سرشناسه : شهید ثانی، زین الدین بن علی، ق 966 - 911
عنوان و نام پديدآور : ثلاث رسائل فی الحج و العمره/ تالیف الشهید الثانی زین الدین بن علی العاملی؛ تحقیق رضا مختاری
مشخصات نشر : تهران: نشر مشعر، 1420ق. = 1378.
مشخصات ظاهری : ص 87
يادداشت : عربی
یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس
مندرجات : رساله اول: ص. [9] - 17 اقل مایجب معرفته من احکام الحج و العمره .-- رساله دوم: ص. [19] - 26 نیات الحج و العمره .-- رساله سوم: ص. [27] - 87 مناسک الحج و العمره/ تحقیق ابوالحسن المطلبی، رضا المختاری
عنوان دیگر : اقل ما یجب معرفته من احکام الحج و العمره
عنوان دیگر : نیات الحج و العمره
عنوان دیگر : مناسک الحج و العمره
موضوع : حج
موضوع : حج عمره
شناسه افزوده : مختاری، رضا، 1342 - ، مصحح
شناسه افزوده : مطلبی، ابوالحسن، مصحح
رده بندی کنگره : BP188/8/ش 87ث 8 1378
رده بندی دیویی : 297/357
شماره کتابشناسی ملی : م 78-18210
ص:1
الح_جّ
ويَضُمُّ ثلاثَ رسائلَ:
1) أقلّ ما يجب معرفته من أحكام الحجّ والعمرة
2) نيّات الحجّ والعمرة
3) مناسك الحجّ والعمرة
ص:2
أقلُّ ما يجب معرفتُه مِنْ أحكام الحجّ والعمرة
(18)
مِنْ أحكام الحجّ والعمرة
تحقيق
رضا المختاري
ص:3
ص:4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للّه مُسَهِّلِ الصِعاب ومُيَسِّرِ الحساب،
والصلاة على أشرف الأحباب، وعلى آله وأصحابه خيرِ آلٍ وأصحاب.
وبعدُ، فهذه جملةٌ كافِلةٌ ببيان أقلِّ ما يجب معرفتُه من أحكام الحجِّ والعمرةِ؛ تسهيلاً على المكلَّفين وتيسيراً على المتعلِّمين، فإنّ التيسيرَ مُرادُ الله تعالى، وهو حَسْبُنا ونعم المُعِين.
اعلم أنّ الواجبَ على الآفاقي _ وهو من نأى منزلُه عن مكّةَ بمرحلتينِ مع استطاعته إلى الحجّ _ حجُّ التَمتُّع، وهو الذي تُقَدَّمُ عُمرتُه على حَجِّه.
والواجبُ إذا وَصَلَ إلى ميقات الإحرامِ _ وهو مسجدُ الشَجَرة لمن حَجَّ على طريق المدينة، والجُحْفَةُ لمن حَجَّ على طريقِ مصرَ، ويَلَمْلَمُ [ لأهل اليمن و] لمن مرَّ به، والعَقيقُ لأهل العِراقِ ومن في معناهم، ومُحاذِي أحدِ المواقيتِ ولو ظنّاً لمنْ لم يُصادِفْ طريقُه أحَدَها _ أنْ يُحْرِمَ منه بأنْ يَنْزِعَ المخيطَ ويَكْشِفَ رأسَه وقدَمَيْه إلاّ ما يتوقّفُ عليه لُبْسُ النعلَيْنِ إنْ كان رجلاً، ويُزيلُ ما على بدنه مِن رائحة الطِيْبِ.
ثمّ ينوي العمرةَ، وصِفتُها: «أُحْرِمُ بعمرة التمتُّع لوجوبه قربةً إلى الله»، ولو اقتصر على قوله _ ناوياً_ : «أُحْرِمُ بالعمرةِ لِلّه» كفى. ثمّ يُلبّي ناوياً: «أُلَبّي لوجوبه قربةً إلى الله»، ويكفي «أُلَبّي لِلّه» ويقول: «لَبّيْك اللهمَّ لَبَّيْك، لَبَّيْك، إنّ الحمدَ والنِعمةَ والمُلكَ لك، لا شريكَ لَكَ لَبَّيْك».
ويُسَنُّ قبلَ الإحرامِ توفيرُ شَعْر الرأس من أوّل ذي القَعدة، والتنظيفُ عندَه بإزالة شَعْر العانةِ والإبْطِ وقصِّ الأظْفارِ، والغُسلُ، ثمّ يُصَلّي سُنَّةَ الإحرام، وهي سِتُّ ركعاتٍ،
ص:5
وأقلُّها ركعتانِ، ونيّتها: «أُصَلّي ركعتينِ مِنْ سُنّة الإحرام لِلّه تعالى».
فإذا نَزَعَ المخيطَ لَبِسَ ثَوْبَي الإحرام، يَأتَزِرُ بأحدهما ويَرْتدِي بالآخَر أو يَتَوَشَّحُ به. ويُعْتَبَر كونُهما من جنس ما تصحّ الصلاةُ فيه اختياراً، وتجوز الزيادةُ عليهما، ويُسَنُّ كونُهما من القُطْنِ الأبيضِ الخالِصِ.
فإذا عَقَدَ الإحرامَ بالتلبيةِ حَرُمَ عليه صَيْدُ البَرِّ _ المُمتَنِع بالأصالة _ المحلَّل، وستّةٌ، من الْمحرَّم: الأسَدُ والثَعْلَبُ والأرْنَبُ والضَبُّ واليَربوعُ والقُنْفُذُ، وأكْلُه والإعانَةُ عليه، والاستمتاعُ بالجِماعِ ومقدِّماتِه، وعقدُ النِكاح، واسْتِعمالُ الطِيْبِ مطلقاً، والاكتحالُ بالسَواد، والادِّهانُ بالدُهْنِ الْمُطَيَّبِ وغيرِه، وإخْراجُ الدمِ، وإزالةُ الشَعْر اختياراً فيهما، وقَلْمُ الأظفارِ، وقَطْعُ الشجرِ والحشيشِ النابِتَيْنِ في الحرم إلاّ الإذْخِرَ وما في معناه، والفُسوقُ وهو الكَذِبُ مطلقاً، والجِدالُ وهو الحَلْفُ مطلقاً، ولُبْسُ الخاتَمِ، والحِنّاءُ للزِينة لا لِلسُنّة _ فيهما _ والفارِقُ القصدُ، وقَتْلُ القَمْلِ وغيره مِن هَوامّ الجسد، والنظرُ في المرآة، ولُبسُ المَخِيطِ للرجلِ وإنْ قَلَّتِ الخياطةُ _ عدا المِنْطَقَةِ والهِمْيانِ _ وفي معناها الزَرُّ والخَلالُ، ولُبْسُ ما أحاطَ بالبدن مِن اللِبْد والدِرْعِ، والتظليلُ سائراً اختياراً، وتَغْطيةُ الرأسِ ولو بالارتماسِ، وسَتْرُ ظَهْر القَدَم بالخُفِّ ونحوِه، وتَغْطيةُ المرأةِ وَجْهَها إلاّ القدرَ الذي يَتَوَقَّفُ عليه تغطيةُ رأسها. ويجوز لها سَدْلُ ثوبٍ على وجهها على وجه لا يُصِيبُهُ، ويَحْرُمُ عليها لُبْسُ ما لم تَعْتَدْهُ من الحَلْي، وما اعْتادتْهُ بقصد الزِينة أو مع إظهاره للزوج.
فإذا فَعَلَ المُحْرِمُ شيئاً مِنْ هذه المحرَّماتِ: فإنْ كان جاهلاً أو ناسِياً فلا شَيءَ عليه إلاّ في الصَيْد، فلا يَفْرُقُ فيه بينَ العامد وغيره، وإنْ كان عامداً أثِمَ ووَجَبَتْ عليه الكفّارةُ، إلاّ في الاكتحال والادّهانِ بغير المُطَيَّب وإخراجِ الدمِ ولُبْسِ الخاتَمِ والحِنّاء والنظرِ في المرآة والفسوقِ ولُبْسِ الحَلْي، فلا شيءَ فيها سِوَى الإثْمِ. والكفّارة في الباقي مفصَّلةٌ في بابها.
فإذا وَصَلَ إلى مكّةَ وجب أنْ يبتدِئَ بطوافِ العمرة، فيَتَطَهَّر من الحَدَث والخبثِ على حدّ ما يُعْتَبَرُ في الصلاة، ويَسْتُر عورتَه، ويَخْتَتِن إنْ كان رجلاً مع المُكْنةِ كالصلاة.
ص:6
وكيفيّة الطوافِ أنْ يَقِفَ بإزاء الحَجَر الأسودِ مُسْتَقْبِلاً له جاعِلاً أوّلَ جزءٍ منه ممّا يَلي الرُكْنَ اليمانيَ مُحاذِياً لأوّلِ كِتْفِه الأيمنِ ولو ظنّاً، ثمّ يَنْوِيَ: «أطُوفُ طوافَ العمرة لوجوبه قربةً إلى الله» ثمّ يَنْفَتِلَ (1)وَيَجْعَلَ البيتَ على يَسارِه، ويَطوفَ به سبعةَ أشواطٍ من غير زيادة ولا نُقصانٍ في القَدْر الذي بينَ البيتِ والمَقام، مُدْخِلاً لِلحجْرِ في الطوافِ مُخْرِجاً لجميع بدنه عن البَيْتِ فلا يَمُسُّ الحائطَ ماشياً بل يَقِفُ إنْ أراده ولا ينتقل حتّى يُخْرِجَ يَدَهُ عنه.
فإذا فَرَغَ مِن الطواف وَجَبَ عليه صلاة ركعتيه خَلْفَ المَقام أو مع أحَدِ جانِبَيْهِ ونيّتهما: «أُصَلِّي رَكْعتي طوافِ العمرة لوجوبهَ (2)قربةً إلى الله».
فإذا فَرَغَ من الصلاة خرج إلى السعي بينَ الصفا والمروة سَبْعةَ أشواطٍ بادِئاً بالصفا خاتِماً بالمروة، مُسْتَقْبِلاً للمطلوب بوجهه، ذاهباً بالطريق المعهود، ونيّتُه _ وهو على الصفا_ : «أسْعى سَعْيَ العمرةِ لوجوبه قربةً إلى الله».
فإذا فَرَغَ من السعي قَصَّرَ مِنْ ظُفُره أو مِن شَعْره مُسَمّاه ناوياً «أُقَصِّرُ لوجوبه قُرْبَةً إلى الله».
وبالتقصير يَتَحَلَّلُ مِنْ عُمرة التمتُّعِ _ لا الحَلْقِ _ وهو آخِرُ أفعالها، ويبقى على إحْلاله إلى أنْ يُحْرِمَ بالحجِّ.
ويُسْتَحَبُّ كونُه يومَ الثامنِ من ذيالحِجّة من المسجد الحرام، وأفضلُه المقامُ أو الحِجْرُ تحتَ الميزاب، ونيّته: «أُحْرِمُ بحجّ التمتّع لوجوبه قربةً إلى الله». ثمّ يَنْوي التلبيةَ: «أُلَبِّي لوجوبه قربةً إلى الله» [ ويقول:] «لَبّيكَ اللهمَّ لبّيك، لبّيك، إنّ الحمدَ والنعمةَ والمُلْكَ لك، لا شريك لك لبّيك».
فإذا وصل إلى عَرَفات وجب عليه الكَوْنُ بها من زَوال الشمس يومَ التاسع إلى
ص:7
غروبها ، ناوياً _ قبلَ الزَوال أو بعدَه بغير فصل تقريباً_ : «أقِفُ بعَرَفَةَ لوجوبه قربةً إلى الله».
فإذا غَرَبتِ الشمسُ أفاضَ إلى المشعَر الحرامِ، ووَجَبَ عليه المَبِيتُ به بقيّة تلك الليلةِ، ناوياً: «أبِيتُ بالمشعر لوجوبه قربةً إلى الله»، فإذا أصْبَحَ وجب عليه الكَوْنُ به إلى طلوع الشمس، ناوياً بعد الفجر أو قبله _ كما مرّ_ : «أقِفُ بالمشعر لوجوبه قربةً إلى الله». ولو اقْتَصَرَ على نيّةٍ واحدةٍ حينَ الوصول إليه ليلاً تَشْتَمِلُ على قصد الكَوْنِ به إلى طلوع الشمس كفى.
فإذا طَلَعَتِ الشمسُ أفاض إلى مِنًى، ووجب عليه بها ثلاثةُ أفعالٍ:
[ 1] رَمْيُ جَمْرة العَقَبة بسَبْعِ حَصَياتٍ حَرَميّةٍ أبكارٍ، مُبتدِئاً به عند وصوله إلى مِنىً.
[ 2] ثمّ ذَبْحُ الهَدْي، وهو ثَنيٌّ من النَعَم تامُّ الخِلقةِ سَمينٌ بحيث يكون على كُلْيَتَيْه شَحْمٌ ولو ظنّاً، وتفريقُه ثلاثةَ أجزاءٍ: فيأكُل شيئاً منه، ويُهْدِي ثُلْثَه لبعض إخوانه من المؤمنين، وَيَتَصَدَّق بثُلْثِه على فقيرٍ من فقرائهم. ونيّة الرَمْي: «أرْمِي هذه الجَمْرَةَ بسَبْعِ حَصَياتٍ لوجوبه قربةً إلى الله». ونيّة الذَبْحِ: «أذْبَحُ هذا الهَدْيَ لوجوبه قُربةً إلى الله». ونيّة الأكلِ والإهداء والصدقة: «آكُلُ من هذا الهَدْي لوجوبه قُربةً إلى الله، أُهْدِي ثُلْثَ هذا الهَدْي لوجوبه قربةً إلى الله، أتَصَدَّقُ بثُلْثِ هذا الهَدْي لوجوبه قربةً إلى الله».
[ 3] فإذا فَرَغَ مِنْ ذلك حَلَقَ رأسَهُ أو قَصَّرَ مِن شَعْره أو ظُفُره _ كما مرّ _ ناوياً: «أحْلِقُ رأسي _ أو أُقَصِّرُ _ لوجوبه قربةً إلى الله».
فإذا فَعَلَ ذلك أحَلَّ مِن كلِّ شيءٍ عدا النساء والطِيْبِ والصَيْدِ، فإذا طاف للحجّ وسَعى حَلَّ له الطِيْبُ، فإذا طافَ للنساء حَلَلْنَ له.
ثمّ يَخْرُجُ إلى مكَّةَ مِنْ يومه إنْ أمكَنَه الرجوعُ قبلَ الغروب، وإلاّ فمِنْ غده، أو بعدَ انتصافِ الليل.
فإذا وَصَلَ إلى مكّةَ وجب عليه طوافُ الحجّ وصلاةُ ركعتَيْه ثمّ السعي بينَ الصفا والمروة سبعاً _ كما مرّ _ ثمّ طوافُ النساء ثمّ صلاةُ ركعتَيْه، وكيفيّاتُها وواجباتُها كما مرّ، إلاّ أ نّه يَنْوي طوافَ الحَجِّ وسَعْيَه وطوافَ النِساء، وصفتُه: «أطُوفُ طوافَ الحجّ لوجوبه
ص:8
قربةً إلى الله، أُصلّي ركعتي طوافِ الحجِّ لوجوبه (1) قربةً إلى الله، أسْعى سَعْيَ الحجّ لوجوبه قربةً إلى الله، أطُوفُ طوافَ النِساء لوجوبه قربةً إلى الله، أُصلِّي رَكعتي طوافِ النساء لوجوبه (2)قُربةً إلى الله».
فإذا فَرَغَ مِنْ ذلك وجب عليه الرجوعُ إلى مِنىً لِلمبيتِ بها لياليَ التشريقِ الثلاثَ، وهي الحاديةَ عَشرةَ والثانيةَ عَشرةَ و الثالثةَ عَشرةَ.
و يجوز لِمن اتّقَى الصَيْدَ والنِساءَ الاقتصارُ على مَبِيتِ الليلتينِ الأُولَيَيْن ما لم تَغْرُبْ عليه الشمسُ في الليلة الثالثة، فيجب عليه مبيتُها مطلقاً، ناوياً عند الغروب: «أبِيتُ هذه الليلةَ بِمنىً لوجوبه قربةً إلى الله».
ويجب رَمْيُ الجَمَراتِ الثلاثِ كلّ واحدةٍ بسبْعِ حَصَياتٍ في كلِّ يومٍ يجبُ مَبِيتُ ليلَتِه. ونيّة الرَمْي: «أرْمي هذه الجمرةَ بسبع حَصَياتٍ لوجوبه قربةً إلى الله».
ولو اقْتَصَرَ في جميع هذه النِيّاتِ على قوله: «أفْعَلُ كذا لِلّه» من غير تعرُّضٍ للوجوبِ ولفظِ القربة كفى. وحَسْبُنا اللهُ وكفى.
والنائب عن غيره يُضِيفُ إلى ذلك: «نيابةً عن فلانٍ» أو «عمّن اسْتُؤْجِرْتُ عنه».
والحمد للّه ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ على سيِّدنا محمّدٍ وآله أجمعين.
ص:9
ص:10
ص
(19
نيّاتُ الحجِّ والعمرة
تحقيق
رضا المختاري
ص:11
ص:12
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة على محمّدٍ وآله الطاهرين.
إذا عَزَمْتَ على سبيل الحجِّ، وقطعتَ العلائقَ، فقِفْ على باب بيتك، وانو الحجَّ والعمرة: «أتوجَّهُ إلى البيت الحرام والمشاعرِ العظامِ، لأعْتَمِرَ عُمرةَ الإسلام عمرةَ التمتّع، وأحُجَّ حجَّ الإسلام حجَّ التمتّع، لوجوبه قربةً إلى الله».
