كتاب الطهارة الحديثات المجلد 4

اشارة

سرشناسه : خميني، روح الله، رهبر انقلاب و بنيانگذار جمهوري اسلامي ايران، 1368 - 1279

عنوان و نام پديدآور : كتاب الطهاره/ تاليف الامام الخميني

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظيم و نشر آثار الامام الخميني(س)، 1380.

مشخصات ظاهري : ج 4

شابك : 964-335-460-1(دوره) ؛ 964-335-485-x(ج.1) ؛ 964-335-459-811000ريال:(ج.2) ؛ 964-335-380-x13000ريال:(ج.3) ؛ 964-335-381-811000ريال:(ج.4)

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.

يادداشت : كتابنامه

موضوع : طهارت

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

شناسه افزوده : موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني(س)

رده بندي كنگره : BP185/2/خ75ك2 1380

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 80-2199

[تتمة مباحث النجاسات]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين، و صلّى اللّٰه علىٰ محمّد و آله أجمعين، و لعنة اللّٰه علىٰ أعدائهم إلىٰ يوم الدين

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 7

الفصل الثاني في أحكام النجاسات

اشارة

و فيه مطالب

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 9

المطلب الأوّل في سراية النجاسة إلى الملاقيات

المعروف بينهم القول بسراية النجاسة ممّا هو محكوم بها شرعاً إلىٰ ما يلاقيه و هكذا؛ بلغ ما بلغ «1».

فهاهنا جهات من البحث، بعد الفراغ عن أنّ السراية من الأعيان النجسة إلىٰ ملاقياتها، تتوقّف على الرطوبة السارية، كما مرّ الكلام فيه مستقصى «2»:

الجهة الاولىٰ: في سراية النجاسة من الأعيان النجسة

اشارة

الكلام في سرايتها إلى الملاقيات، مقابل من أنكر ذلك إمّا مطلقاً، أو في الجملة، و هو لازم كلام علم الهدىٰ، حيث حكي عنه في مقام الاستدلال لجواز استعمال المائعات الطاهرة غير الماء في تطهير الثوب: «بأنّ تطهيره ليس إلّا إزالة النجاسة عنه، و قد زالت بغير الماء مشاهدةً» «3».

و أوضح منه ما حكي عنه من جواز تطهير الأجسام الصقيلة بالمسح

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 576/ السطر 6.

(2) تقدّم في الجزء الثالث: 91 و 94 و 104.

(3) الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 219/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 10

بحيث تزول عنها العين؛ معلّلًا لذلك بزوال العلّة «1».

و الظاهر منهما أنّ الأعيان النجسة، لا تؤثّر في تنجيس ملاقياتها حكماً، و أنّ الطهارة للأشياء ليست إلّا زوال عين النجاسة منها، فإذا زالت العلّة و لا يبقىٰ أثر منها تصير طاهرة؛ إذ ليست النجاسة إلّا تلطّخها بأعيانها، و هذا مساوق للقول بعدم سراية النجاسة من الأعيان إليها.

و عن المحدّث الكاشاني: «أنّه لا يخلو من قوّة؛ إذ غاية ما يستفاد من الشرع وجوب اجتناب أعيان النجاسات، و أمّا وجوب غسلها بالماء من كلّ جسم فلا، فما علم زوال النجاسة عنه قطعاً حكم بتطهّره، إلّا ما خرج بدليل يقتضي اشتراط الماء، كالثوب و البدن.

و من هنا يظهر طهارة البواطن بزوال العين، و طهارة أعضاء الحيوان النجسة- غير الآدمي به، كما يستفاد من الصحاح» «2»

انتهىٰ.

و لعمري، إنّ قول السيّد أظهر في هذا المقال من قول الكاشاني، أو مثله حيث تبعه في ذلك، فلا وجه للطعن عليه بتفرّده «3».

فيما استدلّ به لعدم سراية النجاسة
اشارة

و يمكن أن يستدلّ علىٰ مطلوبهما بطوائف من الأخبار:

منها: ما دلّت علىٰ أنّ اللّٰه جعل الأرض مسجداً و طهوراً،

و ورودها في مقام الامتنان يؤكّد إطلاقها،

فعن «الخصال» بإسناده عن أبي امامة قال: قال

______________________________

(1) انظر المعتبر 1: 450.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 77.

(3) الحدائق الناضرة 5: 266، مصباح الفقيه، الطهارة: 577/ السطر 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 11

رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «فضّلت بأربع: جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً» «1».

و

في مرسلة أبان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «إنّ اللّٰه تبارك و تعالى أعطىٰ محمّداً (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) شرائع نوح و إبراهيم و موسى و عيسىٰ ..» إلىٰ أن قال: «جعل له الأرض مسجداً و طهوراً ..» «2»

إلىٰ آخره.

و دعوىٰ عدم إطلاقها؛ فإنّها في مقام الإخبار بالتشريع، كأنّها في غير محلّها؛ فإنّ حكايته إنّما هي للعمل، لا لنقل قضيّة كنقل التأريخ، فلو كانت أرض خاصّة طهوراً لكان عليه البيان، سيّما مع اقتضاء المقام التعميم، كدعوى اختصاصها برفع الحدث، لعدم الدليل عليه. و مجرّد اشتمال بعضها علىٰ ذكر التيمّم لا يوجب الاختصاص.

و من هذا القبيل

صحيحة جميل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» «3»

سيّما إذا أُريد التشبيه. و مجرّد كون صدرها في مورد التيمّم، لا يوجب تقييد الكبرى الكلّية التي في مقام الامتنان المقتضي للتعميم.

و تقريب الاستدلال بهذه الطائفة للمطلوب بأن يقال: إنّ الطهارة لدى العرف عبارة عن خلوّ الأشياء و نقائها عن القذارات، و الأرض كالماء مؤثّرة في إزالتها و إرجاعها إلىٰ حالها الأصلية و زوالِ العلّة، و هي بعينها دعوى السيّد،

______________________________

(1) الخصال: 201/ 14، وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب

التيمّم، الباب 7، الحديث 3.

(2) المحاسن: 287/ 431، الكافي 2: 17/ 1، وسائل الشيعة 3: 349، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 1.

(3) الفقيه 1: 60/ 223، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1264، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 12

و لازمه عدم سراية القذارات في الأشياء؛ إذ الأرض لا تؤثّر إلّا في زوال الأعيان، و هو بعينه الطهارة عرفاً و عقلًا.

و بالجملة: هذه الطائفة تدلّ علىٰ ما ذهب إليه من عدم اختصاص الطهور بالماء، و يثبت بها لازمه، و شاهدة أيضاً علىٰ ما لدى العقلاء في ماهية الطهارة و القذارة.

فما قد يمكن أن يقال: إنّ التعبير ب «الطهور» دليل علىٰ أنّ الأشياء تصير قذرة محتاجة إلى المطهّر، غاية الأمر كما يكون الماء مطهّراً تكون الأرض مطهّرة، و هو مخالف لمذهب السيّد.

مدفوع: بأنّ العرف لا يرى الطهارة إلّا إزالة النجاسة عن الجسم و إرجاعَه إلىٰ حالته الذاتية، و طهورية الأرض كطهورية الماء ليست إلّا ذلك، و هي معلومة بالمشاهدة، كما قال السيّد في كلامه المتقدّم.

و منها: ما دلّت علىٰ مطهّرية غير الماء لبعض النجاسات،

كصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل وطأ علىٰ عَذِرة، فساخت رجله فيها، أ ينقض ذلك وضوءه، و هل يجب عليه غسلها؟ فقال: «لا يغسلها إلّا أن يَقذِرها، و لكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها، و يصلّي» «1».

و لا يخفىٰ قوّة دلالتها علىٰ مذهب السيّد؛ فإنّ «العَذِرة» ظاهرة وضعاً أو انصرافاً فيما للإنسان، أو الأعمّ منها و ممّا لغير المأكول من السباع، كالكلب و السنَّوْر. و حملها علىٰ عذرة مأكول اللحم خلاف الظاهر جدّاً.

كما أنّ حمل «المسح» على المسح بالأرض خلاف ظاهرها، بل الظاهر

______________________________

(1)

تهذيب الأحكام 1: 275/ 809، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 13

منها أنّ كلّ ما أذهب أثرها كافٍ، و الميزان فيه ذهاب الأثر بأيّ طريق كان، و هو عين مدعاه، و لازمه عدم السراية حكماً مطلقاً.

بل يمكن دعوى حكومة هذه الرواية على الروايات الواردة في غسل ملاقي القذارات «1»؛ بدعوىٰ أنّ قوله (عليه السّلام): «لا يغسلها إلّا أن يَقذِرها» دليل علىٰ أنّ الأمر بالغسل فيها؛ لرفع القذارة العرفية بجميع مراتبها، لا لكون الماء ذا خصوصية شرعاً، بل المعتبر لدى الشارع ليس إلّا ذهاب الأثر بأيّ نحو اتفق.

و

كموثّقة الحلبي أو صحيحته «2» قال: نزلنا في مكان بيننا و بين المسجد زقاق قذر، فدخلت علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال: «أين نزلتم؟» فقلت: في دار فلان. فقال: «إنّ بينكم و بين المسجد زُقاقاً قذراً» أو قلنا له: إنّ بيننا و بين المسجد زُقاقاً قذراً، فقال: «لا بأس؛ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «3».

و مقتضى إطلاقها أنّ الأرض بإزالتها للعين موجبة للتطهّر من غير اختصاص بالمشي أو بالرجل و غير ذلك.

و بما ذكرنا من أنّ الطهارة في الأشياء عرفاً و عقلًا، ليست إلّا زوالَ القذارات عنها و رجوعَها إلىٰ حالتها الأصلية؛ من غير حصول صفة وجودية فيها يظهر صحّة الاستدلال بروايات تدلّ علىٰ مطهّرية الشمس أو هي و الريح في بعض ما يذهب أثره بإشراق الشمس و تبخيرها «4».

______________________________

(1) يأتي تخريجها في الصفحة 18، الهامش 2.

(2) رواها الكليني، عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار، عن محمّد الحلبي. و الترديد لوقوع إسحاق بن عمّار في

السند.

(3) الكافي 3: 38/ 3، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 4.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 451، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 14

و بما هو كالضروري؛ من أنّ زوال عين النجاسة عن بدن الحيوان بأيّ نحو موجب لطهارته.

و بما دلّ علىٰ طهارة بصاق شارب الخمر «1» و ما دلّ علىٰ أنّه ليس للاستنجاء حدّ إلّا النقاء «2» و بموثّق غياث الدالّ علىٰ جواز غسل الدم بالبصاق «3».

و

بمرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في عجين عجن و خبز، ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة، قال: «لا بأس؛ أكلت النار ما فيه» «4».

و بما دلّ علىٰ طهارة الدَّنّ الذي كان فيه الخمر، ثمّ يجفّف و يجعل فيه الخلّ «5» .. إلىٰ غير ذلك، فإنّ كلّ تلك الموارد موافق للقواعد، و ليس للشارع إعمال تعبّد فيها بعد عدم كون الطهارة أمراً مجعولًا تعبّدياً، بل هي بمعنى النظافة، و هي تحصل بإزالة القذارة بأيّ نحو كان.

و نحوها أو أوضح منها

رواية عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الحجامة، أ فيها وضوء؟ قال: «لا، و لا يغسل مكانها؛ لأنّ الحجّام مؤتمن إذا كان ينظّفه، و لم يكن صبيّاً صغيراً» «6».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 473، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 39.

(2) راجع وسائل الشيعة 1: 322، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 13، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 425/ 1350، وسائل الشيعة 1: 205، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 4، الحديث 2.

(4) تهذيب الأحكام 1: 414/ 1304، وسائل الشيعة 1: 175، كتاب الطهارة،

أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 18.

(5) وسائل الشيعة 3: 495، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 51، الحديث 2.

(6) تهذيب الأحكام 1: 349/ 1031، وسائل الشيعة 3: 499، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 56، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 15

فإنّ الظاهر منها أنّ التنظيف بأيّ نحو، يقع مقام الغسل في تحصيل الطهارة، و ليس المراد منه الغسل بالماء جزماً:

أمّا أوّلًا: فلعدم تعارف غسل الحجّام محلّ الحجامة، بل المتعارف تنظيفه بثوب أو خرقة، فحملها عليه حمل على الفرد النادر، أو غير المحقّق.

و أمّا ثانياً: فلأنّ تبديل الغسل بالتنظيف و جعله مقابلًا له مع أنّ المناسب ذكر الغسل دليل علىٰ مغايرتهما، فهي دالّة علىٰ أنّ الغسل لم يؤمر به إلّا للتنظيف، و الحجّام إذا كان ينظّفه يحصل المقصود به.

و منه يعرف سرّ الأمر بالغسل في سائر النجاسات؛ و هو تحصيل النظافة عرفاً.

و من ضمّ تلك الروايات الكثيرة و غيرها ممّا لم نذكره، يحصل الجزم لو خلّيت الواقعة عن دليل تعبّدي بأنّ التنظيف عند الشارع ليس إلّا ما لدى العقلاء، و أنّ الأمر بالغسل بالماء فيما ورد؛ إنّما هو لسهولة تحصيل الطهور به و لوفوره، و لكونه مع مجّانيته أوقع و أسهل في تحصيله.

و معه لا يفهم من الأدلّة الآمرة بغسل الأشياء بالماء، خصوصية تعبّدية، و لا يفهم العرف أنّ التطهير و التنظيف لدى الشارع، غير ما لدى العقلاء، و أنّ الطهارة عنده ليست عبارة عن خلوّ الشي ء عن القذارة العارضة، بل هي أمر آخر ليس للعقلاء إلىٰ فهمه سبيل، فإنّ كل ذلك بعيد عن الأفهام، مخالف لتلك الروايات الكثيرة، يحتاج إثباته إلىٰ دليل تعبّدي رادع للعقلاء عن ارتكازهم، و لا تصلح

الروايات الآمرة بالغسل لذلك؛ لما عرفت.

و منها: روايات متفرّقة في الأبواب ظاهرة في عدم السراية،

كصحيحة حكم بن حكيم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أبول فلا أُصيب الماء. و قد أصاب يدي شي ء من البول، فأمسحه بالحائط و بالتراب، ثمّ تعرق يدي،

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 16

فأمسح بها وجهي، أو بعض جسدي، أو يصيب ثوبي، قال: «لا بأس به» «1».

و هي أيضاً موافقة لما تقدّم.

و نحوها

رواية سَماعة قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السّلام): إنّي أبول فأتمسّح بالأحجار، فيجي ء منّي البلل ما يفسد سراويلي. قال: «ليس به بأس» «2».

و

رواية زيد الشحّام: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الثوب يكون فيه الجنابة، فتصيبني السماء حتّى يبتلّ عليّ، فقال: «لا بأس به» «3».

و حملها علىٰ تطهّر الثوب بالمطر «4» كما ترى.

و

رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن الكنيف يصبّ فيه الماء، فينضح على الثياب، ما حاله؟ قال: «إذا كان جافّاً فلا بأس» «5».

و

صحيحة أبي أُسامة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): تصيبني السماء و عليّ ثوب، فتبلّه و أنا جنب، فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المنيّ، أ فأُصلّي فيه؟ قال: «نعم» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 55/ 4، وسائل الشيعة 3: 401، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 6، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 51/ 150، وسائل الشيعة 1: 283، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 13، الحديث 4.

(3) الفقيه 1: 40/ 153، وسائل الشيعة 3: 425، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 3: 425، ذيل الحديث 7.

(5) قرب الإسناد: 281/ 1113، وسائل الشيعة 3: 501، كتاب الطهارة،

أبواب النجاسات، الباب 60، الحديث 2.

(6) الكافي 3: 52/ 2، وسائل الشيعة 3: 445، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 17

بناءً علىٰ أنّ المراد إصابة الثوب لنفس المنيّ الذي في الجسد، لا للجسد الملاقي له.

و

رواية عليّ بن أبي حمزة قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه، فقال: «ما أرىٰ به بأساً».

فقال: إنّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره، قال: فقطب أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) في وجه الرجل، فقال: «إن أبيتم فشي ء من ماء فانضحه» «1».

و الظاهر أنّ السؤال عن الثوب الذي فيه أثر الجنابة إذا عرق فيه، و معلوم أنّ العرق بالوجه المسئول عنه يوجب ملاقاة البدن للأثر. و الحمل على السؤال عن عرق الجنب كما ترى.

و

موثّقة أبي أُسامة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الثوب الذي فيه الجنابة، فتصيبني السماء حتّى يبتلّ عليّ، قال: «لا بأس» «2».

و توجيهها بأنّ المطر طهّره «3» بعيد؛ فإنّ إزالة المنيّ تحتاج إلى الدلك و نحوه.

و أوضح منها

صحيحة زرارة قال: سألته عن الرجل يجنب في ثوبه، أ يتجفّف فيه من غسله؟ قال: «نعم، لا بأس به، إلّا أن تكون النطفة فيه رطبة، فإن كانت جافّة فلا بأس» «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 52/ 3، تهذيب الأحكام 1: 268/ 787، وسائل الشيعة 3: 445، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 4.

(2) الكافي 3: 53/ 5، وسائل الشيعة 3: 446، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 3: 445 و 446، ذيل الحديث 3 و 6.

(4) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1332،

وسائل الشيعة 3: 446، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 18

و الظاهر أنّ التفصيل بين الرطبة و غيرها؛ لكون التجفيف بالرطبة موجباً لتلوّث البدن بها، دون اليابسة التي لا يوجب ذلك معها إلّا الملاقاة له بلا تلوّث بالنطفة. إلىٰ غير ذلك ممّا يعثر عليه المتتبّع «1».

و ليس في مقابلها غير الروايات المستفيضة

بل المتواترة الآمرة بالغسل بالماء أو بالغسل «2» المنصرف إلىٰ كونه بالماء في أنواع النجاسات، و هي لا تصلح لمعارضتها:

أمّا أوّلًا: فلأنّ المفهوم منها بعد ما تقدّم من أنّ الطهارة ليست لدى العقلاء إلّا إزالة النجاسة «3» أنّ الأمر بالغسل بالماء ليس إلّا للتطهير و التنظيف من غير خصوصية للماء، و إنّما خصّ بالذكر لسهولته و كثرته و أوقعيته للتطهير غالباً.

و أمّا ثانياً: فلعدم المفهوم لتلك الروايات، فلا تنافي بينها و بين ما تقدّم من جواز التنظيف بغيره، كالأرض و التراب و البصاق و نحوها. بل لبعض الأخبار المتقدّمة نحو حكومة عليها، كما تقدّم «4».

نعم، ما دلّ علىٰ أنّ الاستنجاء في محلّ البول لا بدّ له من الماء،

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 1: 284، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 13، الحديث 7، و: 320، أبواب أحكام الخلوة، الباب 11، الحديث 2، و 3: 401، أبواب النجاسات، الباب 6، الحديث 2.

(2) راجع وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9 و 26 و 28 و 29 و 31 و 34، و 3: 395، أبواب النجاسات، الباب 1 و 2 و 4 و 5 و 7 و 8 و 12 و 13 و 14 و 16 و 19 و 21 و 24 و 25 و 34 و

38 و 40 و 51 و 53 و 68.

(3) تقدّم في الصفحة 11.

(4) تقدّم في الصفحة 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 19

و لا يجوز بغيره «1» مخصوص بمورده، و لا يتعدّىٰ منه إلى البول في سائر الموارد، فضلًا عن غيره. مع احتمال أن يكون اللّابدية إضافية في مقابل التحجّر، لا سائر المائعات.

و غير ما دلّ علىٰ تغسيل ملاقي مثل الكلب و الخنزير و الكافر «2» ممّا لا يتلوّث الملاقي به، و هو دليل علىٰ عدم كون النجاسة و الطهارة لدى الشارع ما لدى العرف، و لهذا حكم بنجاسة أُمور لا يستقذرها العرف، و عدمِ نجاسة أُمور يستقذرها.

و يمكن أن يجاب عنه: بأنّ النجاسات الإلحاقية كالكافر و الكلب و غيرها ممّا لا يستقذرها العقلاء بما هم كذلك ليست نجاستها لكشف قذارة واقعية في ظاهر أجسامها من سنخ القذارات الصورية؛ لعدم قذارة كذائية فيها، بل الظاهر أنّ انسلاكها في سلك القذارات بجهات و علل اخرىٰ سياسية أو غيرها، و ليس الحكم بغسل ملاقياتها للسراية كما في سائر النجاسات المستقذرة، بل لأُمور أُخر و علل شتّىٰ غير السراية، كتجنّب المسلمين عن الكفّار، و عدم اختلاطهم بهم، و كدفع مضرّات لم نطّلع عليها.

فإذا لم يكن الأمر بالغسل للسراية، لم تكن تلك الروايات شاهدة علىٰ أنّ سائر النجاسات كذلك؛ و أنّ الطهارة و النجاسة مطلقاً في عرف الشرع و نظر الشارع المقدّس، غير ما عند العقلاء.

و بعبارة اخرىٰ: مجرّد إلحاق أشياء بها و إخراج أشياء منها، لا يدلّ علىٰ مخالفة نظره مع العرف في أصل ماهية النجس و الطاهر.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1 و 6.

(2)

راجع وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12 و 13 و 14 و 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 20

و غير الأدلّة الدالّة على انفعال الماء القليل و سائر المائعات «1» و هي تبلغ في الكثرة حدّ التواتر.

و فيه: أنّ تلك مسألة برأسها لا تكون أوضح من هذه المسألة، و لا ملازمة بينهما كما لا يخفى. هذا غاية ما يمكن لنا ذكره في هذا المختصر لتأييد مذهبهما.

التحقيق في المقام

لكن الإنصاف: عدم خلوّ كثير من تلك الأخبار من المناقشة إمّا في السند، أو في الدلالة، أو الجهة، لو حاولنا ذكرها تفصيلًا لطال بنا البحث.

كما أنّ الإنصاف خلوّ بعضها منها، لكن مع ذلك كلّه لا يمكن الاتكال في تلك المسألة التي عدّت من الضروريات علىٰ تلك الأخبار المعرض عنها أو عن إطلاقها خلفاً عن سلف، و قد مرّ منّا مراراً: أنّ دليل حجّية أخبار الثقة ليس إلّا بناء العقلاء مع إمضاء الشارع «2»، و معلوم أنّ العقلاء لا يتكلون علىٰ أخبار أعرض عنها نقلتها و غيرهم، بل ادعىٰ جمع من الأعاظم الإجماع علىٰ تنجيس المتنجّس، فضلًا عن النجس «3».

فهذه المسألة من المسائل التي يقال فيها: «إنّه كلّما ازدادت الأخبار فيها كثرة و صحّةً، ازدادت وهناً و ضعفاً».

هذا مع تظافر الأخبار علىٰ سراية النجاسة من المتنجّس كما تأتي، فضلًا عن النجس.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، و: 205، أبواب الماء المضاف، الباب 5.

(2) تقدّم في الجزء الثالث: 249، 395.

(3) انظر مستمسك العروة الوثقى 1: 484، مستند الشيعة 1: 241، جواهر الكلام 2: 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 21

الجهة الثانية: في أصل سراية النجاسة من المتنجّس

بعد الفراغ عن السراية من الأعيان النجسة، يقع الكلام في السراية من المتنجّس إلىٰ ملاقيه، إمّا في الجملة، أو مطلقاً و لو بلغ ما بلغ، و هي الجهة الثالثة.

و قد نسب الخلاف في أصل السراية إلى ابن إدريس «1»، و اختاره صريحاً المحدّث الكاشاني «2»، لكن لم يظهر من الحلّي الإنكار مطلقاً أي في مطلق المتنجّسات لاحتمال اختصاص كلامه بميّت الإنسان؛ و إن كان ظاهر تعليله العموم، لكن يظهر منه في بعض الموارد عدم العموم «3»،

و لهذا عدّ ذلك من متفرّدات الكاشاني «4». نعم لازم كلام السيّد «5» ذلك أيضاً، كما لا يخفى.

قال الكاشاني في محكي «المفاتيح»: «إنّما يجب غسل ما لاقىٰ عين النجاسة، و أمّا ما لاقى الملاقي لها بعد ما أُزيل عنه بالتمسّح و نحوه بحيث لا يبقى فيه شي ء منها فلا يجب غسله، كما يستفاد من المعتبرة. علىٰ أنّا نحتاج إلىٰ دليل علىٰ ذلك ..» «6» إلىٰ آخره.

أقول: أمّا ما ادعىٰ من عدم الدليل، ففيه: أنّ الأدلّة المتفرّقة في الأبواب بلغت حدّ التواتر أو قريباً منه؛ إن أراد عدم الدليل حتّى بالنسبة إلى المائعات،

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 5: 307، السرائر 1: 163.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 75.

(3) راجع السرائر 1: 180.

(4) الحدائق الناضرة 5: 244 و 266، جواهر الكلام 2: 15.

(5) تقدّم في الصفحة 9.

(6) مفاتيح الشرائع 1: 75.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 22

كما هو مقتضىٰ إطلاقه، و إلّا فهي أيضاً كثيرة، نذكر جملة منها مع الإشارة إلىٰ مقدار دلالتها بالنسبة إلى الوسائط؛ حتّى يظهر حال الملاقيات مع الوسائط.

منها:

صحيحة الفضل أبي العبّاس قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن فضل الهرّة إلىٰ أن قال-: حتّى انتهيت إلى الكلب، فقال: «رجس نجس، لا يتوضّأ بفضله، و اصبب ذلك الماء، و اغسله بالتراب أوّل مرّة، ثمّ بالماء» «1».

و الظاهر منها أنّ الماء الملاقي للكلب صار نجساً، و الإناء الملاقي للماء كذلك، و أمر بغسله لسراية النجاسة منه إلىٰ ما يلاقيه بعد ذلك.

و دعوىٰ: أنّ غاية ما يمكن استفادته منها و من مثلها بعد البناء علىٰ ظهورها في الوجوب الغيري، كما هو المتعيّن إنّما هو حرمة استعمالها حال كونها متنجّسة في المأكول و المشروب، المطلوب

فيهما النظافة و الطهارة في الجملة و لو بالنسبة إلى المائعات التي يتنفّر الطبع من شربها في إناء يستقذره، و أمّا تأثيرها في نجاسة ما فيها فلا «2».

مدفوعة: بأنّ العرف لا يشكّ في أنّ الأمر بغسل الإناء سيّما مع تفرّعه علىٰ قوله (عليه السّلام): «رجس نجس» ليس إلّا لتأثير الإناء في المائع المصبوب فيه، و لا يشكّ في الفرق بين الأمر بغسل خارج الإناء الذي لا يلاقي المائع، و داخله الملاقي.

و هل يكون استقذار العقلاء من المائعات المصبوبة في الإناء غير النظيف دون الجامدات؛ إلّا لتأثّر الاولىٰ منه دون الثانية؟! فالاعتراف بتنفّر الطباع من الشرب في إناء مستقذر دون أكل الجوامد، اعتراف بالسراية عرفاً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 1: 226، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 4.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 578/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 23

و بالجملة: يظهر من هذه الرواية تنجّس الملاقي للنجس و ملاقيه و ملاقي ملاقيه، و من تعليله أنّ ذلك حكم النجس من غير اختصاص بالكلب. و اختصاصُ كيفية الغسل به بدليل آخر، لا يوجب اختصاص سائر الأحكام به.

و منها:

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن الكلب يشرب في الإناء، قال: «اغسل الإناء» «1».

و نحوها ما دلّ علىٰ غسل الإناء من شرب الخنزير، كصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) «2».

و منها:

حسنة «3» المعلّى بن خُنيس قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء، أمرّ عليه حافياً؟ فقال: «أ ليس وراءه شي ء جافّ؟» قلت: بلىٰ، قال: «فلا بأس؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «4».

و هي كالصريح في نجاسة الرجل

الملاقية لملاقي النجس.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 644، وسائل الشيعة 1: 225، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 261/ 760، وسائل الشيعة 1: 225، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 2.

(3) رواها الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن المعلّى بن خنيس.

و الرواية حسنة بالمعلّى بن خنيس فإنّه قد اختلفت الأنظار و الأخبار الواردة في شأنه.

راجع رجال الكشي: 376/ 702، رجال النجاشي: 417/ 1114، تنقيح المقال 3: 230/ السطر 2 (أبواب الميم).

(4) الكافي 3: 39/ 5، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 24

و منها: ما دلّت علىٰ وجوب غسل آنية اليهود «1» و آنية يشرب فيها الخمر «2» و غسل أواني الخمر «3» و غسل ما فيه الجُرَذ ميتاً «4» و غسل الفراش و البساط و ما فيه الحشو «5» و غسل لحم القدر الذي قطرت فيه قطرة من الخمر «6» و غسل الثوب الذي لاقى الطين الذي نجّسه شي ء بعد المطر «7» و غسل الفخذ الملاقي للذكر بعد مسحه بالحجر «8».

و ما دلّ علىٰ عدم جواز الصلاة على البواري التي يبلّ قصبها بماء قذر قبل الجفاف «9».

______________________________

(1) المحاسن: 584/ 72، وسائل الشيعة 24: 212، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 7.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 494، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 51.

(3) راجع وسائل الشيعة 25: 368، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 30.

(4) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 496، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب

53، الحديث 1.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 400، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 5.

(6) الكافي 6: 422/ 1، وسائل الشيعة 25: 358، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 26، الحديث 1.

(7) الكافي 3: 13/ 4، وسائل الشيعة 3: 522، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 75، الحديث 1.

(8) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1333، وسائل الشيعة 3: 441، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 26، الحديث 1.

(9) راجع وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 2 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 25

و منها: موثّقة الساباطي الآمرة بغسل كلّ ما أصابه ماءٌ مات فيه الفأرة «1».

و رواية العِيص الآمرة بغسل الثوب الذي أصابه قطرة من طَسْت فيه وَضوء من بول أو قذر «2».

و صحيحة معاوية بن عمّار الآمرة بغسل الثوب الملاقي للبئر النتن «3».

و ما دلّت على انفعال الماء القليل ببعض المتنجّسات «4» .. إلىٰ غير ذلك.

الجهة الثالثة: في تنجيس المتنجّس مع كثرة الوسائط

اشارة

نعم، لا يظهر من تلك الروايات علىٰ كثرتها إلّا التنجيس بواسطة أو واسطتين، فلا بدّ من التماس دليل علىٰ تنجّس الوسائط الكثيرة، سيّما إذا كانت الكثرة معتدّاً بها. و التشبّث بإلغاء الخصوصية من واسطة أو واسطتين إلىٰ الوسائط- سيّما الكثيرة في غير محلّه بعد وضوح الفرق بين الكثرة و القلّة في الوسائط.

و غاية ما يمكن الاستدلال علىٰ تنجّسها بالغة ما بلغت أن يقال: إنّ الظاهر من كثير من الروايات أنّ ملاقي النجس يصير نجساً، و بالملاقاة ينسلك الملاقي- بالكسر تحت عنوان «النجس»

كقوله (عليه السّلام) في المستفيضة: «إذا بلغ

______________________________

(1) الفقيه 1: 14/ 26، وسائل الشيعة 1: 142، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 4، الحديث 1.

(2) ذكرى الشيعة 1: 84،

وسائل الشيعة 1: 215، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 9، الحديث 14.

(3) تهذيب الأحكام 1: 232/ 670، وسائل الشيعة 1: 173، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 10.

(4) راجع وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 26

الماء قدر كرّ لا ينجّسه شي ء» «1»

فإنّه بمفهومه يدلّ علىٰ أنّ ملاقاة الماء للنجس، موجبة لصيرورته نجساً.

و

قولِه (عليه السّلام): «خلق اللّٰه الماء طهوراً لا ينجّسه شي ء إلّا ما غيّر لونه ..» «2»

إلىٰ آخره.

و

كقوله (عليه السّلام) في الثوب الذي يستعيره الذمّي: «أعرته إيّاه و هو طاهر، و لم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه» «3».

و

قولِه (عليه السّلام) في النبيذ: «ما يبلّ الميل ينجّس حبّا من ماء» «4» ..

إلىٰ غير ذلك.

فإذا ضمّ ذلك إلى التعليل في بعض الروايات المتقدّمة «5» لغسل الملاقي بكونه نجساً، و ضمّ إليه ارتكاز العرف علىٰ أنّ الأمر بغسل الملاقي للسراية، ينتج المطلوب؛ بأن يقال: لو فرضت سلسلة مترتّبة من الملاقيات رأسها عين النجس، فالملاقي الأوّل محكوم بأنّه نجس؛ لأنّ العين نجّسته بارتكاز العرف و دلالة الروايات، و بمقتضى التعليل بأنّ النجس يغسل ملاقيه، و بضميمة الارتكازِ بأنّ لزوم الغسل ليس لتعبّد محض، بل للسراية و صيرورة الملاقي نجساً

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 1: 158 و 159، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 1 و 2 و 5 و 6.

(2) المعتبر 1: 40، وسائل الشيعة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 9.

(3) تهذيب الأحكام 2: 361/ 1495، وسائل الشيعة 3: 521، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب

74، الحديث 1.

(4) الكافي 6: 413/ 1، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 6.

(5) تقدّم في الصفحة 22.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 27

و التأييدِ بالروايات الحاكمة بصيرورته نجساً، يحكم بنجاسة ملاقي الملاقي.

و هكذا في جميع السلسلة يحكم بلزوم غسل ملاقي كلّ نجس، و بالارتكاز و الروايات المتقدّمة يحكم بصيرورة الملاقي نجساً.

و بعبارة اخرىٰ: يستفاد من التعليل و الارتكاز و ضميمة الروايات قاعدة كلّية هي «أنّ كلّ نجس منجّس» أي موجب لتحقّق مصداق آخر للنجس، و هو أيضاً منجّس، و هلمّ جرّاً.

لكنّ الإنصاف: عدم خلوّه عن إشكال بل منع، بعد ما علمنا اختصاص الحكم المذكور في الرواية المشتملة على العلّة بولوغ الكلب، و عدم الإسراء إلىٰ سائر ملاقياتها، فضلًا عن سائر النجاسات. و دعوىٰ أنّ ورود التقييد أو التخصيص في حكم لا يوجب رفع اليد عن عموم العلّة، غير وجيهة؛ فإنّه مع اختصاص هذا الحكم الظاهر به، لا يبقى وثوق بعموم التعليل، و لا ظهور له.

مضافاً إلى الإشكال في كون قوله (عليه السّلام): «رجس نجس» تعليلًا يمكن الاتكال عليه لإسراء الحكم، نعم فيه إشعار بأنّ التغليظ في نجاسة الكلب ربّما يوجب اختصاص الأحكام به، أو بما هو من قبيله، و لا دليل علىٰ كون سائر النجاسات مغلّظة نحوها، فضلًا عن ملاقياتها و لو مع الوسائط المعلوم عدم غلظتها كذلك.

مضافاً إلىٰ أنّ التعليل الآخر

في صحيحة أُخرى لأبي العبّاس، يورث وهناً فيه، قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و إن أصابه جافّاً فاصبب عليه الماء».

قلت: و لِمَ صار بهذه المنزلة؟ قال: «لأنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و

سلّم) أمر بقتلها» «1».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 261/ 759، وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 28

هذا مع أنّ ما دلّت من الروايات علىٰ صيرورة الملاقي نجساً، إنّما هو في ملاقي أعيان النجاسات، لا ملاقي ملاقيها .. و هكذا. و التشبّث بارتكاز العرف في الوسائط الكثيرة محلّ إشكال و منع، فاستفادة نجاستها ممّا تقدّم مشكلة بل ممنوعة.

بيان حال الإجماعات المنقولة في المقام و ضعفها

بقي الكلام في حال الإجماعات المنقولة، فليعلم: أنّ هذه المسألة بهذا الوجه لم تكن معنونة في كتب القدماء من أصحابنا؛ علىٰ ما تتبّعت الكتب الموجودة عندي، و لم أرَ النقل عنهم فيما هو معدّ لنقل الأقوال.

نعم، عنون الشيخ في «الخلاف» مسألتين:

إحداهما: مسألة (136): «إذا ولغ الكلب في الإناء نجس الماء الذي فيه، فإن وقع ذلك الماء علىٰ بدن الإنسان أو ثوبه وجب عليه غسله إلىٰ أن قال-: دليلنا: أنّ وجوب غسله معلوم بالاتفاق؛ لنجاسة الماء».

ثانيتهما: مسألة (137): «إذا أصاب الماء الذي يغسل به الإناء من ولوغ الكلب ثوبَ الإنسان أو جسدَه، لا يجب غسله؛ سواء كان من الدفعة الأُولىٰ، أو الثانية، أو الثالثة».

ثمّ قال: «دليلنا: أنّ الحكم بنجاسة ذلك يحتاج إلىٰ دليل، و ليس في الشرع ما يدلّ عليه» ثمّ تمسّك بالدليل العقلي المعروف في الغُسالة «1».

أقول: لم يتضح من قوله في المسألة الأُولىٰ إلّا دعوى الاتفاق علىٰ

______________________________

(1) الخلاف 1: 181.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 29

وجوب غسله، و أمّا التعليل بنجاسة الماء فليس من معقد الاتفاق؛ حتّى يتوهّم الإجماع علىٰ أنّ كلّ نجس يجب غسل ملاقيه، و يضمّ إليه ارتكازية السراية بالتقريب المتقدّم «1».

بل الظاهر من المسألة الثانية:

أنّ مسألة تنجيس ملاقي ملاقيه ليست ثابتةً بإجماع أو غيره، و هي و إن كانت في الغُسالة التي وقعت محلّ البحث، لكنّ تعليله بعدم الدليل دليلٌ علىٰ عدم قيام الإجماع على الكلّية.

مع أنّ الدليل العقلي في الغُسالة علىٰ فرض صحّته إنّما يجري في الغسلة الأخيرة لا مطلقاً، و قد صرّح بعدم الفرق بين الغسلات، و من هنا يظهر أنّ استدلاله بالدليل العقلي لبعض المقصود؛ و هو الغسلة الأخيرة.

و ممّا يدلّ علىٰ عدم إجماعية المسألة و عدم وضوحها في تلك الأعصار، قوله في كتاب الصلاة في مسألة (222):

«الجسم الصقيل مثل السيف و المرآة و القوارير إذا أصابته نجاسة، فالظاهر أنّه لا يطهر إلّا بأن يغسل بالماء، و به قال الشافعي.

و في أصحابنا من قال: «يطهر بأن يمسح ذلك منه، أو يغسل بالماء» اختاره المرتضىٰ، و لست أعرف به أثراً و به قال أبو حنيفة.

دليلنا: أنّا قد علمنا حصول النجاسة في هذا الجسم، و الحكم بزوالها يحتاج إلىٰ شرع، و ليس في الشرع ما يدلّ علىٰ زوال هذا الحكم ممّا قالوه» ثمّ تمسّك بدليل الاحتياط «2» انتهىٰ.

و قد تقدّم أنّ لازم كلام السيّد بل صريح ما نقل عنه في دليل مذهبه أنّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 26.

(2) الخلاف 1: 479.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 30

ملاقي النجس ليس بنجس «1»، فضلًا عن ملاقي المتنجّس، و مع ذلك قد ترى أنّ ظاهر كلام الشيخ وجود القائل غير السيّد فيها، و عدم إجماع أو دليل آخر علىٰ خلافه، و إلّا لتمسّك به، و لم يقل: «و الظاهر كذا» ممّا يظهر منه عدم الجزم بالمسألة، و لم يتمسّك بالأصل و الاحتياط، و لم يقل: «لست أعرف

به أثراً» فيظهر منه أنّ المسألة حتّى في ملاقي عين النجس لم تكن إجماعية في عصره، فضلًا عن ضروريتها، فضلًا عن إجماعية نجاسة الملاقي مع الوسائط بالغة ما بلغت، أو ضروريتها.

و ظاهر ابن إدريس أنّ ملاقي ملاقي النجس لا يحكم بنجاسته؛ لعدم الدليل عليها «2»، و لو كانت المسألة إجماعية لما قال ذلك.

نعم، قد يقال: إنّ كلامه مختصّ بالميت مع الملاقاة بيبوسة «3». لكنّ الظاهر من كلامه عدم الاختصاص باليابس، بل يظهر منه أنّ النجاسات الحكمية مطلقاً، لا تؤثّر في تنجيس الملاقي. و لا يبعد بقرينة المقام أن يكون مراده من «الحكميات» من قبيل الملاقي الذي لا أثر فيه من الملاقاة، مقابل الأعيان النجسة.

كما أنّ استدلال المحقّق في «المعتبر» في ردّ الحلّي بقوله: «لمّا اجتمع الأصحاب علىٰ نجاسة اليد الملاقية للميّت، و أجمعوا علىٰ نجاسة المائع إذا وقعت فيه نجاسة، لزم من مجموع القولين نجاسة ذلك المائع» «4» انتهىٰ، دليل علىٰ عدم إجماعية نجاسة الملاقيات و لو بلا واسطة، و إلّا لتمسّك به من غير

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 10.

(2) السرائر 1: 163.

(3) مفتاح الكرامة 1: 179/ السطر 8، و: 515/ السطر 24.

(4) المعتبر 1: 350.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 31

احتياج إلى التمسّك بالإجماعين علىٰ نحو لا يخلو من إشكال و مصادرة.

و أمّا دعاوي متأخّري المتأخّرين الإجماع أو الضرورة:

فجملة منها في مقابل المحدّث الكاشاني، كالاستاذ الأكبر و المحقّق القمّي و النراقي و صاحب «الجواهر» و الشيخ الأعظم «1» و غيرهم «2».

و البعض منها الظاهر أو المصرّح بعدم الخلاف في الوسائط و هلمّ جرّاً- كالطباطبائي صاحب البرهان «3» لا وثوق بها؛ بعد ما عرفت من عدم كون المسألة معنونة في كتب

القدماء، و من غير ذلك ممّا تقدّم ذكره.

و من جملة ثالثة لم يظهر دعوى الإجماع على الوسائط كذلك، كالشهيد في «الروض» بناءً على استفادة الإجماع منه لأجل استثناء ابن إدريس فقط، قال في حكم مسّ الميّت: «فإن كان من الرطوبة فهي عينية محضة، فلو لمس اللامسُ له برطوبةٍ آخرَ برطوبةٍ نجس أيضاً، و هلمّ جرّاً، و خلاف ابن إدريس في ذلك ضعيف» «4» انتهىٰ.

فإنّه بعد تسليم الاستفادة لا يظهر منه إلّا الإجماع في مقابل ابن إدريس القائل بعدم تنجيس المتنجّس مطلقاً. مع أنّ في الاستفادة أيضاً إشكالًا.

نعم، لا يبعد ظهور كلام صاحب «المعالم» في الوسائط قال فيما حكي عنه: «إنّ كلّ ما حكم بنجاسته شرعاً، فهو يؤثّر التنجيس في غيره أيضاً مع الرطوبة عند جمهور الأصحاب، لا نعرف فيه الخلاف إلّا من العلّامة

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 180/ السطر 9، غنائم الأيّام 1: 452، مستند الشيعة 1: 241، جواهر الكلام 1: 134، و 2: 15، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 46/ السطر 7.

(2) انظر مستمسك العروة الوثقى 1: 479.

(3) البرهان القاطع 1: 429/ السطر 2.

(4) روض الجنان: 116/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 32

و ابن إدريس» «1» بأن يقال: إنّ التأثير في التنجيس، عبارة أُخرى عن صيرورة الملاقي محكوماً بنجاسته شرعاً، فلا بدّ من تأثيره، و هلمّ جرّاً.

و فيه: مضافاً إلىٰ إمكان أن يكون الكلام في مقابل ابن إدريس و العلّامة، فمن البعيد استفادة الوسائط الكثيرة منه أنّ دعوى عدم معرفة الخلاف غير دعوى عدم الخلاف أو الإجماع.

هذا مع ما تقدّم من عدم كون المسألة إجماعية في الطبقة الأُولىٰ، و عدم تعرّض تلك الطبقة بل الطبقة الثانية أيضاً للمسألة.

الشواهد الداخلية و الخارجية في المقام
اشارة

ثمّ

إنّ هاهنا شواهد داخلية و خارجية علىٰ عدم تنجّس الملاقيات مع الوسائط المتعدّدة:

أمّا الاولىٰ: فيمكن الاستشهاد عليه بروايات:

منها:

موثّقة عمّار الساباطي: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يجد في إنائه فأرة، و قد توضّأ من ذلك الإناء مراراً، أو اغتسل منه، أو غسل ثيابه، و قد كانت الفأرة متسلّخة، فقال: «إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه، ثمّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء، فعليه أن يغسل ثيابه، و يغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء، و يعيد الوضوء و الصلاة ..» «2»

إلىٰ آخره.

فإنّ الظاهر أنّ الإناء المسئول عنه، هو مثل الحبّ الذي كان متعارفاً في

______________________________

(1) معالم الدين (قسم الفقه) 2: 572.

(2) الفقيه 1: 14/ 26، تهذيب الأحكام 1: 418/ 1322، وسائل الشيعة 1: 142، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 4، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 33

تلك الأمكنة أن يصبّ فيه الماء لرفع الحوائج؛ من الوضوء و الغسل و غسل الثياب و غيرها، و قد اتفق رؤية الفأرة المتسلّخة فيه، و من الواضح أنّه لو تنجّس يوماً يوجب ذلك نجاسة كثير ممّا في الأيدي؛ لو قلنا بسراية النجاسة من الملاقيات هلمّ جرّاً، فضلًا عن تنجّسه أيّاماً، كما هو مقتضىٰ ظاهر الرواية أو إطلاقها.

و بالجملة: لا شبهة في ابتلاء صاحب الحبّ بملاقيات الماء، و ملاقيات ملاقياته .. و هكذا بعد مضي أيّام، فلو صار الملاقاة مطلقاً موجبةً للنجاسة، كان على الإمام (عليه السّلام) الأمر بغسل ملاقي ملاقي الماء .. و هكذا، فسكوتُه عنها مع العلم عادة بالابتلاء، و تخصيصُ التطهير بملاقي ذلك الماء المشعر بعدم لزوم تطهير غيره لو لم نقل بدلالة نحو التعبير

عليه دليلٌ علىٰ عدم السراية مع الوسائط؛ فإنّ الماء تنجّس بالفأرة، و ملاقي الماء تنجّس به، و الأمرُ بغسل ملاقيه مطلقاً- الذي منه الأواني و الظروف دليلٌ علىٰ تنجّس ملاقي ذلك الملاقي.

و أمّا الملاقي لذلك الملاقي الأخير فلا يؤثّر ذلك في نجاسته، و إلّا لأمر بغسلها مع الجزم بالابتلاء عادة، بل كان عليه البيان بعد السؤال عن تكليف الرجل الذي ابتلىٰ بذلك، مع احتمال ابتلائه بملاقي الملاقي للماء، فضلًا عن الجزم به، فعدم البيان دليل علىٰ عدم التنجيس، فضلًا عن الإشعار المذكور الموجب للإغراء، و العياذ باللّٰه.

و منها:

رواية بكّار بن أبي بكر قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحبّ في مكان قذر، ثمّ يدخله الحبّ، قال: «يصبّ من الماء ثلاثة أكفّ، ثمّ يدلك الكوز» «1».

______________________________

(1) الكافي 3: 12/ 6، وسائل الشيعة 1: 164، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 34

بناءً علىٰ أنّ المراد ب «المكان القذر» المتنجّس، لا المكان الذي فيه عين النجس، كما لا يبعد أن يكون منصرفاً إليه، و إلّا لخرجت عن الاستشهاد بها للمقام، و تنسلك في الأدلّة الدالّة علىٰ كلام المحدّث الكاشاني.

و هنا احتمال آخر في الرواية: هو أنّ المراد من قوله: «ثمّ يدخله» إرادة إدخاله فيه، و قوله (عليه السّلام): «يصبّ ..» إلىٰ آخره، بيان تطهير الكوز، لكنّه بعيد.

و منها: الروايات التي تعرّضت لإكفاء الماء و إراقته، مع السكوت عن حكم الإناء، مع اقتضاء المقام بيانه لو تنجّس،

كصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة، قال:

«يكفئ الإناء» «1»

و صحيحة أبي بصير «2» و غيرهما «3».

و نظيرها

موثّقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام): «إنّ عليّاً (عليه السّلام) سئل عن قدر طبخت، و إذا في القدر فأرة، قال: يهراق مرقها، و يغسل اللحم و يؤكل» «4».

و

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت، فإن كان جامداً فألقها و ما يليها، و كل ما بقي، و إن كان ذائباً

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 39/ 105، وسائل الشيعة 1: 153، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 38/ 103، الإستبصار 1: 20/ 46، وسائل الشيعة 1: 154، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 11.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 151، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 2 و 4 و 7 و 10 و 14.

(4) الكافي 6: 261/ 3، وسائل الشيعة 24: 196، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 44، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 35

فلا تأكله، و استصبح به، و الزيت مثل ذلك» «1» ..

إلىٰ غير ذلك «2».

و السكوت في مقام سئل عن التكليف في القضيّة المبتلىٰ بها عن حال الأواني و سائر الملاقيات، دليل علىٰ عدم تنجّسها، سيّما في مثل الرواية الأخيرة؛ فإنّ الاستصباح بالسمن و الدهن في مدّة كثيرة مع كثرتهما، لا يتخلّف عن الابتلاء بالملاقيات بلا وسط و معه.

و دعوىٰ كون الحكم معهوداً أو مرتكزاً تردّها نفس الروايات، كدعوىٰ كونهما في مقام بيان حكم آخر.

و أمّا الثانية فكثيرة،

منها أنّ فقهاء العامّة الذين كانوا مرجعاً للناس في تلك الأعصار من زمن الصادقين (عليهما السّلام) إلىٰ زمن الهادي و العسكري

(عليهما السّلام) قلّما اتفق موافقتهم معنا في أعيان النجاسات و كيفية تطهيرها، فما لك و الشافعي في الجديد خالفانا في نجاسة المنيّ «3».

و أبو حنيفة قال بإجزاء فركه إذا كان يابساً «4».

و الشافعي في أحد وجهيه و الزهري ذهبا إلىٰ طهارة الميتة «5».

و مالك و داود و الزهري إلىٰ طهارة الكلب «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 261/ 1، تهذيب الأحكام 9: 85/ 360، وسائل الشيعة 24: 194، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 43، الحديث 2.

(2) راجع وسائل الشيعة 24: 194، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 43.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 53، المحلّى بالآثار 1: 35، بداية المجتهد 1: 84.

(4) بداية المجتهد 1: 84، المجموع 2: 554/ السطر 6.

(5) تذكرة الفقهاء 2: 131، المجموع 1: 217، و 2: 561 562.

(6) تذكرة الفقهاء 1: 66، المجموع 2: 567.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 36

و داود إلىٰ طهارة الخمر «1». و أبو حنيفة إلىٰ طهارة المسكرات «2»، و جمهورهم إلىٰ طهارة الفُقّاع و حلّيته «3»، و طهارة الكفّار «4».

و قال أبو حنيفة: «تطهر جلود الميتة بالدباغ إلّا الخنزير» «5» و عن مالك: «حتّى الخنزير» «6». و عن الشافعي: «الحيوان الطاهر» «7».

و قال أبو حنيفة: «لا يجب العدد في النجاسات» «8» و عن داود و مالك و الزهري: «إناء الولوغ طاهر» «9».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 64، المجموع 2: 563.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 65، بداية المجتهد 1: 34، فتح العزيز، ذيل المجموع 1: 158، المجموع 1: 93، و 2: 564.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 65، المبسوط، السرخسي 24: 17/ السطر 19، المغني، ابن قدامة 10: 341.

(4) منتهى المطلب 1: 25/ السطر 30، المغني، ابن

قدامة 1: 68 69، و 211 212.

(5) تذكرة الفقهاء 2: 464، أحكام القرآن، الجصّاص 1: 115/ السطر 12، بداية المجتهد 1: 81، التفسير الكبير 5: 17/ السطر 17، المجموع 1: 217.

(6) تذكرة الفقهاء 2: 464، التفسير الكبير 5: 17/ السطر 16، المجموع 1: 217، حاشية الدسوقي 1: 54.

(7) تذكرة الفقهاء 2: 463، الامّ 1: 9/ السطر 7، أحكام القرآن، الجصّاص 1: 115/ السطر 13، بداية المجتهد 1: 81، التفسير الكبير 5: 17/ السطر 17، المجموع 1: 217.

(8) الخلاف 1: 175، المحلّى بالآثار 1: 124، المغني، ابن قدامة 1: 45/ السطر الأخير، المجموع 2: 580.

(9) تذكرة الفقهاء 1: 66، المبسوط، السرخسي 1: 48/ السطر 14، المجموع 2: 567.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 37

و عن كثير منهم كالشافعي في أحد قوليه و مالك في إحدى الروايتين عدم نجاسة الماء القليل إلّا بالتغيّر «3». و اختلفوا معنا في تحديد الكرّ أيضاً «4».

و عن أبي حنيفة جواز إزالة النجاسة بالمضاف «5». و عن أحمد روايتان. و عنه في إحدى الروايتين عدم تنجّس المضاف إن بلغ قلّتين «6»، و في الأُخرىٰ: «ما أصله الماء- كالخلّ التمري فكالماء» «7».

و قال أبو حنيفة: «لا يجب الاستنجاء من البول و الغائط بالماء و غيره» و هو إحدى الروايتين عن مالك «1». و قال الشافعي و مالك في الأُخرىٰ و أحمد: «يكفي في البول الحجر» «2» .. إلىٰ غير ذلك.

فهذه جملة من موارد اختلافهم معنا في أبواب النجاسات و الطهارات، فلو كان أمر الملاقي و ملاقي ملاقيه و هلمّ جرّاً كما ذكر في السراية، لما بقي من الناس طاهر، و مع اختلاط الخاصّة معهم في تلك الأعصار صارت حالهم

كذلك،

______________________________

(3) تذكرة الفقهاء 1: 22، بداية المجتهد 1: 24، المغني، ابن قدامة 1: 24 25، المجموع 1: 113.

(4) المغني، ابن قدامة 1: 27 28، المجموع 1: 119 120.

(5) منتهى المطلب 1: 20/ السطر 35، المبسوط، السرخسي 1: 96/ السطر 5، المغني، ابن قدامة 1: 8/ السطر 15، المجموع 1: 95/ السطر 11.

(6) منتهى المطلب 1: 22/ السطر 2، المغني، ابن قدامة 1: 29/ السطر 6، و 11: 86/ السطر 6.

(7) منتهى المطلب 1: 22/ السطر 2، المغني، ابن قدامة 11: 86/ السطر 10.

(1) تذكرة الفقهاء 1: 123، بدائع الصنائع 1: 19، المغني، ابن قدامة 1: 141/ السطر 11، المجموع 2: 95/ السطر 3.

(2) منتهى المطلب 1: 42/ السطر 35، الامّ 1: 22، المغني، ابن قدامة 1: 143/ السطر 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 38

و مع ذلك لم يسأل أحد من أصحاب الأئمّة (عليهم السّلام) عن حال الملاقيات لهم مطلقاً، و لم يكن ذلك إلّا لما رأوا أنّ الأئمّة (عليهم السّلام) تعاشروا معهم كعشرتهم مع غيرهم.

أضف إلىٰ ذلك ما هو المشاهد من حال أهل البوادي؛ و عدم احترازهم غالباً عن النجاسات و ملاقياتها، و كانت تلك الطوائف في زمن الأئمّة (عليهم السّلام) متردّدين في البلاد، سيّما الحرمين الشريفين، و لم يعهد من أحد من الأئمّة (عليهم السّلام) و أصحابهم و شيعتهم التنزّه عنهم، أو السؤال عن حالهم و عن ملاقياتهم.

و هذه الأُمور و غيرها ممّا توجب الجزم: بأنّ قضيّة الملاقي ليست كما ذكر من السراية هلمّ جرّاً، سيّما مع سهولة الملّة و سماحتها.

و الإنصاف: أنّ الفتوىٰ بالنجاسة سيّما مع الوسائط الكثيرة جرأة على المولى، و الأشبه عدم النجاسة مع الوسائط الكثيرة،

و الاحتياط سيّما فيما علم تفصيلًا بالملاقاة و لو مع الوسائط لا ينبغي تركه.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 39

المطلب الثاني في إزالة النجاسة للصلاة

حول ما ذكروا من الوجوب الشرطي لإزالة النجاسة

اشارة

قالوا: «يجب إزالة النجاسة عينية كانت أو حكمية عن الثياب عدا ما استثني و عن ظاهر البدن للصلاة واجبة كانت أو مندوبة بالوجوب الشرطي الذي يتبعه الوجوب الشرعي المقدّمي عند وجوب ذيها أصلًا أو عارضاً» «1».

أقول: أمّا الوجوب الشرعي المقدّمي، فقد فرغنا عن بطلانه بل عدم تعقّله في محلّه «2». و أمّا الوجوب الشرطي فهو موقوف علىٰ كون الشرط للصلاة إزالة النجاسة، أو عدمَ النجاسة، و هو محلّ بحث و نظر، و لا بأس ببسط الكلام فيه؛ لترتّب ثمرات مهمّة عليه.

فنقول: يحتمل ثبوتاً أن تكون الطهارة شرطاً للصلاة، أو عدم القذارة شرطاً لها أو القذارة مانعة عنها.

و الفرق بين الأوّلين واضح و إن كان في صحّة جعل العدم شرطاً كلام.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 45، الحدائق الناضرة 5: 290، جواهر الكلام 6: 89.

(2) مناهج الوصول 1: 410 411.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 40

الفرق بين الشرطية و المانعية

و أمّا الفرق بين الشرطية و المانعية: فهو أنّ الشرط ما هو دخيل في الملاكات الواقعية؛ إن كان المراد به شرط الماهية، كما في المقام الذي لا يحتمل أن يكون الطهور شرطاً لوجودها، لا دخيلًا في ماهيتها.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الشرط لبّا من مقوّمات حمل الملاك، و الصلاة بلا طهور لا تكون حاملة للملاك؛ بناءً علىٰ شرطية الطهور. و بناءً علىٰ شرطية عدم القذارة فإنّ ماهية الصلاة المجرّدة عن القذارة حاملة له.

و أمّا المانع فلا يتصوّر للماهية، و لا يرجع إلىٰ محصّل، بل المانعية مطلقاً ترجع إلىٰ مقام الوجود، و منشأها الضدّية بين الشيئين، و تصويرها في المقام بأن يقال: إنّ الملاك الذي في ماهية الصلاة من غير دخالة لعدم القذارة، أو وجود الطهارة فيه مضادّ لوجود القذارة

أو المفسدة الواقعية الحاصلة منه، و هذه المضادّة موجبة لمانعية الملاك الأقوىٰ للملاك الأضعف، من غير تقييد وجود أحدهما بعدم الآخر؛ حتّى ترجع المانعية إلى الاشتراط بعدم المانع.

و بعبارة اخرىٰ: كما أنّ البياض و السواد متضادّان، و يكون وجود كلٍّ مانعاً عن وجود الآخر من غير اشتراط وجود أحدهما بعدم الآخر، و لا مقدّمية له، بل نفس المضادّة موجبة للتمانع، فإذا كان أحدهما أقوى مقتضياً يمنع عن تحقّق الآخر، كذلك يتصوّر ذلك في الملاكات الواقعية، فمع تحقّق المانع و الملاك المضادّ الذي هو أقوى، لا يمكن تحقّق الممنوع، و مع عدم تحقّقه تقع الصلاة بلا ملاك و باطلة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 41

و لا تتوهّم: أنّ ذلك مستلزم للقول بالاشتغال في الشكّ في المانع، و هو خلاف مختارك في مباحث البراءة و الاشتغال «1»، قائلًا: إنّ احتمال عدم سقوط الأمر- لاحتمال عدم حصول الملاك الواقعي و أخصّية الغرض لا يصير حجّة على العبد.

ضرورة أنّ ما ذكرناه في مباحث البراءة، إنّما هو في مقام الإثبات و تمامية الحجّة، و قلنا: إنّ العقل يحكم بالبراءة مع عدم تمامية حجّة المولى، و احتمال بقاء الأمر لأجل احتمال بقاء الملاك لا يوجب تمامية حجّته بعد قيام العبد بما هو حجّة عليه، و الكلام هاهنا في الملاكات الواقعية و تصوّر المانعية و الشرطية بحسب الثبوت، فلا تناقض بين الكلامين.

ثمّ إنّه بعد تصوّر المانعية بنحو لا ترجع إلىٰ شرطية العدم، لو قام دليل ظاهر في المانعية لا يجوز رفع اليد عنه، و إنّما نطرح الظاهر إن قلنا بعدم تعقّل المانعية، و قد عرفت تعقّلها.

امتناع الجمع بين شرطية شي ء و مانعية ضدّه

ثمّ إنّ ما ذكرناه من تردّد الأمر بين شرطية الطهارة أو عدم

القذارة، و بين مانعية القذارة الراجعة إلىٰ منع الجمع بينهما، إنّما يصحّ لو امتنع الجمع بين شرطية الضدّ و مانعية ضدّه فيما لا ثالث لهما، و كذا بين شرطية الشي ء و مانعية نقيضه، و إلّا لما بقي مجال للتردّد، و لا تتعارض الأدلّة لو فرض فيها ما هو ظاهرها الشرطية و ما ظاهرها المانعية، كما لا يخفى.

و التحقيق امتناع ذلك، و عدم إمكان الجمع بين شرطية شي ء و مانعية

______________________________

(1) أنوار الهداية 2: 68 69، تهذيب الأُصول 2: 171 172.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 42

نقيضه أو ضدّه الذي لا ثالث له؛ لأنّ اشتراط شي ء لماهية المأمور به، لا يعقل- بحسب الملاكات الواقعية إلّا مع دخالته في حاملية الملاك؛ لئلا يلزم جُزافية الإرادة، و كذا لا يمكن تعلّق الإرادة بالفاقد لما هو دخيل في تحصيل الملاك، و كذا الحال في تعلّق الأمر الواقعي.

فحينئذٍ لو كان عدم النجاسة مثلًا شرطاً لماهية المأمور به، لا يعقل وقوع التمانع بين الملاك الواقعي لها مع وجود النجاسة؛ إذ قد عرفت أنّ التمانع إنّما يكون بين الوجودين لا الماهيتين، و أمّا الشرطية فترجع إلىٰ قيد في الماهية مع عدمه لا تكون حاملة للملاك، و مع عدم الملاك لا يعقل التمانع بين الملاكين.

و بالجملة: الماهية المشروطة بشرط مع فقده لا تكون ذات ملاك، و لا متعلّقة للإرادة و لا للأمر، و معه لا يعقل التمانع الذي طرفه الوجود بعد تمامية الملاك. هذا كلّه بحسب التصوّر و الثبوت.

المأخوذ في الصلاة مانعية النجاسة لا شرطية الطهارة

و أمّا حال مقام الإثبات و دلالة الأدلّة، فتتضح بعد التنبيه إلىٰ ما مرّ منّا من أنّ الطهارة الخبثية ليست أمراً وجودياً مضادّاً للقذارة، بل هي عبارة عن خلوّ الجسم

من القذارات و نقائه عنها «1»، لا بمعنى دخالة هذا العنوان، بل الطهارة عدمُ تلوّث الجسم الموجود بشي ء من القذارات و كونُه علىٰ حالته الأصلية؛ فإنّ الضرورة قاضية بأنّه لم يكن في الجسم غير أوصافه الذاتية و العرضية شي ء وجودي هو الطهارة مقابل القذارة، فالطهارة عبارة أُخرى عن عدم القذارة، و كذا النظافة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 43

بل الطهارة من الأخباث المعنوية و الصفات الخبيثة، ليست إلّا خلوّ النفس منها، و أمّا حصول كمالات مقابلات لها فهي أُمور أُخر غير الطهارة منها، كما يظهر بالتأمّل.

و ما ذكرناه هو الموافق للعرف و اللغة. فما ادعىٰ بعض الأعيان من وضوح كون الطهارة ضدّاً وجودياً للقذارة الخبثية «1»، في غير محلّه، بل مدعي وضوح خلافه غير مجازف.

فحينئذٍ نقول: لا يعقل شرطية حيثية العدم للماهية المأمور بها؛ لا بحسب الملاكات الواقعية، و لا بحسب تعلّق الإرادة الجدّية، و لا بحسب الأوامر المتعلّقة بمتعلّقاتها:

أمّا الأُولىٰ، فلعدم إمكان مؤثّرية العدم و لو بنحو جزء الموضوع في شي ء. و ما يتوهّم ذلك في بعض الأمثلة العرفية، ناشئ من الخلط و قلّة التدبّر، و إلّا فما ليس بشي ء أصلًا كيف يمكن تأثيره و دخالته في أمر؟! فإنّ التأثير و نحوه من الأُمور الوجودية لا يمكن اتصاف العدم به.

و من هنا يظهر امتناع تعلّق الإرادة و الأمر به؛ أي بما هو عدم حقيقة، لا بمفهوم العدم الذي هو وجود بالحمل الشائع.

و ما ذكرناه ليس أمراً دقيقاً عقلياً خارجاً عن فهم العرف؛ حتّى يقال: إنّ الميزان في هذه الأبواب هو الفهم العرفي.

و بعد امتناع شرطية العدم، لا محيص عن إرجاع ما يظهر منه الشرطية إلىٰ مانعية

الوجود التي قد عرفت تعقّلها. مع أنّ غالب الأدلّة ظاهرة في مانعية النجاسة، لا شرطية الطهارة أو عدم النجاسة،

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 75/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 44

كقوله (عليه السّلام) في مكاتبة خَيْران الخادم في الخمر: «لاتصلّ فيه؛ فإنّه رجس» «1».

و

في رواية أبي يزيد القسمي في جلود الدارِش: «لاتصلّ فيها؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب» «2».

و مثلِ ما دلّت علىٰ نفي البأس عن الدم ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم «3» حيث يظهر منها البأس في مقداره، و هو عين المانعية. و ما دلّت علىٰ نفي البأس عن القذارة فيما لا تتمّ فيه الصلاة وحدها «4» و ما دلّت علىٰ إعادة الصلاة مع إتيانها في النجس في الموارد الخاصّة «5» و هي كثيرة، و المتفاهم منها عرفاً أنّ النجس موجب للإعادة. بل ما دلّت علىٰ وجوب الغسل و الإعادة إذا صلّىٰ في النجس «6» و هي كثيرة. بل لك أن تتمسّك

بقوله (عليه السّلام): «لا تجوز الصلاة في شي ء من الحديد؛ فإنّه نجس ممسوخ» «7»

فإنّه يظهر منها كراهة الصلاة في النجس الذي صار ممسوخاً، و يستأنس منه عدم الجواز في النجس غير الممسوخ، تأمّل.

______________________________

(1) الكافي 3: 405/ 5، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 4.

(2) الكافي 3: 403/ 25، وسائل الشيعة 3: 516، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 71، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 429، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 455، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 428، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2118 و 4440.

(6) نفس المصدر.

(7) الكافي 3: 400/ 13،

تهذيب الأحكام 2: 227/ 894، وسائل الشيعة 4: 419، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 32، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 45

حول الروايات الظاهرة في شرطية الطهارة

نعم، بإزائها روايات ربّما تكون ظاهرة في شرطيّة الطهارة،

كقوله (عليه السّلام) في صحيحة زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور» «1»

بناءً علىٰ شمولها للطهارة الخبثية، أو ظهورها فيها بقرينة ذيلها.

و صحيحة زرارة الثانية «2» من أدلّة الاستصحاب.

و

قوله (عليه السّلام): «الصلاة ثلثها الطهور» «3».

و

قوله (عليه السّلام): «لا تعاد الصلاة إلّا من خمس ..» «4»

و عدّ منها الطهور.

و ما عدّ الطهور من فروض الصلاة «5» بناءً علىٰ أعمّيته من الطهور من الخبث.

و هو محلّ إشكال في كثير منها. مع أنّ قوله (عليه السّلام) مثلًا:

«لا صلاة إلّا بطهور»

بناءً علىٰ ما تقدّم من أنّ «الطهور» ليس إلّا خلوَّ المحلّ من القذارة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(2) يأتي في الصفحة 47.

(3) الكافي 3: 273/ 8، الفقيه 1: 22/ 66، وسائل الشيعة 1: 366، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 8.

(4) الفقيه 1: 225/ 991، وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.

(5)

كصحيحة زرارة قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الفرض في الصلاة، فقال: الوقت و الطهور و القبلة»

، راجع وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 46

و كونَه علىٰ حالته الأصلية معناه: لا صلاة إلّا بإزالة القذارة و التطهّر منها، و هو غير ظاهر في شرطية الطهور، بل غير ظاهر في شرطية الإزالة. بل لا يبعد دعوى ظهورها

في أنّ النجاسة لمّا كانت مانعة عن الصلاة قال: «لا صلاة إلّا بإزالتها».

و لو نوقش في ذلك، فرفع اليد عن مثله أولىٰ من رفع اليد عن الأدلّة الكثيرة الدالّة علىٰ مانعية النجاسة؛ لو لم نقل بتعيّنه بلحاظ ما تقدّم «1»، فالأقرب أنّ النجاسة مانعة، لا الطهارة أو إزالة النجاسة شرط، فما قيل: «من أنّ إزالة النجاسات واجبة شرطاً للصلاة» «2» لا يخلو من تسامح.

عموم الحكم لمطلق النجاسات من غير فرق بين الثوب و البدن

نعم، يجب عقلًا إزالتها؛ لمانعيتها عن الصلاة من غير فرق بين الواجبة و المندوبة؛ لإطلاق الأدلّة. و من غير فرق بين أنواع النجاسات؛ للإجماع المنقول عن جملة من الأصحاب «3». بل لزومها في الجملة من الواضحات، و النصوص في الموارد الخاصّة مستفيضة أو متواترة؛ بحيث لا يبقى للناظر فيها شكّ في مانعية مطلق النجاسات بإلغاء الخصوصية عن الموارد المنصوصة، من غير احتياج إلىٰ دعوى الإجماع المركّب «4».

بل المستفاد من جملة من الروايات عموم الحكم لمطلق النجاسات،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 42.

(2) تقدّم في الصفحة 39.

(3) انظر جواهر الكلام 6: 89، الخلاف 1: 476 477، السرائر 1: 179 180، تذكرة الفقهاء 1: 71.

(4) جواهر الكلام 6: 89.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 47

كصحيحة عبد اللّٰه بن سِنان قال: سأل أبي أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر: إنّي أعير الذمّي ثوبي، و أنا أعلم أنّه يشرب الخمر، و يأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن أُصلّي فيه؟ فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «صلّ فيه، و لا تغسله من أجل ذلك؛ فإنّك أعرته إيّاه و هو طاهر، و لم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه» «1».

يعلم منها: أنّ غاية جواز الصلاة

فيه العلم بتنجّسه، و مقتضى الإطلاق ثبوت الحكم لمطلق النجاسات.

و

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من المنيّ إلىٰ أن قال-: فإن ظننت أنّه قد أصابه، و لم أتيقّن ذلك، فنظرت فلم أرَ شيئاً، ثمّ صلّيت فيه فرأيت فيه؟ قال: «تغسله و لا تعيد الصلاة».

قلت: لِمَ ذلك؟ قال: «لأنّك كنت علىٰ يقين من طهارتك ثمّ شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً».

قلت: فإنّي قد علمت أنّه قد أصابه، و لم أدرِ أين هو فأغسله، قال: «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه قد أصابها حتّى تكون علىٰ يقين من طهارتك ..» «2»

إلىٰ آخره.

فإنّ المستفاد منها أنّ الطهارة من جميع القذارات، لازمة في الصلاة. بل

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 361/ 1495، وسائل الشيعة 3: 521، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 74، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 48

الظاهر من صدرها أنّ المذكور فيها من قبيل المثال لمطلق النجاسات. و كيف كان فلا إشكال في استفادة حكم مطلق النجاسات منها .. إلىٰ غير ذلك ممّا سيأتي الكلام في بعضها، كرواية خَيْران الخادم «1».

و من غير فرق بين الثوب و البدن؛ للإجماع المتقدّم و لفحوىٰ ما دلّت علىٰ لزوم إزالتها عن الثوب «2» و للمستفيضة الدالّة علىٰ إعادة الصلاة علىٰ من نسي غسل البول عن فخذه، أو جسده، أو ذكرِه، أو نسي الاستنجاء فصلّى، أو دخل في الصلاة «3».

و

لصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «لا صلاة إلّا بطهور، و

يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنّة من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و أمّا البول فلا بدّ من غسله» «4».

حيث يظهر منها لزوم طهارة البدن بل الثوب عن النجاسات، و سيأتي تتمّة لفقه الحديث «5».

و

لرواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن النَّضُوح يجعل فيه النبيذ، أ يصلح أن تصلّي المرأة و هو علىٰ رأسها؟ قال: «لا،

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 49.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 404، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8 و 16 و 19 و 42.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 294، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 18، و: 317، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10.

(4) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(5) يأتي في الصفحة 55.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 49

حتّى تغتسل منه» «1» ..

إلىٰ غير ذلك. و يظهر منها عدم الفرق بين الشعر و غيره، كما أنّ مقتضىٰ إطلاق ما تقدّم كصحيحة زرارة عدم الفرق بين الظفر و الشعر و غيرها.

و من غير فرق بين ما صدق عليه اسم «الثوب» عرفاً، أو لا إذا كان للمصلّي نحو تلبّس به، كالقطن و الصوف غير المنسوجين الملفوفين بالبدن، و الحصير و الحشيش كذلك؛ لإمكان دعوى أنّ «الثوب» الوارد في الأدلّة من باب المثال، أو لجرى العادة على السؤال عنه.

و

لرواية خَيْران الخادم الحسنة أو الصحيحة «2» قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير، أ يصلّىٰ فيه أم لا؛ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: صلّ فيه؛

فإنّ اللّٰه إنّما حرّم شربها، و قال بعضهم: لا تصلّ فيه؟ فوقّع: «لاتصلّ فيه؛ فإنّه رجس ..» «3»

إلىٰ آخره.

يظهر من التعليل عدم جواز الصلاة في الرجس مطلقاً.

هل الظرفية في «لاتصلّ في النجس» راجعة إلى الصلاة أو المصلّي؟

نعم، يقع الكلام في هذه الظرفية هل هي للمصلّي، فيكون المعنىٰ: لا يصلّ المصلّي و هو في رجس، فلا تصدق في مثل الخاتم و السيف و الخفّ و الجَوْرَب و التكّة، و غيرها ممّا لا تتمّ فيها الصلاة، فتكون خارجة تخصّصاً؛ ضرورة

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 151/ 200، وسائل الشيعة 25: 380، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 37، الحديث 3.

(2) تقدّم وجه الترديد في الجزء الثالث: 12، الهامش 4.

(3) الكافي 3: 405/ 5، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 50

عدم صدق «كون الإنسان في الخاتم و السيف» و نحوهما ممّا ليس لها نحو اشتمال على البدن، كالقميص و الرداء و القَباء ممّا هي صادقة فيها عرفاً بخلاف ما قبلها؟

بل التأويل و الادعاء فيها أيضاً لا يخلو من إشكال و نحو ركاكة، إلّا في بعض الأحيان الذي ليس المقام منه.

أو هي للصلاة بالمعنى المصدري أو حاصله بنحو من الادعاء و التخيّل، فيكون المعنىٰ: لا تجعل صلاتك في النجس؟

و هو نحو ادعاء و اعتبار ليس للعرف تشخيص مراده إلّا ببيان من المتكلّم؛ و إقامة قرينة علىٰ مراده.

و يمكن دعوى أقربية الاحتمال الثاني بالنظر إلى الروايات و موارد الاستعمال في خصوص المقام؛ لشيوع استعمال الظرفية في مثل الخفّ و النعل و الجَوْرَب و الجُرْمُوق و التكّة و الكمرة و المنديل و القَلَنْسوة و الفصّ و السيف و أشباه ذلك.

و قد عرفت أنّ

دعوى ظرفية هذه الأُمور للمصلّي و لو بنحو من التأويل بعيدة، و أمّا ظرفيتها لفعل الصلاة و حاصله فمبتنية علىٰ نحو اعتبار و ادعاء، فلو قامت قرينة على اعتبار ظرفية تلك الأُمور له، يتبع بمقدار دلالتها.

و الذي يمكن دعواه: أنّ شيوع استعمال الظرفية فيما يتلبّس المصلّي بنحو تلبّس كالتختّم و التقلّد، و التلبّس بنحو التكّة و الكمرة و أشباهها يوجب حمل ما يستفاد من الرواية المتقدّمة أي «لا تصلّ في النجس» على الأعمّ من الثياب و من مثل هذا النحو من المتلبّسات، فالاستعمال الشائع الكثير و المتعارف قرينة علىٰ إرادة الأعمّ، فيكون خروج ما لا تتمّ فيه الصلاة من قبيل الاستثناء.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 51

جواز الصلاة مع المحمول النجس

اشارة

و أمّا إلحاق المحمول بها، فلا بدّ من قيام دليل آخر غير ذلك؛ لعدم الظرفية: لا للمصلّي، و هو واضح، و لا للصلاة؛ لعدم قيام قرينة عليه بعد عدم تشخيص العرف؛ لإناطته على اعتبار المعتبر، و هو يحتاج إلىٰ قيام القرينة.

نعم، لو كان استعمال الظرف في المحمول أيضاً شائعاً كاستعماله في الملبوس و ما يتلبّس به بنحو ما تقدّم كان الإلحاق وجيهاً، لكن لم يثبت ذلك.

بل التعبير في لسان الأدلّة سؤالًا و جواباً في المحمول و المصاحب، علىٰ خلافه في اللباس و ما يتلبّس به،

ففي صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلّي، و هو في جيبه أو ثيابه، فقال: «لا بأس بذلك» «1»

و نحوها مكاتبة عبد اللّٰه بن جعفر الآتية «2».

و

في صحيحته الأُخرىٰ: سألته عن الرجل يصلّي و معه دَبّة من جلد حمار أو بغل، قال: «لا يصلح أن يصلّي و هو

معه» «3»

و نحوها صحيحته الأُخرىٰ «4».

______________________________

(1) الفقيه 1: 165/ 775، تهذيب الأحكام 2: 362/ 1499، وسائل الشيعة 4: 433، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 41، الحديث 1.

(2) يأتي في الصفحة 53.

(3) الفقيه 1: 164/ 775، وسائل الشيعة 4: 461، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 60، الحديث 2.

(4) تهذيب الأحكام 2: 373/ 1553، وسائل الشيعة 4: 462، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 60، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 52

و علىٰ هذا التعبير ورد في الطير و الدراهم في جملة من الروايات «1» و في المفتاح و السكّين «2» .. إلىٰ غير ذلك.

فيما يستدلّ به علىٰ عدم جواز الصلاة مع المحمول النجس

و أمّا

مرسلة عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال: «كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه و إن كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكّة و الكمرة و النعل و الخفّين و ما أشبه ذلك» «3».

فلا تدلّ على استعمال الظرف فيما مع الإنسان أو عليه، بل الظاهر استعمالها فيما يتلبّس به المصلّي، كالأمثلة المذكورة، فإنّها مع الإنسان، و بعضها عليه، لكن مع نحو من التلبّس. و يشهد له قصر الأمثلة في الملبوسات، فلو كان ما معه مختصّاً بالمحمول أو الأعمّ منه، كان عليه ذكر مثال له، سيّما على الأوّل.

و أمّا

قوله (عليه السّلام) في موثّقة ابن بكير: «الصلاة في وبره و روثه و بوله ..» «4»

إلىٰ آخره و

قوله (عليه السّلام) في رواية فارس عن ذرق الدجاج: «يجوز الصلاة فيه» «5»

فليس في مورد المحمول، بل فيما تلوّث اللباس بها، فاستعمال

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 4: 437، كتاب الصلاة،

أبواب لباس المصلّي، الباب 45، الحديث 3، و الباب 60، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 4: 417، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 32.

(3) تهذيب الأحكام 1: 275/ 810، وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 5.

(4) الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.

(5) تهذيب الأحكام 1: 266/ 782، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 53

الظرف باعتبار الصلاة في الثوب المتلوّث بها.

فتحصّل من جميع ذلك: عدم صحّة الاستدلال بمثل رواية خَيْران الخادم «1» لعدم صحّة الصلاة في المحمول.

و ربّما يستدلّ على المنع فيه بروايات أجنبية عن المقام، كمكاتبة عبد اللّٰه بن جعفر الواردة في فأرة المسك «2»، و صحيحة علي بن جعفر الواردة في دَبّة من جلد الحمار و البغل «3»، فإنّهما علىٰ فرض دلالتهما غير مربوطتين بالمقام، بل ترجعان إلىٰ مانعية الميتة و أجزائها.

نعم، لو كان المراد ب «الذكيّ» الطاهر كان له وجه، لكنّه خلاف ظاهره. و قد مرّ الكلام في الرواية في نجاسة الميتة «4».

و

كرواية رِفاعة و فيها: أ يصلّي في حِنّائه؟ قال: «نعم، إذا كانت خرقته طاهرة» «5».

فإنّ الخرقة إذا كانت نجسة، تسري لا محالة إلى البدن. بل لا يبعد صدق «الصلاة فيها و في الحِنّاء» مع هذا التلبّس نحو التلبّس بالكمرة و التكّة.

و

كرواية وهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام): «إنّ عليّاً (عليه السّلام)

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 49.

(2) تهذيب الأحكام 2: 362/ 1500، وسائل الشيعة 4: 433، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 41، الحديث 2.

(3) تقدّمت في

الصفحة 51.

(4) تقدّم في الجزء الثالث: 132 133.

(5) الفقيه 1: 173/ 819، تهذيب الأحكام 2: 356/ 1470، وسائل الشيعة 4: 429، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 39، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 54

قال: السيف بمنزلة الرداء تصلّي فيه ما لم ترَ فيه دماً، و القوس بمنزلة الرداء» «1».

فإنّها أيضاً مربوطة بما يتلبّس به؛ فإنّ المراد منه السيف المتقلَّد و الصلاة فيه لا المحمول، و لهذا قال (عليه السّلام): إنّه «بمنزلة الرداء» و كذا القوس. و لو لا ضعف سندها «2» لما كانت روايات ما لا تتمّ فيه الصلاة متعارضة معها؛ لحكومتها عليها بواسطة التنزيل منزلة الرداء، فخرج السيف و القوس عمّا لا تتمّ. مع أنّها أخصّ من تلك الروايات.

و

كرواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: و سألته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العَذِرة، فتهبّ الريح فتسفي عليه من العَذِرة، فيصيب ثوبه و رأسه، يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال: «نعم، ينفضه و يصلّي فلا بأس» «3».

فإنّ الظاهر أنّه من قبيل المتلبّسات التي يصدق معها «الصلاة فيه» فإنّ سفيَ الريح من العَذِرة على الثوب و الرأس، و صيرورتَهما مغبّرين بما هو نحو الذرّ، يوجب نحو تلبّس بالنجاسة يصدق معه «الصلاة فيه» فلا تجوز الصلاة كذلك، فلا يستفاد منها حكم المحمول الذي عرفت عدم صدق «الصلاة فيه» هذا مع ضعف سندها.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 131/ 460، تهذيب الأحكام 2: 371/ 1546، وسائل الشيعة 4: 458، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 57، الحديث 2.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد، عن أبيه، عن وهب بن وهب. و الرواية ضعيفة بوهب بن

وهب.

رجال النجاشي: 430/ 1155، الفهرست: 173/ 757.

(3) مسائل عليّ بن جعفر: 155/ 214، وسائل الشيعة 3: 443، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 26، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 55

و قد يقال: لا يدلّ قوله (عليه السّلام): «ينفضه» علىٰ وجوب النفض؛ لجريانه مجرى العادة، و الرواية بصدد بيان نفي الغسل «1».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 55

و فيه ما لا يخفى، سيّما إن قلنا: بأنّ المستفاد من قوله (عليه السّلام): «فلا بأس» أنّه جواب شرط، فكأنّه قال: «إن ينفضه و يصلّي فلا بأس».

و بالجملة: رفع اليد عن ظاهر الدليل الموافق لارتكاز مانعية النجاسة- و لو في الجملة بمجرّد احتمال الجري مجرى العادة، ممّا لا وجه له، فالوجه ما ذكرناه. بل مع احتماله لا تدلّ الرواية علىٰ مطلق المحمول بعد كون موردها غيره عرفاً.

و يمكن الاستدلال عليه

بصحيحة زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور» «2»

الشاملة للطهور من الخبث؛ بدعوىٰ شمولها للمحمول بمناسبة الحكم و الموضوع بأن يقال: إنّ المصلّي المناجي لربّه القائم بين يدي الجبّار، لا بدّ و أن يكون طاهراً نقيّاً عن الأدناس و الأرجاس مطلقاً في بدنه و ثوبه و مصاحباته.

كما ربّما يستأنس به من رواية «العلل» عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام) قال: «إنّما أُمر بالوضوء و بدئ به؛ لأن يكون العبد إذا قام بين يدي الجبّار عند مناجاته إيّاه، مطيعاً له فيما أمره، نقيّاً عن الأدناس و النجاسة» «3».

و مع نجاسة شي ء منها لا تكون الصلاة بطهور؛ ضرورة

أنّ المراد منه مطلق وجود الطهور، لا صِرف وجوده، و هو لا يتحقّق إلّا مع كون المصلّي طاهراً بجميع ما معه و عليه.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 583/ السطر 18.

(2) تقدّمت في الصفحة 45.

(3) علل الشرائع: 257/ 9، وسائل الشيعة 1: 367، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 56

هذا، و لكنّ الإنصاف عدم جواز التعويل علىٰ هذه الاستحسانات و الاعتبارات في تعميم الصحيحة للبدن و الثوب، فضلًا عن المحمول، مع ما نرىٰ من إعمال تعبّدات في العبادة بعيدة عن العقول، كجواز الصلاة فيما لا تتمّ الصلاة فيه و لو كان متلطّخاً بالقذارة، و جوازها في الدم القليل غير الدماء الثلاثة، و إجزاء الأحجار في الغائط دون البول، مع أقذريته عرفاً، فأمثال ما ذكر و غيرها ممّا هو وارد في باب التعبّديات، توجب عدم الاتكال على الاعتبارات و المقايسات العقلية، كمقايسة محضر الربّ الجليل بمحاضر أشراف البشر.

و أمّا رواية «العلل» فلا تكون بمثابة يمكن التعدّي عن موردها الذي هو الطهارة عن الحدث إلىٰ غيره.

و أمّا دعوى: أنّ المراد من «الطهور» هو مطلق الوجود الشامل للمحمول، فخالية عن الشاهد. نعم الظاهر و لو بمساعدة فهم العرف مطلق وجوده بالنسبة إلى البدن، و عدم الاختصاص بمحلّ النجو. لكنْ أسراؤه إلى اللباس- فضلًا عن المحمول محلّ إشكال.

و إن شئت قلت: إن كان المراد من

قوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا بطهور»

أنّ الصلاة لا بدّ و أن تكون طاهرة، فلا تتصف هي بالطهارة. مع أنّ العقول قاصرة عن إدراك كيفية طهارتها.

و إن كان المراد غير ذلك كما أنّ الأمر كذلك فلا بدّ من تقدير، مثل «لا صلاة إلّا بطهور بدن

المصلّي» أو «نفس المصلّي» أو «بدنه و لباسه» أو «مع ملابساته» أو «مع محموله» و لا طريق إلىٰ إثبات شي ء منها إلّا بدنه الذي يدلّ عليه ذيل الصحيحة، و غاية ما يمكن دعواه هو التعميم بالنسبة إلىٰ ما يصلّي فيه، فيكون مساوقاً لقوله: «لاتصلّ في النجس» و هو غير شامل للمحمول الذي كالأجنبي عن الصلاة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 57

و أضعف ممّا تقدّم أو نحوها التمسّك بصحيحة زرارة المعروفة في الاستصحاب، و فيها: فإنّي قد علمت أنّه أصابه، و لم أدرِ أين هو فأغسله،

قال: «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه أصابها؛ حتّى تكون علىٰ يقين من طهارتك» «1».

بأن يقال: إنّ انتساب الطهارة إليه، دالّ علىٰ لزوم طهارته و طهارة جميع ما عليه و فيه و معه.

و فيه ما لا يخفىٰ من الوهن؛ ضرورة أنّ الانتساب إلى اللابس إنّما يكون بنحو من التأويل و الدعوىٰ، و هما في اللباس صحيحان؛ لأنّ المصحّح هو التلبّس، فيصحّ أن يقال مع نجاسة اللباس: «إنّي نجس» و مع طهارته: «إنّي طاهر» دون مثل المحمول، فهل يصحّ لمن يكون في جيبه سكّين نجس أن يقول: «إنّي نجس» أو كان بيده سيف نجس يقول ذلك؟! بل لا تصحّ الدعوىٰ في بعض الألبسة و الملابسات، كالخاتم و السيف المتقلّد. مضافاً إلىٰ أنّ فرض صحّة الدعوىٰ لا يوجب وقوعها. فلا تدلّ الرواية إلّا علىٰ لزوم طهارة الإنسان و لباسه، لا مطلق متلبّساته، فضلًا عن محمولاته التي لا يصحّ إطلاق «طهارتك» حتّى مجازاً و ادعاءً بالنسبة إليها.

فمقتضى الأصل جواز الصلاة مع المحمول النجس؛ من غير فرق بين كونه عين النجاسة أو لا.

قال الشيخ في «الخلاف» في قارورة مشدودة الرأس

بالرصاص فيها بول أو نجاسة: «ليس لأصحابنا فيه نصّ، و الذي يقتضيه المذهب أنّه لا ينقض الصلاة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 402، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 7، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 58

به» و هو كذلك؛ للأصل السالم عن الدليل الحاكم.

و قوله بعد ذلك: «و لو قلنا: إنّه يبطل الصلاة لدليل الاحتياط، كان قويّاً» مبني على القول بالاشتغال في الشكّ في القيود و الموانع، و هو ضعيف.

و أمّا قوله: «و لأنّ على المسألة الإجماع؛ فإنّ خلاف ابن أبي هريرة لا يعتدّ به» «1» فالظاهر منه إجماع القوم بدليل ما تقدّم منه، و بدليل استثناء ابن أبي هريرة. و أمّا احتمال أن يكون مراده الإجماع على القاعدة فبعيد.

الاستدلال علىٰ جواز الصلاة في المحمول الذي هو عين نجاسة

بل يمكن الاستدلال علىٰ الجواز في عين النجاسة

بصحيحة عليّ بن جعفر: أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يكون به الثؤْلول أو الجرح، هل له أن يقطع الثؤْلول و هو في صلاته، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟ قال: «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس، و إن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله» «2».

فإنّ اللحم الذي على الجرح أو حوله، ليس مثل الثؤْلول الذي ترفضه الطبيعة بإذن اللّٰه تعالىٰ، و قلنا في محلّه بعدم نجاسته، و عدمِ كونه ميتة أو في حكمها «3»، لأنّ اللحم الفاسد بتبع الجرح ممّا تحلّه الحياة، و ذهاب حياته لأجل الفساد لو فرض لا يوجب عدم كونه ممّا تحلّه الحياة، فنفي البأس عنه دليل علىٰ عدم مانعية المحمول النجس.

______________________________

(1) الخلاف 1: 503 504.

