كتاب الطهارة الحديثات المجلد 3

اشارة

سرشناسه : خميني، روح الله، رهبر انقلاب و بنيانگذار جمهوري اسلامي ايران، 1368 - 1279

عنوان و نام پديدآور : كتاب الطهاره/ تاليف الامام الخميني

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظيم و نشر آثار الامام الخميني(س)، 1380.

مشخصات ظاهري : ج 4

شابك : 964-335-460-1(دوره) ؛ 964-335-485-x(ج.1) ؛ 964-335-459-811000ريال:(ج.2) ؛ 964-335-380-x13000ريال:(ج.3) ؛ 964-335-381-811000ريال:(ج.4)

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.

يادداشت : كتابنامه

موضوع : طهارت

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

شناسه افزوده : موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني(س)

رده بندي كنگره : BP185/2/خ75ك2 1380

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 80-2199

المقدمه

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين، و صلّى اللّٰه علىٰ محمّد و آله الطاهرين، و لعنة اللّٰه علىٰ أعدائهم أجمعين.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 7

القول في النجاسات

اشارة

و فيه مقدّمة و فصلان

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 9

المقدّمة

اشارة

أمّا المقدّمة ففيها جهات من البحث:

الاولىٰ: في تحديد المفهوم العرفي للنظافة و النجاسة

الظاهر أنّ النجاسة و القذارة العرفية، أمر وجودي مقابل النظافة و النقاوة؛ فإنّ الأعيان الخارجية علىٰ قسمين:

أحدهما: ما هو قذر و رجس، و هو ما يستكرهه العقلاء و يستقذرونه، و يتنفّرون منه، كالبول و الغائط و المنيّ و النخامة، و أمثالها ممّا تجتنب منها العقلاء؛ لتنفّرهم منها و من التماس معها.

و ثانيهما: ما ليس كذلك، كسائر الأعيان. و الثاني نظيف نقيّ، لا بمعنى أنّ النظافة أمر وجودي قائم بذاتها وراء أوصافها و أعراضها الذاتية، فالحجر و المدر و الجصّ و أمثالها بذاتها نظيفة؛ ليست بقاذورة يستكرهها الناس، و إنّما تصير- بملاقاتها مع بعض الأعيان القذرة و تلطّخها بها نجسةً قذرة بالعرض، و يستقذرها الناس لتلك المماسّة و ذلك التلطّخ. فالأشياء كلّها ما عدا الأعيان القذرة نظيفة؛ أي نقية عن القذارة.

فالنظافة هي كون الشي ء نقيّاً عن الأقذار، فإذا صارت الأشياء بملاقاتها

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 10

قذرة فغسلت بالماء، ترجع إلىٰ حالتها الأصلية؛ أي النقاوة عنها، من غير أن يحصل لها أمر وجودي قائم بها خارجاً أو اعتباراً.

و ما ذكر موافق للاعتبار و العرف، و هو ظاهر، و كذا موافق للّغة، ففي «الصحاح»: «النظافة: النقاوة، و نظّفته أنا تنظيفاً؛ أي نقّيته» «1».

و في «القاموس»: «النظافة: النقاوة، و هو نظيف السراويل، و عفيف الفرج» «2» انتهىٰ.

و الظاهر أنّ «نظيف السراويل» كناية عن عدم التلطّخ بدنس الزنا و مثله.

و في «المجمع»: «النظافة: النقاوة، و نظُف الشي ء ينظُف بالضمّ نظافة: نقي من الوسخ و الدنس» «3».

و في «المنجد»: «نظُف الشي ء: كان نقيّاً من الوسخ و الدنس، يقال: فلان نظيف السراويل؛ أي عفيف، و نظيف الأخلاق؛ أي مهذّب، و

تنظّف الرجل؛ أي تنزّه عن المساوي» «4».

هذا حال القذارات العرفية، و يأتي الكلام في حال اعتبار الشارع و حكمه.

الثانية: في انقسام النجاسة شرعاً إلىٰ مجعولة و غير مجعولة

يحتمل في بادئ النظر أن تكون النجاسة من الأحكام الوضعية الشرعية للأعيان النجسة عند الشارع؛ حتّى فيما هو قذر عند العرف كالبول و الغائط، فتكون النجاسة قذارة اعتبارية غير ما لدى العرف

______________________________

(1) الصحاح 4: 1435.

(2) القاموس المحيط 3: 207 208.

(3) مجمع البحرين 5: 125.

(4) المنجد: 818.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 11

بحسب الحقيقة، موضوعةً لأحكام شرعية.

و يحتمل أن تكون أمراً انتزاعياً من الأحكام الشرعية، كوجوب الغسل، و بطلان الصلاة معها و هكذا.

و يحتمل أن تكون أمراً واقعيّاً غير ما يعرفها الناس، كشف عنها الشارع المقدّس، و رتّب عليها أحكاماً.

و يحتمل أن تكون الأعيان النجسة مختلفة بحسب الجعل؛ بمعنى أنّ ما هو قذر عرفاً كالبول و الغائط و المنيّ لم يجعل الشارع لها القذارة، بل رتّب عليها أحكاماً، و ما ليس كذلك كالكافر و الخمر و الكلب، ألحقها بها موضوعاً؛ أي جعل و اعتبر لها النجاسة و القذارة، فيكون للقذارة مصداقان: حقيقي و هو الذي يستقذره العرف، و اعتباري جعلي كالأمثلة المتقدّمة و غيرِها من النجاسات الشرعية التي لا يستقذرها الناس لو خلّيت طباعهم و أنفسها.

أو ألحقها بها حكماً؛ أي رتّب عليها أحكام النجاسة من غير جعل نجاسة لها.

و الظاهر بحسب الاعتبار بل الأدلّة، هو احتمال ما قبل الأخير؛ لأنّ الظاهر أنّه لم يكن للشارع اصطلاح خاصّ في القذر و النجس، فما هو قذر و نجس عند العقلاء و العرف، لا معنىٰ لجعل القذارة له؛ لأنّ الجعل التكويني محال، و اعتباراً آخر نظير التكوين لغو، و ليست للنجاسة و القذارة حقيقة واقعية

لم يصل إليها العرف و العقلاء، كما هو واضح.

نعم، لمّا كان العرف يستقذر أشياء لم يكن لها أحكام النجاسات الإلزامية- و إن استحبّ التنزّه عنها و التنظيف منها، كالنخامة و المذي و الوذي يكشف ذلك عن استثناء الشارع إيّاها موضوعاً أو حكماً.

و أمّا النجاسات الشرعية التي ليست لدى العرف قذرة نجسة كالخمر و الكافر فالظاهر إلحاقها بها موضوعاً، كما هو المرتكز عند المتشرّعة؛

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 12

فإنّها قذرة عندهم كسائر الأعيان النجسة. و لقوله تعالىٰ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ «1»، فإنّ الظاهر منه تفريع عدم قربهم المسجد علىٰ نجاستهم.

بل و قوله تعالىٰ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ «2»، فإنّ الرجس القذر، و ظاهره أنّه تعالىٰ جعلهم رجساً.

و قوله تعالىٰ قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ .. إلىٰ قوله أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ «3».

و لحسنة «4» خَيْران الخادم قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير، أ يصلّىٰ فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم صلّ فيه: فإنّ اللّٰه إنّما حرّم شربها، و قال بعضهم: لاتصلّ فيه، فكتب

لاتصلّ فيه؛ فإنّه رجس «5».

______________________________

(1) التوبة (9): 28.

(2) الأنعام (6): 125.

(3) الأنعام (6): 145.

(4) رواها الكليني، عن عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن خيران الخادم. و ليس في السند من يتوقّف في شأنه إلّا سهل بن زياد الآدمي و لكن أمره عند المصنّف سهل، لكثرة رواياته و قدمه الراسخ في جميع أبواب الفقه و ذلك يوجب الاطمئنان بحسن حاله أو وثاقته. كما عبّر في الصفحة 243 و 256 بحسنة الخيران أو صحيحته.

رجال النجاشي: 185/ 490، تنقيح

المقال 2: 75/ السطر 19 (أبواب السين). و راجع الجزء الأوّل، الصفحة 78.

(5) الكافي 3: 405/ 5، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 13

فإنّ التعليل دليل علىٰ أنّ عدم صحّة الصلاة فيه لأجل كون الخمر رجساً، فلا تكون نجاستها منتزعة من الأحكام، و لمّا لم تكن الخمر رجساً عرفاً ولدي العقلاء، فلا محالة تكون نجاستها مجعولة شرعاً.

و صحيحةِ أبي العبّاس، و فيها: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الكلب. فقال

رجس نجس؛ لا يتوضّأ بفضله «1».

و التقريب فيها كسابقتها.

و قريب منها صحيحته الأُخرىٰ «2»، و حسنة «3» معاوية بن شُريح «4».

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ النجاسات علىٰ نوعين:

أحدهما: ما يستقذره الناس، و قد رتّب الشارع عليه أحكاماً.

و ثانيهما: ما جعله الشارع قذراً، و ألحقه بها موضوعاً بحسب الاعتبار و الجعل، فصار قذراً في عالم الجعل و وعاء الاعتبار، و رتّب عليه أحكام القذر.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 3: 413، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 11، الحديث 1.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن شريح. و الرواية حسنة لأجل معاوية بن شريح.

تنقيح المقال 3: 224/ السطر الأول (أبواب الميم).

(4) عنه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث أنّه سئل عن سؤر الكلب، يشرب منه أو يتوضّأ؟ قال: لا، قلت: أ ليس هو سبع؟ قال: لا و اللّٰه إنّه نجس، لا و اللّٰه إنّه نجس.

تهذيب

الأحكام 1: 225/ 647، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 14

الثالثة: في اختلاف ملاكات جعل النجاسة للموضوعات

الظاهر أنّ جعل القذارة للموضوعات التي ليست قذرة عند الناس، ليس بملاك واحد. كما أنّ الظاهر عدم قذارة واقعيّة لها لم يطلع عليها الناس، و كشف عنها الشارع؛ ضرورة أنّ القذارة ليست من الحقائق المعنوية الغائبة عن أبصار الناس و مداركهم.

بل الظاهر أنّ جعل القذارة لمثل الخمر لأجل أهمّية المفسدة التي في شربها، فجعلها نجسة لأن يجتنب الناس عنها غاية الاجتناب. كما أنّ الظاهر أنّ جعل النجاسة للكفّار لمصلحة سياسية؛ هي تجنّب المسلمين عن معاشرتهم و مؤاكلتهم، لا لقذارة فيهم تؤثّر في رفعها كلمة الشهادتين.

و لعلّ في مباشرة الكلب و الخنزير، مضرّات أراد الشارع تجنيبهم عنهما تحفّظاً عنها .. إلىٰ غير ذلك.

و لا أظنّ إمكان الالتزام بأنّ القذارة عند الشارع، ماهية مجهولة الكنه يصير المرتدّ بمجرّد الردّة قذراً واقعاً، و صارت الردّة سبباً لاتصافه تكويناً بصفة وجودية تكوينية غائبة عن أبصارنا، و مجرّد الإقرار بالشهادتين صار سبباً لرفعها تكويناً.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 15

الفصل الأوّل في تعيين الأعيان النجسة

اشارة

و هي عشرة أنواع علىٰ ما في جملة من الكتب أو أكثر، كما يأتي حال الخلاف في بعض

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 17

البول و الغائط

اشارة

الأوّل و الثاني: البول و الغائط من كلّ حيوان غير مأكول ذي نفس سائلة، فما لا يصدق عليه عنوانهما ليس بنجس، كالحبّ الخارج من الحيوان إذا لم يصدق عليه «العَذِرة» و لو فرض الخروج عن صدق عنوانه الذاتي أيضاً، فضلًا عمّا إذا صدق عليه و إن زالت صلابته و قوّة نبته. فما عن «المنتهىٰ» من الحكم بنجاسته إذا زالت صلابته «1» غير وجيه.

و قد حكي الإجماع علىٰ نجاستهما مع القيدين عن «الخلاف» و «الغنية» و «المعتبر» و «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «كشف الالتباس» و «المدارك» و «الدلائل» و «الذخيرة» «2». و عن «الناصريات» و «الروض» و «المدارك» و «الذخيرة» نقل الإجماع علىٰ عدم الفرق بين الأرواث و الأبوال «3»، و لعلّه هو العمدة في

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 161/ السطر 17.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 136/ السطر 9، الخلاف 1: 487، غنية النزوع 1: 40، المعتبر 1: 410، منتهى المطلب 1: 159/ السطر 18، تذكرة الفقهاء 1: 49، كشف الالتباس: 208/ السطر الأول (مخطوط)، مدارك الأحكام 2: 258، ذخيرة المعاد: 145/ السطر 15.

(3) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 216/ السطر 36، روض الجنان: 162/ السطر 12، مدارك الأحكام 2: 259، ذخيرة المعاد: 145/ السطر 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 18

الأرواث؛ لعدم إطلاق أو عموم معتدّ به يمكن الركون إليه و إن لا يبعد في بعضها، كما سيتّضح الكلام فيه «1». و أمّا الأبوال، فلا إشكال في دلالة كثير من الأخبار عموماً أو

إطلاقاً علىٰ نجاستها «2»، فلا موجب لنقلها.

الروايات الدالّة على نجاسة الأرواث

و الأولى سرد الروايات الواردة في الأرواث:

فمنها: ما عن «المختلف» نقلًا عن «كتاب عمّار بن موسى» عن الصادق (عليه السّلام) قال

خُرْء الخُطّاف لا بأس به؛ هو ممّا يؤكل لحمه، لكن كره أكله لأنّه استجار بك و آوىٰ إلىٰ منزلك، و كلّ طير يستجير بك فأجره «3».

بدعوىٰ: أنّ قوله

هو ممّا يؤكل

تعليل لعدم البأس، و برفع العلّة يرفع عدم البأس «4». و أنّ المراد بعدم البأس صحّة الصلاة معه، و جواز شرب ملاقيه، و غير ذلك؛ و لو بملاحظة معهوديته من البأس و اللابأس في خرء الحيوان و بوله. و بقرينة الروايات الواردة في أبوال ما لا يؤكل لحمه.

و فيها: بعد الغضّ عن أنّ الرواية بعينها نقلت في باب المطاعم عن الشيخ بإسناده عن عمّار، و فيها

الخُطّاف لا بأس به «5»

من غير كلمة خُرْء و احتمال

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 22.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 404، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8.

(3) مختلف الشيعة 8: 310، وسائل الشيعة 3: 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 20.

(4) رياض المسائل 2: 345، مستند الشيعة 1: 138.

(5) تهذيب الأحكام 9: 80/ 345.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 19

كونها رواية أُخرى نقلها العلّامة و أهملها الشيخ، في غاية البعد، بل مقطوع الفساد.

نعم، يحتمل اختلاف النسخ، فدار الأمر بين الزيادة و النقيصة، فإن قلنا بتقدّم أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة لدى العقلاء خصوصاً في المقام ممّا يظنّ لأجل بعض المناسبات، وجود لفظ

الخرء

صحّ الاستدلال بها. لكن إثبات بنائهم علىٰ ذلك مشكل. بل إثبات بنائهم على العمل بمثل الرواية أيضاً مشكل، و قد حرّر في

محلّه أنّه لا دليل علىٰ حجّية خبر الثقة إلّا بناؤهم المشفوع بإمضاء الشارع «1».

أنّ غاية ما يستفاد من إطلاق التعليل: أنّ أكل اللحم تمام العلّة و تمام الموضوع لعدم البأس، و أمّا انحصارها به فغير ظاهر، و لا يكون مقتضى الإطلاق، فيمكن قيام علّة أُخرى مقامها عند عمومها.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الإطلاق يقتضي عدم دخالة شي ء غير المأكولية في نفي البأس، فتكون تمام العلّة له، لا جزءها، و هو غير الانحصار، و ما يفيد هو انحصارها بها حتّى يقتضي رفعها ثبوت نقيض الحكم أو ضدّه.

و دعوىٰ: أنّ العرف مع خلوّ ذهنه عن هذه المناقشة، يفهم من الرواية أنّ في خرء غير المأكول بأساً، غير مسلّمة. مضافاً إلىٰ أنّ البأس أعمّ، و المعهودية غير معلومة، و قرينية أخبار الأبوال غير ظاهرة. مع كون البول أشدّ في بعض الموارد، كلزوم تعدّد غسله، و عدمِ الاكتفاء بالأحجار فيه.

و منها: موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّ ما يؤكل فلا بأس بما يخرج منه «2».

______________________________

(1) أنوار الهداية 1: 313 316، تهذيب الأُصول 2: 133 135.

(2) تهذيب الأحكام 1: 266/ 781، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 20

بدعوىٰ: أنّ تعليق الحكم علىٰ ما يؤكل يفيد العلّية «1».

و الكلام فيها كسابقتها. مضافاً إلىٰ أنّه لو سلّم دلالتها فلا تدلّ على الكلّية في مفهومها، فغاية ما يثبت بها أنّ هذه الكلّية غير ثابتة لما لا يؤكل.

بل لو سلّم كون ما يخرج منه عبارة عمّا يخرج من طرفيه من البول و الخرء، فلا يثبت في المفهوم البأس فيهما، فيمكن أن يكون في أحدهما بأس.

و منها:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الرجل يطأ في العَذِرة أو البول، أ يعيد الوضوء؟ قال

لا، و لكن يغسل ما أصابه «2».

و صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الدجاجة و الحمامة و أشباههما تطأ العذرة، ثمّ تدخل في الماء، يتوضّأ منه للصلاة؟

قال

لا، إلّا أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء «3».

و رواية عليّ بن محمّد في حديث قال: سألته عن الفأرة و الدجاجة و الحمامة و أشباهها تطأ العذرة، ثمّ تطأ الثوب، أ يغسل؟ قال

إن كان استبان من أثره شي ء فاغسله، و إلّا فلا بأس «4».

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 336/ السطر 5.

(2) الكافي 3: 39/ 4، وسائل الشيعة 3: 444، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 26، الحديث 15.

(3) تهذيب الأحكام 1: 419/ 1326، وسائل الشيعة 1: 155، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 13.

(4) تهذيب الأحكام 1: 424/ 1347، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 21

و صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه أو موثّقته «1» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سِنَّوْر أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال

إن كان لم يعلم فلا يعيد «2».

و صحيحة محمّد بن مسلم قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السّلام) إذ مرّ علىٰ عذرة يابسة، فوطأ عليها، فأصابت ثوبه. فقلت: جعلت فداك، قد وطأت علىٰ عذرة فأصابت ثوبك. فقال

أ ليس هي يابسة؟!

فقلت: بلىٰ. قال

لا بأس؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً «3».

إلىٰ غير ذلك،

كبعض ما ورد في ماء البئر «4»، و أبواب المطاعم «5».

و يظهر منها أنّ نجاسة العذرة بعنوانها كانت معهودة؛ و إن أمكنت المناقشة في دلالة بعضها و إطلاق بعض.

لكن يتوقّف إثبات عموم الحكم علىٰ كون «العَذِرة» خرء مطلق الحيوان

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن علي بن مهزيار، عن فضالة، عن أبان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه. و الترديد لأجل كلام في مذهب أبان بن عثمان.

رجال النجاشي: 13/ 8، اختيار معرفة الرجال: 375/ 705، تنقيح المقال 1: 5/ السطر 34.

(2) تهذيب الأحكام 2: 359/ 1487، وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 5.

(3) الكافي 3: 38/ 2، وسائل الشيعة 3: 457، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 32، الحديث 2.

(4) راجع وسائل الشيعة 1: 191، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 20.

(5) راجع وسائل الشيعة 24: 164، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 27 و 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 22

إنساناً و غيره، طائراً و غيره، كما هو الظاهر من كلمات كثير من اللغويين:

ففي «القاموس»: «العَذِرة: الغائط و أردأ ما يخرج من الطعام» «1» و نحوه في «المعيار» و «المنجد» «2».

و في «الصحاح»: «الخُرء بالضمّ-: العذرة، و الجمع الخروء، و قال يهجو:

كأنّ خروء الطير فوق رؤوسهم [إذا اجتمعت قيسٌ معاً و تميمُ]» «3».

و في «المجمع»: «العَذِرة وزان كَلِمَة الخُرء» «4».

و في «القاموس»: «الخُرء بالضمّ-: العذرة» «5» و قريب منه ما في «المنجد» و «المعيار» «6».

و عن «الصراح»: «عذره پليدى مردم و ستور و جز آن» «7» و نحوه عن «منتهى الإرب» «8».

و يظهر من الفقهاء في المكاسب المحرّمة إطلاق «العذرة» على مطلق مدفوع

الحيوان، و حملوا رواية

لا بأس ببيع العذرة «9»

علىٰ عذرة ما يؤكل

______________________________

(1) القاموس المحيط 2: 89.

(2) معيار اللغة 1: 462، المنجد: 494.

(3) الصحاح 1: 46.

(4) مجمع البحرين 3: 398.

(5) القاموس المحيط 1: 14.

(6) المنجد: 172، معيار اللغة 1: 44.

(7) صراح اللغة: 126.

(8) منتهى الإرب 3: 809.

(9) تهذيب الأحكام 6: 372/ 1079، وسائل الشيعة 17: 175، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 40، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 23

لحمه، و استندوا في حرمة عذرة غير المأكول على الإجماع المدّعىٰ علىٰ حرمة بيع العذرة.

و بالجملة: يظهر منهم إطلاق «العذرة» على مدفوع مطلق الحيوان.

و تدلّ علىٰ عدم الاختصاص بعذرة الإنسان مضافاً إلىٰ صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة رواية سَماعة قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر فقال: إنّي رجل أبيع العذرة، فما تقول؟ قال

حرام بيعها و ثمنها

و قال

لا بأس ببيع العذرة «1».

حيث تدلّ علىٰ أنّ العذرة منها ما يجوز بيعها، و منها ما لا يجوز، و قد حملوا الجزء الثاني منها على عذرة الحيوان المحلّل اللحم.

و تؤيّده صحيحة ابن بَزيع في أحكام البئر قال: كتبت إلىٰ رجل .. إلىٰ أن قال: أو يسقط فيها شي ء من عذرة، كالبعرة و نحوها «2».

بناءً علىٰ كون البعرة مثالًا للعذرة. لكن في رواية أُخرى بدل «من عذرة» «من غيره» «3».

و دعوى انصراف العذرة إلىٰ ما هي محلّ الابتلاء، كعذرة الإنسان و السنَّوْر و الكلب، دون السباع و نحوها «4»، غير وجيهة؛ لفهم العرف أنّ حكم النجاسة ثابت لذات العذرة من غير دخالة للإضافة إلى صاحبها. و لعدم الانصراف عن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 372/ 1081، وسائل الشيعة 17: 175،

كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 40، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 5/ 1، تهذيب الأحكام 1: 244/ 705، وسائل الشيعة 1: 176، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 21.

(3) الاستبصار 1: 44/ 124.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 517/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 24

عذرة بعض الطيور و بعض الحيوانات، كالقردة و الخنازير ممّا يبتلىٰ بها و لو قليلًا. و عدم الفصل جزماً بينها و بين غيرها.

مع أنّ إطلاق «الخُرء» علىٰ رجيع الطيور و الفئران و الكلاب شائع ظاهراً، و هو مساوق للعذرة، كما مرّ من كتب اللغة المتقدّمة.

لكن مع ذلك، إثبات كون العذرة الواردة في الروايات شاملةً لفضلة جميع الحيوانات، مشكل:

أمّا أوّلًا: فلاختلاف اللغويّين في ذلك، فعن جمع منهم الاختصاص بفضلة الآدمي، كالهروي في «الغريبين» و «مهذّب الأسماء» و «تهذيب اللغة» «1» و «دائرة المعارف» لفريد «2»، بل الظاهر من محكيّ ابن الأثير «3».

و أمّا ثانياً: فلقرب احتمال انصرافها إلىٰ فضلة الآدمي لو فرض كونها أعمّ.

و أمّا ثالثاً: فلعدم الإطلاق في الروايات الواردة لإثبات الحكم، كما ستأتي الإشارة إليه «4».

و كيف كان: لا إشكال في نجاسة البول و الغائط من الحيوان غير المأكول الذي له نفس سائلة إلّا ما استثني، كما يأتي «5»؛ لما مرّ من حكاية الإجماع عليها، بل في بعضها واضحة.

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 1: 327، تهذيب اللغة 2: 311.

(2) دائرة المعارف، فريد وجدي 6: 225.

(3) النهاية، ابن الأثير 3: 199.

(4) يأتي في الصفحة 47.

(5) يأتي في الصفحة 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 25

تنبيهات
اشارة

و ينبغي التنبيه على أُمور:

عدم الفرق بين غير المأكول الأصلي و العرضي

منها: قالوا: «لا فرق بين غير المأكول الأصلي و العرضي، كالجلّال و الموطوء» «1».

و عن «الغنية» الإجماع علىٰ نجاسة خُرء مطلق الجلّال و بوله «2».

و عن «المختلف» و «التنقيح» و «المدارك» و «الذخيرة» الإجماع علىٰ نجاسة ذرق الدجاج الجلّال «3».

و عن ظاهر «الذخيرة» و «الدلائل» الإجماع علىٰ نجاسة ذرق الجلّال و الموطوء و كلّ ما لا يؤكل لحمه «4».

و عن «التذكرة» و «المفاتيح» نفي الخلاف في إلحاق الجلّال من كلّ حيوان و الموطوء بغير المأكول في نجاسة البول و العذرة «5».

و هو العمدة، و لولاه لكان للخدشة في الحكم مجال؛ لأنّ الظاهر من «ما يؤكل» و «ما لا يؤكل» المأخوذين في الأدلّة هو الأنواع، كالبقر و الغنم و الإبل و الكلب و السنَّوْر و الفأر، لا أشخاص الأنواع، فكأنّه قال: «اغسل ثوبك من أبوال

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 43، جواهر الكلام 5: 283، العروة الوثقىٰ 1: 55.

(2) غنية النزوع 1: 40.

(3) مختلف الشيعة 1: 297، التنقيح الرائع 1: 146، مدارك الأحكام 2: 265، ذخيرة المعاد: 146/ السطر 35.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 136/ السطر 15، ذخيرة المعاد: 145/ السطر 15 و 20.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 51، مفاتيح الشرائع 1: 65.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 26

كلّ نوع لا يؤكل لحمه» كما يظهر من الأمثلة التي في بعض الروايات، ففي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه أو موثّقته «1» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يصيبه بعض أبوال البهائم، أ يغسله أم لا؟ قال

يغسل بول الحمار و الفرس و البغل، و أمّا الشاة و كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله «2».

و

عنه مثله، إلّا أنّه قال

و ينضح بول البعير و الشاة، و كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله «3».

إلىٰ غير ذلك ممّا هي ظاهرة في أنّ الحكم في الطرفين معلّق على الأنواع، و لا ريب في أنّ الظاهر من ذلك التعليق أنّ النوع ممّا أُكل أو لا، و لا تتنافىٰ مأكوليّته مع عروض العدم بالجلل و غيره لبعض الأفراد.

نعم، لو كان موضوعه أفراد الأنواع كان الجلّال مصداقه، لكنّه خلاف ظواهر الأدلّة.

و أمّا الاستشهاد للمطلوب «4» بما ورد من غسل عرق الجلّال «5»، ففي غير محلّه و لو قلنا بنجاسته؛ لحرمة القياس. و دعوى الأولوية غير مسموعة بعد احتمال كون نجاسة عرقه لكونه فضل العذرة، بخلاف بوله. مع أنّ الأقوىٰ

______________________________

(1) تقدّم وجه الترديد في الصفحة 21، الهامش 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 247/ 711 و 266/ 780، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 9.

(3) تهذيب الأحكام 1: 422/ 1337، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 10.

(4) جواهر الكلام 5: 284.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 423، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 15، الحديث 1 و 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 27

عدم نجاسة عرق ما عدا الإبل الجلّالة، كما يأتي «1».

نعم، لو أُغمض عمّا ذكرنا، فلا مجال للقول بتعارض ما دلّ علىٰ نجاسة بول غير المأكول و روثه مع ما دلّ علىٰ طهارتهما من الغنم و البقر، تعارضَ العموم من وجه «2»، فيرجع إلىٰ أصالة الطهارة و استصحابها؛ لتقدّم الاولىٰ على الثانية بنحو من الحكومة، لأنّ المأكوليّة و غيرها من الأوصاف الانتزاعية الزائدة على الذات، و الدليل الدالّ على الحكم المعلّق عليها،

مقدّم عرفاً على الدالّ على الحكم المعلّق علىٰ عناوين الذات.

و كيف كان: لا مجال للتشكيك في الحكم بعد ما عرفت من تسلّمه بين الأصحاب؛ و إن احتمل أن يكون مستندهم فيه هو الأدلّة اللفظية؛ بدعوىٰ عمومها للمحرّم بالعرض، كما صرّح به بعضهم «3»، و بُعد وصول شي ء آخر إليهم غير ما وصل إلينا، لكن مع ذلك الأقوىٰ ما عليه الأصحاب، و لفهم العلّية من الأدلّة و الدورانِ مدارها ببركة فهمهم منها، و إمكانِ دعوى إطلاق أدلّة نجاسة البول و العذرة، و المتيقّن من الخروج هو ما للمأكول فعلًا، و المتأيّد في روثة بأنّه من فضل العذرة، و هو أردأ منها.

نجاسة بول و خرء الطير الذي لا يؤكل لحمه

و منها: اختلفوا في رجيع الطير، فعن الصدوق في «الفقيه»: «لا بأس بخرء ما طار و بوله» «4» و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين المأكول و غيره. و حكي القول

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 487.

(2) غنائم الأيّام 1: 382 383، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 336/ السطر 13.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 51، غنائم الأيّام 1: 382، جواهر الكلام 5: 283.

(4) الفقيه 1: 41/ 164.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 28

بطهارته عن ابن أبي عقيل و الجعفي «1»، و تبعهم جمع من متأخّري المتأخّرين «2».

و عن الشيخ في «المبسوط» القول بها فيما عدا الخشّاف، فقال: «بول الطيور و ذرقها كلّه طاهر إلّا الخشّاف» «3».

و عن المشهور القول بنجاسة خرء ما لا يؤكل و بوله، بل في «الجواهر»: «شهرة عظيمة تقرب الإجماع إن قلنا بشمول لفظ «الغائط» و «العذرة» و «الروث» في عبارات الأصحاب لما نحن فيه، كما قطع به العلّامة الطباطبائي في «مصابيحه» «4» بالنسبة إلىٰ خصوص عباراتهم» «5» انتهىٰ.

و هو ليس ببعيد؛ لما

عرفت من تصريح اللغويين بمساوقة «العذرة» «للخُرء» و شيوع إطلاق «الخُرء» علىٰ رجيع الطير في الأخبار و غيرها «6».

و عن الحلّي في باب البئر: «قد اتفقنا علىٰ نجاسة ذرق غير المأكول من سائر الطيور، و قد رويت رواية شاذّة لا يعوّل عليها: أنّ ذرق الطائر طاهر سواء كان مأكول اللحم، أو غير مأكوله، و المعمول عند محقّقي أصحابنا و المحصّلين منهم خلاف هذه الرواية؛ لأنّه هو الذي يقتضيه أخبارهم المجمع عليها» «7» انتهىٰ.

و في «التذكرة»: «البول و الغائط من كلّ حيوان ذي نفس سائلة غير مأكول

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 298، ذكرى الشيعة 1: 110.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 65، مدارك الأحكام 2: 262، الحدائق الناضرة 5: 7 11، مستند الشيعة 1: 141.

(3) المبسوط 1: 39.

(4) المصابيح في الفقه: 174 (مخطوط).

(5) جواهر الكلام 5: 275.

(6) تقدّم في الصفحة 22 24.

(7) السرائر 1: 80.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 29

اللحم، نجسان بإجماع العلماء كافّة، و للنصوص الواردة عن الأئمّة (عليهم السّلام) بغسل البول و الغائط عن المحلّ الذي أصاباه، و هي أكثر من أن تحصى. و قول الشيخ في «المبسوط» بطهارة ذرق ما يؤكل لحمه من الطيور لرواية أبي بصير ضعيف؛ لأنّ أحداً لم يعمل بها» «1» انتهىٰ.

و هو ظاهر في أنّ الروايات المشتملة على «البول» و «العذرة» و «الخُرء» بإطلاقها شاملة للطيور و غيرها من أصناف الحيوان، و كذا كلمات الفقهاء المشتملة عليها و على «الغائط» و نحوه، و يظهر ذلك من الحلّي أيضاً.

و عن «الغنية»: «و النجاسات هي بول ما لا يؤكل و خرؤه بلا خلاف، و ما يؤكل لحمه إذا كان جلّالًا بدليل الإجماع» «2».

و شمول «الخرء» لرجيع الطير

ممّا لا سبيل إلىٰ إنكاره.

و عن «الخلاف» دعوى إجماع الفرقة و أخبارهم علىٰ نجاسة بول و ذرق ما لا يؤكل طيراً أو غيره «3».

و عن «الجامعية في شرح الألفية» دعوى إجماع الكلّ علىٰ نجاستهما من الطير غير المأكول و غير الطير «4».

فعليه يشكل العمل بصحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّ شي ء يطير فلا بأس ببوله و خرئه «5».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 49.

(2) غنية النزوع 1: 40.

(3) الخلاف 1: 487.

(4) انظر جواهر الكلام 5: 276، المسالك الجامعيّة: 72.

(5) الكافي 3: 58/ 9، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 30

و عن «البحار»: وجدت بخطّ الشيخ محمّد بن عليّ الجبعي نقلًا من «جامع البَزَنْطي» عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

خرء كلّ شي ء يطير و بوله لا بأس به «1».

لعدم ثبوت عمل الصدوق بها و إن كان ظاهر «فقيهة» «2» سيّما مع ما عن «مقنعه» قال: «و إن أصاب ثوبك بول الخشاشيف فاغسل ثوبك». و روى: أنّه

لا بأس بخرء ما طار و بوله، و لا تصلّ في ثوب أصابه ذرق الدجاج «3»

انتهىٰ.

فإنّ الظاهر منه عدم عمله بما روي. و لم يحضرني عبارة الجعفي و ابن أبي عقيل. و لا يعتمد بما في «المبسوط» مع دعوى الإجماع في «الخلاف» علىٰ خلافه «4»، و مع فتواه في «النهاية» التي هي معدّة لذلك علىٰ نجاسة ذرق غير المأكول من الطيور «5».

كما أنّه لا اعتماد علىٰ فتوى متأخّري المتأخّرين مع إعراض الأصحاب عن الصحيحة بشهادة الحلّي و العلّامة، مع صحّة سندها، و وضوح دلالتها. و لا شبهة

في أنّ المشهور بين قدماء أصحابنا هو النجاسة، و لهذا لم ينقل الخلاف إلّا ممّن ذكر، فتكون الفتوىٰ بالطهارة شاذّة.

و لو أُغمض عن ذلك، و محّضنا النظر في الروايات، فيمكن أن يقال: إنّ بين

______________________________

(1) بحار الأنوار 77: 110.

(2) الفقيه 1: 41/ 164.

(3) المقنع: 13 14.

(4) الخلاف 1: 485.

(5) النهاية: 51.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 31

صحيحة أبي بصير و صحيحة ابن سِنان «1»، تعارضَ العموم من وجه بدواً؛ فإنّ الأُولىٰ بعمومها شاملة لغير المأكول، و الثانية بإطلاقها شاملة له.

نعم، هنا رواية أُخرى عن ابن سِنان رواها الكليني في أبواب لباس المصلّي، عن عليّ بن محمّد، عن عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اغسل ثوبك من بول كلّ ما لا يؤكل لحمه «2»

، فهي أيضاً شاملة له بالعموم.

لكن فيها إرسال؛ لأنّ عليّ بن محمّد من مشايخ الكليني، و لم يدرك ابن سِنان؛ فإنّه من أصحاب أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و لم يثبت إدراكه لأبي الحسن موسى (عليه السّلام) كما يشهد به التتبّع، و شهد به النجاشي «3» و إن عدّه الشيخ من أصحابه (عليه السّلام) «4»، و لا إشكال في عدم إدراك عليّ بن محمّد و من في طبقته له و لمن في طبقته، بل في طبقة متأخّرة منه أيضاً، كابن أبي عمير و جميل و من في طبقتهما.

و علىٰ أيّ تقدير: بينهما جمع عرفي في مورد الاجتماع؛ لأنّ الأمر بالغسل من بول ما لا يؤكل من الطير، حجّة على الإلزام و الوجوب ما لم يرد الترخيص، و نفي البأس ترخيص. و لو سلّم ظهوره في الوجوب لغة يجمع بينهما بحمل الظاهر على النصّ، و

صحيحة أبي بصير نصّ في عدم الوجوب.

______________________________

(1) عن عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه.

الكافي 3: 57/ 3، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 406/ 12، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 3.

(3) رجال النجاشي: 214/ 558.

(4) رجال الطوسي: 339/ 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 32

و توهّم عدم إمكان التفكيك في مفاد الهيئة مدفوع:

أمّا علىٰ ما ذكرناه في محلّه: بأنّها لا تدلّ إلّا على البعث و الإغراء من غير دلالة على الوجوب أو الاستحباب وضعاً «1»، فظاهر؛ لعدم لزوم التفكيك في مفادها الذي هو البعث و الإغراء و إن انقطعت الحجّة على الإلزام بالنسبة إلىٰ مورد الترخيص دون غيره.

و أمّا علىٰ ما قالوا «2»، فللكشف عن استعمالها في مطلق الرجحان.

و كيف كان: لا تعارض بينهما بعد الجمع العقلائي. مضافاً إلىٰ ما قيل: من تقدّم أصالة العموم علىٰ أصالة الإطلاق «3»، فيقدّم صحيحة أبي بصير بعمومها علىٰ إطلاق صحيحة ابن سِنان. و روايتُه الأُخرىٰ و إن كانت عامّة، لكن قد عرفت أنّه لا ركون إليها و إن كان في تقديم أصالة العموم علىٰ أصالة الإطلاق إشكال و كلام «4».

مع إمكان أن يقال: إنّ صحيحة ابن سِنان غير ظاهرة في الوجوب، و لا حجّة عليه؛ لقرب احتمال أن يكون المراد من

ما لا يؤكل لحمه

ما لا يعدّ للأكل، و لا يكون أكله متعارفاً، لا ما يحرم أكله شرعاً. بل لا يبعد دعوى ظهورها في ذلك؛ لأنّ ما يؤكل و ما لا يؤكل ظاهران فيما يأكله الناس و

ما لا يأكله، و الحمل على ما يحرم أو يحلّ يحتاج إلىٰ تقدير و تأويل.

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 243 و 250 251، تهذيب الأُصول 1: 135.

(2) معالم الدين: 46، قوانين الأُصول 1: 83/ السطر 16.

(3) فرائد الأُصول 2: 792، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 511 و 4: 729 730.

(4) التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 75 77.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 33

و تشهد لما ذكر صحيحة عبد الرحمن أو موثّقته «1» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يصيبه بعض أبوال البهائم، أ يغسله أم لا؟ قال

يغسل بول الفرس و الحمار و البغل، فأمّا الشاة و كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله «2».

حيث قابل فيها بين الفرس و أخويه، و بين ما يؤكل لحمه.

و رواية العيّاشي، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن أبوال الخيل و البغال و الحمير، قال

فكرهها.

فقلت: أ ليس لحمها حلالًا؟ قال فقال

أ ليس قد بيّن اللّٰه لكم وَ الْأَنْعٰامَ خَلَقَهٰا لَكُمْ فِيهٰا دِفْ ءٌ وَ مَنٰافِعُ وَ مِنْهٰا تَأْكُلُونَ و قال في الخيل وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغٰالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهٰا وَ زِينَةً؟! إلىٰ أن قال و ليس لحومها بحرام، و لكنّ الناس عافوها «3».

مضافاً إلى الروايات الكثيرة الآمرة بالغسل من أبوال البهائم الثلاث «4»، فيضعف ظهور قوله (عليه السّلام)

اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه «5»

في الوجوب حتّى يستفاد منه النجاسة؛ بعد معلومية عدم نجاسة بول تلك البهائم من الصدر الأوّل، خصوصاً في زمان الصادقين (عليهما السّلام) حيث كانت طهارته ضرورية، مع كثرة ابتلاء الأعراب بها، و كثرة حشرهم مع تلك الدوابّ في

______________________________

(1) تقدّم

وجه الترديد في الصفحة 21، الهامش 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 247/ 711 و 266/ 780، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 9.

(3) تفسير العيّاشي 2: 255، مستدرك الوسائل 2: 558، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 5، الحديث 2.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 406 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9.

(5) تقدّم في الصفحة 31، الهامش 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 34

الحروب و غيرها من زمن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلىٰ عصر الصادقين (عليهما السّلام).

و بالجملة: إن قلنا بظهور صحيحة ابن سِنان فيما لا يعدّ للأكل و لا يأكله الناس فعلًا، لا يبقى ظهور الأمر بالغسل في الوجوب.

ثمّ لو أُغمض عن ذلك، و قلنا بتعارض الروايتين، و قلنا بعدم شمول أدلّة العلاج للعامّين من وجه كما هو الأقرب «1»، فالقاعدة تقتضي سقوطهما و الرجوعَ إلىٰ أصالة الطهارة. إلّا أن يقال بإطلاق الروايات الواردة في البول، كصحيحة ابن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن البول يصيب الثوب، قال

اغسله مرّتين «2».

و نحوها غيرها «3».

و إطلاق ما وردت في العذرة تقدّم جملة منها «4»؛ و إن كان في إطلاقها لبول الطير كلام. و قد يقال بعدم البول للطيور غير الخُفّاش «5»، كما يظهر من رواية المفضّل اختلافه مع سائر الطيور في أُمور، منها: أنّه يبول دونها «6».

و يحتمل أن يكون بول الطيور مخلوطاً برجيعها؛ لوحدة مخرجهما.

______________________________

(1) التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 100 105.

(2) تهذيب الأحكام 1: 251/ 721، وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،

الباب 1.

(4) تقدّم في الصفحة 20 21.

(5) مستند الشيعة 1: 144، مصباح الفقيه، الطهارة: 518/ السطر 17.

(6) نقلها في البحار، عن المفضل .. خلق الخفّاش خلقة عجيبة بين خلقة الطير و ذوات الأربع أقرب، و ذلك أنّه ذو اذنين ناشزتين و أسنان و وبر و هو يلد ولاداً و يرضع و يبول و يمشي إذا مشى علىٰ أربع، و كلّ هذا خلاف صفة الطير .. إحديهما خروج ما يخرج منه من الثفل و البول فإنّ هذا لا يكون من غير طعم. بحار الأنوار 3: 107.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 35

و تشهد لوجود البول للطيور صحيحة أبي بصير المتقدّمة «1»؛ لبعد إلقاء الكلّية في بول الطير لمكان الخُفّاش فقط.

و الإنصاف: أنّه لولا إعراض الأصحاب عن صحيحة أبي بصير، لكان القول بالطهارة متّجهاً؛ لما مرّ من الوجوه «2»، و العمدة منها الجمع العقلائي بينها و بين غيرها، لكن لا مجال للوسوسة بعد ما عرفت. بل و لو لا الخدشة المتقدّمة في رواية «المختلف» عن «كتاب عمّار بن موسى» «3» لكانت الرواية من أقوى الشواهد علىٰ أنّ علّة عدم البأس في خرء الخُطّاف مأكولية اللحم، لا الطيران، و إلّا كان التعليل به أولىٰ، بل متعيّناً، فيظهر منها أنّ الطيور أيضاً علىٰ قسمين.

نجاسة بول الخُفّاش

و ممّا ذكرنا يظهر حال بول الخُفّاش، بل القول بالنجاسة فيه أظهر:

لا لرواية داود قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي، فأطلبه فلا أجده، فقال

اغسل ثوبك «4».

لضعفها سنداً و عدم مقاومتها لموثّقة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليهما السّلام) قال

لا بأس بدم البراغيث و البقّ و بول الخشاشيف «5»

، لا سنداً و

لا دلالة

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 29.

(2) تقدّم في الصفحة 31.

(3) تقدّمت في الصفحة 18.

(4) تهذيب الأحكام 1: 265/ 777، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 4.

(5) تهذيب الأحكام 1: 266/ 778، وسائل الشيعة 3: 413، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 36

أمّا الأوّل فواضح؛ لعدم من يتأمّل فيه في سندها إلّا غياث و هو موثّق أوثقه «1» بخلاف الاولىٰ فإنّ في سندها موسى بن عمر، و يحيى بن عمر، و لم يرد فيهما توثيق.

و أمّا دلالة، فلتقدّمها عليها تقدّم النصّ على الظاهر. مع تأيّدها بما عن «نوادر الراوندي» بإسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه (عليهم السّلام)

أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) سئل عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخشاشيف، و دماء البراغيث، فقال: لا بأس به «2».

بل لما تقدّم من عدم العامل بمثل هذه الرواية «3». و الشيخ الذي أفتىٰ في «المبسوط» بطهارة بول الطيور و ذرقها استثنى الخُفّاش «4»، و حمل هذه الرواية على التقية «5»، مع أنّها أخصّ مطلقاً من أدلّة نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه، فهي إذن شاذّة لا يعبأ بها.

طهارة خرء الدجاجة

و أمّا خرء الدجاجة، فلا ينبغي الإشكال في طهارته، بل مع شدّة ابتلاء الناس به لو كان نجساً لصار من الضروري.

______________________________

(1) الترديد لأجل اختلاف في مذهب غياث بن إبراهيم، فإنّه مردّد بين كونه إمامياً ثقة كما يظهر من ا النجاشي و كونه بترياً كما في رجال الشيخ الطوسي.

راجع رجال النجاشي: 305/ 833، رجال الطوسي: 142/ 1، تنقيح المقال 2: 366/ السطر 13.

(2) لم نجده في النسخة المطبوعة من النوادر، انظر بحار الأنوار

77: 110، مستدرك الوسائل 2: 559، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 6، الحديث 1.

(3) تقدّم في الصفحة 29 30 و 35.

(4) المبسوط 1: 39.

(5) تهذيب الأحكام 1: 266، ذيل الحديث 778.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 37

مع إمكان دعوى ضرورية طهارته. مضافاً إلى العمومات «1»، و خصوص رواية وهب «2».

و أمّا رواية فارس قال: كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج، تجوز الصلاة فيه؟ فكتب

لا «3».

فمردودة علىٰ راويها الذي هو فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني الكذّاب اللعين، المختلط الحديث و شاذّه، المقتول بيد أصحاب أبي محمّد العسكري (عليه السّلام) و بأمر أبي الحسن (عليه السّلام) كما هو المروي «4».

فما عن المفيد و الشيخ من القول بنجاسته «5» غير وجيه.

بل عن ظاهر الثاني في «التهذيب» و «الاستبصار» موافقة الأصحاب «6».

______________________________

(1) و هي العمومات التي وردت في ما يؤكل لحمه، راجع وسائل الشيعة 3: 406 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9.

(2) عن وهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليه السّلام) أنّه قال: لا بأس بخرء الدجاج و الحمام يصيب الثوب.

تهذيب الأحكام 1: 283/ 831، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 266/ 782، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 3.

(4) اختيار معرفة الرجال: 522 524، رجال الطوسي: 390/ 3، تنقيح المقال 2: 1/ السطر الأوّل (أبواب الفاء).

(5) المقنعة: 71، المبسوط 1: 36.

(6) تهذيب الأحكام 1: 284، ذيل الحديث 831، الاستبصار 1: 178، ذيل الحديث 619.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 38

طهارة أبوال و أرواث الخيل و البغال و الحمير

و من بعض ما تقدّم يظهر وضوح طهارة أبوال

الخيل و البغال و الحمير و أرواثها؛ فإنّها مع هذا الابتلاء الكثير المشاهد خصوصاً في بلاد الأعراب في حروبهم و غيرها لو كانت نجسة لصارت ضرورية واضحة لدى المسلمين؛ لا يشكّ فيها أحد منهم، مع أنّ الطهارة في جميع الأعصار كالضروري لا يحوم حولها التشكيك.

فالقول بالنجاسة اغتراراً بالروايات الآمرة بالغسل من أبوالها «1»، في غاية السقوط و لو فرض عدم الروايات النافية للبأس عنها، و في مثل المقام يقال: «كلّما ازدادت الروايات صحّة و كثرة ازدادت وهناً و ضعفاً».

مع أنّ الجمع بينها عقلائي، و التصرّف فيها من أوهن التصرّفات، ففي حسنة معلّى بن خنيس و عبد اللّٰه بن أبي يعفور أو صحيحتهما قالا: كنّا في جنازة و قدّامنا حمار فبال، فجاءت الريح ببوله حتّى صكّت وجوهنا و ثيابنا، فدخلنا علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فأخبرناه فقال

ليس عليكم بأس «2».

و ليس في سندها من يتأمّل فيه إلّا الحكم بن مسكين، و هو مع كونه كثير الرواية و مقبولها، و روايةِ مثل ابن أبي عمير و ابن محبوب و ابن أبي الخطّاب و الحسن بن عليّ بن فضّال عنه، و كونِه كثير الكتب يندرج في الحسان.

بل عن الوحيد في «حاشية المدارك» عن المحقّق الحكم بصحّة

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 406، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9.

(2) تهذيب الأحكام 1: 425/ 1351، وسائل الشيعة 3: 410، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 39

رواياته «1»، و معه لا مجال للتوقّف فيها. و هي نصّ في المطلوب، فيحمل عليها ما هو ظاهر في وجوب الغسل لو سلّم ذلك.

و عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن

جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الدابّة تبول، فيصيب بولها المسجد أو حائطه، أ يصلّىٰ فيه قبل أن يغسل؟ قال

إذا جفّ فلا بأس «2».

قال في «الوسائل»: «و رواه عليّ بن جعفر في كتابه مثله» «3» فهي صحيحة بالطريق الثاني.

و صحيحته الأُخرىٰ، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن الثوب يقع في مربط الدابّة علىٰ بولها و روثها، كيف يصنع؟ قال

إن علق به شي ء فليغسله، و إن كان جافّاً فلا بأس «4».

و الظاهر من فرض وقوعه في الأبوال وصولها إليه و تأثّره منها، فحينئذٍ يراد بقوله

إن كان جافّاً

صيرورته جافّاً بعد وصول البول إليه، لا إبداع الشكّ في الوصول أو فرض عدمه؛ فإنّهما خلاف الظاهر منها، تأمّل.

و رواية النخّاس قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أُعالج الدوابّ، فربّما

______________________________

(1) حاشية المدارك، ضمن مدارك الأحكام: 221، ذيل قوله «و هو مجهول» (ط. حجري)، منتهى المقال 3: 106، تنقيح المقال 1: 360/ السطر 28.

(2) قرب الإسناد: 205/ 794، وسائل الشيعة 3: 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 18.

(3) مسائل عليّ بن جعفر: 188/ 380، وسائل الشيعة 3: 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، ذيل الحديث 18.

(4) مسائل عليّ بن جعفر: 130/ 116، وسائل الشيعة 3: 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 40

خرجت بالليل و قد بالت و راثت، فيضرب أحدها برجله أو يده، فينضح علىٰ ثيابي، فأُصبح فأرىٰ أثره فيه، فقال

ليس عليك شي ء «1».

و الظاهر أنّ المراد بالدابّة عند الإطلاق الخيل و أخواه، كما تشهد به رواية زرارة الآتية.

نعم، يحتمل في رواية النخّاس عدم العلم بوصول البول إلىٰ

ثيابه، لكن بعد فرض أنّها بالت و راثت، مع كون بولها و روثها في مكان واحد، فلا محالة لو كانت الأبوال نجسة صارت الأرواث بملاقاتها نجسة، سيّما مع فرض دوابّ كثيرة في مكان واحد. فنفي البأس عن الروث دليل علىٰ عدم البأس في أبوالها أيضاً. و منه يظهر إمكان الاستيناس أو الاستدلال للمقصود ببعض ما دلّت علىٰ نفي البأس في الأرواث «2».

و في رواية زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام): في أبوال الدوابّ تصيب الثوب، فكرهه.

فقلت: أ ليس لحومها حلالًا؟ فقال

بلىٰ، و لكن ليس ممّا جعله اللّٰه للأكل «3».

بدعوىٰ ظهور «كرهه» في الكراهة و إن لا تخلو من إشكال.

و في موثّقة ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

أنّ

______________________________

(1) الكافي 3: 58/ 10، وسائل الشيعة 3: 407، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 2.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 406، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 1 و 3 و 16.

(3) الكافي 3: 57/ 4، وسائل الشيعة 3: 408، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 41

الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله، فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد؛ لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ اللّٰه أكله.

ثمّ قال

يا زرارة، هذا عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان ممّا يؤكل لحمه، فالصلاة في وبره و بوله و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز .. «1»

إلىٰ آخره.

إلىٰ غير ذلك ممّا

هو نصّ في الطهارة و عدم البأس، و الجمع بينها و بين ما أمر فيها بالغسل عقلائي؛ بحمل الثانية علىٰ رجحان التنزّه عنها.

و لقد أطنب صاحب «الحدائق» في المقام، و أتى بغرائب، و أطال اللسان علىٰ محقّقي أصحابنا بزعم تنبّهه على أُمور غفل عنها المحصّلون «2»، و لو لا مخافة تضييع الوقت لسردت إيراداته مع ما يرد عليها، لكنّ الأولى الغضّ عنها بعد وضوح المسألة.

نجاسة بول الرضيع

و أمّا بول الرضيع، فلم ينقل الخلاف في نجاسته إلّا عن ابن الجنيد، فإنّه قال: «بول البالغ و غير البالغ من الناس نجس، إلّا أن يكون غير البالغ صبيّاً ذكراً، فإنّ بوله و لبنه ما لم يأكل اللحم ليس بنجس» «3».

______________________________

(1) الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.

(2) الحدائق الناضرة 5: 20 31.

(3) انظر مختلف الشيعة 1: 301.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 42

و الظاهر منه نجاسة لبنه إذا أكل اللحم، و هو غريب.

كما أنّ التقييد بأكل اللحم أيضاً غريب، لكن عن «المدارك» حكاية «الطعام» بدل «اللحم» عنه «1».

و الأقوى ما عليه الأصحاب، لا لروايات غسل بول ما لا يؤكل؛ فإنّها منصرفة عن الإنسان، بل للإجماع المحكيّ عن السيّد «2»، بل دخوله في معقد إجماع غيره «3»، و للروايات الخاصّة الآمرة بالغسل تارة، كموثّقة سَماعة «4»، و بالصبّ و العصر أُخرى، كصحيحة الحسين بن أبي العلاء «5»؛ بناءً علىٰ وثاقته «6»، و بالصبّ ثالثة، مفصّلًا بين من كان قد أكل و غيره، مع الحكم بأنّ الغلام و الجارية شرع سواء «7».

و لا منافاة بين ما دلّت على الغسل و ما دلّت على الصبّ؛ إمّا بحمل الغسل

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 263.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 1.

(3) منتهى المطلب 1: 159/ السطر 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 251/ 723، وسائل الشيعة 3: 398، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 3.

(5) الكافي 3: 55/ 1، وسائل الشيعة 3: 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 1.

(6) راجع تنقيح المقال 1: 317/ السطر 11.

(7) و هي صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن بول الصبي؟ قال: تصبّ عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلًا و الغلام و الجارية شرع سواء.

الكافي 3: 56/ 6، وسائل الشيعة 3: 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 43

على الصبّ بأن يقال: إنّه نحو من الغسل، و ما دلّت عليه حاكمة علىٰ ما دلّت على الغسل، و بيان لكيفيّته.

أو يقال: إنّ ما دلّت على الصبّ مطلقاً محمولة علىٰ غير من أكل، و ما دلّت على الغسل محمولة على من أكل؛ بشهادة صحيحة الحلبي المفصّلة بينهما لو قلنا: بأنّ الغسل مباين له.

و أمّا توهّم: أنّ ما دلّت على الصبّ لا تدلّ على النجاسة؛ لبعد أن يكون الصبّ مطهّرها مع بقاء الغسالة فيه، بعد البناء علىٰ عدم وجوب العصر، كما يأتي في محلّه «1».

فمدفوع: بأنّ غاية ما لزم من عدم لزوم انفصال غسالته أنّها طاهرة، فلا يلزم انفصالها، و هي غير مستبعدة بعد وقوع نظيرها في باب الاستنجاء، فإنّ لازم طهارة مائه أنّه يجوز صبّ الماء على الحشفة في السراويل. بل وضعها علىٰ ثوب و صبّ الماء عليها.

نعم، لو قلنا بلزوم انفصال غسالتها، يكون ذلك نحو افتراق بينهما، مع اشتراكهما في عدم

نجاسة غسالتهما.

فالقائل بالطهارة إن أراد عدم لزوم غسل بول الصبي و كذا الصبّ عليه، فمحجوج بالروايات المعتبرة الدالّة على لزوم الصبّ و الغسل، و لا يمكن رفع اليد عنها بمجرّد الاستبعاد مع تعبّدية الحكم.

و إن أراد أنّه مع لزومه لا يكون البول نجساً، فهو أبعد ممّا استبعده؛ ضرورة أنّ الأمر بالصبّ ليس إلّا لنحو تغسيل له، لا حكم تعبّدي غير مربوط بباب التطهير و التغسيل.

______________________________

(1) يأتي في الجزء الرابع: 140.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 44

و أمّا ما ورد في قضيّة الحسنين (عليهما السّلام) في رواية الراوندي و «الجعفريات» عن عليّ (عليه السّلام): من عدم غسل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ثوبه من بولهما قبل أن يطعما «1»، فلا تنافي الروايات؛ لأنّ «الغسل» منصرف أو حقيقة فيما يتعارف من انفصال الغسالة، و هو غير لازم، فلم يفعل النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و لا ينافي لزوم الصبّ، كما تشهد به رواية الصدوق في «معاني الأخبار»: «أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) اتي بالحسن بن عليّ (عليه السّلام) فوضع في حجره فبال، فقال

لا تزرموا ابني

ثمّ دعا بماء فصبّ عليه» «2».

بل لا يبعد أن تكون القضيّة واحدة. بل ورد في مولانا الحسين (عليه السّلام) شبه القضيّة فقال

مهلًا يا أُمّ الفضل، فهذا ثوبي يغسل، و قد أوجعت ابني «3».

و في رواية فقال

مهلًا يا أُمّ الفضل، إنّ هذه الإراقة الماء يطهّرها، فأيّ شي ء يزيل هذا الغبار عن قلب الحسين (عليه السّلام)؟! «4».

مضافاً إلىٰ أنّ الروايات الواردة في القضيّتين، ضعاف لا ركون إليها لإثبات حكم.

و أمّا رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه

(عليهما السّلام)

أنّ عليّاً (عليه السّلام) قال: لبن

______________________________

(1) راجع نوادر الراوندي، ضمن الفصول العشرة: 39، الجعفريات، ضمن قرب الإسناد: 12/ السطر 11، مستدرك الوسائل 2: 554، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 2 و 4.

(2) معاني الأخبار: 211/ 1، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 4.

(3) الملهوف على قتلى الطفوف: 92، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 5.

(4) مستدرك الوسائل 2: 557، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 4، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 45

الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم؛ لأنّ لبنها يخرج من مثانة أُمّها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل أن يطعم؛ لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين «1».

فمع اشتمالها على ما يخالف الإجماع و الاعتبار، و معارضتها لصحيحة الحلبي المصرّحة بالتسوية «2»، و إمكان كون التصريح بها لدفع مثل ما صدر تقيّة، و إمكان أن يقال: إنّه لا يغسل من بوله و إن صبّ عليه، فيكون طريق جمع بينها و بين روايات الصبّ، لا تصلح لإثبات حكم مخالف للإجماع و الأدلّة العامّة و الخاصّة.

طهارة بول و رجيع ما لا نفس له

و منها: لا ينبغي الإشكال في طهارة رجيع ما لا نفس له إذا كان من غير ذوات اللحوم، كالذباب و الخنفساء و نحوهما و إن حكي عن «المعتبر» التردّد فيه «3» لانصراف أدلّة ما لا يؤكل لحمه عنها بلا إشكال.

و توهّم أعمّية ما لا يؤكل من السالبة بسلب الموضوع، في غاية السقوط.

و أمّا ما لا نفس له من ذوات اللحوم، ففي طهارة بولها و رجيعها، و نجاستهما، و التفصيل بين البول و

الرجيع بنجاسة الأوّل دون الثاني، وجوه.

و الظاهر عدم إجماع في المسألة يمكن الاتكال عليه في إثبات شي ء ممّا ذكر؛ و إن قال صاحب «الحدائق»: «الظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 250/ 718، وسائل الشيعة 3: 398، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 4.

(2) تقدّم في الصفحة 42، الهامش 7.

(3) المعتبر 1: 411.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 46

في طهارة رجيع ما لا نفس له، كالذباب و نحوه» «1».

و يشعر قول العلّامة في «التذكرة» بعدم الخلاف بيننا؛ حيث نسب الخلاف إلى الشافعي قال: «رجيع ما لا نفس له سائلة كالذباب و الخنافس طاهر؛ لأنّ دمه طاهر، و كذا ميتته، و روث السمك، و للشافعي في الجميع قولان» «2» انتهىٰ. لكن مع احتمال أن يكون دعوى عدم الخلاف في مثل الذباب ممّا لا لحم له، و هو مسلّم، أنّ ذلك غير مجدٍ.

مع ما نرىٰ من إطلاق كلام كثير من الأصحاب، كصاحب «الوسيلة»، و «النهاية»، و «المراسم»، و «الغنية»، و «إشارة السبق» «3»، و لا يبعد الاستظهار من «الناصريات»، و محكيّ «المقنعة»، و «الخلاف»، و «الجمل»، و «النافع»، و «الدروس» «4»، مع تقييد بعضهم في الميتة و الدم بما لا نفس له ممّا يؤكّد الإطلاق. و الإطلاق معقد لا خلاف «الغنية» و محكيّ «الخلاف» «5».

و الإنصاف: أنّ المسألة اجتهادية لا إجماعية، و منشأ الخلاف يمكن أن يكون اختلافهم في فهم الإطلاق من الروايات الدالّة على نجاسة العذرة التي

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 13.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 51.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77 78، النهاية: 51، المراسم: 55، غنية النزوع 1: 40، إشارة السبق، ضمن الجوامع الفقهيّة: 119/ السطر 34.

(4)

الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 216/ السطر 31، المقنعة: 69، الخلاف 1: 485، الجمل و العقود، ضمن الرسائل العشر: 171، المختصر النافع: 18، الدروس الشرعيّة 1: 123.

(5) غنية النزوع 1: 40، الخلاف 1: 485.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 47

مرّت جملة منها «1». و كذا اختلافهم في صدقها علىٰ غير ما للإنسان؛ بحيث تشمل رجيع ما لا نفس له. و كذا في البول من الخلاف في الإطلاق.

و المسألة محلّ تردّد من هذه الجهة؛ لعدم الوثوق بإطلاق معتدٍّ به في الأدلّة، و احتمال اختصاص العذرة بالآدمي، كما قال جمع «2»، أو بالأعمّ منه و من السباع، كالسنَّوْر و الكلب، لا مثل رجيع الطير و ما لا نفس له، أو منصرفة إليه.

بل يمكن أن يقال: إنّه ليس في الروايات ما أطلق الحكم على العذرة؛ لأنّ أوضحها دلالة و إطلاقاً رواية عليّ بن محمّد قال: سألته عن الفأرة و الدجاجة و الحمامة و أشباهها تطأ العذرة، ثمّ تطأ الثوب، أ يغسل؟ قال

إن كان استبان من أثره شي ء فاغسله «3».

و عبدِ الرحمان: عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنّوْر أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال

إن كان لم يعلم فلا يعيد «4».

و عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن الدجاجة و الحمامة و أشباههما تطأ العذرة، ثمّ تدخل في الماء، يتوضّأ منه للصلاة؟

قال

لا، إلّا أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء «5».

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 18.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 24.

(3) تهذيب الأحكام 1: 424/ 1347، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 3.

(4) تهذيب الأحكام 2: 359/ 1487، وسائل الشيعة

3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 5.

(5) تهذيب الأحكام 1: 419/ 1326، وسائل الشيعة 1: 155، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 48

إلىٰ غير ذلك ممّا هي نظيرها أو أخفىٰ منها.

و هي مع كونها في مقام بيان حكم آخر لا نجاسة العذرة، موردها عذرة الإنسان و شبهها ممّا هي محلّ الابتلاء التي تطأها المذكورات، أو تكون في ثوب الإنسان.

و إلغاء الخصوصية عرفاً من موردها حتّى تشمل ممّا لا نفس له، غير ممكن بعد قرب احتمال الخصوصية، سيّما مع طهارة ميتتها و دمها.

و منه يظهر الكلام في صحيحة ابن سِنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه «1».

لعدم الوثوق بإطلاقها لما لا نفس له و ميتتها و دمها طاهرة، و عدم إمكان إلغاء الخصوصية عرفاً بعد ذلك، و الشكِّ في خروج البول منها بحيث يصيب الثوب.

و أمّا روايته الأُخرى «2»، فمرسلة «3» لا يمكن إثبات الحكم بعمومها اللغوي. و المسألة محلّ إشكال و إن كانت الطهارة أشبه، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط، خصوصاً في البول.

تردّد صاحب «الجواهر» في الشبهات الموضوعية في المقام

تنبيه: يظهر من صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) نوع ترديد في الشبهات الموضوعيّة، كفضلة لم يعلم أنّها من ذي النفس، قال:

«بقي شي ء بناءً على اعتبار هذا القيد أي كونه من ذي النفس-: و هو

______________________________

(1) الكافي 3: 57/ 3، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 406/ 12، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 3.