فإذا وَصَلتَ إلى الميقات، اسْتُحِبَّ أنْ تَغْتَسِلَ غُسلَ الإحرام، ونيّته: «أغْتَسِلُ غُسلَ الإحرام لندبه قربةً إلى الله».
فإذا فَرَغْتَ من الغسل، فَالبَسْ ثوبي الإحرام، تأتزرُ بأحدهما وترتدي بالآخر، ثمّ تصلّي سنّة الإحرام استحباباً، وهي ستّ ركعات، وأقلّها ركعتان، والنيّة: «أُصَلِّي ركعتين مِن سُنّة الإحرام لندبه (1)قربة إلى الله».
ثمّ إنْ كان الإحرام من ميقات المدينة فليدخل مسجد الشجرة، ويُحْرِمُ بعمرة التمتّع من داخله، ونيّته: «أُحْرِم بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ حجِّ الإسلام حجِّ التمتّع، وأُلبّي التلبيات الأربع لعقد هذا الإحرام، لوجوب الجميع قربة إلى الله».
ويُقارنُ بالنيّة التلبيةَ، فيقول: «لَبّيك اللهمّ لَبّيك لَبّيك؛ إنّ الحمدَ والنعمةَ والملكَ لك، لا شريكَ لك لَبّيك».
ثمّ يَتوجَّه إلى مكّةَ مكرِّراً لِلتلبية استحباباً، فإذا وَصَلَ إلى مكّة بدأ بالطواف حول
ص:13
الكعبة سبعة أشواطٍ، يبدأ بالحجر الأسود ويختم به. والنيّة مقارنة لأوّل الطواف عند محاذاة أوّل جزءٍ منه لأوّل جزءٍ من الحجر الأسود، علماً أو ظنّاً، مستقبلاً بوجهه الكعبة، أو جاعلاً لها على اليسار، وصفتها: «أطوف بالبيت سبعة أشواطٍ في عمرة الإسلام عمرة التمتّع، لوجوبه قربة إلى الله». ويقارن بالنيّة الحركة، ويختم الشوط السابع كما بدأ أوّلاً بمحاذاة الحجر.
فإذا فَرَغَ من الطواف مضى إلى مقام إبراهيم عليه السلام ، وصلّى ركعتي الطواف خلفَه، أو إلى أحد جانبيه، ونيّتها: «أُصَلِّي ركعتي طواف عمرة الإسلام عمرةِ التمتّع أداءً، لوجوبه قربة إلى الله».
فإذا فَرَغَ منها مضى إلى السعي بين الصفا والمروة سبعةَ أشواطٍ، يحتسب من الصفا إليه شوطين، حتّى يُكملَ السبعةَ خاتماً بالمروة، ونيّته _ وهو على الصفا_ : «أسعى سبعةَ أشواطٍ بين الصفا والمروة في عمرة الإسلام عمرة التمتّع؛ لوجوبه قربة إلى الله».
فإذا فرغ مِن السعي قَصَّرَ من شعره، أو مِن ظفره، ونيّته: «أُقَصِّرُ للإحلال من إحرام عمرة الإسلام عمرةِ التمتّع، لوجوبه قربة إلى الله».
والتقصيرُ آخر أفعال العمرة، فإذا فعله بقي على الإحلال من كلّ ما حرّمه الإحرام إلى أنْ يُحرم بالحجّ يوم الثامن.
ويُستحبُّ كونُه بعد أنْ يصلّيَ الظهرين ذلك اليوم، فيُحْرِم له مِن مكّةَ، وأفضلها المسجد الحرام، وخلاصته (1)الحِجْر أو المقام. فينوي بعد الغسل ولُبسِ ثوبي الإحرام وصلاة السنّة المتقدّمة: «أُحْرِمُ بحجّ الإسلام حجّ التمتّع، وأُلبّي التلبياتِ الأربع لعقد هذا الإحرام، لوجوب الجميع قربةً إلى الله». ثمّ يلبّي مقارناً بها النيّة: «لبّيك اللهمّ لبّيك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة والملك لك، لا شريكَ لك لبّيك».
ثمّ يمضي إلى عرفات، فيقفُ بها يومَ التاسع مِن الزوال إلى غروب الشمس بمعنى
ص:14
الكون بها، والنيّة _ عند تحقّق الزوال بلا فصلٍ _ : «أقِفُ بعرفةَ إلى غروب الشمس في حجّ الإسلام حجّ التمتّع؛ لوجوبه قربة إلى الله».
فإذا غرَبتِ الشمسُ أفاضَ إلى المشعرِ، فإذا وَصَلَ إليه وجب عليه المَبيتُ به ناوياً عند وصوله: «أبيتُ هذه الليلةَ بالمشعر في حجّ الإسلام حجِّ التمتّع، لوجوبه قربةً إلى الله».
فإذا أصْبَحَ وجب عليه الوقوفُ به إلى طلوع الشمس بمعنى الكون به، وتجب النيّة عند تحقّق الفجر: «أقِفُ بالمشعر إلى طلوع الشمس في حجِّ الإسلام حجِّ التمتّع، لوجوبه قربة إلى الله».
فإذا طلعتِ الشمسُ أفاضَ إلى مِنًى، فإذا وصل إليها وجب عليه فيها ثلاثة أفعال: رميُ جَمْرة العَقَبة بسبعِ حَصَياتٍ، ثمّ ذَبْحُ الهدي، ثمّ حَلْقُ الرأس أو التقصير. ونيّة الرمي: «أرمي هذه الجمرة بسبع حَصَياتٍ في حجّ الإسلام حجّ التمتّع أداءً، لوجوبه قربة إلى الله»، مقارناً للنيّة برَمْي الحَصاة الأُولى. ونيّة الذَبْح: «أذْبَحُ هذا الهديَ في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلى الله».
ويجب أنْ يأكلَ منه شيئاً، وأنْ يُهْديَ ثُلثَه لإخوانه المؤمنين، ويتصدّق بثلثه على فقرائهم، والنيّة مقارنةً للأكل وتسليم القابض: «آكُلُ مِن لحم هَدْيي هذا في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربةً إلى الله»؛ «أهْدَيْتُك يافلان ثُلْثَ هَدْيي هذا في حجّ الإسلام حجِّ التمتُّع، لوجوبه قربةً إلى الله»؛ «أتصدَّق بثلثِ هَدْيي هذا في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلى الله».
ثمّ يَحْلِقُ رأسَه، أو يُقَصِّرُ مِن شَعْره أو ظُفُرِه كما مرّ، ونيّته مقارنة للفعل: «أحْلِقُ رأسي _ أو _ أُقصِّرُ في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلى الله».
فإذا فرغ من ذلك مضى إلى مكّةََ للطواف والسعي، فإذا وَصَلَ إليها بدأ بطواف الحجّ، وصفتُه كما مرّ، ونيّته: «أطوفُ بالبيت سبعةَ أشواطٍ في حجِّ الإسلام حجِّ التمتّع، لوجوبه قربة إلى الله».
ص:15
ثمّ يُصَلّي رَكعَتَيْه خلفَ المقام، ونيّتهما: «أُصلّي ركعتي طواف حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلى الله».
ثمّ يسعى كما مرّ، ونيّته: «أسْعى سبعةَ أشواطٍ بين الصفا والمروة في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلى الله».
ثمّ يطوف طواف النساء، ونيّته: «أطوف بالبيت طواف النساء سبعة أشواطٍ في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلى الله».
ثمّ يصلّي ركعتيه، ونيتهما: «أُصلّي ركعتي طواف النساء في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلى الله».
فإذا فرغ من هذه الأفعال رجع إلى مِنىً للمبيت بها لياليَ التشريق الثلاث وهي الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة. ويجوز لمن اتّقى الصيدَ والنساء، ولم تغرب عليه ليلة الثالثة عشرة الاقتصار على مبيت الليلتين، وتجب النيّة عند الغروب: «أبِيتُ هذه الليلة بمنىً في حجّ الإسلام حجّ التمتّع، لوجوبه قربة إلى الله». ويجب رَميُ الجِمارِ الثلاثِ في كلّ يومٍ يجب مبيت ليلته، يبدأ بالأُولى ثمّ الوسطى ثمّ جَمْرة العقبة، ونيّة الرمي: «أرْمِي هذه الجَمْرةَ بسبعِ حصياتٍ في حجّ الإسلام حجّ التمتّع؛ لوجوبه قربةً إلى الله».
فإذا فَرَغَ من أفعاله، ورجع إلى مكّةَ اسْتُحِبَّ له الإكثارُ من الطواف المندوب، ونيّته: «أطوف بالبيت سبعةَ أشواطٍ، لندبه قربة إلى الله».
ثمّ يصلّي ركعتيه [ ونيّتهما]: «أُصلّي ركعتي الطواف لندبه قربة إلى الله».
فإذا أراد الخروجَ مِن مكّةَ، اُسْتُحِبَّ له طوافُ الوَداع، ونيّته: «أطوفُ بالبيت سبعةَ أشواطٍ طواف الوَداع، لندبه قربة إلى الله». ويصلّي ركعتي طواف الوَداع، ونيّة الصلاة: «أُصلّي ركعتي طواف الوداع، لندبه قربة إلى الله».
وإن كان الحاجّ نائباً عن غيره، أضافَ إلى هذه النيّات «نيابةً عن فلان»: فينوي في الإحرام «أُحْرِمُ بالعمرة المتمتِّع بها إلى حجِّ الإسلام حجِّ التمتّع، وأُلَبِّي التلبيات الأربع لعقد هذا الإحرام نيابةً عن فلان _ أو عمّن اسْتُؤْجِرتُ عنه _ لوجوبه عليه بالأصالة
ص:16
وعليّ بالنيابة قربةً إلى الله». ولو اقتصر بعدَ قوله: «نيابةً عن فلان» على قوله: «لوجوبه قربةً إلى الله» كفى. والله الكافي، وحسبنا الله ونعم الوكيل، والحمد لِلّه وحدَه، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وسلّم.
ص:17
ص:18
(20
مناسك الحجّ والعمرة
تحقيق
السيّد أبوالحسن المطّلبي
مراجعة
أسعد الطيّب _ رضا المختاري
ص:19
ص:20
بسم الله الرحمن الرحيم
نَحْمَدكَ اللهمّ يامَنْ شَرَعَ لنا مَسالكَ الأحكام، وشَرَحَ لنا مَناسكَ حجِّ بيتِه الحرام، ونَشْكُرُكَ على ما فَضَّلْتَنا به مِن فضائلِ الإكرام، وغَمَرْتَنا به مِن جَلائلِ الإنعام، ونُصلِّي ونُسَلِّمُ على نبيِّك محمَّدٍ الداعي إلى دار السلام، أشْرَفِ مَنْ طافَ بالبيت الحرام، وسَعى بينَ الرُكنِ والمَقام،وعلى آله المخصوصينَ بالتطهير مِن بينِ الأنام، صلاةً وسلاماً دائمَيْنِ بدَوام اللَيالي والأيّام.
وبعدُ، فهذه جملةٌ كافِلةٌ ببيان واجبات الحجِّ والعمرة، ونبْذَةٌ مِن سُنَنِهما الفِعليّة، وأذكارِهما اللفظيّةِ، ووظائِفِهما القلبيّةِ، حاوَلْتُ فيها بَسْطَ اللفظِ وسُهولةَ المعنى؛ طلباً للتسهيل، ورَجاءً للثواب الجزيل.
ورَتَّبْتُها على مقدِّمةٍ ومقالتينِ وخاتمةٍ.
أمّا المقدِّمةُ فاعْلَمْ أنّ الحجَّ ركنٌ عظيم من أركان الإسلام، ومفهومه مشتهِرٌ بينَ ذَوَي الأفهام، وتعريفُه الصِناعي مع عِزّة سلامتِهِ لا يَليقُ بحثُه بهذا المَقام، والحَثُّ عليه في الكتاب والسُنَّة أوْضَحُ دليلاً لمَنْ فَكَّرَ في ذلك مِن العالَمينَ، وناهِيك بقوله تعالى: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَ__لَمِينَ» (1). وفي الآية ضُروبٌ من التأكيد عليه جَليّةُ المباني تُعْلَمُ مِن صِناعة المَعاني. ونحوُها من السُنَّةِ المُطَهَّرةِ قولُه صلى الله عليه و آله : «مَنْ وَجَبَ عليه الحَجُّ ولم يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إنْ
ص:21
شاء يهودياً وإنْ شاء نصرانياً» (1).
ويَكْفِيكَ في فضله مِن جِهة الاعتبار أ نّه جَمَعَ ضُروباً مِن العبادات كالصلاة، وبَذْلِ المال المضاهِي لِلزَكَواتِ والأخْماسِ والكفّاراتِ، والصَوْمِ _ على بعض الوجوه _ والتعرُّضِ للجهاد كذلك، مع اشتماله على أنواعِ المَشاقِّ والأهوالِ، والتَغْرير بالنفس والمال، ومفارَقَةِ الأهل والولد والوطن والبلد، إلى غير ذلك مِن المزايا، ومِن هنا وَرَدَ فيه مِن الثواب الجَزيلِ ما قد تَظافَرَتْ به الأخبارُ عن النبيِّ وآله الأطهارِ (صَلَواتُ الله عليهم) . فعن النبيّ صلى الله عليه و آله : «مَنْ حَجَّ ولم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ خَرَجَ مِن ذُنوبه كيومٍ وَلَدَتْه أُمُّه» (2).
وعنه صلى الله عليه و آله : «الحُجّاج والعُمّار وَفْدُ الله وزُوّاره، إنْ سَألوه أَعْطاهم وإنِ اسْتَغْفَروه غَفَرَ لهم، وإنْ دَعَوه اسْتجابَ لهم وإنْ شَفَعوا إليه شَفَّعَهم» (3).
وعنه صلى الله عليه و آله : «حجّة مبرورة خيرٌ من الدنيا وما فيها، وحجّةٌ مَبرورةٌ ليس لها أجْرٌ إلاّ الجَنّة» (4).
وعنه صلى الله عليه و آله : «ما رُئيَ الشيطانُ في يومٍ هو [ فيه] أصْغرُ ولا أدْحَرُ ولا أحْقرُ ولا أغْيَظُ منه يومَ عَرَفةَ، وذلك لِما يَرى فيه مِن نُزول الرحمة وتجاوُزِ اللهِ عن الذُنوب العظامِ» (5).
وعنه صلى الله عليه و آله : «إذا تَوَجَّهْتَ إلى سبيل الحجِّ ثُمَّ رَكِبْتَ راحِلتَك وقلتَ: بسم الله الرحمن الرحيم ومَضَتْ بك راحِلتُك لم تَضَعْ راحِلتُك خُفّاً وتَرْفَعْ خُفّاً إلاّ كَتَبَ اللهُ لك حسنةً، ومَحا عنك سيِّئةً، فإذا أحْرَمْتَ ولبَّيتَ كتب الله لك بكلِّ تلبية عَشْرَ حَسناتٍ، ومحا عنك عَشْرَ سيّئاتٍ. فإذا طُفْتَ بالبيت أُسبوعاً كان لك بذلك عند الله عَهْدٌ وذِكْرٌ يَسْتَحْيي أنْ يُعذِّبَك بعدَه. فإذا صَلَّيْتَ عندَ المَقام ركعتينِ كَتَبَ اللهُ لك بهما ألفي ركعةٍ
ص:22
مقبولةٍ. فإذا سَعَيْتَ بينَ الصفا والمَروة سبعةَ أشواطٍ، كان لك بذلك عند الله عزَّ وجَلَّ مثلُ أجرِ مَنْ حجَّ ماشياً من بلاده، ومثلُ أجرِ مَنْ أعْتَقَ سبعينَ رقبةً مؤمنةً. فإذا وَقَفْتَ بعَرفات إلى غروب الشمس فلو كان عليك مِن الذنوب مثلُ رَمْلِ عالِج وزَبَدِ البحر لَغَفَرها الله لك. فإذا رَمَيْتَ الجِمارَ كَتَبَ الله لك بكلِّ حَصاةٍ عَشْرَ حسناتٍ. فإذا ذَبَحْتَ هَديَك كَتَبَ الله لك بكلِّ قطرةٍ مِن دَمها حَسَنةً. فإذا طُفْتَ بالبيتِ للزيارة أُسبوعاً وصَلَّيْتَ عندَ المقام ركعتينِ ضَرَبَ مَلَكٌ كريمٌ بينَ كَتِفَيْك، _ وقال: _ أما وامضِ فقد غَفَرَ الله لك» (1).
وعن مولانا الصادق عليه السلام : «مَنْ حَجَّ هذا البيتَ بنيّةٍ صادقةٍ جَعَلَه اللهُ في الرفيق الأعلى مع «النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّ__لِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَ_آل_ءِكَ رَفِيقًا»» (2).
وغير ذلك مِن الأحاديثِ (3).
ويُستحبُّ لمنْ أرادَ الحجَّ قَطْعُ العلائقِ بينَه وبينَ مُعامِليه، وإيصالُ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، واختيارُ يومٍ صالحٍ للسفر كالسَبْتِ والثُلاثاء ورفيقٍ صالحٍ، وتحسينُ الخُلُقِ زيادةً على الحَضَر، والتَوَسُّعُ في الزاد، وطِيبُ النَفْسِ في البَذل، والإنفاقُ بالعَدلِ دونَ البُخْل والتقتير والتبذيرِ؛ فإنّ بَذْلَ الزادِ في طريق مكَّةَ إنفاقٌ في سبيل الله. قال صلى الله عليه و آله : «الحجُّ المبرورُ ليس له أجرٌ إلاّ الجنّةَ. فقيل: يارسولَ الله ما بِرّ الحجِّ ؟ قال: طِيبُ الكلام وإطعامُ الطعام» (4).
وعن الصادق عليه السلام : «درهمٌ واحدٌ في الحجّ أفضلُ مِن ألفي ألفِ درهمٍ فيما سِواه في
ص:23
سبيل الله، والهديّةُ مِن نفقة الحجّ» (1).