(2) الفقيه 1: 164/ 775، تهذيب الأحكام 2: 378/ 1576،

وسائل الشيعة 7: 284، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 27، الحديث 1.

(3) تقدّم في الجزء الثالث: 125.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 59

و توهّم: أنّ قوله (عليه السّلام): «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم» كناية عن عدم كونه ممّا تحلّه الحياة، و الخوف من السيلان كناية عمّا تحلّه، كما ترى.

كتوهّم عدم صدق المحمول على النتف و الرمي، فإنّ قلّة زمان الحمل لا يوجب نفي الصدق. إلّا أن يقال بانصراف الدليل، فيلزم منه الالتزام بعدم مانعية سائر الموانع مع قلّته، فيقال بجواز لبس ما لا يؤكل و النجس عمداً و طرحه فوراً، و هو كما ترى.

مع أنّ الطرح الذي في لسان السائل ليس به غايته؛ أي ليس نظره إلىٰ قلّة الزمان، بل نظره إلىٰ جواز الأخذ في حال الصلاة، فلا يبعد فهم جوازه و لو مع حفظ القطعة المأخوذة من الرواية، تأمّل.

و لك الاستدلال للمطلوب

بموثّقة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام): في الرجل يمسّ أنفه في الصلاة فيرىٰ دماً، كيف يصنع أ ينصرف؟ قال: «إن كان يابساً فليرمِ به، و لا بأس» «1».

بتقريب: أنّ التفصيل بين الرطب و اليابس، دليل علىٰ أنّ الدم لو كان رطباً كان مانعاً، فالمفروض فيه ما كان بمقدار غير معفوّ عنه، و مع ذلك نفى البأس عن يابسه.

إلّا أن يقال: إنّ التفصيل لأجل أنّه مع عدم يبسه، يمكن أن يسري إلى اللباس و البدن، فصار زائداً عن المعفوّ عنه، دون ما إذا كان يابساً. مضافاً إلىٰ بُعد كون الدم اليابس المأخوذ بمسّ الأنف، زائداً عنه.

______________________________

(1) الكافي 3: 364/ 5، وسائل الشيعة 7: 239، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام

الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 60

إلّا أن يقال: إنّ التعرّض للفرد النادر لا مانع منه. و حملها علىٰ عدم بيان الحكم الشرعي بعيد.

و كيف كان: لا فرق بين عين النجاسة و غيرها، و التفصيل ضعيف «1»، لعلّ منشأه رواية الفأرة و الدبّة و قد عرفت حالهما «2». و لو قال أحد بالتفصيل بين عينها و غيرها بعكس ما ذهب إليه المفصّل و قال بالعفو في العين كان أوجه؛ لمكان الروايتين المتقدّمتين، لكنّ الوجه عدم التفصيل.

و لا فرق في المحمول بين ما تتمّ فيه الصلاة و غيره، و لا وجه للتفريق بينهما إلّا تخيّل صدق «الصلاة فيه» في المحمول مطلقاً، و قد خرج ما لا تتمّ بالأدلّة الآتية، و بقي غيره، و قد عرفت بطلانه «3».

و إلّا توهّم دلالة مرسلة عبد اللّٰه بن سِنان المتقدّمة «4» عليه؛ بدعوىٰ أنّ المراد من قوله: «معه» هو المحمول، و قد فصّل فيها بين ما تتمّ الصلاة فيه و غيره، و قد مرّ ما فيها، فراجع «5».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 583/ السطر 35، العروة الوثقى 1: 105، «الرابع فيما يعفىٰ عنه في الصلاة».

(2) تقدّم في الصفحة 53.

(3) تقدّم في الصفحة 52 53.

(4) تقدّمت في الصفحة 52.

(5) تقدّم في الصفحة 52.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 61

جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه منفرداً مع نجاسته

اشارة

ثمّ إنّه لا إشكال نصّاً و فتوى في الجملة في استثناء ما لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً، و قد حكي عليه الإجماع أو الاتفاق في «الانتصار» و «الخلاف» و عن «السرائر» و نسبه في «التذكرة» إلىٰ علمائنا «1». و عن «المختلف» و «المدارك» نسبته إلى الأصحاب «2»، و عن «الذخيرة» و «الكفاية» و شرح الأُستاذ: «لا أعلم في

أصل الحكم خلافاً بين الأصحاب» «3».

و به يجبر ضعف الروايات سنداً، و دلالةً إن كان ضعف في دلالة ما هي معتبرة الإسناد، فإنّه قد يقال «4»: إنّ الروايات في الباب بين ما هي ضعيفة دلالة مع اعتبار سندها،

كصحيحة زرارة أو موثّقته «5»، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه

______________________________

(1) الانتصار: 38، الخلاف 1: 480، السرائر 1: 264، تذكرة الفقهاء 2: 481 482.

(2) مختلف الشيعة 1: 325، مدارك الأحكام 2: 322.

(3) ذخيرة المعاد: 160/ السطر 31، كفاية الأحكام: 12/ السطر 31، مصابيح الظلام 2: 67/ السطر 5 (مخطوط).

(4) مدارك الأحكام 2: 322.

(5) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن علي بن أسباط، عن علي بن عقبة، عن زرارة.

و الترديد لوقوع علي بن أسباط في السند لأنّه اختلف في رجوعه عن الفطحية.

رجال النجاشي: 252/ 663، رجال الكشي: 345/ 639 و 562/ 1061، تنقيح المقال 2: 268/ السطر 14 (أبواب العين).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 62

الشي ء، مثل القَلَنْسوة و التكّة و الجَوْرَب» «1».

فإنّ في قوله (عليه السّلام): «عليه الشي ء» إجمالًا غير معلوم المراد. كما أنّ كونه «عليه» غير متضح المقصود.

و بين ما هي واضحة الدلالة غير معتبرة الإسناد، كمرسلة إبراهيم «2» و ابن سِنان «3» و حمّاد «4» و كرواية زرارة «5» و حفص بن أبي عيسىٰ «6» و «فقه الرضا» «7».

لكن الإنصاف: عدم ورود الإشكال بشي ء مع استفاضة الروايات و عمل الأصحاب بها قديماً و حديثاً؛ لا في الإسناد، و لا في دلالة الموثّقة؛ فإنّه لا يشكّ أحد في أنّ المراد قذارة المذكورات،

لا حمل القذر؛ لعدم التناسب معها،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 358/ 1482، وسائل الشيعة 3: 455، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 358/ 1481، وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 2: 275/ 810، وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 5.

(4) تهذيب الأحكام 2: 274/ 807 و 2: 357/ 1479، وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 2.

(5) تهذيب الأحكام 1: 357/ 1480، وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 3.

(6) تهذيب الأحكام 1: 274/ 808، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 6.

(7) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 95، مستدرك الوسائل 2: 575، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 63

و لا حمل سائر الموانع، و التشكيك فيه وسوسة، و لهذا لم يعهد من أحد الإشكال فيها من هذه الجهة، فالمسألة لا إشكال فيها إجمالًا.

كما أنّ الحكم عامّ لجميع مصاديق ما لا تتمّ؛ سواء كانت من المذكورات أو غيرها، فما عن القطب من الحصر «1» ضعيف. بل لا يبعد عدم استفادة الحصر من عبارته المحكية في «مفتاح الكرامة» «2». و نسب ذلك إلىٰ أبي الصلاح و سلّار «3». و لعلّهم اقتصروا علىٰ مورد اتفاق النصّ و الفتوىٰ بعد الخدشة في الروايات بما مرّت منّا، تأمّل.

فروع
الأوّل: في تحقيق المراد ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده

يحتمل في بادئ النظر أن يكون المراد من قوله (عليه السّلام): «كلّ ما كان لا يجوز فيه الصلاة وحده» أنّه كلّ ما لا تجوز مطلقاً و بنحو السلب الكلّي، في

مقابل جوازها في الجملة و بنحو الإيجاب الجزئي؛ بمعنى أنّ الموضوع للعفو ما لا تتمّ الصلاة فيه؛ لا من الرجال، و لا من النساء، و لا من صغير الجثّة، و لا كبيرها، فإذا صحّ الصلاة في الجملة يرتفع العفو.

و أن يكون المراد: أنّه كلّ ما لا تجوز في الجملة بنحو السلب الجزئي، يكون موضوعاً للعفو، في مقابل الإيجاب الكلّي، فإذا لم تصحّ و لو من مكلّف،

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 325.

(2) مفتاح الكرامة 1: 164/ السطر 11.

(3) انظر جواهر الكلام 6: 129، الكافي في الفقه: 140، المراسم: 56.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 64

يكون معفوّاً عنه من جميع المكلّفين، و لازمه العفو عن كلّ ثوب لا يصحّ الصلاة فيه و لو من النساء للرجال و النساء.

و أن يكون المراد ما لا تتمّ بالقياس إلىٰ صنف الرجال و صنف النساء، فيكون مثل المقنعة و القميص غيرَ معفوّ عنه للرجال؛ لجواز صلاتهم فيه منفرداً، و معفوّاً عنه للنساء.

و أن يكون عدم التمام بالقياس إلىٰ أشخاص المكلّفين، فيكون بعض الثياب معفوّاً عنه عن صغير الجثّة لا كبيرها.

وجوه أوجهها الأوّل، لا للأمثلة المذكورة في الروايات؛ فإنّها لا توجب التقييد في موضوع الحكم بصِرف كونها من قبيله. نعم يمكن تأييد الوجه الآتي بها، بل لا يبعد أن تكون الأمثلة مرجّحة له.

بل لأجل أنّ الظاهر أنّ الحكم لطبيعة الصلاة، و عدمها بعدم جميع الأفراد عرفاً، كما أنّ وجودها بوجود فرد ما، فما لا تتمّ الصلاة فيه إنّما يصدق إذا لم تتمّ فيه مطلقاً، و إلّا فيصدق أنّه ممّا تتمّ فيه، و هو الموافق لفهم العرف.

ثمّ الثالث بدعوىٰ: أنّ الروايات متعرّضة لحال الرجال، كنوع الأحكام المشتركة بينهم و

بين النساء، كقوله: «رجل شكّ بين كذا و كذا» لكنّ العرف- بإلغاء الخصوصية يفهم أنّ الحكم أعمّ و مشترك بين الصنفين، و مقتضى ذلك أنّ ما لا تتمّ الصلاة فيه للرجال، تصحّ صلاتهم فيه مع القذارة، و ما لا تتمّ للنساء تصحّ صلاتهنّ فيه.

أو يقال: إنّ العرف لمّا علم أنّ ما لا تتمّ للرجال مغاير لما لا تتمّ للنساء، لا ينقدح في ذهنه إلّا أنّ لكلّ صنف حكمه، فكلّ صنف لا تتمّ صلاته في شي ء تصحّ صلاته فيه مع القذارة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 65

و أمّا الاحتمالان الآخران فضعيفان، سيّما الأخير.

و الأقوى هو الوجه الأوّل و إن كان الثاني لا يخلو من قوّة. و لو شككنا في ترجيح أحد الوجهين، كان المرجع عموم عدم جواز الصلاة في النجس؛ لإجمال المخصّص المنفصل، و المتيقّن منه مورد الأمثلة المذكورة و أشباهها.

الثاني: في عدم كون العمامة ممّا لا تتمّ الصلاة فيها

عن الصدوقين عدّ العمامة ممّا لا تتمّ الصلاة فيها «1»، و هو موافق «للفقه الرضوي» «2» و ربّما يحمل كلامهما على العمامة التي تكون كذلك لصغرها «3».

و قد يقال: إنّ العمامة بالهيئة الفعلية المعهودة لا تتمّ فيها، و هو الميزان فيما لا تتمّ، و إلّا لأمكن تغيير القَلَنْسوة أيضاً بنحو يتمّ الصلاة فيها «4».

و التحقيق: أنّ الظاهر من الروايات أنّ الثياب علىٰ نوعين:

منها: ما يصدق عليها أنّها موصوفة بجواز الصلاة فيها وحدها.

و منها: ما هي بخلاف ذلك.

و الموضوع لجواز الصلاة مع القذارة، هو الثوب الذي له هذا الوصف العنواني من غير لحاظ كونه على المصلّي، و لا لحاظ إتيان الصلاة معه فعلًا، فالقلنسوة متصفة فعلًا بأنّها ممّا لا تجوز الصلاة فيها وحدها؛ سواء صلّىٰ فيها

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 327،

الفقيه 1: 42/ 167، المقنع: 14.

(2) تقدّم تخريجه في الصفحة 62 الهامش 7.

(3) انظر المعتبر 1: 435، تذكرة الفقهاء 2: 482.

(4) انظر مدارك الأحكام 2: 322، جواهر الكلام 6: 130.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 66

مصلٍّ أو لا، و الرداء متصف بجواز الصلاة فيه؛ صلّى فيه مصلٍّ أو لا، و العمامة من الثياب التي تتصف بالوصف العنواني أي جواز الصلاة فيها بأيّة هيئة كانت، كما أنّ الرداء كذلك؛ كان ملفوفاً أو لا.

و بالجملة: لم يلحظ في الثياب هيئة فعلية، بل الملحوظ نفس الثياب، و لا شبهة في أنّ العمامة كالمئزر في صدق جواز الصلاة فيها.

فما قد يقال: إنّ الروايات لولا الأمثلة المذكورة لا يبعد دلالتها علىٰ قول الصدوق؛ لظهورها في أنّ المدار جواز الصلاة فيها وحدها بالفعل لا بالفرض «1».

غير وجيه؛ لأنّ الظاهر منها النظر إلىٰ ذات الثياب لا هيئاتها، فكما أنّ الرداء بذاته يصدق عليه جواز الصلاة فيه و لو كان ملفوفاً، كذلك العمامة، فهي قطعة كرباس مثلًا يجوز الصلاة فيها؛ أي يمكن جعلها ساتراً، و هو ثابت لها بأيّة هيئة كانت. فلو لوحظ فعلية جواز الصلاة فيها حقيقة، لا يصدق ذلك علىٰ شي ء إلّا مع جعله مئزراً بالفعل، و اعتبار ذلك مع كونه خلاف الضرورة؛ للزوم البناء على العفو عن سائر الألبسة عدا الساتر الفعلي خلاف المتفاهم من الروايات.

و بالجملة: الجواز الفعلي لا يصدق إلّا مع فعلية التلبّس و التستّر به و هو غير مقصود بالبداهة، و الوصف العنواني صادق حتّى مع لفّه و كونه علىٰ هيئة العمامة.

و أمّا النقض بالقلنسوة: بأنّه يمكن تغييرها بنحو يجوز الصلاة فيها فهو كما ترى.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه الطهارة: 597/ السطر 11.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 67

الثالث: في عدم اعتبار كون الملابس المعفوّ عنها في محالّها

اعتبر العلّامة و جمع آخر- منهم الشيخ الأعظم أن تكون الملابس المعفوّ عنها في محالّها مدعياً: «أنّه المتبادر من إطلاق النصّ و معاقد الإجماعات، فلو شدّ تكّته في وسطه أو حملها علىٰ عاتقه لم تجز الصلاة» «1».

أقول: أمّا لو أخذها من محالّها و حملها من غير تلبّس، فعدم الجواز مبني علىٰ عدم جواز حمل المتنجّس، و قد مرّ جوازه «2».

و أمّا مع التلبّس بها في غير محلّها فالظاهر أيضاً الجواز؛ لأنّ الظاهر من الروايات أنّ ما له هذا الوصف العنواني لصغره، يكون تمام الموضوع لجواز الصلاة فيه من غير دخالة شي ء آخر فيه. و لم يلحظ فيها حال الصلاة و المصلّي فعلًا حتّى يقال: «إنّ المتبادر تلبّسه بها في محلّها».

و توهّم: أنّ الحكم مبني على العفو، كما هو ظاهر تعبير الفقهاء، و هو مناسب لكون تلك الألبسة في محلّها.

و بالجملة: معنى «العفو» أنّ المقتضي للمنع موجود، لكن مصلحة التسهيل على المكلّف أوجبت العفو عنها، فيقتصر علىٰ ما إذا كانت في محلّها.

مدفوع أوّلًا: بأن لا إشعار في شي ء من روايات الباب بالعفو، و لم يتضح من تعبير بعض الفقهاء بذلك أن يكون مراده وجود الاقتضاء فيها، بل الظاهر جريانه

______________________________

(1) تحرير الأحكام 1: 24/ السطر 24، قواعد الأحكام 1: 8/ السطر 4، البيان: 96، كشف اللثام 1: 434، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 376/ السطر 10.

(2) تقدّم في الصفحة 51.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 68

مجرى العادة؛ و تبعاً لذكر دم الجروح و القروح الذي يظهر من نفس الواقعة فيه العفو، فدعوى العفو في المقام بهذا المعنىٰ خالية عن الشاهد.

و ثانياً: لو فرض العفو، لكن

لا يلزم منه رفع اليد عن ظاهر الرواية و إطلاقها. و دعوى الانصراف ممنوعة، و إلّا فلقائل أن يدعي الانصراف في دليل المنع أيضاً، فالأقوىٰ عدم الفرق بين كونها في المحالّ و عدمه.

الرابع: حكم ما لا تتمّ فيه بناءً علىٰ عدم جواز حمل المتنجّس

بناءً علىٰ عدم جواز حمل المتنجّس، لا فرق بين ما تتمّ فيه الصلاة و غيره؛ إن قلنا باستفادة عدم جوازه من غير ما دلّ علىٰ عدم جواز الصلاة في النجس، كصحيحة زرارة «1» و غيرها، و منعنا صدق «الصلاة فيه» بالنسبة إلى المحمول؛ لأنّ أدلّة التجويز إنّما أجازت فيما لا تتمّ الصلاة فيها إذا كانت قذرة، و المحمول خارج عنه فرضاً.

نعم، لو قلنا بصدق «الصلاة فيه» و قلنا باستفادة حكمه من الكبرى الدالّة علىٰ عدم جواز الصلاة في النجس، فمقتضىٰ أدلّة العفو التفصيل في المحمول أيضاً، كالتفصيل في الملبوس.

الخامس: جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه مهما كان جنسه و نجاسته

قيل: «مقتضىٰ إطلاق النصّ و الفتوىٰ، عدم الفرق في العفو بين النجاسات التي من فضلات غير مأكول اللحم أو غيرها، و كذا عدم الفرق بين ما يكون ما لا تتمّ من أعيان النجاسات كالخفّ المتخذ من جلد الميتة،

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 45.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 69

و القَلَنْسوة المنسوجة من شعر الكلب و الخنزير أو غيرها» «2».

أقول: ما هو المناسب بالبحث عنه هاهنا هو حيثية إطلاق نصوص العفو لما ذكر.

و أمّا البحث عن أدلّة عدم الجواز فيما لا يؤكل أو في الميتة و نجس العين و مقدار دلالتها و معارضتها، فهو موكول إلىٰ محلّ آخر.

و الظاهر عدم الإطلاق في الأدلّة:

أمّا غير موثّقة زرارة «3»، فلأنّ الظاهر منه هو العفو من حيث النجاسة، لا الموانع الأُخر، و لهذا لا يتوهّم إطلاقها لما إذا كان ما لا تتمّ مغصوباً.

و بالجملة: إطلاق العفو عن النجس حيثي؛ لا يقتضي رفع مانعية أُخرى تكون مستقلّة في المانعية، كغير المأكول، و الميتة بناءً علىٰ مانعيتها من غير جهة النجاسة.

و أمّا الموثّقة «1»، فلأنّ قوله (عليه السّلام): «بأن

يكون عليه الشي ء» ليس له إطلاق، بل الظاهر أنّه إشارة إلىٰ شي ء خاصّ، و إلّا لقال: «عليه شي ءٌ» منكّراً، و هو إمّا القذر، كما هو الظاهر و لو بقرينة سائر الروايات، أو مجمل لا يدلّ على المقصود.

______________________________

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 597/ السطر 29 و 37.

(3) تقدّم في الصفحة 62.

(1) تقدّمت في الصفحة 61.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 70

فصل في العفو عن دم الجروح و القروح في الصلاة

اشارة

لا إشكال نصّاً و فتوى في العفو عن دم القروح و الجروح في الجملة، و عليه الإجماع في محكي «الخلاف» و «الغنية» و غيرهما «1»، لكن عبارات القوم مختلفة في اعتبار الدوام و السيلان و عدمه، و مشقّةِ الإزالة و عدمها، و وجوبِ التقليل و عدمه، و وجوبِ إبدال الخرقة مع الإمكان و عدمه. و العفوِ لو ترشرش عليه من دمِ غيره و عدمه، و وجوبِ العصب و عدمه، و أنّ الغاية هي الاندمال، أو قطع الدم .. إلىٰ غير ذلك.

هل المانع صِرف وجود النجاسة، أو الطبيعة السارية؟
اشارة

و قبل الورود في أصل المسألة، لا بأس بذكر أمر يبتني عليه بعض فروعها، و يترتّب عليه ثمرات في غير المقام: و هو أنّه بعد ما فرغنا فيما سلف عن أنّ النجاسة مانعة عن الصلاة، لا أنّ الطهارة شرط فيها «2»، يقع الكلام في المانع و كيفية مانعيته؛ بمعنى أنّ المانع هل هو عنوان «النجس» الجامع بين أنواع النجاسات، فيكون المانع شيئاً واحداً هو النجس، أو كلّ نوع من أنواعها مانع مستقلّ بنحو تمام الموضوع أو بعضه، فيكون المني بعنوانه مانعاً، و البول كذلك بناءً علىٰ تمام الموضوعية، أو المني أو البول النجسين كذلك بناءً علىٰ جزء الموضوعية؟

______________________________

(1) الخلاف 1: 252، غنية النزوع 1: 41، كشف اللثام 1: 431.

(2) تقدّم في الصفحة 42.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 71

و علىٰ أيّ تقدير: هل يكون المانع بعنوان صِرف الوجود أو الطبيعة السارية؟

و لوازم الصور معلومة، فإنّه إن كان المانع النجس الجامع بعنوان صِرف الوجود، لو اضطرّ المكلّف إلىٰ بعض النجاسات في صلاته، لا يجب التطهير من سائر الأنواع، و لا تقليل ما يضطرّ إليها، بخلاف ما لو كان بالوجود الساري، فيجب

عليه التطهير و التقليل.

و كذا الحال بالنسبة إلىٰ كلّ نوع لو قلنا بمانعيته مستقلا، أو بنحو جزء الموضوع، فإن قلنا بمانعية كلّ نوع بنحو صِرف الوجود، فإذا اضطرّ إلى ارتكاب نوع منها، لا يجب تقليله، لكن يجب تطهير سائر الأنواع غير المضطرّ إليها، بخلاف ما إذا كان بنحو الوجود الساري، فإنّه يجب عليه التقليل و التطهير.

و يمكن أن يكون الاعتبار في بعض الأنواع بنحو صِرف الوجود و في بعضها بنحو الوجود الساري، و لوازمه معلومة. هذا بحسب مقام الثبوت.

الاستدلال على مانعية النجاسة بعنوانها

و أمّا بحسب مقام الدلالة و الإثبات، فيمكن أن يستدلّ برواية خَيْران الخادم المتقدّمة «1» علىٰ أنّ المانع هو النجاسة بعنوانها؛ بأن يقال: إنّ قوله (عليه السّلام): «لاتصلّ فيه» أي في الثوب الذي أصابه الخمر- «فإنّه رجس» يدلّ علىٰ أنّ تمام الموضوع لعدم جواز الصلاة، هو الرجس من غير دخالة الخمر فيه، لا بنحو تمام الموضوع، و لا جزئه.

و مقتضى عموم العلّة: أنّ النجس بعنوانه مانع في جميع أنواع النجاسات و مع مانعية النجاسة التي هي صفة زائدة على الذات لازمة لها، لا يكون المانع

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 49.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 72

ذات العناوين، و إلّا نسبت المانعية إليها؛ لأولوية الانتساب إلى الذات من الانتساب إلى الصفة الزائدة، أو تعيّنه، فالانتساب إلى الرجس بعنوانه الظاهر في أنّه مانع، دليل علىٰ أن لا مانعية لذوات العناوين، و لا دخالة لها رأساً.

و تدلّ عليه

صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الثوب الذي يستعيره الذمّي، و فيها «و لا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه» «1».

و يدلّ عليه أيضاً بعض ما ورد فيما لا

تتمّ الصلاة فيه «2».

الاستدلال على مانعية الطبيعة السارية و جوابه

و كذا يمكن الاستدلال برواية خَيْران الخادم علىٰ أنّ المانع هو الطبيعة السارية؛ بأن يقال: إنّ النهي إذا تعلّق بطبيعة، يكون ظاهره الزجر عن تلك الطبيعة، و لازمه العرفي مبغوضيتها بأيّ وجود تحقّقت به، بخلاف الأمر كما حقّق في محلّه «3». هذا في الأوامر و النواهي النفسيتين.

و كذا الحال في الإرشاديتين مثل المقام، فإنّ النهي عن الصلاة في النجس و إن كان إرشاداً إلىٰ مانعيته، لكن ليس معناه: أنّه مستعمل في عنوان المانع؛ بحيث يكون معنىٰ «لاتصلّ في النجس»: أنّ النجس مانع؛ حتّى يتوهّم ظهوره في صِرف الوجود، علىٰ تأمّل فيه أيضاً.

بل هو مستعمل في معناه الموضوع له؛ أي الزجر عن الصلاة في النجس لكن المتفاهم العرفي من الزجر الكذائي هو أنّه لمانعية النجس، لا للمبغوضية النفسية.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 47.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 455، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 2 و 4 و 5.

(3) مناهج الوصول 2: 104 105.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 73

و لا ريب في أنّ الزجر عن الصلاة في النجس كالزجر عن شرب الخمر لازمه الزجر عن الطبيعة بأيّ وجود وجدت، و لازمه مانعيتها لجميع أنحاء تحقّقها.

و تدلّ عليه في الجملة

رواية أبي يزيد القسمي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام): أنّه سأله عن جلود الدارِش التي يتخذ منها الخفاف، قال: «لاتصلّ فيها؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب» «1»

و يتمّ المطلوب بعدم الفصل جزماً.

بل يمكن أن يقال: إنّ المتفاهم من التعليل و لو بضميمة الارتكاز أنّ خرء الكلاب لنجاسته منهي عنه. بل لا ينبغي الشكّ فيه بعد دلالة الأدلّة المتقدّمة علىٰ أنّ المانع هو القذارة، لا العناوين الذاتية، فيصير مفادها

كرواية خَيْران.

و منه يعلم الوجه في دلالة

موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها: «لاتصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى يغسل» «2»

بالتقريب المتقدّم، سيّما مع إشعار به في نفسها.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب مانعية الطبيعة السارية.

لكن مع ذلك لا تخلو من إشكال بل منع؛ لأنّ الظاهر من تلك الروايات تعلّق النهي بطبيعة الصلاة؛ بمعنى أنّ المنهي عنه هو الصلاة في النجس، أو ثوب أصابه الخمر، و لازمه بالتقريب المتقدّم النهي عن جميع مصاديق الصلاة في النجس، لا في جميع مصاديق النجس.

فمعنى

قوله (عليه السّلام): «لاتصلّ في وبر ما لا يؤكل» «3»

علىٰ فرض الانحلال،

______________________________

(1) الكافي 3: 403/ 25، تهذيب الأحكام 2: 373/ 1552، وسائل الشيعة 3: 516، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 71، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 278/ 817، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 7.

(3) انظر علل الشرائع: 342/ 1، وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 74

أو على التقريب المتقدّم هو النهي عن إيجاد المكلّف الصلاة مطلقاً و بأيّ مصداق منها في وبر ما لا يؤكل، لا عدم التلبّس بأيّ مصداق من الوبر؛ ضرورة أنّ ما يقال في الانحلال «1» أو ما قلنا في لازم النهي «2»، إنّما هو في الطبيعة التي جعلت تلو النهي، و صارت منهياً عنها، و هي الصلاة في الوبر علىٰ أن يكون ظرفاً لها.

فتحصّل من ذلك: أنّ المتفاهم من الروايات مانعية النجس عن كلّ صلاة، لا مانعية كلّ مصداق منه عن الصلاة.

مضافاً إلى الفرق بين النواهي النفسية و الإرشادية؛

فإنّ وقوع جميع مصاديق الطبيعة في الأُولىٰ علىٰ صفة المبغوضية الفعلية، لا مانع منه، بخلاف الثانية؛ لعدم إمكان اتصاف المصداق الثاني بالمانعية الفعلية مع اتصاف المصداق المتقدّم بها، فلا بدّ من الالتزام بالمانعية الشأنية أو التقديرية، و هو خلاف ظاهر الأدلّة.

و لا يرد النقض بالموانع الأُخر من غير سنخ النجاسة؛ لأنّ الأدلّة في كلّ نوع غير ناظرة إلىٰ حال الأدلّة الأُخرىٰ، فضلًا عن حال تقدّم بعض المصاديق و تأخّرها، و هذا بخلاف الدليل الواحد الظاهر في النهي الفعلي عن الصلاة في النجس الظاهر في فعلية المانعية، و هي تناسب مانعية صِرف الوجود، و لهذا يمكن دعوى ظهور الأدلّة في مانعية صِرف الوجود من النجس لطبيعة الصلاة السارية.

و لو نوقش في هذا الأخير، فلا أقلّ من عدم دلالة الروايات علىٰ مانعية الوجود الساري بما تقدّم.

نعم، لرواية أبي يزيد القسمي نوع إشعار به لا يبلغ حدّ الظهور و الدلالة،

______________________________

(1) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 395، نهاية الأُصول: 248.

(2) مناهج الوصول 2: 104 105، و راجع ما تقدّم أيضاً في الصفحة 72 73.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 75

مع ضعف سندها جدّاً «1»، كالإشعار في صحيحة عليّ بن جعفر الواردة في الثؤْلول و الجرح «2».

و أمّا صحيحة الحلبي «3» و موثّقة ابن سِنان «4» الواردتان في كيفية غسل الجرح فلا ينبغي توهّم الإشعار فيهما، فضلًا عن الدلالة. مع أنّهما غير واردتين في الصلاة.

فتحصّل ممّا ذكر: عدم الدليل علىٰ أنّ المانع هو الوجود الساري للنجاسة.

الاستدلال ببعض الروايات على عدم مانعية الوجود الساري

بل يمكن الاستدلال بجملة من الروايات علىٰ عدم مانعيته، مثل ما وردت في جواز الصلاة في الثوب النجس مع تعذّر الإزالة،

كصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه

السّلام) عن رجل أجنب في ثوبه، و ليس معه ثوب غيره، قال: «يصلّي فيه، فإذا وجد الماء غسله» «5».

______________________________

(1) رواها الكليني، عن محمّد بن أحمد، عن السيّاري، عن أبي يزيد القسمي. و الرواية ضعيفة بالسيّاري و أبي يزيد القسمي؛ فإنّ الأوّل منهما ضعيف الحديث و فاسد المذهب عند الشيخ و النجاشي، و الثاني منهما مجهول لم نعرفه.

رجال النجاشي: 180/ 192، الفهرست: 23/ 60.

(2) الفقيه 1: 164/ 775، تهذيب الأحكام 2: 378/ 1576، وسائل الشيعة 3: 504، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 63، الحديث 1.

(3) الكافي 3: 33/ 3، وسائل الشيعة 3: 437، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 3.

(4) الكافي 3: 32/ 2، وسائل الشيعة 3: 438، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 4.

(5) الفقيه 1: 40/ 155، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 76

و نحوها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه «1» و غيرها.

و

كصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل عريان، و حضرت الصلاة، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم، يصلّي فيه، أو يصلّي عرياناً؟ قال: «إن وجد ماءً غسله، و إن لم يجد ماءً صلّىٰ فيه، و لم يصلّ عرياناً» «2».

فإنّ عدم الأمر بفرك المني و الدم عن الثوب مع أنّ لهما عيناً قابلة له- سيّما الثوب الذي كلّه أو نصفه دم دليلٌ علىٰ عدم لزوم فركهما و تقليلهما، و لازمه كون المانع صِرف الوجود، لا الساري منه.

و منها ما وردت في المقام؛ أي دم القرح و الجرح،

كصحيحة أبي بصير قال: دخلت علىٰ أبي جعفر (عليه السّلام)

و هو يصلّي، فقال قائدي: إنّ في ثوبه دماً، فلمّا انصرف قلت له: إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دماً، فقال: «إنّ بي دماميل، و لست أغسل ثوبي حتّى تبرأ» «3».

و

موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الجرح يكون في مكان لا يقدر علىٰ ربطه، فيسيل منه الدم و القيح فيصيب ثوبي، فقال: «دعه، فلا يضرّك أن لا تغسله» «4».

______________________________

(1) الفقيه 1: 160/ 754، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 2: 224/ 884، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 5.

(3) الكافي 3: 58/ 1، وسائل الشيعة 3: 433، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 259/ 751، وسائل الشيعة 3: 435، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 77

و

صحيحة ليث المرادي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يكون به الدماميل و القروح، فجلده و ثيابه مملوءة دماً و قيحاً، و ثيابه بمنزلة جلده، فقال: «يصلّي في ثيابه و لا يغسلها، و لا شي ء عليه» «1».

و

رواية سَماعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه، فلا يغسله حتّى يبرأ و ينقطع الدم» «2» ..

إلىٰ غير ذلك.

فإنّ أقرب الاحتمالات فيها: هو أنّه بعد الابتلاء بالدم زائداً على المقدار المعفوّ عنه و حرجية غسل الدماميل نوعاً أو شخصاً، لا يكون الدم في الثوب و البدن مانعاً عن الصلاة.

و أمّا احتمال حرجية غسل الثوب نوعاً أو شخصاً فواضح البطلان، سيّما إلىٰ أن يبرأ

القرح و الجرح؛ ضرورة أنّ البرء و الاندمال تدريجي التحقّق و قبله يوماً أو أزيد لا يكون الدم سائلًا، و لا تعويض الثوب أو غسله حرجياً؛ لا نوعاً و لا شخصاً.

فعدم لزوم الغسل و التعويض إلىٰ زمان البرء، إمّا للعفو عن المانع بعد فرض مانعية الطبيعة السارية، أو لعدم مانعية الزائد عن صِرف وجود الزائد عن مقدار الدرهم بعد الابتلاء به و حرجية غسله.

و العفو مع فرض المانعية بلا جهة موجبة له؛ من الحرج نوعاً أو شخصاً، بل مع سهولة التعويض، كما هو كذلك نوعاً بعيد في نفسه، بل عن سوق الروايات؛ فإنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «لا يضرّك» و قوله (عليه السّلام): «لست أغسله حتّى تبرأ» لا يبعد أن يكون عدم اقتضائه للمانعية، لا العفو عن المقتضي.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 258/ 750، وسائل الشيعة 3: 434، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 259/ 752، وسائل الشيعة 3: 435، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 78

بل إقامة الدليل علىٰ أنّ المانع صِرف الوجود، غير لازمة، و عدم الدليل علىٰ مانعية الطبيعة السارية كافٍ؛ بعد جريان الأصل أو الأُصول.

الاستدلال علىٰ مانعية الطبيعة السارية ببعض الروايات و جوابه

نعم، يمكن أن يستدلّ لمانعية الطبيعة السارية

بموثّقة سَماعة قال: سألته عن الرجل به الجرح و القرح، فلا يستطيع أن يربطه، و لا يغسل دمه، قال: «يصلّي و لا يغسل ثوبه كلّ يوم إلّا مرّة واحدة؛ فإنّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة» «1».

و

روايةِ محمّد بن مسلم عن «مستطرفات السرائر» قال قال: «إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها و لا حبس دمها يصلّي، و لا يغسل

ثوبه في اليوم أكثر من مرّة» «2».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر منهما لزوم غسل الثوب مرّة في اليوم، و لو لا مانعية الطبيعة السارية لما كان وجه للزومه. بل الظاهر من تعليل الاولىٰ أنّ عدم لزوم الغسل زائداً علىٰ مرّة واحدة لعدم استطاعته، و إلّا فالمقتضي له محقّق، و هو لا يتمّ إلّا مع مانعية الوجود الساري.

و فيه: أنّ دلالتهما علىٰ ما ذكر فرع لزوم الغسل في اليوم مرّة واحدة، و لا يمكن الالتزام به؛ إمّا لإعراض الأصحاب عن ظاهرهما و عدم الإفتاء بهما. و إمّا لأنّ مقتضى الجمع بينهما و بين ما تقدّم حملهما على الاستحباب؛ ضرورة عدم إمكان حمل صحيحة أبي بصير المتقدّمة «3» علىٰ غسل

______________________________

(1) الكافي 3: 58/ 2، وسائل الشيعة 3: 433، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 2.

(2) السرائر 3: 558.

(3) تقدّم في الصفحة 76.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 79

أبي جعفر (عليه السّلام) ثوبَه كلّ يوم مرّة؛ فإنّها ليست من قبيل المطلق القابل للتقييد، بل هو إخبار منه عن عدم غسله إلىٰ زمان البرء، فاللازم حملهما على الاستحباب، فيكون التعليل لأمر استحبابي لا لزومي، فدلّت الاولى علىٰ أنّه لو كان مستطيعاً لكان الراجح عليه الغسل لا اللازم، و هو لا يتمّ إلّا بما ذكرناه.

التفصيل بين النوع المبتلىٰ به من النجاسات و غيره

لكن لازم ما ذكرناه أمر لا يمكن الالتزام به؛ لمخالفته لارتكاز المتشرّعة، بل من البعيد التزام أحد من الأصحاب به؛ و هو عدم مانعية سائر النجاسات عن الصلاة بعد ابتلاء المكلّف بواحدة منها، فيقال فيما نحن فيه: لا يكون البول و المني و غيرهما مانعة، و يجوز للمكلّف الصلاة مع التلوّث بها عمداً، و الالتزام به في النوع غير المبتلىٰ به

غير ممكن، و أمّا في المبتلىٰ به فليس بذلك البعد، كما هو مورد الروايات المتقدّمة في الدم و المني «1».

و قد التزم به في الجملة بعضهم مدعياً عليه الإجماع؛ قال في «مفتاح الكرامة»: «و في «نهاية الإحكام» و «المنتهىٰ»: لو ترشرش عليه من دمِ غيره فلا عفو «2»، و نقله الأُستاذ الآقا أيّده اللّٰه تعالىٰ عن بعض من قرب زمانه، و ردّه بالإجماع علىٰ عدم الفرق بين الدمين، و بمطلقات أخبار العفو. و إليه أشار في «المبسوط» «3» حيث قال: و ما نقص عنه .. من سائر الحيوان» «4» انتهىٰ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 76.

(2) نهاية الإحكام 1: 287، منتهى المطلب 1: 172/ السطر 25.

(3) المبسوط 1: 36.

(4) مفتاح الكرامة 1: 163/ السطر 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 80

و عن «المدارك» تقريب ثبوت العفو إن أصاب الدم ماءً، فأصاب الماء الثوب «1»، و عن «الذكرى» تقويته «2».

نعم، عن شرح الأُستاذ دعوى الاتفاق علىٰ عدم العفو إن أصاب الدم نجاسة خارجية «3».

فالتفصيل بين النوع المبتلىٰ به و غيره غير بعيد؛ و إن كان الاحتياط سيّما في بعض الفروع لازم المراعاة.

المحتملات في العفو عن دم القروح و الجروح
اشارة

إذا عرفت ذلك، فالمحتملات في باب دم القرح و الجرح كثيرة، ككون الحكم مطلقاً في نفس القروح و الجروح و ما يتلوّث بدمهما دائراً مدار الحرج الشخصي، فلا يكون في الباب تعبّد خاصّ، و يكون ممّا

قال فيه أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّٰه» «4».

أو الحرج النوعي، فيكون التعبّد في المقام لأجله.

أو كون حكم نفس القرح و الجرح دائراً مداره شخصاً أو نوعاً، دون الثياب و ما يتلوّث بالدم، فلا يكون فيهما مانعاً كما تقدّم «5».

أو

يكون معفوّاً عنه علىٰ فرض المانعية.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 310.

(2) ذكرى الشيعة 1: 138.

(3) مصابيح الظلام 2: 61/ السطر 10 (مخطوط).

(4) الكافي 3: 33/ 4، تهذيب الأحكام 1: 363/ 1097، وسائل الشيعة 1: 464، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 5.

(5) تقدّم في الصفحة 77.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 81

أو كون حكم نفسهما العفو مع الاستمرار و اللزوم. أو مطلقاً مع فرض عدم المانعية في غيرهما. أو العفو.

أو كون الحكم فيهما و ما يتلوّث بدمهما مبنيّاً على العفو إمّا مطلقاً، أو مع الاستمرار. و الاستمرار أينما يعتبر يمكن أن يكون المراد منه الاستمرار الفعلي في جميع الأوقات. أو شأنيته؛ أي تكون له مادّة قابلة لدفع الدم و جريانه .. إلىٰ غير ذلك من الاحتمالات.

ثمّ إنّ بعضَها مقطوع الفساد بحسب مفاد الأدلّة، كالاحتمالين الأوّلين؛ ضرورة عدم حرجية غسل الثياب أو تبديلها إلىٰ زمان البرء؛ لا شخصاً و لا نوعاً. و بعضَها مبني علىٰ عدم مانعية الدم بطبيعته السارية، و قد مرّ الكلام فيه «1».

و الأولى عطف الكلام علىٰ بعض الاحتمالات المعتدّ بها:

في احتمال اختصاص العفو بصورة حرجية الغسل نوعاً

منها: أنّ موضوع العفو هل القرح و الجرح إذا كان غسلهما حرجياً؛ بمعنى أنّه مع حرجية غسلهما يعمّ العفو الثيابَ و غيرها ممّا يتلوّث به عادة مطلقاً؛ حرجياً كان غسلهما أو لا؟

فنقول: بناءً علىٰ مانعية الطبيعة السارية، لا بدّ في رفع اليد عن دليل المانعية من دليل، و الظاهر قصور الأدلّة عن إفادة العفو عن مطلق دم القروح و الجروح، و المتيقّن منها ما يلزم منه الحرج:

أمّا صحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) «2» فمع كونها قضيّة شخصية، و لم يتضح أنّ دماميله (عليه السّلام) علىٰ

أيّة كيفية، أنّ الظاهر أنّ الدماميل مع كثرتها

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 75 78.

(2) تقدّم في الصفحة 76.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 82

يعسر عادة غسلها، و يكون تطهيرها حرجياً و لو نوعاً، سيّما في اليدين.

بل لا يبعد أن يكون الدُّمَّل غير مطلق الجراح عرفاً، بل ما له مادّة معتدّ بها.

و كيف كان: لا يستفاد منها العفو عن مطلق القروح.

و في موثّقة سَماعة «1» يكون عدم استطاعة الغسل مفروضاً، و المراد منه غسل نفس الجرح و القرح، لا غسل الدم عن الثوب، كما يظهر من الجواب. أو غسل جميع الدم الحاصل منهما باعتبار عدم إمكان غسلهما.

و في موثّقة عبد الرحمن «2» كان المفروض سيلان الدم و القيح، و غسل مثله في مَعْرض الضرر، و يكون فيه الحرج و لو نوعاً.

مع أنّ قوله: «لا يقدر علىٰ ربطه» دالّ على احتياجه إلى الربط، و مثله يكون معتدّاً به، و غسله حرجياً نوعاً.

و المفروض في صحيحة محمّد بن مسلم «3» أنّها لا تزال تدمي، و غسل مثلها حرجي بلا شبهة.

و كذا مورد صحيحة ليث المرادي «4». و كذا ظاهر «جرح سائل» في رواية سَماعة «5».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 78.

(2) تقدّم في الصفحة 76.

(3)

عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي، كيف يصلّي؟ فقال: يصلّي و إن كانت الدماء تسيل.

تهذيب الأحكام 1: 256/ 744، وسائل الشيعة 3: 434، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 4.

(4) تقدّمت في الصفحة 77.

(5) تقدّمت في الصفحة 77.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 83

و رواية عمّار «1» مع ضعفها بعليّ بن خالد، ظاهرة فيما يكون

معتدّاً به؛ فإنّ «الانفجار» لا يصدق إلّا مع مادّة كثيرة معتدّ بها، فيكون غسله حرجياً.

فتحصّل من ذلك: اعتبار الحرج النوعي في غسل نفس الجرح و القرح. لكن لا بمعنى دوران الحكم مدار الحرج حتّى يلزم منه وجوب الغسل عند قرب الاندمال؛ لعدم الحرج فيه نوعاً، بل بمعنى أنّ المعتبر كونهما علىٰ وجه يكون غسلهما و لو في زمان طغيانهما حرجياً، فحينئذٍ يكون الدم مطلقاً معفوّاً عنه و لو في زمان لا يكون الغسل حرجياً، و الثوب كذلك.

و توهّم: أنّ ذلك مستلزم للعفو عن مطلق الجرح و القرح؛ لعدم الفرق بين ما هو قريب بالاندمال و ما هو في رتبته مدفوع بكونه قياساً ممنوعاً.

في احتمال اعتبار الاستمرار و تحديده

و منها: أنّ الاستمرار هل هو معتبر أم لا؟

لا شبهة في أنّ الاستمرار الفعلي و عدم الفتور في جميع الأوقات غير معتبر، كما هو ظاهر النصوص؛ فإنّ الظاهر من صحيحة أبي بصير «2»، أنّ الغاية لعدم وجوب الغسل هي البرء، و معلوم أنّه تدريجي الحصول، و ينقطع الدم و سيلانه قبله بيوم أو أيّام حسب اختلاف الدماميل.

و أمّا

رواية سَماعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كان بالرجل جرح سائل

______________________________

(1)

عن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر و هو في الصلاة؟ قال: يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض، و لا يقطع الصلاة.

تهذيب الأحكام 1: 349/ 1028، وسائل الشيعة 3: 435، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 8.

(2) تقدّم في الصفحة 76.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 84

فأصاب ثوبه من دمه، فلا يغسله حتّى يبرأ و ينقطع الدم» «1».

فالظاهر أنّ البرء غاية لا الانقطاع، و ذكره جارٍ مجرى

العادة؛ لكونه لازم البرء، فلا يظهر منه القيدية و ليس المراد بقوله (عليه السّلام): «جرح سائل» السيلان الفعلي في كلّ زمان، بل المراد الذي له مادّة سائلة يسيل منه الدم دفعة بعد دفعة، و إلّا فليس في الجروح ما يكون دائم السيلان فعلًا إلىٰ زمان البرء.

هذا مضافاً إلىٰ عدم المفهوم للقيد و لا للشرطية؛ لكونها محقّقة للموضوع.

و لا يراد من قوله

في صحيحة ابن مسلم: «فلا تزال تدمي» «2»

السيلان الدائمي الفعلي؛ لما عرفت. مع أنّه في السؤال، لا في كلامه (عليه السّلام).

و بالجملة: اعتبار السيلان الفعلي ضعيف.

نعم، المتيقّن من مورد الروايات كونهما داميتين؛ بمعنى أن يكون لهما مادّة معتدّ بها يكون لها شأنية السريان و الإدماء، فتكون صاحبة الدم و المادّة، فلا يشمل العفو مطلق الدماميل.

و هذا هو المراد من «الجرح السائل» و من قوله: «لا تزال تدمي» و لا إطلاق في الباب يشمل غير الداميات و السائلات بالمعنى المتقدّم؛ أمّا صحيحة أبي بصير فواضح؛ لكون القضيّة شخصية، مع أنّ خروج الدماميل ملازم نوعاً لشأنية السيلان و كونها ذا مادّة قابلة له، سيّما في الأبدان السمينة البدينة. و ظاهر موثّقة سَماعة ذلك؛ لأنّ ما يحتاج إلى الربط ملازم لها.

و كذا الحال في سائر الروايات حتّى رواية عمّار «3»؛ لأنّ «الانفجار» لا يقال إلّا في ما له مادّة سائلة.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 77.

(2) تقدّمت في الصفحة 82، الهامش 3.

(3) تقدّمت في الصفحة 83، الهامش 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 85

ثمّ إنّه بناءً علىٰ مانعية النجاسات بطبائعها السائلة، لا يكون سائر النجاسات معفوّاً عنها إذا أصابت الدم المعفوّ عنه؛ حتّى دم نفسه، فضلًا عن دم غيره، فضلًا عن سائر النجاسات.

بل الظاهر عدم

العفو عن الماء الواصل لهذا الدم فتنجّس به.

نعم، الرطوبات الملازمة للقرح و الجرح كالعرق و القيح و كذا الدواء الموضوع عليهما، معفوّ عنها.

حكم الدم المشكوك كونه من القروح

و لو شكّ في دم أنّه من القروح أو لا، فالأحوط عدم العفو و إن كان العفو لا يخلو من وجه لأنّ المانع عن الصلاة ليس مطلق الدم، بل الدم المسفوح، و قد خرج منه ما سفح بالجرح و القرح، فصار الموضوع بحسب الواقع و اللبّ الدم المسفوح لا منهما علىٰ نحو القضية المعدولة، أو الدم الذي لا يكون مسفوحاً منهما علىٰ نعت القضية الموجبة السالبة المحمول و لا حالة سابقة لهما.

و استصحاب العدم الأزلي لإثبات القضيّة علىٰ أحد النحوين مثبت، كاستصحاب عدم خروجه منهما، أو استصحاب كون هذا الدم غير خارج منهما، أو لم يكن خارجاً منهما؛ فإنّ هذه العناوين ليست موضوعة للحكم.

بل الموضوع الدم المسفوح بالقيد المتقدّم، و تلك الاستصحابات لا تثبته إلّا على الأصل المثبت، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «1».

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 152 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 86

فصل العفو عن الدم القليل

اشارة

و عفي عن قليل الدم غير ما استثني يكون في الثوب بلا إشكال، و حكي عليه الإجماع مستفيضاً «1». و هو العمدة في إطلاق الحكم، و إلّا فربّما يمكن المناقشة في دلالة الروايات و إطلاقها بالنسبة إلى العالم العامد:

أمّا صحيحة ابن أبي يعفور «2» فموردها الناسي، و دعوىٰ فهم عدم المانعية مطلقاً بإلغاء الخصوصية، ممنوعة بعد اختلاف الحكم في الناسي و غيره في موارد، فمن الجائز اختصاص العفو به في الدم القليل.

و أمّا

رواية إسماعيل الجُعْفي، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال في الدم يكون في الثوب:

«إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، و إن كان أكثر من

______________________________

(1) راجع مفتاح الكرامة 1: 158/ السطر 28، المعتبر 1: 429، تذكرة الفقهاء 1:

73، نهاية الإحكام 1: 285.

(2) و هي ما

عن عبد اللّٰه بن أبي يعفور في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به، ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي ثمّ يذكر بعد ما صلّىٰ أ يعيد صلاته؟

قال: يغسله و لا يعيد صلاته إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله و يعيد الصلاة.

تهذيب الأحكام 1: 255 66/ 740، وسائل الشيعة 3: 429، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 87

قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسله حتّى صلّىٰ فليعد صلاته، و إن لم يكن رآه حتّى صلّىٰ فلا يعيد الصلاة» «1».

فمع ضعفها سنداً، أنّ الظاهر أنّ مقول قول أبي جعفر (عليه السّلام) قوله: «إن كان أقلّ ..» إلىٰ آخره، و لم يذكر الجُعْفي خصوصيات السؤال، و يظهر من الجواب أنّ سؤاله كان فيمن صلّىٰ مع الدم، و لم يتضح أنّه كان مختصّاً بالناسي، أو العامد، أو الأعمّ، و مجرّد عدم ذكره لا يدلّ على الأعمّ. و احتمال كون قوله: «في الدم يكون في الثوب» من أبي جعفر (عليه السّلام) بعيد، بل غير مناسب لابتداء الكلام.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ قوله (عليه السّلام): «و إن كان أكثر» قرينة علىٰ أعمّية السؤال و الجواب في الدم الأقلّ، لكنّه محلّ إشكال و تأمّل.

بل الظاهر من قوله (عليه السّلام): «و كان رآه ..» إلىٰ آخره، أنّ رؤيته السابقة صارت موجبة للإعادة، و هو مخصوص بالناسي.

و بالجملة: في دلالتِها على العفو مطلقاً تأمّل، فتأمّل.

كدلالةِ

مرسلة جميل، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) أنّهما قالا: «لا بأس بأن يصلّي الرجل في

الثوب و فيه الدم متفرّقاً شبه النضح، و إن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم» «2».

فإنّه مع ضعف سندها بعليّ بن حديد و مجرّد أنّ الراوي عنه أحمد بن محمّد بن عيسىٰ، و هو كان يُخْرج مِن «قم» مَن يروي عن الضعفاء

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 255/ 739، وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 256/ 742، وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 88

و يعتمد المراسيل، لا يوجب وثاقة الراوي «1» و هو ظاهر، و لا موثّقية الصدور» «2»؛ لاحتمال اتكاله علىٰ أمر لم يكن عندنا معتمداً عليه. كما أنّ كون المرسل جميلًا و هو من أصحاب الإجماع، لا يوجب اعتبارها «3»؛ لعدم دليل مقنع علىٰ ما ذكروا في أصحاب الإجماع، و قد مرّ شطر من الكلام فيهم في باب العصير «4» يمكن المناقشة في دلالتها؛ لاحتمال كون «إن» في قوله (عليه السّلام): «و إن كان ..» إلىٰ آخره وصليةً.

و قوله (عليه السّلام): «فلا بأس» أُعيد للفصل الطويل بينه و بين سابقه، و للتوطئة للقيد المذكور؛ أي قوله (عليه السّلام): «ما لم يكن مجتمعاً ..» إلىٰ آخره، فيكون التالي للوصلية أخفى الأفراد. و لو كان العفو مطلقاً حتّى بالنسبة إلى العامد، كان حقّ العبارة غير ما ذكرت. فعلى الوصلية تدلّ الرواية على العفو بالنسبة إلىٰ من رأى، فنسيه و صلّى.

و لو قلنا بشرطية «إن» كان الظاهر من الرواية عدمَ البأس بشبه النضح مطلقاً، علىٰ تأمّل، و التفصيل بين قدر الدرهم و أقلّه في

غيره، فلا يبعد أن يكون الظاهر حينئذٍ أيضاً بيان حال الناسي؛ لظهور قوله (عليه السّلام): «رآه صاحبه قبل ذلك» في أنّ المقتضي للإعادة رؤيته قبلًا، و في العامد يكون المقتضي العلم به فعلًا لا سابقاً.

و كيف كان: لا دلالة فيها على العفو مطلقاً و لو عن العامد.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 373/ السطر 34.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 373/ السطر 34.

(3) نفس المصدر.

(4) تقدّم في الجزء الثالث: 331.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 89

و أمّا

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قلت له: الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال: «إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك، و لا إعادة عليك؛ ما لم يزد علىٰ مقدار الدرهم. و ما كان أقلّ من ذلك فليس بشي ء؛ رأيته من قبلُ أو لم تره. و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صلّيت فيه» «1».

فالتفصيل فيها بين الثوب المنحصر و غيره، و هو مسألة أُخرى. و احتمال أنّ قوله (عليه السّلام): «و ما كان أقلّ» أمر مستأنف، لا من فروع الثوب المنحصر، بعيد غايته. مع أنّه علىٰ فرضه يكون مخصوصاً بالناسي؛ بمناسبة قوله (عليه السّلام): «رأيته من قبلُ أو لم تره» بالتقريب المتقدّم.

نعم، عن «التهذيب»: «و ما لم يزد علىٰ مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي ء» بزيادة الواو، و حذف «و ما كان أقلّ» «2» و عن «الاستبصار» حذفه بلا زيادة الواو «3».

و في نسخة من «التهذيب» مقروءة على المحدّث المجلسي كتبت الواو

في ذيل السطر، مع علامة النسخة، يظهر منها أنّ نسخة الأصل بلا واو، و في نسخة زيادتها، و ليس فيها لفظ «من قبل» بعد قوله (عليه السّلام): «رأيته» فتكون العبارة كذلك: «و ما لم يزد علىٰ مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي ء؛ رأيته أو لم تره ..» إلىٰ آخره.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 6.

(2) انظر الحدائق الناضرة 5: 307، تهذيب الأحكام 1: 254/ 736.

(3) انظر الحدائق الناضرة 5: 307، جامع أحاديث الشيعة 2: 178، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 28، الحديث 1621.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 90

فعلى نسخة زيادة الواو و سقوط «من قبل» تدلّ الرواية علىٰ مذهب المشهور من جهةٍ؛ أي التفصيل بين القليل و الكثير مطلقاً، و جواز الصلاة مع قليله و لو عمداً.

لكنّ الاتكال علىٰ هذه النسخة مع مخالفتها «للكافي» و «الفقيه» «1» بل و «الاستبصار» و بعض نسخ «التهذيب» مشكل، سيّما مع مخالفتها لمذهب المشهور من جهة أُخرى، كما يأتي «2».

و أمّا

رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه أو أبي جعفر (عليهما السّلام) قال: «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض، فإنّ قليله و كثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء» «3»

فمع ضعف سندها «4»، منصرفة عن العمد.

لكنّ الإنصاف: أنّ المناقشة في هذه المسألة المجمع عليها في غير محلّها. بل الظاهر أنّ المناقشة في إطلاق بعض الروايات كرواية الجُعْفي و بعض آخر كذلك.

بل مقتضىٰ

موثّقة داود بن سِرحان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الرجل يصلّي، فأبصر في ثوبه دماً، قال: «يتمّ» «5»

صحّة الصلاة في الدم مطلقاً،

______________________________

(1) الكافي 3: 59/ 3، الفقيه

1: 161/ 758.

(2) يأتي في الصفحة 95 96.

(3) الكافي 3: 405/ 3، تهذيب الأحكام 1: 257/ 745، وسائل الشيعة 3: 432، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 21، الحديث 1.

(4) رواها الكليني، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن النضر بن سويد، عن أبي سعيد المكاري، عن أبي بصير.

و الرواية ضعيفة السند بأبي سعيد المكاري، كما يأتي التصريح به من المصنّف (قدّس سرّه) في الصفحة 103.

(5) تهذيب الأحكام 1: 423/ 1344، وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 91

خرج منه الزائد علىٰ مقدار العفو إجماعاً و نصوصاً، و بقي الباقي.

و توهّم التفصيل بين أثناء الصلاة و غيره، فاسد مخالف للإجماع.

و كيف كان: لا ينبغي الإشكال في المسألة من هذه الجهة.

إلحاق البدن بالثوب في العفو

كما لا ينبغي الإشكال في إلحاق البدن بالثوب؛ لعدم القول بالفرق. بل مقتضىٰ تصريح جمع «1» و إطلاق آخر «2» الإجماع عليه. و مجرّد سكوت جمع عن البدن «3»، لا يوجب استظهار الفتوىٰ بالاختصاص، سيّما أنّ مثل الصدوق يوافق لفظ النصّ في التعبير «4».

و الشيخ في «الخلاف» على النسخ المشهورة «5» ألحق البدن به، و يظهر منه الإجماع عليه، و هو قرينة علىٰ أنّ ما في «المبسوط» «6» ليس مخالفاً للخلاف.

كما أنّ دعوى السيّد إجماع الإمامية على العفو في البدن «7»، دليل علىٰ أنّ رأي أُستاذه المفيد «8» موافق له.

______________________________

(1) الانتصار: 13 و 14، السرائر 1: 177 178، نهاية الإحكام 1: 285.

(2) المعتبر 1: 429، تذكرة الفقهاء 1: 73، مدارك الأحكام 2: 311.

(3) المقنعة: 69، المراسم: 55، غنية النزوع 1: 41.

(4) الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 48/

السطر 25.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 158/ السطر 30، الخلاف 1: 476.

(6) المبسوط 1: 36.

(7) الانتصار: 13.

(8) المقنعة: 69.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 92

و أمّا ابن زُهرة، فكلامه في دم القروح و الجروح، و هو أمر آخر. مع أنّه لا يظهر منه الاختصاص، بل مقتضىٰ مجموع كلامه عدمه، و إنّما ذكر الثوب مثالًا، و لهذا ذكره أيضاً في الدماء الثلاثة «21» مع القطع بعدم إرادته الخصوصية.

و أمّا سلّار، فقد عقد البحث رأساً في تطهير الثياب عن النجاسات، فلا يظهر منه القيدية «31».

هذا مضافاً إلىٰ إمكان استفادة الإلحاق من رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه أو أبي جعفر (عليهما السّلام) المتقدّمة «1»، فإنّ مقتضىٰ إطلاق صدرها عدم وجوب الإعادة في الدم القليل في الثوب و البدن.

و أمّا ذكر الثوب في التعليل الراجع إلى المستثنىٰ، فالمقطوع عدم قيديته، بل ذكر من باب المثال؛ ضرورة وجوب تطهير البدن كالثوب عن دم الحيض، فلا يجوز تقديره في الصدر و دعوىٰ دخالته في الحكم، كما لا تتجه دعوى عدم الإطلاق في الصدر؛ بتوهّم أنّه بصدد بيان الفرق بين الدمين، أو أنّ الصدر توطئة لبيان حكم دم الحيض، فإنّ كلّ ذلك تكلّف و تهجّس مخالف للظاهر.

ثمّ إنّ المستفاد منها أصل التفصيل، و أمّا مقدار المعفوّ عنه فمستفاد: من سائر الروايات؛ بعد الجزم بعدم التفصيل فيه بين الثوب و البدن، و من

صحيحة ابن مسلم المتقدّمة «2»؛ فإنّ قوله (عليه السّلام): «و ما كان أقلّ من ذلك فليس بشي ء»

ظاهر في أنّ القليل منه لأجل قلّته ليس بشي ء، و لا يكون مانعاً، و أنّ القلّة بما هي تمام الموضوع لعدم المانعية، و لو كان الثوب دخيلًا في

الحكم لم يتجه ذلك التعبير.

______________________________

(21) غنية النزوع 1: 41.

(31) المراسم: 55.

(1) تقدّمت في الصفحة 90.

(2) تقدّمت في الصفحة 89.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 93

بل يمكن الاستئناس لعدم دخالة الثوب في الروايات بمقطوعية عدم دخالته في الدم الذي بمقدار الدرهم أو أكثر، مع أنّه مذكور فيها أيضاً، فالقطع بعدم دخالته في غير المعفوّ عنه و أنّه ذكر تبعاً للسائل أو من باب المثال، يقرّب أنّ ذكره في المعفوّ عنه أيضاً كذلك؛ فإنّ التفرقة بين الفقرات خلاف ظاهر السياق و ارتكاز العرف.

و من

رواية مثنّى بن عبد السلام، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قلت: إنّي حككت جلدي، فخرج منه دم، فقال: «إن اجتمع قدر حمّصة فاغسله، و إلّا فلا» «1»

بعد عدم إمكان التفصيل بين الثوب و البدن في مقدار الدم، و فساد حمل الرواية علىٰ عدم نجاسته إذا كان أقلّ من حمّصة؛ لمخالفته لارتكاز العقلاء و المتشرّعة، بل للقطع بفساده، فلا محيص عن حملها علىٰ عدم مانعية الأقلّ منها، و هو يعطي التفصيل بين القليل و الكثير في البدن، و إن كانت في مقداره محمولة علىٰ بعض المحامل «2»، تأمّل. و كيف كان: لا إشكال في أصل الحكم.

هل الدرهم غاية للرخصة أو للمنع؟

و إنّما الإشكال في أنّ مقدار الدرهم غاية للرخصة أو للمنع، فالمشهور كما عن «كشف الالتباس» و «المسالك» الثاني «3»، بل في «الخلاف» الإجماع عليه «4».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 255/ 741، وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 5.

(2) جواهر الكلام 6: 108، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 373/ السطر 16، مصباح الفقيه، الطهارة: 589/ السطر 14.

(3) كشف الالتباس: 239/ السطر 3 (مخطوط)، مسالك الأفهام 1: 125.

(4) الخلاف 1: 477.

كتاب

الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 94

و ذهب سلّار إلى الأوّل «1»، و ربّما نسب ذلك إلى السيّد في «انتصاره» «2» و هو خلاف الواقع؛ فإنّه بعد ما صرّح بأنّه ممّا انفردت به الإمامية هو جواز الصلاة في ثوب أو بدن أصاب منه ما ينقص مقداره عن سعة الدرهم، و نقل عن الشافعي القول بعدم الاعتبار بالدرهم في جميع النجاسات «3»، و عن أبي حنيفة القول باعتبار مقداره في جميعها «4» قال: «فاعتباره في بعضها دون بعض هو التفرّد».

ثمّ قال: «و يمكن القول: بأنّ الشيعة غير متفرّدة بهذه التفرقة» ثمّ حكىٰ قول زفر و قال: «هو نظير قول الإمامية» ثمّ حكىٰ قول محسن بن صالح و قال: «هذا مضاهٍ لقول الإمامية» «5».

و مراده في أصل التفصيل و التفرقة بين الدم و غيره، لا في مقداره؛ ضرورة أنّ قوليهما مختلفان في المقدار، فإنّ الأوّل جعل الدرهم معفوّاً عنه دون الثاني.

و أمّا ما في خلال كلامه في مقام الاستدلال ممّا يوهم خلاف المشهور، فلا بدّ من حمله علىٰ صدر كلامه دفعاً للتناقض. بل ليس في خلال البحث بصدد بيان الخصوصيات، بل بصدد بيان أصل التفرقة، فالمخالف هو سلّار ظاهراً.

و تدلّ على المشهور صحيحة ابن أبي يعفور و مرسلة جميل بل و

رواية إسماعيل الجُعْفي «6» فإنّ الظاهر من قوله: «إن كان أقلّ فكذا، و إن كان أكثر فكذا»

______________________________

(1) المراسم: 55.

(2) مدارك الأحكام 2: 312.

(3) الامّ 1: 55.

(4) المجموع 3: 136/ السطر 10.

(5) الانتصار: 13.

(6) تقدّمت الروايات في الصفحة 86 87.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 95

أنّ الجملة الثانية بيان لمفهوم الجملة الأُولىٰ، و إنّما خصّ بالذكر بعض المصاديق الشائعة منه؛

لأنّ المساوي لمقدار الدرهم قليل الوجود، بخلاف الأكثر منه، و لا مفهوم للجملة الثانية التي بصدد بيان مفهوم الاولىٰ عرفاً. فتوهّم أنّ مفهومي الجملتين متعارضان، بل مفهوم الثانية معارض للروايتين المتقدّمتين، أيضاً ضعيف.

و أضعف منه توهّم كون الجملة الأُولىٰ بيان بعض مصاديق مفهوم الجملة الثانية عكس ما قلناه؛ ضرورة أنّه في غاية الحزازة، و مخالف للمحاورات العرفية.

نعم، يحتمل أن لا يكون لمثل الجملتين مفهوم، فكان مقدار المساوي مسكوتاً عنه.

لكنّ الأقرب ما ذكرناه و إن لا يختلف الحكم علىٰ هذا الاحتمال، غاية الأمر لا تكون هذه الرواية متعرّضة للمقدار المساوي، فنأخذ فيه بالروايتين المتقدّمتين.

و أمّا صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة «1»، فعلى نسخة «الكافي» و «الفقيه» لا يبعد أن يكون مفادها كرواية الجُعْفي؛ فإنّ قوله (عليه السّلام): «ما لم يزد عليه» من تتمّة حكم انحصار الثوب مع رؤية الدم في الأثناء، و هو مسألة أُخرى، و الظاهر أنّ قوله (عليه السّلام): «و ما كان أقلّ من ذلك» مسألة أُخرى برأسها، لا في موضوع الثوب المنحصر حتّى يكون تتمّة للجملة السابقة؛ فإنّ جعله من تتمّتها يوجب التكرار في حكم الزائد عن مقدار الدرهم.

مضافاً إلىٰ أنّ ظاهر الذيل ينافي كونه في الفرض السابق، فحينئذٍ تكون الشرطيتان نظير الشرطيتين في رواية الجُعْفي، و قد عرفت حالهما، فلو فرض كونها من تتمّتها فتكون مسألة أُخرى: هي فرض انحصار الثوب، تأمّل.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 89.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 96

نعم، علىٰ نسخة «التهذيب» تكون معارضة لسائر الروايات، لكن قد عرفت عدم جواز الاعتماد علىٰ نسخته «1»، و علىٰ فرض التعارض لا يعتمد عليها؛ لمخالفتها للمشهور، و كونها شاذّة، و لموافقتها لأبي حنيفة، و مخالفتها للقواعد و

العمومات، فلا إشكال في الحكم. هذا إن كان الدم مجتمعاً قدر الدرهم.

حكم الدم المتفرّق

و أمّا إن كان متفرّقاً، فإن لم يكن قدره لو اجتمع فلا إشكال بل لا خلاف كما في «الجواهر» «2» في مساواته للمجتمع في العفو عنه؛ لإطلاق الأدلّة، و خصوص ما تقدّم «3».

و إن كان قدره أو زائداً ففيه خلاف، فعن «المبسوط» و «السرائر» و «النافع» و «الشرائع» و ابن سعيد «4» و الأردبيلي «5» و «التلخيص» و «الكفاية» و «الذخيرة» و «الحدائق» و بعض من متأخّري المتأخّرين العفو «6». و عن «الذكرى»: «أنّه المشهور» «7».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 89 90.

(2) جواهر الكلام 6: 125.

(3) هي صحيحة ابن أبي يعفور، تقدّمت في الصفحة 86.

(4) المبسوط 1: 36، السرائر 1: 178، المختصر النافع: 18، شرائع الإسلام 1: 45، الجامع للشرائع: 23.

(5) انظر جواهر الكلام 6: 125، مجمع الفائدة و البرهان 1: 317 و 328.

(6) تلخيص المرام: 30 (مخطوط)، كفاية الأحكام: 12/ السطر 27، ذخيرة المعاد: 159/ السطر 12، الحدائق الناضرة 5: 315 316، مدارك الأحكام 2: 318.

(7) ذكرى الشيعة 1: 137.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 97

و في «المراسم» و «الوسيلة» «1» و عن العلّامة في جملة من كتبه «2» و جملة وافرة ممّن تأخّر عنه «3» عدمه، بل عن بعضهم دعوى الشهرة عليه «4»، و عن جملة نسبته إلىٰ أكثر المتأخّرين «5»، و هو ظاهر «نهاية الشيخ» علىٰ تأمّل «6».

و عن المحقّق في «المعتبر» القول بالعفو إلّا أن يتفاحش «7»، لكنّ عبارته فيه علىٰ خلاف ما نسب إليه، فراجع «8».

و منشأ اختلافهم الاختلاف في فهم الروايات، فقد استدلّ كلّ من القائل بالعفو و عدمه برواية ابن أبي يعفور، و

محتملاتها كثيرة لا يمكن الركون إلىٰ واحد منها، و لا استظهار واحد من القولين منها؛ لاحتمال أن يكون «مقدار الدرهم» في قوله (عليه السّلام): «إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً» مرفوعاً اسماً للفعل الناقص، و خبره «مجتمعاً».

و أن يكون منصوباً خبراً له، و اسمه الضمير الراجع إلى الدم و «مجتمعاً» خبراً بعد خبر، أو الراجع إلىٰ نقط الدم و «مجتمعاً» خبراً ثانياً؛ إمّا لسهولة أمر

______________________________

(1) المراسم: 55، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77.

(2) تحرير الأحكام 1: 24/ السطر 27، منتهى المطلب 1: 173/ السطر 16، تذكرة الفقهاء 1: 74، قواعد الأحكام 1: 8/ السطر 5.

(3) ذكرى الشيعة 1: 137، جامع المقاصد 1: 172، روض الجنان: 166/ السطر 9.

(4) كشف الالتباس: 239/ السطر 3، (مخطوط).

(5) روض الجنان: 166/ السطر 8، ذخيرة المعاد: 159/ السطر 13، الحدائق الناضرة 5: 315.

(6) النهاية: 51 52.

(7) انظر مدارك الأحكام 2: 318.

(8) المعتبر 1: 430 431.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 98

التذكير و التأنيث، أو لكونها مضافة إلى المذكّر الممكن قيامه مقامها.

و على التقديرين: يمكن أن يكون «مجتمعاً» حالًا محقّقة من «مقدار الدرهم» أو من الضمير. و أن يكون حالًا مقدّرة.

و علىٰ جميع الاحتمالات تكون ظاهرة في العفو، إلّا علىٰ تقدير كون الحال مقدّرة، و قد قيل: «باتفاق أئمّة الأدب على اشتراط كون الحال مقدّرة بمخالفة زمان العامل مع الحال» «1» و هو مفقود في المقام، فعلى فرض صحّة ذلك يكون هذا الاحتمال مرجوحاً؛ و إن كان انقطاع الاستثناء علىٰ سائر الاحتمالات مخالفَ الظاهر أيضاً.

لكنّ الإنصاف: أنّ الاتكال علىٰ تلك الرواية مع تلك الاحتمالات الكثيرة لإثبات كلّ من طرفي الدعوى مشكل.

نعم، ظاهر مرسلة جميل «2» العفو؛ فإنّ

قوله (عليه السّلام): «و إن كان قد رآه صاحبه ..» إلىٰ آخره، وصلية، و إلّا يلزم التفصيل بين شبه النضح و غيره في العلم به و عدمه، و هو خلاف الواقع، و على الوصلية تكون ظاهرة في العفو؛ فإنّ قوله (عليه السّلام): «فلا بأس به ..» إلىٰ آخره، بيان للجملة المتقدّمة؛ أي لا بأس بالدم ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم، فشبه النضح لا بأس به.

لكنّ الاتكال عليها مشكل؛ لضعف سندها «3»، و عدم جابر له؛ لأنّ الأصحاب و إن أفتوا بمضمون روايات الباب، لكن لمّا كانت بينها روايات صحيحة معتمدة لا يظهر منهم الاتكال علىٰ تلك المرسلة.

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 378، مستند الشيعة 4: 302، جواهر الكلام 6: 126 127، مغني اللبيب 2: 603 604.

(2) تقدّمت في الصفحة 87.

(3) تقدّم وجه ضعف سندها بعلي بن حديد في الصفحة 87.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 99

و أمّا رواية إسماعيل الجُعْفي «1» و صحيحة محمّد بن مسلم «2» فيمكن أن يستدلّ بهما للطرفين بأن يقال: إنّ المراد بالدم و الثوب جنسهما، فيكون المعنىٰ: إن كان جنس الدم في جنس الثوب أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد، و إن كان أكثر فيعيد، و إطلاقهما شامل للمتفرّق.

و أن يقال: إنّ الحكم علىٰ طبيعي الدم و الثوب، و هما صادقتان على المصداق الخارجي الفعلي، و ليس في الخارج من طبيعة الدم إلّا هذا المصداق، و ذاك، و ذلك، و كذا الثوب، و أمّا مجموع الدمين و الدماء فليس مصداقاً للدم، و لا موجوداً في الخارج، و فرض الاجتماع لا يوجب إلّا المصداق الفرضي لا الفعلي، و هذا خلاف ظواهر الأدلّة.

فكلّ مصداق محقّق في الخارج منه

أقلّ من مقدار الدرهم فرضاً، و غير ذلك غير موجود خارجاً إلّا بحسب الفرض و التعليق المخالف للظاهر، فالروايتان دالّتان على القول بالعفو إن كان العرف مساعداً علىٰ ما ذكرناه، كما لا يبعد.

و من هنا يمكن الاستدلال عليه

برواية أبي بصير المعمول بها عند الأصحاب، عن أبي جعفر أو أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قال: «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض، فإنّ قليله و كثيره في الثوب إن رآه و إن لم يره سواء» «3».

فإنّ ما في الخارج شبه النضح مصاديق كثيرة يصدق علىٰ كلّ منها: «أنّها دم لا تبصره» و مجموعها ليس إلّا مصداقاً تخيلياً. إلّا أن يكون قوله (عليه السّلام): «لا تبصره» كناية عن الدم القليل المقابل للكثير، و قلنا: بأنّ العرف يرى الدماء التي علىٰ شبه النضح كثيراً.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 86.

(2) تقدّمت في الصفحة 89.

(3) تقدّمت في الصفحة 90.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 100

و تدلّ على العفو

صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب، هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال: «لا، و إن كثر فلا بأس أيضاً بشبهه من الرعاف، ينضحه و لا يغسله» «1».

فإنّ الظاهر أنّ قوله (عليه السّلام): «ينضحه و لا يغسله» راجع إلىٰ دم البراغيث؛ لأنّه مورد السؤال و الجواب، و إنّما ذكر الرعاف استطراداً و تطفّلًا، و المنظور الأصلي بيان حكم دم البراغيث. و للمناسبة بينه و بين النضح، كما هو وارد في بعض موارد أُخر نظيره ممّا لا يكون قذراً، كالملاقي مع الكلب يابساً. و للقرينة العقلية علىٰ عدم كون المراد منه دم الرعاف؛ حيث يوجب النضح تكثير

النجس لا تطهيره، فلا شبهة في رجوعهما إلىٰ دم البراغيث، فلا إشكال في الرواية من هذه الحيثية.

و أمّا دلالتها على المطلوب فواضحة، بل تدلّ على العفو و إن كثر و تفاحش؛ لظهور التشبيه فيه، فلا إشكال في الرواية سنداً و لا دلالة.

و تدلّ عليه إطلاق

مرفوعة أبي عبد اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قال: «دمك أنظف من دم غيرك، إذا كان ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس، و إن كان دم غيرك قليلًا أو كثيراً فاغسله» «2»

بعد حمل ذيلها على الاستحباب في الدم القليل، و كون المراد بالكثير مقابل النضح؛ لعدم الفصل في الدماء.

فتحصّل ممّا ذكر: قوّة القول الأوّل.

______________________________

(1) الكافي 3: 59/ 8، تهذيب الأحكام 1: 259/ 753، وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 7.

(2) الكافي 3: 59/ 7، وسائل الشيعة 3: 432، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 21، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 101

عدم الفرق في الدم المتفرّق بين المتفاحش و غيره

و مقتضى إطلاق الروايات عدم الفرق بين المتفاحش و غيره. مضافاً إلىٰ ظهور صحيحة الحلبي فيه كما تقدّم. و دعوى انصرافها عن المتفاحش «1» في غير محلّها، كما أنّ الاستبعاد في الأحكام التعبّدية المجهولة المناط، في غير محلّه.

و أمّا رواية «دعائم الإسلام» «2» فلا ركون إليها بعد ضعفها سنداً، و وهنها متناً.

لكنّ الاحتياط حسن علىٰ كلّ حال، سيّما مع كون الثوب واحداً، و سيّما مع التفاحش جدّاً.

______________________________

(1) راجع مصباح الفقيه، الطهارة: 595/ السطر الأخير.

(2) و هي ما

عن الباقر و الصادق (عليهما السّلام) أنّهما قالا في الدم يصيب الثوب: «يغسل كما تغسل النجاسات» و رخصا في النضح اليسير منه و من سائر النجاسات، مثل دم البراغيث

و أشباهه، قالا: «فإذا تفاحش غسل».

دعائم الإسلام 1: 117، بحار الأنوار 77: 92/ 9، مستدرك الوسائل 2: 565، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 15، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 102

حول ما استثني من أدلّة العفو
اشارة

ثمّ إنّه قد استثني من أدلّة العفو موارد:

منها: الدماء الثلاثة
اشارة

كما في «الوسيلة» و «المراسم» و «الغنية» و «الشرائع» و عن «السرائر» و «كشف الحقّ» و كتب الشهيدين «1»، بل في «الغنية» الإجماع «2»، و لا يبعد استظهار دعوى الإجماع من «الخلاف» «3» و عن «السرائر» عدم الخلاف فيه «4»، بل عن ظاهر «كشف الحقّ» هو من دين الإمامية «5». و يظهر من «الانتصار» إلحاق النفاس بالحيض «6».

هذا مضافاً إلىٰ رواية أبي بصير المتقدّمة «7»

بالنسبة إلىٰ دم الحيض،
اشارة

و هي مرويّة في «الوافي» عن أبي جعفر أو أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) و في «التهذيب» عن أبي عبد اللّٰه و أبي جعفر (عليهما السّلام) كليهما «8».

______________________________

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77، المراسم: 55، غنية النزوع 1: 41، شرائع الإسلام 1: 45، السرائر 1: 176، نهج الحقّ و كشف الصدق: 419، الدروس الشرعيّة 1: 126، البيان: 95، مسالك الأفهام 1: 125، الروضة البهيّة 1: 302.

(2) غنية النزوع 1: 41.

(3) الخلاف 1: 476 477.

(4) السرائر 1: 176.

(5) نهج الحقّ و كشف الصدق: 419.

(6) الانتصار: 14.

(7) تقدّمت في الصفحة 90.

(8) الوافي 6: 183/ 7، تهذيب الأحكام 1: 257/ 745.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 103

و الإشكال فيها بالقطع «1» غير وجيه، مضافاً إلىٰ أنّ قطع مثل أبي بصير لا يضرّ؛ بعد القطع بأنّ مثله لا يقول إلّا مع السماع عن المعصوم (عليه السّلام).

كما أنّ تضعيفها بأبي سعيد المُكاري «2» في غير محلّه بعد الجبر بعمل الأصحاب، كما أشار إليه المحقّق «3» أيضاً.

و ظاهرها بل صريحها عدم العفو عن الأقلّ من الدرهم، فإنّ الاستثناء فيه عن دم لم تبصره، و هو أقلّ من الدرهم، فالمراد بالقليل هو مثل ما في المستثنىٰ منه، و هو واضح.

و أمّا دم النفاس،

فمضافاً إلى الإجماعات المتقدّمة التي لا يضرّ بها نسبة الإلحاق في «المعتبر» إلى الشيخ؛ بحيث يظهر منه اختصاصه به «4»، فإنّه خلاف الوجدان؛ لأنّ كثيراً ممّن تقدّم على المحقّق لم يفرّق بين الدماء الثلاثة، بل ادعى الإجماع أو عدم الخلاف عليه «5» الإجماعات المدعاة في اتحاد حكم النفاس مع الحيض إلّا فيما استثني «6».

و أمّا دعوى: أنّ النفاس حيض محتبس «7»، فقد مرّ في محلّه أنّه لا دليل

عليها «8».

______________________________

(1) انظر المعتبر 1: 428، مدارك الأحكام 2: 316.

(2) نفس المصدر.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 103

(3) المعتبر 1: 428.

(4) المعتبر 1: 429.

(5) راجع الخلاف 1: 476 477، غنية النزوع 1: 41، السرائر 1: 176.

(6) غنية النزوع 1: 40، المعتبر 1: 257، تذكرة الفقهاء 1: 332، جواهر الكلام 6: 120.

(7) جواهر الكلام 6: 120.

(8) تقدّم في الجزء الأوّل: 512.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 104

و أمّا دم الاستحاضة،

فمضافاً إلىٰ ما تقدّم، تدلّ علىٰ عدم العفو عنه الإجماعات المستفيضة المنقولة «1» و الشهرة المحقّقة علىٰ لزوم تبديل القطنة في أوقات الصلاة في القليلة منها.

مع أنّ الغالب فيها عدم بلوغ الدم مقدار الدرهم، سيّما إذا قلنا: بأنّ مقداره قدر أخمص الراحة.

فالشهرة قائمة علىٰ وجوب التبديل من غير تفصيل من الصدر الأوّل، و هي الحجّة القاطعة، سيّما مع ما مرّ في محلّه: من أنّ إطلاق الأدلّة علىٰ خلاف الإجماعات و الشهرات «2»، و معه يزيد الوثوق بها.

و لا شبهة في أنّ التبديل ليس واجباً تعبّدياً نفسياً، بل لمانعيته عن الصلاة، كما لا شبهة في أنّ الظاهر من الأدلّة أنّ المانع هو الدم بما هو من غير دخالة للقطنة و المحلّ فيه، و لهذا قلنا بلزوم تبديل الخرقة أيضاً إن تلوّثت به «3»، فيستفاد منها مانعيته في الثوب و البدن؛ قليلًا كان أو كثيراً.

بل يمكن الاستدلال عليه بإطلاق بعض ما ورد في المستحاضة المتوسّطة علىٰ لزوم تبديل القطنة «4» لعدم ملازمة التوسّط مع كون الدم بمقدار الدرهم، فإنّ

الميزان فيه هو ثقب القطن، و لا يلزم منه أكثريته منه، فلو منع ذلك فيكفي ما تقدّم.

فإلحاقهما بالحيض مع أنّه أحوط، لا يخلو من قوّة.

______________________________

(1) الخلاف 1: 476 477، منتهى المطلب 1: 120/ السطر 4، جواهر الكلام 6: 120.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 432.

(3) تقدّم في الجزء الأوّل: 434.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 105

و منها: دم نجس العين

فقد استثناه العلّامة في «القواعد» و «التذكرة» و عن سائر كتبه ذلك «1»، بل عن جملة من الأصحاب استثناؤه «2».

و عن الطوسي «3» و الراوندي «4» استثناء دم الكلب و الخنزير، و ربّما ينسب إليهما استثناء مطلق دم نجس العين «5».

و عن ابن إدريس بعد نسبة استثناء دم الكلب و الخنزير إلى الراوندي معلّلًا: بأنّه دم نجس العين قال: «و هذا خطأ عظيم و زلل فاحش؛ لأنّ هذا هدم و خرق لإجماع أصحابنا» «6» انتهىٰ.

و قد استدلّ عليه تارة: بأنّ ملاقاة دم نجس العين لسائر أجزائه، موجبة لطروّ نجاسة أُخرى عليه منها، و هي غير معفوّ عنها «7».

و بعبارة اخرىٰ: أدلّة العفو عن الدم ناظرة إلى العفو عنه، لا عنه و عن ملاقيه، كما لو لاقىٰ نجاسة أُخرى كالعذرة و البول.

______________________________

(1) قواعد الأحكام 1: 8/ السطر 2، تذكرة الفقهاء 1: 73، تحرير الأحكام 1: 24/ السطر 29، منتهى المطلب 1: 173/ السطر 33، تبصرة المتعلّمين: 17، مختلف الشيعة 1: 318.

(2) الدروس الشرعيّة 1: 126، مسالك الأفهام 1: 125، رياض المسائل 2: 381، جواهر الكلام 6: 121 122.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 162/ السطر 4، مختلف الشيعة 1: 318.

(5) كشف الالتباس:

120 (مخطوط).

(6) السرائر 1: 177.

(7) المعتبر 1: 429، منتهى المطلب 1: 173/ السطر 33، جواهر الكلام 6: 121.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 106

و أُخرى: بأنّ دم نجس العين منطبَق عنوانين:

أحدهما: كونه دماً، و هو مانع.

و ثانيهما: كونه جزء من نجس العين، و هو مانع آخر.

و ما دلّ على العفو عن الدم قاصر عن الدلالة على العفو عن العنوان الثاني «1».

و ثالثة: بأنّ دم نجس العين من أجزاء غير المأكول، و هو مانع آخر، فالعفو عن الدم لا عنه «2».

و سيأتي الكلام في هذا الأخير.

و أمّا الوجه الأوّل ففيه: أنّه لا دليل على انفعال أجزاء نجس العين بعضها ببعض، بل و لا انفعال نجس بمثله، فلا يتنجّس بول من بول آخر، و لا بعض أجزاء الكافر بملاقاة بعض آخر من أجزائه. بل لا دليل علىٰ تنجّس النجاسات بملاقاة بعضها مع بعض حتّى فيما إذا كان أحد النجسين أغلظ و أشدّ؛ لعدم إطلاق أو عموم في أدلّة الانفعال بالملاقاة، و عدم إمكان إلغاء الخصوصية من الموارد الجزئية.

و لهذا لا يبعد القول بالعفو فيما إذا لاقى الدم المعفوّ عنه نجاسة أُخرى؛ إذا لم تكن أجزاؤها محقّقةً فيه فعلًا، بل استهلكت فيه، و مع عدم ملاقاتها للجسد، فإنّه مع ملاقاته يشكل العفو.

و بالجملة: لا شبهة في عدم الدليل علىٰ تنجّس دم نجس العين بملاقاة أجزائه، فلا يكون دمه نجساً ذاتاً و عرضاً.

و أمّا الوجه الثاني ففيه: أنّه لا دليل علىٰ مانعية أجزاء نجس العين بما أنّه أجزاؤه؛ بمعنى أنّ جزء الكلب بما أنّه كلب يكون مانعاً، بل الظاهر من

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 593/ السطر 17.

(2) جواهر الكلام 6: 121، مصباح الفقيه، الطهارة:

593/ السطر 34.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 107

الأدلّة أنّ المانع النجاسة، فأجزاء الكلب بما أنّها نجسة مانعة عن الصلاة لا بما أنّها أجزاؤه، و كذا الدم ليس بعنوانه مانعاً، فلا يكون عنوان «نجس العين» مانعاً آخر مغايراً لمانعية النجس.

و منها: دم غير المأكول

فقد استثناه من العفو بعضهم «1»، و عن الأُستاذ اختياره «2»، و هو مخالف لتضاعيف كلمات الفقهاء، حيث اقتصروا على استثناء الدماء الثلاثة، أو مع نجس العين «3»، و لإجماع الحلّي «4».

و يدلّ على العفو إطلاق أدلّته. و دعوى الانصراف فاسدة جدّاً، كدعوىٰ «5» معارضتها لموثّقة ابن بكير «6» فإنّها حاكمة عليها أوّلًا.

و يحتمل قريباً عدم شمول الموثّقة للدم و المني المانعين عن الصلاة؛ سواء كانا من مأكول اللحم أو غيره، ثانياً.

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 6: 121، العروة الوثقى 1: 102، الثاني ممّا يعفى عنه في الصلاة.

(2) كشف الغطاء: 175/ السطر 13.

(3) الخلاف 1: 476 477، مختلف الشيعة 1: 318، الدروس الشرعيّة 1: 126.

(4) السرائر 1: 177.

(5) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 594/ السطر 9.

(6)

سأل زرارة أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر؟ إلىٰ أن قال (عليه السّلام) و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شي ء منه فاسد.

الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 108

و مثلها في الضعف دعوى: أنّ أدلّة العفو متعرّضة لحيثية نجاسة الدم لا لحيثية اخرىٰ منطبقة عليه؛ و هو كونه من غير المأكول «1»، ضرورة أنّه ليس فيها ما

يمكن استشمام تعرّضها لحيثية نجاسته، بل الموضوع فيها نفس الدم، و مقتضى إطلاقها عدم مانعيته بأيّ عنوان منطبق عليه ذاتاً، فلا قصور فيها لشمول مطلق الدماء؛ من المأكول أو غيره، نجس العين أو غيره، و قد عرفت حكومتها علىٰ موثّقة ابن بكير و إن كان بينهما عموم من وجه.

و دعوىٰ قوّة إطلاق الموثّقة بل صراحتها في الإطلاق كدعوىٰ إبائها عن التقييد «2» مردودة علىٰ مدعيها.

و أضعف من الجميع استبعاد العفو عن الدم القليل من غير المأكول مع كونه نجساً، و عدم العفو عن سائر أجزائه مع طهارتها «3»؛ ضرورة عدم طريق للعقول إلىٰ فهم مناطات الأحكام التعبّدية، و إلّا فأيّ فارق عند العقول بين الدم و غيره، و بين مقدار الدرهم و الأقلّ منه، و بين دم القروح و الجروح و غيره .. إلىٰ غير ذلك من التعبّديات؟! فالفقيه كلّ الفقيه من يقف على التعبّديات، و لا يستبعد شيئاً منها بعد ما رأى رواية أبان في الدية «4».

