي انحاء العالم، أن يسافروا الى ايران الاسلامية العزيزة في الفرص المؤاتية، ويفكروا قليلًا في ماضي هذا البلد، الذي كان النظام الشاهنشاهي قد حوّله الى بلدٍ متغربٍ خالٍ من القيم الاسلامية، حيث كانت ايران علي وشك أن تتحول الى مركز للقضاء علي الاسلام ومحو آثار الرسالة، وبالتالي ابادة كل شي ء اسلامي فيها ابتداءً من التاريخ والثقافة وبقية المظاهر الاسلامية. ويقارنوا ذلك بما هو موجود الآن، حيث أن قوانين ومقررات هذا البلد تستلهم اليوم من الوحي والاسلام؛ وقد ازيلت- قدر الامكان- كلّ مظاهر الكفر والشرك والمعاصي العلنية.

وعلي الرغم من كل النغمات المشؤومة للالتقاطيين، واليساريين، واليمينيين، والقوميين، التي كانوا يرددونها في الايام الاولى لانتصار الثورة للاستحواذ علي قوة وتفكر الشعب الايراني، إلّا أن الله تعالى مَنَّ علينا بكشف مؤامراتهم، وأخذت القوانين والبرامج الاسلامية في طريقها للاجراء والتنفيذ في كافة انحاءبلدنا في الوقت الحاضر، وهي لم تقتصر علي مجال دون

ص: 93

آخر بل شملت مختلف مؤسسات البلاد بدءً من ساحات الحرب والقتال وحتي مراكز التحقيقات العلمية والجماعات والحوزات الدينة. ومن مجالس التقنين وتدوين كافة المقررات المدنية والعسكرية، وحتي السلطة التنفيذية، التي تضطلع بمهمة حل اكبر المسائل الادارية والتنفيذية لهذا البلد الكبير، الذي يخوض حرباً، ويعاني من الحصار ويقطنه اكثر من خمسين مليون شخص.

وهكذا أيضاً من السلطة القضائية، التي تضطلع بمسؤولية اجراء الحدود والاحكام الإلهية، وهي في الحقيقة تتحمل عبثاً ثقيلًا يتمثل بتوفيرا لأمن للارواح والاعراض والاموال الخاصة لافراد مجتمع ثوري، وحتي قيادة القوات المسلحة والقوات الانتظامية التي تتعهد بمسؤولية صيانة الحدود وحفظ الأمن في الداخل، وكشف وابطال مئات المؤامرات المتعددة الاشكال، والوقوف بوجه الاعمال التخريبية، وجرائم المنافقين، واعداء الثورة، والعناصر التي تشيع الفحشاء والمنكرات والسرقات والقتل والمخدرات وغيرها.

ان كل تلك المؤسسات والمراكز المهمة تُدار الآن بقيادة علماءالدين الملتزمين، وببركة احكام الاسلام النورانية، والكتاب السماوي الذي جاءبه النبي الاكرم محمد بن عبدالله (ص)، واقتفاءً لنهج ائمة الهدى (ع).

واننا لنحمد الله علي توفيقه لنا للأخذ بآيات الوحي وكتاب

ص: 94

الله، وانقاذ بلدنا من التبعية.

طبعاً، أمامنا طريق طويل حتي نتمكن من تطبيق جميع احكام ومقررات الاسلام، والعمل بها في جميع شؤون المجتمع، ولكن بفضل الله وعونه سنستمرّ في سعينا وجهدنا، وسنثبت عملياً لجميع المتأثرين بالغرب والشرق، وللمهزومين الذين يخشون من طرح شعار الاسلام ولايثقون بإعتمادهم علي القرآن، أنه كيف يمكن اشباع المجتمع من ينابيع معرفة كتاب الله وهدي الاسلام العزيز، والذي هو من بركات دخول علماء الدين المعترك السياسي واستنباط الاحكام للمسائل المستحدثة. حيث ان علماء الدين في ايران لم يكتفوا بالخطابة والوعظ وذكر المسائل اليومية، بل استطاعوا وبفضل اقتحام المعترك السياسي لبلدهم وللعالم، أن يبرهنوا علي كفاءة علماء الاسلام في الامور الادارية، وقد كان في ذلك اتمام حجة علي كل المنادين بالسكوت، والمساومين غير الملتزمين، وباعة العلم بلا عمل.

وانني لأعجب، كيف أن الكثير من علماءالدين في البلدان الاسلامية يغفلون عن دورهم العظيم ورسالتهم الإلهية والتاريخية في هذا العصر، الذي تعاني فيه البشرية من ظمأ للمعنويات والاحكام الاسلامية النورانية، ولايدركوا عطش الشعوب، ويجهلوا ما تعانيه المجتمعات الانسانية من شوق ولهفةالى قيم الوحي، ولم يتوجهوا لقدرتهم ونفوذهم المعنوي.

ص: 95

ففي مثل هذه الظروف الخاصة، التي تميزت بحاكمية العلوم والحضارة المادية علي الجيل المعاصر، يتمكّن علماءوخطباء وائمة الجمعة في البلاد والمثقفون الاسلاميون، ان يسخروا الدنيا لنفوذ وحاكمية القرآن، إن التزموا بالوحدة والانسجام، وأحسوا بمسؤولية واجبهم الكبير في هداية وقيادة الناس. وبذلك سيفلحون في الوقوف بوجه الفساد والاستغلال وتحقير المسلمين. وعندها سيحولون دون تغلغل الشياطين الصغار والكبار، ولاسيما امريكا، في البلدان الاسلامية.

كما أنه يفترض بهم أن يشغلو أنفسهم بالتحقيق ونشر احكام الاسلام النورانية بدلًا من الانشغال بزرع الفرقة والنفاق بين صفوف المسلمين، والمدح والثناء لسلاطين الجور، وتشويه قضايا الاسلام في نظر المستضعفين، حيث أنه بإمكانهم أن يستفيدوا من هذا البحر المتلاطم للشعوب الاسلامية لترسيخ عزّتهم، واعادة الاعتبار والشأن للامة المحمدية (ص).

أليس من العار علي علماء البلدان الاسلامية، ان تطبق احكام ومقررات الكفر في بلدانهم الخاضعة لسلطة نفوذهم، رغم امتلاكهم للقرآن الكريم والاحكام النورانية للاسلام والسنّة النبوية (ص)، واحاديث الأئمة المعصومين (ع)، وتنفذ فيها القرارات التي يمليها اصحاب السلطة

ص: 96

والثروة والمخالفون الحقيقيون للاسلام والمسلمين، وما يأمر به سياسيو واشنطن والكرملين للبلدان الاسلامية؟.

لذا يتوجب علي علماء الدين في البلاد والدول الاسلامية:

التباحث والتشاور وتبادل وجهات النظر فيما بينهم بشأن الحلول المناسبة لمشكلات ومعضلات المسلمين، وايجاد السبل الكفيلة لخلاصهم من نفوذ سلطات الحكومات الجائزة. عليهم أن يجعلو من صدورهم دروعاً لصيانة وحفظ مصالح المسلمين، وأن يقفوا بوجه الحملات الثقافية المبتذلة للشرق والغرب، التي تهدف للقضاء علي حرث ونسل الشعوب.

علي العلماء توعية ابناء شعبهم، الى الآثار السيئة والنتائج المترتبة علي انهزامهم وتراجعهم أمام احابيل الغرب والشرق. كذلك عليهم تحذير الشعوب والحكومات من خطر الاستعمار الحديث، وشيطنة القوي العالمية، التي اشعلت فتيل الحرب وابادة المسلمين في العالم.

انّني اؤد مرة اخرى، ان العالم اليوم متعطش لحقائق الاسلام واحكامه النورانية، وقد تمت الحجة الإلهية علي جميع العلماء وطلبة العلوم الدينية.

عند ما يجسد شباب البلدان الاسلامية عملياً، استعدادهم للشهادة من اجل الدفاع عن مقدساتهم الدينية، وكيف أنهم لايبالون في خوض بحر الحوادث والبلايا وتحمل السجون

ص: 97

والعذاب، من اجل دفع المعتدين والمتجاوزين، كما هم المسلمون الشجعان والمناضلون الاعزاء من حزب الله لبنان وباقي البلدان، حيث قاوموا الاعتداء وانتفضوا للجهاد ضد المعتدين؛ فأي حجة اكبر من هذه، وأي عذر بقي لاولئك كي يتذرعوا به للبقاء علي سكوتهم والتزامهم بيوتهم وتقيتهم، ووقوفهم موقف المتفرج.

لو تأخر علماءالاسلام الملتزمون وطلبة العلوم الدينية، عن المبادرة، فإن الامور ستفلت من ايديهم.

طبعاً، نحن نقدّر ما يعانيه بعض العلماء والملتزمين في مدنهم وبلدانهم، من ألم العزلة وحصار الحراب المفروض عليهم، وما توجده تحليلات وفتاوى علماء السوء الباطلة من ضغوطات عليهم؛ ولكننا نذكّر جميع هؤلاء الاعزة، الذين تلاحقهم حراب الجبابرة، بموعظة الله، حيث يقول جلّ من قائل: (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) أي أن تقوموا لله، ولاتهابوا الوحدة والغربة.

ولايخفي أن المساجد هي من افضل المعاقل، والجمعة والجماعات، من انسب الاماكن لعرض وتوضيح مصالح المسلمين.

فعلي الرغم من أن الحكومات وعملاء القوي العظمي، قد عمدت اليوم الى محاربة المسلمين بشكل جاد، كما هي الحكومة

ص: 98

الهندية، حيث اقدمت علي قتل المسلمين الابرياء والمساكين الأحرار قتلًا عاماً، إلّا انهم لايجرأون ولايتمكنون من غلق مساجد ومعابد المسلمين بشكل دائم، ليس بإمكانهم أن يطفئوا نور العشق والمعرفة لملايين المسلمين، بل حتي وإن اغلقوا المساجد والمراكز الدينية والسياسية لعلماءالاسلام، واعدموا علماءالاسلام أمام الناس، فإن مثل هذا بحد ذاته لدليل علي مظلومية الاسلام، وأنه سيؤدي الى ارتباط المسلمين اكثر فأكثر بعلمائهم والسير علي خطاهم.

أو ليس الله قد أخذ عهداً علي العلماء أن لايسكتوا ولايركنوا الى ظلم الظالمين وجور المجرمين؟. ( (1))

أو ليس العلماء حجج الانبياء والمعصومين علي الارض؟!. ((2))

لذا يتوجب علي العلماء والمثقفين والمحققين أن يلبّوا دعوة الاسلام، وينقذوه من الغربة التي جروّه اليها، وأن لايتحملوا الذل والتحقير اكثر من هذا. وليحطموا صنم السيادة المفروض من قبل الناهبين الدوليين، حتي يظهر، بفضل بصيرتهم وحنكتهم، وجههم المنير والمقتدر.

وفي هذا السياق، عليهم أن يسعوا الى طرد المتلوّنين، والمتلبسين بلباس علماء الدين، والذين باعوادينهم بدنياهم،


1- نهج البلاغة لفيض السلام/ ج 1/ ص 52/ الخطبة الشقشقية
2- اصول الكافي/ ج 1/ ص 32/ ح 2 و ص 67/ ح 10.

ص: 99

ومثيري الاقاويل، من بين صفوفهم. وأن لايسمحوا لعلماء السوء والمتملّقين، بالعمل علي فرض الظالمين وتحكيم سلطتهم بدلًا عن القادة المعنويين للامة الاسلامية، وذلك بالإستفادة من المكانة المعنوية لعلماء الاسلام.

علي علماء الاسلام المتلزمين، أن يُنبِّهوا الى خطر علماءالسوء ووعاظ السلاطين العظيم الذي يهدِّد المجتمعات الاسلامية، لأن هؤلاء الجهلة هم الذين يبرّرون حكومة الجبابرة وظلم القادة العملاء، ويحولون دون مطالبة المظلومين بحقوقهم الحقة؛ كما أنهم يضطلعون، عند الحاجة، بمهمة تكفير المناضلين والاحرار السائرين علي نهج الله، واتهامهم بالفسق، من خلال فتاواهم.

نسأل الله أن ينقذ جميع الشعوب الاسلامية من شرور وظلم هؤلاء غير المؤهلين بائعي الدّين.

ومن المسائل المهمة جداً، التي تقع مسؤوليتها علي عاتق العلماء والفقهاء وطلبة العلوم الدينية، مسؤولية التصدي وبكل حزم، للثقافة الظالمة والمنحطة لكل من الاقتصاد الشرقي والغربي، وخوض النضال ضد السياسات الاقتصادية للرأسمالية والاشتراكية في المجتمع.

علماً ان هذا البلاء قد عمّ جميع شعوب العالم، وفي الواقع قد فرض استعباداً جديداً علي كافة الامم، وباتت حياة المجتمعات البشرية ومعيشتها اليومية مرتبطة بقادة السلطة والثروة، حيث

ص: 100

سلبوها حق اتخاذ القرار في الشؤون الاقتصادية العالمية؛ وهي اليوم تعاني الفقر والحرمان رغم كل ما تملكه من الموارد الطبيعية الغنية، والاراضي الخصبة، والمياٍه، والبحار، والغابات والثروات.

وقد عمد كل من الشيوعيين، واصحاب الثروات والرأسماليين، الى سلب عامة الناس حق الحياة والمبادرة والعمل، وذلك عن طريق اقامة العلاقات الوثيقة مع الناهبين الدوليين.

كما أنهم عمدوا، عن طريق تأسيس المراكز الاقتصادية المتعددة الجنسيات، الانحصارية، الى احكام سيطرتهم علي نبض الاقتصاد العالمي، والتحكم بمختلف طرق التصدير والاستخراج والتوزيع والعرض والطلب، بل وحتي تسعير البضائع وادارة المصارف.

وقد عملوا، عن طريق إلقاءأفكارهم وتحقيقاتهم المصطنعة، علي اقناع الجماهير المحرومة بعدم امكانية الحياة دون سلطتهم، وإلا فإن حياةالفقر والحرمان مصيرهم المحتوم؛ متذرعين بأن سنّة الخلق وطبيعة المجتمع الانساني تقضي ذلك، بحيث تبقي الاغلبية العظمي من الجياع في حسرة لقمة الخبز وتموت وتنتهي، مقابل عدّة معدودة يتخمها البذخ والاسراف.

علي أية حال، انها مصيبة فرضها الناهبون الدوليون علي البشرية، وقد عانت منها البلدان الاسلامية بسبب ضعف الادارة

ص: 101

وعمالة المسؤولين.

وهنا تقع المسؤولية الكبرى علي عاتق علماءالاسلام والمحققين والخبراء المسلمين، وذلك بأن يعملوا علي تغيير النظام الاقتصادي غير السليم السائد في العالم الاسلامي، عن طريق وضع الخطط والبرامج البناءة التي تحقق مصالح المحرومين والحفاة، وبالتالي تخليص عالم المستضعفين والمسلمين، من العوز وفقر المعيشة.

طبعاً، ان تحقيق اهداف الاسلام في العالم، ولاسيما برامجه الاقتصادية، ومواجهة الاقتصاد المريض للرأسمالية الغربية والاشتراكية الشرقية، لايمكن له أن يتم ما لم يتحقق حاكمية الاسلام المطلقة، وان اجتثاث الآثار السيئة والمخربة لذلك، بعد استقرار نظام العدل والحكومة الاسلامية يحتاج الى وقت طويل، كما هو الحال بالنسبة للجمهورية الاسلامية الايرانية.

إلّا أن وضع الخطط والبرنامج، واستعراض اهداف وابعاد الاقتصاد الاسلامي، التي ترمي الى الحفاظ علي مصالح المحرومين وتوسيع مشاركتهم العامة، ومقارعة اصحاب الثروات غير المشروعة، يمثل اكبر هدية وافضل بشرى لتحرير الانسان من اسر الفقر والعوز.

كما أنه يوضح هذه الحقيقة وهي، ان اصحاب الثروة، في ظل الحكومة الاسلامية، لايتمتعون بأي امتياز أو افضلية من هذه

ص: 102

الناحية علي الفقراء، وليس لهم أية اولوية في هذا الجانب؛ ولايخفي ما لذلك من دور في تفتح ونموّ الاستعدادات والكفاءات المضمورة والمضيعة للحفاة.

ومما يذكر في هذا الصدد هو أنه لايحق للاغنياء أن يستفيدوا من امكاناتهم المالية للنفوذ في الجهاز الحكومي والتأثير علي مسؤولي البلد الاسلامي، أو تسخير مالهم وثروتهم كذريعة للفخر والتباهي، ووسيلة لفرض افكارهم ومطاليبهم علي الفقراء والمحتاجين والكادحين.

وبذلك، سيكون اكبر عامل يساعد علي تعاون الناس واشراكهم في الامور، والأخذ بهم نحو الاخلاق الكريمة والقيم المتعالية بعيداً عن التملّق، وعندها سيتنبه البعض من اصحاب الثروة الى بطلان تصورهم من أن امتلاكهم للاموال والامكانات دليل علي منزلتهم عند الله.

خلاصة الكلام:

ان حقيقة الأمر هي أن الافضلية والامتياز في الحكومة الاسلامية لمن يتملك التقوى وليس لمن يتملك الثروة والمال والسلطة.

لذا يتوجب علي جميع المدراء، والمسؤولين، والقادة، وطلبة العلوم الدينية في نظام حكومة العدل، أن يقيموا مجالس

ص: 103

التعارف والتآلف والصداقة، مع الفقراء والمحتاجين والحفاة، ويتحادثوا ويتسامروا معهم اكثر من غيرهم من المرفهين والمتمولين. حيث أن التواجد مع المحتاجين والحفاة والمساواة معهم، يعتبر فخراً كبيراً ناله الأولياء؛ وبذلك في الواقع، تفويت للفرصة علي مثيري الشبهات والإلقاءات. ولله الحمد فإن ارضية مثل هذا التفكر في طور التطبيق في الجمهورية الاسلامية.

كذلك، فان المسؤولين الايرانيين المحترمين، وعلي الرغم من الحصار الاقتصادي الشديد الذي فرض عليهم، قد ركّزوا كل جهودهم ومساعيهم للقضاء علي الفقر في المجتمع، حيث أن من أماني وآمال شعبنا ومسؤولينا ابادة الفقر والعوز من مجتمعنا، ليتسنّي لشعبنا العزيز، الصبور والغيور، العيش برفاه في حياته المادية والمعنوية.

نسأل الله أن لايرينا ذلك اليوم الذي تتخلي فيه سياستنا وسياسة مسؤلي البلاد عن الدفاع عن المحرومين ( (1))، وتتطلع لدعم الرأسماليين، وتولي الاهمية للاغنياء والمتمولين اكثر من الآخرين. ((2) ) معاذ الله أن يتسق هذا السلوك مع نهج الانبياء وسيرة اميرالمؤمنين والائمة المعصومين (ع). ( (3))


1- سورة الانعام/ 52
2- سورة الحجر/ 88
3- نهج البلاغه لفيض الاسلام/ ج 1/ ص 121. فروع الكافي/ ج 5/ ص 56/ ح 2.

ص: 104

انَ حجر علماءالدين الطاهر مُنزّه من هذا الأمر، ولابد أن يبقي منزّهاً الى الأبد، وهو من مفاخر وبركات بلدنا وثورتنا وعلمائنا حيث انتفضوا دفاعاً عن الحفاة، واحيوا شعار الدفاع عن حقوق المستضعفين.

وطالما كان القضاء علي الحرمان من معتقداتنا واسلوب حياتنا فإن الناهبين الدوليين لم يتركونا لشأننا في هذا المجال أيضاً. فمن اجل الحؤول دون توجه حكومتنا ومسؤولينا لذلك، ضيّقوا الخناق وشدّدوا من طوق الحصار علينا، واظهروا بغضهم وحقدهم وخشيتهم وخوفهم من هذه الحركة الجماهيرية والتاريخية، وذلك عن طريق حياكة وتنفيذ آلاف المؤامرات السياسية والاقتصادية.

لاشك، ان الناهبين الدوليين بالقدر الذي يخشون اهتمامات الاسلام وروحه الاقتصادية المتضمنة للدفاع عن الحفاة، هم يرهبون الاندفاع نحو الشهادة وبقية قيم الايثار التي ترسخت في شعبنا. وبالتأكيد، كلما تحرك بلدنا باتجاه القضاء علي الفقر والدفاع عن المحرومين، كلما انقطع أمل الناهبين الدوليين، وتضاعف تمايل الشعوب العالمية نحو الاسلام.