فإذا عَزَمَ على الخروج صَلّى في منزله ركعتينِ؛ فإنّهما أفضلُ ما اسْتَخْلَفَه الرجلُ على أهله، ويقول بعدهما: «اللهُمَّ إنّي أسْتَوْدِعُكَ نَفْسي وأهلي ومالي وذُرِّيتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمةَ عملي»، فيُعطيه اللهُ ما يَسْألُ، كما ورد في الخبر (2).
ويَفْتَتِحُ سفرَه بالصدقة، ثمّ يَقومُ على باب داره ويَقرأ فاتحةَ الكتاب وآيةَ الكرسي أمامَه الذي يتوجَّه نحوَه وعن يمينه وشماله، ويَدْعو بكلمات الفرج مُضِيفاً إليها: «اللهمَّ احْفَظْني واحْفَظْ ما معي، وسَلِّمْني وسَلِّمْ ما معي، وبَلِّغْني وبلِّغْ ما معي ببلاغِك الحَسَنِ الجميلِ (3)، والحمد للّه ربِّ العالمينَ _ ثمّ يقول: _ اللهمَّ كُنْ لي جاراً مِنْ كُلِّ جبّارٍ عنيدٍ، ومِنْ كُلِّ شيطانٍ مريدٍ _ ثمّ يقول: _ بِاسم الله دَخَلْتُ، وباسم الله خَرَجْتُ، وفي سبيل الله تَوَجَّهْتُ، اللهُمّ إنّي أُقَدِّمُ بينَ يدي نِسْياني وعَجَلتي باسم الله وما شاء الله في سفري هذا ذكرتُه أو نَسِيتُهُ، اللهمَّ أنت المُسْتعانُ على الأُمور كُلِّها، وأنتَ الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهمَّ هَوِّنْ علينا سَفَرَنا، واطْوِ لنا الأرضَ، وسَيِّرْنا فيها بطاعتك وطاعةِ رسولك، اللهمَّ أصْلِحْ لنا ظَهْرَنا، وبارِكْ لنا فيما رَزَقْتَنا، وقِنا عذابَ النار، اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِنْ وَعْثاءِ السفر وكَآبةِ المنْقَلَب وسوءِ المنْظَر في الأهل والمال والولد، اللهمَّ أنت عَضُدي وناصِري، بك أحُلُّ وبك أسِيرُ، اللهُمّ إنِّي أسألُك في سفري هذا السرورَ والعملَ بما يُرْضِيك عنّي، اللهمَّ اقْطَعْ عنّي بُعدَه ومَشَقَّتَه، واصْحَبْني فيه، واخْلُفْنِي في أهلي بخيرٍ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاّ بالله.ِ اللهمَّ إنِّي عبدُك، وهذا حُمْلانُك (4)،
ص:24
والوجهُ وجهُك، والسفرُ إليك، وقد اطَّلَعْتَ على ما لم يَطَّلِعْ عليه أحدٌ غيرُك، فاجْعَلْ سَفَري هذا كفّارةً لِما قَبْلَه مِنْ ذنوبي، وكُنْ عوناً لي عليه، واكفني وَعْثَه ومَشَقَّتَه، ولَقِّنِّي مِنَ القول والعملِ رضاك؛ فإنّما أنا عبدُك وبِك ولَك» (1).
ثمّ ينوي: «أتوجَّهُ إلى البيت الحرام والمشاعِرِ العظامِ؛ لأعْتَمِرَ عمرةَ الإسلام عمرةَ التمتُّع وأحُجَّ حجَّ الإسلام حجَّ التمتُّعِ لوجوبه قربةً إلى الله».
وليَخْرُج مُتَحَنِّكاً لِيَرْجِعَ إلى أهله سالِماً، متطهِّراً لِتُقضى حاجتُه، فإذا وَضَعَ رِجلَه في الركاب فليَقُلْ:«بسم الله الرحمن الرحيم، باسم الله والله أكبرُ». فإذا اسْتَوى على راحلته فليَقُلْ:
الحمد للّه الذي هدانا للإسلام، ومَنَّ علينا بمحمّدٍ صلى الله عليه و آله ، سُبْحانَ الله: «سُبْحَ_نَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَ_ذَا وَ مَا كُنَّا لَهُو مُقْرِنِينَ وَ إِنَّ_آ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ» (2)والحمدُ لِلّه ربِّ العالمين، اللهمَّ أنت الحاملُ على الظَهْر، والمُسْتعانُ على الأمر، اللهمَّ بَلِّغْنا بَلاغاً يُبَلِّغُ إلى خيرٍ، بلاغاً يُبَلِّغُ إلى مَغْفرتِك ورضوانِك، اللهمَّ لا طيرَ إلاّ طيرُكَ، لا خيرَ إلاّ خيرُك، ولا حافِظَ غيرُك (3).
ص:25
وينبغي أنْ يَخْرُج رَثَّ (1)الهيئةِ أقْرَبَ إلى الشَعَث، مُلازِماً ذلك في السفر، فخيرُ الحاجِّ الشَعِثُ التَفِثُ (2). يَقُولُ اللهُ لملائكته: «اُنظُروا إلى زُوّار بَيْتِي قد جاؤوني شُعْثاً غُبْراً «مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» (3)أُشْهِدُكم أ نّي قد غَفَرْتُ لهم» (4).
وأنْ يَرْكبَ الراحِلةَ دونَ المَحْمِلِ إلاّ لِعذرٍ؛ تأسِّياً بالنبيّ صلى الله عليه و آله ، فإنّه حَجَّ على راحِلته وكان تحتَه رَحْلٌ رَثٌّ وقَطِيفةٌ خَلِقَةٌ قيمته أربعةُ دراهمَ، وطافَ على الراحلةِ لِيَنْظُرَ الناسَ، وقال: «خُذُوا عنّي مناسِكَكُم» (5).
وأنْ يَمْشِيَ مع القدرة؛ فإنّ ذلك أفْضَلُ وأدْخَلُ في الإذعانِ لعبوديّة الله تعالى، اللهُمَّ إلاّ أنْ يُنافِيَ ما هو أفضلُ منه.
وأنْ يَرْفُقَ بالدابَّة ولا يُحَمِّلَها ما لا تُطِيقُ، وأنْ يَنْزِلَ عنها غُدْوَةً وعَشِيَّةً.
وأنْ يُصَلِّيَ في كلّ منزلٍ ركعتينِ عند النُزول والارتحالِ.
وأنْ يَقولَ عند مشاهَدَة المنازلِ والقُرى: اللهُمَّ ربَّ السماء وما أظَلَّتْ، وربَّ الأرضِ وما أقَلَّتْ، وربَّ الرِياح وما ذَرَتْ، وربَّ الأنهار وما جَرَتْ، عرِّفْنا خيرَ هذه القريةِ وخيرَ أهلها، وأعِذْنا مِن شرِّها وشرِّ أهلها، إنّك على كُلِّ شيءٍ قدير (6).
وأنْ يكونَ طَيِّبَ النفسِ بما يُنْفِقُه وبما يُصِيبُهُ مُتَعَوِّضاً عنه بما عند الله، فإنّ ذلك مِن علامة قبول الحجّ.
وأنْ يُحْضِرَ قلبَه في حركاته وسكناته؛ فإنّه روح العبادة فيَتَبَيَّنُ له بذلك أنّ هذا
ص:26
السفر مثالٌ لسفر الآخرة؛ فيَتَذَكَّرُ بوصيّته قبلَ السفر وجَمْعِ أهلِهِ اجتماعَهم على وصيّتِه عند إشرافه على لقاء الله تعالى؛ وبتهيئته الزادَ والراحلةَ وملاحَظَةِ الاحتياجِ إليهما والتعرُّضِ للهلاك عند التقصيرِ فيهما _ مع قِصَرِ هذا السفرِ _ شدَّةَ احتياجِه إلى ذلك في سفر الآخرة، وَتَعرُّضَه _ بل وقُوعه في الهلاك _ عند التقصير في زاده مِن الأعمال الصالحة والتوجُّهات المُخْلِصة الناجِحة؛ وبِذِلَّتِهِ وانكسارِه _ عندَ مشاهَدَةِ ذَوِي الأخطار العظيمة والثَروة الجسيمة مع نُفودِ زاده ونفُوق راحِلته _ ما يَلْقاه المُقَصِّرُ مِن الذُلِّ والانكسار حين تجتمع الخلائقُ ببضائع (1)الآخرة والمتاجِرِ الفاخرةِ، وهو مُفْلِسٌ مِن الأعمال مُضَيِّعٌ نفسَه بسابق الإهمال، إلى غيرِ ذلك من التنبيهات إلى آخر الأفعال، وستأتي جملةٌ منها في الخاتمة إنْ شاء اللهُ تعالى.
وقاعدةُ ذلك كُلِّهِ ومرجِعُه إلى ما روي عن مولانا الصادق عليه السلام أ نّه قال: «إذا أردتَ الحجَّ فجرِّد قلبَك للّه تعالى مِن كلِّ شاغِلٍ وحجابِ كلِّ حاجب؛ وفَوِّضْ أُمورَك كلَّها إلى خالقك؛ وتوكَّلْ عليه في جميع ما يظهر مِن حركاتك وسكناتك؛ وسَلِّمْ لقضائه وحُكْمه وقَدَرِه؛ وودِّع الدنيا والراحةَ والخَلْقَ؛ واخْرُجْ مِن حقوقٍ تَلْزَمُك مِن جِهة المخلوقين؛ ولا تَعْتَمِدْ على زادك وراحلتك وأصحابك وقُوَّتِك وشَبابك ومالك، مخافةَ أنْ يَصيرَ ذلك (2)عَدُوّاً ووَبالاً، فإنّ مَنْ ادَّعى رِضى اللهِ واعْتَمَدَ على ما سِواه صَيَّرَه عليه وَبالاً وعدُوّاً، لِيعلَمَ أ نّه ليس له قُوّةٌ ولا حيلةٌ، ولا لأحدٍ إلاّ بعصمة الله تعالى وتوفيقه؛ واسْتَعِدَّ استعدادَ مَنْ لا يَرجو الرجوعَ؛ وأحْسِنِ الصُحْبةَ؛ وراعِ أوقاتَ فرائضِ الله وسُنَنِ نبيِّه صلى الله عليه و آله ، ومايجبُ عليك مِن الأدب والاحتمالِ والصبرِ والشكر والشَفَقَةِ والسخاءِ وإيثارِ الزادِ على دوام الأوقاتِ؛ ثمّ اغْسِلْ بماء التوبة الخالصة ذُنوبَك؛ والْبَسْ كِسْوةَ (3)الصدقِ والصفاء والخضوع والخشوع؛ وأحْرِم من كُلِّ شيءٍ يَمْنَعُك عن ذكر الله تعالى ويَحْجُبُك
ص:27
عن طاعته؛ ولَبِّ بمعنى إجابة صافية خالصة زاكية للّه (عزّ وجلّ) في دعوتك مُتَمَسِّكاً بالعروة الوثقى؛ وطُفْ بقلبك مع الملائكة حولَ العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حولَ البيت؛ وهَرْوِلْ هَرْولةً مِن هَواك وتبرّؤاً مِن حولك وقوّتك، واخْرُجْ مِنْ غَفْلتِك وزَلاّتِك بخروجك إلى مِنًى، ولا تَتَمَنَّ ما لا يَحِلُّ لك ولا تَسْتَحِقُّه؛ واعترِفْ بالخطايا بعَرَفات؛ وجَدِّدْ عهدَك عند الله تعالى بوحدانيته، وتقرَّبْ إليه واتَّقِه بمُزْدَلِفَةَ؛ واصْعَدْ بروحك إلى الملإ الأعلى بصعودك إلى الجبل، واذْبَحِ الهوى والطمع عندَ الذبيحة؛ وَارمِ الشهواتِ والخَساسة والدَناءة والذميمة عندَ رَمْي الجَمَراتِ؛ واحْلَقِ العيوبَ الظاهرةَ والباطنةَ بِحَلْقِ شَعْرِك؛ وادخُلْ في أمان الله تعالى وكَنَفِه وسَتْرِه وكلاءته مِن متابعة مرادك بدخولك الحرمَ؛ ودُرْ حولَ البيت مُتَحقِّقاً لتعظيم صاحبه ومعرفةِ جلاله وسلطانه؛ واسْتَلِمِ الحَجَرَ رضًى بقسمته وخضوعاً لعزَّته؛ ووَدِّعْ ماسِواه بطَواف الوَداع، وأصْفِ روحَك وسِرَّك للقائه يومَ تَلْقاه بوقُوفك على الصفا؛ وكُنْ بِمَرأى من الله عند المَروة؛ واسْتَقِمْ على شرط حجِّك هذا ووفاء عهدك الذي عاهَدتَ مع ربِّك، وأوْجَبْتَه له إلى يومِ القيامة.
واعلم بأنّ اللهَ تعالى لم يَفترضِ الحجَّ ولم يَخُصَّه مِن جميع الطاعات بالإضافة إلى نفسه بقوله (عَزَّ وجلَّ) : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (1)إلاّ للاستعانة على الموت والقبر والبَعْثِ والقيامة والجنّة والنار. بمشاهَدَة (2)مَناسِكِ الحجِّ مِن أوَّلها إلى آخرها، وفي ذلك عِبرةٌ لأُولي الألباب والنُهى» (3). انتهى.
ولْنَشْرَعِ الآنَ في الأحكام الشرعيّة:
فاعلم أنّ الحجَّ ثلاثةُ أنواعٍ: تمتُّع وقِرانٌ وإفرادٌ، فالتَمتُّعُ فَرْضُ مَنْ نأى عن مكَّةَ بثمانيةٍ وأربعين مِيلاً، والآخرانِ فَرْضُ حاضريها ومَن في حكمهم. والفرقُ بينَها أنّ التمتُّعَ تُقَدَّمُ فيه العمرةُ على الحجِّ، وليس في عُمرته طوافُ النساء بخلافهما، ويَخْتَصّانِ عنه أيضاً بجَواز تقديم طواف الحجِّ على الخروج إلى عرفةَ لغير عذرٍ. والفرقُ بينَهما _
ص:28
مع اشتراكهما في تلك الأحكام _ انحصارُ عقدِ إحْرام الإفراد في التلبية، والتخييرُ في القِران بينهما وبَيْنَ سياق الهَدْي.
إذا تقرَّرَ ذلك فأفعالُ عُمْرة التمتّعِ سبعةٌ: الإحرامُ والتلبيةُ ولُبس ثوبي الإحرام والطوافُ ورَكعتاه والسعيُ والتقصيرُ.
وأفعالُ عُمرة الإفراد جميعُ ذلك مع طواف النساء بعد التقصير ورَكْعَتَيْه.
وأفعالُ الحجِّ بأنواعه سِتَّةَ عَشَرَ: الإحرامُ والتلبيةُ واللُبْسُ والوقوفُ بعرفةَ والمَبِيتُ بالمشعر والوقوفُ به ورَمْيُ جَمْرة العَقَبَةِ والذَبْحُ والحَلْقُ والتقصيرُ وطَوافُ الحجِّ وركعتاه والسعيُ وطوافُ النساء وركعتاه والمَبيتُ بِمنًى لياليَ التشريق ورَمْيُ الجَمَراتِ الثلاث.
والأركانُ من ذلك أَحَدَ عَشَرَ: الإحرامانِ والتلبيتانِ والطوافانِ والسعيانِ والوقوفانِ والترتيبُ بين الأفعال. والمرادُ بالركن هنا ما يَبْطُلُ الحجُّ بتركه عَمداً لا سَهواً، إلاّ أنْ يكونَ الفائتُ الوقوفينِ فيَبْطُل وإنْ كان سهواً، ولا يَبْطُلُ بفَواتِ باقي الأفعال وإنْ كان عمداً.
ص:29
ص
وفيها فصولٌ:
، وهو توطين النفس على تَرْكِ أُمورٍ مخصوصةٍ إلى أنْ يأتيَ بالمُحَلِّلِ، وسَيأتي تفصيلُه. وتلك التُروك منها ما يَشْتَرِكُ بينَ الذَكَرِ وغيرِه وهو سِتّةَ عَشَرَ: صَيْدُ البَرِّ المُحَلَّل المُمْتَنِع بالأصالة وسِتَّةٍ مِن المُحرَّمِ: الأسَدِ والثَعْلَبِ والأرْنَبِ والضَبِّ واليَربوعِ والقُنْفُذِ، اصطياداً وأكْلاً وذَبْحاً ودلالةً وإغْلاقاً، مباشَرَةً وتسبيباً ولو بإعارة الآلة، والاستمتاعُ بالجِماع ومقدِّماته حتّى العقد، والطِيبُ بأنواعه شمّاً وسُعُوطاً واطِّلاءً وكَحْلاً وصَبْغاً وغيرَها، والاكتحالُ بالسَواد، والادِّهانُ مطلقاً، وإخْراجُ الدمِ، وقَلْمُ الأظفارِ، وإزالةُ الشَعْر، وقَطْعُ الحشيشِ والشجرِ النابِتَيْنِ في الحرمِ إلاّ الإذْخِرَ والمَحالةَ وعُودَيْها وشجرَ الفواكِهِ والنابتَ في ملكه، والكَذِبُ مطلقاً، والجدالُ وهو الحَلْفُ مطلقاً، ولُبْسُ الخاتَمِ، والحِنّاءُ للزِينة لا للسنَّة _ فيهما _ والفارقُ القصدُ، ولُبْسُ السِلاح اختياراً، وقتلُ هوامِّ الجَسَدِ كالقَمْل، والنظرُ في المرآة.