(3) تقدّم وجه كونها مرسلة في الصفحة 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)،

ج 3، ص: 49

أنّ مجهول الحال من الحيوان الذي لم يُدرَ أنّه من ذي النفس أو لا، يحكم بطهارة فضلته حتّى يعلم أنّه من ذي النفس؛ للأصل و استصحاب طهارة الملاقي و نحوه.

أو يتوقّف الحكم بالطهارة على اختباره بالذبح و نحوه؛ لتوقّف امتثال الأمر بالاجتناب عليه، و لأنّه كسائر الموضوعات التي علّق الشارع عليها أحكاماً، كالصلاة للوقت و القبلة و نحوهما.

أو يفرّق بين الحكم بطهارته، و بين عدم تنجيسه للغير، فلا يحكم بالأوّل إلّا بعد الاختبار، بخلاف الثاني؛ للاستصحاب فيه من غير معارض، و لأنّه حينئذٍ كما لو أصابه رطوبة متردّدة بين البول و الماء.

وجوه لم أعثر علىٰ تنقيح منها في كلمات الأصحاب» «1» انتهىٰ.

و فيه: أنّه لا شبهة في جريان الأُصول الشرعية في الشبهات الموضوعية، بل الحكمية بعد الفحص. بل الأقوىٰ جريان الأُصول العقلية أيضاً بالنسبة إلىٰ أكل ملاقيه و شربه و سائر التكاليف الاستقلالية، بل و التكاليف الغيرية و الإرشادية لو قلنا بمانعية النجاسة.

نعم، لو قلنا بشرطية الطهارة أو عدم النجاسة يشكل الأصل العقلي، لكن يجري الشرعي؛ لأنّ أصالة الطهارة حاكمة علىٰ أدلّة الاشتراط، و منقّحة لموضوعها، كما حرّرنا في محلّه «2».

نعم، قد يتوقّف في جريانها في الموارد التي ترفع الشبهة بأدنى شي ء

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 289.

(2) مناهج الوصول 1: 317 319، تهذيب الأُصول 1: 191 195.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 50

كالنظر؛ بدعوى انصراف أدلّة الأُصول عن المشكوك فيه الذي يزول الشكّ عنه بأدنى اختبار.

لكنّ الأقوىٰ خلاف ذلك، سيّما في باب النجاسات؛ لصحيحة زرارة فيها: قلت: فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شي ء أن أنظر فيه؟ قال

لا، و لكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي

وقع في نفسك «1».

بل لا يبعد ظهورها في أنّ عدم لزوم الفحص إنّما هو للاتكال على الاستصحاب؛ و أنّه لا ينبغي نقض اليقين بالشكّ، لا لخصوصيّة النجاسة. كما أنّ الأقرب عدم انصراف الأدلّة عن مثلها.

و ما يقال: «إنّ عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية، إنّما هو فيما إذا لم تكن مقدّمات العلم حاصلة؛ بحيث لا يحتاج حصوله إلىٰ أزيد من النظر؛ فإنّ في مثله يجب النظر، و لا يجوز الاقتحام في الشبهات مطلقاً إلّا بعد النظر في المقدّمات؛ لعدم صدق الفحص علىٰ مجرّد النظر» «2».

ففيه: أنّ ذلك يتمّ لو كان الاتكال على الإجماع علىٰ عدم وجوب الفحص، و أمّا لو كان المعوّل عليه إطلاق أدلّة الأُصول، فصدق الفحص و عدمه أجنبي عنه. إلّا أن يدّعى الانصراف، و هو غير مسلّم، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1.

(2) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 302.

(3) أنوار الهداية 2: 437، تهذيب الأُصول 2: 422 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 51

المني

نجاسة منيّ الآدمي

الثالث: المنيّ، و هو نجس من الآدمي بلا إشكال و نقل خلاف، بل في «الانتصار» إجماع الشيعة الإمامية على النجاسة «1»، و كذا عن «الخلاف»، و «المسائل الطبرية»، و «الغنية»، و «المنتهىٰ»، و «كشف الحق»، الإجماع علىٰ نجاسته من كلّ حيوان ذي نفس «2». و عن «النهاية»، و «التذكرة» «3»، و «كشف الالتباس» «4»: «أنّها مذهب علمائنا».

و استدلّ عليها السيّد في «الناصريات» مضافاً إلى الإجماع بقوله تعالىٰ وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطٰانِ «5».

______________________________

(1) الانتصار: 15.

(2)

مفتاح الكرامة 1: 136/ 31، الخلاف 1: 489، غنية النزوع 1: 42، منتهى المطلب 1: 161/ السطر 22، نهج الحقّ و كشف الصدق: 419.

(3) نهاية الإحكام 1: 267، تذكرة الفقهاء 1: 53.

(4) كشف الالتباس: 206/ السطر 14 (مخطوط).

(5) الأنفال (8): 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 52

قال: «روي في التفسير أنّه تعالىٰ أراد بذلك أثر الاحتلام، فدلّت الآية علىٰ نجاسة المنيّ من وجهين:

أحدهما: قوله تعالىٰ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطٰانِ و الرجز و النجس بمعنى واحد .. إلىٰ أن قال:

و الثاني: من دلالة الآية أنّه تعالىٰ أطلق عليه اسم «التطهير» و «التطهير» لا يطلق في الشرع إلّا لإزالة النجاسة، أو غسل الأعضاء الأربعة» «1» انتهىٰ.

و فيه: أنّ الظاهر من عطف قوله يُذْهِبَ عَنْكُمْ علىٰ قوله لِيُطَهِّرَكُمْ- بالواو الظاهر في المغايرة أنّ التطهير بالماء غير إذهاب رجز الشيطان، فالمراد بالتطهير إمّا التطهير من الخبث، و بإذهاب الرجز رفع الجنابة.

أو المراد منه أعمّ من رفع الخبث و حدث الجنابة، فيكون المراد من إذهاب الرجز إذهاب وسوسة الشيطان، كما عن ابن عبّاس، و ذلك أنّه حكىٰ: «أنّ الكفّار في وقعة بدر قد سبقوا المسلمين إلى الماء، فنزلوا علىٰ كثيب الرمل، فأصبحوا محدثين و مجنبين، و أصابهم الظمأ، و وسوس إليهم الشيطان، فقال: إنّ عدوّكم قد سبقكم إلى الماء، و أنتم تصلّون مع الجنابة و الحدث، و تسوخ أقدامكم في الرمل، فمطرهم اللّٰه حتّى اغتسلوا به من الجنابة، و تطهّروا به من الحدث، و تلبّدت به أرضهم، و أوحلت أرض عدوّهم» «2».

و هذا هو المراد من ذهاب رجز الشيطان، كما عن ابن عبّاس، و عليه لا يتمّ ما ذكره السيّد من الوجهين. نعم، تدلّ على

النجاسة مضافاً إلى الإجماع المحكي المستفيض طوائف من الأخبار

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 14.

(2) انظر مجمع البيان 4: 808، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: 114.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 53

منها: ما أُمر فيها بغسله «1». و احتمال كونه مانعاً من الصلاة من غير كونه نجساً، مقطوع الفساد، خصوصاً بعد إردافه فيها بالدم و البول «2».

و منها: ما أُمر فيها بإعادة الصلاة التي صلّي فيه «3».

و منها: ما أُمر بالصلاة عرياناً مع كون الثوب منحصراً بما فيه الجنابة «4».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 53

و منها: ما دلّ علىٰ جواز الصلاة فيه حال الاضطرار «5».

و منها: ما صرّح فيه بالنجاسة، كقول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) علىٰ ما في مرسلة شعيب بن أنس لأبي حنيفة

أيّهما أرجس: البول، أو الجنابة؟ .. «6»

إلىٰ آخره. و روايةِ «العلل» عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام)

و إنّما أُمروا بالغسل من الجنابة، و لم يؤمروا بالغسل من الخلاء، و هو أنجس من الجنابة «7».

إلىٰ غير ذلك، فلا إشكال فيها نصّاً و فتوى.

نعم، هنا روايات ربّما يتوهّم ظهورها في الطهارة

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 423، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 474 و 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 2 و 3 و 9.

(3) وسائل الشيعة 3: 424، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46،

الحديث 1 و 3.

(5) وسائل الشيعة 3: 485، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 7.

(6) علل الشرائع: 90/ 5، وسائل الشيعة 2: 180، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 2، الحديث 5.

(7) علل الشرائع: 258/ 9، وسائل الشيعة 2: 179، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 2، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 54

منها: صحيحة أبي أُسامة زيد الشحّام قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): تصيبني السماء و عليّ ثوب، فتبلّه و أنا جنب، فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المنيّ، أ فأُصلّي فيه؟ قال

نعم «1».

و موثّقة ابن بكير، [عن أبي أُسامة]، عنه (عليه السّلام) قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الثوب يكون فيه الجنابة، فتصيبني السماء حتّى يبتل عليّ، قال

لا بأس «2».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر منهما أنّ ملاقي المنيّ طاهر، و لازمه طهارته.

و فيه: أنّ الظاهر منهما أنّ السؤال إنّما هو عن أمر بعد مفروغية نجاسة المنيّ، و ليس السائل بصدد السؤال عن نجاسته، بل بصدد أنّه بمجرّد كون البدن نجساً من المنيّ و صار الثوب مبتلّا بالمطر، يحكم بنجاسة الثوب إذا أصاب بعض ما أصاب الجسد من المنيّ أو لا؟ فأجاب بعدم البأس؛ لأنّ مجرّد ذلك لا يوجب العلم بالسراية و وصول أثر المنيّ إلى الثوب، لاحتمال كون ما أصابه غير مورد البلّة، أو كون البلّة بمقدار لا يوجب السراية.

و بالجملة: لا يحكم بالنجاسة إلّا مع العلم بإصابة الثوب بما أصابه المنيّ مع العلم بالسراية، و مع الشكّ في جهة من الجهات محكوم بالطهارة.

و الشاهد علىٰ أنّ سؤاله عن الشبهة الموضوعية: أنّه فرض في الروايتين مصداقين من الشبهة الموضوعية:

أحدهما: فرض كون المنيّ في جسده و

ثوبه مبتلّا، فسأل عن حال الثوب و الصلاة فيه.

______________________________

(1) الكافي 3: 52/ 2، وسائل الشيعة 3: 445، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 53/ 5، وسائل الشيعة 3: 446، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 55

و ثانيهما: فرض كون الجنابة في ثوبه و إصابة السماء حتّى يبتلّ عليه، فسأل عن حال جسده.

فهاتان الروايتان من أدلّة نجاسته لا طهارته؛ لأنّ الظاهر منهما مفروغيتها، و السؤال عن الشبهة الموضوعية، و السؤال عنها غير عزيز يظهر بالتتبّع.

و منها: رواية عليّ بن أبي حمزة قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه، فيعرق فيه، فقال

ما أرىٰ به بأساً.

و قال: إنّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره، قال: فقطب أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) في وجه الرجل فقال

إن أبيتم فشي ء من ماء ينضحه به «1».

بدعوىٰ ظهورها في طهارة ملاقيه، و لازمها طهارته.

و فيه: أنّ فيها احتمالين:

أحدهما: أنّ مراد السائل رفع الشبهة عن عرق الجنب، كما وردت فيه روايات يظهر منها أنّ عرقه كان مورد الشبهة في تلك الأزمنة «2»، فيكون قوله: «أجنب في ثوبه» يعني به أجنب و عليه ثوب، فيعرق فيه، لا أنّ الجنابة وقعت في الثوب.

و ثانيهما: أنّ السؤال عن الشبهة الموضوعية، كما تقدّم في الروايتين المتقدّمتين.

و الشاهد عليه قوله: «إنّه يعرق حتّى لو شاء ..» إلىٰ آخره، فكأنّه قال: «مع كون العرق كذلك، كيف يحتمل عدم الملاقاة؟!» و يؤيّده أمره بالنضح الذي

______________________________

(1) الكافي 3: 52/ 3، وسائل الشيعة 3: 445، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 4.

(2) راجع وسائل الشيعة

3: 447، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 56

ورد الأمر به في غير مورد من الشبهات الموضوعية، فتكون الرواية من أدلّة نجاسته لا طهارته.

و منها: صحيحة زرارة قال: سألته عن الرجل يجنب في ثوبه، أ يتجفّف فيه من غسله؟ قال

نعم، لا بأس به، إلّا أن تكون النطفة فيه رطبة، فإن كانت جافّة فلا بأس به «1».

و الظاهر منها التفصيل بين الرطب و الجافّ، كما نسب ذلك إلىٰ أبي حنيفة، قال السيّد في «الناصريات»: «إنّ أبا حنيفة و أصحابه و إن وافقوا في نجاسته، فإنّهم يوجبون غسله رطباً، و يجزي عندهم فركه يابساً «2»» «3».

و الظاهر منهم أنّ ملاقي النطفة ليس بنجس، و لهذا اكتفوا بالفرك. و الظاهر أنّها صدرت تقيّة موافقة لمذهبهم، فإنّها نفت البأس عن النطفة اليابسة؛ لأنّ التجفيف مع يبسها لا يوجب إلّا الملاقاة معها، و أمّا التجفيف مع الرطبة فيوجب انتقال أجزائها إلى الجسد. و الشيخ البهائي حملها علىٰ ما لا يخلو من تعسّف و إشكال «4».

و يمكن أن يقال: إنّه مع اليبوسة لا يحصل العلم بسراية النجاسة إلى البدن؛ لاحتمال سبق موضع الطاهر للبدن و تجفيفه، و معه لا تسري النجاسة، و أمّا مع الرطوبة و وجود المنيّ الرطب فيه، فلا محالة تسري إليه، تأمّل.

و كيف كان: فالعمل على المذهب، و الرواية مأوّلة أو مطروحة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1332، وسائل الشيعة 3: 446، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 7.

(2) بداية المجتهد 1: 84، المجموع 2: 554/ السطر 6.

(3) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 11.

(4) مشرق الشمسين: 416.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص:

57

نجاسة منيّ غير الآدمي من ذي النفس

و أمّا المنيّ من الحيوان غير الآدمي من ذي النفس، فلا إشكال في نجاسته، و نقل الإجماع عليها متكرّر «1»؛ بحيث لا يبقى مجال للتشكيك فيها.

و إنّما الكلام في إطلاق الأدلّة، فإنّه يظهر من «المعتبر» و «المنتهىٰ» التمسّك بإطلاقها «2». و أنكره صاحب «المدارك» «3»، و شدّد النكير عليه صاحب «الحدائق» «4»، و تبعهما غيرهما «5».

و قد علّله في «الجواهر» بتبادر الإنسان من الأدلّة، قال: «و لعلّه لاشتمالها أو أكثرها علىٰ إصابة الثوب و نحوه؛ ممّا يندر غاية الندرة حصوله من غير الإنسان» «6» انتهىٰ.

أقول: إن كانت دعوى التبادر و الانصراف لتوهّم ندرة الوجود، فلا نسلّمها في المحيط الذي وردت الروايات فيه؛ ضرورة أنّه محلّ تربية الحيوانات و استنتاجها و إسفادها، و لا يخفىٰ علىٰ من رأى كيفية إسفاد البهائم، شدّةُ الابتلاء بمنيّها و كثرته، و أنّ إصابة منيّها خصوصاً البهائم الثلاث للثوب و غيره ممّا يحتاج إليه الإنسان، و يبتلى به كثرة لا يمكن معها دعوى الانصراف، و العرب-

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 51.

(2) المعتبر 1: 415، منتهى المطلب 1: 162/ السطر 12.

(3) مدارك الأحكام 2: 266.

(4) الحدائق الناضرة 5: 32.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 338/ السطر 23 24، مصباح الفقيه، الطهارة: 521/ السطر 10.

(6) جواهر الكلام 5: 290.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 58

سيّما سكّان الجزيرة كان مهمّ شغلهم تربية الحيوانات التي تحتاج إلى الإسفاد الذي يكثر معه إصابة المنيّ لألبستهم و أيديهم و سائر متاعهم.

و الإنصاف: أنّ دعوى الانصراف و التبادر إنّما صدرت ممّن لا يبتلي به، و نشأ في بيت أو محيط كان الابتلاء به نادراً أو مفقوداً رأساً، فقاس به سائر الأمكنة و الأشخاص،

و إلّا فأيّ قصور بعد التنبّه لما ذكرناه في إطلاق رواية ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن المنيّ يصيب الثوب، قال

إن عرفت مكانه فاغسله، و إن خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كلّه

؟! «1» و موثّقةِ سَماعة قال: سألته عن المنيّ يصيب الثوب، قال

اغسل الثوب كلّه إذا خفي عليك مكانه؛ قليلًا كان أو كثيراً

؟! «2» و صحيحةِ محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ذكر المنيّ و شدّده و جعله أشدّ من البول. ثمّ قال

إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثمّ صلّيت فيه، ثمّ رأيته بعدُ، فلا إعادة عليك، و كذا البول «3» ..

إلىٰ غير ذلك؟! بل لا يبعد أن يقال: إنّ العرف يرىٰ أنّ الحكم لماهية المنيّ من غير دخالة للإضافات فيه.

بل يمكن أن يقال: إنّ المراد من تشديد المنيّ و جعله (عليه السّلام) أشدّ من البول،

______________________________

(1) الكافي 3: 53/ 1، وسائل الشيعة 3: 425، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 6.

(2) الكافي 3: 54/ 3، وسائل الشيعة 3: 425، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 1: 252/ 730، وسائل الشيعة 3: 424، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 59

هو كونه نجساً مطلقاً، و أمّا البول فطاهر من مأكول اللحم، فكان أمره أهون في الشريعة من المنيّ؛ لكون هذا طاهراً في الجملة، و ذاك نجساً مطلقاً؛ أي حتّى من المأكول ذي النفس.

و أمّا احتمال كونه أشدّ؛ لاحتياج إزالته إلى الدلك و الفرك

دون البول «1» فبعيد؛ لأنّه أمر واضح لا يحتاج إلى الذكر و النقل، مع أنّ الظاهر من قوله: «شدّده و جعله أشدّ» أنّ ذلك أمر لا يعرفه الناس، و يعرفه الإمام (عليه السّلام).

و أمّا احتمال كون «الأشدّ» بمعنى الأنجس «2»، فيردّه تصريح أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رواية شعيب «3» و أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) في رواية «العلل» «4» بأنجسية البول. بل يدلّ علىٰ أنجسيته ما دلّ علىٰ لزوم غسله مرّتين دون المنيّ «5».

و احتمال كون الأشدّية باعتبار وجوب غسل الجنابة منه دون البول، بعيد أيضاً؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الحكم لطبيعة المنيّ، لا لخروجه من المجرىٰ، فبقي الاحتمال الأوّل.

و ما ذكر و إن لم يثبت جزماً، و لا يوجب ظهوراً، لكن يقرب دعوى الإطلاق فيها.

و الإنصاف: أنّ دعواه في تلك الروايات، لا تقصر عن دعواه في كثير من الموارد التي التزموا به.

______________________________

(1) انظر الحدائق الناضرة 5: 33.

(2) انظر مستمسك العروة الوثقى 1: 296 297.

(3) تقدّمت في الصفحة 53.

(4) تقدّمت في الصفحة 53.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 395، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1، الحديث 1 و 2 و 4 و 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 60

نعم، لا إشكال في اختصاص ما اشتملت على الجنابة أو الاحتلام «1» بالآدمي، لكن لا يوجب ذلك طرح الإطلاق في غيرها.

و أمّا موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّ ما أُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه «2»

، فالظاهر انصرافها إلى البول و الروث ممّا كثرت الروايات في التعرّض لهما و لحكمهما، و لهذا لا ينقدح في الذهن منها عدم البأس بدمه.

نعم، لو قلنا بإطلاقها و شمولها للمنيّ لا

يعارضها تلك المطلقات؛ لتقدّمها عليها بنحو حكومة.

و لو نوقش فيها فالأهون الجمع بينهما بحملها على الاستحباب؛ بقرينة نفي البأس النصّ في عدم النجاسة.

و أمّا موثّقة ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

إن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و شعره و بوله و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز؛ إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح «3».

فمحمولة علىٰ ما كانت التذكية دخيلة فيه بمناسبة الشرطية، لا مثل الدم و المنيّ.

نعم في مثل البول و الروث ظاهرها طهارتهما.

و علىٰ أيّ تقدير: لا إشكال في الحكم بعد الإجماع و ما تقدّم من الأخبار.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 424، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 4 و 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 266/ 781، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 12.

(3) الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 61

طهارة منيّ غير ذي النفس

و أمّا غير ذي النفس من الحيوان، فلا يبعد انصراف الأدلّة عنه. كما لا يبعد انصرافها عن بعض أقسام ذي النفس أيضاً، لكن يتمّ فيه بالإجماع، و في غيره يكون مقتضى الأصل طهارته بعد الانصراف، أو عدم إحراز الإطلاق.

بل لا وثوق بإطلاقٍ لمعاقد الإجماعات يشمل غير ذي النفس، بل و بعض أفراد ذي النفس؛ فإنّ المحتمل من عبارة السيّد «1» أنّ دعواه الإجماع بالنسبة إلىٰ منيّ الإنسان، و لهذا استدلّ عليها بعد الإجماع بقوله تعالىٰ وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً .. «2» إلىٰ آخره، و هو مخصوص بمنيّه.

و الظاهر من إجماع «الخلاف» هو مقابل أبي حنيفة

المدّعى بأنّه يغسل رطباً، و يفرك يابساً «3»؛ بقرينة قوله بعد دعواه: «و دليل الاحتياط؛ لأنّ من أزال ذلك بالغسل صحّت صلاته بلا خلاف، و إذا فركه و أزاله بغير الماء فيه خلاف» ثمّ استدلّ بالآية المتقدّمة «4».

و في «الغنية»: «و المنيّ نجس لا يجزي فيه إلّا الغسل؛ رطباً كان أو يابساً؛ بدليل الإجماع المذكور، و قولِه تعالىٰ وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ ..» «5»، ثمّ استدلّ بها كما استدلّ السيّد، و لم يظهر منها دعوى الإجماع حتّى بالنسبة إلىٰ ما لا نفس له ممّا يشكّ في وجود المنيّ له.

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 11.

(2) الأنفال (8): 11.

(3) بداية المجتهد 1: 84، المجموع 2: 554/ السطر 6.

(4) الخلاف 1: 489.

(5) غنية النزوع 1: 42.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 62

لكنّ الإنصاف: أنّ إنكار شمول إجماع «الخلاف» المصرّح بأنّ المنيّ كلّه نجس من الإنسان و غير الإنسان، و الرجل و المرأة لغير ذي النفس مكابرة. مع أنّه استدلّ بالآية أيضاً كما استدلّ بها السيّد، و من هنا يمكن دعوى شمول معقد إجماع السيّد و ابن زهرة لمطلق الحيوان ذي النفس و غيره، و إنّما استدلّوا بالآية في مقابل بعض العامّة القائل بالطهارة مطلقاً «1»، فاستدلالهم بها لنفي السلب الكلّي، لا لإثبات جميع المدّعى، و إنّما دليلهم علىٰ جميعه الإجماع و الروايات الواردة من الطريقين «2».

و قد حكي الإجماع بقول مطلق زائداً علىٰ ما ذكرناه عن «المسائل الطبرية»، و «المنتهي»، و «كشف الحقّ»، و «السرائر» «3»، و إن قال صاحب «مفتاح الكرامة»: «بأنّه لم أجده في «السرائر» و إنّما نصّ علىٰ نجاسة المنيّ بقول مطلق من غير نقل إجماع» «4».

و عن شرح الفاضل:

«أنّ ظاهر الأكثر علىٰ نجاسة منيّ غير ذي النفس» «5».

و عن «نهاية الإحكام» و «الذكرى» و «الدروس» و «الروض» و «الروضة» أنّه لا فرق بين الآدمي و غيره و الحيوان البرّي و البحري كالتمساح «6»، مع أنّه من

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 84، المجموع 2: 553 554.

(2) تقدّمت بعض الروايات من طرقنا في الصفحة 53 و مابعدها، و أمّا من طرق العامّة فراجع الخلاف 1: 490، صحيح البخاري 1: 168، الباب 164، صحيح مسلم 1: 302، الباب 32.

(3) انظر مفتاح الكرامة 1: 136/ السطر الأخير، منتهى المطلب 1: 161/ السطر 22، نهج الحقّ و كشف الصدق: 419، السرائر 1: 178.

(4) مفتاح الكرامة 1: 137/ السطر 1.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 137/ السطر 9.

(6) نهاية الإحكام 1: 267، ذكرى الشيعة 1: 111، الدروس الشرعيّة 1: 123، روض الجنان: 162/ السطر 17، الروضة البهيّة 1: 284.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 63

غير ذي النفس ظاهراً. و هو الظاهر ممّن لم يقيّده بغير ذي النفس، ك «الوسيلة»، و «المراسم»، و «إشارة السبق» «1».

بل لم يحك عن أحد قبل المحقّق التفصيل بين ذي النفس و غيره، و لا تقييد المنيّ بذي النفس، مع تقييدهم الميتة به «2»، و هو ممّا يؤكّد الإطلاق، فحينئذٍ كيف يسوغ دعوى الشهرة جزماً، بل تقريب الإجماع من السيّد في محكيّ «الرياض» «3»، و دعوى الإجماع من صاحب «مجمع البرهان»، و صاحب «الجواهر» «4»، و استظهار عدم الخلاف من الشيخ الأعظم؟! «5» فالمسألة مشكلة؛ من أجل إمكان دعوى إطلاق الأدلّة و معاقد الإجماعات المتقدّمة، بل عموم معقد إجماع «الخلاف». و من إمكان دعوى الانصراف بالنسبة إلىٰ غير ذي النفس، خصوصاً مع

عدم العلم بكونه ذا منيّ. بل و من بعض أنواع ذي النفس.

و الاحتياط لا يترك مطلقاً؛ و إن كان التفصيل أشبه بالقواعد بعد قوّة دعوى الانصراف عن غير ذي النفس، و الجزم بعدم التفصيل بين أقسام ذي النفس بعد شمول المطلقات لبعضها، كما تقدّم، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77، المراسم: 55، إشارة السبق، ضمن الجوامع الفقهيّة: 119/ السطر 36.

(2) المقنعة: 72، إشارة السبق، ضمن الجوامع الفقهيّة: 120/ السطر 1، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 78.

(3) رياض المسائل 2: 346.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 1: 303، جواهر الكلام 5: 290.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 338/ السطر 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 65

الميتة

اشارة

الرابع: الميتة، و هي إمّا من ذي النفس، أو غيره، و الأولى إمّا من آدمي، أو غيره.

نجاسة الميتة من ذي النفس غير الآدمي
اشارة

فقد استفيض نقل الإجماع علىٰ نجاسة ميتة ذي النفس «1»، و عن «المعالم»: «قد تكرّر في كلام الأصحاب ادعاء الإجماع علىٰ هذا الحكم، و هو الحجّة؛ إذ النصوص لا تنهض لإثباته» «2» ثمّ ذكر بعض الروايات، و ناقش في سنده و دلالته في إفادة الحكم بكماله.

و عن «المدارك» المناقشة في أصل الحكم؛ لفقدان نصّ علىٰ نجاستها، و ناقش في دلالة ما أُمر فيها بالغسل و نهي عن الأكل على النجاسة «3»، ثمّ ذكر رواية «الفقيه» النافية للبأس عن جعل الماء و مثله في جلود الميتة «4»، مع

______________________________

(1) المعتبر 1: 420، منتهى المطلب 1: 164/ السطر 2، ذكرى الشيعة 1: 113.

(2) معالم الدين (قسم الفقه) 2: 481.

(3) وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3، و: 194، الباب 43.

(4) الفقيه 1: 9/ 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 66

تصريح الصدوق (رحمه اللّٰه) في أوّله: «بأنّ ما أوردته فيه هو ما أفتي و أحكم بصحّته، و أعتقد أنّه حجّة بيني و بين ربّي» «1». ثمّ قال: «و المسألة قويّة الإشكال» «2».

أقول: أمّا نجاستها من ذي النفس غير الآدمي فلا ينبغي الإشكال فيها، لا لدعوى الإجماع المتكرّر فقط، بل لدلالة طوائف من الروايات عليها، و قلّما توجد كثرة الأخبار في نجاسة شي ء بمثلها، و نحن نذكر قليلًا من كثير:

فمنها: صحيحة حَريز بن عبد اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

كلّما غلب الماء علىٰ ريح الجيفة فتوضّأ من الماء و اشرب، فإذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم

فلا توضّأ منه و لا تشرب «3».

و رواية أبي خالد القمّاط: أنّه سمع أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول في الماء يمرّ به الرجل و هو نقيع فيه الميتة. فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إن كان الماء قد تغيّر ريحه و طعمه فلا تشرب، و لا تتوضّأ منه، و إن لم يتغيّر ريحه و طعمه فاشرب و توضّأ «4».

و موثّقة أبي بصير «5»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يمرّ بالماء، و فيه دابّة ميّتة قد أنتنت، قال

إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضّأ و لا تشرب «6».

______________________________

(1) الفقيه 1: 3.

(2) مدارك الأحكام 2: 268 269.

(3) تهذيب الأحكام 1: 216/ 625، وسائل الشيعة 1: 137، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 40/ 112، وسائل الشيعة 1: 138، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 4.

(5) و في المصدر: «سماعة» بدل «أبي بصير».

(6) تهذيب الأحكام 1: 216/ 624، وسائل الشيعة 1: 139، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 67

و موثّقة عبد اللّٰه بن سِنان قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عن غدير أتوه و فيه جيفة، فقال

إن كان الماء قاهراً و لا توجد منه الريح فتوضّأ «1».

و نحوها مرسلة الصدوق «2».

و لا إشكال في ظهور هذه الطائفة عرفاً في تنجّس الماء بغلبة الريح، أو تغيّر الطعم، و يُستكشف عن ذلك مضافاً إلىٰ ذلك، و مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر من بعضها مفروغية نجاستها، كما يظهر بالتأمّل فيه برواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت

له: راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جُرَذ أو صَعْوة ميّتة، قال

إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها و لا تتوضّأ فصبّها، و إذا كان غير منفسخ فاشرب منه و توضّأ، و اطرح الميتة إذا أخرجتها طريّة، و كذلك الجرّة و حُبّ الماء و القِرْبة و أشباه ذلك من أوعية الماء.

قال: و قال أبو جعفر (عليه السّلام)

إذا كان الماء أكثر من راوية لا ينجّسه شي ء؛ تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ فيه، إلّا أن يجي ء ريح تغلب علىٰ ريح الماء «3».

فإنّ ذيلها مفسّر لصدرها، و مبيّن للنهي عن الشرب و الوضوء بأنّه لأجل النجاسة، لا لأمر تعبّدي غيرها.

______________________________

(1) الكافي 3: 4/ 4، وسائل الشيعة 1: 141، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 11.

(2) الفقيه 1: 12/ 22، وسائل الشيعة 1: 141، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 13.

(3) تهذيب الأحكام 1: 412/ 1298، وسائل الشيعة 1: 139، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 68

و في صحيحة زرارة قال

إذا كان الماء أكثر من راوية .. «1»

إلىٰ آخر الحديث المتقدّم، فتفسّر الرواية و الصحيحة سائر ما تقدّم، و تبيّنان أنّ النهي فيها لنجاسة الماء بملاقاة الميتة إذا كان دون الكرّ، و بالتغيّر إذا كان كرّاً.

بل يمكن الاستشهاد عليها بمثل صحيحة ابن بَزيع

ماء البئر واسع لا يفسده شي ء .. «2»

إلىٰ آخره.

فإذا ضمّت تلك الروايات إلىٰ ما تقدّم من الروايات الناهية عن شرب ملاقي الجيفة و الميتة و الوضوء منه، تنتج نجاستها مطلقاً.

و توهّم كون تلك الروايات بل سائر ما في الباب في مقام بيان حكم آخر، فلا إطلاق فيها

«3»، فاسد؛ فإنّ الظاهر منها أنّ الحكم لنفس الجيفة، و أنّ غلبة ريحها مطلقاً موجبة لعدم جواز الشرب و الوضوء. كما أنّ عدم الاستفصال في صحيحة شهاب الآتية دليل عموم الحكم.

و الإنصاف: أنّ توهّم عدم الإطلاق فيها وسوسة مخالفة لفهم العرف، تأمّل.

و نظيرها في وضوح الدلالة صحيحة شهاب بن عبد ربّه قال: أتيت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) أسأله، فابتدأني فقال

إن شئت فاسأل يا شهاب، و إن شئت أخبرناك بما جئت له

قلت: أخبرني. قال

جئت تسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة، أتوضّأ منه أو لا؟

قلت: نعم. قال

توضّأ من الجانب الآخر، إلّا أن يغلب الماءَ

______________________________

(1) الكافي 3: 2/ 3، وسائل الشيعة 1: 140، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 9.

(2) تهذيب الأحكام 1: 234/ 676، الإستبصار 1: 33/ 87، وسائل الشيعة 1: 172، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 6.

(3) انظر معالم الدين (قسم الفقه) 2: 481، مدارك الأحكام 2: 268.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 69

الريحُ فينتن. و جئت تسأل عن الماء الراكد، فما لم يكن فيه تغيير و ريح غالبة.

قلت: فما التغيير؟ قال

الصفرة، فتوضّأ منه، و كلّما غلب كثرة الماء فهو طاهر «1».

فهي مع إطلاقها، كالصريحة في المطلوب من أنّ الماء ينجس بالتغيير.

و قريب منها في الدلالة رواية زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): بئر قطرت فيه قطرة دم أم خمر.

قال

الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كلّه واحد، تنزح منه عشرون دلواً، فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب «2».

فإنّ إردافها بسائر النجاسات دليل علىٰ نجاستها. و حمل نزح العشرين على الاستحباب لعدم انفعال البئر لا

يوجب قصورها عن الدلالة.

مع موافقة ذيلها لسائر الروايات، كصحيحة ابن بَزيع، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام)

ماء البئر واسع لا يفسده شي ء، إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه، فينزح منه حتّى يذهب الريح، و يطيب طعمه؛ لأنّ له مادّة «3».

لأنّ المراد بالفساد هو النجاسة، كما هو واضح. بل الروايات في النزح من الميتة، كلّها ظاهرة في مفروغيّة نجاستها، كما يظهر بالنظر فيها.

______________________________

(1) بصائر الدرجات: 238/ 13، وسائل الشيعة 1: 161، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 11.

(2) تهذيب الأحكام 1: 241/ 697، وسائل الشيعة 1: 179، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 1: 234/ 676، الإستبصار 1: 33/ 87، وسائل الشيعة 1: 172، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 70

و تدلّ عليها صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن آنية أهل الكتاب، فقال

لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير «1».

فإنّها ظاهرة في تنجيسها، سيّما مع إردافها بما ذكر.

و رواية «تحف العقول» عن الصادق (عليه السّلام) في حديث قال

و أمّا وجوه الحرام من البيع و الشراء ..

إلىٰ أن قال:

و البيع للميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو الخمر أو شي ء من وجوه النجس، هذا كلّه حرام محرّم .. «2»

إلىٰ آخره.

فإنّ الظاهر منها أنّه في مقام عدّ النجاسات، فذكر عدّة منها، و عطف عليها سائرها كما هو واضح.

و ما عن «الجعفريّات» بسنده عن عليّ (عليه السّلام): قال في الزيت و السمن إذا وقع فيه شي ء له دم فمات فيه

استسرجوه، فمن مسّه فليغسل يده، و

إذا مسّ الثوب أو مسح يده في الثوب أو أصابه منه شي ء، فليغسل الموضع الذي أصاب من الثوب، أو مسح يده في الثوب يغسل ذلك خاصّة «3».

و عن «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): أنّه رخّص في الإدام و الطعام يموت فيه خِشاش الأرض و الذباب و ما لا دم له، و قال

لا ينجّس ذلك

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 88/ 371، وسائل الشيعة 24: 211، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 6.

(2) تحف العقول: 333، وسائل الشيعة 17: 83، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 2، الحديث 1.

(3) الجعفريات، ضمن قرب الإسناد: 26، مستدرك الوسائل 2: 577، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 71

شيئاً و لا يحرّمه. فإن مات فيه ما له دم و كان مائعاً فسد، و إن كان جامداً فسد منه ما حوله، و أكلت بقيّته «1».

إلىٰ غير ذلك ممّا يطول الكلام بسردها. نعم لا ننكر عدم إطلاق كثير منها ممّا يكون بصدد بيان أحكام أُخر.

بل يمكن الاستدلال على المطلوب بموثّقة ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها

فإن كان ممّا يؤكل لحمه، فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز؛ إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح .. «2»

إلىٰ آخره.

بناءً علىٰ أنّ المراد بقوله

ذكّاه

طهّره، كما لعلّه المناسب لنسبة التذكية إلى الذبح، و بُعد إرادة الذكاة بمعنى الذبح. و الذكاة بالذال و إن كان بمعنى الذبح في اللغة، و لم أرَ في اللغة من عدّ الطهارة من معانيه إلّا في «مجمع البحرين» حيث قال:

«و في الحديث

كلّ يابس ذكيّ «3»

؛ أي طاهر، و منه

ذكاة الأرض يبسها

أي طهارتها من النجاسة، و منه

أذك بالأدب قلبك

أي طهّره و نظّفه» «4» انتهىٰ، لكنّه ذكر في «زكى» بالزاي-

زكاة الأرض يبسها «5».

______________________________

(1) دعائم الإسلام 2: 126/ 439، مستدرك الوسائل 2: 580، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 28، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 49/ 141، وسائل الشيعة 1: 351، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 31، الحديث 5.

(4) مجمع البحرين 1: 159.

(5) نفس المصدر 1: 206.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 72

و يمكن الاستشهاد لاستعمال «ذكيّ» بالذال في الطهارة بروايات، كقوله (عليه السّلام)

الحوت ذكيّ حيّه و ميّته «1».

قال الشيخ الحرّ: «الذكيّ هنا بمعنى الطاهر» «2».

و قوله (عليه السّلام)

الجراد ذكيّ كلّه، و الحيتان ذكيّ كلّه، و أمّا ما هلك في البحر فلا تأكل «3».

بل قوله (عليه السّلام)

ذكاة الجنين ذكاة أُمّه «4».

و قوله (عليه السّلام)

خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيه منافع الخلق: الإنفحة، و البيض .. «5»

إلىٰ آخره.

و قوله (عليه السّلام)

اللبن و اللباء ..

إلىٰ أن قال

و كلّ شي ء يفصل من الشاة و الدابّة فهو ذكيّ، و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه «6».

______________________________

(1) المحاسن: 475/ 480، وسائل الشيعة 24: 74، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 31، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 24: 89، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 37، ذيل الحديث 8.

(3) المحاسن: 480/ 505، وسائل الشيعة 24: 74، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 31، الحديث 7.

(4) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 124/ 1،

وسائل الشيعة 24: 36، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 18، الحديث 12.

(5) الكافي 6: 257/ 2، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 2.

(6) الكافي 6: 258/ 4، وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 73

إلىٰ غير ذلك و إن كان للمناقشة فيها أو في جلّها مجال.

بل الظاهر أنّ الذكاة في مقابل الميتة في الروايات، لا بمعنى الطاهرة، و لا الذبح مطلقاً كيفما كان، كما لعلّه يأتي التنبيه عليه «1».

و يمكن الاستدلال للمطلوب بقوله تعالىٰ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ «2».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر رجوع الضمير إلىٰ جميع المذكورات؛ فإنّ قوله تعالىٰ فَإِنَّهُ رِجْسٌ تعليل لاستثنائها من الحلّية، فلا يناسب أن يجعل تعليلًا للأخير فقط، و إهمال التعليل في غيره. و إن كان للتأمّل فيه مجال، كالتأمّل في كون «الرجس» بمعنى النجس و إن لا يبعد ذلك. و فيما ذكرنا من الأخبار كفاية.

نعم، في الاستدلال للمطلوب «3» بمثل موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن الخنفساء .. إلىٰ أن قال

كلّ ما ليس له دم فلا بأس «4»

، و صحيحةِ ابن مُسكان عنه (عليه السّلام) قال

كلّ شي ء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب و الخنافس و أشباه ذلك، فلا بأس «5»

محلّ إشكال؛ لأنّ الكلّية في طرف نفي البأس عمّا ليس له دم، لا تثبت الكلّية في الطرف المقابل.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 86.

(2) الأنعام (6): 145.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 340/ السطر 6.

(4) تهذيب الأحكام 1: 230/ 665،

وسائل الشيعة 3: 463، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 1.

(5) تهذيب الأحكام 1: 230/ 666، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 74

نعم لا إشكال في الإثبات جزئيّةً و في الجملة.

و الظاهر من «البأس» النجاسة و لو بقرائن و لو من سائر الروايات.

و كذا يشكل الاستدلال بمثل موثّقة حفص بن غياث، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السّلام) قال

لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة «1».

لإعطائها الكلّية في المستثنىٰ منه دون المستثنىٰ؛ و إن قال الشيخ الأعظم: «أنّها بصدد تنويع الميتة علىٰ قسمين مختلفين في الحكم، لا مجرّد ضابطة كلّية في طرف المنطوق فقط» «2» و هذه الدعوى خالية من الشاهد، و عهدتها عليه.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 231/ 669، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 2.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 340/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 75

تنبيهان
التنبيه الأوّل: في حكم جلد الميتة

قال الصدوق في «المقنع»: «و لا بأس أن تتوضّأ من الماء إذا كان في زِقّ من جلدة ميتة، و لا بأس بأن تشربه» «1» انتهىٰ.

و قال في «الفقيه»: «و سئل الصادق (عليه السّلام) عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و الماء و السمن، ما ترىٰ فيه؟ فقال

لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن و تتوضّأ منه و تشرب، و لكن لاتصلّ فيه «2».

فصار هذا مع ضمانه قبل إيراد الحديث بقليل صحّة ما في الكتاب، و حجّيته بينه و بين ربّه «3» منشأً لنسبة الخلاف في نجاسة الميتة إليه «4».

و ربّما يجاب

عنه: بأنّه لم يفِ بهذا العهد، كما يظهر بالتتبّع في «الفقيه» «5» و لعلّه كذلك.

لكن من البعيد حصول البداء له في أوّل كتابه.

لكن لا يظهر من فتواه في «المقنع» و لا روايته في «الفقيه» مخالفته في مسألة نجاسة الميتة، أو نجاسة جلدها، و استثناؤه ذلك زائداً علىٰ سائر المستثنيات، كالوبر و غيره، بل يحتمل ذهابه إلىٰ عدم سراية النجاسة مطلقاً أو في خصوص الجلد أو الميتة إلىٰ ملاقيها. و هو أيضاً في غاية البعد.

______________________________

(1) المقنع: 18.

(2) الفقيه 1: 9/ 15.

(3) الفقيه 1: 3.

(4) راجع مدارك الأحكام 2: 268 269، مفتاح الكرامة 1: 138/ السطر 21.

(5) الحدائق الناضرة 5: 65، مفتاح الكرامة 1: 138/ السطر 22، جواهر الكلام 5: 300.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 76

نعم، لا يبعد ذهابه إلىٰ طهارة جلدها بالدباغ، كما حكي عن ابن الجنيد من القدماء «1»، و عن الكاشاني «2».

و كيف كان: فإن كان مراده المخالفة في مسألتنا، فقد مرّ ما يدلّ علىٰ خلافه «3».

و إن كانت في سراية النجاسة أو نجاسة الميتة أو جلدها، فهي ضعيفة مخالفة للروايات الكثيرة بل المتواترة الدالّة علىٰ غسل الملاقي، و انفعال الماء القليل و سائر المائعات «4».

و إن كان مراده طهارة الجلود بالدباغ، فهو مخالف للإجماع المتكرّر في كلام القوم، ك «الناصريّات»، و «الخلاف»، و «الغنية»، و محكيّ «الانتصار»، و «كشف الحقّ» «5». و عن «المنتهىٰ» و «المختلف» و «الدلائل»: «اتفق علماؤنا إلّا ابن الجنيد علىٰ عدمها به» «6» و قريب منه عن «البيان»، و «الدروس» «7». بل عن «شرح المفاتيح» للأُستاذ: «هذا من ضروريّات المذهب، كحرمة القياس» «8» إلىٰ

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 342.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 69.

(3)

تقدّم في الصفحة 65 70.

(4) راجع وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، و: 205 أبواب الماء المضاف، الباب 5، و 3: 414، أبواب النجاسات، الباب 12.

(5) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 218/ السطر 26، الخلاف 1: 60 62، غنية النزوع 1: 43، الانتصار: 12، نهج الحقّ و كشف الصدق: 410.

(6) مفتاح الكرامة 1: 156/ السطر 6، منتهى المطلب 1: 164/ السطر 4، مختلف الشيعة 1: 342.

(7) البيان: 93، الدروس الشرعيّة 1: 126.

(8) مصابيح الظلام 1: 441/ السطر 25 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 77

غير ذلك ممّا يعلم منه أنّه من مسلّمات المذهب، و هو حجّة قاطعة، و لولاها لكان للمناقشة في دلالة الأخبار مجال. بل لا يبعد القول بطهارتها بالدباغ بمقتضى الجمع بينها:

فإنّ طائفة منها ظاهرة في حرمة الانتفاع بها مطلقاً الظاهرة في نجاستها، و عدم طهارتها بالدباغ، كرواية عليّ بن أبي المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): جعلت فداك، الميتة ينتفع منها بشي ء؟ فقال

لا.

قلت: بلغنا أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مرّ بشاة ميّتة فقال

ما كان علىٰ أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها؟!

قال

تلك شاة لسَوْدَة بنت زَمْعَة زوجة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها، فتركوها حتّى ماتت، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ما كان علىٰ أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها أن أي خ. ل تذكّى «1».

و حسنةِ أبي مريم بطريق الصدوق، و موثّقته بطريق الشيخ «2» قال: قلت

______________________________

(1) الكافي 6: 259/ 7، وسائل الشيعة

3: 502، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 2.

(2) و أمّا طريق الصدوق فإنّه رواها بإسناده، عن يونس بن يعقوب. و قال في مشيخته في طريقه إليه: «فقد رويته عن أبي (رضى اللّٰه عنه)، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمّد بن الحسين بن الخطاب، عن الحكم بن مسكين، عن يونس بن يعقوب البجلي. و الرواية حسنة بالحكم فإنّه روىٰ عنه محمّد بن أبي عمير و جمع من ثقات الأصحاب و هو يدلّ على حسنه.

راجع الفقيه، المشيخة 4: 46، رجال النجاشي: 136/ 350.

و أمّا طريق الشيخ الطوسي فإنّه رواها بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن فضّال، عن يونس بن يعقوب، عن أبي مريم. و ابن فضّال فطحي فالرواية موثّقة.

راجع رجال النجاشي: 34/ 72.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 78

لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): السخلة التي مرّ بها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و هي ميّتة فقال

ما ضرّ أهلها لو انتفعوا بإهابها؟!

قال: فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لم تكن ميّتة يا أبا مريم، و لكنّها كانت مهزولة، فذبحها أهلها فرموا بها، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ما كان علىٰ أهلها لو انتفعوا بإهابها؟! «1».

و روايةِ الفتح بن يزيد، عن أبي الحسن (عليه السّلام)

لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب «2».

و موثّقة سَماعة قال: سألته عن جلود السباع، أ ينتفع بها؟ فقال

إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده، و أمّا الميتة فلا «3».

إلىٰ غير ذلك، كرواية قاسم الصيقل قال: كتبت إلى الرضا (عليه السّلام): إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة، فتصيب ثيابي، فأُصلّي فيها؟ فكتب إليّ

اتخذ ثوباً

لصلاتك.

فكتبت إلىٰ أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): كنت كتبت إلىٰ أبيك بكذا و كذا، فصعب عليّ ذلك، فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية. فكتب (عليه السّلام) إليّ

كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك اللّٰه، فإن كنت ما تعمل وحشيّاً ذكيّاً فلا بأس «4».

______________________________

(1) الفقيه 3: 216/ 1004، تهذيب الأحكام 9: 79/ 335، وسائل الشيعة 24: 185، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 34، الحديث 3.

(2) الكافي 6: 258/ 6، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 9: 79/ 339، وسائل الشيعة 3: 489، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 49، الحديث 2.

(4) الكافي 3: 407/ 16، وسائل الشيعة 3: 489، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 49، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 79

و طائفةً منها دالّة علىٰ عدم تذكيتها بالدباغ، و عدم جواز الصلاة فيها و لو دبغت، كصحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن جلد الميتة يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال

لا، و إن دبغ سبعين مرّة «1».

و روايةِ أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

أنّ عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) كان يبعث إلى العراق، فيؤتىٰ ممّا قِبَلكم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص الذي يليه، فكان يُسأل عن ذلك، فقال: إنّ أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة، و يزعمون أنّ دباغه ذكاته «2».

و روايةِ عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها: أ ليس هي ذكية؟ فيقول: بلىٰ، فهل يصلح

لي أن أبيعها علىٰ أنّها ذكية؟

فقال

لا، و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنّها ذكية.

قلت: و ما أفسد ذلك؟ قال

استحلال أهل العراق للميتة، و زعموا أنّ دباغ جلد الميتة ذكاته، ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا علىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «3».

و صحيحةِ عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 203/ 794، وسائل الشيعة 3: 501، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 397/ 2، وسائل الشيعة 3: 502، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 398/ 5، وسائل الشيعة 3: 503، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 80

الماشية تكون لرجل فيموت بعضها، أ يصلح له بيع جلودها و دباغها و يلبسها؟ قال

لا، و إن لبسها فلا يصلّي فيها «1».

و روايةِ الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام): أنّه كتب إلى المأمون

و لا يصلّي في جلود الميتة «2».

و روايةِ «فقه الرضا (عليه السّلام)»

و لا تصلِّ في جلد الميتة علىٰ كلّ حال «3».

و طائفةً منها نصّ في طهارتها، بل شاهدة للجمع بين الروايات، كحسنة «4» الحسين بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في جلد شاة ميّتة يدبغ، فيصبّ فيه اللبن أو الماء، فأشرب منه و أتوضّأ؟ قال: «نعم» و قال

يدبغ فينتفع به، و لا يصلّى فيه «5».

و موثّقةِ سَماعة قال: سألته عن جلد الميتة المملوح و هو الكيمخت، فرخّص فيه و قال

إن لم تمسّه فهو أفضل

«6».

و روايةِ «الفقيه» المتقدّمة «7».

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 139/ 151، وسائل الشيعة 24: 186، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 34، الحديث 6.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 123/ 1، وسائل الشيعة 4: 355، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 6، الحديث 3.

(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 157، مستدرك الوسائل 3: 196، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 1، الحديث 5.

(4) يأتي من المصنّف (قدّس سرّه) ما يفيد لوجه كونها حسنة في الصفحة 154.

(5) تهذيب الأحكام 9: 78/ 332، وسائل الشيعة 24: 186، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 34، الحديث 7.

(6) تهذيب الأحكام 9: 78/ 333، وسائل الشيعة 24: 186، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 34، الحديث 8.

(7) تقدّمت في الصفحة 75.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 81

و روايةِ «دعائم الإسلام» عن عليّ (عليه السّلام) أنّه قال

سمعت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يقول: لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عظم و لا عصب.

فلمّا كان من الغد خرجت معه، فإذا نحن بسخلة مطروحة على الطريق، فقال: ما كان علىٰ أهل هذه لو انتفعوا بإهابها؟! قال قلت: يا رسول اللّٰه، فأين قولك بالأمس؟ قال: ينتفع منها بالإهاب الذي لا يلصق «1».

و عن «فقه الرضا»

و إن كان الصوف و الوبر و الشعر و الريش من الميتة و غير الميتة بعد أن يكون ممّا أحلّ اللّٰه أكله فلا بأس به، و كذلك الجلد؛ فإنّ دباغه طهارته «2».

نعم، عنه أيضاً

أنّ ذكاة الحيوان ذبحه، و ذكاة الجلود الميتة دباغه «3»

إلىٰ غير ذلك.

و أنت خبير: بأنّ الجمع العرفي

بين الروايات ممكن؛ إمّا بحمل الروايات الناهية عن الانتفاع بها مطلقاً على الكراهة في مورد الاجتماع؛ بقرينة ما هو نصّ في طهارته، و لقوله: فرخّص فيه و قال

إن لم تمسّه فهو أفضل

فيلتزم بأنّ جلدها يطهر بالدباغ، لكن لا يصير ذكيّاً؛ فإنّها عبارة عن صيرورته بحيث يستحلّ معها جميع الآثار، كالصلاة فيها و البيع و الشراء و غيرها.

و الظاهر من الروايات: أنّ الذي كذبوا علىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هو أنّ دباغه

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 126، مستدرك الوسائل 16: 192، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 25، الحديث 2.

(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 302، مستدرك الوسائل 16: 191، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 24، الحديث 6.

(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 303.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 82

ذكاته، و هو الذي أنكره الأئمّة (عليهم السّلام) على العامّة، و أمّا الطهارة فليست التذكية، بل بعض آثارها، و ليست في الأخبار ما تدلّ علىٰ نجاسته بعد الدباغ إلّا إطلاق النواهي القابل للجمع المذكور بالشواهد التي فيها.

نعم، في رواية «دعائم الإسلام» عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

الميتة نجس و إن دبغت «1».

لكنّها مع ضعفها و إرسالها و مخالفتها لروايته الأُخرى المتقدّمة يمكن حملها على القذارة العرفية؛ لكونها من الميتة التي يستقذرها العرف.

و الإنصاف: أنّ هذا الجمع عقلائي. بل لولا تصريح الأصحاب و العلم من الخارج بأنّ الطهارة بعد الدبغ كانت محلّ الخلاف بين الفريقين، لقلنا- بحسب الأخبار إنّ النزاع بينهم في عصر الأئمّة (عليهم السّلام) كان في أنّ دباغه ذكاته، لا دباغه طهارته. و قد مرّ أنّ

الحمل على الكراهة في بعض مدلول النهي، لا يلزم منه محذور.

أو حمل المطلقات على المقيّد، فيحكم بعدم الانتفاع بها إلّا بمثل جعله ظرفاً للماء و غيره.

أو حمل النهي عن الانتفاع بالميتة على الانتفاع قبل الدباغ؛ بقرينة ما نصّ علىٰ أنّ الجلد يدبغ فينتفع به، لكن لا يصلَّ فيه، و لا يصير مذكّى به.

هذا كلّه مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب، و إلّا فلا ينبغي الترديد في عدم طهارته بالدباغ. كما أنّ الظاهر أنّ محطّ البحث بينهم هو الطهارة و النجاسة؛ فإنّ أبا حنيفة رأى طهارة جميع الجلود بالدباغ إلّا جلد الخنزير،

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 126، مستدرك الوسائل 2: 592، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 39، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 83

و قال داود: «يطهر الجميع»، و قال الشافعي: «كلّ حيوان طاهر حال حياته فجلده إذا مات يطهر بالدباغ»، و قال مالك: «يطهر الظاهر منه دون الباطن» «1». فلا إشكال في المسألة.

بل لم تثبت مخالفة الصدوق للطائفة؛ أمّا روايته في «الفقيه» مع الضمان المذكور «2»، فللجزم بأنّ مراده منه ليس الإفتاء بكلّ ما نقل فيه؛ ضرورة أنّه نقل فيه المطلق و المقيّد، و العامّ و الخاصّ، و المتعارضين، و لا يعقل الفتوى بعموم العامّ و إطلاق المطلق و بما يقابلهما، و لا بالمتعارضين، فالمراد منه حجّية الروايات في ذاتها و الفتوى بمضمونها بعد الجمع أو الترجيح.

بل يظهر من أوّل «مقنعه» أيضاً أنّ ما فيه روايات محذوفة الإسناد «3»، فلم يعلم من عبارته المتقدّمة فيه فتواه به، بل من البعيد جدّاً فتوى مثل الصدوق بما يخالف جميع الأصحاب. نعم لا يبعد ذلك من ابن الجنيد، كما يظهر من فتاواه.

التنبيه الثاني: حكم الميتة من الحيوانات البحرية غير المأكولة

قال الشيخ

في «الخلاف»: «إذا مات في الماء القليل ضفدع أو غيره ممّا لا يؤكل لحمه ممّا يعيش في الماء، لا ينجس الماء، و به قال أبو حنيفة «4».

و قال الشافعي: «إذا قلنا إنّه لا يؤكل لحمه فإنّه ينجّسه» «5».

دليلنا: أنّ الماء علىٰ أصل الطهارة، و الحكم بنجاسته يحتاج إلىٰ دليل.

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 81، المجموع 1: 217.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 75.

(3) المقنع: 5.

(4) المبسوط، السرخسي 1: 57/ السطر 15.

(5) المغني، ابن قدامة 1: 40/ السطر 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 84

و روى عنهم (عليهم السّلام) قالوا: «إذا مات في الماء ما فيه حياته لا ينجّسه، و هو يتناول هذا الموضع أيضاً» «1».

و رُدّ الأصل بإطلاق الأدلّة، و الرواية بعدم العثور عليها «2».

و عن المحقّق أنّه ردّ الشيخ: بأنّه لا حجّة له في قوله (عليه السّلام) في البحر

هو الطهور ماؤه، الحلّ ميتته «3»

؛ لأنّ التحليل مختصّ بالسمُوك «4».

أقول: أمّا قطع الأصل فموقوف علىٰ إطلاق الأدلّة، و القائل بالعموم و الإطلاق هاهنا أنكر إطلاق أدلّة نجاسة المنيّ، كصاحب «الجواهر»، و الشيخ الأعظم، و صاحب «مصباح الفقيه» «5»، مع أنّ المانع المدّعىٰ في المنيّ و هو ندرة إصابته الثوب موجود في المقام؛ لأنّ الروايات المتقدّمة الدالّة علىٰ نجاسة الميتة علىٰ طوائف، كلّها منصرفة عن الحيوان البحري لو كانت ندرة الابتلاء موجبة له، كما قالوا في المنيّ.

أمّا أخبار البئر «6» فواضح انصرافها؛ لعدم وقوع الحيوان البحري فيه مطلقاً. و لو فرض وقوعه فهو من أشذّ الشواذّ.

و كذا أخبار الجيفة و وقوعها في الغدير و الماء النقيع «7»، فإنّ الجيفة

______________________________

(1) الخلاف 1: 189.

(2) الحدائق الناضرة 5: 71 72.

(3) وسائل الشيعة 1: 136،

كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 2، الحديث 4.

(4) المعتبر 1: 102.

(5) جواهر الكلام 5: 290 و 296، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 338/ السطر 23، و 340/ السطر 16، مصباح الفقيه، الطهارة: 521/ السطر 10، و 524/ السطر 21.

(6) تقدّم بعضها في الصفحة 68 70.

(7) راجع وسائل الشيعة 1: 137، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 85

الواقعة في المياه و الغدران، هي الجيف المتداولة الموجودة في البرّ، كالكلب و الحمار، أو بعض السباع البرّية، دون الحيوانات البحرية.

و كذا ما دلّ علىٰ وقوع بعض الحيوانات في الإدام أو السمن أو الزيت و أمثالها «1»، و ما دلّ علىٰ نجاسة إناء اليهود لأكلهم الميتة «2»؛ فإنّ الميتة المأكولة ليست مثل الفرس البحري و كلبه. و الروايات التي استثني فيها من الميتة بعض الأعضاء- كالشعر و الإنفحة و اللبن و اللباء «3» موردها الحيوانات البرّية بلا إشكال.

و أمّا رواية «تحف العقول» المتقدّمة «4»، فمع ضعفها سنداً «5» تكون في مقام بيان حكم آخر يشكل استفادة الإطلاق منها. و قد مرّت المناقشة في رواية جابر، عن أبي جعفر (عليه السّلام)

أنّ اللّٰه حرّم الميتة من كلّ شي ء «6».

نعم، يمكن التمسّك بإطلاق الآية الكريمة المتقدّمة «7»؛ لو قلنا برجوع الضمير إلىٰ جميع المذكورات. لكنّه محلّ إشكال، و الترجيح الظنّي بما تقدّم غير مفيد.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 70 71.

(2) تقدّم في الصفحة 70.

(3) راجع وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، و قد تقدّم بعضها أيضاً في الصفحة 72.

(4) تقدّمت في الصفحة 70.

(5) وجه الضعف هو الإرسال.

(6) تهذيب الأحكام 1: 420/ 1327، وسائل الشيعة 1: 206، كتاب

الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 5، الحديث 2.

(7) تقدّمت في الصفحة 73.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 86

و بموثّقة ابن بكير لو استظهرنا منها أنّ المراد بالتذكية التطهير، كما مرّ «1». لكنّه محلّ إشكال، بل منع؛ بعد عدم ثبوت كونها بمعناه لغةً. و الاستعمال فيه في بعض الموارد لو سلّم لا يوجب ثبوت الحقيقة. و لقوّة احتمال أن يكون المراد ب «التذكية» الواردة في الروايات هي معنى مقابل للميتة، فمعنى

ذكّاه الذبح

أنّه جعله مذكّى، و المراجع للروايات في الأبواب المتفرّقة لعلّه يطمئنّ بكون «المذكّى» فيها مقابلها، لا مطلق ما ذبح، فراجع.

فيبقى الأصل سليماً؛ بناءً علىٰ مبناهم من أنّ ندرة الوجود موجبة للانصراف. بل المقام أولىٰ بدعواه؛ لما عرفت أنّ إصابة الثوب بمنيّ الحيوانات ليست نادرة «2».

لكن كما قد عرفت بطلان دعوى الانصراف في المنيّ «3»، فكذلك تبطل و لو كان ندرة الابتلاء فيه مسلّمةً؛ ضرورة أنّ مثل قوله (عليه السّلام) في صحيحة ابن مسلم

لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير «4»

، ظاهر في أنّ الحكم لنفس الميتة و ماهيتها من غير دخالة خصوصيّاتها فيه.

و كذا قوله (عليه السّلام) في رواية زرارة

الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كلّه واحد «5»

، و كذا غيرها «6» ظاهر في ذلك، فإنكار الإطلاق في مثل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 71.

(2) تقدّم في الصفحة 57.

(3) تقدّم في الصفحة 57.

(4) تقدّمت في الصفحة 70.

(5) تقدّم في الصفحة 69.

(6) وسائل الشيعة 24: 212، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 55، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 87

المقام خلاف فهم

العرف، بل ربّما يوجب اختلالًا في الفقه، فلا إشكال في سقوط الأصل.

و أمّا الرواية التي أشار إليها الشيخ، فالظاهر أنّها غير ما ذكرها المحقّق و أجاب عنها؛ لأنّ «الحلّ» ظاهر في حلّية اللحم، و لهذا تختصّ ببعض السمُوك.

و قد يقال: إنّ نظر الشيخ إلىٰ صحيحة ابن الحجّاج قال: سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) رجل و أنا عنده عن جلود الخزّ، فقال

ليس به بأس.

فقال الرجل: جعلت فداك، إنّها علاجي، و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إذا خرجت من الماء تعيش خارجةً من الماء؟

فقال الرجل: لا، قال

ليس به بأس «1».

بدعوىٰ: أنّ ظاهر التعليل نفي البأس عن كلّ ما لا يعيش إلّا في الماء، فكأنّه فهم من ذلك طهارة ميتته؛ لعدم معهوديّة ذبحه، و عدمِ إشعار في الرواية باشتراطه «2».

و فيه: أنّ الشبهة في الخزّ إنّما هي من قِبل عدم تذكيته، و إخراجِه من الماء و أخذ الجلد بلا ذبح، و نفي البأس لأجل أنّ أخذه من الماء ذكاته. و تشهد لذلك رواية ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) إذ دخل عليه رجل من الخزّازين، فقال له: جعلت فداك، ما تقول في الصلاة في الخزّ؟ فقال

لا بأس بالصلاة فيه.

______________________________

(1) الكافي 6: 451/ 3، وسائل الشيعة 4: 362، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 10، الحديث 1.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 524/ السطر 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 88

فقال له الرجل: جعلت فداك، إنّه ميّت، و هو علاجي، و أنا أعرفه، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أنا أعرف به منك.

فقال له الرجل: إنّه علاجي، و ليس أحد أعرف به منّي،

فتبسّم أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) ثمّ قال

أ تقول إنّه دابّة تخرج من الماء، أو تصاد من الماء فتخرج، فإذا فقد الماء مات؟

فقال الرجل: صدقت جعلت فداك، هكذا هو.

فقال له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

فإنّك تقول: إنّه دابّة تمشي علىٰ أربع، و ليس هو في حدّ الحيتان، فتكون ذكاته خروجه من الماء

فقال له الرجل: إي و اللّٰه، هكذا أقول.

فقال له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

فإنّ اللّٰه تعالىٰ أحلّه و جعل ذكاته موته، كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها «1».

و هي كما ترى ظاهرة في أنّ الشبهة فيه إنّما هي في كونه ميتة؛ لعدم تعارف ذبحه، و ليس مثل الحيتان يكون خروجها من الماء ذكاتها، فأجاب بأنّه مثلها في ذلك. و لا يبعد أن تكون رواية ابن الحجّاج أيضاً حكايةً عن هذه القضية التي حكاها ابن أبي يعفور، فترك ابن الحجّاج ما لا دخالة له في الحكم، و نقل بالمعنى ما هو دخيل فيه. و لو كانت الواقعة قضيتين فلا ريب في أنّ الشبهة ما ذكرناه، فتكون الرواية أجنبية عمّا نحن بصدده.