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 121، مستمسك العروة الوثقى 1: 566.

(2) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 594/ السطر 15.

(3) جواهر الكلام 6: 121، مصباح الفقيه: 594/ السطر 15.

(4) الكافي 7: 299/ 6، الفقيه 4: 88/ 283، تهذيب الأحكام 10: 184/ 719، وسائل الشيعة 29: 352، كتاب الديات، أبواب ديات الأعضاء، الباب 44، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 109

تعيين سعة الدرهم

ثمّ إنّ البحث في أطراف كون الدرهم هو البغلي أو الوافي، و كونهما واحداً أو متعدّداً، و كون وزنه درهماً و ثلثاً، لا فائدة فيه في المقام.

و ما هو مفيد: البحث عن تعيين سعته التي هي موضوع الحكم نصّاً و فتوى، لكن لا طريق لنا إليه؛

لاختلاف الكلمات في ذلك.

و ما نسب إلى الحلّي من كونه قريباً من أخمص الراحة «1» ليس علىٰ ما ينبغي؛ قال في محكي «السرائر»:

«إنّ الشارع عفىٰ عن ثوب و بدن أصابه منه دون سعة الدرهم الوافي المضروب من درهم و ثلث.

و بعضهم يقولون: دون قدر الدرهم البغلي المضروب المنسوب إلىٰ مدينة قديمة يقال لها: «بغل» قرية من «بابل» بينهما قريب من فرسخ، متصلة ببلد «الجامعين» يجد فيها الحَفَرة دراهم واسعة، شاهدت درهماً من تلك الدراهم. و هذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة «السلام» المعتاد، يقرب سعته من سعة أخمص الراحة» «2» انتهىٰ.

و هذا كما ترى بعد الغضّ عن نحو إجمال فيه، ليس شهادة برؤية الدرهم الوافي و أنّ سعته كذا، بل شهادة برؤية درهم ممّا وجدها الحَفَرة، من غير تعرّض لكون ما شاهده عين الوافي.

______________________________

(1) روض الجنان: 166/ السطر 2، رياض المسائل 2: 374.

(2) السرائر 1: 177.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 110

مع أنّ الشهادة في ذلك مبنيّة على الحدس و الاجتهاد و لو فرض رسم فيه يدلّ علىٰ كونه وافياً أو بغلياً؛ لاحتمال ضرب الحَفَرة دراهم علىٰ نعت الدراهم القديمة اختلاقاً؛ لجلب الأنظار و بيعها بثمن غالٍ علىٰ طالبي الآثار القديمة.

كما أنّه لا اعتماد علىٰ مدعي الخبرة في هذا العصر، و لا على الدراهم المنقوشة ممّا يزعم الناظر أنّها من الآثار القديمة؛ لكثرة الخدعة و الاختلاق، و عدم الوثوق بأقوالهم و ما في أيديهم.

فمقتضى القاعدة الاقتصار على الأقلّ فيما دار الأمر بينه و بين الأقلّ منه.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 111

المطلب الثالث عدم جواز إدخال النجاسات في المساجد

اشارة

و من أحكام النجاسات: عدم جواز إدخالها في المساجد و لو مع عدم التعدّي.

قال الشيخ في «الخلاف»:

«لا يجوز للمشركين أن يدخلوا المسجد الحرام، و لا شيئاً من المساجد؛ لا بإذن و لا بغير إذن».

ثمّ تمسّك بالآية الشريفة الآتية. ثمّ قال:

«و إذا ثبت نجاستهم فلا يجوز أن يدخلوا شيئاً من المساجد؛ لأنّه لا خلاف في أنّ المساجد يجب أن تجنّب النجاسات» «1» انتهىٰ.

و عن الحلّي في مقام الاستدلال علىٰ طهارة ميّت الإنسان:

«و لا خلاف بين الأُمّة كافّة أنّ المساجد يجب أن تجنّب النجاسات العينية، و قد أجمعنا بغير خلاف بيننا أنّ من غسّل ميّتاً له أن يدخل المسجد، و يجلس فيه» «2» انتهىٰ.

______________________________

(1) الخلاف 1: 518.

(2) السرائر 1: 163.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 112

و قد أنكر المحقّق عليه جواز دخول الغاسل المسجد «1»، و لم ينكر عليه دعواه عدم الخلاف بين الأُمّة تجنّب المساجد.

و لأحد أن يقول: إنّ معقد عدم الخلاف وجوب تجنّب المساجد النجاسات، و الظاهر من تجنّبها منها أو المتيقّن منه هو وجوب تجنّبها عن التلوّث بالقذارة، لا حرمة إدخال النجاسة غير المتعدّية فيها، و لعلّ استدلالهما علىٰ ما ذكراه مبني على اجتهادهما و استظهارهما الإطلاق من معقد الإجماع، و هو ليس بحجّة.

و منه يظهر النظر فيما عن «كشف الحقّ» في توجيه الاستدلال بالآية: «بأنّه لا خلاف في وجوب تجنّب المساجد كلّها النجاسات بأجمعها» «2» فضلًا عمّا عن «المفاتيح» من نفي الخلاف عن إزالة النجاسة عنها «3»، فإنّ «الإزالة» ظاهرة في رفع تلوّث المسجد عنها، أو منصرفة إليه، و أمّا إخراج النجس غير المتعدّي منها فلا يقال له: «الإزالة».

فالمتيقّن من تلك الدعاوي وجوب تنزّه المساجد عن التنجّس أو حرمة تنجّسها، أو وجوب إزالتها عنها، سيّما مع دعوى الحلّي عدم الخلاف في جواز

دخول من غسّل الميّت المساجدَ و الجلوسَ فيها «4» و هو و إن استدلّ به علىٰ أمر آخر، لكن نحن نأخذ بروايته، و نترك درايته كما أشار إليه الشيخ الأعظم «5».

______________________________

(1) المعتبر 1: 350.

(2) نهج الحقّ و كشف الصدق: 436.

(3) مفاتيح الشرائع 1: 74.

(4) السرائر 1: 163.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 370/ السطر 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 113

حول التمسّك بآية إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ ..

و استدلّ «1» على حرمة إدخال مطلق النجاسات فيها و لو مع عدم التعدّي قوله تعالىٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ «2».

و قد مرّ في باب نجاسة الكافر تقريب أنّ المراد بالنجاسة المعنى المعهود «3»، فلا نعيده.

نعم، هاهنا مناقشة أُخرى في دلالتها: و هي أنّ النهي قد تعلّق بالفعل الاختياري؛ أي دخول المشركين المسجد، و مقتضى تفريع الحكم علىٰ نجاستهم أنّ كلّ نجس لا يدخله، فيعمّ الحكم سائر طوائف الكفّار، و أمّا إدخال النجس فيه فلا؛ لاحتمال دخالة الفعل الاختياري من نجس العين في الحكم، و هذا الاحتمال سيّال في جميع الأوامر و النواهي المتعلّقة بالأفعال الاختيارية، إلّا أن تقوم القرينة علىٰ إلغاء الخصوصية.

لكنّها مدفوعة: بأنّ النهي عن القرب متفرّع على النجاسة، فيدلّ علىٰ أنّ نجاستهم تمام الموضوع لعدم الدخول، لا الاختياري منه، فدخالة الاختيارية خلاف الظاهر. مع أنّ العرف يساعد علىٰ إلغاء خصوصية الاختيار، سيّما في المقام الذي يؤكّده مناسبة الحكم و الموضوع.

نعم، هنا أمر آخر: و هو أنّ حمل المصدر على الذات لا يصحّ إلّا بادعاء

______________________________

(1) انظر مدارك الأحكام 2: 305، جواهر الكلام 6: 93.

(2) التوبة (9): 28.

(3) تقدّم في الجزء الثالث: 403.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 114

و

تأوّل، و هو لا يصحّ إلّا في مقام المبالغة، سيّما مع المقارنة لكلمة إنّما المفيدة للحصر أو التأكيد، فكأنّه قال: «لا حيثية للمشركين إلّا حيثية القذارة» أو «المشركون بتمام حقيقتهم عين القذارة».

و هذه الدعوىٰ إنّما تحسن و تصير بليغة إذا كان المشرك خبيثاً في باطنه، و نجساً في ظاهره، و لا تكون له نقطة طهارة و لو ادعاء، و إنّما تفرّع عدم قرب المسجد الحرام علىٰ هذه المرتبة من النجاسة الادعائية، و هي مختصّة بالمشرك، أو هو و سائر الكفّار، و أمّا سائر النجاسات فلا دليل علىٰ إلحاقها بهم ما لم يدع لها ما ادعي، فالحكم لم يتفرّع على النجِس بالكسر حتّى يتعدّىٰ إلىٰ سائر النجاسات، بل علىٰ ما بلغ مرتبة يدعىٰ له هذه الدعوىٰ علىٰ سبيل المبالغة.

و لعلّ ما ذكرناه هو مراد من قال بغلظة نجاستهم «1»، فلا يرد عليه ما قيل: «إنّ أغلظية نجاسة الكافر من الكلب أو دم الحيض، غير معلومة» «2».

و بالجملة: إسراء الحكم من هذه الحقيقة الادعائية المبنية علىٰ ما أشرنا إليه إلىٰ غيرها مشكل، بل ممنوع.

و لا يتوهّم: أنّ أعيان النجاسات كلّها عين النجَس- بالفتح و ذلك أنّ شيئاً منها ليس كذلك، بل لها ذوات و حقائق غير هذا المعنى المصدري، أو الحاصل من المصدر. نعم يصدق عليها النجِس بالكسر بلا تأوّل، لكن لم يتفرّع عليه الحكم.

ثمّ إنّ هاهنا كلاماً آخر: و هو أنّ قوله فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا. لا يبعد أن يكون كناية عن عدم دخولهم للحجّ و عمل المناسك؛

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 1: 122.

(2) جواهر الكلام 6: 95.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 115

بقرينة قوله بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا المتفاهم منه عدم

قربهم في سائر الأعوام، و مع كون المعهود من شدّ رحال المشركين في كلّ سنة إلى المسجد الحرام لعمل المناسك، لم يبقَ للآية ظهور في الكناية عن مطلق الدخول، بل لا يبعد أن تكون كناية عن الدخول للعمل، أو عمل المناسك المستلزم للدخول.

ففي «المجمع»: «و العام الذي أشار إليه هو سنة تسع الذي نادى فيه عليّ (عليه السّلام) بالبراءة، و قال: «لا يحجّنّ بعد هذا العام مشرك» «1».

و

في «البرهان» عن العيّاشي، عن حَريز، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بعث أبا بكر إلىٰ أن قال-: و قال أي قال عليّ (عليه السّلام): لا يطوف بالبيت عريان و لا عريانة و لا مشرك بعد هذا العام» «2».

و

عنه، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «خطب عليّ (عليه السّلام) بالناس و اخترط سيفه، و قال: لا يطوفنّ بالبيت عريان، و لا يحجّنّ بالبيت مشرك ..» «3»

إلىٰ آخره.

و

عن الصدوق بسنده عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: «إنّما سمّي: الأكبر» أي الحجّ «لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون و المشركون، و لم يحجّ المشركون بعد تلك السنة» «4».

______________________________

(1) مجمع البيان 5: 32، مستدرك الوسائل 9: 408، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 37، الحديث 2.

(2) البرهان في تفسير القرآن 2: 101/ 6، تفسير العيّاشي 2: 73/ 4، وسائل الشيعة 13: 401، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 53، الحديث 7.

(3) البرهان في تفسير القرآن 2: 101/ 9، تفسير العيّاشي 2: 74/ 7، وسائل الشيعة 13: 401، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 53، الحديث 5.

(4) البرهان في تفسير القرآن 2: 102/ 25، علل

الشرائع: 442/ 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 116

و

في بعض الروايات: «فكان ما نادى به: أن لا يطوف بعد هذا العام عريان، و لا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك» «3».

و لا يبعد أن يكون الظاهر من تلك الروايات: أنّ النهي عن القرب لأجل الحجّ و الطواف و أعمال المناسك لا مطلقاً. لكن الظاهر تسالمهم علىٰ عدم جواز تمكين الكفّار المسجد الحرام.

ثمّ إنّ إلحاق سائر المساجد به بعد عدم إلغاء الخصوصية عرفاً؛ لما له من العظمة و الأحكام الخاصّة يحتاج إلىٰ دليل. و دعوىٰ عدم القول بالفصل «4» غير مسموعة، بل هو غير حجّة ما لم يرجع إلى الإجماع على التلازم.

جواز إدخال النجاسات غير المتعدّية إلى المساجد

و لو سلّم عدم القول بالفصل بين تمكينهم سائر المساجد و تمكينهم المسجد الحرام، لكن عدم القول بالفصل بين تمكينهم و إدخال النجاسة سائر المساجد لو نوقش في دلالة الآية بما تقدّم، أو عدم القول بالفصل بين حرمة إدخال النجاسات في المسجد الحرام، و بين إدخالها في سائر المساجد علىٰ فرض تسليم دلالتها بالنسبة إلى المسجد الحرام بحيث يرجع إلىٰ الإجماع على التلازم أنّىٰ لنا بإثباته؟! فالقول بجواز إدخال النجاسات غير المتعدّية غير المستلزمة لهتك حرمة المسجد، لا يخلو من قوّة؛ فإنّ عمدة الدليل علىٰ عدم الجواز دعوى

______________________________

(3) البرهان في تفسير القرآن 2: 102/ 14، تفسير العيّاشي 2: 76/ 12، وسائل الشيعة 13: 401، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 53، الحديث 6.

(4) مدارك الأحكام 2: 305، جواهر الكلام 6: 93.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 117

الإجماع و الشهرة و دلالة الآية، و قد تقدّم الكلام فيهما.

و أمّا قوله تعالىٰ وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ

«1» فهو أجنبي عن إدخال النجاسة غير المتعدّية فيها. مع أنّ الخطاب لإبراهيم (عليه السّلام) أو هو و إسماعيل (عليه السّلام) كما في آية أُخرى «2».

و أمّا ما

عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «جنّبوا مساجدكم النجاسة» «3»

ففي سنده و دلالته إشكال؛ إذ استنادهم إليه غير ثابت، و احتمال أن يكون المراد بالمساجد محالّ السجدة قريب.

هذا مضافاً إلىٰ ما دلّت علىٰ جواز اجتياز الجنب و الحائض المساجد؛ بما لا يمكن حملها على الجواز الحيثي،

كصحيحة أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام): «إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرسول، فاحتلم فأصابته جنابة، فليتيمّم، و لا يمرّ في المسجد إلّا متيمّماً، و لا بأس أن يمرّ في سائر المساجد، و لا يجلس في شي ء من المساجد» «4».

و هي كما ترى ظاهرة في أنّ الذي احتلم يجوز له الاجتياز، و هو حكم فعلي لا حيثي.

و قريب منها

روايته الأُخرىٰ إلّا أنّ فيها: «و كذلك الحائض إذا أصابها

______________________________

(1) الحجّ (22): 26.

(2) قال اللّٰه تعالىٰ وَ عَهِدْنٰا إِلىٰ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ ..، البقرة (2): 125.

(3) المعتبر 2: 449، تذكرة الفقهاء 2: 433، وسائل الشيعة 5: 229، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 24، الحديث 2.

(4) تهذيب الأحكام 1: 407/ 1280، وسائل الشيعة 2: 206، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 15، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 118

الحيض تفعل ذلك، و لا بأس أن يمرّا في سائر المساجد، و لا يجلسان فيها» «1».

و هذه بملاحظة ذيلها أوضح دلالة. مضافاً إلىٰ أنّه قلّما يتفق كون الحائض طاهرة. بل لعلّ نوع النساء لا يتجنّبن عن بعض النجاسات

في أيّام الحيض، فتجويز دخولها في المساجد ملازم لتجويز دخول النجاسة.

و تدلّ عليه ما وردت في المستحاضة: من جواز دخولها في المسجد، و جواز الطواف لها «2». و السيرة المستمرّة علىٰ تمكين الصبيان، بل إدخالهم في المساجد. بل ادعيت السيرة علىٰ عدم منع أصحاب القروح و الجروح و من به دم قليل عن الجمعة و الجماعات «3».

و هذه كلّها شاهدة علىٰ عدم العموم في الآية، و عدم إمكان إلغاء الخصوصية، و عدم صحّة دعوى عدم القول بالفصل بين حرمة تمكين الكفّار المسجد الحرام أو مطلق المساجد، و بين إدخال سائر النجاسات غير المتعدّية.

و ممّا ذكر ظهر عدم حرمة إدخال المتنجّس فيها مع عدم السراية.

حرمة إدخال النجاسات السارية لاستلزامه تنجيس المساجد

و أمّا إدخال النجاسات السارية، فالظاهر أنّ حرمته لا بعنوان إدخالها فيها، بل بعنوان تنجيس المساجد، و هو القدر المتيقّن من الإجماعات. بل حرمة التنجيس معروفة لدى المتشرّعة.

و هما العمدة فيها، و أمّا سائر ما استدلّ لها كقوله تعالىٰ

______________________________

(1) الكافي 3: 73/ 14، وسائل الشيعة 2: 205، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 15، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1 و 8.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 370/ السطر 16، مصباح الفقيه، الطهارة: 585/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 119

وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ .. «1» إلىٰ آخره، و

رواية الثمالي التي لا يبعد صحّتها، عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها: «إنّ اللّٰه أوحىٰ إلىٰ نبيّه أن طهّر مسجدك، و أخرج من المسجد من يرقد بالليل، و مر بسدّ أبواب من كان له في مسجدك باب إلّا باب عليّ (عليه السّلام) و مسكن فاطمة (عليها السّلام) و لا يمرّن

فيه جنب» «2»

، و صحيحة الحلبي الواردة في زُقاق قذر بينه و بين المسجد «3»، و رواية عليّ بن جعفر الواردة في إصابة بول الدابّة المسجد أو حائطه «4» .. إلىٰ غير ذلك فغير تامّ:

إذ الآية الشريفة مع كونها مربوطة بالامم السالفة، لا يبعد أن يكون المراد من «التطهير» فيها هو التنظيف العرفي و الكنس، لا التطهير من النجاسة؛ بمناسبة قوله لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ .. «5» إلىٰ آخره. مع أنّ التعدّي من المسجد الحرام يحتاج إلىٰ دليل.

و رواية الثمالي راجعة إلىٰ مسجد النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و التعدّي منه إلىٰ غيره يحتاج إلىٰ دليل بعد عدم إمكان إلغاء الخصوصية عرفاً.

و رواية الزقاق أجنبية عن المقام؛ فإنّ الظاهر منها أنّ مورد الكلام تنجّس الرِّجل المانع عن الصلاة.

______________________________

(1) الحجّ (22): 26.

(2) الكافي 5: 339/ 1، وسائل الشيعة 2: 205، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 15، الحديث 1.

(3) الكافي 3: 38/ 3، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 4.

(4) مسائل عليّ بن جعفر: 188/ 380، قرب الإسناد: 205/ 794، وسائل الشيعة 3: 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 18.

(5) البقرة (2): 125.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 120

و رواية عليّ بن جعفر لا تدلّ على المطلوب بعد طهارة أبوال الدوابّ، فيمكن أن يكون وجه السؤال معهودية كراهة الصلاة مع تلوّث المسجد.

و قد يستدلّ علىٰ ذلك بالأخبار المستفيضة الدالّة علىٰ جواز اتخاذ الكنيف مسجداً بعد تطهيره، مثل

صحيحة الحلبي: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) في مسجد يكون في الدار، فيبدو لأهله أن يتوسّعوا بطائفة منه، أو يحوّلوه عن مكانه، فقال: «لا بأس

بذلك».

قال فقلت: أ فيصلح المكان الذي كان حشّا زماناً حشي رماداً (خ ل) أن ينظّف و يتخذ مسجداً؟ قال: «نعم، إذا القي عليه من التراب ما يواريه، فإنّ ذلك ينظّفه و يطهّره» «1».

و قريب منها رواية أبي الجارود «2» و صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان «3».

و مثل

رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سأله عن بيت كان حشّا زماناً، هل يصلح أن يجعله مسجداً؟ قال: «إذا نظّف و أُصلح فلا بأس» «4».

و

رواية مَسْعدة التي لا يبعد أن تكون موثّقة «5» عن جعفر بن

______________________________

(1) الفقيه 1: 153/ 713، وسائل الشيعة 5: 208 و 209، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 10 و 11، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 368/ 2، تهذيب الأحكام 3: 259/ 727، وسائل الشيعة 5: 210، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 11، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 3: 260/ 730، وسائل الشيعة 5: 210، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 11، الحديث 4.

(4) قرب الإسناد: 289/ 1142، وسائل الشيعة 5: 211، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 11، الحديث 7.

(5) راجع تنقيح المقال 3: 212/ السطر 5 (أبواب الميم).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 121

محمّد (عليهما السّلام): أنّه سأل أ يصلح مكان حشّ أن يتخذ مسجداً؟ فقال: «إذا القي عليه من التراب ما يواري ذلك و يقطع ريحه فلا بأس، و ذلك لأنّ التراب يطهّره، و به مضت السنّة» «1».

و استدلّ بعضهم بها علىٰ وجوب تطهير ظاهر المسجد دون باطنه مطلقاً، أو في خصوص مورد الأخبار، و بعضهم علىٰ عدم وجوبه مطلقاً «2».

أقول: لا يبعد أن يكون المساجد في تلك الروايات، غيرَ المساجد المعهودة التي

هي محلّ البحث، بل المراد منها الأمكنة التي اتخذت في البيت مسجداً، كما قد يشهد صدر الروايات الثلاث المتقدّمة، و يشعر به قوله: «يتخذ مسجداً».

و يحتمل في بعضها أن يكون المراد من «اتخاذ المسجد» اتخاذها محلّا يسجد عليه، فيكون سؤاله عن جواز السجدة علىٰ مكان كان حشّا بعد تنظيفه.

و أمّا الحمل على السؤال عن بناء المسجد أو الوقف للمسجدية، فبعيد عن سوق الروايات.

و ربّما تشهد لما ذكرناه

رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «الأرض كلّها مسجد إلّا بئر غائط أو مقبرة» «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 3: 260/ 729، وسائل الشيعة 5: 210، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 11، الحديث 5.

(2) راجع مجمع الفائدة و البرهان 2: 160، جواهر الكلام 14: 98 100، مصباح الفقيه، الطهارة: 586/ السطر 3.

(3) تهذيب الأحكام 3: 259/ 728، وسائل الشيعة 5: 211، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 11، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 122

و لو أُريد بها المساجد المعهودة، فمقتضى الجمع بينها جواز جعل الكنيف بعد تطهيره و تنظيفه مسجداً، و عليه يحمل المطلق منها، و أمّا إلقاء التراب فلكمال النظافة، لا للتطهير الشرعي، و لهذا أمر به مع فرض السائل تنظيفه.

و حمل «التنظيف» في لسان السائل على الكنس مع بقاء النجاسة «1»، لا وجه معتدّ به له.

و كيف كان: لا يمكن التشبّث بتلك الروايات علىٰ جواز تنجيس بواطن المساجد، أو عدم وجوب تطهيرها.

نعم، ربّما يقال: إنّ المتيقّن من معاقد الإجماع و الروايات تطهير ظواهرها «2».

و فيه: أنّ «المسجد» عنوان معهود و اسم للمعبد المعهود بين المسلمين، و المعنى الوضعي منسي، و الإجماع القائم علىٰ تجنّب المساجد النجاسات،

يدلّ علىٰ وجوب ما يصدق عليه هذا العنوان، و هو مجموع ما جعلت للمعبدية: أرضها إلىٰ مقدار متعارف، و سقفها و جدارها داخلًا و خارجاً، و ليس «المسجد» من قبيل المطلق حتّى يؤخذ بالقدر المتيقّن فيه، بل هو كالعلم اسم لهذه البنْية.

فالأظهر حرمة تنجيس أجزائه ظاهراً و باطناً. بل لا يبعد استفادة حرمة تنجيس حصيرة و فرشه بالمناسبات المغروسة في الأذهان من النبوي و معقد الإجماع. بل الظاهر معهوديتها لدى المتشرّعة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 14: 99.

(2) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 586/ السطر 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 123

وجوب إزالة النجاسة عن المساجد و المشاهد و المصاحف و التربة

ثمّ إنّه كما يحرم تنجيسه يجب إزالة النجاسة منه، و لا يبعد أن يكون

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «جنّبوا مساجدكم» «1»

و كذا معاقد الإجماعات، ظاهرةً في وجوب الإزالة.

لكن المتفاهم منها عرفاً أنّ الأمر بها و بتجنّب المساجد؛ لمبغوضية تنجيسها حدوثاً و بقاءً. و منه يعلم أنّ وجوب الإزالة فوري عقلًا؛ لاستفادة مبغوضية تلوّث المساجد مطلقاً من الأدلّة.

و يلحق بالمساجد المصحف الشريف، و المشاهد المشرّفة، و الضرائح المقدّسة، و التربة الحسينية، سيّما المتخذة للتبرّك و الاستشفاء و السجدة عليها، بلا إشكال مع لزوم الوهن، بل مطلقاً علىٰ وجه موافق للارتكاز. بل لا يبعد أن يكون المناط في نظر المتشرّعة و ارتكازهم في وجوب تجنّب المساجد النجاسات، هو حيثية عظمتها و حرمتها لدى الشارع الأقدس، أو كون التنجيس مطلقاً هتكاً عنده و لو لم يكن عندنا كذلك.

هذا بالنسبة إلىٰ غير الخطّ من المصحف، و أمّا هو فلا ينبغي الإشكال في حرمة تنجيسه، و وجوب الإزالة عنه؛ لارتكازية الحكم لدى المتشرّعة، و لفحوىٰ قوله تعالىٰ لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «2» الظاهر منه

مبغوضية مسّ غير الطاهر إيّاه بأيّ وجه اتفق، و المفهوم منه الحكم فيما نحن فيه، سيّما أنّ الظاهر من الآية الكريمة أنّ المناط فيها غاية علوّ القرآن و عظمته و كرامته.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 117.

(2) الواقعة (56): 79.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 125

المطلب الرابع فيما يعتبر في التطهير بالماء

اعتبار انفصال الغسالة عند التطهير بالقليل

يعتبر في التطهير بالماء القليل انفصال الغسالة على النحو المتعارف، ففي مثل الأجسام التي لا يرسب فيها النجاسة كالبدن و الجسم الصقيل يكفي صبّ الماء بنحو ينفصل غسالته عنها، و فيما ترسب النجاسة فيه و تنفذ، لا بدّ من إخراج الغسالة بالعصر أو بغيره بأيّ نحو يمكن:

لا لقيام إجماع أو شهرة عليه، كما قد يدعىٰ «1»، فإنّ الظاهر من تعليل من يدعي الشهرة أو الإجماع أنّ الاستناد لم يكن إليهما، بل المسألة من التفريعات التي يدخلها الاجتهاد، و في مثلها لا يكون الإجماع حجّة، فضلًا عن الشهرة.

بل الظاهر أنّه لم يكن للشارع إعمال تعبّد في تطهير النجاسات، إلّا ما استثني ممّا نصّ علىٰ كيفية تطهيره. و الشاهد عليه: أنّ الروايات الواردة في باب تطهير أنواع النجاسات علىٰ كثرتها لم تزد على الأمر بالغسل أو الصبّ في

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 176/ السطر 6، الحدائق الناضرة 5: 365، مستند الشيعة 1: 266.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 126

بعض الموارد، من غير تعرّض لبيان الكيفية إلّا نادراً. و التنصيصُ في بعض الموارد على التعدّد كالبول «1» أو علىٰ كيفية خاصّة كالولوغ «2»، دليل علىٰ كونها في مقام البيان في سائر النجاسات أيضاً، فإطلاق الأمر بالغسل فيها، يكشف عن عدم طريقة خاصّة في التطهير، فدعوى ورود تعبّد خاصّ زائداً علىٰ لزوم الغسل، في غير محلّها.

و لا

لأنّ «الغسل» متضمّن للعصر لغةً أو عرفاً؛ و إن قال المحقّق في «المعتبر»: «الغسل يتضمّن العصر، و مع عدم العصر يكون صبّاً».

ثمّ قال: و يجري ذلك أي قولهم: «يغسل الثياب و البدن» مجرى قول الشاعر: علفتها تبناً و ماء بارداً «3».

ثمّ استشهد

برواية الحسين بن أبي العلاء، حيث قال في الجسد: «يصبّ عليه الماء مرّتين» و في الثوب: «اغسله مرّتين» «4»

فجعل الصبّ مقابل الغسل.

ثمّ قال: «أمّا الفرق بين الثوب و البدن: فلأنّ البول يلاقي ظاهر البدن، و لا يرسب فيه، فيكفي صبّ الماء؛ لأنّه يزيل ما علىٰ ظاهره، و ليس كذلك الثوب؛ لأنّ النجاسة ترسخ فيه، فلا تزول إلّا بالعصر» «5» انتهىٰ.

و الظاهر من كلامه أنّ العصر مأخوذ في مفهوم «الغسل» فلا بدّ في الثياب من الغسل، و لا يكفي فيها الصبّ؛ لأنّه لا يزيل النجاسة التي رسبت فيها، و سائر

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 516، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 70.

(3) و تمامه: علفتها تبناً و ماء بارداً حتّى شتت همالة عيناها انظر جامع الشواهد 2: 100.

(4) يأتي تمام الرواية في الصفحة 130.

(5) المعتبر 1: 435.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 127

كلامه تعقيب لما فهم من معنى «الغسل».

و لا يبعد أن يكون قوله: «و هو مذهب علمائنا» استشهاداً بفهمهم لتضمّن «الغسل» العصرَ، لا دعوى الإجماع علىٰ حكم تعبّدي. و إنّما قلنا: لا لذلك؛ لأنّ «الغسل» صادق عرفاً و لغةً علىٰ صبّ الماء على البدن لإزالة القذارة و غيرها، و قد ورد الأمر بغسل الجسد و البدن و الوجه و اليدين في الكتاب «1» و السنّة «2» إلىٰ ما

شاء اللّٰه من غير شائبة تجوّز و تأوّل.

و سيأتي الكلام في مثل رواية الحسين بن أبي العلاء «3».

و توهّم اعتبار العصر في مفهوم «غسل الثياب» و نحوها دون غيرها، فيكون «الغسل» مشتركاً لفظياً «4»، في غاية الفساد يردّه العرف و اللغة.

و لا لأنّ خروج الغسالة و انفصالها معتبر في مفهوم «الغسل» كما يظهر من المحقّق القمّي «5» علىٰ ما ببالي لمنع ذلك، و صدقه مع عدم انفصالها عرفاً.

و لا لأنّ مفهوم «الإزالة» مأخوذ في ماهية الغسل، كما قال به في «مصباح الفقيه» «6» ضرورة صدقه على الفاقد لها أيضاً، فيصدق علىٰ صبّ الماء على اليد و لو لم تكن قذرة، كالغسلتين في الوضوء.

بل لأنّ الظاهر من أدلّة غسل النجاسات: أنّ الأمر به غيري لإزالة

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 402، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 7، الحديث 10، و الباب 12، الحديث 9، و الباب 13، الحديث 3 و 4، و الباب 14، الحديث 3.

(3) يأتي في الصفحة 130.

(4) انظر منتهى المطلب 1: 175/ السطر 30.

(5) غنائم الأيّام 1: 440.

(6) مصباح الفقيه، الطهارة: 599/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 128

النجاسة، و لا يكون عنوان «الغسل» بما هو مطلوباً حتّى نقتصر في تحقّقه علىٰ أوّل المصاديق بأيّ نحو وجد، و لا شبهة في أنّ إزالة النجاسة و إرجاع الأجسام إلىٰ حالتها الأصلية، تختلف باختلاف الأجسام و اختلاف النجاسات، فإذا أمر بغسل الثوب من المني، يفهم العرف منه أنّه لا بدّ من الفرك و الدلك و الغمز و نحوها، لا لاعتبارها في مفهوم «الغسل» بل لأنّه توصّلي إلىٰ حصول النظافة للجسم و رجوعه إلىٰ حالته الأصلية، و هو

لا يحصل إلّا بها.

و إذا أمر بغسل اليد من البول الذي لا جرم له، لا يفهم منه إلّا صبّ الماء عليه و إخراج غسالته؛ لأنّ ملاقاة البول لا توجب حصول أثر يحتاج إلى الدلك؛ و إن احتاج إلىٰ إخراج غسالته لزوال القذارة به.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الغسل بالماء إنّما يوجب النظافة و رفع القذارة، لأنّه إذا صبّ على المحلّ و غسل به، يوجب ذلك انتقال القذارة منه إليه، فمع بقاء الغسالة على المحلّ لا يرتفع القذارة، فلو يبس الثوب المغسول بالماء من غير إخراج غسالته، تبقىٰ قذارته عرفاً، بخلاف ما لو خرجت منه، فالمعتبر في التطهير ليس العصر بعنوانه، بل المعتبر خروج الغسالة بأيّ علاج كان، و هو أمر عقلائي متفاهم من الأوامر الواردة في غسل النجاسات.

و هذا بالنسبة إلى القذارات التي يدرك العرف قذارتها، لا إشكال فيه، و لا في مساعدة العرف عليه.

و إن كانت حكمية بنظر العرف؛ بأن لا يبقى في الملاقي أثر من الملاقى، لكن تتنفّر الطباع بمجرّد ملاقاته، كملاقاته لبدن الميّت، أو العَذِرة اليابسة، أو ملاقاة طعامه لها، فإنّ غسله لرفع النفرة لا يتحقّق إلّا بانفصال الغسالة.

و أمّا النجاسات الجعلية الإلحاقية كالكافر و الكلب و نحوهما، فهي أيضاً كذلك لأنّ الغسل كما عرفت لإزالة القذارة، و هي تتوقّف علىٰ إخراج الغسالة بالعصر أو

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 129

ما يقوم مقامه في القذارات العرفية، فإذا جعل الشارع قذارة لشي ء، و أوجد مصداقاً من القذارة في عالم التعبّد، يجب على المكلّف ترتيب آثار القذارة العرفية عليه.

نعم، لمّا لم يكن التنزيل و الجعل إلّا في نفس القذارة لا غير، يكون حكمه حكم القذارات غير العينية إذا لم يلصق

من أعيانها على الملاقي، كالمثال المتقدّم، فلا يحتاج في التطهير إلى الدلك و نحوه.

اعتبار انفصال الغسالة حتّى مع القول بعدم انفعال الغسالة

ثمّ إنّ ما ذكرناه من لزوم العصر أو ما يقوم مقامه لإخراج الغسالة، ثابت حتّى مع القول بعدم انفعال الغسالة «1»؛ فإنّ عدم انفعالها لا يلازم إزالة النجاسة عن المحلّ المتوقّفة علىٰ إخراج الماء و انفصاله.

نعم، لو قلنا: بأنّ المحلّ يصير طاهراً قبل خروج الغسالة، و مع بقائها فيه ينفعل ثانياً بها، لكان للتفصيل وجه. لكن المبنىٰ غير صحيح؛ لأنّ طهارة المحلّ و نظافته إنّما تحصل بمرور الماء على المحلّ القذر، و خروجِه منه، فلو صبّ الماء في إناء قذر، و قلنا بعدم انفعاله، فمع بقائه فيه حتّى ييبس، لا يصير طاهراً نظيفاً بحكم العقلاء و لو لم ينفعل الماء، فالنظافة موقوفة علىٰ إزالة النجاسة و ذهابها بوسيلة مرور الماء على المحلّ؛ سواء انفعل أم لا.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الماء يزيل القذارة بمروره على المحلّ و انفصاله عنه، لا بانتقال النجاسة إليه محضاً. مضافاً إلىٰ أنّ الأقوى انفعال الغسالة، و عدم التلازم بين طهارة المحلّ و طهارتها، كما هو المقرّر في محلّه «2».

______________________________

(1) المبسوط 1: 92.

(2) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 130

عدم منافاة الأخبار الواردة في غسل البول للمختار

ثمّ إنّ الأخبار الواردة في غسل البول

كصحيحة الحسين بن أبي العلاء على الأصحّ «1» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن البول يصيب الجسد، قال: «صبّ عليه الماء مرّتين؛ فإنّما هو ماء»

و سألته عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله مرّتين»، و سألته عن الصبي يبول على الثوب، قال: «يصبّ عليه الماء قليلًا، ثمّ يعصره» «2»،

و صحيحة البَزَنْطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد، قال: «صبّ عليه الماء مرّتين؛ فإنّما هو ماء» سألته عن الثوب، قال: «اغسله مرّتين» «3»

لا

تدلّ على اعتبار العصر أو نحوه في مفهوم «الغسل» و هو واضح.

و لا تدلّ علىٰ أنّ الصبّ ليس بغسل، بل تدلّ علىٰ أنّ الغسل المطلوب لإزالة القذارة، يحصل في مثل البول و الجسد بالصبّ من غير احتياج إلى الدلك و الغمز، و لهذا يفهم العرف منه أنّ الصبّ بوجه خاصّ تزال به القذارة مطلوب، لا مطلقه و لو لم يمرّ على المحلّ، و لم تخرج غسالته.

و إنّما قال في الثوب: «اغسله» لأجل أنّه لو قال: «صبّ عليه» لتوهّم

______________________________

(1) الحسين بن أبي العلاء الخفّاف هو أبو علي الأعور و أخواه علي و عبد الحميد و كان الحسين أوجههم، و لا ريب في كونه إمامياً و لكن اختلفوا في وثاقته، فمنهم من أثبتها و منهم من أنكرها، و لكنّ المصنّف (قدّس سرّه) رجّح جانب الوثاقة.

رجال النجاشي: 52/ 117، الفهرست: 54/ 194، تنقيح المقال 1: 317/ السطر 11.

(2) الكافي 3: 55/ 1، وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 4، و: 397، الباب 3، الحديث 1.

(3) السرائر 3: 557، وسائل الشيعة 3: 396، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 131

منه عدم لزوم إخراج غسالته ردعاً لبناء العقلاء في كيفية الغسل، و أمر بالغسل لمعهودية كيفيته إذا كان لإزالة القذارة.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ ما يعتبر في التطهير إخراج الغسالة و انفصالها بأيّ علاج كان. بل لو كان «العصر» مصرّحاً به في الروايات، لما كان ينقدح منه في الأذهان إلّا الطريقية لخروج الغسالة، لا موضوعية عنوانه بحيث لم يقم مقامه ما فَعل فعلَه.

اعتبار انفصال الغسالة عند التطهير بالجاري و نحوه

ثمّ إنّه يظهر ممّا مرّ من أنّ عدم انفعال ماء الغسالة،

لا يلازم عدم لزوم إخراجها في التطهير: أنّه يعتبر في الغسل بالماء الجاري و الكثير المعتصم، خروج الماء المحيط بالثوب و لو بتغيّره و تبدّله؛ و لو في داخل الماء، بأيّ نحو كان: من الغمز، أو تموّج الماء، أو قوّة حركته و جريانه .. إلىٰ غير ذلك.

فالاكتفاء في التطهير بمطلق إصابة الثوب الكرّ أو الجاري، مشكل لا دليل عليه. و الأخذ بإطلاق أدلّة الغسل «1» بعد ما مرّ من مساعدة العرف في كيفية التطهير علىٰ إمرار الماء على المحلّ لإذهاب القذارة في غير محلّه.

كما أنّ التمسّك «2»

بمرسلة الكاهلي الواردة في المطر، و فيها: «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «3»

مع دعوى عدم القول بالفصل بينه و بين الجاري، بل

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 601/ السطر 6، مستمسك العروة الوثقى 2: 36.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 601/ السطر 7.

(3) الكافي 3: 13/ 3، وسائل الشيعة 1: 146، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 132

عدمِ القول به بينه و بين الكثير، مضافاً إلى المرسل المحكي عن «المنتهىٰ» عن أبي جعفر (عليه السّلام) مشيراً إلىٰ غدير ماء: «إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلّا طهّره» «4» مشكل؛ لضعف المرسلة و لو سلّم جبرها بالعمل، كما لا يبعد، و سيأتي في محلّه «1».

فعدم القول بالفصل و الإجماع على التلازم بين المطر و الجاري و الكرّ، غير ثابت. بل مقتضىٰ إطلاق كثير من الأصحاب علىٰ ما حكي عدم الفرق في لزوم العصر بين القليل و غيره «2» و لو لبنائهم علىٰ كون العصر مأخوذاً في مفهوم «الغسل».

و مرسلة «المنتهىٰ» غير حجّة، و اشتهار الحكم بين المتأخّرين بل و استنادهم

إليها لا يوجب الجبر مع عدم معلومية الاستناد إليها.

فالأحوط لو لم يكن الأقوىٰ لزوم الفرك، أو العصر، أو التحريك، أو نحوها ممّا يوجب تبدّل الماء الداخل في الجملة.

و الظاهر تحقّقه بالغمس في الجاري الذي يكون جريانه محسوساً، سيّما إذا كان قويّاً.

بل الظاهر حصول ذلك في القليل في بعض الأحيان، كما إذا صبّ من مكان مرتفع بقوّة، أو صبّ على الثوب مستمرّاً؛ بحيث خرجت الغسالة بورود الماء بعد ورود مستمرّاً.

______________________________

(4) لم نعثر عليه في «المنتهي» و الصحيح هو «المختلف». و الظاهر أنّ المصنّف (قدّس سرّه) أخذه من المصباح.

انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 601/ السطر 9، مختلف الشيعة 1: 15، مستدرك الوسائل 1: 198، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 8.

(1) يأتي في الصفحة 331.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 601/ السطر 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 133

كفاية صبّ الماء علىٰ بول الصبي و عدم لزوم غسله

ثمّ إنّه يستثنىٰ ممّا ذكر بول الصبي قبل أن أكل و أُطعم، و قد ادعى السيّد إجماع الفرقة المحقّة علىٰ جواز الاقتصار علىٰ صبّ الماء و النضح، ثمّ تمسّك بما

روي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: «يغسل من بول الجارية، و ينضح من علىٰ (خ ل) بول الصبي ما لم يأكل الطعام».

و

بما روت زينب لباب (خ ل) بنت الجون: أنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أخذ الحسين بن عليّ (عليهما السّلام) فأجلسه في حجره، فبال عليه، قالت فقلت له: لو أخذت ثوباً و أعطيتني إزارك لأغسله، فقال: «إنّما يغسل من بول الأُنثىٰ، و ينضح علىٰ بول الذكر» «1»

انتهىٰ. و الروايتان من غير طرق أصحابنا «2».

و كذا ادعى الشيخ إجماع الفرقة فيه

علىٰ كفاية الصبّ بمقدار ما يغمره، و عدم وجوب غسله «3».

و عن غير واحد من المتأخّرين دعوى عدم الخلاف، و أنّه مذهب الأصحاب «4».

و تدلّ عليه مضافاً إلىٰ ذلك

صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن بول الصبي، قال: «تصبّ عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلًا،

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 8.

(2) سنن أبي داود 1: 155/ 375، و: 156/ 377، سنن ابن ماجة 1: 174/ 522 و 525.

(3) الخلاف 1: 484 485.

(4) مدارك الأحكام 2: 332، ذخيرة المعاد: 164/ السطر 29، مفاتيح الشرائع 1: 74، الحدائق الناضرة 5: 384، جواهر الكلام 6: 160.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 134

و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء» «1»

و نحوها عن «فقه الرضا (عليه السّلام)» «2».

و

عن الصدوق في «معاني الأخبار»: أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) اتي بالحسن بن عليّ (عليهما السّلام) فوضع في حجره فبال، فقال: «لا تزرموا ابني» ثمّ دعا بماء فصبّ عليه «3».

و

عن «دعائم الإسلام»: قال الصادق (عليه السّلام) في بول الصبي: «يصبّ عليه الماء حتّى يخرج من الجانب الآخر» «4».

و

موثّقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام): «أنّ عليّاً (عليه السّلام) قال: لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم؛ لأنّ لبنها يخرج من مثانة أُمّها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل أن يطعم؛ لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين» «5».

و روى في «فقه الرضا (عليه السّلام)» نحوها، عنه (عليه السّلام) «6» و قريب منها ما عن

______________________________

(1) الكافي 3: 56/ 6، وسائل الشيعة 3:

397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 2.

(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 95، مستدرك الوسائل 2: 554، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 1.

(3) معاني الأخبار: 211/ 1، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 4.

(4) دعائم الإسلام 1: 117، مستدرك الوسائل 2: 555، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 5.

(5) تهذيب الأحكام 1: 250/ 718، وسائل الشيعة 3: 398، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 4.

(6) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 95، مستدرك الوسائل 2: 554، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 135

«الجعفريات» عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) «1».

و

عنها، عن جعفر بن محمّد، عن عليّ (عليهم السّلام): «أنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بال عليه الحسن و الحسين (عليهما السّلام) قبل أن يطعما، فكان لا يغسل بولهما من ثوبه» «2».

و لا منافاة بين ما دلّ علىٰ عدم الغسل من بوله، و بين ما دلّ علىٰ وجوب الصبّ؛ فإنّ دلالة الأوّل علىٰ طهارته و عدم لزوم شي ء، بالسكوت في مقام البيان، و هو لا يقاوم التصريح بالصبّ. بل في كون موثّقة السكوني و ما بمضمونها في مقام البيان من هذه الجهة منع؛ فإنّ الظاهر أنّها في مقام بيان نكتة الفرق بين بول الغلام و الجارية بعد معهودية أصل الفرق.

و أمّا

موثّقة سَماعة قال: سألته عن بول الصبي يصيب الثوب، فقال: «اغسله». قلت: فإن لم أجد مكانه، قال: «اغسل الثوب كلّه» «3».

فطريق الجمع بينها و بين صحيحة الحلبي تقييدها بها. و يمكن حملها على الاستحباب

و كمال النظافة؛ تحكيماً لنصّ رواية السكوني علىٰ ظاهرها.

و أمّا

رواية الحسين بن أبي العلاء الصحيحة على الأصحّ «4» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن البول يصيب الجسد قال: «صبّ عليه الماء مرّتين؛

______________________________

(1) الجعفريات، ضمن قرب الإسناد: 12، مستدرك الوسائل 2: 554، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 3.

(2) الجعفريات، ضمن قرب الإسناد: 12، مستدرك الوسائل 2: 554، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 251/ 723، و: 267/ 785، وسائل الشيعة 3: 398، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 3.

(4) الحسين بن أبي العلاء هو أبو علي الأعور، و لا ريب في كونه إمامياً و لكن اختلفوا في وثاقته، فمنهم من أثبتها و منهم من أنكرها، و لكنّ المصنّف (قدّس سرّه) رجّح جانب الوثاقة.

رجال النجاشي: 52/ 117، الفهرست: 54/ 194، تنقيح المقال 1: 317/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 136

فإنّما هو ماء». و سألته عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله مرّتين».

و سألته عن الصبي يبول على الثوب، قال: «يصبّ عليه الماء قليلًا، ثمّ يعصره» «1».

فليس المراد من «العصر» فيها العصر المعهود في غسل الثياب؛ بقرينة مقابلة صبّ الماء قليلًا و العصر، مع غسل الثوب في بول غير الصبي، فإنّه لو كان المراد منه صبّ الماء و العصر على النحو المعهود في غسل سائر النجاسات لقال: «اغسله» و لو كان الفرق بين بوله و بول غيره بالمرّة و المرّتين لقال: «اغسله مرّة» فتغيير التعبير دليل علىٰ عدم لزوم الغسل، فلو كان العصر هو المعهود لزم منه وجوب الغسل، و هو ينافي المقابلة سيّما مع تقييد الصبّ بكونه قليلًا، و هو دليل

آخر علىٰ عدم لزوم الغسل، و علىٰ عدم كون العصر لإخراج الغسالة.

بل الظاهر أنّه لإيصال الماء إلىٰ جوف الثوب؛ فإنّ من طباع البول- لحرارته أن يرسب في الثوب، و من طباع الماء البارد أن لا يرسب عاجلًا إلّا بالعلاج، سيّما مع قلّته، فلا منافاة بينها و بين صحيحة الحلبي المقتصر فيها على الصبّ، فإنّه أيضاً لا يكفي إلّا مع الغلبة على البول و وصول الماء إلىٰ جميع ما وصل إليه البول، و لا يكفي الصبّ علىٰ ظاهر الثوب لتطهير باطنه، كما هو الظاهر من رواية «الدعائم» المتقدّمة «2»، فإنّ الخروج من الجانب الآخر من الثوب لوصوله إلىٰ كلّ ما وصل إليه البول في غالب الثياب، فلا تعارض بين الروايات بحمد اللّٰه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 130.

(2) تقدّم في الصفحة 134.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 137

حول إلحاق الصبية بالصبي

و هل تلحق الصبية بالصبي؟ ظاهر «الخلاف» بل «الناصريات» الإجماع علىٰ عدم الإلحاق «1». و عن «المختلف» الإجماع على اختصاص الحكم بالصبي «2». و عن جمع دعوى الشهرة عليه «3».

و عن «الذكرى»: «و في بول الصبية قول بالمساواة» «4»، و لعلّه استظهره من محكي عبارة الصدوقين «5»، حيث أوردا عبارة «الرضوي» بعينها «6» و اختاره صاحب «الحدائق» صريحاً «7».

و الأقوى عدم الإلحاق كما عليه الأصحاب؛ لإعراضهم عن ذيل الصحيحة. مع معارضتها لموثّقة السكوني «8»، حيث إنّها نفت التفرقة بينهما،

______________________________

(1) الخلاف 1: 484 485، الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 8.

(2) نقله عنه صاحب مفتاح الكرامة، لكن لم نعثر عليه في «المختلف» كما قاله صاحب الجواهر أيضاً.

انظر مفتاح الكرامة 1: 177/ السطر 8، جواهر الكلام 6: 167.

(3) مدارك الأحكام 2: 333، ذخيرة المعاد: 165/ السطر 3، جواهر

الكلام 6: 167.

(4) ذكرى الشيعة 1: 123.

(5) انظر المعتبر 1: 437، الفقيه 1: 40/ 156، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 48/ السطر 23.

(6) هذا نصّ عبارة الرضوي: «و إن كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صبّاً و إن كان قد أكل الطعام فاغسله، و الغلام و الجارية سواء»، الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 95، مستدرك الوسائل 2: 554، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 1.

(7) الحدائق الناضرة 5: 386.

(8) تقدّمت في الصفحة 134.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 138

و هي صرّحت بها، و لا جمع عقلائي بينهما و مع التعارض فإن قلنا: بأنّ الشهرة مرجّحة، فالترجيح مع الموثّقة.

و إن قلنا: بأنّها موهنة لمخالفها، فالوهن للصحيحة.

و إن قلنا: بأنّ موافقة السنّة القطعية مرجّحة، فالترجيح للموثّقة.

و إن قلنا: بأنّ العمومات مرجع لدى التعارض، فعمومات غسل النجاسات و غسل البول مرّتين حاكمة علىٰ عدم المساواة.

موضوع الحكم هو الصبي الذي لم يطعم أو لم يأكل

ثمّ إنّ الظاهر المتفاهم من الأدلّة: أنّ الموضوع للحكم هو الصبي الذي لم يطعم، أو لم يأكل الطعام، كما هو معقد إجماع «الخلاف» «1» بل «الناصريات» كما يظهر من عنوان البحث فيها، و هو المراد من «الرضيع» في خلال كلامه «2»، كما هو ظاهر.

و هو و مقابله مأخوذان في الروايات المحكية من طرقهم و طرقنا «3» عدا «فقه الرضا (عليه السّلام)» الذي لم يثبت كونه رواية، و لا شبهة في أنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام) في

صحيحة الحلبي: «فإن كان قد أكل فاغسله»

أنّه إذا كان متغذّياً و آكلًا بشهوته و إرادته على النحو المعهود؛ بحيث يقال: «إنّه صار متغذّياً» للفرق بين قوله: «إذا أكل فاغسله» و قوله: «فإن كان قد أكل» لأنّ الثاني ظاهر فيما ذكرناه

دون الأوّل.

______________________________

(1) الخلاف 1: 484.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 1.

(3) تقدّمت في الصفحة 133 135.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 139

و كذا الحال في قوله (عليه السّلام) في موثّقة السكوني: «قبل أن يطعم» و قوله (عليه السّلام): «ما لم يأكل الطعام» .. إلىٰ غير ذلك من التعابير.

و ليس الرضيع موضوعاً للحكم حتّى يقال: بانصرافه إلىٰ من لم يبلغ سنتين. و احتمال كون العنوانين كناية عن عدم كونه رضيعاً، و في مقابله الرضيع، لا يساعده الظاهر، و لهذا لا يحتمل كون بول المولود آن ولادته قبل الرضاع، كبول سائر الناس، و لا أظنّ التزام أحد بذلك. إلّا أن يقال: بصدق «الرضيع» عليه؛ بمعنى كونه في سنّ الرضاع، و هو كما ترى مجاز في مجاز.

و ممّا ذكرناه من كون الموضوع هو الصبي الذي لم يطعم و لم يأكل، يتّضح ثبوت الحكم للصبي الذي شرب من لبن كافرة أو خنزيرة، فضلًا عن بقرة و نحوها.

بل لا يبعد ثبوته لمن شرب من الألبان الجافّة المعمولة في هذه الأعصار، علىٰ إشكال، سيّما إذا كان ممزوجاً ببعض الأغذية، بل الأقرب عدم الثبوت في هذا الفرض.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من ثبوت الحكم للمذكورات؛ إنّما هو لإطلاق الأدلّة، و دعوى انصرافها عنها إنّما تسمع علىٰ تأمّل في بعضها إذا كان الموضوع للحكم الرضيع، و الاستئناس أو الاستدلال لوجوب الغسل في بعضها بموثّقة السكوني «1» بدعوىٰ: أنّ مقتضى التعليل فيها وجوبه «2» كما ترى؛ فإنّ التعليل علىٰ فرض العمل به، تعبّدي يناسب استحباب الغسل لا لزومه؛ ضرورة أنّ اللبن إذا خرج من المثانة، لا يوجب ذلك نجاسته لو أُريد الملاقاة للنجس في الباطن. و مع ذلك هو غير

مربوط بالاغتذاء باللبن النجس، كما هو ظاهر.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 134.

(2) راجع جواهر الكلام 6: 166، مستمسك العروة الوثقى 2: 47.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 140

حكم بول صبي الكافر

نعم، في إلحاق بول طفل الكافر نوع تردّد، ناشئ من أنّ ملاقاته لجسمه يمكن أن يلحقه الأثر الزائد و إن لم ينجّسه. و يأتي ذلك التردّد فيما إذا لاقىٰ بوله نجساً آخر، و استهلك ذلك النجس فيه.

و لو لاقى المحلّ بعد ملاقاته لبول الصبي نجساً آخر كبول غيره فالظاهر وجوب غسله، و عدم الاكتفاء بالصبّ.

عدم كفاية النضح و الرشّ عن الصبّ

ثمّ إنّ الظاهر من الأخبار المعتمدة لزوم الصبّ، فلا يكفي النضح و الرشّ، و هو معقد إجماع «الخلاف» «1».

و لا يبعد أن يكون عطف السيّد في «الناصريات» «النضح» على «الصبّ» «2» إنّما أراد به ما يصدق عليه «الصبّ» كبعض مصاديقه، و لهذا لم يعطفه ب «أو» إذ من البعيد استناده في الفتوىٰ إلى الروايتين المتقدّمتين «3» من طرقهم، و إنّما استدلّ بهما إقحاماً لهم، كما هو دأبه، و كذا دأب شيخ الطائفة و بعض آخر من أصحابنا. كما أنّهم ربّما يستدلّون في الأحكام بأُمور تشبه القياس إرغاماً لهم، لا استناداً إليها، و ظنّ الغافل غير ذلك، و ربّما طعن بهم و العياذ باللّٰه.

و كيف كان: فالأقوىٰ عدم كفاية الرشّ. و دعوىٰ إلغاء الخصوصية لو

______________________________

(1) الخلاف 1: 484.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 8.

(3) تقدّمتا في الصفحة 133.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 141

فرضت قاهرية الماء بالرشّ مع تكرّره «1» و إن لا تخلو من وجه، لكنّ الأوجه خلافها؛ لاحتمال كون الدفعة دخيلة في التطهير، و القاهرية التدريجية غير كافية. بل العرف يساعد علىٰ ذلك في أبواب التطهير و إزالة النجاسات.

عدم لزوم إخراج غسالة بول الصبي و طهارتُها

ثمّ إنّ الظاهر من الأخبار: أنّ مجرّد صبّ الماء علىٰ بوله موجب لطهارته؛ من غير لزوم خروج الغسالة و جري الماء على المحلّ، و لازمه عرفاً عدم نجاسة ما انفصل منه لو فرض انفصاله بعصر أو غيره؛ للفرق الواضح بين غسالته و غسالة سائر النجاسات بحسب اقتضاء الأدلّة؛ فإنّ كيفية تطهير سائرها علىٰ ما مرّ «2» بصبّ الماء على المحلّ القذر و إجرائه عليه؛ لإزالة القذارة بذلك، بمعنى أنّ الماء بإجرائه على المحلّ و انفصاله يذهب بقذارته، فصار الماء

قذراً، و المحلّ طاهراً؛ لانتقال قذارته إلى الماء، و هو أمر يساعد عليه العرف و العقلاء في رفع القذارات العرفية، كما هو واضح، و لهذا قلنا بنجاسة الغسالة حتّى المطهِّرة «3».

و أمّا بول الرضيع الذي بيّن الشارع كيفية تطهيره، و أخطأ العرف فيها، فلا ينبغي الإشكال في أنّ المتفاهم من أدلّتها: أنّ غلبة الماء عليه مطهّرة من غير انفعاله به، و إلّا فلا يحكم بجواز بقائه في الثوب حتّى ييبس، و معه كيف يمكن التفكيك عرفاً بين الماء الذي في المحلّ؛ فيقال

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 163.

(2) تقدّم في الصفحة 128 129.

(3) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 142

بطهارته إذا كان فيه، و نجاسته إذا انفصل منه؟! و بالجملة: فرق واضح بين الغسلة المزيلة للنجاسة بجريانها و انفصالها، و بين الماء المطهّر للمحل بنفس إصابته و قاهريته و لو لم يخرج منه، فالقول بالتفكيك كالقياس على الغسالة «1» ضعيف جدّاً.

كيفية تطهير ظاهر الفراش و باطنه

ثمّ إنّ ما ذكرناه في صدر المبحث من اعتبار حصول الغسل في النجاسات لإزالتها و تطهيرها، و هو يتوقّف علىٰ قاهرية الماء على المحلّ و خروج غسالته؛ لتحصيل الإزالة و إذهاب القذارة بمرور الماء و خروجه هو مقتضى الأدلّة الواردة في غسل النجاسات، و ليس للشارع إلّا فيما استثني طريقة خاصّة في ذلك، و لا إعمال تعبّد، فحينئذٍ يكون غسل الفرش المحشوّة بالصوف أو القطن ممكناً:

أمّا ظاهرها: فبإجراء الماء عليه و عصرها، و لا تسري النجاسة من باطنها إليه بمجرّد رطوبة متصلة ما لم يلاقِ النجسَ برطوبة. و ملاقاة أحد الطرفين لا يوجب نجاسة الطرف الآخر، كما هو مقتضىٰ

صحيحة إبراهيم بن أبي

محمود قال: قلت للرضا (عليه السّلام): الطنفسة و الفراش يصيبهما البول، كيف يصنع بهما و هو ثخين كثير الحشو؟ قال: «يغسل ما ظهر منه في وجهه» «2».

و أمّا باطنها: فلا بدّ في تطهيره من حصول الغسل بالمعنى المتقدّم فيه، و هو يحصل بغمرها في الماء الكثير و تحريكها، أو غمزها أو عصرها لخروج الماء

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 607/ السطر 25.

(2) الكافي 3: 55/ 2، تهذيب الأحكام 1: 251/ 724، وسائل الشيعة 3: 400، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 5، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 143

الداخل فيها، أو صبّ الماء القليل عليها حتّى يقهر على النجاسة، ثمّ إخراج غسالته بوجه من العلاج.

و ربّما يتوهّم «1» من

رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) خلافُ ذلك، و أوسعيةُ الأمر فيها، قال: سألته عن الفراش يكون كثير الصوف، فيصيبه البول، كيف يغسل؟ قال: «يغسل الظاهر، ثمّ يصبّ عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتّى يخرج من جانب الفراش الآخر» «2».

بدعوىٰ دلالتها علىٰ عدم لزوم العصر و إخراج الغسالة.

و فيه أوّلًا: أنّ الظاهر منها إصابة البول لظاهر الفراش؛ للفرق بين قوله (عليه السّلام): «أصابه البول» و بين قوله: «بال عليه شخص» لأنّ الظاهر من الأوّل إصابة ظاهره، و لعلّ السؤال عنه و القيد بكثرة الصوف؛ لاحتماله لزومَ إخراج الصوف منه ثمّ غسله، و عدمَ تحقّق غسل ظاهره إلّا به، و الأمر بصبّ الماء عليه بعد غسل ظاهره؛ لعلّه لاحتمال السراية، كالرشّ الوارد في نظيره، و لهذا أمر بغسل ظاهره أوّلًا، ثمّ صبّ الماء عليه.

و تشهد لما ذكرناه

صحيحة إبراهيم بن عبد الحميد قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن

الثوب يصيبه البول، فينفذ إلى الجانب الآخر، و عن الفرو و ما فيه من الحشو، قال: «اغسل ما أصاب منه، و مسّ الجانب الآخر، فإذا أصبت مسّ من (خ ل) شي ء منه فاغسله، و إلّا فانضحه» «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 144، مصباح الفقيه، الطهارة: 601/ السطر 29.

(2) مسائل عليّ بن جعفر: 192/ 397، قرب الإسناد: 281/ 114، وسائل الشيعة 3: 400، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 5، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 55/ 3، وسائل الشيعة 3: 400، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 5، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 144

حيث أمره بالغسل في فرض نفوذ النجاسة إلى الباطن.

و ثانياً: أنّه من المحتمل أن يكون مراده من خروجه من الجانب الآخر، خروجَ جميعه أو معظمه، و لم يذكر العصر أو نحوه لعدم الاحتياج إلى الذكر بعد توقّفه عليه، تأمّل.

و ثالثاً: يمكن أن يكون الصوف الكثير في باطن الفراش بوجه لا يقبل الماء نوعاً، و خرج منه الغسالة بلا علاج.

و الإنصاف: أنّ رفع اليد عن إطلاق أدلّة الغسل الموافق للقواعد و ارتكاز العقلاء و خصوص صحيحة إبراهيم المتقدّمة، لا يجوز بمثل هذه الرواية.

هذا كلّه فيما يمكن فيها الغسل بالمعنى المعتبر في إزالة النجاسة.

كيفية تطهير ما لا ينفذ فيها الماء

و أمّا الأجسام التي لا يمكن فيها ذلك كالصابون و الحبوب و الفواكه، و ما يجري مجراها ممّا لا ينفذ الماء فيها، بل تنفذ الرطوبة فيها فالظاهر عدم إمكان تطهير بواطنها؛ لا بالماء الكثير، و لا بالقليل؛ فإنّ تطهيرها يتوقّف علىٰ مرور الماء المطلق عليها و خروجه منها لإزالة القذارة، كما مرّ مراراً «1»، و ليس للشارع تعبّد خاصّ في تطهير البواطن. و سيأتي في حال بعض الأخبار المتمسّك

بها لذلك.

كما أنّه ليس في الأدلّة ما تدلّ علىٰ قبول كلّية الأجسام للتطهير.

و ما قيل: «إنّه يستفاد من تتبّع الأخبار و كلمات الأصحاب: أنّ كلّ متنجّس حاله حال الثوب و البدن في قبوله للتطهير، و التشكيك في ذلك سفسطة» «2» غير وجيه، و لا مستند إلى دليل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 128 و 129 و 130 و 141.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 602/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 145

نعم، لا شبهة في أنّ تحقّق الغسل في كلّ متنجّس موجب للطهارة، و أمّا مع تعذّره لأجل عدم إمكان نفوذ الماء فيه، أو عدم إمكان إخراج غسالته منه فلا دليل علىٰ حصولِ الطهارة له و غمضِ الشارع عن الغسل، و الاكتفاءِ بغيره بدله، أو اكتفائه بغسل ظاهره لطهارة باطنه تبعاً من غير تحقّق الغسل إلّا بعض الروايات،

كرواية زكريّا بن آدم قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر، قطرت في قدر فيه لحم كثير؟

قال: «يهراق المرق، أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب، و اللحم اغسله و كله» «1».

و قريب منها خبر السكوني «2».

بدعوىٰ: أنّ مقتضىٰ إطلاقها إمكان غسل اللحم مطلقاً؛ سواء كان ممّا ينفذ فيه الماء أو لا، فتدلّ علىٰ جواز غسل مطلق اللحوم بل مطلق أجسام نحوها بماء كثير أو قليل يمرّ علىٰ ظاهرها، و طهارة باطنها بتبعه، و عدم لزوم مرور الماء أو سرايته و نفوذه إلىٰ باطنها؛ فإنّ اللحم الذي يكون رطباً و لزجاً و قد رسب فيه الماء المتنجّس، لا يرسب فيه الماء حتّى يتحقّق الغسل بالنسبة إلىٰ باطنه، فالأمر بغسله و أكله دليل علىٰ أنّ غسل ظاهره، كافٍ في طهارته ظاهراً و باطناً «3».

و

فيه: أنّ ما ذكر وجيه لو لم يقبل باطن اللحوم مطلقاً غسلًا، و أمّا مع قبول

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 279/ 820، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 8.

(2) الكافي 6: 261/ 3، وسائل الشيعة 24: 196، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 44، الحديث 1.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 604/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 146

كثير من أفرادها فلا وجه له؛ لأنّ الأمر بغسل اللحم و أكله لا يدلّ علىٰ قبول كلّ لحم ذلك، كما هو واضح.

فهل يمكن أن يقال: إنّ قوله: «اغسل ثوبك من البول و صلّ فيه» يدلّ علىٰ قبول كلّ ثوب الغسل، فلو فرض عدم إمكان غسل باطن ثوب لعارض، يكتفىٰ بظاهره و يصلّى فيه؟! بل لأحد أن يقول: إنّ الروايتين بما أنّهما تدلّان علىٰ توقّف جواز الأكل على الغسل الذي هو أمر عقلائي معهود دالّتان علىٰ أنّ ما لا يمكن غسله لا يجوز أكله، فلا يجوز أكل مثل الشحم و بعض أقسام اللحوم الذي لا يرسب فيه الماء، و لا يمكن غسله.

مضافاً إلىٰ أنّ في إطلاقهما لصورة العلم بنفوذ النجاسة إلىٰ باطن اللحم مع ندرة حصوله إشكالًا. بل لعلّ الجمع بين إفادةِ لزوم الغسل فيما يمكن غسل باطنه، و الاكتفاءِ بغسل الظاهر عن الباطن و طهارته تبعاً، بلفظ واحد غير ممكن، و كالجمع بين اللحاظين المختلفين، فتدبّر.

و الإنصاف: أنّ القول بتبعية الباطن للظاهر التي هي خلاف القواعد المحكمة بمثل هاتين الروايتين اللتين هما علىٰ خلاف المطلوب أدلّ، ممّا لا يمكن المساعدة عليه.

و أضعف منه التمسّك «1»

بمرسلة الكاهلي، و فيها: «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «2».

بدعوىٰ عدم

الفصل بينه و بين سائر المياه حتّى الماء القليل من هذه الجهة.

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 378/ السطر 15.

(2) الكافي 3: 13/ 3، وسائل الشيعة 1: 146، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 147

و مرسلة العلّامة في غدير الماء «1» مع الدعوى المذكورة.

و ذلك لمنع إصابة ماء المطر و إصابة الكرّ بواطن الأشياء، بل ما أصابها هو الرطوبة، و هي غير الماء عرفاً.

مع ضعف مرسلة العلّامة، و عدم الجابر لها، و عدم ثبوت الإجماع على الملازمة، سيّما مع القليل.

و أغرب منه التمسّك بمرسلة الصدوق «2» الحاكية لوجدان أبي جعفر (عليه السّلام) لقمة خبز في القذر، فأخذها و غسلها ليأكلها، فأكلها غلامه «3» لأنّها قضية شخصية لا يعلم كيفية قذارة الخبز، بل لا يعلم تأثّره من القذر، فضلًا عن العلم بقذارة باطنه.

و يتلوه في الضعف التشبّث «4» برواية طهارة طين المطر إلىٰ ثلاثة أيّام «5» و نحوها ممّا هي أجنبية عن المقام. مع أنّ في المطر كلاماً ربّما يلتزم فيه بما لا يلتزم في غيره.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ في كلّ جسم من المذكورات تحقّق الغسل بما هو معتبر فيه لإزالة النجاسة و لو بجعله مرّة أو مرّات في الماء العاصم لينفذ

______________________________

(1) مختلف الشيعة 1: 15، مستدرك الوسائل 1: 198، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 8.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 604/ السطر 30.

(3) الفقيه 1: 18/ 49، وسائل الشيعة 1: 361، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 39، الحديث 1.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 603/ السطر 3.

(5) الكافي 3: 13/ 4، تهذيب الأحكام 1: 267/ 783، وسائل الشيعة 3: 522، كتاب الطهارة، أبواب

النجاسات، الباب 75، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 148

الماء المطلق إلىٰ باطنها و يخرج منه صار طاهراً، و إلّا فمجرّد وصول الرطوبة و لو من الماء العاصم إليه، لا يوجب الطهارة.

و دعوىٰ وحدة الماء مع الرطوبة التي في الجوف «1»، غير مسموعة أوّلًا، و غير مفيدة للطهارة ثانياً، كما مرّ «2».

و أوضح منها فساداً دعوى: «أنّ المناط في التطهير علىٰ صدق نفوذ الكرّ فيه، و وصولِ الماء المطلق إلىٰ باطنه، و لا ملازمة بينه و بين إطلاق اسم «الماء» عليه، فإنّه لو سرت نداوة الماء إلىٰ خارج الإناء يطلق عرفاً: «أنّ ماءه نفذ فيه، و خرج منه» إطلاقاً حقيقياً، لكن لو لوحظ الأجزاء المائية السارية فيه بحَيالها لا يطلق عليها اسم «الماء» لاستهلاكها في الظرف» «3» انتهىٰ.

إذ لم يتضح كيف لا يصدق علىٰ ما سرىٰ فيه «الماء» و مع ذلك صدق نفوذ الماء فيه، و وصول الماء المطلق إلىٰ باطنه، و أنّه غسل باطنه بالماء، مع كون الرطوبة غير الماء عرفاً، و هل هذا إلّا تناقض ظاهر؟! و مجرّد لحاظ الأجزاء تارة مستقلا، و أُخرى تبعاً، لا يوجب صيرورة الرطوبةِ ماءً، و الماءِ رطوبةً.

و ليت شعري، ما الداعي إلىٰ هذه التكلّفات البعيدة عن الواقع و الأذهان لإثبات أمر لا دليل عليه، و أيّ دليل علىٰ قبول كلّ شي ء التطهير؟! فالأقوىٰ ما تقدّم.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 602/ السطر 15.

(2) تقدّم في الصفحة 144.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 602/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 149

لزوم إمرار الماء على الأرض في تطهيرها

و يظهر ممّا مرّ في كيفية غسل المتنجّسات: أنّه لو تنجّس الأرض تصير طاهرة بإمرار الماء القليل عليها، و إخراج

الغسالة، و لا يكفي صبّه عليها من غير الإمرار و الإخراج.

و رواية أبي هريرة «1» مع كونها ضعيفة، و تسميتها: «مقبولة» «2» غير مقبولة، و مجرّد تمسّك شيخ الطائفة «3» بها إرغاماً للقوم، لا يوجب مقبوليتها فيها نقل قضية مجهولة لا يعلم كيفيتها؛ لاحتمال أنّ الأعرابي بال عند باب المسجد؛ بحيث صار صبّ ذَنُوب من الماء عليه موجباً لخروج غسالته عن المسجد.

______________________________

(1)

عن أبي هريرة قال: قام أعرابيّ فبال في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): دَعوه و أهريقوا على بوله سَجلًا من ماء أو ذَنُوباً من ماء فإنّما بعثتم ميَسِّرين و لم تبعثوا معسِّرين.

صحيح البخاري 1: 164/ 214، سنن أبي داود 1: 157/ 380، سنن ابن ماجة 1: 176/ 530، سنن الترمذي 1: 99/ 147.

(2) ذكرى الشيعة 1: 130.

(3) الخلاف 1: 494.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 151

المطلب الخامس في اعتبار التعدّد في التطهير

لزوم الغسل مرّتين في تطهير البول بالماء القليل

يعتبر في تطهير البول عدا ما استثني بالماء القليل الغسل مرّتين من غير فرق بين الثوب و الجسد؛ لتظافر الأخبار عليه،

كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن البول يصيب الثوب، قال: «اغسله مرّتين» «1».

و نحوها صحيحة ابن أبي يعفور «2» و صحيحة الحسين بن أبي العلاء المتقدّمة «3».

و

صحيحة البَزَنْطي المنقولة عن «جامعه» قال: سألته عن البول يصيب الجسد، قال: «صبّ عليه الماء مرّتين؛ فإنّما هو ماء».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 251/ 721، وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 251/ 722، وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 2.

(3) تقدّم في الصفحة 130.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4،

ص: 152

و سألته عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله مرّتين» «1».

و

صحيحة أبي إسحاق النحوي ثعلبة بن ميمون الثقة على الأصحّ «2» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن البول يصيب الجسد، قال: «صبّ عليه الماء مرّتين» «3».

فالتفصيل بين الثوب و غيره بلزوم المرّتين في الأوّل و الاكتفاء بالمرّة في الثاني للخدشة في إسناد ما دلّ على المرّتين في الجسد «4» ضعيف؛ لصحّة الروايات المتقدّمة، و وثاقة رواتها على الأصحّ. مع أنّ الحكم مشهور بين الأصحاب، كما عن «البحار» و «المدارك» و «الكفاية» «5» و عن «المعتبر» نسبته إلىٰ علمائنا «6»، و عن «الذخيرة»: «أنّ عليه عمل الطائفة» «7» و ليس لهم مستند غيرها، فإسنادها مجبور لو فرض ضعفها.

و توهّم: أنّ حمل أخبار المرّتين على الاستحباب، أولىٰ من رفع اليد عن إطلاق الروايات الكثيرة المقتصرة على الأمر بالغسل، مؤيّداً بما دلّ على الاكتفاء بالمرّة في الاستنجاء، بعد عدم الفارق عرفاً بينه و بين غيره.

______________________________

(1) السرائر 3: 557، وسائل الشيعة 3: 396، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 7.

(2) راجع تنقيح المقال 1: 196/ السطر 5.

(3) تهذيب الأحكام 1: 249/ 716، وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 3.

(4) مدارك الأحكام 2: 336 337.

(5) بحار الأنوار 77: 129، مدارك الأحكام 2: 336، كفاية الأحكام: 13/ السطر 2.

(6) المعتبر 1: 435.

(7) ذخيرة المعاد: 161/ السطر 38.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 153

فاسد؛ لعدم الإطلاق في الأخبار؛ لأنّ كلّها أو جلّها في مقام بيان أحكام أُخر، فلا إطلاق فيها، كما تقدّم في غسل الفراش «1»؛ لكونها في مقام بيان كيفية غسل الفراش، لا حال البول،

فقوله (عليه

السّلام) في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود: «يغسل ما ظهر منها في وجهه» «2»

يراد منه أنّه يكتفىٰ بغسل ظاهره، و لا يجب إخراج حشوه أو غسله؛ لعدم الاحتياج إليه، و عدم الابتلاء إلّا بظاهره، فلا إطلاق فيها، و كذا الحال في غيرها.

نعم، لا يبعد الإطلاق

في صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» «3»

علىٰ إشكال فيه؛ لاحتمال كونه بصدد الفرق بين بول ما يؤكل و ما لا يؤكل، لا بصدد كيفية الغسل. و لو فرض الإطلاق في بعضها، فيقيّد بالمستفيضة الدالّة علىٰ وجوب التعدّد.

و التأييد بما في باب الاستنجاء في غير محلّه، فإنّه لو التزمنا فيه بكفاية المرّة فلا يمكن إلغاء الخصوصية؛ بعد ما نرىٰ فيه من التخفيف ما ليس في غيره.

لزوم إخراج الغسالة في كلّ غسلة

ثمّ إنّ الظاهر منها: أنّ المعتبر في كلّ غسلة هو إخراج الغسالة على النحو المتقدّم «4»، و أمّا الاكتفاء في الغسلة الأُولىٰ بإزالة العين كيفما اتفقت، فخلاف ظاهر الأدلّة حتّى بناءً علىٰ أنّ قوله: «مرّة للإزالة، و مرّة للإنقاء» من تتمّة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 142 144.

(2) تقدّم في الصفحة 142.

(3) الكافي 3: 57/ 3، تهذيب الأحكام 1: 264/ 770، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

(4) تقدّم في الصفحة 125.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 154

رواية ابن أبي العلاء المحكية في «المعتبر» و «الذكرى» «1» فإنّ الغسل للإزالة بنظر العرف هو بإمرار الماء و إخراج غسالته، لا الإزالة كيفما اتفقت.

فالمأمور به الغسلُ للإزالة لا الإزالةُ، كما لا يكتفى بالإنقاء كيفما اتفق، فكما أن الغسل للإنقاء لا يقتضي الاكتفاء بالإنقاء و

لو بغير الغسل، فكذا للإزالة، سيّما مع الارتكاز علىٰ أنّ للماء خصوصيةً، و أنّ للغسل لإزالة النجاسة لديهم كيفيةً معهودةً.

هذا كلّه مع أنّ الوثوق حاصل بعدم كون هذا الذيل من تتمّة الحديث، بل هو من اجتهاد الناقل؛ لعدم وجوده في شي ء من كتب الحديث، كما هو المحكي «2» و المشاهد. هذا كلّه حال بول غير الصبي.

عدم اعتبار تعدّد الصبّ في التطهير من بول الصبي

و أمّا بوله فالظاهر عدم اعتبار تعدّد الصبّ فيه؛ لإطلاق صحيحة الحسين المتقدّمة «3»، سيّما بعد وقوع السؤال عن بوله عقيب السؤال عن البول الذي أصاب الجسد و الثوب، و الأمر فيهما بالصبّ و الغسل مرّتين، إذ لا يبقى معه مجال توهّم عدم الإطلاق.

بل الظاهر إطلاق

صحيحة الحلبي أيضاً، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن بول الصبي، قال: «تصبّ عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلًا» «4».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 154

______________________________

(1) المعتبر 1: 435، ذكرى الشيعة 1: 124.

(2) ذخيرة المعاد: 161/ السطر 33، الحدائق الناضرة 5: 359 360، جواهر الكلام 6: 186 187، مصباح الفقيه، الطهارة: 611/ السطر 1.

(3) تقدّم في الصفحة 130.

(4) الكافي 3: 56/ 6، وسائل الشيعة 3: 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 155

فإنّ الظاهر أنّ سؤاله كان بعد الفراغ عن كيفية غسل بول غير الصبي، و إنّما كان شاكّاً في كيفية غسل بوله، فقوله (عليه السّلام): «تصبّ عليه الماء» لبيان كيفيته، و قوله (عليه السّلام): «فإن كان قد أكل»

لبيان غاية الحكم في الصبي، لا لبيان غسل بول غيره حتّى يقال: كما لم يذكر الكيفية في الثاني لعدم كونه في مقام بيانها فكذا بول الصبي.

و بالجملة: إنّ الظاهر كونه في مقام بيان كيفية غسل بول الصبي الذي هو محطّ السؤال، فيؤخذ بإطلاقه، لا لبيان كيفية غسل بول غيره، فلا إطلاق فيها من هذه الجهة، فلا ينبغي الإشكال في كفاية المرّة. هذا حال الغسل بالماء القليل.

كفاية المرّة في غسل البول بالماء الجاري لا الكرّ

و أمّا الجاري فيكفي فيه مرّة واحدة بلا خلاف على المحكي «1»، و تدلّ عليه

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله في المِرْكَن مرّتين، فإن غسلته في ماءٍ جارٍ فمرّةً واحدةً» «2».

و يمكن الاستدلال بها للاكتفاء بالغسل في الكرّ بمرّة واحدة بأن يقال: لا إشكال في أنّ قوله (عليه السّلام): «في المِرْكَن» كناية عن الغسل بالماء القليل، و إلّا فالكون في المِرْكَن لا دخالة له في الحكم، سيّما مع مقابلته للجاري، فكأنّه قال: «اغسله بالقليل مرّتين».

و لا ريب في أنّ لقيد القلّة دخالةً في إيجاب المرّتين، و مفهوم القيد و إن لم

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 195، مصباح الفقيه، الطهارة: 611/ السطر 22.

(2) تهذيب الأحكام 1: 250/ 717، وسائل الشيعة 3: 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 156

يكن حجّة في غير المقام، لكن فيه خصوصية لا بدّ من الالتزام بحجّيته: و هي عدم كون شي ء آخر صالح للقيام مقام القيد في إيجاب المرّتين؛ فإنّ ما يتوهّم إمكان قيامه هو الكثير المقابل للجاري و القليل المذكورين، و هو لا يصلح للنيابة؛ لأنّ دخالة القلّة في ثبوت حكم

لا يمكن مع دخالة الكثرة أيضاً، و كون الحكم للجامع بينهما يخالف ظاهر الرواية، فلا بدّ من القول: بأنّ القلّة علّة منحصرة، و مع فقدها لا يجب المرّتان، و الأكثر منهما مقطوع العدم، فيجب المرّة في غير القليل، و هو المطلوب.

و إنّما ذكر أحد مصاديق المفهوم و هو الجاري؛ لنكتة خفيّة علينا.

و قد قلنا سابقاً «2»: أنْ لا مفهوم للقضية الشرطية التي ذكرت تصريحاً بالمفهوم؛ و إن قلنا بالمفهوم في سائر الموارد. هذا مع أنّ الشرطية في المقام سيقت لبيان تحقّق الموضوع، و الوصف لا مفهوم له في غير المقام، فضلًا عن المقام الذي ذكرت القضية الثانية لبيان مفهوم القيد في القضية الأُولىٰ.

فتحصّل من ذلك: حجّية مفهوم القيد في الجملة الأُولى دون الثانية، فلا تعارض بينهما من حيث المفهوم، و إنّما ذكر الجاري و هو أحد مصاديق المفهوم لنكتة لعلّها كثرة وجوده في بلد السائل.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الصحيحة لإثبات المطلوب.

لكنّه محلّ إشكال و لو سلّم كون المِرْكَن كناية عن القلّة؛ لإمكان أن يكون النائب مناب القيد الركود لا الكثرة، فلا يأتي فيه ما تقدّم من البيان.

لا يقال: إنّ الركود مشترك بين القليل و الكرّ؛ فإنّ الجاري القليل حكمه مرّة، فلا معنى لنيابته عنه.

______________________________

(2) تقدّم في الصفحة 95.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 157

فإنّه يقال: يمكن أن تكون القلّة سبباً مستقلا، و الجريان مانعاً عن تأثيره، و الركود سبباً آخر، و إنّما نسب الحكم في القليل إلى القلّة لكونها كالوصف الذاتي للماء، بخلاف الركود المقابل للجريان، فإنّه من الأعراض اللاحقة، و الوصف الذاتي أسبق في التأثير.

هذا مع إمكان أن يقال: إنّ ذكر المِرْكَن ليس للاحتراز، بل لمجرّد

ذكر قسم من الماء، فحينئذٍ لأحد أن يعكس الأمر و يقول: إنّ توصيف الماء ب «الجاري» لدخالته في الحكم، و ليس شي ء ينوب منابه؛ إذ مقابل الجاري الراكد، و هو لا يصلح للنيابة؛ لعين ما تقدّم، فيكون للجملة الثانية مفهوم بعد عدم المفهوم للأُولىٰ، و إنّما ذكر المِرْكَن لأنّه أحد المصاديق، فتدلّ الرواية بمفهومها علىٰ وجوب التعدّد في غير الجاري.

لكنّه أيضاً محلّ إشكال؛ لأنّ الراكد و إن لم يصلح للنيابة، لكنّ الكثير يمكن أن ينوب عن الجاري، سيّما مع التناسب بينهما.

و لكن الإنصاف: أنّ إثبات حكم المرّة أو المرّتين في الكرّ بهذه الرواية، في غاية الإشكال، و الظاهر سكوتها عن حكم الكرّ.

و أمّا الاستدلال «1» على الاكتفاء بالمرّة

بمرسلة العلّامة المتقدّمة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) مشيراً إلىٰ غدير: «إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلّا طهّره» «2»

بدعوى انجبار سندها بالشهرة، و أقوائية دلالتها ممّا وردت في غسل البول مرّتين؛ لأنّها بالعموم، و تلك بالإطلاق. بل الإطلاق أيضاً صار موهوناً بخروج الجاري منها. بل يمكن إنكار دلالتها إلّا على القليل؛ لكثرة القليل،

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 611/ السطر 28، جواهر الكلام 6: 197.

(2) تقدّم في الصفحة 132.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 158

و قلّة الكثير في تلك البلاد، سيّما مع مقابلة الغسل للصبّ فيها، و مصبّه القليل.

ففيه: منع جبر السند بعمل المتأخّرين، مع عدم ثبوت الاشتهار بالعمل بها حتّى منهم.

و منع أقوائية دلالتها؛ لأنّها بالإطلاق أيضاً لا العموم، كما قرّر في محلّه «1». بل للمنع من أقوائية العموم من الإطلاق مجال.

و خروج الجاري لا يوجب وهناً في الإطلاق لو لم نقل بإيجابه القوّة، و لا مجال لإنكار إطلاقها حتّى فيما اشتملت على الصبّ،

فضلًا عن غيرها. و قلّة الكثير في بلد السائل كابن مسلم و أبي إسحاق و ابن أبي يعفور الكوفيين كما ترى.

و الاستدلال عليه «2» بروايات ماء الحمّام

كقوله (عليه السّلام): «هو بمنزلة الماء الجاري» «3»

و

قوله: «ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضه بعضاً» «4»

فرع إثبات عموم التنزيل، و هو ممنوع؛ لأنّ الناظر في الروايات لا ينبغي أن يشكّ في أنّ التنزيل في عدم الانفعال، و تقوّي بعضه ببعض آخر، و تطهيرِ المادّة الحياضَ كما هو الظاهر من الأسئلة و الأجوبة، فلا دلالة علىٰ عمومه، سيّما مع كون المعهود ذلك.

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 237، تهذيب الأُصول 1: 466.

(2) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 611/ السطر 32.

(3) تهذيب الأحكام 1: 378/ 1170، وسائل الشيعة 1: 148، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 1.

(4) الكافي 3: 14/ 1، وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 159

و دعوىٰ إلغاء الخصوصية عرفاً من

قوله (عليه السّلام): «فإن غسلته بالماء الجاري فمرّة واحدة» «1»

فإنّ الاكتفاء فيه بها ليس إلّا لقاهريته و استهلاك النجاسة فيه، و لا دخالة للمادّة و الجريان فيه. بل ربّما يدعى القطع بالمساواة «2».

فيها ما لا يخفى؛ لعدم مجال لإلغائها عرفاً بعد ما نرىٰ أنّ للجاري خصوصية عرفاً ولدي العقلاء. و من هنا لا ظنّ بالمساواة، فضلًا عن القطع بها، سيّما مع ما في الأحكام من المناطات التي تقصر العقول عن إدراكها.

و لقد أطنب المحقّق صاحب «الجواهر» و أكثر في الاستدلال على الاكتفاء، و لم يأتِ بشي ء مقنع يمكن التشبّث به في مقابل الإطلاقات و الأصل «3».

عدم الفرق بين بول الإنسان و غيره من الحيوانات غير المأكولة

ثمّ إنّ مقتضى الأدلّة عدم

الفرق بين بول الإنسان و غيره من الحيوانات غير المأكولة، و دعوى الانصراف و عدم الإطلاق «4» ضعيفة، كما لا يتوهّم فيما ورد في الدم و غيره، مع كونهما من قبيلة، أو أسوأ حالًا.

بل لا يبعد استفادة حكم سائر الأبوال لو فرض السؤال عن بوله الذي أصاب ثوبه، فإنّه كما تلغى الخصوصية من الثوب عرفاً تلغىٰ من البول، فيقال: إنّ الحكم لطبيعة البول، لا لبول نفسه أو نوعه، تأمّل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 155.

(2) جواهر الكلام 6: 196 197.

(3) جواهر الكلام 6: 195 198.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 613/ السطر 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 160

مضافاً إلىٰ أنّه لا قصور في إطلاق صحيحة ابن مسلم و أبي إسحاق و ابن أبي يعفور و غيرها «1»، و الظاهر منها أنّ الحكم لنفس طبيعته، و قلّة الابتلاء ببول غير الإنسان و كثرة الابتلاء ببوله، لا توجب الانصراف، كما لا تنصرف سائر المطلقات عن الإفراد القليلة الابتلاء بها. مع منع قلّة الابتلاء ببعض الأبوال.

مضافاً إلىٰ

موثّقة سَماعة قال: سألته عن أبوال الكلب و السنَّوْر و الحمار و الفرس، فقال: «كأبوال الإنسان» «2».

و مقتضى عموم التشبيه أنّ حدّ قذارتها كقذارة بوله، فلا بدّ من غسلها مرّتين. و حمل الحكم في الحمار و الفرس علىٰ محمل كالتقية و نحوها «3»، لا يوجب رفع اليد عن غيره. و الظاهر أنّ ذكر الكلب و السنَّوْر من باب المثال لكلّ ما لا يؤكل. و لو نوقش فيما ذكر ففي الإطلاقات كفاية.

لزوم التعدّد سواء زالت عين البول بشي ء آخر أو بالغسلة الأُولى

كما أنّ مقتضىٰ إطلاقها لزوم الغسل مرّتين و لو بعد جفاف البول، أو زواله بغير الماء، و كذا مقتضاه عدم لزوم كونهما بعد زوال العين إذا فرض زوالها بالغسلة

الأُولىٰ.

و بالجملة: ما يعتبر فيه هو المرّتان، سواء كانت عين البول زائلة بشي ء آخر، أو زالت بإحداهما، فيضمّ إليها الأُخرىٰ، و يكتفى بهما.

و القول: بالاكتفاء بالمرّة مع زوال العين و لو بالجفاف، أو بغير الماء؛

______________________________

(1) تقدّمت الروايات في الصفحة 151 152.

(2) تهذيب الأحكام 1: 422/ 1336، وسائل الشيعة 3: 406، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 7.

(3) كما حمله الشيخ الطوسي، انظر الاستبصار 1: 180، ذيل الحديث 627.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 161

بدعوىٰ أنّ الغسلة الأُولىٰ للإزالة، فإذا تحقّقت لا يحتاج إليها، بل يطهر مع مرّة، كما هو مقتضىٰ ذيل صحيحة الحسين علىٰ نقل المحقّق و الشهيد «1» «2».