ومنها ما يَخْتَصُّ بالرجل، وهو لُبْسُ المَخِيطِ وإنْ قَلَّتِ [ الخياطةُ] عدا المِنْطَقَةِ والهِمْيانِ، ويَلْحَقُ به الزِرُّ والخِلالُ وما أحاطَ بالبدن من اللِبْد والدِرْعِ المَنسوجِ وغيرِهما ممّا أشْبَهَ المخيطَ، والتظليلُ سائراً اختياراً ولا يَحْرُمُ المشيُ في ظِلِّ المَحْمِل ولا المرورُ تحتَ الظِلِّ، وتَغْطيةُ الرأس ولو بالارتماسِ. وفي اختصاصه بتحريم سَتْر ظَهْر القَدَمِ بالخُفِّ ونحوِه أو عموم التحريم قولانِ (1)، أقربُهما الأوّلُ.
ومنها ما يَخْتَصُّ بالمرأة، وهو تغطيةُ الوجه إلاّ القدرَ الذي يَتَوَقَّفُ عليه تغطيةُ الرأس فيَحْرُمُ عليها النِقابُ ونحوهُ، ويجوزُ لها أنْ تَسْدُلَ قِناعَها بحيثُ لا يُصيبُ وجهَها، ولُبْسُ
ص:30
ما لم تَعْتَدْه مِن الحَلْي وما اعْتادَتْه بقصد الزِينةِ لا بدونها، لكنْ يَحْرُمُ عليها إظهارُه للزوج. والخُنْثى المُشكِلُ في ذلك كالرَجُل إلاّ في كَشفِ الرأسِ فيَتَخَيَّرُ بينَه وبينَ كشفِ الوجه.
ويُشْتَرَطُ في الإحرام إيقاعُه في أحد المواقيتِ التي وَقَّتَها رسولُ الله صلى الله عليه و آله وهي مسجد الشجرة لأهل المدينة ومَن اجتاز بها، والجُحْفَةُ لأهل المصر والشام إنْ مَرّوا بها، ويَلَمْلَمُ لأهل اليمنِ، وقَرْنُ المنازِلِ لأهل الطائف، والعَقِيقُ لأهل العراق وهو المَسْلَخُ وذاتُ عِرْقٍ وما بينَهما، وأفضلُه أوّلُه. ومَنْ كان منزلُه دونَ المِيقات فميقاتُه منزلُه. ولو سَلَكَ طريقاً لا يَمُرُّ بميقاتٍ أحْرَمَ عند مُحاذاة الميقاتِ ولو ظنّاً، ولا فرقَ في ذلك بينَ البَرِّ والبحر.
وهذه المواقيتُ لحجِّ القِرانِ والإفراد ولعمرة التمتُّع وللمفرَدة إذا مَرَّ عليها. ولو كان بمكّةَ خرج لها إلى أدنى الحِلِّ. ومِيقاتُ حجِّ التمتُّع اختياراً مكَّةُ، وأفضلها المسجدُ وأفضلُه المَقامُ أو تحتَ المِيزابِ.
ويُشتَرَطُ أيضاً في غير عمرة الإفراد وقوعُه في أشْهُرِ الحجِّ وهي شوّالٌ وذوالقَعْدةِ وذو الحِجَّةِ.
ويُسْتَحَبُّ قبلَ الإحرام تَوْفيرُ شَعْرِ الرأس من أوَّل ذي القَعْدة، ويَتَأكَّدُ عندَ هِلال ذي الحِجّة، واستكمالُ التنظيفِ عندَه بإزالة شَعْرِ الإبْطِ (1)والعانةِ بالحَلْقِ _ وأفَضْلُ منه الاطّلاءُ (2)وإنْ كان مُطَّلِياً قبلَ ذلك، ما لم يَقْصُرْ وقتُه عن خَمْسةَ عَشَرَ يوماً فلا يتأكَّد الاستحباب _ وقَصِّ الأظفارِ وإزالةِ الشَعَثِ، والغُسْلُ على الأقوى، ويُجزِئُ غُسلُ النهارِ ليومه والليلِ لليلته ما لم يَنَمْ أو يُحْدِثْ أو يَأكُلْ أو يَتَطيِّبْ أو يَلْبَسْ ما يَحْرُم على المُحْرِم فيُعيدُه. ولو تَعَذَّرَ الغُسْلُ تَيَمَّمَ. ولو خافَ عَوْزَ الماء في الميقات قَدَّمَه في أقربِ أوقات الإمكان إليه، ثمّ يَلْبَسُ ثوبي الإحرامِ، وسيأتي بيانُهما. ثمّ يُصلِّي
ص:31
سُنّةَ الإحرامِ وهي سِتُّ ركعاتٍ أو أربعٌ أو ركعتان، ثمّ يُصلِّي الفريضةَ الحاضرةَ إنْ كانَتْ وأفضلُها الظهرُ، وإلاّ قَضى فريضةً. ونِيّةُ الغُسل: «أغْتَسِلُ غُسلَ الإحرامِ لندبه قربةً إلى الله» . ونيَّةُ السُنّة : «أُصلِّي ركعتين مِنْ سُنّة الإحرامِ لنَدْبهما قربةً إلى الله » .
وينبغي النيَّة عندَ نَزْعِ المخيطِ ولُبْس الثوبينِ، وليستْ شرطاً في الصحّة وإنْ توقَّفَ عليها الثوابُ، فيَنْوي: «أنْزِعُ المَخيطَ لوجوبه قربةً إلى الله، ألْبَسُ ثَوْبَي الإحرامِ لوجوبه قربةً إلى الله».
ونيّةُ الإحرامِ بالعُمرة: «أُحْرِمُ بالعمرة المُتَمَتَّعِ بها إلى حَجِّ الإسلام حَجِّ التمتُّع، وأُ لَبِّي التلبياتِ الأربعَ لعقد هذا الإحرامِ لوجوب الجميعِ قربةً إلى الله». ويُقارِنُ بها التلبيةَ وهي «لَبَّيْك اللهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ، إنّ الحمدَ والنِعْمةَ والمُلك لك، لا شريك لك لَبَّيْك». ولَمّا كانتِ النيّة هي القصد إلى الفعل المعيَّن المتَّصِفِ بالأوصاف المذكورة فلابُدَّ مِنْ معرفة المكلّف بمعانيها ليَتَحَقَّقَ القصدُ إليها. فمعنى أُحْرِمُ أي أُوطِّنُ نفسي على ترك الأُمور المذكورة سابقاً.
والعُمرة لغةً: الزيارة، وشرعاً: زيارةُ البيت مع أداء مناسِكَ مخصوصةٍ، وتُطْلَقُ على مجموع تلك المناسك. وخَرَجَ ب_ «العمرة» (1)الحجُّ والمتمتَّعُ بها إلى الحجّ أي التي يَتَخَلَّلُ بينَها وبينَ الحجِّ راحةٌ وتحلُّلٌ مُسْتَمِرٌّ من الفَراغ منها إلى أنْ يَشْتَغِلَ بالحجِّ، وبهذا القيد تَتَمَيَّز عن العمرة المفرَدة؛ فإنّها تقع بعدَ الحجِّ أو (2)غيرَ مُرْتَبِطةٍ به، وبقيد «الإسلام» تَخرج العمرةُ المتمتَّعُ بها إلى حجِّ النذر وشبهه، و«لوجوب الجميع» إشارةٌ إلى الوجه الذي يقع عليه الفعلُ وبه يَمْتازُ عن المندوب و«قربةً إلى الله» إشارةٌ إلى غاية الفعلِ المتعبَّدِ به. والمرادُ بالقربة إليه سبحانه موافقةُ إرادته والتقرُّبُ إلى رضاه تعالى لا القربُ المكاني والزماني، لتنزُّهِه تعالى عنهما. وأُوثرُِ هذه الصيغةَ لورودها كثيراً في الكتاب والسُنَّة، ولو اقْتَصَرَ على جَعْلها لِلّه تعالى كفى.
ص:32
ويُعتبر في التلبية مقارَنَتُها للنيّة كتكبيرة الإحرام بالنسبة إلى نيّة الصلاة، وترتيبُها على الوجه المذكور، وموالاتُها، وإعرابُها.
ومعنى لَبَّيْك: «إجابةً بعدَ إجابةٍ لك ياربِّ» أو «إخلاصاً بعدَ إخلاصٍ» أو «إقامةً على طاعتك بعدَ إقامةٍ». ومعنى اللهمَّ: «ياألله». ويجوز كسر «إنّ» في قوله: «إنّ الحمدَ» وفتحها، والأوَّل أجودُ (1). وقد ورد في الخبر أنّ هذه التلبية جوابٌ للنداء المذكور في قوله تعالى: «وَ أَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ» (2)حيثُ صَعِدَ إبراهيمُ عليه السلام أبا قُبَيْسٍ ونادى بالحجِّ (3). وفي «لا شريك لك» إرغامٌ لأُنوف الجاهليّة الذين كانوا يُشْرِكونَ الأصنامَ والأوثانَ بالتلبية، وفي تَكرارها بَعْثٌ للقلب على الإقبال على خالص الأعمال وتلافٍ لِما _ لعلّه _ وقع من الإخلال بوظائف عبوديّة المَلِك المتعالِ، كتَكرار الركعات والتسبيحاتِ والتكبيراتِ وغيرِها من الأفعال.
ويُسْتَحَبُّ الإكثارُ منها ومن باقي التلبياتِ المستحبَّةِ خصوصاً «لَبَّيْكَ ذا المعارِجِ، لَبَّيْك» فقد كان النبيّ صلى الله عليه و آله يُكْثِرُ منها، ومِنَ المستحبّةِ: «لَبَّيْك ذا المعارجِ إلى دار السلام، لَبَّيْك لَبَّيْك غفّارَ الذنوبِ، لَبَّيْك لَبَّيْك أهلَ التلبية، لَبَّيْك لَبَّيْك ذا الجَلالِ والإكرام، لَبَّيْك لَبَّيْك تُبْدِئُ والمعادُ إليك، لَبَّيْك لَبَّيْك تَسْتَغْني ويُفْتَقَرُ إليك، لَبَّيْك لَبَّيْك مَرهوباً ومَرغوباً إليك، لَبَّيْك لَبَّيْك إلهَ الحقِّ، لَبَّيْك لَبَّيْك ذا النَعْماء وذا الفَضْلِ الحَسَنِ الجَميل، لَبَّيْك لَبَّيْك كَشّافَ الكُرَبِ العِظامِ، لَبَّيْك لَبَّيْك عبدُك وابنُ عبديْك، لَبَّيْك لَبَّيْك أتَقَرَّبُ إليك بمحمّدٍ وآل محمّد (صَلّى الله عليهم) ، لَبَّيْك لَبَّيْك ياكريمُ لَبَّيْك، لَبَّيْك بالعمرة المتمتَّعِ بها إلى الحجِّ لَبَّيْك» (4).
ص:33
ولو كان لإحرام الحجّ قال بَدَلَ «بالعمرة»: «بالحجّ» إلى آخر مميّزاته.
ويُشْتَرطُ في الثوبينِ صِحّةُ الصلاة فيهما اختياراً، فلا يُجْزِئ النَجِسُ ولا الحريرُ المحْضُ ولا جِلدُ غيرِ المأكول، ولا الرقيقُ الذي يَحْكي العورةَ. ولْيَأتَزِرْ بأحدهما ويرتدِ بالآخر بأنْ يُغَطِّيَ به مِنْكَبَيْه أو يَتَوشَّح به بأنْ يُغَطِّيَ [ به] أحدَهما. (ولو تَأدّتِ الوظيفتانِ بثوبٍ طويلٍ أجْزأ عنهما) (1). ويَجوزُ عَقدُ الإزارِ دونَ الرِداء، والزيادةُ عليهما للحاجة، وإبدالهُما.
ويُسْتَحَبُّ الطوافُ في الأوّليْنِ، وأن يكونا مِن القُطن الأبيضِ، ويُكْرَهُ غَسْلُهما _ وإنْ تَوَسَّخا _ وكونُهما غيرَ أبيضَيْنِ.
تذنيبٌ: الحَيْضُ لا يَمْنَعُ الإحرامَ، فلو اتّفَقَ حالةَ الإحرام أحْرَمَتْ كذلك مِنْ غير غُسْلٍ (2)ولا صَلاةٍ. ولو كان مِيقاتُها مسجدَ الشجرة أحْرَمَتْ مِنْ خارجه أو مُجْتازةً به مع أمْنِ التلويثِ.
ويُسْتَحَبُّ لها أنْ تَلْبَسَ ثياباً طاهرةً حالةَ النيّة _ فإذا أحْرَمَت نَزَعَتْها إنْ شاءت _ وأنْ تَسْتَثْفِرَ (3)بَعدَ الحَشْوِ وتَتَنَظَّفَ ثمَّ تُحْرِمَ.
ولو تَرَكَتِ الإحرامَ لظنّها فَسادَه رَجَعَتْ إلى الميقاتِ مع الإمكان، فإنْ تعذَّر فمِنْ حيث أمْكَنَ ولو مِنْ أدنَى الحِلِّ. ثمّ إنْ طَهُرَتْ قبلَ وقتِ الطَوافِ فظاهرٌ، وإلاّ أخَّرتْه وما بعدَه مِن الأفعال إلى أنْ تَطْهُرَ أو يَضِيقَ الوقتُ بالتلبُّسِ بالحجِّ، فإنْ ضاقَ ولمّا تَطْهُرْ عَدَلَتْ إلى حجِّ الإفراد، وَخَرَجَتْ إلى عَرَفَةَ بإحرامِها الأوّلِ، ثمّ اعْتَمَرَتْ بعدَ الحجِّ عمرةً مفردةً وأجْزأها عن فرضها. وكذا لوعَرَضَ الحَيضُ بعدَ الإحرام وقبلَ أنْ تَطوفَ أربعةَ أشواطٍ. ولو عَرَضَ بعدَ أنْ طافَتِ الأربعةَ سَعَتْ وأكْمَلَتِ العمرةَ، وأخَّرَتْ بقيّةَ
ص:34
الطوافِ والصلاة إلى أنْ تَطْهُرَ.
، وهي الحركة الدَوْريّة حولَ البيتِ على الوجه المخصوصِ للقربة، وله مقدِّماتٌ مَسْنونةٌ وفُروضٌ وسُنَنٌ:
فالمقدّمات: الغسلُ عندَ دخول الحرم، ودخولُه ماشياً حافياً ونعلُه بيده، فمَنْ فَعَلَ ذلك تواضعاً للّه تعالى مَحا اللهُ عنه مائةَ ألفِ سيِّئةٍ، وكَتَبَ له مائةَ ألفِ حسنةٍ، وبَنى له مائةَ ألفِ درجةٍ، وقضى له مائةَ ألفِ حاجةٍ. رواه أبانُ بنُ تَغْلِبَ عن الصادق عليه السلام (1).
والدعاءُ عند دخوله، فإذا أرادَ دخولَ مكَّةَ اغْتَسَلَ أيضاً بالأبْطحِ مِنْ بِئرِ مَيْمونٍ أو غيره، ولا يُحْدِثَ بعدَه حتّى يدخُلَها.
ويُسْتَحَبُّ الغُسلُ ثالثاً لدخول المسجد الحرام، ثمّ يَدخلُه حافِياً خاضِعاً خاشِعاً مِنْ باب بني شَيْبَةَ، وهو بإزاء باب السلام أدْخَلُ منه نحوَ المسجد، ويَقِفُ عندَه ويقول:
السلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، باسم الله وبالله [ ومن الله و (2)] ما شاء الله، والسلام على أنبياء الله ورُسُله، والسلام على رسول الله، والسلام على إبراهيمَ خليلِ الله، والحمد للّه ربِّ العالمينَ (3).
ثمَّ يَرفَعُ يدَيْه ويَسْتَقْبِلُ البيتَ ويقول: «اللهُمَّ إنّي أسألك في مقامي هذا في أوَّلِ مناسكي أنْ تَقْبَلَ تَوْبَتِي، وأنْ تجاوَزَ عَنْ خَطيئتي وتَضَعَ عنّي وِزْري، الحمد لِلّه الذي بَلَّغَني بيتَه الحرامَ. اللهُمَّ إنّي أُشْهِدُك أنّ هذا بيتُك الحرامُ الذي جَعَلْتَه «مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَ أَمْنًا» (4)ومُبارَكاً وهُدًى للعالمين. اللهُمَّ إنّي عبدُك، والبلدُ بلدُك، والبيتُ بيتُك، جئتُ أطْلُبُ رحمتَك وأؤمُّ طاعتَك، مُطِيعاً لأمرك، راضياً بقَدَرك، أسألُك مسألةَ الفقيرِ إليك
ص:35
الخائفِ مِنْ عُقوبتك. اللهُمَّ افْتَحْ لي أبوابَ رحمتِك، واسْتَعْمِلْنِي بطاعتك ومَرْضاتِك، واحفَظْنِي بحفظِ الإيمان أبداً ما أبْقَيْتَنِي، جَلَّ ثناءُ وجهِك. الحمد لِلّه الذي جَعَلَني مِن وَفْدِهِ وزُوّارِه، وَجعَلَني مِمَّنْ يَعْمُرُ مساجِدَه، وجَعَلَني مِمّن يُناجيه. اللهُمَّ إنّي عبدُك وزائرُك وفي بيتك، وعلى كُلِّ مأتيٍّ حقٌّ لِمَنْ أتاه وزارَه، وأنت خيرُ مأتيٍّ وأكرمُ مَزُورٍ، فأسألُك يااللهُ يارحمانُ بأ نّك أنتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أنت وحدَك لا شريك لك، وبأ نّك واحِدٌ أحَدٌ صَمَدٌ لم تلِدْ ولم تُولَدْ ولم يكن لك كُفواً أحدٌ، وأنّ محمَّداً عبدُك ورسولك صلى الله عليه و آله . يا جوادُ يا ماجِدُ ياحَنّانُ يامَنّانُ ياكريمُ أسألُك أنْ تَجْعَلَ تُحْفَتَكَ إيّاي مِن زيارتي إيّاكَ فَكاكَ رَقَبَتي مِن النار، اللهُمّ فُكَّ رَقَبَتي مِن النار _ ثلاثاً _ وأوْسِعْ عليَّ مِن رِزقك الحلالِ، وادْرأْ عنِّي شرَّ شياطينِ الجنِّ والإنسِ وَشَرَّ فَسَقَةِ العربِ والعجمِ» (1).