و لا أظنّ أنّ الشيخ كان متمسّكه هذه الصحيحة أو الذي ذكره المحقّق، بل الظاهر عثوره علىٰ رواية بالمضمون المحكي.

______________________________

(1) الكافي 3: 399/ 11، وسائل الشيعة 4: 359، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 8، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 89

نجاسة ميتة الآدمي
اشارة

و أمّا الآدمي منها، فهل هي نجسة أم لا؟

و على الأوّل، هل هي نجسة عيناً أو حكماً؟ و على التقديرين، هل تكون نجاستها علىٰ حذو سائر النجاسات في السراية؛ فلا تسري إلّا بالملاقاة معها رطباً بنحو يتأثّر منه الملاقي، أم تسري مع اليبس أيضاً؟

و على التقادير،

هل يكون حال ملاقي ملاقيها كسائر النجاسات أم لا؟

ربّما يتشبّث القائل بعدم النجاسة العينية بوجه عقلي: و هو أنّ عين النجاسة لا يعقل رفعها و زوالها بالاغتسال، مع أنّ الميّت بعد الغسل طاهر بلا إشكال «1».

و فيه: أنّ ذلك موجّه لو كانت أعيان النجاسات أُموراً تكوينية، و يكون الميّت- كالمنيّ و العَذِرة قذراً ذاتاً، و يكون منشأ نجاسته شرعاً قذارته الذاتية، لكن قد عرفت أنّ القذارات الشرعية مختلفة:

فمنها: ما هي مستقذرة عرفاً، كالأخبثين.

و منها: ما ليست كذلك، كالكافر و الخمر، فإنّ القذارة فيهما مجعولة لجهات أُخر غير القذارة العرفية و الذاتية «2». و لا مانع من أن تكون نجاسة الميّت كذلك؛ أي مجعولة لجهة مرفوعة بالغسل.

و لو قيل: إنّ الميّت و لو كان آدمياً مستقذر عرفاً، و كان الناس تستقذره، و تتجنّب منه، و لعلّه منشأ الحكم بنجاسته.

______________________________

(1) مفاتيح الشرائع 1: 66، المغني، ابن قدامة 1: 40 41.

(2) تقدّم في الصفحة 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 90

لقلنا: هذا لو صحّ يوجب بقاء نجاسته حتّى بعد الغسل، فلا بدّ أن يقال بعدم طهارته بالغسل، لا عدم نجاسته بالموت؛ ضرورة أنّ التجنّب و الاحتراز و الاستقذار باقٍ بعد الغسل أيضاً.

و التحقيق: أنّ النجاسة في مثله مجعولة كرافعها. فلا إشكال عقلي في المقام.

و ظنّي أنّ الإشكالات في خصوص ميتة الآدمي، نشأت غالباً من توهّم دلالة الروايات «1» علىٰ وجوب غسل ملاقيها و لو مع اليبس، فظنّ أنّ الميتة ليست كسائر النجاسات المتداولة:

فمنهم: من التزم بعدم النجاسة «2»، و منهم: من التزم بالنجاسة الحكمية «3». و هو أيضاً يرجع إلى الالتزام بعدم النجاسة؛ فإنّه لا معنىٰ للنجاسة الحكمية إلّا لزوم ترتيب آثارها تعبّداً علىٰ

ما ليس بنجس.

و إن قيل: إنّ المراد بالنجاسة الحكمية هي الجعلية مقابل العرفية و الذاتية.

قلنا: إنّ لازمه الالتزام بالنجاسة الحكمية في الكافر و الخمر، بل الكلب أيضاً، مع عدم التزامهم بها في سائر النجاسات.

فأساس الالتزام بالنجاسة الحكمية و كذا الالتزام بعدم سرايتها إلىٰ ما يلاقيها، فلا ينجس ملاقي ملاقيها لا يبعد أن يكون البناء علىٰ لزوم غسل الملاقي و لو مع اليبوسة، فيقال: إنّها لو كانت نجسة كسائر النجاسات، لكانت نجاسة ملاقيها للسراية، كما في سائر أنواعها، و هي لا تتحقّق إلّا مع الرطوبة، و هذه

______________________________

(1) ستأتي في الصفحة 92.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 67، المغني، ابن قدامة 1: 40 41.

(3) منتهى المطلب 1: 127/ السطر 37.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 91

لازم عرفي للنجاسات، و مع فقده يكشف إمّا عن عدم النجاسة رأساً، و لزوم غسل ملاقيه تعبّداً لا لتنجّسه، كلزوم غسل المسّ، أو عن النجاسة الحكمية التي ترجع إلىٰ عدم النجاسة.

فالأولىٰ عطف الكلام علىٰ ذلك، فنقول: لولا الإجماعات المنقولة المتكرّرة في كلام الأصحاب علىٰ عدم الفرق بين الآدمي و غيره- كمحكيّ ظاهر «الطبريات»، و صريح «الغنية»، و «المعتبر»، و «المنتهىٰ»، و «نهاية الإحكام»، و «التذكرة»، و «الذكرى»، و «كشف الالتباس»، و «الروض»، و «الدلائل»، و «الذخيرة»، و شرح الفاضل «1»، بل و محكيّ «الخلاف» «2» لأمكن المناقشة في نجاستها لو خلّينا و الروايات.

بل يمكن المناقشة في الإجماع أيضاً؛ بدعوىٰ تخلّل الاجتهاد و الجزم بعدم شي ء عندهم إلّا تلك الروايات التي باب الاجتهاد فيها واسع، و لهذا اختلفت الآراء في أصل النجاسة، فإنّ القول بالنجاسة الحكمية و عدم السراية إلىٰ ما يلاقيها، يرجع إلىٰ عدم النجاسة كما مرّ.

بل لازم محكيّ

كلام الحلّي دعوى عدم الخلاف في عدم النجاسة العينية، قال فيما حكي عنه في مقام الاستدلال علىٰ عدم السراية مع الرطوبة أيضاً: «لأنّ هذه النجاسات حكميات، و ليست عينيات، و لا خلاف بين الأُمّة كافّة أنّ المساجد يجب أن يجتنب النجاسات العينية، و أجمعنا بغير خلاف علىٰ أنّ من

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 138/ السطر 17، غنية النزوع 1: 42، المعتبر 1: 420، منتهى المطلب 1: 164/ السطر 2، نهاية الإحكام 1: 269، تذكرة الفقهاء 1: 59، ذكرى الشيعة 1: 113، كشف الالتباس: 207/ السطر 14 (مخطوط)، روض الجنان: 162/ السطر 19، ذخيرة المعاد: 147/ السطر 3 و 22.

(2) الخلاف 1: 700.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 92

غسل ميّتاً له أن يدخل المسجد، و يجلس فيه، فلو كان نجس العين لما جاز ذلك. و لأنّ الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر بغير خلاف، و من جملة الأغسال غسل من مسّ ميّتاً، و لو كان ما لاقى الميّت نجساً، لما كان الماء الذي يغتسل به طاهراً» «1» انتهىٰ.

فكأنّه ادعى الإجماع بالملازمة على المسألة، فلو كانت إجماعية بنفسها لا يتأتّى له ذلك. و ليس المقصود في المقام تصحيح كلامه و صحّةَ دعوى إجماعه، حتّى يقال: إنّ للمناقشة فيه مجالًا واسعاً، بل المقصود هدم بناء إجماعية المسألة، و فتح باب احتمال اجتهاديتها.

الروايات التي يمكن الاستدلال بها علىٰ نجاسة ميتة الآدمي

و أمّا الروايات، فما يمكن الاستدلال بها للنجاسة كثيرة:

منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت، فقال

يغسل ما أصاب الثوب «2».

و رواية إبراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يقع ثوبه علىٰ جسد الميّت، قال

إن

كان غسل الميّت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، و إن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه

يعني إذا برد الميّت «3».

و فيهما احتمالان

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 339/ السطر 18، السرائر 1: 163.

(2) الكافي 3: 161/ 4، وسائل الشيعة 3: 462، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، الحديث 2.

(3) الكافي 3: 61/ 5، وسائل الشيعة 3: 461، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 93

أحدهما: قراءة

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 93

الثوبَ

بالفتح علىٰ أن يكون مفعول

أصاب

فيكون المعنى: اغسل ما وصل إلىٰ ثوبك من الميّت، و المراد غسل الثوب ممّا أصابه منه، و علىٰ هذا الاحتمال تكون الروايتان ظاهرتين في لزوم غسل الملاقي لأجل السراية، و يكون المتفاهم منه عرفاً بل عند المتشرّعة نجاسته عيناً كسائر النجاسات.

ثانيهما: قراءته بالضمّ علىٰ أن يكون فاعله، و يكون الموصول كناية عن موضع الإصابة، و يرجع الضمير المجرور إلى الميّت مع حذف العائد، فيكون المعنى: اغسل موضع إصابة الثوب من الميّت، نظير صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) قال: و سألته عن الرجل يعرق في الثوب، و لم يعلم أنّ فيه جنابة، كيف يصنع، هل يصلح أن يصلّي قبل أن يغسله؟ قال

إذا علم أنّه إذا عرق فيه أصاب جسده من تلك الجنابة التي في الثوب، فليغسل ما أصاب من ذلك .. «1»

إلىٰ آخره.

و المظنون و إن كان الاحتمال الأوّل، لكنّه ظنّ خارجي غير حجّة،

و لا يوجب الظهور. نعم لو كان الاحتمال الثاني غلطاً أدباً كما قد يدّعىٰ «2» لتعيّن الأوّل، لكنّه غير متّضح.

إن قلت: لا فرق بين الاحتمالين في فهم نجاسة الميّت؛ بعد كون الارتكاز علىٰ أنّ الغَسل إنّما هو بالسراية و الرطوبة، و معه تدلّان علىٰ نجاسته عيناً كباقي النجاسات.

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 159/ 238، وسائل الشيعة 3: 404، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 7، الحديث 10.

(2) البهجة المرضيّة 1: 72.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 94

قلت: ما هو المرتكز عند العرف أو المتشرّعة؛ أنّ ملاقي النجس لا ينجس إلّا مع السراية و الرطوبة السارية، و أمّا ارتكازية أنّ الأمر بغسل ملاقي كلّ شي ء للسراية، فغير معلومة، فإن علم أنّ الكلب نجس، و قيل: «اغسل ثوبك إذا أصاب الكلب» يفهم منه أنّ الغسل لدى السراية كسائر النجاسات، و أمّا لو احتمل عدم نجاسة شي ء، و لزومُ تطهير ملاقيه تعبّداً، فلا يثبت ارتكاز بعدم لزوم الغَسل إلّا بالسراية.

و منها: رواية «الاحتجاج» قال: ممّا خرج عن صاحب الزمان (عليه السّلام) إلىٰ محمّد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحِميري حيث كتب إليه: روى لنا عن العالم (عليه السّلام): أنّه سئل عن إمام قوم يصلّي بهم بعض صلاتهم، و حدثت عليه حادثة، كيف يعمل من خلفه؟ فقال

يؤخَّر، و يتقدّم بعضهم و يتمّ صلاتهم، و يغتسل من مسّه

التوقيع

ليس علىٰ من مسّه إلّا غسل اليد .. «1»

إلىٰ آخره.

و عنه قال: و كتب إليه (عليه السّلام): و روى عن العالم (عليه السّلام)

أنّ من مسّ ميّتاً بحرارته غَسل يده، و من مسّه و قد برد فعليه الغسل

و هذا الميّت في هذه الحال لا يكون إلّا بحرارته، فالعمل في

ذلك علىٰ ما هو، و لعلّه ينحّيه بثيابه و لا يمسّه، فكيف يجب عليه الغسل؟ التوقيع

إذا مسّه في هذه الحال لم يكن عليه إلّا غسل يده «2».

و يمكن أن يقال: إنّ ظاهرهما أنّ المسّ بلا رطوبة موجب لغسل اليد، و لا أقلّ من الإطلاق.

______________________________

(1) الاحتجاج 2: 564/ 354، وسائل الشيعة 3: 296، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 4.

(2) الاحتجاج 2: 564/ 354، وسائل الشيعة 3: 296، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 95

إلّا أن يقال: إنّهما بصدد بيان حكم المستثنىٰ منه، لا المستثنىٰ، فلا إطلاق فيهما.

و فيه تأمّل؛ لقوّة إطلاقهما بالنسبة إلىٰ حال اليبوسة. بل القدر المتيقّن منهما ذلك، خصوصاً مع أنّ الظاهر منهما أنّ الموضوع في غسل اليد و غسل المسّ واحد، فيشكل ظهورهما في النجاسة؛ لما عرفت من أنّ لزوم الغسل لأجل النجاسة ملازم للسراية، و عدم سرايتها من اليابس ارتكازي عقلائي.

و منها: رواية الحسن بن عبيد قال: كتبت إلى الصادق (عليه السّلام): هل اغتسل أمير المؤمنين (عليه السّلام) حين غسَّل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عند موته؟ فأجابه

النبيّ طاهر مطهّر، و لكن فعل أمير المؤمنين (عليه السّلام) و جرت به السنّة «1».

بدعوىٰ ظهورها في اختصاص الطاهرية و المطهرية بالنبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و يلحق به سائر المعصومين (عليهم السّلام) بمقتضى المذهب، و أمّا غيرهم فمسلوب عنه هذه الخاصّية.

لكن في دلالتها بعد ضعف سندها «2» إشكال؛ لقوّة احتمال أن يكون المراد الطهارة من الحدث الحاصل للميّت، سيّما مع ما ورد: من أنّ علّة غُسل الميّت هي الجنابة الحاصلة

له بواسطة خروج النطفة التي خلق منها «3»،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 469/ 1541، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 7.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد، عن محمّد بن عيسى العبيدي، عن الحسين بن عبيد. و الحسن (الحسين) بن عبيد مجهول.

(3) كرواية محمّد بن عليّ بن الحسين قال: سئل الصادق (عليه السّلام) لأيّ علّة يغسل الميّت؟ قال: تخرج منه النطفة التي خلق منها، تخرج من عينيه، أو من فيه .. الحديث.

راجع وسائل الشيعة 2: 488، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 3، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 96

و النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لا تصيبه الجنابة بغير اختياره، بل هي المناسبة للسؤال، لا النجاسة العينيّة. و كيف كان يشكل فهم النجاسة منها.

و منه يعرف عدم دلالة رواية محمّد بن سِنان، عن الرضا (عليه السّلام) قال

و علّة اغتسال من غسَّل الميّت أو مسّه، الطهارة لما أصابه من نضح الميّت؛ لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته، فلذلك يتطهّر منه و يطهَّر «1».

لأنّ الظاهر منها و لو بقرينة الصدر التطهير منه من حدث المسّ، و تطهّره من حدث الموت أو الجنابة العارضة له بالموت.

و منها: رواية زرارة: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): بئر قطرت فيه قطرة دم أو خمر، قال

الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كلّه واحد؛ ينزح منه عشرون دلواً، فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب «2».

بدعوىٰ إطلاق

الميّت

و شموله للإنسان. و لا ينافيها ما سيأتي من نزح سبعين للإنسان؛ لأنّ ذلك لأجل اختلاف الحدود في النزح؛ لكونه مستحبّاً، كما يختلف في

سائر المنزوحات أيضاً، فراجع.

لكن في إطلاقها مضافاً إلىٰ ضعفها «3» تأمّل؛ لاحتمال أن يكون

الميت

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 89/ 1، علل الشرائع: 300/ 3، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 12.

(2) تهذيب الأحكام 1: 241/ 697، وسائل الشيعة 1: 179، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15، الحديث 3.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أبي إسحاق، عن نوح بن شعيب الخراساني، عن ياسين، عن حريز، عن زرارة.

نوح بن شعيب الخراساني مجهول لم نعرفه، و ياسين الراوي عن حريز هو ياسين الضرير و هو مهمل، فتكون الرواية ضعيفة.

رجال النجاشي: 453/ 1227، الفهرست: 183/ 795.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 97

الحيوان الذي لم يذكَّ، مع كون الرواية بصدد بيان حكم آخر. نعم لو كان بتضعيف الياء يكون ظاهراً في الإنسان، لكنّه غير ثابت، بل بعيد.

و منها: موثّقة عمّار الساباطيّ قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل ذبح طيراً، فوقع بدمه في البئر، فقال

ينزح منه دلاء. هذا إذا كان ذكيا فهو هكذا.

و ما سوىٰ ذلك ممّا يقع في بئر الماء فيموت فيه، فأكبره الإنسان ينزح منها سبعون دلواً، و أقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد، و ما سوىٰ ذلك فيما بين هذين «1».

بدعوىٰ: أنّ المراد من أكبرية الإنسان ليس أكبرية جسمه، و هو معلوم، و لا أكبرية شأنه؛ فإنّها لا تناسب أكثرية النزح، بل أنجسيته و أقذريته من سائر الميتات.

و يمكن الخدشة في دلالتها على النجاسة؛ لاستحباب النزح، و بُعْد كون المراد أنّ الإنسان أنجس من الكلب و الخنزير جدّاً، و لذلك تضعف دلالتها على النجاسة.

بل لا يبعد أن يكون أكثرية النزح حكماً تعبّدياً غير ناشئ من نجاسته، و إلّا فكيف يمكن أن يقال: إنّ المؤمن الذي له تلك المنزلة الرفيعة عند اللّٰه تعالىٰ حيّاً و ميّتاً أنجس من سائر الميتات؟! تأمّل.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 234/ 678، وسائل الشيعة 1: 194، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 21، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 98

الروايات الدالّة أو المشعرة بطهارة ميتة الآدمي

ثمّ لو سلّمت دلالة هذه الروايات على النجاسة، لكن في مقابلها طوائف من الروايات الدالّة أو المشعرة بالطهارة:

منها: ما وردت في علّة غُسل الميّت، كرواية الفضل بن شاذان التي لا يبعد أن تكون حسنة «1» عن الرضا (عليه السّلام) قال

إنّما أُمر بغُسل الميّت؛ لأنّه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة و الآفة و الأذىٰ، فأحبّ أن يكون طاهراً إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة الذين يلونه و يماسّونه، فيماسّهم نظيفاً موجّهاً به إلى اللّٰه عزّ و جلّ «2».

و روايةِ محمّد بن سِنان، عن الرضا (عليه السّلام): كتب إليه في جواب مسائله

علّة غُسل الميت أنّه يغسّل ليتطهّر و ينظّف عن أدناس أمراضه، و ما أصابه من صنوف علله .. «3»

إلىٰ آخره.

فإنّ الظاهر منهما أنّ علّة غُسله رفع القذارات العرضيّة، و لو كان الميّت نجساً عيناً مع قطع النظر عنها و الغسلُ مطهّرَة كان الأولىٰ أو المتعيّن التعليل به

______________________________

(1) رواها الصدوق في عيونه، عن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري العطار، عن علي بن محمّد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان.

راجع عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 99، تنقيح المقال 2: 233/ السطر 20 و 308/ السطر 28 (أبواب العين)، المكاسب المحرّمة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 2: 83.

(2) عيون أخبار

الرضا (عليه السّلام) 2: 114/ 1، وسائل الشيعة 2: 478، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 1، الحديث 4.

(3) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 89/ 1، علل الشرائع: 300/ 3، وسائل الشيعة 2: 478، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 1، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 99

لا بأمر عرضي. و احتمال أن يكون المراد من قوله (عليه السّلام) في الثانية

ليتطهّر و ينظّف

التطهيرَ من النجاسة الذاتية، و النظافةَ من العرضية، خلافُ الظاهر جدّاً، فتدلّان علىٰ عدم نجاسته عيناً و ذاتاً. و لا ينافي دلالتها على المقصود كونُ العلّة في أمثالها نكتةً للتشريع، لا علّةً حقيقة.

و منها: ما دلّت علىٰ أنّ غسل الميّت لأجل الجنابة الحاصلة له، كرواية الديلمي، عن أبيه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في حديث

إنّ رجلًا سأل أبا جعفر (عليه السّلام) عن الميّت لِمَ يغسّل غُسلَ الجنابة؟ قال: إذا خرجت الروح من البدن، خرجت النطفة التي خلق منها بعينها منه؛ كائناً ما كان، صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أُنثى، فلذلك يغسّل غسلَ الجنابة «1».

و بهذا المضمون روايات أُخر «2»، فلو كان الميّت نجساً عيناً، و يطهر بالغسل، كان الأنسب تعليله به، لا بالأمر العارضي.

إلّا أن يقال: إنّ غسل الميّت ليس لتطهير بدنه و إن رتّب عليه، و هو كما ترى.

و منها: الروايات الكثيرة الواردة في غُسل الميّت «3»، و موردها الغسل بالماء القليل، و لم يتعرّض فيها لنجاسة الملاقيات. و كذا ما ورد في تجهيزه من حال خروج الروح إلىٰ ما بعد الغسل «4»؛ من غير تعرّض لتطهير ما يلاقيه، و هي

______________________________

(1) الكافي 3: 161/ 1، وسائل الشيعة 2: 487، كتاب الطهارة،

أبواب غسل الميّت، الباب 3، الحديث 2.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 486، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 3.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 479، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 2.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 452، كتاب الطهارة، أبواب الاحتضار، الباب 35 و 44 و 46 و 47، و: 491، أبواب غسل الميّت، الباب 5 و 7 و 8 و 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 100

و إن كانت في مقام بيان أحكام أُخر، لكن كان اللازم التنبيه لهذا الأمر الكثير الابتلاء، المغفول عنه لدى العامّة.

و الالتزام بصيرورة يد الغاسل و آلات الغسل المتعارفة طاهرة بالتبع و إن أمكن، إلّا أنّه مع اختصاصه بحال الغسل، دون الملاقيات قبله من حال نزع الروح إلىٰ حال الغسل مسلّم بعد تسلّم نجاسته، و أمّا مع عدم تسلّمها فهذه الطائفة من أقوى الشواهد على الطهارة؛ فإنّ التطهير بالتبعيّة أمر بعيد عن الأذهان، مخالف للقواعد، لا يصار إليه إلّا مع الإلجاء.

و منها: ما دلّت علىٰ رجحان توضّي الميّت قبل الغُسل «1»، مع أنّ شرطه طهارة الأعضاء، و إن أمكن المناقشة فيه، لكن يؤيّد القول بالطهارة.

بل يمكن الاستشهاد أو الاستدلال على الطهارة بمكاتبة الصفّار الصحيحة قال: كتبت إليه: رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقّع (عليه السّلام)

إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل، فقد يجب عليك الغسل «2».

فإنّ الظاهر أنّ

الغُسل

بالضمّ لا بالفتح؛ لأنّ في صورة الفتح كان المناسب أن يقول: «غسلها» أو «غسل يدك» كما ترى في سائر الموارد من الأشباه و النظائر «3»، مع أنّ فرض السائل ملاقاة يده ثوبَ

الميّت، فتغيير الجواب يؤيّد أن يكون المراد أنّه ليس في إصابة الثوب شي ء، بل يجب الغسل في إصابة

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 491، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 6.

(2) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1368، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 5.

(3) مثل روايتي الاحتجاج اللتين تقدّمتا في الصفحة 94.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 101

الجسد، فتدلّ علىٰ أنّه ليس في إصابة الثوب شي ء، و لا في ملاقاة جسده إلّا الغسل، لا غسل اليد، تأمّل.

بل عدم النجاسة و استحباب غسل ملاقيه، مقتضى الجمع بين صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

مسّ الميّت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس بها بأس «1»

، و بين مكاتبة الحِمْيري المتقدّمة

إذا مسّه في هذه الحال

أي حال الحرارة

لم يكن عليه إلّا غسل يده «2»

؛ فإنّ في الصحيحة نفي البأس عن مسّه في حال الحرارة، و في التوقيع جعل عليه في حالها غسل اليد. إلّا أن يقال بإمكان حمل المطلق على المقيّد.

إلىٰ غير ذلك من الشواهد و المؤيّدات، كبُعد نجاسة بدن المؤمن عيناً، كالكلب و الخنزير، مع ما يعلم من منزلته عند اللّٰه تعالىٰ.

و عدمِ معروفية نجاسته لدى عامّة المكلّفين، مع أنّه لو كان نجساً لكان ينبغي اشتهارها بين الناس، كسائر النجاسات؛ لابتلائهم بملاقاته من لدن خروج روحه إلىٰ آخر تجهيزه.

أقوائيّة النجاسة العينيّة لميتة الآدمي

لكن مع ذلك كلّه الأقوىٰ نجاسته كسائر النجاسات؛ لصحيحة الحلبي، و رواية ابن ميمون، و موثّقة عمّار، و التوقيعين المباركين و غيرها «3»، خصوصاً مع عدم إفادة النجاسة في سائر النجاسات إلّا بغسل الملاقيات، و قلّما اتفق فيها

______________________________

(1) الفقيه 1: 87/

403، تهذيب الأحكام 1: 430/ 1370، وسائل الشيعة 3: 295، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 1.

(2) تقدّمت في الصفحة 94.

(3) تقدّمت الروايات في الصفحة 92 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 102

التصريح بها، كالكلب «1» و الخنزير «2»، و غالب الروايات فيهما أيضاً يفيدها بالأمر بغسل الملاقي، أو النهي عن شرب ملاقيهما «3»، سيّما مع فهم الأصحاب قاطبة من تلك الروايات- و سائر الروايات التي من قبيلها النجاسةَ، و هم أهل اللسان، و فهمِ أساليب الكلام، و أهل الحلّ و العقد في اللغة و الأدب.

بل كثيراً ما في العرف افيدت القذارة بغَسل الملاقي، فإذا قال الطبيب: «اغسل فمك إذا شربت الدواء الفلانيّ» لا ينقدح في الذهن إلّا نجاسته و قذارته، تأمّل.

فالشبهة في دلالة تلك الروايات من الوسوسة، و كإبداء احتمالات عقلية في مقابل الظهور العرفي و الدلالة الواضحة. و معه لا يبقى مجال لما أطنبنا من سرد طوائف من الروايات في مقابلها؛ فإنّ الروايات الواردة في العلل «4» بعد الغضّ عن إسنادها لا تصلح لصرف الظواهر؛ بعد وضوح أنّ العلل فيها من قبيل تقريبات، لا عللًا واقعيّةً، و لهذا ترى فيها التعليل لشي ء واحد بأُمور مختلفة، ففي المقام علّل اغتسال الميّت تارة: بتنظيفه و تطهيره عن أدناس الأمراض، و ما أصابه من صنوف علله، فجعل ما ذكر علّة.

و أُخرى: بأنّ الغالب عليه النجاسة و الآفة، فجعل النجاسة العارضة علّة، مع أنّ آفة المرض أسبق من النجاسة العارضة في حال المرض.

و ثالثة: بخروج المنيّ الذي خلق منه حين الموت، مع أنّه متأخّر عنهما.

مضافاً إلىٰ أنّ الروايات الواردة في علّة اغتسال الميّت غسل الجنابة،

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3:

414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 418، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12 و 13.

(4) علل الشرائع: 299.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 103

ضعاف غالباً، مجهولة المراد، بل موهونة المتن لا يمكن الاتكال عليها في إثبات حكم شرعي.

و أمّا السكوت عن غسل يد الغاسل و آلات الغسل و ما يلاقيه عنده عادة، فمع كونه غير مقاوم للأدلّة اللفظية الدالّة على النجاسة، و مع كون ما وردت في الغسل في مقام بيان حكم آخر، أنّه بعد ثبوت النجاسة نصّاً و فتوى لا بدّ من الالتزام بطهارتها تبعاً، كآلات نزح البئر.

و أمّا دعوى السكوت عن غسل ملاقيه من حال الموت إلىٰ حال الغسل، فغير وجيهة بعد ما وردت الروايات المتقدّمة في غسل الثوب و اليد الملاقيين لجسد الميّت «1».

و أمّا التأييد باستحباب توضّيه، فلا يخفى ما فيه.

و أمّا مكاتبة الصفّار «2»، فهي و إن كان المظنون ضمّ الغسل فيها، لكن دعوى الظهور اللفظي في غير محلّها، بل هو ظنّ خارجي حاصل من بعض الاعتبارات، و هو غير حجّة.

مع إمكان أن يقال: إنّه من البعيد أن يترك جواب السؤال عن نجاسة الميّت، و أجاب عن غُسل المسّ، فالأنسب قراءته بالفتح. و إنّما ذكر ملاقي البدن لإفادة أنّ ملاقاة الثوب الذي يلي البدن، لا توجب التنجّس، و إنّما الموجب له ملاقاة بدنه.

مع أنّ الظاهر منها أنّ النجاسة كانت مفروغاً عنها، و إنّما سأل- بعد الفراغ عنها عن أمر آخر، فهذا الاحتمال إن لم يكن أقوى، فلا أقلّ من مساواته

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 92.

(2) تقدّمت في

الصفحة 100.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 104

للاحتمال السابق، فلا تدلّ الرواية علىٰ شي ء من طرفي الدعوىٰ.

و أمّا دعوى: أنّ عدم النجاسة مقتضى الجمع بين صحيحة ابن مسلم «1» و التوقيع الشريف «2»، فلا يخفى ما فيها، و سيأتي التعرّض للصحيحة و الاحتمالات التي فيها.

و أمّا الاستبعاد لنجاسة بدن المؤمن، فلا يوجب رفع اليد به عن الدليل المعتبر من النصّ و الإجماع. مع أنّ شرفه بروحه و قلبه، لا بجسده، و لزوم احترامه حيّاً و ميّتاً لشرف إيمانه، و هو حظّ روحه، و لا يلزم منه عدم نجاسة بدنه بعد خروج روحه. و كيف كان لا يمكن ترك الأدلّة بمجرّد الاستبعاد و الاعتبار.

و أمّا دعوى: أنّه لو كان نجساً لاشتهر و صار واضحاً، ففي غير محلّها؛ لأنّ الابتلاء بملاقاة جسد الميّت مع رطوبته، نادر حتّى بالنسبة إلىٰ أقربائه، و ليس أمره بحيث يدّعىٰ فيه لزوم الاشتهار.

فالأقوىٰ ما عليه الأصحاب من نجاسته عيناً، كسائر النجاسات، فينجس ملاقيه مع الرطوبة، كما هو المرتكز عند العقلاء- بل المتشرّعة في سائر النجاسات، فدعوى عدم نجاسة ملاقية مع نجاسته «3» كدعوىٰ نجاسة ملاقية أو لزوم غسله حتّى مع ملاقاته يابساً «4» ضعيفة مخالفة للأدلّة و فهم العرف.

و أمّا دعوى الحلّي عدمَ السراية مع الرطوبة أيضاً؛ لما تقدّم منه من دعوى عدم الخلاف في وجوب تجنّب النجاسات العينيّة عن المساجد، و دعوى

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 101.

(2) تقدّم في الصفحة 101.

(3) مفاتيح الشرائع 1: 67.

(4) قواعد الأحكام 1: 8/ السطر 8، روض الجنان: 114/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 105

الإجماع علىٰ جواز دخول من غسّل ميّتاً المساجد، فاستنتج منهما عدم نجاسته

«1»، ففيها ما لا يخفىٰ.

أمّا أوّلًا: فلأنّ الإجماع لو كان إنّما هو في أعيان النجاسات، لا في ملاقياتها. مع أنّه في الأعيان أيضاً محلّ منع مع عدم السراية أو الإهانة. كما أنّ الدعوى الثانية أيضاً محلّ إشكال.

و أمّا ثانياً: فلأنّه لو سلّم الإجماعان فلا يلزم منهما عدم النجاسة، بل يمكن أن يقال بحصول الطهارة له تبعاً، بل المتعيّن ذلك بعد الإجماعين المفروضين و قيامِ الدليل علىٰ نجاسته.

و أمّا حال الملاقي مع الواسطة أو الوسائط، فسيأتي في محلّه «2» بعد عدم خصوصيّة لهذه النجاسة.

نجاسة الآدمي بمجرّد موته

و هل ينجس بمجرّد الموت، كما عليه جمع من المحقّقين «3»، أو بعد البرد، كما عليه جمع آخر «4»؟

الأقوىٰ هو الأوّل؛ لإطلاق صحيحة الحلبي «5»، و روايةِ ابن ميمون «6»؛ فإنّ الظاهر أنّ التفسير فيها ليس من المعصوم، و تفسير غيره لا يوجب رفع اليد عن

______________________________

(1) تقدّم كلام الحلّي في الصفحة 91 92.

(2) يأتي في الجزء الرابع: 9.

(3) المبسوط 1: 179، تذكرة الفقهاء 2: 135، روض الجنان: 113/ السطر 25.

(4) ذكرى الشيعة 2: 99، مجمع الفائدة و البرهان 1: 209، جواهر الكلام 5: 310 311.

(5) تقدّمت في الصفحة 92.

(6) تقدّمت في الصفحة 92.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 106

إطلاقها و إطلاقِ غير الروايتين ممّا مرّ «1».

و ليس في الباب ما يصلح لتقييدها؛ لأنّ العمدة فيه صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

مسّ الميّت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس به بأس

و رواها في «الفقيه» مرسلًا، و هي مضافاً إلى اختلاف النسخ في نقلها قال الكاشاني في ذيلها: «ربّما يوجد في بعض النسخ

بعد موته

و هو تصحيف» «2» انتهىٰ.

قوله: «و هو تصحيف»

اجتهاد منه سيأتي الكلام فيه، و لا يدفع به اختلاف النسخ المحكية وجداناً. و في نسخة «الوسائل» و بعض نسخ «الفقيه»

بها

بدل

به «3»

و في النسخة المطبوعة من «الفقيه» أخيراً: و قال أبو جعفر الباقر (عليه السّلام)

من مسّ الميّت بعد موته و بعد غسله و القبلة ليس بها بأس «4»

، و جعل علامة بدل النسخة

عند موته و عند غسله

و الموصول في أوّلها و إن كان من زيادة النسّاخ جزماً، كما هو ظاهر، لكن يظهر منها أنّ النسخة التي عند المصحّح كان فيها

بعد موته و بعد غسله

بنحو جعل ذلك الأصل في الكتاب، و جعل

عند موته و عند غسله

بدلًا لا تصلح لذلك:

أمّا أوّلًا: فلأنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام)

عند موته

مع قطع النظر عن القرائن، كنظائره مثل «عند غروب الشمس» هو قُبَيْل الموت، و لا يطلق علىٰ ما بعده، فلا يقال: «عند طلوع الفجر» لما بعده. كما أنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام)

مسّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 94 97.

(2) الوافي 6: 431، ذيل الحديث 14.

(3) وسائل الشيعة 3: 295، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 1، الفقيه 1: 87/ 403.

(4) الفقيه: 36، (مطبعة آفتاب).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 107

الميّت

مع عدم القرينة هو الميّت فعلًا، لا من أشرف على الموت، فعند اجتماعهما في كلام واحد مثل ما في الصحيحة يحتمل أن يكون كلّ منهما صارفاً للآخر علىٰ سبيل منع الجمع.

و يحتمل عروض الإجمال عليهما، و لا ترجيح لحفظ ظهور

الميّت

و جعله قرينة علىٰ أنّ المراد من «عنده» بعده؛ لو لم يكن الترجيح مع عكسه.

و يحتمل بعيداً أن يكون المراد من «عنده» كونه مقارناً له؛ لإفادة أنّ المسح المقارن للموت لا

يوجب شيئاً؛ بمعنى أنّه إذا وقع المسّ و زهاق الروح في آن واحد، لا يوجب شيئاً، كما قيل في حدوث الكرّية و ملاقاة النجاسة معاً: «إنّ كلّا من أدلّة الاعتصام و الانفعال قاصر عن شموله؛ لأنّ الظاهر منهما أن يكون الملاقاة بعد تحقّق الكرّية أو القلّة» «1».

فيقال في المقام: إنّ مسّ الميّت يوجب الغسل أو التنجّس، و مع مقارنته للموت لا يصدق «مسّ الميّت» لأنّ الظاهر منه أن يقع عليه، و يكون حلول الموت مقدّماً على المسّ.

و أمّا ثانياً: فلأنّ رفع اليد عن إطلاقها، و صرفَها إلىٰ عدم البأس نفساً، أو عدم إيجاب الغسل، أو هما معاً، أهون من تقييد الروايات المتقدّمة، سيّما رواية ابن ميمون «2»؛ و ذلك لأنّ الغالب في الأسئلة و الأجوبة البحث عن إيجاب الغسل، و كأنّه هو مورد الشبهة نوعاً، أو هو مع حزازته النفسية، كما يظهر من رواية تقبيل أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) ابنه إسماعيل «3» و غيرها «4»، و ذلك يوجب وهن

______________________________

(1) انظر مستمسك العروة الوثقى 1: 168.

(2) تقدّمت في الصفحة 92.

(3) سيأتي قريباً.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 289، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 108

إطلاقها، و أوهنية صرفها من الروايات المتقدّمة. و لقوّة ظهور الشرطيتين في رواية ابن ميمون في أنّ الغُسل علّة لرفع النجاسة، و الموت لعروضها، فهي أظهر في مفادها من الصحيحة. هذا بناءً على النسخة المعروفة.

و أمّا بناءً على النسخة الأُخرىٰ أي

بعد الموت و بعد الغسل

فالأمر أوضح؛ لأنّ المراد منه حينئذٍ عدم البأس النفسي، إن كان المراد نفي البأس عن مسّه بعد الموت مستقلا، و نفيه عمّا بعده كذلك.

و أمّا احتمال

معاملة الإطلاق و التقييد؛ بمعنى تقييد إطلاق الصحيحة بما دلّ علىٰ إيجاب الغسل بالضمّ و الفتح بعد البرد، ففي غاية البعد، بل مقطوع الفساد، و موجب لحملها على النادر.

و إن كان المراد نفي البأس عن مسّه بعد الموت و الغسل معاً باحتمال بعيد، فتشعر أو تدلّ على النجاسة بمجرّد الموت. و أمّا قول الكاشاني: بأنّه تصحيف، فلم يتّضح وجهه إن كان مراده اختلالًا في المعنىٰ.

نعم، لا يبعد أن يكون حكمه به لأجل أنّ النسخ المشهورة تخالفها، و هو غير بعيد. كما أنّ النسخة المطبوعة أخيراً مصحّفة من جهات.

و كيف كان: لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الأدلّة بمثل هذه الصحيحة.

و منه يظهر الكلام في صحيحة إسماعيل بن جابر قال: دخلت علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) حين مات ابنه إسماعيل الأكبر، فجعل يقبّله و هو ميّت، فقلت: جعلت فداك، أ ليس لا ينبغي أن يمسّ الميّت بعد ما يموت، و من مسّه فعليه الغسل؟ فقال

أمّا بحرارته فلا بأس، إنّما ذلك إذا برد «1».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1366، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 109

فإنّ الظاهر من نفي البأس هو نفي إيجاب الغسل، أو مع حزازته النفسية، كما لا يخفى.

هذا كلّه مع قطع النظر عن روايتي «الاحتجاج» «1»، و إلّا فالأمر أوضح و إن كان في سندهما كلام.

و أمّا سائر تشبّثات الخصم كالتمسّك بالأصل موضوعاً؛ للشكّ في الموت قبل البرد «2»، أو حكماً؛ للجزم بعدم رفع جميع آثار الحياة، كما قال به صاحب «الحدائق» «3»، و كدعوىٰ ملازمة الغسل بالفتح و الضمّ، مع أنّ مضمومة لا يكون إلّا

عند البرد، و كذا مفتوحة «4» ففيها ما لا يخفى و إن استشهد «5» للثالث بمكاتبة الحسن بن عبيد قال: كتبت إلى الصادق (عليه السّلام): هل اغتسل أمير المؤمنين (عليه السّلام) حين غسّل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عند موته؟ فأجابه

النبيّ طاهر مطهّر، و لكن فعل أمير المؤمنين، و جرت به السنّة «6».

و نحوها مكاتبة القاسم الصيقل «7».

و يمكن الاستشهاد له برواية محمّد بن سِنان، عن الرضا (عليه السّلام) قال

و علّة اغتسال من غسّل الميّت أو مسّه الطهارة لما أصابه من نضح الميّت؛

______________________________

(1) تقدّمتا في الصفحة 94.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1: 209.

(3) الحدائق الناضرة 3: 336 337.

(4) ذكرى الشيعة 2: 99، جواهر الكلام 5: 308.

(5) جواهر الكلام 5: 308.

(6) تهذيب الأحكام 1: 469/ 1541، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 7.

(7) الإستبصار 1: 99/ 323، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 110

لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته، فلذلك يتطهّر منه و يطهّر «1».

لكنّ المكاتبة مع ضعفها «2» ظاهرة في الطهارة من حدث الجنابة التي تعرض على الميّت؛ فإنّ المعصوم (عليه السّلام) لا تصيبه الجنابة غير الاختيارية، تأمّل. أو في الطهارة من حدث الموت الموجب للغُسل و للاغتسال من مسّه. أو منهما و من النجاسة العينية؛ بحيث يكون المجموع علّة للاغتسال من مسّه، و مع الحرارة لا يوجبه؛ لفقد جزء منها، فلا تدلّ على الملازمة المدّعاة.

و الثانية مع ضعفها سنداً «3» موهونة متناً باشتمالها علىٰ أنّ غسل المسّ للتطهير من إصابة نضح الميّت و

رشحه، اللازم منه عدم الغسل إذا مسّه بلا نضح و رشح، و هو كما ترى، تأمّل.

ثمّ إنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام)

يتطهّر منه و يطهّر

يغتسل مِن مسّه و يغسّل بمناسبة صدرها، فالقول بالملازمة ممّا لا دليل عليه.

بل يمكن الاستشهاد لعدم الملازمة بمرسلة أيّوب بن نوح، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال:

إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسّه الإنسان فكلّ ما فيه عظم

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 89/ 1، علل الشرائع: 300، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 12.

(2) تقدّم وجه الضعف في الصفحة 95، الهامش 2.

(3) رواها الصدوق في عيونه، عن محمّد بن ماجيلويه، عن عمّه، عن محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن علي الكوفي، عن محمّد بن سنان. و الرواية ضعيفة بمحمّد بن علي الكوفي و هو الصيرفي أبو سمينة، فإنّه مرمي بالكذب.

اختيار معرفة الرجال: 546/ 1033، الفهرست: 146/ 614، تنقيح المقال 3: 157/ السطر 22 و 159/ السطر 26 (أبواب الميم).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 111

فقد وجب علىٰ من يمسّه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه «1».

بناءً علىٰ جبر سندها بالشهرة، كما سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه في محلّه «2»؛ فإنّ القطعة المبانة من الحيّ نجسة؛ سواء اشتملت على العظم أو لا، كما يأتي «3»، و لا يوجب مسّها الغُسل إلّا إذا اشتملت على العظم، كما قد يوجب الغسل مسّ ما ليس بنجس، مثل ما لا تحلّه الحياة.

طهارة الميتة ممّا لا نفس له

و أمّا الميتة من غير ذي النفس، فلا ينبغي الإشكال في طهارتها نصّاً و فتوى، إلّا في العقرب و الوزغ و العظاية و هي

نوع من الوزغة ظاهراً فإنّه يظهر من بعضهم نجاسة ميتتها، كالشيخين في محكيّ «المقنعة»، و «النهاية» «4».

بل عن «الوسيلة»: «أنّ الوزغة كالكلب نجسة حال الحياة» «5».

و الأقوى ما هو المشهور، بل عليه الإجماع في محكيّ «الخلاف»، و «الغنية»، و «السرائر»، و «المعتبر»، و «المنتهىٰ» «6»؛ لقول الصادق (عليه السّلام) في موثّقة عمّار الساباطي قال: سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1369، وسائل الشيعة 3: 294، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 2، الحديث 1.

(2) يأتي في الصفحة 187 188.

(3) يأتي في الصفحة 116 و 119.

(4) المقنعة: 70، النهاية: 54.

(5) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77.

(6) الخلاف 1: 188، غنية النزوع 1: 42، السرائر 1: 93، المعتبر 1: 427، منتهى المطلب 1: 28/ السطر 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 112

يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه، قال

كلّ ما ليس له دم فلا بأس «1».

و موثّقة حفص بن غياث، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) قال

لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة «2».

و لا إشكال فيهما سنداً، سيّما أُولاهما، و لا دلالة؛ ضرورة أنّ المراد من نفي البأس و عدم الإفساد هو عدم التنجيس، كما هو المراد منهما في سائر الموارد المشابهة للمقام «3».

و قد تقدّم جملة أُخرى من الروايات الدالّة على المقصود «4».

و ليس شي ء صالح لتخصيص العامّ أو تقييد المطلق إلّا موثّقة سَماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن جرّة دخل فيها خنفساء قد مات، قال

ألقه و توضّأ منه. و إن كان عقرباً فأرق الماء، و توضّأ من ماء غيره «5».

و

نحوها رواية أبي بصير «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 230/ 665، وسائل الشيعة 3: 463، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 231/ 669، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 2.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 170، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14.

(4) تقدّم في الصفحة 71 و 73.

(5) الكافي 3: 10/ 6، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 4.

(6) عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الخنفساء تقع في الماء أ يتوضأ به؟ قال: نعم، لا بأس به. قلت: فالعقرب؟ قال: أرقه.

تهذيب الأحكام 1: 230/ 664، وسائل الشيعة 1: 240، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 9، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 113

و يمكن المناقشة في دلالتها على النجاسة؛ لأنّ العقرب لمّا كان من ذوي السموم، يمكن أن يكون الأمر بالإراقة لأجل سمّه و احتمالِ دخوله في منافذ البدن عند التوضّي، فلا ظهور لمثله في أنّ الإراقة لنجاسته.

نعم، يمكن التمسّك لنجاسة ميتته برواية منهال قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): العقرب يخرج من البئر ميتة، قال

استق منها عشرة دلاء.

قال قلت: فغيرها من الجيف؟ قال

الجيف كلّها سواء .. «1»

إلىٰ آخره.

بدعوىٰ: أنّ الحكم بالنزح لجيفة العقرب كما في سائر الجيف، و التسوية بين الجيف كلّها، دليل علىٰ أنّ النزح لأجل ميتته و جيفته، فتدلّ على النجاسة كما في سائر الجيف.

و هي غير بعيدة لولا ضعف سندها «2»، و معارضتها بدواً لرواية عليّ بن جعفر: أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) عن العقرب و الخنفساء و أشباههما يموت في الجرّة

و الدنّ، يتوضّأ منه للصلاة؟ قال

لا بأس «3».

و صحيحةِ ابن مُسْكان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

كلّ شي ء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب و الخنافس و أشباه ذلك فلا بأس «4».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 231/ 667، وسائل الشيعة 1: 196، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 22، الحديث 7.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عبد الحميد، عن يونس بن يعقوب، عن منهال بن عمر. و ضعف السند لوجود المنهال فيه و هو مهمل.

رجال البرقي: 44، رجال الطوسي: 306/ 538، رجال ابن داود: 193/ 1606.

(3) مسائل عليّ بن جعفر: 193/ 405، قرب الإسناد: 178/ 657، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 6.

(4) تهذيب الأحكام 1: 230/ 666، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 114

و الجمع العرفي يقتضي عدم نجاسته و إن رجح الاستقاء عشرة دلاء للنظافة، أو احتمال الضرر.

و إلّا ما دلّت على النزح من الوزغة، كحسنة هارون بن حمزة الغَنَوي أو صحيحته «1»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الفأرة و العقرب و أشباه ذلك يقع في الماء، فيخرج حيّاً، هل يشرب من ذلك الماء و يتوضّأ منه؟ قال

يسكب منه ثلاث مرّات، و قليله و كثيره بمنزلة واحدة، ثمّ يشرب منه و يتوضّأ منه، غير الوزغ، فإنّه لا ينتفع بما يقع فيه «2».

بدعوى دلالتها علىٰ نجاسته العينيّة، فميتته نجسة أيضاً.

و روايةِ يعقوب بن عُثيم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): سامّ أبرص وجدته قد تفسّخ في البئر،

قال

إنّما عليك أن تنزح منها سبع دلاء «3».

و الظاهر أنّه أيضاً نوع من الوزغة.

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي، عن الشيخ و هو المفيد (رحمه اللّٰه) عن أبي جعفر محمّد بن علي، عن محمّد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين بن الخطّاب و الحسن بن موسى الخشّاب جميعاً، عن يزيد بن إسحاق شعر، عن هارون بن حمزة الغنوي. و وجه الترديد للاختلاف في يزيد بن إسحاق من كونه موثّقاً أو ممدوحاً فقط.

اختيار معرفة الرجال: 605/ 1126، رجال العلّامة الحلّي: 279، تنقيح المقال 3: 324/ السطر 15 (أبواب الياء).

(2) تهذيب الأحكام 1: 238/ 690، وسائل الشيعة 1: 188، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 5.

(3) الفقيه 1: 15/ 32، تهذيب الأحكام 1: 245/ 707، وسائل الشيعة 1: 189، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 115

و صحيحةِ معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفأرة و الوزغة تقع في البئر، قال

ينزح منها ثلاث دلاء «1».

لكنّها محمولة على الاستحباب بقرينة غيرها، كرواية جابر بن يزيد الجُعفي قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن السامّ أبرص يقع في البئر. فقال

ليس بشي ء، حرّك الماء بالدلو في البئر «2».

فإنّ الظاهر منها أنّ سامّ أبرص ليس بشي ء ينجّس الماء، لا أنّ ماء البئر معتصم.

و مرسلةِ ابن المغيرة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قلت: بئر يخرج من مائها قطع جلود، قال

ليس بشي ء؛ إنّ الوزغ ربّما طرح جلده

و قال

يكفيك دلو من ماء «3».

دلّت علىٰ عدم نجاستها عيناً، فتصير شاهدة علىٰ حمل

رواية الغَنوي على الكراهة.

و صحيحةِ عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن العظاية و الحيّة و الوزغ يقع في الماء فلا يموت، أ يتوضّأ منه للصلاة؟ قال

لا بأس به «4».

دلّت علىٰ عدم نجاسته عيناً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 238/ 688، وسائل الشيعة 1: 187، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 245/ 708، وسائل الشيعة 1: 189، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 8.

(3) الكافي 3: 6/ 9، وسائل الشيعة 1: 189، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 9.

(4) مسائل عليّ بن جعفر: 193/ 404، تهذيب الأحكام 1: 419/ 1326، وسائل الشيعة 3: 460، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 33، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 116

و موثّقةِ عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: أنّه سئل عن العظاية يقع في اللبن، قال

يحرم اللبن

قال

إنّ فيها السمّ «1».

و هذه الموثّقة حاكمة علىٰ سائر الروايات، و مفسّرة لها بأنّ علّة النزح و عدم الانتفاع هو كونه ذا سمّ، و نحن الآن لسنا بصدد بيان حرمة ما مات فيه الوزغ، أو وقع فيه، بل بصدد عدم نجاسته، فلا إشكال فيه. بل الاتكال على الروايات المتقدّمة الواردة في النزح مع مخالفتها للمشهور أو المجمع عليه بين الأصحاب «2» في غير محلّه. بل تقدّم الإشكال في دلالتها أيضاً، فتبقى الأدلّة العامّة أو المطلقة بلا مخصّص و مقيّد.

ثمّ إنّه قد وقع في بعض الحيوانات كلام في كونه ذا نفس أو لا، و تحقيقه ليس من شأن الفقيه، نعم في مورد الشبهة موضوعاً فالمرجع هو الأُصول.

و ينبغي التنبيه

علىٰ أُمور:

نجاسة القطعة المبانة من الميّت و الحيّ

منها: أنّه كلّ ما ينجس بالموت فما قطع من جسده حيّاً أو ميّتاً فهو نجس «بلا خلاف ظاهراً» كما في «الحدائق» «3»، و «لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب» كما عن «المعالم» «4»، و «هو المقطوع به في كلامهم» كما عن «المدارك» «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 285/ 832، وسائل الشيعة 24: 200، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 46، الحديث 2.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 111.

(3) الحدائق الناضرة 5: 72.

(4) معالم الدين (قسم الفقه) 2: 482.

(5) مدارك الأحكام 2: 271.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 117

و عن الأُستاذ الأكبر: «أنّ أجزاءه نجسة و لو قطعت من الحيّ باتفاق الفقهاء. بل الظاهر كونه إجماعيّاً، و عليه الشيعة في الأعصار و الأمصار» «1».

و عن «الذخيرة»: «أنّ المسألة كأنّها إجماعيّة، و لو لا الإجماع لم نقل بها؛ لضعف الأدلّة» «2».

و قال في محكيّ «المدارك»: «احتجّ عليه في «المنتهىٰ»: بأنّ المقتضي لنجاسة الجملة الموت، و هذا المقتضي موجود في الأجزاء، فيتعلّق به الحكم «3». و ضعفه ظاهر؛ إذ غاية ما يستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميّت، و هو لا يصدق على الأجزاء قطعاً.

نعم، يمكن القول بنجاسة القطعة المبانة من الميّت استصحاباً لحكمها حال الاتصال، و لا يخفىٰ ما فيه» «4» انتهىٰ.

أقول: أمّا القطعة المبانة من الميّت فلا ينبغي الإشكال في نجاستها، لا للإجماع حتّى يستشكل تارة: بعدم ثبوته و تحصيله، و أنّ المنقول منه في كتب المتأخّرين غير حجّة، سيّما مع ترديد النقلة، كما يظهر من كلماتهم.

و أُخرى: بأنّه مسألة اجتهادية فرعية لا يعلم أنّ استناد المجمعين إلىٰ غير الأدلّة التي في الباب.

و لا للاستصحاب و إن كان جريانه ممّا

لا إشكال فيه؛ بعد وحدة القضية المتيقّنة و المشكوك فيها، لأنّ الجزء حال اتصاله بالكلّ كان نجساً قطعاً، و يشكّ في بقاء نجاسته بعد الانفصال، و لا ريب في أنّ الاتصال و الانفصال من حالات

______________________________

(1) مصابيح الظلام 1: 435/ السطر 14 (مخطوط).

(2) ذخيرة المعاد: 147/ 30.

(3) منتهى المطلب 1: 165/ السطر 7.

(4) مدارك الأحكام 2: 271.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 118

الموضوع، و لا يوجبان تبدّله.

و توهّم: أنّ الأحكام تتعلّق بالعناوين، و عنوان «الميتة» لا يصدق على الجزء بعد الانفصال، و إنّما يصدق على المجموع حال الاتصال، ناشئ من الخلط بين موضوع الدليل الاجتهادي و موضوع الاستصحاب، فإنّ الأوّل هو العناوين، و مع الشكّ في تبدّلها لا يمكن التمسّك بالدليل، فضلًا عمّا إذا علم ذلك كما في المقام، لكن بعد تحقّق العنوان خارجاً بوجود مصداقه يصير المصداق الخارجي متعلّقاً لليقين بثبوت الحكم له، فإذا تبدّل بعض حالاته فصار منشأً للشكّ، فلا مانع من جريان الاستصحاب؛ لوحدة القضية المتيقّنة و المشكوك فيها.

فإذا تعلّق حكم النجاسة بالميتة، فلا إشكال في أنّها تثبت لأجزائها- كاليد و الرجل و غيرهما عند تحقّق العنوان في الخارج، فيتعلّق اليقين بنجاسة الأجزاء الخارجية، و بعد الانفصال يصحّ أن يقال: «إنّي كنت علىٰ يقين من نجاسة هذه اليد الموجودة في الخارج، فأشكّ في بقائها بعد الانفصال» و لا إشكال في وحدة القضيّتين، و هي المعتبرة في الاستصحاب، لإبقاء موضوع الدليل الاجتهادي، فقول صاحب «المدارك»: «و لا يخفىٰ ما فيه» «1» تضعيفاً للاستصحاب لا يخفى ما فيه.

و منه يعلم: أنّ مقتضى الاستصحاب في الجزء المبان من الحيّ الطهارة و عدم النجاسة؛ ما لم يدلّ دليل علىٰ خلافه.

بل للأدلّة المثبتة

للحكم على الميتة؛ فإنّ معروض النجاسة- بحسب نظر العرف هو أجزاء الميتة، من غير فرق في نظرهم بين الاتصال و الانفصال.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 272.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 119

كما أنّ ما دلّ علىٰ أنّ الكلب رجس نجس «1»، يفهم منه أنّه بجميع أجزائه نجس، و لا يحتاج في إثبات النجاسة للإجزاء إلى التمسّك بدليل آخر غيره، كما لا يحتاج في إثبات نجاستها بعد الانفصال إلىٰ غيره.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ العرف يرىٰ أنّ موضوع النجاسة ذات الأجزاء؛ من غير دخالة للاتصال و الانفصال فيها، كما أنّ الاستقذار من الكلب علىٰ فرضه استقذار من أجزائه؛ اتصلت بالكلّ، أو انفصلت، و هو ممّا لا شبهة فيه.

نجاسة القطعة المنفصلة من ذي النفس الحيّ غير الآدمي

و أمّا المنفصل من الحيّ، فقد عرفت أنّ مقتضى الأصل طهارته، فلا بدّ في الخروج من مقتضاه من قيام دليل. و قد عرفت من محكي «المنتهىٰ» أنّ المقتضي لنجاسة المجموع و هو الموت موجود في الأجزاء، فيتعلّق بها الحكم «2».

و فيه: أنّه إن أراد من وجود المقتضي في الأجزاء، التشبّثَ بالقطع بوجود المناط الذي في الكلّ فيها، فالعهدة عليه، فأنّىٰ لنا القطع في الأُمور التشريعية المجهولة المناط، و أيّ مناط في وجوب غسل المسّ في الأجزاء المبانة من الحيّ إذا اشتملت على العظم، و عدمه في اللحم المجرّد؟! بل لازمه الحكم بنجاسة الجزء المتصل إذا علم موته و فساده.

و بالجملة: الطريق إلى العلم بمناطات مثل تلك الأحكام التعبّدية مسدود.

و إن أراد استفادة الحكم من الأدلّة المثبتة للحكم على الميتة؛ بدعوى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2.

(2) تقدّم في الصفحة 117.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 120

إلغاء خصوصية الكلّية و الجزئية عرفاً، ففيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّ العرف- مع ما يرىٰ من الخصوصية بين الميّت و أجزائه، و بين الحيّ و جزئه المبان منه لا يمكن له إلغاؤها، فلا يمكن إثبات الحكم بمثله.

كما لا يمكن التشبّث بالأدلّة العامّة المثبتة للنجاسة لعنوان «الميتة» و «الجيفة» لعدم صدقهما على الجزء المبان من الحيّ. و إنّما قلنا بثبوت الحكم للجزء المبان من الميّت بواسطة الأدلّة المثبتة للنجاسة للميّت و الجيفة، لا لأجل صدقهما عليه استقلالًا، بل لأجل أنّ الحكم الثابت للميّت ثابت لأجزائه بنفس ثبوته له عرفاً، و الفرض أنّه في المقام لم يثبت الحكم للكلّ حتّى يجري على الأجزاء تبعاً و استجراراً؛ لأنّ الجزء مقطوع من الحيّ، فصار مستقلا بالقطع، و هو ليس بميتة عرفاً و لغةً، فلا يمكن إثبات الحكم له بدليل نجاسة الميتة.

كما أنّ إثباته بقول العلّامة في محكي «التذكرة»: «إنّ كلّ ما أُبين من الحيّ ممّا تحلّه الحياة فهو ميت. فإن كان من آدمي فهو نجس عندنا، خلافاً للشافعي» «1» انتهىٰ، مشكل.

نعم، هنا روايات خاصّة يمكن التمسّك بها:

منها: صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): ما أخذت الحِبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلًا فذروه؛ فإنّه ميت، و كلوا ممّا أدركتم حيّاً و ذكرتم اسم اللّٰه عليه «2».

و صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه برواية الصدوق عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ما أخذت الحِبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميت، و ما أدركت من

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 60.

(2) الكافي 6: 214/ 1، وسائل الشيعة 23: 376، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 24، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام

الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 121

سائر جسده حيّاً فذكّه، ثمّ كل منه «1».

و نحوها خبر زرارة «2».

و رواية عبد اللّٰه بن سليمان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ما أخذت الحِبالة فانقطع منه شي ء فهو ميتة «3».

و الظاهر منها بعد العلم بعدم كون الجزء ميتة عرفاً و لغة أنّه ميتة تنزيلًا و بلحاظ الآثار، و إطلاق التنزيل يقتضي النجاسة.

و توهّم: أنّ المتبادر منها هو التنزيل من حيث حرمة الأكل؛ بقرينة ما ذكر فيها من أكل ما أُدرك حيّاً بعد التذكية، و لهذا يستفاد منها حرمة الأجزاء الصغار المقطوعة بالحِبالة و لو كانت في غاية الصغر، و لا يستفاد نجاستها «4».

فاسد؛ لأنّ التعليل في صحيحة ابن قيس، يقتضي أن يكون وجوب رفضه بسبب كونه ميتاً، و الحمل علىٰ أنّه ميت في هذا الحكم مستهجن؛ و من قبيل تعليل الشي ء بنفسه، تأمّل، و أمّا إذا كان الجزء بمنزلة الميت في جميع الأحكام، يكون التعليل حسناً.

و بالجملة: فرق بين قوله (عليه السّلام)

فذروه؛ فإنّه ميت

و بين قوله (عليه السّلام) في موثّقة معاوية بن عمّار في العصير

خمر لا تشربه «5»

، فإنّ الثاني لا يستبعد

______________________________

(1) الفقيه 3: 202/ 918، وسائل الشيعة 23: 376، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 24، الحديث 2.

(2) الكافي 6: 214/ 5، وسائل الشيعة 23: 377، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 24، الحديث 4.

(3) الكافي 6: 214/ 4، وسائل الشيعة 23: 377، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 24، الحديث 3.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 527/ السطر 31.

(5) تهذيب الأحكام 9: 122/ 526، مستدرك الوسائل 17: 41، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 4، الحديث 1.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 122

فيه التنزيل من جهة الشرب من غير استهجان، بخلاف الأوّل الذي ذكر القضيّة معلّلة، كما لا يخفى على العارف بالمحاورات العرفيّة.

هذا لو سلّم أنّ قوله (عليه السّلام)

فذروه

بمعنى: لا تأكلوه؛ بقرينة قوله

و كلوا ممّا أدركتم حيّاً

مع أنّه غير مسلّم؛ لاحتمال أن يكون المراد منه: لا تنتفعوا به، و إنّما ذكر أحد الانتفاعات التي هي أهمّ من سائرها فيما أُدرك حيّاً.

بل لأحد أن يقول: إنّ قوله

و كلوا ممّا أدركتم حيّاً

كناية عن جواز الانتفاع به مع ذكر أوضح الانتفاعات، و لهذا لا يفهم منه جواز الانتفاع أكلًا فقط؛ حتّى يكون مقابله عدم جواز ذلك.

و كذا تدلّ الصحيحة الثانية على المطلوب؛ لإطلاق التنزيل. و لا يكون ذيلها قرينة على اختصاصه بالأكل، سيّما مع ذكر التذكية في مقابل الميتة، و خصوصاً مع كون قوله (عليه السّلام)

ثمّ كل منه

من متفرّعات التذكية بحسب ظاهرها، و سيأتي تتمّة لذلك عن قريب «1». و أوضح منهما في الإطلاق رواية عبد اللّٰه بن سليمان.

و أمّا توهّم استفادة حرمة الأجزاء التي في غاية الصغر، و عدمِ استفادة النجاسة منها «2»، فغير وجيه سيأتي التعرّض له «3».

و تدلّ على النجاسة أيضاً صحيحة عبد اللّٰه بن يحيى الكاهلي بطريق الصدوق «4»، بل بطريق الكليني أيضاً بناءً علىٰ وثاقة سهل

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 127.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 527/ السطر 33.

(3) يأتي في الصفحة 127.

(4) رواه عن أبيه (رضى اللّٰه عنه)، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي. الفقيه، المشيخة 4: 101.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 123

ابن زياد «1» قال: سأل رجل

أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا عنده عن قطع أليات الغنم، فقال

لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك.

ثمّ قال

إنّ في كتاب عليّ (عليه السّلام): أنّ ما قطع منها ميت لا ينتفع به «2».

فإنّ الاستشهاد بكتاب عليّ (عليه السّلام) دليل علىٰ أنّه ميت تنزيلًا و حكماً، لا عرفاً و لغةً، و إطلاق التنزيل و تفريع عدم الانتفاع به مطلقاً، دليل علىٰ نجاسته.

و أوضح منها رواية الحسن بن عليّ قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) فقلت: جعلت فداك، إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها، قال

هي حرام.

قلت: فنصطبح بها؟ قال

أما تعلم أنّه يصيب اليد و الثوب و هو حرام؟! «3».

و الظاهر عدم إرادة النجس من «الحرام» بل الظاهر منها معروفية الملازمة بين حرمة الأكل في العضو المقطوع و بين النجاسة في عصر الصدور، كما هو مقتضى التأمّل في ألفاظ الرواية، فيستفاد منها نجاسة كلّ عضو حرام أكله.

و يدلّ عليها إطلاق رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه قال في أليات الضأن تقطع و هي أحياء

إنّها ميتة «4».

و أمّا ما في صحيحة الحلبي

لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة؛

______________________________

(1) رواه الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر.

(2) الكافي 6: 254/ 1، الفقيه 3: 209/ 967، تهذيب الأحكام 9: 78/ 330، وسائل الشيعة 24: 71، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 30، الحديث 1.

(3) الكافي 6: 255/ 3، وسائل الشيعة 24: 71، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 30، الحديث 2.