ضعيف؛ لعدم الدليل علىٰ كون الاولىٰ لمجرّد الإزالة بأيّ نحو اتفقت، بل لا دليل علىٰ كونها لها مطلقاً، و قد مرّ الكلام في حال ذيل الصحيحة.

بل قلنا: إنّه مع فرضه أيضاً لا ينتج، فمقتضىٰ إطلاق الأدلّة لزومهما؛ جفّ أو لا، أُزيل بغير الغسل أو لا.

كما أنّ القول بكفاية المرّتين و لو لم تزل العين بالأُولىٰ «3»، ضعيف جدّاً؛ فإنّ فرض حصول الغسل بالأُولىٰ و بقاء عين البول، فرض غير واقع أو نادر جدّاً، و لو فرض تحقّقه في بعض الأحيان كما إذا تكرّر البول في شي ء و رسب، و بقي جرمه و رسوبه فيه فلا يطهر إلّا بالدلك و إزالة العين، ثمّ غسله مرّتين، و يكفي ضمّ غسله إلى الغسلة المزيلة.

عدم كفاية الغسل المستمرّ بقدر الغسلتين

و قريب منها في الضعف دعوى كفاية التقدير في الغسلتين؛ بمعنى الاكتفاء بالصبّ المستمرّ بقدر الغسلتين، بدعوىٰ: أنّ الأمر بالمرّتين لحصول النظافة، و هي تحصل بالاستمرار. بل ربّما يكون ذلك أوقع في التنظيف. بل لا دخالة لقطع الماء جزماً، و

ما هو المزيل و المطهّر جريان الماء و قاهريته، و قد حصلا بالاستمرار «4».

______________________________

(1) تقدّم تخريجهما في الصفحة 154، الهامش 1.

(2) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 610/ السطر 33، قواعد الأحكام 1: 8/ السطر 6.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 612/ السطر 4.

(4) انظر جواهر الكلام 6: 190، ذكرى الشيعة 1: 128.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 162

و فيها: أنّ تلك الدعاوي لا توجب رفع اليد عن ظاهر الأخبار المستفيضة. و دعوى الجزم بالمناط في غير محلّها في الأحكام التعبّدية.

فالأقوى اعتبار التعدّد و لو في الكرّ؛ بناءً على اعتباره فيه. و لا يكفي الجري تحت الماء مرّتين إلّا إذا حصل تعدّد الغسل عرفاً، كما لا يبعد حصوله بعض الأحيان، تأمّل.

فرع في عدم اعتبار التعدّد في التطهير عن غير البول

هل يختصّ اعتبار التعدّد بغسل البول، فيكفي في غيره غسله مرّة واحدة، أم يجري في سائر النجاسات؟

الأقوى الأوّل، كما نسب إلى الأكثر، بل المشهور «1»:

لا لإطلاق الأدلّة «2»؛ لعدم الإطلاق في جميع الأنواع، بل يتطرّق الإشكال في كثير من الموارد التي ادعي فيها الإطلاق. نعم لا يبعد في بعضها، لكن كفايته بالنسبة إلىٰ ما لا إطلاق فيه مشكلة.

و دعوىٰ عدم القول بالفصل «3» غير متجهة.

و ما يمكن دعوى الإطلاق فيها بالنسبة إلىٰ جميع النجاسات، ليست إلّا

مرسلة محمّد بن إسماعيل، عن أبي الحسن (عليه السّلام) في طين المطر: «أنّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام، إلّا أن يعلم أنّه قد نجّسه شي ء بعد المطر، فإن

______________________________

(1) مستند الشيعة 1: 286، مصباح الفقيه، الطهارة: 612/ السطر 22.

(2) انظر جواهر الكلام 6: 192 193، مصباح الفقيه، الطهارة: 612/ السطر 24.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 612/ السطر 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص:

163

أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله، و إن كان الطريق نظيفاً لم تغسله» «4».

بدعوىٰ: أنّ قوله (عليه السّلام): «فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله» يراد به أنّه إذا نجّسه شي ء من النجاسات، و مقتضى إطلاقها كفاية المرّة في مطلق النجاسات إلّا ما خرجت بالدليل.

لكنها مشكلة، بل ممنوعة؛ فإنّه بعد الغضّ عن كونها في مقام بيان حكم آخر فلا إطلاق فيها من هذه الجهة، أنّ ظاهرها لزوم الغسل بعد ثلاثة أيّام في فرض عدم العلم، و إلّا فلا وجه للفرق بين ثلاثة أيّام و بعدها، فلا بدّ من حمل الأمر على الاستحباب بعد المخالفة للقواعد، و الظاهر عدم التزامهم بمضمونها. مع أنّها ضعيفة أيضاً.

و أمّا غيرها، ففي موارد خاصّة «1» لا يمكن إلحاق غيرها بها بدعوىٰ إلغاء الخصوصية؛ بعد إعمال التعبّد في بعض الموارد، كالبول و الولوغ.

و لا لأصالة البراءة عن الغسلة الثانية بدعوىٰ: أنّ النجاسة في الحكميات انتزاعية من التكليف، فمرجع الشكّ في زوالها إلى الشكّ في لزوم المرّة أو المرّتين، فتدفع الثانية بالأصل، و لا يجري الاستصحاب «2».

إذ هي ضعيفة مخالفة لظواهر الأدلّة، و لقد قلنا سابقاً: إنّه ليس للشارع

______________________________

(4) الكافي 3: 13/ 4، تهذيب الأحكام 1: 267/ 783، وسائل الشيعة 3: 522، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 75، الحديث 1.

(1) مثل ما ورد في الكلب و الخنزير و الكافر و غيره.

راجع وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12 و 13 و 14 و 15 و 16، و 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33 و 34 و 38.

(2) جواهر الكلام 6: 193، مصباح الفقيه، الطهارة: 613/ السطر 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4،

ص: 164

المقدّس في باب النجاسات اصطلاح خاصّ، و قد تصرّف فيها بالإلحاق و الإخراج «1»، فالقذارة كما لدى العرف و العقلاء أمر قائم بالجسم، باقٍ فيه إلىٰ أن تزول بمزيل و لو في المعنوي منها بنظرهم، فكذلك لدى الشارع، و مع الشكّ في بقائها يجري الاستصحاب، و لا مجال لجريان أصالة البراءة.

و بالجملة: للقذارة مصداقان: عرفي، و جعلي وضعي، و لا ينبغي الإشكال في جريان الاستصحاب فيها، كما في أشباهها.

و لا

لقوله (عليه السّلام) «2»: «خلق اللّٰه الماء طهوراً لا ينجّسه شي ء» «3»

ضرورة عدم الإطلاق فيه للمقام، و مثله أجنبي عنه.

بل لأنّ الطهور و إزالة النجاسة لمّا كانا أمرين معلومين لدى العقلاء، و تكون كيفية حصولهما معهودة معروفة لديهم، و لهم طريقة عقلائية معمولة فيهما، و حصول الطهور و هو إرجاع الأمر المتلوّث بالقذارة إلىٰ حالته الأوّلية و نظافته الذاتية أمر معلوم لدى كلّ أحد، فلا محالة إذا حكم الشارع بعدم جواز الصلاة في الثوب المستقذر بالمني أو الدم مثلًا إلّا إذا طهّر، لا يشكّ العرف في كيفية رفع قذارته و حصول الطهارة له، فإذا تحقّق لا يرى العقلاء بقاء المانع أو عدم حصول الشرائط، إلّا أن يدلّ دليل على الخلاف.

و إن شئت قلت: إنّ ذلك نظير بناء العقلاء على العمل بشي ء، فإذا لم يرد منع عنه يكشف عن ارتضاء الشارع به. بل هو أولىٰ من ذلك؛ فإنّه أمر تكويني حاصل بالوجدان، فإذا قال الشارع: «إنّ الثوب النجس بالبول أو الدم لا يجوز

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الثالث: 9 11.

(2) انظر مستمسك العروة الوثقى 2: 17.

(3) السرائر 1: 64، المعتبر 1: 41، وسائل الشيعة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث

9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 165

الصلاة فيه حتّى يطهّر» لا يشكّ العرف في كيفية تطهّره و إرجاعه إلىٰ حالته الأُولىٰ، إلّا أن يرد تعبّد خاصّ من الشارع يردعه عمّا هو المعلوم عنده.

و إن شئت سمّ ذلك: ب «الإطلاق المقامي» بل هو أوضح عنده، و لهذا لم يرد في شي ء من الأدلّة إلّا فيما فيه تعبّد خاصّ بيان كيفية الغسل إلّا نادراً، و ليس ذلك إلّا لعدم الاحتياج إليه، كعدم الاحتياج إلىٰ بيان سائر الموضوعات المعلومة لدى العرف.

هذا مضافاً إلىٰ إمكان الاستدلال للمطلوب بكفاية المرّة في ملاقي الكلب؛ لإطلاق أدلّة غسله،

كصحيحة الفضل قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و إن أصابه جافّاً فاصبب عليه الماء» «1».

و

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل، قال: «يغسل المكان الذي أصابه» «2».

و

في حديث الأربعمائة عن عليّ (عليه السّلام) قال: «تنزّهوا عن قرب الكلاب، فمن أصاب الكلب و هو رطب فليغسله، و إن كان جافّاً فلينضح ثوبه بالماء» «3».

إلىٰ غير ذلك ممّا لا ينبغي الإشكال في إطلاقها، سيّما صحيحة ابن مسلم، فإنّ السامع إذا سمع مثل ذلك، يفهم منه أنّ تحقّق الغسل كافٍ في رفع القذارة، سيّما مع كون الغسل من القذارات معهوداً عندهم.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 261/ 759، وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 260/ 758، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 4.

(3) الخصال: 626، وسائل الشيعة 3: 417، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 4، ص: 166

فإذا ضمّ إلىٰ ذلك

موثّقة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «و إيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام؛ ففيها يجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهلَ البيت، و هو شرّهم؛ فإنّ اللّٰه تبارك و تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب، و إنّ الناصب لنا أهلَ البيت لأنجس منه» «1».

يستفاد منها أنّ سائر النجاسات التي لا تكون بمثابة نجاسة الكلب تطهر بمرّة، إلّا ما ورد دليل علىٰ عدم الاكتفاء بها، فيستكشف منه أقذريته من الكلب. و استثناء شي ء منها موضوعاً أو حكماً لا مانع منه.

و توهّم عدم ملازمة الأقذرية لما ذكر، مدفوع بمخالفته لفهم العرف. نعم لا يلزم أن يكون ملاقي الأقذر محتاجاً إلىٰ مرّتين؛ لإمكان أن تكون المرّة مزيلة لتمام مراتب النجاسة.

و لا ينبغي الإشكال في أنّ النجاسة المذكورة في الرواية هي المعهودة؛ بقرينة صدرها، لا القذارة المعنوية.

و المراد من «غسالة الحمّام» فيها هي ماء البئر الذي يكون من فضالة ماء الحياض التي لها مادّة من المنابع التي في الحمّامات، فإنّ الظاهر من مجموع ما وردت في الحمّامات: أنّ لها في تلك الأعصار منابع محفوظة، لها مزمّلة، و تحت المزمّلات حياض صغار متقوّيات بتلك المنابع بوسيلة المزمّلات، و كان يغتسل الناس في تلك الحياض، و تجري فضالتها إلىٰ محلّ آخر يقال له: «البئر».

______________________________

(1) علل الشرائع: 292/ 1، وسائل الشيعة 1: 220، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 167

فما وردت من عدم انفعال ماء الحمّام و أنّه بمنزلة الجاري «1» يراد به ما في الحياض الصغار المتقوّية بالمنابع التي

يقال لها: «المادّة» و ما بمضمون الموثّقة «2» يراد به ماء البئر الذي غير متقوٍّ بالمادّة، فلا منافاة بينها حتّى نحتاج إلىٰ حمل هذه الطائفة على الاستحباب، كما صنع صاحب «الوسائل» «3» و تخرج عن الاستشهاد بها للمقام. و دعوى اختصاص أقذرية الكلب بولوغه أو أنّه أقذر بلحاظها، مخالفة لظاهر الدليل، كما لا يخفى.

و أمّا الاستدلال «4» للزوم المرّتين في سائر النجاسات

بقوله (عليه السّلام) في البول: «إنّما هو ماء» «5»

مع لزوم المرّتين فيه، فإذا وجب الغسل في الأهون مرّتين يجب في غيره، كالمنيّ الذي شدّده و جعله أشدّ من البول، كما في الحديث «6».

فضعيف؛ لأنّ قوله (عليه السّلام): «هو ماء» يراد به عدم لزوم الدلك، لا أهونية نجاسته، كما يراد بأشدّية المنيّ احتياجه إليه، لا أقذريته من البول، و لهذا

قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) علىٰ ما في حديث إبطال القياس ردّاً علىٰ أبي حنيفة: «أيّهما أرجس: البول أو الجنابة؟» فقال: البول، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «فما بال الناس يغتسلون من الجنابة، و لا يغتسلون من البول؟!» «7».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 1: 148، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7.

(2) راجع وسائل الشيعة 1: 218، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11.

(3) وسائل الشيعة 1: 220، ذيل الحديث 5.

(4) منتهى المطلب 1: 175/ السطر 19، كشف اللثام 1: 437، مصباح الفقيه، الطهارة: 613/ السطر 13.

(5) تقدّم في الصفحة 151.

(6) وسائل الشيعة 3: 424، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 2.

(7) علل الشرائع: 90/ 5، وسائل الشيعة 2: 180، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 2، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 168

و الظاهر أنّ أرجسية البول

كان متسالماً بينهما؛ و إن احتمل كونها عند أبي حنيفة، و ألزمه بما هو مسلّم عنده.

اعتبار جريان الماء على المتنجّس بعد زوال عين النجاسة

ثمّ إنّ الظاهر كون المرّة في سائر النجاسات غير الغسلة المزيلة، لا بمعنى لزوم مرّة بعدها، بل بمعنى إمرار الماء على المحلّ بعد الإزالة و لو باستمرار الغسلة المزيلة؛ فإنّ التطهير و إزالة القذارة لدى العرف معهودان، و إطلاقات الغسل محمولة علىٰ ما هو المعهود، و هما متقوّمتان علىٰ ما مرّ «1» بما ذكر، فلا مجال للأخذ بإطلاق الأدلّة «2».

عدم العبرة ببقاء لون النجاسة أو ريحها عند التطهير

و يظهر ممّا مرّ آنفاً من أنّ الغسل للإزالة معهود أنّه لا عبرة باللون و الريح، و نحوهما ممّا لا تعدّ لدى العرف من أعيان النجاسات، فغسل الدم من الثوب ليس إلّا إزالة عينه بالماء بالطريق المعهود، و اللون ليس بدم عرفاً، و ليس بنجس، و لا يحتاج في تطهير الدم إلىٰ إزالته.

و لا عبرة بحكم العقل البرهاني ببقاء العين حتّى في الرائحة، و لا بالآلات المستحدثة المكبّرة للأجزاء الصغار حتّى يرىٰ بتوسّطها الألوان أعياناً.

و هذا واضح لا يحتاج إلىٰ تجشّم استدلال؛ بعد وضوح كون المشخّص لموضوعات الأحكام مفهوماً و مصداقاً هو العرف العامّ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 128.

(2) مدارك الأحكام 2: 338، مستمسك العروة الوثقى 2: 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 169

و أمّا الروايات المستدلّ بها «1» للمطلوب، فلا تخلو دلالتها من نوع مناقشة؛ لأنّ

صحيحة ابن المغيرة عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ للاستنجاء حدّا؟ قال: «لا، حتّى ينقىٰ ما ثمّة».

قلت: فإنّه ينقىٰ ما ثمّة و يبقى الريح، قال: «الريح لا ينظر إليه» «2»

يحتمل فيها أن يكون الحكم من مختصّات الاستنجاء، و لا يجوز إلغاء الخصوصية بعد اختصاصه بأحكام و تخفيفات لا تعمّ غيره.

نعم، لو أراد بقوله (عليه السّلام): «الريح لا ينظر إليه» أنّه ليس بشي ء،

يمكن أن يقال باستفادة الحكم الكلّي منه، و أمّا إن أراد منه أنّه لا بأس به فالاستفادة مشكلة.

و منه يظهر الكلام في مرسلة الصدوق في الريح الباقي بعد الاستنجاء «3».

و أمّا ما ورد من نفي الشي ء عليه من الشقاق «4»، فلعلّه لكونه من البواطن كباطن الأنف، بل هو أولىٰ منه.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 297، جواهر الكلام 6: 198 199.

(2) الكافي 3: 17/ 9، وسائل الشيعة 3: 439، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 25، الحديث 2.

(3)

قال: «سئل الرضا (عليه السّلام) عن الرجل يطأ في الحمّام و في رجله الشقاق فيطأ البول و النورة فيدخل الشقاق أثر أسود ممّا وطء من القذر و قد غسله، كيف يصنع به و برجله، التي وطء بهما؟ أ يجزيه الغسل أم يخلّل أظفاره بأظفاره و يستنجي فيجد الريح من أظفاره و لا يرى شيئاً؟ فقال: لا شي ء عليه من الريح و الشقاق بعد غسله».

الفقيه 1: 42/ 165، وسائل الشيعة 3: 440، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 25، الحديث 6.

(4) الشقاق: تشقّق الجلد من بَرْد أو غيره، لسان العرب 7: 165.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 170

و

رواية عليّ بن أبي حمزة، عن العبد الصالح (عليه السّلام) قال: سألته أُمّ ولد لأبيه- إلىٰ أن قال قالت: أصاب ثوبي دم حيض، فغسلته فلم يذهب أثره، فقال: «اصبغيه بمشق «1» حتّى يختلط و يذهب أثره» «2»

فمع ضعفها «3» علىٰ خلاف المطلوب أدلّ؛ لاحتمال أن يكون بصدد بيان العلاج لرفع الأثر و صيرورته طاهراً؛ ضرورة أنّ مجرّد الاختلاط لا يذهب بالأثر، بل لا بدّ من غسله حتّى يذهب، و السكوت عنه لمعلوميته. و الحمل علىٰ أمر عادي لا حكم شرعي، خلاف

المعهود من شأن المعصوم (عليه السّلام).

و عليها يحمل إطلاق

قول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «قل لها: تصبغيه بمشق حتّى يختلط» «4»

و

مرفوعة الأشعري قال: «اصبغيه بمشق» «5»

فإنّ الاختلاط بغير الغسل بعده لا يذهب بالأثر.

فالاستدلال بتلك الروايات لإثبات عدم العبرة مشكل، و لإثبات العبرة بها أشكل؛ بعد ضعف إسنادها، و مخالفتها للسيرة القطعية في تطهير الأشياء و معهودية كيفية التطهير.

______________________________

(1) المِشق: المغرة، و هو طين أحمر و منه ممشق أي مصبوغ به، مجمع البحرين 5: 236.

(2) الكافي 3: 59/ 6، تهذيب الأحكام 1: 272/ 800، وسائل الشيعة 3: 439، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 25، الحديث 1.

(3) لوقوع علي بن أبي حمزة البطائني في السند و قد مرّ الكلام فيه من المصنِّف في الجزء الثالث: 337.

(4) تهذيب الأحكام 1: 272/ 801، وسائل الشيعة 3: 439، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 25، الحديث 3.

(5) تهذيب الأحكام 1: 257/ 746، وسائل الشيعة 3: 440، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 25، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 171

و أشكل منها الاستدلال

بضعيفة القسمي «1»، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام): أنّه سأل عن جلود الدارِش التي يتخذ منها الخفاف قال: «لاتصلّ فيها؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب» «2».

لأنّ الظاهر النهي عنها لنجاستها الحاصلة من ملاقاة الخرء، كقوله: «لاتصلّ في الثوب الكذائي؛ لأنّه أصابته الخمر» فلا تدلّ علىٰ عدم تطهّرها بالغسل بالماء.

مع أنّ ظاهرها النهي عن الصلاة في الخفّ، و هو ممّا لا تتمّ فيه الصلاة، و احتمال كون السؤال عن أثواب أُخر غير الخفاف، خلاف الظاهر منها، تأمّل.

______________________________

(1) تقدّم وجه الضعف في الصفحة 75، الهامش 1.

(2) الكافي 3: 403/ 25، تهذيب الأحكام 2: 373/

1552، وسائل الشيعة 3: 516، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 71، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 173

فصل في كيفية تطهير الأواني

اشارة

و فيها مسائل:

المسألة الأُولىٰ: في كيفية تطهير الأواني من ولوغ الكلب
اشارة

اختلفت كلمات الأصحاب في كيفية تطهيرها من ولوغ الكلب؛ فعن المشهور: يغسل ثلاث مرّات أُولاهنّ بالتراب «1». و في «الناصريات»: «الصحيح عندنا أنّ الإناء يغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرّات، أُولاهنّ بالتراب».

ثمّ قال بعد كلام: «لا خلاف بين الأصحاب في التحديد بوجوب الثلاث» «2».

و الظاهر منه عدم الخلاف في الثلاث على الكيفية المتقدّمة، سيّما مع قوله: «الصحيح عندنا» و ادعى الإجماع عليها في «الغنية» «3».

______________________________

(1) المهذّب البارع 1: 265 266، مفتاح الكرامة 1: 195/ السطر 27، مستند الشيعة 1: 293.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 218/ السطر 30 و 36.

(3) غنية النزوع 1: 43.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 174

و علىٰ ما في «الناصريات» يحمل ما في «الانتصار» و هو قوله: «ممّا انفردت الإمامية إيجابهم غسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرّات، إحداهنّ بالتراب» «1».

و كذا ما في «الخلاف» أي «ثلاث مرّات إحداهنّ بالتراب» «2» بقرينة قوله في «النهاية»: «إحداهنّ و هي الاولىٰ بالتراب» «3». فهي مفسّرة لما في «الخلاف» بل يمكن رفع الإجمال عنه بإجماع «الناصريات» إذ من البعيد أن يكون مراد الشيخ الإجماع علىٰ عنوان «إحداهنّ» في مقابل دعوى السيّد. كما أنّه من البعيد دعوى ابن زهرة الإجماع علىٰ أنّ أُولاهنّ بالتراب، مقابل دعوى الشيخ الإجماع على الإطلاق.

فلا ينبغي الإشكال في أنّ مراد الجميع حتّى الصدوقين «4» واحد؛ و هو كون الاولىٰ بالتراب، كما تدلّ عليه صحيحة البقباق الآتية «5».

كما لا إشكال في اعتبار العدد؛ للإجماع المتقدّم، و عدم نقل خلاف من أحد منّا، فيقيّد به إطلاق

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الكلب يشرب من الإناء، قال: «اغسل الإناء»

«6»

لو فرض لها إطلاق.

______________________________

(1) الانتصار: 9.

(2) الخلاف 1: 175.

(3) النهاية: 5.

(4) انظر منتهى المطلب 1: 188/ السطر 1، المقنع: 37، الفقيه 1: 8/ 10.

(5) و هي صحيحة الفضل أبي العبّاس، يأتي في الصفحة الآتية.

(6) تهذيب الأحكام 1: 225/ 644، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 175

مع إمكان الخدشة فيه؛ بأن يقال: إنّها بصدد بيان أصل نجاسة الكلب، لا كيفية الغسل، و إنّما أمر به إرشاداً لنجاسته، تأمّل.

و إطلاق

صحيحة الفضل أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال في الكلب: «رجس نجس، لا يتوضّأ بفضله، و اصبب ذلك الماء، و اغسله بالتراب أوّل مرّة، ثمّ بالماء» «1».

و يحتمل بعيداً عدم الإطلاق فيها؛ بدعوىٰ كونها بصدد بيان الترتيب بين الغسل بالتراب و الغسل بالماء، فلا إطلاق لها من جهة العدد.

هذا مع أنّها منقولة في «الخلاف» في أوّل مسائل الولوغ مع زيادة «مرّتين» بعد قوله: «ثمّ بالماء» «2» و إن نقلها في مواضع أُخر منه و كذا في «التهذيب» بغير الزيادة «3»، و في «المعتبر» و «المنتهىٰ» مع الزيادة «4»، و عن «المختلف» بلا زيادة «5»، و عليه لا وثوق بإطلاقها. بل يمكن كشف الزيادة من شهرة القول بالعدد بين قدماء أصحابنا «6». بل استدلّ الشيخ في «التهذيب» و «الخلاف» بها علىٰ لزوم الثلاث «7»؛ و إن تشبّث في الأوّل عليه بما لا دلالة فيه، و لو لا استدلاله بغيرها لم يبقَ شكّ في كون النقيصة من النسّاخ.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2.

(2) الخلاف 1: 176.

(3) الخلاف

1: 177 و 188، تهذيب الأحكام 1: 225/ 646.

(4) المعتبر 1: 458، منتهى المطلب 1: 188/ السطر 11.

(5) مختلف الشيعة 1: 336.

(6) المقنعة: 68، الانتصار: 9، المراسم: 36، المهذّب 1: 28.

(7) تهذيب الأحكام 1: 224 225، الخلاف 1: 175 176.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 176

هذا مع ما اشتهر بينهم من تقديم أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة؛ و إن كان للتأمّل في أصله مجال، فضلًا عن مثل المقام الذي تكرّر الحديث بلا زيادة في كتب الأُصول و الفروع.

و أمّا ما قال الشيخ البهائي ردّاً علىٰ من قال: «بأنّ الزيادة من قلم النسّاخ» «1»: «إنّ المحقّق مصدَّق فيما نقله، و عدم اطلاعنا عليها في الأُصول المتداولة في هذا الزمان غير قادح؛ فإنّ كلامه في أوائل «المعتبر» «2» يعطي أنّه نقل بعض الأحاديث المذكورة فيه عن كتب ليس في أيدي أهل زماننا هذا إلّا أسماؤها، ككتب الحسن بن محبوب و محمّد بن أبي نصر البَزَنْطي [1] و الحسين بن سعيد و الفضل بن شاذان و غيرهم، فلعلّه طاب ثراه نقل هذه الزيادة من بعض تلك الكتب» «3» انتهىٰ.

فغير وجيه؛ لأنّ الظاهر من الفصل الرابع من مقدّمات «المعتبر» أنّه اقتصر في النقل فيه عن كتب المتقدّمين علىٰ ما نقله الحسين بن محبوب و أحمد بن محمّد بن أبي نصر و الحسين بن سعيد و الفضل بن شاذان و يونس بن عبد الرحمن، و عن المتأخّرين علىٰ كتب الصدوقين و الكليني و الشيخ و عدّة اخرىٰ سمّاهم «4»، و ليس أبو العبّاس الفضل منهم، فلم ينقل منه إلّا بتوسّط الجوامع المتأخّرة، لا من أصل آخر.

______________________________

[1] هكذا في الحبل المتين، و كذا في نسخة

غير نقية من المعتبر. و الصحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر [منه (قدّس سرّه)].

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 391.

(2) المعتبر 1: 33.

(3) الحبل المتين: 98/ السطر 19.

(4) المعتبر 1: 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 177

هذا مع أنّه لم يُنقل لأبي العبّاس إلّا كتاب واحد نقله سعد بن عبد اللّٰه و النجاشي «1»، فلا معنىٰ لنقل المحقّق روايته عن أصل آخر غير كتابه، فهو إمّا ناقل عن كتابه، أو من كتاب آخر ناقل عنه، أو من «التهذيب» الناقل عنه.

و علىٰ أيّ حال: يدور الأمر بين الزيادة و النقيصة في كتاب أبي العبّاس، أو فيما نقل عنه.

و الظاهر أنّه حكاها عن «التهذيب» و الشاهد عليه أنّ العلّامة في «المنتهىٰ» نقلها مع الزيادة عن الشيخ «2»، فيظهر منه اختلاف نسخ «التهذيب» بل من البعيد أن يكون كتاب أبي العبّاس عند المحقّق، و كانت الرواية فيها مع الزيادة، و لم يطلع عليها العلّامة مع تلمّذه عليه، و نقَلها بتوسّط الشيخ.

و علىٰ أيّ حال: فالاعتماد في الحكم على الإجماع و الشهرة قديماً و حديثاً في مثل هذه المسألة التعبّدية، سيّما لو كانت الرواية خالية منها، و سيّما مع إطلاقها و البناء علىٰ إطلاق صحيحة ابن مسلم المتقدّمة «3»، فإنّ ترك أصحابنا إطلاق الصحيحتين و الفتوىٰ بلزوم العدد، يوجب الجزم بكون الحكم معروفاً بين السلف و الخلف، و مأخوذاً عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام).

و يظهر ممّا مرّ ضعف قول ابن الجنيد من لزوم السبع، إحداهنّ أو أُولاهنّ بالتراب «4»، وفاقاً للشافعي «5»؛ و إن أمكن الاستدلال عليه بعد عدم ثبوت الزيادة

______________________________

(1) رجال البرقي: 34، رجال النجاشي: 308/ 843.

(2) منتهى المطلب 1: 188/ السطر 11.

(3)

تقدّم في الصفحة 174.

(4) انظر المعتبر 1: 458، الحدائق الناضرة 5: 474.

(5) الامّ 1: 6/ السطر 4، المحلّى بالآثار 1: 123، بداية المجتهد 1: 88.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 178

المتقدّمة في صحيحة أبي العبّاس بتقييد إطلاقها

بموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الإناء يشرب فيه النبيذ، قال: «تغسله سبع مرّات، و كذا الكلب» «1»

و تقييد الغسلات في الموثّقة بكون الاولىٰ منها بالتراب، و كذا الكلب بالولوغ؛ و إن كانت التقييدات سيّما الأخيرتان بعيدة.

و كيف كان: لا ينبغي التأمّل في ضعف ما ذهب إليه بعد عدم موافق له، فالمتيقّن حمل الموثّقة على الاستحباب.

و يتلوه في الضعف قول المفيد؛ و هو وجوب الثلاث وسطهنّ بالتراب «2»، و إن قال في «الوسيلة»: «به رواية» «3» إذ هي غير ثابتة، و مع ثبوتها شاذّة بلا إشكال، فالأقوىٰ ما عليه المشهور.

تنبيهات
الأوّل: اختصاص التعفير بالولوغ
اشارة

ظاهر الأصحاب قديماً و حديثاً عدا شاذّ منهم، كالصدوقين «4» و المحكي عن المفيد «5» من القدماء، و كالمحكي عن الكركي و صاحبي «المدارك» و «الحدائق» من المتأخّرين «6» اختصاص الحكم بالولوغ، و هو شربه من الإناء

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 116/ 502، وسائل الشيعة 25: 368، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 30، الحديث 2.

(2) المقنعة: 65 و 68.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 80.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 195/ السطر 18، المقنع: 37، الفقيه 1: 8/ 10.

(5) المقنعة: 68.

(6) جامع المقاصد 1: 190، مدارك الأحكام 2: 390، الحدائق الناضرة 5: 475.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 179

بأطراف لسانه، علىٰ ما هو المعهود من شربه، و يظهر من اللغة «1». و هو معقد إجماع السيّد

و الشيخ و ابن زهرة «2».

و ألحق جمع اللطع بالولوغ «3»، و ادعىٰ شيخنا المرتضى الشهرة عليه «4»، و هي غير ثابتة، بل الظاهر من قدماء أصحابنا الاختصاص «5»، و التعدّي من بعض المتأخّرين.

و ألحق الصدوق الوقوع بالولوغ «6»، و هو المحكي عن أبيه «7» موافقاً «للرضوي» «8».

و الأصل في الحكم

صحيحة أبي العبّاس المتقدّمة «9» ففي صدرها: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن فضل الهرّة و الشاة إلىٰ أن قال حتّى انتهيت إلى الكلب، فقال: «رجس نجس ..»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) الصحاح 4: 1329، لسان العرب 15: 397، القاموس المحيط 3: 119.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 218/ السطر 30، الخلاف 1: 175 176، غنية النزوع 1: 43.

(3) جامع المقاصد 1: 190، الحدائق الناضرة 5: 475، مدارك الأحكام 2: 390.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 395/ السطر 8.

(5) الخلاف 1: 175 176، غنية النزوع 1: 43، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 80، السرائر 1: 91.

(6) المقنع: 37، الفقيه 1: 8/ 10.

(7) انظر مفتاح الكرامة 1: 195/ السطر 23، منتهى المطلب 1: 188/ السطر 35.

(8) و

ما في فقه الرضا (عليه السّلام) هكذا: «إن وقع كلب في الماء، أو شرب منه، أهريق الماء، و غسل الإناء ثلاث مرّات: مرّة بالتراب و مرّتين بالماء، ثمّ يجفف».

الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 93، مستدرك الوسائل 2: 602، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 1.

(9) تقدّم في الصفحة 175.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 180

و احتمل بحسب التصوّر: أن يكون «رجس نجس» علّة للحكم، فتعمّم إلىٰ كلّ رجس و لو كان غير الكلب.

و أن يكون علّة لكون فضله محكوماً بالحكم، فيتعدّىٰ إلىٰ فضل كلّ نجس، كالخنزير و الكافر.

و أن

تكون نجاسة الكلب علّة، فيتعدّىٰ من ولوغه إلىٰ مباشرة سائر أجزائه.

و أن تكون نجاسته علّة لكون فضله محكوماً بالحكم، فيختصّ بالولوغ.

و الحقّ: عدم استفادة العلّية منها؛ بحيث يدور الحكم مدارها كائنة ما كانت، بل هو خلاف المقطوع به و ضرورة الفقه، نعم الحكم متفرّع علىٰ كون الكلب رجساً نجساً، و من المحتمل بل المعلوم أنّ لمرتبة نجاسته دخالةً في ذلك، فاحتمال أنّ الحكم لمطلق النجس، أو لفضل مطلق نجس العين، ضعيف؛ و إن قال الشيخ و بعض من تأخّر عنه: «إنّ الخنزير كالكلب» «1» بل في «الخلاف»: «هو مذهب جميع الفقهاء» لكنّ ظاهره فقهاء العامّة، و لهذا لم يستدلّ عليه بالإجماع، بل تشبّث بأمرين ضعيفين «2»، فراجع.

فانحصر الاحتمال بالآخرين، و أقواهما الثاني؛ لعدم فهم العلّية بنحو توجب التعدّي من فضله إلىٰ مباشرة سائر أجزائه، و عدم إمكان إلغاء الخصوصية عن الفضل؛ لخصوصية ظاهرة في ولوغه ليست في غيره حتّى في لطعه، فإنّ لشربه بأطراف لسانه بكيفية معهودة موجبة لرجوع المشروب إلى الإناء مراراً قذارةً ليست في سائر ملاقياته حتّى لطعه، بل و لا لعابه، فمن المحتمل أن يكون للشرب كذلك دخالة في الحكم، فلا تلغى الخصوصية عرفاً.

______________________________

(1) الخلاف 1: 186، المبسوط 1: 15، المهذّب 1: 28.

(2) الخلاف 1: 186 187.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 181

فما يقال في اللطع: «إنّه مساوٍ للولوغ، و لا يفقد شيئاً ممّا يتضمّنه من الأُمور المناسبة للتنجيس» «1» و في اللعاب: «إنّ المقصود قلعه من غير اعتبار السبب» «2».

ممنوع؛ لوضوح الفرق بين الولوغ و مجرّد اللطع، فإنّ الثاني يفقد بعض الخصوصيات المناسبة لشدّة الاستقذار ممّا يتضمّنها الأوّل، كما مرّت الإشارة إليه، و عدم الدليل علىٰ أنّ

المقصود قلع اللعاب، بل في شربه خصوصية خاصّة به.

فالتحقيق قصور الرواية عن إثبات الحكم لما عدا ولوغه. بل لو شرب بغير النحو المتعارف لعلّة كقطع لسانه بحيث لم يسمّ: «ولوغاً» لا يلحقه الحكم.

و توهّم: أنّ الحكم متعلّق بالفضل، و هو أيضاً فضله «3»، في غير محلّه بعد معهودية نحو شربه الموجبة لانصراف الدليل إليه، سيّما مع الخصوصية التي في شربه المعهود، و لهذا أُخذ الولوغ خاصّة في معاقد الإجماعات و ظواهر الفتاوىٰ، مع أنّ الأصل في الحكم صحيحة أبي العبّاس.

و لكن الاحتياط سيّما في الأخير و في وقوع اللعاب لا ينبغي تركه.

نعم، لا إشكال في أنّ العرف لا يرىٰ لخصوصية الماء دخالة، بل الظاهر المتفاهم من الدليل: أنّ الشرب الكذائي تمام الموضوع للحكم، فلو كان المشروب لبناً أو غيره من المائعات يلحقه الحكم.

و أمّا فضله من غير المائعات كاللحم الفاضل منه في الإناء مع ملاقاته له فلا يلحقه الحكم؛ لقصور الدليل عن إثباته.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 659/ السطر 6.

(2) نهاية الإحكام 1: 294.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 659/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 182

اختصاص التعفير بالإناء دون غيره

فهل يلحق غير الإناء ممّا يمكن تعفيره بالإناء؛ بأن يقال: إنّ الإناء غير مذكور في النصّ، و لو فرض فهمه منه لكن لا يفرّق العرف بينه و بين حجر مثلًا لو اجتمع علىٰ سطحه الماء، و ولغ فيه الكلب، فإنّ الحكم عرفاً للولوغ من غير دخالة للمحلّ فيه؟ «1» لكنّ الأقوى الاختصاص، كما هو ظاهر الفقهاء و ظاهر معاقد الإجماعات «2»؛ لأنّ في الأواني التي مورد استعمال الأكل و الشرب غالباً خصوصية ليست في غيرها، و النظافة المطلوبة فيها ليست مطلوبة في غيرها، و لهذا ترى

أنّ الشارع الأقدس اعتبر في كيفية تطهيرها ما لا يعتبر في غيرها، كالغسل ثلاثاً من مطلق النجاسات، و سبعاً من بعضها، فالأقوىٰ اختصاص الحكم بولوغ الكلب في الأواني و نحوها، كما هو ظاهر الأصحاب و المتيقّن من النصّ، و طريق الاحتياط واضح.

الثاني: فيما يعفّر به الإناء

هل يعتبر مزج التراب بالماء مع بقاء مسمّى «التراب»؟ أو يتعيّن عدم مزجه؟ أو يعتبر المزج بما يخرجه عن مسمّاه؟ أو بمقدار حصول الميعان؟ أو يعتبر الغسل بالماء مع مزجه بالتراب بما لا يخرجه عن الإطلاق؟ أو بما يخرجه عنه؟ أو يجب الجمع بين الأوّلين؟ أو هما مع الثالث؟ أو هي مع ما قبل الأخير؟ أو يتخيّر بينها؟ وجوه، بل في بعضها قول.

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 6: 359، مستمسك العروة الوثقى 2: 31.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 178.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 183

لم يتعرّض النصّ و لا الفتوىٰ في الطبقة الاولى من الفقهاء كالصدوقين و السيّد و الشيخين، و من في تلك الطبقة، أو قريب منها لكيفية الغسل بالتراب، بل اقتصروا على ما في النصّ؛ أي غسله بالتراب.

و عن الحلّي و الراوندي لزوم المزج «1»، و لم يظهر من الاستدلال المحكي عن الأوّل أنّه قائل بأيّ نحو من الامتزاج؛ قال: «إنّ الغسل بالتراب غسل بمجموع الأمرين منه و من الماء، لا يفرد أحدهما عن الآخر؛ إذ الغسل بالتراب لا يسمّى «غسلًا» لأنّ حقيقته جريان المائع على الجسم المغسول، و التراب وحده غير جارٍ» «2» انتهىٰ، و لا يبعد إرادته المزج بمقدار حصول الميعان.

و يظهر من «التذكرة» أنّه عند القائل بالامتزاج الاكتفاء بامتزاج لا يخرج الماء عن إطلاقه مسلّم؛ قال: «التاسع: إن قلنا بمزج الماء بالتراب، فهل يجزي

لو صار مضافاً؟ إشكال» «3».

ثمّ إنّ أردأ الوجوه الوجه الثالث و ما هو نظيره بحسب ظاهر النصّ؛ لأنّه موجب لرفع اليد عن مفهوم «الغسل» و مفهوم «التراب» و مفهوم «الغسل بالتراب» جميعاً.

و دعوىٰ كونه موافقاً لفهم العرف من إضافة «الغسل» إلى «التراب» «4» فاسدة، كما يأتي الإشارة إليه.

ثمّ الوجه الخامس؛ لأنّه و إن كان موجباً لحفظ ظهور «الغسل» لكن موجب لرفع اليد عن ظهور «التراب» و ظهور الظرف في اللغوية و تعلّقه بالغسل،

______________________________

(1) انظر ذكرى الشيعة 1: 125.

(2) انظر منتهى المطلب 1: 188/ السطر 31، السرائر 1: 91.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 87.

(4) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 659/ السطر 24، كشف اللثام 1: 495.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 184

و عن ظهور المقابلة بين الغسل بالتراب و الغسل بالماء في المغايرة. و صِرف كون أحد الماءين خالصاً و الآخر مخلوطاً بما لا يخرجه عن الإطلاق، لا يوجب مقابلته للغسل بالماء، بل في مثله لا بدّ من مقابلة القُراح بالمخلوط، و ظاهر النصّ خلافه، فحفظ ظهور الغسل موجب لارتكاب مخالفات للظواهر المتقدّمة.

و أمّا الاحتياط بالجمع بين الاثنين فما زاد، فلزومه يتوقّف على التوقّف في فهم النصّ.

و الظاهر المتفاهم منه عرفاً بالمناسبات المغروسة في الأذهان؛ من كون الغسل بالتراب لقلع اللزوجة الحاصلة للإناء من لعاب الكلب الخارجة من فمه بواسطة الولوغ، أو لأجل رفع القذارة الشديدة التي حصلت به أنّ المراد من ذلك التعفير، و وضع التراب في الإناء، و دلكه عنيفاً حتّى يقلع الأثر، أو يدفع الاستقذار منه، و هذا هو الموافق لفهم العرف في محاوراتهم و مقاولاتهم.

و بعبارة اخرىٰ: كانت الظهورات المتقدّمة محكّمة لدى العرف علىٰ ظهور «الغسل» لو سلّم ظهوره، بل

تكون إضافته إلى «التراب» موجبة لظهوره فيما قلناه.

نعم، مقتضىٰ إطلاق الرواية عدم الفرق بين التراب اليابس، أو مع المزج بمقدار لا يخرجه عن مسمّى «التراب» و كما أنّ العرف يرىٰ أنّ التراب مع مزج ما موجب لقلع القذارة، كذلك يرىٰ هذه الخاصّة للتراب بلا مزج، كما يشاهد أنّ ذلك التراب أو نحوه يابساً على الأواني، موجب لنظافتها جدّاً، بل لعلّه أبلغ فيها من الممزوج بالماء.

فالأقوىٰ هو التخيير بينهما أخذاً بإطلاق النصّ و معاقد الإجماعات.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 185

ثمّ إنّ طريق الاحتياط التامّ الموجب للعمل بقول جميع الأصحاب: أن يغسله أوّلًا بالماء، ثمّ أربع مرّات بالتراب؛ أي يابسة، و ممزوجة مع بقاء اسمه، و ممزوجة مع ميعانه، و مزجه بالماء مع بقاء إطلاقه، ثمّ ستّاً بالماء عملًا بقول ابن الجنيد «1».

و أمّا ما أفاده الشيخ الأعظم: «من لزوم العشر إذا روعي مذهب المفيد مع احتمالات أربعة: ثمان بالتراب بينها غسلة و بعدها غسلة، و إذا روعي مذهب الإسكافي بالسبع صارت الغسلات المتأخّرة خمساً، فيصير أربعة عشر» «2» انتهىٰ، فيحتاج إلىٰ مزيد تأمّل، و إلّا فيرد علىٰ ظاهره إشكالات.

الثالث: في قيام غير التراب مقامه في التعفير
اشارة

حكي عن أبي عليّ الغسل بالتراب أو ما يقوم مقامه من غير قيد بفقده «3». و عن «التحرير» احتمال القيام مطلقاً «4». و عن الشيخ في «المبسوط» و العلّامة في جملة من كتبه قيام ما يشبهه- كالاشْنان و الصابون و الجصّ و نظائرها مقامَه عند فقده «5». و عن الشيخ و جمع آخر: «أنّه مع تعذّر التراب سقط اعتباره، و طهر الإناء بغسله مرّتين» «6».

______________________________

(1) انظر منتهى المطلب 1: 188/ السطر 2.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 395/ السطر 6.

(3) انظر مختلف الشيعة 1:

338.

(4) تحرير الأحكام 1: 26/ السطر 6.

(5) المبسوط 1: 14، تحرير الأحكام 1: 26/ السطر 6، تذكرة الفقهاء 1: 86، مختلف الشيعة 1: 338.

(6) انظر مفتاح الكرامة 1: 196/ السطر 13، مدارك الأحكام 2: 393.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 186

و لو لا مخافة مخالفة ظاهر الأصحاب و الاحتياط، لكان قول أبي عليّ قويّاً في النفس؛ فإنّ النصّ و إن اقتصر على التراب، و كذا ظاهر كلمات الأصحاب لزوم الغسل بالتراب، لكن ليس باب غسل القذارات كباب التيمّم من الأُمور التعبّدية التي ليس للعرف طريق إلىٰ فهم الملاك منها، فإنّه أمر معهود معلوم الملاك.

بل طريق تطهير جملة من الأُمور لدى العرف الغسل بالتراب، كالأواني المتلوّثة بالدسومات و نحوها ممّا فيها لزوجة، بل استقذار شديد، و لم يقتصروا فيها على الغمس في الماء، أو الدلك باليد.

و مع هذا و ذاك لا ينقدح في ذهن العرف من قوله: «اغسله بالتراب أوّل مرّة» إلّا أنّ ذكره من باب المثال لكلّ قالع نحوه، و إنّما ذكره لكونه كثير الوجود و المتعارف في التعفير، فلو أمر بعض أهل العرف بعضاً بغسل إناء دسم بالتراب لا ينقدح في ذهنه أنّ للتراب خصوصية لا يحصل التنظيف إلّا به، و أنّه لو غسله بالرماد أو الرمل أو النورة أو الجصّ و نحوها، تخلّف عن الإتيان بالمراد.

و توهّم: أنّ نجاسة الولوغ أمر معنوي مغفول لا يصل إليها العقول، و الغسل بخصوص التراب موجب لحصول النظافة منه بكشف الشارع، فاسد و إن كانت نجاسة الكلب بجعل من الشارع، لكن لم تكن إلّا كسائر النجاسات الشديدة التي كان لنظافتها طريق معهود.

و بالجملة: لمّا كان التطهير في ارتكاز العقلاء، عبارةً عن إرجاع الأجسام

و الملاقيات للقذارات إلىٰ حالتها الأصلية الأوّلية، و هو يحصل بقلع المادّة القذرة بكيفية معهودة عندهم من التغسيل بالماء في جملة منها، و التعفير ثمّ التغسيل في جملة أُخرى لا ينقدح في ذهنهم من قوله: «اغسله بالتراب أوّل

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 187

مرّة ثمّ بالماء مرّتين» إلّا ما هو المعهود بينهم في التعفير و الغسل فيما يحتاج إليهما، و إلّا كان لازم الاقتصار و الجمود على النصّ، وجوبَ غسله بالتراب الخالص، و عدمَ كفاية التراب الممزوج بالتبن أو الرمل أو الحصاة في الجملة مثلًا، كما أنّ الأمر كذلك في التيمّم بالتراب، فيعتبر أن يكون خالصاً من الأجزاء غير الأرضية إلّا إذا استهلك فيها، و لا أظنّ التزامهم به في المقام، و ليس ذلك إلّا لما ذكرناه من الارتكاز.

و بالجملة: لا ينقدح في الأذهان الخالية عن الدقائق العلمية و الفارغة من الشبهات المخرجة للنفوس عن السذاجة لفهم المطالب العرفية: أنّ للتراب خصوصية ليست لغيره، فكما لا يفهم العقلاء من قوله: «رجل شكّ بين الثلاث و الأربع» أنّ للرجل خصوصية، فلا يكون إسراء الحكم إلى المرأة قياساً، كذلك الأمر فيما نحن فيه.

و لو لا مخافة مخالفتهم لقلنا بقيام كلّ قالع مقامه، لكنّ الخروج عمّا قالوا مشكل، بل الخروج عن مورد النصّ كذلك، فالاقتصار علىٰ مورده لو لم يكن أقوى فهو أحوط، سيّما في هذه النجاسة المجعولة من قِبل الشارع.

إبطال سقوط التعفير و قيام غير التراب مقامه عند فقده

و أمّا سقوط التعفير مطلقاً مع فقد التراب و الاقتصار على الغسلتين، فغير وجيه جدّاً، فهو نظير الالتزام بسقوط إحدى الغسلتين إذا فقد الماء إلّا لمرّة، أو سقوطهما مع فقده.

كما أنّ قيام غير التراب مقامه حال الفقدان و العذر كذلك؛ لأنّ خصوصية

التراب معتبرة، فلا تتحقّق الطهارة إلّا به، و العذر و الفقدان لا يوجبان مطهّرية غير المطهّر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 188

و دليل الميسور «1» مع عدم ثبوت جابر له، و عدم كون مثل المورد مصبّه لا يدلّ علىٰ حصول الطهارة بالميسور، و لهذا لو فقد الماء بمقدار الغسلتين، لا يقوم المرّة مقام المرّتين بدليله.

كما أنّ مثل المورد ليس مجرى دليل الحرج «2» و الضرر «3»، و لا يكون دليلهما مشرّعاً، و لهذا لو فقد الماء و التراب، لا يمكن أن يقال بطهارة الإناء، و هو واضح.

فالأوجه من تلك الأقوال قول أبي عليّ؛ و إن كان الوقوف علىٰ ظاهر النصّ و كلمات الأصحاب أحوط أو أوجه.

الرابع: في صور العجز عن التعفير و أحكامها

لو لم يمكن التعفير، فهو إمّا لضيق المجرىٰ؛ بحيث لا يمكن معه ذلك و لو بآلة، كخشبة رقيقة أو ميل كذلك تجعل في رأسهما خرقة ليعفّر بها.

أو لعدم قابلية المحلّ، ككون الإناء من القرطاس و نحوه.

أو يلزم منه فساده، كآنية منقوشة لو غسلت بالتراب زالت النقوش و فسدت.

لا شبهة في أنّ الأخيرة لا تطهر إلّا بالتعفير، و زوال النقوش به لا يوجب طهارتها بلا مطهّر معتبر، كما لو فرض زوالها بالغسل، فإنّه لا يوجب طهارتها بلا غسل. و قد مرّ ما في التمسّك بدليل الحرج و الضرر.

و أمّا الأُوليان، فيمكن القول بقصور دليل التعفير عن إثباته لنحوهما:

______________________________

(1) عوالي اللآلي 4: 58/ 205 و 207.

(2) الحجّ (22): 78.

(3) راجع وسائل الشيعة 25: 428، كتاب إحياء الموات، الباب 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 189

أمّا الاولىٰ: فلأنّ تحقّق الولوغ فيها غير معلوم، أو معلوم العدم؛ لأنّه عبارة عن شرب الكلب من الإناء بأطراف

لسانه بالنحو المعهود، و هو لا يحصل في مثل قارورة ضيّقة الفم جدّاً بحيث لا يمكن إدخال ميل فيه.

نعم، لو فرض تحقّقه كما لو كان رأسها وسيعاً، و عنقها ضيّقاً فالظاهر بقاؤها على النجاسة. و كون تعطيلها حرجاً أو ضرراً قد مرّ الكلام فيه.

و أمّا الثانية: فلأنّ سوق الرواية في إناء يمكن تعفيره، فالدليل منصرف عمّا لا يمكن تعفيره لفقد القابلية، و لهذا اقتصر الفقهاء قديماً و حديثاً على الأواني، مع أنّ مورد النصّ فضل الكلب، و هو صادق فيما إذا ولغ في ثوب اجتمع فيه الماء، كعمامة أو قَلَنْسوة، لكن لمّا لم يكن التعفير و نحوه في الأثواب و نظائرها متعارفاً لدى العرف، بل لم تكن قابلة له عرفاً، لم يفهم من النصّ غير الأواني القابلة له.

فالأقوىٰ في مثل الآنية غير القابلة ذاتاً للتعفير عدم لزومه، و طهارته بغيره؛ أخذاً بإطلاق

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الكلب يشرب من الإناء، قال: «اغسل الإناء» «1»

لقصور صحيحة البقباق «2» عن تقييدها في مثل المورد.

و لو استشكل في إطلاقها أو قيل بوهنها لاستلزام تقييدها بصحيحة البقباق في الأواني الممكنة الغسل، بقاءَ الفرد النادر تحتها، و هو مستهجن حتّى في المطلقات يمكن التمسّك

بموثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 644، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2. و تقدّمت في الصفحة 175.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 190

سئل عن الكوز و الإناء يكون قذراً، كيف يغسل،

و كم مرّة يغسل؟ قال: «يغسل ثلاث مرّات: يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ ذلك الماء، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه، فقد طهر» «1».

بعد تقييدها بصحيحة البقباق في إناء يمكن تعفيره، و لا يلزم فيه استهجان، كما لا يخفى.

فالأقوىٰ في الموارد التي كانت خارجة عن مصبّ الصحيحة، الغسل ثلاثاً، و الاكتفاء بالواحد غير جائز؛ لما عرفت من الإشكال في إطلاق صحيحة ابن مسلم. بل لقرب احتمال عدم الإطلاق فيها، بل لعلّه مقطوع الخلاف؛ لما يأتي من لزوم غسل الأواني من مطلق النجاسات ثلاث مرّات «2»، مع كون الكلب أنجس من سائر المخلوقات، و كون المتنجّس بولوغه أشدّ رجساً من سائر أجزائه، كما يظهر من الروايات «3».

و منه يظهر: أنّ الاكتفاء بالمرّتين بدعوىٰ: أنّ التعفير ساقط و الغسلتين مطهّرتان بعد سقوطه أخذاً بصحيحة البقباق في المرّتين ضعيف؛ لأنّ مصبّها أنّ الغسلتين مطهّرتان فيما إذا سبقهما التعفير، المؤثّر في تخفيف النجاسة بالقلع و رفع الأثر، و لو لا موثّقة عمّار المتقدّمة لأمكن القول ببقاء تلك الأواني على النجاسة أخذاً بالاستصحاب.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 496، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 53، الحديث 1.

(2) سيأتي في الصفحة 197.

(3) نظير موثّقة ابن أبي يعفور، و صحيحة الفضل أبي العبّاس، تقدّمتا في الصفحة 166 و 175.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 191

الخامس: في سقوط التعفير و العدد عند الغسل بالماء الكثير و الجاري

هل يسقط التعفير بالغسل بالماء الكثير و الجاري و المطر و ما بحكمها و كذا العدد فيكتفىٰ بمرّة واحدة؟ أو يسقط العدد دون التعفير؟ أو يسقط العدد أيضاً؟ وجوه:

قال في «الحدائق»: «المشهور بين الأصحاب

سقوط التعدّد في الغسل إذا وقع الإناء في الماء الكثير، و كذا كلّ نجس يحتاج إلى العدد، إلّا أنّه لا بدّ من تقديم التعفير في إناء الولوغ» «1» انتهىٰ.

و فيما ادعىٰ من الشهرة سيّما في الطبقة المتقدّمة من فقهاء أصحابنا إشكال و منع، بل مقتضىٰ إطلاقهم و إطلاق معاقد الإجماعات المدّعاة «2»، عدم الفرق بين القليل و الكثير و سائر أقسام المياه. و يؤكّد الإطلاق تصريح شيخ الطائفة بلزوم العدد في الكثير «3»، فيظهر منه أنّه أراد بلزوم الغسل بالماء مرّتين مطلقَ المياه، فتمسّكه بالإجماع و صحيحة أبي العبّاس، يكون في الأعمّ من القليل «4».

و كيف كان: الأقوىٰ عدم سقوط التعفير، و كذا العدد:

أمّا الأوّل، فلأنّ المتفاهم من قوله (عليه السّلام): «اغسله بالتراب» أنّ التعفير به لقلع الأثر لا التطهير. و مرسلة الكاهلي في المطر «5» و مرسلة العلّامة في الكثير «6» مع الغضّ عن إرسالهما إنّما تدلّان علىٰ قيام المطر و الكثير مقام

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 489.

(2) تقدّم في الصفحة 173 174.

(3) الخلاف 1: 178 و 179، المبسوط 1: 14.

(4) الخلاف 1: 176.

(5) تقدّم في الصفحة 131.

(6) تقدّم في الصفحة 132.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 192

العدد في المطهّر المعتبر فيه العدد، لا في القالع للأثر؛ لظهورهما في كونهما مطهّرين و قائمين مقام المطهّر لا القالع، و ليس القالع مطهّراً، و لهذا إنّ الأقوىٰ عدم اعتبار الطهارة في التراب؛ لإطلاق الصحيحة «1»، و منع الانصراف إلى الطاهر فيما لا يكون إلّا للقلع الحاصل به مطلقاً «2».

و إن شئت قلت: إنّ الروايتين منصرفتان عن القيام مقامه.

و أمّا القيام مقام العدد، فقد يقال في تقريبه: بأنّه إذا سلّمنا وجود المرّتين في

رواية البقباق، و مقتضى إطلاقها لزومهما حتّى في غير القليل، لكن تقييدها بما إذا كان الغسل بالقليل، أولىٰ في مقام الجمع من تخصيص الخبرين بها؛ فإنّ ظهور المطلق أضعف من ظهور العامّين في العموم بالنسبة إلىٰ مورد الاجتماع.

بل قد يدعى انصراف المطلق في حدّ ذاته إلىٰ إرادة الغسل بالماء القليل؛ لكونه هو الغالب في مكان صدور المطلق «3».

و لا يخفىٰ ما فيه؛ فإنّ الأمر لا يدور بين التخصيص و التقييد حتّى يقال فيه بالترجيح، مع إشكال فيه أيضاً، بل يدور بين التقييدين؛ فإنّ

لقوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «4»

عموماً أفرادياً بالنسبة إلى المتنجّسات، و إطلاقاً لازمه الاكتفاء بمجرّد الرؤية و عدم لزوم العدد، فلو خرج المتنجّس بالولوغ عنه تخصيصاً، يلزم منه عدم مطهّرية المطر له؛ سواء أصابه مرّة أو دفعات، و هو كما ترى. و أمّا لو قيل بلزوم العدد فليس ذلك تخصيصاً للأفراد، بل تقييد لإطلاق الرؤية، كما أنّ لزوم التعفير

______________________________

(1) و هي صحيحة البقباق التي تقدّمت في الصفحة 175.

(2) جواهر الكلام 6: 365.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 661/ السطر 11.

(4) و هي مرسلة الكاهلي التي تقدّمت في الصفحة 131.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 193

أيضاً تقييد؛ لو فرض إطلاقها من هذه الجهة، و غضّ البصر عمّا تقدّم.

فحينئذٍ الأرجح في النظر العرفي تقديم إطلاق الصحيحة علىٰ إطلاق المرسلة؛ لأنّ العرف يرىٰ أنّ للولوغ خصوصية موجبة لشدّة نجاسة الإناء به، بحيث لا يكتفى فيه بالماء فقط، و لا بالمرّة، فلا ينقدح في الأذهان إلّا إخراج الإناء الذي ولغ فيه الكلب من سائر النجاسات؛ لمزيد خصوصية فيه.

و إن شئت قلت: إنّ الأظهر تحكيم الصحيحة على المرسلة.

و أضعف

منه دعوى الانصراف إلى القليل؛ فإنّ مجرّد ذلك لا يوجبه. مع أنّ السائل من الكوفيين، و المجيب يراعي حال السائل و بلده، و هو محلّ وفور الجاري و الكثير.

و ممّا ذكرناه يظهر حال مرسلة العلّامة، مع أنّ فيها ضعفاً غير مجبور. نعم الظاهر كون سند الاولىٰ مجبوراً بالعمل.

المسألة الثانية: في تطهير إناء الخنزير أو الخمر أو ما مات فيه جُرَذ
اختلفوا في إناء شرب منه الخنزير؛

فالشيخ في «الخلاف» ألحقه بولوغ الكلب متمسّكاً بوجهين غير وجيهين «1». و ألحقه المحقّق بسائر النجاسات؛ و اكتفىٰ بمرّة «2».

و حكيت الشهرة بين المتأخّرين علىٰ وجوب السبع «3»؛ أخذاً

بصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن خنزير يشرب من الإناء، كيف

______________________________

(1) الخلاف 1: 186 و 187.

(2) المعتبر 1: 459 460.

(3) الحدائق الناضرة 5: 492، مصباح الفقيه، الطهارة: 661/ السطر 22.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 194

يصنع به؟ قال: «يغسل سبع مرّات» «1».

و قد حملها المحقّق على الاستحباب «2».

قيل: «لقلّة العامل بها» «3» و هو كذلك؛ لأنّ الظاهر من قدماء أصحابنا كالمفيد و السيّد و الشيخ و ابن حمزة و سلّار بل الصدوق و من بعدهم كالحلّي و ابن زهرة عدم وجوب السبع «4»، بل ظاهر «الخلاف» علىٰ عدم وجوب الزيادة على الثلاث في النجاسات سوى الولوغ «5»، و معه لا يبقى وثوق بها مع كونها بمرءى و منظر لهم رواها الكليني و الشيخ، و مع عدم معارض لها، فتقييد موثّقة عمّار الآتية «6» بها مشكل، و طريق الاحتياط واضح.

و أمّا الخمر،

فذهب جملة من الأصحاب إلىٰ وجوب غسل الإناء منها سبعاً «7». و ذهب جمع إلى الثلاث «8»، و هو مقتضى الجمع بين الروايات؛ فإنّ منها: ما تدلّ على السبع،

كموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الإناء

______________________________

(1) هذه ذيل رواية الكليني على ما رواها الشيخ الطوسي في «التهذيب» و الشيخ الحر في «الوسائل» و لكن هذا الذيل غير موجود في النسخ الموجودة لدينا من الكافي.

الكافي 3: 61/ 6، تهذيب الأحكام 1: 261/ 760، وسائل الشيعة 1: 225، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 2، و 3:

417، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 1.

(2) المعتبر 1: 460.

(3) جواهر الكلام 6: 358.

(4) انظر المقنعة: 68، الانتصار: 9، الخلاف 1: 186 و 187، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 80، المراسم: 36، المقنع: 37، السرائر 1: 91 92، غنية النزوع 1: 43.

(5) راجع الخلاف 1: 182.

(6) تأتي في الصفحة 197.

(7) المراسم: 36، الدروس الشرعيّة 1: 125، جامع المقاصد 1: 191.

(8) شرائع الإسلام 1: 48، قواعد الأحكام 1: 9/ السطر 13، كشف الرموز 1: 121.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 195

يشرب فيه النبيذ، قال: «تغسله سبع مرّات، و كذلك الكلب» «4».

و الظاهر إلغاء الخصوصية و فهم حكم الخمر منها، و لهذا استدلّوا بها لها «5».

و منها: ما تدلّ على الثلاث،

كموثّقته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال: سألته عن الدَّنّ يكون فيه الخمر، هل يصلح أن يكون فيه خلّ، أو ماء كامخ، أو زيتون؟ قال: «إذا غسل فلا بأس».

و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر، أ يصلح أن يكون فيه ماء؟ قال: «إذا غسل فلا بأس».

و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال: «تغسله ثلاث مرّات».

و سأل: أ يجزيه أن يصبّ فيه الماء؟ قال: «لا يجزيه حتّى يدلكه بيده، و يغسله ثلاث مرّات» «1».

فتحمل الاولىٰ على الاستحباب جمعاً، سيّما مع عطف الكلب عليها، و يحمل إطلاق الغسل في الدَّنّ و الإبريق على المقيّد.

لكن هو في المقام لا يخلو من إشكال؛ لقوّة ظهور الصدر في الإطلاق، لمقابلته مع الأمر بالثلاث في القدح و الإناء، و احتمالِ الفرق بين الأواني المستعملة في الشرب و غيرها.

لكنّ الأقوى التقييد؛ لأنّ من المحتمل بل الظاهر أنّ عمّاراً جمع في النقل بين روايات مستقلّة، لا أنّها كانت واحدة،

و معه لا قوّة في الإطلاق.

______________________________

(4) تهذيب الأحكام 9: 116/ 502، وسائل الشيعة 25: 368، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 30، الحديث 2.

(5) كشف الرموز 1: 121، جامع المقاصد 1: 191، مدارك الأحكام 2: 396.

(1) الكافي 6: 427/ 1، تهذيب الأحكام 9: 115/ 501، وسائل الشيعة 25: 368، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 30، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 196

مع أنّ ذلك التفصيل مخالف لفهم العقلاء، و لهذا لم ينقل من أحد حتّى احتماله.

بل لا يبعد إنكار إطلاق الصدر رأساً؛ لاحتمال أن تكون شبهة السائل عدمَ جواز جعل الخلّ في ظرف الخمر و لو بعد الغسل، فأجاب بجوازه بعده، فلا يكون في مقام بيان كيفية الغسل.

و أمّا ما مات فيه الجُرَذ،

فقد ورد عن عمّار في الموثّقة الغسل سبعاً «1» و مقتضى الجمود هو الأخذ بها مع كونها موثّقة، و لا معارض لها، فيقيّد بها موثّقته الأُخرى الآتية «2» في مطلق القذارات الآمرة بالثلاث.

لكن في النفس وسوسة: و هي أنّ السبع في الكلب و الخمر و الخنزير بعد ما كان محمولًا على الاستحباب، و اكتفي فيها بالثلاث، و كذا في جميع النجاسات، يشكل الالتزام بوجوب السبع من بين جميع النجاسات بميتة الجُرَذ. مع أنّ الكلب بحسب النصّ أنجس من جميع المخلوقات «3»، و ورد في الخمر ما يظهر منه شدّة قذارته «4». مضافاً إلىٰ دعوى الشيخ الإجماع علىٰ طهارة النجاسات سوى الولوغ بالثلاث «5».

______________________________

(1)

عن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتاً، سبع مرّات».

تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 496، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 53، الحديث

1.

(2) تأتي في الصفحة الآتية.

(3) تقدّم في الصفحة 166.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 6 و 7، و 25: 368، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 30، الحديث 1 و 2.

(5) الخلاف 1: 182.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 197

و الإنصاف: أنّ حمل الموثّقة على الاستحباب مع ما نرىٰ من حمل نظائرها عليه في الباب أهون من تقييد الموثّقة الآمرة بالثلاث، مع قوّة إطلاقها، كما يظهر بالتأمّل فيها. لكن رفع اليد عن ظاهر الأمر بالسبع مع دعوى اشتهاره «1»، و فتوى جمع من قدماء أصحابنا «2» جرأة على المولى، فالسبع أشبه مع كونه أحوط؛ و إن بقيت الوسوسة في النفس.

إلّا أن يقال أو يحتمل: كون الغسل سبعاً لشي ء آخر غير محض القذارة.

المسألة الثالثة: في لزوم غسل الأواني ثلاث مرّات من سائر النجاسات
اشارة

مقتضىٰ

موثّقة عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) وجوب غسل الأواني من سائر النجاسات ثلاثاً، قال: سئل عن الكوز و الإناء يكون قذراً، كيف يغسل، و كم مرّة يغسل؟

قال: «يغسل ثلاث مرّات: يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ ذلك الماء، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرغ منه، و قد طهر» «3».

و هو المحكي عن أبي عليّ «4» و الشيخ في غير «المبسوط» «5» و الشهيد في

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 191.

(2) المقنع: 34، النهاية: 5 و 6، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 80.

(3) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 496، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 53، الحديث 1.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 197/ السطر 13، المعتبر 1: 461.

(5) الخلاف 1: 182، مصباح المتهجّد: 14،

النهاية: 5، الجمل و العقود، ضمن الرسائل العشر: 171.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 198

«الذكرى» و «الدروس» «1» و الكركي في «جامع المقاصد» و «تعليق النافع» «2» و جعلها في «الشرائع» و محكي «المبسوط» و «النافع» و «الإصباح» أحوط «3».

و اختار في «المعتبر» المرّة، و قال: «و الذي يقوىٰ عندي الاقتصار في اعتبار العدد على الولوغ، و فيما عداه علىٰ إزالة النجاسة، و غسلِ الإناء بعد ذلك مرّة واحدة؛ لحصول الغرض من الإزالة» «4» انتهىٰ.

و تقريب ما ذكره: أنّ النجاسة و الطهارة ليستا من الأُمور المعنوية التي لم يصلها العقول، بل هما من الأُمور الواضحة و المفاهيم الظاهرة عنواناً و مصداقاً، فإذا علم من الشارع لزوم تطهير الأواني أو غيرها، و عدم جواز استعمالها إلّا مع طهارتها، لا يحتاج العقلاء في تحصيل الطهارة إلىٰ بيان من الشارع، كما لا يحتاجون في بيان سائر المصاديق العرفية و العناوين الكذائية إليه.

و احتمال أنّ الطهارة أمر غير ما يدركها العقلاء كاحتمال لزوم الغسل تعبّداً؛ من غير نظر إلى التطهير و إرجاع الشي ء إلىٰ حالته الأصلية ضعيف مخالف لظواهر الأدلّة و فهم العقلاء منها، و لهذا لا ينقدح في ذهن العقلاء من الأمر بغسل الأواني ثلاثاً، إلّا أنّه لغرض تنظيفها، فإذا حصلت النظافة بمرّة إذا بالغ في تنظيفها، فقد حصل الغرض.

و بهذا الوجه يمكن الاستدلال علىٰ جواز الاكتفاء بمرّة في الغسل بماء جارٍ أو كثير؛ إذا حصل الغرض من الغمس فيهما.

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 1: 127، الدروس الشرعيّة 1: 125.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 197/ السطر 14، جامع المقاصد 1: 192.

(3) شرائع الإسلام 1: 48، المبسوط 1: 15، المختصر النافع: 20، إصباح الشيعة، ضمن سلسلة الينابيع

الفقهيّة 2: 425.

(4) المعتبر 1: 461 462.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 199

بل يتسع نطاق البيان إلىٰ جميع أنواع النجاسات، كالبول و الولوغ أيضاً؛ بدعوىٰ عدم إعمال تعبّد من الشرع في باب النجاسات و الطهارات، إلّا بجعل مصداق نجساً، أو سلب النجاسة عن قذر عرفي، فالطهارة أمر واضح يدركه العقلاء، و الأمر بالغسل و الدلك و التعفير و التعدّد لأجل حصولها، من غير إعمال تعبّد في ماهيتها، فإذا علم حصولها و لو بنحو مغاير لما في الأوامر الشرعية التوصّلية تسقط الأوامر؛ لحصول الغرض.

هذا غاية تقريب كلام المحقّق (رحمه اللّٰه).

و به قال العلّامة، و حمل الروايات الآمرة بالعدد على الغالب، لا على المقدّر؛ قال في جملة من كلامه في الخمر:

«و الأقرب عندي عدم اعتبار العدد، بل الواجب الإنقاء، لنا محلّ نجس، فوجب تطهيره بصيرورته إلى الحال الأوّل، و ذلك إنّما يحصل بالنقاء، فيجب الإنقاء. لكنّ الغالب أنّه لا يحصل إلّا مع الثلاث، فيجب لا باعتبار أنّه مقدّر» «1» انتهىٰ، و هو متين.

لكن مع ذلك يشكل الخروج عن مقتضىٰ موثّقة عمّار، سيّما مع ما نرىٰ من إعمال التعبّد في أبواب النجاسات إلىٰ ما شاء اللّٰه، كالاكتفاء في محلّ النجو بالأحجار و نحوها، دون محلّ البول، مع أشدّية قذارة الأوّل عرفاً، و كالاكتفاء بالأرض في تطهير بعض الأُمور خاصّة، مثل تحت الأقدام، و كالاكتفاء بتطهير الشمس في بعض الأُمور؛ أي غير المنقول، و كزوال عين النجاسة في الحيوان الصامت بأيّ نحو كان .. إلىٰ غير ذلك، و معه كيف يمكن دعوى عدم إعمال تعبّد من قِبله من أبوابهما؟! فلا محيص عن الوقوف على المنصوص.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 189/ السطر 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 4، ص: 200

لزوم التعدّد حتّى مع الغسل بالكثير و الجاري و المطر

و عليه لا فرق ظاهراً بين القليل و الكثير و الجاري و المطر؛ لأنّ الظاهر من

موثّقة عمّار أنّه (عليه السّلام) سئل عن كيفية الغسل و عن كمّيته، فأجاب عن الثانية بقوله (عليه السّلام): «يغسل ثلاث مرّات» و عن الاولىٰ بقوله: «يصبّ فيه الماء ..» «1»

إلىٰ آخره. و إطلاق الجواب الأوّل يقتضي عدم الفرق بين القليل و غيره.

و الجملة الثانية لا تكون قرينة علىٰ أنّ المراد بالأُولى الغسل بالقليل؛ لأنّ بيان الكيفية إنّما يحتاج إليه في القليل، دون الكرّ و الجاري؛ فإنّ كيفية غسله فيهما واضحة، و أمّا الغسل بالقليل فلمّا كان في نظر العرف أنّ صبّ الماء في الإناء يوجب تنجيسه، فلا يمكن التطهير به إلّا بنحو يجري الماء من غير أن يجتمع فيه، كان بيانه لازماً و رافعاً للتحيّر، فلا يصير الذيل قرينة على الصدر، و لا مقيّداً له، فتكون الموثّقة مقدّمة علىٰ مرسلة الكاهلي الواردة في المطر، و علىٰ مرسلة العلّامة في الكثير «2»؛ لما مرّ سابقاً من تحكيم مثلها عليهما «3». هذا مع ضعف الثانية بلا جبر.

فالأحوط لو لم يكن أقوى اعتبار التعدّد مطلقاً.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 197.

(2) تقدّمتا في الصفحة 131 و 132.

(3) تقدّم في الصفحة 193.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 201

فائدة استطرادية في أحكام الأواني و الجلود

اشارة

جرت عادتهم باستطراد أحكام الأواني و الجلود في المقام، و فيها مسائل:

المسألة الأُولىٰ: حكم استعمال آنية الذهب و الفضّة
اشارة

لا يجوز الأكل و الشرب و كذا سائر الاستعمالات من آنية الذهب و الفضّة و هو في الجملة ثابت، ادعي عليه الإجماع «1» و عدم الخلاف «2»، و سيأتي الكلام فيه «3».

في التمسّك بالروايات لإثبات حرمة الأكل و الشرب

و تدلّ على الأوّل جملة من الروايات من طرق الناس،

كالمروي عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «لا تشربوا في آنية الذهب و الفضّة، و لا تأكلوا في صحافها، فإنّها لهم في الدنيا، و لكم في الآخرة» «4».

و

عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «نهىٰ عن الشرب في آنية الفضّة» «5».

و

عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «من يشرب في آنية الفضّة في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة» «6».

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 1: 145، مجمع الفائدة و البرهان 1: 362، مدارك الأحكام 2: 379.

(2) كشف الرموز 1: 118، الحدائق الناضرة 5: 504.

(3) سيأتي في الصفحة 208.

(4) صحيح البخاري 7: 144/ 338، صحيح مسلم 4: 300/ 4 و 5.

(5) صحيح البخاري 7: 214/ 540، صحيح مسلم 4: 298/ 3.

(6) صحيح مسلم 4: 298/ 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 202

و

عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «الذي يشرب في آنية الفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم» «1».

و

من طرقنا صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «لا تأكل من آنية الذهب و الفضّة» «2».

و

صحيحته الأُخرىٰ على الأصحّ «3» عنه (عليه السّلام): «أنّه نهىٰ عن آنية الذهب و الفضّة» «4».

و

رواية داود بن سِرحان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «لا تأكل في آنية الذهب و الفضّة» «5».

و

في حديث المناهي قال: «نهىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه

عليه و آله و سلّم) عن الشرب في آنية الذهب و الفضّة» «6».

______________________________

(1) صحيح البخاري 7: 213/ 538، سنن الدارمي 2: 121، صحيح مسلم 4: 297/ 1.

(2) الفقيه 3: 222/ 1031، وسائل الشيعة 3: 508، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 7.

(3) رواها الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم. و ليس في السند من يتأمّل فيه إلّا سهل بن زياد و هو ثقة عند المصنّف (قدّس سرّه) لكثرة رواياته و قدمه الراسخ في جميع أبواب الفقه.

راجع الجزء الأوّل: 78.

(4) الكافي 6: 267/ 4، وسائل الشيعة 3: 506، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 3.

(5) الكافي 6: 267/ 1، وسائل الشيعة 3: 506، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 2.

(6) الفقيه 4: 4/ 1، وسائل الشيعة 3: 508، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 9.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 203

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 203

و

رواية مَسعدة بن صدقة الموثّقة ظاهراً «3» عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السّلام): «أنّ رسول اللّٰه (صلّى الهّٰو عليه و آله و سلّم) نهاهم عن سبع منها: الشرب في آنية الذهب و الفضّة» «4».

لكن بإزائها روايات ربّما يكون مقتضى الجمع العقلائي بينها و بين الاولىٰ، الحكم على الكراهة لولا الجهات الخارجيّة،

كموثّقة سَماعة بن مِهران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «لا ينبغي الشرب في آنية الذهب

و الفضّة» «5».

و

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «أنّه كره آنية الذهب و الفضّة و الآنية المفضّضة» «1».

و ظاهرها أنّ الكراهة في الفضّة و المفضّضة سواء، فتكون الكراهة ظاهرة في الاصطلاحية.

و لو قيل: إنّ الكراهة لأصل الآنية، لا تنافي حرمة الشرب منها.

يقال: الظاهر أنّ المراد من كراهتهما كراهة الأكل و الشرب، كما تشهد به

روايته الأُخرىٰ عنه (عليه السّلام) قال: «لا تأكل في آنية من فضّة، و لا آنية مفضّضة» «2».

______________________________

(3) راجع تنقيح المقال 3: 212/ السطر 5 (أبواب الميم).

(4) قرب الإسناد: 71/ 228، وسائل الشيعة 3: 508، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 11.

(5) الكافي 6: 385/ 3، الفقيه 3: 222/ 1030، وسائل الشيعة 3: 507، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 5.

(1) المحاسن: 582/ 61، وسائل الشيعة 3: 508، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 10.

(2) الكافي 6: 267/ 3، وسائل الشيعة 3: 509، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 66، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 204

و لعلّ الرواية الأُولىٰ نقل بالمعنى للثانية، و إنّما فهم الحلبي من النهي الكراهة بقرينة ذكر المفضّضة. و هو جيّد؛ لأنّ الظاهر من الثاني أنّ المفضّضة كالفضّة، فإذا ضمّ إليها

صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضّض، و اعزل فمك عن موضع الفضّة» «1»

يستفاد منها الكراهة. و كون الاولى في الأكل و الثانية في الشرب، لا يقدح في ذلك؛ لإلغاء الخصوصية عرفاً، و عدم الفصل جزماً.

و

موثّقة بُرَيد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «أنّه كره الشرب في الفضّة، و في القدح المفضّض،

و كذلك أن يدهن في مدهن مفضّض، و المشطة كذلك» «2».

و هي ظاهرة الدلالة في الكراهة الاصطلاحية بعد عطف «المفضّض» و «المشطة» عليها.

و

صحيحة ابن بَزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن آنية الذهب و الفضّة فكرههما، فقلت: قد روىٰ بعض أصحابنا: أنّه كان لأبي الحسن (عليه السّلام) مرآة ملبّسة فضّة، قال: «لا و الحمد للّٰه، و إنّما كانت لها حلقة من فضّة ..» إلىٰ أن قال: «نحواً من عشرة دراهم، فأمر به أبو الحسن (عليه السّلام) فكسر» «3».

و هي أيضاً بلحاظ ذيلها و نحو تعبيرها ظاهرة في الكراهة مقابل الحرمة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 91/ 392، وسائل الشيعة 3: 510، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 66، الحديث 5.

(2) الكافي 6: 267/ 5، وسائل الشيعة 3: 509، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 66، الحديث 2.

(3) الكافي 6: 267/ 2، وسائل الشيعة 3: 505، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 205

و

رواية موسى بن بكر، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: «آنية الذهب و الفضّة متاع الذين لا يوقنون» «1».

و هي أيضاً مشعرة بالكراهة، أو ظاهرة فيها.

و الإنصاف: أنّ الجمع بين الطائفتين من أهون التصرّفات العقلائية. نعم لو كانت الروايات التي من طرقهم معتبرة عندنا، كان الجمع بينهما مشكلًا، لكنّها غير معوّل عليها. هذا حال الأكل و الشرب.

بيان حكم سائر الاستعمالات على ضوء الأخبار

و منه يظهر حال سائر الاستعمالات، فإنّ ما يمكن الاستشهاد بها علىٰ حرمة سائرها، ليست إلّا صحيحة محمّد بن مسلم الثانية «2»، لكن لمّا لا يمكن أن يتعلّق النهي بماهية آنية الذهب و الفضّة، لا بدّ و أن يتعلّق بمحذوف، كالأكل و الشرب، أو الاستعمال، أو

الاقتناء.

و ليس المقام ممّا يقال فيه: «إنّ حذف المتعلّق دليل العموم» لأنّ محمّد بن مسلم حكىٰ أنّه (عليه السّلام) نهىٰ عنها، و لم يحكِ نحو النهي الذي في كلامه، و لا متعلّقه، و المتيقّن بل الظاهر هو النهي عن الأكل و الشرب، لا كلّ شي ء، كما تشهد به سائر الروايات.

و قياس المورد

بقوله (عليه السّلام): «نهى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الغرر» «3»

حيث يستفاد

______________________________

(1) المحاسن: 582/ 62، الكافي 6: 268/ 7، وسائل الشيعة 3: 507، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 4.

(2) تقدّمت في الصفحة 202.

(3) الخلاف 3: 319.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 206

منه الغرر في كلّ معاملة، مع الفارق؛ لأنّ «الغرر» مصدر يمكن تعلّق النهي به، دون آنية الذهب.

بل الظاهر أنّ هذه الرواية نقل بالمعنى

لروايته الأُخرىٰ عنه (عليه السّلام) قال: «لا تأكل من آنية الذهب و الفضّة» «1».

و بالجملة: لو سمع ابن مسلم من أبي جعفر (عليه السّلام) هذا النهي، يجوز له أن يقول: «نهىٰ أبو جعفر (عليه السّلام) عن آنية الذهب و الفضّة».

و توهّم: أنّ الصادر عن أبي جعفر (عليه السّلام) بتوسّط ابن مسلم روايتان: إحداهما منقولة بلفظها، و الأُخرى بمعناها، و لا بدّ أن يكون النهي عن عنوان عامّ حتّى يصحّ له أن يحكي عنه (عليه السّلام) بقوله: «نهىٰ عن الآنية» كما ترى.

و الحاصل: أنّه لا يمكن إثبات نهي عن مطلق الاستعمال بحكايته النهي عن الآنية، مع صحّة الحكاية إن لم يصدر عن أبي جعفر (عليه السّلام) إلّا روايته الأُخرى المتقدّمة.

و أمّا سائر الروايات التي يمكن استفادة حكم مطلق الاستعمال منها، فظاهرة في الكراهة، كرواية موسى بن بكر، و صحيحة

ابن بَزيع و صحيحة الحلبي مع إشكال فيها تقدّم ذكره: و هو أنّها عين صحيحته الأُخرىٰ منقولة بالمعنى و

رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن المرآة، هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة من فضّة؟ قال: «نعم؛ إنّما يكره استعمال ما يشرب فيه» «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 202.

(2) مسائل عليّ بن جعفر: 299/ 756، المحاسن: 583/ 69، وسائل الشيعة 3: 511، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 67، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 207

بناءً علىٰ أنّ المراد كراهة مطلق استعمال إناء يشرب فيه؛ أي يكون معدّاً للشرب. و هذه أيضاً ظاهرة الدلالة على الكراهة المصطلحة. بل لو فرض ظهور في صحيحة ابن مسلم في حرمة مطلق الاستعمال، تكون هذه الرواية حاكمة عليها موجبة لصرفها عنه.

فتحصّل ممّا ذكر: عدم دليل لفظي علىٰ حرمة استعمال الأواني بنحو الإطلاق، و لا الأكل و الشرب منها.

حكم الاستعمالات غير المتعارفة و التزيين و الاقتناء

ثمّ لو فرض دلالة الأدلّة علىٰ حرمة الأكل و الشرب و كذا حرمة الاستعمال، هل تنصرف إلىٰ حرمة الشرب و الأكل في آنية يتعارف الأكل و الشرب منها، و كذا تنصرف إلى الأكل و الشرب المتعارفين، أو تعمّ غير المتعارفين في البابين؟

وجهان، لا يبعد القول بالتعميم؛ لأجل ارتكاز العقلاء علىٰ عدم دخالة كيفية الأكل و الشرب، و لا تعارف الإناء فيهما.

نعم، الظاهر أنّ استعمال الإناء منصرف إلى استعمال يكون من شأن الأواني، لا مثل قتل الحية و دقّ الباب بها، فلو ورد دليل علىٰ أنّ استعمال الأواني محرّم-

كمرسلة «الخلاف»: روي عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «أنّه نهىٰ عن استعمال أواني الذهب و الفضّة» «1»

لا يعمّ إلّا

ما يكون الاستعمال نحو استعمال الأواني.

و لو استعمل ما للشرب في الأكل أو بالعكس، أو استعمل ما ليس لهما

______________________________

(1) الخلاف 1: 70، مستدرك الوسائل 2: 598، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 208

فيهما، فشرب من القنديل و غلاف السيف، يكون محرّماً علىٰ إشكال في مثل الأخير دون ما لو استعمل الإناء فيما لا يكون شأن الأواني بما هي، كاستعمالها في ضرب الدابّة، و وضعها و الجلوس عليها.

كما أنّ الظاهر عدم التعميم لمثل الوضع على الرفوف للتزيين، إلّا ما كان نحو استعمالها كذلك؛ بناءً علىٰ عموم حرمة الاستعمال.

و أولى بعدم الحرمة اقتناؤها. نعم لو استفيد من صحيحة ابن بَزيع «1» الحرمة، لا يبعد أن يقال: إنّها متعلّقة بذات الآنية، فيكون وجودها مبغوضاً لا يجوز اقتناؤها، بل يجب كسرها، كما أمر أبو الحسن (عليه السّلام) بكسر قضيب ملبّس بالفضّة علىٰ ما فيها لكنّها ظاهرة في الكراهة، أو غير دالّة على الحرمة.

كما أنّه لو فرض استفادة الحرمة من

قوله (عليه السّلام): «آنية الذهب و الفضّة متاع الذين لا يوقنون» «2»

يكون دالّاً علىٰ حرمة مطلق الانتفاع و التمتّع بها ممّا هو من شأن الأواني. نعم لا يشمل مثل الاقتناء، فإنّه تعطيل عن الانتفاع، لا انتفاع بها.

هذا كلّه حال الأدلّة اللفظية، و قد عرفت عدم نهوضها لإثبات حرمة الأكل و الشرب، فضلًا عن سائر الاستعمالات.

في التمسّك بالإجماع على حرمة الأكل و الشرب و سائر الاستعمالات

نعم، قد تكرّر و استفاض نقل الإجماع من عصر العلّامة إلىٰ عصرنا علىٰ حرمة الأكل و الشرب في جملة من الكتب «3»، و عن «الذكرى»

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 204.

(2) تقدّم في الصفحة 205.

(3) تذكرة الفقهاء 2: 225، الحبل المتين: 128/ السطر 6،

جواهر الكلام 6: 328.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 209

و «المجمع» للأردبيلي و «المدارك» و غيرها علىٰ حرمة سائر الاستعمالات أيضاً «1»، و عن «كشف الرموز»: «لا خلاف فيه» «2» و نسبه في محكي «الكفاية» إلى المشهور «3».

و عن الصدوق و المفيد و سلّار و الشيخ في «النهاية» الاقتصار على الأكل و الشرب «4»، و عن «المدارك» و «الكفاية»: «أنّ تحريم اتخاذها لغير الاستعمال هو المشهور» «5» و عن «المجمع»: «هو مذهب الأكثر» «6» و هو المحكي عن الشيخ و المحقّق و اليوسفي و العلّامة و الفخر و الكركي و ظاهر الشهيد «7».

و عن الحلّي و العلّامة في «المختلف» تقريب الجواز «8»، و عن «المدارك» استحسانه «9»، و عن شيخه الأردبيلي الميل إليه «10».

هذا، و الذي يوجب وسوسة في النفس أمران

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 1: 145، مجمع الفائدة و البرهان 1: 362، مدارك الأحكام 2: 379، رياض المسائل 2: 419.

(2) كشف الرموز 1: 118.

(3) كفاية الأحكام: 14/ السطر 38.

(4) الفقيه 3: 222/ 1030 و 1031، المقنع: 424، المقنعة: 584، المراسم: 210، النهاية: 589.

(5) مدارك الأحكام 2: 380، كفاية الأحكام: 14/ السطر الأخير.

(6) مجمع الفائدة و البرهان 1: 363.

(7) المبسوط 1: 13، المعتبر 1: 456، كشف الرموز 1: 119، نهاية الإحكام 1: 297، إيضاح الفوائد 1: 32، جامع المقاصد 1: 188، ذكرى الشيعة 1: 145.

(8) انظر مفتاح الكرامة 1: 193/ السطر 28، السرائر 3: 123، مختلف الشيعة 1: 336.

(9) مدارك الأحكام 2: 380.

(10) مجمع الفائدة و البرهان 1: 363 364.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 210

أحدهما: احتمال تخلّل الاجتهاد في الحكم؛ و أنّ الفقهاء إنّما أفتوا بالحرمة في

الأكل و الشرب و سائر الاستعمالات اتكالًا على الروايات، سيّما مع استدلال الشيخ و المفيد، و من بعدهما كالمحقّق و العلّامة، و أمثالهما من عُمَد أصحاب الفتوى و أئمّة الفنّ، بها.

و معه كيف يمكن القطع بأنّ عندهم غير تلك الروايات أمراً آخر، و يكون الحكم معروفاً من لدن زمن الأئمّة (عليهم السّلام) و إنّما ذكروا الروايات إيراداً، لا استناداً و اعتماداً، أو أعرضوا عن الروايات الحاكمة عليها، لا رجّحوا مفاد ما دلّت على التحريم عليها بالتقريبات التي ذكرها المتأخّرون؟! و الحاصل: أنّه مع الظنّ الراجح على استنادهم إلى الروايات، كيف يمكن القطع بكشف الإجماع عن الدليل المعتبر غيرها، أو عن أخذهم الحكم خلفاً عن سلف من غير تخلّل اجتهاد؟! و ثانيهما: عبارة الشيخ في «الخلاف» قال في (مسألة: 15) من كتاب الطهارة: يكره استعمال أواني الذهب و الفضّة، و كذلك المفضّض منها.

و قال الشافعي: «لا يجوز استعمال أواني الذهب و الفضّة» «1» و به قال أبو حنيفة في الشرب و الأكل و التطيّب علىٰ كلّ حال «2».

و قال الشافعي: «يكره المفضّض» «3» و قال أبو حنيفة: «لا يكره» «4» و هو مذهب داود «5».

______________________________

(1) المغني، ابن قدامة 1: 62/ السطر 15، المجموع 1: 246/ السطر 20.

(2) بدائع الصنائع 5: 132.

(3) المجموع 1: 258/ السطر 6.

(4) المغني، ابن قدامة 1: 64/ السطر 11، المجموع 1: 261/ السطر 5.