وعلي علماء الدين الاعزاء أن يلتفتوا الى اهمية هذا المبدأ، ويحافضوا علي الفخر التاريخي الذي حققوه منذ اكثر من ألف عام، وهو كونهم ملاذاً للمحرومين، وأن يوصوا المسؤولين

ص: 105

وابناء الشعب دوماً بأن علينا أن لاننسي اهتمام المحرومين وتعاطفهم المخلص مع الثورة، ودفاعهم المستميت عن الاسلام، وان لاندع ذلك دون جواب.

طبعاً، لايخفي أن جميع طبقات الشعب كان لها دور في هذه الثورة، وقد اشترك الجميع في انجاحها من اجل الله ومن اجل اداء تكليفهم الإلهي. الهدف هو الله، ولن يلوثو، ابداً، آمالهم الإلهية المتعالية بالمسائل المادية، ولن يتخلّقوا عن واجبهم رغم كل المعاناة، لأن من يضحي بروحه وماله من اجل الله، لن يتوقف عن مواصلة المسير بسبب الدنيا والبطن.

ان واجبنا وواجب جميع المتصدين للامور، هو خدمة هذا الشعب ومشاركته افراحه واتراحه ومعاناته، لانّنا نعتقد أن ليس هناك عبادة أفضل من خدمة المحرومين.

نعم كيف لانفتخر بالحفاة، وسكنة الطوامير، وطبقات المجتمع ذوي الدخل المحدود، وها هم قد وُفِّقوا في الامتحان، وبان التزامهم بالاحكام الاسلامية الى الحد الذي يضحون فيه بخيرة شبابهم وأعزتهم وبكل وجودهم، وقد تواجدوا في مختلف الاحداث وان شاءالله سيستمر هذا التواجد، وتستمر تضحياتهم في سبيل الله. لم لانفتخر بخدمة عباد الحق المخلصين مفاخر تاريخ البشرية؟.

لقد قلنا وها نحن نكرر ما قلناه: ان شعرة واحدة من رأس

ص: 106

سكنة الاكواخ والمنجبين للشهداء، اشرف وافضل من كل قصور العالم وساكنيها.

هذا وبقي أن اذكّر هنا، بعد شكري للعلماء وطلبة العلوم الدينية، وللحكومة المتفانيةفي خدمة المحرومين، بضرورة تحلي العلماء وطلبة العللوم الدينية المتلزمين المسلمين، ببساطة العيش والزهد، وانني ألتمس بكل تواضع وبروح ابوية، من ابنائي واعزتي طلبة العلوم الدينية، واطلب منهم أن لايتخلّوا عن زيّهم الروحاني، بعد أن منَّ الله سبحانه علي العلماء وطلبة العلوم الدينية ووفّقهم للتصدي لادارة بلد كبير وتبليغ رسالةالانبياء، وأن يحذروا من التعلّق بزخارف الدنيا التي هي اقل بكثير من شأنهم وشأن نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية.

كما أن عليهم أن ينتبهوا، الى أنه ما من آفة وخطر يضرّ بدنياهم وآخرتهم أعظم من الانشغال بمتاع الدنيا وبهارجها، ورغم أن علماء الاسلام الملتزمين، قد ادّوا- ولله الحمد- امتحان الزهد بنجاح، إلّا أن اعداء الاسلام واعداء علماء الدين، الألدّاء، لن يتخلوا عن الاساءة الى الصورة المشرقة لحاملي مشعل الهداية والنور، وسوف يتذرعون بأقل حجة من اجل خدش مقامهم الرفيع؛ وان شاءالله لن يوفقوا الى ذلك.

اما بالنسبة للحجاج الايرانيين المحترمين- الذين اثبتوا بحق، خلال مواسم حج السنوات الماضية، شخصيتهم ومكانتهم ووعيهم

ص: 107

السياسي والاجتماعي، وحفظوا بذلك سمعة ومكانة الجمهورية الاسلامية الايرانية- عليهم أن يستلهموا، هذا العام ايضاً، من هذه النعمة الكبرى، نعمة تشرفهم بزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة، وزيارةبيت الله، والمرقد الطاهر للنبي الاكرم (ص) والبقيع، ونعمة وجودهم بجوار التربة الطاهرةللسيدة الزهراء 3 والائمة المعصومين (ع)؛ هذا فضلًا عن اهتمامهم الدقيق بمناسك الحج وواجباته.

كما أن عليهم أن يشتركوا في مسيرة البراءة القاصمة، ويلتزموا الانسجام الكامل في تنسيق صفوفهم وشعاراتهم ومراسمهم، وان يتنعموا بفيض بركات هذا التجمع العبادي- السياسي المقدس، الذي هو مظهر لاقتدار المسلمين وقوة ايران الاسلامية العزيزة.

كما أن عليهم أن يلتزموا بالسلوك الاخلاقي السليم والبنّاء في جميع مراسم الحج، وبالاخص اثناءالمسيرة، ويتعاملوا بلطف مع حجاج باقي البلدان، وكذلك مع المسؤولين السعوديين، ودعوتهم الى ضرورة الاشتراك في هذه الاجتماعات. وعليهم أن يمتنعوا عن التصرفات الفردية والاجتهادات الشخصية التي يمكن أن تؤدي- لا سمح الله- الى هتك حرمةهذا الاجتماع العظيم.

وعليهم أن يتحرّزوا من التشاجر والاهانة والجدال. فعلي الرغم من ان الحجاج المحترمين، بفضل وعيهم الكامل، لاتنطلي عليهم

ص: 108

الدسائس والمؤامرات، إلّا أنه قد يوجد هناك من يعمل علي ارتكاب بعض الاعمال بغرض الساءة الى الحجيج وتجمعاتهم، والمساس بسمعةالثورة وصورتها المشرقة.

طبعاً، من المستبعد أن تعمد الحكومة أو المسؤولون السعوديون، الذين يستضيفون حجاج بيت الله، وزوار حرم الرسول الاكرم، الى الحيلولة دون اقامة هذا العرض الكبير لقدرة الاسلام والمسلمين امام الكفر، والذي يمثل مبادرة عملية سياسية لشعبنا، تهدف الى رفعة وسمو المسلمين والعالم الاسلامي.

علي اية حال، ينبغي علي الحجاج الايرانيين أن يلتفتوا الى دورهم ورسالتهم في جميع مراحل الحج، حيث أن كل اعمالهم وتصرفاتهم يراقبها بدقة اصدقاء واعداء ثورتنا، فأعداء الثورة يتطلعون الى ذريعة ولو هامشية للاساءة الى قدسية ابناء شعبنا ومكانتهم الإلهية. كما أن اصدقاء وانصار الثورة، متشوقون للتعرف علي سلوك وسيرة وخصوصيات هذا الشعب الذي ملأصدي اسمه- بفضل الله- آفاق العالم.

ان الحج يمثل افضل مكان لتعارف الشعوب الاسلامية، حيث يتعرف المسلمون علي اخوانهم واخواتهم في الدين من شتي انحاء العالم، ويلتقون مع بعضهم في البيت الذي تتعلق به كل المجتمعات الاسلامية واتباع ابراهيم الحنيف. ( (1)) وبنبذهم ما يما يزهم من اللون


1- سورة الحج/ 27.

ص: 109

والقومية والاصل ( (1))، يعودون الى ارضهم وبيتهم الاول. ( (2)) وبمراعاتهم للاخلاق الاسلامية الكريمة، وتجنبهم للجدال ومظاهر الزينة، يجسّدون صفاء الاخوة الاسلامية ومظهر تشكل الامة المحمدية (ص) في شتي انحاء العالم.

علي الحجاج الايرانيين المحترمين أن يدركوا بشكل افضل، قيمة الانجازات المعنوية والسياسية للجمهورية الاسلامية الايرانية وذلك نتيجة لتعاملهم مع باقي المسلمين. وسيتعرفون علي ابعاد عظمة الثورة وعناية الحق المتعال وألطاف الحجةالمنتظر- اروحنا فداه- بهذا الشعب اكثر واكثر، كلما اطّلعوا علي المعضلات والمعاناة التي فرضت علي الشعوب الاسلامية، وسيقدّرون بركات هذه الثورة حق قدرها اكثر مما سبق، ويتعرفون علي مدي مايبذله المسؤولون المحترمون واعضاء الحكومة خدمة الشعب، الذين يعملون ويجهدون ليلًا ونهاراً من اجل الخدمة، وسيشكرون الله علي التحول الذي طرأ علي شبابنا، وباقي طبقات شعبنا، وكيف أنهم وفقوا الى جنّةالصلابة والعفّة والحياء والشرف والحرية والجهاد.

اللهم! لاتسلبنا وشعبنا، هذه النعم العظيمة.

اللهم! عرّفنا بأهمية بركاتنا اكثر واكثر.

اللهم! ضاعف من عبوديتنا واخلاصنا لك، ومن اظهارنا لعجزنا


1- سورة الحج/ 27
2- سورة التوبة/ 125.

ص: 110

وذلّتنا لك.

اللهم! اكرم علينا بتوفيق التوكل عليك، والصبر، والصمود، والرضا، وكسب عنايتك.

اللهم! أعنّا علي خدمة عبادك، حتي التضحيةبالنفس والابناء وكل وجودنا.

ايها الحجاج المحترمون! حذاري أي يقودكم احساسكم بعظمة ثورتكم وانجازكم، الى الغرور والعُجب امام مسلمي البلدان الاخرى؛ أو أن تنظروا الى اعمال المسلمين وتصرفاتهم بنظرات تحقير واستصغار، وبذلك تفوتون علي انفسكم فرصة التآخي والتواد مع احباءالله في مكة المكرمة. لاتغفلوا عن شكر هذه النعمة الالهيةالكبرى، نعمة التواضع امام المسلمين والمستضعفين واخوانكم في الدين.

اعقدوا البيعة وإحكموا روابط الصداقة مع المسلمين، وانتم الى جوار بيت الله ومرقد النبي الاكرم (ص) لتواصلوا الاتصال معهم في المستقبل. عرّفوهم بأحاديث الثورة ولطف الله بكم.

ظمئنوا المسلمين، نيابة عني وعن كافة ابناءالشعب الايراني، بان الجمهورية الاسلامية الايرانية تقف الى جانبكم وتناصر جهادكم ونشاطاتكم الاسلامية. اننا نقف الى جانبكم في كل موقع تتخندقون فيه ضد المعتدين؛ وسندافع عن حقوقكم المهدورة في الماضي والحاضر

ص: 111

والمستقبل ان شاءالله.

وقولوا لهم: ان اقتدار ومكانة المجهورية الاسلامية الايرانية اقتدار لجميع الشعوب الاسلامية؛ وان الدفاع عن الشعب الايراني الشجاع البطل، يعتبر في الحقيقة دفاعاً عن كافة الشعوب الخاضعة للظلم؛ واننا- بفضل الله- سنحطم الأيادي المعتدية والظالمة لكل الظالمين في البلدان الاسلامية.

وسوف نضع، بفضل انتقال تجاربنا وتصدير ثورتنا، والذي هو في الحقيقة تصدير للاسلام الحقيقي وبيان الاحكام المحمدية (ص) سنضع النهاية الحتمية لسيطرة وتسلط وظلم الناهبين الدوليين. وسنمهد الطريق- بعون الله- لظهور المنجي والمصلح العام، والامامة المطلقة للحق، الحجة المنتظر- ارواحنا فداه-.

هذا، وان هناك بعض الامور ينبغي علي الحجاج المحترمين الاهتمام بها، منها:

لايخفي، ان مكة المعظمة، والمشاهد المشرفة، مرآة تعكس الحوادث الكبرى لنهضة الانبياء والاسلام ورسالة النبي الاكرم (ص).

ان كل بقعة من هذا الارض تمثل مكاناً لاقامة واجلال الانبياء الكبار وجبرائيل الأمين، وهي تعيد ذكرى المتاعب والمعاناة التي تحملها النبي الاكرم (ص) لسنوات طويلة في

ص: 112

سبيل الاسلام والبشرية.

لذا فإن الحضور في هذه المشاهد المشرفة والاماكن المقدسة، واسترجاع الظروف الصعبةالتي لاتطاق التي رافقت البعثة، يعرّفنا اكثر واكثر بمسؤولياتنا في الحفاظ علي معطيات هذه النهضة والرسالة الإلهية، ومدى صبر وصمود واستقامة النبي الاكرم (ص)، وائمةالهدى (ع)، للحفاظ علي دين الحق ومحو الباطل. وكيف أنهم لم يهابواتُهم واهانات وسباب، امثال ابي لهب، وابي جهل، وابي سفيان واعوانهم؛ ناهيك عن تحملهم لأشدّ انواع الحصار والمقاطعة الاقتصادية في «شعب ابي طالب» وواصلوا طريقهم رغم ذلك ولم يستسلموا.

ومن ثم عانوا مصاعب الهجرات ومرارتها في سبيل الدعوة الى الحق وابلاغ نداء الله، وخاضوا الحروب المتوالية غير المتكافئة، وواجهوا آلاف المؤامرات والعراقيل، دون أن يفتّ كل ذلك في عضدهم ويحول دون هداية الناس وارشادهم.

وها هي صخور، واحجار وصحاري وجبال وازقة واسواق مكة والمدينة، مليئة بأصداء نداءرسالتهم، ولو أنها نطقت وكشفت عن مكنونات تحقق «فاستقم كما امرت ...» ( (1))، لعرف حجاج بيت الله الحرام ماعاناه رسول الله من اجل هدايتنا وجعل المسلمين من اهل الجنة، ولأدركوا كم هي عظيمة مسؤولية اتباعه.


1- سورة هود/ 112

ص: 113

ورغم ان الشعب الايراني المنجب للشهداء، تحمل المظالم والمصاعب والآلام والاتعاب الكثيرة، خلال مراحل النضال والحرب واحداث الثورة الأخرى، وقدّم الشباب والاعزة العظام في سبيل الله، إلّا أن المظالم والمصاعب التي تحملها قادتنا وائمتنا، هي بالتأكيد اكثر بكثير ممّا عانيناه.

ايها الحجاج المحترمون! بلِّغوا أخلص تحيات شعبنا العزيز والمسؤولين المجدّين، وعوائل الشهداء المحترمة، والمعاقين والاسرى والمفقودين، نبيّ الرحمة (ص)، واهل بيت الهدى (ع) وإلتمسوا منهم أن تنال الرحمة الواسعة اتباعهم الصادقين هؤلاء. واسألوا الله أن يمنَّ بالنصر علي شعبنا في حربه ضد الكفر العالمي. اغتنموا هذه الفرصةالمناسبة وادعوا الله ان يمنَّ علي المسلمين بالتوفيق لحلّ جميع مشكلاتهم.

إلهي! انت تعلم، اننا انتفضنا من اجل اعلاءراية دينك، واننا صامدون في سبيل اقامة العدل اتّباعاً لرسولك، مقابل عزّتنا وكرامتنا، ولن نتردد ولا للحظة واحدة في مواصلة هذا الدرب.

إلهي، انك تعلم، ان ابناءهذا الارض، والى جوار آبائهم وامهاتهم، يتساقطون شهداءمضرجين بدمائهم، ويحلّقون الى جوار رحمتك الواسعة بشفاه باسمة وقلوب مفعمة بالشوق والأمل، دفاعاً عن عزةدينك.

إلهي! انّك تعلم، ان امة رسولك في هذا البلد تتعرض لمختلف

ص: 114

المؤامرات، وانّ ايادي الشيطان، في الداخل والخارج، لن تدعها تهدأ ابداً؛ وان الجهود والمساعي تزداد كلّ يوم لتشديد الحصار علي هذا الشعب وتضييق الخناق الاقتصادي عليه.

إلهي! انك تعلم، إن ابناءشعبنا علي استعداد للتضحية بأرواحهم تجاه المصاعب والمشكلات، وهم لايخشون احداً سواك، وليس بإمكان المتاعب والمعاناة ان تفت في عضدهم، وانهم علي قناعة تامة بأن كل انتصاراتهم هي من فضلك وعنايتك بهم.

إلهي! مُنَ علينا بألطاف عنايتك مرة اخرى، واجعل قلوب شعبنا اكثر املًا بنصرك، وأيّد ابطالنا في الجبهات بامداداتك الغيبة وجنودك الخفية، وانصرهم بنصرك المبين. وضاعف من قدرةصبرنا واستقامتنا لتحمّل الصعاب والمشاكل، وتفضّل علينا بنعمة الرضي في الهزيمة والنصر. ومُنَّ بالسرور والبهجة علي قلوب ابناءشعبنا، الذين قدّموا في سبيل دينك، الشهداء والمفقودين والمجروحين والاسرى، وتحمّلوا آلام هجران الأعزة عشقاً للقائك ورضاك. واجعلنا من العاشقين والواعين للآلام في مسير عبوديتك وطاعتك، واسق شهداءنا من زلال كوثر ولايتك، وولاية الرسول الاكرم (ص) وائمة الهدى (ع)، وصل ثورتنا الاسلامية بثورة المصلح العام، «انَّك وليُّ الن عَم».

روح الله الموسوي الخميني

1/ ذي الحجة الحرام/ 1407 ه-. ق.

ص: 115

الرسالة الجوابية التي بعثها الامام الخميني (قدس سره) الى حجة الاسلام والمسلمين الشيخ كروبي بشأن فاجعة مكة المكرمة 7/ ذي الحجة/ 1407 ه- ق

ص:116

ص: 117

«بسم الله الرحمن الرحيم»

(والَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وإِنَّ اللَّهَ لَهُوخَيْرُ الرَّازِقِينَ) ((1) )

سماحةحجةالاسلام الحاج الشيخ مهدي كروبي، دامت افاضاته.

سمعت نداء استقامتكم ومظلوميتكم وبقية الزائرين، الذين هم أعزّ من ارواحنا، المنطلق من جوار الكعبة المظلومة وحرم الله المدمّي. ( (2))

بسم الله الرحمن الرحيم

المحضر المقدس لقائد الثورة ومؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية آية الله العظمي الامام الخميني- مد ظله العالي-:

السلام عليكم

استناداً للتكليف الشرعي، واحساساً بالواجب الديني، وبعد أن شارك الحجاج الايرانيون المحترمون، وضيوف الله والرسول المعظمون جنباً الى جنب اخوانهم واخواتهم من المسلمين، الذين اجتمعوا في الحرمين الشريفين من شتي بقاع العالم الاسلامي، في مسيرة الوحدة الرائعة في المدينة المنورة، اقاموا تجمعاً عظيماً باهراً في مكة المعظمة، وبعد الاستماع الى قراءة للنداء التاريخي الهام لسماحتكم، اتجهوا نحو بيت الله، في صفوف مرصوصة هادئة ومنظمة، وهم يرددون شعارات «الموت لامريكا»، «الموت لروسيا»، و «الموت لاسرائيل»، معلنين عن براءتهم وتنفرهم من قادة الكفر والظلم والشرك.

إلّا ان الحكام السعوديين العملاء- وللأسف الشديد- هاجموا صفوف ضيوف الله، وهتكوا حرمة الحرم، وانتهكوا أمن الكعبة و بيت الله، وقد استشهد مئات الاشخاص بالغازات الخانقة والرصاص والعصي والحجارة، وجرح الآلاف.

وقد وصلت وقاحتهم الى حد بحيث هاجموا الجرحي وذويهم وهم في المستشفيات، واطلقوا الرصاص علي سيارات الاسعاف التي كانت تحمل المجروحين والشهداء.

ان الهجوم الوحشي الذي شنّه نظام آل سعود، ما كان له ان يتحقق دون تعاون وتنسيق امريكا المجرمة، وهو دليل واضح علي ارتباط هذا النظام بالبيت «الاسود»، الذي يتعطش هذه الايام لسفك الدماء، وذلك للتغطية علي هزائمه العسكرية وفضائحه السياسية.