ثمّ يمشي نحوَ البيتِ، فإذا دَنا مِن الحَجَر الأسودِ رَفَعَ يدَيْه وحَمِدَ اللهَ وأثْنى عليه وقال: ««الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَل_نَا لِهَ_ذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلآَ أَنْ هَدَل_نَا اللَّهُ» (2)سبحان الله والحمد للّه ولا إلهَ إلاّ اللهُ والله أكبرُ» (3).
وصلّى على النبيِّ صلى الله عليه و آله ، ثمَّ يَسْتَلِمُ الحَجَرَ ويُقَبِّلُه، فإنْ لم يَسْتَطِعْ أشارَ بيده إليه ويقول: «اللهُمَّ إنِّي أُؤمِنُ بوعدك، وأُوفِي بعهدك. اللهُمَّ أمانتي أدَّيتُها وميثاقي تعاهَدْتُه لِتَشْهَدَ لي بالموافاة. اللهُمَّ تصديقاً بكتابك وعلى سنَّةِ نبيِّك صلى الله عليه و آله ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنّ محمَّداً عبدُه ورسولُه، آمَنْتُ بالله وكَفَرْتُ بالجِبْت والطاغوتِ وباللاتِ والعُزّى وعبادةِ الشَيطانِ وعبادةِ كُلِّ نِدٍّ يُدْعى مِن دونِ الله».
فإنْ لم يَقْدِرْ على جميع ذلك قال بعضه (4): «اللهُمّ إليك بَسَطْتُ يدي، وفيما عندك
ص:36
عَظُمَتْ رَغْبَتي، فَاقْبَل سُبْحَتي (1)، واغفِر لي وارْحَمْني. اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن الكُفرِ والفقرِ ومواقِفِ الخِزْي في الدنيا والآخرة» (2).
وأمَّا الفروض فعلى ضربين: شروطٌ متقدِّمة ومقارِنَةٌ:
فالشروط أربعةٌ: الطهارةُ مِن الحَدَث ولو بالتيمُّم مع تعذُّر المائية، ولا يُشْتَرَطُ ذلك في الطواف المندوبِ على الأقوى وإنْ كان مِنْ كماله. نَعَم، هي شرطٌ في صلاة الطوافِ مطلقاً؛ وإزالةُ النَجاسة عن الثوب والبدن على حدِّ ما يُعتبر في الصلاة؛ وسَتْرُ العورةِ الواجبِ سَتْرُها في الصلاة بحسب حال الطائف؛ والخِتانُ في الرجل مع المُكْنة.
والمقارِنةُ سَبْعَةٌ: النيّةُ مقارِنةً لأوّل جزءٍ مِن الحجر الأسودِ، بحيث يكونُ أوّلُ بدنِه مُحاذياً لأوَّلِ جزءٍ من الحجر عِلْماً أو ظنَّاً، لِيَمُرَّ عليه بجميع بدنه، ولا يُشْتَرَطُ استقبالُ البيتِ أوّلاً ثمّ الانحرافُ بل يَكفي جَعْلُه على اليَسار ابتداءً، وإنْ كان الأوَّلُ أولى وصفتها: «أطوفُ بالبيتِ سبعةَ أشواطٍ لعمرةِ الإسلامِ عمرةِ التمتُّع لوجوبه قربةً إلى الله» مُسْتَدامةَ الحكم إلى آخره، مقارِنَةً للحركة عقيبَها بنفسه أو حامله؛ وجعلُ البيتِ على اليَسار؛ والمَقامِ على اليمين ولو تقديراً، بمعنى مراعاةِ النسبة في جميع الجِهات؛ والخروجُ بجميع البدن عن البيت، فلا يَمَسَّ الحائطَ ماشياً بل يَقِفُ إنْ أرادَه لِئلاّ تَدْخُلَ يدُه على الشاذروانِ؛ وموالاةُ أربعة أشواطٍ مِنَ السبعةِ، ويجوزُ تفريقُ الباقي منها لضرورةٍ أو قضاءِ حاجةٍ أو صلاةِ فريضةٍ أو نافلةٍ يُخاف فوتُها أو لدخول البيت؛ وإدخالُ الحِجْرِ في الطواف، فلو طافَ فيه أو مَشى على حائطه لم يُجْزِئ، ولا يجب الخروجُ عن شيءٍ آخَرَ خارِجه إجماعاً؛ والختمُ في الشَوْط السابعِ بما بَدَأ به، بمعنى
ص:37
جَعْلِ أوّلِ جزءٍ مِن الحَجَرِ مُحاذياً لأوّلِ بدنه حَذَراً مِن الزيادة والنقيصة المُبْطِلَتينِ ولو بخُطْوةٍ، حتّى لو لم يَحْصُلِ العددُ أو شَكَّ _ في النقيصة مطلقاً وفي الزيادة قبلَ بُلوغِ الركنِ _ بَطَلَ، ولو بَلَغَه قَطَعَ وصَحَّ طَوافُه. ولو شَكَّ بعدَ الفَراغِ لم يَلْتَفِتْ مطلقاً. ولو كان الطوافُ نَفْلاً بَنى على الأقلِّ.
وسُنَنهُ: المبادَرَةُ إليه حينَ يَدْخُلُ المسجدَ؛ لأ نّه تَحيّتهُ إلاّ أنْ يَخافَ فَوْتَ الجماعةِ فيُقَدِّمها؛ وتقبيلُ الحجَر واسْتِلامُه ببطنه وما أمْكَنَ مِن بدنه في ابتداء الطواف وفي كُلِّ شوط، فإنْ تَعَذَّرَ فبِيده، فإنْ تَعَذَّرَ أوْمَأ إليه كما مَرَّ؛ واستلامُ الأركانِ كلِّها وتقبيلُها خصوصاً العراقي واليماني، بل قيل بوجوب استلام اليماني (1)؛ والاقتصادُ في المشي، والتَداني مِن البيتِ وإنْ قلَّتِ الخُطَا؛ والتزامُ المُسْتَجارِ في الشوط السابع، وهو مقابِلُ الباب قريباً مِن الركن اليماني؛ وبَسْطُ اليدينِ على حائطه؛ وإلصاقُ البطنِ والخَدَّيْنِ به؛ وتَعدادُ الذُنوبِ مُفَصَّلَةً والاستغفارُ منها؛ والدعاءُ عنده بقوله: «اللهُمّ البيتُ بيتُك والعبدُ عبدُك، وهذا مكانُ العائذِ بك مِن النار» (2).
ومتى الْتَزَمَ أو اسْتَلَمَ حَفِظَ موضعَ قيامه وعادَ إلى طوافه منه حَذَراً مِن التقدُّم والتأخُّر؛ وأنْ يقولَ في حال الطواف: «اللهُمَّ إنِّي أسْألُك بِاسمك الذي يُمْشى به على طَلَلِ الماء كما يُمْشى به على جَدَدِ الأرضِ، وأسألُكَ باسمكَ الذي يَهْتَزُّ له عرشُكَ، وأسألُكَ باسمكَ الذي تَهْتَزُّ له أقدامُ ملائكتك، وأسألُكَ باسمكَ الذي دعاكَ به موسى بنُ عِمرانَ مِن جانبِ الطورِ فَاسْتَجَبْتَ له وألْقَيْتَ عليه مَحَبَّةً منك، وأسألُكَ باسمك الذي غَفَرْتَ به لمحمَّدٍ صلى الله عليه و آله ما تَقَدَّمَ مِنْ ذنبه وما تَأخَّر وأتْمَمْتَ عليه نِعْمتَك (3)أنْ تَفْعَلَ بي كذا وكذا _ ويقول أيضاً: _ اللهُمَّ إنِّي إليك فقير، وإنِّي خائفٌ مُسْتَجِيرٌ، فلا تُبَدِّلْ اسمي
ص:38
ولا تُغَيِّرْ جسمي» (1).
فإذا فَرَغَ مِن الطواف أتى مقامَ إبراهيمَ عليه السلام فصلّى ركعتيه خلفَه أو عن أحدِ جانبيه، ونيّتهما: «أُصلِّي ركعتي طوافِ عمرةِ الإسلام عمرةِ التمتُّع أَداءً لوجوبه (2)قربةً إلى الله» وهي كاليومية في الشرائط والأفعال. ويَتَخَيَّرُ فيها بين الجهر والإخفات. ويُسْتَحَبُّ أنْ يَقْرأ في الركعة الأُولى بعدَ الحمدِ التوحيدَ وفي الثانيةِ الجحدَ أو بالعكس. ويَدْعو بعدَهما بالمأثور أو بما سَنَحَ.
، وهي الحركاتُ المعهودةُ بينَ الصفا والمَروة للقربة، وله مقدِّماتٌ مَسْنونةٌ وفروضٌ وسُنَنٌ مقارِنَةٌ:
فمقدِّماته: التعجيلُ إليه عقيبَ صلاة الطواف، والطهارة مِن الحَدَثِ والخَبَث على أشهر القولين (3)، واستلامُ الحَجَرِ، والشربُ مِنْ زَمْزَمَ وصَبُّ الماء عليه مِن الدَلْو المقابلِ للحَجَر وإلاّ فمِنْ غيره، والأفضلُ استقاؤه بنفسه قائلاً عند الشرب: «اللهمَّ اجْعَلْه عِلْماً نافعاً ورِزقاً واسعاً وشفاءً مِن كلِّ داءٍ وسُقْمٍ» (4)، والخروج إلى الصفا مِن الباب المقابِل للحَجَر، وهو الآن في داخل المسجد بإزاء الباب المعروف بباب الصفا مُعَلَّمٌ بأُسْطُوانتينِ معروفتين، فليَخْرُجْ مِن بينهما إلى الباب، والصعودُ على الصفا بحيث يَرَى البيتَ مِن بابه، واستقبالُ الرُكْنِ العِراقي، وإطالةُ الوقوفِ عليه، وقِراءةُ سورة البقرة، وحمدُ الله وتكبيرُه وتسبيحُه وتهليلُه والصلاةُ على النبيّ وآله صلى الله عليه و آله مائة مائة، وأقلُّه التكبيرُ والتهليلُ
ص:39
سَبْعاً سَبْعاً، ثمّ يقولُ: «لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، يُحْيي ويُمِيتُ وهو حيٌّ لا يَموتُ، بيده الخَيرُ وهو على كُلِّ شيءٍ قدير (1). _ ويقول: _ لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه وحدَه، أنْجَزَ وعدَه، ونَصَرَ عبدَه، وهَزَمَ الأحزابَ وحدَه، فله الملكُ، وله الحمدُ وحدَه. اللهُمَّ بارِكْ لي في الموت وفيما بعدَ الموت. اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِنْ ظلمةِ القبر ووحشتِه. اللهُمَّ أظِلَّنِي تحتَ عرشِك يومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّك _ ويقول: _ أسْتَودِعُ اللهَ الرحْمنَ الرحيمَ، الذي لا يُضيع وَدائِعَه، ديني ونَفَسي وأهلي» (2).
وفروضه: النيَّةُ: «أسْعى سبعةَ أشواطٍ لِعُمْرَة الإسلام عمرةِ التمتُّع لوجوبه قربةً إلى الله» مقارِنةً للصفا بأنْ يُلصِقَ عَقِبه به أو يَصْعَدَ عليه، والحركةُ بعدَها في الطريق المعهود بوجهه مستدامةَ الحكم إلى آخره، ويَخْتِمُ بالمروة ولو بأصابع قدميهِ إنْ لم يَدْخُلْ، فإذا عاد ألْصَقَ عَقِبَه بها وأصابِعَه بالصفا آخِراً إنْ لم يَصْعَدْ كذلك، وإتمامُ السبعةِ، مِنَ الصفا إليه شوطانِ، من غير زيادةٍ ولا نُقصانٍ، فلو زادَ عمداً بَطَلَ وناسياً يَقْطَعُ. ولو نَقَصَ عادَ للإكمال وجوباً. ويَستَنِيبُ مع التعذُّر، ولا يَتَحَلَّلُ بدونه، وإيقاعُه يومَ الطواف، فإنْ أخَّرَه أثِمَ وأجْزَأ، والأحوطُ موالاتُه كالطوافِ.
وسُنَنُه: السَعْيُ ماشياً مع القدرة والسَكينة والوقار، وأنْ لا يَقْطَعَه لغير ضرورة، والهَرْوَلَةُ للرجل بينَ المَنارة وزُقاقِ العطّارين، ولو نَسِيَها رَجَعَ القَهْقَرى وتَدارَكَها ما لم يَشْرَعْ في الشوط الثاني، والراكِبُ يُحَرِّكُ دابَّتَه ما لم يُؤذِ أحَداً، وأنْ يَقولَ: «بِاسم الله والله أكبرُ، وصلّى الله على محمَّدٍ وآله، اللهمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وتجاوَزْ عمّا تَعْلَم، إنّك أنتَ الأعزُّ الأكْرَمُ» (3).
، وهو إبانةُ مُسَمَّى الشَعرِ أو الظُفُرِ، وبه يُحِلُّ مِن إحرام العمرة المُتَمَتَّعِ بها. أمّا المُفْردَةُ فلا يَتِمُّ الإحلالُ منها إلاّ بطوافِ النساء بعدَه وصلاةِ ركعتيهِ.
ص:40
وفروضه: النيَّةُ مقارِنَةً للفعل: «أُقَصِّرُ للإحلال مِن إحرام العمرة المتمتَّعِ بها إلى حَجِّ الإسلام حجِّ التمتُّع لوجوبه قربةً إلى الله» مستدامةَ الحكم إلى آخره، ولا تَتَعَيَّنُ له آلةٌ مخصوصةٌ، فيُجْزِئُ الحديدُ والنُورةُ والنَتْفُ والقَرْضُ بالسِنِّ وغيرُها، ولا فرقَ بينَ شَعْرِ الرأسِ وغيرِه، ولا يُجْزِئُ الحَلْقُ هنا، نَعَمْ يُجْزِئُ في المفرَدة، ومكانُه مكَّةُ.
ويُسْتَحَبُّ كونُه على المروة، والبدأةُ بالناصيةِ، والأخذُ مِن جميعِ جوانبِ شَعْره على المُشْطِ، وتقليمُ الأظفار مع أخْذِ الشَعْر، والتَشَبُّهُ بالمُحْرِمينَ بعدَه في ترك لُبْسِ المَخِيط إلى أنْ يَتَلَبَّسَ بالحجِّ، وكذا لأهلِ مكَّةَ طُول المَوْسِمِ.
ص:41
ص
وفيها فصولٌ:
، وتحقيقه كما مرَّ في الواجبات والمحرَّمات إلاّ أ نّه يَنْوِي هنا إحرامَ الحجِّ، وصفة النيّة: «أُحْرِمُ بحجِّ الإسلام حجِّ التمتُّع، وأُلَبِّي التلبياتِ الأربعَ لِعقد هذا الإحرام لوجوب الجميع قربةً إلى الله، لَبَّيْك اللهُمَّ لَبَّيْك...» إلى آخره. وقد تَقَدَّمَ (1)أنّ محلَّه مكَّةُ، وأفضلُها المسجدُ وخلاصته (2)المقام أو تحت المِيزابِ، وأفضلُ زمانه يومَ الثامنِ بعدَ الزَوال عقيبَ الظُهرينِ المُتَعَقِّبَيْنِ لِسُنّة الإحرامِ المتقدِّمة.
ويُسْتَحَبُّ رفعُ الصوتِ بالتلبية في موضع الإحرام إنْ كان ماشياً، وإنْ كان راكباً إذا نَهَضَ به بَعيرُه، مُتَوَجِّهاً إلى عرفات خصوصاً إذا أشْرَفَ على الأبطحِ، وأنْ يقولَ عند توجّهه: «اللهُمَّّ إيّاكَ أرجو وإيّاك أدعو، فبَلِّغْنِي أمَلي وأصْلِحْ لي عملي» (3). فإذا وَصَلَ إلى منىً قال: «اللهمَّ هذه منىً وهي ممّا مَنَنْتَ به علينا مِن المناسِكِ، فأسْألُكَ أنْ تَمُنَّ عليَّ بمامَنَنْتَ به على أنبيائك، فإنّما أنا عبدُك وفي قَبْضَتِكَ» (4).
ويُسْتَحَبُّ المَبِيتُ بها ليلةَ التاسع، وأنْ لا يَجُوزَها حتّى تَطْلُعَ الشمسُ، فإذا تَوَجَّهَ إلى عرفات قال: «اللهمَّ إليك قَصَدْتُ، وإيّاك اعْتَمَدْتُ، ووَجْهَك أردتُ، أسألُك أنْ تُبارِكَ لي في
ص:42
رِحْلتي، وأنْ تَقْضِيَ لي حاجتي، وأنْ تَجْعَلَنِي ممّن تُباهِي به اليومَ مَنْ هو أفضلُ منّي» (1).
ولْيَسْتَمِرَّ على التلبية استحباباً إلى أنْ يَصِلَ إلى عَرَفَةَ.
، وهو الكَوْنُ بها من زَوال الشمسِ إلى غروبها مِن يَوْم التاسعِ مقارِناً أوّلَه بالنيّة _ عندَ تحقُّقِ الزَوال مُسْتَدامةَ الحكم إلى آخره _ : «أقِفُ بعرَفَةَ في حجِّ الإسلام حجِّ التمتُّعِ لوجوبه قربةً إلى الله».