(5) المجموع 1: 249/ السطر 10، و: 250/ السطر 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 211

دليلنا: إجماع الفرقة، و أيضاً

روى الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «لا تأكل في آنية من فضّة، و لا في آنية مفضّضة» «1».

و

روى ابن محبوب، عن العلاء

بن رَزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام): «أنّه نهىٰ عن آنية الذهب و الفضّة» «2».

و

روي عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «أنّه نهىٰ عن استعمال أواني الذهب و الفضّة» «3»

انتهىٰ.

و هذه كما ترى ظاهرةٌ في الكراهة المصطلحة، غيرُ ممكن التأويل بغيرها من وجوه؛ و إن كان مقتضىٰ تمسّكه بالروايات الظاهرة في الحرمة أن يكون مدعاه التحريم، لكن نصوصية الصدر حاكمة على الذيل، سيّما مع أنّ رواية الحلبي محمولة على الكراهة بقرينة عطف «المفضّضة» علىٰ «آنية الفضّة» و النصّ قائم علىٰ عدم البأس بها؛ و هو صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان المتقدّمة «4».

و لعلّ استناد الشيخ إليها للكراهة كذلك، كما أنّ

الحلبي الناقل لها عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في موضع آخر: «إنّه كره آنية الذهب و الفضّة، و الآنية المفضّضة» «5».

______________________________

(1) الكافي 6: 267/ 3، وسائل الشيعة 3: 509، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 66، الحديث 1.

(2) الكافي 6: 267/ 4، وسائل الشيعة 3: 506، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 3.

(3) الخلاف 1: 69.

(4) تقدّمت في الصفحة 204.

(5) المحاسن: 582/ 61، وسائل الشيعة 3: 508، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 212

و أمّا فتواه في زكاة «الخلاف» بحرمة الاتخاذ و الاستعمال «1» مستدلّاً بالنبويين المتقدّمين «2»، و كذا فتواه في «النهاية» بحرمة الأكل و الشرب «3»، فلا يصيران قرينة علىٰ أنّ مراده في المقام الحرمة، أو الجامع بينهما و بين الكراهة؛ فإنّ التصرّف في عبارة «الخلاف» كطرح النصّ، لا تأويل الظاهر أو المجمل.

نعم، لأحد أن يقول بتصحيف نسخة «الخلاف» و هو كما

ترى.

فإذا كان الأمر كذلك، و المسألة علىٰ هذه المنوال، كيف يمكن الاتكال علىٰ دعوى إجماع العلّامة و من تأخّر عنه، سيّما في مطلق الاستعمال. مع أنّ جمعاً من المتقدّمين اقتصروا على الأكل و الشرب، كما تقدّم؟! فالمسألة قوية الإشكال.

و لكن الخروج عن الإجماعات المنقولة في الأكل و الشرب و الاستعمالات المتعارفة المتيقّنة أشكل؛ للوهن الحاصل منها في الروايات المقابلة للنواهي الواردة عن الأكل و الشرب، أو حصول الوثوق بأنّ المراد من «الكراهة» في الروايات غير معناها الاصطلاحي.

المختار في المقام

و علىٰ أيّ حال: غاية ما يمكن الاتكال عليها في ذاك و ذلك، هي حرمة الأكل و الشرب و الاستعمالات المتعارفة، دون غير المتعارفة، أو غير المتوقّعة

______________________________

(1) الخلاف 2: 90.

(2) و هما: «نهىٰ عن الشرب في آنية الفضّة» و «نهىٰ عن استعمال أواني الذهب و الفضّة» تقدّمتا في الصفحة 201 و 207.

(3) النهاية: 589.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 213

من الأواني، و لا سيّما الثانية، فضلًا عمّا لا يكون استعمالًا أو شكّ فيه، كالوضع على الرفوف للتزيين و الاقتناء و نحوهما.

فالأقوىٰ حلّية غير الأكل و الشرب و الاستعمالات المتوقّعة من الأواني؛ و إن لا يخلو عن تأمّل فيما لا يتعارف فيها، كالشرب من غلاف السيف لو قلنا: بأنّه آنية، أو جعل الكوز و الكأس محلّا للمداد لأجل الكتابة و نظائرها.

عدم حرمة الأكل و الشرب من الآنية المفضّضة

و قد ظهر من بعض ما تقدّم عدم حرمة المفضّض. و هل يحرم الشرب من موضع الفضّة، أو يكره؟

ظاهر ذيل صحيحة ابن سِنان المتقدّمة «1» الأوّل، و به قال جملة من الأصحاب قديماً و حديثاً «2»، بل عن «الكفاية» نقل الشهرة عليه «3»، و في «المدارك» نسبته إلىٰ عامّة المتأخّرين «4».

و اختار المحقّق في «المعتبر» الاستحباب «5»، و استحسنه صاحب «المدارك» «6»، لإطلاق

صحيحة معاوية بن وهب قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 204.

(2) المبسوط 1: 13، المهذّب 1: 28، الجامع للشرائع: 391، جامع المقاصد 1: 188 189، رياض المسائل 2: 422، جواهر الكلام 6: 341.

(3) كفاية الأحكام: 15/ السطر 6.

(4) مدارك الأحكام 2: 383.

(5) المعتبر 1: 455.

(6) مدارك الأحكام 2: 383.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 214

الشرب في القدح فيه

ضَبّة من فضّة، قال: «لا بأس، إلّا أن يكره الفضّة فينزعها» «1».

و مقتضى الجمود علىٰ قواعد الفنّ و إن كان تقييد هذا الإطلاق، لكن لا يبعد أقربية حمل الصحيحة على استحباب العزل أو كراهة الشرب من المحلّ منها؛ لقوّة الإطلاق، سيّما إذا كانت «الضبّة» بمعنى الشعَب التي يزيّن بها الإناء، فإنّ الابتلاء بها في الشرب كثير، فعدم النهي عنها و التذييل بقوله (عليه السّلام): «إلّا أن يكره الفضّة فينزعها» و المناسبات المغروسة في الذهن، ربّما توجب ترجيح الحمل على الكراهة على التقييد.

لكن مع ذلك رفع اليد عن ظهور الصحيحة مشكل.

فالأحوط العزل، كما أنّ الأحوط إلحاق المذهّب بالمفضّض، بل لا يخلو من قوّة.

______________________________

(1) المحاسن: 582/ 65، تهذيب الأحكام 9: 91/ 391، وسائل الشيعة 3: 509، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 66، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 215

المسألة الثانية في الاحتمالات المتصوّرة في موضوع الحرمة

يحتمل بحسب التصوّر حرمة «الأكل» و «الشرب» من الآنيتين، و كذا سائر العناوين التي نظيرهما في استلزام الاستعمال، ك «الوضوء» و «التدهين» و «التطيّب» و «التدخين» و هكذا؛ بمعنى أنّ المنهي عنه ذات تلك العناوين، فكلّ منها محرّم بعنوانه.

و يحتمل حرمة عنوان «استعمالهما» سواء كان في الأكل أو الشرب أو غيرهما من المقاصد؛ بحيث يكون نفس الاستعمال بما هو محرّماً، لا العناوين المتقدّمة.

و يحتمل أن يكون الأكل و الشرب بعنوانهما محرّماً دون سائر العناوين، بل هي بعنوان الاستعمال محرّمة.

ظاهر شيخ الطائفة في عبارته المتقدّمة «1» عن موضعين من «الخلاف» ثاني الاحتمالات.

و هو ظاهر المحقّق في «المعتبر» «2» و «النافع» «3» حيث قال في الأوّل: «لا يجوز استعمال أواني الذهب و الفضّة في الأكل و الشرب و غيرهما» و الظاهر منه حرمة نفس الاستعمال،

لا عنوان «الشرب» و «الأكل» و هكذا.

و يشهد له ما قال بعد ذلك: «لا يحرم المأكول و المشروب فيهما و إن كان

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 210 211، 212.

(2) المعتبر 1: 454 و 456.

(3) المختصر النافع: 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 216

الاستعمال محرّماً؛ لأنّ النهي عن الاستعمال لا يتناول المستعمل».

و يؤيّده ما قال في ردّ من قال ببطلان الوضوء من آنية الذهب و الفضّة: «لنا: أنّ انتزاع الماء ليس جزءً من الطهارة، بل لا يحصل الشروع فيها إلّا بعده» انتهىٰ، تأمّل تعرف.

بل لا يبعد رجوع عبارة «الشرائع» إليه، قال: «لا يجوز الأكل و الشرب في آنية من ذهب أو فضّة، و لا استعمالها في غير ذلك» «1».

بأن يقال: إنّ الأكل و الشرب المذكورين، مثال لأنحاء الاستعمال المذكور في الذيل، فكأنّه قال: «لا يجوز استعمالها في الأكل و الشرب و غير ذلك» سيّما مع قرينيّة ما في «المعتبر» و «النافع» عليه.

و هو ظاهر «القواعد» «2» و «التذكرة» «3» قال في الثاني: «و يحرم استعمال المتخذ من الذهب و الفضّة في أكل و شرب و غيرهما عند علمائنا أجمع».

ثمّ قال:

«فروع: الأوّل: لا فرق في تحريم الاستعمال بين الأكل و الشرب و غيرهما، كالبخور و الاكتحال منه، و الطهارة و شبهه، و جميع وجوه الاستعمال؛ لأنّ في تحريم الأكل و الشرب تنبيهاً علىٰ منع غيرهما» انتهىٰ.

فيظهر منه البناء علىٰ إلغاء الخصوصية من الأكل و الشرب الواردين في النصوص.

و لو لا ذهابه إلىٰ صحّة الوضوء و الغسل في آنيتهما «4»، و استدلاله بما

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 47.

(2) قواعد الأحكام 1: 9/ السطر 7.

(3) تذكرة الفقهاء 2: 225 و 226.

(4) تذكرة الفقهاء 2: 227

228.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 217

استدلّ به المحقّق، لكان المحتمل في عبارته أنّ مراده من سائر الاستعمالات- غير الأكل و الشرب عناوين أُخر نظيرهما ك «الوضوء» و «الغسل» حتّى يكون موافقاً للاحتمال الأوّل من الاحتمالات المتقدّمة.

لكنّ ما ذكره أخيراً كالنصّ في أنّ النهي لم يتعلّق بالعناوين، فيكون قرينة علىٰ أنّ مراده من كون الأكل و الشرب تنبيهاً علىٰ منع غيرهما، أنّهما مثال لمطلق الاستعمال، فهو محرّم منطبق علىٰ سائر العناوين، و هو قرينة علىٰ ما في «المنتهىٰ» «1».

و كيف كان: ظاهرهم حرمة الاستعمال و التناول، كما نسب إلى المشهور «2».

و ما ذكروه هو الأقرب؛ لأنّ مقتضى الجمود علىٰ ظاهر النواهي المتعلّقة بعنوان «الأكل» و «الشرب» و إن كان موضوعيتهما؛ و أنّ المحرّم نفس عنوانهما، لا الاستعمالات التي هي مقدّمات لهما، فلا بدّ من الاقتصار عليهما لولا دليل آخر، لكن بعد ثبوت حرمة مطلق الاستعمالات إمّا للإجماع «3» أو بعض الأدلّة المتقدّمة «4» و بعد كون الشرب و الأكل فيها نحو استعمال لها عرفاً، لا يبقى ظهور في موضوعية العنوانين.

أ لا ترى أنّه لو ورد دليل بعدم جواز استعمال الأواني مطلقاً، ثمّ ورد النهي عن الاغتراف منها، لا ينقدح في الذهن إلّا أنّ النهي عنه لكونه استعمالًا، لا لخصوصية في عنوانه!!

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 185/ السطر الأخير.

(2) كفاية الأحكام: 14/ السطر 38.

(3) راجع ما تقدّم في الصفحة 208 209.

(4) تقدّمت في الصفحة 205 207.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 218

و إن شئت قلت: إنّ ملازمةَ الأكل و الشرب للاستعمال، و كونَهما من الأفراد الشائعة في استعمال الأواني، و بُعدَ حرمة العنوانين مستقلا في مقابل الاستعمال المطلق، و

بُعدَ كون الشرب من الآنية محرّماً من حيث الشرب و من حيث الاستعمال، فيكون وضع الفم على الآنية و جذب الماء منها محرّماً، و بلعه و ازدراده محرّماً آخر، و بُعدَ عدم حرمة التناول و الاستعمال في الأكل و الشرب، فيكون المحرّم مطلق الاستعمالات إلّا ما كانت مقدّمة لهما، توجب رفع اليد عن موضوعية عنوان «الأكل» و «الشرب».

بل بعد التنبيه علىٰ تلك المقدّمات، لا ينقدح في الذهن من قوله: «لا تأكل من آنية الذهب و الفضّة» إلّا ما يفهم من قوله: «لا تحجّ على الدابّة المغصوبة» و قوله: «لا ترتفع على السطح بالسلَّم المغصوب» حيث يرى العرف أنّ المبغوض هو التصرّف في المال المغصوب، لا الحجّ أو الكون على السطح.

نعم، لو لم يكن في المقام إلّا قوله: «لا تشرب من آنية الذهب» أو «لا تأكل منها» كان الظاهر حرمة عنوانهما، بخلاف باب الغصب في المثالين؛ للقرينة العرفية فيهما، لكن بعد ما ذكرناه من الشواهد، لا يبقى مجال لدعوى الظهور في حرمة نفس العنوانين «1»، بل المستفاد عرفاً منه أنّ المحرّم هو الاستعمال مطلقاً، و لهذا ترى أنّ الشيخ قد استدلّ علىٰ حرمة مطلق الاستعمالات بالروايات الناهية عن الأكل و الشرب «2»، و كذا المحقّق «3»، بعد الوثوق بأنّ استدلالهما بروايات الناس ليس استناداً و اعتماداً، بل جدلًا في مقابلهم.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 649/ السطر 22.

(2) الخلاف 1: 69، و 2: 90.

(3) المعتبر 1: 455.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 219

المسألة الثالثة في عدم سراية الحرمة إلى المأكول و المشروب

لو فرضنا حرمة العنوانين، فهل تسري إلى المأكول و المشروب؟

فعن المفيد: نعم «1». و عن «الذكرى»: «و هو يلوح من كلام أبي الصلاح» «2».

و ردّه المحقّق: «بأنّ النهي عن الاستعمال لا

يتناول المستعمل» «3» و هو موافق للتحقيق و لو كان المراد من الاستعمال عنوان «الشرب» و «الأكل» لأنّ ما تعلّق به النهي هو الشرب من الآنية من غير لحاظ إضافته إلىٰ مشروب أصلًا، و لزوم التعلّق بمشروب ما محقّق عنوان «الشرب» لا جزء موضوع المحرّم.

و إن شئت قلت: إنّ هاهنا عناوين يمكن بحسب الثبوت أن يتعلّق النهي بكلّ منها:

الأوّل: «الشرب» المطلق، مقابل الأكل و المشي و نحوهما، فيكون المبغوض أصل الشرب، لا الشرب المتعلّق بمائع؛ و إن كان في تحقّقه يتوقّف علىٰ متعلّق ما، لكنّه خارج عن الموضوع المنهي عنه.

الثاني: «شرب الخمر» مقابل شرب الماء، فيكون المنهي عنه شرب هذا العنوان الخاصّ، و هو بذاته مبغوض.

______________________________

(1) لم نعثر عليه في المقنعة، انظر ذكرى الشيعة 1: 148، المقنعة: 584.

(2) ذكرى الشيعة 1: 148، الكافي في الفقه: 278.

(3) المعتبر 1: 456.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 220

و منه شرب المتنجّس أو أكل لحم الموطوء، فإنّ النهي إذا تعلّق بالعنوان الخاصّ كشرب المتنجّس يكون بذاته مبغوضاً، نعم إذا تعلّق بمائع إذا تنجّس يكون المائع مبغوضاً بالعرض.

و الثالث: «شرب المائع» مطلقاً، و الفرق بينه و بين الأوّل: بأنّ المائع هاهنا أُخذ جزء الموضوع بخلافه هناك.

و الرابع: «شرب الخمر من آنية كذائية» أو «في مكان كذا» بحيث يكون عنوان «الخمر» جزء الموضوع، و الإضافة إلى الآنية أو المكان جزءً آخر له.

و الخامس: «شرب المائع المطلق من آنية كذائية» أو «مكان كذا».

و السادس: «الشرب في آنية» أو «من آنية كذائية» بحيث تكون نفس طبيعة الشرب بلا تعلّق بمتعلّق إذا كانت من آنية كذائية أو فيها مبغوضةً، فيكون الشرب في آنية كذائية متعلّق النهي، فيكون الشرب المطلق من

حيث المتعلّق جزءً من الموضوع، و الإضافة إلى الآنية جزءً آخر منه، فالمتعلّق في هذه الصورة محتاج إليه في وجوده من غير أن يكون مقوّماً للموضوع المنهي عنه.

و المقام من قبيل الأخير؛ فإنّ قوله: «لا تشرب في آنية الذهب و الفضّة، و لا تأكل فيها» يكون من حيث المتعلّق ساقط الإضافة، فلا يكون المائع بنحو الإطلاق و لا العناوين الخاصّة كالماء و اللبن جزءً للموضوع المنهي عنه، و لا متعلّقاً للنهي، و لا مبغوضاً.

و هذا مرادنا من أنّ النهي عن الشرب لا يتناول المشروب، و لعلّه مراد المحقّق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 221

أيضاً و إن استظهرنا من كلامه: أنّ المحرّم هو الاستعمال و التناول من الآنيتين «1».

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال للسراية

بقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «الذي يشرب في آنية الذهب و الفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم» «2»

فإنّ ظاهره أنّ نفس الشرب منها يوجب الجرجرة، لا المشروب. بل المناسب للجرجرة هو الشرب؛ لأنّه سببها، لا المشروب.

و كيف كان: يتضح ممّا ذكرناه ضعف توجيه صاحب «الحدائق» كلام المفيد: «بأنّ المأكول صار حراماً بالعرض، و يرجع النهي ثانياً و بالعرض إلى المأكول، فيكون حراماً متى أكل بهذه الكيفية، و ظاهر النصوص يساعده» «3» انتهىٰ.

أقول: بل لا يساعده شي ء من النصوص؛ فإنّ النهي فيها إنّما تعلّق بالشرب من الآنية، لا بالمشروب.

و أضعف منه تنظيره بما أُخذ من الحقّ الشرعي بحكم حاكم الجور؛ لوضوح الفارق فإنّ الدليل هناك و هو مقبولة عمر بن حنظلة «4» دالّ علىٰ أنّ ما أخذه بحكمه سُحت، فالحرمة تعلّقت بما أخذ، بخلاف المقام، فإنّ النهي لم يتعلّق بما شرب.

______________________________

(1) تقدّم في

الصفحة 215.

(2) سنن الدارمي 2: 121، صحيح مسلم 4: 297/ 1.

(3) الحدائق الناضرة 5: 508.

(4) الكافي 1: 67/ 10، و 7: 412/ 5، تهذيب الأحكام 6: 218/ 514، و: 301/ 845، وسائل الشيعة 27: 136، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 222

و يتلوه في الضعف قول بعض أهل النظر: «بأنّ أضافه الحرمة إلى الذوات، إنّما هي بلحاظ الفعل المتعلّق بها، فالمراد بحرمة المأكول ما دام في الآنية، ليس إلّا حرمة أكله فيها، فالاعتراض عليه: بأنّ النهي عن الأكل لا يتعدّى إلى المأكول، ليس علىٰ ما ينبغي».

ثمّ ذكر المناقشة التي أوردوها في الاستدلال بحديث الجرجرة، و أجاب عنها: «بأنّ المتبادر منه كون الشرب بنفسه سبباً لجرجرة النار في البطن، لا مقدّمته التي هي أجنبية عن البطن، فالمتبادر إلى الذهن من التشبيه، ليس إلّا حرمة المأكول التي مآلها إلىٰ حرمة الأكل، كما أنّ هذا هو المتبادر من الأخبار الناهية، فهذا هو الأقوىٰ» «1» انتهىٰ.

و أنت خبير بما فيه؛ فإنّ المراد من عدم حرمة المأكول، ليس عدم حرمة الذات بما هي، حتّى يقال: إنّ الذات لا يتعلّق بها النهي إلّا بلحاظ الفعل، بل المراد أنّ المنهي عنه هو الاستعمال، أو الشرب و الأكل من الآنية أو فيها، لا شرب المائع فيها، أو شرب الماء و اللبن و سائر العناوين، فلا تسري الحرمة من الشرب إلىٰ متعلّقه؛ أي الماء، فلا يكون شرب الماء من الآنية حراماً، بل الشرب منها حرام بلا إضافة إلىٰ متعلّق، و إنّما هو دخيل في تحقّق عنوان المحرّم، لا جزء لموضوعه.

فالمفيد (رحمه اللّٰه) قائل: بأنّ المأكول حرام كحرمة الخمر، أو حرمة المال الذي

أُخذ بحكم حاكم الجور، أو حرمة لحم الموطوء، أو العين المنذور عدم أكلها، و كلّ ذلك يرجع إلىٰ حرمة أكل هذه العناوين ذاتاً أو عرضاً

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 649/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 223

بالمعنى الذي أشرنا إليه «1»، علىٰ تأمّل في المثال الأخير، قد أشرنا إليه في بعض مسفوراتنا «2».

و المحقّق (رحمه اللّٰه) منكر لذلك «3»؛ إمّا لأنّ المحرّم التناول و الاستعمال، كما قدّمنا تقريبه و تقويته «4»، و إمّا لأنّ المحرّم الشرب و الأكل من الإناء، لا شرب المائع أو الماء، كما تقدّم «5». و قد تقدّم الكلام في حديث الجرجرة «6».

و إنّما ارتكبنا في المقام التطويل المملّ مع وضوح المطلب بنظر القاصر، لما وقع الخلطُ من بعض أهل التحقيق، و حملُه كلام المحقّق علىٰ غير مرضية «7».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 219.

(2) مناهج الوصول 1: 168، و 2: 141.

(3) تقدّم في الصفحة 219.

(4) تقدّم في الصفحة 215 217.

(5) تقدّم في الصفحة 220.

(6) تقدّم في الصفحة 221.

(7) مصباح الفقيه، الطهارة: 649/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 224

المسألة الرابعة جواز الوضوء و الغسل بأواني الذهب و الفضّة
اشارة

إن قلنا: بأنّ المنهي عنه استعمال الأواني، فالأقوىٰ صحّة الوضوء و الغسل بها؛ سواء كانا بالاغتراف أو الارتماس، و سواء كان الماء منحصراً و لم يمكن إفراغه في غيرها أم لا:

أمّا في صورة عدم الانحصار و إتيانه بالاغتراف فواضح.

و أمّا مع الانحصار و الإتيان بالاغتراف، فلأنّ غاية ما يقال في وجه البطلان: عدم الأمر بهما، أو عدم تنجّز التكليف بهما «1».

و فيه: أنّ صحّتهما لا تتوقّف على الأمر، و لا علىٰ تنجّزه، و كفى فيها عباديتهما و مطلوبيتهما الذاتية، و المفروض أنّ النهي لم

يتعلّق بهما، و التبديل بالتيمّم ليس لمبغوضيتهما في هذه الحالة، بل لمبغوضية استعمال الإناء.

و بالجملة: إنّ المقام من قبيل تزاحم المطلوب الأعلى مع المبغوض، فاكتفاء الشارع بالمطلوب الأدنى بلحاظ عدم الابتلاء باستعمال المبغوض، لا بلحاظ عدم الاقتضاء في المحبوب الأعلى أو مبغوضيته، فلو تخلّف المكلّف و أتى بالمطلوب الأعلى، صحّ وضوؤه و إن عصىٰ باستعمال الآنية.

مع أنّ لنا الالتزام بتعلّق الأمر الاستحبابي النفسي بالوضوء و الغسل؛ بناءً علىٰ ما حقّقناه «2»: من أنّ عباديتهما غير متقوّمة بالأمر الوجوبي الغيري، بل إنّما

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 186/ السطر 20، جواهر الكلام 6: 332، مصباح الفقيه، الطهارة: 650/ السطر 14.

(2) مناهج الوصول 1: 385، تهذيب الأُصول 1: 253، و راجع ما تقدّم في الجزء الثاني: 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 225

تتوقّف على الأمر الاستحبابي بناءً علىٰ توقّفها على الأمر و ذلك لأنّ الأوامر متعلّقة بنفس الطبائع من غير لحاظ حال التزاحم، و في صورة التزاحم لا يسقط الأمر، بل يرجّح العقل أو الشرع المزاحمَ الأقوىٰ على الأضعف، فالوضوء فيما نحن فيه متعلّق لأمر استحبابي فعلي، لكنّ الشارع رجّح جانب حرمة الاستعمال على الوضوء الاستحبابي الذي هو مقدّمة و شرط للصلاة الواجبة.

و يتضح ممّا ذكر حال ما لو قلنا بتقوّم العبادية بالأمر الغيري، فتدبّر.

و بالجملة: لا وجه معتدّ به لبطلان الوضوء و الغسل في صورة الانحصار؛ لأنّ الأمر بالتيمّم لا يوجب النهي عن الوضوء، و لا مبغوضيته، بل و لا عدم الأمر، علىٰ ما حقّقناه في تصويره «1».

و كذا يصحّ الوضوء و الغسل ارتماساً؛ لما قلنا في باب اجتماع الأمر و النهي: من صحّة العبادة المتحدة في الوجود مع المنهي عنه، و حديث

«أنّ المبعّد لا يمكن أن يصير مقرّباً» قد فرغنا عن حلّه «2».

بل لو قلنا: بأنّ المستفاد من الأدلّة النهي عن العناوين الخاصّة، فكأنّه قال: «لا تتوضّأ من الآنيتين» يمكن تقريب الصحّة بأن يقال: إنّ المنهي عنه في أمثال المقام هو إيجاد الطبيعة بتلك الإضافة، فالنهي في

قوله (عليه السّلام): «لا تصلّ في الحمّام» «3»

إنّما تعلّق بأمر خارج؛ و هو تمكين الصلاة المطلوبة في المكان الكذائي.

و هكذا الحال في المقام، فإنّ النهي تعلّق بالإضافة الخارجية أو نحوها؛

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الثاني: 112.

(2) مناهج الوصول 2: 128 135.

(3) الكافي 3: 390/ 12، تهذيب الأحكام 2: 219/ 863، وسائل الشيعة 5: 177، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 34، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 226

و هي كون الوضوء من آنية الذهب، لا بنفس طبيعة الوضوء، فالمسألة في هذه الصورة- بحسب حكم العقل محلّ نظر و إشكال و إن كان العرف لا يساعد علىٰ هذا التحليل، و يكون قوله: «لا تتوضّأ من آنية الذهب» من قبيل النهي في العبادة عرفاً، فالأوجه في هذه الصورة البطلان.

مرجعية العرف في تشخيص الإناء

ثمّ إنّ المرجع في تشخيص الإناء و الآنية و الأواني المذكورة في النصوص، هو العرف، كما عن كثير من اللغويين إيكاله إليه «1». و التفسير ب «الوعاء» و «الأوعية» «2» في غير محلّه؛ لإطلاق «الوعاء» علىٰ ما لا تكون آنية جزماً من غير تأويل، قال تعالىٰ في قضيّة يوسف علىٰ نبيّنا و آله و عليه السلام- فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعٰاءِ أَخِيهِ «3» و معلوم أنّ أوعيتهم لم تكن من الأواني، بل كانت من الجواليق و ما يشبهها.

و أمّا ما عن كاشف الغطاء في تشخيص الموضوع: من اعتبار الظرفية،

و كون المظروف معرضاً للرفع و الوضع؛ احترازاً عن موضع فصّ الخاتم و عَكُّوز الرمح و نحوها.

و أن تكون موضوعة علىٰ صورة متاع البيت الذي يعتاد استعماله عند أهله في أكل أو شرب أو طبخ أو غسل أو نحوها؛ احترازاً عن كوز الغليان و رأسها، و رأس الشطب، و قراب السيف و نحوه، و بيت السهام، و بيت المكحلة و المرآة و الصندوق و قوطي النَّشُوق و العطر و نحوها.

______________________________

(1) الصحاح 6: 2274، لسان العرب 1: 250، مجمع البحرين 1: 36.

(2) المصباح المنير: 28.

(3) يوسف (12): 76.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 227

و أن يكون لها أسفل يمسك ما يوضع فيه، و حواشٍ كذلك؛ احترازاً عن القناديل و المشبّكات و المخرّمات و الطبق «1».

فلا يخلو من إشكال؛ و إن كان كلامه ذلك مع كونه من أهل اللسان يوجب لنا الشكّ في صدقها علىٰ كثير ممّا ذكره، و معه مقتضى الأصل الإباحة.

و الإنصاف: أنّ المتيقّن منها ما ذكره؛ و إن كان الاحتياط في مثل كوز الغليان لا ينبغي تركه، بل لا يترك.

و أمّا ما عدّ صاحب «الجواهر» منها كرأس الغليان، و رأس الشطب، و ما يجعل موضعاً له، و قراب السيف و الخنجر و السكّين، و بيت السهام، و ظروف الغالية و الكحل و العنبر و القير و المعجون و التتن و التنباك و الأفيون، و المشكاة و المجامر و المحابر و نحوها «2».

فكثير منها محلّ إشكال أو منع، سيّما مع جزم الأُستاذ علىٰ خلافه، و هو يوجب الشكّ لنا. مع عدم إمكان إحرازها أو إحراز كثير منها من العرف و اللغة؛ بعد ما كان الإناء في عصرنا قليل الاستعمال أو عديمه،

علىٰ ما شهد به صاحب «الجواهر» و غيره من أهل اللسان «3».

و دعوىٰ: استفادة إنائية كثير منها أو جميعها من

صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن آنية الذهب و الفضّة فكرهها، فقلت: قد روىٰ بعض أصحابنا أنّه كان لأبي الحسن (عليه السّلام) مرآة ملبّسة فضّة، فقال: «لا و الحمد للّٰه، إنّما كانت لها حلقة من فضّة، و هي عندي».

ثمّ قال: «إنّ العبّاس حين عذر عمل له قضيب ملبّس فضّة من نحو ما

______________________________

(1) كشف الغطاء: 183/ السطر 30.

(2) جواهر الكلام 6: 334.

(3) جواهر الكلام 6: 334، مستمسك العروة الوثقى 2: 173.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 228

يعمل للصبيان، تكون فضّة نحواً من عشرة دراهم، فأمر به أبو الحسن (عليه السّلام) فكسر» «2».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر أنّ الراوي نقض عليه بفعل أبي الحسن (عليه السّلام) فأنكره شديداً، و حكىٰ أمره بكسر القضيب الملبّس، و هو دليل علىٰ صدقها في جميع تلك الموارد «3» حتّى فيما لا يقول به صاحب «الجواهر» كالمثال.

ضعيفة؛ لمنع كون كلام الراوي نقضاً بالنسبة إلى المرآة بدعوىٰ صدق «الآنية» عليها، بل من المحتمل قريباً أنّه فهم من كراهة أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) أنّ استعمال مطلق الذهب و الفضّة مكروه، فقال ما قال، و إلّا فالظاهر عدم صدق «الآنية» على المرآة الملبّسة، و لا علىٰ لباس المرآة، و كذا لا يصدق على القضيب أو لباسه.

و الظاهر من قوله (عليه السّلام): «تكون فضّة نحواً من عشرة دراهم» أنّ ادخار الفضّة حتّى بهذا المقدار، كان مكروهاً لدى أبي الحسن (عليه السّلام) فضلًا عن ادخار الملبّسة بها.

و الإنصاف: أنّ دعوى تشخيص الآنية من الرواية في غاية

السقوط؛ بعد عدم صدقها علىٰ ما فيها.

و أضعف منه دعوى كون الموضوع الشرعي أعمّ؛ بدعوىٰ أنّ للآنية حقيقة شرعية، و هو كما ترى.

نعم لا يبعد استفادة كراهة مطلق استعمال الآلات المعمولة من الفضّة و الذهب من هذه الرواية و بعض روايات أُخر واردة فيها و في الذهب «1» و الأمر سهل.

______________________________

(2) المحاسن: 582/ 67، الكافي 6: 267/ 2، وسائل الشيعة 3: 505، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 65، الحديث 1.

(3) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 392/ السطر 21.

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 510، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 67، الحديث 1 و 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 229

المسألة الخامسة اشتراط التذكية في جواز استعمال الجلود
اشارة

لا يجوز استعمال شي ء من الجلود إذا كانت من ذوات الأنفس فيما يشترط فيه الطهارة إلّا إذا كانت من حيوان وردت عليه تذكية شرعية بالشروط المقرّرة و لو دبغت سبعين مرّة؛ إذ هي بدون التذكية نجسة ميتة لا تحلّ الصلاة فيها. و هذا لا إشكال فيه نصّاً و فتوى إلّا من ابن الجنيد القائل بطهارتها بالدباغة؛ و إن قال بعدم جواز الصلاة فيها «1».

حكم الحيوان مشكوك التذكية

و الذي ينبغي بسط الكلام فيه: أنّه هل يعتبر في جواز استعمالها، و كذا في حلّية اللحوم من الحيوانات المحلّلة الأكل، و كذا في صحّة الصلاة فيما تجوز فيها مع التذكية، إحرازها بالعلم أو بأمارة شرعية معتبرة، و مع عدمه يحكم بنجاستها، و حرمةِ الانتفاع بها، و عدمِ جواز الصلاة فيها؟

أو عدم التذكية يحتاج إلىٰ دليل، و مع عدمه يحكم بطهارتها، و جوازِ الصلاة فيها، و حلّيةِ أكل اللحم؟ أو تفصيل بين الطهارة و غيرها؟

قد استقرّ آراؤهم علىٰ جريان أصالة عدم التذكية في الجملة، و إن فصّل بعضهم بين ما إذا رتّبت الأحكام علىٰ مجرّد عدم التذكية بنحو السالبة المحصّلة، و بين ما إذا كان الموضوع بنحو الإيجاب العدولي، كما لعلّه الظاهر من الشيخ الأعظم «2».

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 342، و 2: 93.

(2) فرائد الأُصول 1: 371 372، و 2: 641 643.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 230

و فصّل آخر بين كون المذكى و مقابله من قبيل الضدّين فلا تجري، و بين كونهما من قبيل العدم و الملكة فتجري، و تترتّب عليها الأحكام؛ بدعوىٰ كون الموضوع في هذه الصورة من قبيل الموضوعات المركّبة أو المقيّدة المشكوك فيها بقيدها أو جزئها، فيحرز بالأصل، و هو ظاهر المحقّق

الخراساني «1».

و ثالث بين الآثار التي رتّبت علىٰ عدم كون الحيوان مذكّى، كعدم الحلّية، و عدم جواز الصلاة، و عدم الطهارة؛ من الأحكام العدمية المنتزعة من الوجوديات التي تكون التذكية شرطاً في ثبوتها، فيقال: الأصل عدم تعلّق التذكية بهذا اللحم الذي زهق روحه، فلا يحلّ أكله، و لا الصلاة فيه، و لا استعماله فيما يشترط بالطهارة، و بين الآثار المترتّبة علىٰ كونه غير المذكى، كالأحكام الوجودية الملازمة لهذه العدميات، كحرمة أكله، و نجاسته و تنجيس ملاقيه و نحوها.

بدعوىٰ: أنّ الحلّية و سائر الأحكام الوجودية المترتّبة علىٰ سبب حادث تصير منتفية بانتفاء سببها، فالموت المقرون بالشرائط أمر مركّب سبب للأحكام، و هو أمر حادث مسبوق بالعدم، فأصالة عدمه ممّا يترتّب عليها عدم الحلّية و الطهارة و جواز الصلاة فيها، فعدم حلّية اللحم من آثار عدم حدوث ما يؤثّر في حلّيته بعد الموت، لا من آثار كون الموت فاقداً للشرائط حتّى لا يمكن إحرازه بالأصل.

و هو صريح المولى الهمداني «2» تبعاً لظاهر الشيخ الأعظم، و لعلّه يرجع إلى التفصيل الأوّل، أو قريب منه.

______________________________

(1) درر الفوائد، المحقّق الخراساني: 340 341.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 653/ السطر 20، حاشية فرائد الأُصول، المحقّق الهمداني: 91/ السطر 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 231

حول جريان أصالة عدم التذكية

و نحن قد استقصينا البحث في أطراف أصالة عدم التذكية و ما هي نحوها بما لا مزيد عليه مع مقدّمات مفيدة في المقام و سائر المقامات في الأُصول «1»، و تذكارها و نقلها هاهنا موجب للتطويل المخالف لوضع هذا المختصر، و لهذا نشير إلىٰ لمحة منها احترازاً عن الحوالة.

فنقول: لا شبهة في أنّ التذكية عبارة عن أمر وجودي؛ هو إزهاق الروح بكيفية خاصّة معتبرة

في الشرع؛ أي فري المسلم الأوداج الأربعة، متوجّهاً بالحيوان إلى القبلة، ذاكراً عليه اسم اللّٰه، مع قابلية الحيوان لها، و هو الموضوع للأحكام المتقدّمة؛ أي الطهارة، و حلّية الأكل، و جواز الصلاة في أجزائه و غيرها.

و مقابل هذا العنوان الذي يكون موضوعاً لأحكام أُخر أي الحرمة و النجاسة، أو عدم الحلّية و عدم الطهارة، و عدم جواز الصلاة فيه يمكن أن يكون عنواناً وجودياً؛ هو إزهاق الروح بكيفية أُخرى ضدّ الكيفية المأخوذة في التذكية.

و يمكن أن يكون إزهاقه لا بالكيفية المذكورة؛ علىٰ نعت الإيجاب العدولي.

أو إزهاقه الذي لم يكن بالكيفية الخاصّة؛ علىٰ نعت الموجبة السالبة المحمول.

أو إزهاقه مسلوباً عنه الكيفية الخاصّة؛ علىٰ نعت سلب محصّل بسلب المحمول، مع فرض وجود الموضوع.

______________________________

(1) أنوار الهداية 2: 97 124، الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 104 112، تهذيب الأُصول 2: 213 228.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 232

و يمكن أن يكون أمراً سلبياً بالسلب التحصيلي الأعمّ من سلب الموضوع.

و يمكن أن يكون مركّباً من إزهاق الروح، و عدمِ تحقّق الكيفية الخاصّة بنحو العدم المحمولي. هذا بحسب التصوّر و الاحتمال البدوي.

لكن لا شبهة في أنّ الموضوع للأحكام، ليس عدم إزهاق الروح بالكيفية الخاصّة بنحو السالبة المحصّلة الأعمّ من سلب الموضوع؛ ضرورة عدم إمكان موضوعية عدمٍ محض للأحكام ثبوتاً، و عدم مساعدة الأدلّة عليها إثباتاً.

و منه يظهر بطلان الصورة الأخيرة؛ لعدم تعقّل كون جزء الموضوع للأحكام، شيئاً أعمّ من الوجود. بل يلزم من جزئيته له التناقض؛ لأنّ فرضَ إزهاق الروح الذي هو صفة لأمر وجودي و فرضَ سلب الكيفية بالسلب البسيط الأعمّ، فرض كون المتناقضين موضوع الحكم.

فبقيت الاعتبارات الأُخر، و في شي ء منها لا مصير لجريان أصالة

عدم التذكية لإثبات الحكم:

أمّا في صورة الضدّية فواضح؛ ضرورة أنّ سلب الضدّ علىٰ فرض جريان الأصل لا يثبت تحقّق الضدّ الآخر إلّا بالأصل المثبت و لو مع فرض عدم الثالث لهما.

و أمّا صورة اعتبار الإيجاب العدولي، و الموجبة السالبة المحمول، و السالبة المحصّلة مع فرض وجود الموضوع و كون السلب عنه، فليس لشي ء منها بعنوانه حالة سابقة يقينية.

و استصحاب السلب البسيط التحصيلي الجامع بين سلب الحيوان و سلب الزهوق و سلب الكيفية، لا يثبت الحكم المترتّب علىٰ مصداقه المنحصر إلّا بالأصل المثبت؛ فإنّ موضوع الحكم إذا كان بأحد الاعتبارات الثلاثة، لا يكون

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 233

السلب التحصيلي موضوعاً له، بل هو أي السلب المطلق كلّي جامع منطبق على السلب الأزلي بسلب الحيوان و سلب الإزهاق مع وجود الحيوان و إزهاق روحه بغير الكيفية الخاصّة، و موضوع الحكم هو الأخير، و استصحاب الجامع و إثبات الفرد و أحكامه مثبت، كما هو ظاهر.

و منه يتضح بطلان ما يمكن أن يقال: إنّ الحيوان في حالة حياته يصدق عليه: أنّه غير زاهق الروح بالكيفية الخاصّة، أو مسلوب عنه الزهوق الكذائي، و هذا العنوان و إن لم يكن موضوعاً للحكم في حال اليقين، لكنّه موضوع له في حال الشكّ، و هو كافٍ في الاستصحاب.

و ذلك لأنّ موضوعه ليس عنوان عدم زهوق الروح القابل للصدق على الحيوان الحي و لو بنحو الإيجاب العدولي مع موضوعية الحيوان، بل الموضوع زهوقه بلا كيفية خاصّة، فاستصحاب أنّ الحيوان غير زاهق الروح بالكيفية الخاصّة لترتّب الأحكام عليه، غير صحيح؛ لأنّ هذا العنوان المستصحب ليس موضوع الحكم، بل الموضوع عنوان آخر منطبَق هذا العنوان، و استصحاب العنوان الأعمّ لا

يثبت أحكام الأخصّ.

و ما ذكره المولى الهمداني «1» فهو غفلة عن دقيقة: و هي أنّ سلب السبب الموجب لأحكام وجودية بالسلب المطلق، لازمه سلبُ الأحكام الوجودية القابلُ للانطباق علىٰ عدم التشريع رأساً، لا ثبوت حكم آخر سلبي أو ثبوتي، فاستصحاب عدم تحقّق السبب لإثبات حكم من الشارع كعدم الحلّية و نحوه من المثبتات لو لم نقل: بأنّ سلب السبب لإثبات سلب المسبّب أيضاً من

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 654/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 234

المثبتات، فأصالة الحلّ و الطهارة محكّمة ما لم يدلّ دليل علىٰ خلافها.

هذا إجمال ممّا فصّلناه في الأُصول «1»، و لا بدّ أن يطلب التحقيق من هناك.

دلالة الأخبار على توقّف حلّية الأكل علىٰ إحراز التذكية

و الأولى في المقام صرف الكلام إلىٰ حال الروايات:

فنقول: قد وردت جملة من الأخبار في باب الصيد و الذباحة، يستفاد منها توقّف حلّية الأكل علىٰ إحراز الذبح الشرعي،

كصحيحة الحذّاء قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يسرّح كلبه المعلّم، و يسمّي إذا سرّحه، قال: «يأكل ممّا أمسك عليه، فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه، و إن وجد معه كلباً غير معلّم فلا يأكل منه» «2».

و

رواية أبي بصير، عنه (عليه السّلام) قال: سألته عن قوم أرسلوا كلابهم و هي معلّمة كلّها، و قد سمّوا عليها، فلمّا أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحباً، و اشتركت جميعاً في الصيد، فقال: «لا يؤكل منه؛ لأنّك لا تدري أخذه معلّم أم لا» «3».

و

صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «من جرح صيداً بسلاح، و ذكر اسم اللّٰه عليه، ثمّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع، و قد علم

______________________________

(1) تقدّم تخريجه في

الصفحة 231، الهامش 1.

(2) الكافي 6: 203/ 4، تهذيب الأحكام 9: 26/ 106، وسائل الشيعة 23: 332، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 1، الحديث 2.

(3) الكافي 6: 206/ 19، وسائل الشيعة 23: 343، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 5، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 235

أنّ سلاحه هو الذي قتله، فليأكل منه إن شاء» «1»

و بمضمونها عدّة روايات «2».

و

صحيحته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في صيد وجد فيه سهم، و هو ميّت لا يدرىٰ من قتله، قال: لا تطعمه» «3».

و

حسنة «4» حُمران، عنه (عليه السّلام): أنّه سأله عن الذبح فقال: «إن تردّى في جُبّ أو وَهْدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعم؛ فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح» «5» ..

إلىٰ غير ذلك.

و يستفاد من التعليل فيها و في رواية أبي بصير و لو بالمناسبات و إلغاء الخصوصيات عرفاً أنّه مع الشكّ في وقوع التذكية الشرعية على الحيوان، لا يجوز الأكل منه، فجواز الأكل موقوف علىٰ إحراز التذكية الشرعية.

و بإزائها

موثّقة السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق ..» إلىٰ أن قال: «قيل له: يا أمير المؤمنين،

______________________________

(1) الكافي 6: 210/ 2، وسائل الشيعة 23: 362، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 16، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 23: 362 و 365، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 16 و 18.

(3) الكافي 6: 211/ 8، وسائل الشيعة 23: 368، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 19، الحديث 1.

(4) رواها الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن

أبيه، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبيه، عن حمران بن أعين.

و الظاهر أنّ الرواية حسنة بالقاسم بن إسحاق و هو والد داود بن القاسم المعروف بأبي هاشم الجعفري.

(5) الكافي 6: 229/ 4، وسائل الشيعة 24: 26، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 13، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 236

لا يدرى سفرة مسلم، أم سفرة مجوسي، فقال: هم في سعة حتّى يعلموا» «4».

و مقتضى إطلاقها و إن كان جواز الأكل حتّى مع الشكّ في التذكية، لكنّها مقيّدة بالروايات المتقدّمة، فتحمل علىٰ جواز الأكل إذا كانت الشبهة في الطهارة و النجاسة.

نعم، لو كان بدل «المجوسي» «اليهودي» لكان الحمل مشكلًا؛ لأنّ اليهود لا يأكلون من ذبائح المسلمين، و نقل عن بعضهم: «أنّ أكل ذبائح المسلمين علامة الخروج عن التهوّد» أو «كالخروج منه» لكن الظاهر أنّ المجوس ليسوا كذلك، فلا مانع من هذا الجمع.

الكلام في مقدار ما يستفاد من الأخبار السابقة

إنّما الكلام في أنّه هل يستفاد من تلك الروايات: أنّه مع عدم إحراز التذكية يحكم بأنّه غير مذكّى في جميع الأحكام، فهو محكوم بالنجاسة، و لا تصحّ الصلاة في أجزائه، مع قطع النظر عن الروايات الواردة في الصلاة؟:

إمّا بدعوىٰ: أنّ الظاهر منها أنّ هذا الحكم إنّما هو للاتكال على الاستصحاب، فيكشف منها جريان استصحاب عدم التذكية، كما جعلها بعضهم شاهدة علىٰ جريانه «1».

و إمّا بدعوىٰ: إلغاء الخصوصية عرفاً بين عدم جواز الأكل و سائر أحكام غير المذكى.

______________________________

(4) الكافي 6: 297/ 2، وسائل الشيعة 24: 90، كتاب الصيد و الذبائح، الباب 38، الحديث 2.

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 654/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 237

و إمّا بدعوىٰ: أنّ التعليل في الروايتين، دليل علىٰ أنّ

تمام العلّة للحكم بعدم جواز الأكل، هو الجهل بالتذكية، و معه يكون محكوماً بعدمها.

و إمّا بدعوىٰ: أنّ النهي عن الأكل ليس إلّا للشكّ في عدم التذكية، فما شكّ في تذكيته محكوم بعدمها، و الحكم بالحرمة متفرّع علىٰ ذلك، سيّما مع ما يأتي من الروايات الدالّة علىٰ لزوم إحراز التذكية الشرعية في صحّة الصلاة «1».

فإذا ضمّ تلك الروايات إلىٰ هذه، يستفاد منها استفادة قطعية بأنّ المشكوك فيه في حكم غير المذكى مطلقاً، و أنّ الحكم بعدم جواز الصلاة فيه و عدم جواز الأكل منه، متفرّعان علىٰ ترجيح احتمال عدم التذكية على الاحتمال المقابل.

و للإشكال في جميع الدعاوي مجال واسع؛ فإنّ الاتكال على الاستصحاب لم يظهر في شي ء منها، بل الظاهر منها أنّ مجرّد عدم الدراية موضوع للحكم بالحرمة، لا إحراز عدم التذكية بالأصل. مع أنّ لازمه حجّية الاستصحاب في المثبتات بعد ما عرفت: أنّ الأصل المذكور مثبت، و هذا و إن لم يكن محذوراً لو دلّ الدليل عليه، لكنّ التزامهم به مشكل. مع أنّ الشأن في قيام الدليل عليه، و هو ممنوع مخالف للظواهر.

و دعوىٰ إلغاء الخصوصية عرفاً ممنوعة، مع الاحتمال القريب في أنّ لأكل الميتة خصوصية لا يرضى الشارع بارتكابه بمجرّد الشكّ و أصل الحلّ، بل لا بدّ فيه من إحراز التذكية و الحلّية بأمارة معتبرة، فدعوى إلغاء الخصوصية من حرمة الأكل و من عدم صحّة الصلاة، و الحكم بترتّب سائر الأحكام- كالنجاسة و حرمة سائر الانتفاعات غير وجيهة.

و أضعف منها دعوى الاستفادة من التعليل؛ فإنّه و إن يعمّ، لكن لا لموضوع

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 239.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 238

أجنبي أو حكم كذلك، فأيّ تناسب بين قوله (عليه

السّلام): «لا تأكله؛ فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح» و بين نجاسة الحيوان المذبوح، أو عدم جواز الصلاة في أجزائه؟! و النهي عن الأكل و إن كان للشكّ في تذكيته، لكن لا ينتج: أنّ كلّ ما شكّ في تذكيته محكوم بعدمها في جميع الأحكام، و حكم حرمة الأكل متفرّع على التعبّد بعدمها مطلقاً؛ إذ لا شاهد عليها، و إنّما هي مجرّد دعوى بلا بيّنة، كدعوىٰ ترجيح جانب احتمال عدم التذكية.

و الحاصل: أنّ المشكوك فيه ليس غير المذكى واقعاً، فلا بدّ من قيام دليل على التعبّد بعدم التذكية مطلقاً، و لم يظهر من تلك الروايات و لا الروايات الآتية إشعار بأنّ المشكوك فيه محكوم بعدمها، فضلًا عن الدلالة، فضلًا عن عموم التنزيل و التعبّد، و التفكيك في الأحكام تعبّداً بين المتلازمات غير عزيز.

نعم، دعوى حصول الظنّ من جميع ما ذكر بعدم التفكيك وجيهة، لكنّه لا يغني من الحقّ شيئاً.

فمقتضىٰ قصور الأخبار عن إثبات عدم التذكية مطلقاً تعبّداً، البناء على الطهارة و جواز لبسها و سائر الانتفاعات بها إلّا الأكل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 239

حكم الصلاة في مشكوك التذكية
اشارة

و أمّا جواز الصلاة في أجزائها، فمع عدم جريان أصالة عدم التذكية و البناء على البراءة في الأقلّ و الأكثر، هو ذلك مع قطع النظر عن الأخبار، فلا بدّ من التماس دليل على المنع، و في كلّ مورد قصرت الأدلّة عن إثبات المنع يحكم بالجواز علىٰ طبق القواعد.

الأخبار الواردة في المقام

ثمّ إنّ الأخبار في المقام علىٰ طوائف:

منها: ما تدلّ علىٰ عدم جواز الصلاة فيها إلّا بعد العلم بالتذكية:

كموثّقة ابن بكير قال: سأل زرارة أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصلاة في الثعالب .. إلىٰ أن قال: «فإن كان ممّا يؤكل لحمه، فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز؛ إذا علمت أنّه ذكي و قد ذكّاه الذبح» «1».

و منها: ما تدلّ على الجواز مطلقاً حتّى يعلم أنّها ميتة:

كصحيحة جعفر بن محمّد بن يونس: أنّ أباه كتب إلىٰ أبي الحسن (عليه السّلام) يسأله عن الفرو و الخفّ، ألبسه و أُصلّي فيه و لا أعلم أنّه ذكي، فكتب «لا بأس به» «2».

______________________________

(1) الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.

(2) الفقيه 1: 167/ 789، وسائل الشيعة 4: 456، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 55، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 240

و

موثّقة سَماعة: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) في تقليد السيف في الصلاة و فيه الفراء و الكيمخت، فقال: «لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة» «1».

و

رواية عليّ بن أبي حمزة: أنّ رجلًا سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا عنده عن الرجل يتقلّد السيف و يصلّي فيه قال: «نعم».

فقال الرجل: إنّ

فيه الكيمخت، قال: «و ما الكيمخت؟» فقال: جلود دوابّ، منه ما يكون ذكيا، و منه ما يكون ميتة، فقال: «ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه» «2».

و منها: ما دلّت علىٰ جوازها في موارد:

كمورد السؤال عن الاشتراء من السوق، و هي

صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخفاف التي تباع في السوق، فقال: «اشتر و صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه» «3»

و قريب منها صحيحته الأُخرىٰ «4».

و

صحيحة البَزَنْطي قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء، لا يدري أذكيه هي أم غير ذكية، أ يصلّي فيها؟

فقال: «نعم، ليس عليكم المسألة؛ إنّ أبا جعفر (عليه السّلام) كان يقول: إنّ الخوارج

______________________________

(1) الفقيه 1: 172/ 811، تهذيب الأحكام 2: 205/ 800، وسائل الشيعة 3: 493، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 12.

(2) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1530، وسائل الشيعة 3: 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 2: 234/ 920، وسائل الشيعة 3: 490، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 2.

(4) الكافي 3: 403/ 28، وسائل الشيعة 3: 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، ذيل الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 241

ضيّقوا علىٰ أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدين أوسع من ذلك»

«1» و قريب منها صحيحته الأُخرىٰ عن الرضا (عليه السّلام) «2».

و

رواية الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): أعترض السوق فأشتري خفّاً لا أدري أذكي أم لا، قال: «صلّ فيه».

قلت: فالنعل، قال: «مثل ذلك». قلت: إنّي أضيق من هذا، قال: «أ ترغب عمّا كان أبو الحسن (عليه السّلام) يفعله؟!» «3».

و مثل مورد الضمان، و هي

رواية محمّد

بن الحسين الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلىٰ أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال: «إذا كان مضموناً فلا بأس» «4».

و مورد المصنوع في أرض الإسلام، و هي

موثّقة إسحاق بن عمّار، عن العبد الصالح (عليه السّلام) أنّه قال: «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني، و فيما صنع في أرض الإسلام». قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: «إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1529، وسائل الشيعة 3: 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 2: 371/ 1545، وسائل الشيعة 3: 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 404/ 31، وسائل الشيعة 3: 493، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 9.

(4) الكافي 3: 398/ 7، وسائل الشيعة 3: 493، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 10.

(5) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1532، وسائل الشيعة 3: 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 242

و مورد صلاتهم فيها،

كرواية إسماعيل بن عيسىٰ قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجيل، أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟

قال: «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» «1».

و منها: ما فصّلت بين النعل و الخفاف في المشترىٰ في أرض غير المسلمين و غيرهما،

كموثّقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن لباس الجلود و الخفاف و النعال و الصلاة فيها إذا لم

تكن من أرض المسلمين- المصلّين (خ ل)-؟ فقال: «أمّا النعل و الخفاف فلا بأس بهما» «2».

و منها: ما يظهر منها التفصيل بين ما صنع في أرض يستحلّ أهلها الميتة بدباغتها و غيرها،

كرواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصلاة في الفراء، فقال: «كان عليّ بن الحسين (عليه السّلام) رجلًا صَرِداً لا يدفئه فراء الحجاز؛ لأنّ دباغها بالقَرَظ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتىٰ ممّا قِبلكم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص الذي يليه، فكان يسأل عن ذلك، فقال: إنّ أهل العراق يستحلّون لباس جلود الميّت، و يزعمون أنّ دباغه ذكاته» «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 371/ 1544، وسائل الشيعة 3: 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 2: 234/ 922، وسائل الشيعة 4: 427، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 38، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 397/ 2، وسائل الشيعة 4: 462، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 61، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 243

و

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: «تكره الصلاة في الفراء إلّا ما صنع في أرض الحجاز، أو ما علمت منه ذكاة» «1».

وجوه الجمع بين الطوائف السابقة من الأخبار

و قد جمعوا بين الروايات بحمل المطلقات من الطرفين على الموارد الخاصّة، فصارت النتيجة: عدم جواز الصلاة فيها إلّا إذا علم تذكيته، أو قامت أمارة عليها، كسوق المسلمين، أو الصنع في أرضهم، أو يد المسلم مطلقاً، أو مع معاملته معه معاملة المذكى، أو إخباره بالتذكية «2».

و هذا الجمع لا يخلو من إشكال:

أمّا في مثل الطائفة الاولىٰ من الطائفة الثالثة التي لم يرد القيد في كلام المعصوم (عليه السّلام) كصحيحتي الحلبي و

ما بعدهما فلأنّ فهم القيدية فيهما مشكل؛ فإنّ قوله: «الرجل يأتي السوق فيشتري» أو قوله: «أعترض السوق فأشتري خفّاً» بل و كذا قوله: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخفاف التي تباع في السوق» إنّما يجري مجرى العادة، كقوله: «ادخلْ السوق و اشترِ كذا» و ليست العناية بالاشتراء منه بخصوصه و السؤال عن حاله حتّى يقال: إنّه بصدد بيان أمارية السوق للتذكية، بل الظاهر من قوله (عليه السّلام): «صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه» أنّ الموضوع لجواز الصلاة عدم العلم، لا الأمارة على التذكية.

______________________________

(1) الكافي 3: 398/ 4، وسائل الشيعة 4: 462، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 61، الحديث 1.

(2) مستند الشيعة 1: 352 355، مصباح الفقيه، الطهارة: 655/ السطر 5، مستمسك العروة الوثقى 1: 325.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 244

فهل ترى من نفسك فيما إذا

قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر»

«1» ثمّ سئل عنه منفصلًا: «إنّي اعترض السوق، فأشرب من المياه التي فيه» فقال: «اشرب منها حتّى تعلم أنّها قذرة» تقييد الرواية الأُولىٰ بالثانية، فيقال: لا يجوز الشرب إلّا مع قيام أمارة و هي سوق المسلمين على الطهارة؟! فهل المقام إلّا نظيره؟! إذ قال (عليه السّلام) في مورد: «لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة» و سئل في مورد: إنّي أعترض السوق، فأشتري الخفّ و أُصلّي فيه، فقال: «صلّ حتّى تعلم أنّه ميتة» فهل الذهن الخالي عن شبهة جريان أصالة عدم التذكية و أنّه لا بدّ من قيام أمارة يدفع بها الأصل، ينقدح فيه غير ما ينقدح فيه من المثال المتقدّم؟! فكما لا يتوهّم منه أمارية السوق كذلك فيما

نحن فيه، سيّما مع ما تقدّم من عدم جريان أصالة عدم التذكية «2».

إن قلت: نعم، و لكن إلغاء الخصوصية و فهم الإطلاق أشكل.

قلت: إنّما المراد عدم صالحية تلك الروايات لتقييد المطلقات، لا التمسّك بإطلاقها. مع أنّ الإنصاف أنّ عدّ تلك الروايات في عداد المطلقات، أقرب إلى الفهم العرفي من عدّها في المقيّدات و البناء علىٰ أمارية سوق المسلمين، سيّما إن قلنا: إنّ إحراز عدم التذكية يحتاج إلىٰ أمارة، لا جواز الصلاة و نحوه.

و أمّا سائر الروايات ما عدا موثّقة ابن بكير و موثّقة الهاشمي، فالجمع بينها بالحمل علىٰ مراتب الفضل في التنزّه عن المشكوك فيه، أقرب من تقييد المطلقات أو حملها علىٰ مورد قيام الأمارة؛ فإنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه» و ما هو نظيره؛ أنّ تمام الموضوع لجواز الصلاة هو

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.

(2) تقدّم في الصفحة 236 238.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 245

عدم العلم بكونه ميتة، و عدم اعتبار قيام الأمارة على التذكية في الجواز، و إرجاع مثله إلىٰ مورد قيام الأمارة بعيد عن الأذهان.

و دعوى الانصراف إلىٰ ما يشترى من سوق المسلمين «1» و إن لم تكن بعيدة ذلك البعد، لكن حملها علىٰ مراتب الفضل في التنزّه أو مراتب الكراهة في الارتكاب لعلّه أقرب، بأن يقال: إنّ ما شكّ في تذكيته تصحّ الصلاة فيه إلىٰ أن يعلم كونه ميتة، أو قامت أمارة عليه، لكن يكره ارتكابه، و ترتفع كراهته بمراتبها إذا علم وجداناً بتذكيته، أو صنع في مثل أرض الحجاز، كما هو ظاهر صحيحة الحلبي الأخيرة.

و

عليه يحمل فعل زين العابدين عليّ بن الحسين (عليه السّلام) و تنزّهه عمّا صنع في أرض العراق، و فعل أبي جعفر (عليه السّلام) علىٰ ما

في رواية عبد اللّٰه بن سِنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «أُهديت لأبي جبّة فرو من العراق، و كان إذا أراد أن يصلّي نزعها فطرحها» «2».

فإنّ اشتراءه و قبول هديته و لبسه و عدم التنزّه عنه إلّا في الصلاة، دليل علىٰ أنّه علىٰ سبيل الفضل.

و كذا ترتفع ببعض مراتبها أو جميعها إذا اشترىٰ من سوق المسلمين من مسلم ضمن تذكيته، و هو ظاهر رواية الأشعري «3»، فإنّ «الاشتراء من السوق» منصرف إلى الاشتراء من سوق المسلمين، و الظاهر من قوله (عليه السّلام): «إذا كان مضموناً» أنّ الضامن البائع المسلم لا الكافر فإنّه في غاية البعد، فمع قيام أمارة أو أمارتين- أي سوق المسلم، و بيعه على التذكية لا يكون اعتبار الضمان إلّا على الفضل.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 655/ السطر 8.

(2) مكارم الأخلاق 1: 257/ 772، وسائل الشيعة 4: 428، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 38، الحديث 5.

(3) تقدّمت في الصفحة 241.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 246

و ترتفع ببعض مراتبها فيما إذا صنع في أرض الإسلام، أو أرض كان الغالب عليها المسلمين، أو صلّىٰ فيه المسلم، أو كان في سوق المسلمين.

و الحمل المذكور قريب جدّاً، لكنّ المانع منه موثّقة ابن بكير المتقدّمة «1»، حيث إنّ ظاهرها أنّ الصلاة في الجلود مع عدم العلم بتذكيتها فاسدة، و أنّ الجواز موقوف على العلم بالتذكية، و حملها على الجواز بلا كراهية مع العلم بها، بعيد غايته، سيّما مع التصريح بالفساد في صدرها و ذيلها،

الموجب لقوّة ظهور كون الجواز مقابل الفساد.

فالأقرب بالنظر إلى الموثّقة، حمل الروايات المتقدّمة التي ترك فيها الاستفصال علىٰ كون الكيمخت و غيره كان في أرض المسلمين و سوقهم لا الكفّار؛ فإنّ المظنون أنّ ما كان مورد السؤال، الأشياءُ التي اشتريت من الأسواق، و كانت هي من المسلمين، أو كان الغالب علىٰ أهلها الإسلام.

فتحصّل من ذلك: أنّ الجمع الذي صنعه أهل التحقيق «2» لا محيص عنه.

نعم، يبقى الكلام في موثّقة الهاشمي «3»، و لا يبعد أن يكون التفصيل فيها بين ما تتمّ و ما لا تتمّ في غير المذكى، لا في مشتبه التذكية، كما فصّل بينهما في النجس، و يشهد له أنّ الظاهر منها قيام الأمارة العقلائية علىٰ عدم التذكية، فإنّ قوله: «في غير أرض المسلمين» أو «المصلّين» يراد به أنّه من أرض الكفّار، و الحمل علىٰ مشتبه الحال أو الأعمّ فاسد.

فاتضح أنّها بصدد بيان مسألة غير ما نحن بصددها.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 239.

(2) تقدّم تخريجه في الصفحة 243، الهامش 1.

(3) تهذيب الأحكام 2: 234/ 922، وسائل الشيعة 4: 427، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 38، الحديث 3. و تقدّمت في الصفحة 242.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 247

أمارية سوق المسلمين على التذكية و إن كانوا مستحلّين لغير المذكى

ثمّ إنّ «السوق» منصرف إلى سوق المسلمين، سيّما بالنظر إلىٰ موثّقة إسحاق بن عمّار «1»، و هو واضح. و لا فرق بين سوق المستحلّين و غيرهم؛ لما قدّمنا من ظهور رواية أبي بصير «2» الحاكية عن فعل عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) في أنّ جلود العراق أيضاً محكومة بالتذكية، و إلّا لما اشتراها، و لما لبسها، و لما قبل أبو جعفر (عليه السّلام) هديتها، و إنّما ألقاها لفضل التنزّه منها، فهي و

نحوها ظاهرة في عدم الفرق بين السوقين، فتوهّم تقييد إطلاق الأدلّة بها فاسد.

و يشهد للتعميم موثّقة إسحاق بن عمّار، حيث نفي فيها البأس عن الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام، و مقتضى المقابلة بينهما جواز الصلاة فيما صنع في أرض غير المستحلّين كاليمن، و المستحلّين، و حملها علىٰ سائر المستحلّين بعيد، لها إطلاق قوي في قوّة التصريح.

و يشهد له أيضاً كون السائلين فقهاء العراق، كالحلبي و ابن أبي نصر و إسحاق بن عمّار، و من البعيد جدّاً استثناء سوق العراق، و عدم جواز الصلاة فيما يشترى من أرضه، و عدم التنبّه للعراقيين مع ابتلائهم به، و لعلّ سوق العراق القدر المتيقّن من الروايات.

أمارية سوق المسلمين و مجتمعهم و إن كان البائع كافراً

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق الأدلّة، اعتبار سوق المسلمين و أماريته للتذكية مطلقاً و لو كان الكافر بائعاً في سوقهم، فضلًا عن مجهول الحال. بل لموثّقة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 241.

(2) تقدّمت في الصفحة 242.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 248

إسحاق بن عمّار قوّة إطلاق بالنسبة إلى الأخذ من الكافر. بل قوله: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: «إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» «1» لا يبعد أن يراد به الاشتراء من غير المسلم بعد كون يد المسلم أمارة بنفسها. بل الظاهر منها أنّ غلبة المسلمين في بلد، أمارة علىٰ أنّ المصنوع من صنعهم، لا صنع الصنف الذي في الأقلّية.

و الحاصل: أنّ مقتضى الإطلاق اعتبار سوق المسلمين و أرضهم، فهما أمارة علىٰ وقوع التذكية الشرعية، و إن شئت قلت: أمارة علىٰ إجراء يد المسلمين عليه، و كون المصنوع منهم و لو كان بيد الكافر، إلّا أن يعلم عدم إجراء يد المسلم عليه.

و الظاهر أنّ الأمر كذلك

لدى العقلاء أيضاً؛ فإنّ السوق إذا كان للمسلمين، و يكون موضع متاع تجارتهم، و كان فيهم بعض أهل ملّة اخرىٰ، و كانت تحت يده من ذلك المتاع، يكون احتمال كونِه من غير بلد المسلمين و اشترائه من غير أهل هذا السوق، احتمالًا بعيداً لا يعتني به العقلاء.

و لو استشكل في هذا البناء أو حجّيته، لكن لا إشكال في أنّ ذلك الارتكاز موجب لفهم العرف من الروايات: أنّ سوق المسلمين و غلبتهم صار سبباً لحكم الشارع بجواز الصلاة فيما يشترى منه، أو ممّا صنع في أرضهم.

نعم ربّما يقال «2»: إنّ

رواية إسماعيل بن عيسىٰ قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجيل، أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟

قال: «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 241.

(2) جواهر الكلام 8: 54.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 249

رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» «1»

دلّت علىٰ أنّ يد الكافر أمارة علىٰ عدم التذكية.

و فيه: مع ضعف الرواية «2» أنّ الظاهر منها أنّ الفراء إذا كان من المتاع الذي يبيعه المشركون، و كان له نحو اختصاص بهم في التجارة، و كانوا هم الذين يبيعونه، لا يجوز الصلاة فيه، و يجب السؤال عنه، و هو غير أمارية يد الكافر، فكما أنّ سوق المسلمين أمارة على التذكية بما قدّمناه، كذلك سوق الكفّار، و كون المتاع منهم و من مال تجارتهم يكون أمارة علىٰ عدمها.

و بالجملة: فرق بين قوله: «إذا كان المشركون يبيعون ذلك» و بين قوله: «إذا اشتريت من مشرك» أو «من المشركين» فالمفهوم من العبارة الاولىٰ أنّ

للمتاع نحو اختصاص بهم في التجارة دون الثانية. و لا أقلّ من مساواة هذا الاحتمال للاحتمال الآخر، فلا يجوز معه رفع اليد عن إطلاق أدلّة اعتبار السوق الموافق لارتكاز العقلاء.

نعم، سوق الكفّار أو كون المتاع من أمتعتهم، أمارة علىٰ عدم التذكية، ما لم تقم أمارة أقوى عليها، كترتيب المسلم آثار التذكية عليها. و لعلّه الظاهر من ذيل رواية إسماعيل، و هو قوله (عليه السّلام): «و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه». فإنّ المفهوم منه أنّ ما رأيتم المشركين يبيعونه يجب السؤال عنه، إلّا إذا رأيتم المسلمين يصلّون فيه؛ أي في ذلك المتاع الذي يبيعه المشركون. و ليس المراد

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 371/ 1544، وسائل الشيعة 3: 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 7.

(2) رواها الشيخ بإسناده، عن أحمد بن محمّد، عن سعد بن إسماعيل، عن أبيه إسماعيل بن عيسى.

و الرواية ضعيفة بسعد بن إسماعيل و أبيه فإنّهما غير مذكورين في كتب الرجال.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 250

من قوله: «يصلّون فيه» أنّ جميع المسلمين يصلّون فيه، فلا محالة يراد به جواز الصلاة إذا رتّب المسلم آثار التذكية عليه. و لا اختصاص بالصلاة فيه، بل الظاهر أنّ ترتيب مطلق آثارها موجب لذلك، و سيأتي إشكال فيه «1».

ثمّ اعلم: أنّا و إن قلنا بعدم جريان أصالة عدم التذكية «2»، لكن بمقتضىٰ موثّقة ابن بكير التي علّق فيها جواز الصلاة على العلم بالتذكية «3»، نحكم بعدم الجواز إلّا مع قيام الأمارة عليها، أو دلّ دليل علىٰ جواز معاملة المذكى معه، و لا شبهة عندهم في أنّ سوق المسلمين و الصنع في أرضهم أمارة عليها، لا بمعنى اعتبار مفهوم «السوق» بل

الظاهر أنّ ما هو الموضوع للحكم هو اجتماع المسلمين، و كون المتاع في مجتمعهم و مورد تجارتهم، سواء كان في السوق أو غيره.

كما أنّ المراد بما صنع في أرض الإسلام، أنّ المصنوع من مصنوعات مجتمعهم و لو لم تكن الأرض لهم، فلو اجتمع المسلمون في أرض غيرهم، و كان المتاع الفلاني كالفراء من مصنوعات ذلك المجتمع، و كان صنع غيرهم له مشكوكاً فيه أو نادراً، يحكم عليه بالتذكية.

و الحاصل: أنّ الأمارة على التذكية كون الجلد في مجتمعهم؛ سوقاً أو غيره، و كونُه صنعَ مجتمعهم و مستقرّهم؛ كان الأرض ملكاً لهم أو لا، و هذا لا ريب فيه ظاهراً. و احتمال خصوصية «السوق» و نحوه من العناوين، ضعيف ملغى بنظر العرف؛ ضرورة أنّهم لا يرون لخصوصية السقف و الجدار دخالة في الحكم، و كذا لمملوكية الأرض. و كون النكتة للجعل دفع الحرج، مشتركة بين السوق و غيره. مع أنّ كونها ذلك غير معلوم.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 252.

(2) تقدّم في الصفحة 236 238.

(3) تقدّم في الصفحة 239.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 251

أمارية سوق المسلمين على التذكية بلا وسط

ثمّ إنّه لا ثمرة مهمّة في البحث عن أنّ عنوان «السوق» و عنوان «الصنع في أرض المسلمين» أو «الفراء اليماني» أو «الحجازي» ممّا ورد في النصوص يرجع إلىٰ عنوان واحد هو «كون الشي ء في مجتمعهم» أو عناوين مستقلّة؟

نعم، الظاهر بناءً على الأمارية أنّ عنوان «السوق» و غيره أمارة على التذكية بلا وسط لا أمارة على الأمارة عليها، و ما هي أمارة بلا وسط يد المسلم، أو يده مع ترتيبه أثر التذكية علىٰ ما في اليد، أو نفس ترتيب المسلم أثرها و لو لم يكن تحت يده، مثل عدم احترازه عن

ملاقاته و الصلاة في ملاقيه لأنّ ظاهر الأدلّة أنّ السوق بنفسه أمارة عليها لا بوسط، و لا دليل على الوسطية، بل لا إشعار في الروايات عليها.

حول أمارية يد المسلم على التذكية

فحينئذٍ يقع الكلام في أنّ يد المسلم مطلقاً أو مع ترتيب أثر التذكية أو نفس ترتيبه الأثر، أمارة عليها، فإن كان شي ء تحت يده أو تعامل معه معاملة المذكى في غير سوق المسلمين و أرضهم، يحكم عليه بالتذكية؟ الظاهر ذلك.

لا لكون الأدلّة الواردة في المقام، ظاهرة في أمارية يده عليها أصالة؛ لما عرفت.

و لا لرواية إسماعيل بن عيسى المتقدّمة «1»: بدعوىٰ: أنّ الظاهر منها عدم لزوم السؤال عمّا كان بائعه مسلماً غير

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 248.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 252

عارف، فضلًا عن العارف؛ لقصرها لزوم السؤال علىٰ ما إذا كان المشركون يبيعونه، فكأنّه قال: «لا يجب السؤال إذا كان المسلم يبيعه».

و بدعوىٰ: أنّ دلالة ذيلها علىٰ أنّ ترتيب المسلم أثر التذكية أمارة كما تقدّم «1»، فتدلّ على اعتبار يد المسلم و ترتيبه الأثر و إن كانت يده مسبوقة بيد الكافر، كما يظهر من ذيلها بالتقريب السابق.

و ذلك لأنّ في الرواية احتمالًا آخر مساوياً له، أو أقرب منه؛ و هو أنّ قوله (عليه السّلام): «عليكم أنتم أن تسألوا عنه» أي عليكم أن تسألوا عمّا يبيعه المسلم غير العارف إذا كان المتاع ممّا يبيعه المشركون، فيكون المراد أنّ المبيع إذا كان من متاع المشركين و مورد تجارتهم نوعاً، يجب السؤال عنه و إن باعه مسلم؛ ترجيحاً للغلبة.

و قوله (عليه السّلام): «و إذا رأيتهم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» معناه: أنّ ما كان من متاع تجارة المشركين، و كان له نحو اختصاص بهم، لا يجوز

الصلاة فيه، إلّا أن يكون المسلمون يصلّون فيه، لا بمعنى صلاة جميع المسلمين فيه، بل بمعنى بناء المسلمين على الصلاة فيه.

و حاصل فقه الحديث علىٰ هذا الاحتمال: أنّ البائع إذا كان مسلماً، و باع المتاع الذي كان يبيعه المشركون نوعاً بحيث ينسب المتجر إليهم يجب السؤال عنه؛ لترجيح غلبة الكفّار علىٰ فرد من المسلمين.

نعم إن كان بناء المسلمين على الصلاة فيه، يجوز الصلاة فيه بلا سؤال؛ ترجيحاً لعمل المسلمين علىٰ سوق الكفّار.

و هذا الاحتمال لو لم يكن ظاهر الرواية، فلا أقلّ من مساواته

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 249.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 253

للاحتمال المتقدّم، فتدلّ الرواية حينئذٍ علىٰ عدم اعتبار يد المسلم في مثل الواقعة، نعم لا تدلّ علىٰ نفي الاعتبار مطلقاً، و لا على الاعتبار و لو في الجملة. هذا بعد تسليم أنّ السوق المسئول عنه أعمّ من سوق المسلمين في خصوص الرواية؛ لقرينة.

و لا للروايات الواردة في باب سَوْق الهدي،

كصحيحة حفص بن البَخْتَري قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل ساق الهدي، فعطب في موضع لا يقدر علىٰ من يتصدّق به عليه، قال: «ينحره، و يكتب كتاباً يضعه عليه؛ ليعلم من مرّ به أنّه صدقة» «1»

و قريب منها روايات أُخر «2».

و ذلك لأنّ في مورد تلك الروايات يكون النحر وجدانياً، و كونه بيد مسلم مجزوماً به بالأمارات، كالنحر و الكتابة و كونه في طريق الحجّ، و إنّما الشكّ في حصول التذكية الشرعية، و هي محرزة بأصالة الصحّة، و لا كلام في جريانها فيما إذا أُحرز عمل المسلم و شكّ في صحّته، و هو غير ما نحن بصدده من إحراز التذكية من غير إحراز الذبح و النحر، فضلًا

عن كونهما بيد المسلم، فتلك الروايات أجنبية عن المدّعىٰ.

و لا لأولوية اعتبار يد المسلم من يد مجهول الحال في سوق المسلمين؛ و ذلك لأنّ المعتبر في المفروض سوق المسلمين، لا يد مجهول الحال. و لو لا مخافة مخالفة الأصحاب، لقلنا باعتبار سوق المسلمين و لو كان الشي ء في يد الكافر، لا لكون يده معتبرة، بل لكون السوق كذلك.

______________________________

(1) الفقيه 2: 297/ 1477، وسائل الشيعة 14: 141، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 31، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 14: 141، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 254

و لا لأصالة الصحّة؛ لأنّ إثباتها لتلك المثبتات محلّ إشكال. مضافاً إلىٰ أنّ مبنىٰ أصالة الصحّة عند العقلاء، أنّ العاقل إذا أتى بعمل يعتبر في صحّته أُمور لا يتركها عمداً، و لا يأتي بها فاسداً؛ لمنافاة الترك عمداً لقصد فراغ الذمّة و قصد تحقّق المأتي به، و الترك من غير عمد مخالف للأصل، و هذا غير جارٍ في المستحلّ.

و لا تجري أصالة الصحّة مع احتمال التصادف للواقع في باب الاتفاق، كما قرّر في محلّه «1».

مع أنّ الصحّة في بعض الأحيان و الأعمال لا تلازم التذكية، كما لو صلّىٰ في شي ء لإمكان كون صلاته فيه لعذر، و لا يحرز بأصالة الصحّة عدم العذر.

و لا لكون ترتيب آثار التذكية بمنزلة الإخبار عنها، فكما أنّ إخبار ذي اليد حجّة عند العقلاء كذلك ما هو بمنزلته؛ و ذلك لمنع كونه بمنزلته، سيّما في المستحلّ ذبيحة أهل الكتاب و مستحلّ الصلاةَ في جلد الميتة مع دباغه، و سيّما مع اختلاف الناس معنا في بعض شرائط التذكية، كالتسمية و فري الأوداج و غيرهما.

بل لا يلازم بعض الأعمال

من غير المستحلّ أيضاً التذكيةَ، كما تقدّم، فلا يكون مطلق ترتيب الآثار بمنزلة الإخبار.

بل لبناء المتشرّعة علىٰ ترتيب آثار الملكية علىٰ ما في يد المسلمين من غير نكير، و هو كاشف عن التذكية.

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 361 364.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 255

و إن شئت قلت: سيرة المتشرّعة علىٰ ترتيب آثار الملكية و التذكية علىٰ ما في يدهم من غير تفرقة بين المستحلّ و غيره؛ سواء كان في سوق المسلمين أم لا.

مضافاً إلىٰ أنّ البناء العملي على التذكية فيما في يد غير المستحلّ مع ترتيبه آثارها، كأنّه إجماعي لم ينقل الخلاف فيه من أحد «1».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 255

و الإنصاف: أنّ الخدش في كلّ واحد ممّا ذكر و إن أمكن، لكن لا يبعد دعوى الوثوق من مجموعها علىٰ أنّه يتعامل مع ما في أيدي المسلمين معاملة المذكى، سيّما مع كون ذبيحة المسلمين محلّلة علينا، و قد اختلفوا معنا في شرائط الذبح، مع مناسبة الحكم لسهولة الملّة و سماحتها.

مضافاً إلىٰ أنّ سوق المسلمين في تلك الأعصار و البلاد، كان لغير الطائفة المحقّة، و لم يكن لهذه الطائفة سوق في تلك البلاد، و هم مختلفون مع الطائفة في كثير من الشرائط، كفري الأوداج «2» و استقبال القبلة «3»، و التسمية «4»، و مورد النحر و الذبح «5»، و آلة الذبح «6»، و في الصيد أيضاً في صائده و شرائطه «7»، و في استحلال ذبيحة أهل الكتاب «8» مع كثرتهم في

ذلك العصر، كما

______________________________

(1) راجع مستند الشيعة 1: 352.

(2) الخلاف 6: 47، الامّ 2: 236/ السطر الأخير، المجموع 9: 90.

(3) الخلاف 6: 50، الامّ 2: 239، المجموع 9: 86.

(4) الخلاف 6: 10، الامّ 2: 227 و 234، المغني، ابن قدامة 11: 4 5.

(5) الخلاف 6: 48، الامّ 2: 239، المجموع 9: 90.

(6) الخلاف 6: 22، المغني، ابن قدامة 11: 45.

(7) الخلاف 6: 5 6، الامّ 2: 227 و 272، المجموع 9: 95 97.

(8) الخلاف 6: 23 24، الامّ 2: 231 و 232، المجموع 9: 78.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 256

يظهر من الأسئلة و الأجوبة في الروايات الواردة في ذبيحتهم و أوانيهم و أثوابهم «1». و معه يمكن أن يقال:

اعتبار يد المسلم لأجل التوسعة على العباد لا الأمارية

إنّ حكم تحليل ما يشترى من السوق، لأجل التوسعة على العباد لا لكاشفيته و أماريته عن التذكية؛ ضرورة أنّه مع هذا الاختلاف الفاحش بين الفرقتين، و أقلّية الفرقة الحقّة، لم يكن سوق المسلمين و لا يدهم أمارة عقلائية على التذكية الشرعية، فخصوصية السوق ليست لكاشفيته عن التذكية الشرعية، بل لأجل أنّه يتعامل مع المأخوذ من يد المسلمين الذين لا يراعون شرائط التذكية، معاملة المذكى توسعةً على العباد، كما أنّه يعمل مع ما في سوقهم و ما صنع في أرضهم معاملته، كلّ ذلك للتوسعة.

و تشهد لما ذكرناه مضافاً إلىٰ عدم صالحية مثل هذا السوق و تلك اليد للأمارية الروايات الواردة في الباب «2» الظاهرة فيما ذكرناه، و ليس فيها بكثرتها ما تشعر بالأمارية، بل لسانها لسان أدلّة الأُصول:

كقوله (عليه السّلام): «هم في سعة حتّى يعلموا».

و

قولِه (عليه السّلام): «إنّ الدين أوسع من ذلك».

و

قولِه (عليه السّلام): «لا بأس ما لم تعلم أنّه

ميتة».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 24: 48، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 26 و 27، و 3: 517، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 72 74.

(2) راجع ما تقدّم من الروايات في الصفحة 236 و 239 242.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 257

و

قولِه (عليه السّلام): «صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه».

و ما ظهر لي بعد التأمّل في الأخبار و النظر في حال سوق المسلمين في تلك الأعصار الذي كان منحصراً بالعامّة أمران:

أحدهما: أنّ منشأ سؤال السائلين احتمال عدم مراعاة القصّابين شرائطَ التذكية.

و ثانيهما: أنّ الحكم علىٰ سبيل التوسعة، لا للأمارية العقلائية، و لا الجعلية الشرعية لو سلّم إمكانها، كما تشهد لهما

صحيحة الفضلاء: أنّهم سألوا أبا جعفر (عليه السّلام) عن شراء اللحوم من الأسواق، و لا يدرىٰ ما صنع القصّابون؟ فقال: «كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين، و لا تسأل عنه» «1».

فكان منشأ سؤال فقهاء أصحاب أبي جعفر (عليه السّلام) اطلاعهم علىٰ فتاوىٰ أبي حنيفة و مالك، و اختلافها معنا.

و قوله (عليه السّلام): «كل ..» إلىٰ آخره، لا يدلّ إلّا علىٰ جواز الأكل ممّا كان في سوق المسلمين، لا لأماريته على التذكية الشرعية بالشرائط المقرّرة عند الفرقة المحقّة؛ ضرورة عدم أماريته لها، كما مرّ.

و لا لأصالة الصحّة، فإنّها غير جارية في مثل المقام الذي يحتمل الانطباق من باب الاتفاق.

و لا لأمارية اليد الكذائية؛ لعين ما ذكر.

بل للتوسعة على العباد، كما تدلّ عليه الروايات المتقدّمة.

و إن شئت قلت: هذه الرواية لا تدلّ إلّا علىٰ جواز الأكل بلا سؤال، و سائر

______________________________

(1) الكافي 6: 237/ 2، الفقيه 3: 211/ 976، وسائل الشيعة 24: 70، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح،

الباب 29، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 258

الروايات ظاهرة في أنّ الحكم علىٰ نحو التوسعة لا الأمارية، فلا تنافي بينهما.

بل يمكن أن يقال: إنّ تجويزَ الأكل و تركَ السؤال في موضوع لا يقوم عليه أمارة عند العقلاء، ظاهر في التوسعة.

و تشهد أيضاً لما ذكرناه

رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، و فيها: «و اللّٰه، إنّي لأعترض على السوق، فأشتري اللحم و السمن و الجبن، و اللّٰه ما أظنّ كلّهم يسمون: هذه البربر، و هذه السودان» «1».

فلو كان السوق أمارة على التذكية لكان المناسب أن يقول (عليه السّلام): «إنّ ما يشترى منه مذكّى» و لا يتناسب هذا التعبير مع إلغاء احتمال الخلاف في الأمارات.

و يشهد له خبر

عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أدخل السوق أعني هذا الخلق الذي يدعون الإسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة، و أقول لصاحبها: أ ليس هي ذكية؟ فيقول: بلىٰ، فهل يصلح لي أن أبيعها علىٰ أنّها ذكية؟ فقال: «لا، و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنّها ذكية».

قلت: ما أفسد ذلك؟ قال: «استحلال أهل العراق الميتةَ» «2».

حيث يظهر منها جواز البيع و الشراء مطلقاً، و عدم جواز الإخبار بتذكيتها حتّى مع إخبار صاحبها؛ لاستحلال أهل العراق الميتة، فلو كان سوق المسلمين

______________________________

(1) المحاسن: 495/ 597، وسائل الشيعة 25: 119، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 5.

(2) الكافي 3: 398/ 5، وسائل الشيعة 3: 503، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 259

أمارة على التذكية، جاز الإخبار

بها و لو لم يخبر صاحبها بها، و ليس هذا إلّا لكون جواز ترتيب أثر التذكية عملًا، إنّما هو للتوسعة على العباد، لا أنّ السوق أو اليد أمارة عليها.

فظهر من جميع ذلك جواز معاملة المذكى لما في سوق المسلمين و ما صنع في أرضهم و ما في أيدي المستحلّ و غيره، بل مورد الروايات هو ما في أيدي المستحلّين للميتة و لو لاستحلال ذبيحة أهل الكتاب، أو استحلال ما لا يكون مذكّى شرعاً عند الفرق الناجية.

و مقتضى إطلاق الروايات جواز الشراء من يد مجهول الحال.

بل لعلّ سوق المسلمين و أرضهم أمارة علىٰ أنّ مجهول الحال مسلم.

و أمّا المأخوذ من يد الكافر، فمع كون الحكم بعدم التذكية مظنّة الإجماع «1»، يمكن دعوى قصور الروايات عن شموله بالتقريب الأخير؛ فإنّها سؤالًا و جواباً بصدد بيان حال المأخوذ من سوق العامّة و أيديهم. و المسألة بجميع جوانبها تحتاج إلىٰ مزيد تدبّر.

______________________________

(1) مستند الشيعة 1: 353.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 261

المطلب السادس في بيان طرق ثبوت الطهارة و النجاسة

في ثبوت الموضوعات بالعلم

طريق ثبوت النجاسة و الطهارة و غيرهما من الموضوعات الخارجية: العلم، و ما قام مقامه من الأمارات الشرعية، و بعض الأُصول.

و قيل: «بثبوتها بمطلق الظنّ؛ فإنّ الشرعيات كلّها ظنّية، و العمل بالمرجوح في مقابل الراجح قبيح و هو منقول عن أبي الصلاح الحلبي» «1».

و فيه منع اعتبار الظنّ المطلق في الشرعيات. و لو فرض اعتباره في الأحكام فإلحاق الموضوعات بها قياس. و منع كون عدم العمل بالظنّ من باب ترجيح المرجوح عليه، بل لعدم الدليل على اعتباره، و العمل بالأُصول المعتبرة في مقابل الظنّ عمل بالراجح.

و عن ابن البرّاج أنّ طريق ثبوتها العلم فقط، قائلًا: «إنّ الطهارة ثابتة بالعلم، و البيّنة لا تفيد

إلّا الظنّ» «2».

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 608/ السطر 7، إيضاح الفوائد 1: 23، الكافي في الفقه: 140.

(2) جواهر الفقه: 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 262

و فيه منع ثبوت الطهارة بالعلم إلّا في بعض الأحيان. و منع الملازمة بين ثبوتها بالعلم و ثبوت النجاسة به؛ لعدم الدليل علىٰ أنّ الشي ء إذا ثبت بالعلم لا بدّ و أن يثبت ضدّه به أيضاً.

و أمّا الاستدلال «1» له بنحو

قوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» «2»

فلا يخفى ما فيه بعد تحكيم أدلّة اعتبارات الأمارات عليه؛ لو سلّم أنّ المراد بالعلم هو العلم الوجداني، و إلّا فهو أيضاً محلّ منع أشرنا إلىٰ وجهه في بعض المقامات «3».

في ثبوت الموضوعات الخارجية بالبيّنة

فالأولىٰ صرف الكلام إلىٰ ما يثبت به النجاسة غير العلم:

لا ينبغي الإشكال في ثبوتها بالبيّنة، كما عن المشهور «4»؛ فإنّ الأدلّة الواردة في ثبوت المعظّمات بها كما يوجب القتل، مثل الزندقة و عبادة الأوثان و اللواط، أو القطع كالسرقة، أو الحدّ، كشرب الخمر و نحوها ممّا يعثر عليه المتتبّع «5» و كذا في موارد حقوق الناس و غيرها من الموارد الكثيرة المختلفة

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 608/ السطر 12.

(2) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.

(3) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 241.

(4) جواهر الكلام 6: 172، مصباح الفقيه، الطهارة: 609/ السطر 3، مستمسك العروة الوثقى 1: 202.