وضمن ابلاغ سلامي، ودعاء خير مئات الآلاف من الحجاج الايرانيين

وغير الايرانيين، ابارك واعزي سماحتكم لشهادة هؤلاء، واطمئنكم:

الحج مؤتمر عبادي - سياسي - الجزء الثاني ؛ ؛ ص117

ان شعبنا صامد بصلابة، وسنواصل طريق الحق والمبادي ء الإلهية حتي آخر شخص و آخر قطرة دم. كما أن المسلمين يتطلعون للتضحية بأرواحهم وبسخاء في معبد العشق وطريق الفلاح، من اجل إلههم.

اسأل الله المتعال لإمامنا العزيز السلامة وطول العمر، ولا بطال الاسلام النصر والغلبة، وللجرحي الشفاء والعافية، وللشهداء الرضوان والرحمة، ولذويهم الصبر والكرامة، وللأمة الاسلامية الفلاح وحسن العاقبة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مكة المكرمة- مهدي كروبي

5/ 5/ 1407 ه- ق.


1- سورة الحج/ 58
2- نص البرقية التي بعثها سماحة حجةالاسلام والمسلمين كروبي، مندوب الامام والمشرف العام علي الحجاج الايرانيين، بشأن فاجعة الجمعةالدامية بمكة المكرمة، في 5/ 5/ 1407 ه- ق.

ص:118

ص: 119

ابلغوا سلامي الخالص، وسلام جميع افراد الشعب الايراني، كافة الاعزاء الذين تعرضوا، في جوار بيتهم وحرم الله الآمن، لهجوم وجسارة اجراء الشيطان الاكبر، امريكا المجرمة.

لاشك، ان هذه الحادثة العظيمة، قد آلمت قلوب احرار العالم والشعوب الاسلامية وجرحت مشاعرهم، فضلًا عن ايلامها لقلوب الشعب الايراني واثارتها لعواطفه ومشاعره.

إلّا أن امثال هذه الحوادث ليست بعجبية أومفاجئة بالنسبة لشعب كبير وبطل مثل شعبنا العزيز، الذي خاض تجربة الثورة لعدة سنوات، وأزال القناع عن وجوه ومكائد اذناب امريكا، كالشاه وصدام، في مهاجمتهم لمجالس العزاء الحسيني، واضرام النيران في المساجد وحرق المصاحف.

ص: 120

ليس بغريب بالنسبة لشعبنا، أن يرى أيادي امريكا واسرائيل وقد امتدّت هذه المرة، من اكمام المُرائين من زعماء السعودية وخونة الحرمين الشريفين، لتوجّه سهامها الى قلوب خيرة المسلمين واعزتهم من ضيوف الرّحمن، حتي يروي ادعياء سقايةالحجيج وعمارة المسجد الحرام، شوارع وازقة مكة من دماء المسلمين.

اننا في ذات الوقت الذي نعلن فيه عن تأثرنا الشديد وعزائنا، لهذه المجزرة الدموية الفريدة، التي ارتكبت بحق امة محمد (ص) واتباع ابراهيم الحنيف، والعاملين بالقرآن الكريم؛ نشكر الله علي كون اعدائنا ومعارضي سياستنا الاسلامية من الجهلة والحمقي، حيث أنهم أنفسهم لايفقهون أن مثل هذه الاقدامات العمياء، قد رسّخت ثورتنا وبلّغت لها، وعرّفت بمظلومية شعبنا.

وفي كل مرحلة، فانّ مثل هذه الممارسات تكون عاملًا علي ارتقاء بلدنا واهدافنا الرسالية. ولو كنّا قد سخّرنا المئات من وسائل التبليغ، وبعثنا الآلاف من المبلغين وعلماء الدين الى مختلف اقطار العالم، للعمل علي توضيح الحدود الفاصلة بين الاسلام الحقيقي والاسلام امريكي، وتحديد الفرق بين حكومة العدل وحكومة العملاء ادعياء الدفاع عن الاسلام، لما استطعنا أن نحقق ما حققته هذه الحادثة وبهذا الشكل.

ولو كنّا نريد ازالة استار عن الصورة الكريهة للمرتبطين بأمريكا، واثبات أن ليس هناك من فرق بين محمدرضا خان، وصدام

ص: 121

الامريكي، وقادة الحكومة السعودية الرجعية، في محاربتهم للاسلام ومخالفتهم للقرآن،؛ وانهم جميعاً عبيد لامريكا ومأمورون بتخريب المسجد والمحراب، وقد انبطت بهم مسؤولية اطفاء شعلة صرخة الحق التي تطلقها الشعوب، لما تهيّأ لنا ذلك وبهذا الصورة التي حققنها هذه الحادثة.

كذلك، لو كنّا نريد أن نثبت للعالم الاسلامي، أن سدنة الكعبة الحاليين غير مؤهلين لاستضافةجنود الرّحمن وضيوفه، وانهم غير جديرين بأي عمل، سوي تأمين مصالح امريكا واسرائيل وتقديم ثروات بلادهم لهما، لما استطعنا؛ إلّا أن آل سعود- هؤلاء الوهابيين الخبثاء الذين لايعرفون الله، والذين اعتادوا علي اغماد خناجرهم في قلوب المسلمين من الخلف- ونتيجة لما اظهروه في هذه الواقعة من قساوة وعدم الرحمة ضد الابرياء العزل من ضيوف الرحمن، قد حققوا كل ذلك بأفضل صورة.

حقا انهم ورثةابي سفيان، وابي لهب، واتباع يزيد، وقد بيّضوا وجوههم ووجوه اسلافهم بعملهم الممقوت هذا.

ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تتملك اليوم- ولله الحمد- انصاراً كثيرين واصدقاء اوفياء صادقين من بين حجاج بيت الحق، من مختلف الشعوب والاعراق والبلدان، وحتي من ابناءالسعودية ذاتها، وسوف يكون هؤلاء شهود حقانيتنا، وسيعرّفوا شعوب العالم الابعاد المختلفة للمجزرة الدموية التي ارتكبها خادم الحرمين بحق

ص: 122

المسلمين، ويعملوا علي نقل الحقائق المُرّة ليوم الحادثة المؤلم.

وكم هو طريف أن يبادر كل من صدام وحسين الاردني وحسن المغربي، وفي وقت لازالت فيه الاجساد المضرّجة بدمائها باقية علي الارض، للإعلان عن تضامنهم ودعمهم لجريمة آل سعود، وكأنّ السعودية قد فتحت معقلًا كبيراً، وحققت نصراً عسكرياً عظيماً بقتلها لمئات النساءوالرجال السلمين العُزّل، وتوجيه نيران اسلحتها الى صدورهم، وعبور قواتها من علي اجسادهم الطاهرة. لقد تبادلوا رسائل التهنئة فيما بينهم، في وقت كان العالم فيه، بأسرة، قد أقام مآتم العزاء، وقد تألم قلب النبي الخاتم لذلك.

مَن منّا لايعي، ان اللجوء الى القوة واستخدام الحراب، والاستعانة بالقوات المجهّزة لمواجهة زوار الحق، واعداد كل هذه المقدمات، والتذرّع بشتي الذرائع الواهية لأجل الاشتباك مع النساء والرجال والمعاقين، وامّهات وزوجات الشهداء، ما هو الّا ردّ فعل لغضب امريكا وضعفها، وعجز ويأس اذنابها الخونة؟!.

لاشك، ان امريكا والسعودية قد استغلتا ظروف تجرّد المسلمين من السلاح في حرم الله، واحترام المؤمنين لأحكام القرآن، وامتناعهم عن الجدال في جوار بيت الله؛ لمباغتتهم ومهاجمة صفوف رجالنا الشجعان ونسائنا الصامدات، بمعدات كانت قد هُيّئت من قبل وفق مخطط مُبيّت.

لتكن الحكومة السعودية علي اطمئنان، من أن امريكا اوجدت

ص: 123

لها وصمة عار لن تطهّر منها ابداً، حتي بماء زمزم والكوثر، الى يوم القيامة.

وان الينبوع الذي تفجّر في ارض الحجاز من محيط شعبنا الكبير، اضحى زمزم هداية لكل المتعطشين للسياسة الاسلامية الاصلية، وستروي الاجيال القادمة ظمأها منه، وسيغرق ويهلك الظالمون فيه.

هذا وانّنا قد اضفنا كل هذه الجرائم الى فاتورة حسابنا مع امريكا، واننا، وبإتكالنا علي الله، سوف نرد عليها في الوقت المناسب، وسنتقم لأبناء ابراهيم، من النمروديين والشياطين والقارونيين.

واني اؤكد من جديد، إن هذا هو الثمن الباهض لالتزامنا بسياسة اللاشرقية واللاغربية، ومطالبتنا بالاستقلال والحرية والاسلام.

وها أنا اغتنم هذه الفرصة، لأشير الى احدى آيات الكتاب الكريم، حيث يقول جلّ وعلا: (أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآْخِرِ وجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ((1) ). وكأن هذه الآية الكريمة قد نزلت في عصرنا، وكأنها تخاطب آل سعود على طول التاريخ، والشعب الايراني المجاهد الكبير، وحجاج بيت الله الحرام في عصرنا الحاضر، وامثالهم في كافة العصور.

اذن، إن الله سبحانه وتعالى يقول في هذه الآية: انتم ذوي القلوب


1- سورة التوبة/ 19.

ص: 124

العمياء، أمن الممكن أن تساووا بين سقاية الحجيج وعمارة المسجدالحرام، واولئك الذين آمنوا بالله وبيوم الجزاء وجاهدوا في سبيل الله؟ حاشا أن تتساووا انتم واولئك، فالله لايهدي القوم الظالمين.

أولم يقايس السعوديون وامثالهم علي طول التاريخ، اعمالهم، فيما يوفرون في مواقف الحج من ماء وطعام، واعمار للمسجد الحرام بالزخارف والنقوش، بأعمال وفضائل المسلمين الذين اخلصوا الايمان بالله، وقدّموا دماءهم، وضحوا بشبابهم المجاهد في سبيل الله، وانتفضوا بوجه اعداء الله للذود عن حريم الاسلام وحرم الله تعالى؟.

بل أولم يتعدي سعوديو عصرنا الحاضر اولئك، وباتوا يفاخرون علي المسلمين بذلك؟.

أولم يعاملوا المجاهدين في سبيل الله بشكل قد بيّضوا فيه وجه امريكا الناهبة، واسيادهم؟!.

ان ما يلفت النظر في هذه الآية هو، أنّ الله سبحانه قد ذكر الايمان بالله ويوم الجزاء، قد اختار من بين كل القيم الاسلامية والانسانية، الجهاد في سبيل الله ضد اعداء الله واعداء البشرية، وجاء به مباشرة بعد الايمان بالله ويوم الجزاء. وقد علم كافة المسلمين في هذا الاختيار، إن اهمية الجهاد تفوق كل شي ء.

أولم يرد الله بذكره (واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أن يقول: لم يكن سعوديوا عصرنا وكل عصور التاريخ، في حكم الله، اقل من

ص: 125

ظلمة غير قابلين للهداية، وان الله لايهديم.

هل من الممكن أن نتصور ظلماً ضد الحق والخلق، وضد رسول الله وامة الرسول الخاتم العظيمة (ص)، اشدّ مما ارتكبه آل سعود بحق الكعبة والحرم الالهي الآمن، والحجاج المجاهدين، الذين ضحوا بكل وجودهم في سبيل المحبوب، ومن اجل تحقق اهداف الاسلام؟.

هل كان جُرم هؤلاء المجاهدين، الذين اطلقوا- بأمر الله تعالى- نداءالبراءة من المشركين، غير اعلان برائتهم من ارباب آل سعود وسعوديي عصرنا الحاضر، والشاه حسين والشاه حسن ومبارك اللامبارك، وصدام العفلقي؟.

ألا يعني التزام الصمت ازاءهذه المظالم، التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ، القبول بهذه الجريمة والاشتراك في ظلم وجور الظالمين والجائرين؟

علي اية حال، ان آل سعود غير مؤهلين للتصدي لامور الكعبة والحج، وعلي العلماء والمسلمين والمثقفين، أن يوجدوا حلًا لهذه المعضلة

لقد بلّغ الحجاج الايرانيون الشرفاء- هذا العام- نداءالثورة، ونداء برائتهم، للعالم والامة الاسلامية، بدمائهم، وقد أمسوا بتقديمهم للشهداء العظام في سبيل الحق المتعال، من المساهمين في بناء صرح سياسة (اللاشرقية والاغربية) لكعبة الله.

ص: 126

كما أن الشعب الايراني الكبير، بتكريمه وتجليله للشهداء، واشتراكه المليوني في المسيرة، واعلانه البراءة من الكفرة، لاسيما آل سعود، قد أدّى واجبه الثوري والالهي؛ واني أرى من اللازم هنا أن اتقدم بشكري لكلّ الاخوات والاخوة علي حضورهم الكبير، وقد جاء الآن دور الحجاج الآخرين من باقي البلدان، وبالأخص العلماء والمثقفين والباحثين، ليوصلوا نداء مظلوميتنا الى اسماع العالم.

وسيواصل- ان شاءالله- الحجاج الايرانيون المحترمون، اداء ما تبقي من اعمالهم، بصبر وصمود. وعلهيم أن يحتفلوا، بأقدام ثابتة وقلوب مطمئنة ونفوس هادئة مليئة بالرضي، لانتصار «الدم علي السيف» والاستشهاد الى جوار بيت الله.

وعلي الذين يتشرفون بزيارة المدينة المنورة، أن يبلغوا سلام شهداء الكعبة المضرجين بدمائهم، وجرحي البيت الآمن، الى رسول الله (ص) وائمة الهدى (ع) وان يباركوا لهم هذا التوفيق العظيم. عليهم أن يواصلوا طريقهم بكل صلابة وطمأنينة، وأن يعتبروا المشكلات التي فرضتها امريكا والسعودية عليهم، كلّها من اجل الله ومن اجل الدفاع عن النبي (ص). وان يشكروا الله على تقلبه للهَدْي والقرابين، التي قدمها هذا الشعب الكبير، تأسياً بهاجر واسماعيل، بجوار بيته، ويحمدوه علي ذلك.

نسأل الله أن يحشر شهداءنا العظام مع شهداء صدر الاسلام،

ص: 127

وأن يلهم ذويهم الصبر والأجر، وأن يمنَّ بالشفاء علي المصابين والجرحي، وأن يَرد شرّ المعتدين الى نحورهم ويحيطهم بالعقاب.

اسأل الله أن يحفظنا بحفظه وتحت لواء رحمته ولطفه، في مثل هذا الوقت الذي إلتقي فيه الكفر والشرك كلّه علينا، وقد عقدوا العزم علي الحاق الهزيمة بالامة الاسلامية، وتوجيه ضرباتهم الينا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

7 ذي الحجة 1407 ه- ق.

روح الله الموسوي الخميني

ص:128

ص: 129

خطاب الامام الخميني لدى لقائه اعضاءمجلس الوزاء بمناسبة اسبوع الحكومة وفاجعة مكة المكرمة 27/ ذي الحجة/ 1407 ه-. ق.

ص:130

ص: 131

بسم الله الرّحمن الرحيم

نشكر الله تبارك وتعالى، حيث اننا ليس لنا ملاذاً سوى ذاته المقدسة، أمام كل هذه المشكلات والعقبات التي أوجدوها للجمهورية الاسلامية والتي سوف يوجدونها في المستقبل.

انّ كل ما موجود فهو منه سبحانه، وكل ما سيحدث هو منه أيضاً، وما نحن إلّا خدمة نستمد توفيقنا منه ايضاً. وعلينا أن نعلم بأننا لسنا بشي ء، وان كل ما هو موجود فهو منه سبحانه، فلو لم تكن عناياته لكنّا لا شي ء، خطّاؤون، حيث يتخيل لنا أننا شي ء. ومثل هذا في الواقع حجاب فيما بيننا، نأمل أن يكشفه الله تبارك وتعالى لنا لنتعرّف علي أنفسنا ومن نكون نحن.

«اللهم أرنا الاشياء كما هي ((1) )». أرنا الاشياء كما هي- وحسب احد الاحتمالات القوية- تعني: أن يرينا الاشياء كما هي علي حقيقتها- والتي مرتبطة به صرفاً- حيث أنها لو عرفناها علي حقيقتها، لتحققت

وفي: عوالي اللئالي/ ج 4/ ص 132/ ح 228 ذكر مع تفاوت في العبارة.


1- تفسير ملاصدرا/ ج 2/ ص 342.

ص: 132

معرفة الله؛ وفيما لوازيلت الحُجب التي نحن فيها، لعلم أنّه ليس هناك احد سواه، وان كان الاشكالات هي من هذه الحجب التي عندنا، حيث نعتقد أننا شي ء ما في الواقع.

آمل أن يمنَّ الله تبارك وتعالى علينا بتوفيق المعرفة، وتوفيق خدمة خلق الله.

طبعاً، أنا اعرف مشكلات الحكومة، ومطّلع علي المشاكل التي تواجه موظفي الدولة، والفئات المختلفة التي تعمل تحت لوائها. أنا اعلم، وانتم تعلمون أكثر؛ ان العاملين ضمن مؤسسات الحكومة في الوقت الذي هم فيه من اكثر الطبقات محرومية، وهم من اخلص هذه الطبقات؛ وفي الوقت الذي يقضون فيه أيامهم في عشية بسيطة إلّا أنهم- ولله الحمد- يتمتعون بمعنويات عالية. فكلّما تتّسع الحياة المعيشية كلما تقل القوة الروحية، لاشك في هذا؛ ان الدنيا كلما تقدمت خطوة نحو المرء، تراجع الانسان تبعاً لذلك. ان قلق واضطراب سكنة القصور المجلّلة والذين يعيشون حياة مرفهة، اكثر بكثير من الذين يعيشون حياة بسيطة في الحارات والاماكن المتواضعة.

نشكر الله أيضاً، حيث أنه سبحانه أوجدنا دراويش بسطاء- ليس درويش بالمعني المصطلح- وانّما درويش بالمعني الحقيقي. اننا نعتبر خدمتنا لاهداف الله، وخدمة خلق الله من واجباتنا. وان كل ما لدينا هو من عنده سبحانه، وسوف نتقلب علي مشاكلنا بعون الله. وكما صمدنا جميعاً حتي الآن أمام المشكلات، فإننا سنصمد أيضاً في

ص: 133

المستقبل، واني ادعو الله أن يوفقنا لذلك.

وهؤلاء الذين يقفون جانباً ويستشكلون علينا، ذلك لأنّهم خارج المعترك، انّه لمن السهل ان يسجل المرء اشكالاته، إلّا أن حل الاشكالات ليس بهذه السهولة.

اجل ان الاشخاص الذين يقفون متفجرين، يردِّدون دائماً: لماذا حصل هذا الأمر؟ لماذا لم يكن الأمر الآخر؟ لماذا كان بهذه الصورة؟ وغيرها من الاقاويل، انهم لم يتجرأوا حتي علي معرفة طبيعة المشاكل، لاسيما في مثل هذا الزمان الذي ابتليت فيه حكومتنا بشتي المشاكل التي ترونها، وقد عزمت كل دول العالم- عدا شعوبها- علي محو المجهورية الاسلامية والقضاء علي الاسلام، إلّا ان الله تبارك وتعالى أيّدنا ووفقنا لنستقيم ونصمد ونواصل طريقنا في المستقبل ان شاء الله.

أما المسألة التي ارتأيت التحدث بشأنها، فهي الحدث المؤسف الذي شهدته مكة المكرمة.

اننا ومنذ انطلاقتنا الاولى، والتي هي- ان شاءالله- لله ولنجاة الأمة، كان لنا شهداءكثيرون. سواء ما قبل الثورة، ايام الظلم الشاهنشاهي، حيث كان لنا شهداء كبار، أوما بعد الانتصار حيث قدّمنا شهداء عظام. إلّا أن قضية «الحجاز» قضية أخرى تختلف عن غيرها. ان كان ما كان قبل هذا لايعتدي أن نُضرب وفي بعض الاوقات أن نضرب، وهكذا كان فيما بعد. اننا قدّمنا شهداءكثيرين، وفي اوقات وأماكن مختلفة. لقد عانينا الكثير في عهد «رضا شاه»، فكل من عاش

ص: 134

تلك الايام العصيبة يتذكر جيداً ماذا كان يحدث آنذاك. وكذا الأمر في عهد «محمدرضا»، حيث تتذكرون جميعاً الاحداث التي جرت، والشهداء الذين راحوا ضحيتها. فعلي طول الطريق كانت هناك قضية الشهادة، وهي قضية عظيمة، إلّا أن كل هذا لم يكن كما كانت قضية الحجاز.