والركنُ منه مسمّى الكَوْنِ بعدَ النيَّة وإنْ كان عابرَ سبيلٍ، وباقيه موصوفٌ بالوجوب لا غيرُ. وحدُّ عَرَفَةَ ما بين ثَوِيَّةَ وعُرَنَةَ وذي المَجاز وذي الأراك.
وسُنَنُه: الغسلُ قبلَ الزوال، وجَمْعُ الرَحْلِ، وقَطْعُ العلائقِ المانعةِ مِن الإقبال على الله تعالى في ذلك الوقت، والجمعُ بينَ الظهرينِ في أوّل الوقت بأذانٍ وإقامتينِ، والوقوفُ بالسَفْحِ في مَيْسَرَةِ الجبلِ والقُرْبُ منه، والقيامُ بعدَ الصلاة مع الاختيار، واستقبالُ القبلة، وإحضارُ القلب، والإكثارُ مِن التكبير والتحميد والتهليل والتمجيد والتسبيح والثناء على الله تعالى بما هو أهلُه، والاستعاذةُ بالله مِن الشيطانِ الرجيمِ _ فإنّه حريصٌ على أنْ يُذْهِلَ المؤمنَ في ذلك المَوْطنِ الشريفِ _ والاستغفارُ بالقلب واللسانِ، وتَعدادُ الذنوبِ، والبُكاءُ أو التباكي، والدعاءُ للإخوانِ وأقلُّهم أربعونَ، والبروزُ تحتَ السماء إلاّ لضرورةٍ، وصرفُ الزمانِ كلِّه في الدعاء والاستغفار والذِكرِ، بل قيل بوجوبه (2)، والدعاءُ بالمأثور (3)وهو كثيرٌ لا يَقْتَضِي الحالُ ذِكرَه هنا، وأعظَمُهُ دعاءُ الحسينِ ووَلَدِه زينِ العابدينِ عليهماالسلام ،
ص:43
وقِراءةُ عَشْرٍ مِن أوَّل البقرةِ ثمّ التوحيدِ ثلاثاً وآيةِ الكرسيِّ والسُخْرةِ (1)والمُعَوِّذَتَيْنِ ثمّ حمدُ اللهِ تعالى على نِعَمِه مُفَصَّلةً، وفِعْلُ الخيرِ ما اسْتَطاعَ، وتَرْكُ الهَذَرِ.
إذا غَرَبَتِ الشمسُ مِن يومِ عرفَةَ، فَلْيُفِضْ إليه وجوباً بالسكينة والوَقار مُسْتغفِراً داعياً بالمأثورِ وهو: «اللهمّ لا تَجْعَلْه آخِرَ العهدِ مِنْ هذا المَوْقِفِ، وارْزُقْنِيه أبَداً ما أبْقَيْتَنِي، واقْلِبْني اليومَ مُفْلِحاً مُنْجِحاً مُسْتَجاباً لي مَرحوماً مَغفوراً لي بأفضلِ ما يَنْقَلِبُ به اليومَ أحدٌ مِن وَفْدِك عليك، وأعْطِنِي أفْضَلَ ما أعْطَيْتَ أحداً مِنهم مِن الخيرِ والبَرَكةِ والرِضوان والمغفرةِ، وبارِكْ لي فيما أرْجِعُ إليه مِنْ أهلٍ أو مالٍ أو قليلٍ أو كثيرٍ، وبارِكْ لَهم فيَّ» (2).
ولْيُكْثِرْ مِن قوله: «اللهمَّ أعْتِقْ رَقَبَتي مِن النار» (3)فإذا بَلَغَ المَشْعَرَ _ وحَدُّهُ ما بينَ المأزِمَيْنِ إلى الحِياض إلى وادي مُحَسِّرٍ _ وجب عليه الكَوْنُ به إلى الفجر ناوياً: «أبِيتُ هذه الليلةَ بالمشعرِ في حجِّ الإسلام حجِّ التمتُّعِ لوجوبه قربةً إلى الله».
ويُسْتَحَبُّ إحياءُ تلك الليلةِ بالعبادة؛ فإنّ أبوابَ السماءِ لا تُغْلَقُ تلك الليلةَ لأصوات المؤمنين (4). فإذا أصْبَحَ وجبَ عليه الكَوْنُ به إلى طُلوع الشمسِ ناوياً _ عندَ تحقُّقِ الفجر_ : «أقِفُ بالمَشْعَرِ في حجِّ الإسلام حَجِّ التمتُّعِ لوجوبه قربةً إلى الله» مُسْتَدامَةَ الحكمِ إلى آخره.
هذا كُلُّه مع الاختيار، أمّا مع الاضطرار فيُجْزِئ مُسَمّى الوقوفِ بعرفَةَ ليلةَ العاشر، وبالمشعرِ مُسمّاه أيضاً في تلك الليلةِ وفيما بينَ طلوع الشمسِ وزوالِها مِنْ يَوْم النَحْرِ.
ص:44
ويُدْرَكُ الحَجُّ بإدراكِ الاختياريَّيْنِ وأحدِهما، والاضطراريَّيْنِ وأحدِهما مع اختياري الآخَر لا مُنْفَرِداً، وفي اضطراري المشعرِ وحدَه قولٌ قويٌّ بالإجزاء (1)؛ هذا إذا لم يَكنِ الفَواتُ عمداً كما مَرَّ.
ويُسْتَحَبُّ الدعاءُ في المَشْعَرِ بقوله: «اللهمّ هذه جَمْعٌ فَاجْمَعْ لي فيها جوامِعَ الخير. اللهمّ لا تُؤْيِسْني مِن الخير الذي سألتُك أنْ تجمعَه لي في قلبي، ثمّ أطلبُ إليك أنْ تُعَرِّفني ما عَرَّفْتَ أولياءَك في منزلي هذا، وأنْ تَقِيَني جوامِعَ الشَرِّ (2)_ ويَقول أيضاً: _ اللهمّ ربَّ المشعرِ الحرام فُكَّ رَقَبَتِي مِن النار، وأوْسِعْ عليَّ مِن رزقك الحلالِ، وادْرأْ عنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الجنِّ والإنسِ. اللهمَّ أنت خيرُ مطلوبٍ إليه وخيرُ مدعوٍ وخيرُ مسؤولٍ، ولكُلِّ وافِدٍ جائزةٌ، فاجْعَلْ جائزتي في مَوْطِني هذا أنْ تُقِيلَنِي عَثْرَتي وتَقْبَلَ مَعْذِرتي، وأنْ تَجاوَزَ عَنْ خَطيئتي، ثمَّ اجْعَلِ التقوى مِن الدنيا زادي» (3).
فإذا طَلَعَتِ الشمسُ أفاضَ إلى مِنىً بالسكينة والوَقارِ والذكرِ للّه تعالى والاستغفارِ، والدعاءِ.
والهَرْوَلَةُ (4)بوادي مُحَسِّرٍ للماشي والراكبِ، ولو نَسِيَها رَجَعَ لِتَداركِها ولو مِن مكَّةَ، كما ورد في الخبر (5). ويقول فيها (6): «اللهمَّ سَلِّمْ عَهْدي، واقْبَلْ تَوْبَتي، وأجِبْ دَعوتي،
ص:45
واخْلُفْنِي فيمَنْ تَرَكْتُ بَعدي» (1).
ويُسْتَحَبُّ التقاطُ الحَصى للرَمْي مِنَ المشعر وهي سبعون حَصاةً، ولو احتاط بالزائد فلا بأسَ. ويُسْتَحَبُّ كونُها بُرْشاً كُحْلِيّةً مُلْتَقَطةً مُنَقَّطَةً رِخْوَةً بِقَدْرِ الأنمُلَةِ طاهرةً مغسولةً.
النَحْرِ لِرَمْي جَمْرة العَقَبةِ والذَبحِ والحَلْقِ مُرَتَّباً كما ذُكِرَ، ولو عَكَسَ أثِمَ وأجْزأ، فإذا وَصَلَ مِنىً فليَبْدأ أوّلاً برَمْي جَمْرةِ العَقَبة _ وهي على حدِّ مِنًى إلى جِهة مكّةَ كما أنّ حدَّها الآخَرَ وادي مُحَسِّرٍ _ بِسَبْعِ حَصَياتٍ حَرَميةٍ غيرِ مسجديةٍ أبكارٍ بما يُسمّى رَمْياً مُصِيبةً بفعله مباشَرةً بيده. وتجب فيه النيَّةُ _ مقارِناً بها لأوّله _ : «أرْمي هذه الجَمْرةَ بِسَبْعِ حَصَياتٍ في حجِّ الإسلامِ حجِّ التمتُّع أداءً لوجوبه قربةً إلى الله». مُسْتَدامةَ الحكمِ إلى آخره. والظاهر أنّ الأداء والتَعَرُّضَ للعددِ مِنْ كَمال النيَّة لا واجبٌ فيها. ووَقْتُهُ ما بينَ طلوعِ الشمسِ إلى غروبها، ويُقْضى لو فات مقدَّماً على الحاضر، ويَخْرُجُ وقتُه بخروج الثالثَ عَشَرَ إلى القابل.
وتُسْتَحَبُّ الطهارةُ، والمَشْيُ إليه، ورَمْيُ جَمْرةِ العقبةِ مُسْتَدبِراً للقبلة مُقابِلاً لها، والتباعدُ عنها بِعَشْرِ أذْرُعٍ إلى خَمْسَ عَشْرَةَ، والرَمْيُ خَذْفاً بأنْ يَضَعَ الحَصاةَ على إبهامِ يدِه اليُمْنى ويَدْفَعُها بظُفُر السبّابة، ولو تَعارَضَ الخَذْفُ والتباعُدُ قُدِّمَ الخَذْفُ تَخَلُّصاً مِنْ خلافِ مَنْ أوْجَبَه (2). ويَدْعو مع رَمْيِ كُلِّ حَصاةٍ بالمنقول وهو: «اللهمّ ادْحَرْ عنّي الشيطانَ. اللهمّ تصديقاً بكتابِك وعلى سُنَّةِ نبيِّك صلى الله عليه و آله . اللهُمّ اجْعَلْه حَجّاً مَبْروراً، وعملاً مقبولاً وسَعْياً مشكوراً وذَنْباً مغفوراً» (3).
والهَدْيُ بعدَ الرَمْيِ واجبٌ على المُتَمَتِّع وإنْ كان مَكّيّاً. ويَجِبُ كونُه مِنَ النَعَمِ،
ص:46
وأفضلُه البُدْنُ ثمّ البَقَرُ ثمّ الغَنَمُ، وأقلُّه الثَنيُّ وهو مِنَ الإبل ما دَخَلَ في السَنَةِ السادسةِ ومِن الأخِيريْنِ ما دَخَلَ في الثانية. ويَكفي في الضَأْن إكمالُ الشهرِ السابِعِ؛ وكونُه تامّاً، فلا يُجْزِئُ الأعْوَرُ والمريضُ والأعرجُ والأجربُ ومَكسورُ القَرْنِ الداخلِ ومقطوعُ الأُذُنِ أو بعضِها والخَصِيُّ، ويُجْزِئ فاقدُ القَرْنِ والأُذُنِ خِلْقةً؛ وكونهُ سَميناً بأنْ يكونَ على كُلْيَتَيْه شَحْمٌ. ويَكْفِي الظَنُّ الْمُسْتَنِدُ إلى التجربة أو إخبارِ عارفٍ، وإنْ أخْطَأ بعدَ الذَبْحِ لا قبلَه.
ولو تَبَيَّنَ النُقْصانُ لم يُجْزِئ مطلقاً، وكذا لو ظَهَرَ السِمَنُ مع عدمِ الظنِّ به ابتداءً.
ولو لم يُوجَدْ إلاّ فاقِدُ الشرائط أجْزَأ، فإنْ فُقِدَ خَلَّفَ ثَمَنَه عندَ ثقةٍ لِيَذْبَحَ عنه في ذي الحِجّة، فإنْ تَعَذَّرَ فمِنَ القابِلِ. ولو عَجَزَ عن الثَمَنِ صامَ بدلَه ثلاثةَ أيّامٍ في الحجِّ _ أي في ذيالحِجّة _ متواليةً وسبعةً إذا رَجَعَ إلى أهله، أو مَضى للمجاور مقدارُ وصوله أو شَهْرٌ.
ويُسْتَحَبُّ كونُه أُنثى مِن الإبل والبقرِ ذكراً مِن غيرهما قد حَضَرَ عَرَفَةَ _ ويَكفي قولُ المالك _ سميناً زيادةً على ما شُرِطَ، والمباشَرَةُ إنْ أحْسَنَ وإلاّ جَعَلَ يدَه مع يدِ الفاعل، والدعاءُ عندَ ذَبْحِه أو نَحْرِه، بقوله: (وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَ_وَ تِ وَالاْءَرْضَ حَنِيفًا وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1)، إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُو وَبِذَ لِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِن الْمُسْلِمِينَ) (2).
اللهمَّ مِنكَ ولَك، باسم اللهِ واللهُ أكبرُ، اللهمّ تَقَبَّلْ مِنِّي (3).
وتجب النيَّةُ _ مُقارِنَةً للفعل مُسْتدامةَ الحكمِ _ : «أذْبَحُ أو أنْحَرُ هذا الهَدْيَ في حجِّ الإسلامِ حجِّ التمتُّعِ لوجوبه قربةً إلى الله»؛ وقسمتُه ثلاثةَ أقسامٍ: ثُلْثاً يأكُلُه أو بعضَه، وثُلْثاً يُهْدِيه لإخوانه مِن المؤمنين، وثُلْثاً يَتَصَدَّقُ به على فُقَرائهم، ولا ترتيبَ بينها؛
ص:47
والنيَّةُ مقارِنةً لها: «آكُلُ مِنْ هَدْيِ حَجِّ الإسلام حَجِّ التمتُّع لوجوبه قربةً إلى الله، أُهْدِي ثُلْثَ هَدْيِ حَجِّ الإسلامِ حَجِّ التمتُّع لوجوبه قربةً إلى الله، أتَصَدَّقُ بثُلْثِ هَدْي حجِّ الإسلام حجِّ التمتُّع لوجوبه قربةً إلى الله».
ثمّ يَحْلِقُ رأسه أو يُقَصِّرُ مِنْ شَعْره أو ظُفُرِه كما مَرَّ. ويتعيَّن على المرأة والخنثى التقصيرُ، والنيَّةُ _ مقارِنةً مُسْتَدامةَ الحكمِ _: «أحْلِقُ _ أو اُقَصِّرُ _ للإحلال مِن إحرام حجِّ الإسلام حَجِّ التمتُّع لوجوبه قربةً إلى الله».
ويُسْتَحَبُّ استقبالُ القبلة، والبدأةُ بالقَرْن الأيمنِ مِنْ ناصيته، وتسميةُ المَحلوقِ والدعاءُ بقوله: «اللهمَّ أعْطِني بكُلِّ شَعْرةٍ نوراً يومَ القيامة» (1).
ولا يَخْرُجْ مِن مِنًى حتّى يأتيَ بالثلاثة في ذي الحِجّة، ويَرْجِعُ للذَبحِ والحَلْقِ لو خَرَجَ بدونه طولَه. فإنْ تَعَذَّرَ خَلَّفَ ثَمَنَ الهَدْي كما مرَّ، وحَلَقَ مكانَه وجوباً، وبَعَثَ بالشَعْر لِيُدْفَنَ بها ندباً. أمّا الرميُ فيَخْرُجُ وقتُه بخروج الثالثَ عَشَرَ، فيُقْضى في القابل.
وبالحَلْقِ أو التقصير يَتَحَلَّلُ مِنْ جميع المحرَّمات المتقدِّمةِ إلاّ الطيبَ والنِساءَ والصَيْدَ، ثمّ يَتَحَلَّلُ مِن الطِيب بالسَعْي بعدَ الطواف، ومِن النساء بطوافِهنَّ بعدَهما، والأولى تَوَقُّفُ حِلِّ الصَيْدِ الإحرامي على طوافِ النساء.
الخامسُ: العَوْدُ إلى مكَّةَ للطوافَيْنِ والسعي، ومقدِّماتُها وكيفيتُها وواجباتُها ومندوباتُها كما مَرَّ.
والنيَّةُ: «أطوفُ بالبيتِ سبعةَ أشواطٍ طوافَ حجِّ الإسلام حجِّ التَمَتُّعِ لوجوبه قربةً إلى الله، اُصَلِّي ركعتي طوافِ حجِّ الإسلام حجِّ التمتُّع أداءً لوجوبه قربةً إلى اللهِ، أسْعى سبعةَ أشْواطٍ سَعْيَ حَجِّ الإسلام حَجِّ التمتُّعِ لوجوبه قربةً إلى الله، أطُوفُ طوافَ النساءِ في حجِّ الإسلام حَجِّ التَمَتُّعِ لوجوبه قربةً إلى الله، أُصَلِّي ركعتي طوافِ النساء في حجِّ الإسلام حجِّ التَمَتُّع أداءً لوجوبه قربةً إلى الله».
ص:48
وتُسْتَحَبُّ كونُ ذلك يومَ النَحْر، فإنْ أخَّرَه فمِنْ غَدِه ، وفي جواز تأخيره _ عن غَدِهِ اختياراً _ قولانِ أقربُهما الجوازُ (1).
وتَظْهَرُ الفائدةُ في الإثم وعدمه لا في الصحّة والبُطلان.
ويَخْرُجُ وقتُها بخروج ذي الحِجَّة إجماعاً، وهي مترتِّبة كما ذكرناه، وليس طوافُ النساء مخصوصاً بمَنْ يَغْشاهنَّ، بل يجب على الخَصيِّ والهِمِّ والمرأةِ وغيرِهم، ويَسْتَمِرُّ بتركه ما كان قد حَرَّمَه الإحرامُ مِنهنَّ.
السادسُ: العَوْدُ إلى مِنى للمَبِيتِ بها لَيالِيَ التشريقِ والرَمْيِ أيّامَها.