(5) راجع وسائل الشيعة 27: 241، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم، الباب 7 و 8 و 12 و 15، و: 332، كتاب الشهادات، الباب 14 و 41 و 49 و 51، و 28: 156، كتاب الحدود

و التعزيرات، أبواب حدّ اللواط، الباب 2، و: 239، أبواب حدّ المسكر، الباب 14، و: 262، أبواب حدّ السرقة، الباب 8، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 263

موجبة لإلغاء الخصوصية عرفاً؛ لأنّ العرف يرىٰ أنّ ثبوت تلك الأحكام كالقطع و القتل و الحدّ، إنّما هو لثبوت موضوعاتها بالبيّنة من غير دخالة لخصوصية الموضوع أو الحكم في ذلك.

بل دعوى الجزم باعتبارها في مثل النجاسة و الطهارة من غير المعظّمات- بعد ثبوت تلك المعظّمات بها غير جزاف.

هذا مضافاً إلىٰ

موثّقة مَسْعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه، فتدعه من قِبل نفسك، و ذلك مثل الثوب عليك قد اشتريته و هو سرقة، و المملوك يكون عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك و هي أُختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها علىٰ هذا حتّى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة» «1».

و في الرواية احتمالان:

أحدهما: ما فهموا منها؛ و هو أنّ كلّ شي ء لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه؛ سواء كان من قبيل الأمثلة ممّا قامت أمارة عقلائية و شرعية علىٰ حلّيتها أم لا، فإنّ الأمارة لا توجب العلم الوجداني بالحلّية، فيصحّ انسلاك موردها فيما لا يعلم، و ذكر خصوص تلك الأمثلة إنّما هو من باب الاتفاق.

ثمّ عقّبها بقاعدة كلّية شاملة لمواردها و غيرها؛ هي قوله (عليه السّلام): «و الأشياء كلّها علىٰ هذا ..» إلىٰ آخره.

______________________________

(1) الكافي 5: 313/ 40، تهذيب الأحكام 7: 226/ 989، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 4، ص: 264

و المراد بالاستبانة المقابلة للبيّنة إن كان خصوص العلم الوجداني، فاختصاصهما بالذكر لكونهما أوضح مصاديق ما يثبت به الموضوع، فلا ينافي ثبوته بغيرهما، كإخبار ذي اليد و الاستصحاب.

و إن كان المراد بها مطلق الأمارات و الأُصول المحرزة، فاختصاص البيّنة بالذكر لكونها أوضح مصاديق ما جعله الشارع حجّة.

و المراد من «قيام البيّنة» قيامها على السرقة و الحرّية و الأُختية و نحوها من الموضوعات التي تقوم عليها البيّنة عادة.

و توهّم أنّ المراد قيامها على الحكم، فاسد جدّاً مخالف لظاهر الرواية، و للمعهود من قيامها على الموضوعات فتترتّب عليها الأحكام، لا عليها.

و لا شبهة في عدم فهم خصوصية للموضوعات التي تترتّب عليها الحرمة حتّى يقال: لا دلالة لها علىٰ حجّية البيّنة فيما يترتّب عليه حكم وجوبي؛ لأنّ المستفاد منها أنّ تمام الملاك لثبوت الموضوع قيام البيّنة، سيّما مع كونها أمارة عقلائية مضاعفة، فإنّ خبر الثقة أيضاً أمارة عقلائية.

و بالجملة: لمّا كانت للبيّنة حيثية الأمارية، فلا يفهم العرف من قاطعيتها للحلّية إلّا لأماريتها على الواقع و ثبوته بها؛ من غير خصوصية للموضوعات أو الأحكام المترتّبة عليها، خصوصاً مع جعلها عدلًا للاستبانة.

و الاحتمال الثاني الذي يمكن أن يكون ثقيلًا على الأسماع ابتداءً، و ليس بعيداً بعد التنبّه لخصوصيات الرواية: هو أنّ المراد بقوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء هو لك حلال» أنّ ما هو لك بحسب ظاهر الشرع حلال، فيكون قوله (عليه السّلام): «هو لك» من قيود الشي ء «و حلال» خبره، و تشهد لهذا أُمور:

منها: ذكر «هو» في خلال الكلام، و هو غير مناسب لبيان حلّية المجهول،

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 265

كما هو غير مذكور في الروايات التي سيقت لبيان حلّيته

«1»، فنكتة ذكر الضمير لعلّها لإفادة خصوصية زائدة؛ هي تقييد الشي ء بكونه لك.

و منها: قوله: «و ذلك مثل ..» كذا و كذا، فإنّ الظاهر منه أنّ له عناية خاصّة بالأمثلة التي ذكرها، و لها نحو اختصاص بالحكم.

و منها: ذكر الأمثلة التي كلّها من قبيل ما تقدّم من كون الموضوع ممّا يختصّ به بحسب أمارة شرعية، كاليد، أو أصالة الصحّة، أو الاستصحاب، فذكر خصوص تلك الأمثلة التي ليست واحدة منها من مورد كون الشكّ موجباً للحلّية، يؤكّد ما ذكرناه، بل يدلّ عليه.

و منها: أنّ لسان الرواية بناءً على الاحتمال الأوّل لسان الأصل، و هو لا يناسب الأمثلة المذكورة، و أمّا بناءً على الاحتمال الثاني فليس المنظور جعل الحكم الظاهري حتّى لا يناسبها، بل أمر آخر يأتي بيانه.

و منها: تخصيص العلم الوجداني و البيّنة بالذكر، فإنّ الظاهر من «الاستبانة» في مقابل البيّنة هو العلم الوجداني، فحملها على الأعمّ خلاف الظاهر المتفاهم منها، فعليه تكون الرواية بصدد بيان أنّ ما هو لك بحسب الأمارات الشرعية و نحوها، لا تنقطع حلّيته إلّا بالعلم الوجداني و خصوص البيّنة من بين الأمارات، و ليست بصدد بيان الحكم الظاهري.

ففقه الحديث علىٰ هذا: أنّ ما هو بحسب ظاهر الشرع لك و مختصّ بك- كالثوب الذي اشتريته و احتمل أن يكون سرقة، و المملوك الذي تحت يدك

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1، و 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 1 و 2 و 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 266

و محكوم بملكيتك و احتمل حرّيته، و الامرأة التي تحتك و احتمل كونها أُختك

أو رضيعتك، مع أنّ اليدَ و أصالةَ الصحّة بل و الاستصحابَ الموضوعي في الرضيعة بل في الأُخت علىٰ فرض جريانه في الأعدام الأزلية، كلّ يقتضي كونها زوجتك هو حلال لك لا تنقطع حلّيته إلّا بأمرين: العلم الوجداني، و البيّنة، دون سائر الأمارات.

و هذا الاحتمال و إن كان بعيداً ابتداءً؛ لأُنس الأذهان بأنّ مثل العبارة سيقت في سائر الروايات لبيان الحكم الظاهري، لكن بعد التأمّل في الجهات المتقدّمة لا يبعد أن يكون أظهر من الأوّل، و لا أقلّ من مساواته له في رفع الإشكال به عن الرواية، فيكون حينئذٍ المراد من قوله (عليه السّلام): «و الأشياء كلّها علىٰ هذا» أنّ كلّ شي ء من قبيل الأمثلة، لا جميع الأشياء.

و كيف كان: تثبت علىٰ هذا الاحتمال أيضاً حجّية البيّنة مطلقاً؛ ضرورة أنّ جعلها عِدلًا للعلم في قطع الأُصول و الأمارات العقلائية و الشرعية المخالفة لها، موجب لاستظهار كونها أقوى الأمارات في إثبات الموضوعات، و احتمال دخالة خصوصية قيام الأمارة علىٰ خلافها في حجّيتها، مدفوع بالقطع و مخالفته لفهم العقلاء، فالمستفاد منها أنّ البيّنة عِدل العلم في إثبات الموضوعات حتّى مع قيام الأمارات علىٰ خلافها.

و تدلّ علىٰ ثبوتها بها أيضاً

رواية عبد اللّٰه بن سليمان قال: «كلّ شي ء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة» «1».

______________________________

(1) الكافي 6: 339/ 2، وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 267

في عدم ثبوت الموضوعات الخارجية بخبر الثقة

اشارة

و هل يثبت النجاسة بل سائر الموضوعات بخبر الثقة؟

قيل: نعم «1»؛ تمسّكاً باستقرار سيرة العقلاء على العمل به، و لم يثبت الردع من الشارع، بل ثبت الإنفاذ في أخذ الأحكام و الأخبار

من الثقات.

و الظاهر من الأخبار الواردة في هذا المضمار أنّ الشارع لم يؤسّس حكماً بل أنفذ ما لدى العقلاء من الأخذ عن الثقات، و لا فرق في نظر العقل و العقلاء بين الأحكام و موضوعاتها. نعم، ورد الردع في بعض الموارد، كأبواب الخصومات.

بل يمكن الاستدلال للمطلوب بموثّقة مَسْعدة المتقدّمة «2»؛ بدعوىٰ أنّ الاستبانة أعمّ من العلم و غيره، كخبر الثقة، و إنّما خصّت البيّنة بالذكر لكونها أوضح الطرق الشرعية، لا لخصوصية فيها.

و تشهد له أيضاً الأخبار الواردة في أبواب مختلفة، مثل

صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، و فيها: قلت: فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أنّه قد عزل عن الوكالة، فالأمر علىٰ ما أمضاه؟

قال: «نعم». قلت له: فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر، ثمّ ذهب حتّى أمضاه، لم يكن ذلك بشي ء؟ قال: «نعم؛ إنّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس، فأمره ماضٍ أبداً، و الوكالة ثابتة؛ حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه، أو يشافه بالعزل عن الوكالة» «3».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 609/ السطر 20.

(2) تقدّمت في الصفحة 263.

(3) الفقيه 3: 49/ 170، تهذيب الأحكام 6: 213/ 503، وسائل الشيعة 19: 162، كتاب الوكالة، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 268

و

موثّقةِ إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل كانت له عندي دنانير، و كان مريضاً، فقال لي: إن حدث بي حدث فأعط فلاناً عشرين ديناراً، و أعط أخي بقيّة الدنانير، فمات و لم أشهد موته، فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي: إنّه أمرني أن أقول لك: انظر الدنانير التي أمرتك

أن تدفعها إلىٰ أخي، فتصدّق منها بعشرة دنانير؛ اقسمها في المسلمين، و لم يعلم أخوه أنّ عندي شيئاً، فقال: «أرىٰ أن تصدّق منها بعشرة دنانير» «1».

و

موثّقةِ سَمَاعة قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة أو تمتّع بها، فحدّثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال: إنّ هذه امرأتي، و ليست لي بيّنة، فقال: «إن كان ثقة فلا يقربها، و إن كان غير ثقة فلا يقبل» «2».

و الأخبار الدالّة علىٰ جواز الاعتماد علىٰ أذان الثقة «3» و ما دلّت علىٰ جواز وطي الأمة بغير استبراء إذا كان البائع ثقة أميناً «4».

و

صحيحةِ ابن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «اغتسل أبي من الجنابة، فقيل له: قد أبقيت لُمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له: ما كان عليك لو سكتّ؟! ثمّ مسح تلك اللُّمعة بيده» «5».

______________________________

(1) الكافي 7: 64/ 27، تهذيب الأحكام 9: 237/ 923، وسائل الشيعة 19: 433، كتاب الوصايا، الباب 97، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 7: 461/ 1845، وسائل الشيعة 20: 300، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 23، الحديث 2.

(3) راجع وسائل الشيعة 5: 378، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3.

(4) راجع وسائل الشيعة 21: 89، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 6، الحديث 1 و 4 و 6.

(5) الكافي 3: 45/ 15، وسائل الشيعة 2: 259، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 41، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 269

أقول: و في الجميع نظر:

أمّا استقرار سيرة العقلاء،

فمسلّم، لكن مع ما نرىٰ من اعتبار البيّنة في موارد كثيرة لا تحصى، لا يبقى وثوق بها؛ فإنّها بنفسها ليست بحجّة، و مع ورود الردع في تلك الموارد لا

يمكن استكشاف عدمه في الموارد المشكوك فيها.

إلّا أن يقال: إنّ للموارد المردوعة خصوصيات، كباب الخصومات؛ فإنّ غالب مواردها قامت أمارة شرعية علىٰ أمر يراد دفعها، فلا بدّ و أن تكون الأمارة الدافعة أقوى منها، و لهذا اعتبرت فيها البيّنة لقطعها، و في موارد الحدود و نحوها، يكون للشارع الأقدس مزيد عناية بعدم ثبوتها، و محفوظيةِ عِرض المسلم و دمه، و لهذا تدرأ بالشبهات، و لا يعتنىٰ في بعض الموارد بإقرار المرتكب مرّة أو مرّتين أو أزيد، فردع الشارع في تلك الموارد المهمّة، لا يدلّ علىٰ ردعه في سائر الموارد.

لكن نَقْل الشهرة علىٰ عدم اعتبار خبر الثقة فيما نحن فيه «1»، و كذا نَقْلها بل نَقْل الإجماع في الموارد التي ورد فيها الخبر بالخصوص باعتبار خبر الثقة علىٰ عدم الثبوت به، كمورد عزل الوكيل «2»، و مورد الوصية «3»، و مورد أذان الثقة «4»، ممّا تأتي الإشارة إليه «5»، ربّما توجب الوثوق بمعهودية عدم اعتباره في الموضوعات.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 609/ السطر 20.

(2) جامع المقاصد 8: 290.

(3) جواهر الكلام 28: 352 و 354.

(4) جواهر الكلام 7: 268، مستمسك العروة الوثقى 5: 152.

(5) ستأتي في الصفحة 271 272.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 270

هذا مع أنّ موثّقة مَسْعدة «1» ظاهرة في الردع عنه؛ بناءً علىٰ ما هو المعروف في معناها، أي الاحتمال الأوّل من الاحتمالين المتقدّمين؛ فإنّ الظاهر أنّ الغاية للحلّ مطلقاً البيّنة، فلو كان خبر الثقة مثبتاً للموضوع، كان اعتبار البيّنة بلا وجه؛ فإنّ معنى اعتبارها أن يكون كلّ واحد من الشاهدين جزء الموضوع للإثبات، و مقتضى ثبوته بخبر الثقة أنّه تمام الموضوع، فلا يمكن الجمع بينهما في الجعل، فالقول بأنّ الاستبانة

أعمّ من العلم و خبر الثقة «2»، ضعيف غايته؛ ضرورة لغوية جعل البيّنة حينئذٍ غايةً.

فإن قلت: المراد بالبيّنة شاهدا عدل و لو لم يكونا ثقتين من غير جهة الكذب، بل من جهته أيضاً، فإنّ ظهور الصلاح كاشف تعبّدي عن العدالة، فحينئذٍ يكون خبر الثقة في مقابل البيّنة، لا جزءها حتّى يرد الإشكال العقلي، فالبيّنة إحدىٰ طرق الإثبات، و هي شاهدا عدل ثبت عدالتهما بظهور الصلاح و لو لم نثق بهما من جهة الاحتراز عن الكذب، أو من جهة الغفلة و الخطأ، و خبر الثقة و لو لم يكن عدلًا طريق آخر له مباين لها، لا مداخل فيها. نعم لو قلنا باعتبار خبر واحد عدل، لتطرّق الإشكال المتقدّم.

قلت: نمنع عدم اعتبار الوثوق من جهة احتمال الغفلة و الخطأ في البيّنة؛ فإنّ الشاهدين إذا كانا من متعارف الناس، تجري فيهما أصالة عدم الخطأ و الغفلة لدى العقلاء. و إن لم يكونا كذلك، و كان الغالب عليهما الاشتباه و الخطأ، أو كانا بحيث لم يتكل عليهما العقلاء، و لم تجرِ في حقّهما الأُصول العقلائية، لا تعتبر شهادتهما، و تكون أدلّة اعتبار البيّنة منصرفة عن مثلهما.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 263.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 609/ السطر 35.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 271

و الظاهر ملازمة ظهور الصلاح بالمعنى المعتبر في الكاشف للوثوق النوعي بالاحتراز عن الكذب، و الوثوق الشخصي غير معتبر؛ لا في البيّنة، و لا في خبر الثقة، و مع عدم حصول الوثوق النوعي لجهة من الجهات في الشاهدين، فلا محالة تكون تلك الجهة منافية لظهور الصلاح.

مضافاً إلىٰ أنّ إطلاق الموثّقة، يقتضي اعتبار التعدّد و لو كان الشاهدان موثّقين. و حملها علىٰ خصوص غير الموثّق

مع كون العدلين موثوقاً بهما نوعاً، كما ترى.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الموثّقة رادعة عن العمل بخبر الثقة في الموضوعات، و من هنا ظهر ضعف التمسّك بها لإثبات اعتبار خبر الثقة، كما هو واضح.

نعم، بناءً على الاحتمال الثاني لا تكون الموثّقة رادعة إلّا عن الموارد التي قامت أمارة علىٰ إحراز موضوع، و يراد إثبات خلافها، نظير الأمثلة المتقدّمة «1».

و أمّا الروايات المستشهد بها،

فمع كونها في موارد خاصّة لا يمكن إثبات سائر الموارد بها، سيّما مع البناء علىٰ كون الموثّقة رادعة، و سيّما مع قلّة العامل بها على الظاهر، كما حكي عن «التذكرة» و «جامع المقاصد» الإجماع علىٰ عدم ثبوت العزل بخبر العدل «2»، و ظهور الكتاب و السنّة في عدم ثبوت الوصية إلّا بشاهدين عدلين «3»، بل أرسل الأصحاب إرسال المسلّمات عدم ثبوت شي ء من الوصية بإخبار رجل عدل «4»؛ و إن ثبت الربع منها بإخبار مرأة، و الربعين

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 269.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 143/ السطر 15 (ط حجري)، جامع المقاصد 8: 290.

(3) المائدة (5): 106 107، وسائل الشيعة 19: 309، كتاب الوصايا، الباب 20.

(4) جامع المقاصد 11: 305، مسالك الأفهام 6: 204، جواهر الكلام 28: 352 و 354.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 272

بمرأتين، و ثلاثة أرباع بثلاث للنصّ «1» فضلًا عن ثبوت التمام به، و عدم عمل المشهور بالأخبار الواردة في أذان الثقة في حال إمكان العلم «2»، و مع عدمه يكون مطلق الظنّ حجّة يثبت به الوقت.

أنّ المحتمل في خبر عزل الوكيل، أنّ العزل المحقّق واقعاً إذا بلغ بثقة، ينعزل الوكيل به، لا لأجل ثبوت العزل به، بل لبلوغه، ففرق بين ثبوت العزل به عند الشكّ فيه، و بين

بلوغ العزل المحقّق بثقة، فالأوّل محطّ البحث هاهنا، و الثاني مورد دلالة الخبر.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ العزل الواقعي لا يكون موضوع حكم حتّى يكون خبر الثقة مثبتاً له، بل الموضوع للحكم بلوغ العزل بثقة؛ علىٰ أن يكون كلّ من العزل و البلوغ جزءً للموضوع، و هو أجنبي عمّا نحن بصدده، و لا دليل علىٰ أنّ أحد الجزءين مثبت للجزء الآخر؛ و بهذا اللحاظ يكون موضوعاً له، فتدبّر تعرف.

و المحتمل في خبر الوصية، أنّ الوصي لم تكن شبهته في ثبوت الوصاية بخبر الثقة، بل الظاهر فرض حصول الاطمئنان بها، حيث فرض كون المخبر صادقاً.

مع أنّه أخبر عن واقعة شخصية كانت بينه و بين الموصي، و معه تطمئنّ النفس بصدقه، سيّما في أمر لا داعي له أن يكذب فيه، بل كانت شبهته في أنّ تبديل الوصية بوصية أُخرى جائز، و معه هل يجب على الموصي العمل بالأُولىٰ أو الثانية؟ تأمّل.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 19: 316، كتاب الوصايا، الباب 22.

(2) مستمسك العروة الوثقى 5: 152.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 273

و موثّقة سَماعة «1» محمولة على الاستحباب؛ ضرورة عدم اعتبار قول المدعي و لو كان ثقة، و قد ورد في موردها ما يدلّ علىٰ عدم سماع دعواه إلّا بالبيّنة «2».

و خبر قبول الاستبراء من البائع «3» من إخبار ذي اليد، و هو أمر آخر غير مربوط بالمقام.

و لم يظهر من خبر اللُّمعة «4» العمل بخبر الثقة، بل لعلّه كان مشتغلًا بالعمل، فصار خبره موجباً للشكّ حال الاشتغال، أو كانت اللمعة في الطرف الأيسر؛ بناءً على اعتبار الشكّ فيه و لو بعد الفراغ، أو كان من باب الاحتياط.

فالمسألة محلّ إشكال من جهة الإشكال في معنىٰ

موثّقة مَسْعدة، و من جهة عدم العثور علىٰ مورد عمل الأصحاب بخبر الثقة في الموضوعات كما عملوا به في الأحكام. و من هنا يشكل الاعتماد على السيرة و الوثوق بعدم الردع، فالأحوط عدم الثبوت بخبر الثقة لو لم يكن الأقوىٰ.

في ثبوت الموضوعات الخارجية بإخبار ذي اليد

و أمّا إخبار ذي اليد أي من كان له نحو استيلاء و تصرّف في الشي ء و لو كان غاصباً و فاسقاً، فضلًا عمّن كان مالكاً أو أميناً، كالمستأجر و المستودع، بل و الخادم و غيرهم فلا ينبغي الإشكال في اعتبار قوله في ثبوت النجاسة و الطهارة، بل و غيرهما إلّا ما استثني.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 268.

(2) وسائل الشيعة 20: 300، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 23، الحديث 3.

(3) تقدّم تخريجها في الصفحة 268، الهامش 4.

(4) تقدّم في الصفحة 268.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 274

و الدليل عليه السيرة المستمرّة، و بناء العقلاء، و نقل الشهرة، و الاتفاق علىٰ قبول قوله «1».

و يدلّ على اعتباره في الجملة الأخبار المختلفة في موارد لا يبعد إلغاء الخصوصية منها عرفاً:

منها: روايات قبول خبر غير العارف و غير معروف الحال في البختج إن لم يكن مستحلا،

كصحيحة عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يهدي إليه البختج من غير أصحابنا فقال: «إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه، و إن كان ممّن لا يستحلّ فاشربه» «2».

و

صحيحةِ معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ، يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ على الثلث، و أنا أعرف أنّه يشربه على النصف، فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ فقال: «لا تشربه».

قلت: فرجل من غير أهل

المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث، و لا يستحلّه على النصف، يخبرنا أنّ عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه، و بقي ثلثه، يشرب منه؟ قال: «نعم» «3».

دلّتا علىٰ أنّه مع كون الرجل غير متهم و لا مكذّب عملُه قولَه، يقبل منه إخباره و لو كان إخباراً عملياً؛ سواء كان من أهل المعرفة أو لا، معلوم الحال أو

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 610/ السطر 11، مستمسك العروة الوثقى 1: 206.

(2) الكافي 6: 420/ 4، تهذيب الأحكام 9: 122/ 524، وسائل الشيعة 25: 292، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 1.

(3) الكافي 6: 421/ 7، تهذيب الأحكام 9: 122/ 526، وسائل الشيعة 25: 293، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 275

لا، و إطلاقهما يقتضي قبول قول الفاسق في مذهبه.

نعم، في بعض الروايات اعتبار كون المخبر مسلماً ورعاً مؤمناً، أو مسلماً عارفاً، أو اعتبار كون البختج حلواً يخضّب الإناء مضافاً إلىٰ إخبار صاحبه «1»، و الأُوليان محمولتان على الاستحباب حملًا على النصّ، و الثالثة محمولة علىٰ ما إذا كانت الأمارة علىٰ خلاف قوله؛ فإنّ عدم الاختضاب دليل علىٰ عدم التثليث، بل لعلّه دليل قطعي علىٰ عدمه، و أمّا الاختضاب فأعمّ من حصول التثليث، فاعتباره لأجل حصول الشكّ فيه، لا قيام الأمارة عليه.

نعم، إطلاق

صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها: «إذا كان يخضّب الإناء فاشربه» «2»

يقتضي أمارية الاختضاب على التثليث، لكنّها محمولة علىٰ صحيحة معاوية بن وهب «3» التي اعتبر فيها مضافاً إلىٰ ذلك أخبار ذي اليد؛ حملًا للمطلق على المقيّد.

و منها: بعض

الروايات الواردة في الجبن،

كرواية بكر بن حبيب قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الجبن؛ و أنّه توضع فيه الإنفحة من الميتة؟ قال: «لا تصلح» ثمّ أرسل بدرهم، فقال: «اشترِ من رجل مسلم، و لا تسأله عن شي ء» «4»

و نحوها

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 25: 294 و 293، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 6 و 7 و 3.

(2) الكافي 6: 420/ 5، تهذيب الأحكام 9: 122/ 525، وسائل الشيعة 25: 293، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 2.

(3) الكافي 6: 420/ 6، تهذيب الأحكام 9: 121/ 523، وسائل الشيعة 25: 293، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 3.

(4) المحاسن: 496/ 598، وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 276

في عدم لزوم السؤال رواية حمّاد بن عيسىٰ «1».

و هذه الروايات و إن صدرت تقيّة؛ لأنّ الإنفحة من الميتة طاهرة عندنا، لكن يظهر منها أنّه لا بأس بالاشتراء و الأكل من سوق المسلمين، و لا يلزم السؤال، لكن لو سأل، و أجاب صاحب اليد بكون الميتة فيه، لا يجوز الأكل، فيظهر منهما أنّ هذا الحكم كان معهوداً في ذلك العصر.

و منها: ما وردت في قبول قول البائع الأمين الثقة في استبراء الأمة «2» و اعتبار الأمانة و الثقة؛ لكون أمر الفروج مهمّاً، كما يظهر من تلك الروايات.

و منها:

رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أدخل السوق أعني هذا الخلق الذي يدعون الإسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة، و أقول لصاحبها: أ

ليس هي ذكية؟ فيقول: بلىٰ، فهل يصلح لي أن أبيعها علىٰ أنّها ذكية؟ فقال: «لا، و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنّها ذكية».

قلت: ما أفسد ذلك؟ قال: «استحلال أهل العراق الميتةَ» «3».

و قد مرّ في المسألة السابقة «4»: أنّ الظاهر منها و من سائر الروايات أنّ سوق المسلمين أي هذا الخلق ليس أمارة على التذكية و إن جاز لنا ترتيب

______________________________

(1) قرب الإسناد: 19/ 63، وسائل الشيعة 3: 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 8.

(2) تقدّم تخريجه في الصفحة 268، الهامش 4.

(3) الكافي 3: 398/ 5، وسائل الشيعة 3: 503، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 4.

(4) تقدّم في الصفحة 256 259.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 277

آثارها توسعةً، و أمّا جواز الإخبار بها فهو من آثار ثبوتها لدى المخبر، و إنّما نهي عن الإخبار بها مع إخبار ذي اليد؛ لاستحلال أهل العراق الميتة، فيظهر منه أنّه لولا ذلك لجاز الاتكال علىٰ إخباره.

و قول عبد الرحمن: «ما أفسد ذلك؟» دليل علىٰ معروفية الاتكال علىٰ قول صاحب اليد، فسأل عن وجه عدم الجواز، فأجابه (عليه السّلام) بذلك.

إن قلت: مع عدم استحلاله تكون يده أمارة.

قلت: المراد ب «الاستحلال» استحلال الميتة بالدباغ، و لهذا نسبه إلىٰ أهل العراق، فحينئذٍ مع عدم الاستحلال أيضاً لا يكون سوقهم أمارة، و لا يدهم؛ لاختلافهم معنا في معظم شرائط التذكية، تأمّل.

و يمكن أن تعدّ من الشواهد أو الأدلّة الروايات الواردة في سياق الهدي،

كصحيح حفص بن البَخْتَري قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل ساق الهدي، فعطب في موضع لا يقدر علىٰ من يتصدّق به عليه، قال:

«ينحره، و يكتب كتاباً يضعه عليه؛ ليعلم من مرّ به أنّه صدقة» «1».

بدعوىٰ دلالتها علىٰ معروفية قبول قول صاحب اليد: بأنّها صدقة.

إلىٰ غير ذلك من الموارد التي يعلم بإلغاء الخصوصية عنها عرفاً أنّ قول صاحب اليد معتبر عند الشارع، كما هو معتبر عند العرف، سيّما مع قبوله في المهمّات.

______________________________

(1) الفقيه 2: 297/ 1477، وسائل الشيعة 14: 141، كتاب الحجّ، أبواب الذبح، الباب 31، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 279

المطلب السابع في بطلان الصلاة الواقعة في النجس

اشارة

مقتضىٰ إطلاق أدلّة شرطية الطهارة أو مانعية النجاسة

كقوله (عليه السّلام) في صحيحة زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور» «1»

المتيقّن منها بقرينة ذيلها الطهور من الخبث، و

قوله (عليه السّلام): «لا تعاد الصلاة ..» «2»

إلىٰ آخره؛ بناءً علىٰ أنّ الطهور في المستثنىٰ أعمّ من الخبث بطلان الصلاة التي يؤتىٰ بها في النجس مطلقاً؛ سواء كان عن عمد، أو جهل بالحكم، أو الموضوع، أو النسيان، أو غيرها من الأعذار، فلا بدّ من التماس دليل علىٰ صحّة الصلاة المأتي بها في النجس.

حكم الصلاة في النجس مع الجهل بالحكم

و قد يقال: إنّ الأدلّة قاصرة عن إثبات الحكم للجاهل؛ لقبح تعلّق التكليف بالغافل «3»، و عليه يكون المأتي به مع النجاسة مجزياً؛ لأنّه صلاة تامّة في

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(2) الفقيه 1: 225/ 991، وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 342، مدارك الأحكام 2: 344.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 280

حقّه بعد عدم الدليل علىٰ إثبات المانعية أو الشرطية في حقّه.

و فيه ما حقّق في الأُصول: من عدم قصور الأدلّة عن إثبات التكليف لمطلق المكلّفين، و لا مانع من تعلّقه بالعناوين الكلّية الشاملة لعامّة المكلّفين؛ و إن كان التارك عن عذر معذوراً في أدائه «1».

و السرّ فيه: عدم انحلال الخطاب المتعلّق بالعناوين ك «الناس» و «المؤمنين» إلىٰ خطابات جزئية بعدد النفوس أو العناوين الطارئة، و لهذا يكون العصاة مكلّفين، مع أنّ العاصي الذي يعلم المولى طغيانه، لا يمكن تكليفه جدّاً لغرض الانبعاث؛ لامتناع انقداح إرادة التكليف جدّاً ممّن لا يطيع.

هذا مع أنّ

ما ذكر لا يتأتّىٰ في الوضعيات،

كقوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا بطهور»

و لا شبهة في إطلاقه بالنسبة إلىٰ كلّ صلاة من دون إشكال.

نعم، لا فرق في الإشكال بين الأوامر النفسية، و ما هي للإرشاد إلى الشرطية، كقوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. «2» إلىٰ آخره فإنّها و إن كانت للإرشاد، لكنّها لم تنسلخ عن البعث و التكليف، و لم تستعمل في الاشتراط، بل يفهم العرف من البعث إلىٰ تحصيل الطهور للصلاة اشتراطها بها، فإنْ قَبح أو امتنع تعلّق التكليف بالغافل، لا يمكن انتزاع الاشتراط مطلقاً منها بحيث يشمل الغافل.

فما قد يقال في الجواب عنه: «إنّ الأوامر الإرشادية لا إشكال فيها» «3» كأنّه في غير محلّه.

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 25 28، أنوار الهداية 2: 214 218.

(2) المائدة (5): 6.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 616/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 281

هذا مع اقتضاء بعض الأدلّة الخاصّة في المقام، بطلان الصلاة في النجاسة،

كصحيحة عبد اللّٰه بن سِنان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم، قال: «إن كان علم أنّه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلّي، ثمّ صلّىٰ فيه و لم يغسله، فعليه أن يعيد ما صلّىٰ» «1»

و غيرها ممّا تشمل بإطلاقها العالم و غيره «2».

حكم الصلاة في النجس مع الجهل بالموضوع و التفاصيل فيه

اشارة

و أمّا الجاهل بالموضوع ففيه أقوال: عدم الإعادة مطلقاً «3»، و الإعادة كذلك، كما حكي عن بعض «4»، و التفصيل بين التذكّر في الوقت و خارجه، فيعيد في الأوّل «5»، و التفصيل بين المتذكّر الذي لم يتفحّص و غيره، فيعيد الأوّل «6».

وجه التفصيل الأوّل و نقده

و قد يقال: إنّ مقتضى الجمع بين الروايات التفصيل الأوّل؛ لأنّ منها: ما تدلّ علىٰ عدم الإعادة مطلقاً،

كموثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت

______________________________

(1) الكافي 3: 406/ 9، تهذيب الأحكام 2: 359/ 1488، وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 3: 477، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 10.

(3) مدارك الأحكام 2: 348 349، جواهر الكلام 6: 209 210، مصباح الفقيه، الطهارة: 616/ السطر 15.

(4) انظر مستند الشيعة 4: 263، مصباح الفقيه، الطهارة: 616/ السطر 16.

(5) المهذّب 1: 27 و 153 و 154، غنية النزوع 1: 66، جامع المقاصد 1: 150.

(6) المقنعة: 149، الحدائق الناضرة 5: 414 417، رياض المسائل 2: 400.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 282

أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي و في ثوبه عَذِرة إنسان أو سِنَّوْر أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال: «إن كان لم يعلم فلا يعيد» «1»

و نحوها روايات «2».

و منها: ما تدلّ على الإعادة مطلقاً،

كصحيحة وهب بن عبد ربّه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم به صاحبه، فيصلّي فيه، ثمّ يعلم بعد ذلك، قال: «يعيد إذا لم يكن علم» «3».

و

رواية أبي بصير الصحيحة بناءً علىٰ كون وهب بن حفص هو الجريري الثقة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل

صلّىٰ و في ثوبه بول أو جنابة، فقال: «علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم» «4».

و منها: ما تدلّ علىٰ عدم وجوب القضاء،

كصحيحة العِيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل صلّىٰ في ثوب رجل أيّاماً، ثمّ إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّي فيه، قال: «لا يعيد شيئاً من صلاته» «5».

و

رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن

______________________________

(1) الكافي 3: 406/ 11، تهذيب الأحكام 2: 359/ 1487، وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 5.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 2 و 3 و 7.

(3) تهذيب الأحكام 2: 360/ 1491 (و فيه «لا يعيد»)، وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 8.

(4) تهذيب الأحكام 2: 202/ 792، وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 9.

(5) الكافي 3: 404/ 1، تهذيب الأحكام 2: 360/ 1490، وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 283

الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم، فلم يعلم به حتّى إذا كان من الغد، كيف يصنع؟ قال: «إذا كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته علىٰ قدر ما كان يصلّي، و لا يَنقص منه شي ء. و إن كان رآه و قد صلّىٰ فليعتدّ بتلك الصلاة ثمّ ليغسله» «1».

و طريق الجمع بينها بتقييد صحيحة ابن عبد ربّه و رواية أبي بصير بالروايتين الأخيرتين، فيصير مفادهما بعده الإعادة في الوقت دون خارجه، فتقيّد بهما الطائفة الأُولى الدالّة علىٰ

عدم الإعادة مطلقاً، فتصير النتيجة التفصيل بين الوقت و خارجه.

و فيه: مضافاً إلىٰ منع كون الأخيرتين مختصّتين بالقضاء:

أمّا صحيحة العِيص فظاهر؛ ضرورة أنّ ترك الاستفصال في وقت إخبار صاحب اليد، دليل علىٰ عموم الحكم لما إذا أخبره في الوقت و قد صلّىٰ في ثوبه و بقي وقت الإعادة.

و الرواية الثانية و إن كان صدرها متعرّضاً للقضاء، لكنّ ذيلها مطلق يشمل الفرض المتقدّم. و مجرّد تعرّض الصدر للقضاء، لا يوجب الانصراف أو تقييد الإطلاق.

أنّ المتفاهم العرفي من نفي القضاء هو الإرشاد إلىٰ صحّة الصلاة المأتي بها فيفهم العرف من نفي القضاء نفي الإعادة، كما أنّه يفهم من نفي الإعادة نفي القضاء؛ و ذلك لأنّ نفي كلّ منهما دليل عرفاً علىٰ صحّة الصلاة، و إرشاد إليها. و احتمال أن تكون النجاسة المحرزة في جزء من أجزاء الوقت مانعة منها- و بعبارة اخرىٰ: تعقّبها بالإحراز في الوقت و لو بعد الصلاة مانعة بعيد عن فهم العرف غايته.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 208/ 810، وسائل الشيعة 3: 477، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 284

نعم، لو ورد دليل على التفصيل بين الإعادة في الوقت و عدم القضاء خارجه، كان هذا التصوير العقلي موجباً لعدم جواز طرحه و عدم العمل به، و أمّا إن كانت الواقعة مثل المقام في عدم الدليل على التفصيل، و إنّما أردنا البناء عليه بدليل نفي القضاء و التقييد المشار إليه، فلا يساعده العرف؛ فإنّ ما يدلّ علىٰ نفي القضاء يدلّ علىٰ صحّة الصلاة لدى العرف، فيعارض ما دلّ على الإعادة.

هذا مع التأمّل في أنّ هذا النحو من التقييد و انقلاب النسبة، جمع مقبول عقلائي، بل كأنّه

أمر صناعي عقلي، لا جمع عرفي، و الميزان في جمع الأدلّة هو الثاني، و هو محلّ إشكال، سيّما في المقام الذي يأبىٰ جلّ الروايات عن الحمل علىٰ ما بعد الوقت، كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

فبقيت صحيحة ابن عبد ربّه و رواية أبي بصير، معارضتين لسائر الروايات.

و يمكن أن يجاب عن الأُولىٰ: بأنّ الشرطية المذكورة فيها ظاهرة في دخالتها في الحكم، فيكون موضوع الإعادة النجاسة غير المعلومة، و هذا غير البناء على المفهوم، كما هو المقرّر في محلّه، فإذا قطعنا بعدم دخالتها في الحكم، بل كان ذكرها مخلًّا بالمقصود، أو لغواً يجب تنزيه ساحة القائل عنهما، يدور الأمر بين زيادة الشرطية و ما بعدها، و نقصان كلمة «لا» قبل «يعيد» أو كون أداة الاستفهام غير مذكورة؛ فيكون الاستفهام إنكارياً، و لا ترجيح لواحد منها.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ العمل بالظواهر ليس أمراً تعبّدياً، بل أمر عقلائي يتوقّف علىٰ جريان الأُصول العقلائية كأصالة عدم الخطأ و النسيان و الغفلة في صدورها حتّى يجوز الاتكال عليها، و في مثل المورد الذي كان القيد الزائد بلا وجه، لا يعتدّ العقلاء بالأُصول المتقدّمة، سيّما مع معارضتها بالروايات

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 285

المستفيضة المصرّحة: بأنّه لا يعيد إذا لم يعلم.

و الإنصاف: أنّ دعوى الجزم بوجود خلل فيها غير بعيدة.

و أوضح منه الجواب عن الثانية؛ فإنّه بعد الغضّ عن عدم الدليل علىٰ أنّ وهب بن حفص هو الجريري الثقة، أنّ صحّة الشرطية فيها أيضاً تحتاج إلى التوجيه و التأويل، و إلّا فبعد قوله (عليه السّلام): «علم به» الظاهر في أنّه علم به حين الصلاة، لا وجه للتقييد بأنّه إذا علم، فلا بدّ من أن يقال: «سواء

علم به فنسي أو لم يعلم، فعليه الإعادة إذا علم بالخلل» و هو تأويل فيها بلا دليل.

و لا ترجيح لهذا الاحتمال على الاحتمال الآخر: و هو الحمل علىٰ أنّ قوله (عليه السّلام): «علم به أو لم يعلم» استفسار عن الواقعة؛ و أنّ الشرطية لإفادة أنّ في شقّ منهما يعيد دون الآخر، و عليه تكون الرواية من أدلّة القول المشهور.

و الإنصاف: عدم إمكان التعويل عليهما في مقابل تلك الروايات الظاهرة الدلالة، الواضحة المراد، السليمة عن المناقشة في الإسناد و المتون.

و الحمل على الاستحباب «1» لا يخلو من بُعْد و إشكال، سيّما في المقام الذي يكون الأمر بالإعادة لدى العرف، إرشاداً إلى الفساد.

كما أنّ النهي عنها إرشاد إلى الصحّة، و لم ينقدح في الأذهان منهما النفسية؛ وجوباً كان أو استحباباً.

كما أنّه مع تصديق التعارض بين الأخبار، يشكل ترجيح الروايات النافية للإعادة عليهما؛ بعد ما قرّر في محلّه: أنّ كثرة الرواية ليست من المرجّحات «2». و ليس في المقام شهرة فتوائية موهنة لمقابلها؛ بحيث يكون المقابل شاذّاً نادراً؛

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 6: 212، مصباح الفقيه، الطهارة: 617/ السطر 11 و 24.

(2) التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 177.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 286

بعد عملِ عُمَد الفقهاء بها، كالشيخ و ابن زهرة و المحقّق و العلّامة و ثاني المحقّقين و الشهيدين و غيرهم علىٰ ما حكي عنهم «1»، و موافقتِهما لأدلّة الاشتراط،

مثل «لا صلاة إلّا بطهور» «2»

و «لا تعاد ..» «3»

بناءً علىٰ أنّ «الطهور» أعمّ، و غيرهما من أدلّة اعتبار الطهارة أو مانعية النجاسة.

فالتفصيل المتقدّم ضعيف، لا لما ذكر آنفاً، بل لما تقدّم من الوجه «4».

وجه التفصيل الثاني و ردّه

و أضعف منه التفصيل الثاني؛ لعدم دليل

عليه سوىٰ

رواية ميمون الصيقل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل، فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة، فقال: «الحمد للّٰه الذي لم يدع شيئاً إلّا و له حدّ: إن كان حين قام نظر فلم يرَ شيئاً فلا إعادة عليه، و إن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة».

كذا في نسخة «الوسائل» و «مرآة العقول» «5».

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 6: 211، المبسوط 1: 38، غنية النزوع 1: 66، المختصر النافع: 19، قواعد الأحكام 1: 8/ السطر 11، جامع المقاصد 1: 150، مسالك الأفهام 1: 127، المهذّب 1: 154.

(2) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(3) الفقيه 1: 225/ 991، وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.

(4) تقدّم في الصفحة 283 284.

(5) وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 3، مرآة العقول 15: 325/ 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 287

و في «الوافي» عن «الكافي» و «التهذيب» بزيادة «و صلّى» بعد «فاغتسل» «1».

و في هامش «الوافي»: «هذا الخبر أورده في «التهذيب» مرّتين «2»، و ليس في أحدهما قوله (عليه السّلام): «حين» الأوّل إلىٰ «حين» الثاني [منه (رحمه اللّٰه)]» «3» انتهىٰ.

و

في «الوسائل» بعد نقله عن «الكافي» كما تقدّم قال: و رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب، و رواه أيضاً بإسناده عن الصفّار، عن الحسن بن عليّ بن عبد اللّٰه، و رواه أيضاً مثله إلىٰ قوله (عليه السّلام): «فلا إعادة عليه» «4».

و في نسخة من «التهذيب» مقروءة على المحدّث المجلسي كما

تقدّم عن «الوسائل» لكن بزيادة «إلى الصلاة» بعد قوله (عليه السّلام): «حين قام» الأوّل.

و قد اختلف نقلها في الكتب الاستدلالية أيضاً «5».

فهذه الرواية مع هذا السند الضعيف «6» بل المغشوش، كما يظهر بالرجوع إلىٰ كتب الحديث و هذا المتن المشوّش، لا يمكن الاتكال عليها، سيّما مع عدم تحقّق عامل بها.

مع أنّه علىٰ نسخة «الوسائل» التي ليس فيها قوله: «و صلّى» لم يتضح

______________________________

(1) الوافي 6: 163/ 10.

(2) تهذيب الأحكام 1: 424/ 1346، و 2: 202/ 791.

(3) الوافي 1: 26، أبواب الطهارة عن الخبث (ط حجري).

(4) وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، ذيل الحديث 3.

(5) راجع الحدائق الناضرة 5: 415، رياض المسائل 2: 400، مستند الشيعة 4: 264، جواهر الكلام 6: 213.

(6) و السند ضعيف بميمون الصيقل فإنّه مجهول.

راجع تنقيح المقال 3: 265/ السطر 10 (أبواب الميم).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 288

أنّ الإعادة إعادة الصلاة، و لعلّها إعادة الغسل.

و لزوم فساد المتن علىٰ هذا الفرض لا يوجب العلم بكون المقدّر فيها الصلاة، إلّا أن يكون ذلك موجباً لترجيح النسخة الأُخرىٰ.

و على النسخة التي ليس فيها جملة: «و إن كان حين قام لم ينظر ..» إلىٰ آخره، لا تدلّ على المقصود إلّا بتوهّم: أنّ المفهوم لها «أنّه إذا لم ينظر ..» إلىٰ آخره، و هو غير معلوم؛ لأنّ أخذ النظر و غيره من العناوين التي لها طريقية إلى الواقع في موضوع، لا يكون ظاهراً في الموضوعية، و لعلّ قوله (عليه السّلام): «نظر فلم يرَ» أُخذ أمارة علىٰ عدم الجنابة فيه واقعاً، و مقابلها وجودها واقعاً فيه. و معارضة هذا المفهوم للأدلّة المتقدّمة لا توجب ظهوراً فيها.

و أمّا دعوى

تقدّم أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة، فعلى فرض تسليمها لا تسلّم في المقام؛ فإنّ المحتمل فيه أن تكون الزيادة عن عمد نقلًا بالمعنى، و تفصيلًا لما أُجمل في الرواية، و هو ليس بممنوع حتّى ينافي العدالة، فيدور الأمر بين النقيصة السهوية أو العمدية بلا وجه، و بين الزيادة السهوية أو العمدية مع الوجه.

إلّا أن يقال: يحتمل في النقيصة أن تكون عن عمد في المقام أيضاً؛ لاحتمال اكتفاء الراوي بالمنطوق و إيكال فهم المفهوم إلى السامع، لكنّه بعيد.

بل ما ذكرناه أيضاً كذلك، فالأوجه في الجواب عنها الطعن في السند و الهجر في العمل.

و بالأخير يجاب عن سائر الروايات التي استدلّ بها «1» للمقصود لو سلّمت

______________________________

(1) راجع الحدائق الناضرة 5: 415 416، مستمسك العروة الوثقى 1: 532.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 289

دلالتها، لكنّها غير مسلّمة؛ لأنّ الظاهر من

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ذكر المنيّ فشدّده و جعله أشدّ من البول، ثمّ قال: «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة، فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثمّ صلّيت فيه، ثمّ رأيته بعد، فلا إعادة عليك، و كذلك البول» «1»

أنّ الجملة الثانية مفهوم الشرطية للأُولىٰ، و ليست جملة مستقلّة غير مربوطة بها، فيكون المراد عدم رؤية المنيّ في الثوب، و قد مرّ منّا: أنّ الجملة المذكورة لبيان المفهوم لا مفهوم لها «2».

و أمّا مرسلة الصدوق «3» فهي على الظاهر عين الرواية المتقدّمة، و رواية مُيسِّر «4» أجنبية عن المقام.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 252/ 730، و 2: 223/ 880، وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،

الباب 41، الحديث 2.

(2) تقدّم في الصفحة 156.

(3) هكذا نصّها:

قال: و قد روي في المني أنّه: «إن كان الرجل جنباً حيث قام نظر و طلب فلم يجد شيئاً فلا شي ء عليه، فإن كان لم ينظر و لم يطلب فعليه أن يغسله و يعيد صلاته».

الفقيه 1: 42/ 167، وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 4.

(4)

قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله، فأُصلّي فيه فإذا هو يابس. قال: «أعد صلاتك، أمّا أنّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي ء».

الكافي 3: 53/ 2، وسائل الشيعة 3: 428، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 18، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 290

حكم الصلاة فيما لو رأى النجاسة في أثنائها

اشارة

و لو رأى النجاسة في أثناء الصلاة، فإن علم بسبقها و أنّ بعض صلاته وقع مع النجاسة، بطلت صلاته مع سعة الوقت؛ لبطلان المشروط مع فقد شرطه، و لجملة من الروايات الآتية عن قريب «1».

القول بتصحيح الصلاة في هذه الصورة و ما فيه

و قد يقال: إنّ مقتضى الرواياتِ الواردة في حدوث الدم في أثناء الصلاة-

كصحيحة معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرعاف أ ينقض الوضوء؟ قال: «لو أنّ رجلًا رعف في صلاته، و كان عنده ماء، أو من يشير إليه بماء، فتناوله فقال برأسه فغسله، فليبن علىٰ صلاته و لا يقطعها» «2»

و نحوها جملة من الصحاح و غيرها «3» و الرواياتِ الواردة في صحّتها لو علم بالنجاسة بعدها «4»، صحّة صلاته في الفرض؛ فإنّ الجهل إذا كان في جميعها عذراً، يكون في بعضها بالأولوية و إلغاء الخصوصية عرفاً، فصحّت صلاته إلىٰ حين الالتفات، و في حاله و الاشتغال بالتطهير، يكون معذوراً بمقتضى الروايات المتقدّمة في الرعاف، و العرف لا يفرّق بين الحدوث و العلم بالوجود؛ لأنّ المانع للصلاة النجاسة لا حدوثها.

______________________________

(1) سيأتي في الصفحة 293 297.

(2) تهذيب الأحكام 2: 327/ 1344، وسائل الشيعة 7: 241، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2، الحديث 11.

(3) راجع وسائل الشيعة 7: 238، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 291

و بالجملة: تصحّ صلاته هذه بعضها بدليل معذورية الجاهل، و بعضها بما دلّ علىٰ معذوريته حال الاشتغال بالتطهير، و بعضها بوجدانها للشرط «1».

و فيه: منع الأولوية المدعاة:

و أمّا إن قلنا بالعفو؛ فلأنّ العفو في الجميع ربّما يكون تخفيفاً على المكلّف؛

و عدم إرادة إعادة جميع الصلاة، دون بعضها.

و إن قلنا بعدم المانعية فكذلك؛ لإمكان أن يكون للجهل في جميع الصلاة دخالة فيه، فلا قطع بالمناط، و هو واضح، سيّما مع وقوع نظائره في الشرع.

و لا يمكن دعوى إلغاء الخصوصية؛ لمنع فهم العرف من الأدلّة ذكر بعد الصلاة من باب المثال مثلًا؛ بعد ما يرىٰ أنّ لتمام الصلاة خصوصيةً و أحكاماً في الشرع ليست لبعضها.

و منع القطع بعدم الفارق بين حدوث الدم و حدوث الالتفات إليه؛ لاحتمال أن يكون للحدوث القهري خصوصية لم تكن لغيره. بل لو كان الدليل في الباب منحصراً بأدلّة الرعاف، لا يمكن لنا التعدّي منها إلىٰ سائر النجاسات؛ بعد ثبوت التخفيف في الدم بما لا يكون في غيره، كالتخفيف في دم القروح و الجروح كائناً ما كان، و كالأقلّ من الدرهم.

لكن سيأتي ما يستفاد منه العموم لسائر النجاسات.

و قد يقال لتصحيح العبادة في الفرض و سائر الفروض في المقام: إنّه لا دليل علىٰ مانعية النجاسة في جميع الصلاة أفعالًا و أكواناً؛ لقصور أدلّة الاشتراط أو المانعية عن شمول الأكوان، و مع الشكّ مقتضى الأصل البراءة، فتكون الصلاة صحيحة إلىٰ حين الالتفات بأدلّة الجهل كما تقدّم، و في حينه

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 619/ السطر 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 292

و حين الاشتغال بالتطهير بأصالة البراءة «1».

و فيه: ما مرّ من عدم الدليل علىٰ معذورية الجاهل مع الالتفات في أثناء الصلاة، و منع فقدان الدليل على اعتبار الطهارة أو عدم النجاسة في الأكوان؛ لعدم قصور

صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنّة عن رسول

اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله» «2»

عن إفادة ذلك؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الصلاة باطلة مع فقد الطهور، فإذا فَقدت الطهور في بعضها لم تكن هي بطهور، و بالجملة الظاهر منها اعتباره في جميعها.

إن قلت: نعم، لكن الأكوان ليست بصلاة، بل هي عبارة عن التكبير إلى التسليم؛ أي الأجزاء الوجودية من الأذكار و غيرها، و السكوتات المتخلّلات بينها ليست من الصلاة «3».

قلت: مضافاً إلىٰ إمكان أن يقال: إنّ المصلّي من أوّل صلاته إلىٰ آخرها، لا يخلو من التلبّس بفعل من أفعال الصلاة، كالقيام و القعود و الركوع و السجود، بل يمكن أن يقال: إنّ النهوض للقيام و الهوي للسجود أيضاً من أجزائها، لا من مقدّماتها، فأجزاء الصلاة متصلة إلىٰ آخرها، تأمّل إنّ المرتكز لدى المتشرّعة أنّ المصلّي إذا كبّر، يكون في الصلاة إلىٰ أن يخرج عنها بالسلام، فتكون الصلاة عندهم أمراً ممتدّاً يكون المكلّف متلبّساً بها في جميع الحالات؛ أكواناً أو أفعالًا، و دعوىٰ أنّ الأكوان خارجة عنها مخالفة لارتكازهم.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 619/ السطر 36.

(2) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 619/ السطر 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 293

مع أنّ التعبير ب «القاطع» في جملة من الموارد «1»، يدلّ علىٰ أنّها أمر ممتدّ في الاعتبار يقطعها بعض القواطع. و القول بأنّ التعبير ب «القاطع» لأجل إبطاله الأجزاء السابقة، و سلب صلوح اتصالها بالأجزاء اللاحقة، خلاف ظاهر «القطع» و «القاطع».

مع أنّ اعتبار الطهور و سائر ما يعتبر في الصلاة في

جميع الأجزاء و الأكوان، ممّا لا ينبغي الشكّ و الترديد فيه، و من هنا لا يجوز الإتيان بالموانع عمداً في الأكوان و رفعها للأفعال، و هو كالضروري، و ليس إلّا لبعض ما تقدّم.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ مقتضى القاعدة بطلان الصلاة في صورة العلم بسبق العروض؛ سواء علم بسبقه على الدخول في الصلاة، أو سبقه على الرؤية، مع إتيان بعض الصلاة مع النجس.

الروايات الدالّة علىٰ بطلان الصلاة هنا

هذا مضافاً إلىٰ دلالة

صحيحة زرارة الطويلة عليه، قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منيّ، فعلّمت أثره .. إلىٰ أن قال:

قلت: إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة، قال: «تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته، و إن لم تشكّ ثمّ رأيته رطباً قطعت الصلاة و غسلته، ثمّ بنيت على الصلاة؛ لأنّك لا تدري لعلّه شي ء أُوقع عليك، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ» «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 7: 233، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 2، و الباب 7، الحديث 2 و 3 و 4، و الباب 25، الحديث 6.

(2) علل الشرائع: 361/ 1، تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 482، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 44، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 294

و لا ريب في أنّه يستفاد منها حكم مطلق النجاسات؛ ضرورة أنّ ذكر الدم و المنيّ من باب المثال، كما يظهر مضافاً إلىٰ وضوحه من سائر فقرأتها.

كما لا شبهة في أنّ المراد بالفرع الأوّل من الفرعين، مورد العلم بسبق النجاسة علىٰ زمان الرؤية. و قوله (عليه السّلام): «إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته» لتنقيح موضوع الاطمئنان بكون ما رآه

هو المشكوك فيه قبلًا، كما يظهر ذلك من تقييد المرئي في الفقرة الثانية بكونه رطباً؛ فإنّه مع فرض اليبوسة يعلم بسبقه.

و يؤيّده بل يشهد عليه قوله (عليه السّلام): «لأنّك لا تدري لعلّه شي ء أُوقع عليك» فإنّه لإلقاء الشبهة بحدوث النجاسة.

و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في ظهورها في أنّه مع العلم بوجود النجاسة قبل الرؤية، تبطل الصلاة، و مع الشكّ لا تبطل. و حمل الفقرة الأُولى علىٰ مورد العلم الإجمالي «1»، مخالف للظاهر من وجوه.

فيبقىٰ سؤال الفارق بين الفرعين، حيث تمسّك في الثانية بالاستصحاب دون الأوّل، مع أنّ جريان الأصل إنّما يفيد لحال الجهل، لا الالتفات بوجود النجاسة، و في الفرع الأوّل أيضاً كان المصلّي شاكّاً في عروضها، و تبيّن الخلاف غير مضرّ به، كما أجراه في صدر الصحيحة بالنسبة إلىٰ من صلّىٰ في الثوب، ثمّ علم بالنجاسة.

و بالجملة: كما أنّه في الفرع الثاني يجري الاستصحاب، و يفيد بالنسبة إلىٰ حال قبل الالتفات، كذا في الأوّل بالنسبة إليه، و لا بدّ في تصحيح حال الالتفات و العلم من دليل آخر غير الاستصحاب.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 620/ السطر الأخير.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 295

و الجواب عنه ما ذكرناه «1»: من احتمال عدم العفو عن النجاسة الموجودة قبل حال الرؤية في حالها؛ لقصور الأدلّة الدالّة علىٰ حدوث الرعاف بين الصلاة عن إثباته، و هذه الصحيحة شاهدة علىٰ ما ذكرناه من اقتضاء القواعد، و إنّما تمسّك في الفرع الثاني بالاستصحاب لإصلاح حال الجهل، لا حال الالتفات، و أمّا في حال العلم فلمّا شكّ في وقوعها من الأوّل أو حدوثها في الآن، يشكّ في حدوث المانع، فأصالة البراءة عقلًا و شرعاً جارية، و مع

التطهير تصحّ صلاته ببركة الاستصحاب و أصالة البراءة و الطهارة الواقعية.

هذا إذا كان المراد من الاستصحاب في الرواية، استصحابَ عدم عروض النجاسة، و إنّما تمسّكنا بأصالة البراءة دون أدلّة الرعاف، فإنّ استصحاب عدم عروض النجاسة إلىٰ زمان الرؤية، لا يثبت حدوثها في الحال حتّى ينقّح به موضوع الأدلّة الاجتهادية، فالأصل لإثبات الحدوث مثبت.

و أمّا إن أُريد استصحاب عدم عروض المانع أو استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية للصلاة علىٰ فرض جريانهما فالأمر واضح.

و أمّا الفرع الأوّل فلا يمكن تصحيحه بالاستصحاب؛ لأنّه مع انكشاف أنّ النجس عرض سابقاً، يحرز عدم اندراج المورد في أدلّة العفو الظاهرة في حدوث النجاسة لدى الرؤية، فتبقىٰ أدلّة اعتبار الطهور في الصلاة بلا مقيّد.

و تدلّ على المطلوب أيضاً

صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل صلّىٰ في ثوب فيه جنابة ركعتين، ثمّ علم به، قال: «عليه أن يبتدئ الصلاة».

قال: و سألته عن رجل يصلّي و في ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 291.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 296

صلاته، ثمّ علم، قال: «مضت صلاته، و لا شي ء عليه» «1».

و احتمال أن يكون المراد فرض نسيان النجاسة «2»، في غاية البعد لو لم نقل: مقطوع الخلاف، سيّما بملاحظة ذيلها الذي لا شبهة في أنّ المراد منه الجهل لا النسيان.

و احتمال أنّ الفقرة الثانية كانت رواية أُخرى مستقلّة ذكرت في ذيلها تلفيقاً «3»، بعيد لا يصار إليه.

و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في دلالتها على المطلوب.

و تدلّ عليه أيضاً إطلاق صدر

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ذكر المنيّ فشدّده و جعله أشدّ من البول، ثمّ قال: «إن رأيت

المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة، فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، و صلّيت فيه، ثمّ رأيته بعد ذلك، فلا إعادة عليك، و كذلك البول» «4».

و لو نوقش فيها بدعوىٰ ظهورها بمناسبة الإعادة و غيرها فيما لو صلّىٰ و أتمّها بعد رؤية الدم «5»، ففيما عداها كفاية و إن أمكن إنكار المناقشة.

و ربّما يقال: بأنّ الإعادة مختصّة بما إذا لم يمكن نزع الثوب أو تطهيره،

______________________________

(1) الكافي 3: 405/ 6، تهذيب الأحكام 2: 360/ 1489، وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 2.

(2) انظر مرآة العقول 15: 325، مصباح الفقيه، الطهارة: 621/ السطر 9.

(3) انظر الوافي 6: 163.

(4) تهذيب الأحكام 1: 252/ 730، و 2: 223/ 880، وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 2.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 621/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 297

و مع إمكان ذلك فعَله و أتمّها؛ جمعاً بين الروايات «1» بشهادة

صحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت له: الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال: «إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك، و لا إعادة عليك ما لم يزد علىٰ مقدار الدرهم، و ما كان أقلّ من ذلك فليس بشي ء؛ رأيته من قبل أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم، فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صلّيت فيه» «2».

و فيه: بعد الغضّ عن اغتشاش متنها و نقلها، كما مرّ في باب العفو عن الدم القليل

«3»، و الغضّ عن أنّ ظاهرها بيان أحكام لموضوعات ثلاثة: الدم المساوي للدرهم، و الدم الأقلّ منه، و الأكثر منه؛ فإنّ «ما لم يزد» إذا وقع في مقابل الزائد و القليل، يتعيّن أن يكون بمقداره، و هو تفصيل لم يقل به أحد أنّ الاستدلال بها لما ذكر موقوف علىٰ أنّ المراد بالشرطية الأُولى الدم الكثير، و بالثانية طبيعة الدم، و إرجاع القيد إلى الثانية فقط، و هو خلاف الظاهر؛ فإنّ الظاهر أنّ قوله (عليه السّلام): «و إن لم يكن عليك ثوب غيره» بيان مفهوم الشرطية الأُولىٰ، فحينئذٍ يكون القيد راجعاً إليهما، فيكون الأمر بالطرح محمولًا على الاستحباب إن أُريد ب «ما لم يزد» الدم الأقلّ، و إلّا كانت الشرطية الثانية خلاف الإجماع و الأخبار.

و الإنصاف: أنّ رفع اليد عن القواعد و التصرّف في الأخبار بهذه الرواية، غير ممكن.

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 223، مصباح الفقيه، الطهارة: 619/ السطر 4، و: 620/ السطر 3.

(2) وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 6، و راجع ما تقدّم أيضاً في الصفحة 89.

(3) تقدّم في الصفحة 89 90.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 298

حكم الصلاة مع نسيان النجاسة

اشارة

و أمّا الناسي، بأن علم بالنجاسة فنسيها و صلّى، فعليه الإعادة في الوقت و خارجه على المشهور، أو مذهب الأكثر، كما عن «المعتبر» و «كشف الالتباس» و «الروض» و غيرها «1». و عن «كشف الرموز» نسبته إلى الشيخ و المفيد و علم الهدىٰ و أتباعهم «2».

و عن «التنقيح»: «أنّه مذهب الثلاثة و أتباعهم، و عليه الفتوىٰ» «3».

و عن ابن زهرة و الحلّي و ظاهر «شرح القاضي» الإجماع عليه «4».

و لم ينسب الخلاف إلىٰ متقدّمي أصحابنا إلّا الشيخ في

«الاستبصار» «5» الذي لم يعدّ للفتوىٰ، بل لرفع التنافي بين الأخبار، فلا ينبغي عدّه مخالفاً.

نعم عن «التذكرة» نسبة عدم وجوب الإعادة مطلقاً إليه في بعض أقواله «6».

و علىٰ أيّ تقدير: الشهرة محقّقة في الطبقة الاولىٰ من أصحابنا.

و قبل التكلّم في مفاد الأخبار الخاصّة، لا بأس بالتكلّم في مقتضى القواعد:

______________________________

(1) المعتبر 1: 441 442، كشف الالتباس: 240/ السطر 12 (مخطوط)، روض الجنان: 168/ السطر 22، ذخيرة المعاد: 168/ السطر 8.

(2) كشف الرموز 1: 113.

(3) التنقيح الرائع 1: 152.

(4) غنية النزوع 1: 66، السرائر 1: 271، شرح جمل العلم و العمل: 101 102.

(5) انظر السرائر 1: 183، الاستبصار 1: 184.

(6) تذكرة الفقهاء 2: 490.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 299

بيان مقتضى القواعد

فنقول: مقتضىٰ أدلّة اشتراط الطهور أو مانعية النجس سيّما مثل

قوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا بطهور» «1»

هو بطلانها مع فقده نسياناً. و قد فرغنا عن رفع إشكال الأردبيلي و من تبعه في المسألة المتقدّمة «2».

و أمّا

حديث «لا تعاد الصلاة ..» «3»

إلىٰ آخره، فإن قلنا: بأنّ «الطهور» في المستثنىٰ أعمّ من الطهور من الخبث كما هو الأظهر، يكون مقتضاه موافقاً لأدلّة الاشتراط.

و إن قلنا باختصاصه بالطهور من الحدث، فيكون الطهور من الخبث في العقد المستثنىٰ منه، تكون النسبة بينه و بين «لا صلاة إلّا بطهور» أعمَّ من وجه؛ سواء كان الحديث مخصوصاً بالنسيان، كما حكي عن المشهور «4»، أو كان الأعمّ منه و من الجهل بالحكم و الموضوع و من نسيان الحكم، و يكون الخارج منه العالم العامد؛ للانصراف عنه، لا للإشكال العقلي كما قيل «5».

و كيف كان: يكون «لا صلاة إلّا بطهور» حاكماً عليه؛ لأنّ الصحيحة تنفي موضوع الحديث بلسانها، و هو

الصلاة المأخوذة في موضوعه، فوزان الصحيحة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 279.

(2) تقدّم في الصفحة 279 280.

(3) تقدّم في الصفحة 279.

(4) الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2: 406، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 238 239، مستمسك العروة الوثقى 7: 383.

(5) الصلاة، المحقّق الحائري: 315.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 300

معه وزان

«لا سهو لمن أقرّ علىٰ نفسه بالسهو» «1»

مع أدلّة السهو.

و ما قد يقال من حكومة حديث «لا تعاد ..» علىٰ أدلّة اعتبار الأجزاء و الشرائط «2»، ممنوع علىٰ إطلاقه، نعم هو حاكم علىٰ نحوِ قوله: «لا تصلّ في النجس» لا مثلِ الصحيحة التي تتصرّف في عقد وضع الحديث. بل و لا علىٰ ما دلّت على الإعادة بعنوانها؛ فإنّها متعارضة معه، أو مخصّصة إيّاه.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ حديث «لا تعاد ..» إمّا معاضد للصحيحة، أو محكوم لها، فتصير النتيجة بطلان الصلاة مع نسيان الطهور.

و أمّا حال حديث «لا تعاد ..» مع حديث الرفع «3»، فإن قلنا باختصاص «لا تعاد ..» بالنسيان، و شمولِ المستثنىٰ للطهور من الخبث، فيكون مخصّصاً لحديث الرفع؛ لأخصّيته منه، و يقدّم عليه و لو فرض تحكيم لسان حديث الرفع؛ فإنّ التحكيم إنّما يفيد في الجمع العرفي فيما كانت نتيجته التخصيص، لا فيما كانت النتيجة سقوط الدليل في جميع مفاده، فالخاصّ و المقيّد مقدّمان على العامّ و المطلق و لو كان لسانهما الحكومة.

نعم، لو كان «لا تعاد ..» أعمّ من النسيان، و شاملًا لغير العامد العالم، تكون النسبة بينه و بين حديث الرفع العموم من وجه، و يمكن أن يقال بتقدّم حديث

______________________________

(1) السرائر 3: 614، وسائل الشيعة 8: 229، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة،

الباب 16، الحديث 8.

(2) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 238 239، مستمسك العروة الوثقى 1: 528، و 7: 383.

(3) الخصال: 417/ 9، الفقيه 1: 36/ 132، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 301

الرفع عليه؛ فإنّ المستثنىٰ في «لا تعاد ..» إن كان إرشاداً إلى اشتراط الصلاة بالخمسة في جميع الأحوال، فحديث الرفع حاكم عليه؛ لأنّه ناظر إلىٰ أدلّة الاشتراط بالرفع حال النسيان.

و إن كان متعرّضاً لعدم التقبّل في المستثنىٰ، و التقبّل في المستثنىٰ منه، فالمفروض فيه الاشتراط حال العمل، و لسان الرفع مقدّم عليه، علىٰ تأمّل، لكن لا يمكن تحكيم حديث الرفع عليه؛ لأنّ «لا تعاد ..» و إن كان شاملًا لغير العامد، لكن حديث الرفع أيضاً بفقراته مستغرق لجميع مفاد «لا تعاد ..» في العقد المستثنىٰ، فيقع التعارض بينهما، كما قرّر في محلّه «1»، فيكون المرجع أو المرجّح أدلّة الاشتراط.

و أمّا حال حديث الرفع، و

قوله (عليه السّلام) في صحيحة زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور»

مع الغضّ عن «لا تعاد ..» فلا يبعد أن يقال بتحكيمه علىٰ حديث الرفع؛ فإنّ الحديث يرفع الشرط و الجزء بعد مفروغية كون المأتي به صلاة، و الصحيحة ترفع الموضوع، و مع عدمه لا معنىٰ لرفع الجزء و الشرط، تأمّل.

فتحصّل من ذلك: أنّ مقتضى القواعد بطلانها مع فقد الطهور نسياناً.

بيان مقتضى الروايات و تعارضها

و تدلّ عليه مضافاً إلىٰ ذلك روايات مستفيضة،

كصحيحةِ زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منيّ، فعلّمت أثره إلىٰ أن أُصيب له الماء، و حضرت الصلاة، و نسيت أنّ بثوبي شيئاً و صلّيت، ثمّ إنّي ذكرت

بعد ذلك، قال: «تعيد الصلاة و تغسله».

______________________________

(1) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 55.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 302

قلت: فإنّي لم أكن رأيت موضعه، و علمت أنّه أصابه، فطلبته فلم أقدر عليه، فلمّا صلّيت وجدته، قال: «تغسله و تعيد ..» «1»

إلىٰ آخره.

و

صحيحةِ أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إن أصاب ثوب الرجل الدم، فصلّى فيه و هو لا يعلم، فلا إعادة عليه. و إن هو علم قبل أن يصلّي، فنسي و صلّى فيه، فعليه الإعادة» «2».

و

موثقةِ سَماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يرىٰ في ثوبه الدم، فينسىٰ أن يغسله حتّى يصلّي، قال: «يعيد صلاته كي يهتمّ بالشي ء إذا كان في ثوبه؛ عقوبة لنسيانه» «3».

إلىٰ غير ذلك ممّا وردت في البول و الدم و الاستنجاء،

كموثّقة سَماعة قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «إذا دخلت الغائط، فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء، ثمّ توضّأت و نسيت أن تستنجي، فذكرت بعد ما صلّيت، فعليك الإعادة. فإن كنت أهرقت الماء، فنسيت أن تغسل ذكرك حتّى صلّيت، فعليك إعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك؛ لأنّ البول مثل البراز» «4»

و قريب منها غيرها «5».

______________________________

(1) علل الشرائع: 361/ 1، تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 254/ 737، وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 1: 254/ 738، وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 5.

(4) الكافي 3: 19/ 17، علل الشرائع: 580/ 12، وسائل الشيعة 1: 319، كتاب الطهارة، أبواب أحكام

الخلوة، الباب 10، الحديث 5.

(5) راجع وسائل الشيعة 1: 294، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 18، و: 317، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 303

و بإزائها روايات:

منها:

صحيحة العلاء، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجّسه، فينسىٰ أن يغسله فيصلّي فيه، ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسله، أ يعيد الصلاة؟ قال: «لا يعيد، قد مضت الصلاة و كتبت له» «1».

و منها:

موثّقة عمّار بن موسى قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «لو أنّ رجلًا نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي، لم يعد الصلاة» «2»

و نحوها غيرها «3».

وجوه الجمع بين الروايات السابقة و إبطالها و تقديم ما دلّت على الإعادة

و لو لا روايات الاستنجاء، أو أمكن الالتزام باختلاف حكمه مع غيره كما قيل «4»، لأمكن الجمع بين روايات الباب بالتفصيل بين نسيان الغسل من أعيان النجاسات، كالدم و المنيّ و غيرهما، فيقال فيه بالإعادة، و بين نسيان غسل المتنجّس بها، فيقال بعدمها؛ فإنّ موردَ روايات إيجاب الإعادة نسيان الأعيان، و موردَ صحيحة العلاء تنجّس الثوب بها.

لكن مضافاً إلىٰ بُعْد ذلك جدّاً، أنّ هذا التفصيل لم ينقل من أحد و لو احتمالًا.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 423/ 1345، و 2: 360/ 1492، وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 2: 201/ 789، وسائل الشيعة 1: 318، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 3.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 317، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 2 و 4.

(4) انظر الحدائق الناضرة 5: 418، مصباح الفقيه، الطهارة: 622/ السطر 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 304

و يمكن الجمع بين

الروايات بحمل ما دلّت علىٰ عدم الإعادة على الحكم الحيثي؛ بقرينة موثّقة سَماعة الأُولىٰ، فإنّ ظاهرها أنّ إيجاب الإعادة إنّما هو لعقوبة الناسي و عدم اهتمامه، فتحمل رواياتُ إيجابها علىٰ كونه للعقوبة، لا جبراً لبطلانها، و أخبارُ نفيها علىٰ أنّها لا تعاد لأجل فسادها، و «قد مضت صلاته و كتبت له» لكن تجب الإعادة لكي يهتمّ بالشي ء.

و هذا الجمع و إن كان أقرب من حمل روايات الإعادة على الاستحباب «1»؛ لإباء بعضها عنه، سيّما مع ما أشرنا إليه «2»: من أنّ الأمرَ بالإعادة إرشاد إلىٰ فساد الصلاة، كما أنّ النهي عنها إرشاد إلىٰ صحّتها، و الحملَ على الاستحباب النفسي بعيد في الغاية و غير مقبول عرفاً، لكنّه أيضاً بعيد عن مذاق العرف، و ليس جمعاً عقلائياً مقبولًا.

و أبعد منه التفصيل بين الوقت و خارجه «3»؛ بشهادة

صحيحة علي بن مَهْزِيار قال: كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنّه بال في ظلمة الليل، و أنّه أصاب كفَّه بردُ نقطة من البول لم يشكّ أنّه أصابه، و لم يره، و أنّه مسحه بخرقة، ثمّ نسي أن يغسله، و تمسّح بدهن، فمسح به كفّه و وجهه و رأسه، ثمّ توضّأ وضوء الصلاة فصلّى.

فأجابه بجواب قرأته بخطّه: «أمّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك، فليس بشي ء إلّا ما تحقّق، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها، و ما فات وقتها فلا إعادة عليك لها؛ من قِبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً، لم يعد الصلاة إلّا ما كان في

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 348، وسائل الشيعة 3: 481، ذيل الحديث 6.

(2) تقدّم في الصفحة 285.

(3) الاستبصار 1: 184، ذيل

الحديث 642.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 305

وقت، و إن كان جنباً، أو صلّىٰ علىٰ غير وضوء، فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته؛ لأنّ الثوب خلاف الجسد، فاعمل علىٰ ذلك إن شاء اللّٰه» «4».

و أنت خبير: بأنّ الروايات آبية عن هذا التفصيل، و لو سلمت هذه الصحيحة عن الخدشة، فكيف يمكن حمل موثّقة الساباطي المتقدّمة علىٰ نفي القضاء؟! و كذا الحال

في صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته أنّه لم يستنجِ من الخلاء، قال: «ينصرف و يستنجي من الخلاء، و يعيد الصلاة، و إن ذكر و قد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك، و لا إعادة» «1».

فضلًا عن أنّه لم تسلم عنها سنداً؛ لإضمارها و إن كان المظنون كون المسئول عنه أبو الحسن الرضا، أو أحد الإمامين بعده (عليهم السّلام)، و متناً، و هو واضح.

و المظنون أنّ فيها سقطاً بعد قوله (عليه السّلام): «و ما فات وقتها» و لا يبعد أن يكون السقط نحو هذه العبارة: «و إن كان ثوبك نجساً» و يكون قوله: «و ما فات وقتها» عطفاً علىٰ سابقه، لا استئنافاً، و يكون المراد من قوله: «إنّ الثوب خلاف الجسد» أنّ النجاسة خلاف الحدث الذي محلّه الجسد.

و كيف كان: لا يمكن الاتكال علىٰ مثل هذه الرواية؛ و التصرّف بها في سائر الروايات، و تخصيص القواعد بها.

و الإنصاف: أنّ الروايات متعارضة، و الترجيح لروايات إيجاب الإعادة. بل

______________________________

(4) تهذيب الأحكام 1: 426/ 1355، وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 1.

(1) تهذيب الأحكام 1: 50/ 145، وسائل الشيعة 1: 318، كتاب الطهارة،

أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 306

الظاهر عدم عمل متقدّمي أصحابنا بروايات نفي الإعادة، و أعرضوا عنها، فلا تصلح للحجّية؛ لما ذكرنا أنّ العمل بالأخبار لبناء العقلاء و إمضاء الشارع «1»، و في مثل تلك الروايات التي لم يعمل بها رواتها، لا يتكل العقلاء عليها، فهي ساقطة عن الحجّية، لا مرجوحة بعد الفراغ عن حجّيتها.

و مع الغضّ عنه فالترجيح مع أخبار الإعادة؛ لموافقة مقابلاتها للعامّة، كأبي حنيفة و الشافعي في القديم و الأوزاعي، حيث ذهبوا علىٰ ما حكي عنهم إلىٰ عدم وجوب الإعادة في الناسي و غيره «2»، بل ذهب أبو حنيفة إلى استحباب الاستنجاء من الغائط «3»، فتحمل موثّقة عمّار «4» على التقيّة. و رواية هشام بن سالم «5» ضعيفة «6».

مع أنّ أخبار وجوب الإعادة موافقة لقواعد السنّة القطعية، و لعلّها تكون مرجّحة كموافقة الكتاب.

فالأقوىٰ وجوب الإعادة وقتاً و خارجاً. هذا حال الناسي.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 20.

(2) انظر الخلاف 1: 479، المجموع 3: 132/ السطر 4، و: 157/ السطر 4.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 306

(3) انظر الخلاف 1: 104، المغني، ابن قدامة 1: 141/ السطر 11، فتح العزيز، ذيل المجموع 1: 456.

(4) تقدّم في الصفحة 303.

(5)

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، في الرجل يتوضّأ و ينسىٰ أن يغسل ذكره و قد بال، فقال: «يغسل ذكره و لا يعيد الصلاة».

تهذيب الأحكام 1: 48/ 140، وسائل الشيعة 1: 317، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث

2.

(6) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد، عن موسى بن الحسن و الحسن بن علي، عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم. و الرواية ضعيفة بأحمد بن هلال.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 307

العفو عن ثوب المربّية المتنجّس ببول المولود

و أمّا إذا صلّىٰ فيه عالماً عامداً، فعليه الإعادة بلا إشكال نصّاً و فتوى.

نعم، يستثنىٰ منه موارد قد تقدّم بعضها «1»، و منها المرأة المربّية لمولود إذا تنجّس ببوله قميصها مع وحدته، فإنّها تغسل ثوبها في اليوم مرّة واحدة، و تجزيها عن الغسل في بقيته. و الأصل فيه

رواية أبي حفص، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن امرأة ليس لها إلّا قميص واحد، و لها مولود فيبول عليها، كيف تصنع؟ قال: «تغسل القميص في اليوم مرّة» «2».

و لا ينبغي الإشكال في سندها «3» بعد عمل الأصحاب بها قديماً و حديثاً، فأصل الحكم لا إشكال فيه، و إنّما الكلام في بعض الفروع، و لا بدّ من الخروج عن القواعد بمقدار دلالتها.

فنقول: إلحاق الرجل المربّي بالمرأة محلّ إشكال؛ لأنّ النصّ مخصوص بها، و لها خصوصية؛ و هي كونها ضعيفة بحسب النوع جسماً و روحاً، فيمكن أن يكون التخفيف عنها دون الرجال، فإنّ غسل الثوب في كلّ يوم مراراً ربّما يكون موجباً لمعْرضية فساده، و هو مشقّة على النساء نوعاً دون الرجال، فإلغاء الخصوصية منها أو القطع بالملاك ممنوعان.

و الظاهر عدم الفرق بين القميص و غيره كالسربال، لا نحو المقنعة التي لا يبول عليها عادة؛ و ذلك لإلغاء الخصوصية عرفاً.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 61 و 70 و 86.

(2) تهذيب الأحكام 1: 250/ 719، وسائل الشيعة 3: 399، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،

الباب 4، الحديث 1.

(3) مدارك الأحكام 2: 355.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 308

نعم، لا يجوز التعدّي إلى البدن؛ لعسر الغسل في الثوب دون البدن، لاحتياج الأوّل في تجفيفه إلىٰ زمان معتدّ به دون الثاني، فلا يمكن التعدّي.

و هل الحكم مختصّ بقميص واحد كما هو مورد النصّ، أو يتعدّىٰ إلى المتعدّد مع الاحتياج إليه في اللبس؛ بحيث لا يمكنها الاكتفاء بغيره؟

الظاهر ذلك؛ لمساعدة العرف في الفهم من النصّ بإلغاء الخصوصية.

كما أنّ الحكم لا يختصّ بما ولد منها، فيتعدّىٰ إلى المؤجرة و المتبرّعة و المربّية بغير رضاع؛ لأنّ العرف يرىٰ أنّ الحكم جعل تخفيفاً عن المرأة المتصدّية للطفل؛ من غير دخالة للولادة في ذلك، و إنّما ذكر المولود مثالًا و من باب الغلبة.

كما أنّه شامل للذكر و الأُنثى، و الواحد و المتعدّد، و لو قيل باختصاصه بالأوّلين منهما لا يختصّ الحكم بهما؛ لأنّ المفهوم من النصّ أنّ ذلك تخفيف بالنسبة إلى المرأة؛ من غير دخالة لخصوصية الولد، و لا لكونه واحداً، فتوهّم أنّ بول الصبي و الواحد أخفّ من الصبية و المتعدّد، فيمكن الاختصاص بهما «1»، في غير محلّه بعد ما يتفاهم منه أنّ الحكم جعل للتخفيف عن المرأة، لا لتخفيف البول.

و الظاهر أنّ الحكم مختصّ بالبول لخصوصية فيه دون الغائط، فضلًا عن سائر نجاساته و هي كثرة الابتلاء به دون غيره، فلا يمكن التعدّي من ظاهر النصّ. نعم الظاهر أنّ ملاقي بوله في حكمه.

و الظاهر أنّ المراد ب «الغسل» في النصّ، ليس إلّا ما كان تكليفها في تطهير

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 623/ السطر 30، نهاية الإحكام 1: 288، الحدائق الناضرة 5: 347.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4،

ص: 309

بول المولود، فإن كان ذكراً فبالصبّ، و إن كان أُنثى فبالغسل، فتوهّم أنّ الغسل في خصوص المورد واجب؛ حتّى في مورد جواز الصبّ «1»، ضعيف.

و إن شئت قلت: إنّ الرواية ليست بصدد بيان حال الغسل و كيفيته، حتّى يقال: أراد ب «الغسل» عنوانه مطلقاً، بل بصدد بيان الاجتزاء بتطهير واحد عن الكثير. بل لا إشكال في أنّها بصدد تخفيف ما كان عليها، لا تبديل الحكم بحكم آخر، فضلًا عن التضييق عليها.

و الظاهر أنّ المراد من «اليوم» اليوم بليلته؛ بمعنى كفاية غسل واحد للصلوات النهارية و الليلية، و لا دخالة لبياض اليوم في الحكم. و تخصيص التخفيف باليوم و التضييق في الليل مع أنّها أولىٰ بالتخفيف مخالف لفهم العرف من الرواية.

و هل يجب وقوع الغسل في النهار، و لا يكفي الغسل في الليل عنه؟

مقتضى الجمود على اللفظ ذلك، لكن الظاهر المتفاهم من الرواية: أنّ «اليوم» فيها في مقابل اليومين و الثلاثة، و كذا في مقام ردع لزومه لكلّ صلاة، فلا عناية فيه بحيثية وقوع الغسل فيه، سيّما أنّ السائل إنّما سأل عن تكليفها في صلواتها الخمس؛ و أنّه مع الابتلاء بالبول كيف تصنع؟ فترك ذكر الليل و أنّه لو ابتليت فيها لا بدّ من غسله لكلّ صلاة، يدلّ علىٰ أنّ الغسل مرّة واحدة عند الابتلاء به و إرادة الصلاة، كافٍ و لو وقع في الليل، و تكون تلك النجاسة معفوّة في سائر الصلوات. و البناء على الشرط المتأخّر «2» كما ترى.

و بالجملة: لا يفهم العرف لليوم خصوصية و إن كان الغسل فيه أسهل، بل

______________________________

(1) ذخيرة المعاد: 165/ السطر 20، الحدائق الناضرة 5: 348.

(2) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 625/ السطر 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 4، ص: 310

الظاهر المتفاهم أنّ الغسل الواحد المحتاج إليه، كافٍ لجميع الصلوات.

و الظاهر أنّ المقصود ب «الغسل في اليوم مرّة» هو وقوع صلاة منها مع الطهارة، و العفو عن البقيّة، فالغسل في غير موقع الصلاة و إتيان جميع الصلوات مع النجس، غير مراد جزماً.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الغسل لمّا كان لأجل الصلاة و لا نفسية له، لا ينقدح في الذهن إطلاق في الرواية لوقوعه في أيّ قطعة من اليوم، بل لا بدّ من إيقاعه قبل صلاة من الصلوات اليومية؛ لتقع بعضها مع الطهور.

نعم، لا يجب عليها الجمع بين الصلوات، بل و لا الصلاتين؛ لإطلاق الرواية، فلو كان عليها الجمع لكان عليه التنبيه عليه، سيّما أنّ بناءهم في الصدر الأوّل علىٰ تفريق الصلوات، و كانوا يصلّون صلاة الظهر أوّل الزوال، و العصر في موقعه، و هكذا في المغرب و العشاء، كما ورد في أخبار المستحاضة من الأمر بتأخير الظهر و تقديم العصر، و كذا في العشاءين «1» فيظهر منها أنّ بناء النساء أيضاً كان على التفريق بينها، و مع هذا البناء و العادة، لو كان الواجب عليها الجمع بين الصلاتين، لوجب عليه التنبيه عليه.

و توهّم عدم الإطلاق لها؛ فإنّها بصدد بيان الاجتزاء بغسل واحد مقابل الغسل لكلّ صلاة «2»، في غاية الفساد؛ لأنّه سأل عن تكليفها؛ و أنّها كيف تصنع مع هذا الابتلاء؟ فلو كان أمر آخر غير الغسل دخيلًا، فيه لنبّه عليه.

ثمّ إنّ الظاهر من الرواية: أنّ الغسل إنّما هو لتحصيل شرط الصلاة علىٰ وِزان سائر المكلّفين؛ و إن عفي عن الشرط في بعضها، لا أنّ الشرط المجعول

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1.

(2) مصباح

الفقيه، الطهارة: 624/ السطر 30.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 311

لسائر المكلّفين سقط عنها، و جعل لها شرط آخر متأخّر إذا أوقعت الطهارة آخر النهار بعد الصلوات اليومية و الليلية السابقة، أو بعد العشاء على احتمال، و متقدّم إذا أوقعت قبلها، و متقدّم و متأخّر إن أوقعت في خلالها، فإنّ كلّ ذلك خلاف الواقع و المتفاهم من الدليل. و مع القول بالعفو أيضاً لا ينقدح في الأذهان هذا النحو من العفو؛ بأنْ يكون موقوفاً علىٰ أمر متأخّر تارة، و متقدّم اخرىٰ، و هما معاً ثالثة. فدعوى الإطلاق بالنسبة إلىٰ ساعات النهار «1» ممنوعة.

و كذا بالنسبة إلى الصلوات أيضاً؛ بأن تكون مخيّرة في إيقاعه قبل صلاة من صلواتها الخمس؛ بحيث تصحّ المتقدّمة و المتأخّرة بغسلها المتخلّل «2»، فإنّه أيضاً مستلزم لتغيّر شرط الصلاة بالنسبة إليها من بين سائر المكلّفين، و هو مقطوع الفساد.

كما أنّه لا إطلاق لها يشمل ما إذا غسلت ثوبها للصلاة، فبال عليه قبل إتيان الصلاة؛ فإنّ الأمر بالغسل في المقام، ليس إلّا كالأمر به في سائر المقامات، و الفرق بينه و بينها: أنّ الشارع الأقدس خفّف عليها إذا غُسل ثوبها و صلّت فيه مع الطهارة في أوّل الدورة؛ بالنسبة إلىٰ سائر الصلوات في هذه الدورة.

و الحاصل: أنّ الظاهر منها أنّه إذا تنجّس ثوبها ببول الصبي، غسلته و صلّت فيه، فإذا ابتلت به بعدها يكون معفوّاً عنه، و تصحّ صلاتها في ذلك اليوم و ليلته، و لا يجوز عليها إتيان الصلاة في النجس في أوّل الابتلاء و الغسل لسائرها، فإذا ابتلت في الصبح غسلته و صلّت بطهور، و عفي عن سائر صلواتها إلى

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 406، جواهر الكلام

6: 236، مستمسك العروة الوثقى 1: 587.

(2) انظر جواهر الكلام 6: 237، مستمسك العروة الوثقى 1: 589.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 312

العشاء، و يجب عليها الغسل ليوم آخر، و إذا ابتلّت في الظهر صلّت الظهر بطهور، و عفي عمّا بعدها إلى العشاء و هكذا. و التلفيق و إن كان محتملًا، لكن خلاف ظاهر الدليل.

فرع حكم من علم إجمالًا بنجاسة أحد الثوبين

اشارة

لو كان مع المصلّي ثوبان أحدهما نجس، و لا يعلمه بعينه، و تعذّر غسل أحدهما ليصلّي فيه بطهارة، صلّىٰ في كلّ منهما تحصيلًا للقطع بفراغ الذمّة، على المشهور نقلًا و تحصيلًا، بل لا نعرف فيه خلافاً إلّا من ابني إدريس و سعيد، كما في «الجواهر» «1».

و عن الشيخ في «الخلاف» حكاية الخلاف عن قوم من أصحابنا، فأوجبوا الصلاة عارياً «2».

و هو ضعيف مخالف للنصّ و الفتوىٰ،

ففي صحيحة صفوان بن يحيىٰ، عن أبي الحسن (عليه السّلام): أنّه كتب إليه يسأله عن الرجل كان معه ثوبان، فأصاب أحدَهما بول، و لم يدرِ أيّهما هو، و قد حضرت الصلاة و خاف فوتها، و ليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال: «يصلّي فيهما جميعاً» «3».

و عن الحلّي الاستدلال علىٰ ما ذهب إليه بأمرين:

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 241، السرائر 1: 184 185، الجامع للشرائع: 24.

(2) الخلاف 1: 481.