أن قضية «القدس» قضية كبرى، وقدر أيتم يوم القدس ماذا كان، إلّا أن يوم القدس مسألة ويوم الجمعة الدامية بمكة مسألة اخرى.

لقد اعلنّا يوم القدس بدافع انقاذ القدس من غاصبيها، إلّا أن الأمر لم يكن بحيث يسعي هؤلاء لإهانة «القدس» والقضاء عليها. غاية ما كانوا يدّعون أن القدس قدسهم، وطبعاً يجب أن لاتبقي القدس بأيديهم، ولكن لم يحدث أن تلقّي الاسلام مثل هذه الضربة.

ويوم القدس يهدف الى ارجاع «القدس» الى اصحابها، وتخليصها من مغتصبيها.

كما أننا فقدنا الكثير من أعزتنا في حوادث الانفجارات والاغتيالات، اولئك الاعزة الذين كان تراب اقدامهم أعز وأغلي من سكان القصوران كان لهم قيمة ولاقيمة لهم! كل هذا كان لايتعدى أن نَضرب ونُضرَب.

وكذلك الأمر في قضية حربنا مع صدام التي فرضت علينا. حيث قدّمنا الكثير من الشهداء، وخسرنا الكثير ايضا، إلّا أنّها لم تكن كقضية الحجاز. قضية الحجاز لازلنا في سبات بشأنها. والعالم لازال نائماً.

ص: 135

ما الذي حدث؟ لقد انتهكت في قضية الحجاز أعظم الحرمات الاسلامية والعالمية المقدسة؛ اننا لانحترم الكعبة لوحدنا، ولا هي تختص بالمسلمين فحسب، بل ان جميع الامم والشعوب تحترم الكعبة، فالانبياء كانوا جميعاً في خدمتها.

ان انتهاك حرمةالكعبة ليس بالأمر الهيّن الذي يمكننا أن نغض الطرف عنه بهذه البساطة. اننا حتي لواغضضنا الطرف عن قضيةالقدس، وتجاوزنا عن صدام، وتجاوزنا عن كل الذين اساءوا لنا، إلّا اننا لايمكن أن نتجاوز عن قضية الحجاز، لأنها مسألة اخرى تختلف عن غيرها من الموارد، ويجب أن يبقي حيّاً خالداً مثل هذا اليوم، اليوم الذي خنوا فيه الاسلام.

والآن حيث نحن علي اعتاب شهر محرم، وان محرم هو شهر العزاء لنا جميعاً، فإنّ سيدالشهداء (ع) قد ضحّي بنفسه، لئلّا يبقي في مكة، ولئلّا تنتهك حرمتها ويتجاسروا علي الاساءة الى قدسيتها. الكل فداء لمكة. ان مكة مكان تشرّف جميع الانبياء بخدمته. واليوم فإن مكة اسيرة مجموعة ملحدة، لايفهمون اساساً ماذا يصنعون، ولم ولن يفهموا ما الذي فُرض عليهم وتورطوا فيه.

والآن وبعد أن انتهكت قداسة مكة بهذا الشكل، المكان الالهي المقدس، وهو من اقدس الاماكن الالهية، فمن العار علي جميع مسلمي العالم أن يجلسوا ويكتفوا بالتفرج. ان المسلمين يعرفون واجبهم ولابد من ابقاء هذه القضية حيّة خالدة.

ص: 136

ينبغي علي جميع الوعاظ وقرّاء المقاتل، الذين يعتلون المنابر في شهر محرم، وأرباب الهيئات، أن يضعوا هذه القضية في مقدمة اهتماماتهم. لقد كانت شهادة سيدالشهداء (ع) من اجل اقامة العدل الالهي، ومن اجل ان يبقي بيت الله محفوظاً ومصاناً.

وفي هذا الوقت، الذي قعدنا وأخذنا نتفرج فيه، علي أي شي ء نتفرج؟ ما الذي يجب علينا أن نعمله؟.

طبعاً، أنا عندما اقول علينا أن نواجه هذه المسألة فهذا لايعني أن نتعرض لرعايا السعودية أو الكويت هنا أو في أي مكان آخر؛ بل أن هؤلاء في مأمن ويجب أن لايُساء اليهم، ولاشك أن شبابنا علي وعي بهذا الامر، إلّا انني اذكّر هؤلاء الذين يمكن أن يتغلغل بين صفوفهم من يهدف الى تشويه سمعةالحكومة والشعب الايراني، عليهم أن ينتبهوا لمثل هؤلاء.

كما تعرفون ان مثل اولئك (الرعايا) ليس بأيديهم شي ء حتي نتعرض لهم. ان الامر اكبر من هذا، حيث يجب علينا وبكل ما أُوتينا من قوة، كما يجب علي جميع المسلمين وكل من يعتقد بالله وبكامل قواهم، أن نتصدي لهذا الأمر جميعاً، كل حسب ما يرتأيه، ويرى الصلاح فيه. ينبغي أن لانأخذ هذا العار معنا الى قبورنا. لقد ارتُكبت اعظم جريمة علي مرأى ومسمع منّا جميعاً، وها هم اليوم يدّعون احقية عملهم ويدينوننا.

ما من شك ان هذه المؤامرةكانوا قد استعدّوا لها من قبل، ونحن

ص: 137

علي يقين من أنها كانت مبيّته لنا. لقد فرضوا علي آل سعود الحمقي وحثّوهم علي ارتكاب مثل هذا العمل الاحمق، الذي أدّى الى انحطاطهم اكثر فأكثر في كل انحاء العالم، فضلًا كانوا عليه وما سينتظرهم في المستقبل.

اننا في حيرة حقاً، ما الذي يتسنّي لنا أن نعمله؟ ان الله تبارك وتعالى يحمي بيته «إنّ لله بيتاً يحميه» ( (1)). وسوف يوجه المسلمون، من المؤمنين الحجازيين، صفعاتهم لهؤلاء الخونة، حيث أن اهل الحجاز لادخل لهم في هذا الاعتداء، عدا الزُّمر المراتبطة بهذا الحزب الباطل الحاكم هناك.

لم يسبق أن بعث ملك آل سعود، في الاعوام الماضية، رسالة لي، إلّا أنه ارسل لي هذا العام رسالة يشكرني فيها علي دعوتي للحجاج الى التزام الهدوء هناك، رغم أني أوصيهم بهذا كل عام. ولكن ما الذي حدث حتي دعاه الى ارسال رسالة لي بهذا المعني؟. انه لدليل علي أنهم كانوا قد أعدوا الأمر من قبل، وان هذه الرسالة كانت ليقولوا فيما بعد بأننا كنا قد عبّرنا عن نوايانا الحسنة من قبل، إلّا أن الامر لم يكن إلّا مسرحية.

ان اكبر دليل علي وجود اعداد مسبق لهذه الفاجعة،


1- ورد في كتاب «الحج في الكتاب والسنة» ص 58/ ح 58/ و ص 59/ خ 59 و 60 كلاماً بنفس هذا المضمون نقلًا عن عبدالمطلب جدّ الرسول محمد 9.

ص: 138

هو الاسلوب الذي اتبعوه في مواجهتها. لقد ادّعوا ان الايرانيين كانوا يريدون حرق الكعبة واتخذا مدينة قم كعبة لهم. من مثل هذا الكلام الاحمق، واضح انهم كانوا علي استعداد مسبق لارتكاب هذه الفاجعة والتذرع بهذه الذريعة من أن الايرانيين جاءوا ليهدموا الكعبة، واننا قد منعناهم من تحقيق اهدافهم.

ان القضية ليست قضية قتل، بل انها قضية هتك للحُرمات. ان قضية الحجاز لها ابعاد مختلفة، وان بُعدها الاعظم هو انتها كهم لحرمة واحترام مكان مقدس، وان المسلمين لن يسكتوا ازاء ذلك، وعندها سيفهم «فهد» وامثاله، ما الذي فُرض عليهم اداءه في هذه القضية، وما الذي حدث بالضبط. وان المسلمين يعرفون مسؤوليتهم ازاء هذا الأمر، وكذلك الحجازيين.

لو كانت هذه المجزرة قد حدثت في الطائف دون مكة، لكان الأمريهون، ولكان الأمر لايتعدي مجزرة حديثت في الطائف.

لقد قدّمنا الكثير من القتلي. لقد كان لنا قتلي في الحرب، وما قبل الحرب، وسيكون لنا فيما بعد ايضاً. لوكان الأمر قد حدث في الطائف، لقُلنا ان مجموعة قد قتلت بأيدي هؤلاء. وقد حدث من قبل مثل هذا.

من هم هؤلاء الذين جاءوا ونصّبوا من انفسهم «خادم الحرمين»؟. من الذي خلع علي هؤلاء هذا الاسم «خادم الحرمين»؟. بأي حق غيّر هؤلاء اسم البلد الاسلامي من «الحجاز» الى «المملكة السعودية»؟ لماذا «المملكة السعودية»! انها امور تدعو للاسي

ص: 139

والأسف، ونحن لانعلم كيف نتخلص من هذا لعار؟.

لقد تحمّلت الكثير من الامور، امور الحرب وغيرها، تحمّلتها كلّها، إلّا أن هذه القضية افقدتني قدرة التحمل، انها أمر غير بقية الامور، اننا نأمل أن يتلطف الله تبارك وتعالى، في حل هذه الامور، بقدرته.

نأمل من الله أن يوفقنا جميعاً لكي لانكون غير مبالين في مثل هذه الامور، وأن لايكون المسلمون في العالم غير مبالين امام هذا الامر، لاسيما نحن في شهر محرم.

اسأل الله التوفيق لكم جميعاً، وأن نوفق لخدمة عباد الله هؤلاء، الذين كانوا ولازالوا مظلومين، وان نبقي علي هذه الخدمة لهؤلاء؛ وانتم ايضاً من هذه الطبقة ولله الحمد ولستم من غيرهم، وانكم تختلفون كثيراً عن كل اولئك الذين تقلّدوا هذه المناصب في العهود السابقة.

اسأل الله أن يوفكم دائماً لخدمة هذا الشعب.

والسلام علكيم ورحمة الله وبركاته

ص:140

ص: 141

الرسالة الجوابية

التي بعثها الامام الخميني

الى حجة الاسلام والمسلمين الشيخ كروبي

بشأن الحج ومسألة الاشراف علي شؤون الحجاج الايرانيين

15/ محرم الحرام/ 1408 ه-. ق.

ص:142

ص: 143

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة حجةالاسلام الحاج الشيخ مهدي كروبي، دامت افاضاته.

بعد شكري للصمود الاسلامي المدهش الذي ابداء حجاج بيت الله الحرام المظلومون المحترمون، أمام هجوم آل سعود، هؤلاء مسودّي الوجوه علي طول التاريخ، والعملاءالطيّعين لامريكا الناهبة.

كذلك بعد شكري لسماحتكم، لما أبديتموه من صمود ملتزم وشجاع، ومواصلتكم في اصدار لنداءات وعقد المؤتمرات الصحيفة القاصمة، رغم المعاناة التي فرضتها مخالب آل سعود الدامية عليكم، حيثُ وفقتم بعملك هذا، من ازاحةالستار عن الوجه الكريه لمجرمي التاريخ هؤلاء، وفضح امريكا المجرمة وعملائها الخبثاء في شتي انحاء العالم؛ اعيّن سماحتكم، حيث أنتم في مقدمة صفوف مجاهدي الاسلام- ولله الحمد- وكما هو في الاعوام الماضية، ممثلًا لي ومشرفاً علي امور حجاج بيت الله الحرام. ( (1))

الامام والمشرف علي الحجاج الايرانيين، الى سماحة الامام، فيما يختص بادامة امر الاشراف علي الحجاج. 15/ محرم الحرام/ 1408 ه- ق.

بسم الله الرحمن الرحيم

محضر القائد الاعظم للثورة الاسلامية، ومرجع العالم الاسلامي الجليل، سماحة آيةالله العظمى الامام الخمينى (مدّ ظله العالي).

بعد تقديم التحية والسلام لمحضر سماحتكم المستطاب، والشكر الجزيل للحجاج الايرانيين الاعزاء الذين اثبتوا عشقهم للاسلام، وتبعيتهم للاوامر المطاعة للقائد العظيم خلال مراسم الحج وبالاخص بعد فاجعة مكة المكرمة الدامية، حيث امتازوا بروحيتهم الصامدة وارادتهم العجيبة، واستعدادهم للايثار والتضحية في طريق صيانة الاسلام واحكام القرآن الكريم الحياتية، وبعد شكري وتقديري لجميع المتصدّين لامور الحج لما بذلوه من اتعاب وجهود مضنيةفي حج هذا العالم، أودّ ان اعراض في خدمة سماحتكم انه وطبقاً لما هو متّبع بعد انتهاءمراسم الحج لكل عام، ان يتم كسب التكليف بشأن استمرار العمل، ونظراً لان الاعداد السنوي للحج لابد أن يشرع به من الآن، لذا فإننا في انتظار اوامركم اللازمة بهذا الشأن.

ندعو الله سبحانه وتعالى ان يحفظ لنا ولجميع مسلمي ومستضعفي العالم الاسلامي الوجود المبارك لسماحتكم حتي ظهور امام العصر وان ينقذ المسلمين والمستضعفين من شرّ اعداء الاسلام والانسانية، ولا سيما الشيطان الاكبر امريكا

مهدي كروبي 15/ محرم الحرام/ 1408 ه-. ق.


1- نص الرسالة التي بعثها حجة الاسلام والمسلمين الشيخ كروبي، مندوب.

ص: 144

ان الجريمة التاريخية التي تمثلت بإنتهاك حرمة الحرم الالهي الآمن، والتي احترقت قلوب مسلمي العالم الملتزمين، لايمكن نسيانها الى الأبد، أوالسكوت ازاءها.

وهنا يلزمني أن اشكر كافة المتصدّين والمسؤولين عن الحج. سيّما سماحة حجة الاسلام السيد امام جماراني دامت افاضاته، الذي

ص: 145

كان بصموده والتزامه مفخرة للجمهورية الاسلامية الايرانية، وتطييب لأرواح الشهداء. واسأل الله أن يوفق الجميع لخدمة الاسلام واحكامه النورانية.

اسأل الله الرحمة والمغفرة لشهداء مكة الدامية العظام، الذين كانوا باهدائهم لدمائهم الزكية، سبباً في أن ترفرف راية التوحيد والرسالة والامامة الحمراء، في السماءوالارض. وأدعو بالصبر والسلوان والأجر لذوبهم الذين فازوا بالفخر والشرف العظيم.

والسلام عليكم ورحمةالله وبركاته

15/ محرم الحرام/ 1408 ه-. ق

روح الله الموسوي الخميني

ص:146

ص: 147

نداء الامام الخميني (قدس سره) بمناسبة ذكرى فاجعة مكة المكرمة والحرب المفروضة 28/ محرم الحرام/ 1408 ه-. ق.

ص:148

ص: 149

بسم الله الرحمن الرحيم

(ومَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَويَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) ((1) )

كيف يمكن فهم هذا الأجر العظيم، الذي وعد به القلم المعظم للعظيم المطلق، وتحليله بالفكر البشري البسيط. كأن هذا الأجر العظيم هو ذاته حبّ الله تعالى الذي ورد في سورة الصف المباركة: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) ( (2))

أي فيلسوف مقتدر، او عارف فاهم عليم، يمكنه درك معني المحبوبية لدي الواحد الاحد، حتي يتمكن من التحدث أوالكتابة عنها؟.

هل ان هذا الحب نافلة، تأخذ بالعبد الترابي ليسموا الى جوار الملك والملكوت الأعلي، ويكون الحق، بفضل جاذبيته الغيبية، غامراً لسمعه وبصره وقلبه، وعندها يمسي كل ما يسمعه أويراه


1- سورة النساء/ 74
2- سورة الصف/ 4.

ص: 150

أويتذوقه عرفانياً، لأنه بسمع الحق وبصره وقلبه- جلّ وعلا-. وعندها لن يرى هذا العبد إلّا ببصر الحق، ولايسمع إلّا بسمع الحق، ولايعرف إلّا بعلم الحق، وتُرفع الحجب آنذاك ((1) )، ويرى العالم كما هو علي حقيقته حيث: «اللهم أرني الاشياءكما هي». ((2) )

أوأن هذا الحب هو اقرب الى الفريضة، التي تفني فيها الذات والشخصية و «تصعق» وتمحو فيها وتتلاشي ((3) )، الكثرة بكل معني الكملة، ولايبقي للعين ولا الاذن، ولا الباطن ولا الظاهر أي اثر: «هوالاول والآخر والظاهر والباطن ....» ( (4))؛ لم يعد هناك سبيل إلهي، ولا يظل اسم أورسم، حيث خرج هؤلاء من بيوتهم وقد ادركم الموت، وتكسّرت الاقدام والاقلام.

اللهم! ان هذا هو وصف المجاهدين في سبيل الله واجرهم العظيم؛ المجاهدون الذين استشهدوا في ميادين الصراع مع اعدائك واعداء رسولك العظيم واعداء قرآنك الكريم، أوانتصروا في هذا الطريق.

إلهي! انت تشهد بما كان لنا في هذا العام من مُعاقين ومهاجرين

وقد ورود نفس الدعاء بعبارات متفاوتة في «عوالي اللئالي»/ ج 4/ ص 132/ ح 228

(


1- اصول الكافي/ ج 2/ ص 352
2- تفسير ملا صدرا/ ج 2/ ص 342.
3- اصول الكافي/ ج 2/ ص 352
4- سورة الحديد/ 3.

ص: 151

ومجاهدين، كانوا قد اتجهوا اليك وهاجروا الى بيتك الآمن، الذي كان منذ صدر الخلق وحتي اليوم مأمن كل موجود، قد سقطوا مضرجين بدمائهم، أمام الانظار المتحيرة لمسلمي العالم، علي يد امريكا الخبيثة التي امتدت من اكمام آل سعود.

وعلي اعتاب عاشوراء ولي الله الاعظم (ع)، أوجدوا عاشوراءاخرى، وبأبعاد مختلفة، الى جوارك وجوار بيتك الآمن في الجمعة الدامية؛ وليتني لم اكن موجوداً حتي لا ارى ولا اسمع ما حدث، ليس لأنه استشهد في هذه الفاجعة اعزّتنا من المجاهدين والمهاجرين، حيث ان الشهادة هي امل اعزتنا وهي شهدٌ تعوّد عليه رجالنا ونساؤنا واطفالنا، وذاقوه بشكل أشد وأفجع في الحملات المغولية لصدام العفلقي، وقد رأينا ذلك؛ بل للمصيبة التي لم تحل علي نبي الاسلام- صلوات الله عليه- لوحده بل حلّت علي جميع الانبياء والمرسلين من آدم وحتي الخاتم، حيث انتهكت حرمة اعظم مكان إلهي مقدس، وبأمر من البيت «الاسود»، بالأيادي النجسة لآل سعود، اشقي مجرمي عصرنا.

واذا كان ولي الله قد حارب مع انصاره في سبيلك، في عاشوراءالحسين (ع) واستشهدوا جميعاً، فإن هؤلاءقد صنعوا في عاشوراءالجمعة الدامية بمكة، معك ومع رسولك وزوّارك، الذين يمثلون رُسل مدرسة رسولك، والذي التزاماً بأمر دينك لم تكن لديهم أية وسيلة للدفاع عن أنفسهم، وقابلوهم مقابلة لم تكن لتصدر

ص: 152

إلّا من الشيطان الاكبر أمريكا وأذنابها.

ان امريكا واجراءها، قد انتقموا، في هذه المذبحة الدامية، من الاسلام العزيز في مهبط الوحي والمحل الالهي الآمن، الاسلام الذي سيصبح في القريب العاجل رسالة كافةالبلدان الرازحة تحت نير الشرق والغرب.

الهي! ان جميع القوى والقدرات العالمية قد اجتمعت اليوم وتكالبت علي اجتثاث جذور اسلام رسولنا (ص) الاصيل.