(4) الكافي 6: 255/ 2، وسائل الشيعة 24: 72، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح،

الباب 30، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 124

إنّ الصوف ليس فيه روح «1»

، فالظاهر عدم دلالتها على المقصود؛ فإنّ موضوع الكلام فيها هو جزء الميتة، فتدلّ علىٰ أنّ الأجزاء التي فيها روح لا يصلّى فيها إذا قطعت من الميت.

هذا حال غير الآدمي.

نجاسة القطعة المنفصلة من الإنسان
اشارة

و أمّا هو فتدلّ علىٰ نجاسته مرسلة أيّوب بن نوح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم فقد وجب علىٰ من يمسّه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه «2».

و تفريع الذيل و التفصيل بين ما له العظم و غيره، جعله كالنصّ في عموم التنزيل و عدم الاختصاص بغسل المسّ، و سيأتي الكلام في حال سندها في غسل المسّ إن شاء اللّٰه «3».

تذنيب: في طهارة الأجزاء الصغار المنفصلة من الإنسان

حكي عن العلّامة في «المنتهىٰ»: «أنّ الأقرب طهارة ما ينفصل عن بدن الإنسان من الأجزاء الصغيرة، مثل البُثُور و الثؤْلُول و غيرهما؛ لعدم إمكان التحرّز

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1530، وسائل الشيعة 3: 513، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1369، وسائل الشيعة 3: 294، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 2، الحديث 1.

(3) يأتي في الصفحة 187.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 125

عنها، فكان عفواً دفعاً للمشقّة» «1».

و اعترض عليه: «بأنّ التمسّك بدليل الحرج دليل علىٰ أنّ أدلّة النجاسة شاملة لها، و إنّما تستثنى منها بدليل الحرج، مع قصورها عن شمولها» «2».

أقول: لا بأس بذكر محتملات الروايات المتقدّمة، خصوصاً صحيحة محمّد بن قيس «3» حتّى يتّضح الحال:

فنقول: إنّ في قوله (عليه السّلام) فيها

ما أخذت الحِبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلًا فذروه؛ فإنّه ميت ..

إلىٰ آخره، احتمالاتٍ:

الأوّل: أن يكون المراد من قوله (عليه السّلام)

فإنّه ميت

أنّه ميت حكماً، علىٰ معنىٰ أنّ مصحّح الادعاء بعد عدم الصدق علىٰ نحو الحقيقة هو محكومية الجزء بأحكام الميت، كقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله

و سلّم)

الطواف بالبيت صلاة «4»

، فيكون مفاده أنّ وجوب رفضه لأجل كونه ميتة حكماً، و لازم هذا الاحتمال أنّ الأجزاء المقطوعة بالحِبالة في حكم الميتة، و قد قلنا سابقاً: إن مقتضىٰ إطلاق التنزيل و تناسب التعليل نجاستها أيضاً «5».

لكن لا يكون هذا التعليل كسائر التعليلات المعمّمة، فالموضوع للحكم هو الأجزاء المقطوعة بالحِبالة؛ لكونها في حكم الميتة، فلا تشمل الأجزاء المتصلة، و لا ما انفصلت لا بالقطع، بل برفض الطبيعة المودوعة من قِبَل اللّٰه تعالىٰ

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 166/ السطر 14.

(2) معالم الدين (قسم الفقه) 2: 483.

(3) تقدّمت في الصفحة 120.

(4) راجع السنن الكبرى، البيهقي 5: 87، عوالي اللآلي 1: 214/ 70، مستدرك الوسائل 9: 410، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 38، الحديث 2.

(5) تقدّم في الصفحة 121.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 126

في الحيوان، كفارة المسك، و كجلد الحيّة الذي رفضته و أفرزته؛ بناءً علىٰ كون الحيّة من ذي النفس.

بل يمكن أن يقال بعدم شمولها للأجزاء الصغار و لو كانت ذا روح، و زهق بالقطع؛ ممّا لا تأخذها الحِبالة لصغرها. و دعوىٰ إلغاء الخصوصية بعد احتمال أن يكون للجزء المعتدّ به خصوصية، كما فرّق في المسّ بين ذي العظم و غيره في غير محلّها. نعم، لا خصوصيّة في الحِبالة و لا الرجل و اليد بنظر العرف.

الثاني: أنّ المصحّح للدعوىٰ بأنّه ميت؛ هو مشابهة الجزء للكلّ في زهاق الروح، فكأنّه قال: «فذروه؛ لأنّه زهق روحه» فعليه تكون العلّة للحكم برفضه هي زهاق روحه، و العلّة تعمّم، فتشمل الأجزاء المتصلة إذا زهق روحها، و ذهبت إلى الفساد و النتن. و كذا ما زهق روحه و لو باقتضاء الطبع، كالبُثُور و الثؤْلُول و

الفأر و نظائرها؛ لوجود العلّة، و تحقّقِ موضوع الحكم.

نعم، لو كان المراد من قوله (عليه السّلام)

فذروه

ترك الأكل بقرينة ذيلها لما استفيد النجاسة منها. لكنّه ضعيف قد أشرنا إليه «1»، و سنشير إليه تارة أُخرى.

الثالث: أن يقال: إنّ المراد بقوله (عليه السّلام)

فإنّه ميت

أنّه غير مذكّى؛ لإفادة أنّ الحيوان بأجزائه إذا لم يكن مذكّى بما جعله الشارع سبباً لتذكيته، فهو ميت، فالميتة مقابلة المذكى في الشرع، كما يظهر بالرجوع إلى الروايات و موارد الاستعمالات، و ليست «التذكية» في لسان الشارع و عرف المتشرّعة عبارةً عمّا في عرف اللّغة؛ فإنّ «الذكاة» لغةً الذبح «2»، و ليست كذلك في الشرع؛ إذ «التذكية» ذبح بخصوصيات معتبرة في الشرع، و لهذا ترى لم تطلق هي و لا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 122.

(2) القاموس المحيط 4: 332، أقرب الموارد 1: 371، المنجد: 237.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 127

مشتقّاتها في الذبح بغير طريق شرعي، كذبائح أهل الكتاب و الكفّار، و كذا لو ذبح بغير تسمية، أو علىٰ غير القبلة عمداً «1» و هكذا.

فدعوى: أنّ للتذكية حقيقةً شرعيّةً قريبةٌ جدّاً، و كذا للميتة التي هي في مقابلها، فالمذبوح بغير ما قرّر شرعاً ميتة و إن قلنا بعدم صدقها عرفاً إلّا علىٰ ما مات حتف أنفه، أو بغير الذبح. و كذا الأجزاء المبانة من الحيوان ميتة؛ أي غير مذكّاة و إن لم تصدق عليها في العرف و اللغة.

و إطلاق «الميتة» و «غير المذكى» على الأجزاء كإطلاق «المذكى» و «الذكي» عليها، في الأخبار شائع فيراد في تلك الروايات ب «الميتة» مقابل المذكى.

و يشهد له ذيل الصحيحة، حيث قال (عليه السّلام)

و كلوا ممّا أدركتم حيّاً و ذكرتم اسم اللّٰه عليه

، فإنّ الظاهر

من مقابلتهما أنّ ما أُدرك حيّاً و ذبح على الشرائط مذكّى، و الجزء المقطوع ميتة غير مذكّى. و لا ريب في أنّ قوله (عليه السّلام)

كلوا

من قبيل التمثيل، و إلّا فيجوز بيعه، و الصلاة فيه، و يكون طاهراً .. إلىٰ غير ذلك.

فالصحيحة بصدد بيان أنّ ما قطع بالحِبالة ميت و غير مذكّى، و ما ذبح على الشرائط هو المذكى. و لازم هذا الوجه نجاسة الأجزاء و لو كانت صغيرة.

بل نجاسة ما خرج منه الروح برفض الطبيعة؛ لعدم ورود التذكية عليه، فهو ميت على إشكال. بل منع في هذا الأخير؛ لأنّ ظواهر الأدلّة لا تشملها، ضرورة عدم شمول ما قطعت الحِبالة لمثل ثُؤْلُول الإنسان و بُثُوره، و لمثل الألياف الصغيرة في أطراف أظفاره، و ما يتطاير من القشور عند حكّها، و ما يعلو الجراحات .. إلىٰ غير ذلك.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 24: 27 و 29 و 52، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 14 و 15 و 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 128

و كذا رواية ابن نوح «1»؛ لعدم صدق «القطعة» علىٰ مثلها، أو انصرافها. بل لا تشمل الأدلّة أمثال ما ذكر في الحيوانات غير الإنسان أيضاً.

و بالجملة: عناوين الروايات قاصرة عن شمولها. بل عن شمول الأجزاء الصغار الحيّة.

و ما يساعد عليه العرف في إلغاء الخصوصية؛ هو عدم الفرق بين الصغيرة و الكبيرة التي فيها روح، و زال بالقطع؛ لإمكان دعوى استفادته من النصوص بدعوىٰ: أنّ المستفاد منها أنّ موضوع الحكم بعد إلغاء الخصوصية هو قطع الأجزاء التي فيها حياة، و أمّا إلغاؤها بالنسبة إلىٰ ما رفضه الطبيعة و ألقته بإذن اللّٰه تعالى فلا؛ لوجود الخصوصية في نظر العرف، سيّما إذا

كانت الإبانة أيضاً- كإزالة الحياة برفضها.

ثمّ إنّ الاحتمالات المتقدّمة إنّما تأتي في صحيحة ابن قيس لو خلّيت و نفسها، و أمّا مع لحاظ سائر الروايات فيسقط الاحتمال الثاني جزماً؛ لعدم تأتّيه في سائرها، للفرق الظاهر بين قوله (عليه السّلام) في الصحيحة

فذروه؛ فإنّه ميت

و بين التعبير الذي في غيرها؛ أي قوله (عليه السّلام)

ما أخذت الحِبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميت.

نعم، يأتي احتماله علىٰ بُعْد في رواية الكاهلي. و أبعد منه احتماله في رواية الحسن بن عليّ.

و بعد عدم صحّة الاحتمال الثاني في غير الصحيحة، يسقط فيها أيضاً؛ للجزم بوحدة مفاد الجميع، و عدم إعطاء حكم فيها غير ما في سائرها.

فبقي الاحتمالان، و الأقرب الأخير منهما؛ لما عرفت من كثرة استعمال

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 124.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 129

«الميتة» قبال المذكى؛ بحيث صارت كحقيقة شرعية، أو متشرّعية، أو نفسهما، بل لو ادعاها أحد فليس بمجازف. فاتضح ممّا مرّ قوّة التفصيل بين الأجزاء الصغار التي زالت حياتها بالقطع، و غيرها كالثُؤْلُول و البُثُور.

و قد يتمسّك «1» لطهارة أمثالها بصحيحة عليّ بن جعفر: أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يكون به الثؤْلُول أو الجرح، هل يصلح له أن يقطع الثؤْلُول و هو في صلاته، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟ قال

إذا لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس، و إن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله «2».

و لا تخلو من دلالة؛ لأنّ السؤال و لو كان بملاحظة صدرها الذي سأل عن نزع الأسنان، و كان من نفس هذا العمل، لكن الجواب مع تعرّضه لخوف السيلان، و عدم تعرّضه لملاقاته مع الرطوبة، خصوصاً مع

كون بلد السؤال ممّا يعرق فيه الأبدان كثيراً، و سيّما مع السؤال عن اللحم، و هو مرطوب نوعاً، خصوصاً ما هو على الجرح يدلّ علىٰ أنّ المانع من جوازه الإدماء لا غير، فلا بأس بملاقيه رطباً، و حمله في الصلاة.

طهارة فأرة المسك

و أمّا فأرة المسك و هي الجلدة التي وعاؤه فعن العلّامة في «التذكرة» و «النهاية» و الشهيد في «الذكرى» التصريح باستثنائها من القطعة المبانة؛ سواء انفصلت من الظبي في حال حياته، أو أُبينت بعد موته «3».

______________________________

(1) انظر مدارك الأحكام 2: 272، الحدائق الناضرة 5: 76 77، مستند الشيعة 1: 175.

(2) الفقيه 1: 164/ 775، وسائل الشيعة 7: 284، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 27، الحديث 1.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 58، نهاية الإحكام 1: 270، ذكرى الشيعة 1: 118.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 130

بل عن ظاهر «التذكرة» و «الذكرى» الإجماع عليه.

و عن «كشف اللثام» القول بنجاستها مطلقاً؛ سواء انفصلت عن الحيّ أو الميت، إلّا إذا كان ذكيّاً «1».

و عن «المنتهىٰ» التفصيل بين الأخذ من الميتة، و بين الأخذ من الحيّ و المذكّى «2».

و الظاهر أنّ محطّ البحث فيها هي الفأرة التي انقطعت علاقتها الروحيّة من غزالها، و زالت حياتها، و استقلّت و بلغت و آن أوانُ رفضها؛ سواء انفصلت بطبعها من الحيّ، أو بقيت على اتصالها، و سواء كان الحيوان حيّاً أو ميتاً، و أمّا ما كانت حيّة، و علاقتها الروحية باقية، فلا ينبغي الإشكال في عدم كونها محلّ البحث، كما يظهر من كلماتهم؛ لأنّها جزء حيواني، كسائر الأجزاء التي قد مرّ أنّ مبانها من الميت و الحيّ نجس «3».

و كيف كان: تدلّ علىٰ طهارتها في الحيّ أصالة الطهارة، أو

استصحاب الطهارة الثابتة لها حال اتصالها.

و لا يعارضه الاستصحاب التعليقي؛ بأن يقال: إنّ هذا الجزء قبل ذهاب الروح منه إذا كان مباناً من الحيّ نجس، فيستصحب الحكم التعليقي، و حصول المعلّق عليه وجداني، و هو مقدّم على الاستصحاب التنجيزي؛ لحكومته عليه، كما حرّر في محلّه «4».

و ذلك لأنّ الاستصحاب التعليقي إنّما يجري فيما إذا كان الحكم الصادر من

______________________________

(1) كشف اللثام 1: 406.

(2) منتهى المطلب 1: 166/ السطر 9.

(3) راجع ما تقدّم في الصفحة 116.

(4) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 143 146.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 131

الشارع علىٰ نحو التعليق، كقوله (عليه السّلام)

العصير العنبيّ إذا نشّ و غلى يحرم «1»

، دون ما إذا كان الحكم تنجيزياً، و انتزعنا منه التعليق؛ لأنّه ليس حكماً شرعياً، و لا موضوعاً ذا حكم، و المقام من هذا القبيل؛ فإنّ في أدلّة الحِبالة و الأليات علّق الحكم التنجيزي على الأجزاء المبانة، و لم يرد حكم تعليقي في الجزء المتصل حتّى يستصحب.

و قد أشرنا إلىٰ قصور أدلّة نجاسة الجزء المبان من الحيّ عن شمول نحو الفأرة التي استقلّت و بلغت، و صارت كشي ء أجنبيّ من الحيوان «2».

و في الميّت أصالةُ الطهارة بعد قصور أدلّة نجاسة الميتة عن إثباتها لها؛ فإنّ ما تدلّ علىٰ نجاستها علىٰ كثرتها إنّما تدلّ علىٰ نجاسة «الجيفة» و «الميتة» كما تقدّم «3»، و لا تشمل الجزء؛ لعدم صدقهما عليه.

و إنّما قلنا بنجاسة أجزائها مبانة أو غير مبانة؛ لارتكاز العقلاء علىٰ أنّ ثبوتها للميتة ليس إلّا للموجود الخارجي بأجزائه، فلا بدّ في إسراء الحكم لمثل هذا الجزء المستقلّ- الذي زالت حياته برفض الطبيعة، و بلوغه حدّ الاستقلال من دعوى عدم الفارق بين الأجزاء،

و أنّى لنا بهذه بعد ظهور الفارق بين هذا الجزء و غيره؟! و لم يرد في دليل أنّ ملاقي الميتة أو ملاقي جسدها نجس، حتّى يستفاد منه نجاسة هذا الجزء؛ بدعوىٰ كونه من أجزائها و من جسدها حال اتصاله بها،

______________________________

(1) لم نجده في المجاميع الروائية و الموجود فيها «إذا نشّ العصير أو غلى حرم»، وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3، الحديث 4.

(2) تقدّم في الصفحة 125 126.

(3) تقدّم في الصفحة 65.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 132

و دعوىٰ إلغاء خصوصية الاتصال و الانفصال، إلّا في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت، فقال

يغسل ما أصاب الثوب «1».

و هي منصرفة إلىٰ ميّت الإنسان إن كانت الياء مشدّدة. نعم لو ثبت سكونها و تخفيفها لا يبعد انصرافها إلىٰ غير الإنسان.

و الشاهد على انصراف الأوّل بعد موافقة العرف رواية ابن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يقع ثوبه علىٰ جسد الميّت، قال

إن كان غسل الميّت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه .. «2»

إلىٰ آخره.

حيث حمل الإطلاق علىٰ ميّت الإنسان، و الظاهر أنّ الياء مشدّدة فيها. بل لا يبعد دعوى ظهور صحيحة الحلبي في ذلك، و لهذا ذكرها الفقهاء في أدلّة نجاسة الميّت الآدمي، لا الحيواني «3».

و أمّا صحيحة عبد اللّٰه بن جعفر قال: كتبت إليه يعني أبا محمّد (عليه السّلام): يجوز للرجل أن يصلّي و معه فأرة المسك؟ فكتب

لا بأس به إذا كان ذكيّاً «4».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و

نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 132

فاحتمال عود الضمير المذكّر إلى الغزال الذي يؤخذ منه الفأرة حتّى

______________________________

(1) الكافي 3: 161/ 4، وسائل الشيعة 3: 462، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 61/ 5، وسائل الشيعة 3: 461، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، الحديث 1.

(3) الحدائق الناضرة 5: 65، جواهر الكلام 5: 305، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 339/ السطر 7.

(4) تهذيب الأحكام 2: 362/ 1500، وسائل الشيعة 4: 433، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 41، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 133

تدلّ علىٰ نجاسة ما يؤخذ من الميتة و من الحيّ غير موجّه، و لا حجّة فيه. كاحتمال كون «الذكي» بمعنى الطاهر، و عوده إلى المسك. بل هذا الاحتمال بعيد جدّاً؛ لأنّ السؤال إنّما هو عن الفأرة، و لا يناسب الجواب عن مسكها.

كما أنّ احتمال عوده إلى الفأرة، و كون «الذكي» بمعنى الطاهر أيضاً بعيد؛ لعدم موافقته للّغة، و بُعْد استعمال «الذكي» فيه مجازاً، بل المظنون قويّاً أنّ «الذكي» في مقابل الميتة، كما في سائر الروايات «1».

و عود الضمير إلى الفأرة إمّا بأنّ الأمر في التذكير و التأنيث سهل يتسامح فيه، و إمّا بمناسبة كونه معها، فعاد إلىٰ ما معها.

فتدلّ علىٰ أنّ للفأرة نوعين: ذكية، و غيرها. لكن لا يستفاد منها أنّ أيّ قسم منها ذكية أو غيرها، فمن المحتمل أن تكون بعد استقلالها و بلوغها، و خروج الروح منها برفض الطبيعة، صارت ذكية، و تكون حالها حينئذٍ كالظفر و الحافر، و يكون القسم غير المذكى ما لم تبلغ إلىٰ هذا الحدّ، و قطعت

قبل أوان بلوغها، و نحن لا نعلم حال الفأرة، فمن الممكن أن تكون هي أو نوع منها تتبدّل ما في جوفها مسكاً قبل تمام استقلالها، و لا شبهة في أنّ هذا النوع تذكيتها بتذكية غزالها، و سائر أقسامها يمكن أن يكون من القسم المذكى.

و بالجملة: لا ركون إلىٰ هذه الرواية مع هذا التشويش و الإجمال في إثبات الحكم.

و قد يتمسّك للطهارة بالتعليل الوارد في صوف الميتة بقوله (عليه السّلام)

إنّ الصوف ليس فيه روح «2».

______________________________

(1) كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، تقدّمت في الصفحة 120.

(2) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1530، وسائل الشيعة 3: 513، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 134

و في رواية

ليس في الصوف روح أ لا ترى أنّه يجزّ و يباع و هو حيّ؟! «1».

و بصحيحة حَريز قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) لزرارة و محمّد بن مسلم

اللبن و اللباء و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كلّ شي ء يفصل من الشاة و الدابّة، فهو ذكيّ، و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه «2».

و برواية أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، حيث علّل عدم البأس في الإنفحة بأنّها

ليس لها عروق، و لا فيها دم، و لا لها عظم، إنّما تخرج من بين فرث و دم. إنّ الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أُخرجت منها بيضة «3».

و بصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلّي و هو في جيبه، أو ثيابه، فقال

لا بأس بذلك «4».

و بفحوى ما دلّ

علىٰ طهارة المسك، و بالحرج.

و في الكلّ نظر؛ لأنّ المراد من كون الصوف غير ذي روح أنّه كذلك رأساً، فلا يشمل ما كان ذا روح فزهق، و لذلك لا يتوهّم شموله للعضو الفَلِج، فالمراد منه أنّ الصوف من غير ذوات الأرواح، لا أنّه ليس له روح فعلًا و لو بزهاقه، و إلّا فالميتة أيضاً كذلك.

______________________________

(1) مكارم الأخلاق 1: 237/ 700، وسائل الشيعة 3: 515، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 7.

(2) الكافي 6: 258/ 4، تهذيب الأحكام 9: 75/ 321، وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3.

(3) الكافي 6: 256/ 1، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 1.

(4) الفقيه 1: 164/ 775، وسائل الشيعة 4: 433، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 41، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 135

و تشهد له رواية الحسين بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الشعر و الصوف و الريش و كلّ نابت لا يكون ميتاً «1»

، فإنّها بمنزلة المفسّر لغير ذي الروح؛ أي ما كان من قبيل النبات ليس له روح حيواني.

و منه يظهر ما في الاستشهاد بصحيحة زرارة؛ فإنّ المراد من

كلّ ما يفصل من الشاة و الدابّة

ما كان من قبيل المعدودات فيها؛ أي ما يجزّ في حال حياتها، لا كلّ ما يفصل حتّى من قبيل اليد و الرجل. و ليس المراد ممّا يفصل ما ينقطع عنه بطبعه؛ فإنّ المذكورات ليست كذلك.

و التعليل الذي في الإنفحة لا يعلم تحقّقه في الفأرة، فمن أين يعلم أنّ الفأرة ليس لها عروق و لا دم حال

نموّها و ارتزاقها و حياتها الحيوانية، أو خروجها من بين فرث و دم، أو كونها بمنزلة البيضة؟! بل المظنون لو لم يكن المقطوع أنّ طريق نموّها و ارتزاقها بالدم و العروق الضعيفة، كسائر الأعضاء ذوات الأرواح. بل في الإنفحة أيضاً كلام سيأتي في محلّه إن شاء اللّٰه «2».

و صحيحة عليّ بن جعفر (عليه السّلام) مع أنّ التمسّك بها مبنيّ علىٰ عدم صحّة الصلاة في المحمول إطلاقها محلّ تأمّل، مع كون المتعارف من الفأرة ما هي موجودة في بلاد المسلمين. مضافاً إلىٰ أنّها متقيّدة بصحيحة عبد اللّٰه بن جعفر المتقدّمة، و الاستدلال مبنيّ علىٰ عدم سراية إجمال القيد، كعدم سراية إجمال المخصّص، و هو لا يخلو من كلام.

و الفحوىٰ ليست بشي ء؛ بعد عدم معلوميّة الحكم بطهارته الواقعيّة حتّى مع الملاقاة رطباً مع جلدته، و بعد إمكان كون المسك كاللبن و اللباء و الإنفحة

______________________________

(1) الكافي 6: 258، ذيل الحديث 3، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 8.

(2) سيأتي في الصفحة 147.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 136

علىٰ بعض الاحتمالات، و وقوع النظائر لها في الميتة يرفع الاستبعاد. و لا يخفىٰ ما في التمسّك بالحرج.

نعم، قد يقال بعدم معلوميّة كون الفأرة ممّا تحلّها الحياة، و مجرّد كونها جلدة لا يستلزم حلول الروح، و معه لا إشكال في طهارتها «1».

لكنّ الظاهر حلول الروح فيها كسائر الجلود، و ليس الجلد كالظفر و الحافر و القرن و سائر النابتات، و مع إحراز الروح فيها فالأقوىٰ أيضاً طهارة ما بلغت و استقلّت و حان حينُ لفظها؛ سواء انفصلت بطبعها، أم قطعت من الحيّ أو الميت.

ثمّ إنّ ملاقي ما قلنا

بنجاستها نجس؛ سواء كان المسك الذي فيه أو غيره، كسائر ملاقيات النجاسات. و ليس شي ء موجباً للخروج عن القاعدة إلّا توهّم إطلاق أدلّة طهارة المسك، و فيه ما لا يخفى؛ لفقد إطلاق يقتضي ذلك، كما يظهر من المراجعة إليها.

عدم نجاسة ما لا تحلّه الحياة من الميتة

و منها: لا ينجس من الميتة ما لا تحلّه الحياة، كالعظم و القرن و السنّ و المنقار و الظفر و الظلْف و الحافر و الشعر و الصوف و الوبر و الريش، اتفاقاً كما عن «كشف اللثام» «2»، و بلا خلاف كما عن «المدارك» «3». و عن «الذخيرة»: «لا أعرف خلافاً بين الأصحاب في ذلك» «4». و عن «الغنية» دعوى الإجماع في شعر الميتة و صوفها «5».

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 342/ السطر 3.

(2) كشف اللثام 1: 407.

(3) مدارك الأحكام 2: 272.

(4) ذخيرة المعاد: 147/ السطر 38.

(5) غنية النزوع 1: 42.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 137

و عن «المنتهىٰ» دعواه علىٰ طهارة العظم «1».

و عن شارح «الدروس»: «أنّ العمدة في طهارة هذه الأجزاء عدم وجود نصّ يدلّ علىٰ نجاسة الميتة حتّى تدخل، لا عدم حلول الحياة، و إلّا لو كان هناك نصّ كذلك لدخلت، كشعر الكلب و الخنزير، و إلّا فزوال الحياة ليس سبباً للنجاسة، و إلّا لاقتضىٰ نجاسة المذكى. علىٰ أنّه لا استبعاد في صيرورة الموت سبباً لنجاسة جميع أجزاء الحيوان و إن لم تحلّه الحياة» «2» انتهىٰ.

و فيه: أنّه إن أراد عدم الدليل علىٰ نجاسة الميتة، فقد مرّ ما يدلّ عليها «3».

و إن أراد أنّه لا دليل علىٰ نجاسة أجزائها؛ فإنّ «الميتة» اسم للمجموع، فقد مرّ ما فيه «4». مع أنّ التعليل لعدم الأكل في آنية أهل الكتاب: بأنّهم يأكلون فيها

الميتة و الدم و لحم الخنزير، دليل علىٰ أنّ الأجزاء نجسة؛ فإنّ المأكول لحمها.

و إن أراد قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة ما لا تحلّه الحياة منها، فهو لا يخلو من وجه؛ لأنّ ما دلّ علىٰ نجاسة الميتة علىٰ كثرتها إنّما علّق فيها الحكم علىٰ عنوان «الجيفة» و «الميتة»، و هما بما لهما من المعنى الوصفي لا تشملان ما لا تحلّه الحياة؛ فإنّ «الجيفة» هي جثّة الميتة المنتنة، و النتن وصف لما تحلّه الحياة، و لا ينتن الشعر و الظفر و غيرهما من غير ما تحلّه الحياة.

و دعوىٰ: أنّها و إن كانت معنى وصفياً، و لكنّها صارت اسماً للمجموع الذي

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 164/ السطر 25.

(2) مشارق الشموس: 316/ السطر 30.

(3) تقدّم في الصفحة 65.

(4) تقدّم في الصفحة 118.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 138

من جملته ما لا تحلّه «1»، في غير محلّها؛ لعدم ثبوت ذلك، بل الظاهر من اللغة أنّ «الجيفة» اسم للجثّة المنتنة، فتكون تلك الأجزاء خارجة عن مسمّاها، ففي «القاموس» و «الصحاح»: «الجيفة: جثّة الميت، و قد أراح أي أنتن» «2».

و في «المنجد»: «الجيفة: جثّة الميت المنتنة» و فيه: «جافت الجيفة أي أنتنت» «3».

و الميتة ما زال عنها الروح في مقابل الحيّ، و لا تطلق على الأجزاء التي لم تحلّها الحياة و لو بتأوّل، كما تطلق كذلك علىٰ ما تحلّها. و صيرورتها اسماً للمجموع الداخل فيه تلك الأجزاء غير ثابت، و ارتكاز العقلاء علىٰ إسراء النجاسة إلى الأجزاء، إنّما يوافق بالنسبة إلىٰ ما تحلّه الحياة لا غير، فالحكم بنجاسة الجيفة و الميتة لا يشمل تلك الأجزاء؛ لا لفظاً، و لا بمدد الارتكاز، فأصالة الطهارة بالنسبة إليها محكّمة.

هذا بالنسبة

إلىٰ ما لا تحلّها، أو ما شكّ في حلولها فيها. و أمّا لو فرض بعض تلك الأجزاء المستثناة ممّا تحلّه الحياة كالإنفحة، فلا يأتي فيه ما ذكر، فلا بدّ من إقامة دليل على استثنائه.

ثمّ إنّ المنسوب إلى المحقّق المتقدّم: أنّه لو دلّ دليل على النجاسة، لا تصلح الأدلّة الخاصّة لتخصيصه و استثناء المذكورات «4». و لا تبعد استفادة ذلك من كلامه المتقدّم.

و فيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّ تلك الأدلّة الناصّة علىٰ أنّ تلك الأجزاء

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 81.

(2) القاموس المحيط 3: 129، الصحاح 4: 1340.

(3) المنجد: 112.

(4) الحدائق الناضرة 5: 82.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 139

ذكيّة، دالّة علىٰ طهارتها سواء كان «الذكي» بمعنى الطاهر كما قيل «1»، أو مقابل الميتة كما هو التحقيق.

فلا إشكال في أصل الحكم بالنسبة إلىٰ ما لا تحلّه الحياة، و كذا بالنسبة إلىٰ ما هو المنصوص به في الأدلّة و الفتاوىٰ، من غير فرق في الصوف و الريش و الشعر و الوبر بين الأخذ من الميتة جزّاً أو قلعاً؛ و إن احتاج الأُصول في الثاني إلى الغسل لو كان ملاقاتها للميتة مع الرطوبة؛ لإطلاق الأدلّة، و كونها ممّا لا تحلّها الحياة. و إن فرض عدم استحالتها إلى المذكورات- بل لو شكّ فيها فالأصل يقتضي الطهارة.

فما عن «نهاية الشيخ» من تخصيص الطهارة بالمقطوع جزّاً «2»، كأنّه ليس خلافاً في المسألة حكماً، بل موضوعاً؛ بدعوىٰ كونها من الأجزاء التي حلّت فيها الحياة، و لم تخرج بالاستحالة إلىٰ أحد المذكورات، و فيه ما لا يخفى.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ مقتضىٰ إطلاق قوله (عليه السّلام) في صحيحة حَريز

و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ

فيه «3»

، لزوم الغسل و لو لم يلاقِ المأخوذ جلدَ الميتة برطوبة، و هو يقتضي نجاسة أمثال ذلك بعد الموت، و يكون الغسل موجباً لزوالها، فالموت سبب لنجاسة ما تحلّه الحياة ذاتاً، فلا تزول بالغسل و غيره، و في مثل المذكورات بمرتبةٍ ترتفع بالغسل.

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّ مقتضىٰ ما دلّ علىٰ طهارة المذكورات ذاتاً، و الأمرِ في هذه الرواية بالغسل، هو أنّ الغسل إنّما هو لملاقاتها للميتة برطوبة، فالعرف- بالارتكاز يقيّدها بالصورة المذكورة، كما ورد نظيره في ملاقي الكلب،

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 72.

(2) النهاية: 585.

(3) تقدّمت في الصفحة 134.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 140

و مصافحة اليهود «1»، و غيرهما ممّا لا يفهم منها إلّا مع الملاقاة رطباً.

نعم، ظاهر موثّقة مَسْعدة بن صدقة، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) قال

قال جابر بن عبد اللّٰه: إنّ دباغة الصوف و الشعر غسله بالماء، و أيّ شي ء يكون أطهر من الماء؟! «2»

، أنّ الشعر و الصوف يحتاجان إلى التطهير بذاتهما. و التعبير ب «الدباغة» مكان «التطهير» لعلّه بمناسبة قول العامّة بأنّ دباغة جلد الميتة مطهّرة «3».

فالظاهر منها أنّ الشعر بذاته لا يكون طاهراً، و يحتاج إلى الدباغة ليتطهّر، و دباغته غسله بالماء. و حملها على النجاسة العرضية خلاف الظاهر جدّاً.

لكنّها مع مخالفتها لفتوى الأصحاب «4»، و إعراضهم عن ظاهرها مخالفة للأخبار الكثيرة الدالّة علىٰ أنّ المذكورات ذكية؛ معلّلًا في الصوف بعدم الروح فيه «5»، و هي أظهر في مفادها من تلك الموثّقة، فتحمل على الاستحباب، أو غسل موضع الملاقاة رطباً.

و منه يظهر الكلام في صحيحة الحلبي الظاهرة في اشتراط الذكاة في السنّ الذي يضعه مكان سنّه «6».

______________________________

(1) راجع وسائل

الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12 و 14.

(2) قرب الإسناد: 76/ 246، وسائل الشيعة 3: 514، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 6.

(3) راجع ما تقدّم في الصفحة 83.

(4) تقدّم في الصفحة 136.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 513، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 1 و 2 و 3 و 4 و 7، و 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33.

(6) المحاسن: 644/ 174، وسائل الشيعة 3: 514، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 141

ثمّ إنّه قد يتراءىٰ منافاة في الروايات الواردة في استثناء المذكورات، ففي رواية يونس، عنهم (عليهم السّلام) قالوا

خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيه منافع الخلق: الإنفحة و البيض و الصوف و الشعر و الوبر .. «1»

إلىٰ آخره.

و الظاهر منها انحصار الاستثناء بها و إن قلنا بعدم مفهوم العدد في غير المقام. و أيضاً تشعر بأنّ الاستثناء لأجل منفعة الخلق. و إن كان فيها اقتضاء النجاسة فهي بهاتين الجهتين مخالفة لغيرها.

و يمكن أن يجاب عنها: مضافاً إلىٰ أنّ اختصاصها بالذكر لعلّه لكونها ذات منافع للخلق نوعاً، بخلاف غيرها حتّى مثل لبنها. نعم في الريش أيضاً منافع، و لعلّه داخل بإلغاء الخصوصيّة في إحدى الثلاثة الأخيرة، تأمّل، و معه لا مفهوم فيه جزماً بأنّ من الممكن أن تكون

ذكيّة

صفة لخمسة، و خبرها بعدها، فيكون المراد الإخبار بأنّ في بعض المستثنيات منافع الناس، تأمّل.

و كيف كان: لا ريب في عدم صلاحيتها لمعارضة سائر النصوص، كعدم صلاحية رواية الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي

يؤكل لحمها ذكيّاً، فكتب (عليه السّلام)

لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب، و كلّ ما كان من السخال: الصوف و إن جزّ، و الشعر و الوبر و الإنفحة و القرن، و لا يتعدّىٰ إلىٰ غيرها إن شاء اللّٰه «2».

الظاهرة في أنّ جواز الانتفاع في الصوف مشروط بالجزّ، و أنّ المستثنيات

______________________________

(1) الكافي 6: 257/ 2، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 2.

(2) الكافي 6: 258/ 6، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 142

منحصرة بما ذكر فيها لا تتعدّى إلىٰ غيرها، بعد ضعف سندها «1»، و وهن متنها بوجوه، و مخالفتها للنصوص المعتبرة الصريحة «2»، و لفتوى الأصحاب «3». و لعلّ الاشتراط في الصوف للانتفاع به فعلًا مع الجزّ. و أمّا مع القلع فبعد الغسل، و الظاهر عدم اختصاصه بالصوف دون الشعر و الوبر.

طهارة الإنفحة من الميتة

ثمّ إنّه قد صرّح في النصوص و الفتاوىٰ بخروج أشياء أُخر ما عدا المذكورات، منها: الإنفحة، و لا إشكال نصّاً و فتوى في طهارتها، فعن «المدارك»: «أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب» «4». و عن «المنتهىٰ»: «أنّه قول علمائنا» «5». و عن «الغنية» و «كشف اللثام» دعوى الإجماع عليه «6».

و تدلّ عليها صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الإنفحة تُخرج من الجدي الميت. قال

لا بأس به .. «7»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) رواها الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن المختار بن محمّد بن المختار و محمّد بن الحسن، عن عبد اللّٰه بن الحسن العلوي جميعاً، عن الفتح بن يزيد الجرجاني.

و الرواية ضعيفة

لأنّ عبد اللّٰه بن الحسن العلوي مجهول و الفتح بن يزيد الجرجاني مهمل.

رجال النجاشي: 311/ 853، الفهرست: 126/ 562.

(2) راجع وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33.

(3) تقدّمت في الصفحة 136.

(4) مدارك الأحكام 2: 273.

(5) منتهى المطلب 1: 165/ السطر 35.

(6) غنية النزوع 1: 401، كشف اللثام 1: 422.

(7) تهذيب الأحكام 9: 76/ 324، وسائل الشيعة 24: 182، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 143

و رواية الحسين بن زرارة أو موثّقته «1» قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أبي يسأله عن اللبن من الميتة، و البيضة من الميتة، و إنفحة الميتة، فقال

كلّ هذا ذكيّ «2».

و رواية يونس المتقدّمة «3» أو حسنته «4»، و غيرها «5».

نعم، يظهر من عدّة روايات خلاف ذلك، كرواية بكر بن حبيب قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الجبن، و أنّه توضع فيه الإنفحة من الميتة، قال

لا تصلح.

ثمّ أرسل بدرهم فقال

اشترِ من رجل مسلم، و لا تسأله عن شي ء «6».

و روايةِ عبد اللّٰه بن سليمان، عنه (عليه السّلام) في الجبن قال

كلّ شي ء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتةً «7».

______________________________

(1) سيأتي من المصنّف (رحمه اللّٰه) وجه الترديد و ما يفيد للمقام في الصفحة 154 و 156.

(2) الكافي 6: 258/ 3، وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 4.

(3) تقدّمت في الصفحة 141.

(4) رواها الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس. و وجه الترديد لوقوع إسماعيل بن مرار في

السند، لأنّ وثاقته مختلف فيها.

تنقيح المقال 1: 144/ السطر 38، و راجع أيضاً الجزء الأوّل: 92.

(5) كرواية الحسين بن زرارة، راجع تهذيب الأحكام 9: 78/ 332، وسائل الشيعة 24: 183، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 12.

(6) المحاسن: 496/ 598، وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 4.

(7) الكافي 6: 339/ 2، وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 144

و روايتِه الأُخرىٰ قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الجبن .. إلىٰ أن قال قلت: ما تقول في الجبن؟ قال

أ و لم ترني آكله؟!

قلت: بلىٰ، و لكنّي أُحبّ أن أسمعه منك، فقال

سأُخبرك عن الجبن و غيره: كلّ ما كان فيه حلال و حرام، فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه «1».

و روايةِ أبي الجارود قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الجبن فقلت له: أخبرني من رأى أنّه يجعل فيه الميتة، فقال

أ مِن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم ما في جميع الأرضين؟! إذا علمت أنّه ميتة فلا تأكله، و إن لم تعلم فاشترِ و بعْ و كلْ، و اللّٰهِ إنّي لأعترض السوق، فأشتري بها اللحم و السمن و الجبن، و اللّٰهِ ما أظنّ كلّهم يسمّون: هذه البربريّة، و هذه السودان «2».

و لا شبهة في أنّ ما يجعل في الجبن و ما كان محلّ الكلام هو الإنفحة، كما نصّ عليه روايتا بكر بن حبيب المتقدّمة، و أبي حمزة الآتية.

لكنّها محمولة علىٰ بعض المحامل، كالتقيّة و المماشاة معهم، و الجدل بما هو أحسن

«3»، كما تشهد به رواية أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث: أنّ قتادة قال له: أخبرني عن الجبن فقال

لا بأس به.

فقال: إنّه ربّما جعلت فيه إنفحة الميتة، فقال

ليس به بأس؛ إنّ الإنفحة ليس لها عروق، و لا فيها دم، و لا لها عظم، إنّما تخرج من بين فرث و دم، و إنّما الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أُخرجت منها بيضة ...

______________________________

(1) الكافي 6: 339/ 1، وسائل الشيعة 25: 117، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 1.

(2) المحاسن: 495/ 597، وسائل الشيعة 25: 119، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 5.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 532/ السطر 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 145

إلىٰ أن قال

فاشترِ الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلّين، و لا تسأل عنه، إلّا أن يأتيك من يخبرك عنه «1».

فإنّ الإرجاع إلى الحكم الظاهري بعد بيان الحكم الواقعي إنّما هو علىٰ طريق المماشاة و الجدل بما هو أحسن، فلا إشكال في أصل الحكم.

بيان ماهية الإنفحة

إنّما الكلام في ماهية الإنفحة، حيث اختلفت كلمات أهل اللغة في تفسيرها، ففي «الصحاح»: «و الإنفَحة: بكسر الهمزة، و فتح الفاء مخفّفة كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل، فإذا أكل فهو كرش، عن أبي زيد» «2».

و في «القاموس»: «الإنفحّة بكسر الهمزة و تشديد الحاء، و قد تكسر الفاء و المنفحة، و البنفحة: شي ء يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفرُ، فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن، فإذا أكل الجدي فهو كرش و تفسير الجوهري الإنفحة بالكرش سهو» «3». و قريب منه في «المنجد» «4»، و عن «المغرب» «5».

و اختلفت كلمات الفقهاء علىٰ

حذو اختلاف اللغويّين.

و قد اتفقت كلمات اللغويّين فيما رأيت في مادّة «الكرش» أنّها بمنزلة المعدة للإنسان، و أنّ الإنفحة صارت كرشاً إذا رعى الجدي و أكل، ففي

______________________________

(1) الكافي 6: 256/ 1، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 1.

(2) الصحاح 1: 413.

(3) القاموس المحيط 1: 262.

(4) المنجد: 823.

(5) المغرب في ترتيب المعرب 2: 220.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 146

«الصحاح»: «الكرش لكلّ مجترّ بمنزلة المعدة للإنسان ..» إلىٰ أن قال: «و استكرشت الإنفحة؛ لأنّ الكرش تسمّى إنفحة ما لم يأكل الجدي، فإذا أكل تسمّى كرشاً» «1».

و في «القاموس»: «الكَرِش ككتف لكلّ مجترّ بمنزلة المعدة للإنسان ..» إلىٰ أن قال: «استكرشت الإنفحة صارت كرشاً، و ذلك إذا رعى الجدي النبات» «2». و قريب منهما في «المنجد»، و «المجمع»، و «البستان» «3».

و الظاهر منهما أنّ الكرش عين الإنفحة، و الفرق بينهما أنّ الإنفحة معدة الجدي قبل الرعي و الأكل، و الكرش معدته بعده. فنسبة السهو إلى الجوهري كأنّها في غير محلّها.

و توهّم: أنّ المادّة الصفراء التي هي كاللبن، و لم تكن مربوطة بالحيوان ارتباطاً حياتياً و اتصالًا حيوانياً صارت كرشاً، مقطوع الفساد.

فعلم من اتفاق أهل اللغة: بأنّ الإنفحة التي صارت كرشاً بالأكل أنّها هي الجلدة، لا المادّة التي في جوفها. غاية الأمر أنّ الجلدة في الجدي قبل الرعي رقيقة، و إذا بلغ حدّه و رعىٰ صارت غليظة مستكرشة. فالأظهر بحسب كلمات أهل اللغة أنّ الإنفحة هي الجلدة الرقيقة، لا المادّة في جوفها.

نعم، يظهر من رواية الثمالي المتقدّمة أنّها المادّة التي كاللبن، أو هي اللبن بعينه؛ و إن صارت في جوف الجدي غليظةً. كما أنّ الظاهر

أنّ تلك المادّة كانت فيها منافع الناس، و هي التي تجعل في الجبن؛ و إن احتمل أن تكون الجلدة الرقيقة بما في جوفها مادّتَه.

______________________________

(1) الصحاح 3: 1017.

(2) القاموس المحيط 2: 297.

(3) المنجد: 681، مجمع البحرين 4: 152، البستان 2: 2072/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 147

بيان حكم الإنفحة

و كيف كان: لا إشكال في طهارة المظروف؛ إمّا لطهارة ظرفه إن كان إنفحة، أو لعدم انفعاله منه إن كان المظروف إنفحة.

و لو شكّ في أنّها ظرف أو مظروف، فيمكن أن يقال بوقوع التعارض بين أصالة الإطلاق في أدلّة نجاسة أجزاء الميتة التي تحلّها الحياة، و أصالة الإطلاق في دليل منجّسية النجس، فيرجع إلىٰ أصالة الطهارة في الظرف بعد العلم تفصيلًا بطهارة المظروف.

لكن التحقيق نجاسة الظرف؛ أخذاً بإطلاق دليل نجاسة الميتة. و لا تعارض أصالة الإطلاق فيها بأصالة الإطلاق في دليل منجّسية النجس؛ لعدم جريانها فيما علم الطهارة، و شكّ في أنّه من باب التخصيص، أو التقييد، أو التخصّص، و الخروج موضوعاً؛ لأنّ تلك الأُصول العقلائية عملية يتكل عليها العقلاء في مقام الاحتجاج و العمل دون غيره، نظير أصالة الحقيقة فيما دار الأمر بينها و بين المجاز، فإنّها جارية مع الشكّ في المراد، لا مع الشكّ في نحو الاستعمال بعد العلم بالمراد.

ففيما نحن فيه بعد ما علمنا بأنّ المظروف طاهر، و شككنا في أنّ طهارته لأجل التقييد في إطلاق «النجس منجّس» أو التخصيص في عمومه، أو لأجل الخروج موضوعاً و التخصّص، لا تجري أصالة الإطلاق؛ لعدم بناء العقلاء علىٰ إجرائها في مثله بعد عدم الأثر العمليّ لها، فبقيت أصالة العموم أو الإطلاق في نجاسة الميتة علىٰ حالها. نعم لو شكّ في كونها ممّا

تحلّه الحياة فالأصل الطهارة.

هذا إذا كان ما في جوف الجلدة جامداً طبعاً، أو مائعاً كذلك، و قلنا بعدم انفعاله بملاقاة الجلدة النجسة.

و أمّا إذا كان جامداً طبعاً كالخميرة، و قلنا بانفعاله و لزوم غسل ظاهره

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 148

الملاقي للجلدة، فالأمر بالأخذ بأصالة الإطلاق في نجاسة أجزاء الميت ممّا تحلّه الحياة، و الحكم بنجاسة الجلدة أوضح؛ للعلم بدخولها فيما تحلّه الحياة، و الشكّ في ورود المخصّص عليه؛ للشكّ في كون الإنفحة الظرف أو المظروف، فمقتضى الإطلاق نجاستها و تنجيس ما في جوفها.

و هذا بوجه نظير العلم بعدم وجوب إكرام زيد، و تردّد الأمر بين كونه زيداً العالم حتّى خصّص «أكرم العلماء» أو غير العالم حتّى بقي العالم في العموم، فمقتضى العموم وجوب إكرام زيد العالم؛ للشكّ في التخصيص.

نعم، لا يستكشف بأصالة العموم و الإطلاق حال الفرد الخارج، ففيما نحن فيه لا يحرز بها أنّ الإنفحة هي ما في الجوف.

ثمّ إنّ الأظهر وجوب غسل ظاهر الإنفحة الملاقي للميت برطوبة؛ إن قلنا: بأنّها هي الجلدة، أو قلنا: بأنّها ما في جوفها، مع كونها طبعاً و نوعاً جامدةً؛ لعدم استفادة عدم انفعالها حينئذٍ من الأدلّة، لقصور دلالتها إلّا علىٰ طهارتها الذاتية، كالشعر و الوبر و الصوف، حيث نصّت الروايات بأنّها ذكية، مع الأمر بغسلها إذا قلعت من الميتة، فيظهر منها أنّ الحكم بذكاتها في مقابل الميتة التي هي نجسة ذاتاً.

و هذا بخلاف اللبن و اللباء و الإنفحة إذا كانت ممّا في الجوف، و هي مائعة فإنّ لازم نفي البأس عنها و الحكم بأنّها ذكية، عدم انفعالها؛ لعدم إمكان غسلها، و لا معنىٰ لبيان طهارتها الذاتية مع لزوم النجاسة معها.

و لا يبعد

اختصاص الحكم بالإنفحة المتعارفة التي تجعل في الجبن، و الظاهر أنّها من الجدي و العَناق و السخال و الحمل، لا من غير المأكول، و لا من المأكول كالحمار و الفرس. بل في البقر و البعير أيضاً تأمّل؛ لعدم العلم بتعارف الأخذ منهما. بل في صدق «الإنفحة» علىٰ غير المأخوذ من الجدي و الحمل

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 149

إشكال؛ لظهور كلمات اللغويّين في الاختصاص بهما «1».

نعم، في بعض الروايات شبهة الإطلاق علىٰ فرض صدق «الإنفحة» علىٰ سائر الحيوانات، كمرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام)

عشرة أشياء من الميتة ذكيّة .. «2»

و عدّ منها الإنفحة، و روايةِ الحسين بن زرارة «3».

لكنّ المظنون أنّ ما هو محلّ الكلام هي الإنفحة التي تجعل في الجبن، كما يظهر من الروايات الواردة في الجبن «4»، فإنّها التي فيها منافع الناس، و تكون مورد السؤال غالباً، و معه يشكل الإطلاق فيهما.

فالأحوط لو لم يكن الأقوىٰ اختصاص الحكم بما يتعارف جعلها في الجبن، و المتيقّن منه إنفحة الجدي و الحمل.

نعم، لو شكّ في كونها ممّا تحلّها الحياة كما تدلّ عليه رواية الثمالي «5» فالأصل طهارتها مطلقاً.

طهارة البيض المأخوذ من الميتة

و أمّا البيض، فلا إشكال في طهارته نصّاً و فتوى. بل مقتضى القاعدة طهارته؛ لعدم كونه من أجزاء الميتة بعد استقلاله و اكتسائه الجلد الأعلى، و عدم كونه ممّا تحلّه الحياة قبله، مع الشكّ في ملاقاته للميتة، فضلًا عن

______________________________

(1) تقدّمت أقوال اللغويّين في الصفحة 145 146.

(2) الفقيه 3: 219/ 1011، وسائل الشيعة 24: 182، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 9.

(3) تقدّمت في الصفحة 143.

(4) وسائل الشيعة 25: 117، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة،

الباب 61.

(5) تقدّمت في الصفحة 144.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 150

القطع به، و العلمِ بعدم سراية النجاسة من الجلدة الرقيقة، فضلًا عن الغليظة.

لكن حكي اتفاق الأصحاب على التقييد باكتسائه الجلد الأعلى أو الغليظ «1». بل عن جمهور العامّة موافقتنا في ذلك «2». فذهبوا إلىٰ عدم حيلولة الجلد الرقيق بينه و بين النجاسة.

أقول: لولا ذلك لكان للمناقشة في الحكم مجال، لا لضعف «3» رواية غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في بيضة خرجت من است دجاجة ميّتة، قال

إن كانت اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها «4».

فإنّها من الموثّق؛ لو لم تكن من الصحيح «5».

بل لقوّة احتمال أن يكون السؤال عن حلّيتها و حرمتها، لا نجاستها، و الجواب موافق للقاعدة؛ لأنّ البيضة قبل اكتسائها الجلد الغليظ، تكون من أجزاء الحيوان، مرتزقةً منه، متصلةً به، و بعده تصير مستقلّة منحازة، فخرجت عن جزئيّتها، فهي قبل الاكتساء جزء الميتة حرام أكلها؛ و إن كانت طاهرة لكونها ممّا لا تحلّه الحياة، و للشكّ في سراية النجاسة منها إليها؛ لقطع الارتزاق بالموت، و عدم العلم بالسراية، و بعد الاستقلال خرجت عن الجزئيّة، فحلال أكلها و طاهرة، فنفي البأس بعد الاكتساء لا يدلّ علىٰ نجاستها قبله؛ إن كانت الشبهة في الحلّية و الحرمة، و يكفي الشكّ في وجه السؤال بعد كون الطهارة موافقة للأصل.

______________________________

(1) كشف اللثام 1: 407، مفتاح الكرامة 1: 147/ السطر 10، جواهر الكلام 5: 324.

(2) المغني، ابن قدامة 1: 62.

(3) كما قاله صاحب المدارك، مدارك الأحكام 2: 273.

(4) الكافي 6: 258/ 5، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 6.

(5) راجع ما تقدّم

في الصفحة 36، الهامش 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 151

لكنّ مخالفة الأصحاب غير ممكنة. و احتمال أن يكون مستندهم الموثّقة المتقدّمة مع تخلّل اجتهاد منهم ضعيف؛ لاشتهار الحكم بين الفريقين قديماً و حديثاً علىٰ ما حكي، و في مثله لا يمكن أن يكون المستند رواية غياث فقط. مع أنّ المفهوم منها ثبوت البأس، و هو أعمّ من النجاسة، مضافاً إلىٰ ما مرّ من الاحتمال، فالأقوىٰ ما عليه الأصحاب.

لكن لا يشترط فيه صلابة الجلد؛ فإنّها تحصل علىٰ ما قيل بعد خروجها من است الدجاجة بتصرّف الهواء الخارج، و حين الخروج لا تكون صلبة و إن كانت غليظة.

و كيف كان: فالحكم مترتّب على الجلد الغليظ، لا الصلب و لو حصل في جوف الدجاجة.

طهارة اللبن في ضرع الميتة

و أمّا اللبن، فعن الصدوق و المفيد و الشيخ و القاضي و ابني زهرة و حمزة و صاحبي «كشفي الرموز و اللثام» و الشهيد «1» و غيرهم «2»، القول بالطهارة.

و عن «البيان»: «أنّه قول المشهور». و عن «الدروس»: «أنّ القائل بخبر المنع نادر» «3». و عن «الخلاف» الإجماع علىٰ طهارة ما في ضرع الشاة «4».

______________________________

(1) الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 62/ السطر 28، المقنعة: 583، النهاية: 585، المهذّب 2: 441، غنية النزوع 1: 401، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 362، كشف الرموز 2: 368، كشف اللثام 2: 265/ السطر 30 (ط. حجري)، الدروس الشرعيّة 1: 124.

(2) مدارك الأحكام 2: 274، ذخيرة المعاد: 148/ السطر 19، الحدائق الناضرة 5: 93.

(3) البيان: 90، الدروس الشرعيّة 3: 15.

(4) الخلاف 1: 519.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 152

و عن «الغنية» الإجماع علىٰ جواز الانتفاع بلبن ميتة ما يقع الذكاة عليه «1».

و

تدلّ عليه صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الإنفحة .. إلىٰ أن قال قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت، قال

لا بأس به «2».

و خبر الحسين بن زرارة أو موثّقته «3» قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أبي يسأله عن اللبن من الميتة، و البيضة من الميتة، و إنفحة الميتة، فقال

كلّ هذا ذكيّ «4».

و مرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام)

عشرة أشياء من الميتة ذكيّة ..

و عدّ منها اللبن «5».

و رواها في «الخصال» بسند غير نقيّ، عن ابن أبي عمير، رفعه إلىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) مع مخالفة في الترتيب «6».

بل و صحيحة حَريز قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) لزرارة و محمّد بن مسلم

اللبن و اللباء ..

إلىٰ أن قال

و كلّ شي ء من الشاة و الدابّة فهو ذكيّ، و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله، و صلّ فيه «7».

______________________________

(1) غنية النزوع 1: 401.

(2) تهذيب الأحكام 9: 76/ 324، وسائل الشيعة 24: 182، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 10.

(3) سيأتي وجه الترديد و ما يفيد للمقام في الصفحة 154 و 156.

(4) تقدّم في الصفحة 143.

(5) الفقيه 3: 216/ 1006.

(6) الخصال: 434/ 19.

(7) الكافي 6: 258/ 4، وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 153

خلافاً للمحكي عن أبي عليّ و أبي يعلى و العجلي و المحقّق و أبي العبّاس و العلّامة و المحقّق الثاني و الصيمري و المقداد «1».

و عن الحلّي: «أنّه لا خلاف فيه بين المحصّلين من

أصحابنا» «2».

و عن «المنتهىٰ»: «أنّه المشهور» «3».

و عن «جامع المقاصد»: «أنّه المشهور الموافق لأُصول المذهب، و عليه الفتوىٰ» «4».

و يمكن تأييده بدعوىٰ قصور الأدلّة عن إثبات هذا الحكم المخالف للقواعد، بل المنكر في أذهان المتشرّعة، لا لما ذكره الشيخ الأعظم: «من أنّ طرح الأخبار الصحيحة المخالفة لأُصول المذهب غير عزيز، إلّا أن تعضد بفتوى الأصحاب، كما في الإنفحة، أو بشهرة عظيمة توجب شذوذ المخالف، و ما نحن فيه ليس كذلك» «5».

فإنّ قاعدة منجّسية النجس ليست من القواعد المعدودة من أُصول المذهب؛ بحيث لا يمكن تخصيصها بالرواية الصحيحة، فضلًا عن الروايات الصحيحة المؤيّدة بفتوىٰ من عرفت.

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 8: 333، المراسم: 211، السرائر 3: 112، شرائع الإسلام 3: 174، المهذّب البارع 4: 213 214، نهاية الإحكام 1: 270، جامع المقاصد 1: 167، انظر مفتاح الكرامة 1: 154/ السطر 17، التنقيح الرائع 4: 44.

(2) السرائر 3: 112.

(3) منتهى المطلب 1: 165/ السطر 21.

(4) جامع المقاصد 1: 167.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 343/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 154

بل لو لم يثبت إعراض الأصحاب عنها لوجب العمل بها، و لا ريب في عدم إعراضهم عنها، بل عملهم بها.

بل لاستضعاف سند روايةِ الحسين بن زرارة؛ لكونه مجهولًا و إن دعا له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) دعاءً بليغاً «1»؛ إذ لا يوجب ذلك ثقته في الحديث، و حجّية روايته. مع أنّ في نسخة من «الوسائل» بدل

اللبن

السنّ «2».

و مرسلةِ الصدوق و إن نسب إلى الصادق (عليه السّلام) جزماً، و نحن قلنا بقرب اعتبار مثل هذا الإرسال «3» و ذلك لما قال في ذيلها في «الفقيه»: «و قد ذكرت ذلك مسنداً في كتاب «الخصال»

في باب العشرات» «4» و سند «الخصال» «5» ضعيف بجهالة عليّ بن أحمد بن عبد اللّٰه و أبيه.

و لعدم الإطلاق في صحيحة حَريز. بل إشعار ذيلها بأنّ ما ذكر في صدرها هو ما يفصل من الحيّ.

فبقيت صحيحة واحدة هي صحيحة زرارة و هي مع اشتمالها على «الجلد» ممّا هو خلاف الإجماع، و اختلافِ متنها؛ لسقوط «الجلد» في رواية الصدوق «6»، و ثبوتِه في رواية الشيخ «7»، و هو يوجب نحو وهن فيها لا يمكن الاتكال عليها

______________________________

(1) راجع اختيار معرفة الرجال: 138/ 221.

(2) وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 4.

(3) راجع ما تقدّم في الجزء الأوّل: 81.

(4) الفقيه 3: 219/ 1011.

(5) الخصال: 434/ 19.

(6) الفقيه 3: 216/ 1006.

(7) تهذيب الأحكام 9: 76/ 324.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 155

في الخروج عن القاعدة. مع أنّها مخصوصة بالشاة، و لم يقل أحد بالاختصاص.

خصوصاً مع ما عن الحلّي: «أنّه نجس بغير خلاف عند المحصّلين من أصحابنا؛ لأنّه مائع في ميتة ملامس لها» قال: «و ما أورده شيخنا في «نهايته» «1» رواية شاذّة مخالفة لأُصول المذهب، و لا يعضدها كتاب و سنّة مقطوعة بها، و لا إجماع» «2».

و دعوى العلّامة الشهرة على النجاسة «3». سيّما مع اعتضادها برواية وهب، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام)

أنّ عليّاً (عليه السّلام) سئل عن شاة ماتت، فحلب منها لبن، فقال عليّ (عليه السّلام): ذلك الحرام محضاً «4».

و روايةِ الفتح بن يزيد، عن أبي الحسن (عليه السّلام) و فيها

و كلّ ما كان من السخال: الصوف و إن جزّ، و الشعر و الوبر و الإنفحة و القرن، و لا يتعدّى إلىٰ غيرها

إن شاء اللّٰه «5».

و روايةِ يونس، عنهم (عليهم السّلام) قالوا

خمسة أشياء ذكية .. «6»

و لم يعدّ اللبن منها. لكن مع ذلك الأقوىٰ هو الطهارة. و المناقشة في تلك الروايات المعمول بها، المعوّل عليها قديماً و حديثاً في غاية الفساد و الضعف.

______________________________

(1) النهاية: 585.

(2) السرائر 3: 112.

(3) تقدّمت في الصفحة 153.

(4) تهذيب الأحكام 9: 76/ 325، وسائل الشيعة 24: 183، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 11.

(5) الكافي 6: 258/ 6، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 7.

(6) تقدّمت في الصفحة 141.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 156

مع أنّ تضعيف رواية الحسين مع كونه إماميّاً ممدوحاً يروي عنه الأجلّة، كصفوان بن يحيىٰ «1» في غير محلّه. مضافاً إلىٰ أنّ ظاهر الكليني حيث قال: و زاد فيه عليّ بن عقبة و عليّ بن الحسن بن رباط قال

و الشعر و الصوف كلّه ذكيّ «2»

، أنّهما رويا ما روى الحسين مع زيادة عمّن روى لا عنه؛ فإنّهما لم يرويا عن الحسين. بل عليّ بن عقبة من رجال الصادق (عليه السّلام) «3» و قيل في عليّ بن الحسن أيضاً ذلك «4». و لو كان من أصحاب الرضا (عليه السّلام) «5» لا يبعد إدراكه مجلس أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و إن لم يكن راوياً عنه، فتكون الرواية صحيحة لوثاقتهما «6».

و لا شبهة في خطإ نسخة «الوسائل» لروايتها في مورد آخر و فيها

اللبن «7»

، و في «مرآة العقول» كذلك «8»، و في كتب الفروع أيضاً كذلك، فالنسخة من خطأ النسّاخ جزماً.

بل المناقشة في مرسلة الصدوق أيضاً لا تخلو من إشكال؛ بعد انتساب

الرواية جزماً إلى الصادق (عليه السّلام) و هو غير ممكن من مثل الصدوق إلّا مع وثاقة رواتها، أو محفوفيّتها بقرائن توجب جزمه بالصدور، فيمكن أن يجعل ذلك توثيقاً منه للرجلين.

______________________________

(1) راجع تنقيح المقال 1: 328/ السطر 10.

(2) الكافي 6: 258/ 3.

(3) رجال الطوسي: 245/ 302.

(4) انظر تنقيح المقال 2: 277/ السطر 31 (أبواب العين).

(5) رجال النجاشي: 251/ 659، رجال العلّامة الحلّي: 99/ 39.

(6) رجال النجاشي: 251/ 659 و 271/ 710.

(7) وسائل الشيعة 3: 513، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 2 و 3.

(8) مرآة العقول 22: 53/ 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 157

و لو نوقش فيه فلا أقلّ من كونها معتمدة عنده، و مجزوماً بها، سيّما مع ما في أوّل «الفقيه» من الضمان «1».

مضافاً إلىٰ أنّ المحكيّ عن العلّامة تصحيح بعض روايات ابن مسلم إلى الصدوق، و عليّ بن أحمد فيه «2».

و قيل: «إنّ الصدوق كثيراً ما يذكره مترضّياً عنه، و مترحّماً عليه» «3».

و عن المجلسي الأوّل توثيق أبيه؛ مستنداً إلى اعتماد الصدوق عليه في كثير من الروايات «4».

و عن الفاضل الخراساني تصحيح خبرهما في سنده، و جعلهما من مشايخ الإجازة «5».

و الظاهر أنّ لصحيحة حريز إطلاقاً. و لا يكون ذيلها قرينة علىٰ عدمه لو لم يكن مؤكّداً له؛ فإنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام)

و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه

، هو ذكر أحد شقّي المذكور في الصدر، فكأنّه قال: «كلّ ما يفصل من الدابّة ذكيّ ذاتاً، لكن إذا أخذت من الميّت اغسله؛ لنجاسته العرضيّة».

و أغرب من جميع ذلك المناقشة في صحيحة زرارة بمجرّد اشتمالها على

______________________________

(1) الفقيه 1: 3.

(2) انظر تعليقات على منهج المقال،

المحقّق الوحيد البهبهاني: 225، منتهى المقال 4: 338، مختلف الشيعة 1: 145 و 4: 94 و 106.

(3) انظر تعليقات على منهج المقال، المحقّق الوحيد البهبهاني: 225، منتهى المقال 4: 338، التوحيد: 99/ 6، الخصال: 98/ 48، و: 102/ 59.

(4) روضة المتّقين 14: 255.

(5) ذخيرة المعاد: 39/ السطر 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 158

«الجلد» إمّا لاشتباه من النسّاخ، أو الرواة، أو لجهة في الصدور، مع كون سائر المذكورات فيها موافقة للنصوص و الفتاوىٰ، فلا وجه لردّها.

و أغرب من ذلك المناقشة في الصحيحة بطريق الصدوق، مع عدم اشتمالها على «الجلد» بل يكشف ذلك عن الاشتباه في رواية الشيخ، فلا وهن فيها بوجه، و هي حجّة كافية في رفع اليد عن قاعدة منجّسية النجس.