ويجوزُ لِمَنِ اتَّقَى الصَيْدَ والنساءَ في إحرامه تركُ مَبِيتِ الثالثةِ، إلاّ أنْ تَغْرُبَ الشمسُ وهو بمِنى فَيَتَعَيَّنُ، والأفضلُ مَبِيتُ الثالثةِ لغيرهما. والواجبُ الكَوْنُ بها لَيلاً إلى نِصف الليلِ. ولو باتَ بغيرها فَعَنْ كُلِّ ليلةٍ شاةٌ، إلاّ أنْ يَبِيتَ بمكَّةَ مُشْتَغِلاً بالعبادة الواجبةِ أو المُسْتَحَبّةِ طولَ الليلِ إلاّ ما يَضْطَرُّ إليه مِنْ غِذاءٍ أو شَرابٍ أو نومٍ يَغْلِبُ عليه.
وتجبُ في المَبِيتِ النيَّةُ _ عندَ تحقُّقِ الغروب مُسْتَدامةَ الحكمِ إلى آخره: _ «أبِيتُ هذه الليلةَ بمِنىً في حجِّ الإسلامِ حَجِّ التَمَتُّعِ لوجوبه قربةً إلى الله».
ويجبُ أنْ يَرْمِيَ الجَمَراتِ الثلاثَ في كُلِّ يومٍ بحَسَبِ مَبِيتِ ليلتِهِ كُلَّ واحدةٍ بِسَبْعِ حَصَياتٍ مُرَتِّباً، يَبْدأ بالاُولى ثمّ الوُسْطى ثمّ جَمْرةِ العَقَبةِ، فلو نَكَسَ أعاد على ما يَحْصُلُ معه الترتيبُ، وهو يَحْصُلُ بأربعِ حَصَياتٍ مع النِسيان أو الجَهل لا مع التعمُّدِ، فيُعيدُ الأخيرتينِ ويَبْنِي على الأربعِ في الاُولى، وكذا لو رَمَى الثانيةَ بأربعٍ ورَمَى الثالثةَ بعدَها، ولو نَقَصَ عن الأربعِ بَطَلَ ما بعدَه مطلقاً وهو أيضاً على الأقوى.
وكَيْفِيةُ الرَمْيِ وواجباتُه وسُنَنُه كما مرَّ، إلاّ أ نّه يُسْتَحَبُّ استقبالُ القبلةِ في الأُوليَيْنِ، ورَمْيُهما عن يَسارِهما ويَمينِه، وقد تَقَدَّمَ أ نّه يَسْتَدْبِرُ القبلةَ في جَمْرةِ العَقَبةِ. وأفْضَلُ
ص:49
أوقاتِ الرَمْي عندَ الزَوالِ.
ويُسْتَحَبُّ الإقامةُ بِمِنًى بقيّةَ أيّامِ التشريقِ بل قد رُوي أنّ المُقامُ بها أفْضلُ مِن الطوافِ تَطَوُّعاً (1).
ووقتُ النَفْر الأوّلِ بعدَ الزَوال إلاّ لضرورةٍ، أمّا النَفْرُ الثاني فيجوز قبلَه إذا رَمَى الجِمارَ، والأفضلُ فيه التأخيرُ إليه لِيوقِعَ الرميَ عندَه.
ويُسْتَحَبُّ للمُقِيمِ أنْ يَجْعَلَ صلاتَه فَرْضاً ونفلاً في مسجِد الخَيْفِ، وأفضلُه مَسْجِدُ رسولِ الله صلى الله عليه و آله ، وهو مِن المنارة إلى نحوٍ مِن ثلاثين ذِراعاً إلى جِهة القبلةِ وعن يَمِينِها ويَسارِها (2)كذلك، فقد صَلّى فيه ألفُ نَبِيٍّ (3)، ورُوي أنّ: «مَنْ صَلّى في مسجدِ مِنىً مائةَ رَكْعةٍ عَدَلَتْ عِبادةَ سبعينَ عاماً، ومَنْ سَبَّحَ اللهُ فيه مائةَ تَسبيحةٍ كَتَبَ اللهُ له أجرَ عِتْقِ رَقَبةٍ، ومَنْ هَلَّلَ اللهَ فيه مائةً عَدَلَتْ إحياءَ نَسَمةٍ، ومَنْ حَمِدَ الله (عَزَّ وجَلَّ) فيه مائةً عَدَلَتْ خَراجَ العِراقَيْنِ يُنْفَقُ في سبيلِ الله» (4).
وتُسْتَحَبُّ صلاةُ سِتِّ رَكَعاتٍ به في أصل الصَوْمَعةِ إذا نَفَرَ.
فإذا قَضى مَناسِكَه بِمِنًى استُحِبَّ العودُ إلى مكّةَ لطوَافِ الوَداعِ ودخولِ البيتِ خصوصاً الصَرورةَ بعدَ الغُسْل والتحفّي مُصاحِباً للسَكينة والوَقار آخِذاً بحَلْقَتَي البابِ عندَ الدخول، ثمّ يَقْصِدُ الرُخامةَ الحَمْراءَ بينَ الاُسْطُوانتَيْنِ اللتينِ تَلِيانِ البابَ ويُصَلِّي عليها ركعتينِ، وفي كُلِّ واحدةٍ مِن الزَوايا الأربع ركعتينِ، ثمّ يَعودُ إلى الرخامةِ الحمراءِ فيَقِفُ عليها، ويَرْفَعُ رأسَهُ إلى السماء، يُطِيلُ الدعاءَ مُبالِغاً في حضور القلب والخُشوعِ والخُضوعِ وقَصْرِ النظر عمّا يَشْغَلُ القلبَ، فإذا خَرَجَ منه صلّى رَكعتينِ عنْ يَمِينِ البابِ، وهو مَوْضِعُ المَقام في عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه و آله وهو الآن مُنْخَفِضٌ عن المَطافِ.
ص:50
ويُسْتَحَبّ إتيانُ المساجِدِ والمواضِعِ المشرَّفَة بمكَّةَ، وزيارةُ النبيِّ صلى الله عليه و آله والأئمَّةِ وفاطمةَ عليهم السلام بالمدينة، وإتيانُ قبورِ الشهداء والصحابةِ والصالحين. قال صلى الله عليه و آله : «مَنْ حجَّ ولم يَزُرْني فقد جَفاني، ومَنْ جفاني جَفَوْتُهُ يومَ القيامة (1). ومَنْ أتاني زائراً كنت شفيعَه يومَ القيامة» (2).
وعن فاطمةَ عليهاالسلام أ نّها قالت: «أخْبَرَني أبي أ نّه مَنْ سَلَّمَ عليه وعليَّ ثلاثةَ أيّامٍ أوْجَبَ اللهُ له الجنَّةَ، فقيل لها: في حياتكما ؟ قالت: نعم وبعدَ موتنا» (3).
وَلْتُزَرْ ببيتِها والروضةِ والبقيعِ. وقال الباقر عليه السلام : «ابدؤوا بمكّةَ واخْتِموا بنا» (4).
وعن الصادق عليه السلام : «مَنْ زار إماماً مفترضَ الطاعة كان له ثوابُ حجّةٍ مبرورةٍ» (5).
وعن الرضا عليه السلام : «إنّ لكلِّ إمامٍ عهداً في أعناق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحُسْنِ الأداء زيارةَ قبورهم، فمَنْ زَارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رَغِبوا فيه كانتْ أئمّتُهم شُفَعاءَهم يومَ القيامة» (6).
والأخبار في ذلك خارجة عن حدِّ الحصر (7).
وسُنَنُ الزيارة: الغسلُ قبلَ دخول المشهدِ، والكونُ حالتَها على طهارةٍ، وإتيانُه بالخضوع والخشوع في ثيابٍ طاهرةٍ جُدَدٍ، والوقوفُ على بابه والدعاءُ والاستئذانُ بالمأثور. فإنْ وَجَدَ خشوعاً ورِقّةً دخل وإلاّ تَحَرّى زمانَ الرقّة، فإذا دخل قَدَّمَ رجلَه اليمنى، ووقف على الضريح مُلاصِقاً له أو غيرَ ملاصِقٍ، وقَبَّل الضريحَ الشريفَ، واستقبل وجهَ المَزور واسْتَدْبَرَ القبلةَ، ويَزُوره بالمأثور، وأقلُّها الحضور والسلام. ثمّ
ص:51
يَضَعُ خدَّه الأيمنَ عليه عند الفَراغ، ويَدْعو متضرِّعاً، ثم خدَّه الأيسرَ سائلاً مِن الله تعالى بحقِّه وحقِّ صاحب القبر أنْ يَجْعَلَه من أهل شفاعته، ثمّ يُصلّي ركعتَي الزيارة عند الفَراغ، فإنْ كان زائراً للنبيّ صلى الله عليه و آله ففي الروضة، وإنْ كان لأحد الأئمّة عليهم السلام فعند رأسه، ورُوِيتْ رخصةٌ في صلاتهما إلى القبر (1)بمعنى جعل القبر في قبلة المصلِّي، ويجوز استدبارُه وإنْ كان غيرَ مستحسنٍ، ويُهْدي الصلاةَ للمَزور، ويدعو بعدَها بالمأثور، وإلاّ فبما سَنَحَ، وَلْيُعَمِّمِ الدعاءَ؛ فإنّه أقربُ إلى الإجابة، ويَتْلو بعد ذلك شيئاً من القرآن ويُهْدِيه للمَزورِ تعظيماً له، والمنتفِعُ بذلك كلِّه الزائرُ.ويَخْتِم ذلك كلَّه بالصدقة على السَدَنَةِ (2)والمَحاويجِ بتلك البُقْعة. ولْيَكُنْ بعدَ الحجِّ والزيارة خيراً منه قبلَهما؛ فإنّ ذلك علامةُ القبول وبلوغُ المأمول.
ص:52
ص
فتشتمل على جملةٍ موجَزةٍ في وظائف الحجِّ القلبيَّةِ يَحْسُنُ فَهْمُها وتَذكارُها لمنْ أرادَ الحجَّ مِن العالَمين قد أخرجها الحقُّ سبحانَه على لسان بعضِ الكاملين (1):
2اعلم أنّ أوّل الحجِّ فهمُ موقع الحجِّ في الدين، ثمّ العزمُ عليه، ثمّ قطعُ العلائق المانعة عنه، ثمّ تهيئةُ أسباب الوصول إليه من الزاد والراحلة، ثمّ السيرُ، ثمّ الإحرامُ من الميقات بالتلبية، ثمّ دخولُ مكّةَ، ثمّ استتمامُ الأفعال المشهورة. وفي كلِّ حالةٍ من هذه الحالات تذكرةٌ للمتذكِّر، وعِبرةٌ للمعتبِر، وتنبيهٌ للمريد الصادق، وإشارةٌ للفَطِن الحاذِقِ إلى أسرارٍ يَقِفُ عليها بصفاء قلبه وطهارة باطنه إنْ ساعَدَه التوفيق.
فاعلم أ نّه لا وصولَ إلى الله سبحانه وتعالى إلاّ بتنحية ما عداه عن القصدِ مِن المشتَهَياتِ البدنيةِ واللَذّات الدنيويةِ، والتجريدِ في جميع الحالات والاقتصارِ على الضرورات؛ ولهذا انْفَرَد الرُهبانُ في الأعصار السالفة عن الخلق في قُلَل الجبال؛ توحُّشاً مِن الخلق وطلباً للأُنس بالخالق، وأعرضوا عن جميع ما سِواه؛ ولذلك مَدَحَهم الله تعالى بقوله: «بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ» (2). فلمّا انْدَرَس ذلك وأقبل الخلقُ على اتّباع الشَهَوات والإقبالِ على الدنيا والالتفات عن الله تعالى بَعَثَ الله نبيّاً محمّداً صلى الله عليه و آله لإحياء طريق الآخرة وتجديدِ سُنَّةِ المرسلين في سلوكها، فسَألَه أهلُ الملل عن الرُهبانيّة والسِياحة في دينه فقال: «أبْدَلَنا [ الله (3)] بها الجهادَ والتكبيرَ على كلِّ شَرَفٍ» يعني الحجَّ. وسُئل عليه السلام عن السائحين، فقال: «هم الصائمون» فجعل صلى الله عليه و آله
ص:53
الحجَّ رهبانيّةً لهذه الأُمّة، فشَرَّفَ البيتَ العتيقَ بإضافته إلى نفسه، ونَصَبه مَقْصداً لعباده، وجَعَلَ ما حولَه حرماً لبيته؛ تفخيماً وتعظيماً لشأنه، وجَعَلَ عرفات كالميدان على باب حَرَمه، وأكَّدَ حرمةَ الموضعِ بتحريم صَيْده وشَجَره، ووَضَعه على مثال حَضرة الملوك يَقْصِدُه الزُوّار «مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» (1)شُعْثاً غُبْراً متواضِعينَ لربِّ البيت، مُسْتَكينينَ له؛ خضوعاً لجلاله واسْتِكانةً لعزَّته _ مع الاعتراف بتنزيهه سبحانه عن أنْ يَحْوِيه مكانٌ _ ليكون ذلك أبلغَ في رِقّهم وعُبوديّتهم.
ولذلك وَظَّفَ عليهم فيها أعمالاً لا تَأنَسُ بها النفوسُ ولا تَهْتَدي لمعانيها العقولُ، كرَمْي الجِمار بالأحجار، والتردُّدِ بينَ الصفا والمروة على سبيل التَكرار. وبمثل هذه الأعمالِ يَظْهر كمالُ الرِقّ والعبوديَّةِ بخلاف سائر العبادات كالزكاة التي هي إرفاقٌ من وجه معلوم، وللعقل إليه ميل، والصَوْمِ الذي هو كَسْرٌ للشهوة التي هي [ آلة (2)] عدوّ الله وتفرّغٌ للعبادة بالكفِّ عن الشواغلِ، وكالركوع والسجود في الصلاة التي هي تواضعٌ للّه سبحانَه.
وأمّا أمثال هذه الأعمال فإنّه لا اهتداءَ للعقل إلى أسرارها، فلا يكون في الإقدام عليها إلاّ الأمرُ المجرَّدُ وقصدُ امتثاله مِن حيث هو واجب الاتّباع فقط، وفيه عَزْلٌ للعقل عن تصرُّفه وصرفُ النفسِ والطبعِ عن مَحلِّ أُنسه المعينِ على الفعل. وإذا اقْتَضَتْ حكمةُ الله سبحانه وتعالى ربطَ نَجاةِ الخلق بكون أعمالهم على خلاف أهْويةِ طِباعهم، وأنْ تكون أزمّتُها بيد الشارع فيَتَردَّدون في أعمالهم على سننِ الانقياد ومقتضى الاستعباد، كان ما لا يُهْتَدى إلى معانيه أبلغَ أنواع التعبّدات في تزكية النفوس، وصرفِها عن ميل الطبع إلى مقتضى الاسترقاق.
وأمّا العَزْمُ فَلْيَسْتَحْضِرْ في ذهنه أ نّه بِعَزْمِه مُفارقٌ للأهل والولد، هاجِرٌ للشهواتِ واللَذّات، مُهاجِرٌ إلى ربِّه، متوجِّهٌ إلى زيارة بيته، ولْيُعْظِمْ قدرَ البيتِ لِقدرِ ربِّ البيت، ولْيُخْلِصْ عَزْمَه لِلّه تعالى، ولْيَتَحَقَّقْ أ نّه لا يُقْبَل مِن عملِه إلاّ الخالصَ.
ص:54
وأمّا قطعُ العلائقِ فحذفُ جميعِ الخواطرِ عن قلبه غيرِ قصد عبادة الله، والتوبةُ الخالصةُ عن المعاصي، فكلُّ علاقةٍ مِن المعاصي خصمٌ حاضرٌ متعلِّقٌ به يُنادي عليه ويَقولُ: أتَقْصِدُ بيتَ مَلِكِ الملوك، وهو مطَّلِعٌ منك على تضييع أوامرِه، واسْتِهانتِك به وعدمِ التفاتك إلى نَواهيه وزَواجِره، أما تَسْتَحِي أنْ تَقْدُمَ عليه قدومَ العبد العاصي، فيُغْلِقَ دونك أبوابَ رحمته، ويُلْقِيَك في مَهاوي نَقِمَتِه، فإنْ كنت راغباً في قبول زيارتك فَابْرُزْ إليه مِن جميع مَعاصيك، واقْطَعْ علاقةَ قلبك عن الالتفات إلى ما وراءك، لِتَتَوَجَّه إليه بوجه قلبِك كما أنت متوجِّهٌ إلى بيته بوجهِ ظاهرك. وليَذْكُرْ عندَ قطعه العلائِقَ لسفر الحجِّ قطعَ العلائِقِ لِسفر الآخرةِ؛ فإنّ كلَّ هذه أمثلةٌ قريبةٌ يَتَرقّى منها إلى أسرارها.
وأمّا الزادُ فليَطْلُبْه مِن موضعٍ حلال، فإذا أحسَّ مِنْ نفسه بالحِرْص على استكثارِه وطِيبِه وطَلَبِ ما يَبْقى منه على طولِ السفر، وأنْ لا يَنْفَدَ قبل بلوغِ المَقْصد فليَذْكُرْ أنّ سفرَ الآخرة أطولُ مِن هذا السفر، وأنّ زاده التقوى، وما عداه لا يصلُحُ زاداً ولْيَحْذَرْ أنْ يُفْسِدَ أعمالَه _ التي هي زاد الآخرة _ بشوائب الرياء وكدورات التقصير، فيَدْخُلَ في قولِه تعالى: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالاْءَخْسَرِينَ أَعْمَ_لاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا» (1). ويلاحِظُ عندَ سفره نَقْلَتَه إلى منازِلِ الآخرة التي لا شكَّ فيها، ولعلَّه أقربُ من سفره هذا، فيَحْتاط في أمره، وليَعْلَمْ أنّ هذه أمثلةٌ محسوسةٌ يَتَرقّى منها إلى مراكبِ النَجاةِ مِن عذاب الله تعالى.