(3) الفقيه 1: 161/ 757، تهذيب الأحكام 2: 225/ 887، وسائل الشيعة 3: 505، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 64، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 313

أحدهما: أنّه يجب عليه عند افتتاح كلّ فريضة القطع بطهارة ثوبه؛ فإنّ المؤثّرات في وجوه الأفعال تجب أن تكون مقارنة لها، لا متأخّرةً عنها، و المسألة خلافية، و دليل الإجماع فيها مفقود، و الاحتياط

يوجب ما قلناه.

ثانيهما: أنّ كون الصلاة واجبة وجهٌ تقع عليه الصلاة، و كيف يؤثّر في هذا الوجه ما يأتي بعدها، و من شأن المؤثّر في وجوه الأفعال أن يكون مقارناً لها لا يتأخّر عنها؟! «1» و الظاهر أنّهما يرجعان إلىٰ عدم إمكان الجزم بالنيّة المعتبر في العبادات.

و فيه: أنّه علىٰ فرض تسليم اعتبار الجزم لا يتمّ مطلوبه؛ لعدم القطع بكون الصلاة عارياً مأموراً بها، و لا يدلّ عليه دليل شرعي، و لهذا تمسّك هو بفقد الإجماع و تشبّث بدليل الاحتياط، و معه كيف يمكن الجزم بأنّ المأتي به هو الواجب الشرعي، و الفرض أنّ الوجوب وجه للواجب يجب العلم به مقارناً للإتيان؟! بل الإتيان عارياً أسوأ حالًا من الإتيان فيهما؛ فإنّه مع الإتيان فيهما يعلم بإتيان المأمور به الواقعي و إن ترك نيّة الوجه، و مع الإتيان عارياً لا يعلم بإتيانه بعد الصلاة، و لا مقارناً لها، تأمّل.

و ليت شعري، أنّه كيف بنىٰ علىٰ تحقّق الجزم في الصلاة عارياً مع تمسّكه في الواقعة بالاحتياط؟! هذا مع ما في مبناه من الضعف؛ لعدم الدليل على اعتباره، و لا يمكن كشف الحكم الشرعي من الإجماع المنقول فيه؛ لأنّ المسألة عقلية كلامية، و لهذا نقل عليها الإجماع في الكتب الكلامية «2».

______________________________

(1) السرائر 1: 185.

(2) انظر فرائد الأُصول 2: 507، شرح المقاصد 5: 129 130.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 314

و أمّا ما أجاب عنه صاحب «الجواهر»: «من إمكان الجزم في النيّة في المقام؛ لأنّ كلّ واحد منهما واجب و إن كان أحدهما أصلياً، و الآخر مقدّمياً» «1».

ففيه ما لا يخفىٰ؛ لأنّ التحقيق عدم وجوب المقدّمات الوجودية، فضلًا عن المقدّمة العلمية، و لا يستفاد من

الصحيحة المتقدّمة وجوبهما شرعاً؛ بعد كون الحكم موافقاً للعقل، و وضوح عدم تغيير التكليف الشرعي في المورد، فلا يفهم منها إلّا الإرشاد إلىٰ حكم العقل، فدعوى كونهما صلاة شرعية تمسّكاً بها في غير محلّها.

ثمّ علىٰ فرض تسليم اعتبار الجزم في النيّة و حصوله بالصلاة عارياً، لا يرد عليه: أنّه مع الدوران بين سقوط هذا و غيره من الأُمور المعتبرة في الماهية، يتعيّن سقوط هذا الشرط المتأخّر عن غيره في الرتبة «2».

ضرورة أنّ القائل باعتباره في العبادات إنّما يدّعي: أنّها بلا نيّة جازمة لا تقع عبادة، فالجزم كالنيّة مقوّم لعبادية العبادة؛ إذ وقوعها علىٰ صفة الطاعة للمولىٰ متوقّف على انبعاثه ببعثه، و مع عدم الجزم لا يمكن ذلك، فلا تقع ما فعل عبادة، فدار الأمر بين ترك أصلها، أو ترك شرطها، أو جزئها.

مع أنّ مجرّد التأخّر الرتبي لا يوجب أولوية السقوط، بل هي تابعة للأهمّية، و القائل يمكنه أن يقول بأهمّية النيّة و ما بحكمها؛ لتقوّم العبادة بها، دون سائر الشروط. فالتحقيق في الجواب تضعيف المبنىٰ و فساد ما بني عليه. هذا مع ما تقدّم من النصّ الصحيح الصريح المعمول به «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 242.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 626/ السطر 27.

(3) تقدّم في الصفحة 312.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 315

بيان الحكم في صورة كثرة الثياب

و لو كانت الثياب كثيرة، و أمكن الإتيان بصلاة في ثوب طاهر بتكرارها، يجب عليه ذلك حتّى يعلم الإتيان بصلاة صحيحة؛ علىٰ قاعدة العلم الإجمالي. بل يستفاد حكمها من الصحيحة المتقدّمة بإلغاء الخصوصية عرفاً.

حكم عدم التمكّن إلّا من إيقاع صلاة واحدة

و لو لم يمكنه إلّا صلاة واحدة؛ لضيق أو غيره، هل يجب عليه نزع الثوب و الصلاة عارياً، أو يصلّي في أحدهما، أو يتخيّر بينهما؟ وجوه.

و يقع الكلام هاهنا بعد الفراغ عن وجوبها عارياً مع انحصار الثوب النجس، كما يأتي في المسألة الآتية «1».

و أمّا إن قلنا في تلك المسألة بوجوبها في النجس، فلا إشكال في وجوبها في محتمل النجاسة في المقام؛ ضرورة أنّه علىٰ أيّ تقدير يجب الصلاة فيه.

و كذا إن قلنا فيها بالتخيير بين الصلاة فيه أو عارياً؛ فإنّ الإتيان فيه حينئذٍ مسقط يقيني، لأنّ الثوب إمّا طاهر يتعيّن الصلاة فيه، أو نجس يتخيّر بين الصلاة فيه أو عارياً، و أمّا إن صلّىٰ عارياً فلا يحصل له اليقين بالبراءة؛ لاحتمال كونه طاهراً يجب الصلاة فيه، ففي مورد دوران الأمر بين التعيين و التخيير يحكم العقل بالتعيين، سيّما في مقام إبراء الذمّة و الفراغ عن الاشتغال اليقيني.

فمع وجوبها عارياً في تلك المسألة، قد يقال: بوجوبها فيه في هذه

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 319.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 316

المسألة؛ لدوران الأمر بين المخالفة القطعية لدليل الستر، و المخالفة الاحتمالية لدليل مانعية النجس «1».

و قد يجاب عنه: باحتمال أن يكون أهمّية المانع بحدّ يقدّم مخالفته الاحتمالية على المخالفة القطعية لشرطية الستر، و لازمه التخيير بينهما «2».

و التحقيق أن يقال: إنّ كون المورد من قبيل الدوران بين المخالفة القطعية و الاحتمالية، يتوقّف على استفادة شرطية الستر للصلاة مطلقاً؛

بحيث يكون مطلوباً و لو مع النجاسة، و تكون النجاسة أيضاً مانعة مطلقاً، فيكون المورد من قبيل المتزاحمين و إن قدّم الشارع أحدهما و هو المانع على الآخر، و ذلك يتوقّف علىٰ إطلاق أدلّة الستر، و هو مفقود؛ فإنّ دليله الإجماع «3» الذي لا إطلاق فيه، و بعض الأخبار «4» التي في مقام بيان حكم آخر، و لا إطلاق فيها.

فحينئذٍ يحتمل أن يكون الستر الطاهر مطلوباً واحداً، فيكون المورد من الدوران بين الموافقتين الاحتماليتين؛ فإنّ إتيان الصلاة في الثوب لا يكون موافقة قطعية للشرط، كما أنّ ترك الصلاة في أحد الثوبين، ليس مخالفة قطعية في خصوص المقام الذي لا يمكنه إلّا صلاة واحدة، فحينئذٍ يمكن أن يقال: إنّ الأوجه وجوب الصلاة عارياً؛ لأنّ أهمّية مراعاة المانع كما أوجبت الصلاة عارياً مع النجس المحرز، توجب تقديم الموافقة الاحتمالية فيه على الموافقة الاحتمالية في الستر عقلًا في مقام الامتثال، فيجب الصلاة عارياً.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 627/ السطر 31.

(2) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 627/ السطر 33، مستمسك العروة الوثقى 1: 547.

(3) تذكرة الفقهاء 2: 444، جواهر الكلام 8: 175.

(4) راجع وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 317

إلّا أن يقال: إنّه مع احتمال تعدّد المطلوب يأتي احتمال أهمّية الستر من المانع، كما يحتمل العكس، فالقاعدة التخيير.

لكن يمكن أن يقال: إنّه مع الشكّ في اعتبار الستر مع نجاسته، يكون إطلاق دليل مانعية النجس محكّماً.

هذا مضافاً إلىٰ جريان البراءة الشرعية عن الستر في حال نجاسته، و هو كافٍ في وجه التقديم في المقام، فتدبّر جيّداً و تأمّل؛ فإنّه لا يخلو منه.

عدم سقوط القضاء عند العمل علىٰ وفق حكم العقل

و هل العمل علىٰ طبق

حكم العقل يوجب سقوط القضاء؟

بدعوىٰ كشف التكليف الشرعي من حكم العقل بتقديم محتمل الأهمّية، و مع إحرازه يحكم بسقوط الأمر، فلا إعادة عليه و لا قضاء.

مضافاً إلىٰ أنّ إثبات القضاء يتوقّف علىٰ إحراز الفوت، و هو لا يحرز بالأصل.

أو لا يوجبه؟

بدعوىٰ: أنّ كشف الحكم الشرعي، يتوقّف علىٰ إحراز وحدة المطلوب في الستر الطاهر، و أمّا مع احتمال التعدّد فلا يمكن ذلك. و هذا لا ينافي ما تقدّم من تقدّم محتمل الأهمّية، تأمّل.

مضافاً إلىٰ أنّ تقديم محتمل الأهمّية علىٰ غيره بحكم العقل، لا يكشف عن حكم الشرع، فلا دليل علىٰ سقوط القضاء.

و أمّا دعوى: أنّ القضاء مترتّب على «الفوت» و هو عنوان لا يمكن إحرازه بالأصل.

فممنوعة؛ لأنّ الأمر بالقضاء و إن علّق على «الفوت» في غالب

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 318

الأخبار «1»، لكن علّق علىٰ عدم الإتيان و الترك في بعضها «2»، فلا يبعد دعوى عدم دخالة هذا العنوان الوجودي فيه، و موضوعه صِرْف عدم الإتيان بها في الوقت؛ أي عدم إتيانها إلىٰ خارج الوقت، و معه لا مانع من إحرازه بالأصل.

و قد يقال: بأنّه لا شكّ في الخارج في المورد؛ لأنّ ما أتى بها هي الصلاة عارياً، و ما لم يأتِ بها هي مع الثوب، فالمقام نظير الشكّ في كون الغروب سقوط الشمس أو ذهاب الحمرة؛ ممّا لا يجري فيه الاستصحاب.

و فيه ما لا يخفىٰ و لو سلّم عدم الجريان في مورد النقض؛ لأنّا لا نريد إثبات حكم للصلاة المتحقّقة في الخارج، بل الموضوع لوجوب القضاء عدم إتيان المكلّف بالصلاة المأمور بها إلىٰ بعد الوقت، و الآتي بها عارياً يشكّ في إتيانه للمأمور به شرعاً؛ لاحتمال أن يكون الثوب

طاهراً، و كان تكليفه إتيانها فيه، فيجري استصحاب عدم الإتيان بالمأمور به، فيجب عليه القضاء.

فالأحوط لو لم يكن أقوى إتيانها عارياً، و قضاؤها خارج الوقت.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 8: 256، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 1 و 3 و 5، و الباب 4، الحديث 2 و 8 و 13، و الباب 6، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 2 و 5، و الباب 3، الحديث 25، و الباب 4، الحديث 1 و 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 319

فرع حكم من لم يجد إلّا ثوباً نجساً

اشارة

لو لم يجد إلّا ثوباً نجساً يجب أن يلقيه و يصلّي عرياناً؛ إذا لم يتمكّن من غسله، و لم يضطرّ إلىٰ لبسه لضرورة عرفية أو شرعية، كما عن جلّ المتقدّمين، بل كلّهم عدا ابن الجنيد، فإنّ المحكي عنه التخيير بين الصلاة فيه و الصلاة عرياناً «1»، و لم ينقل ذلك عن غيره إلىٰ عصر المحقّق.

نعم، حكي عن الشيخ احتماله «2»، لكن ادّعىٰ في «الخلاف» الإجماع على الأوّل «3» و عن «الدروس» و «المسالك» و «الروض» و «الدلائل» و «المدارك» نقل الشهرة فيه «4».

و عن المحقّق في «المعتبر» «5» و العلّامة في بعض كتبه «6» و بعض من تأخّر عنهما «7» القول بالتخيير.

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 330.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 182/ السطر 28، كشف اللثام 1: 455، تهذيب الأحكام 2: 224، ذيل الحديث 855.

(3) الخلاف 1: 398 و 474.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 182/ السطر 26، الدروس الشرعيّة 1: 127، مسالك الأفهام 1: 129، روض الجنان: 169/ السطر 14، مدارك الأحكام 2: 359.

(5) المعتبر 1: 445.

(6) منتهى المطلب 1:

182/ السطر 27.

(7) الدروس الشرعيّة 1: 127، جامع المقاصد 1: 177، مسالك الأفهام 1: 129.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 320

و لم يحك عن أحد القول بتعيّن الصلاة فيه، و إنّما هو أمر حادث بين بعض متأخّر المتأخّرين ممّن قارب عصرنا «2».

فالمسألة لدى القدماء ذات قول واحد حقيقة، ولدي المتأخّرين ذات قولين إلى الأعصار القريبة منّا، فحدث قول ثالث فيها.

ثمّ إنّه حكي عن «المنتهىٰ»: «أنّه لو صلّىٰ عارياً فلا إعادة قولًا واحداً» «3» و عن «الذخيرة» و «الكفاية» حكاية الشهرة علىٰ أنّه لو صلّىٰ بالثوب لم يعد «4»، و لعلّ مرادهما فيما لا يمكن نزعه، أو حكاية الشهرة بين المتأخّرين.

و اختلفت آراء العامّة فيها؛ فعن الشافعي: «يصلّي عرياناً، و لا إعادة عليه» «5» و عن مالك و محمّد بن الحسن و المُزني: «يصلّي فيه، و لا إعادة عليه» «6» و عن أبي حنيفة: «إن كان أكثره طاهراً لزمه أن يصلّي فيه، و لا إعادة عليه، و إن كان أكثره نجساً فهو بالخيار بين أن يصلّي فيه، و بين أن يصلّي عرياناً، و كيف كان ما صلّىٰ فلا إعادة عليه» «7» و منشأ الاختلاف بيننا اختلاف الأخبار.

تعيّن الصلاة عارياً و ردّ القول بجواز الصلاة في النجس

فممّا تدلّ على الصلاة فيه

صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب في ثوبه، و ليس معه ثوب غيره، قال: «يصلّي فيه، فإذا

______________________________

(2) العروة الوثقى 1: 98، المسألة 4.

(3) منتهى المطلب 1: 182/ السطر 31.

(4) ذخيرة المعاد: 169/ السطر 32، كفاية الأحكام: 13/ السطر الأخير.

(5) الخلاف 1: 398، المجموع 3: 143 و 188.

(6) الخلاف 1: 474، المبسوط، السرخسي 1: 187/ السطر 13، المجموع 3: 143.

(7) الخلاف 1: 475، المبسوط، السرخسي

1: 187/ السطر 11، المجموع 3: 143.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 321

وجد الماء غسله» «1».

و قريب منها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عنه (عليه السّلام) «2» و موثّقته «3» و هما رواية واحدة.

و يحتمل في هذه الروايات أن يكون السؤال عن عرق المجنب، كما سئل عنه في روايات عديدة «4». و حمل شيخ الطائفة رواية الحلبي علىٰ عرق المجنب من الحرام «5». و ما ذكرناه و إن كان خلاف المظنون، لكنّه ظنّ خارجي لا دليل علىٰ حجّيته، تأمّل.

و أمّا

موثّقة الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سأل عن رجل ليس معه إلّا ثوب، و لا تحلّ الصلاة فيه، و ليس يجد ماءً يغسله، كيف يصنع؟ قال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أصاب ماءً غسله و أعاد الصلاة» «6».

فلا يظهر منها بأنّه يصلّي فيه، سيّما مع قوله: «و لا تحلّ الصلاة فيه»

______________________________

(1) الفقيه 1: 40/ 155، تهذيب الأحكام 1: 271/ 799، وسائل الشيعة 3: 447، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 11، و: 484، الباب 45، الحديث 1.

(2) الفقيه 1: 160/ 754، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 2: 224/ 885، وسائل الشيعة 3: 485، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 6.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 444، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 1 و 4 و 8 و 9 و 10 و 12.

(5) تهذيب الأحكام 1: 271، ذيل الحديث 799.

(6) تهذيب الأحكام 1: 407/ 1279، و 2: 224/ 886، وسائل الشيعة 3: 485، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 4، ص: 322

فيمكن أن أقرّه علىٰ عدم الصحّة، و أراد ب «الصلاة» الصلاة عرياناً. و الظنّ الخارجي بأنّ المراد الصلاة فيه قد مرّ حاله.

و أمّا

صحيحة الحلبي الأُخرىٰ: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يكون له الثوب الواحد، فيه بول لا يقدر علىٰ غسله، قال: «يصلّي فيه» «1».

فمن المحتمل قريباً وقوع التقطيع فيها؛ فإنّ الحلبي روىٰ ثلاث روايات:

الاولىٰ: ما تقدّمت، و هي متعرّضة لحكم الثوب الذي أجنب فيه.

و الثانية: متعرّضة لحكم البول؛ و هي أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل ..» إلىٰ آخره التي تقدّمت آنفاً.

و الثالثة:

قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يجنب في الثوب، أو يصيبه بول، و ليس معه ثوب غيره، قال: «يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه» «2».

فيحتمل أن تكون الثالثة هي الأصل، و الأُوليان تقطيعاً منها؛ إذ من البعيد أن يسأل الحلبي أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) تارة: عن الثوب الذي أجنب فيه، و أُخرى: عن الثوب الذي أصابه البول، و ثالثة: عن كليهما، فقيد الاضطرار غير مذكور للتقطيع. و هذا و إن كان غير مرضي في غير الباب، لكن يوجب فيه نحو وهن فيها لخصوصية فيه، و الرواية الثالثة إمّا ظاهرة في الاضطرار في اللبس؛ لبرد أو ناظر محترم، أو محتملة له، فلا يمكن معه استفادة الإطلاق منها.

فبقيت

صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل عريان و حضرت الصلاة، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم، يصلّي فيه، أو

______________________________

(1) الفقيه 1: 160/ 753، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 2: 224/ 883، وسائل الشيعة 3:

485، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 323

يصلّي عرياناً؟ قال: «إن وجد ماءً غسله، و إن لم يجد ماءً صلّىٰ فيه، و لم يصلّ عرياناً» «1»

فهي صريحة الدلالة و صحيحة السند.

لكن ربّما يمكن الخدشة فيها: بأنّ الظاهر من «إصابة الثوب» أنّه وجده مطروحاً كاللقطة، فكيف أجاز التصرّف و الصلاة فيه؟! و هو نحو وهن فيها.

و لو نوقش في الخدشات بضعف الاحتمالات المتطرّقة، و ظهورها في صحّة الصلاة في الثوب النجس، كما هو الصواب، يمكن أن يقال: إنّ وجه الجمع بينها و بين

موثّقة سَماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض، و ليس معه إلّا ثوب فأجنب فيه، و ليس يجد الماء، قال: «يتيمّم و يصلّي عرياناً قائماً يومي إيماء» «2».

و نحوها

روايته الأُخرىٰ، إلّا أنّ فيها: «و يصلّي قاعداً» «3»

و عن الكليني و الشيخ رواية الموثّقة أيضاً كذلك «4».

و

مصحّحةِ الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة، و ليس عليه إلّا ثوب واحد، و أصاب ثوبه منيّ، قال: «يتيمّم و يطرح ثوبه فيجلس مجتمعاً، فيصلّي فيومئ إيماء» «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 224/ 884، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 405/ 1271، وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 1.

(4) الكافي 3: 396/ 15، تهذيب الأحكام 2: 223/ 881.

(5) تهذيب الأحكام 1: 406/ 1278، و 2: 223/ 882، وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 4.

كتاب

الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 324

بحمل الأخبار المتقدّمة علىٰ حال وجود الناظر المحترم؛ بدعوىٰ أنّ قوله: «و هو في الفلاة» لإفادة فقدان الناظر المحترم، فتكون أخصّ مطلقاً منها، فتقيّد بها.

و تشهد له رواية الحلبي المتقدّمة. و حملها على اضطرار اللبس للصلاة «1» تأكيد، و التأسيس خير منه و أظهر.

و لو نوقش في ذلك: بأنّ ذكر «الفلاة» توطئة لبيان عدم إصابة ثوب آخر و عدم إصابة الماء، و بمنع ظهور رواية الحلبي في الاضطرار التكويني؛ بعد كون الصلاة عند المسلمين من الضروريات التي يصدق معها الاضطرار، فصارت الروايات متعارضة، فلا ينبغي الإشكال في ترجيح الروايات الحاكمة بالصلاة عارياً علىٰ معارضاتها.

بل لا تصلح هي للحجّية؛ لإعراض الطبقة الاولىٰ من أصحابنا عنها، و الميزان في وهن الرواية هو إعراض تلك الطبقة المتقدّمة.

و الظاهر أنّ المحامل التي تراها من شيخ الطائفة ممّا هي مقطوع الخلاف، و لا يليق بجنابة، كحمل صحيحة عليّ بن جعفر على الدم المعفوّ عنه «2»، و حمل الأخبار الأُخر علىٰ صلاة الجنازة «3» إنّما هي بعد مفروغية عدم صلوحها للعمل، لا أنّ اتكاله علىٰ هذا الجمع في الفتوىٰ.

فتركُ الروايات المتكثّرة الصحيحة الظاهرة الدلالة لأجل روايتين ربّما يخدش في سندهما بالقطع، و بأحمد بن محمّد بن يحيىٰ و محمّد بن عبد الحميد و سيف بن عميرة إلىٰ عصر المحقّق، و عدمُ طرح أحد من أصحابنا هاتين

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 1: 546.

(2) تهذيب الأحكام 2: 224، ذيل الحديث 886.

(3) تهذيب الأحكام 2: 224، ذيل الحديث 885.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 325

الروايتين حتّى صاحب «المدارك» الذي دأبه الإشكال و الخدشة في الروايات، فإنّه لم يردّهما، بل جعل الأخذ

بالروايات الأُولىٰ أولىٰ «1»، يدفعنا عن الاستبداد بالرأي اغتراراً بصحّة تلك الروايات و كثرتها، ففي مثل المقام يقال: «كلّما ازدادت الروايات صحّة و كثرة، ازدادت ضعفاً و وهناً».

هذا مع موافقتها لمالك و غيره ممّن تقدّم ذكره «2»، و لأبي حنيفة غالباً، و الروايتان الآمرتان بالصلاة عارياً مخالفتان لأبي حنيفة و مالك، و هما من عُمَد الفقهاء من أهل الخلاف في عصر صدور الروايات، و لم يكن الشافعي موجوداً فيه، بل لعلّه لم يكن معتمداً في زمن أبي الحسن (عليه السّلام) فإنّه كان شابّاً في عصره، فلا ينبغي الإشكال في تعيّن الصلاة عارياً.

فما قد يقال: من أنّ أصل الستر أولىٰ بالرعاية من وصفه أو أنّه مع إلقائه يلزم ترك السجود و الركوع الاختياري «3».

اجتهاد في مقابل النصّ المعمول به.

ثمّ إنّه مع عدم تمكّنه من النزع لعذر عقلي أو شرعي، صلّىٰ فيه بلا إشكال؛ لعدم سقوط الصلاة بحال، و تكون صحيحة مجزية لا تجب إعادتها، كما عن المشهور «4»، و هو الموافق للقواعد. و ما في موثّقة الساباطي من الأمر بالإعادة «5» فمع اشتمالها على التيمّم محمول على الاستحباب.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 361.

(2) تقدّم في الصفحة 320.

(3) كشف اللثام 1: 455، جواهر الكلام 6: 249.

(4) جواهر الكلام 6: 252، مصباح الفقيه، الطهارة: 629/ السطر 22.

(5) تقدّم في الصفحة 321.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 327

خاتمة في باقي المطهّرات

اشارة

و هو أُمور

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 329

الأمر الأوّل في مطهّرية المطر

اشارة

المطر و مطهّريته كطهارته من الواضحات التي لا ينبغي التكلّم فيها، كيف؟! و هو من أقسام الماء المطلق الذي خلقه اللّٰه طهوراً، و نزل فيه قوله تعالىٰ وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً «1» و قوله وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ .. «2» إلىٰ آخره.

اعتصام المطر و كيفية التطهير به

و لهذا لم يعنون في كلمات القوم أصل طهوريته أو طهارته، و إنّما أفردوه بالذكر لبيان حكمين آخرين:

أحدهما: عدم انفعاله بملاقاة النجس حال تقاطره، مع أنّه من أقسام الماء القليل، فكان معتصماً حين نزوله؛ سواء فيه القطرات النازلة المعتصمة بعضها بالبعض، كالماء الجاري و الكرّ المعتصم بالمادّة و الكثرة، أو ما اجتمع منه بعد

______________________________

(1) الفرقان (25): 48.

(2) الأنفال (8): 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 330

النزول و كان قليلًا؛ بشرط تمطير السماء فعلًا، و عدم الانقطاع و ارتباط بينهما.

و ثانيهما: كيفية التطهير به؛ و أنّ مجرّد إصابته للمحلّ المتنجّس موجب لطهارته؛ بشرط قابليته لها.

ثمّ اعلم: أنّا لو التزمنا باعتبار الكرّية في الماء الجاري، أو قلنا باعتبار العصر فيه في مثل الثياب، أو التعدّد في الأواني، لا يوجب ذلك التزامنا باعتبارها في المطر؛ لعدم دليل علىٰ مشاركته للجاري في الأحكام و الشروط، و إنّما حكي الشهرة علىٰ أنّ ماء المطر كالجاري في عدم الانفعال و تطهير ما أصابه «1»، بعد الفراغ عن عدم اعتبار ما تقدّم؛ أي الكرّية و العصر و التعدّد في الجاري، فمع سقوط تلك القيود نزّلوا المطر منزلته، لا لقيام دليل على التنزيل، فالمتبع في ماء المطر الأدلّة الخاصّة.

أدلّة الحكمين السابقين

فنقول: تدلّ على الحكمين مضافاً إلى الشهرة المنقولة، و اعتراف بعض الأعيان بعدم معرفة الخلاف بين الأصحاب، بل عن «الذخيرة»: «الظاهر عدم الخلاف في أنّه لو أصاب حال تقاطره متنجّساً غير الماء طهر مطلقاً» «2» اللازم منه عدم انفعاله

مرسلة عبد اللّٰه بن يحيى الكاهلي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قلت: أمرّ في الطريق، فيسيل عليّ الميزاب في أوقات أعلم أنّ الناس يتوضّأون، قال: «ليس به بأس،

لا تسأل عنه».

قلت: يسيل عليّ من ماء المطر، أرىٰ فيه التغيّر، و أرى فيه آثار القذر، فتقطر القطرات عليّ، و ينتضح عليّ منه، و البيت يتوضّأ علىٰ سطحه، فيكف علىٰ

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 312، مصباح الفقيه، الطهارة: 647/ السطر 9.

(2) ذخيرة المعاد: 121/ السطر 35.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 331

ثيابنا، قال: «ما بذا بأس لا تغسله؛ كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «1».

و الظاهر جبر سندها بالشهرة؛ لنقل جمع من الأعيان الشهرة على الحكم الثاني من الحكمين المتقدّمين «2»، و ليس في المسألة دليل صالح للاتكال عليه إلّا المرسلة، و لهذا لم يرمها صاحب «المدارك» بالضعف «3».

و قال الأردبيلي بعد الإشكال في طريقها: «و قد يقال: ينجبر بالشهرة، و فيه تأمّل» «4» و الظاهر تأمّله في الانجبار بالشهرة، لا في تحقّقها، و لعلّه استشكل في أصل الانجبار بها، أو ثبوت اتكالهم عليها.

أقول: في مثل هذا الحكم المخالف للقواعد المفقود فيه الدليل إلّا المرسلة و المرسلة الآتية «5» علىٰ إشكال فيها يطمئنّ النفس بأنّ اتكالهم كان عليها، و هذا يكفي في الجبر.

و لا إشكال في دلالتها علىٰ مطهّريته بمجرّد الإصابة؛ من غير لزوم خروج الغسالة أو شرط آخر فيما يعتبر في الغسل بالماء القليل، و لازمه عدم انفعاله؛ إذ لو انفعل لما يمكن التطهير به مع بقاء الغسالة، فتدلّ على الحكمين.

ثمّ إنّ قوله: «أمرّ في الطريق ..» إلىٰ آخره في صدرها، سؤال عن مورد يظنّ بكون ما سال من الميزاب نجساً؛ فإنّ المراد ب «توضّي الناس» إمّا

______________________________

(1) الكافي 3: 13/ 3، وسائل الشيعة 1: 146، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 5.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1:

256، الحدائق الناضرة 1: 220 و 222، مشارق الشموس: 211/ السطر 8، مستند الشيعة 1: 28.

(3) مدارك الأحكام 2: 376.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 1: 256.

(5) سيأتي في الصفحة 333.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 332

استنجاؤهم، أو الوضوء، لكنّهم كانوا يتوضّأون في محلّ يبولون فيه و يستنجون، فأجابه بما أجاب.

ثمّ سأل عن سيلان المطر مع فرض العلم بملاقاته للنجاسة برؤية آثارها فيه، و رؤية تغيير فيه، و هذا التعبير لا يدلّ علىٰ كون ماء المطر متغيّراً و لو فرض أنّ المراد التغيير بالنجاسة، فإنّ الظاهر من رؤية التغيير فيه أنّ فيه آثار القذارة؛ بأن يكون بعض الماء الذي يسيل متغيّراً، فقوله: «و أرى فيه آثار القذر» علىٰ هذا يكون بياناً للجملة المتقدّمة.

و بالجملة: الظاهر منه عدم تغيّر جميع الماء، بل رأى تغيّراً و آثاراً من القذارة فيه، فأجاب بأنّه لا بأس به، و علّله بأنّ «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر».

لا يقال: التعليل لا يناسب هذا الحكم؛ لأنّ المناسب أن يقول: «ماء المطر لا ينفعل» لا «أنّه مطهّر لما يراه» لعدم التنافي بين مطهّريته و تنجّسه به، كغسالة الماء القليل.

فإنّه يقال: يحتمل أن يكون المراد تطبيق الكبرى على الماء الذي يسيل و يرى فيه آثار القذر، فأفاد أنّ هذا الماء الذي يسيل حال تقاطر المطر يطهّر ما أصابه، فكيف يتنجّس به، بل كيف يمكن انفعاله، فإنّ الماء المتنجّس لا يكون مطهّراً؟! فأفاد المراد بلازمه بنحو بليغ.

و يحتمل أن يكون المراد تطبيقها على الماء حال وصوله إلى المحلّ القذر قبل جريانه؛ بأن يقال: إنّ ماء المطر ليس كسائر المياه القليلة؛ لأنّه بمجرّد الإصابة مطهّر، و ما من شأنه ذلك لا بدّ

و أن لا ينفعل بملاقاة النجس و لو بمثل الأعيان النجسة؛ لعدم الفرق في التنجّس بينها و بين ما تنجّس بها، تأمّل.

و كيف كان: لا إشكال في إفادتها الحكمين المتقدّمين.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 333

و تدلّ عليهما أيضاً

مرسلة محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن (عليه السّلام) في طين المطر: «أنّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام، إلّا أن يعلم أنّه قد نجّسه شي ء بعد المطر. فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله، و إن كان الطريق نظيفاً فلا تغسله» «1».

و مقتضى إطلاقها أنّ طينه طاهر و لو نجّسه شي ء قبل المطر، سيّما مع تعقّبه بقوله (عليه السّلام): «إلّا أن يعلم ..» إلىٰ آخره، المتفاهم منه أنّ العلم بنجاسته قبل المطر لا يوجب التحرّز. و لعلّ الأمر بالغسل بعد ثلاثة أيّام للاستحباب.

و علىٰ أيّ تقدير: يظهر منها طهارة المتنجّس، و لازمها عدم انفعال ماء المطر؛ لعدم خروج الغسالة و اختلاط المطر بالطين.

و تدلّ على الحكم الأوّل من الحكمين المتقدّمين جملة من الروايات،

كصحيحةِ هشام بن سالم: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن السطح يبال عليه، فتصيبه السماء، فيكفّ فيصيب الثوب، فقال: «لا بأس به؛ ما أصابه من الماء أكثر منه» «2».

و

صحيحةِ هشام بن الحكم، عنه (عليه السّلام): في ميزابين سالا، أحدهما بول، و الآخر ماء المطر، فاختلطا فأصاب ثوب رجل: «لم يضرّه ذلك» «3» ..

إلىٰ غير ذلك.

______________________________

(1) الكافي 3: 13/ 4، تهذيب الأحكام 1: 267/ 783، وسائل الشيعة 3: 522، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 75، الحديث 1.

(2) الفقيه 1: 7/ 4، وسائل الشيعة 1: 144، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث

1.

(3) الكافي 3: 12/ 1، تهذيب الأحكام 1: 411/ 1295، وسائل الشيعة 1: 145، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 334

و يمكن أن يستدلّ بها للحكم الثاني في الجملة؛ بأن يقال: إنّه بعد عدم انفعال ماء المطر بملاقاة النجس إذا أصاب المتنجّس و غلب عليه يصير طاهراً؛ لصدق «الغسل» و عدم لزوم إخراج غسالته.

و إنّما اعتبر إخراجها في الغسل بالماء القليل لانفعاله بالملاقاة، فلا بدّ في الغسل به من صبّ الماء عليه و إخراج غسالته؛ لإزالة النجاسة بعد انتقال القذارة من المتنجّس إلى الماء، كما مرّ تقريبه في بابه «1».

و أمّا ماء المطر، فلمّا لم ينفعل بحكم تلك الروايات، فلا يحتاج في التطهير به إلىٰ إخراجه من المحلّ المتنجّس، و لازمه تطهيره بإصابته و غلبته عليه.

هذا بناءً علىٰ عدم لزوم العصر في الكثير و الجاري؛ بدعوىٰ صدق «الغسل» بمجرّد نفوذ الماء في المحلّ.

و أمّا لو بني علىٰ عدم صدقه أو شكّ فيه إلّا بعد العصر، أو التحريك في الماء؛ حتّى ينتقل الماء الداخل في الجملة كما تقدّم احتماله أو اختياره «2» فلا تدلّ تلك الروايات على الحكم الثاني.

و على الفرض الأوّل أيضاً لا تدلّ علىٰ تمام المطلوب؛ أي الكفاية عمّا يحتاج إلى التعدّد، كالبول و الأواني، بخلاف مرسلة الكاهلي المتقدّمة «3»، فهي الأصل في إثبات الحكم علىٰ نحو الإطلاق.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 125 128.

(2) تقدّم في الصفحة 131.

(3) تقدّم في الصفحة 330.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 335

عدم اعتبار الجريان في التطهير بالمطر

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق المرسلتين و صحيحة هشام بن سالم و ذيل صحيحة عليّ بن جعفر الآتية و

رواية أبي بصير

قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الكنيف يكون خارجاً، فتمطر السماء، فتقطر عليّ القطرة، قال: «ليس به بأس» «1».

ثبوت الحكم بمجرّد صدق «المطر» من غير اعتبار الجريان على الأرض، فضلًا عن كونه بحدّ يجري من الميزاب، كما لعلّه مراد الشيخ و ابن سعيد «2»؛ ضرورة فساد توهّم: أنّ مرادهما من «الجريان منه» دخالة الجريان منه في الحكم؛ بحيث لو لم يجرِ منه بالفعل لفقدانه، أو كون محلّ التمطير كالصحاري و البراري، لم يحكم بمطهّريته، فالنقض عليهما بمثل ذلك «3» غير صحيح؛ فإنّ ذكر الميزاب لبيان تعيين حدّ الجريان، لا اعتبار ذاك الخشب و الجريان منه.

كما إنّ الظاهر من ابن حمزة أنّ الحدّ جريانه من الشعْب، قال في بيان ما هو بحكم الماء الجاري: «و حكم الماء الجاري من الشعْب من ماء المطر كذلك» «4» و «الشعْب» بكسر الأوّل-: الطريق في الجبل، و مسيل الماء في بطن الأرض «5»، فيرجع كلامه إلى اعتبار الجريان بمقدار يسيل من مسيل الجبل المنحدر.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 424/ 1348، وسائل الشيعة 1: 147، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 8.

(2) تهذيب الأحكام 1: 411، ذيل الحديث 1296، المبسوط 1: 6، الجامع للشرائع: 20.

(3) مستمسك العروة الوثقى 1: 176 177.

(4) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 73.

(5) أقرب الموارد 1: 593، المنجد: 390.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 336

و هو يوافق الجريان من الميزاب الذي ظاهر الشيخ، قال في «التهذيب»: «قال محمّد بن الحسن: الوجه في هذين الخبرين أي خبر هشام بن الحكم و خبر محمد بن مروان الواردين في ميزابين أنّ ماء المطر إذا جرىٰ من الميزاب، فحكمه حكم الماء الجاري؛ لا ينجّسه شي ء

إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو رائحته.

و يدلّ علىٰ ذلك ما

رواه عليّ بن جعفر قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن البيت يبال علىٰ ظهره، و يغتسل فيه من الجنابة، ثمّ يصيبه المطر، أ يؤخذ من مائه فيتوضّأ به للصلاة؟ فقال: «إذا جرىٰ فلا بأس «1»»

«2» انتهىٰ.

و لا يبعد أن يكون مراده مطلق الجريان، و إنّما ذَكر في ذيل الخبرين الواردين في ميزابين، وجهَ عدم الانفعال في موردهما، لا تقييد أصل الحكم؛ بقرينة تمسّكه برواية عليّ بن جعفر، فالقول باشتراطه الجريان من خصوص الميزاب، فاسد جدّاً. نعم، لا يبعد اعتباره ذلك بحدٍّ جرىٰ من الميزاب.

لكنّ الأقرب أنّه اشترط أصل الجريان، علىٰ تأمّل فيه أيضاً ناشئ من أنّ كتاب «التهذيب» لم يعمل للفتيا، بل عمل لتأويل الروايات المختلفة و توجيهها؛ لحفظ القلوب الضعيفة التي ثقل عليها الاختلاف فيها، كما يظهر من أوّله «3». و لم يحضرني كتاب «المبسوط» «4».

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 204/ 433، الفقيه 1: 7/ 6، وسائل الشيعة 1: 145، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 411، ذيل الحديث 1296.

(3) تهذيب الأحكام 1: 2 3.

(4) المبسوط 1: 6، قال فيه «و مياه الموازيب الجارية من المطر حكمها حكم الماء الجاري سواء».

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 337

و كيف كان: فالمشهور- علىٰ ما حكي عدم اعتبار الجريان شهرةً عظيمةً «1» بل عن «الروض» أنّه جعل المخالف الشيخ «2» و عن «المصابيح» بعد نسبته إلىٰ فتوى الأصحاب: «أنّه لم يثبت مخالف ناصّ» «3» و هو كذلك بالنسبة إلى الشيخ في «تهذيبه» علىٰ ما تقدّم. لكن ظاهر ابن حمزة اعتباره بنحو ما تقدّم.

و

مستند أصل الجريان صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة، فتقيّد بها المطلقات.

و لا يخفىٰ ما فيه؛ فإنّ الظاهر من قوله: «البيت يبال علىٰ ظهره» أنّ ظهره معدّ لذلك، و الظاهر أنّه كان متعارفاً في تلك الأمكنة و الأزمنة، كما يظهر من سائر الروايات «4»، فحينئذٍ يكون اشتراط الجريان لخصوصية المورد؛ لعدم غلبة المطر على النجاسة بلا جريان في مثله ممّا يكون مُبالًا. كما أنّ السؤال عن الاغتسال من الجنابة يؤيّده، فيكون اعتبار الجريان للغلبة على النجاسة.

و يحتمل أن يكون المراد من «الأخذ من مائه» أخذ ما جرىٰ خارج المحلّ؛ فإنّه إذا كان الماء فيه و كان معدّاً للبول، لم يذهب بالمطر عينُ النجاسة، و مع بقائها فيه و الأخذ منه لا محالة يبتلي المكلّف بها إذا أخذ منه، فيكون القيد للإرشاد إلى الأخذ من المحلّ الخارج؛ لئلّا يبتلي بها، و لهذا لم يذكر الجريان في ذيلها، و هو هكذا:

قال: و سألته عن الرجل يمرّ في ماء المطر، و قد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه، هل يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ فقال: «لا يغسل

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 312.

(2) روض الجنان: 138/ السطر 27.

(3) المصابيح في الفقه: 102/ السطر 4 (مخطوط).

(4) راجع وسائل الشيعة 1: 144، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 338

ثوبه و لا رجله، و يصلّي فيه، و لا بأس به» «1».

هذا مضافاً إلى احتمال أن يكون المراد من «جريانه» فعلية تمطير السماء، فالشرط لأجل أنّ المحلّ المعدّ للبول، لا يرتفع جرم البول المتراكم فيه بالمطر، فمع قطع الجريان ينفعل ماؤه، كسائر المياه القليلة.

و الإنصاف: أنّه لا يجوز رفع اليد عن الإطلاقات سيّما مثل

قوله (عليه

السّلام): «ما أصابه من الماء أكثر» «2»

بمثل هذه الرواية.

و أمّا

رواية الحِمْيَري بإسناده عن عليّ بن جعفر: و سألته عن الكنيف يكون فوق البيت، فيصيبه المطر، فيكف فيصيب الثياب، أ يصلّىٰ فيه قبل أن تغسل؟ قال: «إذا جرىٰ من ماء المطر فلا بأس» «3».

فظاهرها أنّ ما يكف إن كان من ماء المطر فلا بأس، في مقابل ما كان من البول أو ماء الكنيف، فهي في الحقيقة من أدلّة عدم اعتبار الجريان فيه، أو لا أقلّ من عدم دلالتها على اعتباره.

كما إنّ ما

في «كتاب عليّ بن جعفر» عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن المطر يجري في المكان فيه العَذِرة، فيصيب الثوب، أ يصلّى فيه قبل أن يغسل؟ قال: «إذا جرىٰ فيه المطر فلا بأس» «4» لا ظهور فيه في القيدية بعد مسبوقيته

______________________________

(1) الفقيه 1: 7/ 7، وسائل الشيعة 1: 145، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 2.

(2) تقدّم في الصفحة 333.

(3) مسائل عليّ بن جعفر: 192/ 398، قرب الإسناد: 192/ 724، وسائل الشيعة 1: 145، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 3.

(4) مسائل عليّ بن جعفر: 130/ 115، وسائل الشيعة 1: 148، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 339

بفرض جريانه في المكان، فكأنّه قال: «علىٰ هذا الفرض لا بأس به».

مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر أنّ المفروض جريان ماء المطر إلىٰ محلّ فيه العَذِرة، و لم يكن ذلك المكان مورد إصابة المطر، فالسؤال عن تمطير السماء في مكان، و إجراء مائه في مكان آخر فيه العَذِرة، فلا يدلّ على القيدية في مورد البحث.

مع أنّ الشرطية لبيان تحقّق الموضوع؛ فإنّ

مفهومها «إذا لم يجر فيه المطر» لا «إذا تحقّق المطر و لم يكن جارياً» فالأقوىٰ ما عليه القوم من عدم اعتبار الجريان.

نعم، لا عبرة بالقطرات اليسيرة؛ لانصراف الأدلّة عنها، بل لا يبعد عدم صدق «المطر» عليها عرفاً، بل و لغة.

توقّف التطهير بالمطر علىٰ صدق رؤية مائه للمتنجّس

ثمّ إنّ التطهير بالمطر متوقّف علىٰ صدق رؤية مائه للشي ء النجس؛ أي المحلّ الذي تنجّس، فإذا تقاطر علىٰ بعض الجسم النجس، طهر موضع التقاطر لا غير.

هذا في غير المائعات، و أمّا فيها فلا إشكال في عدم طهارة غير الماء منها به؛ لعدم إمكان رؤيته جميع أجزائها، و ما وصل إليه أيضاً لا يطهر؛ للسراية، ففي مثله لا يمكن حصول الطهارة.

و إن شئت قلت: إنّ

قوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «1»

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 331.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 340

لا يشمل مثل المائعات؛ فإنّها غير قابلة للتطهير كالأعيان النجسة؛ فإنّ رؤية المطر جميعَ أجزائها غير ممكن، و بعضَها المتصل بالنجس غير قابل له فلا يشمله الدليل.

و من ذلك يعلم الحال في الماء أيضاً.

و دعوىٰ صدق رؤيته إيّاه بتقطير قطرات بل قطرة عليه «1»، غير وجيهة؛ لأنّ المراد من صدقها إن كان صدق الرؤية لهذا الجسم بملاحظة كونه موجوداً واحداً، فإذا صدق رؤيته لجزء منه صدق رؤيته له، فلازمه طهارة جميع الأرض إذا تقاطر علىٰ نقطة منها المطر؛ لصدق رؤيته إيّاها.

و الحلّ: أنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء يراه ..» إلىٰ آخره- بمناسبة الحكم و الموضوع أنّ الطهارة مخصوصة بموضع الملاقاة دون غيره، و هو واضح.

و لو قيل «2»: إنّ مقتضىٰ إطلاق الرؤية طهارة الجزء الذي رآه المطر، و لازمه طهارة جميع الماء؛ للإجماع علىٰ

عدم محكومية الماء الواحد بحكمين.

يقال له: بعد تسليم ثبوت الإجماع المذكور إنّا نمنع إطلاقها لمثل المورد؛ لعدم إمكان قبوله للتطهير كسائر المائعات؛ فإنّ الجزء المائع المتصل بالنجس اللازم الانفعال منه، لا يصير طاهراً بورود المطهّر عليه.

بل لولا الإجماع علىٰ قبول المياه للطهارة «3» و دلالة بعض الأخبار عليه

______________________________

(1) روض الجنان: 139/ السطر 3، جواهر الكلام 6: 319.

(2) انظر جواهر الكلام 6: 319.

(3) مستند الشيعة 1: 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 341

- كصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع الواردة في ماء البئر «1» و ما وردت في ماء الحمّام «2» لكان الحكم بقبوله لها مشكلًا، و المتيقّن من الإجماع طهارته بعد الامتزاج، كما إنّ مورد الروايات المتقدّمة «3» ذلك، فالأقوىٰ عدم طهارة الماء المتنجّس إلّا بالامتزاج بالمعتصم.

و قد يقال: بدلالة مرسلة الكاهلي علىٰ طهارته بالتقاطر عليه علىٰ بعض نسخ «الكافي» كما نقل في «الوافي»: «و يسيل على الماء المطرُ» بتعريف «الماء» و جرّه ب «علىٰ» و كون «المطرُ» فاعل «يسيل» قال في «الوافي»: «و الغرض من السؤال الثاني أنّ المطر يسيل على الماء المتغيّر بالقذر، فيثب من الماء القطرات، و ينتضح عليّ، و «البيت يتوضّأ علىٰ سطحه ..» سؤال آخر» «4» انتهىٰ، بدعوىٰ: أنّ «كلّ شي ء يراه ..» إلىٰ آخره بعد تعقّبه بذلك، يدلّ على المطلوب «5».

و فيه: مع عدم ثبوت صحّة هذه النسخة، و لهذا لم يشر إليها المحدّث المجلسي في «مرآته» «6» و لا الحرّ في جامعه «7».

______________________________

(1) عن الرضا (عليه السّلام) قال: «ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه، فينزح حتّى يذهب الريح و يطيب طعمه لأنّ له مادّة».

تهذيب الأحكام 1: 234/

676، وسائل الشيعة 1: 172، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 7.

(2) راجع وسائل الشيعة 1: 148، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7.

(3) تقدّم في الصفحة 333.

(4) الوافي 6: 46.

(5) مستمسك العروة الوثقى 1: 182.

(6) مرآة العقول 13: 43 44.

(7) وسائل الشيعة 1: 146، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 342

و الاستشهاد علىٰ صحّتها بمنافاة فرض السيلان عليه على النسخة المعروفة مع فرض ورود القطرات عليه «1»، غير تامّ؛ لإمكان رفع التنافي بأن يقال: إنّ فرض ورود القطرات، قرينة علىٰ أنّ المراد من سيلانه عليه سيلانه من فوق رأسه، فكأنّه قال: «يسيل عليّ الميزاب، فيقطر عليّ منه القطرات» أنّ سيلان المطر على الماء بناءً علىٰ هذه النسخة، ملازم لامتزاجه به، و لعلّه مع الامتزاج صدق الرؤية عرفاً بنحو من التسامح.

مع أنّ لنا أن نقول: إنّ تطبيق الكبرى على المورد دليل علىٰ صحّة النسخة المشهورة؛ لو منع الصدق العرفي مع الامتزاج.

و كيف كان: لا يمكن إثبات هذا الحكم المخالف للقواعد و الارتكاز العرفي بهذه النسخة غير الثابتة.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 1: 182.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 343

الأمر الثاني في مطهّرية الشمس

اشارة

من المطهّرات الشمس إذا جفّفت بإشراقها البول و غيره من النجاسات و المتنجّسات التي لا يبقى جِرمها بعد الجفاف بالتبخير عن الأرض و غيرها ممّا لا ينقل، كالنباتات و الأشجار، و أثمارها الموصولة بها، و الأبنية و ما يتعلّق بها من الأبواب و الأخشاب و المسامير و غيرها، بل عن البواري و الحصر من المنقولات، على الأظهر الأقوىٰ في جميع المذكورات.

و قد خالف في أصل الحكم المحدّث الكاشاني، فاختار

في «الوافي» عدم مطهّريتها، بل عدم العفو حتّى عن السجدة عليها،

قال في ذيل رواية ابن أبي عمير قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أُصلّي على الشاذكونة و قد أصابتها الجنابة، قال: «لا بأس» «1»

بهذه العبارة:

«و الوجه في ذلك عدم اشتراط الطهارة في مواضع الصلاة إلّا بقدر ما يسجد عليه. نعم يشترط أن لا يكون فيها إذا كانت نجسة رطوبة يتعدّىٰ بها

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 370/ 1538، وسائل الشيعة 3: 454، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 344

النجاسة إلىٰ ثوب المصلّي أو بدنه. و بناء الأخبار الآتية علىٰ هذا الأصل، إلّا أنّ جماعة من أصحابنا اشتبه ذلك عليهم، فزعموا أنّ الشمس تطهّر الأرض و البواري» «1».

ثمّ ذكر في ذيل بعض الأحاديث مؤيّداتٍ لما اختاره، و حمل صحيحة زرارة الآتية و رواية أبي بكر الحضرمي على المعنى اللغوي؛ أي عدم سراية القذر،

كقوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء يابس ذكي» «2»

ليوافقا سائر الأخبار «3».

و عن جملة من الأصحاب القول بصحّة السجود عليها و بقائها على النجاسة «4»، فيكون البناء على العفو في خصوص هذا الحكم.

و المشهور البناء على الطهارة، بل عن جملة منهم دعوى الإجماع عليها، ففي «الخلاف» الإجماع علىٰ طهارة الأرض و الحصر و البواري من البول «5»، و عن «السرائر» الإجماع على التطهير بالشمس «6»، و عن «كشف الحقّ»: «ذهب الإمامية إلىٰ أنّ الأرض لو أصابها البول و جفّت بالشمس طهرت، و جاز التيمّم منها» «7» و عن جملة منهم دعوى الشهرة عليها «8».

______________________________

(1) الوافي 6: 231.

(2) تهذيب الأحكام 1: 49/ 141، وسائل الشيعة 1: 351، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 31، الحديث

5.

(3) الوافي 6: 231 و 232 و 234.

(4) انظر جواهر الكلام 6: 258، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 79، المعتبر 1: 446.

(5) الخلاف 1: 218 219 و 495.

(6) السرائر 1: 182.

(7) نهج الحقّ و كشف الصدق: 418.

(8) مختلف الشيعة 1: 323، المهذّب البارع 1: 252، مفاتيح الشرائع 1: 79، الحدائق الناضرة 5: 436 437.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 345

و أيضاً يظهر من بعضهم اختصاص الحكم بالبول «1». و عن جملة منهم دعوى الشهرة على التطهير من سائر النجاسات المائعة «2». و ظاهر بعضهم اختصاص الحكم بالأرض و الحصر و البواري «3». و عن جملة منهم نقل الشهرة عليها و علىٰ كلّ ما لا ينقل، كالنباتات و الأبنية و غيرهما «4».

و الأقوى في المقامات الثلاثة ما حكي عن المشهور أي: 1 حصول الطهارة.

2 و عموم الحكم لكلّ مائع متنجّس أو نجس، نظير البول ممّا يتبخّر بإشراق الشمس.

3 و عمومه لكلّ ما لا ينقل، و للحصر و البواري.

التمسّك للطهارة بصحيحة زرارة في المقام

و تدلّ على المطلوب في المقامات الثلاثة

صحيحة زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن البول يكون على السطح، أو في المكان الذي يصلّى فيه، فقال: «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه؛ فهو طاهر» «5».

______________________________

(1) المقنعة: 71، المبسوط 1: 38، المراسم: 56.

(2) مختلف الشيعة 1: 323، المهذّب البارع 1: 252، الحدائق الناضرة 5: 450، جواهر الكلام 6: 259 260.

(3) المقنعة: 71، المبسوط 1: 38، السرائر 1: 182، المختصر النافع: 19.

(4) الحدائق الناضرة 5: 436، مستند الشيعة 1: 320، مستمسك العروة الوثقى 2: 78.

(5) الفقيه 1: 157/ 732، وسائل الشيعة 3: 451، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)،

ج 4، ص: 346

أمّا دلالتها على الطهارة فلا ينبغي الإشكال فيها. و توهّم أنّ «الطهارة» فيها بمعنى عدم السراية «1»

كقوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء يابس ذكي» «2»

خلاف الظاهر بل الصريح؛ لا يذهب إليه إلّا مع قيام قرينة، و سيأتي حال بعض ما يتوهّم قرينيته «3».

بل الظاهر من قوله (عليه السّلام): «فصلّ عليه» أنّ شرط الصلاة عليه حاصل، و معلوم أنّ المتعارف في تلك الأعصار السجود على المكان الذي كانوا يصلّون فيه.

نعم، من كان علىٰ مذهب الحقّ، كان لا محالة يراعي كون المكان ممّا تصحّ السجدة عليه، و أمّا وضع شي ء كتراب قبر مولانا الحسين سلام اللّٰه عليه أو حجر، أو خشب، فلم يكن معهوداً و متعارفاً، سيّما مع شدّة التقيّة.

فسؤال زرارة عن البول في المكان الذي يصلّى فيه، إنّما هو عن صحّة الصلاة و السجود عليه مع جفاف البول؛ ضرورة عدم تعقّل السؤال عن البول الرطب الساري، فقوله (عليه السّلام) في مقام الجواب: «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه» يدلّ علىٰ حصول شرط السجود.

و الحمل على العفو مع بقاء النجاسة، خلاف الظاهر المتفاهم، فهل ترى من نفسك بعد معهودية اشتراط الطهارة في ثوب المصلّي انقداحَ احتمال العفو و بقاء النجاسة من قوله مثلًا: «إن أصابه المطر صلّ فيه»؟! و ليس ذلك إلّا لأنّ تجويز الصلاة فيه دليل علىٰ حصول شرطه، فيستفاد من الصحيحة مع الغضّ عن قوله (عليه السّلام): «فهو طاهر» حصول شرط السجدة مع الجفاف بالشمس.

فاحتمال التجفيف مخالف للظاهر، فضلًا عن احتمال ارتكبه الكاشاني؛ فإنّه بناءً علىٰ ما ذكره يكون ذكر الشمس و التعليق عليها، في غير محلّه؛ إذ لو

______________________________

(1) الوافي 6: 234.

(2) تقدّم في الصفحة 344.

(3) يأتي في الصفحة 349.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 4، ص: 347

كان الموضوع هو التجفيف فلا معنىٰ للتقييد. و كون الشمس أسرع في التجفيف، لا يوجب تعليقه عليها من غير دخالة لها.

هذا مع أنّ «الطاهر» في مقابل «القذر» عرفاً و شرعاً، و ليس للشارع اصطلاح خاصّ فيهما، كما مرّ مراراً «1». و حملها علىٰ عدم السراية مع الجفاف، من قبيل توضيح الواضحات بعد وضوحه لدى العرف.

و بالجملة: لا شبهة في دلالتها و صراحتها على المطلوب.

التمسّك للطهارة برواية الحضرمي

و تدلّ عليه أيضاً

رواية الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر» «2».

و

في رواية أُخرى عنه (عليه السّلام) «ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر» «3».

و الظاهر أنّهما رواية واحدة، و السند و إن كان ضعيفاً بعثمان بن عبد الملك، بل في الحضرمي تأمّل، لكن رواية أحمد بن محمّد بن عيسىٰ إيّاها مع ما هو المعروف من طريقته «4» لا يبعد أن تكون نحو توثيق لهما، أو دالّةً علىٰ قرينة علىٰ صدورها.

و أمّا

صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع قال: سألته عن الأرض

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15 و 164، و في الجزء الثالث: 9 11.

(2) تهذيب الأحكام 2: 377/ 1572، وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 273/ 804، وسائل الشيعة 3: 452، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 5.

(4) راجع رجال النجاشي: 185/ 490، 332/ 894، رجال العلّامة الحلّي: 14/ 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 348

و السطح يصيبه البول و ما أشبهه، هل تطهّره الشمس من غير ماء؟ قال: «كيف يطهر من غير ماء؟!» «1».

فالظاهر منها أنّ الشمس تطهِّر مع الماء، سيّما لو

كان «يطهّر» في الذيل من التفعيل، و ضميره راجعاً إلى الشمس، كما هو المناسب للسؤال.

و في نسخة «الوافي»: «تطهّر» بالتاء «2»، و الظاهر منها كونه من التفعيل، لا من باب المجرّد، فتكون الرواية دالّة على المطلوب، فدعوى الكاشاني بأنّها صريحة في عدم التطهّر بالشمس «3»، غير وجيهة.

التمسّك للطهارة بصحيحة زرارة و حديد الأزدي

و من بعض ما ذكرناه يظهر إمكان الاستدلال للمطلوب- أي حصول الطهارة

بصحيحة زرارة و حديد الأزدي قالا: قلنا لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): السطح يصيبه البول أو يبال عليه، يصلّى في ذلك المكان؟ فقال: «إن تصيبه الشمس و الريح و كان جافّاً فلا بأس به، إلّا أن يكون يتخذ مبالًا» «4».

فإنّ التفصيل بين ما يتخذ مبالًا، فلا يجوز فيه الصلاة مع جفافه، و بين غيره فيجوز، كالصريح في مخالفة مختار الكاشاني. و مع معهودية اشتراط الطهور في محلّ سجدة المصلّي، و كون المتعارف عدم وضع شي ء للسجود، تدلّ الرواية علىٰ حصول الشرط؛ أي الطهور.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 273/ 805، وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 7.

(2) الوافي 6: 231/ 20.

(3) نفس المصدر.

(4) الكافي 3: 392/ 23، تهذيب الأحكام 2: 376/ 1567، وسائل الشيعة 3: 451، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 349

فدعوى: أنّ تجويز الصلاة فيه و نفي البأس، لا يدلّان علىٰ حصول الطهارة؛ لإمكان كونهما مبنيين على العفو «1»، خلاف فهم العرف و ظهور الرواية.

نعم، فيها مناقشة ناشئة من ضمّ الريح إلى الشمس «2».

و مناقشة اخرىٰ: و هي دعوى كون قوله (عليه السّلام): «و كان جافّاً» ظاهراً في أنّ الجفاف موضوع الحكم و لو لم يحصل بالشمس «3».

و هما ضعيفتان؛

فإنّ ذكر الريح بعد قيام الإجماع «4» و ظهور الأدلّة في عدم دخالتها لعلّه لدفع توهّم: أنّ دخالتها الجزئية مضرّة بتطهير الشمس، و من المعلوم أنّ الشمس إذا أشرقت علىٰ موضع، و هبّ الريح عليه، يكون التأثير في التجفيف مستنداً إلىٰ إشراقها؛ و إن كان للريح أيضاً تأثير ضعيف، فلا يكون هذا التأثير مضرّاً، لا أنّه جزء الموضوع بحيث ينتفي الحكم بانتفائه.

و أمّا قوله (عليه السّلام): «و كان جافّاً» فلا ظهور فيه فيما ادعي. نعم لا ظهور فيه بأنّ الجفاف حصل بالشمس فقط؛ و إن لا يبعد ظهوره العرفي فيه. و لو كان فيه إجمال يرفع بسائر الروايات، فلا إشكال فيها.

التمسّك للطهارة بموثّقة الساباطي و الأحكام المستفادة منها

و أمّا

موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره، فلا تصيبه الشمس، و لكنّه قد يبس الموضع القذر، قال: «لا يصلّى، و أعلم موضعه حتّى تغسله».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 630/ السطر 17.

(2) انظر جواهر الكلام 6: 255، الوافي 6: 231.

(3) انظر جواهر الكلام 6: 255، مستمسك العروة الوثقى 2: 77.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 630/ السطر 19.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 350

و عن الشمس هل تطهّر الأرض؟ قال: «إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك، فأصابته الشمس ثمّ يبس الموضع، فالصلاة على الموضع جائزة. و إن أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر و كان رطباً، فلا يجوز الصلاة حتّى ييبس، و إن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر، فلا تصلّ علىٰ ذلك الموضع حتّى ييبس. و إن كان غير الشمس أصابه حتّى ييبس فإنّه لا يجوز

ذلك».

كذا في «الوسائل» «1» و ليس في «الوافي»: «حتّى ييبس» بعد قوله (عليه السّلام): «ذلك الموضع» و يكون بدل «غير الشمس» «عين الشمس» و بدل «أصابه» «أصابته» «2».

و في نسخة من «التهذيب» مقروءة على المولى المجلسي رواها نحو «الوافي» إلّا أنّه جعل فيها لفظ «غير» فوق «عين» مع علامة نسخة، و نقل «أصابه» مذكّراً.

و في «حبل المتين»: «ربّما يوجد في بعض نسخ «التهذيب» بدل «عين الشمس» بالعين المهملة و النون «غير الشمس» بالغين المعجمة و الراء، و الصحيح الموجود في النسخ الموثوق بها هو الأوّل» «3» انتهىٰ.

و في «المنتهي» رواها نحو ما في «الوسائل» و صرّح في ذيلها: «بأنّ رواية عمّار فرّقت بين اليبوسة بالشمس و غيرها» «4».

و في هامش «حبل المتين»: «و قد ظفرنا في النسخ الصحيحة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 452، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 4.

(2) الوافي 6: 232/ 21.

(3) الحبل المتين: 126/ السطر 10.

(4) منتهى المطلب 1: 177/ السطر 14 25.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 351

المعتمد عليها جدّاً علىٰ لفظة «غير» أيضاً نسخة» «1»، و الظاهر أنّ الهامش لمصحّح الكتاب.

و كيف كان: فالموثّقة متعرّضة لأحكام:

منها: أنّه إن يبس الموضع بغير الشمس، لا يجوز الصلاة عليه حتّى يغسل، و وجهه لزوم كون محلّ السجدة طاهراً، فالمراد من النهي عنها إمّا عن خصوص السجود، أو عن الصلاة بجميع أجزائها التي منها السجود؛ لما ذكرناه من عدم تعارف وضع شي ء للسجدة عليه «2»، فلا محالة يكون السؤال عن الصلاة علىٰ موضع قذر، شاملًا للسجود عليه.

و منها: أنّه إذا كان الموضع قذراً ببول أو غيره فيبس بالشمس، يجوز الصلاة عليه، و التفصيل بين الجفاف بالشمس و غيرها كالنصّ

علىٰ ردّ الكاشاني، و ليس المراد من قوله (عليه السّلام): «ثمّ يبس» اليبوسة و لو بغير الشمس، بل المراد الجفاف بها، و تخلّل لفظة «ثمّ» لكون الجفاف يحصل بتدريج، فيكون متأخّراً عن حدوث إصابتها.

و لو كان فيه نوع إجمال يرفع بصحيحة زرارة المتقدّمة «3»، و بالإجماع علىٰ أنّ الجفاف بغير الشمس غير مفيد «4»، كما أنّه لو كان له إطلاق يقيّد بهما.

و التقريب فيها لحصول الطهارة بنحو ما تقدّم من أنّ العرف بعد ما رأى أنّ الطهارة في محلّ السجدة معتبرة، لا ينقدح في ذهنه من تجويز الصلاة إلّا حصول الشرط، و العفو لا ينقدح في الأذهان غير المشوّشة بالعلميات.

______________________________

(1) الحبل المتين: 126، الهامش.

(2) تقدّم في الصفحة 346 و 348.

(3) تقدّم في الصفحة 345.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 630/ السطر 19.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 352

و منها: أنّه إن أصابته الشمس فلم ييبس و كان رطباً، لا يجوز الصلاة عليه حتّى ييبس.

و الظاهر أنّ هذه الفقرة مفهوم الفقرة المتقدّمة، و قولَه (عليه السّلام): «حتّى ييبس» تأكيد لها. و لو فرض الإجمال أو الإطلاق فيها يرفع أو يقيّد، كما تقدّم.

و منها: أنّه مع رطوبة الأعضاء لا يجوز الصلاة عليه حتّى ييبس، و المراد اليبوسة بالشمس بقرينة الفقرة الآتية؛ أي «و إن كان غير الشمس أصابه ..» إلىٰ آخره.

و المراد من الفقرتين التفصيل في الصلاة عليه مع رطوبة الأعضاء بين الجفاف بالشمس و غيرها، فتدلّ علىٰ حصول الطهارة بالأوّل دون الثاني.

هذا علىٰ نسخة «الوسائل» الموافقة ل «منتهى العلّامة» و للنصوص و الفتاوىٰ، و المناسب لتذكير الضمير، كما في «التهذيب» و «الوسائل».

و لعلّ البهائي و الكاشاني تصرّفا في النسخة بعد ترجيح «عين» علىٰ «غير»

فجعلا الضمير مؤنّثاً، كما يظهر من «حبل المتين» حيث جعل «أصابته» بالتأنيث في المتن، و التذكير فوق السطر مع علامة «التهذيب» «1» مع أنّ الرواية من «التهذيب» فكأنّ نسخته كذلك، و تصرّف فيها تصحيحاً.

و أمّا على النسخة الأُخرىٰ و هي هكذا:

«و إن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر، فلا تصلّ علىٰ ذلك الموضع و إن كان عين الشمس أصابه حتّى ييبس؛ فإنّه لا يجوز ذلك».

ففيه احتمالان

______________________________

(1) الحبل المتين: 125/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 353

أحدهما: أنّ المراد ب «ذلك الموضع» هو الموضع القذر الرطب؛ أي لاتصلّ مع رطوبة الأعضاء علىٰ ذلك الموضع و إن كان عين الشمس أصابته إلّا أن ييبس بالشمس، فيجوز حينئذٍ الصلاة عليه مع رطوبتها، فكأنّ المقصود بهذه الفقرة إثبات طهارة ما أصابته الشمس، فتكون مخالفة للقول بالعفو دون الطهارة.

فعلى هذا الاحتمال تكون الفقرة السابقة علىٰ هذه الفقرة، متعرّضةً لعدم جواز الصلاة على الموضع حتّى ييبس، و هذه الفقرة لجواز الصلاة مع رطوبة الأعضاء فيما إذا يبس الموضع بالشمس، فيكون التعرّض لعدم الجواز حتّى ييبس، توطئةً لهذا الحكم، فتدلّ علىٰ طهارة الموضع بالتجفيف بالشمس. و علىٰ هذا الاحتمال يكون «حتّى ييبس» غاية لعدم جواز الصلاة.

نعم، يحتمل أن يكون متعلّقاً بقوله: «أصابه» فتدلّ علىٰ عدم الطهارة.

و ثانيهما: أنّ المراد الموضع القذر بعد اليبوسة؛ أي لاتصلّ مع رطوبة الأعضاء على الموضع الذي يبس و إن كان أصابه عين الشمس و يبس بها، فتدلّ علىٰ نجاسة ما يبس بالشمس.

و لا ترجيح لهذا الاحتمال على الاحتمال الأوّل، بل الترجيح معه، سيّما مع كونه موافقاً لسائر الروايات الدالّة على الطهارة صريحاً.

فدعوى

الكاشاني بأنّ الرواية علىٰ هذه النسخة صريحة في عدم الطهارة «1» غير وجيهة، بل لا ظهور لها فيه، بل الأرجح دلالتها على الطهارة علىٰ هذه النسخة أيضاً.

______________________________

(1) الوافي 6: 232.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 354

الاستدلال على عدم الطهارة بصحيحة ابن بَزيع و ردّه

و استدلّ «1» علىٰ عدم الطهارة بها

بصحيحة ابن بَزيع قال: سألته عن الأرض و السطح يصيبه البول و ما أشبهه، هل تطهّره الشمس من غير ماء؟ قال: «كيف يطهر من غير ماءٍ؟!» «2».

بدعوىٰ: أنّ المراد من السؤال أنّ الشمس مطهّرة في قبال الماء، و من الجواب أنّه كيف يطهر بالشمس؟! بل لا بدّ من الغسل بالماء.

و فيها: أنّ هاهنا احتمالًا آخر أقرب منه بلفظ الرواية؛ و هو أنّ الشمس في تطهيرها تحتاج إلىٰ ماء، أو يطهر المحلّ بصِرف إشراقها عليه؟ فتعجّب من ذلك و قال: «كيف تطهر من غير ماءٍ؟!» أي تحتاج في التطهير إلى التبخير و التجفيف، و هما لا يتمّان إلّا بماء، و لعلّ المراد ب «الماء» مطلق المائع القابل للتبخير، و لهذا نكّره. و لو نوقش في ذلك يجب تقييد إطلاقها بصحيحة زرارة «3».

و إنّما قلنا: هذا الاحتمال أقرب؛ لأنّ الرواية مشعرة بأنّ مطهّرية الشمس كانت مفروضة، و إنّما سئل عن كيفيتها؛ و أنّ الإشراق بلا ماء كافٍ أو لا؟

و قوله (عليه السّلام): «كيف يطهر ..؟!» معناه: كيف يطهر المحلّ بالشمس فقط من دون ماء؟! سيّما علىٰ نسخة «الوافي» فإنّ فيها «تطهّر» بالتاء المثنّاة «4»، و الظاهر

______________________________

(1) الوافي 6: 231.

(2) تهذيب الأحكام 1: 273/ 805، وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29، الحديث 7.

(3) تقدّمت في الصفحة 345.

(4) الوافي 6: 231/ 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط -

الحديثة)، ج 4، ص: 355

أنّه من التفعيل بمناسبة السؤال، و سيّما مع تنكير «ماءٍ» فإنّه مشعر بأنّ المراد ليس التطهير بالماء على النحو المعهود، بل لا بدّ فيه من ماء يتبخّر بالشمس.

و مع تساوي الاحتمالين، لا يجوز رفع اليد عن صحيحة زرارة و غيرها الناصّة على الطهارة بمثلها.

بل مع فرض أرجحية الاحتمال الأوّل صارت معارضة لها، و الترجيح معها؛ لموافقتها مع الشهرة و الإجماعات المنقولة «1».

و الإنصاف: أنّ طرح الصحيحة الصريحة بمثل هذه المضمرة المجملة غير جائز.

الجواب عن التمسّك بروايات الشاذكونة و غيرها لإثبات عدم الطهارة

و أمّا الروايات الواردة في الشاذكونة و غيرها «2»؛ ممّا تدلّ علىٰ جواز الصلاة عليها مع الجفاف بلا تقييد بالشمس، و هي التي صارت موجبة لاغترار الكاشاني؛ و ارتكابه للتأويل البعيد في صحيحة زرارة و غيرها، فهي مطلقات يمكن تقييدها بتلك الروايات.

و مع المناقشة فيه فالتصرّف فيها بحملها علىٰ جواز الصلاة فيها، أو عليها إذا كان موضع السجدة طاهراً بتقييدها بالإجماع علىٰ لزوم طهارته أولىٰ من التصرّف في صحيحة زرارة و نحوها الموافقة للشهرة و الإجماعات المنقولة. هذا حال إحدى المقامات الثلاثة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 344.

(2) وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 356

في تعميم موضوع الحكم لغير السطح و المصلّىٰ

و أمّا دلالة صحيحة زرارة علىٰ تعميم الموضوع و عدم الاختصاص بالسطح و المكان الذي يصلّى فيه، فبإلغاء الخصوصية عرفاً. بل لدلالة الشرطية علىٰ أنّ تمام العلّة للتطهير هو تجفيف الشمس، من غير دخالة القابل فيه، و المقام لا يقصر عن سائر المقامات التي يدعىٰ فيها إلغاء الخصوصية عرفاً.

و بالجملة: لا ينقدح في ذهن العرف من هذا الكلام؛ أنّ السطح بما هو مكان خاصّ أو مكان المصلّي بما هو كذلك، دخيل في تطهيره بالشمس، بل يرىٰ أنّ التأثير للشمس و إشراقها و التجفيف بها، من غير دخالة الأرض و السطح و مكان المصلّي فيه.

نعم، لو كان الحكم من قبيل العفو لكان لدعوى الخصوصية وجه، لكن بعد البناء علىٰ حصول الطهارة، لا ينقدح في الأذهان الخصوصية، سيّما مع وقوع المكان الخاصّ في كلام السائل، فلو كان بدل هذه الشرطية قوله: «إذا أصابه المطر صلّ عليه، و هو طاهر» هل يختلج في الذهن أنّ المطر مطهّر السطح أو مكان المصلّي؛ بحيث

يكون للجدار تحت السطح أو لصلاة المصلّي دخالة فيه؟! و المقام من قبيله.

و عدم معهودية كون الشمس مطهّرة، لا يوجب فهم الخصوصية بعد دلالة الدليل علىٰ أصل الحكم.

و بالجملة: إنّ الظاهر المتفاهم من الشرطية أنّ السبب الوحيد للتطهير تجفيف الشمس، كما هو المتفاهم في غير المقام.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 357

نعم، يستثني المنقولات ما عدا الحصر و البواري عنها بالإجماع «1» و دلالة بعض الأدلّة «2»، أو بدعوىٰ عدم إلغاء الخصوصية بالنسبة إليها؛ بملاحظة الأخبار الواردة في كيفية تطهير الأواني و الثياب و أمثالهما «3»، تأمّل.

و يدلّ على التعميم رواية أبي بكر الحضرمي المتقدّمة «4» بعد تقييدها بحصول الجفاف، لو لم نقل بانصرافها عمّا قبله؛ بعد عدم إمكان كون إشراقها مطهّراً مع بقاء عين النجس أو الرطوبة المتنجّسة، فلا ينقدح في الأذهان من قوله (عليه السّلام): «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر» إلّا إذهاب الإشراق عين النجس أو الرطوبة المتنجّسة بالتبخير. لكن يجب تقييدها بالمنقولات بالإجماع.

و توهّم انصرافها إلىٰ غير المنقول الذي من شأنه الثبات و إشراق الشمس عليه «5»، كما ترى.

إلّا أن يدعى الانصراف بملاحظة ما وردت في كيفية تطهير الأواني و الثياب، و هو أيضاً لا يخلو من تأمّل.

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 410، مستند الشيعة 1: 320، مستمسك العروة الوثقى 2: 80.

(2)

كرواية فقه الرضا (عليه السّلام) «و ما وقعت الشمس عليه من الأماكن التي أصابها شي ء من النجاسة مثل البول و غيره طهرتها و أمّا الثياب فلا تطهر إلّا بالغسل».

الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 303، مستدرك الوسائل 2: 574، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 5.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،

الباب 1 و 2 و 3 و 13 و 14 و 51 و 53.

(4) تقدّم في الصفحة 347.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 631/ السطر 23، مستمسك العروة الوثقى 2: 79.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 358

و يشهد على التعميم حكاية جمع من الأعاظم الشهرة عليه «1».

و ممّا تقدّم يظهر الحال في الأُمور التي يشكّ في كونها منقولًا أو لا؛ لعدم دليل علىٰ هذا العنوان، بل ما دلّ على الاستثناء هو الإجماع، و الواجب الأخذ بالمتيقّن منه؛ و هو غير المذكورات.

في تعميم الحكم بالنسبة إلىٰ غير البول

و تدلّ على تعميم الحكم بالنسبة إلىٰ غير البول ممّا هو نظيره في رقّته و تبخيره صحيحة زرارة بعد إلغاء الخصوصية منه عرفاً، سيّما مع كون البول أشدّ نجاسة من المائعات المتنجّسة بسائر النجاسات، بل من كثير من النجاسات.

و يدلّ عليه أيضاً مضافاً إلى الشهرة المنقولة بتوسّط كثير من الأعيان «2» إطلاق رواية الحضرمي و موثّقة الساباطي «3» و صحيحة ابن بزيع بناءً علىٰ أحد الاحتمالين «4».

اشتراط تحقّق اليبوسة و استقلال الشمس فيه

ثمّ إنّ المراد من «الجفاف» في صحيحة زرارة و غيرها هو حصول اليبوسة، كما في موثّقة عمّار؛ ضرورة أنّه مع بقاء رطوبة عين البول و كذا سائر المائعات النجسة أو المتنجّسة، لا يطهر المحلّ، و هو واضح،

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 631/ السطر 15، جواهر الكلام 6: 262، مستمسك العروة الوثقى 2: 78.

(2) تقدّم تخريجها في الصفحة 345، الهامش 2.

(3) تقدّمتا في الصفحة 347 و 349.

(4) تقدّمت في الصفحة 354.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 359

و الميزان حصول اليبوسة، و عدم بقاء أثر النجس.

و لو كان للبول و غيره بواسطة التكرار على المحلّ جِرم لا يتبخّر بإشراق الشمس، لم يطهر، و هذا هو المراد من استثناء المحلّ المتخذ مبالًا في صحيحة زرارة و حديد «1»، و لعلّه مراد الشيخ من استثناء الخمر «2».

و الظاهر من النصوص أن يكون الجفاف و اليبس، حاصلًا بإشراقها استقلالًا، فلو اشترك معه غيره و لو بتنشيف المحلّ؛ بحيث لا يبقى من الرطوبة السارية شي ء، أو اعينت الشمس في فعلها بحرارة و نحوها، لا يطهر المحلّ. و كون الشمس متأخّرة في التأثير في بعض الصور، لا يوجب استقلالها في حصوله.

نعم، لا يضرّ تقليل العين و الرطوبة عنه مع بقاء شي ء من

الرطوبة السارية؛ للصدق العرفي.

لا يقال: إطلاق

موثّقة عمّار أي قوله (عليه السّلام): «إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك، فأصابته الشمس، ثمّ يبس الموضع، فالصلاة على الموضع جائزة»

يقتضي طهارته و لو مع نداوة غير سارية، فاللازم استقلال الشمس في تحصيل اليبوسة، و هو حاصل و لو كان الوصول إلىٰ حدّ الرطوبة غير السارية بفاعل آخر، بل و لو لم يبقَ للمحلّ إلّا نداوة ضعيفة جدّاً؛ لصدق أنّ المحلّ كان قذراً بالبول، و يبس بالشمس «3».

فإنّه يقال: إطلاقها محلّ تأمّل؛ لأنّ اليبوسة فيها في مقابل الرطب المذكور في الفقرة الثانية، و هو لا يصدق على النداوة الضعيفة غير السارية؛

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 348.

(2) المبسوط 1: 93.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 359

(3) مستمسك العروة الوثقى 2: 82.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 360

فإنّ المتفاهم من كون الشي ء رطباً و لو بالانصراف هو كونه ذا نداوة سارية، و لا يلزم أن تكون الرطوبة أيضاً كذلك؛ أي لا تصدق إلّا على السارية؛ لاختلاف المشتقّات بعضها مع بعض أحياناً و لو للانصراف، ك «جري الماء» و «الماء الجاري» أ لا ترى أنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام) في الفقرة الأُخرىٰ منها: «إن كانت رجلك رطبة ..» إلىٰ آخره، كونها ذات نداوة سارية؟! مع إمكان أن يقال: إنّها بصدد بيان حكم آخر؛ و هو حصول اليبس بالشمس تارة، و بغيرها اخرىٰ، لا بصدد بيان كيفية التطهير بها.

مضافاً إلىٰ أنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل على الاحتمال الراجح

تقيّد الإطلاق لو كان.

هذا مع أنّ في صحيحة زرارة التي هي الأصل في المسألة، علّق الحكم على التجفيف، و هو لا يصدق علىٰ ما ذكر، و لا يلزم منه كفاية حصول الجفاف مع بقاء رطوبة غير سارية في التطهير؛ للقرينة العقلية علىٰ أنّ المراد حصول الجفاف إلىٰ حدّ اليبوسة، فلا بدّ من حفظ مفهوم «الجفاف» غير الصادق علىٰ حصول اليبس من النداوة غير السارية، و التقييد بانتهائه إلىٰ حدّ اليبوسة.

فالأحوط بل الأقوىٰ عدم الطهارة إلّا مع نداوة سارية للمحلّ.

و لو جفّ بغير الشمس و يراد تطهيره يرشّ عليه الماء، فإذا جفّفته الشمس طهر؛ لعدم الفرق بين النجس و المتنجّس.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 361

الأمر الثالث في مطهّرية النار

اشارة

و الكلام فيها يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في أنّها هل هي مطهّرة كمطهّرية الشمس؟

اشارة

فكما أنّ الثانية مطهّرة بإشراقها على المحلّ و تبخير النجس أو المتنجّس، كذلك الأُولىٰ إذا أصابت شيئاً طهّرته؟

يظهر من الشيخ في مياه «نهايته» و محكي «استبصاره» «1» ذلك في الجملة، قال في «النهاية»: «فإن استُعمل شي ء من هذه المياه النجسة في عجين يعجن به و يخبز، لم يكن بأس بأكل ذلك الخبز؛ لأنّ النار قد طهّرته» «2».

نعم، عدل عنه في أطعمتها فقال: «لم يجز أكل ذلك الخبز، و قد رويت رخصة في جواز أكله، و ذكر أنّ النار طهّرته» «3».

و يظهر من «المقنع» ذلك أيضاً، حيث أجاز الأكل من خبز عجينٍ عجن بماء

______________________________

(1) الاستبصار 1: 29 30، ذيل الحديث 77.

(2) النهاية: 8.

(3) نفس المصدر: 590.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 362

البئر الواقع فيه الفأرة و غيرها و ماتت فيها «1»؛ بناءً على انفعال ماء البئر عنده.

و عن «خلاف الشيخ» و «مبسوطه» و جمع آخر القول بطهارة الخزف و الآجرّ مع نجاسة طينهما «2»، و ادعى الشيخ الإجماع عليه «3»، و استدلّ على الطهارة بصحيحة ابن محبوب الآتية. و الظاهر منهم مطهّريتها مع عدم تبدّل الموضوع، سيّما مع الاستدلال بالصحيحة.

و قد أفتى الشيخ في أطعمة «النهاية» «4» بمضمون رواية زكريّا بن آدم «5» الظاهر منها: أنّ النار إذا أكلت الدم طهر المرق، فكانت مطهّريتها فوق سائر المطهّرات حتّى الماء.

الروايات التي يمكن الاستدلال بها للمطهّرية و جوابها

و كيف كان: فما يمكن أن يستدلّ به علىٰ مطلوبهم روايات:

منها:

صحيحة الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الجصّ يوقد عليه بالعَذِرة و عظام الموتى، ثمّ يجصّص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب إليّ بخطّه: «إنّ الماء و النار قد طهّراه» «6».

______________________________

(1) المقنع: 33.

(2) الخلاف 1: 499، المبسوط 1:

94، البيان: 92، كفاية الأحكام: 14/ السطر 9، رياض المسائل 2: 415.

(3) الخلاف 1: 500.

(4) النهاية: 588.

(5) تأتي في الصفحة 365 366.

(6) الفقيه 1: 175/ 829، تهذيب الأحكام 2: 235/ 928، وسائل الشيعة 3: 527، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 81، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 363

بدعوىٰ: أنّ السؤال عن الجصّ الملاقي للعَذِرة و العظام الموقدتين عليه، و هما ملازمتان للرطوبة، سيّما الثانية التي لا تنفكّ غالباً عن دسومة سارية في أوّل الإيقاد، فسئل عن النجاسة العارضة للجصّ، فأجاب (عليه السّلام): ب «إنّ الماء و النار قد طهّراه».

و معلوم أنّهما لم يقعا عليه دفعة، بل النار أصابته أوّلًا للطبخ، و الماء بعدها للتجصيص، و بعد عدم مطهّرية الماء المخلوط بالجصّ جزماً و إجماعاً، و عدم كونه جزء المطهّر أيضاً كالمرّة الثانية في الماء المطهّر للبول فلا محالة تكون المطهّرية مستندة إلى النار حقيقة، و للماء أيضاً نحو تأثير في رفع القذارة العرفية.

و لا يلزم منه استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي و المجازي؛ لما مرّ مراراً: من أنّ «الطهارة» و «القذارة» في اصطلاح الشارع ليستا إلّا بالمعنى العرفي و اللغوي «2». مع أنّ الاستعمال في الجامع بعد قيام القرينة لا مانع منه. بل لا يمتنع الاستعمال في المعنيين، كما قرّر في محلّه «3».

فتحصّل من ذلك: أنّ الجصّ النجس بملاقاة النجاسة، صار طاهراً بإيقاد النار عليه.

و فيه: أنّ في الرواية احتمالات أُخر لعلّ بعضها أقرب ممّا ذكر، كاحتمال كون السؤال عن الجصّ الموقد عليه ما ذكر لأجل اختلاطه برمادهما و عدم إمكان تفكيكه عنه، فعليه يكون المراد من التطهير بالنار استحالتهما و بالماء رفع القذارة العرفية، و التطهير بالاستحالة و تبدّل

______________________________

(2) تقدّم في الصفحة 15 و 164، و في الجزء الثالث: 9 11.

(3) مناهج الوصول 1: 180.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 364

الموضوع غير ما هو المطلوب في المقام.

و كاحتمال كون السؤال لتوهّم: أنّ الطبخ بالعَذِرة و عظام الموتى، منافٍ لاحترام المسجد و السجود، فسئل عن جوازه، فأجاب بعدم المنافاة؛ لرفع القذارة العرفية بالنار و الماء.

و كاحتمال أن يكون المراد أنّ إيقادهما عليه معرض لعروض النجاسة، فيكون مظنّة لذلك، فأجاب بما ذكر، و المراد بالتطهير رفع القذارة المظنونة أو المحتملة، كما ورد الرشّ في موارد الشبهات في الأخبار «1».

و الإنصاف: أنّ إثبات هذا الحكم المخالف للقواعد بمثل هذه الرواية، غير ممكن. مع أنّ الظاهر منها أنّ النار جزء الموضوع للتطهير، و الحمل المتقدّم بعيد جدّاً.

و منها:

مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في عجين عجن و خبز، ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة، قال: «لا بأس؛ أكلت النار ما فيه» «2».

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّه لم يصرّح فيها بأنّ العجين عجن بالماء النجس، بل الظاهر منها أنّه بعد العجن علم: أنّ في الماء الذي أُخذ ماء العجين منه كانت ميتة، فلو فرض أنّ المأخوذ منه لم يكن بئراً، لكن لم يعلم أنّ الميتة كانت فيه حين أُخذ الماء منه، أو وقعت فيه بعده، كانت الشبهة موضوعية.

و قوله (عليه السّلام): «أكلت النار ما فيه» لدفع القذارة المحتملة، كرشّ الماء في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 292، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 16، الحديث 3، و: 320، أبواب أحكام الخلوة، الباب 11، الحديث 1، و 3: 403، أبواب النجاسات، الباب 7، الحديث 6.

(2) تهذيب الأحكام 1: 414/ 1304، وسائل

الشيعة 1: 175، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 365

مثله، و لم يتضح حال من أرسل عنه ابن أبي عمير، فلعلّه كان رجلًا مبتلى بوسواس، فأراد أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) دفعها، كما نقل عن الشيخ الأعظم: «أنّه رأى رجلًا مبتلى بالوسواس يتحرّز عن بخار الحمّام؛ لكونه بخار الماء النجس، فقال له: إنّ هذا البخار متصل بالخزانة، و هي كرّ، فلا ينفعل».

و بالجملة: إنّ الشبهة ظاهراً كانت موضوعية، تأمّل.

أنّها معارضة بما هو أوضح سنداً و متناً، و هو

مرسلته الأُخرىٰ بالسند المتقدّم، عن بعض أصحابنا و ما أحسبه إلّا عن حفص بن البَخْتَري قال: قيل لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في العجين يعجن من الماء النجس، كيف يصنع به؟ قال: «يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة» «1».

و

بالإسناد عنه، عن بعض أصحابه، عنه (عليه السّلام) قال: «يدفن و لا يباع» «2».

و حمل الثانية على الاستحباب «3» كما ترى؛ فإنّ دفن المال المحترم تبذير. و لا يبعد حملها على النهي عن بيعه على المسلم، فيجوز البيع على المستحلّ، و مع عدمه أو عدم اشترائه كما هو الغالب يدفن، فهذه نصّ في العجين بالماء النجس، و الأولى محتمل للأمرين، فتحمل علىٰ مورد الشبهة.

هذا مع عدم نقل عامل بها يعتدّ به؛ فإنّ الشيخ قد رجع عن القول به في أطعمة «النهاية». و «الاستبصار» ليس كتاب الفتوىٰ.

و منها:

رواية زكريّا بن آدم قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن قطرة خمر أو

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 414/ 1305، وسائل الشيعة 1: 242، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 11، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 414/ 1306، وسائل الشيعة 1: 243، كتاب

الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 11، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 1: 243، ذيل الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 366

نبيذ مسكر، قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير، قال: «يهراق المرق، أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب، و اللحم أغسله و كله».

قلت: فإنّه قطر فيه الدم، قال: «الدم تأكله النار إن شاء اللّٰه».

قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم، قال فقال: «فسد».

قلت: أبيعه من اليهودي و النصراني و أُبيّن لهم؟ قال: «نعم؛ فإنّهم يستحلّون شربه ..» «1»

إلىٰ آخره.

و فيه: أنّها مع ضعفها سنداً «2»، و مناقضة صدرها و ذيلها في الدم، و مخالفتها لقاعدة انفعال المضاف، و تفصيلها بين الدم و غيره، و هو كما ترى، و ظهور ذيلها في كراهة أكل ما قطر فيه الفُقّاع لا تصلح لإثبات هذا الحكم المخالف للقواعد. بل الظاهر منها أنّ أكل النار الدم موجب لطهارة المرق أيضاً، و هو غير معهود في شي ء من المطهّرات.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الدم المستهلك في المرق، لا تأكله النار بالتبخير أو لا يمكن العلم به إلّا بعد تبخير جميع المرق. بل المستهلك ليس بشي ء عرفاً حتّى تأكله النار.