و في دعوى الحلّي ما لا يخفى، سيّما في نسبة الشذوذ إلى الرواية، مع أنّها مشهورة فتوى، متكرّرة نقلًا، موافقة لفتوى المحصّلين من أصحابنا.

و لعلّ مراد العلّامة الشهرة عند المتأخّرين، و إلّا فقد مرّت كلمات القوم، و إجماع «الخلاف»، و «الغنية». و الشهرة المتأخّرة لا تفيد جرحاً و لا جبراً، و من ذلك لا يعبأ برواية وهب بن وهب أكذب البريّة «1».

مع أنّ الحرمة غير النجاسة، فيمكن أن يكون اللبن من الميت حراماً غير نجس، فلو كانت الرواية معتمدة، يمكن الجمع بينها و بين سائر الروايات بذلك، فبقي ما دلّ على الطهارة بلا معارض.

و أمّا رواية الفتح فمع ضعفها سنداً «2»، و وهنها متناً، مخالفة للإجماع و النصوص المعتبرة.

و قد مرّ الكلام في رواية يونس «3». مع أنّ الانحصار بالخمسة ممّا لم يقل به أحد، فلا مفهوم لها جزماً.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 309/ 558.

(2) تقدّم وجه ضعفها سنداً في الصفحة

142، الهامش 1.

(3) تقدّم في الصفحة 141.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 159

عدم تأثّر أجزاء الكلب و نحوه بالموت

ثمّ إنّه يأتي الكلام إن شاء اللّٰه في نجاسة شعر الكلب و أخويه في محلّه المناسب له «1»، فإنّ الكلام هاهنا في نجاسة الميتة. نعم ينبغي الجزم بعدم تأثير الموت في تنجيس ميتتها، بعد الجزم بعدم كون النجاسة بالموت أغلظ من نجاستها الذاتيّة؛ لعدم معنى تنجّس النجس.

لكن لو كان للميت بما هو كذلك حكم، يترتّب عليها بموتها، فما يشعر به كلام الشيخ الأعظم من ارتضائه بتنجّسها بالموت، مضافاً إلىٰ نجاستها العينية، و عدم نجاسة ما لا تحلّه الحياة منها بالموت، بل تكون علىٰ نجاستها الأوّلية «2»، لا يخلو عن الإشكال. و لعلّه أشار إليه بقوله: «فافهم».

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 216 و 221.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 344/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 160

تنبيه استطرادي في وجوب غسل مسّ الميّت
اشارة

ذكر المحقّق هاهنا غسل المسّ فقال: «يجب الغسل علىٰ من مسّ ميّتاً من الناس قبل تطهيره و بعد برده» «1».

و الظاهر منه أنّ محلّ الكلام موضوع واحد هو مسّه، كما هو المعروف.

لكن يظهر من الشيخ في «الخلاف» أنّ محطّ البحث بين الفريقين أمران:

الأوّل: أنّه هل يجب الغسل علىٰ غاسل الميّت؟

و الثاني: هل يجب ذلك علىٰ من مسّ ميّتاً بعد برده و قبل غسله؟

و ذلك أنّه عنون المسألة الأُولىٰ فقال: «يجب الغسل علىٰ من غسّل ميّتاً، و به قال الشافعي في «البويطي»، و هو قول عليّ (عليه السّلام) و أبي هريرة «2». و ذهب ابن عمر و ابن عبّاس و عائشة و الفقهاء أجمع مالك و أبو حنيفة و أصحابه و أحمد و إسحاق و أحد قولي الشافعي، قاله في عامّة كتبه أنّ ذلك مستحبّ» «3».

ثمّ استدلّ على الوجوب بإجماع الفرقة، و قاعدة الاحتياط، و رواية أبي هريرة:

أنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

من غسّل ميّتاً فليغتسل، و من حمله فليتوضّأ «4».

ثمّ عنون الثانية، و جعل المخالف جميع الفقهاء، و استدلّ بالإجماع

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 44.

(2) المحلّى بالآثار 1: 270 271، المجموع 2: 203، و 5: 185 186.

(3) الامّ 1: 38 و 266، سنن الترمذي 2: 231/ 998، المحلّى بالآثار 1: 270 271، المجموع 2: 202 203، و 5: 185 186.

(4) سنن أبي داود 2: 218/ 3161.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 161

و الاحتياط، دون الرواية «1». و هو ظاهر في أنّ خلافهم في الأُولىٰ دون الثانية.

ثمّ إنّ الموضوع في المسألة الأُولىٰ يحتمل أن يكون عنوان «الغاسل» و لو لم يمسّ الميّت، فيكون الخلاف في أنّ الغاسل بما هو هل يجب عليه أم لا؟

و يحتمل أن يكون المسّ الحاصل بتبع الغسل؛ بمعنى أنّ للمسّ مصداقين:

الأوّل: ما هو تبع الغسل، و هو محلّ الخلاف الأوّل.

و الثاني: ما هو مستقلّ، و هو مورد الثاني.

و مقتضى الجمود علىٰ ظاهر عنوان «الخلاف» أنّ محطّ البحث الأوّلُ، كما ربّما تشهد له بعض الروايات، كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال قلت: الرجل يغمّض عين الميّت، أ عليه غسل؟ قال

إذا مسّه بحرارته فلا، و لكن إذا مسّه بعد ما برد فليغتسل.

قلت: فالذي يغسّله يغتسل؟ قال

نعم «2».

و صحيحتِه الأُخرىٰ، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال

الغُسل في سبعة عشر موطناً ..

إلىٰ أن قال

و إذا غسّلت ميّتاً أو كفّنته أو مسسته .. «3»

إلىٰ آخره.

و رواها الصدوق عن أبي جعفر (عليه السّلام) باختلاف يسير، لكن عطف فيها

كفّنته

بالواو «4»، و هو الصحيح.

______________________________

(1) الخلاف 1: 700 701.

(2) الكافي 3:

160/ 2، تهذيب الأحكام 1: 428/ 1364، وسائل الشيعة 3: 289، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 114/ 302، وسائل الشيعة 3: 307، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 1، الحديث 11.

(4) هكذا رواها في الوسائل و في بعض نسخ الفقيه. راجع الفقيه 1: 77/ 172، (ط مؤسسة النشر الإسلامي)، وسائل الشيعة 3: 305، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 1، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 162

و صحيحةِ معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الذي يغسّل الميّت أ عليه غسل؟ قال

نعم.

قلت: فإذا مسّه و هو سُخْن؟ قال

لا غسل عليه، فإذا برد فعليه الغسل «1».

حيث يظهر منها أنّ عنوان «الغاسل» غير عنوان «الماسّ» و يجب علىٰ كلّ منهما الغسل.

مضافاً إلىٰ أنّ ذلك مقتضى الجمود علىٰ ظاهر ما علّق فيها الغسل على عنوان «من يغسّل الميّت» تارة، و علىٰ «من مسّه» أُخرى في سائر الروايات «2».

لكن مع ذلك لا يمكن الالتزام بوجوبه عليه و لو مع عدم المسّ؛ لعدم احتماله في كلمات القوم، فضلًا عن اختياره، فلا بدّ من حمل ما دلّ علىٰ وجوبه علىٰ من مسّه حال غسله:

أمّا حمل مثل صحيحة ابن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من غسّل ميّتاً و كفّنه اغتسل غسل الجنابة «3»

علىٰ ذلك؛ فلأنّ غسله ملازم عادة لمسّه، و قلّما يتفق التفكيك، لو لم نقل: لم يتفق.

و أمّا صحيحته الأُولى المتقدّمة؛ فلاحتمال أن يكون سؤاله لشبهة أنّ مسّه حال الغسل لا يوجبه، أو أنّ غسله موجب لسقوط غسل المسّ تبعاً. كما

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1367، وسائل الشيعة 3: 290،

كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 4.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 289 و 295، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1 و 3.

(3) تهذيب الأحكام 1: 447/ 1446، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 163

أنّ السؤال في صحيحة معاوية محمول عليه أيضاً، فلا يكون سؤاله عن عنوان «الغسل» بل عن مسّه في ضمنه، كما لعلّه المتفاهم عرفاً منها، بل هو ظاهرها.

و عليه تحمل صحيحة ابن مسلم الأُخرىٰ؛ ضرورة أنّ التكفين لا يوجب شيئاً، فيكون المقصود المسّ حال الغسل، و ذكر التكفين لعلّه لأجل أنّ الغاسل هو المكفّن، و لهذا عدّ فيها للثلاثة غسلًا واحداً، و لو لا ذلك للزم أن يكون الغسل في تسعة عشر موطناً، لا سبعة عشر، فالغسل في الثلاثة لعنوان واحد هو «المسّ» فتكون الرواية شاهدة علىٰ عدم تعدّد العنوان. و تشهد لذلك حسنة الفضل الآتية الواردة في علّة غسل من غسّل ميّتاً «1»، بل هي حاكمة علىٰ غيرها.

فموضوع البحث هو مسّ الميّت بعد برده و قبل غسله، كما عنون المحقّق «2» و غيره «3»، و قد عرفت عنوان الشيخ. و لعلّ خلاف العامّة في الغاسل الذي مسّه، لا الأعمّ، و لا أظنّ الخلاف في عدم وجوبه علىٰ من لم يمسّه.

أدلّة وجوب الغسل

و كيف كان: فالغسل واجب لمسّه إجماعاً، كما في «الخلاف» «4»، و عن «الغنية» «5». و في استفادته من كلامهما كلام. و «هو المشهور» كما عن «المختلف»، و «جامع المقاصد»، و «الكفاية» «6»، و «مذهب الأكثر» كما عن

______________________________

(1) تأتي في الصفحة 165.

(2) شرائع الإسلام 1: 44.

(3) مختلف الشيعة 1: 149، جامع المقاصد

1: 458.

(4) الخلاف 1: 701.

(5) غنية النزوع 1: 40.

(6) مختلف الشيعة 1: 149، جامع المقاصد 1: 458، كفاية الأحكام: 3/ السطر 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 164

طهارة «الخلاف» و «التذكرة» و «المنتهىٰ» و «المدارك» و «الكفاية» في موضع آخر «1».

و لم يحك الخلاف صريحاً إلّا عن السيّد «2». و في «الخلاف»: «أنّ من شذّ منهم لا يعتدّ بخلافه» «3».

و تدلّ عليه روايات مستفيضة أو متواترة، فهي بين آمرةٍ بالغسل، كصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة، عن أحدهما (عليهما السّلام) «4»، و صحيحة عاصم بن حُمَيْد «5»، و صحيحة ابن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من غسّل ميّتاً و كفّنه اغتسل غسل الجنابة «6».

و صحيحةِ الحلبي و فيها

و يغتسل من مسّه «7»

، و صحيحةِ الأقطع «8»، و صحيحة حَريز، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «9».

______________________________

(1) الخلاف 1: 222، تذكرة الفقهاء 2: 134، منتهى المطلب 1: 127/ السطر 20، مدارك الأحكام 2: 277، كفاية الأحكام: 7/ السطر 20.

(2) انظر الخلاف 1: 222، رسائل الشريف المرتضى 3: 25.

(3) الخلاف 1: 701.

(4) تقدّمت في الصفحة 161.

(5) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1365، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 3.

(6) تقدّمت في الصفحة 162.

(7) الفقيه 1: 262/ 1197، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 9.

(8) الفقيه 1: 98/ 451، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 10.

(9) الكافي 3: 160/ 1، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 165

و معبّرةٍ

ب «أنّ عليه الغسل» كصحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الذي يغسّل الميّت أ عليه غسل؟ قال

نعم ..

إلىٰ أن قال

فإذا برد فعليه الغسل .. «1»

إلىٰ آخره.

و صحيحةِ عبد اللّٰه بن سِنان على الأصحّ «2» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها

و لكن إذا مسّه و قبّله و قد برد فعليه الغسل «3».

و صحيحةِ عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل مسّ ميّتاً، عليه الغسل؟ قال فقال

إن كان الميّت لم يبرد فلا غسل عليه، و إن كان قد برد فعليه الغسل إذا مسّه «4».

و معبّرةٍ ب «أنّه الفرض» كرواية يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الغسل في سبعة عشر موطناً، منها الفرض ثلاثة.

قلت: ما الفرض منها؟ قال

غسل الجنابة، و غسل من مسّ ميّتاً، و غسل الإحرام «5».

و معبّرةٍ بمادّة «الأمر» كحسنة الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام) قال

إنّما أُمر من يغسّل الميّت بالغسل لعلّة الطهارة ممّا أصابه من نضح الميّت؛ لأنّ

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 162.

(2) بناءً على وثاقة سهل بن زياد و قد تقدّم ما يدلّ على توثيقه في الجزء الأول: 78 و 258.

(3) الكافي 3: 160/ 3، وسائل الشيعة 3: 293، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 15.

(4) مسائل عليّ بن جعفر: 198/ 426، وسائل الشيعة 3: 293، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 18.

(5) تهذيب الأحكام 1: 105/ 271، وسائل الشيعة 2: 174، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 166

الميّت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر

آفته «1».

و معبّرةٍ بمادّة «الوجوب» كصحيحة الصفّار قال: كتبت إليه (عليه السّلام): رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقّع

إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل، فقد يجب عليك الغُسل «2».

بناءً علىٰ ضمّ المعجمة، كما لا يبعد.

و في موثّقة سَماعة أو صحيحته «3»

و غسل من مسّ الميّت واجب

«4» تأمّل.

إلىٰ غير ذلك، فلا إشكال في دلالتها علىٰ وجوبه. و الخدشة فيها من بعضهم «5» في غير محلّها.

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 114/ 1، علل الشرائع: 268/ 9، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 11.

(2) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1368، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 5.

(3) رواها الشيخ الطوسي، عن الشيخ و هو المفيد (رحمه اللّٰه) قال: أخبرني أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة.

وجه الترديد لوقوع عثمان بن عيسى و سماعة في السند؛ لأنّ عثمان بن عيسى كان شيخ الواقفة و وجهها و من أصحاب الإجماع على قول، و لكنّ الظاهر رجوعه عن الوقف. و سماعة بن مهران ثقة عند النجاشي و واقفي عند الشيخ الطوسي. رجال النجاشي: 193/ 517 و 300/ 817، رجال الطوسي: 337/ 4، الفهرست: 120/ 534.

(4) الفقيه 1: 45/ 176، تهذيب الأحكام 1: 104/ 270، وسائل الشيعة 2: 173، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 3.

(5) ذخيرة المعاد: 91/ السطر 30.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص:

167

حول ما يتمسّك به لعدم وجوب الغسل

نعم، هنا روايات ربّما يتمسّك بها لعدم الوجوب «1»، كرواية سعد بن أبي خلف- و لا يبعد أن تكون صحيحة «2» قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

الغسل في أربعة عشر موطناً، واحد فريضة، و الباقي سنّة «3».

و فيه: أنّ المواطن غير مذكورة فيها، و لعلّ الباقي المراد منها الأغسال المندوبة، و إلّا فلا شبهة في وجوب أغسال أُخر. كما لا إشكال في زيادتها عن أربعة عشر.

و لو قيل: باندراج بعضها في بعض، يقال: من المحتمل اندراج الواجبات في غسل الجنابة؛ باعتبار اشتراكها في رفع الحدث الأكبر.

و مع الإغماض عنه لا بدّ من حمل «الفريضة» علىٰ ما ثبت وجوبه بالكتاب، و إلّا فلا ينحصر الواجب في غسل الجنابة بالضرورة، فسبيل هذه الرواية سبيل صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران: أنّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن ثلاثة نفر كانوا في سفر: أحدهم جنب، و الثاني ميّت .. إلىٰ أن قال

لأنّ غسل الجنابة فريضة، و غسل الميّت سنّة «4».

______________________________

(1) انظر التنقيح الرائع 1: 128، الحدائق الناضرة 3: 331.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن أحمد بن محمّد، عن سعد بن أبي خلف. و ليس في السند من يتأمّل فيه إلّا الحسن بن الحسين اللؤلؤي، و قد تقدّم الكلام فيه من المصنّف في الجزء الثاني: 377.

(3) تهذيب الأحكام 1: 110/ 289، وسائل الشيعة 2: 176، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 11.

(4) الفقيه 1: 59/ 222، وسائل الشيعة 3: 375، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 168

و

قريب منها رواية الحسين بن النضر «1»، و غيرها «2»؛ ضرورة وجوب غسل الميّت.

و لو كان المراد من

أربعة عشر موطناً

هو المعدودة في محكي «الخصال» صحيحةً عن عبد اللّٰه بن سِنان «3»، لوجب حملها علىٰ ما ذكر؛ لأنّ فيها غسل الميّت، و هو واجب بلا شبهة.

و منه يظهر الجواب عن مرسلة الصدوق، عن أبي جعفر (عليه السّلام) و صحيحة محمّد بن مسلم، و الظاهر كونهما واحدة كما مرّ «4»، و فيها بعد عدّ جملة من الأغسال، منها غسل المسّ قال

و غسل الجنابة فريضة.

هذا مع عدم المفهوم لها.

و منه يظهر الجواب عن رواية الأعمش، عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام)، و فيها بعد عدّ جملة منها غسل المسّ قال

و أمّا الفرض فغسل الجنابة، و غسل الجنابة و الحيض واحد «5».

مضافاً إلىٰ أنّ من جملة المعدود فيها غسل الميّت، و هو معلوم الوجوب، فلا بدّ من رفع اليد عن مفهومها لو سلّم المفهوم، أو حملها علىٰ ما تقدّم.

و من بعض ما تقدّم يظهر الجواب عن رواية عمرو بن خالد، عن زيد بن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 110/ 287، وسائل الشيعة 3: 376، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 4.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 375، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18.

(3) الخصال: 498/ 5.

(4) تقدّم في الصفحة 161.

(5) الخصال: 603/ 9، وسائل الشيعة 3: 306، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 1، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 169

عليّ، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال

الغسل من سبعة: من الجنابة، و هو واجب، و من غسّل الميّت، و إن تطهّرت أجزأك .. «1»

و ذكر غير ذلك.

فإنّ إثبات الوجوب لغسل

الجنابة، لا يدلّ علىٰ النفي عن غيره. و لو استدلّ له بقوله (عليه السّلام)

و إن تطهّرت ..

إلىٰ آخره، فلم يتّضح معناه؛ لاحتمال كون المراد من «التطهّر» غسل الجنابة، و يريد إجزاءه عن غسل المسّ. و لعلّ التعبير ب «التطهّر» تبعاً للكتاب، حيث قال وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «2».

و حملها الشيخ على التقيّة «3»، و لا بأس به لو أُغمض عمّا ذكرناه.

و أمّا رواية الحسن بن عبيد قال: كتبت إلى الصادق (عليه السّلام): هل اغتسل أمير المؤمنين حين غسّل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عند موته؟ فأجاب

النبيّ طاهر مطهّر، و لكن فعل أمير المؤمنين، و جرت به السنّة «4».

فهي ظاهرة في معروفيّة ثبوت الغسل لمسّ الميّت، و إنّما سأل عن مسّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لخصوصيّة فيه، فأجاب بما أجاب، فيظهر منها أنّ غسل مسّ المعصوم (عليه السّلام) سنّه؛ لكونه طاهراً مطهّراً، و حكمه غير حكم مسّ غيره، فلا بدّ- بعد ثبوته أن يكون واجباً، فتدلّ على المقصود؛ أي وجوبه لمسّ غير الطاهر.

و أمّا رواية «الاحتجاج» «5»، فظاهرة في المسّ حال الحرارة كما لا يخفى.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 464/ 1517، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 8.

(2) المائدة (5): 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 464، ذيل الحديث 1517.

(4) تهذيب الأحكام 1: 469/ 1541، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 7.

(5) الاحتجاج 2: 564/ 355، وسائل الشيعة 3: 296، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 4، و قد تقدّم متنها أيضاً في الصفحة 94.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 170

و تدلّ عليه مكاتبة أُخرى «1»، فراجع.

و أمّا عدّه في عداد المستحبّات «2»، فلا دلالة على استحبابه، كما عُدّ غسل الميّت و الحيض في عدادها.

و أمّا ما دلّ علىٰ حصر النواقض في غيره «3»، فمضافاً إلىٰ أنّ الكلام في وجوبه لا ناقضيّته، أنّ تلك الروايات في مقام الردّ على العامّة الذين عدّوا كثيراً من الأُمور من النواقض، فالحصر إضافي، فراجعها.

فتحصّل ممّا ذكر: أن لا معارض للروايات الدالّة علىٰ وجوبه، فلا إشكال فيه. كما لا إشكال في عدم الغسل لمسّه قبل البرد، كما صرّحت به جملة من الروايات «4»، فيحمل عليها إطلاق غيرها لو كان.

و كذا لا إشكال بعدم شي ء بمسّه بعد الغسل، كما صرّح به في صحيحة ابن مسلم «5»، و عبد اللّٰه بن سِنان «6»، فلا بدّ من حمل موثّقة عمّار، عن أبي

______________________________

(1) الاحتجاج 2: 564/ 355، وسائل الشيعة 3: 296، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 5، و قد تقدّم متنها أيضاً في الصفحة 94.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 304، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 1، الحديث 4 11.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 248، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 2.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 4 و 15 و 18.

(5) عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: مسّ الميّت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس بها بأس.

تهذيب الأحكام 1: 430/ 1370، وسائل الشيعة 3: 295، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 1.

(6) تهذيب الأحكام 1: 430/ 1372، وسائل الشيعة 3: 295، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3،

ص: 171

عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يغتسل الذي غسّل الميّت، و كلّ من مسّ ميّتاً فعليه الغسل و إن كان الميّت قد غسّل «1»

على الاستحباب، أو غير ذلك.

هذا إذا لم يجز جعل اسم

كان

ضميراً راجعاً إلىٰ

من مسّ

و جعل الجملة التي بعدها خبرها؛ بدعوىٰ عدم جواز جعل معمول الخبر تلو العامل «2»، و إلّا فتسقط عن الدلالة على الخلاف. فلا دليل على استحبابه إلّا إشعار بعض الروايات، كصحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها قال: فمن أدخله القبر؟ قال

لا، إنّما مسّ الثياب «3».

و نحوها صحيحة حَريز «4»، فهما مشعرتان أو ظاهرتان في أنّه إذا مسّ جسده فعليه الغسل، فلا بدّ من حملهما على الاستحباب جمعاً، و الأمر سهل.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 171

ناقضيّة مسّ الميّت للطهارة

ثمّ الظاهر أنّ المسّ من الأحداث الموجبة لنقض الطهارة، كما عن «النهاية»، و «الدروس»، و «الذكرى»، و «الألفية» «5».

و عن «شرح المفاتيح»: «أنّ المشهور المعروف بين الفقهاء أنّ مسّ الميّت

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 430/ 1373، وسائل الشيعة 3: 295، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 3.

(2) أوضح المسالك 1: 248، البهجة المرضية 1: 102.

(3) الفقيه 1: 98/ 451، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 10.

(4) الكافي 3: 160/ 1، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 14.

(5) النهاية: 18، الدروس الشرعيّة 1: 88، ذكرى الشيعة 1: 217، الألفية و النفلية: 42.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 172

من الناس حدث أكبر، كالجنابة و الحيض» «1». و عن «الحدائق» دعوى عدم الخلاف بينهم «2».

لا لمجرّد أنّ الأمر بالغُسل عند مسّه، ظاهر في أنّه مثل الجنابة من الأحداث المقتضية للطهارة؛ لأنّ الظاهر منه أنّ الغسل رافع لما يحدث بالمسّ، لكن لا يجدي ذلك في إثبات أنّ ما يحدث به حدث مانع للصلاة. و قياسه علىٰ سائر الأحداث كما ترى.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الظاهر من ترتّب وجوب الغُسل على المسّ، أنّه دخيل في ذلك، و المتفاهم منه عرفاً أنّ المسّ موجب لحدوث حالة معنوية للماسّ لا ترتفع إلّا بالغسل، و أمّا كون تلك الحالة مانعة عن الصلاة، أو أنّ الغسل منه شرط لها فلا، إلّا بالقياس على الجنابة و غيرها.

بل لدلالة جملة من الروايات كمكاتبتي الحسن بن عبيد و الصيقل قال: كتبت إلى الصادق (عليه السّلام): هل اغتسل أمير المؤمنين حين غسّل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عند موته، فأجابه

النبيّ طاهر مطهّر، و لكن فعل أمير المؤمنين، و جرت به السنّة «3».

حيث إنّ الظاهر منهما أنّ مسّ غير الطاهر المطهّر من حدث الموت، موجب للغسل، و الظاهر منه أنّ إيجابه له إنّما هو بنحو من السراية، كما أنّ الظاهر من أدلّة غسل ملاقي النجاسات ذلك، فالمفهوم منهما أنّ مسّ الأموات موجب لحصول حالة شبيهة بما في الأموات؛ أي القذارة المعنوية المقابلة للطهارة، و ترتفع بالغسل و تتطهّر به.

______________________________

(1) مصابيح الظلام 1: 345/ السطر 13 (مخطوط).

(2) الحدائق الناضرة 3: 339.

(3) تهذيب الأحكام 1: 469/ 1541، الإستبصار 1: 99/ 323، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 7.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 173

فإذا ضمّ ذلك إلىٰ قوله (عليه السّلام)

لا صلاة إلّا بطهور «1»

، يتمّ المطلوب. و يؤيّده- بل يدلّ عليه ما دلّ علىٰ أنّ غسل الأموات غسل الجنابة «2».

و كحسنة «3» الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام) قال

إنّما أُمر من يغسّل الميّت بالغسل لعلّة الطهارة ممّا أصابه من نضح الميّت .. «4»

إلىٰ آخره.

و قريب منها رواية محمّد بن سِنان، عنه (عليه السّلام). لكن في ذيلها

لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته، فلذلك يتطهّر منه و يطهّر «5».

و هما كالصريح في أنّ المسّ موجب للقذارة و الحدث المقابلين للطهارة، و هي تحصل بالغُسل، و لمّا كان بصدد بيان علّة الاغتسال فلا بدّ من حمل

ما أصابه

علىٰ قذارة معنوية مقابلة للطهور الحاصل بالغُسل بالضمّ.

و أصرح من ذلك ذيل الثانية؛ أي

يتطهّر منه و يطهّر

إذ معلوم أنّ المراد التطهير من الحدث، كتطهير الميّت منه.

بل يمكن الاستشهاد لذلك بالقول المحكي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رواية زيد بن عليّ (عليه السّلام) قال

الغسل من سبعة: من الجنابة، و هو واجب، و من غسل الميّت، و إن تطهّرت أجزأك «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 486، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 3.

(3) راجع ما تقدّم في الصفحة 98، الهامش 1.

(4) تقدّمت في الصفحة 165.

(5) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 89/ 1، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 12.

(6) تهذيب الأحكام 1: 464/ 1517، وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل

المسّ، الباب 1، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 174

بناءً علىٰ أنّ المراد التطهير من الجنابة، كما احتملناه «1»، أو التطهير من مسّ الميّت، كما احتمله الحرّ في «الوسائل» «2». و كيف كان: لا إشكال في كونه حدثاً مانعاً من الصلاة و غيرها ممّا هو مشروط بالطهارة.

و هل هو ناقض للوضوء، فلو كان علىٰ وضوء و مسّه، يجب عليه الغسل و الوضوء إن قلنا بعدم كفاية الأوّل عن الثاني كما هو الحقّ؟ وجهان:

لا يبعد أقربيّة الأوّل، و يمكن الاستدلال عليه برواية ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان أو غيره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة «3».

و في مرسلته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال

كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة «4».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر أنّ الحكم فعلي؛ و أنّ كلّ غسل يجب قبله أو بعده وضوء، و مقتضى الإطلاق لزومه و لو مع كونه علىٰ وضوء قبل تحقّق السبب، لا حيثي يراد به أنّ غير غسل الجنابة لا يجزي عن الوضوء، حتّى يقال: لإيراد لزوم الوضوء حتّى مع الفرض، فتدلّ علىٰ سببيّة ما يوجب الغسل للوضوء أيضاً، و عدم إجزاء الغسل عنه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 169.

(2) وسائل الشيعة 3: 291، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، ذيل الحديث 8.

(3) تهذيب الأحكام 1: 143/ 403، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 35، الحديث 2.

(4) الكافي 3: 45/ 13، تهذيب الأحكام 1: 139/ 391، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 35، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 175

نعم، علىٰ ما احتملناه سابقاً من

أنّ المراد اشتراط تحقّق الغسل بالوضوء «1»، تكون أجنبية عن المقام. لكن لا يبعد دعوى كون ذلك الاحتمال خلاف الظاهر، و لهذا لم أجد احتماله في كلماتهم.

و كيف كان لو لم يكن الناقضيّة أقوى فهي أحوط.

بدليّة التيمّم عن الغسل بالنسبة للميّت في جميع الآثار

و هل يلحق المتيمّم بالمغتسل مطلقاً في رفع حدثه و خبثه، أو لا مطلقاً، أو يلحق في رفع الأوّل؟ وجوه:

أقواها الأوّل، لا لما قد يقال: «إنّه مقتضىٰ عموم أدلّة البدلية» «2»؛ لعدم الدليل علىٰ عمومها حتّى في الخليطين:

أمّا دليل تنزيل التراب منزلة الماء فظاهر.

و أمّا مثل قوله (عليه السّلام)

إنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً «3»

؛ فلأنّ تلك الروايات ناظرة إلى الآية الكريمة «4» التي أفادت بدليته عن الماء في الوضوء و غسل الجنابة، و ليست مطلقة خرجت منها الطهارة من الأخباث في جميع الموارد إلّا ما ندر، كما لا يخفى، فسبيل تلك الطائفة سبيل دليل التنزيل.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 268 271.

(2) كشف اللثام 2: 245، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 292/ السطر 4، مصباح الفقيه، الطهارة: 385/ السطر 6.

(3) الفقيه 1: 60/ 223، وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 1.

(4) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 176

و لا لما يقال: «إنّه حيث علم أنّ غسله ليس إلّا غسل الجنابة، و أنّه يغسّل الميّت لصيرورته جنباً، فيكون الحال حينئذٍ بمنزلة ما لو بيّن الشارع للجنابة سبباً آخر غير السببين المعهودين، فلا يشكّ حينئذٍ في قيام التيمّم مقام غسلها حال الضرورة؛ بمقتضىٰ عموم ما دلّ علىٰ أنّه أحد الطهورين، فيعلم أنّ التعدّد و تشريك غير الماء معه في طهوريته لخصوصية المورد، فاعتبار ذلك لا يمنع من شمول أدلّة

البدلية. خصوصاً مع أنّ السبب الأعظم الذي يستند إلى الطهورية إنّما هو الماء، و خصوصياته المعتبرة ككونه بماء السدر و الكافور بمنزلة الأوصاف غير المقوّمة» «1».

و ذلك لأنّه بعد الاعتراف بأنّ الخليط دخيل في الرفع، و ليس الماء القُراح تمام السبب في ذلك، لا بدّ من التماس دليل علىٰ قيام التراب منزلة الماء المخلوط الذي يكون الخلط جزء سبب الرفع. و مجرّد كون الماء السبب الأعظم علىٰ فرض تسليمه لا يفيد في قيام التيمّم مقامه.

و كون غسله غسل الجنابة علىٰ فرض تسليم كون تلك الجنابة كسائر الجنابات، و الغضِّ عمّا في النصوص من خروج النطفة التي خلق منها من فمه أو غيره «2»، الدالّ علىٰ أنّ هذه من غير سنخ سائر الجنابات لا يفيد أيضاً بعد كون السبب الرافع و لو لخصوصية المورد غير الماء القراح، بل الأغسال الثلاثة بالمقرّرات الخاصّة، و معه لا بدّ من دلالة دليل علىٰ قيام التراب منزلة السبب، و هو مفقود.

بل للأدلّة الخاصّة الدالّة علىٰ وجوب تيمّم الميّت مع فقد الماء،

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 385/ السطر 9.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 486، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 177

كصحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران: أنّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن ثلاثة نفر كانوا في سفر: أحدهم جنب، و الثاني ميّت، و الثالث علىٰ غير وضوء، و حضرت الصلاة، و معهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء، و كيف يصنعون؟ قال

يغتسل الجنب، و يدفن الميّت بتيمّم، و يتيمّم الذي هو علىٰ غير وضوء؛ لأنّ غسل الجنابة فريضة، و غسل الميّت سنّة، و التيمّم

للآخر جائز «1».

و في نسخة من «الوسائل» الموجودة لديّ نقلها بهذا المتن عن الشيخ، بسنده عن عبد الرحمن، عمّن حدّثه، عن الرضا (عليه السّلام) لكن عن «المدارك» نقل الصحيحة مع سقوط لفظ

بتيمّم «2».

و أورد عليه صاحب «الحدائق»: «بأنّ الصحيحة بسند الصدوق مشتملة عليه. نعم لم تشتمل عليه رواية الشيخ «3»، و هي غير صحيحة».

ثمّ قال: «إنّ صاحب «الوافي» «4» و «الوسائل» قد نقلا هذه الرواية من «التهذيب» بهذا المتن الذي ذكره؛ أي مع سقوطه ثمّ نقلاها عن «الفقيه» و أحالا المتن علىٰ ما نقلاه عن «التهذيب» و لم ينبّها على الزيادة».

ثمّ قال: «إنّي قد تتبّعت نسخاً عديدة مضبوطة من «الفقيه» فوجدت الرواية فيها كما ذكرته من الزيادة» «5» انتهىٰ.

______________________________

(1) الفقيه 1: 59/ 222، وسائل الشيعة 3: 375، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 1.

(2) مدارك الأحكام 2: 85.

(3) تهذيب الأحكام 1: 109/ 285.

(4) الوافي 6: 569/ 32.

(5) الحدائق الناضرة 3: 473 474.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 178

لكن في نسخة «الوسائل» عكس ما قال في «الحدائق» فإنّه نقل صحيحة ابن أبي نجران من «الفقيه» مع الزيادة، ثمّ نقل عن «التهذيب» و أحال المتن علىٰ ما نقل عن «الفقيه» «1».

و كيف كان: هذه الصحيحة المشتملة على الزيادة، حجّة قاطعة علىٰ وجوب تيمّمه مع فقد الماء.

و تدلّ علىٰ وجوبه عند العذر رواية عمرو بن خالد، عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال

إنّ قوماً أتوا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالوا: يا رسول اللّٰه، مات صاحب لنا و هو مجدور، فإن غسّلناه انسلخ، فقال: يمّموه «2».

و قد يقال بجبر سندها بفتوى الأصحاب بمضمونها،

و ذكره في المتون «3».

وجه الدلالة على المقصود: أنّ المتفاهم منهما بعد مسبوقيّة ذهن المتشرّعة بقيام التيمّم مقام الغسل في الجنابة و غيرها أنّ الأمر بالتيمّم عند فقد الماء و التعذّر؛ لأجل حصول ما يحصل بالغسل به في هذا الحال، و لا يكون التيمّم أجنبياً غير مؤثّر في تطهير الميّت؛ لمقطوعية خلافه، و مخالفته لارتكاز المتشرّعة، فالمفهوم منهما أنّه يقوم مقام الغسل في جميع الآثار و منها رفع الخبث؛ فإنّ الرافع له مع نجاسته العينية ليس الغَسل بالفتح بل الغُسل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 375، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 333/ 977، وسائل الشيعة 2: 513، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 16، الحديث 3.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 385/ السطر 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 179

و بالجملة: إنّ أدلّة البدلية كتاباً و سنّة، صارت موجبة لاستظهار ما ذكرناه من الدليل الخاصّ لو فرض قصوره؛ و إن لم تكن بنفسها دالّة عليه، فالأقوىٰ قيامه مقامه في رفع الخبث أيضاً. نعم، رفعه لهما في موضوع خاصّ، أو إلىٰ أمد خاصّ، كما مرّ في باب التيمّم «1».

قيام الأغسال الاضطراريّة للميّت مقام الغسل الاختياري في جميع الآثار

و من هنا يظهر حال الأغسال الاضطرارية؛ سواء كان مستندها الأدلّة الخاصّة، كغسل المحرم بلا كافور، أو كون الغاسل كافراً أو مخالفاً، أو مستندها أدلّة التقيّة، كالغسل علىٰ طبق أهل الخلاف تقيّةً، أو دليل الميسور، أو إطلاق أدلّة الغسل مع قصور دليل اعتبار الشرط و القيد مثلًا: أمّا الأخير فواضح.

و أمّا ما عداه، فلظهور الأدلّة الخاصّة و العامّة في أنّ الطبيعة المأتي بها حينئذٍ، ليست أمراً أجنبياً عن تحصيل ما يترقّب من الغسل من رفع الحدث و الخبث، بل المتفاهم منها

أنّ الغسل الذي أوجبه اللّٰه تعالىٰ لتطهير الميّت حدثاً و خبثاً، و لملاقاته لملائكة اللّٰه طاهراً نظيفاً هو المصداق الاضطراري لدى الاضطرار، و أنّه موجب لتطهّره، فهل يمكن أن يقال: إنّ المحرم المحروم من الكافور باقٍ علىٰ جنابته و نجاسته، و يكون الأمر بغسله لا للتطهير منهما، بل لمطلوبية نفسية بلا ترتّب أثر عليه؟! و لا أظنّ التزام مثل الشيخ الأعظم المستشكل في المسألة بذلك فيه «2». و كذا فيما إذا كان الغاسل كافراً، فإنّ الظاهر من الأدلّة أنّه يأتي بالغسل الذي يترتّب عليه الآثار المطلوبة.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الثاني: 220.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 291/ السطر 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 180

بل الأمر كذلك لو كان الدليل المثبت قاعدة الميسور؛ لأنّ الأرجح في معنىٰ قوله (عليه السّلام)

الميسور لا يسقط بالمعسور «1»

أنّ ميسور الطبيعة لا يسقط بمعسورها؛ بمعنى أنّ الطبيعة المأمور بها التي يكون لها فردان اختياري و اضطراري لا تسقط عن العهدة بمعسورية الاختياري، بل يؤتىٰ بها بمصداقها الميسور، فالطبيعة المأتي بها حال الاضطرار عين المأتي بها حال الاختيار، و الاختلاف في الخصوصيات الفردية، فيترتّب عليها ما يترتّب على الاختياري منها.

و قد فرغنا في رسالة التقيّة عن أنّ المأتي به حالها مجزٍ عن الواقع، و يترتّب عليه ما يترتّب على الفرد المأتي به في غير حالها «2».

فما أفاده شيخنا الأعظم: «من انصراف الغسل في الأخبار إلى الغسل الاختياري التامّ، و لا دليل علىٰ قيام الاضطراري مقام الاختياري في جميع الأحكام» «3»، غير متّجه.

حكم من لا يجب تغسيله بعد الموت

و أمّا من لا يجب تغسيله:

إمّا لتقديم غسله علىٰ موته كالمرجوم، أو لكونه شهيداً لا يغسّل كرامةً، أو لكونه كافراً لا يغسّل إهانةً، و لقصور المحلّ عن

التأثر.

فالأظهر عدم إيجاب الموت في الأوّلين الجنابة و النجاسة؛ لظهور دليل أوّلهما في أنّ غسله المعهود صار مقدّماً.

______________________________

(1) عوالي اللآلي 4: 58/ 205.

(2) التقيّة، ضمن الرسائل العشرة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 89.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 319/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 181

و لا يتوهّم عدم معقولية تأثير السبب المتقدّم في رفع أثر السبب المتأخّر زماناً؛ لأنّه بعد ظهور الدليل في أنّ غسله غسل الميّت قدّم علىٰ موته، نلتزم بمانعيته عن تأثير السبب أي الموت في الحدث و الخبث.

و بالجملة: الظاهر من دليل تقديم الغسل، أنّ الأثر المترتّب على الغسل المتأخّر مترتّب عليه و إن كان نحو التأثير مختلفاً؛ لكون المتأخّر رافعاً، و هو دافع.

و احتمال أنّ وجوب الغسل المتقدّم بملاك آخر غير ملاك سائر الأغسال، و أنّ المرجوم لا بدّ و أن يدفن جنباً و نجساً، في غاية السقوط.

و أمّا الشهيد، فلا شبهة في أنّ سقوط غسله إنّما هو لكرامة فيه؛ و أنّه لعلوّ قدره لا يصير جنباً، و لا نجساً، و معه لا يجب علىٰ من مسّه غَسل و لا غُسل.

أمّا بالفتح فواضح.

و أمّا بالضمّ؛ فلظهور الأدلّة في أنّ الموجب له مسّ غير المطهّر. فلا إشكال في المسألة و إن قال الشيخ الأعظم: «إنّ المسألة لا تخلو من إشكال» «1».

و أمّا الثالث، فيجب الغسل بمسّه؛ لإطلاق مثل صحيحة عاصم بن حُمَيْد قال: سألته عن الميّت إذا مسّه إنسان، أ فيه غسل؟ قال فقال

إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل «2».

بل الظاهر من سائر الأخبار أنّ الموجب للغسل هو المسّ؛ و أنّ الغسل غاية لرفع الحكم، لا قيد في الموضوع، فظاهر مثل قوله (عليه السّلام)

إذا أصاب يدك جسد الميّت

قبل أن يغسّل، فقد يجب عليك الغسل «3»

، أنّ مسّ جسده موجب

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 319/ السطر 13.

(2) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1365، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 3.

(3) تقدّم في الصفحة 166.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 182

لذلك، و الغسل غاية لرفع الحكم، لا أنّ مسّ جسد من يجب غسله أو من يغسّل موجب له. و تدلّ عليه رواية «العلل» «1»، و غيرها «2».

بل ربّما يتمسّك له «3» بمثل صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام): في رجل مسّ ميتة، أ عليه الغسل؟ قال

لا، إنّما ذلك من الإنسان «4».

و فيه كلام و إشكال.

عدم الفرق في الماسّ و الممسوس بين ما تحلّه الحياة و غيره إلّا في الشعر

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق بعض الروايات كصحيحتي عليّ بن جعفر «5»، و محمّد ابن مسلم «6» و غيرهما عدم الفرق في الماسّ و الممسوس بين ما تحلّه الحياة و غيره.

نعم، لا يبعد الانصراف أو عدم الصدق في الشعر، سيّما المسترسل منه. و علىٰ فرض الإطلاق يمكن القول بالتفصيل في الممسوس بينه و بين غيره؛ لصحيحة عاصم بن حميد المتقدّمة آنفاً؛ فإنّ الظاهر من ذكر الجسد سيّما بعد فرض الراوي مسّ الميّت أنّ له دخالة في الحكم، و هو (عليه السّلام) ذو عناية بذكره، و الظاهر عدم صدقه على الشعر. بل لا يبعد مساوقته للبشرة.

نعم، لا شبهة في صدقه علىٰ مثل الظفر و العظم و السنّ.

______________________________

(1) تقدمت في الصفحة 165.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 289، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 320/ السطر 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 430/ 1374، وسائل الشيعة 3: 299، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 6، الحديث 1.

(5) تقدّمت في

الصفحة 165.

(6) تقدّمت في الصفحة 161.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 183

و أمّا مكاتبة الصفّار الصحيحة قال: كتبت إليه: رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقّع (عليه السّلام)

إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل، فقد يجب عليك الغسل «1».

ففي دلالتها تأمّل ناشئ من احتمال كون

الغسل

بالفتح بمناسبة السؤال، و إن كان المظنون ضمّه، و من احتمال كون ذكر الجسد في مقابل الثوب المذكور في السؤال.

و يمكن التمسّك للتفصيل بين الشعر و غيره بمكاتبة الحسن بن عبيد المتقدّمة «2»، فإنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام)

النبيّ طاهر مطهّر

، أنّ علّة الغسل من المسّ نحو سراية من الممسوس إلى الماسّ، و المناسبة تقتضي أن تكون السراية في الخبثية نحوَها، و في الحدثية نحوَها، فإن قلنا: بأنّ الشعر كما أنّه لا ينجس لا يصير معروضاً للحدث، و لا يجب غسله في غسل الجنابة و لا غسل الميّت، تدلّ الرواية علىٰ عدم لزوم الغسل بمسّه؛ لعدم السراية منه. و منه يظهر دلالة رواية «العلل» و «العيون» «3» و محمّد بن سِنان عن الرضا (عليه السّلام) «4» عليه.

نعم، إن قلنا بوجوب غسل الشعر في الجنابة و غسل الميّت كما لا يبعد فلا تكون الروايات شاهدة على التفصيل.

و كيف كان: الأقوى التفصيل في الممسوس، كما لا يبعد في الماسّ أيضاً؛ لقوّة دعوى الانصراف، أو عدم الصدق.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 166.

(2) تقدّمت في الصفحة 169.

(3) تقدّمت في الصفحة 165 166.

(4) تقدّمت في الصفحة 173.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 184

و أمّا التفصيل بين ما تحلّه الحياة و غيره؛ تشبّثاً بحسنة

«1» الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام) قال

إنّما لم يجب الغسل علىٰ من مسّ شيئاً من الأموات غير الإنسان كالطيور و البهائم و السباع و غير ذلك لأنّ هذه الأشياء كلّها ملبّسة ريشاً و صوفاً و شعراً و وبراً، و هذا كلّه ذكيّ لا يموت، و إنّما يماسّ منه الشي ء الذي هو ذكيّ من الحيّ و الميّت «2».

ففي غاية الإشكال، بل غير وجيه و إن ذهب إليه الشيخ الأعظم «3»؛ فإنّ ما ذكر إن كان علّة للتفصيل بين ما تحلّه الحياة و غيره، لا بين الإنسان و غيره، فلا إشكال في مخالفتها للإجماع، بل الضرورة.

و إن كان نكتة للتشريع بمعنى أنّ الأغلب لمّا كان الملاقاة لغير الإنسان بما ذكر صار ذلك علّة لجعل عدم البأس لملاقاته مطلقاً، أو لعدم جعل الحكم له كذلك مسّ البشرة أو غيرها، يكون مقتضى المقابلة أنّ مسّ ميّت الإنسان مطلقاً موجب له.

و إن كانت نكتة التشريع غلبة المباشرة مع البشرة، فتكون شاهدة علىٰ خلاف المقصود. و لا أقلّ من عدم الدلالة على التفصيل.

و بالجملة: كيف يمكن الاستدلال للتفصيل بما يكون محلّ التفصيل منه غير مراد جزماً، فما أفاده شيخنا الأعظم في وجه التمسّك غير وجيه. و التفصيل بين ما تحلّه و غيره في الممسوس ضعيف، فضلًا عن الماسّ و إن فصّل الشهيد في «الروض» بينهما في الماسّ و الممسوس «4».

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 98، الهامش 1.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 114/ 1، علل الشرائع: 268/ 9، وسائل الشيعة 3: 300، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 6، الحديث 5.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 320/ السطر 4.

(4) روض الجنان: 115/ السطر 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 3، ص: 185

فروع
الفرع الأوّل: في حكم مسّ القطعة المبانة من الميّت و الحيّ
اشارة

مقتضى الأصل: أنّ مسّ القطعة المبانة من الميّت موجب للغسل؛ سواء كانت مشتملة على العظم، أو لا، أو عظماً مجرّداً؛ حتّى السنّ و الظفر، فكلّ ما يوجب مسّه الغسل حال الاتصال يوجبه حال الانفصال؛ لاستصحاب الحكم التعليقي، و قد فرغنا عن جريانه إذا كان التعليق شرعياً «1»، كما في المقام.

و قد يتوهّم عدم جريانه «لأنّه فرع إحراز الموضوع، و القدر المتيقّن الذي علم ثبوته عند اتصال العضو بالميّت، إنّما هو وجوب الغسل بمسّ الميّت المتحقّق بمسّ عضوه، و هو مفروض الانتفاء عند الانفصال. و سببيّة العضو من حيث هو لم يعلم في السابق حتّى يستصحب» «2».

و فيه: أنّ موضوع الاستصحاب ليس عين الدليل الاجتهادي حتّى يشكّ فيه مع الشكّ في الثاني، و يعلم انتفاؤه مع العلم بانتفائه؛ ضرورة أنّ موضوع الأدلّة الاجتهادية هو العناوين الأوّلية، مثل «الميّت» و «العنب» و «العالم» و غيرها.

و أمّا الاستصحاب فجريانه يتوقّف علىٰ صدق نقض اليقين بالشكّ، و وحدة القضية المتيقّنة و المشكوك فيها.

فإذا أُشير إلىٰ موضوع خارجي كالعنب و يقال: «إنّ هذا الموجود إذا غلىٰ عصيره يحرم» ثمّ يبس و خرج عن عنوان العنبية، لكن بقيت هذيته و تشخّصه عرفاً بحيث يقال: «إنّ هذا الموجود عين الموجود سابقاً و إن تغيّر صفةً»

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 134 135.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 537/ السطر 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 186

فلا شبهة في جريان الاستصحاب فيه مع العلم بتبدّل موضوع الدليل الاجتهادي، كما في المثال؛ لأنّ موضوعه عصير العنب، و هو لا يصدق على الزبيب جزماً، لكن العنب الخارجي متيقّن الحكم بهذيته، لا بمعنى تعلّق الحكم علىٰ عنوان

«هذيته» بل بمعنى تعلّق اليقين بأنّ هذا الموجود الذي هو مصداق العنوان ذو حكم؛ بتشكيل صغرى وجدانية و كبرى اجتهادية.

ففي المقام يصحّ أن يقال مشيراً إلىٰ كفّ الميّت المتصلة به: «إذا مسست هذه يجب عليّ الغسل» فإذا قطعت منه و انفصلت لا تتغيّر إلّا في بعض الحالات، فالقضية المتيقّنة عين المشكوك فيها، و هو الميزان في جريان الاستصحاب، و أمّا تغيير موضوع الدليل الاجتهادي فأجنبي عن جريانه و لا جريانه. و هذا الخلط يسدّ باب جريانه في كثير من الموارد.

و العجب من قوله أخيراً: «إنّ سببية مسّ يده من حيث هو لم تعلم في السابق حتّى تستصحب» «1» لأنّه إذا علم سببيته من حيث هو بلا دخالة شي ء آخر، فيتمسّك بإطلاق الدليل لا الاستصحاب، إلّا مع دعوى قصور الأدلّة عن إثبات الحكم حال الانفصال و لو في الفرض.

ثمّ إنّه لا فرق في اقتضاء الاستصحاب ذلك بين القطعات، كما أشرنا إليه «2». هذا حال الجزء المبان من الميّت.

و أمّا المبان من الحيّ، فمقتضى الاستصحاب عدم إيجابه شيئاً إن قلنا بجريانه في مثل المقام، و إلّا فمقتضى البراءة ذلك. و الخروج في المسألتين عن مقتضى الأصل يحتاج إلى الدليل.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 538/ السطر 1.

(2) تقدّمت في الصفحة 185.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 187

و أمّا الأدلّة الاجتهادية، فما اشتملت علىٰ مسّ الميّت أو مسّ جسده، فلا إشكال في عدم شمولها لمسّ القطعة المنفصلة؛ لعدم صدق «الميّت» و لا «جسده» عليها عرفاً؛ سواء انفصلت من حيّ أو ميّت.

و دعوىٰ إلغاء الخصوصية عرفاً؛ إذ لم يفرّق العرف بين حال الاتصال و الانفصال، فاسدة جدّاً في مثل هذا الحكم التعبّدي المجهول العلّة.

كما أنّ التمسّك بالتعليل

الوارد في رواية «العلل» و غيرها؛ بدعوىٰ أنّ العلّة لوجوب الغسل إذا كانت إصابة نضح الميّت و آفاته، فهي متحقّقة مع الانفصال من الميّت، في غير محلّه؛ لأنّ العلّة فيها غير حقيقية، و لا يكون الحكم دائراً مدارها، و إلّا لزم الالتزام بعدم الوجوب إذا فرض العلم بنظافة الميّت، و عدمِ آفات صورية فيه، و هو كما ترى فتلك العلل ليست معمّمة و لا مخصّصة.

مع أنّ المراد فيها ليس النضح الظاهري، و لا الآفات الظاهرية؛ فإنّها ترتفع بتنظيف اليد المماسّة و تطهيرها، لا بالغسل الذي هو أمر تعبّدي، كما لا يخفى.

و قد يستدلّ «1» لإثبات الحكم للقطعة المنفصلة من الميّت [و الحيّ] بإطلاق مرسلة أيّوب بن نوح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا مقطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم، فقد وجب علىٰ من يمسّه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه «2».

و لا شبهة في جبرها باتكال الأصحاب عليها قديماً و حديثاً «3»؛ ضرورة أنّ

______________________________

(1) راجع تذكرة الفقهاء 2: 135، الحدائق الناضرة 3: 426.

(2) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1369، وسائل الشيعة 3: 294، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 2، الحديث 1.

(3) راجع تذكرة الفقهاء 2: 135، مستند الشيعة 3: 66، جواهر الكلام 5: 340.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 188

الفتوىٰ بمثل هذا الحكم التعبّدي الذي هو مضمون المرسلة لا يمكن إلّا بالاتكال عليها؛ فإنّ ما في «الفقه الرضوي» «1» مخصوص بالميّت، فلم يكن مستند الحكم في الحيّ، فالخدشة فيها من جهة القطع «2» في غير محلّها.

كما أنّ إطلاقها غير بعيد، سيّما إذا قلنا: بأنّ

الرجل

بكسر

الراء و سكون المعجمة، كما لا يبعد، و لا يكون قوله (عليه السّلام)

فهي ميتة

موجباً لصرفها إلى الحيّ؛ فإنّ المراد بقوله ذلك تنزيل القطعة منزلة الميتة، و إلّا فليس صدق الميتة على العضو حقيقياً.

و كيف كان: لا يبعد الإطلاق. بل لو شكّ في الانصراف بعد شمول اللفظ، و صدق الطبيعة عليهما يشكل رفع اليد عنه بمجرّده؛ لأنّه شكّ في انصراف الكلام عن ظاهره اللغوي. إلّا أن يقال: بأنّ إحراز عدم الانصراف من مقدّمات الأخذ بالإطلاق و هو ممنوع.

و أمّا ما قيل: «من أنّ الرواية و إن انصرفت إلى الحيّ، لكن يلحق به الميّت بالأولوية القطعية» «3».

ففيه: أنّ ذلك موجّه في إيجاب الغسل في مسّ القطعة المشتملة على العظم، لا في عدم إيجاب مسّ القطعة المجرّدة، ففائدة القول بالإطلاق تظهر في ذلك الذي هو مخالف للاستصحاب.

______________________________

(1) في فقه الرضا (عليه السّلام): و إن مسست شيئاً من جسد أكيله السبع فعليك الغسل، إن كان فيما مسست عظم، و ما لم يكن فيه عظم فلا غسل عليك في مسّه.

الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 174، مستدرك الوسائل 2: 492، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 2، الحديث 1.

(2) المعتبر 1: 352.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 537/ السطر 11، مستمسك العروة الوثقى 3: 473.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 189

لكن لو قلنا بانصرافها إلى الحيّ و قد عرفت عدم الأولوية في الفقرة الثانية يلزم منه أن لا تكون مستند المشهور تلك الرواية، فإمّا أن يكون مستندهم «الفقه الرضوي» و هو بعيد، أو يكون الشهرة أو الإجماع المدّعىٰ في «الخلاف» بلا استناد إلى رواية، و هي أيضاً حجّة قاطعة في مثل تلك المسألة المخالفة للقواعد و البعيدة

عن العقول.

نعم، يحتمل في عبارة الخلاف أن يكون قوله: «و كان فيها عظم» راجعاً إلىٰ ما قطعت من الحيّ، حيث قال: «إن مسّ قطعة من ميّت أو قطعة قطعت من حيّ، و كان فيها عظم، وجب عليه الغسل. و خالف جميع الفقهاء في ذلك» «1»، فتكون القطعة المبانة من الميّت مطلقاً مورد دعوى الإجماع. لكن عبارته في «النهاية» صريحة في أنّ القطعة المبانة من الميّت أيضاً مقيّدة باشتمالها على العظم «2»، و منها يرفع الاحتمال من عبارة «الخلاف» بإرجاع القيد إلىٰ كليهما، كما فهم الأصحاب، و لم أجد في كلماتهم احتمال الرجوع إلى الأخير.

فتحصّل ممّا ذكر: قوّة التفصيل بين المشتمل على العظم و بين غيره في الحيّ و الميّت، كما هو معقد إجماع «الخلاف» علىٰ ما استظهرناه.

و في «التذكرة» نسب الخلاف إلى الجمهور، مع التنصيص باشتمال القطعة على العظم من آدمي حيّ أو ميّت، و تمسّك بالمرسلة ناسباً بنحو الجزم إلى الصادق (عليه السّلام) «3»، و هو دليل علىٰ جبرها عنده، بل ثبوت الصدور لديه.

و «هو المشهور» كما عن «جامع المقاصد» «4». و في «الحدائق»

______________________________

(1) الخلاف 1: 701.

(2) النهاية: 53.

(3) تذكرة الفقهاء 2: 135.

(4) جامع المقاصد 1: 459.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 190

كذلك «1». و في «التذكرة»: «عن الأكثر» «2». و في «روض الجنان»: «هو الأشهر» «3». و في «الجواهر»: «على المشهور بين الأصحاب قديماً و حديثاً، بل لا أجد خلافاً إلّا من الإسكافي، فقيّده في المبان من الحيّ بما بينه و بين سنة «4»، و إلّا من المصنّف في «المعتبر» «5»، و السيّد في «المدارك» «6» فلم يوجباه» «7» انتهىٰ.

و في طهارة شيخنا الأعظم دعوى معروفيته ممّن عدا

المحقّق في «المعتبر» تارة، و مشهوريته و مخالفته للجمهور اخرىٰ «8».

عدم وجوب الغسل بمسّ العظم المبان من الحيّ دون الميّت

ثمّ إنّ الظاهر من الرواية وجوب الغسل بمسّ القطعة المشتملة على العظم، و أمّا مسّ عظم تلك القطعة فهي قاصرة عن إثبات وجوبه به؛ فإنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام)

فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب علىٰ من يمسّه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه «9»

رجوع ضمير

يمسّه

إلى الموصول، فيصير المعنىٰ: إذا مسّ ما كان فيه عظم، و الظاهر منه اللحم الذي فيه عظم.

و يؤكّده قوله (عليه السّلام)

فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه

لأنّ الظاهر أنّ

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 341.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 134 135.

(3) روض الجنان: 113/ السطر 23.

(4) انظر مختلف الشيعة 1: 151.

(5) المعتبر 1: 352 353.

(6) مدارك الأحكام 2: 280.

(7) جواهر الكلام 5: 340.

(8) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 320/ السطر 25.

(9) تقدّم في الصفحة 187.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 191

الموضوع في كليهما مسّ ما كان مشتملًا عليه. و الحمل على اشتمال الكلّ على الجزء خلاف الظاهر جدّاً.

بل لا يبعد أن يكون ذلك ظاهر كلمات الفقهاء، كالشيخ و العلّامة «1» و غيرهما؛ فإنّهم عبّروا بمثل الرواية أو قريباً منها، فمسّ العظم من القطعة المبانة من الحيّ لا يوجب شيئاً على الأقرب، فضلًا عن العظم المجرّد منه.

نعم، العظم المبان من الميّت يوجبه؛ مجرّداً كان أو لا؛ لما تقدّم من الأصل «2»، و لإشعار ما دلّت علىٰ أنّ العظام يجب غسلها «3»؛ بعد ما يظهر من الروايات أنّ غسل المسّ لنحو من السراية «4».

و لا فرق بين الضرس و الظفر و غيرهما. و دعوى السيرة القطعية علىٰ عدم الغسل بملاقاتهما في الميّت «5» كما ترى،

نعم هي في الحيّ في محلّها.

توقّف وجوب الغسل علىٰ برودة القطعة المبانة من الحيّ و الميّت

ثمّ إنّ الأظهر اعتبار حصول البرد في القطعة المبانة من الحيّ أو الميّت؛ لظهور الرواية في أنّ إيجاب مسّها للغسل، متفرّع على التنزيل منزلة الميّت، فهي باعتبار كونها ميتة في نظر الشارع يوجب مسّها الغسل، فلا محالة يعتبر فيها ما يعتبر في الميّت.

______________________________

(1) النهاية: 53، تذكرة الفقهاء 2: 135.

(2) تقدّم في الصفحة 185.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 134، كتاب الطهارة، أبواب صلاة الجنازة، الباب 38، الحديث 1 و 5.

(4) راجع ما تقدّم من الروايات في الصفحة 173.

(5) جواهر الكلام 5: 342.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 192

و احتمال أن يكون التنزيل في النجاسة فقط؛ باعتبار لفظ

الميتة

التي لا تطلق على الإنسان، و باعتبار التفصيل بين ذي العظم و غيره، غير وجيه؛ لظهور الرواية في أنّ إيجاب المسّ للغسل متفرّع علىٰ كونها ميتة، و هي قرينة علىٰ أنّ

الميتة

هاهنا مستعملة في الإنسان لو سلّم عدم استعمالها فيه. مع أنّه غير مسلّم و إن لا يبعد انصرافها إليه عند الإطلاق.

و بالجملة: ظهور التفريع محكّم علىٰ ذلك و علىٰ إشعار التفصيل بأنّ الحكم ليس للميّت، فالأظهر اعتبار البرودة، كما أنّ الأظهر اعتبار كونه قبل الغسل.

الفرع الثاني في حكم ما يوجد في المقابر

لو وجد ميّت أو جزء منه في مقبرة، فإمّا أن تكون المقبرة للمسلمين، أو لغيرهم، أو مشتركة بينهما، أو غير معلومة الحال، فعلى أيّ تقدير إنّ الأصل يقتضي وجوب الغسل بمسّه؛ و إن يقع الكلام في جريانه موضوعاً أو حكماً.

توضيحه: أنّه إن قلنا بأنّ موضوع وجوبه بحسب الأدلّة مسّ الميّت قبل غسله؛ بدعوىٰ دلالة مكاتبة الصفّار عليه، إذ فيها

إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل، فقد يجب عليك الغسل «1»

، و مفهوم صحيحتي محمّد بن مسلم و

عبد اللّٰه بن سِنان، إذ قال (عليه السّلام) فيهما

لا بأس أن يمسّه بعد الغسل و يقبّله «2»

؛ لأنّ مفهومه عرفاً أنّ قبل الغسل فيه بأس، فلا يجري استصحاب

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 429/ 1368، وسائل الشيعة 3: 290، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 5.

(2) تقدّم تخريجهما في الصفحة 170.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 193

عدم غسله لإثبات كون المسّ قبل الغسل؛ لكونه مثبتاً، و أمّا الاستصحاب الحكمي التعليقي فلا مانع منه، و قد قلنا بجريانه في مثل المقام «1».

و إن قلنا: بأنّ موضوعه هو الميّت الذي لم يغسّل كما هو الأقرب فلا مانع من الاستصحاب الموضوعي، سواء في الميّت أو العضو منه؛ و إن قلنا بأنّ الغُسل من واجبات الميّت لا العضو؛ لصحّة أن يقال: «إنّ هذا العضو كان في زمان لم يغسّل صاحبه، و الآن كما كان» و الفرض أنّ عدم غسل الميّت موضوع لوجوب الغسل بمسّ أعضائه شرعاً. و بهذا يظهر جريانه فيما وجد في مقبرة الكفّار. و كذا لو وجد الميّت في المقبرة المشتركة، أو مجهولة الحال.

و أمّا إذا وجد عضو منه في المقبرة المشتركة، فيدور الأمر بين كون هذا العضو من معلوم الاغتسال، أو من معلوم العدم، فحينئذٍ إن قلنا: بأنّ الغُسل صفة الميّت لا العضو، فيقع الإشكال في الأصل الموضوعي، نظير الإشكال في أصالة عدم التذكية في العضو المردّد في أخذه من معلوم التذكية أو معلوم العدم: بأنّ الأصل غير جارٍ بالنسبة إلىٰ نفس الحيوانين؛ لعدم الشكّ فرضاً فيهما، و لا في العضو؛ لعدم كون التذكية من صفاته، و لا أصل يثبت كونه من أحد القسمين.

و قد يقال بجريان الموضوعي فضلًا عن

الحكمي؛ فإنّ هذا العضو كان في زمان لم يغسّل صاحبه، فيستصحب. و بهذا التقرير يمكن إجراؤه في المثال المتقدّم؛ فإنّ هذا العضو لم يكن صاحبه مذكّى في زمان، و الفرض أنّ عدم تذكية الحيوان موجب شرعاً لحرمة أجزائه، و عدمِ صحّة الصلاة فيها.

و فيه إشكال؛ لأنّ صاحب هذا العضو ليس مشكوكاً فيه حتّى يجري الاستصحاب فيه، بل الشكّ في أخذ هذا العضو من هذا المعلوم أو ذاك، و لا أصل محرز له.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 185.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 194

و قد يقال: بأنّ ما وجد في مقبرة المسلمين محكوم بالتغسيل؛ فإنّ الغلبة كافية في إحراز كونه منهم، و إحراز جريان يدهم عليه بمثل الدفن و الكفن، بل و إحراز كونه مغسّلًا، سيّما مع شدّة اهتمام المسلمين في أمر موتاهم و تجهيزها، و خلوّ مقابرهم من سائر الأموات، بل و شدّة اهتمام سائر الطوائف في اختصاص مقابرهم بموتاهم، و عدمِ التدفين في مقابر غيرهم، و مثل هذه الغلبة حجّة.