إلهي! ان الصداميين، وبدافع حقدهم علي دينك، وضعوا ايدهم بأيدي جمعيع شياطين العالم، وذلك لاخماد صوت الاسلام المحمدي.

إلهي! اسألك وادعوك أن تجعلنا اكثر صبراً في دربك، وأن تُلهم عوائل شهدائنا ومعوقينا ومفقودينا واسرانا الاعزاء العظام، صبراً جميلًا.

اللهم! احشر شهداءنا مع سيدالشهداء (ع)، ومُنَّ بالشفاء علي معوقي ثورتك الاسلامية الاعزاء، وأرجع اسرانا ومفقودينا الى اوطانهم في القريب العاجل.

اللهم! تلطّف علي جميع الشعوب الاسلامية، ولاسيّما الشعب الايراني الشجاع البطل، لتتسع قدرة تحملهم لضغوط الاستكبار العسكرية براً وجواً، وكذلك الضغوط الاقتصادية والسياسية

ص: 153

المتزايدة لمراكز الفساد.

اللهم! اغمر باطن قلوب المعتقدين بدين الرسول الاكرم (ص) برضاك. انّك مجيب الدعوات.

روح الله الموسوي الخميني

28/ محرم الحرام/ 1408 ه-. ق.

ص:154

ص: 155

آخر نداءللامام الخميني (قدس سره) الى حجاج بيت الله الحرام 40/ ذي الحجة/ 1408 ه- ق.

ص:156

ص: 157

بسم الله الرحمن الرحيم

(لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) ((1) )

رغم مرور عامٍ على المجزرة الفجيعة والظالمة، التي ارتكبت ضد الحجاج العزّل والزائرين المؤمنين والموحدين، من قبل آل سعود العبيد والسفاكين، إلّا أنه لازالت مدينة الله وخلق الله في حيرة واندهاش.

ان آل سعود بقتلهم لضيوف الرحمن، وسفكهم لدماء افضل عباد الحق، ليس فقط لطّخوا الحرم بدماءالشهداء، بل العالم الاسلامي بأسره، وأوجدوا للمسلمين والاحرار مأتماً وعزاء.

لقد احتفل مسلموا العالم في العالم الماضي، ولاول مرة، بعيد الاضحي، تزامناً مع استشهاد ابناءابراهيم (ع) في مسلخ العشق ومني رضا الحق، هؤلاء الذين خاضوا، ولعشرات المرات، معاركهم مع الناهبين الدوليين واذنابهم.


1- سورة الفتح/ 27.

ص: 158

مرة اخرى، وخلافاً لنهج الحرية واعرافها، امتدت ايادي امريكا وآل سعود لتقتل النساء والرجال، من امّهات وآباء شهدائنا. لتقتل معوقينا العزّل. بل وأخذت سياطهم تلسع اجساد الكهول والعجائز، وهم في انفاسهم الاخيرة، بكل قسوة وخسّة، وتطال شفاه مظلومينا التي يبّسها الظمأ انتقاماً منهم.

الانتقام ممّن، وبأي ذنب؟

الانتقام من أناسٍ هاجروا من بيوتهم الى بيت الله وبيت الناس.

الانتقام من أناسٍ كانوا قد حملوا علي كواهلهم ولسنوات، عب ء الامانةوالجهاد.

الانتقام من أناس تأسّوا بابراهيم (ع)، حيث كانوا قد عادوا لتوهّم من تحطيم الاصنام، بعد ان كانوا قد قضوا علي الشاه. وألحقوا الهزيمة بروسيا وامريكا. وأزالوا الكفر والنفاق.

انهم نفس هؤلاء الذين كانوا قد قطعوا المسافات الطويلة بأقدام عارية ورؤوس مكشوفة وهم يرددون وبأصات عالية: (وأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا) ( (1))، ليدخلوا الفرحة الى قلب ابراهيم.

انهم كانوا قد جاءوا لضيافة الله، وليزيلوا، بماء زمزم، ما علق بوجوههم من تراب وغبار رحلتهم، ويطفئوا عطشهم في زلال مناسك الحج. وأن يتحملوا المسؤولية بقدرة اكبر، وأن يخلعوا عن ابدانهم، في سيرتهم وصيرورتهم الابدية، رداء وحجاب التبعية والتعلق القلبي


1- سورة الحج/ 27.

ص: 159

بالدنيا، ليس في «ميقات» الحج فحسب بل في «ميقات» العمل ايضاً.

انهم نفس هؤلاء الذين حرّموا علي أنفسهم راحة طلاب الدّعة، من اجل انقاذ المحرومين وعباد الله، وأحرموا بإحرام الشهادة، وعقدوا العزم ليس علي أن لايكونوا عبيداً أذلاء لامريكا وروسيا فحسب، بل أن لايخضعوا لأي أحدٍ سوى الله.

انهم قد جاءوا ليقولا ثانية لمحمّد (ص)، إنّهم لم يتعبوا من النضال، وانّهم يعرفون جيداً أن «أباسفيان» و «أبالهب» و «أباجهل» قد كمنوا لهم للانتقام منهم، وانهم يردّدون مع أنفسهم: ألا زال في الكعبة، «اللات» و «هبل»؟.

اجل، بل انها اخطر من تلك الاوثان، ولكن بصور واحابيل جديدة.

انهم يعرفون اليوم، أن الحرم حرمٌ ولكن ليس «للناس»، بل «لأمريكا»؛ وان من يرفض ان يقول «لبيك» لاميركا ويتوجه الى إله الكعبة، سوف ينتقم منه.

الانتقام من الحجاج الذين أحيت كل ذرات وجودهم، وكافة حركات وسكنات ثورتهم، مناسك إبراهيم، وهم يتطّلعون حقاً لأن تغمر اصداء «لبّيك، اللهم لبّيك»، التي يتعشقها القلب، اجواء بلادهم ويعمّ اريجها حياتهم.

اجل، في منطق الاستكبار العالمي، كل من يريد أن يجسد البراءة من الكفر والشرك يُتَّهم بالشرك، وعندها يسارع الصحاب الفتوى

ص: 160

المأجورون وتلامذتهم، من احفاد «بلعم بن باعورا»، الى اصدار الفتاوى بقتلهم وتكفيرهم. وبالتالي كان لابد أن يتكرر تاريخ الاسلام وان يخرج ثانية سيف الكفر والنفاق، الذي كان قد أُخفي تحت ملابس الاحرام الخدّاعة التي تستر بها اليزيديون واجراء بني امية- عليهم لعنة الله-، بهدف ابادة وقتل افضل الابناء الحقيقيين لنبي الاسلام، أي سيدنا ابي عبدالله الحسين (ع) وانصاره الاوفياء؛ أن يخرج نفس السيف في هذا العصر، من تحت ملابس ورثة «بني سفيان» ليحزّ الوريد الطاهر والمطهر للسائرين علي نهج الحسين (ع)، في ذلك الجو الحار في كربلاء «الحجاز» ومقتل «الحرم»، بل وأن يكيلوا لهم نفس الاتهامات التي أطلقها اليزيديون ضد ابناء الاسلام الحقيقيين حيث اتّهموهم بالالحاد والشرك، وأنهم خارجيون، وأنهم مهدورو الدم.

ان شاءالله، سنشفي غليل قلوبنا في الوقت المناسب بالانتقام من امريكا وآل سعود، وسنجعل من حلاوة هذه الجريمة الكبرى حسرةً ولوعةً في قلوبهم، وسندخل «المسجد الحرام»، ونقيم هناك حفل انتصار الحق على جنود الكفر والنفاق بعد تحرير «الكعبة» من ايدي العناصر غير المؤهلة وغير ذي محرم.

اما بالنسبة لحجاج بقية البلدان، الذين- لا شك- قد جاءوا الى «مكة» تحت مراقبة وارعاب حكوماتهم ودولهم، فإنهم سيشعرون هذا العام بغياب اصدقائهم واخوتهم والمدافعين عنهم ومناصريهم

ص: 161

الحقيقيين.

وسوف يعمل آل سعود، وبهدف التستر على جريمتهم الكبرى في العالم الماضي، وتبرير صدّهم عن سبيل الله ( (1)) ومنعهم للحجاج الايرانيين من اداء الحج، الى اخضاع الحجاج الى حملات اعلامية شديدة؛ وسوف يتعهد وعاظ السلاطين ومسؤولو الافتاء الاجراء- لعنة الله عليهم- في البلدان الاسلامية وبالاخص «الحجاز»، بإلقاء الكلمات والخطب ونشرها عبر وسائل الاعلام والصحف، والعمل علي تضيين الخناق علي افكار الحجاج، ليحولوا دون التحقيق بشأن فهم وادراك الفلسفة الحقيقية للحج، وكشف وقائع المخطط الذي كان قد اعدّه الشيطان الاكبر لقتل ضيوف الرّحمن. وفي مثل هذه الاجواء فإن مسؤولية ورسالة الحجاج ستكون شاقة وعظيمة.

ان من اعظم ماتعانيه المجتمعات الاسلامية، هو أنها لم تدرك حتي الآن الفلسفة الحقيقية للكثير من الاحكام الالهية. وان الحج، رغم كل تلك الاسرار والعظمة الكامنة فيه، لازال عبادة جافة، وحركة غير مثمرة خالية من أي جدوي.

لذا فإن من اعظم واجبات المسلمين، التعرف علي حقيقة الحج، ولماذا ينبغي دوماً صرف قسم من الامكانات المادية والمعنوية للانسان لأدائه؟.

ان ما طرح حتي الآن من قبل الجاهلين والمفسرين المغرضين


1- سورة البقرة/ 217

ص: 162

أوالاجراء، تحديداً لفلسفة الحج، هو ان الحج عبادة جماعية، وسفر زيارة وسياحة.

ما علاقة الحج بكيفية العيش، وأساليب النضال، ومواجهة العالَمين الرأسمالي والشيوعي؟!.

ما علاقة الحج بالمطالبة بحقوق المسلمين والمحرومين من الظالمين؟!.

ما علاقة الحج بالتفكير في حلول للمعاناة الروحية والجسدية التي يتعرض لها المسلمون؟!.

ما علاقة الحج بظهور المسلمين كقوة كبرى ومقتدرة في العالم الثالث؟!.

ما علاقة الحج بدعوة المسملين الى الانتقاض ضد الحكومات العملية؟!.

ان الحج ما هو إلّا رحلةسياحية يتم فيها زيارة «القبلة» و «المدينة» ليس اكثر!!.

في حين أن الحج كان قد شُرِّع لاقتراب الانسان وارتباطه بصاحب البيت، ولم يكن الحج مجموعة من الحركات والاعمال والالفاظ.

ان الانسان لايصل الى الله بالكلام والالفاظ والحركات الميتة.

ان الحج مركز للمعارف الالهية، الذي يجب أن يستلهم منه مضامين السياسة الاسلامية في مختلف مناحي الحياة.

ص: 163

الحج دعوة لايجاد وتشييد مجتمع بعيد عن الرذائل المادية والمعنوية.

الحج تجسيد وتجلّي لكافة المشاهد البديعة لحياة الانسان والمجتمع المتكامل في الدنيا. وان مناسك الحج هي مناسك الحياة، ونظراً لأن مجتمع الامة الاسلامية ممن كل عنصر وشعب، لا بدّ أن يكون ابراهيمياً حتي يلتحق بقافلة امّة محمد (ص) ويصبح جزءً منها، ويداً واحدةً، فإن الحج هو العامل الذي يهيي ء ويوجد وينظّم مثل هذه الحياة التوحيدية.

ان الحج ساحة عرض، ومرآة تقييم، للمؤهلات والامكانات المادية والمعنوية للمسلمين.

والحج مثل القرآن، مائدة ينتفع منها الجميع، إلّا أن المفكرين والمتبحِّرين والعارفين لآلام الأمة الاسلامية، سيكون نصيبهم اوفر من جواهر بحر الهداية والنمو والحكمة والتحرر هذا، إنْ غاصوا في اعماق معارفه ولم يهابوا التقرب من احكامه وسياساته الاجتماعية والتعمق بها، وسيروون عطشهم الى الأبد من زلال حكمته ومعرفته. ولكن ما الذي نعمل، والى اين نتّجه بهذا الغمَّ الكبير ألا وهو أن الحج أمسي مهجوراً كالقرآن؟!.

فكما أن هذا الكتاب، كتاب الحياة والكمال والجمال، قد اخفي وراء الحُجب التي صنعناها بأيدينا، واخفيت ودُفنت خزائن اسرار الخلق العظيمة في عمق انحرافاتنا الفكرية المتراكمة، وقد أُنزل من

ص: 164

مقامه ليكون لغة الخوف والموت والقبر، بعد أن كان لغة الانس والهداية والحياة والفلسفة المشيّدة للحياة؛ فإن الحج هو الآخر قد آل الى نفس المصير الذي آل اليه القرآن!.

المصير الذي يمارسه ملايين المسلمين سنوياً في ذهابهم الى «مكة» حيث تطأ اقدامهم المواضع التي وطأتها اقدام كل من «النبي» و «ابراهيم» و «اسماعيل» و «هاجر»، ألّا أن أيّاً منهم لايسأل نفسه: من كان ابراهيم ومحمد (ص)، وما الذّي قاما به، وما هي اهدافهما، وماذا كانا ينتظران منّا؟ علي ما يبدوا أنهم يفكرون في كل شي ء إلّا في هذه.

ولا شك أن الحج المجرد من الروح والحركة والقيام، الحج الذي لايتضمن البراءة والوحدة، ولايؤدي الى زوال الكفر والشرك، لايعتبر حجاً.

باختصار، يتوجب علي جميع المسلمين أن يسعوا من اجل اعادة الحياة الى الحج والقرآن الكريم، والعمل علي عودة الروح والحياة لهما. كما ينبغي علي علماءالاسلام الملتزمين، أن يضطلعوا بمسؤولية تقديم وعرض تفاسير صحيحة وواقعية لفلسفة الحج، والعمل علي نبذ وابعاد ما تنسجه خيالات وتصورات علماءالبلاط من خرافات.

أمّا ماينبغي علي الحجاج الاعزاء ان يعرفوه فهو:

ان امريكا وآل سعود قد أشاعوا بأن حادثة مكة، كانت صراعاً

ص: 165

طائفياً ونزاعاً علي القدرة بين الشيعة واهل السنة؛ وقد أظهروا ايران وقادتها بمظهر الساعين لايجاد امبراطورية كبرى، وذلك لتضليل وخداع الافراد الذين هم بعيدون عن الاحداث السياسية للعالم الاسلامي، ويجهلون مخططات الناهبين الدوليين المشؤومة، عن طريق تلقينهم بأن صرخة البراءة من المشركين التي نطلقها، ونضالنا من اجل تحرير الشعوب، ما هي إلّا بدافع تحقيق قدرتنا السياسية وتوسيع الرقعة الجغرافية للحكومة الاسلامية.

طبعاً، نحن لانعجب، وكذلك كل المفكرين والمحققين الذين يعرفون النوايا الخبيثة لآل سعود وتشكيلاتهم، مما تكيله ابواق آل سعود لنا وماتتهم به ايران وحكومتها، من أنها تعمل علي زرع بذور الفرقة والخلاف بين المسلمين؛ ايران التي رفعت شعار وحدة المسلمين منذ الانتصار والى الآن، واعتبرت نفسها شريكة في اتراح وافراح المسلمين في كافة الحوادث التي مرّ بها العالم الاسلامي؛ واكثر من ذلك، حيث اتّهموا الحجاج، الذين وفدوا الى «الحجاز» عشقاً لزيارة مرقد النبي (ص) والحرم الإلهي الآمن، اتّهموهم بتجهيز القوات والاستعداد لاحتلال الكعبة واشعال النيران في حرم الله، وتهديم مدينة النبي (ص) ودليلهم في ذلك تواجد حرّاس الثورة والعسكريين ومسؤولي البلاد في مراسم الحج!.

أجل في منطق آل سعود، علي العسكري وحارس البلد الاسلامي

ص: 166

أن يكونا بعيدين عن الحج، وان مثل هذه الرحلات التي يؤدّيها مسؤولو الحكومة أو العسكريون، فهي مثار الحيرة والاستغراب ودليل علي وجود مؤامرة! ففي عرف الاستكبار، علي المسؤولين أن يسافروا الى البلاد الغريبة، ما علاقة مثل هؤلاءبالحج؟!.

لقد عدّ عملاء امريكا، احراق علم امريكا مثابة اشعال النيران في الحرم، ورفع شعار الموت لروسيا وامريكا واسرائيل، علي أنه عداءٌ لله والقرآن والنبي (ص) وان حضور مسؤولينا وعسكريينا بلباس الاحرام علي أنهم قادة المؤامرة.

في الحقيقة، ان دول الاستكبار، الشرقية والغربية، ولاسيما امريكا وروسيا، قد قسّموا العالم عملياً الى قسمين: الاول العالم الحر، والثاني العالم المحاصر سياسياً.

فالعالم الحر، يضمّ القوي العالمية التي لاتعرف أي معني للحدود والحواجز والقانون، وهي تعتبر الاعتداء علي مصالح الآخرين، واستعمار واستغلال واستبعاد الشعوب، امراً ضرورياً ومبرراً تماماً، وهو يتوافق مع كل الاصول والمعايير الدولية التي اوجدوها بأنفسهم!.

اما العالم الآخر، العالم المحاصر سياسيّاً، وللأسف، فإن اكثر شعوب العالم الضعيفة وخاصة المسملون، قد سُجنت فيه ووُضعت تحت المراقبة، حيث ليس لها حق الحياة أو حق ابداء وجهات النظر ابداً.

ص: 167

حيث أن كل القوانين والمقررات، والمعادلات، الموجودة في هذا العالم هي مما أُمليت عليه، والتي تهدف الى تحقيق اهداف الانظمة المأجورة والضامنة لمصالح المستكبرين.

وللأسف فإن اكثر عوامل التنفيذ في هذا المجال هم الحكام المفروضون أنفسهم، أوالسائرون علي النهج العام للاستكبار، الذين يعتبرون الصراخ من الألم، حتي داخل هذه الاطواق والقيود، جريمة وذنباً لايغتفر.

حيث أن مصالح الناهبين الدوليين، تستوجب أن يحرم الجميع من النطق بأية كلمة يشمّ منها رائحة مخالفتهم، أوالمساس بنوم الراحة الذين ينعمون به.

ونظراً لأن مسلمي العالم لايتمكنون من الافصاح المصائب المفروضة عليهم، من قبل حكام بلدانهم، بسب الارهاب والتهديد بالسجن والاعدام، فمن المفروض أنهم يتمكنون من التعبير عن مصائبهم وآلامهم في الحرم الإلهي الآمن بكل حرية، حتي يتمكن باقي المسلمين من التفكير بسبيل لخلاصهم وتحررهم.

لذا، فإننا، ومن اجل ذلك، نؤكد ونصرّ علي هذا الأمر وهو أن المسلمين ينبغي أن يكونوا احراراً من قيود واغلال الظالمين، علي الاقل في بيت الله والحرم الإلهي الآمن، وان يشتركوا في مناورة كبرى يعلنوا فيها براءتهم من كل مايتنفرّون منه، وأن يستفيدوا من أية وسيلة ممكنة لأجل تحرير انفسهم.

ص: 168

ان حكومة آل سعود قد اخذت علي عاتقها مسؤولية السيطرة علي حجاج بيت الله، وهنا اقول بكل ثقة: ان حادثة مكة ليست منفصلة عن السياسة المبدئية التي يلتزم بها الناهبون الدوليون، والتي تهدف الى قمع واستئْصال المسلمين الاحرار.

اننا بإعلان البراءة من المشركين، مصمِّمون علي اطلاق الطاقةالكامنة للعالم الاسلامي، وبفضل الله العظيم وعونه، وبجهود أبناء القرآن، سيتحقق هذا الامر يوماً ما، وسيأتي- ان شاءالله- اليوم الذي سيصرخ فيه كل المسلمين والمتألمين ضد العالم، وعندها سيثبتون أن القوى العالمية وعبيدها ومأجوريها، هم من اكثر موجودات العالم منبوذيةً وكراهيةً.

ان المجزرة التي ارتُكبت ضد حجاج بيت الله، مؤامرة كانت تهدف للحفاظ علي السياسة الاستكبارية، والحؤول دون شيوع الاسلام المحمدي الاصيل (ص) وانتشاره. كما ان الصحيفة السوادء المخزية لزعماء البلدان الاسلامية المرفّهين، تحكي عن الآلام والمصائب التي يبيتها هؤلاء لجسد الاسلام والمسلمين المحتضر.