فتحصّل ممّا ذكر: عدم كون النار مطهّرة مطلقاً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 279/ 820، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 8.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن المبارك، عن زكريا بن آدم. و الرواية ضعيفة لوقوع الحسن بن المبارك كما في المطبوعة أو الحسين بن المبارك كما في بعض النسخ المعتبرة في سندها فإنّه مجهول أو مهمل لم يرد بشأنه شي ء من

الجرح أو التعديل.

انظر رجال النجاشي: 56/ 129، الفهرست: 56/ 200.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 367

المقام الثاني: في تطهيرها كلّ ما أحالته دخاناً أو رماداً

اشارة

و هذا الحكم ليس من مختصّات النار، و ليست الاستحالة مطهّرة، بل هي من قبيل تبديل موضوع بموضوع آخر، كما أنّ الأمر كذلك في بعض آخر ممّا يعدّ مطهّراً.

و الميزان الكلّي في الحكم بالطهارة بالاستحالة: تبدّل موضوع النجس أو المتنجّس بآخر طاهر؛ بنحو لا يصدق عليه عنوان موضوع الدليل الاجتهادي المثبت للحكم على الموضوع الأوّل، و لم يبق موضوع القضية المتيقّنة عرفاً حتّى يستصحب، فإنْ فرض حصول التغيّر للموضوع الأوّل، لكن بنحو لم يخرج عن صدق عنوانه عليه، أو فرض حصوله بنحو بقي عرفاً موضوع القضية المتيقّنة المعتبر في الاستصحاب، حكم عليه بالنجاسة، و خرج عن موضوع الاستحالة و لو ظاهراً.

نعم، قد يتفق حصول التغيّر على النحو الأوّل دون الثاني، فيكون المورد مجرى الاستصحاب، لكن قام دليل لفظي اجتهادي أو إجماع أو سيرة علىٰ طهارته، فيحكم بها تحكيماً للدليل على الأصل.

ثمّ إنّ الاختلافات التي وقعت في المقام كالاختلاف في التفرقة بين النجاسات و المتنجّسات و عدمها، و كالاختلاف في الآجرّ و الخزف المعمولين من الطين النجس، و كالاختلاف في الفحم، و في بخار الماء النجس، أو المائع النجس، و دخان الدهن المتنجّس و غيرها كلّها موضوعية، فالقائل بالنجاسة يرى الموضوع الاستصحابي باقياً، و القائل بالطهارة ينكره، أو يشكّ فيه، و ليست الاختلافات فيها فقهية؛ و إن يظهر من بعض استدلالاتهم كونها في بعض الموارد كذلك.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 368

حكم الانتقال علىٰ ضوء القاعدة

ثمّ إنّ الانتقال من الاستحالة لو فرض إيجابه لتعدّد الموضوع؛ بحيث لا يبقى موضوع الدليل الاجتهادي، و لا القضية المتيقّنة، و ذلك مثل ما إذا انتقل إلى النبات، و تبدّل إلى الرطوبة التي جزء له، و خرج عن مسمّاه، أو

شرب حيوان دم إنسان، فتبدّل بتصرّف جهاز هضمه إلىٰ أجزائه، كالدم و غيره.

و أمّا لو لم يتبدّل، بل انتقل إلى المنتقل إليه و بقي علىٰ حقيقته، فلا يخلو إمّا أن يصدق عليه أنّه من المنتقل منه، و لم يصدق أنّه من المنتقل إليه، أو علىٰ عكسه، أو يصدقا عليه، أو لم يصدق شي ء منهما عليه، أو يصدق أحدهما، و يشكّ في صدق الآخر، أو شكّ في صدق كلّ منهما عليه.

و علىٰ أيّ تقدير: فإمّا كان لدليل المنتقل منه إطلاق يشمله، أو للمنتقل إليه، أو لدليلهما، أو لا إطلاق لهما:

فمع إطلاق دليل أحدهما و إحراز موضوعه و لو بالأصل دون الآخر، يحكم به، فلو أُحرز أنّ الدم من الإنسان كدم مصّه العلق، و كان لدليل نجاسته إطلاق، حكم بها له. و كذا لو شكّ في تبديل الإضافة؛ لتنقيح موضوع الدليل بالاستصحاب.

و لو كان لدليل طهارة دم المنتقل إليه إطلاق دون المنتقل منه، و أُحرز كونه من المنتقل إليه، يحكم عليه بالطهارة. و لو شكّ فيه يحكم بالنجاسة؛ للاستصحاب الحكمي.

و لو كان لدليلهما إطلاق، و أُحرز كونه لهما لو فرض صحّة ذلك يقع التعارض بين الدليلين، فيؤخذ بالأرجح لو قلنا بالترجيح في مثل المقام، و مع عدمه يحكم بالنجاسة لو قلنا بسقوطهما في مثله. بل و كذلك لو شكّ في كونه

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 369

مضافاً إلى المنتقل منه؛ سواء أُحرز كونه من المنتقل إليه، أم شكّ فيه؛ كلّ ذلك للاستصحاب، علىٰ تأمّل في بعض الصور.

و منه يظهر حال الفروض الأُخر. هذا بحسب القاعدة.

طهارة دم البقّ و البرغوث دون العلق

لكن لا يبعد الحكم بطهارة دم البقّ و البرغوث؛ و لو مع العلم بأنّ الدم الذي فيهما

من الإنسان؛ لقيام السيرة علىٰ عدم الاحتراز منه، و لإطلاق

صحيحة ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما تقول في دم البراغيث؟ قال: «ليس به بأس».

قلت: إنّه يكثر و يتفاحش، قال: «و إن كثر» «1».

و

رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن دم البراغيث في الثوب، هل يمنعه ذلك من الصلاة؟ قال: «لا» «2».

و

رواية غياث، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: «لا بأس بدم البراغيث و البقّ و بول الخشاشيف» «3».

و

مكاتبة محمّد بن ريّان قال: كتبت إلى الرجل (عليه السّلام): هل يجري دم البقّ مجرى دم البراغيث، و هل يجوز لأحد أن يقيس دم البقّ على البراغيث فيصلّي

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 255/ 740، وسائل الشيعة 3: 435، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 59/ 8، تهذيب الأحكام 1: 259/ 753، وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 1: 266/ 778، وسائل الشيعة 3: 413، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 370

فيه، و أن يقيس علىٰ نحو هذا فيعمل به؟ فوقّع: «يجوز الصلاة، و الطهر منه أفضل» «3».

و تلك الروايات و إن وردت في الدم المضاف إليهما، لكن ما يضاف إليهما- سيّما إلى البقّ هو ما اجتمع في جوفهما من دم الإنسان، و أمّا بعد هضمه فلا يتبدّل بالدم عرفاً، و لهذا لا يرى للبقّ دم إلّا ما امتصّه من الإنسان.

و لعلّ البرغوث أيضاً كذلك، و لو كان له دم أيضاً فلا شبهة في شمول الروايات للدم الذي في جوفه و امتصّه من الإنسان.

فالأقوىٰ

ما ذكر؛ و إن كان الأحوط الاجتناب عن الدم الذي امتصّه من الإنسان و لم يستقرّ في جوفه زماناً.

كما إنّ الأقوىٰ نجاسة الدم الذي امتصّه العلق؛ للاستصحاب. بل لإطلاق الدليل، على احتمال، و عدم سيرة أو دليل آخر علىٰ طهارته.

نعم، لو صار جزء بدنه و تبدّل إلىٰ موضوع آخر و لو كان دماً طهر.

طهارة الخمر بانقلابها خلّا و لو بعلاج

و أمّا انقلاب الخمر خلّا فلا يكون استحالة؛ للتبدّل في الصفة عرفاً، فبقي موضوع الاستصحاب، و جرى الاستصحاب الحكمي فيه. بل مع الغضّ عنه يحكم بنجاسته؛ لملاقاته مع الإناء المتنجّس بالخمر.

فلا بدّ في الحكم بطهارته من قيام دليل مخرج عن الأصل و إطلاق الدليل، و هو النصوص المستفيضة مضافاً إلى الإجماع المنقول مستفيضاً فيما ينقلب

______________________________

(3) الكافي 3: 60/ 9، وسائل الشيعة 3: 436، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 371

خلّا بنفسه «1»، و إطلاق بعض معاقده فيما ينقلب بالعلاج «2». و عن جمع دعوى الشهرة عليه «3» مثل

موثّقةِ زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلّا، قال: «لا بأس» «4».

و

موثّقةِ عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلّا، قال: «لا بأس» «5».

و

موثّقتِه الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام): أنّه قال في الرجل إذا باع عصيراً، فحبسه السلطان حتّى صار خمراً، فجعله صاحبه خلّا، قال: «إذا تحوّل عن اسم «الخمر» فلا بأس» «6».

و الظاهر منها جعلها خلّا بالعلاج؛ فإنّ الخمر بنفسها و لو بقيت طويلًا لا تصير خلّا، فالمراد من جعلها خلّا هو علاجها حتّى صارت كذلك؛ بأن يوضع فيها شي ء كالخلّ و الملح.

هذا مع

تصريح بعض الروايات به، مثل ما

عن ابن إدريس نقلًا عن

______________________________

(1) الانتصار: 200، منتهى المطلب 1: 167/ السطر 33، التنقيح الرائع 4: 61، مجمع الفائدة و البرهان 1: 354.

(2) المهذّب البارع 4: 240، كشف اللثام 1: 466.

(3) مسالك الأفهام 12: 101، كفاية الأحكام: 253/ السطر 25، مستند الشيعة 1: 332.

(4) الكافي 6: 428/ 2، وسائل الشيعة 25: 370، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 1.

(5) الكافي 6: 428/ 3، تهذيب الأحكام 9: 117/ 505، وسائل الشيعة 25: 370، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 3.

(6) تهذيب الأحكام 9: 117/ 507، وسائل الشيعة 25: 371، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 372

«جامع البَزَنْطي» عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سئل عن الخمر تعالج بالملح و غيره لتحوّل خلّا، قال: «لا بأس بمعالجتها ..» «1»

إلىٰ آخره.

و

صحيحةِ عبد العزيز بن المهتدي على الأصحّ «2» قال: كتبت إلى الرضا (عليه السّلام): جعلت فداك، العصير يصير خمراً، فيصبّ عليه الخلّ و شي ء يغيّره حتّى يصير خلّا، قال: «لا بأس به» «3».

فما في بعض الروايات الشاذّة من المنع مطروح، أو مأوّل و محمول على الكراهة، مثل ما

عن «العيون» عن عليّ (عليه السّلام): «كلوا من الخمر ما انفسد، و لا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم» «4».

و

رواية أبي بصير و لا يبعد أن تكون صحيحةً «5» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

______________________________

(1) السرائر 3: 577، وسائل الشيعة 25: 372، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 11.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده،

عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن عبد العزيز بن المهتدي. و ليس في السند من يتأمّل فيه غير محمّد بن عيسى بن عبيد، فإنّه وثّقه النجاشي و ضعّفه الشيخ. أمّا عند المصنف (قدّس سرّه) فهو ثقة على الأصح كما صرّح به في الجزء الأوّل أيضاً في الصفحة 349. فراجع.

(3) تهذيب الأحكام 9: 118/ 509، وسائل الشيعة 25: 372، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 8.

(4) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 40/ 127، وسائل الشيعة 25: 25، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 10، الحديث 24.

(5) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن حسين الأحمسي، عن محمّد بن مسلم و أبي بصير و عليّ عن أبي بصير. و ليس في السند من يناقش فيه إلّا عليّ بن أبي حمزة البطائني.

راجع رجال النجاشي: 249/ 656، الفهرست: 96/ 418، اختيار معرفة الرجال: 403/ 755، تنقيح المقال 2: 260/ السطر 39 (أبواب العين).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 373

سئل عن الخمر يجعل فيها الخلّ، فقال: «لا، إلّا ما جاء من قِبَل نفسه» «1».

مع ما في الاولىٰ من الإجمال. بل الثانية لا تخلو منه أيضاً.

حول كمّية ما يعالج به و كيفيته

و أمّا

موثّقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخمر تجعل خلّا، قال: «لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها»

ففي «الوسائل» و «الكافي»: «يغلبها» بالغين المعجمة «2»، و في بعض كتب الاستدلال «يقلبها» بالقاف «3».

و الظاهر أنّها موافقة لمضمون

روايته الأُخرىٰ عنه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخمر يصنع فيها شي ء حتّى

تحمّض، قال: «إن كان الذي صنع فيها هو الغالب علىٰ ما صنع فيه، فلا بأس به» «4».

فهي مؤيّدة لصحّة نسخة «الكافي» و «الوسائل» و فيها نحو إجمال يرفع بما في النسختين، فيكون المراد من الروايتين النهي عن غلبة ما يعالج به الخمر لتصير خلّا، فلا يجوز صبّ مقدار منها في خلّ كثير، و لا تطهر و لو مع العلم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 118/ 510، وسائل الشيعة 25: 371، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 7.

(2) الكافي 6: 428/ 4، وسائل الشيعة 25: 371، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 4.

(3) جواهر الكلام 6: 284، مصباح الفقيه، الطهارة: 635/ السطر الأخير.

(4) الكافي 6: 428/ 1، تهذيب الأحكام 9: 119/ 511، وسائل الشيعة 25: 370، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 374

بصيرورتها خلّا؛ لأنّه صار نجساً بصبّها فيه. و لا دليل علىٰ صيرورته طاهراً بالتبع؛ فإنّ ما طهر بالتبع هو شي ء يصبّ للعلاج بحسب المتعارف، كمقدار من الملح أو الخلّ ممّا يتعارف صبّه فيها للانقلاب.

فما عن الشيخ من القول بطهارة الخمر القليلة الملقاة في خلّ كثير؛ إذا مضى عليها زمان يعلم عادة باستحالتها «1» ضعيف، لا لما قيل: «بأنّ صبّ المائع حتّى للعلاج محلّ إشكال، فضلًا عن غيره» «2» فإنّ الخلّ الوارد في الأدلّة من المائعات. مضافاً إلىٰ أنّ مقتضىٰ إطلاق الأدلّة عدم الفرق.

بل منشأ الإشكال أنّ المستفاد من الأدلّة، هو طهارة ما يعمل علاجاً و يتعارف استعماله فيه دون غيره، فإلقاء الأجسام الأجنبية فيها سواء كانت من المائعات أو الجامدات؛ لتصير طاهرة بالتبع

محلّ إشكال و منع.

بل الإشكال في الجامدات أشدّ إذا كانت المائعات بمقدار يستهلك فيها؛ و إن زاد عن المتعارف. بل مع الاستهلاك يكون للقول بالطهارة وجه.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ مقتضىٰ موثّقتي أبي بصير، جواز جعل الخلّ و غيره فيها إذا لم يغلبها و إن زاد عن المتعارف. لكنّ الاتكال عليهما مع اختلاف نسخة الاولىٰ، و الإجمال في الثانية لا يخلو من إشكال، فالأحوط عدم التجاوز عن المقدار المتعارف للعلاج.

و أمّا ذهاب الثلثين، فلا موجب للبحث عنه بعد ما تقدّم من عدم نجاسة العصير بغليانه «3». و لو فرض حصول الإسكار في بعض الأحيان و صار خمراً، فلا يطهر إلّا بالانقلاب.

______________________________

(1) النهاية: 592 593، تهذيب الأحكام 9: 118 119.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 636/ السطر 16.

(3) تقدّم في الجزء الثالث: 294.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 375

الكلام في مطهّرية الإسلام

اشارة

و أمّا الإسلام، فموجب لارتفاع نجاسة الكفر، و هو نظير الانقلاب من تبدّل عنوان بالآخر دلّت الأدلّة علىٰ طهارة المعنون به.

نعم، إن قلنا بطهارة رطوباته المتصلة به، كعرقه و بصاقه و وسخه و ثوبه المتنجّس بها، كما ادعي عليها السيرة «1»، و عدم معهودية الأمر بتطهيره بعد الإسلام مع ملازمته لها، يكون الإسلام مطهّراً لها.

و أمّا بناءً علىٰ ما قيل من تبدّل النسبة و صيرورتها من المسلم «2»، فيكون من الانقلاب. لكنّه كما ترى، سيّما في بعضها.

و كيف كان: فالحكم بطهارة المسلم من الكفر الأصلي إجماعي «3»، بل ضروري، كما ادعاه الأعلام «4»، و هو كذلك.

طهارة من أسلم عن الارتداد الملّي

و هو متسالم عليه فيمن أسلم عن ارتداد ملّي، و حكي عليه الاتفاق «5». و تدلّ عليه مضافاً إلىٰ أولوية قبول إسلامه و توبته من الفطري، الذي يأتي قوّة قبوله منه آنفاً

صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن (عليه السّلام) قال

______________________________

(1) انظر مستمسك العروة الوثقى 2: 116.

(2) جواهر الكلام 6: 299.

(3) منتهى المطلب 1: 168/ السطر 28، ذكرى الشيعة 1: 131.

(4) مستند الشيعة 1: 341، جواهر الكلام 6: 293.

(5) مستمسك العروة الوثقى 2: 116.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 376

سألته عن مسلم تنصّر، قال: «يقتل و لا يستتاب».

قلت: فنصراني أسلم ثمّ ارتدّ، قال: «يستتاب، فإن رجع و إلّا قتل» «1».

و بها يقيّد إطلاق نحو

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المرتدّ، فقال: «من رغب عن الإسلام، و كفر بما انزل علىٰ محمّد بعد إسلامه، فلا توبة له و قد وجب قتله، و بانت منه امرأته، و يقسم ما ترك علىٰ ولده» «2».

و المراد من قوله (عليه السّلام): «بعد

إسلامه» بعد كونه مسلماً، لا بعد دخوله في الإسلام؛ جمعاً بينها و بين صحيحة عليّ بن جعفر المصرّحة باستتابته.

قبول توبة المرتدّ الفطري باطناً و ظاهراً و طهارته بعدها

و أمّا المرتدّ الفطري، فالظاهر قبول توبته أيضاً:

أمّا باطناً: فيمكن دعوى القطع به؛ لعموم رحمته تعالىٰ و فضله على العباد، و عدم إمكان طرد من رجع إليه و تاب و أسلم و آمن؛ بأن ردّه من بابه، و عذّبه عذاب الكفّار. بل لعلّه مخالف لأُصول العدلية.

و أمّا ظاهراً: بمعنى صحّة إسلامه فقد يقال بعدم قبوله. و علىٰ فرض قبوله و صيرورته مسلماً فلا دليل علىٰ صيرورته طاهراً؛ لعدم عموم علىٰ طهارة كلّ مسلم يشمل مثله، فمقتضى الاستصحاب نجاسته «3».

______________________________

(1) الكافي 7: 257/ 10، تهذيب الأحكام 10: 138/ 548، وسائل الشيعة 28: 325، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 1، الحديث 5.

(2) الكافي 7: 256/ 1، تهذيب الأحكام 10: 136/ 540، وسائل الشيعة 28: 323، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 1، الحديث 2.

(3) مستمسك العروة الوثقى 2: 118 119.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 377

و قد يستدلّ «1» علىٰ عدم قبوله بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة.

و فيه: مضافاً إلىٰ عدم الملازمة بين عدم قبول توبته و عدم صحّة إسلامه؛ لإمكان أن يكون المرتدّ الذي عصىٰ ربّه و استوجب القتل في الدنيا و العذاب في الآخرة، لا تقبل توبته من هذا العصيان و إن صار مسلماً، فمقتضى الجمع بين الصحيحة و بين ما دلّت علىٰ أنّ الإسلام عبارة عن الشهادتين «2»، أن يصحّ إسلامه، و يترتّب عليه أحكام الإسلام: من الطهارة و غيرها، لكن لا يصير إسلامه موجباً لقبول توبته من عصيانه السابق، فيستحقّ العقوبة في الآخرة، لا نحو

عقوبة الكفّار من الخلود، و في الدنيا تترتّب عليه أحكام المرتدّ.

أنّ الصحيحة قاصرة عن إثبات عدم قبول توبته باطناً و ظاهراً؛ فيما هو راجع إلى الأحكام الثابتة له بالارتداد، كوجوب قتله و بينونة زوجته و تقسيم ماله و ما لا يرجع إليه؛ لأنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «و قد وجب قتله، و بانت امرأته، و يقسم ما ترك علىٰ ولده» أنّ الجمل حالية.

فحاصل الصحيحة: أنّ الأحكام الثلاثة بعد ثبوتها بحدوث الارتداد، لا ترفع بالتوبة، فلا توبة له و الحال أنّ القتل صار ثابتاً، و الامرأة بائنةً، و المال منتقلًا إلى الورثة، فيمكن دعوى ظهورها أو إشعارها بأنْ لا توبة لها بالنسبة إلىٰ ما ثبت عليه و مضىٰ؛ و هي الأحكام الثلاثة، دون ما سيأتي من الأحكام، كطهارته و غيرها.

بل الظاهر أنّ الصحيحة نظير غيرها من الروايات الواردة في الباب «3»، الدالّة علىٰ أنّ المرتدّ الملّي يستتاب و لا يقتل، و الفطري لا يستتاب، و على الإمام

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 294.

(2) الكافي 2: 25/ 1.

(3) وسائل الشيعة 28: 323، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 1 و 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 378

أن يقتله بلا استتابة، فلا إطلاق فيها.

و بالجملة: لا يصحّ إثبات هذا الحكم المخالف للعقول في قبول توبته باطناً و للأدلّة في قبول إسلامه و تحقّقه منه، بتلك الرواية. و لا يبعد رجوع كلمات الفقهاء إلىٰ ما تقدّم، فلا يمكن الاعتماد على الشهرة المحكية في الباب «1».

و أمّا احتمال بقاء نجاسته بعد صحّة إسلامه، فلا ينبغي التفوّه به بعد وضوح طهارة كلّ مسلم لدى المتشرّعة. بل لو أنكر أحد نجاسة هذا المرتدّ الراجع عن ارتداده،

كان أقرب إلى الصواب من إنكار طهارة هذا المسلم الذي إسلامه كسائر المسلمين.

مضافاً إلىٰ أنّ الروايات الواردة في تشريح حقيقة الإسلام، ظاهرة في أنّ جميع أحكام الإسلام مترتّبة علىٰ من أقرّ بالشهادتين، كموثّقة سَماعة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أخبرني عن الإسلام .. إلىٰ أن قال: «الإسلام: شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، و التصديق برسول اللّٰه، به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث، و علىٰ ظاهره جماعة الناس» «2» و نحوها صحيحة حُمران بن أعين «3».

و معلوم أنّ تلك الأمثلة لإفادة أنّ جميع الأحكام الظاهرة من المعاشرات و المناكحات و غيرها مترتّبة على الشهادتين، فتوهّم أنّ الطهارة التي هي من أوضح ما يحتاج إليها الناس في عشرتهم لا تترتّب عليها، في غاية السقوط.

نعم، لأحد أن يقول: إنّ الروايات في هذا المضمار إنّما هي لبيان الإسلام المقابل للإيمان، و لا إطلاق لها بالنسبة إلى المرتدّ عن الإسلام إذا رجع و أظهر الشهادتين.

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 294، مصباح الفقيه، الطهارة: 638/ السطر 34.

(2) الكافي 2: 25/ 1.

(3) الكافي 2: 26/ 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 379

لكنّه و هم؛ فإنّ المنساق من الروايات أنّ الشهادتين تمام حقيقة الإسلام، و تمام الموضوع لترتّب الآثار الظاهرة علىٰ مظهرها، فالتشكيك في طهارة المسلم- سيّما المؤمن بجميع ما جاء به النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الذي هو أعزّ من الكبريت الأحمر، و يكون من أولياء اللّٰه تعالىٰ .. إلىٰ غير ذلك من الأوصاف التي ذكرت له في الروايات «1» كالتشكيك في البديهي.

و أمّا الاستدلال عليها: بأنّه مكلّف بالإسلام و شرائعه، فلا بدّ من صحّتها منه، و إلّا فلا يعقل

تكليفه بها جدّاً، و الصحّة متوقّفة علىٰ قبول إسلامه و علىٰ طهارته «2».

فغير وجيه؛ إذ غاية ما يدلّ عليه هذا الوجه، هو قبول إسلامه الذي هو شرط في قبول عمله، و لا يمكن التخصيص في دليله، و أمّا اشتراط الطهارة فيمكن أن يقال بسقوطه منه، فالعلم بصحّة العبادات منه ملازم للعلم بصحّة إسلامه، لا العلم بطهارته.

و منه يظهر أنّ الاستدلال «3» عليها

برواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام): فيمن كان مؤمناً فحجّ و عمل في إيمانه، ثمّ أصابته في إيمانه فتنة فكفر، ثمّ تاب و آمن، قال: «يحسب له كلّ عمل صالح في إيمانه، و لا يبطل منه شي ء» «4»

غير وجيه؛ لأنّها تدلّ علىٰ قبول أعماله الصالحة، و هو لا يلازم طهارة بدنه.

نعم، يلازم صحّة عباداته و لو مع إسقاط شرطية الطهارة.

______________________________

(1) راجع الكافي 2: 242/ 1، بحار الأنوار 64: 159/ 3.

(2) الروضة البهيّة 9: 337 338، مستمسك العروة الوثقى 2: 118.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 639/ السطر 35.

(4) تهذيب الأحكام 5: 459/ 1597، وسائل الشيعة 1: 125، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 30، الحديث 1، (و فيه: «عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام)»).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 381

الأمر الرابع في مطهّرية الأرض

اشارة

و لا ينبغي الإشكال في مطهّريتها إجمالًا، و عن «جامع المقاصد» الإجماع عليها في باطن النعل و أسفل القدم و الخفّ و القبقاب و نحوه «1».

و عن «المدارك»: «أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، و ظاهرهم الاتفاق عليه» «2».

و عن «الدلائل»: «هو مقطوع به في كلام الأصحاب، و نقل بعضهم الإجماع عليه» «3».

و عن «المعالم» و «الذخيرة»: «لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب» «4».

و ربّما

يظهر من الشيخ في «الخلاف» خلاف في ذلك «5»، علىٰ إشكال في ظهور كلامه، و علىٰ فرضه لا بدّ من تأويله.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 179.

(2) مدارك الأحكام 2: 372.

(3) انظر مفتاح الكرامة 1: 187/ السطر 21.

(4) معالم الدين (قسم الفقه) 2: 752، ذخيرة المعاد: 173/ السطر 7.

(5) الخلاف 1: 217 218.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 382

الروايات الدالّة علىٰ مطهّرية الأرض

و تدلّ عليها الكبرى الواردة في الروايات ب «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»:

تارة: في وطء العَذِرَة،

كصحيحة محمّد بن مسلم قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السّلام) إذ مرّ علىٰ عَذِرة يابسة، فوطأ عليها فأصابت ثوبه، فقلت: جعلت فداك، قد وطأت علىٰ عَذِرة فأصابت ثوبك، فقال: «أ ليس هي يابسة؟» فقلت: بلىٰ، قال: «لا بأس؛ إنّ الأرض تطهّر بعضها بعضاً» «1».

و لعلّ المراد أنّه لا بأس بإصابة الثوب؛ لكونها يابسة، و لا بوطئها الملازم لصحابة أجزائها للرجل أو النعل؛ لأنّ الأرض تزيلها، و علىٰ هذا يكون مفادها غير مفاد ما تأتي في سائر الروايات.

و يحتمل بعيداً أن يراد بنفي البأس إذا كانت يابسة، نفيه عن إصابة الثوب، و ذكر الكبرى لأجل التنبيه علىٰ أنّها لو كانت رطبة و تلوّثت بها الرجل، تطهر بالأرض، فضلًا عمّا كانت يابسة، و عليه يكون مفادها كغيرها. و احتمل بعضهم وقوع سقط فيها «2».

و أُخرى: في مورد التنجّس بملاقي الخنزير،

كحسنة «3» المعلّى بن خُنيس قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخنزير يخرج من الماء، فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء، أمرّ عليه حافياً؟

______________________________

(1) الكافي 3: 38/ 2، وسائل الشيعة 3: 457، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 2.

(2) غنائم الأيّام 1: 483.

(3) تقدّم وجهها في الصفحة 23،

الهامش 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 383

فقال: «أ ليس وراءه شي ء جافّ؟» قلت: بلىٰ، قال: «فلا بأس؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «1».

و ثالثة: في مورد التنجّس بالبول،

كحسنة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه، فربّما مررت فيه و ليس عليّ حذاء، فيلصق برجلي من نداوته، فقال: «أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟» قلت: بلىٰ، قال: «فلا بأس؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «2» ..

إلىٰ آخره.

و رابعة: في مورد التنجّس بمطلق القذر، كموثّقة الحلبي «3» لو كانت القضية غير ما في الحسنة، و إلّا كان المراد من «القذر» البول، كما صرّح به في الأُولىٰ.

و كيف كان: يظهر من تلك الكبرى أنّ الأرض مطهّرة للرجل و لو فرض أنّ فيها إجمالًا؛ فإنّ صدورها لإفادة طهارتها و جواز الدخول معها في المسجد و الدخول في الصلاة كما لعلّه المنساق منها ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

و إنّما الإشكال في كيفية إفادتها طهارة الرجل، و لا يبعد أن يكون المتفاهم منها: أنّ الأرض يطهّر بعضها ما يتنجّس ببعضها، أو يكون المراد ب «البعض» الثاني نفسَ النجاسات الحالّة في الأرض بنحو من التأويل، فإنّها صارت كالجزء لها، و المراد ب «تطهيرها» تطهير آثارها من الملاقي، كقوله: «الماء يطهّر الدم».

______________________________

(1) الكافي 3: 39/ 5، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 3.

(2) السرائر 3: 555، وسائل الشيعة 3: 459، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 9.

(3) الكافي 3: 38/ 3، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 4، و قد تقدّم متنه في الصفحة

13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 384

نعم، ما احتمله الكاشاني «1» غير بعيد بالنسبة إلىٰ صحيحة ابن مسلم المتقدّمة «2»، و الظاهر أنّ مراده توجيه هذه الرواية دون غيرها.

بل يمكن استفادة الطهارة من سائر الروايات أيضاً؛ فإنّ اشتراط طهارة البدن لمّا كان معهوداً لدى السائل و المسؤول، فلا يفهم من تجويز الصلاة مع رجل ساخت في العَذِرة بعد مسحها و ذهاب أثرها «3»، و لا من نفي البأس إذا مشىٰ نحو خمسة عشر ذراعاً «4»، إلّا حصولَ شرط الصلاة و الطهارة، و أمّا رفع اليد عنه و العفو فشي ء لا يفهمه العرف، فلا ينبغي التأمّل في حصولها.

نعم، الاستدلال عليها «5» بمثل

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً» «6»

أو

قوله (عليه السّلام): «إنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» «7»

ضعيف؛ لأنّ الظاهر منهما سيّما الثانية كونهما إشارة إلىٰ آية التيمّم «8»، و إلّا فالأخذ بإطلاقهما خلاف الإجماع، بل الضرورة. و تقييدهما موجب للاستهجان.

______________________________

(1) الوافي 6: 225.

(2) تقدّمت في الصفحة 382.

(3) كما في صحيحة زرارة الآتية في الصفحة 387.

(4) كما في صحيحة الأحول الآتية في الصفحة 385.

(5) الحدائق الناضرة 5: 457.

(6) الفقيه 1: 155/ 724، وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 2.

(7) الفقيه 1: 60/ 223، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 2.

(8) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 385

عموم مطهّرية الأرض لجميع النجاسات

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق بعض الروايات كالكبرى المتقدّمة «1»، و

صحيحة الأحول، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: في الرجل يطأ على الموضع

الذي ليس بنظيف، ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً، قال: «لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً، أو نحو ذلك» «2»

بل و

موثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: أنّه سأله عن رجل يتوضّأ و يمشي حافياً و رجله رطبة، قال: «إن كانت أرضكم مبلّطة أجزأكم المشي عليها ..» «3»

إلىٰ آخره عموم الحكم لجميع النجاسات من غير فرق بين العَذِرة و البول و غيرهما.

اختصاص الحكم بالنجاسة الحاصلة من الأرض بالمشي و نحوه

و هل يعمّ الحكم حصولها بأيّ نحو كان، أو يختصّ بحصولها من الأرض بمشي و نحوه، لا النجاسة الخارجية؛ كأن قطرت علىٰ باطن القدم قطرة دم أو غيره؟

قد يقال: «إنّ مورد جلّ الروايات أو كلّها و إن كان ما حصل التلوّث من الأرض، بل قد يستشعر من

قوله (عليه السّلام): «الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «4»

ذلك،

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 382.

(2) الكافي 3: 38/ 1، وسائل الشيعة 3: 457، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 2: 372/ 1548، وسائل الشيعة 3: 459، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 8.

(4) تقدّم في الصفحة 382.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 386

لكن استبعاد مدخلية مثل هذه الخصوصية في موضوع الحكم، مانع عن أن يقف الذهن دونها، و لهذا لم يفهم الأصحاب منها الاختصاص» «1».

و حاصل كلامه يرجع إلىٰ إلغاء الخصوصية عرفاً.

و يمكن أن يستدلّ له بإطلاق صحيحة الأحول؛ فإنّ الموضع الذي ليس بنظيف أعمّ من الأرض؛ كأن وطأ علىٰ فراش و نحوه، و يتمّ في غيره بعدم الفصل جزماً.

لكن الحكم بالتعميم في المقام لا يخلو من إشكال؛ لأنّ الكبرى المتقدّمة لمّا كانت في مقام بيان الضابط، لا بدّ من أخذ القيود التي فيها،

و لا يجوز إلغاؤها إذا كانت في مورد إعطاء القاعدة، و لا يبعد أن يكون أظهر الاحتمالات فيها أحد الاحتمالين المتقدّمين «2»، فيفهم منها دخالة خصوصية حصول النجاسة من الأرض، و إلّا لم يأخذها في مقام إعطاء الضابط.

و احتمال أن يكون المراد من «البعض» الثاني الأرض، و يكون المراد من «تطهيرها» إزالة أثرها، أو استحالتها و تبديل موضوعها، و يكون الاستدلال بهذه القضية لطهارة الرجل و الخفّ، مبنياً علىٰ تنزيلهما منزلة الأرض بعلاقة المجاورة «3»، بعيد مخالف للمتفاهم العرفي، بل لعلّه من أبعد الاحتمالات.

كما أنّ في إطلاق صحيحة الأحول إشكالًا، سيّما مع أنّ المراد من المكان النظيف الذي بعده هو الأرض، كما يأتي الكلام فيه «4». و التفكيك بينهما بدعوىٰ إطلاق «الموضع الذي ليس بنظيف» لكلّ موضع؛ لمساعدة العرف، مع عدم الفرق

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 643/ السطر 4.

(2) تقدّما في الصفحة 383.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 642/ السطر 35.

(4) يأتي في الصفحة 390.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 387

بين أسباب حصول النجاسة، و عدم إطلاق قوله: «مكاناً نظيفاً» بعيد، سيّما مع الكبرى المتقدّمة.

بل يمكن تقييد إطلاقه بها لو فرض الإطلاق؛ بعد ما عرفت ظهورها؛ و أنّ القيد فيها ظاهر في القيدية. بل و ظهور النبويين العامّيين في الاختصاص؛ فإنّ

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «إذا وطأ أحدكم الأذىٰ بخفّيه فطهورهما التراب» «1»

و

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «إذا وطأ أحدكم بنعليه الأذىٰ فإنّ التراب له طهور» «2»

ظاهر أو مشعر بالاختصاص، و معه يشكل إلغاء الخصوصية.

و أمّا عدم ذكر الأصحاب هذا القيد، بل مقتضىٰ إطلاق كلامهم عدم القيدية، فليس إلّا لاجتهادهم في تلك الروايات؛ للجزم بعدم

أمر آخر عندهم وراءها، و معه ليست الشهرة بحجّة.

إلّا أن يقال: إنّ عدم دخالة الخصوصية عرفاً يستكشف من فهم الأصحاب؛ فإنّهم أيضاً من العرف.

و هو مشكل بعد عدم استفادتنا إلغاء الخصوصية بالشواهد المتقدّمة، فالأحوط لو لم يكن أقوى اعتبار كون النجاسة من الأرض.

كفاية ملاقاة عين النجس الملقاة على الأرض

نعم، لا يلزم أن يكون التنجّس بملاقاة الأرض المتنجّسة، بل أعمّ منه و من ملاقاة عين النجس الملقاة فيها، كما تدلّ عليه

صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل وطأ علىٰ عَذِرة، فساخت رجله فيها، أ ينقض ذلك وضوءه،

______________________________

(1) سنن أبي داود 1: 158/ 386.

(2) سنن أبي داود 1: 158/ 385، مستدرك الحاكم 1: 166.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 388

و هل يجب عليه غسلها؟ فقال: «لا يغسلها إلّا أن يقذرها، و لكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها و يصلّي» «1».

كما تدلّ علىٰ ثبوت الحكم لملاقاة الأرض المتنجّسة حسنة المعلّى «2» و إطلاق بعض الروايات.

مطهّرية الأرض لأسفل القدم و باطن النعل

ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال في ثبوت الحكم لأسفل القدم؛ لإطلاق بعض الروايات، كصحيحة الأحول و إحدى روايتي الحلبي، و صراحة جملة منها، كحسنتي المعلّى و الحلبي و صحيحة زرارة و موثّقة عمّار، و لم يتضح مع ذلك وجه إشكال العلّامة في محكي «التحرير» «3» و توقّفه في محكي «المنتهىٰ» «4» فيه.

و أمّا باطن النعل و الخفّ، فمضافاً إلىٰ حكاية الشهرة «5» و الإجماع و عدم الخلاف فيه «6»، يدلّ عليه إطلاق الكبرى المتقدّمة، و إطلاق صحيحة الأحول و صحيحة ابن مسلم، فإنّ من المعلوم عدم كون أبي جعفر (عليه السّلام) بلا حذاء، و

رواية حفص بن أبي عيسىٰ قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي وطأت علىٰ عَذِرة بخفّي،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 275/ 809، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 7.

(2) تقدّمت في الصفحة 382.

(3) تحرير الأحكام 1: 25/ السطر 14.

(4) منتهى المطلب 1: 179/ السطر 14.

(5) الحدائق الناضرة 5: 451، مستند الشيعة 1: 335.

(6) تقدّم في الصفحة

381.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 389

و مسحته حتّى لم أرَ فيه شيئاً، ما تقول في الصلاة فيه؟ فقال: «لا بأس» «1».

إذ الظاهر أنّ سؤاله عن طهارته بالمسح، و إلّا فصلاته صحيحة مع نجاسته أيضاً.

و يلحق بهما مثل القبقاب، و ظاهر القدم و النعل إذا كان المشي عليه لنقص في الخلقة علىٰ الأقوىٰ؛ لإطلاق بعض الأخبار.

و في إلحاق الركبتين و اليدين ممّن يمشي عليهما تأمّل، و إن لا يخلو من وجه؛ للتعليل المتقدّم. بل لا يبعد صدق «الوطء» عليهما علىٰ تأمّل، سيّما في اليدين.

و في إلحاق عصى الأعرج و خشبة الأقطع إشكال؛ لاحتمال انصراف الأدلّة عنهما. و أشكل منهما نعل الدوابّ و أسفل العكّاز و كعب الرمح. و من الكلّ أسفل العربات و الدبّابات و نحوها.

و احتمال إلحاق الجميع؛ لإطلاق الكبرى المتقدّمة، غير وجيه؛ لعدم إمكان الأخذ بإطلاقها، إذ مقتضىٰ ذلك أنّ كلّ ما تنجّس بالأرض يطهر بها، و هو مقطوع البطلان، فلا بدّ من اختصاصها بأنحاء ما وقع السؤال عنها، و عدم التعدّي عن إطلاق بعض الأدلّة، مثل صحيحة الأحول.

و بالجملة: بعد وضوح بطلان الأخذ بإطلاق الكبرى المتقدّمة للزوم التعدّي إلىٰ كلّ ما تنجّس بالأرض؛ حتّى الثياب و الأواني لا يبقى لإطلاقها في المذكورات وثوق، بل يوهن ذلك الإطلاق، و يشكل التعدّي عن موردها؛ أي القدم و النعل.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 274/ 808، وسائل الشيعة 3: 458، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 390

نعم، لا فرق بين أنحاء النعال، بل لا يبعد إلحاق الجورب إذا خيط في أسفله جلد الدابّة كما قد يعمل علىٰ تأمّل فيه. و أمّا الجورب

المعمول من القطن و الصوف أو غيرهما، فالأقوىٰ عدم الإلحاق؛ لانصراف صحيحة الأحول «1» عنه، و عدم دليل آخر عليه.

اعتبار كون المطهّر أرضاً لا حصيراً مثلًا

ثمّ إنّه يعتبر في المطهّر أن يكون أرضاً، و عن ابن الجنيد كفاية المسح بكلّ قالع «2»، و عن «النهاية» احتماله «3». و اختار النراقي الاجتزاء بالمشي في غير الأرض، كالحصير و النبات و الخشب «4».

و الدليل على الاعتبار: الكبرى الملقاة في مقام الضابط، حيث لا بدّ من الأخذ بقيودها و الحكم بدخالتها، فلو كان مطلق القالع أو المشي علىٰ مطلقه مجزياً، لما كان اختصاص الأرض بالذكر في مقام ذكر الضابط مناسباً، سيّما مع قوله (عليه السّلام) في حسنة الحلبي: «أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟».

و هي المراد بقوله (عليه السّلام): «أ ليس وراءه شي ء جافّ؟» في حسنة المعلّى بقرينة ذكر الكبرى بعده، و هما يؤكّدان خصوصية الأرض.

و يؤيّد الاعتبار بل يدلّ عليه موثّقة عمّار. و يؤيّده النبويان المتقدّمان. بل كون الأرض بخصوصها مطهّرة للحدث، لا يخلو من تأييد.

و بكلّ ذلك يقيّد إطلاق صحيحتي الأحول و زرارة و رواية حفص

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 385.

(2) انظر منتهى المطلب 1: 178/ السطر 29، مصباح الفقيه، الطهارة: 644/ السطر 9.

(3) نهاية الإحكام 1: 291.

(4) مستند الشيعة 1: 338.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 391

المتقدّمات، و ذيل

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «جرت السنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله، و يجوز أن يمسح رجليه و لا يغسلهما» «1»

علىٰ فرض تسليم إطلاقها.

مع إمكان إنكاره بدعوىٰ: أنّ صحيحة الأحول منصرفة إلى الأرض، كما عن صاحب «الحدائق» «2» و هو غير بعيد، سيّما مع أنّ الوطء

بالرجل القذرة لمثل الفراش بعيد، خصوصاً عمداً. و أنّ غير الأرض في محلّ الصدور نادر.

و دعوىٰ: أنّ صحيحة زرارة في مقام بيان عدم وجوب الغسل و كفاية المسح، و ليست بصدد بيان ما يمسح به و شرائطه. مع أنّ المتعارف في مسح ما يقذر بالعذرة هو المسح على الأرض، سيّما في تلك البلاد و ذلك العصر.

و منه يظهر الحال في رواية حفص. و الصحيحة الأخيرة مع عدم وضوح المراد منها يأتي فيها ما ذكر.

و أمّا دعوى كون المقام نظير باب الاستنجاء، بل هو منه، فكما يكفي فيه مطلق القالع، كذلك في المقام، ففيه ما لا يخفى، فالأقوىٰ اعتبار كون القالع أرضاً.

عدم الفرق بين أجزاء الأرض في التطهير

نعم، لا فرق بين أجزاء الأرض، كالتراب و الحجر و الحصىٰ و الرمل و الجصّ و النورة، بل و الآجرّ و الخزف؛ لصدق «الأرض» عليها، و لجريان استصحاب كونها مطهّرة في بعضها.

و لا يضرّ بالحكم اختلاط غير الأرض بها بما لا يضرّ بالصدق العرفي،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 46/ 129، وسائل الشيعة 3: 459، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 10.

(2) انظر مستمسك العروة الوثقى 2: 67 68، الحدائق الناضرة 5: 458.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 392

كالتبن القليل و نحوه؛ لابتلاء الأراضي نوعاً به، فمقتضى الإطلاق عدم الإضرار، و إلّا لوجب التنبيه عليه.

اعتبار جفاف الأرض و يبوستها

و من بعض ما تقدّم يظهر اعتبار الجفاف و اليبوسة في الأرض؛ لأنّ ذكر «الجافّ» في حسنة المعلّى «1» و «اليابس» في حسنة الحلبي «2»، دليل عليه، سيّما في مقام بيان الضابط.

و دعوىٰ: أنّ «الجافّ» في الاولىٰ في مقابل الماء السائل من الخنزير، و «اليابسة» في الثانية في مقابل نداوة البول «3»، كما ترى؛ فإنّه إن أُريد مقابلتهما للنداوة و الرطوبة مطلقاً فمسلّم، لكن يستفاد منهما التقييد.

و إن أُريد مقابلتهما لنداوة البول و ما سال من الخنزير أي يكون جافّاً من هذه الرطوبة و النداوة حتّى لا ينافي كونه رطباً بغيرها، بل وحلًا فهو ممنوع جدّاً؛ لعدم صدق «الجفاف» و «اليبوسة» عليه، كما لا يخفى.

مع أنّ للمسح على الجافّ و اليابس، دخالةً في قلع القذارة لدى العرف؛ فإنّ المسح بشي ء رطب رطوبة سارية أو بشي ء نحو الوحل، يوجب انتشار القذارة، بل صيرورة المحلّ أقذر، لا قلعها، و لهذا يناسب «الجفاف» و «اليبس» القلعَ بارتكاز العرف، فيفهم منهما القيدية، و بهما يقيّد إطلاق لو كان.

نعم، لا يبعد أن

يقال: إنّ الرطوبة الضعيفة غير السارية غير مضرّة؛ لصدق

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 382.

(2) تقدّمت في الصفحة 383.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 644/ السطر 30، مستمسك العروة الوثقى 2: 70.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 393

«الجافّ» بل و «اليابس» على الأرض إذا كانت كذلك، سيّما بعض مراتبها.

و لو كان «الجفاف» أعمّ من «اليبوسة» و كانت الثانية غير صادقة على الأرض التي لها رطوبة غير سارية، فلا يبعد أيضاً القول بكفاية الجفاف؛ بدعوىٰ أنّ ذكر «اليبوسة» لكونها أحد المصاديق الحاصل به التطهير، فيكون كلّ من الجافّة و اليابسة مطهّرة؛ و إن كانت الثانية أسرع في القلع و أوقع.

و بعبارة اخرىٰ: تقييد حسنة المعلّى بحسنة الحلبي، أبعد من البناء علىٰ ما ذكر.

و أمّا تأييد كفاية الرطوبة السارية بل الوحل: بأنّ الملّة سمحة سهلة، و بحصول الحرج في فصل الشتاء «1»، فهو كما ترى.

اعتبار طهارة الأرض

و تعتبر طهارة الأرض؛ لأنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» «2» التقابل بين الأرض التي تنجّس بها القدم و الأرض المطهّرة، فيفهم منه أنّ الأرض الطاهرة ترفع النجاسة الحاصلة من الأرض القذرة، تأمّل.

مضافاً إلىٰ أنّ التناسب بين طهارة الشي ء و مطهّريته، يوجب صرف الذهن إلىٰ ذلك، و لهذه المناسبة قابل الأحول في روايته «3» بين الموضع الذي ليس بنظيف و المكان النظيف، فيمكن أن يستدلّ على اعتبارها بالرواية للارتكاز المذكور.

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 188/ السطر 2، غنائم الأيّام 1: 484.

(2) تقدّم في الصفحة 382 و 383.

(3) تقدّمت في الصفحة 385.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 394

و لهذا لو قيل: «إنّ العَذِرة اليابسة مطهّرة للنجاسة إذا ذهب بالمسح بها أثرها» عدّ

عند العرف مستنكراً، فلا ينقدح في الأذهان من الأدلّة إطلاق يشمل الأرض النجسة، فلو كانت الأرض نجسةً بالبول، و كانت رطوبة البول موجودة غير سارية، و قلنا بإجزاء الجفاف، فهل ترى من نفسك أنّ المشي في رطوبة البول صار مطهّراً لنداوته؟! و الإنصاف: أنّ الأدلّة منصرفة عن الأرض النجسة، فلا وجه للتمسّك بإطلاقها لنفي الاعتبار.

و توهّم: أنّ ترك هذا القيد في الأخبار علىٰ كثرتها، دليل علىٰ عدم الاعتبار «1».

مدفوع: بأنّ الترك للاتكال على الارتكاز العقلائي، و لهذا لم يرد هذا القيد في مطهّرية الماء؛ لعدم الاحتياج إلىٰ ذكره، لا لعدم الاعتبار.

عدم الفرق بين المشي و المسح في حصول الطهارة

ثمّ إنّه لا فرق بين المشي و المسح في حصول الطهارة، كما تدلّ علىٰ كلّ منهما الروايات المتقدّمة.

و لا يتقدّر المشي بمقدار معيّن، بل المعتبر زوال عين النجاسة. و لا تصلح

صحيحة الأحول «2» لتقييد الإطلاقات، سيّما مثل قوله (عليه السّلام): «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» خصوصاً بعد قوله (عليه السّلام): «أ ليس وراءه شي ء جافّ؟» أو «أ ليس يمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟».

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 6: 308، رياض المسائل 2: 418.

(2) تقدّمت في الصفحة 385.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 395

مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام) في صحيحة زرارة: «لكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها» أنّ المسح و نحوه إنّما هو لإذهاب الأثر، فلها نحو حكومة علىٰ سائر الأخبار، فيفسّر المقصود من مشي خمسة عشر ذراعاً بأنّه ليس إلّا للقلع، و لهذا لا يشكّ أحد في أنّه مع عدم القلع بهذا المقدار لا يصير طاهراً.

مع أنّ قوله (عليه السّلام) في الصحيحة: «أو نحو ذلك» دليل علىٰ أنّ التحديد ليس تعبّدياً، بل لحصول الغاية بها نوعاً.

و احتمال

أن يكون في التطهير بالمشي إعمال تعبّد، و هو المقدار الذي في الصحيحة، دون المسح، فإذا مسح كانت الغاية زوال الأثر، دون ما إذا مشىٰ، في غاية السقوط؛ ضرورة عدم انقداح النفسية في أمثال المقامات في الأذهان.

بل يمكن أن يقال: بأنْ لا خفاء لمفهوم «التطهير» عند العرف، فإذا قال الشارع: «إنّ الأرض تطهّر كذا» يستفاد منه أنّ التطهير بها عبارة عن رفع القذارة عن الشي ء بها، و هو بقلع عين النجس عنه، كما إذا قال أحد من أهل العرف لصاحبه: «نظّف قدمك بالتراب» يفهم منه إزالة القذارة منها بمسحها به، أو المشي عليه.

فظاهر قوله (عليه السّلام): «الأرض يطهّر بعضها بعضاً» أنّ تطهيره عبارة عن إزالة قذارته، فلا يختلج في الأذهان بعد هذا الارتكاز إعمال تعبّد خاصّ في مقدار المشي.

نعم، لا مانع من إعمال التعبّد، لكن يحتاج إلىٰ بيان غير ما في الصحيحة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 396

تعيّن مسح القدم على الأرض

و هل يتعيّن المسح على الأرض، أو يجتزىٰ بمسح التراب أو الحجر على الموضع حتّى يذهب أثره؟

ظاهر الكبرى المتقدّمة هو الأوّل؛ لعدم صدق بعض الأرض على الجزء المنفصل عنها صدقاً حقيقياً، و إنّما يصدق عليه حال الاتصال.

و لو نوقش فيه فالظاهر من الكبرى و لو بقرينة سابقها هو المشي على الأرض، و لمّا كانت الكبرى في مقام بيان الضابط، لا بدّ من الحكم بدخالة الخصوصية فيه.

و لا يجوز في المقام الاتكال على ارتكاز العرف؛ فإنّه يوجب اتساع الخرق كما تقدّم «1»، فبها يقيّد إطلاق صحيحة زرارة «2» و [رواية] حفص «3»، علىٰ فرض تسليم إطلاقهما.

قد يقال: إنّ الظاهر منهما أنّ الرجل و الخفّ ممسوحتان، لا ماسحتان «4».

و فيه: أنّ المتعلّق غير مذكور، فإن

كان التقدير: «يمسحها على الأرض» تكون الرجل ماسحة، و إن كان: «يمسحها بالتراب» مثلًا تكون ممسوحة، و مع عدم الذكر و لو فرض أنّ مقتضاه الاجتزاء بكلّ منهما، نظير الإطلاق، لكن مقتضى الكبرى عدم الاجتزاء إلّا بالمسح على الأرض، فيقدّم عليه.

و لو قيل: إنّ بين الصحيحة و الكبرىٰ عموماً من وجه.

قلنا: إنّ الترجيح مع الكبرى؛ لأظهريتها و موافقتها للشهرة ظاهراً.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 389.

(2) تقدّمت في الصفحة 387.

(3) تقدّمت في الصفحة 388.

(4) انظر مستمسك العروة الوثقى 2: 66.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 397

في حصول الطهارة بذهاب عين النجاسة و أثرها

ثمّ إنّ التطهير حاصل بذهاب عين النجاسة و أثرها؛ بمعنى الأجزاء الصغار التي تعدّ أثراً لدى العرف، و لا يلزم رفع الآثار، كالرائحة و اللون.

و أمّا احتمال أنّ الأرض مطهّرة للأجزاء الصغار التي يراها العرف الأعيان النجسة، فلا ينبغي التفوّه به، فضلًا عن اختياره؛ لعدم معنى طهارة عين النجاسة.

نعم، لو كانت الإزالة بالأرض من قبيل العفو لا التطهير، لكان لاحتمال العفو عن الأجزاء الصغار سبيل؛ و إن كان أيضاً خلاف الأدلّة، لكن مع البناء على الطهارة فلا سبيل إليه. و بناء الحكم على السهولة لا يوجب طهارة النجس ذاتاً.

و أمّا الأجزاء الصغار التي لا يراها العرف أعياناً، فلا يعتنىٰ بها.

بل الألوان و الروائح من بقايا الأعيان واقعاً بحسب البرهان، أو كشف الآلات الحديثة المكبّرة، لكنّ الميزان في التشخيص العرف العامّ، فلا يعبأ بمثلها.

عدم لزوم إزالة النجاسة بالمشي أو المسح

و هل يتعيّن أن يكون السبب لذهاب عين النجاسة المشي أو المسح، أو لا، فلو ذهبت بغيرهما يطهر المحلّ بالمشي أو المسح؟

و بالجملة: كما أنّهما موجبان للطهارة بإذهاب العين، موجبان لها عن ملاقي الأعيان؟

الأقوى الثاني؛ لإطلاق الكبرى المتقدّمة و صحيحة الأحول. بل إطلاق بعض روايات أُخر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 398

و لا ينافيها صحيحة زرارة و رواية حفص؛ لعدم ظهورهما في القيدية، بل فرض فيهما وجود العين، فقوله (عليه السّلام): «يمسحها حتّى يذهب أثرها» لبيان حال قضية مفروضة، فيكون بياناً عاديا لا يستفاد منه دخالة وجود العين في طهارة المحلّ، و لا ينقدح في الأذهان منه بقاء النجاسة على المحلّ لو زالت العين بغير الأرض و لو مشىٰ بعده ما مشىٰ.

و بالجملة: لا تصلح الصحيحة و نحوها لتقييد إطلاق الكبرى و غيرها. مع أنّ تطهير المحلّ الخالي

من العين، أولىٰ من المشغول بها في نظر العرف. فالأقوىٰ عدم اعتبار وجودها أو أثرها في المحلّ.

و مع عدمهما يكفي مجرّد المسح أو المشي دون المسّ؛ لعدم الدليل عليها إلّا دعوى إطلاق الكبرى، و هو مشكل، سيّما مع سبقِها

في حسنة الحلبي بقوله (عليه السّلام): «أ ليس يمشي بعد ذلك ..؟» «1»

إلىٰ آخره، و تبادرِ المشي من موارد غيرها، و هو و إن لا يصلح لتقييد إطلاق لو كان، لكن يوهن توهّم الإطلاق، فإنّ الأظهر عدم إطلاقها لصِرف المماسّة؛ لأنّ التطهير به خلاف ارتكاز العقلاء في باب التنظيف بالأرض، دون التمسّح الذي هو موافق له، و دون المشي الذي دلّ عليه الدليل.

مع إمكان أن يقال: إنّه كالمسح في رفع الأثر.

هذا مع إمكان تقييد إطلاقها لو فرض بموثّقة عمّار بن موسى «2»، تأمّل.

و كيف كان: فالأحوط لو لم يكن أقوى عدم الاجتزاء بمجرّد المماسّة.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 383.

(2) تقدّمت في الصفحة 385.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 399

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً، و ظاهراً و باطناً، و الصلاة و السلام علىٰ سيّدنا محمّد و آله الطاهرين. و قد وقع الفراغ من هذه الوجيزة يوم الثامن و العشرين من شهر ذي القعدة الحرام سنة (1377 ه. ق).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 439

فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم».

«أ».

1 إثبات الوصية. أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (م- 346)، قم، منشورات الرضي.

2 الاجتهاد و التقليد. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320- 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1418.

3 الاحتجاج على أهل اللجاج. أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (القرن السادس)، قم، منشورات أُسوة،

1413.

4 أحكام الدماء. المحقّق الخراساني، بغداد، مطبعة الولاية.

5 أحكام القرآن. أبو بكر أحمد بن علي الجصّاص (م- 370)، بيروت، نشر دار الكتاب العربي.

6 أحكام النساء ضمن «مصنّفات الشيخ المفيد». أبو عبد اللّٰه محمد بن محمد بن النعمان العكبري (336- 413)، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، 1413 ..

7 اختيار معرفة الرجال «رجال الكشي». أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، مشهد المقدسة، جامعة مشهد، 1348 ش.

8 إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، تحقيق فارس الحسّون، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410.

9 إرشاد القلوب إلى الصواب. أبو محمد الحسن بن محمد الديلمي (م القرن الثامن)، قم، منشورات الرضي.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 440

10 أساس البلاغة. أبو القاسم جار اللّٰه محمود بن عمر الزمخشري (467- 538)، تحقيق عبد الرحيم محمود، بيروت، دار المعرفة، 1399.

11 الاستبصار فيما اختلف من الأخبار. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، إعداد السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390.

12 الاستصحاب. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320- 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1417.

الأسفار، الحكمة المتعالية.

13 الإشارات و التنبيهات. الشيخ الرئيس أبو عليّ حسين بن عبد اللّٰه بن سينا (370- 427) طهران، دفتر نشر كتاب، 1403.

14 إشارة السبق ضمن «الجوامع الفقهية». علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي الفضل الحسن بن أبي المجد الحلّي (م- القرن السادس)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1404.

15 إصباح الشيعة ضمن «سلسلة الينابيع الفقهية». الشيخ نظام الدين الصهرشتي (القرن السادس)، الطبعة الاولى، بيروت، الدار

الإسلامية و دار التراث، 1410.

16 أصل زيد النرسي ضمن «الأُصول الستة عشر». لعدّة من الرواة القدماء، قم، دار الشبستري للمطبوعات، 1405.

17 إفاضة القدير في أحكام العصير المطبوع مع «قاعدة لا ضرر». العلامة شيخ الشريعة الأصفهاني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.

18 الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد. أبو جعفر شيخ الطائفة محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385- 460)، طهران، مكتبة جامع چهل ستون، 1400.

19 أقرب الموارد. سعيد الخوري الشرتوني اللبناني، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1403.

20 الألفية و النفلية. الشهيد الأوّل شمس الدين محمد بن مكّي العاملي (م- 786)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1408.

21 الأُم. محمد بن إدريس الشافعي (150- 204)، بيروت، نشر دار المعرفة، 1408.

22 الأمالي. أبو جعفر محمّد بن علىّ بن الحسين القمي الشيخ الصدوق (م- 381)، الطبعة الخامسة، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1400.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 441

23 الأمالي. (أمالي ابن الشيخ)، أبو جعفر شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (385- 460)، قم، دار الثقافة، 1414.

24 الانتصار. السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (م- 436)، قم، منشورات الشريف الرضي.

25 أنوار الملكوت في شرح الياقوت. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648- 726)، قم، الرضي و بيدار، 1363 ش.

26 أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320- 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1414.

27 إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد. فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلي (م- 771)، قم، المطبعة العلمية، 1387 ..

«ب».

28 بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمة الأطهار. العلّامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (1037- 1110)، الطبعة

الثالثة، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403.

29 بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي). الشيخ هاشم الآملي، الطبعة الحجرية، 1370.

30 بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320- 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1414.

31 بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاشاني، (م- 587)، الطبعة الاولى، پاكستان، المكتبة الحبيبية، 1409.

32 بداية المجتهد و نهاية المقتصد. محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي (520- 595) الطبعة الاولى، قم، منشورات الشريف الرضي، 1412.

33 البرهان في تفسير القرآن. السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني البحراني (م- 1107)، الطبعة الثانية، قم، دار الكتب العلمية، 1393.

34 البرهان القاطع. السيّد علي آل بحر العلوم (م- 1298)، الطبعة الحجرية.

35 بشارة المصطفى. عماد الدين أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري (م- 525)، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1420.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 442

36 بصائر الدرجات. أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار (م 290)، تحقيق الميرزا محسن كوچه باغي، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1404.

37 البهجة المرضية. جلال الدين السيوطي، مع تعليقة مصطفى الحسيني الدشتي.

38 البيان. الشهيد الأوّل شمس الدين محمد بن مكّي العاملي (م 786)، قم، مؤسسة الإمام المهدي الثقافية، 1412.

39 البيع. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1375 ش.

«ت».

40 تاج العروس من جواهر القاموس. السيّد محمّد مرتضى الزبيدي (1145 1205)، بيروت، نشر دار مكتبة الحياة.

41 تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، طهران، المكتبة الإسلامية.

42 التبيان في تفسير القرآن.

أبو جعفر شيخ الطائفة محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، تحقيق و تصحيح أحمد حبيب قصير العاملي، بيروت، طبع دار إحياء التراث العربي.

43 تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة. العلّامة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، بالاوفست عن الطبعة الحجرية.

44 التحرير الطاووسي المستخرج من كتاب حلّ الإشكال. الشيخ حسن بن زين الدين بن عليّ صاحب المعالم (م 1011)، تحقيق فاضل الجواهري، الطبعة الاولى، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1411.

45 تحف العقول عن آل الرسول (عليهم السّلام). أبو محمد بن الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحراني (م 381)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1404.

46 تذكرة الفقهاء. جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر، العلّامة الحلّي (726648)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1414.

47 التعادل و الترجيح. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1375 ش.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 443

48 تعليقات على منهج المقال. المولى محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 1206)، مخطوطة.

49 تفسير العيّاشي. أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (القرن الرابع)، طهران، المكتبة العلميّة الإسلاميّة.

تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن.

50 تفسير القمي. أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمي (م 307)، إعداد السيد الطيب الموسوي الجزائري، الطبعة الثالثة، قم، دار الكتاب، 1404.

51 التفسير الكبير. محمّد بن عمر الخطيب فخر الدين الرازي (544 606)، الطبعة الثانية، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1411.

52 تفسير مجمع البيان. أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548)، تحقيق الميرزا أبي الحسن

الشعراني، الطبعة الخامسة، طهران، المكتبة الإسلامية، 1395.

53 التقيّة ضمن «الرسائل العشرة». الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1420.

54 تلخيص المرام. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (726648)، الطبعة الحجرية، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي.

55 تنقيح الأُصول (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)). حسين التقوي الاشتهاردي، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1418.

56 التنقيح الرائع لمختصر الشرائع. جمال الدين المقداد بن عبد اللّٰه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826)، إعداد السيد عبد اللطيف الكوهكمري، الطبعة الاولى، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1404.

57 تنقيح المقال في علم الرجال. الشيخ عبد اللّٰه بن محمد حسن المامقاني (13511290)، الطبعة الثانية، قم، بالاوفست عن طبعة النجف الأشرف، المطبعة المرتضوية، 1352.

58 تنوير المقباس من تفسير ابن عباس. أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (م 817)، بيروت، دار الجيل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 444

59 التوحيد. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، الشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق علي أكبر الغفاري و السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1398.

60 تهذيب الأحكام. أبو جعفر محمّد بن الحسن، الشيخ الطوسي (385 460)، إعداد السيد حسن الموسوي الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1364 ش.

61 تهذيب الأُصول (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)). بقلم الشيخ جعفر السبحاني التبريزي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1405.

62 تهذيب اللغة. أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (282 370)، القاهرة، 1384 1387.

«ث».

63 ثواب الأعمال. أبو جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، طهران، مكتبة الصدوق، 1368 ش.

«ج».

64 جامع أحاديث

الشيعة. آية اللّٰه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي (1291 1380)، مطبعة مهر، 1371 ش.

65 الجامع لأحكام القرآن. أبو عبد اللّٰه محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (م 671)، تحقيق أحمد عبد العليم البردوني، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

66 الجامع للشرائع. نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي (601 689)، قم، مؤسسة سيد الشهداء (عليه السّلام)، 1405.

67 جامع المقاصد في شرح القواعد. المحقّق الثاني عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي (868 940)، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1408 1411.

68 الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد». يرويه أبو عليّ، محمّد بن محمّد الأشعث، طهران، مكتبة نينوى الحديثة.

69 جمل العلم و العمل ضمن «رسائل الشريف المرتضى». أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى و علم الهدى، قم، منشورات دار القرآن الكريم، 1405.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 445

70 الجمل و العقود ضمن «الرسائل العشر». أبو جعفر شيخ الطائفة محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1403.

71 جمهرة اللغة. أبو بكر محمد بن الحسن بن دُريد (223 321)، بيروت، دار العلم للملايين، 1988 م.

72 جوابات أهل الموصل ضمن «مصنّفات الشيخ المفيد». أبو عبد اللّٰه محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (336 413). قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، 1413.

73 جواهر الفقه. القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي (400 481) تحقيق إبراهيم البهادري، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411.

74 جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام. الشيخ محمد حسن بن باقر النجفي (م 1266)، إعداد عدة من الفضلاء، الطبعة

السادسة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1398.

«ح».

75 حاشية الإرشاد ضمن «غاية المراد». الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي (911 965)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1414.

76 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير. شمس الدين محمّد بن عرفة الدسوقي (م 1230)، دار الإحياء الكتب العربية.

77 حاشية فرائد الأُصول. الحاج آقا رضا بن محمد هادي الهمداني النجفي (م 1322)، الطبعة الحجرية.

78 حاشية المدارك ضمن «مدارك الأحكام». المولى محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 1206)، الطبعة الحجرية.

79 الحبل المتين. الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (953 1030)، قم، مكتبة بصيرتي.

80 الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة. الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 1186)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1406.

81 الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة. صدر المتألهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050)، قم، مكتبة المصطفوي.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 4، ص: 446

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 446

82 حواشي الشرواني. عبد الحميد الشرواني و ابن قاسم العبادي (م 1118)، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

83 الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية. آقا حسين بن جمال الدين محمد الخوانساري (1019 1099)، قم، منشورات المدرسة الرضوية.

«خ».

خاتمة مستدرك الوسائل مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل.

84 الخصال. أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1403.

خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، رجال العلّامة الحلّي.

85 الخلاف. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، قم، مؤسسة

النشر الإسلامي، 1407.

86 الخلل في الصلاة. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1420.

«د».

87 دائرة المعارف. محمد فريد بن مصطفى وجدي ابن علي رشاد، بيروت، دار الفكر، 1399.

88 درر الفوائد في الحاشية على الفرائد. الآخوند محمّد كاظم الهروي الخراساني (1255 1329)، طهران، مؤسسة الطبع و النشر التابعة لوزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي، 1410.

89 الدروس الشرعيّة في فقه الإمامية. الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (م 786)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1414.

90 الدُّرّة النجفية «منظومة في الفقه». العلّامة السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي (1155 1212)، قم، مكتبة المفيد، 1414.

91 دعائم الإسلام. القاضي نعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، بالاوفست عن طبعة القاهرة، دار المعارف، 1383.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 447

«ذ».

92 ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد. المحقّق السبزواري محمّد باقر بن محمّد مؤمن (1017 1090)، الطبعة الحجرية، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث ..

93 الذريعة إلى أُصول الشريعة. أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي، الشريف المرتضى (355 436)، تحقيق أبو القاسم گرجي، الطبعة الاولى، طهران، جامعة طهران، 1348 ش.

94 الذريعة إلى تصانيف الشيعة. الشيخ محمد حسن آقا بزرگ الطهراني (1293 1389)، بيروت، دار الإضواء، 1403.

95 ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة. الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (م 786)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1414.

«ر».

96 رجال ابن داود. تقي الدين الحسن بن عليّ بن داود الحلي (م 707)، إعداد السيد محمد صادق آل بحر العلوم، قم، منشورات الشريف الرضي، بالاوفست عن

طبعة النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1392.

رجال السيد بحر العلوم، الفوائد الرجالية.

97 رجال الطوسي. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1380.

98 رجال العلّامة «خلاصة الأقوال في معرفة الرجال». العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، قم، منشورات الرضي، 1402.

رجال الكشي اختيار معرفة الرجال.

99 رجال النجاشي. أبو العباس أحمد بن عليّ بن أحمد النجاشي (372 450)، تحقيق السيد موسى الشبيري الزنجاني، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1407 ..

100 رسائل الشريف المرتضى. أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى و علم الهدى (355 436)، قم، دار القرآن الكريم، 1405.

101 الرسالة الجعفرية ضمن «رسائل المحقّق الكركي». المحقّق الثاني الشيخ عليّ بن الحسين الكركي (868 940)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1409.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 448

102 رسالة الشيخ الرئيس إلى علماء مدينة الإسلام ضمن «الرسائل». الشيخ الرئيس أبي عليّ الحسين بن عبد اللّٰه بن سينا (370 427)، قم، انتشارات بيدار.

103 رسالة في أحوال أبي بصير ضمن «الجوامع الفقهية». السيد محمد مهدي الخوانساري، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي.

104 رسالة في قاعدة لا ضرر ضمن «تراث الشيخ الأعظم». الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 1281)، قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئويّة الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، 1418.

105 رسالة في قاعدة لا ضرر ضمن «منية الطالب في حاشية المكاسب». (تقريرات المحقّق النائيني) الشيخ موسى النجفي الخوانساري، الطبعة الحجرية.

106 الرعاية في علم الدراية. الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 965)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1408.

107 الرواشح السماوية في شرح أحاديث الإمامية. السيد محمد باقر الحسيني

المرعشي الداماد (م 1041)، الطبعة الحجرية، 1311.

108 روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان. الشهيد الثاني زين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي (911 965)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام).

109 الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية. الشهيد الثاني زين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي، (911 965)، قم، مكتبة الداوري.

110 روضة المتقين في شرح أخبار الأئمة المعصومين. العلّامة المولى محمَّد تقي المجلسي (1003 1070)، مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشان پور، 1393 1399.

111 رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل. السيّد عليّ بن محمّد عليّ الطباطبائي (1161 1231)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1412.

«س».

112 السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي. أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلي (م 598)، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410 1411.

113 سنن ابن ماجة. أبو عبد اللّٰه محمد بن يزيد بن ماجة القزويني (م 275)، تحقيق فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار الكتب العلمية.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 449

114 سنن أبي داود. أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275)، بيروت، دار الجنان، 1409.

115 سنن الترمذي. أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 279)، تحقيق أحمد محمد شاكر، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

116 سنن الدارقطني. علي بن عمر الدارقطني (306 385)، بيروت، دار المعرفة.

117 سنن الدارمي. أبو محمد عبد اللّٰه بن عبد الرحمن السمرقندي الدارمي (181 255)، بيروت، دار الفكر، 1398.

118 السنن الكبرى. أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (384 458)، بيروت، دار المعرفة، 1408.

119 سنن النسائي. أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (214 303)، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

«ش».

120 الشافي في الإمامة. الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (م 436)، طهران،

مؤسسة الصادق، 1407.

121 شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام. المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 676)، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1409.

122 شرح تبصرة المتعلّمين. الشيخ ضياء الدين العراقي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1414.

123 شرح جمل العلم و العمل. القاضي ابن البرّاج أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز (400 481)، مشهد، جامعة مشهد، 1352 ش.

124 شرح السنة. المحدّث الفقيه الحسين بن مسعود البغوي (436 516)، بيروت، المكتب الإسلامي، 1403.

125 شرح الكافية. رضي الدين محمّد بن الحسن الأسترآبادي النحوي (م 688)، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1399.

126 الشرح الكبير. أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (597 682)، المطبوع مع المغني، لعبد اللّٰه بن أحمد بن قدامة، بيروت، دار الكتاب العربي.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 450

127 شرح المقاصد. مسعود بن عمر بن عبد اللّٰه المعروف بسعد الدين التفتازاني (م 793)، تحقيق عبد الرحمن عميرة، الطبعة الاولى، قم، منشورات الرضي، 1370 1371 ش.

128 شرح المنظومة. المولى هادي بن مهدي السبزواري (1212 1289)، الطبعة السادسة، قم، مكتبة العلّامة، 1369 ش.

129 الشفاء. الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبد اللّٰه بن سينا (370 427)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1405.

«ص».

130 الصحاح. إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393)، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، الطبعة الثانية، بيروت، دار العلم للملايين، 1399.

131 صحيح البخاري. أبو عبد اللّٰه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256)، تحقيق و شرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي، الطبعة الاولى، بيروت، دار القلم، 1407.

132 صحيح مسلم. أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206 261)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة

الثانية، بيروت، دار الفكر، 1398.

133 الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني). الشيخ محمّد عليّ الكاظمي الخراساني (1309 1365)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.

134 الصلاة «ضمن تراث الشيخ الأعظم». الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 1281)، قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئويّة الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، 1418.

135 الصلاة. المحقق الحائري، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1362 ش.

136 الصوم «ضمن تراث الشيخ الأعظم». الشيخ الأعظم مرتضى بن محمد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 1281)، قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، 1418.

«ط».

137 الطلب و الإرادة. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1421.

138 الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)). الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1421.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 451

139 الطهارة. الشيخ الأعظم مرتضى بن محمد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 1281)، طهران، 1298.

«ع».

140 عدّة الأُصول. أبو جعفر شيخ الطائفة محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، قم، مطبعة ستارة، 1417.

141 العروة الوثقى. السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، مع تعليقات أعلام العصر و مراجع الشيعة الإمامية، الطبعة الثالثة، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، 1363 ش.

142 عقاب الأعمال. أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي (م 381)، طهران، مكتبة الصدوق، 1391.

143 علل الشرائع. أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، الطبعة الاولى، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1386 ..

144 عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية. محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي، ابن أبي جمهور (م أوائل القرن العاشر)، تحقيق مجتبى العراقي، الطبعة الاولى، قم، مطبعة

سيد الشهداء، 1403.

145 عيون أخبار الرضا (عليه السّلام). أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الشيخ الصدوق (م 381)، تصحيح السيد مهدي الحسيني اللاجوردي، الطبعة الثانية، منشورات جهان.

«غ».

146 الغدير في الكتاب و السنة و الأدب. العلّامة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني (1320 1390)، بيروت، دار الكتاب العربي، 1387.

147 غنائم الأيّام في مسائل الحلال و الحرام. الميرزا أبو القاسم بن الحسن الجيلاني المعروف بالمحقق القمي (1151 1231)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1418.

148 غنية النزوع إلى علم الأُصول و الفروع. السيّد حمزة بن عليّ بن زهرة الحلبي (511 585)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة الإمام الصادق (عليه السّلام)، 1417.

«ف».

149 الفائق في غريب الحديث. أبو القاسم جار اللّٰه محمود بن عمر الزمخشري (م 538)، بيروت، دار الفكر، 1414.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 452

150 فتح العزيز في شرح الوجيز. أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي القزويني (577 623)، المطبوع مع «المجموع شرح المهذّب»، بيروت، دار الفكر.

151 فرائد الأُصول. الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 1281)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411.

152 الفقه على المذاهب الأربعة. عبد الرحمن الجزيري، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1406.

153 فقه القرآن. قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة اللّٰه الراوندي (م 573)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1405.

154 الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام). تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاولى، مشهد المقدس، المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السّلام)، 1406.

155 الفقيه «كتاب مَن لا يحضره الفقيه». أبو جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق عليّ أكبر

الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1390.

156 فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني). الشيخ محمد عليّ الكاظمي الخراساني (1309 1365)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1404.

157 الفوائد الرجالية. السيد محمد المهدي بحر العلوم الطباطبائي (م 1212)، تحقيق محمد صادق بحر العلوم و حسين بحر العلوم، طهران، مكتبة الصادق، 1363 ش.

158 الفهرست. أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (م 460)، إعداد السيّد محمّد صادق بحر العلوم، قم، منشورات الرضي.

159 الفهرست. أبو الفرج محمّد بن إسحاق، ابن النديم (م 385)، طهران، تحقيق رضا تجدد.

160 الفهرست. منتجب الدين أبو الحسن علي بن عبيد اللّٰه بن بابويه الرازي (504 600)، تحقيق السيّد جلال الدين المحدث ارموي، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1366 ش.

«ق».

161 قاموس الرجال. الشيخ محمد تقي التستري (1320 1415)، الطبعة الاولى، طهران، مركز نشر الكتاب، 1379 1391.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 453

162 القاموس المحيط و القابوس الوسيط. أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 817)، بيروت، دار الجيل.

163 قرابادين كبير (مخزن الأدوية). مير محمد خان عقيلي شيرازي، الطبعة الحجرية، طهران، 1277.

164 قرب الإسناد. أبو العباس عبد اللّٰه بن جعفر الحميري القمي (م بعد 304)، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1413.

165 قواعد الأحكام في مسائل الحلال و الحرام. العلّامة الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي (648 726)، الطبعة الحجرية، قم، منشورات الرضي.

166 قوانين الأُصول. المحقق ميرزا أبو القاسم القمي بن المولى محمد حسين الجيلاني المعروف بالميرزا القمي (1151 1231)، الطبعة الحجرية، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، 1378.

«ك».

167 الكافي. ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن إسحاق الكليني الرازي (م

329)، تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1388.

168 الكافي في الفقه. تقي الدين بن نجم أبو الصلاح الحلبي (374 447)، تحقيق رضا الاستادي، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، 1403.

169 كامل الزيارات. أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمي، مؤسسة نشر الفقاهة، 1417.

170 كتاب سليم بن قيس الهلالي. سليم بن قيس الكوفي الهلالي (م 90)، دار الكتب الإسلامية.

171 كتاب العين. أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 175)، بيروت، دار و مكتبة الهلال.

كتاب من لا يحضره الفقيه الفقيه..

172 الكشّاف عن حقائق التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل. جار اللّٰه محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (467 538)، بيروت، دار الكتاب العربي، 1407 ..

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 454

173 كشف الالتباس. أبو العباس أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الحلّي (757 841)، مخطوط.

174 كشف الرموز في شرح المختصر النافع. زين الدين أبو عليّ الحسن بن أبي طالب ابن أبي المجد اليوسفي المعروف بالفاضل و المحقّق الآبي (م بعد 672)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1408.

175 كشف الغطاء عن خفيّات مبهمات الشريعة الغرّاء. الشيخ جعفر بن خضر المعروف بكاشف الغطاء (م 1227)، أصفهان، منشورات المهدوي.

176 كشف الغُمّة في معرفة الأئمّة. أبو الحسن عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي، مسجد الجامع، تبريز، 1380.

177 كشف اللثام عن كتاب قواعد الأحكام. الفاضل الهندي بهاء الدين محمّد بن حسن بن محمّد الأصفهاني (1062 1135)، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416.

178 كفاية الأحكام. محمّد مؤمن الشريف الخراساني المحقق السبزواري (1017 1090)، الطبعة الحجرية.

179 كفاية الأُصول. الآخوند الخراساني المولى محمد كاظم بن حسين الهروي (1255 1329)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام)

لإحياء التراث، 1409.

180 كنز العرفان في فقه القرآن. الشيخ جمال الدين المقداد بن عبد اللّٰه السيوري (م 826)، طهران، المكتبة الرضوية، 1384.

«ل».

181 لسان العرب. أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المصري (م 711)، بيروت، دار صادر، بالاوفست عن طبعة البولاق بمصر.

182 لمحات الأُصول (تقريرات المحقّق البروجردي). الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1421.

183 اللوامع «لوامع الأحكام». محمد مهدي بن أبي ذر النراقي (م 1209)، الطبعة الحجرية، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي.

184 لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرّتي العين. الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 1186)، تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 455

«م».

185 المبسوط. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، طهران، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، 1387 1393.

186 مبسوط السرخسي. شمس الدين السرخسي الحنفي محمد بن أحمد بن أبي سهل (م 483)، بيروت، دار المعرفة، 1406، بالاوفست عن طبعته السابقة، 1331.

187 مجمع البحرين و مطلع النيّرين. فخر الدين الطريحي (972 1087)، بيروت، مكتبة الهلال، 1985 م.

188 مجمع البيان. أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (م 548)، تحقيق الميرزا أبي الحسن الشعراني، الطبعة الخامسة، طهران، المكتبة الإسلامية، 1395.

189 مجمع الرجال. زكي الدين المولى عناية اللّٰه عليّ القهپائي، علّق عليه السيد ضياء الدين، قم، مؤسسة إسماعيليان.

190 مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان. أحمد بن محمد المحقق الأردبيلي (م 993)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1402 1414.

191 المجموع شرح المهذّب. أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي

(م 676)، بيروت، دار الفكر.

192 المحاسن. أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280)، تحقيق جلال الدين الحسيني، المحدّث الأرموي، الطبعة الثانية، قم، دار الكتب الإسلامية.

193 المحلّى بالآثار. أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، بيروت، دار الفكر.

194 المختصر النافع. أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي (602 676)، قم، منشورات مؤسسة المطبوعات الديني، 1368 ش.

195 مختلف الشيعة في أحكام الشريعة. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1412 1418.

196 مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام. السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1410.

197 مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول. العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037 1110)، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1411.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 456

198 المراسم في فقه الإمامي. حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلّار (م 463) قم، منشورات حرمين، 1404.

199 المسائل العزية ضمن «الرسائل التسع». المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 676)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1413.

200 مسائل علي بن جعفر و مستدركاتها. تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، قم، 1409.

201 مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام. العلّامة الفاضل الجواد الكاظمي، المكتبة المرتضوية لآثار الجعفرية.

202 مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام. زين الدين بن علي العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني (911 965)، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1418 ..

203 المسالك الجامعيّة في شرح الرسالة الألفية ضمن «المقاصد العلية». محمد بن علي بن أبي جمهور الأحسائي (م القرن العاشر)،

الطبعة الحجرية، 1312.

204 مستدرك الحاكم «المستدرك على الصحيحين». الإمام الحافظ أبي عبد اللّٰه الحاكم النيسابوري (312 405)، بيروت، دار المعرفة.

205 مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل. الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري (1254 1320)، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1407.

206 مستمسك العروة الوثقى. السيد محسن الطباطبائي الحكيم (1306 1390)، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1411.

207 مستند الشيعة في أحكام الشريعة. أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245)، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1418.

208 مسند أحمد. أحمد بن محمّد بن حنبل (164 241)، بيروت، دار الفكر.

209 مشارق الشموس. آقا حسين بن جمال الدين محمد الخوانساري (1019 1099)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث.

210 مشرق الشمسين و إكسير السعادتين. الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (953 1030)، مشهد، مؤسسة الطبع و النشر التابعة للآستانة الرضوية المقدّسة، 1414.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 457

211 مصابيح الظلام في شرح المفاتيح. المولى محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 1206)، مخطوطة.

212 المصابيح في الفقه. السيد محمد مهدي بن مرتضى بن محمد الطباطبائي البروجردي (م 1212)، مخطوط.

213 مصباح الفقيه. الحاج آقا رضا بن محمد هادي الهمداني النجفي (م 1322)، طهران، منشورات مكتبة الصدر.

214 مصباح المتهجّد و سلاح المتعبّد. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، الطبعة الحجرية.

215 مصباح المنير في غريب الشرح الكبير. أحمد بن محمّد بن عليّ المقري الفيومي (م 770)، قم، منشورات دار الهجرة، 1405.

216 مطارح الأنظار (تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاري). الشيخ أبو القاسم الكلانتري (1236 1316)، قم،

مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام).

217 معالم الدين و ملاذ المجتهدين «قسم الفقه». أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (959 1011)، قم، مؤسسة الفقه للطباعة و النشر، 1418.

218 معالم الدين و ملاذ المجتهدين «قسم الأُصول». أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (959 1011)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416.

219 معالم العلماء. أبو جعفر محمد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني (م 588)، إعداد السيد محمد صادق بحر العلوم، النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1380.

220 معاني الأخبار. أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الشيخ الصدوق (م 381)، تحقيق علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1361.

221 المعتبر في شرح المختصر. المحقق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 676)، قم، مؤسسة سيد الشهداء (عليه السّلام)، 1364 ش.

222 معجم البلدان. ياقوت بن عبد اللّٰه الرومي الحموي (574 626)، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1399.

223 معجم مقاييس اللغة. أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 458

224 معيار اللّغة. الميرزا محمّد عليّ بن محمّد صادق الشيرازي، الطبعة الحجرية، 1311 1316.

225 المغرب في ترتيب المعرب. أبو الفتح ناصر بن عبد السيد بن علي المطرزي (538 610)، بيروت، دار الكتاب العربي.

226 المغني. أبو محمّد عبد اللّٰه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (م 620)، بيروت، دار الكتاب العربي.

227 مغني اللبيب عن كتب الأعاريب. ابن هشام أبو محمد عبد اللّٰه بن يوسف الأنصاري (م 761)، قم، مكتبة سيد الشهداء (عليه السّلام)، 1375 ش.

228 مفاتيح الشرائع. المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091)، تحقيق السيّد مهدي رجائي، قم، مطبعة

الخيام، 1401.

229 مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة. السيد محمّد جواد الحسيني العاملي، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث.

230 المفردات في غريب القرآن. حسين بن محمّد المفضّل الراغب الأصفهاني (م 502)، طهران، المكتبة المرتضوية.

231 مقباس الهداية في علم الدراية. الشيخ عبد اللّٰه بن محمّد حسن المامقاني (1290 1351)، تحقيق محمّد رضا المامقاني، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1411.

232 المقنع. أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، قم، مؤسسة الإمام الهادي (عليه السّلام)، 1415.

233 المقنعة. أبو عبد اللّٰه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410.

234 مكارم الأخلاق. أبو نصر رضي الدين الحسن بن الفضل الطبرسي (القرن السادس)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416.

235 ملاذ الأخبار في فهم تهذيب الأخبار. العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1406.

236 الملل و النحل. أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني (479 548)، قم، منشورات الشريف الرضي.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 459

237 الملهوف على قتلى الطفوف. أبو القاسم رضي الدين علي بن موسى بن طاوس الحسني (م 664)، طهران، دار الأُسوة للطباعة و النشر، 1417.

238 مناقب آل أبي طالب. أبو جعفر رشيد الدين محمد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني (م 588)، إعداد محمد حسين دانش الآشتياني و السيد هاشم الرسولي المحلاتي، قم، مكتبة العلّامة.

239 مناهج الوصول إلى علم الأُصول. الإمام الخميني (قدّس سرّه) (1320 1409)، قم، مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1414.

240 المناهل. السيد محمد الطباطبائي (م 1242)، قم، مؤسسة

آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث.

241 منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح و الحسان. الحسن بن زيد الدين العاملي الجباعي، مؤسسة النشر الإسلامي، 1362 ش.

242 منتهى الإرب في لغات العرب. عبد الرحيم بن عبد الكريم الصفي پور، طهران، كتابخانه سنائي، 1298.

243 منتهى المطلب في تحقيق المذهب. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، الطبعة الحجرية، 1333.

244 منتهى المقال في أحوال الرجال. أبو عليّ محمّد بن إسماعيل الحائري المازندراني، (م 1216)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1416 ..

245 المنجد «المنجد في اللغة و الأعلام». اشترك في تأليفه عدّة من المحقّقين، بيروت، دار المشرق.

246 الموجز ضمن «الرسائل العشر». أبو العباس أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الحلّي الأسدي (757 841)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1409.

247 الموطأ. أبو عبد اللّٰه مالك بن أنس بن مالك (93 179)، مصر، 1370.

248 المهذّب البارع في شرح المختصر النافع. العلّامة أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757 841)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411.

249 المهذّب. القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي (400 481)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1406.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 460

«ن».

250 الناصريات «المسائل الناصريات». أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى و علم الهدى، ضمن «الجوامع الفقهية»، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1404.

251 نزهة الناظر. أبو زكريا نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي (م 690)، النجف الأشرف، مطبعة الآداب، 1386.

252 نوادر الراوندي ضمن «الفصول العشرة». السيد فضل اللّٰه بن علي الحسيني الراوندي (كان حياً في القرن الخامس)، قم، مؤسسة دار الكتاب.

253 النهاية. أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد

بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، قم، منشورات قدس.

254 نهاية الإحكام في معرفة الأحكام. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1410.

255 نهاية الأُصول (تقريرات المحقّق البروجردي). الشيخ حسينعلي المنتظري، قم، نشر تفكّر، 1415.

256 نهاية الأفكار (تقريرات المحقّق آقا ضياء الدين العراقي). الشيخ محمّد تقي البروجردي النجفي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1405.

257 نهاية التقرير (تقريرات المحقّق البروجردي). محمد الموحدي الفاضل، قم.

258 نهاية الدراية في شرح الكفاية. الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (م 1361)، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، الطبعة الاولى، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التراث، 1414.

259 النهاية في غريب الحديث و الأثر. مجدّد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير (544 606)، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1364 ش.

260 نهاية النهاية في شرح الكفاية. الميرزا علي الإيرواني النجفي (م 1354)، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1370.

261 النهاية و نكتها. الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف بالشيخ الطوسي (385 460)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 4، ص: 461

262 نهج الحق و كشف الصدق. العلّامة الحلّي جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 726)، قم، دار الهجرة، 1407.

«و».

263 الوافي. محمد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1007 1091)، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، 1412.

الوجيزة ضمن «الحبل المتين» الحبل المتين.

264 وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 1104)، قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السّلام)، 1409.

265 الوسيلة إلى نيل الفضيلة. عماد الدين أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الطوسي المعروف بابن حمزة (القرن السادس)، قم، مكتبة آية اللّٰه

المرعشي، 1408.

«ه».

266 الهداية ضمن «الجوامع الفقهية». أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، قم، مكتبة آية اللّٰه المرعشي، 1404.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.