بل مع إحراز جريان يد المسلمين عليه من تكفينه و تدفينه يحكم بطهارته و عدم الغسل بمسّه لكون تصرّفهم من قبيل تصرّف ذي اليد فيما يتعلّق به تصرّفاً مشروطاً بالطهارة؛ فإنّه كإخباره بالطهارة حجّة شرعية حاكمة على الاستصحاب «1».

و فيه: أنّ مجرّد الغلبة أو بناء العقلاء علىٰ عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف، لا يوجب الحجّية إلّا مع انضمام عدم ردع من الشارع الكاشف عن رضائه به، و هو مفقود في المقام؛ لعدم إحراز وجوده في زمان الشارع الصادع (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو أئمّة الهدىٰ (عليهم السّلام) و عمل العقلاء على طبقه و لم يردع عنه الشارع.

و إن شئت قلت:

إمضاء بناء العقلاء ليس بدليل لفظي يتمسّك بإطلاقه، بل يحرز لأجل السكوت عمّا يعمل العقلاء بمرءىٰ و منظر من الشارع، فهو كاشف قطعي عن الرضا به، كالعمل بخبر الثقة و اليد و أصالة الصحّة، و أمّا في مثل المقام الذي يكون نادر الاتفاق، و لم يعلم تحقّقه في زمانه و ارتضائه به، فلا يمكن الحكم بحجّية الغلبة أو بناء العقلاء؛ لعدم الدليل على الإمضاء.

نعم، مع حصول الاطمئنان الشخصي لا كلام فيه؛ لأنّه علم عادي، و هو غاية للاستصحاب.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 538/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 195

و منه يظهر ما في دعوى السيرة «1»؛ لعدم إحراز اتصالها بزمنهم، على فرض تسليم تحقّقها، و عدم القول: بأنّ عدم اعتنائهم لحصول العلم و لو عاديا على اغتسال ما وجد.

و أمّا دعوى: أنّ تصرّف المسلم فيما يكون مترتّباً على الغسل كتصرّف ذي اليد، و هو بمنزلة إخباره.

ففيها: بعد تسليم كون تصرّفه كتصرّف ذي اليد، و أنّ تصرّف ذي اليد مطلقاً حجّة أنّه لا يسلّم كونه كإخباره بالطهارة؛ فإنّ غاية ما في الباب أنّ تصرّفه في الدفن كان موافقاً لوظيفته، و هو لا يكفي في دفع احتمال كون ترك الغسل و التيمّم لعذر، فلا بدّ في دفعه من التشبّث بالغلبة و بناء العقلاء علىٰ عدم الاعتناء، و قد عرفت ما فيه.

فالأحوط لو لم يكن أقوى وجوب الغسل بمسّه إلّا مع الاطمئنان، كما هو حاصل غالباً.

الفرع الثالث وجوب الغسل بمسّ السقط بعد ولوج الروح فيه لا قبله

السقط بعد ولوج الروح كغيره يجب في مسّه الغسل؛ لصدق «الميّت» عليه بلا إشكال.

كما لا إشكال في عدم الوجوب قبله؛ لعدم الصدق، فإنّ «الميّت» ما زال عنه الروح، لا ما لم يلج فيه و لو مع شأنيته.

و مقتضى الأصل طهارته و إن حكي عن

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 343.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 196

العلّامة التصريح بوجوب غسل اليد منه «1»، و عن النراقي عدم الخلاف فيه «2»، لكن إثبات الحكم به مشكل، بل ممنوع.

و دعوىٰ: أنّ نجاسته لكونه قطعة مبانة من الحيّ «3»، كما ترى؛ لأنّه ليس قطعة من امّه، و علىٰ فرضه لا يكون ممّا تحلّه الحياة.

و دعوىٰ حلول روح الامّ فيه قبل حلول روحه، و بحلوله زال روحها «4»، مجازفة مقطوعة الخلاف، و لا أقلّ من الشكّ فيه، و الأصل معه الطهارة.

كما أنّ دعوى استفادة نجاسته من قوله (عليه السّلام)

ذكاة الجنين ذكاة أُمّه «5»

؛ بدعوىٰ أنّ الظاهر منه قبول الجنين للتذكية، و أنّ ما عدا المذكّى ميتة شرعاً «6»، غير وجيهة؛ فإنّ قوله ذلك لا يثبت إلّا أنّ تذكية ما يحتاج إلى التذكية بتذكية أُمّة، لا أنّ لكلّ جنين تذكية حتّى يقال: إذا لم يذكَّ يكون ميتة.

و بالجملة: لا تدلّ الرواية علىٰ أنّ لكلّ جنين تذكيةً، بل تدلّ علىٰ أنّ ما فرض قبوله لها تكون تذكيته بتذكية امّه.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الموضوع المفروض ما يمكن أن تقع عليه التذكية، لا مطلق الجنين

.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 128/ السطر 10.

(2) اللوامع 1: 43 (مخطوط).

(3) جواهر الكلام 5: 345.

(4) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 538/ السطر 26.

(5) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 124/ 1، وسائل الشيعة 24: 36، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 18، الحديث 12.

(6) مصباح الفقيه، الطهارة: 538/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 197

الدم

اشارة

الخامس من النجاسات: الدم، و نجاسته في الجملة واضحة. بل يظهر منهم

أنّها إجماعية بين المسلمين، بل قيل: «إنّها من ضروريات الدين» «1».

لكن لمّا كان بعض مصاديقه محلّ الشبهة- كالعلقة و دم البيضة و المخلوق آية و المصنوع بتركيب أجزائه لو فرض اصطناعه إلىٰ غير ذلك فلا بدّ من النظر في الأدلّة؛ حتّى يعلم أنّ الأصل في الدم النجاسة، و الاستثناءَ يحتاج إلىٰ دليل، أو العكسُ و إلحاقَ المورد المشكوك فيه يحتاج إليه.

الاستدلال علىٰ أصالة النجاسة في الدم مطلقاً و ما فيه

و قد استدلّ «2» على نجاسته مطلقاً بالآية الكريمة قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ «3».

بناءً علىٰ كون «الرجس» بمعنى النجس، و عودِ الضمير إلىٰ جميع ما تقدّم.

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 354.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 344/ السطر 13.

(3) الأنعام (6): 145.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 198

و فيه تأمّل حتّى بعد تسليم الأمرين كما لا يبعد؛ فإنّ «الرجس» علىٰ ما نصّ عليه أهل اللغة هو القذر «1»، و هو عرفاً بمعنى النجس و إن قيل: «إنّه أعمّ» «2».

و علىٰ فرض أعمّيته لا يبعد دعوى: أنّه في الآية بمعناه، كما حكي عن شيخ الطائفة في «التهذيب»: «أنّ الرجس هو النجس بلا خلاف» «3»، و قيل: «ظاهره أنّه لا خلاف بين علمائنا في أنّه في الآية بمعنى النجس» «4».

و لا يبعد استظهاره من الآية بأن يقال:

إنّ ما قيل في معنى «الرجس» لا يناسب في الآية إلّا القذارة بالمعنى الأعمّ؛ أي ما يقابل النظافة، و لا ريب في أنّ لحم الخنزير الذي هو المتيقّن في عود الضمير إليه لا يكون غير نظيف عرفاً، و إنّما يستقذره المسلمون للتلقين الحاصل لهم تبعاً للشرع، و حكمِه بنجاسته و

حرمته، لا لقذارة فيه عند العرف و العقلاء، و ليس استقذارهم منه إلّا كاستقذارهم من الكافر و الخمر و الكلب.

فلا مجال في حمل الآية على القذارة العرفية المقابلة للنظافة، و مع عدم إرادة ذلك يتعيّن الحمل على النجاسة بالمعنى المعهود شرعاً؛ إذ لا يتناسب شي ء آخر ممّا ذكر في معناه يصحّ الانتساب إليه، كالقذارة المعنوية، مع بُعدها عن الأذهان.

______________________________

(1) راجع القاموس المحيط 2: 227، الصحاح 3: 933.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1: 309، ذخيرة المعاد: 149/ السطر 14.

(3) تهذيب الأحكام 1: 278، ذيل الحديث 816.

(4) انظر مجمع البحرين 4: 74.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 199

و يؤيّد ذلك ما ورد في الكلب: أنّه

رجس نجس «1»

، و في الخمر

لاتصلّ فيه؛ فإنّه رجس «2».

بل لا يبعد أن يكون «الرجس» بمعنى النجس و القذر، و إطلاقه علىٰ مثل الأوثان و الميسر و الأنصاب و الأزلام بنحو من التوسعة. بل لا يبعد أن يكون الشرع و العرف موافقين في مفهومه؛ و إن ألحق الشارع بعض ما ليس بقذر عرفاً به، و استثنىٰ بعض ما يستقذره العرف عنه.

و كيف كان: دعوى ظهور الرجس في النجس المعهود و لو بواسطة القرائن الداخلية و الخارجية غير مجازفة.

كما لا يبعد عود الضمير إلىٰ جميع المذكورات بواسطة القرينة؛ بأن يقال: إنّ الظاهر من الآية تعليل حرمة الأكل بما ذكر، و هو لا يناسب قصره على الأخير.

و دعوى عدم احتياج الأوّلين إلى التعليل؛ لاستقذار الناس منهما دون الأخير؛ ضرورة أنّ النهي عن أكلهما لردع الناس عنه، و مع استقذارهم لا يحتاج إليه كما ترى، سيّما إذا كان المراد ب «الميتة» غير المذكى، لا ما مات حتف أنفه، فإنّه ليس

بمستقذر عندهم رأساً. و في «المجمع» إرجاع الضمير إلى جميع المذكورات بلا احتمال خلاف «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 405/ 5، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 4.

(3) مجمع البيان 4: 583.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 200

لكن مع ذلك استفادة الإطلاق من الآية، مشكلة بعد كونها بصدد بيان حرمة أكل المذكورات؛ و ذلك لأنّ الدم مطلقاً و بجميع أنواعه، ليس مأكولًا أو متعارف الأكل، فالمستفاد منها بعد تسليم ما تقدّم هو نجاسة الدم المطعوم لا مطلقه.

بل لو أُغمض عن ذلك يمكن منع الإطلاق في المستثنىٰ؛ بدعوىٰ عدم كونها في مقام بيان حكمه، بل الظاهر كونها بصدد بيان العقد السلبي؛ و أنّه لم يوجد- غير المذكورات محرّم، لا بصدد بيان حرمة المذكورات حتّى يؤخذ بإطلاقها في المشتبهات.

إلّا أن يقال: إنّ تقييد الدم ب «المسفوح» و تعليل المذكورات بقوله تعالىٰ فَإِنَّهُ رِجْسٌ دليل علىٰ كونها بصدد بيان المستثنىٰ و عنايتها بحكمه أيضاً، فيؤخذ بإطلاقها.

و فيه تأمّل؛ لأنّ القيد علىٰ فرض قيديته لعلّه لأجل تعارف أكل المسفوح. و يحتمل أن يكون التعليل لبيان أنّ حرمتها ليست إلّا لنجاستها لا لعناوينها، تأمّل.

و أمّا الروايات: فعلى كثرتها لم أجد فيها ما يمكن الاتكال علىٰ إطلاقها إلّا النبوي

يغسل الثوب من المنيّ و الدم و البول «1».

و رواية «دعائم الإسلام» عن الباقر و الصادق (عليهما السّلام): أنّهما قالا في الدم يصيب الثوب

يغسل كما تغسل النجاسات «2».

______________________________

(1) راجع ذكرى الشيعة 1: 111، سنن الدارقطني 1: 127، السنن الكبرى، البيهقي 1: 14.

(2) دعائم الإسلام 1: 117، مستدرك

الوسائل 2: 565، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 15، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 201

و هما ضعيفان سنداً؛ إذ لم يحرز اتكال القوم عليهما، بل الظاهر عدم استنادهم إليهما.

و ربّما يحتمل في الثانية كونها بصدد بيان كيفية غسل الدم لا أصله، و هو كما ترى، سيّما مع اختلاف النجاسات في كيفية التطهير.

و أمّا سائر الروايات فلا إطلاق فيها؛ لكونها بصدد بيان أحكام أُخر، كموثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، و فيها: فقال

كلّ شي ء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه، إلّا أن ترى في منقاره دماً، فإن رأيت في منقاره دماً فلا تتوضّأ منه و لا تشرب «1».

فإنّها بصدد بيان سؤر الطيور لا نجاسة الدم، فكأنّه قال: «سؤر الطير لا بأس به إلّا أن يتنجّس بالدم».

و نظيرها رواية زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): بئر قطرت فيه قطرة دم أو خمر، قال

الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كلّه واحد؛ ينزح منه عشرون دلواً، فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب «2».

فإنّها في مقام بيان حكم البئر لا الدم.

إلىٰ غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في بيان أحكام الصلاة و الماء و المكاسب المحرّمة و آنية أهل الكتاب و غيرها ممّا لا مجال لتوهّم الإطلاق فيها.

و أمّا رواية السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ عليّاً (عليه السّلام) لا يرى بأساً

______________________________

(1) الكافي 3: 9/ 5، وسائل الشيعة 1: 230، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 4، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 241/ 697، وسائل الشيعة 1: 179، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 3، ص: 202

بدم ما لم يذكّ يكون في الثوب فيصلّي فيه الرجل يعني دم السمك «1».

فلا إطلاق فيها بالنسبة إلىٰ ما يذكّى؛ لأنّه بصدد بيان نفي البأس عمّا لم يذكّ، لا إثبات البأس فيما يذكّى.

ثمّ إن قلنا بعدم الإطلاق في الروايات، فكما لا يمكن التمسّك بها لإثبات نجاسة مطلق الدم، لا يمكن التمسّك بها لإثبات نجاسة دم ما له نفس سائلة، فلو شكّ في نجاسته ما دام كونه في الباطن، أو في نجاسة العلقة إن قلنا: بأنّها لذي النفس، أو في بعض أقسام الدم المتخلّف، كالمتخلّف في القلب و الكبد، أو في العضو المحرّم، أو المتخلّف في الحيوان غير المأكول، لا تصلح تلك الروايات لرفع الشكّ فيها.

و دعوىٰ: أنّ الناظر في تلك الروايات الكثيرة في الأبواب المختلفة، لا يشكّ في أنّ نجاسة الدم مطلقاً كانت معهودة مفروضة التحقّق لدى السائل و المسؤول «2»، كما تشهد به صحيحة أبي بصير قال: دخلت علىٰ أبي جعفر (عليه السّلام) و هو يصلّي، فقال لي قائدي: إنّ في ثوبه دماً، فلمّا انصرف قلت له: إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دماً، فقال

إنّ بي دماميل، و لست أغسل ثوبي حتّى تبرأ «3».

في غير محلّها؛ لأنّ المسلّم من معهوديتها إنّما هو بنحو الإجمال لا الإطلاق، كما هو واضح، و أمّا الرواية فلا تدلّ على معهوديتها مطلقاً؛ فإنّ الدم

______________________________

(1) الكافي 3: 59/ 4، وسائل الشيعة 3: 436، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 2.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 540/ السطر 20.

(3) الكافي 3: 58/ 1، وسائل الشيعة 3: 433، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 22، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 203

في

ثوبه لم يكن إلّا من دمه الشريف عادة أو نظيره، و لم يحتمل الناظر غير ذلك، كدم العلقة أو المخلوق آية.

كدعوىٰ: إلغاء الخصوصية عرفاً من الروايات الواردة في دم الرعاف و حكّة الجلد و غيرهما «1»؛ فإنّ إلغاء الخصوصية إنّما هو فيما لا حتمل خصوصية عرفاً، و أمّا مع احتمال أنّ للدم الظاهر أو في الأجزاء الأصلية خصوصيةً، فلا مجال لإلغائها.

مع إمكان أن يقال: إنَّ إلغاء الخصوصية إنّما هو فيما إذا كانت الروايات بصدد بيان نجاسة الدم، و أمّا بعد مفروضية نجاسته و السؤال عن حال الابتلاء به، فلا مجال لإلغائها.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الأصل في الدم الطهارة إلّا أن يدلّ دليل علىٰ نجاسته.

نجاسة الدم الخارج من ذي النفس

و الظاهر أنّ دم ما له نفس سائلة مع خروجه إلى الظاهر، ممّا لا كلام و لا إشكال في نجاسته، و قد ادعي الإجماع في الدم من ذي النفس السائلة في محكي «المختلف»، و «الذكرى»، و «كشف الالتباس»، و «شرح الفاضل» «2». و عن «الغنية» و «التذكرة»: «لا خلاف فيه» «3».

و عن «المنتهىٰ» و «نهاية الإحكام» و «المعتبر» و «المدارك» و «الدلائل»

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 540/ السطر 6.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 137/ السطر 17، مختلف الشيعة 1: 314، ذكرى الشيعة 1: 112، كشف الالتباس: 206/ السطر 18 (مخطوط).

(3) غنية النزوع 1: 41، تذكرة الفقهاء 1: 56.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 204

«هو مذهب أصحابنا» «1» مع استثناء ابن الجنيد في الثلاثة الأخيرة، و نقل عنه: «الدماء كلّها تنجّس الثوب بحلولها فيه، و أغلظها نجاسةً دم الحيض» «2».

لكن يظهر من جماعة التقييد بالمسفوح، فعن الحلّي الاستدلال علىٰ طهارة دم السمك و نحوه: «بأنّه ليس بمسفوح». و

عنه أيضاً: «الدم الطاهر هو دم السمك و البراغيث و ما ليس بمسفوح» «3».

و قد نسب العلّامة في «المنتهي» التقييد به إلىٰ علمائنا قال: «قال علماؤنا: الدم المسفوح من كلّ حيوان ذي نفس سائلة أي يكون خارجاً بدفع من عرق نجس، و هو مذهب علماء الإسلام؛ لقوله تعالىٰ قُلْ لٰا أَجِدُ .. «4» إلىٰ آخره.

و قال: «دم السمك طاهر، و هو مذهب علمائنا إلىٰ أن قال-: و قوله تعالىٰ دَماً مَسْفُوحاً و دم السمك ليس بمسفوح» «5».

و الظاهر أنّ كلّ من قيّد الدم به إنّما هو بتبع الآية الكريمة، كما ترى تمسّك العلّامة بها، فالأولىٰ عطف الكلام علىٰ مفادها.

فنقول: إنّ في بادئ النظر و إن احتمل أن يكون التوصيف ب «المسفوح» للاحتراز عمّا لا يخرج من العرق صبّاً و إهراقاً بدفع، في مقابل الرشح، كدم السمك و غيره ممّا لا نفس سائلة له، أو للاحتراز عن الدم المتخلّف في الذبيحة، أو

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 137/ السطر 19، منتهى المطلب 1: 163/ السطر 3، نهاية الإحكام 1: 268، المعتبر 1: 420، مدارك الأحكام 2: 281.

(2) انظر مختلف الشيعة 1: 314.

(3) السرائر 1: 174.

(4) الأنعام (6): 145.

(5) منتهى المطلب 1: 163/ السطر 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 205

للاحتراز عن الدم في الباطن مقابل الظاهر، أو للاحتراز عن جميع المذكورات، لكنّ الأقرب عدم قيدية الوصف؛ لأنّ ما هو المتعارف أكله هو الدم المسفوح؛ أي الدم المأخوذ من الذبائح دون سائر الدماء، و معه لا يصلح القيد للاحتراز.

مضافاً إلىٰ أنّ الاستثناء لمّا كان من حرمة الأكل، لإيراد بالقيد الاحترازُ عن المذكورات و إثباتُ الحلّية لسائر أقسام الدم المقابل للمسفوح و لا أظنّ

من أحد احتمال حلّية دم خرج من عرق حيوان بلا صبّ و دفع تمسّكاً بالآية الكريمة.

نعم، لو قيل: بأنّ المراد ب «غير المسفوح» هو ما اختلط باللحم ممّا لا يتعارف الاحتراز عنه أو لا يمكن، لكان له وجه، لكنّه خلاف ظاهر القيد؛ فإنّ الظاهر منه- كما مرّ في كلام العلّامة هو ما خرج بدفع من العرق.

و الإنصاف: أنّ فهم القيدية و احترازية الوصف مشكل، و معه لا يجوز التمسّك بها لطهارة ما في الباطن أو المتخلّف في الذبيحة، و إن لا تدلّ علىٰ نجاستهما أيضاً؛ لأنّ عدم احترازية القيد لا يلازم الإطلاق.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ المدّعىٰ أنّ الآية حرّمت ما يتعارف بينهم أكله؛ أي الدم المسفوح، و التقييد للتعارف لا للاحتراز، فتكون ساكتة عن حكم غيره إثباتاً و نفياً.

هذا كلّه مع عدم المفهوم للوصف، فلا تدلّ علىٰ حلّية غير محلّ الوصف، فضلًا عن طهارته، فالاستدلال لطهارة دم السمك أو المتخلّف بالآية في غير محلّه، سيّما مع القول بحرمة دمهما إذا لم يكن تبعاً للّحم.

و بهذا كلّه ظهر عدم صلاحية القيد في الآية لتقييد قوله تعالىٰ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ «1». و للمسألة محلّ آخر.

______________________________

(1) المائدة (5): 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 206

طهارة الدم المخلوق آيةً و الصناعي و الموجود في البيضة

ثمّ إنّ المتفاهم أو المتيقّن من معاقد الإجماعات؛ نجاسة الدم الخارج من حيوان له نفس سائلة، و التقييد بالمسفوح في كلام الحلّي و العلّامة و غيرهما، ليس لإخراج مثل دم الرعاف و الدماميل بالضرورة، بل لإخراج المتخلّف و ما لا نفس له؛ ضرورة نجاسة المذكورات نصّاً و فتوى، فمثل الدم المخلوق آية أو الصناعي- فرضاً ليس مشمولًا لها، كما لا تشمل الدم الذي يوجد في البيضة؛ فإنّه

ليس دم الحيوان، و الأصل فيه الطهارة.

و دعوىٰ: غلبة الظنّ بمعهودية نجاسة مطلق الدم في الشريعة، عهدتها علىٰ مدّعيها. مع أنّ الظنّ لا يدفع الأصل إلّا أن يكون حجّة شرعية.

كدعوىٰ: مغروسية نجاسة مثله في أذهان المتشرّعة؛ بحيث أمكن دعوى تلقّيه من الشارع الأقدس «1»، فإنّها بلا بيّنة.

نجاسة العلقة من ذي النفس لا البيضة

و كذا العلقة غير معلومة الشمول للإجماع؛ لأنّ الظاهر من دم الحيوان غيرها، فإنّها نطفة تبدّلت بالعلقة، فلا تكون دم الامّ عرفاً، و لا دم الحيوان الذي تنقلب إليه بعد حين.

لكنّ الشيخ ادعىٰ في «الخلاف» إجماعَ الفرقة علىٰ نجاستها، و استدلّ لها أيضاً بإطلاق الأدلّة «2».

و يظهر من المحقّق و العلّامة و محكيّ غيرهما التمسّك لها بأنّها دم، أو دم

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 541/ السطر 1.

(2) الخلاف 1: 490.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 207

ذي نفس «1»، و من ذلك ربّما توهن دعوى إجماع «الخلاف».

و لعلّ مراد القاضي في محكيّ «المهذب» من «أنّه الذي يقتضيه المذهب» «2» ظاهر الأدلّة.

لكن مع ذلك الأحوط نجاستها، بل لا تخلو من ترجيح.

و أمّا العلقة في البيضة، فغير معلومة الشمول لإجماع «الخلاف» بل الظاهر عدم إطلاق «العلقة» عليها حقيقة، و لا أقلّ من انصرافها عنها، فالأقوىٰ طهارتها.

طهارة الدم المتخلّف في الحيوان

كما أنّ الحكم بطهارة الدم المتخلّف، لا يحتاج إلىٰ إقامة برهان بعد قصور الأدلّة اللفظية عن إثبات نجاسة مطلق دم ذي النفس، و عدم دليل آخر علىٰ نجاسته و إن قام الدليل علىٰ طهارته.

كما عن «المختلف» و «كنز العرفان» و «الحدائق» و «آيات الجواد» دعوى الإجماع عليها «3» و إن كان في معقد بعضها قيد.

و عن المجلسي و صاحب «كشف اللثام» و «الذخيرة» و «الكفاية» عدم الخلاف فيها «4».

______________________________

(1) المعتبر 1: 422، تذكرة الفقهاء 1: 57، جامع المقاصد 1: 167.

(2) القول لابن فهد الحلّي في المهذّب البارع 4: 222، و قد نسب إلى المهذّب في مفتاح الكرامة 1: 138/ السطر 7.

(3) مختلف الشيعة 1: 315، كنز العرفان 2: 300، الحدائق الناضرة 5: 45، مسالك الأفهام إلىٰ آيات الأحكام

4: 151.

(4) بحار الأنوار 77: 86، كشف اللثام 1: 407، ذخيرة المعاد: 149/ السطر 14، كفاية الأحكام: 12/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 208

بل هو الظاهر من «الجواهر» «1» أيضاً، و عن أطعمة «المسالك»: «أنّ ظاهرهم الاتفاق عليه» «2».

نعم، استثنىٰ بعضهم ما في الجزء المحرّم كالطحال «3»؛ بزعم أنّ حرمة أكله ملازمة لنجاسته، و هو كما ترى. أو بزعم إطلاق أدلّة نجاسة الدم، و قصورِ دليل الإخراج، و قد مرّ ما فيه «4».

هذا مع استقرار السيرة علىٰ عدم الاجتناب عنه و عن اللحم الملاقي له، من غير فرق بين دم القلب و الكبد و الطحال و غيرها، و بين الدم الظاهر الخارج منها و المخلوط بها، فما عن بعضهم من احتمال الفرق أو اختياره «5»، في غير محلّه.

و لو نوقش في شمول معقد الإجماع لبعض المذكورات، أو ثبوت السيرة في بعض، فلا مجال للمناقشة في الأصل بعد ما تقدّم من فقد الإطلاق «6». مع أنّ المناقشة في السيرة لعلّها في غير محلّها.

كما أنّ مقتضى الأصل طهارة المتخلّف في الحيوان المحرّم. لكن عن «البحار» و «الذخيرة» و «الكفاية» و شرح الأُستاذ: «أنّ ظاهر الأصحاب الحكم بنجاسته في غير المأكول» «7»، و ثبوت الحكم بمثله مشكل، لكنّ الاحتياط لا ينبغي تركه.

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 363.

(2) مسالك الأفهام 12: 78.

(3) انظر جواهر الكلام 5: 363، جامع المقاصد 1: 163، روض الجنان: 163/ السطر 7.

(4) تقدّم في الصفحة 202.

(5) انظر مشارق الشموس: 305/ السطر 17، مصباح الفقيه، الطهارة: 541/ السطر 35.

(6) تقدّم في الصفحة 202.

(7) بحار الأنوار 77: 86، ذخيرة المعاد: 149/ السطر 19، كفاية الأحكام: 12/ السطر 4، مصابيح الظلام 1: 433/

السطر 17 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 209

طهارة دم ما لا نفس سائلة له
اشارة

كما أنّ طهارة دم ما لا نفس سائلة له، لا تحتاج إلىٰ تجشّم استدلال بعد ما عرفت؛ و إن تكرّر نقل الإجماع عليها من السيّد، و الشيخ، و ابن زهرة، و الحلّي، و المحقّق، و العلّامة، و الشهيدين، و غيرهم «1».

و تشهد لبعضها السيرةُ المستمرّة، و روايةُ السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان لا يرى بأساً بدم ما لم يذكّ يكون في الثوب فيصلّي فيه الرجل يعني دم السمك- «2».

و كون التفسير من أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) غير معلوم، فتدلّ علىٰ عدم البأس في مطلق ما لم يذكّ، تأمّل.

بل لا يبعد صحّة الاستدلال ببعض الروايات الواردة في ماء البئر و المياه، كموثّقتي عمّار «3» و حفص بن غياث «4».

فما يظهر من بعضهم كالمحكي عن «المبسوط» و «الجمل» و «المراسم»

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 26، الخلاف 1: 476، غنية النزوع: 1: 41، السرائر 1: 174، المعتبر 1: 421، منتهى المطلب 1: 163/ السطر 11، ذكرى الشيعة 1: 112، روض الجنان: 163/ السطر 4، جواهر الكلام 5: 363.

(2) تقدّمت في الصفحة 205.

(3) تهذيب الأحكام 1: 230/ 665، وسائل الشيعة 3: 463، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 1، و قد تقدّم أيضاً في الصفحة 73 و 111 112.

(4) تهذيب الأحكام 1: 231/ 669، وسائل الشيعة 1: 241، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 10، الحديث 2، و قد تقدّم أيضاً في الصفحة 74 و 112.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 210

و «الوسيلة» «1» ممّا يوهم النجاسة و إن عفي

عنه علىٰ فرض ثبوته، لعلّه لزعم قصور الأدلّة عن إثبات طهارتها بعد إطلاق أدلّة النجاسة؛ لأنّ نفي البأس أعمّ من الطهارة، فلا يدلّ إلّا على العفو، و هو مقتضى الجمع بين الأدلّة و الاقتصار علىٰ تقييد المطلقات و تخصيص العمومات.

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّ المتفاهم من نفي البأس في المقام الطهارة أنّه لا إطلاق و لا عموم في الأدلّة كما مرّ مراراً «2» حتّى يأتي فيها ما ذكر.

فرع: في طهارة الدم المشكوك فيه

المشكوك في كونه دماً أو غيره، أو كونه ممّا له نفس أو غيره، أو من الدم المتخلّف أو غيره، محكوم بالطهارة؛ للأصل بعد قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة الدم مطلقاً، فلا مجال للتشبّث بترك الاستفصال «3» في الروايات الكثيرة الواردة في الدم، كقوله: «بئر قطرت فيه قطرة دم» «4».

و قوله (عليه السّلام)

فإن رأيت في منقاره دماً «5».

و قوله (عليه السّلام)

إن رأيت في ثوبك دماً «6».

______________________________

(1) المبسوط 1: 35، الجمل و العقود، ضمن الرسائل العشر: 170 171، المراسم: 55، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 76.

(2) تقدّم في الصفحة 200 203.

(3) جواهر الكلام 5: 357.

(4) تقدّم في الصفحة 201.

(5) تقدّم في الصفحة 201.

(6) السرائر 3: 592، وسائل الشيعة 3: 483، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 44، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 211

و قوله: «فأصاب ثوباً نصفه دم» «1»، و غيرها.

ضرورة أنّ ترك الاستفصال دليل العموم أو الإطلاق؛ فيما إذا كان المتكلّم في مقام بيان الحكم، و تلك الروايات في مقام بيان أحكام أُخر.

و بعبارة اخرىٰ: أنّه بعد فرض نجاسة قسم من الدم، سأل فيها عن الابتلاء بما هو نجس، و في مثله لا معنىٰ للاستفصال، و لا وجه لتوهّم العموم مع تركه.

و هذا الإشكال

مشترك الورود في جميع الروايات، و يختصّ بعضها بإشكال أو إشكالات لا مجال لعدّها بعد ضعف أصل الدعوىٰ.

ثمّ علىٰ فرض تسليم كون الأدلّة أو بعضها في مقام البيان، لكن لا مجال لتوهّم العموم اللفظي فيها؛ لفقدانه جزماً، فلا يكون في المقام إلّا الإطلاق المتوهّم، و التمسّك بالشبهة الموردية في المطلقات المتقيّدة و لو بتقييد منفصل، أضعف جدّاً من التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية؛ لقرب احتمال صيرورة المطلق بعد التقييد بمنزلة المقيّد، فتكون الشبهة من قبيل الشبهة الموردية في المقيّد المتصل، بخلاف تخصيص العامّ بالمنفصل، فإنّه لا يوجب حصول عنوان أو قيد فيه؛ و إن توهّمه بعضهم قياساً بالمطلق و المقيّد «2»، و قد فرغنا عن تهجينه في محلّه «3».

و كيف كان: لا عموم في المقام حتّى يأتيَ فيه ما ذكر في بيان جواز التمسّك به في الشبهة المصداقية للمخصّص: من تمامية الحجّة بالنسبة إلى

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 224/ 884، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 5.

(2) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 525.

(3) مناهج الوصول 2: 247، تهذيب الأُصول 1: 474.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 212

الفرد المشمول للعامّ، و عدم حجّة علىٰ دفعها؛ لكون الفرد من الشبهة المصداقية لنفس المخصّص، فالعامّ حجّة بالنسبة إلى الفرد، و الخاصّ ليس بحجّة «1».

و نحتاجَ إلى الجواب عنه: بأنّ حجّية العامّ تتوقّف علىٰ مقدّمات: منها أصالة الجدّ، و بعد خروج أفراد من العامّ، يعلم عدمُ تطابق الجدّ و الاستعمال بالنسبة إلى الأفراد الواقعية من المخصّص، و تطابقُهما بالنسبة إلىٰ غير مورد التخصيص و المورد المشتبه من الشبهة المصداقية لأصالة التطابق، و ليس بناء العقلاء علىٰ جريانها في

مورده، كما لا يخفى.

أو نحتاجَ إلىٰ ما أتعب به شيخنا الأعظم نفسه الشريفة من التصدّي للجواب عن التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية «2».

و ربّما يقال في الدم المتخلّف في الذبيحة إذا شكّ في أنّه من القسم الطاهر أو النجس: «بأنّ الظاهر الحكم بنجاسته عملًا بالاستصحاب، أو بالعامّ مع لبّية المخصّص «3». و يحتمل التفصيل بين ما إذا كان الشكّ من جهة احتمال ردّ النفس، فيحكم بالطهارة؛ لأصالة عدم الردّ، و بين ما كان لأجل احتمال كون رأسه على علوّ، فيحكم بالنجاسة عملًا بأصالة عدم خروج المقدار المتعارف» «4».

و فيه: أنّ الاستصحاب في الدم غير جارٍ؛ لعدم العلم بنجاسته في

______________________________

(1) انظر مطارح الأنظار: 194/ السطر 12، كفاية الأُصول: 258، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 528.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 346/ السطر 1، مطارح الأنظار: 193/ السطر 3.

(3) العروة الوثقى 1: 64، الهامش 10، تعليقة المحقّق الرفيعي.

(4) العروة الوثقى 1: 64، المسألة 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 213

الباطن، لقصور الأدلّة عن إثباتها، و التمسّك بالعامّ في المخصّص اللّبي فرع وجوده، و هو مفقود. مع أنّ في التمسّك به مع لبّيته إذا كان الإخراج بعنوان واحد إشكالًا، بل منعاً.

و أمّا أصالة عدم ردّ النفس فلا تثبت كون هذا متخلّفاً؛ لأنّ خروج الدم بالمقدار المتعارف لازم عقلي أو عادي لعدم ردّ النفس، و كون الدم متخلّفاً لازم لهذا اللازم.

كما أنّ أصالة عدم خروج المقدار المتعارف، لا تثبت كون هذا الدم نجساً؛ لأنّ الدم النجس هو «الدم غير المتخلّف» أو «الدم المسفوح» أو نحوهما، و الأصل المتقدّم لا يثبت تلك العناوين.

بل أصالة عدم خروج الدم المتعارف، لا تثبت لمصداق الدم حكماً، نظير ما

إذا علمنا بأنّ واحداً من الشخصين الموجودين في البيت عالم، فخرج أحدهما منه، فلا إشكال في جريان استصحاب بقاء العالم فيه، لكن لا يثبت به أنّ الموجود في البيت عالم حتّى يترتّب عليه أثره.

ثمّ لو حاولنا جريان أصالة عدم ردّ النفس لإثبات طهارة بقية الدم، لجرى أصل عدم كون رأسه على علوّ لإثبات طهارته، و هو حاكم علىٰ أصالة عدم خروج الدم المتعارف.

لكن التحقيق عدم جريان واحد من تلك الأُصول، و الحكم بطهارة المشكوك فيه؛ لأصالة الطهارة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 215

الكلب و الخنزير

اشارة

السادس و السابع: الكلب و الخنزير، و نجاستهما في الجملة واضحة لا تحتاج إلىٰ تجشّم استدلال؛ و إن ذهب إلىٰ طهارتهما مالك و الزهري و داود، علىٰ ما حكىٰ عنهم العلّامة في «المنتهىٰ» «1».

نجاسة الكلب
اشارة

و نقل في «التذكرة» عن أبي حنيفة القول بطهارة الكلب دون الخنزير «2». و نسب الشيخ في «الخلاف» إلىٰ أبي حنيفة القول بنجاسة الكلب حكماً لا عيناً «3»، و استدلّ «4» علىٰ طهارته بقوله تعالىٰ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ «5».

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 166/ السطر 19، المبسوط، السرخسي 1: 48، بداية المجتهد 1: 29 30، المغني، ابن قدامة 1: 41 42، المجموع 2: 567 568.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 66.

(3) الخلاف 1: 177.

(4) انظر المجموع 2: 567.

(5) المائدة (5): 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 216

و فيه ما لا يخفى من الوهن؛ ضرورة أنّها في مقام بيان حلّيته و تذكيته، و لا إطلاق فيها من جهة أُخرى، و لهذا لا يجوز التمسّك بها لجواز أكله من غير تغسيل عن دمه الخارج من موضع عضّ الكلب، و هو واضح.

و تدلّ علىٰ نجاسته مضافاً إلى الإجماع المستفيض «1» روايات مستفيضة، كقوله (عليه السّلام) في صحيحة البَقباق

رجس نجس لا يتوضّأ بفضله «2».

و كصحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل، قال

يغسل المكان الذي أصابه «3».

و في رواية معاوية بن شريح

لا و اللّٰه، إنّه نجس، لا و اللّٰه، إنّه نجس «4» ..

إلىٰ غير ذلك.

عدم الفرق في أجزاء الكلب بين ما تحلّه الحياة و غيره

و لا فرق بين ما تحلّه الحياة و غيره؛ فإنّ الكلب عبارة عن الموجود الخارجي بجميع أجزائه: من الشعر و الظفر و غيرهما. فما عن السيّد من إنكار أنّ ما لا تحلّه الحياة من جملة الحيّ و إن كان متصلًا به «5»، إن كان مراده أنّه ليس

______________________________

(1) الخلاف 1: 176 177، منتهى المطلب 1: 166/ السطر 18، جواهر الكلام

5: 366.

(2) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 260/ 758، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 4.

(4) تهذيب الأحكام 1: 225/ 647، وسائل الشيعة 3: 415، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 6.

(5) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 218/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 217

من جملته بما هو حيّ أي لا تحلّه الحياة فهو معلوم لا كلام فيه، لكن لا دليل علىٰ تخصيص النجاسة بما تحلّه الحياة في الكلب أو الخنزير.

و إن أراد أنّه ليس من أجزائه مطلقاً، فهو غير وجيه، فكيف يمكن نفي جزئية العظم و الظفر، بل الشعر؟! فإنّ الكلب في الخارج كلب بجميع أجزائه.

بل المتيقّن من قوله: «الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل»، و قوله (عليه السّلام) في صحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الكلب السلوقي، فقال

إذا مسسته فاغسل يدك «1»

، و نحوِهما، ملاقاة شعره؛ لأنّه نوعي غالبي. و لو نوقش فيه فلا أقلّ من الإطلاق، بل هو الفرد الشائع.

و كيف يمكن أن يقال في مثل قول عليّ (عليه السّلام) علىٰ ما في حديث الأربعمائة

تنزّهوا عن قرب الكلاب، فمن أصاب الكلب و هو رطب فليغسله، و إن كان جافّاً فلينضح ثوبه بالماء «2»

: لإيراد منه إصابة ظاهره المحفوف بالشعر، و لا يلاقي الملاقي نوعاً إلّا شعره؟! نعم، يمكن المناقشة في دلالة مثل صحيحة أبي العبّاس قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و إن أصابه جافّاً فاصبب عليه الماء.

قلت: و لِمَ صار بهذه المنزلة؟

قال

لأنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمر بقتله «3».

______________________________

(1) الكافي 6: 553/ 12، وسائل الشيعة 3: 416، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 9.

(2) الخصال: 626/ 10، وسائل الشيعة 3: 417، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 11.

(3) تهذيب الأحكام 1: 261/ 759، وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 218

لاحتمال أن يكون المراد برطوبة الكلب مثلَ لعابه، لا ملاقاته رطباً؛ و إن لا يبعد الاحتمال الثاني بقرينة قوله (عليه السّلام)

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 218

أصابه جافّاً

تأمّل.

و كيف كان: لا شبهة في نجاسة شعره و سائر ما لا تحلّه الحياة. و دعوى السيّد الإجماع علىٰ طهارته «1» موهونة؛ لعدم الموافق له ظاهراً، فضلًا عن الإجماع عليها.

حكم الرطوبات الذاتية للكلب

نعم، ربّما يمكن المناقشة في استفادة نجاسة لعابه و سائر رطوباته ذاتاً من الروايات، بل من الإجماع أيضاً؛ بدعوىٰ أنّ الرطوبات خارجة عن اسمه، فكما أنّ خرءه لا يدخل فيه؛ لأنّه منفصل عنه و إن كان في جوفه، كذلك سائر رطوباته، فما دلّت علىٰ نجاسته عيناً لا تدلّ علىٰ نجاستها ذاتاً و عيناً.

بل لمّا كانت الرطوبات ملاقية له، لا يمكن استفادة نجاستها الذاتية من دليل ناطق بنجاستها؛ فإنّها أعمّ من العينية.

لكن الظاهر أنّه شبهة في مقابل المسلّم، بل البديهي. بل يمكن دعوى دخول الرطوبات في إطلاقه عرفاً كدخول دمه فيه؛ إن لم يدخل فيه خرؤه.

نجاسة كلب الصيد

و مقتضى إطلاق الأدلّة «2» و خصوص صحيحة ابن مسلم المتقدّمة «3» في الكلب السلُوقي، نجاسة كلب الصيد كسائر الكلاب، فما عن ظاهر الصدوق من

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهية: 218/ السطر 16.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 413، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 11 و 12.

(3) تقدّمت في الصفحة 217.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 219

طهارته «1» ضعيف. و ربّما كان منشأه دعوى عدم صدق «الكلب» عليه، أو انصراف الأدلّة عنه، أو إطلاق قوله تعالىٰ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ «2» و الجميع كما ترى. هذا مع عدم ورود شي ء منها على الصحيحة.

و بهذا كلّه ظهر لزوم التصرّف في صحيحة ابن مُسْكان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الوضوء ممّا ولغ الكلب فيه و السنَّوْر، أو شرب منه جمل أو دابّة أو غير ذلك، أ يتوضّأ منه أو يغتسل؟ قال

نعم، إلّا أن تجد غيره فتنزّه عنه «3»

، بتقييد إطلاقها بما فصّل في سؤر الكلب بين الماء الكثير و القليل «4». هذا كلّه في الكلب.

نجاسة الخنزير

و أمّا الخنزير، فيدلّ علىٰ نجاسته مضافاً إلى الآية الكريمة «5» و الإجماعات المتقدّمة صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله، فذكر و هو في صلاته، كيف يصنع به؟ قال

إن كان دخل في صلاته فليمضِ، و إن لم يكن

______________________________

(1) الفقيه 1: 43.

(2) المائدة (5): 4.

(3) تهذيب الأحكام 1: 226/ 649، وسائل الشيعة 1: 228، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 2، الحديث 6.

(4) كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها «لا يشرب سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضاً

كبيراً يستقى منه». تهذيب الأحكام 1: 226/ 650، وسائل الشيعة 1: 226، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 7.

(5) الأنعام (6): 145.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 220

دخل في صلاته فلينضح ما أصابه من ثوبه، إلّا أن يكون فيه أثر فيغسله.

قال: و سألته عن خنزير يشرب من إناء، كيف يصنع به؟ قال

يغسل سبع مرّات «1».

فإنّها ظاهرة في معهودية نجاسته، و إنّما سأل بعدها عن حكم آخر، فحينئذٍ يكون المراد من التفصيل بين ما إذا كان له أثر و لم يكن، التفصيلَ مطلقاً؛ سواء كان قبل الصلاة أو بعدها. مع أنّ ذيلها أيضاً دالّ علىٰ نجاسته، فالأمر بالمضيّ مع دخوله في الصلاة في صورة الشبهة، لا العلم بوجود الأثر.

مضافاً إلىٰ أنّ الأمر بالمضيّ لا يدلّ علىٰ طهارته، بل دليل علىٰ صحّة الصلاة مع النجس إذا تذكّر في الأثناء، كما هو واضح. و حمل الغسل على الاستحباب- بقرينة الأمر بالمضيّ بعيد جدّاً.

و رواية ابن رِئاب، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الشطرنج قال

المقلّب لها كالمقلّب لحم الخنزير.

قال قلت: ما علىٰ من قلّب لحم الخنزير؟ قال

يغسل يده «2».

و في دلالتها تأمّل.

و رواية زرارة الواردة في البئر «3».

______________________________

(1) الكافي 3: 61/ 6، وسائل الشيعة 3: 417، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 1.

(2) الكافي 6: 437/ 15، وسائل الشيعة 17: 322، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 103، الحديث 3.

(3) و هي «.. الدم و الخمر و الميّت و لحم الخنزير في ذلك كلّه واحد، ينزح منه عشرون دلواً». تهذيب الأحكام 1: 241/ 697، وسائل الشيعة 1: 179، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15، الحديث 3.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 221

و تدلّ علىٰ نجاسة شعره مصحّحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ رجلًا من مواليك يعمل الحمائل بشعر الخنزير، قال

إذا فرغ فليغسل يده «1».

و رواية بُرْد الإسكاف قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن شعر الخنزير يعمل به .. إلىٰ أن قال

فاعمل به، و اغسل يدك إذا مسسته عند كلّ صلاة.

قلت: و وضوء؟ قال

لا، اغسل يدك كما تمسّ الكلب «2».

و لعلّ قوله: «و وضوء» بالرفع؛ أي و وضوء عليّ إذا مسسته، أو وضوء في مسّه؟ قال

لا

و لكن

اغسل يدك كما تمسّ الكلب

فكما لا وضوء معه، فكذا مع مسّ الخنزير. و قريب منها روايته الأُخرىٰ «3».

و رواية سليمان الإسكاف قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن شعر الخنزير يخرز به، قال

لا بأس به، و لكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي «4».

فلا إشكال في نجاسته و نجاسة ما لا تحلّ الحياة منه. و يأتي في لعابه و رطوباته ما مرّ في الكلب «5»، و الظاهر نجاستها ذاتاً كما في الكلب.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 382/ 1129، وسائل الشيعة 17: 227، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 58، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 6: 382/ 1130، وسائل الشيعة 17: 228، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 58، الحديث 2.

(3) الفقيه 3: 220/ 1019، وسائل الشيعة 17: 228، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 58، الحديث 4.

(4) تهذيب الأحكام 9: 85/ 357، وسائل الشيعة 3: 418، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 3.

(5) تقدّم في الصفحة 218.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 222

طهارة كلب الماء و خنزيره

و عن «النهاية» و «التحرير» و «التذكرة» و «الذكرى» طهارة كلب الماء «1»، و عن «الكفاية»: «أنّه المشهور» «2». و عن الحلّي نجاسته «3»، و عن «المنتهىٰ» تقريب شموله له معلّلًا: «بأنّ اللفظ يقال له بالاشتراك» «4».

و الأقوى طهارة كلب الماء و خنزيره، لا لانصراف الأدلّة «5» علىٰ فرض صدق العنوان عليهما، فإنّه ممنوع. و مجرّد كون بعض الأفراد يعيش في محلّ أو يندر الابتلاء به، لا يوجب الانصراف.

بل لعدم صدق العنوانين عليهما جزماً، و عدم كونهما مع البرّي منهما من نوع واحد، و قد طبع في «المنجد» رسمهما «6»، فترى لا يوجد بينهما و بين البرّي منهما أدنىٰ شباهة؛ و إن قال في الكلب: «كلب الماء و كلب البحر: سمك بينه و بين الكلب بعض الشبه».

و قال: «خنزير البحر: جنس من الحيتان أصغر من الدلفين» «7».

و تدلّ علىٰ طهارة كلبه بل و خنزيره علىٰ وجهٍ صحيحة عبد الرحمن

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 272، تحرير الأحكام 1: 24/ السطر 10، تذكرة الفقهاء 1: 67، ذكرى الشيعة 1: 119.

(2) كفاية الأحكام: 12/ السطر 8.

(3) السرائر 2: 220.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 139/ السطر 4، منتهى المطلب 1: 166/ السطر 36.

(5) نهاية الإحكام 1: 272، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 347/ السطر 13.

(6) المنجد: 200 و 696.

(7) المنجد: 197 و 694.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 223

بن الحجّاج قال: سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) رجل و أنا عنده عن جلود الخزّ، فقال

ليس به بأس.

فقال الرجل: جعلت فداك، إنّها علاجي، و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إذا خرجت من الماء تعيش خارجةً من الماء؟

فقال الرجل: لا، قال

ليس

به بأس «1».

حكم المتولّد من نجس العين

ثمّ إنّ المتولّد من النجسين أو أحدهما إن صدق عليه اسم أحدهما، فلا إشكال في نجاسته. و إن صدق عليه اسم أحد الحيوانات الطاهرة، فلا ينبغي الإشكال في طهارته؛ إمّا لإطلاق دليل طهارته لو كان، و إمّا للأصل.

و دعوى ارتكازية نجاسة المتولّد من الكلبين أو الكلب و الخنزير عند المتشرّعة، و تبعية ولدهما لهما فيها كتبعية ولد الكافر له. أو كونِه حقيقة من جنس الوالدين و إن كان غيرهما ظاهراً، و الأحكام مترتّبة على الحقيقة، و الأسماء كاشفة عنها. أو القطعِ بالمناط «2».

غير وجيهة و إن صدرت عن الشيخ الأعظم نضّر اللّٰه وجهه لعدم ثبوت ارتكازيتها في مثل المقام، و لا دليل على التبعية هاهنا، و التبعية في الكافر لا توجب الحكم بها في غيره. و ممنوعية كون حقيقته ما ذكر بعد صدق عنوان آخر عليهما، و سلب صدق اسمهما عنه. و لو سلّم ذلك فلا دليل علىٰ أنّ الأحكام

______________________________

(1) الكافي 6: 451/ 3، وسائل الشيعة 4: 362، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 10، الحديث 1.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 347/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 224

مترتّبة على الحقائق بذلك المعنى. و ممنوعية القطع بالمناط بعد كونهما عنوانين.

و أمّا استصحاب النجاسة فيما إذا كانت امّه نجسة سواء كان أبوه طاهراً أو لا بدعوىٰ كون الجنين جزءً من الامّ، و لا يتبدّل الموضوع بنفخ الروح فيه «1»، ففيه ما لا يخفى بعد عدم الدليل علىٰ نجاسته، و ممنوعية جزئيته لُامّه.

و أضعف منه استصحاب نجاسته في حال كونه علقة أو منيّاً؛ حتّى فيما إذا كانت الامّ نجساً «2»، ضرورة تبدّل الموضوع.

و قد يقال: بجريان استصحاب الكلّي الجامع

بين الذاتي و العرضي في جميع الموارد المشكوك فيها؛ فإنّه عند ملاقاته لرطوبات امّه نعلم بنجاسته إمّا عرضاً أو ذاتاً، و مع الغسل عن العرضية نشكّ في بقاء الذاتية «3».

أقول: تارة نقول بتنجّس الجنين في الباطن؛ لملاقاته النجس، و أُخرى نقول بعدمه؛ إمّا لقصور أدلّة النجاسة عن إثبات نجاسة البواطن، أو لقصور أدلّة نجاسة الملاقى لإثبات نجاسة الملاقي في الباطن، أو لغير ذلك.

فعلى الثاني لا إشكال في جريان أصالة الطهارة في الجنين في بطن امّه مع الشكّ في نجاسته ذاتاً، فحينئذٍ إن تنجّس حين التولّد عرضاً، فلا يجري الاستصحاب بعد زوالها و تطهيرها؛ لأنّه مع جريان أصل الطهارة في الجنين، لا مجال لدعوى العلم الإجمالي بأنّه إمّا نجس ذاتاً أو عرضاً؛ للعلم بالطهارة الظاهرية و ترتّب جميع آثار الطهارة عليه، و معه ينقّح موضوع تنجّس الظاهر بالملاقاة نجاسةً عرضية؛ بناءً علىٰ عدم تنجّس النجس.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 347/ السطر 19.

(2) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 350/ السطر 13، مستمسك العروة الوثقى 1: 366.

(3) مستمسك العروة الوثقى 1: 366.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 225

و بالجملة: إنّ العلم الإجمالي بأنّ الجنين في الخارج بعد ملاقاة أُمّة؛ إمّا نجس ذاتاً أو عرضاً، ممّا لا أثر له مع جريان أصالة الطهارة في أحد طرفيه.

و إن شئت قلت: إنّ محتمل البقاء هو الذي حكم الشارع بطهارته، أو قلت بعد غسل ظاهره: نعلم بأنّه إمّا طاهر واقعاً، أو طاهر ظاهراً.

و لو حاول أحد جريان مثل هذا الاستصحاب، للزم عليه إجراؤه فيما إذا شكّ في نجاسة عينية لواحد من الحيوانات كالوزغة، فيحكم بطهارتها قبل عروض النجاسة عليها، و بنجاستها بعد عروضها و غسلها، و هو كما ترى.

و كذا

لو فرض نجاسة طرف من الثوب، و شكّ في نجاسة الباقي، فغسل موضع النجس، لزم عليه الحكم ببقاء نجاسته؛ لاحتمال البقاء.

و الجواب و الحلّ: أنّه مع هذا الاحتمال المحكوم عليه بالطهارة، لا مجرى للأصل، و لا أثر للعلم. تأمّل جيّداً حتّى لا يختلط عليك بين المقام و المقامات التي يكون الاستصحاب حاكماً علىٰ أصل الطهارة، و كذا لا يختلط بينه و بين المقامات التي قلنا بعدم جريان الأصل في الفرد المشكوك في حدوثه؛ للتحكيم على استصحاب بقاء الكلّي، فإنّ الفارق بينهما ظاهر لدى التأمّل.

و ممّا ذكرنا ظهر الحال فيما إذا قلنا بتنجّس ما في الباطن؛ فإنّ الظاهر جريان أصالة الطهارة في الجنين لإثبات طهارته العينية ظاهراً حتّى مع تنجّسها بالعرض؛ لوجود الأثر في جريانها كما عرفت.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 226

الاختلاف في نجاسة الثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة و المسوخ
اشارة

ثمّ إنّه قد وقع الخلاف من قدماء أصحابنا في نجاسة جملة أُخرى غيرهما، كالثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة و المسوخ، بل و ما لا يؤكل لحمه.

فعن «المقنعة» نجاسة الأربعة الأُول «1». و عن ظاهر «الفقيه» و «المقنع» نجاسة الفأرة «2».

و عن «المراسم»: «أنّ الفأرة و الوزغة كالكلب و الخنزير في رشّ ما مسّاه بيبوسة» «3».

و عن الشيخ: «أنّ الأربعة المذكورة كالكلب و الخنزير في وجوب إراقة ما باشرته من المياه» «4».

و عن «الوسيلة» عدّها في عداد الكلب و الخنزير و الكافر و الناصب في وجوب غسل ما مسّته رطباً، و رشّه يابساً «5».

بل عن «الغنية» دعوى الإجماع في بعض المذكورات «6».

______________________________

(1) المقنعة: 70 و 150.

(2) الفقيه 1: 43/ 167، المقنع: 14.

(3) المراسم: 56.

(4) المبسوط 1: 37.

(5) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 77.

(6) غنية النزوع 1: 44.

كتاب الطهارة (للإمام

الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 227

و عن الشيخ في «التهذيب» النصّ بنجاسة ما لا يؤكل لحمه «1». و عن «الاستبصار» استثناء ما لا يمكن التحرّز عنه «2».

و عن «الخلاف» القول بنجاسة المسوخ «3». و عزي في محكي «المختلف» إلىٰ سلّار و ابن حمزة «4». و عن «المعالم» حكايته عن ابن الجنيد «5».

فيما يدلّ على طهارة جميع المذكورات

و كيف كان: تدلّ علىٰ طهارة الجميع صحيحة الفضل أبي العبّاس قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن فضل الهرّة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع، فلم أترك شيئاً إلّا سألت عنه، فقال

لا بأس

حتّى انتهيت إلى الكلب ..» «6» إلىٰ آخره.

لدخول الثعلب و الأرنب في الوحش و السباع؛ فإنّ الأوّل سبع بلا إشكال، و عدّ بعضهم الثاني فيه أيضاً «7». و يظهر من بعض الروايات أنّ الأرنب بمنزلة الهرّة، و له مخالب كسباع الوحش «8».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 224/ ذيل الحديث 642.

(2) الاستبصار 1: 26/ ذيل الحديث 65.

(3) الخلاف 3: 184.

(4) مختلف الشيعة 1: 307، المراسم: 55، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 78.

(5) معالم الدين (قسم الفقه) 2: 548.

(6) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646، وسائل الشيعة 1: 226، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 4.

(7) انظر جواهر الكلام 5: 369، المنجد: 9.

(8) راجع وسائل الشيعة 24: 109، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 2، الحديث 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 228

بل تدخل الوزغة في الوحش، و كذا بعض أنواع الفأرة؛ إن كان «الوحش» مطلق الحيوان البرّي مقابل الأهلي، إذ الظاهر أنّ سؤاله كان عن عنوان «الوحش» و «السباع» لا عن أفرادهما تفصيلًا.

بل

المظنون أنّ الفأرة و الوزغة كانتا من جملة ما سأل عنها؛ فإنّ قوله: «فلم أترك شيئاً» و إن كان علىٰ سبيل المبالغة، لكن من البعيد جدّاً ترك السؤال عن الفأرة المبتلىٰ بها و المعهودة في الذهن و الوزغة المعروفة، سيّما في بلد السؤال و الراوي.

و يظهر ممّا مرّ جواز الاستدلال لطهارة الأوّلين بناءً علىٰ سبعيتهما بكلّ ما دلّ علىٰ طهارة السباع، كصحيحة ابن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الكلب يشرب من الإناء، قال

اغسل الإناء.

و عن السنَّوْر، قال

لا بأس أن تتوضّأ من فضلها؛ إنّما هي من السباع «1».

و صحيحة زرارة، عنه (عليه السّلام) قال

في كتاب عليّ (عليه السّلام): أنّ الهرّ سبع، و لا بأس بسؤره «2» ..

إلىٰ غير ذلك ممّا يعلم منه مفروغية طهارة السبع «3» إلّا ما استثني.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 644، الإستبصار 1: 18/ 39، وسائل الشيعة 1: 227، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 2، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 227/ 655، وسائل الشيعة 1: 227، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 2، الحديث 2.

(3) كرواية أبي الصباح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كان عليّ (عليه السّلام) يقول: لا تدع فضل السنّور أن تتوضّأ منه، إنّما هي سبع.

تهذيب الأحكام 1: 227/ 653، وسائل الشيعة 1: 228، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 2، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 229

طهارة الوزغة و الفأرة

و تدلّ علىٰ طهارة الوزغة و الفأرة مصحّحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) في حديث قال: سألته عن العظاية و الحيّة و الوزغ يقع في الماء فلا يموت، أ يتوضّأ منه للصلاة؟ قال

لا بأس

به.

و سألته عن فأرة وقعت في حبّ دهن، و أُخرجت قبل أن تموت، أ يبيعه من مسلم؟ قال

نعم، و يدهن منه «1».

و علىٰ طهارة الفأرة صحيحة إسحاق بن عمّار «2»، و رواية أبي البَخْتري «3»، و صدر صحيحة هارون بن حمزة الغَنوي «4»، و صحيحة سعيد الأعرج برواية الشيخ قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفأرة يقع في السمن و الزيت، ثمّ يخرج حيّاً، قال

لا بأس بأكله «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 419/ 1326، وسائل الشيعة 1: 238، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 9، الحديث 1.

(2) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّ أبا جعفر (عليه السّلام) كان يقول: «لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن يشرب منه و يتوضّأ منه».

تهذيب الأحكام 1: 419/ 1323، وسائل الشيعة 1: 239، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 9، الحديث 2.

(3) عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السّلام) أنّ عليّاً (عليه السّلام) قال: «لا بأس بسؤر الفأرة أن يشرب منه و يتوضّأ».

قرب الإسناد: 150/ 542، وسائل الشيعة 1: 241، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 9، الحديث 8.

(4) سيأتي نقل الحديث بكامله في الصفحة 233.

(5) تهذيب الأحكام 9: 86/ 362.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 230

و في رواية الكليني: «عن الفأرة و الكلب يقع ..» «1» إلىٰ آخره.

و الظاهر زيادة لفظ «الكلب» من النسّاخ، أو بعض الرواة؛ فإنّ أصالة عدم الزيادة و لو كانت أرجح من أصالة عدم النقيصة لم تسلم في مثل المقام الذي كانت نجاسة الكلب معهودة من الصدر الأوّل. مع بُعد سمن أو زيت يقع الكلب فيه، و يكون في معرض الموت، فالمظنون وقوع الزيادة، سيّما مع

إفراد الضمير.

و يدلّ علىٰ طهارة الوزغ كلّ ما دلّ علىٰ طهارة ميتة ما لا نفس له «2»؛ ضرورة أنّ الموت لو لم يؤثّر في تغليظ النجاسة، لم يؤثّر في تطهير الميت. مضافاً إلىٰ حسنة «3» يعقوب بن عُثيم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قلت: بئر يخرج من مائها قطع جلود، قال

ليس بشي ء؛ إنّ الوزغ ربّما طرح جلده.

و قال

يكفيك دلو واحد من ماء «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 261/ 4.

(2) تقدّم في الصفحة 111 116.

(3) رواها الصدوق بإسناده، عن يعقوب بن عثيم، و قال في المشيخة: «و ما كان فيه عن يعقوب بن عثيم فقد رويته عن محمّد بن موسى بن المتوكل (رضى اللّٰه عنه)، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن يعقوب بن عثيم.

وجه كونها حسنة، وقوع يعقوب بن عُثيم في السند و يعلم حسن حاله و صحّة حديثه من عدّ العلّامة (رحمه اللّٰه) طريق الصدوق إليه في الفقيه صحيحاً و من رواية أبان و ابن أبي عمير و أضرابهما عنه و من استصحاح الأصحاب أخباراً هو في طريقها.

الفقيه، المشيخة 4: 6، منتهى المقال 7: 67، تنقيح المقال 3: 331/ السطر 36 (أبواب الياء).

(4) الفقيه 1: 15/ 30، تهذيب الأحكام 1: 419/ 1325، وسائل الشيعة 1: 189، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 231

طهارة الثعلب

و علىٰ طهارة الثعلب جملة من الروايات الواردة في لباس المصلّي الدالّة علىٰ قبوله التذكية، كرواية جعفر بن محمّد بن أبي زيد قال: سئل الرضا (عليه السّلام) عن جلود الثعالب الذكية، قال

لاتصلّ فيها «1».

و رواية الوليد بن أبان قال:

قلت للرضا (عليه السّلام): يصلّى في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال

لاتصلّ فيها «2».

فإنّ الظاهر تقريره لقبوله التذكية.

بل و صحيحة ابن أبي نجران «3»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الصلاة في جلود الثعالب فقال

إذا كانت ذكية فلا بأس «4»

، و نحوها غيرها «5».

و هي و إن صدرت تقية من جهة تجويز الصلاة فيها، لكن لا دليل علىٰ أنّ التعليق أيضاً صدر كذلك.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 210/ 824، وسائل الشيعة 4: 357، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 6.

(2) تهذيب الأحكام 2: 207/ 811، وسائل الشيعة 4: 357، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 7.

(3) كذلك في الطبعة الحجرية من الوسائل (1: 294/ السطر 35) و لكن في سائر النسخ و المصادر الروائية «جميل» بدل «ابن أبي نجران» و هو الصحيح.

(4) تهذيب الأحكام 2: 206/ 809، الإستبصار 1: 382/ 1447، وسائل الشيعة 4: 357، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 9.

(5) راجع وسائل الشيعة 4: 358، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 10 و 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 232

طهارة الأرنب

بل قد يشعر بعض الروايات بقبول الأرنب التذكية، كمكاتبة محمّد بن عبد الجبّار قال: كتبت إلىٰ أبي محمّد (عليه السّلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكة حرير محض، أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب

لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه إن شاء اللّٰه «1».

و من المعلوم أنّ التذكية لا تقع علىٰ نجس العين.

فيما يستدلّ به لنجاسة المذكورات

و في مقابلها جملة من الروايات ربّما يستدلّ بها للنجاسة، كمرسلة يونس، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته هل يحلّ أن يمسّ الثعلب و الأرنب أو شيئاً من السباع حيّاً و ميّتاً؟ قال

لا يضرّه، و لكن يغسل يده «2».

و صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء، فتمشي على الثياب، أ يصلّىٰ فيها؟ قال

اغسل ما رأيت من أثرها، و ما لم تره انضحه بالماء «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 207/ 810، وسائل الشيعة 4: 377، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 14، الحديث 4.

(2) الكافي 3: 60/ 4، وسائل الشيعة 3: 462، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 1: 261/ 761، وسائل الشيعة 3: 460، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 33، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 233

و صحيحته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال: سألته عن الفأرة و الكلب إذا أكلا من الخبز أو شمّاه، أ يؤكل؟ قال

يطرح ما شمّاه، و يؤكل ما بقي «1».

و قريب منها موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «2».

و رواية الحسين بن زيد، عن الصادق

(عليه السّلام) في حديث المناهي قال

نهىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن أكل سؤر الفأر «3».

و ذيل صحيحة هارون بن حمزة الغَنوي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الفأرة و العقرب و أشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيّاً، هل يشرب من ذلك الماء و يتوضّأ به؟ قال

يسكب منه ثلاث مرّات، و قليله و كثيره بمنزلة واحدة، ثمّ يشرب منه و يتوضّأ منه، غير الوزغ، فإنّه لا ينتفع بما يقع فيه «4».