ان نبي الاسلام، ليس بحاجة الى مساجد مجللّة البناء والعمارة، ومنائر مزينةبالزخارف والنقوش. لقد كان نبي الاسلام يسعي لتحقيق مجد وعظمة المسلمين، الذين- للأسف- قد فُرض عليهم اليوم الذلّ والخنوع بسبب السياسات الخاطئة للحكام العملاء.

ص: 169

هل من الممكن أن ينسي مسلمو العالم فاجعة قتل مئات العلماء وآلاف النساء والرجال من فرق المسلمين المختلفة خللا حكم آل سعود العفن، فضلًا عن جريمة قتل حجاج بيت الله الحرام؟.

ألم يرا المسلمون، أن مراكز الوهابية في العالم قد تحولت اليوم الى مراكز للفتنة والتجسس، فهي من جهة ترويج لإسلام الاعيان والمرفّهين، اسلام «ابي سفيان»، اسلام وعاظ الخبثاء، اسلام المتظاهرين بالقداسة عديمي الاحساس ممن يتواجدون بين صفوف الحوزات العلمية والجامعية، اسلام الخنوع والمذلّة، اسلام الثروة والقوة، اسلام الخداع والمهادنة والأسر، اسلام تحكّم الرأسمالية والرأسماليين برؤوس المظلومين والحفاة؛ وفي كلمة واحدة الاسلام الامريكي. ومن جهة اخرى فهي تلقي بنفسها في احضان سيدتها، امريكا الناهبة.

ان المسلمين لايعرفون الى اين يتوجهون بالهمّ هذا: حيث أن «آل سعود» و «خادم الحرمين»، يطمئنون اسرائيل بأنهم لن يستخدموا اسلحتهم ضدها، ومن اجل أن يثبتوا صدق ادّعائهم فإنهم يبادرون الى قطع علاقاتهم مع ايران.

حقاً، الى أي حدّ يجب أن تكون علاقة قادة البلدان الاسلامية مع الصهاينة وثيقة وودّية، بحيث أنهم يبعدون من اعمال واجتماعات مؤتمر قادة البلدان الاسلامية، حتي مجرد البحث بشأن النضال الصُوري والظاهري ضد اسرائيل؟!.

ص: 170

لوكان لهؤلاء ذرة من الغيرة والحميّة الاسلاميةو العربية لماتورطوا في مثل هذه الصفقة السياسية الخبيثة التي لاتؤدي إلّا الى بيع أنفسهم وأوطانهم.

ألم تكن هذه التصرفات مخجلة للعالم الاسلامي، وألا يعتبر التزام الصمت والاكتفاء بالفرجة علي مثل هذه الامور، ذنباً وجرماً؟.

ألا يوجد بين المسلمين من ينتفض ويرفض كل هذا العار والمذلة؟.

حقاً، أيجب علينا أن نجلس ونرقب قادة البلدان الاسلامية كيف يتحدّون مشاعر مليار مسلم، ويغضّون النظر عن كل فجائع الصهاينة، ويعيدوا مصر وأمثالها ثانية الى الساحة؟!

بعد هذا، هل هناك من المسلمين مَن يصدّق أن الحجاج الايرانيين تظاهروا من اجل احتلال بيت الله الحرام وحرم النبي، وكانوا ينوون سرقةلكعبة ونقلها الى مدينة قم؟!.

لو صدّق مسلمو العالم أن قادة بلدانهم يمثلون الاعداء الحقيقيين لامريكا وروسيا واسرائيل، فإنهم سيصدقون ما تشيعه وسائل اعلامهم ضدنا.

طبعاً، اننا قد اعلنّا مراراً في سياستنا الاسلامية الخارجية والدولية عن هذه الحقيقة: اننا كنّا ولازلنا نعمل علي توسيع نفوذ الاسلام في العالم، والوقوف بوجه تسلّط الناهبين الدوليين. وذا كان عبيد امريكا، يعتبرون هذه السياسةنوعاً من توسيع النفوذ والتفكير

ص: 171

بتأسيس امبراطورية كبرى، فإننا لن نغضب لذلك بل ونرحب به.

اننا بصدد أماتة الجذور الفاسدة للصهيونية والرأسمالية والشيوعية في العالم.

لقد عقدنا العزم- بفضل الله وعنايته- علي تحطيم الأنظمة القائمة علي هذه القواعد الثلاث، والعمل علي اشاعة النظام المستمد من اسلام رسول الله (ص) في عالم الاستكبار، وسوف تشهد الشعوب المقيّدة، تحقق ذلك عاجلًا أم آجلا.

اننا سنحول، بكل قوانا ووجودنا، دون انتشار حالةالابتزاز، ودون منح الحصانة امريكا في العالم، حتي وان استدعي ذلك خوض نضال شاق وطويل.

اننا سوف لانسمح- ان شاءالله- للاصوات الداعية الى مهادنة امريكا وروسيا والكفر والشرك، أن تنطلق من الكعبة والحج، هذا المنبر العظيم الذي ينبغي لصوت المظلومين أن يعلو منه ليصل اسماع الانسانية في شتي انحاء العالم، ويردّد صدي التوحيد في كل مكان.

نسأل الله ان يمنَّ علينا بمثل هذه القدرة التي تمكننا من اطلاق شعار الموت لامريكا وروسيا، ليس فقط من كعبة المسلمين، بل حتي من نواقيس كنائس العالم.

علي مسلمي العالم والمحرومين في شتي انحاء المعمورة، أن يفخروا ويتباهوا بهذا البرزخ اللامتناهي الذي اوجدته ثورتنا الاسلامية لجميع الناهبين الدوليين. ولينشدوا لحياتهم وتقرير مصيرهم، انغام

ص: 172

الحرية والانعتاق، ولتندمل جراحهم، حيث بدأت تظهر في ارض الكفر مظاهر اليأس والهزيمة والعقم، في مقابل رياض الشعوب. واننا نأمل ان يشهد المسلمون تفتح براعم الحرية وهبوب نسائم الربيع المعطرة، ونضارة وطراوة ورود المحبة والعشق، وتدفّق ينابيع زلال ارادتهم الراسخة.

علينا أن نترفّع بأنفسنا جميعاً عن مستنقع الصمت والسكون، الذي نثر فيه مخططوا السياسة الامريكية والروسية بذور الموت والأسر، وأن ننطلق نحو بحر فاض منه زمزم، لنغسل بدموع اعيننا استار الكعبة وحرم الله، الذي لوّثته الايادي النجسة غير ذي محرم لامريكا وصنائعها.

أيها المسلمون في شتي بقاع العالم، مادام الموت البطيي ء يتهدّدكم وانتم ترزحون تحت سلطة الاجانب، فما عليكم إلّا أن تنتصروا علي حالة الرهبة من الموت، وان تستفيدوا من وجود الشباب المتحمّس والتوّاق للشهادة، الذي هو علي اهبةالاستعداد لاختراق الخطوط الامامية لجبهة الكفر.

لاتحرصوا علي ادامة الوضع الحالي، فكّروا في الخلاص من الأسر والانعتاق من العبودية، وفي سبيل لمقارعة اعداء الاسلام، حيث أن العزة والحياة تحت ظل النضال. وان من أولى خطوات طريق النضال امتلاك الارادة، وبعدها اتخذوا قراركم بتحريم سيادة الكفر والشرك العالمي، وبالأخص امريكا، عليكم.

ص: 173

سواءكنّا في مكة أولم نكن، إن قلوبنا وارواحنا مع ابراهيم وفي مكة. وسواء اغلقوا بوابات مدينة الرسول بوجوهنا أو فتحوها، فإن وشائج محبتنا للنبي لن تتقطع أو تضعف ابداً.

اننا نصلّي نحو الكعبة، ونموت باتجاه الكعبة.

نحمد الله، حيث أننا بقينا علي ميثاقنا مع ربِّ الكعبة، وقد أرسينا اسس البراءة من المشركين بدماءآلاف الشهداء الاعزاء، ولم نبق ننتظر حتي يدعم تحركنا حكام بعض البلدان الاسلامية وغير الاسلامية، عديمي الشخصية.

نحن مظلومون علي طول تاريخ المحرومين والحفاة. ليس لنا معين غير الله، وانّنا لن نتخلي عن مقارعةالظالم حتي لو قطّعونا ارباً ارباً، ألف مرة!

ان الجمهورية الاسلامية الايرانية لتشكر مسلمي العالم الاحرار الذين، رغم الاجواء السياسية الخانقة السائدة في بلدانهم، استطاعوا من كشف النقاب عن اسرار جرائم امريكا وآل سعود، وعرض مظلوميتنا للعالم، وذلك من خلال اقامتهم للمؤتمرات والندوات واللقاءات.

علي المسلمين أن يعلموا، طالما كان تعادل القوي في العالم لايحقق مصالحهم، فسوف تبقي مصالح الاجانب مفضلة دوماً علي مصالحهم، وسوف يختلق الشيطان الاكبر، أو الاتحاد السوفيتي، كل يوم حادثة جديدة مذرعاً بذريعة الحفاظ علي مصالحه.

ص: 174

حقاً أيمكن للمسلمين أن يهدأوا ويقرّ لهم قرار، ما لم تحلّ قضاياهم مع الناهبين الدوليين وبشكل جدي، علي الأقل، فيما لو عجزوا عن بلوغ ما هي عليه القوى العالمية الكبرى؟.

فلو قامت اليوم امريكا، بإبادة احد البلدان الاسلامية بذريعة الحفاظ علي مصالحها، فمن سيقف بوجهها يا ترى؟.

اذن لم يبق طريق سوي النضال، ولابد من تحطيم مخالب واسنان القوى الكبرى، لاسيما امريكا. يجب انتخاب احد الطريقين، الشهادة أو النصر، حيث ان كليهما يعتبر نصراً في رسالتنا.

نسأل الله ان يمنَّ علينا بقدرة تحطيم اصول السياسات الظالمة والحاكمة علي العالم من قبل الناهبين، وأن يمنح جميع المسلمين جرأة ايجاد الوجودات الدائرة حول محور الكرامة الانسانية، وان يأخذ بأيديهم للترفع من الذلة والوضاعة والسمو نحو العزة والاقتدار.

لقد غاب عن بعض الافراد، الى ما قبل حادثة الحج المُرّة- الحلوة في العام الماضي، الادراك الصحيح للفلسفة الكامنة وراء اصرار الجمهورية الاسلامية الايرانية علي اقامة مسيرة البراءة من المشركين، وكانوا يتساءلون: ما هي ضرورة اقامة مثل هذه المسيرات، واطلاق صرخة النضال في موسم الحج، وفي ذلك الطقس الحار؟. ما هي الاضرار التي تلحق بالاستكبار من اطلاق صرخات البراءة من المشركين؟.

ص: 175

قد يوجد من البسطاء من يعتقد ان العالم الناهب الذي يُسميّ بالمحتضر، له قدرة تحمل مثل هذه الامور السياسية، بل أنه يسمح لمعارضيه باقامةاكثر من هذه التظاهرات والمسيرات هناك، ويستدلون علي ذلك بالمسيرات التي تقام في البلدان الغريبة الحرة، كما يسمونها! ولكن لابد من توضيح هذا الأمر وهو أن مسيراتهم تلك ليس لها أي ضرر بالنسبة للقوى العالمية وقدراتها.

ان مسيرات مكة والمدينة، هي التي سيتبعها غلق انابيب النفط السعودي.

وان مسيرات البراءة في مكة والمدينة، ستنتهي بنهاية عملاء روسيا وامريكا في المنطقة.

ولهذا السبب بالذات عمدوا الى ارتكاب هذه المجزرة الجماعية ضد النساءوالرجال الاحرار، عسي ان يحولوا دون استمرارها.

في ظل البراءة من المشركين بالذات، سيفهم حتي السذّج

انه يجب أن لايخضعوا لروسيا وامريكا.

ليطمئن الشعب الايراني العزيز البطل، ان حادثة مكة ستكون عاملًا في ايجاد تحولات كبرى في العالم الاسلامي، وستهيي ء الارضية المناسبة لاجتثاث الانظمة الفاسدة الحاكمة في البلدان الاسلامية، وطرد المتلبسين بلباس علماء الدين.

وعلي الرغم من أنه لم يمرّ أكثر من عام واحد علي ملحمة

ص: 176

البراءة من المشركين، إلّا أن عطر دماء شهدائنا الاعزاء الطاهرة، فاح شذاه في مختلف انحاء العالم، حيث نشهد اليوم آثارها في اقصي نقاط العالم.

ان ملحمة الشعب الفلسطيني، ليس بالحدث الطارى ء. ماذا يعتقد العالم، من الذي أوجد هذه الملحمة، وما هي الآمال والاهداف التي تدفع بالشعب الفلسطيني اليوم لمقاومة حملات الصهانية الوحشية، بعزم ثابت وبأيادٍ عزلاء؟!.

هل ان معزوفة حب الوطن، كافية لوحدها التصوغ منهم عالماً من الصلابة؟.

وهل بإمكان شجرة المتلاعبين بالسياسة المأجورين، أن تلقي في احضان الفسطينيين ثمار الاستقامة، وزيتون النور والأمل؟. لو كان الأمر كذلك، لماذا اذن لم يحدث ذلك خلال السنوات الطويلة التي كانوا فيها الى جوار الفلسطينيين يرتزقون باسم الشعب الفلسطيني.

لاشك انها انغام «الله اكبر»، وهي ذاتها صرخة شعبنا التي أرعبت الشاه في ايران والغاصبين في بيت المقدس. انّه تجلي لشعار البراءة ذاته، الذي اطلقه ابناءالشعب الفلسطيني في تظاهرات الحج، جنباً الى جنب اخواتهم واخوانهم الايرانيين، وهتفوا بتحرير القدس، وبالموت لامريكا ولروسيا ولاسرائيل؛ وكما سفكت دماء اعزتنا علي مذبح الشهادة، فإن الشعب الفلسطيني هو الآخر يقدم الدماء علي مذبح الشهادة.

ص: 177

اجل ان الفلسطيني عثر علي طريقه المفقود بإستلهامه لطريق برائتنا، وقد رأينا كيف تداعت اطواق الحصار الحديدية بفضل هذا النضال، وكيف انتصر الدم علي السيف، والايمان علي الكفر، والصرخة علي الرصاصة.

ورأيتنا كيف سُفّهت احلام بني اسرائيل في ضمّ المنطقة الممتدة من النيل الى الفرات. وكيف تلألأ ثانيةالكواكب الدُرّي لفلسطين، من شجرتنا «اللاشرقية واللاغربية» المباركة.

واليوم وبنفس الصورة التي تبذل فيها الجهود المتعددة في شتي انجاء العالم، لاجبارنا علي مساومة الكفر والشرك، نراهم يجندون كل قواهم، من اجل اخماد لهيب غضب الشعب الفلسطيني المسلم.

ليس هذا إلّا نموذجاً واحداً فقط علي اتساع رقعة الثورة، ناهيك عن أن اعداد معتقدي مبادي ء ثورتنا الاسلامية في شتي انحاءالعالم في تزايد مستمر، واننا نعتبر مثل هؤلاء رساميل ثورتنا بالقوة، وهم ذاتهم الذين يوقِّعون علي سجل دعمنا بدمائهم، ويلبون دعوة الثورة بأرواحهم وأنفسهم، وسيتسلمون زمام امور العالم كله بأيديم، بفضل الله وعونه.

لقد بدأت اليوم حرب الحق مع الباطل، حرب الفقر مع الغني، حرب الاستضعاف مع الاستكبار، وحرب الحفاة مع المرفهين الذين لايعرفون معني الألم. واني اقبِّل أيادي وسواعد جميع الاعزاء، في شتي انحاء العالم، الذين حملوا علي اكتافهم عبّ النضال، وعزموا علي

ص: 178

الجهاد في سبيل الله، واعلاء عزة المسلمين، وابعث بسلامي وتحياتي الخالصة الى جميع براعم الحريةوالكمال.

كذلك أقول للشعب الايراني العزيز البطل، انّ الله قدّر لآثاركم وبركاتكم المعنوية أن تشاع في العالم، وإن قلوبكم وعيونكم المتلألئة امست مركزاً للدفاع عن المحرومين، وان شرارة غضبكم الثوري قد ادخلت الرعب في صفوف الناهبين الدوليين من اليسار واليمين.

طبعاً، كلنا يعلم، أن بلدنا قد تحمل المصاعب والمشكلات اثناء الحرب والثورة، وليس لاحد أن ينكر ماتعانيه الطبقات المحرومة والضعيفة وذوي الدخل المحدود، ولاسيما الموظفين والكوادر الادارية، من الضيق الاقتصادي. إلّا ان كل ذلك لم يضعف من عزيمة ابناء شعبنا في الحفاظ علي الاسلام ومبادي ء الثورة.

لقد اثبت الشعب الايراني أنه قادر علي تحمل الجوع والعطش، ولكنه غير مستعد لتحمل هزيمة الثورة أو المساس بمبادئها.

لقد صمد الشعب الايراني الشريف وعلي الدوام، أمام اشدّ الحملات التي شنّت من قبل كل العالم الكافر، ضد مبادى ء ثورته، التي لايتّسع المجال لذكرها جميعاً.

ألم يصمد الشعب الايراني البطل، أمام جرائم امريكا المختلفة في الخليج الفارسي، والتي منها الدعم العسكري والمعلوماتي للعراق، ومهاجمة منصات النفط والبواخر والشاحنات، واسقاط الطائرة المدينة؟

ص: 179

ألم يقاوم الشعب الايراني الحرب الدبلوماسية التي شنّها الشرق والغرب ضده، وما خلقته المحافل الدولية من الالاعيب السياسية؟.

ألم يصمد الشعب الايراني الشجاع في مواجهة الحرب الاقتصادية والاعلامية والنفسية؛ ومهاجمة العراق، وبشكل وحشي، للمدن، وقصفه المناطق السكينة في ايران وحلبجة بالصواريخ والقنابل الكيمياوية؟.

ألم يصمد الشعب الايراني العزيز أمام مؤامرات المنافقين والليبراليين، وألاعيب واحتكار الرأسماليين، ومكائد المتظاهرين بالقداسة؟.

ألم تكن كل هذه الحوادث والاعمال، بدافع توجيه اللطمة لمبادي ء الثورة؟. ولولم يكن هذا التواجد الفعال لابناء الشعب علي مسرح الاحداث لكان بامكان أي من هذه المؤامرات أن توجه ضربة الى مبادى ء الثورة، واننا لنحمد الله علي توفيقه للشعب الايراني في اداء رسالته بكل صلابة وثبات، ولم يتخلّ عنها أبداً.

ان ابناءشعبنا الاعزاء، الذين يمثلون بحق المدافعين الحقيقيين والاصيلين عن القيم الاسلامية، علي اطِّلاع كامل من أن خوض النضال لايتوافق مع طلب الرفاه والدّعة. وان هؤلاء الذين يتصورون بأن ليس هناك من تعارض بين طريق النضال والاستقلال وحرية مستضعفي ومحرومي العالم، وبين الالتزام بالرأسمالية وطلب الرفاه

ص: 180

والدّعة، فهم يجهلون أولى مبادي ء النضال، وان من يظن أن الرأسماليين والمرفهين، الذين لايعرفون معني للألم، يمكن لهم أن يتنبّهوا، بالنصيحة والموعظة والتذكرة، وأن يلتحقوا بمناضلي طريق الحرية ويقدموا الدعم لهم، فانّه كالذي يدقّ الماء في المهراس.

ان النضال والرفاه والرأسمالية، الثورة وطلب الدّعة، طلب الدنيا والعمل من اجل الآخرة، مقولتان لايمكن جمعها ابداً. وان الذين سيواصلون معنا المسير الى النهاية هم فقط الذين ذاقوا مرارة الفقر والحرمان والاستضعاف، فالفقراء والمتدينون المستضعفون هم وحدهم الذين ينجزون الثورات ويضطلعون بمسؤولية ادارتها.

لابد لنا من بذل المزيد من الجهود، مهما كان الثمن، للابقاء على اصولنا المبدئية المتمثلة بالدفاع عن المستضعفين.