وأمّا الخروجُ من البلد فلْيَسْتَحْضِرْ عندَه أ نّه يُفارِقُ الأهلَ والولدَ متوجِّهاً إلى الله سبحانه في سفرٍ غيرِ أسفار الدنيا، وأ نّه متوجِّه إلى مَلِك الملوك وجبّارِ الجبابرةِ في جملة الزائرين الذين نُودوا فأجابوا، وشُوِّقوا فاشتاقوا، وقَطَعوا العلائقَ، وفارَقوا الخلائقَ، وأقبلوا على بيت الله تعالى طلباً لرضى الله تعالى وطمعاً في النظر
ص:55
إلى وجهه الكريم. ولْيُحْضِرْ أيضاً قلبَه لِلوصُولِ إلى المَلِك والقبول له بِسعَةِ فضله، ولْيَعْتَقِدْ أ نّه إنْ مات قبلَ الوصول إليه لَقِي اللهَ تعالى وافِداً عليه لقوله تعالى: «وَمَن يَخْرُجْ مِنم بَيْتِهِى مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِى ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُو عَلَى اللَّهِ» (1). ثمّ لْيَتَذَكَّرْ في أثناء طريقه مِنْ مشاهَدةِ عَقَبات الطريق عَقَباتِ طريقِ الآخرة، ومن السِباع والحَيّاتِ حَشَراتِ القبر، ومِنْ وحشةِ البَراري وحشةَ القبر وانفرادَه عن الإنْس؛ فإنّ كُلَّ هذه الأُمور جاذبةٌ إلى الله سبحانه، ومُذَكِّرةٌ له أمرَ مَعاده.
وأمّا ثَوْبُ الإحرامِ ولُبْسُه فليَتَذَكَّرْ معه الكفنَ ودَرْجَه فيه، ولعلَّه أقربُ إليه، ولْيَتَذَكَّر معها (2)التَسَرْبُلَ بأنوارِ الله تعالى التي لا مَخْلَصَ مِن عقابه إلاّ بها، فيَجْتَهِد في تحصيلها بقدر إمكانه.
وأمّا الإحرام والتلبيةُ فليَسْتَحْضِر أ نّه إجابةُ نِداء الله سبحانه وتعالى (3). وليَكُنْ في قبول إجابته بينَ خوفٍ ورجاء، مُفَوِّضاً أمرَه إلى الله، مُتَوكِّلاً على فضله.
قال سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ: حَجَّ زينُ العابدين عليُّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام ، فلمّا أحْرَمَ واسْتَوَتْ به راحلتُه اصْفَرَّ لونُه، وَوَقَعَتْ عليه الرِعْدَةُ ولم يَسْتَطِعْ أنْ يُلَبِّيَ، فقيل له: لِمَ لا تُلَبِّي ؟ فقال: «أخشى أنْ يَقولَ لي: لا لَبَّيْكَ ولا سَعْدَيْك» فلمّا لَبّى غُشِيَ عليه وسَقَطَ عن راحلته، فلم يَزَلْ يَعْتَريه ذلك حتّى قُضي عليه (4).
ولْيَذْكُرْ عند إجابته نداءَ الله سبحانه إجابةَ ندائِه بالنفخ في الصور، وحَشْر الخلقِ من القبور، وازدحامهم في عَرَصاتِ القيامةِ مُجيبينَ لندائه، مُنْقَسِمينَ إلى مقرَّبين ومَمْقُوتين، و[ مقبولين و (5)] مردودين، ومتردِّدين بينَ الخوفِ والرَجاء.
ص:56
وأمّا دخولُ مكّةَ فَلْيَسْتَحْضِرْ عندَه أ نّه قد انتهى إلى حرم الله الأمينِ، ولْيَرْجُ عندَه أنْ يَأمنَ بدخوله مِن عقاب الله، وَلْيَخْشَ أنْ لا يكونَ مِن أهل القُرب، ولْيَكُنْ رجاؤه أغلبَ؛ فإنّ الكرمَ عميمٌ، وشرفَ البيت عظيمٌ، وحقَّ الزائر مَرْعيٌّ، وذِمامَ المستجيرِ محفوظٌ، خصوصاً عند أكرم الأكرمين. ولْيَسْتَحْضِر أنّ هذا الحرم مِثال للحرمِ الحقيقي، لِيَتَرقَّى من الشوق إلى دخولِ هذا الحرم والأمنِ بدخوله من العقاب إلى الشوقِ إلى دخولِ ذلك الحرمِ والمقامِ الأمينِ.
وإذا وَقَعَ بصرُه على البيت فليَسْتَحْضِرْ عظمتَه في قلبه، ولْيَتَرَقَّ بفكره إلى مشاهَدَة حضرةِ ربِّ البيت في جِوار الملائكة المقرَّبينَ، ولْيَتَشَوَّقْ أنْ يَرْزُقَه النظرَ إلى وجهه الكريم، كما رَزَقَه الوصولَ إلى بيته العظيم. ولْيُكْثِرْ مِن الذكر والشكرِ على تبليغ اللهِ إيّاه هذه المرتبةَ. وبالجملة فلا يَغْفَلْ عن تَذَكُّر أحوالِ الآخرة.
وأمّا الطوافُ بالبيت فلْيَسْتَحْضِرْ في قلبه التعظيمَ والخَوْفَ والخَشْيَةَ والمحبّةَ، وليَعْلَمْ أ نّه بذلك مُتَشَبِّهٌ بالملائكة المقرَّبينَ، الحافِّينَ حولَ العرش، الطائفينَ حولَه. ولا تَظُنَّنَّ أنْ المقصودَ طوافُ جسمِك بالبَيت بل طوافُ قلبك بذكرِ ربِّ البَيْت، حتّى لا تَبْتَدئ بالذكر إلاّ منه، ولا تَخْتِمَ إلاّ به، كما تبتدئُ بالبيت، وتَخْتِمُ به. ومن هنا قال أهلُ الحقيقة: «طوافُ أهل العبارة بالقالب، وطواف أهل الإشارة بالقلب»؛ فإنَّ الطوافَ المطلوب هو طوافُ القلب بحضرة الربوبيَّة، وإنّ البيتَ مِثالٌ ظاهرٌ في عالم الشهادة لتلك الحضرة التي هي عالَمُ الغيب، كما أنّ الانسانَ الظاهرَ مثالٌ ظاهرٌ في عالم الشهادة للإنسان الباطن الذي لا يُشاهَد بالبصر، وهو في عالَم الغيب، وإنّ عالَمَ المُلكِ والشهادة مِرْقاةٌ ومدْرَجٌ إلى عالم الغيب والملكوت لِمَنْ فُتِحَ له بابُ الرحمة، وأخَذَتِ العنايةُ الإلهيّةُ بيده لسلوك الصراط المستقيم.
وأمّا اسْتِلام الحَجَر فلْيَسْتَحْضِرْ عندَه أ نّه مُبايِعٌ للّه على طاعته، مُصَمِّمٌ عزيمتَه على الوفاء ببيعته، «فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِى وَ مَنْ أَوْفَى بِمَا عَ_هَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ
ص:57
فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» (1). ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه و آله : «الحَجَرُ الأسودُ يَمين اللهِ في الأرض، يُصافِحُ بها خَلْقَه كما يُصافِحُ الرجلَ أخاه». ولمّا قَبَّلَه عُمَرُ قال: «إنّي لأعلَمُ أ نّك حَجَرٌ لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ، ولولا أ نّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه و آله يُقَبِّلُك لَما قَبَّلْتُك». فقال له عليّ عليه السلام : «مَهْ ياعُمرُ، بَلْ يَضُرُّ ويَنْفَعُ؛ فإنّ الله سبحانه لَمّا أخَذَ المِيثاقَ على بني آدمَ _ حيث يقول: «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنم بَنِىآءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىآ أَنفُسِهِمْ» الآية (2)_ ألْقَمَه هذا الحجرَ ليكونَ شاهداً عليهم بأداء أمانتهم. وذلك معنى قول الإنسانِ _ في الدعاء المتقدِّم _ عند استلامِه: أمانتي أدَّيْتُها، وميثاقي تعاهَدْتُه، لِتَشْهَدَ لي عندَ ربِّك بالموافاة» (3).
وأمّا التعلُّقُ بأسْتار الكعبة والالتصاق بالملتَزَم فَلْيستحضِرْ فيه طلبَ القربِ؛ حُبّاً للّه وشوقاً إلى لقائه؛ تَبَرُّكاً بالمماسّة ورجاءً للتحصُّن من النار. ولتَكُن النيَّةُ في التعلُّقِ بالسِتْر الإلحاحَ في طلب الرحمة، وتوجيهَ الذهن إلى الواحد الحقّ، وسؤالَ الأمان من عذابه، كالمُذْنِبِ المتعلِّق بأذيالِ مَن عَصاه، المُتَضَرِّعِ إليه في عفوه عنه، المعترِفِ له بأ نّه لا ملجأ منه إلاّ إليه، ولا مَفْزَعَ له إلاّ عفوُه وكرمُه، وأ نّه لا يُفارِقُ ذَيلَه إلاّ بالعفو، وبذلِ الطاعة (4)في المستقبَلِ.
وأمّا السعيُ بينَ الصفا والمروة في فِناء البَيت فمثالٌ لتردُّد العبد بفِناء دار المَلِك جائياً وذاهباً مرّةً بعدَ أُخرى؛ إظهاراً للخُلوص في الخدمة، ورجاءً لملاحَظَته بعَينِ الرحمة، كالذي دَخَلَ على المَلِك وهو لا يَدْري ما الذي يَقْضي المَلِكُ في حقِّه مِن قبولٍ أو ردٍّ، فيكون تردُّدُه رجاءَ أنْ يَرْحَمَه في الثانية إنْ لم يكنْ رَحِمَه في الأُولى.
ولْيَتَذَكَّرْ عندَ تردُّدِه بينَ الصفا والمروة تردُّدَه بينَ كفّتي الميزانِ في عرصة القيامة،
ص:58
ولْيُمَثِّلِ الصفا بكفّة الحَسَناتِ والمروةَ بكفّة السيِّئاتِ، ولْيَتَذَكَّرْ تردُّدَه بينَ الكفّتينِ، ملاحِظاً للرُجحانِ والنُقصانِ، متردِّداً بينَ العذاب والغُفْران.
وأمّا الوقوفُ بعرفَةَ فَلْيَتَذَكَّرْ بما يَرى _ مِن ازدحامِ الناسِ وارتفاع الأصواتِ واختلافِ اللغات، واتّباعِ الفِرَقِ أئمّتَهم في التردُّداتِ على المشاعِر اقتفاءً بهم وسَيْراً بسيرتهم _ عَرَصاتِ القيامةِ، واجتماعَ الاُمم مع الأنبياء والأئمّة، واقتفاءَ كلِّ اُمَّةٍ أثرَ نبيِّها وإمامِها، هادياً كان أم مُضِلاًّ ، وتحيُّرَهم فيذلك الصعيدِ الواحدِ بينَ الردِّ والقبولِ. وإذا تَذَكَّرَ ذلك فَلْيُلْزِمْ قلبَه الضَراعةَ والابتهالَ إلى الله تعالى في أنْ يَحْشُرَه في زُمْرة الفائزينَ المرحومينَ.
ولْيَكُنْ رجاؤه أغلبَ؛ فإنّ الموقِفَ شريفٌ، والرحمة إنّما تَصِلُ مِن ذي الجلال إلى كافَّة الخلق بواسطة النفوس الكاملة مِنْ أوتاد الأرض ونحوِهم، ولا يَخْلو الموقِفُ مِنْ طائفةٍ مِن الأبدال والأوتاد وطوائفَ مِن الصالحينَ وأربابِ القلوب، فإذا اجْتَمَعَتْ هِمَمُهُمْ، وتَجَرَّدتْ لِلضَراعة نفوسُهم، وارْتَفَعتْ إلى الله تعالى أيدِيهِم، وامْتَدَّتْ إليه أعْناقُهم، يرمقون بأبصارهم جِهةَ الرحمة طالبين لها، فلا تَظُنَّنَّ أ نّه يَخِيبُ سَعْيُهُم مِن رحمةٍ تَغْمُرُهُمْ. ومِن هنا جاء ما تقدَّم (1)مِن الحديث: «إنّ الشيطانَ ما رُئِيَ أدْحَرَ ولا أحْقَرَ ولا أصْغَرَ منه يومَ عَرَفَةَ، وذلك لِما يَرى مِنْ نزول الرحمة على الخلق».
وربما كان اجتماعُ الأُمَم بعرفات والاستظهارُ بمجاوَرَةِ الأبدالِ والأوْتادِ المجتمِعينَ مِن أقطار الأرض هو السِرُّ الأعظمُ مِن الحجّ ومقاصِدِه، فلا طريقَ إلى اسْتِنْزالِ رحمة الله أعظمُ مِن اجتماع الهِمَم وتعاوُنِ القلوبِ في وقتٍ واحدٍ على صعيدٍ واحدٍ.
وأمّا الوقوفُ بالمَشْعَر فَلْيَسْتَحْضِرْ أ نّه قد أقبَلَ عليه مولاه بعدَ أنْ كان مُدْبِراً عنه، طارداً له عن بابه، فأذِنَ له في دخول حرمه؛ فإنّ المَشْعَرَ مِن جملة الحرم وعَرَفَةَ
ص:59
خارجةٌ، فقد أشْرَقَتْ عليه أنوارُ الرحمة، وهَبَّتْ عليه نَسَمَاتُ الرأفة، وكُسِيَ خِلَعَ القبول بالإذنِ في دخول حرم المَلِك.
وأمّا رميُ الجِمار فَلْيَقْصِد به الانقيادَ لأمره وإظهارَ الرِقِّ والعبوديّةِ، ثمّ لْيَقْصِدْ به التَشَبُّهَ بإبراهيمَ عليه السلام حيث عَرَضَ له إبليسُ (لعنه الله) في ذلك الموضِع لِيُدْخِلَ عليه شبهةً أو يَفْتِنَه بمعصيةٍ، فأمَرَه اللهُ تعالى برَمْيه بالحِجارة؛ طَرْداً له وقطعاً لأمله. فإنْ خَطَرَ له أنّ الشيطانَ عَرَضَ لإبراهيمَ عليه السلام ولم يَعْرِضْ له، فَليَعْلَمْ أنّ هذا الخاطرَ مِن الشيطانِ، وهو الذي ألْقاه على قلبه لِيُخَيِّلَ إليه أ نّه لا فائدةَ في الرمي، وأ نّه يُشْبِهُ اللَعْبَ، فَلْيَطْرُدْه عن نفسه بالجِدِّ والتشمير (1)في الرمي فيه برَغْم أنْفِ الشيطان؛ فإنّه وإن كان رَمْياً للجَمْرة بالحَصى فهو في الحقيقة رَمْيٌ لوجهِ إبليسَ وقَصْمٌ لظهره إذ لا يَحْصُلُ إرغام أنفه إلاّ بامتثال أمر الله تعالى؛ تعظيماً لمجرَّد الأمر.
وأمّا ذَبْحُ الهَدْي فَلْيَعْلَمْ أ نّه تَقَرُّبٌ إلى الله تعالى بحكم الامتثال فَلْيُكْمِلِ الهَدْيَ وأجزاءه. وهو يُشْبِهُ القربَ إلى المَلِك بالذَبْحِ له وإتمامِ الضيافة والقِرى، والغايةُ منه تذكُّر المعبود الأوّل سبحانَه عندَ النيَّة في الذَبْح واعتقادُ أ نّه مُتَقَرِّبٌ به إلى الله تعالى (2).
فهذه هي الإشارةُ إلى أسْرار الحَجِّ الباطنةِ، فراعِها بفكرٍ صحيحٍ تُطْلِعْكَ على ما فوقَها مِن المَدارِج، وتَعْرُج بك على أشرفِ المَعارج. وفَّقَنا اللهُ وإيّاكَ لِتلقّي الأسرار، وَجَعَلَنا مِن المخْلَصينَ الأبرار، إنّه جوادٌ كريمٌ.
تتميم: يُسْتَحَبُّ لِقاءُ الحاجِّ ومصافَحَتُه وتقبيلُه والْتِماسُ بَرَكته وما عَلِقَ (3)به مِنْ
ص:60
آثار رحمة الله تعالى.
قال الصادق عليه السلام : «كان عليّ بنُ الحسينِ عليهماالسلام يقول: يا مَعْشَرَ مَنْ لم يَحُجَّ، اسْتَبْشِروا بالحاجِّ، وصافِحوهم، وعَظِّموهم؛ فإنّ ذلك عليكم، تُشارِكوهم فيالأجر» (1).
وعن الصادق عليه السلام : «مَنْ عانَقَ حاجّاً بغُباره كان كأ نّما اسْتَلَمَ الحجرَ الأسودَ»، رواه الصدوق في الفقيه (2).
وَلْنَقْتَصِرْ على ما أفْرَدناه، سائلينَ مِمَّن انْتَفَع به أنْ يُشارِكَنا في دعائه وتوجُّهاتِه. جَمَعَنا اللهُ وإيّاكم على طاعاته، وتَقَبَّلَ مِنّا ومنكم بفضله وكرمه.
واتَّفَقَ الفَراغُ مِنْ تأليفه ضُحى يومِ الجمعة (3)سابعَ عَشَر شهر رمضانَ المبارك سنةَ خمسينَ وتسعمائة مِن الهجرة النبويّة المصطفويّة (4). [ وكتب] العبد (5)المذنب المفتقر إلى عفو الله تعالى وكرمه زين الدين بن عليّ بن أحمد الشامي العاملي (عامله الله بفضله، وعفا عنه بمنّه وكرمه) .
ص:61