و صحيحة معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفأرة و الوزغة تقع في البئر قال

ينزح منها ثلاث دلاء «5».

و رواية «العلل» و «العيون» عن محمّد بن سِنان، عن الرضا (عليه السّلام) فيما كتب

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 229/ 663، وسائل الشيعة 3: 465، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 36، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 465، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 36، الحديث 2.

(3) الفقيه 4: 2/ 1، وسائل الشيعة 1: 240، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 9، الحديث 7.

(4) تهذيب الأحكام 1: 238/ 690، وسائل الشيعة 1: 188، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 5.

(5) تهذيب الأحكام 1: 238/ 688، و: 245/ 706، وسائل الشيعة 1: 187، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 234

إليه من جواب مسائله في العلل

و حرّم الأرنب لأنّها بمنزلة السنَّوْر، و لها مخالب كمخالب السنَّوْر و السباع الوحش، فجرت مجراها، مع قذرها في نفسها، و ما يكون منها من الدم كما يكون من النساء؛ لأنّها

مسخ «1»

؛ بدعوىٰ أنّ «القذر» النجس.

إلىٰ غير ذلك ممّا لا بدّ من حملها على استحباب الغسل و التنزّه و كراهة الارتكاب؛ جمعاً بينها و بين ما هو نصّ في الطهارة، خصوصاً في الفأرة و الوزغة.

هذا لو سلّم ظهورها في النجاسة، و هو ممنوع في جلّها؛ فإنّ المرسلة- بعد إرسالها، و كلامٍ في محمّد بن عيسىٰ، عن يونس «2» لا يمكن حملها على النجاسة بعد اقترانهما ب «شي ء من السباع حيّاً و ميّتاً» مع كون جميع السباع طاهراً حيّاً إلّا ما ندر، و استثناؤها لا يخلو من استهجان.

مضافاً إلىٰ أنّ السؤال عن حلّية المسّ، و إطلاقه شامل للمسّ يابساً، و لا ينصرف إلىٰ حال الرطوبة كما ينصرف في ملاقي النجس، و معه لا محيص عن حمل الأمر على الاستحباب، و هو أولىٰ في المقام من ارتكاب التخصيص و التقييد، كما لا يخفى.

و صحيحة عليّ بن جعفر و غيرها ممّا وردت في الفأرة، لا تحمل عليها

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 93/ 1، علل الشرائع: 482/ 1، وسائل الشيعة 24: 109، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 2، الحديث 11.

(2) إشارة إلى ما ذكره النجاشي في ترجمة محمّد بن عيسى من أنّه «ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس و حديثه لا يعتمد عليه. و رأيت أصحابنا ينكرون هذا القول و يقولون: مَن مِثل أبي جعفر محمّد بن عيسى».

رجال النجاشي: 333/ 896، تنقيح المقال 3: 167/ السطر 26 (أبواب الميم).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 235

أيضاً؛ للسيرة المستمرّة علىٰ عدم التحرّز عن سؤرها، و معها لا ينقدح

في الذهن من الأمر بالغسل النجاسة.

و صحيحته الأُخرى الواردة في أكل الكلب و الفأرة و شمّهما، لا محيص عن حملها على الاستحباب أو كراهة الأكل؛ ضرورة أنّ مجرّد الشمّ بل الأكل لا يوجب النجاسة، و لم يفرض فيها سراية رطوبتهما، و مع الشكّ محكوم بالطهارة.

و صحيحة معاوية في النزح مع عدم دلالتها على النجاسة بعد كونه استحبابياً، تأمّل محمولة علىٰ موتهما فيه، كما هو مورد السؤال في باب المنزوحات غالباً.

و ذيل صحيحة الغنوي محمول على الكراهة؛ بصراحة صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة «1»، تأمّل.

و «القذر» في رواية «العلل» بعد الغضّ عن السند «2» لإيراد به النجاسة، و إلّا كان تمام الموضوع للحرمة، مع أنّ الظاهر منها أنّها جزء العلّة. و يشهد له ما رواه في «العلل»

و أمّا الأرنب، فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض و لا جنابة «3»

، و الظاهر أنّ القذارة فيه كالقذارة التي في المرأة الحائض و الجنب، و هي ليست النجاسة.

و كيف كان: لا إشكال في طهارة المذكورات، فضلًا عن طهارة المسوخ و ما لا يؤكل لحمه إلّا ما استثني؛ فإنّ نجاستهما بنحو العموم مخالف للنصّ و الإجماع، بل الضرورة، و لذا لا بدّ من تأويل ما نسب إلى الشيخ (رحمه اللّٰه) «4».

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 229.

(2) تقدّم وجه ضعفه في الصفحة 110، الهامش 3.

(3) علل الشرائع: 486/ 2.

(4) مفتاح الكرامة 1: 150/ السطر 16، تهذيب الأحكام 1: 224/ ذيل الحديث 642.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 237

المسكر المائع بالأصالة

اشارة

الثامن: المسكر المائع بالأصالة، كالخمر و غيرها، فالمشهور بيننا نجاسته، و لم ينقل من قدماء أصحابنا القول بالطهارة إلّا من الصدوق و والده في «الرسالة» و ابن أبي

عقيل و الجُعْفي «1».

لكن في «الجواهر»: «عدم ثبوت ذلك عن الثاني، بل أنكره بعض الأساطين، و عدم صراحة الأوّل فيه أيضاً، سيّما بملاحظة ما نقل عنه من إيجابه نزح البئر منه، كعدم معروفية حكاية ذلك عن الجُعْفي في كثير من كتب الأصحاب، كالعلّامة و غيره. نعم حكاه في «الذكرى» و تبعه بعض من تأخّر عنه» «2» انتهىٰ.

أقول: إنّ الصدوق نفى البأس على المحكي «3» عن الصلاة في ثوب أصابه خمر قائلًا: «إنّ اللّٰه حرّم شربها، و لم يحرّم الصلاة في ثوب أصابته» «4» و هو ظاهر

______________________________

(1) انظر الفقيه 1: 43، مختلف الشيعة 1: 310، ذكرى الشيعة 1: 114.

(2) جواهر الكلام 6: 3.

(3) مختلف الشيعة 1: 310.

(4) الفقيه 1: 43.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 238

في طهارتها. لكن من المحتمل بعيداً أن يكون مراده العفو في الصلاة، كقليل الدم.

و كذا لم ينقل من الجمهور إلّا عن داود و ربيعة «1»، و هو أحد قولي الشافعي علىٰ ما في «التذكرة» «2» لكن لم ينسبها إليه في «المنتهىٰ» «3» و ظاهره انحصار المخالف فيهم بداود، و في حكاية ربيعة.

و ربّما يظهر من البهائي عدم كون الشافعي قائلًا بها، حيث قال في «الحبل المتين»: «و قد أطبق علماء الخاصّة و العامّة علىٰ ذلك، إلّا شرذمة منّا و منهم لم يعتدّ الفريقان بمخالفتهم» «4».

بل من السيّد أيضاً حيث قال: «لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر، إلّا ما يحكىٰ عن شذّاذ لا اعتبار بقولهم» «5»، فإنّ الشافعي ليس من الشذّاذ الذين لا اعتداد بقولهم، و لم يعتدّ الفريقان بمخالفتهم.

و أمّا الصدوق منّا فلم يصرّح بالطهارة كما مرّ.

بل لعلّ المجتهدين كالسيّد و المفيد و الشيخ و

أضرابهم لم يعتدّوا برأيه و إن اعتدّوا بنقله و نفسه، و لهذا حكي عن الشيخ: «أنّ الخمر نجس بلا خلاف» «6» و لم يستثن أحداً.

______________________________

(1) الجامع لأحكام القرآن 6: 288، المجموع 2: 563.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 64.

(3) منتهى المطلب 1: 166/ السطر الأخير.

(4) الحبل المتين: 102/ السطر 7.

(5) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 34.

(6) المبسوط 1: 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 239

الاستدلال علىٰ نجاسة الخمر بالإجماع و الكتاب

و كيف كان: قد تكرّر نقل الإجماع بيننا بل بين المسلمين علىٰ نجاسة الخمر «1».

و تدلّ عليها الآية الكريمة إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «2».

بناءً علىٰ أنّ «الرجس» بمعنى النجس إمّا مطلقاً، أو في المقام؛ إمّا لنقل الإجماع في محكي «التهذيب» علىٰ أنّه هاهنا بمعنى النجس «3»، أو لمناسبة المقام؛ فإنّ اللّٰه تعالىٰ فرّع وجوب الاجتناب عن المذكورات علىٰ كونها رجساً من عمل الشيطان، و لا يناسب التفريعَ علىٰ مطلق الرجس المشترك بين ما لا بأس به و لا يجب الاجتناب عنه، و بين ما به بأس، فرفع اليد عن ذات العناوين و التفريع على الرجس، لا يناسب إلّا كونه بمعنى النجس المعهود الذي كان وجوب الاجتناب عنه معهوداً بينهم.

و يؤيّده إطلاق «الرجس» علىٰ لحم الخنزير، أو عليه و على الميتة و الدم في آية أُخرى «4»، و إطلاقه علىٰ لحم الخنزير و الخمر في بعض الروايات «5». و لا يبعد أن يكون ذلك تبعاً للآية.

______________________________

(1) راجع المبسوط 1: 36، غنية النزوع 1: 41، السرائر 1: 178، جواهر الكلام 6: 2.

(2) المائدة (5): 90.

(3) تهذيب الأحكام 1: 278/ ذيل الحديث 816.

(4) الأنعام (6): 145.

(5) وسائل الشيعة 3: 418، كتاب

الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 240

و بناءً علىٰ أنّ باب المجازات مطلقاً، ليس من قبيل استعمال اللفظ في غير ما وضع له، بل من قبيل ادعاء ما ليس بمصداق الماهية حقيقةً مصداقَها، و تطبيق المعنى الحقيقي الذي استعمل اللفظ فيه عليه، كما حقّق في محلّه «1».

ففي المقام استعمل «الرجس» في النجس الذي هو أحد معانيه بالتقريب المتقدّم، و ادعي كون الثلاثة التي بعد الخمر مصداقاً له؛ تنزيلًا لما ليس بنجس منزلته، لقيام القرينة العقلية عليه، و لم تقم قرينة على التنزيل و الادعاء في الخمر، فيحمل على الحقيقة، فتثبت نجاستها.

لكن بعد اللتيا و التي، إثبات نجاستها بالآية محلّ إشكال و مناقشة لا مجال للتفصيل حولها.

الاستدلال علىٰ نجاسة الخمر بالروايات

و أمّا الروايات فعلى طوائف:

منها: ما هي ظاهرة في النجاسة، و هي التي أُمر فيها بغسل ملاقيها، أو النهي عن الصلاة فيما يلاقيها، و هي كثيرة، كموثّقة عمّار بن موسى قال: سألته عن الدَّنّ يكون فيه الخمر، هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء كامخ أو زيتون؟ قال

إذا غسل فلا بأس.

و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر، أ يصلح أن يكون فيه ماء؟ قال

إذا غسل فلا بأس.

و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال

تغسله ثلاث مرّات.

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 104 107، تهذيب الأُصول 1: 43 45.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 241

و سئل: أ يجزيه أن يصبّ فيه الماء؟ قال

لا يجزيه حتّى يدلكه بيده، و يغسله ثلاث مرّات «1».

و الفقرات منها ظاهرة في النجاسة، و الأخيرة كالنصّ فيها.

و موثقتِه الأُخرىٰ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لاتصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر، و اغسله إن عرفت موضعه، فإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه، فإن صلّيت فيه فأعد صلاتك «2».

و نحوها مرسلة يونس، عنه (عليه السّلام) «3».

و رواية أبي جميلة البصري قال: كنت مع يونس ببغداد و أنا أمشي في السوق، ففتح صاحب الفُقّاع فُقّاعه، فقفز فأصاب ثوب يونس، فرأيته قد اغتمّ لذلك حتّى زالت الشمس، فقلت له: يا أبا محمّد، إلا تصلّي؟ قال: فقال لي: ليس أُريد أن أُصلّي حتّى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي.

فقلت له: رأي رأيته، أو شي ء ترويه؟ فقال: أخبرني هشام بن حكم: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفُقّاع، فقال

لا تشربه، فإنّه خمر مجهول، فإذا أصاب ثوبك فاغسله «4».

و لا تخفىٰ دلالتها على النجاسة من وجوه.

______________________________

(1) الكافي 6: 427/ 1، وسائل الشيعة 3: 494، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 51، الحديث 1.

(2) هذه محكيّة في الحدائق و غيره، و لم أجدها الآن عاجلًا في كتب الحديث. [منه (قدّس سرّه)]

(3) الكافي 3: 405/ 4، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 3.

(4) الكافي 6: 423/ 7، تهذيب الأحكام 1: 282/ 828، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 242

و صحيحة عليّ بن جعفر المنقولة في الأشربة المحرّمة، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن النَّضُوح يجعل فيه النبيذ، أ يصلح للمرأة أن تصلّي و هو علىٰ رأسها؟ قال

لا، حتّى تغتسل منه «1».

و صحيحته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال: سألته عن الشرب في الإناء يشرب فيه الخمر قدحاً عيدان أو باطية، قال

إذا

غسله فلا بأس.

قال: و سألته عن دَنّ الخمر يجعل فيه الخلّ و الزيتون أو شبهه، قال

إذا غسل فلا بأس «2» ..

إلىٰ غير ذلك.

بل يظهر من بعضها مفروغية النجاسة، كصحيحة معاوية بن عمّار الواردة في الثياب يعملها المجوس «3».

و منها: ما هي كصريحة أو صريحة فيها، كرواية أبي بصير في حديث أُمّ خالد العبدية في التداوي بالنبيذ، قال في ذيلها: ثمّ قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

ما يبلّ الميل ينجّس حبّا من ماء

يقولها ثلاثاً «4».

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 151/ 200، قرب الإسناد: 225/ 878، وسائل الشيعة 25: 380، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 37، الحديث 3.

(2) مسائل عليّ بن جعفر: 154/ 212 و 155/ 216، وسائل الشيعة 25: 369، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 30، الحديث 5 و 6.

(3) تهذيب الأحكام 2: 362/ 1497، وسائل الشيعة 3: 518، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 73، الحديث 1.

(4) الكافي 6: 413/ 1، وسائل الشيعة 25: 344، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 20، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 243

و حسنةِ خَيْران الخادم أو صحيحته «1» قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير، أ يصلّىٰ فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: صلّ فيه؛ فإنّ اللّٰه إنّما حرّم شربها، و قال بعضهم: لاتصلّ فيه. فوقّع

لاتصلّ فيه؛ فإنّه رجس .. «2»

إلىٰ آخره.

ضرورة أنّ «الرجس» في الحديث بمعنى النجس؛ فإنّ اختلاف الأصحاب لم يكن في استحباب غسله، بل في نجاسته كما هو واضح.

و صحيحةِ عبد اللّٰه بن سِنان قال: سأل أبي أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام)

و أنا حاضر: إنّي أعير الذمّي ثوبي، و أنا أعلم أنّه يشرب الخمر، و يأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن أُصلّي فيه؟ فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك؛ فإنّك أعرته إيّاه و هو طاهر، و لم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه «3».

فإنّ الظاهر منها مفروغية نجاسة الخمر و لحم الخنزير، و إنّما سأل عن الشبهة الموضوعية، فأجاب بما أجاب، حيث يعلم منه أنّه مع ملاقاته يصير نجساً، سيّما مع اقترانه بلحم الخنزير.

و صحيحةِ هارون بن حمزة الغَنوي بناءً علىٰ وثاقة يزيد بن إسحاق، كما لا تبعد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل اشتكىٰ عينيه، فنعت له بكحل يعجن

______________________________

(1) تقدّم وجه الترديد في الصفحة 12، الهامش 4.

(2) الكافي 3: 405/ 5، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 2: 361/ 1495، وسائل الشيعة 3: 521، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 74، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 244

بالخمر، فقال

هو خبيث بمنزلة الميتة، فإن كان مضطرّاً فليكتحل به «1».

فإنّ التنزيل منزلة الميتة إمّا يكون في النجاسة، أو مع الحرمة، لا في الحرمة فقط، سيّما مع قوله (عليه السّلام)

خبيث

و سيّما أنّ الاكتحال ليس بأكل، و أنّ الخمر مستهلك في الكحل، فالأنسب فيه النجاسة، و لا أقلّ من إطلاق التنزيل.

و منه يظهر صحّة الاستدلال برواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن دواء يعجن بالخمر لا يجوز أن يعجن إلّا به، إنّما هو اضطرار، فقال

لا و اللّٰه، لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه، فكيف

يتداوىٰ به؟! و إنّما هو بمنزلة شحم الخنزير الذي يقع في كذا و كذا .. «2»

إلىٰ آخره، تأمّل.

و يمكن عدّ الروايات الواردة في باب المنزوحات «3» من تلك الطائفة؛ فإنّ الناظر فيها لا يشكّ في أنّ نجاستها كانت مفروغاً عنها، و إنّما وقع بعدها السؤال عن حال البئر.

بل جميع الروايات في منزوحات البئر إلّا ما شذ منها واردة في ملاقاته لنجاسات مفروغ عنها، فلا شبهة في دلالتها عليها، سيّما مع إردافها بالدم و الميتة و لحم الخنزير، و تسويتها معها، فجعلها كالصريحة في المطلوب.

كما أنّ منها: موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: أنّه سأله عن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 114/ 493، وسائل الشيعة 25: 350، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 21، الحديث 5.

(2) بحار الأنوار 59: 88/ 15، وسائل الشيعة 25: 346، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 20، الحديث 10.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 179، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 245

الإناء يشرب فيه النبيذ، فقال

تغسله سبع مرّات، و كذلك الكلب «1».

فإنّ اقترانه بالكلب و تنظير الكلب به، جعله كالصريح في النجاسة و إن قلنا بأنّ السبع استحبابي.

و منها: ما أُمر فيها بإهراق ملاقيها، كرواية زكريّا بن آدم قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر، قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير، قال

يهراق المرق، أو تطعمه أهل الذمّة أو الكلب، و اللحم اغسله و كله.

قلت: فإنّه قطر فيه دم، قال

الدم تأكله النار إن شاء اللّٰه.

قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم، قال فقال

فسد.

قلت: أبيعه من اليهود و النصارى و أُبيّن لهم؟ قال

نعم؛ فإنّهم يستحلّون شربه.

قلت: و الفُقّاع هو بتلك المنزلة إذا قطر في شي ء من ذلك؟ قال فقال

أكره أن آكله إذا قطر في شي ء من طعامي «2».

و اشتمالها علىٰ أكل النار الدم، لا يضرّ بالمطلوب مع احتمال كون الدم مردّداً بين النجس و غيره، سيّما مع تعقيبه بأنّه مع تقطير الدم في العجين يوجب الفساد. و دلالتها على النجاسة لا تكاد تخفىٰ؛ فإنّ إهراق المرق الكثير لأمر استحبابي بعيد.

نعم، فيها إشعار بأنّ حرمة الخمر صارت موجبة للإهراق، علىٰ تأمّل؛ إذ لا يبعد أن يكون قوله (عليه السّلام)

يستحلّون شربه

إشارة إلىٰ ملازمة الحرمة و النجاسة، و إلّا فمجرّد حرمة الخمر أو الدم مع استهلاكهما لا يوجب التحريم.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 116/ 502، وسائل الشيعة 25: 377، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 35، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 279/ 820، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 246

و حسنة «1» عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتّى تذهب عاديته، و يذهب سكره؟ فقال

لا و اللّٰه، و لا قطرة قطرت في حبّ إلّا أُهريق ذلك الحبّ «2».

و إطلاقها يقتضي لزوم إهراق كلّ ما لاقاها و لو مثل الزيت و الدبس، و مع عدم النجاسة يكون الإهراق بعيداً مع استهلاكها. و احتمال أن يكون ذلك لأجل المبالغة في أمر الخمر و شربها، أيضاً بعيد؛ لإمكان بيان حرمتها و المبالغة فيها بنحو آخر غير الأمر بإهراق مال محترم.

الاستدلال علىٰ طهارة الخمر بالروايات و ردّه

و في

مقابلها روايات استدلّ بها للطهارة ربّما يقال ببلوغها اثنتي عشرة «3»، و هو غير ظاهر، إلّا أن يلحق بها بعض أدلّة النجاسة، كرواية إعارة الثوب لمن يعلم أنّه يشرب الخمر، حيث أجاز الصلاة فيه قبل غسله، و روايةٍ دلّت علىٰ جواز الصلاة فيما يعمله المجوس و هم يشربون الخمر،

______________________________

(1) رواها الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، و عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعاً، عن علي بن حكم، عن أبي المغراء، عن عمر بن حنظلة. و ليس في السند من يتأمّل فيه إلّا عمر بن حنظلة، و هو حسن لوجود الشواهد الكثيرة المذكورة في محلّه، فإنّها لو لم تدلّ على وثاقته فلا أقلّ من دلالتها على حسنه، كما قال المصنّف في كتاب «البيع».

منتهى المقال 5: 128، تنقيح المقال 2: 342/ السطر 15 (أبواب العين)، البيع 2: 639.

(2) الكافي 6: 410/ 15، وسائل الشيعة 25: 341، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 18، الحديث 1.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 360/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 247

و غيرهما، و قد مرّ أنّها ظاهرة في مفروغية نجاستها.

فممّا استدلّ بها صحيحة أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أصاب ثوبي نبيذ، أ أُصلّي فيه؟ قال

نعم.

قلت: قطرة من نبيذ قطر في حبّ، أشرب منه؟ قال

نعم؛ إنّ أصل النبيذ حلال، و أصل الخمر حرام «1».

و فيه: أنّها تدلّ علىٰ خلاف مطلوبهم إن جعلت العلّة مربوطة بالفقرتين؛ لدلالتها علىٰ ملازمة حرمة المشروب لنجاسته، و لا محيص عن حمل قوله (عليه السّلام)

أصل النبيذ حلال ..

إلىٰ آخره، علىٰ حلّية نفس النبيذ، و حرمة نفس الخمر، و إلّا

فما يؤخذ منه الخمر حلال بالضرورة. إلّا أن يراد من «الأصل» حال الغليان قبل صيرورته خمراً، و هو كما ترى.

و لا تدلّ علىٰ مطلوبهم إن جعلت علّة للأخيرة؛ فإنّها قرينة علىٰ أنّ المراد من

النبيذ

في الفقرة المتقدّمة قسم الحلال منه. و لا يبعد شيوع النبيذ الحلال في تلك الأزمنة؛ بحيث كان اللفظ منصرفاً إليه، و لهذا ترى في بعض الروايات تقييده بالمسكر «2»، و في بعضها سئل عنه بلا قيد، فأجاب بأنّه حلال، كرواية الكلبي النسّابة: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن النبيذ، فقال

حلال.

فقال: إنّا ننبذه، فنطرح فيه العَكَر و ما سوىٰ ذلك، فقال

شه، شه، تلك الخمرة المنتنة .. «3»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 279/ 821، وسائل الشيعة 3: 471، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 3: 468، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 3 و 8 و 14.

(3) الكافي 6: 416/ 3، وسائل الشيعة 1: 203، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 2، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 248

و موثّقة حنان بن سَدير قال: سمعت رجلًا يقول لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما تقول في النبيذ، فإنّ أبا مريم يشربه، و يزعم أنّك أمرته بشربه؟ فقال

صدق أبو مريم، سألني عن النبيذ، فأخبرته أنّه حلال، و لم يسألني عن المسكر «1».

فيظهر منهما شيوع استعماله في القسم الحلال، و معه لا مجال للاستدلال بها للطهارة في القسم الحرام.

و العجب من الأردبيلي حيث اقتصر علىٰ نقل صدرها لمطلوبه، و ترك ذيلها الذي هو قرينة على الصدر، أو دالّ علىٰ خلاف مطلوبه «2».

و أعجب منه توهّم «3» انحصار الصحيحة في الروايات الدالّة

على النجاسة بصحيحة ابن مهزيار «4»، مع أنّ فيها جملةً من الصحاح تدلّ عليها، كصحيحتي «5» عبد اللّٰه بن سِنان في باب إعارة الثوب الذمّيَّ، و معاوية بن عمّار في باب طهارة ما يعمله الكفّار من الثياب ما لم يعلم تنجيسهم لها و غيرها.

مع أنّ الموثّق سيّما مثل موثّق عمّار «6» لا يقصر في إثبات الحكم عن الصحاح.

و العجب منه أيضاً تصحيح رواية الحسين بن أبي سارة بمجرّد ظنّه بأنّ

______________________________

(1) الكافي 6: 415/ 1، وسائل الشيعة 25: 352، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 22، الحديث 5.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1: 310.

(3) نفس المصدر.

(4) ستأتي في الصفحة 256.

(5) تقدّمتا في الصفحة 242 243.

(6) تقدّم في الصفحة 240.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 249

ما وقع في «التهذيب» في موضعين «1»، من اشتباه النسّاخ، و أنّ الصحيح: «الحسن بن أبي سارة» لوقوعه في «الاستبصار» مكبّراً «2»، و عدم ذكر من الحسين في الرجال «3»، فإنّ مجرّد وقوعه فيه كذلك و إهمال الحسين، لا يوجب الاطمئنان به، و الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً مع أنّ إهمال الراوي في كتب الرجال ليس بعزيز، و من المحتمل أنّ لأبي سارة ولداً آخر يسمّىٰ ب «الحسين» و قد أهمله أصحاب الرجال لجهالته.

نعم لو قيل: بأنّ ذلك لا يوجب جواز طرح رواية «الإستبصار» التي في سندها الحسن الثقة، لكان له وجه.

لكنّه غير وجيه؛ لعدم احتمال كون ما في «الاستبصار» حديثاً ثالثاً غير ما في «التهذيب» مع اتحادهما من جميع الجهات إلّا الاختلاف في الحسن مكبّراً و مصغّراً، و مع ما يقال: إنّ «الاستبصار» قطعة من «التهذيب» «4».

و قد قلنا في محلّه: أن لا

دليل علىٰ حجّية أخبار الثقة إلّا بناء العقلاء الممضى من الشارع المقدّس «5»، و ليس بناؤهم على الاحتجاج بمثل هذه الرواية مع هذه الحال. مضافاً إلىٰ أنّ متنها أيضاً لا يخلو من نحو اختلال، و هو هذا: قال قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إن أصاب ثوبي شي ء من الخمر، أُصلّي فيه قبل أن أغسله؟

قال

لا بأس؛ إنّ الثوب لا يسكر «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 280/ 822 و 824.

(2) الاستبصار 1: 189/ 664 و 666.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 311.

(4) وسائل الشيعة، (الخاتمة) 30: 542.

(5) أنوار الهداية 1: 313، تهذيب الأُصول 2: 133.

(6) تهذيب الأحكام 1: 280/ 822، وسائل الشيعة 3: 471، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 250

فإنّ هذا التعليل غير المناسب للسؤال و الحكم، ربّما يوجب وهناً فيها، سيّما في المقام؛ سواء كان

لا يُسكر

من باب الإفعال؛ و يراد به أنّ الثوب لا يوجب سكر لابسه حتّى لا تصحّ صلاته لأجل كونه سكرانَ، أو يراد به أنّ الثوب لا يكون مسكراً حتّى لا تصحّ الصلاة فيه، أو من المجرّد؛ و يراد به أنّ الثوب لا يصير سكرانَ؛ فإنّ أفاده طهارة الثوب أو الخمر بتلك العلّة البعيدة عن الأذهان و غير المناسبة للمقام، توجب وهناً فيها، و ينقدح في الذهن أنّها معلّلة. مع أنّه على الاحتمال الثاني تشعر بنجاسة الخمر، أو تدلّ عليها.

و أضعف منها سنداً و دلالة روايته الأُخرىٰ:

قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّا نخالط اليهود و النصارى و المجوس، و ندخل عليهم و هم يأكلون و يشربون، فيمرّ ساقيهم، و يصبّ علىٰ ثيابي الخمر، فقال

لا بأس به،

إلّا أن تشتهي أن تغسله لأثره «1».

فإنّها مضافاً إلى اشتراكها مع ما قبلها في الحسين بن أبي سارة في سندها صالح بن سَيابة، و هو مجهول.

مع أنّ في متنها أيضاً وهناً:

من جهة تقريره حضورهم في مجلس شربهم، و المخالطة معهم حتّى في المجالس التي يشربون فيها، و يدور الساقي حولها، مع أنّه حرام منهي عنه.

و من جهة دلالتها علىٰ طهارة الطوائف الثلاث؛ فإنّ الظاهر أنّ الخمر التي أصابت ثيابه من يد ساقيهم، كانت من فضلهم، و من الكأس الدائر بينهم للشرب،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 280/ 824، وسائل الشيعة 3: 471، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 251

فتعارض ما دلّت علىٰ نجاستهم آيةً و روايةً و إجماعاً «1»، و سيأتي محمل لمثلها «2».

و يتلوهما في ذلك رواية الصدوق قال: سئل أبو جعفر و أبو عبد اللّٰه (عليهما السّلام) فقيل لهما: إنّا نشتري ثياباً يصيبه الخمر و ودك الخنزير عند حاكتها، أ نصلّي فيها قبل أن نغسلها؟ فقالا

نعم، لا بأس؛ إنّ اللّٰه إنّما حرّم أكله و شربه، و لم يحرّم لبسه و لمسه و الصلاة فيه «3».

إذ اشتمالها علىٰ «ودك الخنزير» أي شحمة و دسمه الذي لا يجوز الصلاة فيه بما أنّه نجس العين، و بما أنّه ميتة، و بما أنّه من غير المأكول، موجب لوهنها و عدم جواز التمسّك بها. و التفكيك في مثله كما ترى.

و نظيرهما في ضعف السند بل الدلالة رواية حفص الأعور قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الدَّنّ يكون فيه الخمر، ثمّ يجفّف فيجعل فيه الخلّ، قال

نعم «4».

لجهالة حفص، و قوّةِ احتمال أن يكون السائل بصدد السؤال عن

أنّ الدنّ الذي هو وعاء من خزف ينفذ فيه الخمر إذا جفّف يجعل فيه الخلّ، و لا ينفذ من جوفه الخمر؛ فتسري إلى الخلّ فتفسده و تنجّسه؟ و لم يكن في مقام السؤال عن طهارة الخمر و نجاستها.

بل تشعر الرواية أو تدلّ علىٰ نجاستها من حيث مفروغيتها، و السؤال عن نفوذها و تنجيسها، تأمّل. و كيف كان؛ الظاهر عدم الإطلاق فيها.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 391 416.

(2) سيأتي في الصفحة 252 253.

(3) الفقيه 1: 160/ 752، وسائل الشيعة 3: 472، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 13.

(4) الكافي 6: 428/ 2، وسائل الشيعة 3: 495، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 51، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 252

و بالجملة: لمّا كانت الظروف التي تصنع فيها الخمر من نظائره، منهياً عنها في الروايات كما في رواية أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

نهىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن كلّ مسكر، فكلّ مسكر حرام.

قلت: فالظروف التي يصنع فيها منه؟ قال

نهىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الدباء و المُزَفَّت و الحَنْتَم و النقير .. «1»

إلىٰ آخره فلعلّ ذلك صار سبباً للسؤال عن نحوها، فلا يكون لها إطلاق يتمسّك به للطهارة؛ لو لم نقل بدلالتها علىٰ خلافها.

و منه يظهر الكلام في حسنة «2» عليّ الواسطي قال: دخلت الجويرية- و كانت تحت عيسىٰ بن موسى علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و كانت صالحة، فقالت: إنّي أتطيّب لزوجي، فيجعل في المشطة التي أمتشط بها الخمر، و أجعله في رأسي، قال

لا بأس «3».

لقرب احتمال أن تكون شبهتها في حلّية الانتفاع

بالخمر، و جواز التمشّط بها؛ ضرورة أنّه مع تلك التشديدات في أمر الخمر و المسكر كقوله (عليه السّلام)

لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه «4»

، و قوله (عليه السّلام)

ما أُحبّ أن أنظر إليه، و لا

______________________________

(1) الكافي 6: 418/ 3، وسائل الشيعة 3: 496، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 52، الحديث 2.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العبّاس بن معروف، عن سعدان بن مسلم، عن علي الواسطي، و الرواية حسنة بسعدان بن مسلم.

راجع تنقيح المقال 1: 23/ السطر 6، منتهى المقال 3: 331.

(3) تهذيب الأحكام 9: 123/ 530، وسائل الشيعة 25: 379، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 37، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 25: 346، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 20، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 253

أشمّه «1»

، و النهي عن الانتفاع بها «2»، و تحريم الأكل علىٰ مائدة تشرب عليها الخمر «3»، و النهي عن الجلوس عند شرّاب الخمر «4»، و عن الصلاة في بيت فيه خمر «5»، و عن الظروف التي يصنع فيها الخمر «6»، و عن التداوي بها «7» .. إلىٰ غير ذلك «8» ينقدح في الأذهان عدم جواز التطيّب بها، بل و سائر الانتفاعات. بل لعلّه تنقدح فيها شبهة جواز مسّها و لمسها، و لبس الثوب الذي أصابها.

و عليه لا يبقى لمثل قوله (عليه السّلام)

لا بأس

ظهور في الطهارة مع قرب احتمال نفي الحرمة النفسية، فإذن فرق بين الخمر و المسكر، و بين سائر الموارد ممّا لا يحتمل الحرمة النفسية احتمالًا معتدّاً به، حيث يقال فيها: بظهور

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 345، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب

الأشربة المحرّمة، الباب 20، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 25: 280، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 1، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 25: 374، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 33، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 25: 374، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 33، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 7.

(6) وسائل الشيعة 25: 357، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 25، الحديث 1.

(7) وسائل الشيعة 25: 343، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 20، الحديث 1.

(8) مثل تحريم الاكتحال بالخمر، راجع وسائل الشيعة 25: 349، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 254

نفي البأس في نفي المانعية أو النجاسة، فإنّه مع هذا الاحتمال القريب، لا يبقى لنفي البأس ظهور في الغيرية حتّى يستفاد منه ذلك.

و عليه لا يبعد إنكار ظهور موثّقة ابن بكير قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا عنده عن المسكر و النبيذ يصيب الثوب، قال

لا بأس «1»

، في نفي البأس الغيري حتّى يستفاد منه الطهارة، أو عدم المانعية؛ بعد احتمال أن يكون نفيه عن لبس ما يصيبه الخمر، كما نفى البأس عنه في موثّقته الأُخرى المتقدّمة، و فيها

نعم لا بأس، إنّ اللّٰه حرّم أكله و شربه، و لم يحرّم لبسه و لمسه و الصلاة فيه «2»

، فإنّها تشعر أو تدلّ علىٰ أنّ جواز اللبس و اللمس، أيضاً كان مورد الشبهة و النظر، فلا يبقى ظهورها في الطهارة بعد ما عرفت. و هذا ليس ببعيد بعد التأمّل فيما مرّ، و

التدبّر فيما ورد في الخمر؛ و إن كان بعيداً بدواً.

و أمّا صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن البيت يبال علىٰ ظهره، و يغتسل من الجنابة، ثمّ يصيبه المطر، أ يؤخذ من مائه فيتوضّأ به للصلاة؟ فقال

إذا جرىٰ فلا بأس به.

قال: و سألته عن الرجل يمرّ في ماء المطر و قد صبّ فيه خمر، فأصاب ثوبه، هل يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ فقال

لا يغسل ثوبه و لا رجله، و يصلّي فيه، و لا بأس به «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 280/ 823، وسائل الشيعة 3: 471، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 11.

(2) تقدّم في الصفحة 251، لكن رواها الصدوق مرسلة في الفقيه و مسندة في العلل بسند صحيح إلىٰ بكير دون ابن بكير. الفقيه 1: 160/ 752، علل الشرائع: 357/ 1.

(3) الفقيه 1: 7/ 6 و 7، وسائل الشيعة 1: 145، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 255

و عن «كتاب عليّ بن جعفر» مثله، و زاد: و سألته عن الكنيف يكون فوق البيت، فيصيبه المطر، فيكفّ فيصيب الثياب، أ يصلّىٰ فيها قبل أن تغسل؟ قال

إذا جرىٰ من ماء المطر لا بأس، و يصلّى فيه «1».

فهي من أدلّة نجاسة الخمر لا طهارتها؛ ضرورة أنّ السؤال عنها كالسؤال عن البول و الكنيف بعد الفراغ عن نجاستها إنّما هو عن حال إصابة المطر لها.

و الإنصاف: أنّ الاستدلال بمثلها للطهارة، ليس إلّا لتكثير سواد الدليل، و إلّا فهي من أدلّة نجاستها.

و أمّا رواية «فقه الرضا» «2» فمع ضعفها بل عدم ثبوت كونها رواية «3» مشتملة علىٰ ما لا

نقول به، فراجعها.

فما بقي في الباب إلّا صحيحة ابن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي، فأغسله، أو أُصلّي فيه؟ قال

صلّ فيه، إلّا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر؛ إنّ اللّٰه تعالىٰ إنّما حرّم شربها «4»

،

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 192/ 398.

(2) و هي هكذا «لا بأس أن تصلّي في ثوب أصابه خمر لأنّ اللّٰه حرّم شربها و لم يحرم الصلاة في ثوب أصابته و إن خاط خياط ثوبك بريقه و هو شارب الخمر إن كان يشرب غبّاً فلا بأس و إن كان مدمناً للشرب كل يوم فلا تصلّ في ذلك الثوب حتّى يغسل».

الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 281، مستدرك الوسائل 2: 584، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 4.

(3) لوجود الشواهد علىٰ أنّ هذا الكتاب من تصنيف بعض العلماء، و ليس كتاب مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) كما قاله المصنّف (قدّس سرّه) في الجزء الأوّل: 528.

(4) قرب الإسناد: 163/ 595، وسائل الشيعة 3: 472، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 256

فإنّها سليمة سنداً و دلالةً من الخدشة.

بل يمكن أن يقال: إنّ قوله (عليه السّلام)

إلّا أن تقذره فتغسل منه ..

إلىٰ آخره، نحو تفسير للأوامر الواردة في غسل الثوب منها. بل لقوله

رجس

و

نجس

بدعوىٰ: أنّ القذارة فيها بالمعنى العرفي، فتكون شاهدة للرجس و النجس في غيرها.

بل قوله (عليه السّلام)

إنّ اللّٰه إنّما حرّم شربها ..

إلىٰ آخره، حاكم علىٰ ما تقدّم لولا صحيحة عليّ بن مَهْزِيار قال: قرأت في كتاب عبد اللّٰه بن محمّد إلىٰ أبي الحسن (عليه السّلام): جعلت فداك، روىٰ زرارة، عن أبي

جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام): في الخمر يصيب ثوب الرجل، أنّهما قالا

لا بأس بأن تصلّي فيه؛ إنّما حرّم شربها.

و روى غير زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ- يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه، و إن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه، و إن صلّيت فيه فأعد صلاتك.

فأعلمني ما آخذ به؟

فوقّع (عليه السّلام) بخطّه و قرأته

خذ بقول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «1».

و حسنة خَيْران الخادم أو صحيحته المتقدّمة «2»، فإنّهما حاكمتان عليها و علىٰ جميع الروايات في الباب؛ علىٰ فرض تسليم دلالتها.

و العجب من الأردبيلي، حيث ردّ الأُولىٰ تارة: باحتمال أنّ المراد من الأخذ بقول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) هو الأخذ بقوله المشترك مع أبي جعفر (عليه السّلام)،

______________________________

(1) الكافي 3: 407/ 14، تهذيب الأحكام 1: 281/ 826، وسائل الشيعة 3: 468، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 2.

(2) تقدّم وجه الترديد في الصفحة 12، الهامش 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 257

و أُخرى: بأنّ المشافهة خير من المكاتبة «1»، و أنت خبير بما فيه من الضعف.

ثمّ إنّه علىٰ فرض تسليم دلالة الروايات المذكورة على الطهارة، و الغضّ عمّا مرّ، فلا شبهة في تعارض الطائفتين من غير جمع مقبول بينهما؛ ضرورة وقوع المعارضة و المخالفة بين قوله (عليه السّلام)

لاتصلّ فيه؛ فإنّه رجس

، و قوله (عليه السّلام)

ما يبلّ الميل ينجّس حبّا من ماء

، و قوله (عليه السّلام)

لا و اللّٰه، و لا قطرة قطرت في حبّ إلّا أُهريق ذلك الحبّ

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى

قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 257

، و قوله (عليه السّلام)

إنّه خبيث بمنزلة الميتة، و إنّه بمنزلة شحم الخنزير

، و قوله (عليه السّلام)

تغسل الإناء منه سبع مرّات، و كذلك الكلب ..

إلىٰ غير ذلك.

و بين قوله (عليه السّلام)

لا بأس بالصلاة فيه

، و قوله (عليه السّلام)

صلّ فيه

معلّلًا ب

أنّ اللّٰه إنّما حرّم شربها ..

إلىٰ غير ذلك.

و لو حاول أحد الجمع بينهما؛ بحمل الطائفة الأُولىٰ على الاستحباب «2»، أو حمل «الرجس» و «النجس» علىٰ غير ما هو المعهود «3»، لساغ له الجمع بين جميع الروايات المتعارضة، فإنّه ما من مورد إلّا و يمكن حمل الروايات علىٰ ما يخرجها عن التعارض، فبقيت أخبار العلاج بلا مورد، و قد حقّق في محلّه: أنّ ميزان الجمع هو الجمع العرفي لا العقلي «4»، و هو مفقود في المقام.

و قد قلنا في محلّه: إنّ الشهرة التي أُمرنا في مقبولة عمر بن حنظلة «5» في

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 1: 310.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1: 312، مدارك الأحكام 2: 292، مستمسك العروة الوثقى 1: 401.

(3) انظر مدارك الأحكام 2: 291.

(4) التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 59 60.

(5) الكافي 1: 67/ 10، وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 258

باب التعارض بالأخذ بها، و ترك الشاذّ النادر المقابل لها، هو الشهرة في الفتوىٰ، لا في النقل، و تلك الشهرة و مقابلها معيار تشخيص الحجّة عن اللاحجّة، و المشهور بين الأصحاب بيّن رشده، و مقابله بيّن غيّه، و المقام من هذا القبيل، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «1».

سريان حكم الخمر في جميع المسكرات المائعة بالأصالة

ثمّ إنّ

حكم الخمر سارٍ في جميع المسكرات المائعة بالأصالة، و لا يختصّ بالخمر و النبيذ المنصوص عليهما في الروايات:

لا لصدق «الخمر» عليها لغة أو عرفاً؛ ضرورة عدم ثبوت ذلك لو لم نقل بثبوت خلافه.

و لا للحقيقة الشرعية كما ادعاها صاحب «الحدائق» مستدلّاً بجملة من الروايات، كرواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في قوله تعالىٰ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ .. «2» الآية

أمّا الخمر: فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر، و ما أسكر كثيره فقليله حرام ..

ثمّ ذكر قضيّة أبي بكر.

ثمّ قال

إنّما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البُسْر و التمر، فلمّا نزل تحريمها خرج رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقعد في المسجد، ثمّ دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأكفاها، و قال: هذه كلّها خمر حرّمها اللّٰه، فكان أكثر شي ء اكفئ في ذلك اليوم الفضيخ، و لم أعلم اكفئ يومئذٍ من خمر العنب شي ء إلّا إناء واحد كان

______________________________

(1) التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 175.

(2) المائدة (5): 90.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 259

فيه زبيب و تمر جميعاً، و أمّا عصير العنب فلم يكن منه يومئذٍ بالمدينة شي ء، و حرّم اللّٰه الخمر قليلها و كثيرها، و بيعها و شراءها، و الانتفاع بها .. «1»

إلىٰ آخره.

و بما عن ابن عبّاس في تفسير الآية قال: «يريد بالخمر جميع الأشربة التي تسكر» «2».

و بقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) المحكي في رواية عطاء بن يسار، عن الباقر (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): كلّ مسكر حرام، و كلّ مسكر خمر «3».

و بجملة من الروايات المصرّحة بأنّ

الخمر من خمسة أو ستّة أشياء، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال:

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): الخمر من خمسة: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع من العسل، و المِزْر من الشعير، و النبيذ من التمر «4»

، و نحوها غيرها «5».

قال في «الحدائق»: «فقد ظهر بما نقلناه من الأخبار، تطابق كلام اللّٰه تعالىٰ و رسوله علىٰ أنّ الخمر أعمّ ممّا ذكروه من التخصيص بالمتخذ من

______________________________

(1) تفسير القمّي 1: 180، وسائل الشيعة 25: 280، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 1، الحديث 5.

(2) انظر مجمع البيان 3: 370.

(3) الكافي 6: 408/ 3، وسائل الشيعة 25: 326، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 15، الحديث 5.

(4) الكافي 6: 392/ 1، وسائل الشيعة 25: 279، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 1، الحديث 1.

(5) راجع وسائل الشيعة 25: 279، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 1، الحديث 2 و 3 و 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 260

العنب، فيكون حقيقة شرعية في ذلك بلا إشكال» «1».

و أنت خبير بما فيه؛ ضرورة أنّ تلك الروايات و قول ابن عبّاس، لا يثبت بها إلّا إطلاق «الخمر» علىٰ غير المتخذ من العنب أحياناً، و أمّا كونه علىٰ وجه الحقيقة فغير ظاهر. و التمسّك بأصالة الحقيقة مع معلومية المراد و الشكّ في الوضع لإثباته كما ترى. مع أنّ شأن الرسول و الأئمّة صلوات اللّٰه عليهم ليس بيان اللغة و وضعها.

و العجب منه كيف غفل عن سائر الروايات الظاهرة في أنّ الخمر مختصّة بالمتخذ من العنب، و

أنّ ما حرّم اللّٰه تعالىٰ هو ذلك بعينه، و أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حرّم غيره من المسكرات؟! كرواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

وضع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دية العين و دية النفس، و حرّم النبيذ و كلّ مسكر.

فقال له رجل: وضع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من غير أن يكون جاء فيه شي ء؟ فقال

نعم؛ ليعلم من يطيع الرسول ممّن يعصيه «2».

فانظر كيف صرّح فيها بعدم ورود شي ء في حرمة المسكرات، مع ورود حكم الخمر في الكتاب العزيز.

و روايةِ أبي الربيع الشامي قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ اللّٰه حرّم الخمر بعينها، فقليلها و كثيرها حرام، كما حرّم الميتة و الدم و لحم الخنزير، و حرّم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الشراب من كلّ مسكر، و ما حرّمه رسول اللّٰه فقد حرّمه اللّٰه عزّ و جلّ «3».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 113 114.

(2) الكافي 1: 210/ 7، وسائل الشيعة 25: 354، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 2.

(3) الكافي 6: 408/ 2، وسائل الشيعة 25: 325، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 15، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 261

و روايةِ الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن النبيذ، فقال

حرّم اللّٰه الخمر بعينها، و حرّم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من الأشربة كلّ مسكر

«1». و أوضح منها صحيحة عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) قال

إنّ اللّٰه لم يحرّم الخمر

لاسمها، و لكن حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر «2».

فإنّها صريحة في أنّ اسم «الخمر» لا يطلق علىٰ غيرها من المسكرات، لكنّها خمر عاقبة و أثراً و حكماً، و هي شاهدة للمراد في الروايات التي تمسّك بها صاحب «الحدائق» «3» بأنّ المراد من كون الخمر من خمسة: أنّها خمر لأجل كون عاقبتها عاقبة الخمر، فهي خمر حكماً، لا اسماً و لغة.

و لا تنافي بينها و بين ما تقدّم من أنّ تحريم غيرها من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فإنّ الظاهر منها أيضاً أنّ اللّٰه إنّما حرّم الخمر، لكن سرّ تحريمه عاقبتها، و رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حرّم كلّ ما فيه هذا السرّ.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ اللّٰه تعالىٰ حرّم الخمر فقط، لكن حكمة الجعل إسكاره، و رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حرّم كلّ ما فيه هذه الحكمة.

و لا لكون «النبيذ» حقيقة في جميع الأنبذة؛ و إن ظهر ذلك من بعض

______________________________

(1) الكافي 6: 408/ 5، وسائل الشيعة 25: 326، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 15، الحديث 6.

(2) الكافي 6: 412/ 2، وسائل الشيعة 25: 342، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 19، الحديث 1.

(3) الحدائق الناضرة 5: 113 114.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 262

اللغويين، قال في «القاموس»: «النبيذ: الملقى، و ما نبذ من عصير و نحوه» «1».

و في «المجمع»: «و النبيذ: ما يعمل من الأشربة من التمر و الزبيب و العسل و الحنطة و الشعير و غير ذلك» «2».

و في «المنجد»: «النبيذ: المنبوذ، الخمر المعتصر من العنب أو التمر، الشراب

عموماً» «3».

و ذلك لأنّ الشائع في عصر صدور الروايات و محلّه؛ هو استعماله في النبيذ من التمر، و قد يطلق على الزبيب، فكان المستعمل فيها منصرفاً عن سائر الأنبذة جزماً، و عن الزبيب ظاهراً، و قد تقدّم عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أنّ

الخمر من خمسة .. «4»

و خصّ النبيذ بالتمر، و النقيع بالزبيب، و لعلّ شيوع استعماله فيه لأجل كون التمر في محيط صدور الروايات شائعاً جدّاً، و ما كانوا ينبذون من غيره إلّا نادراً.

و كيف كان: لا يمكن استفادة حكم سائر المسكرات من روايات النبيذ.

بل لروايات خاصّة مضافاً إلىٰ عدم الخلاف فيه ممّن قال بحرمته «5»، و قد مرّ عدم الاعتداد بخلاف من خالف في المسألة المتقدّمة «6» كموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لاتصلّ في بيت فيه خمر و لا مسكر؛ لأنّ الملائكة

______________________________

(1) القاموس المحيط 1: 372.

(2) مجمع البحرين 3: 189.

(3) المنجد: 785.

(4) تقدّم في الصفحة 259.

(5) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 35.

(6) تقدّم في الصفحة 238.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 263

لا تدخله، و لا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى تغسله «1».

و الخدشة فيها: بأنّ اشتمالها على النهي عن الصلاة في بيت فيه خمر المحمول على الكراهة، يوهن دلالتها على الحرمة الوضعية «2».

مدفوعة أوّلًا: بأنّ مجرّد ورود نهي في صدرها قام الدليل علىٰ عدم حرمته، لا يوجب الوهن في نهي آخر مستقلّ مستأنف.

و ثانياً: اقتران «المسكر» ب «الخمر» و عطفه عليها يدفع توهّم الوهن لو فرض؛ فإنّ النهي عن الصلاة في ثوب أصابه خمر، تحريميّ كما مرّ «3»، و لأجل نجاستها، كما صرّحت بها

رواية خَيْران الخادم «4»، و كذلك في «المسكر» المعطوف عليه.

و حسنةِ «5» عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتّى تذهب عاديته، و يذهب سكره؟ فقال

لا و اللّٰه، و لا قطرة قطرت في حبّ إلّا أُهريق ذلك الحبّ «6».

بل و صحيحة عليّ بن مَهْزِيار «7»؛ بناءً علىٰ أنّ قوله: «يعني المسكر» لم يكن تفسيراً للنبيذ، بل يكون المراد التعميم في السؤال، و هو و إن كان للراوي ظاهراً، لكن تقرير أبي الحسن (عليه السّلام) إيّاه، و إرجاعه إلىٰ قول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 278/ 817، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 7.

(2) مشارق الشموس: 331/ السطر 24.

(3) تقدّم في الصفحة 240.

(4) تقدّم في الصفحة 243.

(5) تقدّم وجهها في الصفحة 246، الهامش 1.

(6) تقدّم في الصفحة 246.

(7) تقدّمت في الصفحة 256.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 264

من غير التعرّض للتفسير، دالّ على ارتضائه به.

لكن للخدشة فيها مجال؛ لاحتمال أن يكون التفسير للنبيذ؛ فإنّه علىٰ قسمين: محلّل، و محرّم مسكر.

و الإنصاف: أنّ روايات النبيذ مع التقييد بالمسكر، أو التفسير به، و ما وردت في الخمر كقوله (عليه السّلام)

إنّ الثوب لا يسكر

، و قوله (عليه السّلام)

إنّ اللّٰه لم يحرم الخمر لاسمها، لكن حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر

ممّا تؤيّد نجاسة مطلق المسكر.

بل لأحد أن يقول: إنّ المستفاد من الأخيرة عموم التنزيل و إطلاقه. و مجرّد كون صدرها في مقام بيان التحريم، لا يوجب صرف الإطلاق.

إلّا أن يقال: إنّ المعروف من خاصّة الخمر في تلك الأزمنة هو حرمتها لا نجاستها،

فإنّها كانت محلّ خلاف و كلام، فينزّل على الخاصّة المعروفة في زمان الصدور. و هو لا يخلو من تأمّل و كلام.

و أمّا التمسّك لإثبات النجاسة بما دلّت علىٰ أنّ الخمر من خمسة أشياء «1»؛ بدعوىٰ أنّ الحمل إمّا حقيقي كما قد يدّعى «2»، و إمّا لثبوت أحكام الحقيقة، فغير تامّ؛ لأنّ الحمل ليس بحقيقي كما تقدّم «3»، و ليس في تلك الروايات إطلاق جزماً، فهي أسوأ حالًا من الرواية المتقدّمة؛ و إن عكس الأمر شيخنا الأعظم (رحمه اللّٰه) «4».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 259.

(2) الحدائق الناضرة 5: 114.

(3) تقدّم في الصفحة 258.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 360/ السطر 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 265

طهارة المسكر الجامد بالأصالة

ثمّ إنّ مقتضى الأصل طهارة المسكر الجامد بالأصالة و إن صار مائعاً بالعرض، كما نصّ عليها في محكي «التذكرة»، و «الذكرى»، و «جامع المقاصد»، و «الروض»، و «المسالك»، و «المدارك»، و «الذخيرة» «1».

بل عن الأخير: «أنّ الحكم بنجاسة المسكرات مخصوص عند الأصحاب بما هو مائع بالأصالة». و عن «المدارك»: «أنّ الحكم به مقطوع به في كلام الأصحاب».

بل عن «الدلائل» نقل الإجماع عليه «2». و عن «الحدائق» اتفاق كلّهم عليه «3». و عن «شرح الدروس» عدم ظهور الخلاف فيه «4».

و قد يتوهّم شمول بعض الروايات الدالّة على النجاسة له أيضاً «5»، كعموم التنزيل في الرواية المتقدّمة «6»، و قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

كلّ مسكر حرام، و كلّ مسكر خمر «7» ..

إلىٰ غير ذلك.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 65، ذكرى الشيعة 1: 118، جامع المقاصد 1: 161، روض الجنان: 163/ السطر 27، مسالك الأفهام 1: 122، مدارك الأحكام 2: 289، ذخيرة المعاد: 154/ السطر 39.

(2) انظر مفتاح الكرامة

1: 139/ السطر 27.

(3) الحدائق الناضرة 5: 117.

(4) مشارق الشموس: 335/ السطر الأخير.

(5) مشارق الشموس: 335/ السطر الأخير، مستمسك العروة الوثقى 1: 404.

(6) تقدّمت في الصفحة 261.

(7) تقدّم في الصفحة 259.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 266

و فيه: أنّها منصرفة إلى المائعات، خصوصاً مع حصر الخمر في الروايات التي تقدّم بعضها بالأشياء التي كلّها مائعات بالأصالة. مضافاً إلىٰ قوله (عليه السّلام) في رواية أبي الجارود

فكلّ مسكر من الشراب فهو خمر.

هذا مع عدم الجزم بعموم التنزيل في تلك الروايات، فلا ينبغي التأمّل في قصورها عن إثباتها.

نجاسة المسكر المنجمد المائع بالأصالة

كما لا ينبغي التأمّل في نجاسة المنجمد من المسكر المائع بالأصالة؛ للأصل، بل إطلاق الأدلّة، ضرورة أنّه لو جمد الخمر أو المسكر، لا يسلب عنه الاسم، فتكون خمراً جامدة و مسكرة كذلك؛ لعدم انقلاب الحقيقة بالجمود عمّا هي عليه.

نعم، لو زال عن غير الخمر و النبيذ إسكاره، يتشبّث فيه بالاستصحاب لإثبات نجاسته، و لا شبهة في جريانه، و أمّا الخمر و النبيذ فالحكم تابع لعنوانهما.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 267

تنبيه في حكم العصير العنبي
اشارة

قد وقع الخلاف بين أصحابنا قديماً و حديثاً في نجاسة عصير العنب الذي غلىٰ و لم يذهب ثلثاه، و لم يعرض له إسكار، بعد عدم الإشكال و الريب في حرمته.

ثمّ اعلم: أنّه لا يجوز الاتكال في المسألة على دعاوي الشهرة و عدم الخلاف و الاتفاق؛ لتراكم الأقوال و الدعاوى فيها من الطرفين:

فربّما يدّعي الشهرة علىٰ نجاسته بين المتأخّرين «1»، أو مطلقاً «2». أو يدّعىٰ «3» عدم الوقوف على القول بها إلّا من أبي حمزة من القدماء «4»، و المحقّق في «المعتبر» «5». أو يقال: «إنّ القول بالنجاسة بين الطبقة الاولىٰ من فقهائنا أمّا قليل أو معدوم» «6» و هو كذلك ظاهراً، كما يظهر بالمراجعة إلىٰ كتبهم، ك «الناصريات»،

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 123، مدارك الأحكام 2: 292.

(2) جامع المقاصد 1: 162، روض الجنان: 164/ السطر 4.

(3) ذكرى الشيعة 1: 115.

(4) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 365.

(5) المعتبر 1: 424.

(6) مستند الشيعة 1: 214.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 268

و «النهاية»، و «المراسم»، و «الغنية»، بل و «الوسيلة» «1». بل هو الظاهر من كلّ من قيّده بالاشتداد «2».

و أمّا الصدوقان و إن يظهر منهما أنّ العصير المغلي خمر «3»،

لكن قد مرّ أنّ الظاهر منهما عدم نجاسة الخمر «4».

و بالجملة: إنّ المسألة ممّا لا يمكن تحصيل الشهرة و الإجماع فيها؛ فإنّ في كثير من عبارات الأصحاب التقييدَ بالاشتداد، حتّى قيل: «إنّ نجاسته إذا غلىٰ و اشتدّ مشهورة بين الأصحاب» «5» و حكي ذلك عن «الذكرى»، و «جامع المقاصد»، و غيرهما «6». بل في «المجمع» و عن «كنز العرفان» دعوى الإجماع علىٰ نجاسته و حرمته مع الاشتداد «7».

و الظاهر أو المحتمل أن يكون مرادهم من «الاشتداد» السكر، كما احتمله جمع، منهم النراقي «8»، و تبعهم بعض أهل التتبّع و التحقيق، و أصرّ عليه «9»، فحينئذٍ تكون المسألة خارجة عن بحثنا؛ أي إلحاق العصير المغلي غير المسكر بالمسكر.

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217، النهاية: 591، المراسم: 55، غنية النزوع 1: 41، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 365.

(2) السرائر 1: 66، شرائع الإسلام 1: 44، منتهى المطلب 1: 167/ السطر 32.

(3) الفقيه 4: 40/ 131، المقنع: 453.

(4) تقدّم في الصفحة 237.

(5) مفتاح الكرامة 1: 141/ السطر 20.

(6) ذكرى الشيعة 1: 115، (و ليس فيه القول بالشهرة لكن نقلها عنه في مفتاح الكرامة 1: 141/ السطر 20)، جامع المقاصد 1: 162، روض الجنان: 164/ السطر 4.

(7) مجمع البحرين 3: 407، كنز العرفان 1: 53.

(8) مستند الشيعة 1: 215.

(9) إفاضة القدير: 37 و 41.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 269

تعيين المراد من «العصير» المبحوث عنه

و كيف كان: لا بأس قبل الاشتغال بالاستدلال بتحصيل المراد من

العصير

الوارد في النصّ و الفتوىٰ.

فنقول: لا شبهة في أنّ المراد منه فيهما هو العصير العنبي، لا لأنّه موضوع لخصوصه وضعاً جامداً؛ فإنّه غير ثابت.

كما أنّ وضعه لمطلق عصارة الأجسام غير ثابت؛ و إن يوهمه بعض

تعبيرات اللغويين، أو يظهر منه ذلك:

ففي «القاموس»: «عصر العنب و نحوه يعصره، فهو معصور و عصير- إلىٰ أن قال و عصارته و عصاره و عصيره: ما تحلب منه» «1».

و في «المنجد»: «العصير و العصيرة و العصار: ما تحلب ممّا عصر، العصير أيضاً: المعصور» «2».

و المستفاد منهما ظاهراً أنّه موضوع له نحو موضوعية «العصارة» له، لا أنّه يطلق عليه نحو إطلاق العنوان الاشتقاقي عليه.

نعم، في «المجمع»: «عصرت العنب عصراً من باب ضرب-: استخرجت ماءه، و اسم الماء العصير فعيل بمعنى مفعول» «3».

و مراده من اسمه بقرينة قوله: «فعيل بمعنى مفعول» أنّه يطلق عليه وصفاً.

______________________________

(1) القاموس المحيط 2: 93.

(2) المنجد: 509.

(3) مجمع البحرين 3: 407.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 270

كلام المحقّق شيخ الشريعة في المقام و نقده

و لعلّه منه أخذ بعض أهل التحقيق، حيث ذهب في رسالته المعمولة في عصير العنب إلىٰ أنّ «العصير» أُطلق على الماء المستخرج من العنب و غيره بالمعنى الوصفي، و من قبيل استعمال «فعيل» بمعنى مفعول.

و وجّهه تارة: بأنّ العصر إذا وقع على الشي ء المتضمّن للماء، فقد وقع علىٰ جميع أجزائه التي منها الماء.

و أُخرى: بأنّ إطلاق «الفعيل» بمعنى المفعول حقيقةً، لا يختصّ بما إذا كان مفعولًا من غير تقييد، بل يصحّ إذا كان مفعولًا مع التقييد بحرف، كالنبيذ و النقيع و المريس، فإنّ «النبيذ» استعمل في الماء الذي ينبذ فيه التمر، و النقيع فيما نقع فيه الزبيب، و المريس في الماء الذي دلك فيه التمر أو الزبيب، فهي «فعيل» بمعنى المفعول مع التقييد، و العصير أيضاً يستعمل في الماء المستخرج استعمال «الفعيل» في المفعول المقيّد. و قد جعل ذلك دقيقة لغوية.

و قال أيضاً في تقريبه:

إنّه إذا تحقّق العصر فالفاعل عاصر، و ذلك

الشي ء معصور، و الماء معصور منه، و قد يؤدّىٰ هذا المعنىٰ بالفعل المجهول، فيقال: «عُصِر هذا من ذاك» و قد يؤدّىٰ بصيغة المفعول، فيقال: «إنّه معصور منه» فالعنب و ماؤه كلاهما معصور منه، لكن كلمة «منه» في الأوّل نائب الفاعل، و في الثاني الضمير المستتر في المعصور الراجع إلى الماء، هو نائب الفاعل «1»، انتهىٰ ملخّصاً.

و فيه مواقع للنظر

______________________________

(1) إفاضة القدير: 7 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 271

منها: ما يدعي من أنّ العصر إذا وقع على العنب، وقع علىٰ مائه الذي في جوفه، لأنّ الماء و نحوه من المائعات لا يقع عليها العصر، و لا تصير معصوراً حقيقة في العرف و اللغة، فإذا وقع العصر علىٰ شي ء كان في جوفه الماء، يقع العصر علىٰ ذلك الشي ء، و يفرّ الماء من تحت يد العاصر، و ربّما يخرج من المعصور.

فالماء لا يقبل العصر و لا يقع عليه، إلّا ببعض الآلات الحديثة ممّا توجب تكاثفه، و أمّا الماء في جوف العنب أو الثوب فلا يصير معصوراً، و إلّا لكان «العصير» صادقاً على الماء الذي في جوف العنب إذا عصر العنب رقيقاً؛ بحيث لا يخرج ماؤه، و لكان «المعصور» و «العصير» صادقاً على الماء في جوف القربة إذا عصرت، و هو كما ترى. و السرّ فيه عدم قبول المائعات العصر.

و منها: أنّ ما جعله دقيقة لغوية في العصير و النبيذ و مثلهما من إطلاق «الفعيل» بمعنى المفعول مع التقييد يخالف الموازين الأدبية و الدقائق اللغوية، و مغالطة نشأت من الخلط بين المفعول الصرفي و المفعول النحوي، فإنّ «الفعيل» يجي ء بمعنى المفعول الصرفي لا النحوي، و المفعول الصرفي مقابل الفاعل الصرفي لا يصدق حقيقة

إلّا علىٰ ما وقع عليه الفعل، فهل ترى صحّة إطلاق «الفعيل» على المفعول فيه حقيقة، فيقال: «الجريح» علىٰ زمان الجرح و مكانه، و علىٰ سائر المفاعيل، كالمفعول المطلق و المفعول له؟! ففي المقام ما وقع عليه العصر هو العنب، و لأجله خرج الماء من جوفه، فالعنب معصور و عصير؛ بمعنى المعصور، و الماء مستخرج منه، لا معصور منه.

بل لا محصّل عند التأمّل للمعصور منه، إلّا أن يراد أنّه معصور من قِبَله. مع أنّ الماء ليس معصوراً لا من قِبَل العاصر، كما عرفت، و لا من قِبَل العنب، فلو أُطلق على الماء «المعصور منه» يكون المراد أنّه مستخرج من العنب بالعصر

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 272

الواقع عليه، لا على الماء. نعم لا مانع من الإطلاق الاستعاري و المجازي.