ينبغي على مسؤولي نظام ايران الثوري أن يعلموا، أن هناك العديد من العناصر التي لاتعرف الله، ومن اجل القضاء على الثورة، تعمد الى اتهام أي شخص يريد خدمة الفقراء والمحتاجين ومواصلة طريق الاسلام والثورة، بالشيوعية والالتقاطية. عليهم أن لايخشوا هذه الاتهامات، وأن لايفكروا إلّا بالله، وأن يركزوا جهودهم وسعيهم من أجل رضا الله، ومساعدة الفقراء وأن لايهابوا هذه التهم.

ان لأمريكا والاستكبار، افراداً مكلّفين بمهمة القضاء على الثورة الاسلامية وفي مختلف الميادين، فمن هؤلاء هناك افراد في الحوزات والجامعات، ممن يتظاهرون بالقداسة، وقد نبّهت مراراً الى

ص: 181

خطرهم، يتطلعون الى ابادة افكار الثورة والاسلام من الداخل وذلك عن طريق التزوير. فهم يتظاهرون بمظهر الحق ومناصرة الدين والولاية ومن ثم يبادرون الى مصادرة دين الآخرين؛ نعوذ بالله من شرّ هؤلاء.

وهناك ايضاً عِدّة اخرى تعمل على مهاجمة طلبة العلوم الدينية والعلماء بلا استثناء، ونعت اسلامهم بالاسلام الامريكي، وهم بذلك ينهجون نهجاً خطيراً، سوف ينتهي- لا سمح الله- الى هزيمة الاسلام المحمدي الاصيل. إلّا اننا سنكافح من اجل احقاق حقوق الفقراء في المجتمعات البشرية، حتى آخر قطرة من دمائنا.

ان العالم اليوم متعطش لثقافة الاسلام المحمدي الاصيل، وان المسلمين، بتنظيماتهم الاسلامية الكبرى، سوف يبيدون كل زخارف ومظاهر ابهة القصرين الأبيض والأحمر.

ان الخميني قد كشف اليوم عن صدره لاستقبال كل سهام البلاء والحوادث الصعبة، وتلقّي قذائف وصواريخ الاعداء؛ وانه، كغيره من عشاق الشهادة، يعدّ الايام لنيل درجة الشهادة الرفيعة.

ان حربنا حرب العقيدة التي لاتعرف الجغرافيا والحدود، ولابد لنا في حربنا العقائدية من تشكيل قوات التعبئة الكبرى لجنود الاسلام في العالم.

وبعون الله سيوفق الشعب الايراني الكبير، بدعمه المادي والمعنوي للثورة، من تبديل صعوبات الحرب الى حلاوة هزيمة اعداء

ص: 182

الله في العالم.

وأي حلاوة اكبر من تحول الشعب الايراني الكبير الى صاعقة نزلت على رأس امريكا؟.

وأي حلاوة اكبر من مشاهدة الشعب الايراني بأم عينه، لانهيار أركان وقواعد النظام الشاهنشاهي الظالم، وتحطّم زجاجة حياة امريكا في هذا البلد؟.

وأي حلاوة اكبر من تمكن شعبنا العزيز من اماتة جذور كل من النفاق ودعاة الوطنية والالتقاط، وسيتذوق ان شاءالله حلاوة كل ما لم يتمكن من تحقيقه، في عالم الآخرة؟.

ليس فقط من وفِّق للشهادة، أو اصيب أو تواجد في جبهات الحرب، قد أحرز مقام المجاهدين في سبيل الله ونال اجرهم، بل كذلك كلّ من تواجد خلف الجبهات وسعي بجهده ومحبته ودعائه الى دعم الجبهات وتقويتها، له هذا المقام وهذا المقام وهذا الاجر. طوبى للمجاهدين. طوبى لوارثي الحسين (ع).

على اذناب امريكا أن يعلموا، انّ الشهادة في سبيل الله ليست امراً يمكن مقايسته أوتقييمه «بالنصر» أو «الهزيمة». ان مقام الشهادة بحدّ ذاته، يمثل منتهي العبودية والسير والسلوك في العالم المعنوي.

يجب ان لايحطّ من مقام الشهادة الى هذا الحد، حتى نقول اننا استطعنا تحرير خرمشهر، أو مدن اخرى، في مقابل استشهاد ابناء الاسلام! كل هذه ظنون باطلة اختلقها ادعياء الوطنية، وان هدفنا اسمي

ص: 183

بكثير من هذه الأمور.

لقد تصور الوطنيون أن هدفنا هو تطبيق اهداف الاسلام الدولية في عالم الفقر والجوع، إلّا اننا نقول: ان النضال موجود مادام الشرك والكفر موجودين، ومادام النضال موجوداً فنحن موجودون.

اننا لانختلف مع احدٍ من اجل مدينة أو دولةٍ ما. لقد عقدنا العزم على رفع راية «لا إله الّا الله» لترفرف عالياً من على قمم الكرامة والعظمة الرفيعة.

اذن، فعلى ابنائي في الجيش والحرس وقوات التعبئة، والقوات الشعبية، أن لايتأثروا فيما لو فقدوا موقعاً، وأن لاينالهم الغرور وتغمرهم الفرحة فيما لو سيطروا على موقع أو كسبوا معركة، حيث إن مثل هذه الامور، في مقابل أهدافهم، لاتعدّ شيئاً الى الحد الذي لاتقاس كل هذه الدنيا بالآخرة.

وعلى آباء وامهات وزوجات وذوي الشهداء والاسرى والمفقودين والمعاقين، أن يطمئنوا الى أن كل ما حققه ابناؤكم مُصان ولم يقلل من عظمته أي شي ء. وانهم الى جوار النبي الاكرم والائمة الاطهار، لافرق بالنسبة لهم النصر او الهزيمة.

اليوم يوم هداية الاجيال القادمة، فشدّوا احزمتكم حيث لم يتغير أي شي ء. انه يوم شاء الله أن يكون هكذا، وبالأمس شاء الله له أن يكون غير هذا. وغداً سيكون- ان شاء الله- يوم النصر لجنود الحق. اننا نرضى برضا الله، ولهذا بالذات نحن نندفع الى الشهادة. ولهذا بالذات

ص: 184

نرفض الخضوع والخنوع وعبودية غير الله. طبعاً، اداءً للتكليف، نحن موظفون بإنجاز الاعمال والامور المناطة بنا بأفضل وجه وفي غاية الدقة والوعي.

الكلُّ يعرف، اننا لم نبدأ الحرب، لقد دافعنا عن انفسنا وعن كيان الاسلام ووجوده في العالم؛ وان الشعب الايراني المظلوم هو الذي تعرض على الدوام لحملات الناهبين الدوليين، وقد شنّ الاستكبار هجومه علينا، ومن مختلف مواقعه، السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية.

لقد تمكنت الثورة الاسلامية حتى الآن، من تعريف الشعوب بكمائن الشيطان، وقد دلّتهم على شِباك الصيادين.

ان الناهبين الدوليين، والرأسماليين، والمرتبطين بهم، يتوقعون منّا أن نشهد اغتيال البراعم وتهاوي المظلومين دون أن يكون لنا موقف؛ في حين أنه من اوليات مسؤوليتنا ومسؤولية ثورتنا الاسلامية أن نصرخ في انحاء العالم: أيها النائمون، أيها المغفلون، افيقوا وانظروا الى ماحولكم، انكم تقيمون في اماكن قد اتخذتها الذئاب منازل لها. انهضوا، فليس هذا مكان مناسب للنوم.

وكذلك نصرخ بهم: انتفضوا وثوروا، فالعالم ليس بآمن من الصيادين. ان امريكا وروسيا قد كمنتا لكم ولن يتخلوا عنكم حتى يقضوا على آخر نفر منكم.

حقاً، لو أن قوات تعبئة المسلمين العالمية كانت قد شُكِّلت من

ص: 185

قبل، هل كان هناك من يتجرأ ويتجاسر كل هذا التجاسر والايذاء بالابناء المعنويين لرسول الله (ص)؟!.

ان من اكبر مفاخر شعبنا العظيم اليوم وقوفه صفاً واحداً امام اكبر استعراض للقوة ولقطعات الاساطيل الحربية لامريكا وأروبا في الخليج الفارسي.

وأنا احذر الأنظمة الامريكية والاوربية، من أنه طالما لم يفت الأوان ولم يغرقوا بعد في مستنقع الموت، عليهم أن يخرجوا من الخليج الفارسي، وليكونوا على يقين من أن الأمر ليس دائماً كما يتصورون أن بإمكانهم اسقاط طائر اتنا المدينة من قبل قطعهم الحربية؛ فليس ببعيد أن يُغرق ابناء الثورة أساطيلكم الحربية، ويرسلوها الى قعر مياه الخليج الفارسي.

واقول لدول وحكومات المنطقة، وبالاخص السعودية والكويت، انكم جميعاً شركاء امريكا في الاحداث والجرائم التي قد ترتكبها في المنطقة. ولقد كنّا قد التزمنا الصبر حتى الآن ولم نبادر الى أي خطوة حتى لاتحترق المنطقة بلهيب النيران، وتغوص في الدماء وحالة عدم الاستقرار التام؛ إلّا أنّ الحركات الجنونية، التي يعمد اليها ريغن، ستفرض على الجميع بالتأكيد حوادث غير متوقعة وعواقب خطيرة. كونوا على اطمئنان بأنكم الخاسرون في هذه اللعبة الجديدة. فلا تذلوا انفسكم وبلدكم وشعبكم المسلم، ولاتظهروا عجزكم الى هذا الحد أمام امريكا، فإن لم يكن لكم دين، كونوا احراراً على الأقل!.

ص: 186

لله الحمد، فقد الطلّت، ببركة الثورة الاسلامية في ايران، نوافذ النور والأمل على جميع مسلمي العالم، وهي سائرة قُدماً لتصبّ من رعد وبرق حوادثها، حمم الموت والفناء على رؤوس جميع المستكبرين.

هناك أمرٌ مهم علينا أن ننتبه اليه جمعياً، ونتخذه مبدءاً واساساً لسياستنا مع الاجانب وهو: إن اعداءنا الناهبين الدوليين، الى أي حدّ بإمكانهم أن يتحمّلونا، والى أي حدّ يقبلون بإستقلالنا وحريتنا؟ بالتأكيد إنهم لايعرفون حدّاً غير العدول عن تمام هويتنا وقيمنا المعنوية والإٍلهية.

وكما يقول القرآن الكريم: «.. ولا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا ..»(1) . اننا شئنا أم ابينا، فإن الصهاينة وامريكا وروسيا سيلاحقوننا حتى ينالوا من هويتنا الدينية وشرف رسالتنا.

لقد ادّعى بعض المغرضين، بأننا نمارس سياسة تبعث على كراهية المحافل العالمية لنا وتوجب نفرتهم منّا، وقد شمتوا بنا لذلك، بل وكثيراً ما كانوا تظاهرون بتأثرهم ويعلنون عن مخالفتهم الصبيانية مدّعين: ان الجمهورية الاسلامية باتت سبباً في العداوات، وان الشرق والغرب لم يعدا يوليا أية اهمية لها.

كم هو مناسب لم أجاب هؤلاء عن هذا السؤال: في أي وقت كان لشعوب العالم الثالث، وللمسلمين، لاسيما الشعب الايراني، اعتبار


1- سورة البقرة/ 215.

ص: 187

ومكانة لدى الغربيين والشرقيين، حتى باتوا اليوم فاقدين لهما؟

اجل، لو تخلّى الشعب الايراني عن جميع مبادئه واصوله الاسلامية والثورية، وأقدم على تخريب بيت العزة والاحترام للنبي والأئمة المعصومين (ع) فلربما آنذاك اعترف به الناهبون الدوليون رسمياً، كشعب ضعيف وفقير وعديم الثقافة، ولكن يبقى ضمن حدود سيادتهم، وعبوديتنا لهم. يبقون هم القوة العظمى ونحن الضعفاء. هم الاولياء والقيِّمون، ونحن الاجراء والحافظون لمصالحهم. ليس ايران في هويتها الايرانية الاسلامية، بل ايران التي تحدّد هويتها كل من امريكا وروسيا، ايران المنفّذة لسياسة امريكا أو روسيا.

ان كل مصيبة امريكا وروسيا، والشرق والغرب، وعزائهم اليوم، يكمن في أن الشعب الايراني ليس فقط قد تخلّص من سلطتهم بل بات يدعو الآخرين للإِنعتاق من سلطة الجبارين.

ان تدمير الاسلحة الفتاكة والسيطرة عليها في العالم، لو كان يتم واقعاً وبصورة صادقة، فإنه يمثل رغبة الشعوب كلها، ولكن هذه هي الأخرى خدعة قديمة، وهي نفسها قدانكشفت اخيراً من خلال احاديث قادة امريكا وروسيا وكتابات زعمائهما السياسيين، حيث تبين أن لقاءات ومباحثات زعماء الشرق والغرب الاخيرة، كانت تهدف الى محاصرة العالم الثالث اكثر فأكثر؛ وفي الحقيقة من اجل الحؤول دون نفوذ وتدخل الحفاة والمحرومين في عالم الملكية غير المحدودة

ص: 188

للرأسماليين.

علينا أن نعدّ انفسنا لتشكيل جبهة اسلامية انسانية مقتدرة، لها نفس اسم وسمات الاسلام وثورتنا، في مقابل جبهة الشرق والغرب المتحدة، حتى نحتفل بسيادة وعزة وسمو محرومي وحفاة العالم.

كونوا على اطمئنان، ان القوى الشرقية والغربية، ما هي إلّا هذه المظاهر الجوفاء لدنيا المادة، والتي لاتستحق الذكر في مقابل خلود وبقاء دنيا القيم المعنوية.

انني أعلن بصراحة، ان الجمهورية الاسلامية الايرانية توظف ثرواتها وتسخر كل وجودها من اجل احياء الهوية الاسلامية لمسلمي العالم؛ وليس هناك أي مبرر يحول دون دعوتها لمسلمي العالم باتباع المبادئ التي تأخذ بهم الى الاقتدار والقوة في العالم، أو دون الوقوف بوجه اصحاب القوة والثروة والخداع، الذين يتطّلعون لاتساع رقعة تسلّطهم وسيطرتهم.

علينا أن نخطط من اجل تحقيق اهداف ومصالح الشعب الايراني المحروم. وعلينا أن نسعى وبكل وجودنا، لاحكام علاقاتنا مع شعوب العالم، والعمل على ايجاد الحلول لمشاكل وقضايا المسلمين، والعمل على حماية المناضلين والجياع والمحرومين، ولابد أن نعتبر ذلك من مبادئ سياستنا الخارجية.

اننا نعلن، ان الجمهورية الاسلامية الايرانية هي على الدوام، الملجأ و الحامي و المدافع عن مسلمي العالم الاحرار. و ستبقى دولة

ص: 189

ايران قلعة عسكرية آمنة تؤمّن جنود الاسلام، وتعرّفهم الاسس الاسلامية العقائدية والتربوية، ناهيك عن تدريبهم على اساليب ومبادئ النضال ضد انظمة الكفر والشرك.

وأما فيما يخص أمر الموافقة على القرار (القرار 598 لمجلس الأمن) والذي هو في الواقع أمرٌ في غاية المرارة والألم للجميع، ولي بالذات، فهو: انني كنت معتقداً حتى الى قبل ايام، بنفس اساليب الدفاع والمواقف المعلنة في الحرب، وكنت أرى صالح النظام والبلد والثورة في الاستمرار بتنفيذ تلك السياسة، ولكن ونتيجة لبعض العوامل والاحداث التي امتنع عن ذكرها الآن، والتي سوف تتضح في المستقبل بعون الله، ومع الأخذ باراء جميع الخبراء السياسيين والعسكريين الممتازين في البلد، الذين اثق بإلتزامهم واخلاصهم وصدقهم، فقد قبلت القرار ووافقت على وقف اطلاق النار، وانّي ارى ذلك في صالح الثورة والنظام في الوقت الحاضر.

والله يعلم، لولم يكن الدافع الذي يدعونا جميعاً للتضحية بأنفسنا وعزتنا واعتبارنا، في طريق مصلحة الاسلام والمسلمين، لما رضيت بهذا العمل مطلقاً، حيث أن الموت والشهادة افضل لي من ذلك، ولكن لاخيار أمامي غير الانصياع لرضا الحق المتعال. ولاشك ان الشعب الايراني البطل الشجاع، كان هكذا، وسيبقى ايضاً كذلك.

وانني انتهز الفرصة هنا لأشكر جميع ابنائي الاعزاء، الذين لم

ص: 190

يألوا جهداً، وبأي شكل من الاشكال، في المشاركة في جبهات النار والدم، منذ بداية الحرب وحتى اليوم، واثمّن جهودهم المخلصة. واني ادعو كافة ابناء الشعب الايراني، الى اليقظة والصبر والصمود.

فلربما يوجد هناك في المستقبل من يثير بين الناس، عن وعي أو غير وعي، هذا التساؤل وهو: ما هي اذن ثمرة الدماء والشهادة والايثار؟!.

لاشك ان امثال هؤلاء يجهلون حقائق عوالم الغيب وفلسفة الشهادة، ولايعون أن من اختار الجهاد من اجل رضا الله وحسب، وهو يقدم رأسه في طبق الاخلاص والعبودية له، فإن حوادث الدهر لاتؤثر مطلقاً على خلوده وبقائه ومنزلته الرفيعة. واننا و لأجل درك ابعاد ومعالم طريق شهدائنا علينا أن نقطع مسيراً طويلًا، ونبحث عنه في زمن الثورة وتاريخها ومستقبلها.

لاشك أن دماء الشهداء قد حفظت الثورة والاسلام. لقد اعطت دماء الشهداء العالم والى الأزل دروس الصمود. والله يعلم أن طريق ومسير الشهادة ليس له نهاية، وان الشعوب هي التي ستقتدي في المستقبل بطريق الشهداء، و ستظل تربة الشهداء الطاهرة، وحتى يوم القيامة، مزاراً للعشاق والعارفين والمتحمسين، ودار شفاء للاحرار.

طوبى لمن رحل مع الشهادة.

طوبى لمن قدّم روحه ونفسه وإلتحق بقافلة النور هذه.

طوبى لمن ربّى هذه الجواهر في حِجره.

ص: 191

ندعو الله أن يُبقي سجل وكتاب الشهادة مفتوحاً للتوّاقين، وأن لايحرمنا من الانضمام اليه.

إلهي! ان شعبنا وبلدنا لازالا في بداية طريق النضال، وهما بحاجة الى مشعل الشهادة، فاحفظ لهم هذا السراج المتلألئ.

طوبى لكم يا ابناء الشعب، طوبى للنساء والرجال، طوبى للمُعاقين الابطال، والاسرى والمفقودين وعوائل الشهداء الكريمة وتعساً لحالي، حيث بقيت حتى هذا اليوم لأتجرّع سمّ الموافقة على القرار، واني لأشعر بالخجل امام عظمة وتضحيات هذا الشعب الكبير!. وتعساً لمن تخلّف عن هذه القافلة.

تعساً لمن التزم الصمت و اللامبالاة ازاء هذه المعركة الكبرى، والحرب والشهادة والامتحان الالهي العظيم، أو اكتفى بالنقد والعتاب.

اجل، لقد كان يوم امس يوم الامتحان الالهي، وقد انقضى. وغداً سيأتي امتحان آخر، واننا جميعاً بانتظار يوم حساب عظيم.

ليكن على اطمئنان اولئك الذين تخلّفوا، خلال سنوات النضال والحرب بأي شكل من الاشكال، عن اداء هذا التكليف الكبير، وأبعدوا انفسهم وارواحهم واموالهم وابناءهم والآخرين عن نيران الحوادث، من انهم قد تخلّفوا عن تجارة الله، وقد خسروا الكثير ازاء ذلك وانهم سيتحسرون يوم اللقاء ويوم الحساب. واني ادعو هنا مرة اخرى جميع ابناء الشعب والمسؤولين، الى التعامل مع هؤلاء بشكل

ص: 192

يختلف عن تعاملهم مع مجاهدي طريق الله، وأن لايسمحوا بعودة هؤلاء الدعياء، غير الكفوئين اليوم والقاعدين المقصّرين بالامس، الى مسرح الاحداث.

سواء كنت موجوداً بينكم أو غير موجود، فأنا اوصيكم جميعاً واؤكد عليكم بأن لاتدعوا الثورة تقع في ايدي غير اهلها وغير ذي محرم بالنسبة لها. وأن لاتسمحوا بانزواء التوّاقين للشهادة وطلائعها في دهاليز الحياة اليومية ومطبّاتها.

اوصي ابناء الشعب الايراني العزيز واؤكد عليهم، بأن يبقوا حذرين يقظين، حيث ان موافقة الجمهورية الاسلامية الايرانية على القرار لايعني حلّ قضية الحرب، بل اننا بإعلاننا هذا الأمور فوّتنا على الناهبين الدوليين فرصة الاستفادة من سلاح الاعلام ضدنا، ولكننا لايمكننا التنبّؤ وبشكل جاد وقاطع، بما سيحدث في المستقبل، حيث أن العدو لم يتخلّ الى الآن عن شروره وقد يتذرع بأبسط الذرائع لمواصلة اعماله العدوانية السابقة. اذن لابد أن نعدّ انفسنا ونتهيأ لصدّ عدوان العدو المحتمل، وينبغي على ابناء شعبنا ان لايعتبروا ان القضية قد انتهت.

طبعاً، نحن نعلن وبشكل رسمي، أن هدفنا ليس انتهاج تكتيك جديد لمواصلة الحرب، فلربما يتذرع الاعداء بهذه الذريعة لمواصلة اعتداء اتهم. إلّا أنه يتوجب على قواتنا العسكرية، أن لاتغفل عن كيد ومكر الاعداء.

ص: 193

علينا أن نحافظ على قدرتنا الدفاعية العالية في كل الظروف. يتوجب على ابناء شعبنا، الذين تجسّدت لهم خلال سنوات الحرب، ابعاد حقد و قساوة وعداء اعداء الله واعدائهم، أن يحذروا من خطر تهاجم الناهبين الدوليين بأساليب وصور مختلفة، وان يتعاملوا معها بجدية أكثر.

وعلى العسكريين، من الجيش والحرس والتعبئة ان يواصلوا، كما في السابق، اعمالهم ومهامهم في الجبهات، للوقوف بوجه شيطنة الاستكبار والعراق.

وانني، وبعد ما نجتاز هذه المرحلة من احداث الثورة، وعلي نفس المنوال الذي تسير فيه، لديّ عدة آراء بشأن المرحلة التي ستليها، وهي مرحلة اعمار البلاد، والسياسة العامة للنظام والثورة، سأذكرها في وقتها المناسب.

ولكنّي في المرحلة الحاضرة اطلب بجدّ من جميع الخطباء والمتصدين ومسؤولي البلاد، ومدراء وسائل الاعلام العامة والصحف، أن يبعدوا أنفسهم عن المعارك ومثيريها، وأن يحذروا لئلّا يكونوا- عن جهل- آلة بيد الافكار والرؤى المتطرفة. وأن يرصدوا اوضاع الاعداء بصفوف متراصة مع الآخرين.

ولربما يعمد الكثير من الاشخاص في هذه الايام، بسبب احاسيسهم وعواطفهم الى تَرديد اقاويل من مثل؛ لماذا، وكيف، وكان من المفروض أن يكون، وغيرها من هذه الاقاويل و على الرغم من أن

ص: 194

طرح مثل هذه الامور، يعتبر من القيم السامية بحدّ ذاته، إلّا أن الوقت ليس مناسباً الآن لطرح مثل هذه الامور.

فلربما يعمد اليوم الكثير من الذين وقفوا حتى الأمس القريب ضد هذا النظام، وتظاهروا بالدعوة الى السلام بدافع اسقاط النظام و حكومة الجمهورية الاسلامية في ايران، ولتحقيق نفس هذا الهدف، يعمدون الى التحدث بشكل مخادع آخر، و يُمسي اجراء الاستكبار هؤلاء، من المنادين بإدامة الحرب، بعد أن كانوا حتى الأمس القريب يوغلون من الخلف خنجرهم في قلب الامة متسترين بقناع السلام الكاذب. أو أن يشرع دعاة الوطنية و القومية الجهلة في بثّ دعايات مسمومة جديدة، بهدف اضاعة دعاء الشهداء الاعزاء، و القضاء على عزّ وفخر الشعب.

ان شاء الله سيجيب شعبنا العزيز ببصيرة ويقظة على جميع الفتن. و أنا اقول مرة اخرى: ان الموافقة على قبول القرار، كانت بالنسبة لي أقسى من تجرّع السم القاتل، ولكنّي راضٍ برضا ربي، وقد تجرّعت هذه الجرعة لرضاه فقط.

ويجب أن اذكر هنا، بأنّ قرار الموافقة على القرار اتّخذه مسؤولو الحكومة الايرانية بأنفسهم، دون أن يكن هناك أي دور لأي شخص أو دولة.

أيها الشعب الايراني العزيز الشريف! ان كل فرد من ابنائكم هو بمثابة احد ابنائي؛ و كما تعلمون فإني اعشقكم، و أنا اعرفكم جيداً

ص: 195

وانتم تعرفونني أيضاً. إن الذي دعاني الى اتخاذ مثل هذا القرار وفي مثل هذه الظروف الراهنة، هو تكليفي الالهي؛ وكما تعلمون، فإني كنت قدعاهدتكم على أن أقاتل حتى آخر قطرة دم، وحتى النفس الأخير، إلّا أن القرار المتّخذ اليوم هو من اجل الصالح العام وحسب، وقد تجاوزت عن كل ماقلته سابقاً، فقط أملًا برحمته ورضاه، وإن كان لي سمعة فقد تعاملت بها مع الله.

اعزائي! كما تعرفون، اني بذلت غاية جهدي من اجل تقديم رضا الحق وراحتكم على راحتي.

إلهي! انك تعلم اننا لانهوى المهادنة مع الكفر.

إلهي! انك تعلم أن الاستكبار وأمريكا الناهبة، قد قطفوا زهور حقل رسالتك.

إلهي! انك سندنا و معيننا الأوحد في عالم الظلم والجور والحرمان، واننا وحيدون ولانعرف سواك احداً، ولا نريد أن نعرف احداً سواك، فأعنّا إنك خير معين.

إلهي! عوّضنا عن مرارة هذه الايام بحلاوة ظهور حضرة بقيةالله ارواحنا لتراب مقدمه الفداء والوصول اليك.

يا ابنائي الثوريين، يا من ترفضون التخلّي ولو للحظة عن غروركم المقدس!:

اعلموا ان كلّ لحظات عمري قضيتها في طريق العشق المقدس وهو طريق خدمتكم. وأنا أتحسس ماتعانونه الآن، ولكن هل تظنون أن

ص: 196

اباكم العجوز لايعاني ماتعانوه. واني اعلم أن الشهادة عندكم احلى من العسل، وهل هي غير هذا عند خادمكم!. ولكن اصبروا، ان الله مع الصابرين.

حافظوا على بقاء غضبكم وبغضكم الثوري في صدوركم. أمطروا اعداءكم بنظرات البغض و الغضب، واعلموا أن النصر لكم. وأنا اؤكد لكم انني كنت أتابع مجريات الحرب عن قرب ولاتظنوا غير ذلك، وان المسؤولين هم مورد اعتمادي، فلا تشمتوا بهم بسبب القرار الذي اتخذوه، فإن هذا الأمر كان ايضاً بالنسبة لهم صعباً وغير قابل للقبول. اسأل الله أن يوفقنا جمعياً لخدمته ورضاه.

وأنا هنا أوصي شبابنا الاعزاء، هؤلاء الذين يمثلون ذخائر وثروات إلهية عظيمة، واقول لهذه الزهور العطرة وبراعم العالم الاسلامي: اعرفوا قدر وقيمة لحظات حياتكم العذبة، واعدّوا انفسكم لخوض النضال العلمي والعملي الكبير حتى تتحقق الاهداف السامية للثورة الاسلامية.

كذلك أوصي جميع المسؤولين والمتصدّين للامور، أن يهيِّئوا بأي شكل من الاشكال كلّ مستلزمات الرقي الاخلاقي والعقائدي والعلمي والفنّي للشباب. وفِّروا لهم سبل الرشاد لاحراز أفضل القيم والأماني، وساعدوهم في الحفاظ على روح الاستقلال والاكتفاء الذاتي الذي يتمتّعون بها.

حذاري من الاساتذة والمعلمين المتأثرين بالعالم المسمّى

ص: 197

بالمتحضر، الذين يعمدون الى تحقير وتوجيه اللوم الى شبابنا الذين انعتقوا لتوهّم من الاسر والاستعمار؛ أو ان يصنعوا- لا سمح الله- من التطور وامكانات الاجانب صنماً، ويربّوا في ضمائر الشباب روح التبعية والتقليد والاستجداء في الوقت الذي يتوجب عليهم أن يهتموا بهويتهم الانسانية ويحيوا فيهم طريق وسبيل الاستقلال وروح التمكّن والقدرة بدل أن يثيروا عندهم اسئلة مبهمة من قبيل: اين وصل الآخرون واين نحن الآن؟.

لقد تمكّنا في ظروف الحرب والحصار أن نحقق الكثير من الاختراعات والمعجزات، وانواع التقدم، وان شاء الله سنوفر في ظروف افضل، الأرضية اللازمة لنموّ الاستعدادات وروح التحقيق في جميع المجالات.

ان النضال العلمي للشباب يكمن في احياء روح البحث والتحقيق وكشف الحقائق والوقائع، ولكن نضالهم العملي تجلّى في افضل ساحات الحياة والجهاد والشهادة.

وهناك نقطة اخرى وددت تنبيه الشباب اليها، من باب كمال حبي وتعلقي بهم وهي: استفيدوا في مسيرة القيم والمعنويات، من وجود طلبة العلوم الدينية وعلماء الاسلام الملتزمين، ولاتعتبروا انفسكم غير محتاجين لارشادهم وتعاونهم في ظرف دون آخر.

ان علماء الدين المناظلين والملتزمين بالاسلام، قد بذلوا جهودهم وسخّروا سعيهم على طول التاريخ، وفي اصعب الظروف،

ص: 198

وبقلب ملي ء بالأمل والعشق والمحبة من اجل تعليم وتربية وهداية الاجيال، وكانوا دوماً في الطليعة درعاً يقي الناس البلاء، وقد صعدوا اعواد المشانق، وذاقوا طعم الحرمان، ودخلوا السجون وتمّ نفيهم واسرهم، واكثر من ذلك كانوا هدفاً لسهام التّهم والطعان. وطالما وجد اليأس والقنوط لهما مكاناً في قلوب الكثير من المثقفين اثناء نضالهم مع الطاغوت، إلّا أن علماء الدين استطاعوا من ارجاع روح الأمل و الحياة الى الجماهير، ودافعوا عن كرامتهم ومكانتهم الحقيقية، وهم لازالوا كذلك حتى الآن يقفون الى جنب الجماهير في كل موقع ابتداءً من خطوط الجبهة الامامية وحتى المواقع الاخرى، وقد قدّموا شهداء عظام في كل حادثة ومصيبة مؤلمة.

ففي أي بلد وثورة- عدا ثورة البعثة والرسالة وحياة ائمة الهدى (ع) تعرض قادة ثورتة لما تعرض له قادة الثورة الاسلامية في ايران من امواج الحملات الحاقدة؟ ولم يكن ذلك إلّا بسبب الصدق والأمانة التي تجلّت في علماء الاسلام الملتزمين.

ان قبول المسؤولية في بلد يواجه حصاراً ومشاكل اقتصادية وسياسية وعسكرية يعتبر امراً صعباً، طبعاً يتوجب على علماء الدين الملتزمين في بلدنا أن يعدّوا انفسهم الى تضحيات اكبر، وأن يتخلّوا عن سمعتهم واعتبارهم عند الضرورة، من اجل صيانة سمعة الاسلام والبقاء على خدمة المحرومين والحفاة.

واننا لنحمدالله ونشكره على ان الشعب الايراني البطل

ص: 199

الشريف، يعرف قدر خَدَمته الحقيقيين، وهو يلخص فلسفة عشقه وحبه لهذه المؤسسة المقدسة بكلمة واحدة وهي: ان طلبة العلوم الدينية وعلماء الاسلام الملتزمين لم ولن يخونوا أبداً اهداف واصالة وعقيدة الشعب، الاسلامية.

طبعاً لا بدلي من التنويه: ان قصدي من طلبة العلوم الدينية الذين اذكرهم دوماً في كتاباتي واحاديثي، واثمّن جهودهم، هم العلماء الملتزمون والمنزهون والمناضلون. حيث أن هناك في كل فئة عناصر غير ملتزمة ومشبوهة، وان ضرر علماء الدين المرتبطين اكثر بكثير من ضرر أي فرد غير منزّه آخر. وقد كان هؤلاء دوماً مورد لعن وغضب الله ورسوله والجماهير، وان اكبر الضربات التي وجِّهت الى هذه الثورة قد كانت ولازالت من قبل علماء الدين المرتبطين والمتظاهرين بالقداسة، من بائعي الدين، وان علماءنا الملتزمين بعيدون ومتنفرون من هؤلاء الجهلة.

انني اقول بكل صراحة، ان ادعياء الوطنية والقومية لو كانوا قدتصدّوا للامور، لمدّوا بكل سهولة أيادي الذل والمهادنة نحو الاعداء عند مواجهتهم لأبسط المشاكل والصعوبات والحصار. ولأجل أن يحرروا أنفسهم من الضغوط السياسية اليومية لكانوا قد حطّموا معاً كل أواني الصبر والصمود، ولداسوا على كل مواثيقهم وعهودهم الوطنية والقومية التي يتشبثون بها.

لايتصور احد أننا لانعرف طريق مهادنة الناهبين الدوليين،

ص: 200

ولكن هيهات أن يخون خَدمة الاسلام شعبهم.

طبعاً، نحن على اطمئنان من ان هؤلاء، وفي مثل هذه الظروف، لن يَتخلّوا عن حقدهم لعلماء الدين الاصيلين، وأنهم لن يتمكنوا من اخفاء عقدهم وحسدهم لهم، ولايتورعون عن النيل من مكانتهم. ولكن على أية حال، ان الشي ء الذي ليس له وجود في قاموس علماء الدين الحقيقيين هو المهادنة والاستسلام امام الكفر والشرك.

وأنّهم حتى لو سلخوا عظامنا، لو قطّعوا اعناقنا على المشانق، لو احرقونا في لهيب النيران احياءً، لو أسروا ونهبوا نساءنا وأبناءنا وكل وجودنا أمام انظارنا، فإنّنا لن نمضي ابداً كتاب الأمان للكفر والشرك.

ان العلماء وطلبة العلوم الدينية على احاطة كاملة- ان شاء الله. بكافة ابعاد وجوانب مسؤولياتهم، ولكن من باب التذكّر والتأكيد اقوال لهم:

اليوم وقد شعر الكثير من الشباب والمفكرين أن بإمكانهم في اجواء بلادنا الاسلامية الحرة أن يطرحوا افكارهم و رؤاهم في مختلف المواضيع والمسائل الاسلامية، فإن عليكم أن تستمعوا لكلامهم بسعة صدر وروح عالية. وإن احسستم أنهم يسيرون في طريق ضالٍ فإن عليكم أن ترشدوهم الى طريق الاسلام القويم باسلوب اخوي جذاب.

ولابد لكم أن تنتبهوا الى هذا الأمر وهو، إننا لايمكن أن نتجاهل عواطفهم وإحساساتهم المعنوية والعرفانية، أو أن نقذف كتاباتهم ودون تمعّن، بالالتقاط والانحراف، واسقاطهم جميعاً في وادي الشك

ص: 201

والترديد؛ لأن هؤلاء عندما يطرحون اليوم مثل هذه الامور فإن قلوبهم لاشك تخفق للاسلام وهداية المسلمين، وإلّا ما الذي يدعوهم الى طرح مثل هذه المسائل التي تخلق المتاعب لهم؟!.

انهم يعتقدون أن رأي الاسلام في المسائل المختلفة هو ذاته الذي يفكرون به وتوصّلوا اليه. اذن يتوجب عليكم أن تتعاملوا معهم بروح ابوية وبكل الفة بدلًا من منازعتهم وابعادهم. وحتى إن لم يقبلوا فلا تيأسوا. و إن لم تعاملوهم بهذا الشكل فإنهم سيقعون- لا سمح الله- في فخ الليبراليين ودعاة الوطنية أو اليسار والمنافقين، وذنب هذا ليس أقل من ذنب الالتقاط.

اذا أردنا أن نكون متفائلين بشأن مستقبل البلاد، و بناة المستقبل، فإن علينا أن نولي اهمية وعناية لهم في الامور المختلفة، وأن نتجاوز عن هفواتهم واخطائهم الصغيرة، وان نكون مُلميّن بكافة الاساليب والمبادئ التي تؤدي الى تعليمهم وتربيتهم بشكل سليم.

ان ثقافة الجامعات والمراكز غير الحوزوية، قد اعتادت على التأكيد على التجربة ولمس الحقائق اكثر من اهتمامها بالثقافة النظرية والفلسفية. ينبغي أن نعمل، عن طريق تقريب هاتين الثقافتين وتقليل الفواصل بينهما، على انصهار الحوزة والجامعة مع بعضهما البعض حتى يتّسع المجال لنشر وتوسيع المعارف الاسلامية.

الأمر الآخر الذي وددت التنويه اليه هو: انني اعتبر اكثرنجاحات علماءالدين ونفوذهم في المجتمعات الاسلامية يعود الى

ص: 202

قيمهم العملية وزهدهم.

واليوم فإن هذه القيم ليست فقط يجب أن لاتُنسى بل يجب أن يُهتمّ بها أكثر من قبل، لأنه لا شي ء اسوأ من تعلّق علماء الدين بالدنيا، وان تشبث علماء الدين بالدنيا وتعلقهم بها، يمثل افضل وسيلة للاساءة الى مقامهم.

وقد يعمد الاصدقاء الجهلة، أو الاعداء العارفون، الى حرف مسير زهدهم بذرائع متعددة وغير موجهة، أو أن يتهم البعض من المغرضين، علماء الدين بدفاعهم عن الرأسمالية والرأسماليين. ففي مثل هذه الظروف الحسّاسة و المصيرية التي يتصدّي فيها علماء الدين لأُمور البلاد، ولوجود خطر استغلال الآخرين لمكانة علماء الدين، فإن عليكم أن تراقبوا بشدة حركاتكم، لأن هناك الكثير من العناصر التابعة للمؤسسات والمنظمات والجمعيات السياسية وغيرها من المتظاهرين بالاسلام بشكل كامل، قد يعمدون الى المسّ بكرامة ومنزلة علماء الدين، وفضلًا عن تحقيق مصالحهم فإنهم يسعون من اجل بث الاختلاف والنزاع بين صفوف العلماء.

طبعاً، الأمر المهم الذي ينبغي لعلماء الدين أن لايعدلوا عنه مطلقاً، أو أن يتركوا مسرح الحداث تخلّصاً من اقاويل الآخرين، هو دفاعهم عن المحرومين والحفاة، لأنه من يعدل عن هذا الأمر فإنه يكون قد عدل عن العدالة الاجتماعية للاسلام.

علينا أن نتعهد بأداء هذه المسؤولية الكبرى تحت أي ظرف من

ص: 203

الظروف، و إن قصرّنا في تحقيق ذلك فإننا نكون قدخنّا الاسلام والمسلمين.

وفي الختام، نشكر الله على ما منَّ به سبحانه من ألطاف واسعة على ابناء هذا الشعب، وكلنا أمل في أن يأخذ بقية الله الاعظم- ارواحنا فداه- بأيدينا ويعيننا على مواصلة مسيرنا وهدفنا.

نسأل الله المتعال، أن يلهم عوائل الشهداء الصبر والأجر، وأن يمنَّ بالشفاء التام على المجروحين والمعاقين، ويرجع الأسرى والمفقودين الى أوطانهم.

إلهي! نسألك أن تقدِّر لنا ما هو في صالح الاسلام والمسلمين، إنّك قريب مجيب.

والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته

4/ ذي الحجة/ 1408 ه. ق

روح الله الموسوي الخميني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.