و منها: أنّ دعواه أنّ العنب معصور منه و كذا الماء؛ مستشهداً بصدق «عصر هذا من ذاك» في غير محلّها؛ لأنّ العنب معصور، لا معصور منه؛ فإنّ «عصر» متعدٍّ، يقال: «عصر العنب يعصره، فهو عاصر، و ذاك معصور» و لا معنىٰ لتعديته ب «من».

و أمّا الماء فلا يطلق عليه: «أنّه معصور منه» بمعنى وقع عليه العصر من العاصر، فلا يصحّ إطلاق «العصير» عليه، إلّا أن يراد أنّه يستخرج من العنب عصراً؛ بمعنى وقوعه على العنب، لا وقوعه عليه، و كذا الحال في «عصر هذا من ذاك» يراد به أنّه خارج منه عصراً، لا أنّه معصور منه، فإنّه لا يرجع إلىٰ محصّل، فما زعمه دقيقة ففي الحقيقة غفلة عن دقيقة.

نعم، لا إشكال في أنّ

العصير

في الأخبار علىٰ كثرتها لم يعهد استعماله في غير الماء المستخرج من العنب، كما أنّ استعماله فيه شائع كثير الورود

فيها «1»؛ بحيث لا يبقى شبهة للمتتبّع فيها في أنّ

العصير

فيها ليس إلّا الماء المستخرج من العنب، و هذا كافٍ في حمل المطلقات عليه و لو قلنا: بأنّ استعماله حقيقة في مطلق المعتصر من الأجسام، فضلًا عن القول: بأنّه ليس علىٰ نحو الحقيقة؛ لأنّ المتيقّن منه حينئذٍ عصير العنب، و إرادة غيره مشكوك فيها.

و الإنصاف: أنّه لا مجال للتشكيك في أنّ المراد من المطلقات و العمومات هو خصوص العنبي منه.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2 و 4 و 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 273

الروايات الدالّة علىٰ إرادة خصوص العنبي من العصير

هذا مع أنّ جملة من الروايات شاهدة علىٰ أنّ ما هو محطّ النظر فيها هو خصوص ذلك، كرواية أبي الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أصل الخمر، كيف كان بدء حلالها و حرامها، و متى اتخذ الخمر؟ فقال

إنّ آدم لمّا اهبط من الجنّة اشتهىٰ من ثمارها، فأنزل اللّٰه عليه قضيبتين من عنب فغرسهما ..

ثمّ ساق قضيّة منازعته مع إبليس، إلىٰ أن قال

فرضيا بينهما بروح القدس، فلمّا انتهيا إليه قصّ آدم عليه قصّته، فأخذ روح القدس ضغثاً من نار فرمى به عليهما و العنب في أغصانهما، حتّى ظنّ آدم أنّه لم يبقَ منهما شي ء، و ظنّ إبليس مثل ذلك.

قال

فدخلت النار حيث دخلت و قد ذهب منهما ثلثاهما، و بقي الثلث، فقال الروح: أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس، و ما بقي فلك يا آدم «1».

و موثّقةِ زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

إنّ نوحاً لمّا هبط من السفينة غرس غرساً، فكان فيما غرس الحَبَلَة، فجاء إبليس فقلعها ..

إلىٰ أن قال

فجعل له الثلثين.

فقال أبو جعفر (عليه السّلام)

إذا أخذت عصيراً فاطبخه حتّى يذهب الثلثان، و كل و اشرب، فذاك نصيب الشيطان.

كذا في «الكافي» «2».

______________________________

(1) الكافي 6: 393/ 1، وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 2.

(2) الكافي 6: 394/ 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 274

و قال المجلسي: «و في بعض النسخ: النخلة» «1».

و نقلها في «الوسائل» باختلاف ما، و ذكر بدل

الحَبَلَة

«النخلة» «2».

أقول: و الأصحّ

الحَبَلَة

لأنّ الظاهر من المجلسي أنّ النسخة المشهورة كذلك. مضافاً إلىٰ أنّ سائر الروايات قرينة عليها، كموثّقة سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ إبليس لعنه اللّٰه نازع نوحاً في الكرم، فأتاه جبرئيل فقال له: إنّ له حقّا فأعطه، فأعطاه الثلث فلم يرضَ إبليس، ثمّ أعطاه النصف فلم يرضَ، فطرح جبرئيل ناراً، فأحرقت الثلثين، و بقي الثلث، فقال: ما أحرقت النار فهو نصيبه، و ما بقي فهو لك يا نوح «3».

و في رواية وهب بن مُنبِّه ذكر قضيّة نوح قال

و كان آخر شي ء أخرج حَبَلَة العنب ..

ثمّ ساق القضيّة فقال

فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس، و هو حظّه، و ما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح، و هو حظّه، و ذلك الحلال الطيّب يشرب منه «4».

يظهر من تلك الروايات أنّ أصل قضيّة التثليث، و النزاع بين إبليس و آدم (عليه السّلام) تارة، و بينه و بين نوح (عليه السّلام) اخرىٰ، إنّما هو في الكرم و الحَبَلَة

______________________________

(1) مرآة العقول 22: 249.

(2) وسائل الشيعة 25: 284، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 4.

(3) الكافي 6: 394/ 4، وسائل الشيعة

25: 284، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 5.

(4) علل الشرائع: 477/ 3، وسائل الشيعة 25: 286، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 275

و العصير هو العنبي المورد للنزاع. و تدلّ عليه طوائف أُخرى من الروايات:

منها: ما حكي عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أنّ

الخمر من خمسة: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب .. «1»

إلىٰ آخره.

و منها: ما وردت في جواز بيع العصير ممّن يعمل خمراً، مثل رواية أبي كَهْمَس قال: «سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن العصير فقال: لي كرم، و أنا أعصره كلّ سنة و أجعله في الدنان ..» «2» إلىٰ آخره.

و صحيحةِ رِفاعة بن موسى قال: «سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عن بيع العصير ممّن يخمّره ..» «3» إلىٰ غير ذلك.

و منها: ما سئل فيه عن بيعه، فيصير خمراً قبل قبض الثمن «4».

و منها: ما حكي فيها لعن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الخمر و عاصرها و معتصرها .. إلىٰ آخره «5».

و منها: أخبار متفرّقة، كصحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه قال في الرجل إذا باع عصيراً، فحبسه السلطان حتّى صار خمراً، فجعله

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 259.

(2) الكافي 5: 232/ 12، وسائل الشيعة 17: 230، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 59، الحديث 6.

(3) تهذيب الأحكام 7: 136/ 603، وسائل الشيعة 17: 231، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 59، الحديث 8.

(4) الكافي 5: 230/ 1، وسائل الشيعة 17: 229،

كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 59، الحديث 1.

(5) الكافي 6: 398/ 10، وسائل الشيعة 17: 224، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 55، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 276

صاحبه خلّا، فقال

إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس «1».

و صحيحةِ عبد العزيز قال: «كتبت إلى الرضا (عليه السّلام): جعلت فداك، العصير يصير خمراً فيصبّ عليه الخلّ ..» «2» إلىٰ آخره.

وجه دلالة تلك الروايات: هو أنّ «الخمر» كما عرفت اسم لما يختمر من العنب «3»، و غيره لا يسمّى «خمراً» عرفاً و لغة، كما هو الظاهر من الروايات أيضاً «4».

إرادة العصير العنبي أيضاً من «الطلاء» و «البختج»

كما أنّ

الطلاء

الوارد في الأخبار كصحيحة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا زاد الطلاء على الثلث فهو حرام «5»

هو العصير العنبي، إمّا المطبوخ منه إلىٰ ذهاب الثلثين، كما في بعض كتب اللغة، أو أعمّ من ذلك، كما في بعض: ففي «الصحاح»: «الطلاء: ما طبخ من عصير العنب حتّى ذهب ثلثاه، و تسمّيه العجم: المَيْبُخْتُج» «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 117/ 507، وسائل الشيعة 25: 371، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 9: 118/ 509، وسائل الشيعة 25: 372، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 31، الحديث 8.

(3) تقدّم في الصفحة 258 262.

(4) راجع ما تقدّم في الصفحة 260.

(5) الكافي 6: 420/ 3، وسائل الشيعة 25: 285، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 8.

(6) الصحاح 6: 2414.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 277

و في «المجمع» و «المنجد» تفسيره بذلك «1». و عن «النهاية» تفسيره بالشراب المطبوخ من

عصير العنب «2».

و في «دعائم الإسلام»: «روينا عن عليّ (عليه السّلام): أنّه كان يروِّق الطلاء؛ و هو ما طبخ من عصير العنب حتّى يصير له قوام» «3». و الظاهر أنّ التفسير من صاحب «الدعائم» و لعلّ مراده من «القوام» ذهاب الثلثين.

و كيف كان: لا شبهة في أنّ «الطلاء» هو العصير العنبي المطبوخ، كما يظهر أيضاً من قصّة ورود عمر بالشام، و توصيف أهله ما صنعوا من العنب شراباً يشبه العسل، فجعل عمر يرفعه بإصبعه يتمدّد كهيئة العسل، فقال: «كأنّ هذا طِلاء الإبل» «4» و لعلّ هذا صار سبباً لتسميته به.

كما أنّ «البُخْتُج» الوارد في بعض الروايات هو العصير المطبوخ، لا مطلق المطبوخ، و هو واضح، و لا المطبوخ من سائر العصارات التي تجعل خمراً؛ لتعارف الطبخ في العصير دون غيره. و لأنّ الطبخ على الثلث كما في بعض رواياته هو التثليث المعهود في عصير العنب، و لم يعهد وروده في الروايات في غيره إلّا في شاذّ غير معتمد عليه «5». و لتفسيره به، فعن «النهاية»: «البُخْتُج العصير المطبوخ، واصلة بالفارسية: مَيْ پُخْتَه» «6». و فسّره في

______________________________

(1) مجمع البحرين 1: 277، المنجد: 471.

(2) النهاية، ابن الأثير 3: 137.

(3) دعائم الإسلام 2: 128/ 441، مستدرك الوسائل 17: 39، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 3.

(4) الموطأ 2: 847/ 14.

(5) كرواية خليلان بن هاشم، التي تأتي في الصفحة 373.

(6) النهاية، ابن الأثير 1: 101.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 278

«المجمع» أيضاً به «1». بل قد يقال: «إنّه مفسّر في كلام الكلّ بالعصير المطبوخ» «2». و قد يقال: «باتفاق اللغويين علىٰ ذلك» «3».

و لعلّ مراده اتفاق المتعرّض لتفسيره، و إلّا

فلم يتعرّض الكلّ لذكره أو تفسيره. نعم الفقهاء المستدلّون «4» علىٰ نجاسة العصير المغلي بصحيحة معاوية بن عمّار الآتية، لم يعهد استدلالهم بها علىٰ نجاسة سائر العصارات.

فقد تحصّل ممّا مرّ: أنّ العناوين الثلاثة الواردة في الأخبار حرمتها قبل ذهاب الثلثين أي العصير و الطلاء و البُخْتُج هي خصوص العصير العنبي؛ حتّى المطلقات و العمومات، كصحيحة عبد اللّٰه بن سِنان قال: ذكر أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أنّ العصير إذا طبخ حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، فهو حلال «5».

و صحيحته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال

كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه «6»

، و غيرهما «7».

______________________________

(1) مجمع البحرين 2: 276.

(2) إفاضة القدير: 13.

(3) نفس المصدر: 101.

(4) انظر الحدائق الناضرة 5: 123، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 361/ السطر 14.

(5) الكافي 6: 420/ 2، وسائل الشيعة 25: 288، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 1.

(6) الكافي 6: 419/ 1، وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 1.

(7) راجع وسائل الشيعة 25: 285 و 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 7، و الباب 3، الحديث 1 و 2 و 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 279

حول ما استدلّ به لنجاسة العصير المغلي

و كيف كان: فقد استدلّ «1» علىٰ نجاسة العصير المغلي تارة: بالإجماع و الشهرة، و قد عرفت حالهما «2».

و أُخرى: بموثّقة معاوية بن عمّار أو صحيحته «3» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ، يأتيني بالبُخْتُج و يقول: قد طبخ على الثلث، و أنا أعرفه أنّه يشربه على النصف، أ فأشربه بقوله و

هو يشربه على النصف؟ فقال

خمر، لا تشربه.

قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث، و لا يستحلّه على النصف، يخبرنا أنّ عنده بُخْتُجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه، و بقي ثلثه، يشرب منه؟ قال

نعم «4».

______________________________

(1) انظر الحدائق الناضرة 5: 123، مصباح الفقيه، الطهارة: 550/ السطر 36، مستمسك العروة الوثقى 1: 405.

(2) تقدّم في الصفحة 267 268.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن يونس بن يعقوب، عن معاوية بن عمّار.

وجه الترديد لوقوع يونس بن يعقوب في السند، فإنّه ثقة و لكن اختلفوا في مذهبه بين كونه إمامياً أو فطحياً.

رجال النجاشي: 446/ 1207، تنقيح المقال 3: 344/ السطر 9 (أبواب الياء).

(4) تهذيب الأحكام 9: 122/ 526، مستدرك الوسائل 17: 41، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 4، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 280

بتقريب: أنّ الحمل إمّا حقيقي، كما هو المحكي عن جمع من الفريقين: «أنّ «الخمر» اسم للعصير» «1»، و إمّا تنزيلي «2»، فمقتضىٰ إطلاق التنزيل ثبوت جميع أحكامه له.

و الجواب: أنّ الحمل لا يمكن أن يكون حقيقياً؛ لأنّ الموضوع هو المغلي المشتبه بين كونه على الثلث أو النصف، و لا يجوز حمل «الخمر» حقيقةً علىٰ مشتبه الخمرية، فضلًا عن العصير المشتبه. مع أنّ خمرية العصير بمجرّد الغليان ممنوعة؛ لعدم صدق «الخمر» عليه عرفاً و لغة، و سيأتي الكلام في ذلك «3».

و لا يمكن أن يكون تنزيلياً؛ لأنّ المشتبه لا يكون منزّلًا منزلته واقعاً؛ بحيث يكون محرّماً و نجساً واقعاً و لو كان مطبوخاً على الثلث. بل الظاهر من الرواية صدراً و ذيلًا هو السؤال عن

الحكم الظاهري؛ و عن حال شهادة ذي اليد بالتثليث، فالمراد بقوله (عليه السّلام)

خمر

أي خمر ظاهراً يجب البناء علىٰ خمريته؛ للاستصحاب، و هو و إن يكشف عن كون المغلي قبل التثليث نازلًا منزلة الخمر في الجملة، لكن لا يكشف عن إطلاق دليل التنزيل.

و بعبارة اخرىٰ: أنّها ليست في مقام بيان التنزيل و حكم العصير حتّى يتمسّك بإطلاقها، بل بعد الفراغ عن حكمه كانت بصدد بيان حال الشكّ، فدعوى إمكان استكشاف دليل مطلق من الحكم الظاهري ممنوعة.

و ليس لأحد أن يقول: إنّه يمكن أن تكون بصدد أمرين؛ أحدهما: تنزيل

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 6: 14، الفقيه 4: 40/ 131، المهذّب البارع 5: 79، صحيح البخاري 7: 198.

(2) انظر الحدائق الناضرة 5: 123، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 361/ السطر 16.

(3) يأتي في الصفحة 284 286.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 281

العصير منزلة الخمر، و الآخر: التعبّد ببقاء خمريته، لأنّ ذلك غير معقول بجعل واحد. بل هو أسوأ حالًا من استفادة قاعدة الطهارة و الاستصحاب من مثل قوله (عليه السّلام)

كلّ شي ء حلال حتّى تعرف أنّه حرام «1»

؛ لأنّ القائل بها إنّما قال باستفادة الثاني من الغاية «2»، و المقام ليس كذلك.

و أمّا احتمال أن يكون قوله (عليه السّلام)

خمر

خبراً عن العصير المغلي قبل ذهاب ثلثيه؛ إفادةً للحكم الواقعي بالتنزيل، و قوله (عليه السّلام)

لا تشربه

يكون نهياً عن شرب المشتبه، فهو كما ترى لا يستأهل جواباً. و علىٰ فرض كونها بصدد التنزيل فإطلاقه أيضاً لا يخلو من مناقشة.

ثمّ إنّ ذلك مع الغضّ عمّا في الرواية من الإشكال؛ فإنّها في «الكافي» بل و النسخة من «التهذيب» التي كانت عند الحرّ و الكاشاني «3» خالية من لفظة

خمر «4»

مع إتقان «الكافي»

و شدّة ضبط الكليني، و ما يقال: من الاغتشاش و التحريف و الزيادة و النقيصة في «التهذيب» «5».

و يؤيّد ذلك: مضافاً إلىٰ ما قيل: من عدم تمسّك الفقهاء بها لنجاسته، و أوّل من تمسّك بها الأسترآبادي «6» أنّ هذا التعبير غير معهود في أدلّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 17: 87، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1 و 4، و 25: 117، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 1 و 7.

(2) كفاية الأُصول: 452.

(3) راجع وسائل الشيعة 25: 293، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 4، الوافي 20: 655/ 33.

(4) الكافي 6: 421/ 7.

(5) الحدائق الناضرة 5: 124.

(6) الحدائق الناضرة 5: 123، إفاضة القدير: 39.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 282

الاستصحاب علىٰ كثرتها عموماً و خصوصاً، بل التعبير فيها ب «عدم نقض اليقين بالشكّ» و ما يشبهه.

بل الزيادة في مثل الرواية ليست بذلك البعد؛ لأنّ خمرية عصير العنب لمّا كانت مورداً للبحث و الجدال، فربّما تنسبق إلىٰ ذهن الراوي أو الناسخ، فيأتي بها ارتكازاً، كما قلنا «1» نظيره في قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

لا ضرر و لا ضرار في الإسلام «2».

فما يقال: «من تقدّم أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة» «3»، ليس مسلّماً مطلقاً لو سلّم في الجملة.

و كذا ما أفاد شيخنا الأعظم: «من أنّ الظاهر عدم الزيادة حتّى من الشيخ الذي يكثر منه الخلل» «4» غير موجّه إن أراد ب «الظاهر» غير الأصل العقلائي؛ لعدم الدليل عليه. و قد عرفت عدم ثبوت الأصل العقلائي في مثل المقام.

كما أنّ تأييده وجودَ لفظ «الخمر» في الرواية بتعبير والد

الصدوق بمضمونها في رسالته إلىٰ ولده «5» التي هي كالروايات المنقولة بالمعنى، غير وجيه؛ لأنّ تعبير والد الصدوق غير مضمون الرواية؛ فإنّه بصدد بيان حكم العصير العنبي إذا غلىٰ أو نشّ بنفسه، و هي بصدد بيان الحكم الظاهري؛ و أنّ المشتبه محكوم بحرمة الشرب، فأين أحدهما من الآخر؟! إلّا أن يراد به مجرّد اشتماله علىٰ لفظة

خمر

و هو كما ترى.

______________________________

(1) بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 55.

(2) الفقيه 4: 243/ 777، وسائل الشيعة 26: 14، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 10.

(3) جواهر الكلام 6: 14.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 361/ السطر 18.

(5) ستأتي في الصفحة 293.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 283

أو يراد أنّ والد الصدوق عثر علىٰ رواية بذلك المضمون، و هو كذلك؛ لأنّ عبارته عين عبارة «الفقه الرضوي» «1» لو كان رواية. لكن لا يوجب ذلك تأييد اشتمال الموثّقة عليها مع اختلافهما في المضمون.

و قد يستدلّ بصحيحة عمر بن يزيد بناءً علىٰ كونه بيّاع السابري، كما لا يبعد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يهدي إليّ البُخْتُج من غير أصحابنا، فقال

إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه، و إن كان ممّن لا يستحلّ شربه فاقبله

أو قال

اشربه «2».

احتجّ بها صاحب «الجواهر» «3». و العجب من بعض أهل التتبّع من دعوى عدم وجدان الاحتجاج بها من أحد «4».

و تقريبه: أنّ المنع عن شرب ما في يد المستحلّ إنّما هو لخوف الإسكار، فيظهر منه أنّ للعصير المطبوخ قسمين: مسكر، و غيره، و المستحلّ لا يأبى عن هدية المسكر منه، فلا يقبل هديته. و ليس المراد من ذكر الاستحلال بيان فسقه

جزماً، بل ذكر لمناسبة بينهما، كما لا يخفى.

و فيه أوّلًا: أنّ غاية ما تدلّ الرواية عليه وجود قسم مسكر للبُخْتُج، و هو لا يدلّ علىٰ أنّ مطلق المغلي قبل التثليث مسكر، و لعلّ المستحلّ كان يطبخ عصيراً و يعالجه حتّى يصير مسكراً، كما كانوا يعالجون النبيذ.

و ثانياً: أنّ الإسكار كما هو الظاهر من الروايات و غيرها إنّما يحصل

______________________________

(1) ستأتي في الصفحة 287.

(2) الكافي 6: 420/ 4، وسائل الشيعة 25: 292، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 1.

(3) جواهر الكلام 6: 16.

(4) إفاضة القدير: 106.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 284

بالاختمار و الفساد، لا بالغليان بالنار و الطبخ المانع منهما، و معه لا خوف من الإسكار إذا كان منشأ الشكّ طبخه على الثلث أو أزيد. فلا بدّ من حمل الرواية علىٰ أنّ المستحلّ للمسكر لمّا لا يبالي بالعصير المطبوخ، و لا يرىٰ غير الخمر حراماً، لا يجوز الاعتماد عليه في هديته، بخلاف غير المستحلّ.

مضافاً إلىٰ أنّ المستحلّ لا يبالي بإبقاء العصير قبل تثليثه للشرب مدّة؛ حتّى يعرض عليه الاختمار المطلوب لأصحابه.

و أمّا الاستدلال عليها بالروايات الحاكية لقضيتي آدم و نوح (عليهما السّلام) مع إبليس «1»؛ بدعوىٰ دلالتها علىٰ أنّ تلك الواقعة منشأ تحريم الخمر، و فيها دلالة واضحة علىٰ أنّ عصير العنب إذا غلىٰ بالنار أو نشّ بنفسه، حكمه حكم الخمر، إلّا أن يذهب ثلثاه، أو يصير خلّا، كما أفاده الشيخ الأعظم «2».

ففيه: أنّه لا دلالة فيها رأساً، فضلًا عن وضوح الدلالة:

أمّا رواية أبي الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أصل الخمر، كيف كان بدء حلالها و حرامها، و متى اتخذ الخمر؟ فقال

إنّ آدم لمّا اهبط من الجنّة .. «3»

ثمّ ساق القضية في بيان حرمة عصير العنب المغلي قبل ذهاب ثلثيه.

ففيها إشعار بأنّ العصير المغلي خمر حقيقة، حيث تصدّى لبيان حرمته عند السؤال عن بدو حرمة الخمر، لكن لمّا كانت خمرية العصير المغلي خلاف الوجدان و الضرورة، و أنّ فرض مسكريته مع ممنوعيتها أيضاً، فلا محالة لا يريد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 361/ السطر 27.

(3) تقدّمت في الصفحة 273.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 285

بذكر القضية بيان خمريته، بل أراد بيان بدو القضية و مقدّماتها؛ حتّى انجرّ إلىٰ حرمة الخمر، فكأنّ نزاع آدم مع إبليس في الكرم صار موجباً لتحريم الخمر، لا أنّ محلّ النزاع هو الخمر، فإنّه خلاف الواقع.

و أمّا احتمال كونه بصدد بيان أنّ حكم العصير حكم الخمر، ففي غاية البعد؛ لعدم تطابق السؤال و الجواب، فإنّه سأل عن بدو حرمة الخمر، فالجواب: بأنّ عصير العنب خمر حكماً، غير مربوط به.

و بالجملة: هذه الرواية محمولة علىٰ أنّه بصدد بيان أنّ الخمر كانت حراماً من لدن زمن آدم (عليه السّلام) كما وردت به روايات، و بدو قصّتها نزاع آدم (عليه السّلام) مع إبليس في الكرم و عصيره، لا بصدد بيان أنّ العصير خمر أو في حكمه، كما يظهر بالتأمّل في سائر روايات الباب.

هذا مع ما فيها من الضعف سنداً «1». و أمّا سائر الروايات الواردة في تلك القضية أو قضية نوح (عليه السّلام) «2» فلا إشعار فيها بما ذكره (رحمه اللّٰه).

و أمّا الاستدلال عليها بقوله (عليه السّلام)

فلا خير فيه «3»

، و قوله (عليه السّلام)

فمن

______________________________

(1) رواها الكليني، عن علي بن

إبراهيم، عن أبيه و عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد و سهل بن زياد جميعاً، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي. و الرواية ضعيفة بأبي الربيع الشامي فإنّه مجهول.

رجال النجاشي: 153/ 403، الفهرست: 186/ 817، تنقيح المقال 3: 16/ السطر 17 (فصل الكُنى).

(2) وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2.

(3) وسائل الشيعة 25: 285، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 286

هنا طاب الطلاء على الثلث «1»

، و قوله (عليه السّلام)

و ذلك الحلال الطيّب «2»

، و قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

الخمر من خمسة: العصير من الكرم «3»

ففيه ما لا يخفى.

نعم، يمكن الاستدلال عليها برواية «فقه الرضا (عليه السّلام)» قال

الخمر حرام بعينها ..

إلىٰ أن قال

و لها خمسة أسامٍ، فالعصير من الكرم، و هي الخمرة الملعونة «4».

بأن يقال: إنّ العصير لمّا لم يكن وجداناً الخمرة الملعونة، لا بدّ من الحمل على التنزيل، و إطلاقه و إن اقتضىٰ كونه بمنزلتها حتّى قبل الغليان و بعد التثليث، لكنّهما خارجان نصّاً و فتوى، و بقي الباقي، و مقتضى إطلاق التنزيل ثبوت جميع الأحكام له.

و فيه: مضافاً إلىٰ ضعفها «5» أنّ ظاهرها بقرينة قوله

و لها خمسة أسامٍ

و سائرِ فقرأتها، أنّ المراد بها الخمرة الواقعية لا التنزيلية، كما يشعر به توصيفها ب

الملعونة

و لمّا كان العصير قبل غليانه و بعده إذا كان بالنار ليس خمراً حقيقة بلا شبهة، فلا محالة يراد بذلك العصير الخاصّ المختمر.

و يمكن الاستدلال عليها ب «الفقه الرضوي» أيضاً، قال فيه

اعلم: أنّ أصل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 286،

كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 25: 286، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 11.

(3) تقدّم في الصفحة 259.

(4) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 280، مستدرك الوسائل 17: 37، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 1، الحديث 2.

(5) تقدّم وجه الضعف في الصفحة 255، الهامش 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 287

الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو غلىٰ من غير أن تصيبه النار، فهو خمر و لا يحلّ شربه إلّا أن يذهب ثلثاه .. «1»

إلىٰ آخره. و هو بعينه عبارة والد الصدوق (رحمهما اللّٰه) «2».

بأن يقال: إنّ حمل

الخمر

عليه بعد ما لم يكن حقيقياً يحمل على التنزيل، و عمومه يقتضي ترتّب جميع الآثار. لكنّه غير صالح للاستناد عليه؛ لضعفه. بل عدم ثبوت كونه رواية. مع احتمال أن يكون التنزيل في حرمة شربه، كما قيل «3» في موثّقة ابن عمّار «4».

تأييد صاحب «الجواهر» للقول بالنجاسة و جوابه

و ممّا جعله صاحب «الجواهر» مؤكّداً لنجاسته قوله:

«إنّه قد استفاضت الروايات بل كادت تكون متواترة بتعليق الحرمة في النبيذ و غيره على الإسكار، و عدمها علىٰ عدمه، مع استفاضة الروايات بحرمة عصير العنب إذا غلىٰ قبل ذهاب الثلثين. و حملها على التخصيص، ليس بأولى من حملها علىٰ تحقّق الإسكار فيه. بل هو أولىٰ؛ لأصالة عدم التجوّز، بل لعلّه متعيّن؛ لعدم القرينة. بل قد يقطع به؛ لعدم ظهور شي ء من روايات الحرمة في خروج ذلك عن تلك الكلّية، بل و لا إشارة» «5» انتهىٰ.

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 280، مستدرك الوسائل 17: 39، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 5.

(2) ستأتي

في الصفحة 293.

(3) انظر الحدائق الناضرة 5: 124، مصباح الفقيه، الطهارة: 552/ السطر 7، و 29، مستمسك العروة الوثقى 1: 408.

(4) تقدّم في الصفحة 279.

(5) جواهر الكلام 6: 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 288

و هو لا يخلو من غرابة؛ لعدم ورود رواية في مطلق الأشربة و لا في الخمر أو العصير أو النبيذ بنحو ما ذكره من التعليق، فضلًا عن استفاضتها.

نعم، وردت روايات كثيرة بأنّ كلّ مسكر حرام، و أنّ المسكر حرام «1»، و في النبيذ روايات بأنّ المسكر منه حرام «2». و أمّا ورود روايات بأنّ ما ليس بمسكر فليس بحرام فكلّا، لا بنحو الإطلاق أو العموم، و لا في موضوع خاصّ، فدوران الأمر بين التخصيص و التخصّص لا موضوع له جزماً.

ثمّ لو فرض ورود روايات في النبيذ بذلك المضمون، فلا ربط له بالعصير العنبي الذي هو عنوان خاصّ مغاير له، فما معنىٰ تخصيص ما ورد في النبيذ بما ورد في العصير؟! مضافاً إلىٰ أنّ أولوية التخصّص من التخصيص فيما إذا علم المراد ممنوعة، فإذا علم عدم وجوب إكرام زيد، و لم يعلم أنّه عالم و خارج عن وجوب إكرام العلماء تخصيصاً، أو ليس بعالم، فخرج تخصّصاً، لا دليل علىٰ تقديم الثاني، فأصالة عدم التخصيص كأصالة الحقيقة غير معوّل عليها مطلقاً في نحو المقام. و أمّا تشبّثه بأصالة عدم التجوّز فلا يخفى ما فيه. و في كلامه موارد أُخر للمناقشة.

فتحصّل من جميع ما ذكر عدم دليل علىٰ نجاسته، فالأصل طهارته؛ من غير فرق بين ما غلىٰ بنفسه، أو بالنار و غيرها.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 25: 336، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 17.

(2) راجع وسائل الشيعة 25:

355، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 5 و 6 و 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 289

حول تفصيل ابن حمزة بين ما غلىٰ بنفسه و غيره

و قد فصّل ابن حمزة في «الوسيلة» بين ما غلىٰ بنفسه، فذهب إلىٰ نجاسته و حرمته إلىٰ أن يصير خلّا، و بين ما غلىٰ بالنار، فذهب إلىٰ حرمته إلىٰ ذهاب الثلثين دون نجاسته «1».

و ربّما يتوهّم: أنّ تفصيله ليس في الحكم الشرعي، بل لإحراز مسكرية ما غلىٰ بنفسه، فحكمه بالنجاسة لمسكريته، لا للتفصيل في العصير. و لقد أصرّ علىٰ ذلك بعض أهل التتبّع، حتّى نسب الغفلة إلىٰ أساطين العلم و جهابذة الفنّ، و أرعد و أبرق في رسالته المعمولة لحكم العصير، و لم يأتِ بشي ء مربوط بجوهر المسألة الفقهية.

و قد وقع منه فلتأت عجيبة، من جملتها دعوى عدم تفرّد ابن حمزة في ذلك التفصيل، و زعم أنّ مرجع أقوال عدا من شذّ إلىٰ هذا القول، و عدّ منهم شيخ الطائفة و الحلّي و القاضي صاحب «دعائم الإسلام» و القاضي ابن البرّاج في «المهذّب» و الشهيد في «الدروس». بل استظهر من «رسالة عليّ بن بابويه» و من عبارة «فقه الرضا».

ثمّ قال: «إنّ المحقّق و العلّامة و الفاضل المقداد كلّهم، موافقون لما عزي إلى ابن حمزة من التفصيل، و إنّ عدّ قولهم مقابلًا لقوله ناشئ من عدم تدقيق النظر و تحديد البصر، فانتظر لهذه الفائدة التي لم يتنبّه لها أحد في الحديث و القديم، و لا ينبّئك مثل الخبير العليم» «2»، انتهىٰ.

______________________________

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 365.

(2) إفاضة القدير: 28 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 290

و أنا أقول: لم أرَ من وافق ابن حمزة؛ حتّى صاحب

هذه الرسالة نفسه، و لتوضيح ذلك لا بدّ من تحرير المسألة حتّى يتضح موضع الخلط.

فنقول: إنّ محطّ البحث في هذه المسألة بعد الفراغ عن حكم المسكر و نجاسته في أنّ العصير العنبي هل هو ملحق بالمسكرات في النجاسة مطلقاً، أو لا مطلقاً، أو ملحق بها إذا غلىٰ بنفسه، دون ما إذا غلىٰ بالنار؟ و الأقوال إنّما تتقابل في المسألة الفقهية إذا كان محطّ كلامهم العصير الذي لا يسكر، أو لم يحرز إسكاره، و أمّا إذا ادعىٰ أحد مسكريته فحكم بنجاسته، و الآخر عدمها فذهب إلىٰ طهارته، و المفصّل يرىٰ مسكرية قسم منه، فلا تتقابل في المسألة الفقهية. و لو فرض اختلاف كلامهم موضوعاً فلا تتقابل الأقوال رأساً.

حول الاختلاف في غاية حرمة العصير

ثمّ إنّه قد وقع خلاف آخر بين الفقهاء في غاية حرمة العصير لا نجاسته، فذهب جمع إلىٰ أنّ غايتها ذهاب الثلثين، و جمع آخر إلى التفصيل بين ما غلىٰ بنفسه فغايتها انقلابه خلّا، و ما غلىٰ بالنار فذهاب الثلثين.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ ابن حمزة قائل بالتفصيل في المسألتين، و لم يوافقه أحد فيما أعلم في المسألة الأُولىٰ، و وافقه جملة من الأساطين في الثانية، و الخلط بين المسألتين صار سبباً لنسبة التفصيل في المسألة الأُولىٰ إليهم، و قلّة التأمّل في كلام ابن حمزة بل و في المسألة أيضاً صارت منشأً لتوهّم أنّ ابن حمزة قائل بنجاسة ما غلىٰ بنفسه؛ لصيرورته مسكراً. كما أنّ قلّة التدبّر في كلمات القوم، صارت منشأً لزعم موافقتهم مع ابن حمزة في التفصيل بما زعم أنّه قائل به.

و نحن نحكي كلام ابن حمزة و الشيخ حتّى يتّضح مورد خلط صاحب الرسالة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 291

في كلامهما،

ثمّ راجع غيرهما من كلمات الأصحاب حتّى يتّضح لك الأمر:

قال ابن حمزة في «الوسيلة» بعد ذكر الأشربة التي تؤخذ من الحيوان هذه العبارة: «و أمّا ما يؤخذ من الأشربة من غير الحيوان فضربان: مسكر، و غير مسكر، فالمسكر نجس حرام ..». ثمّ قال: «و غير المسكر ضربان: ربّ، و غيره ..» «1». ثمّ قال: «و غير الربّ ضربان: إمّا جعل فيه شي ء من المسكرات، و يحرم شربه، و ينجس بوقوع المسكر فيه، أو لم يجعل فيه شي ء منها: فإن كان عصيراً لم يخلُ إمّا غلىٰ، أو لم يغلِ: فإن غلىٰ لم يخلُ إمّا غلىٰ من قِبَل نفسه، أو بالنار: فإن غلىٰ من قِبَل نفسه حتّى يعود أسفله أعلاه حرم و نجس، إلّا أن يصير خلّا بنفسه أو بفعل غيره، فيعود حلالًا طيّباً. و إن غلىٰ بالنار حرم شربه حتّى يذهب على النار نصفه و نصف سدسه، و لم ينجس أو يخضب الإناء و يعلق به و يحلو» «2» انتهىٰ.

و ظاهر كلامه كالصريح في أنّ التفصيل بين المغلي بنفسه و غيره، بعد الفراغ عن عدم كونه مسكراً، فإنّه من قسم غير المسكر الذي لم يقع فيه مسكر، كما هو واضح، فهو مفصّل في مسألتنا، و قائل بنجاسة العصير الذي غلىٰ بنفسه، و لم يكن مسكراً، و جعل غاية النجاسة الانقلاب بالخلّ.

كما أنّه مفصّل في المسألة الثانية بأنّ غاية الحلّية «3» فيما إذا غلىٰ بنفسه، صيرورته خلّا، و فيما إذا غلىٰ بالنار التثليث.

و كثير من الأصحاب وافقوه في المسألة الثانية دون الاولىٰ؛ حتّى أنّ

______________________________

(1) في المصدر: «و غير المسكر ضربان: فقاع و غيره فالفقاع حرام نجس و غير الفقاع ضربان: ربّ و غيره».

(2) الوسيلة إلى نيل

الفضيلة: 364 365.

(3) و الصحيح في أمثال هذه الموارد هو «غاية الحرمة» كما هو الظاهر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 292

صاحب الرسالة أيضاً لم يوافقه فيها، و لم يلتزم بالنجاسة لو فرض عدم إسكاره، لكنّه مدّعٍ لذلك، و سيأتي الكلام فيه «1».

و قال الشيخ في «النهاية»: «كلّ ما أسكر كثيره فالقليل منه حرام؛ لا يجوز استعماله بالشرب، و التصرّف فيه بالبيع و الهبة، و ينجس ما يحصل فيه؛ خمراً كان أو نبيذاً أو تبعاً أو نقيعاً أو مزراً، أو غير ذلك من أجناس المسكرات.

و حكم الفُقّاع حكم الخمر على السواء في أنّه حرام شربه و بيعه و التصرّف فيه.

و العصير لا بأس بشربه و بيعه ما لم يغلِ. و حدّ الغليان الذي يحرّم ذلك هو أن يصير أسفله أعلاه، فإذا غلىٰ حرم شربه و بيعه إلىٰ أن يعود إلىٰ كونه خلّا، و إذا غلى العصير على النار لم يجز شربه إلىٰ أن يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه» «2»، انتهىٰ.

و أنت خبير: بأنّ الظاهر منه موافقة ابن حمزة في غاية الحلّية، لا في النجاسة. بل الظاهر منه عدم نجاسة العصير مطلقاً، حيث جعله مقابل النجس، و لم يحكم بالتسوية فيه كما حكم في الفُقّاع؛ و إن كانت عبارته في الفُقّاع لا تخلو من نوع إجمال.

و علىٰ هذا المنوال أو قريب منه العبارات المحكيّة عن ابن إدريس، و صاحب «الدعائم»، و القاضي ابن البرّاج، و الشهيد «3»، فإنّها أيضاً بصدد بيان المسألة الثانية لا الاولىٰ، فراجع.

و أعجب من ذلك إرجاع كلمات المحقّق و العلّامة و الفاضل المقداد إلى ما فصّل ابن حمزة، مع أنّ المتأمّل في عباراتهم لا ينبغي أن يشكّ في خلافه؛

______________________________

(1)

سيأتي في الصفحة 294.

(2) النهاية: 590.

(3) السرائر 3: 130، دعائم الإسلام 2: 127/ 440، المهذّب 2: 433، الدروس الشرعيّة 3: 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 293

و أنّهم في طرف النقيض منه:

قال المحقّق في «المعتبر»: «و في نجاسة العصير بغليانه قبل اشتداده تردّد أمّا التحريم فعليه إجماع فقهائنا، ثمّ منهم من اتبع التحريم النجاسة. و الوجه الحكم بالتحريم مع الغليان حتّى يذهب الثلثان، و وقوف النجاسة على الاشتداد» «1».

و هو صريح في خلاف ابن حمزة القائل بالنجاسة مع عدم السكر؛ إن أراد ب «الاشتداد» السكر، كما قال به صاحب الرسالة «2».

و نحوه في ذلك كلام العلّامة، و المحكي عن الفاضل المقداد «3».

و أمّا والد الصدوق، فقال في وصيّته إلى ابنه: «اعلم يا بنيّ: أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار، أو غلىٰ من غير أن تصيبه النار فيصير أسفله أعلاه، فهو خمر لا يحلّ شربه إلىٰ أن يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه، فإن نشّ من غير أن تصيبه النار فدعه حتّى يصير خلّا من ذاته من غير أن تلقي فيه شيئاً فإذا صار خلّا من ذاته حلّ أكله، فإن تغيّر بعد ذلك و صار خمراً فلا بأس أن تلقي فيه ملحاً أو غيره حتّى يتحوّل خلّا» «4»، انتهى.

و هو كما ترى مخالف لابن حمزة و موافقيه في المسألة الثانية؛ أي غاية الحلّية.

و أمّا قوله: «فإن نشّ ..» إلىٰ آخره، فمسألة أُخرى غير مربوطة بما ذكرها أوّلًا، كما لا يخفى على المتأمّل في قوله: «من غير أن تلقي ..» إلىٰ آخره، لكن صاحب الرسالة لم يرتضِ إلّا بأن يأوّل كلامه و كذا عبارة «فقه الرضا» «5»

______________________________

(1) المعتبر 1: 424.

(2) إفاضة القدير:

40 41.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 65، كنز العرفان 1: 53.

(4) انظر الفقيه 4: 40/ 131.

(5) تقدّمت في الصفحة 286 287.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 294

الموافقة له بما لا يرضى به صاحبهما، و لا منصف متأمّل «1».

فتبيّن ممّا مرّ: أنّ ابن حمزة متفرّد في تفصيله في مسألتنا؛ بذهابه إلى النجاسة في المغلي بنفسه مع عدم إسكاره، و عدمها في المغلي بالنار.

ثمّ إنّ تفصيله خالٍ عن الوجه.

بل لو فصّل أحد بعكس ما فصّل أي ذهب إلىٰ نجاسة ما يغلي بالنار، دون ما يغلي بنفسه لكان أوجه؛ بدعوىٰ أنّ عمدة ما يمكن أن يتمسّك بها للنجاسة موثّقةُ معاوية بن عمّار و صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمتان «2»، و هما واردتان في البُخْتُج؛ و هو العصير المطبوخ، بل غالب ما يستدلّ به لها إنّما هو في العصير المغلي بالنار.

و كيف كان: فالأقوىٰ طهارة العصير؛ سواء غلىٰ بالنار أو بنفسه، إلّا أن يحرز مسكريته، و هو أمر آخر.

حول مسكرية العصير المغلي بنفسه

ثمّ إنّه لا يلزم علينا دفع الشبهة الموضوعية، و ليس تحقيق مسكرية ما غلىٰ بنفسه شأن الفقيه، لكن لا بأس في البحث عنها علىٰ سبيل الاختصار؛ دفعاً لتوهّم دلالة الروايات عليها.

و العجب من صاحب الرسالة! أنّه لمّا سمع أنّ قائلًا من معاصريه قال: «إنّ البحث في الشبهة الموضوعية ليس بمهمّ للفقيه»، اعترض عليه، و نسبه إلى الغرور و الغفلة، و البعد عن تلك المسائل بمراحل، و أنّه عدوّ لما جهله، و قال:

«إنّ الذي لا يهمّ الفقيه أن يتكلّم في موضوع و همي فرضي، من قبيل

______________________________

(1) إفاضة القدير: 33.

(2) تقدّمتا في الصفحة 279 و 283.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 295

اتصاف الشي ء بنقيضه،

أو سلب الشي ء عن نفسه، أو يتعرّض لحكم الكوسج العريض اللحية، أو العنّين المستهتر بالجماع» «1»، انتهىٰ.

و أنت خبير بما في كلامه من الوهن، و كيف غفل عن أمر واضح: و هو أنّ تنقيح الموضوعات؛ و إثبات كون شي ء خمراً أو خلّا، أو أنّ الأدوية الكذائية مسكرة، أو ليست بمسكرة، أو أنّ المسافة الكذائية ثمانية فراسخ أو لا و هكذا، ليس من المسائل الفقهية التي للفقيه البحث عنها، و ليس رأي الفقيه فيها حجّة علىٰ غيره، و إنّما شأنه البحث عن الأحكام الكلّية و مداركها، لا عن موضوعاتها؟!

إعضالات المحقّق شيخ الشريعة و حلّها
اشارة

و كيف كان: فقد زعم أنّ في المسألة إعضالات لا تنحلّ إلّا بالالتزام بمسكرية العصير المغلي بنفسه:

الإعضال الأوّل:

أنّ الروايات المتضمّنة لحرمة العصير المطبوخ، كلّها مغيّاة بذهاب الثلثين «2»، و لم يتفق التحديد بذهابهما إلّا فيما تضمّن لفظ «الطبخ»، أو ما يساوقه، ك «البُخْتُج»، و «الطلاء»، و أمّا الروايات الحاكمة بتحريم العصير بالغليان «3»، فكلّها خالية من التحديد بهما «4».

فجعل هذا شاهداً علىٰ أنّ العصير المغلي بنفسه مسكر، و شاهداً على

______________________________

(1) إفاضة القدير: 34 35.

(2) وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2 و 4 و 5 و 8.

(3) وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3.

(4) إفاضة القدير: 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 296

التفصيل المتقدّم. بعد التنبيه علىٰ أنّ الغليان و النشيش إذا أُسندا إلى الأشياء التي يحدثان فيها تارة بسبب، و أُخرى باقتضاء نفسها من غير ذكر السبب، كان المراد بهما حصولهما بنفسها لا بالسبب، و بعد دعوى حصول السكر بمجرّد الغليان «1».

و فيه: أنّه بعد تسليم كون الروايات كما زعمها، لا تدلّ هي إلّا علىٰ أنّ غاية الحرمة فيما نشّ بنفسه، ليست التثليث، و هو موافق للتفصيل في المسألة الثانية المشار إليها في صدر البحث، و غير مربوط بالمسألة الأُولىٰ، و لا هي شاهدة علىٰ حصول السكر في المغلي بنفسه. مع أنّ دعاويه بجميع شعبها ممنوعة، أو غير مسلّمة.

أمّا دعوى كون الغليان إذا لم يسند إلىٰ سبب و مؤثّر خارجي، يكون المراد ما حصل بذاته، ففيها مضافاً إلىٰ كونها مجرّدة من الدليل ما لا يخفى؛ فإنّ المتبادر من «الغليان» عرفاً و لغةً هو الفوران و القلب بقوّة،

و لا يبعد أن يكون مأخوذاً من الصوت في الأصل، ثمّ اشتقّ منه:

ففي «المجمع»: «غلت القدر غلياناً: إذا اشتدّ فورانها» «2».

و في «المنجد»: «غلت القدر: جاشت بقوّة الحرارة» «3». و لم يفسّره في «الصحاح» و «القاموس» «4» لوضوحه عرفاً.

و معلوم: أنّ الفوران و اشتداده لا يحصل فيما إذا غلى العصير بنفسه، بل ما حصل بنفسه هو النشّ و الجيش الضعيف، فإذن لأحد أن يقول: إنّ «الغليان» و سائر تصاريفه إذا أُسند إلى شي ء بلا إضافة إلىٰ نفسه، يتبادر منه الفوران

______________________________

(1) إفاضة القدير: 20.

(2) مجمع البحرين 1: 319.

(3) المنجد: 558.

(4) الصحاح 6: 2448، القاموس المحيط 4: 373.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 297

الشديد بقوّة الحرارة النارية و غيرها، و إذا قيل: «غلىٰ بنفسه» يراد منه القلب الضعيف غالباً.

و لعلّ «النشّ» المستعمل في الروايات «1» فيما إذا غلى العصير بنفسه، عبارة عن الصوت الحاصل من الجيش الضعيف للعصير المغلي بنفسه؛ و إن كان لغةً أعمّ منه «2».

و كيف كان: لا بيّنة علىٰ دعواه، بل علىٰ خلافها، و لا أقلّ من أن يكون «الغليان» أعمّ.

و أمّا دعوى حصول الإسكار بمجرّد الغليان، فسيأتي الكلام فيها «3».

و ممّا ذكرنا يظهر حال مستنده: و هو أنّ كلّ ما ذكر فيه «الغليان» لم يذكر فيه الثلثان لإثبات أنّ الغليان بنفسه موجب للإسكار. مع أنّ الواقع ليس كما ذكره:

أمّا صحيحة حمّاد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يحرم العصير حتّى يغلي «4»

فمع الغضّ عمّا ذكرناه آنفاً، و الغضّ عن احتمال كون يغلّى مجهولًا من باب «التفعيل» و لا دافع له إلّا الظنّ الخارجي غير الحجّة، و الغضّ عن أنّ المراد في المقام الذي بصدد بيان الكبرى

الكلّية هو مطلق الغليان بنفسه أو

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3، الحديث 4، مستدرك الوسائل 17: 38، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 1 و 5.

(2) القاموس المحيط 2: 301.

(3) سيأتي في الصفحة 308 314.

(4) الكافي 6: 419/ 1، وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 298

بغيره جزماً، و لا تعارض بينها و بين ما دلّ علىٰ حرمة العصير المغلي بالنار، و أنّ الاختصاص موجب لمخالفته للواقع نصّاً و فتوى فلا معنىٰ لذكر الثلثين فيها؛ لأنّها بصدد بيان غاية الحلّية، لا غاية الحرمة كما هو واضح.

و منه يظهر الحال في روايته الأُخرىٰ قال: سألته عن شرب العصير، قال

تشرب ما لم يغلِ، فإذا غلىٰ فلا تشربه.

قلت: أيّ شي ء الغليان؟ قال

القلب «1».

فإنّها أيضاً بيان غاية الحلّية صدراً و ذيلًا، فلا معنىٰ لذكر التثليث فيها.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 298

و أمّا موثقة ذَريح- قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

إذا نشّ العصير أو غلىٰ حرم «2»

فهي كالنصّ في خلاف دعواه، و لهذا تشبّث بدعوىٰ اخرىٰ: و هي أنّ الرواية في النسخ المصحّحة من «الكافي» بالواو، و في «التهذيب»

أو

بدلها.

قال: «و الأوّل أصحّ؛ لأضبطية «الكافي» و أنّه لا وجه لجعل النشيش- و هو الصوت الحاصل بالغليان مقابلًا له، إلّا علىٰ وجه راجع إلىٰ عدم المقابلة» «3»،

انتهىٰ.

و فيه: أنّ الرواية علىٰ ما هو الموجود في كتب الأخبار و الفقه و اللغة ك «المرآة»، و «الوسائل»، و «الحدائق»، و «الجواهر»، و «المستند»، و «طهارة الشيخ»، و «مصباح الفقيه»، و «مجمع البحرين» إنّما هي ب

أو

لا بالواو «4»، و لم

______________________________

(1) الكافي 6: 419/ 3، وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3، الحديث 3.

(2) الكافي 6: 419/ 4، وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3، الحديث 4.

(3) إفاضة القدير: 4.

(4) مرآة العقول 22: 282/ 4، وسائل الشيعة 25: 287، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 3، الحديث 4، الحدائق الناضرة 5: 127، جواهر الكلام 6: 19، مستند الشيعة 15: 174، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 365/ السطر 32، لم نجدها في مصباح الفقيه، مجمع البحرين 4: 154.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 299

يشر أحدهم- حتّى المجلسي إلى اختلاف نسخ «الكافي» فضلًا عن كون النسخ المصحّحة كذلك، فأضبطية «الكافي» إنّما تفيد إذا ثبت كونها كذلك فيه، و أمّا مع اختلاف نسخه علىٰ فرض التسليم و اتفاق نسخ «التهذيب» بذكر

أو

موافقةً للنسخ المشهورة المتداولة من «الكافي» فلا وجه لرجحان ما ذكر.

مع أنّ الأصحّ بحسب الاعتبار نسخة «التهذيب» لما أشرنا إليه من أنّ «النشّ» كلّما أُطلق في الأخبار أُريد به الجيش بنفسه، و «الغليان» عند الإطلاق- بمناسبة ما ذكرناه «1» هو ما حصل بالنار، و لا أقلّ من كونه أعمّ، لكن في الرواية بعد عدم معنى لذكر «النشّ» و «الغليان» معاً بعد كون أحدهما موضوعاً للحكم، لا بدّ و أن يراد ب «النشّ» ما ذكرناه، كما في سائر الروايات، و

ب «الغليان» ما غلىٰ بغيره، فلا بدّ من العطف ب

أو

لا الواو، لكن صاحب الرسالة لمّا اغترّ بإصابة رأيه فتح باب التأويل و التحريف في الروايات المخالفة له.

و أمّا دعواه: بأنّ كلّ ما ورد بلفظ «الطبخ» أو ما يساوقه، فهو مغيّا بذهاب الثلثين، ففيها: أنّه إن أراد بذلك أنّ ما ذكر فيها ذهاب الثلثين منحصر بالمطبوخ- كما هو الظاهر منه، و لهذا ادعىٰ أمراً آخر: و هو أنّ المغلي بنفسه إذا ذهب ثلثاه بالنار يكون حراماً، و لا يفيد التثليث إلّا في العصير الذي طبخ قبل نشيشه بنفسه ففيها منع؛ فإنّ الظاهر من غير واحد من الروايات أنّ التثليث غاية مطلقاً، ففي رواية أبي الربيع الشامي بعد ذكر منازعة آدم (عليه السّلام) و إبليس لعنه اللّٰه قال

فرضيا بروح القدس، فلمّا انتهيا إليه قصّ آدم (عليه السّلام) عليه قصّته، فأخذ روح

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 296.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 300

القدس ضغثاً من نار فرمى به عليهما

أي على القضيبين

و العنب في أغصانهما؛ حتّى ظنّ آدم أنّه لم يبقَ منهما شي ء، و ظنّ إبليس مثل ذلك

قال

فدخلت النار حيث دخلت، و قد ذهب منهما ثلثاهما، و بقي الثلث، فقال الروح: أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس، و ما بقي فلك يا آدم «1».

فإنّ الظاهر منها أنّ التثليث مطلقاً موجب للحلّية؛ لأنّ إحراق نفس القضيبين إنّما هو لتعيين حظّ آدم و إبليس، و هو غير مربوط بطبخ عصير العنب و تثليثه بالنار، فبعد تعيين ذلك و تحديد الحدود قال الروح

أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس

أي مقدار ما ذهب من القضيبين و هو الثلثان فحظّ إبليس من العصير الذي نشّ أو غلىٰ

بالنار، و إنّما قيّدناه بذلك لقيام الإجماع و الضرورة بعدم حظّ لإبليس في نفس العنب، و لا في عصيره قبل الغليان.

فاتّضح ممّا ذكر من فقه الحديث: أنّ مقتضىٰ إطلاقه أنّ الثلثين من العصير المغلي بنفسه أو بغيره لإبليس، و بعد ذهابهما يتخلّص سهم آدم (عليه السّلام) و يحلّ ما بقي. و منه يظهر الكلام في موثّقة سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «2».

و كأنّ صاحب الرسالة حمل الطبخ في الروايتين و نحوهما علىٰ طبخ العصير، فصار ذلك موجباً لدعواه المتقدّمة، مع أنّهما صريحتان في أنّ الإحراق وقع في نفس القضيبين و الكرم لتعيين الحظّين، لا في العصير للتثليث.

و في موثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) بعد ذكر معارضة إبليس نوحاً (عليه السّلام) في الحَبَلَة-

فقال جبرئيل: أحسن يا رسول اللّٰه، فإنّ منك الإحسان، فعلم نوح

______________________________

(1) الكافي 6: 393/ 1، وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 2.

(2) الكافي 6: 394/ 4، وسائل الشيعة 25: 284، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 5، و تقدّم أيضاً في الصفحة 278.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 301

أنّه قد جُعل له عليها سلطان، فجعل له الثلثين

فقال أبو جعفر (عليه السّلام)

فإذا أخذت عصيراً فطبخته حتّى يذهب الثلثان نصيب الشيطان فكل و اشرب «1».

و هو أيضاً ظاهر في أنّ حظّ إبليس هو الثلثان، و أمّا قول أبي جعفر (عليه السّلام) فتفريع علىٰ قول نوح لا ينبغي أن يتوهّم منه اختصاص الغاية بذهاب الثلثين بالنار، كما لا يتوهّم منه اختصاص الحرمة بالغليان بها.

و في حسنة «2» محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه

السّلام)

كان أبي (عليه السّلام) يقول: إنّ نوحاً حين أُمر بالغرس كان إبليس إلىٰ جانبه، فلمّا أراد أن يغرس العنب قال: هذه الشجرة لي، فقال له نوح: كذبت، فقال إبليس: فما لي منها؟ فقال نوح: لك الثلثان، فمن هناك طاب الطلاء على الثلث «3».

و هي أوضح في تفريع قوله

فمن هناك ..

إلىٰ آخره، علىٰ كلّية: هي كون الثلثين من العصير المغلي لإبليس لعنه اللّٰه، و الثلثِ لنوح (عليه السّلام). و من هنا يظهر حال رواية وهب بن منبّه «4».

و في مرسلة محمّد بن الهيثم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن العصير

______________________________

(1) الكافي 6: 394/ 3، وسائل الشيعة 25: 284، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 4.

(2) رواها الصدوق في العلل، عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم. و الرواية حسنة بإسماعيل بن مرار الذي لم يرد فيه توثيق.

راجع الجزء الأوّل: 92، تنقيح المقال 1: 144/ السطر 38.

(3) علل الشرائع: 477/ 2، وسائل الشيعة 25: 286، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 10.

(4) تقدّمت في الصفحة 274.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 302

يطبخ بالنار حتّى يغلي من ساعته، أ يشربه صاحبه؟ فقال

إذا تغيّر عن حاله و غلى فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه «1».

و هي أوضح فيما ذكرناه؛ فإنّ فاعل

تغيّر

و

غلىٰ

ضمير راجع إلى العصير، لا هو مع قيد الطبخ و الغليان، و هو واضح، فحينئذٍ إعراضه عن الموضوع المفروض في السؤال، و استئناف الكلام بأنّه

«إذا تغيّر العصير عن حاله و غلى» لإعطاء قاعدة كلّية: و هي أنّ مطلق التغيّر عن حاله و الغليان موجب للحرمة إلىٰ ذهاب الثلثين.

مع أنّ قوله (عليه السّلام)

تغيّر عن حاله

لا يبعد أن يكون ظاهراً في الفساد الذي يحصل من الجيش بنفسه. و كيف كان لا وجه لاختصاصه بالنار.

و في «فقه الرضا»

اعلم: أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار، أو غلىٰ من غير أن تصيبه النار، فهو خمر، و لا يحلّ شربه إلّا أن يذهب ثلثاه على النار، و بقي ثلثه، فإن نشّ من غير أن تصيبه النار فدعه حتّى يصير خلّا من ذاته من غير أن يلقىٰ فيه شي ء «2».

و هي ظاهرة في أنّ ما غلىٰ بنفسه يحلّ إذا ذهب ثلثاه على النار، و أمّا قوله

فإذا نشّ .. فدعه ..

إلىٰ آخره، فمتعرّض لفرع آخر: و هو عدم جواز إلقاء شي ء خارجي فيما يجعل خلّا، بل لا بدّ من أن يدعه حتّى يصير خلّا بذاته من دون إلقاء شي ء فيه.

و إنّما قيد ذهاب الثلثين بكونه على النار؛ لأجل أنّ التثليث بغير النار قلّما

______________________________

(1) الكافي 6: 420/ 1، وسائل الشيعة 25: 285، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 7.

(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 280، مستدرك الوسائل 17: 39، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 303

يتفق. بل العصير إذا غلىٰ بنفسه يصير خلّا أو خمراً بعلاج أو بغيره قبل أن يذهب ثلثاه. لا أقول: إنّه يصير خمراً أو مسكراً بمجرّد الغليان بنفسه، بل أقول: قبل ذهاب الثلثين يتبدّل إليه أو إلى الخلّ، و لهذا

قيّده بقوله

على النار.

و لعلّه لأجل ما ذكرناه من عدم دخالة النار في الحلّية لو اتفق التثليث بغيرها أسقطها عليّ بن بابويه، فقال: «لا يحلّ شربه إلىٰ أن يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه» «1» مع أنّ كلامه عين ما في «فقه الرضا» تقريباً، لكن صاحب الرسالة نقل كلام ابن بابويه، ثمّ قال:

«و الذي أُحصّله من هذا الكلام: أنّ عصير الكرم إذا أصابته النار و لم يذهب ثلثاه، و ترك علىٰ هذا الحال، أو غلىٰ من غير أن يصيبه النار، فهو خمر، و إن لم يترك طبخه حتّى ذهب ثلثاه كان حلالًا، و إن غلىٰ بنفسه كان خمراً لا يفيد فيه التثليث إلّا أن ينقلب خلّا» «2» انتهىٰ.

و ليت شعري، من أين حصل له هذا الأمر المخالف لظاهر الكلام، بل صريحه، و من أين لفّق بالعبارة قولَه: «و ترك علىٰ هذا الحال» و قولَه: «و إن لم يترك طبخه حتّى يذهب ثلثاه كان حلالًا» حتّى وافقت مذهبه بعد مخالفتها له؟! مع أنّه علىٰ فرض كون مراده ذلك لا يتضح موافقته لمذهبه؛ لما مرّ من أنّ هؤلاء إنّما يكون كلامهم في مسألة الحلّية و الحرمة، لا النجاسة و الطهارة «3»، و لم يتضح أنّ مراده من كونه خمراً أنّه هو تكويناً، و لعلّه تبع بعض النصوص «4» في إطلاق «الخمر» عليه، كما هو دأبه، و لم يظهر منه و لا من الفقهاء ملازمة النشيش

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 293.

(2) إفاضة القدير: 33.

(3) تقدّم في الصفحة 290 و ما بعدها.

(4) تقدّم في الصفحة 279.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 304

و الغليان من قِبَل نفسه للإسكار؛ و إن نسب صاحب الرسالة ذلك أيضاً إليهم «1»

من غير حجّة. بل مع الحجّة علىٰ خلافه، كما لعلّنا أشرنا إليها من ذي قبل «2».

الإعضال الثاني:

أنّه قد ورد في صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه و يبقىٰ ثلثه «3».

هذا التقييد لا يتضح وجهه مع أنّه بصدد إعطاء القاعدة، و موضوع الحكم مطلق ما غلىٰ بنفسه أو بالنار، فالتقييد مخلّ إن قلنا بمفهوم الوصف، و موجب لعدم دلالته علىٰ حكم ما غلىٰ بنفسه إن لم نقل به، فالمناسب أو المتعيّن أن يقول: «كلّ عصير غلىٰ فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه».

و جعل وجه حلّه: أنّ الحديث في مقام بيان الحرمة المحدودة بذهاب الثلثين، و ليست إلّا في العصير المطبوخ، فالتقييد في موقعه، و الضابطة تامّة، و القاعدة محكمة «4»، انتهىٰ ملخّصاً.

و فيه أوّلًا: أنّه بعد تسليم ما ذكره، لا تدلّ إلّا علىٰ أنّ غاية الحرمة في المغلي بالنار ذهاب الثلثين، لا في المغلي بنفسه، و هو غير مربوط بمدعاه الذي ذكر الإعضالات و الانحلالات المتوهّمة لأجله؛ و هي مسكرية ما غلىٰ بنفسه، دون ما غلىٰ بالنار.

و قد عرفت: أنّ مورد البحث و محطّ كلام الفقهاء في مسألتين:

إحداهما: في النجاسة و الطهارة.

و ثانيتهما: في غاية الحلّية.

______________________________

(1) إفاضة القدير: 40.

(2) يأتي في الصفحة 308 و ما بعدها.

(3) تقدّمت في الصفحة 278.

(4) إفاضة القدير: 17 و 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 305

فالرواية علىٰ فرض تمامية مدعاه مربوطة بالثانية، و هو يريد الاستدلال بها للأُولىٰ علىٰ زعمه في طرح المسألة.

و ثانياً: أنّه لا إشكال في أنّ الصحيحة بصدد بيان حرمة ما أصابته النار، لا مطلق العصير المغلي، كما لا إشكال

في أنّ ذهاب الثلثين غاية للحرمة فيه، و أمّا عدم ذكر العصير المغلي بنفسه مع حرمته بنحو الإطلاق، فهو إشكال مشترك لو فرض وروده.

و العذر بأنّها بصدد بيان العصير الذي يصير حلالًا بذهاب الثلثين، تسليم للإشكال، لا دافع له.

إلّا أن يقال: إنّها بصدد بيان الغاية فقط، و هو كما ترى.

هذا مع عدم ورود الإشكال رأساً؛ لأنّ السكوت عن بعض أنواع موضوع بعد عدم المفهوم للقيد هنا جزماً، غير عزيز، سيّما إذا كان المذكور أخفىٰ حكماً، كما في المقام.

و الظاهر أنّه غفل عمّا التزم به من اختصاص مثل رواية حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا يحرم العصير حتّى يغلي «1»

، بما يغلي بنفسه «2»، مع أنّها بصدد بيان الضابطة و القاعدة الكلّية جزماً، و الضابطة مع ذلك الاختصاص مخلّة بالمقصود جزماً؛ لأنّ ما غلىٰ بالنار حرام أيضاً، و لم يذكر فيها الغاية حتّى يتوهّم أنّها بصدد بيان ما كانت غايته التخليل.

اللهمّ إلّا أن يقول: الذي أحصّله منها ذلك، كما قال في عبارة الصدوق «3»، فلا كلام لنا حينئذٍ.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 297.

(2) إفاضة القدير: 20 21.

(3) تقدّم في الصفحة 303.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 306

و ثالثاً: أنّه لقائل أن يقول: إنّ إطلاق ذيل الصحيحة يقتضي أن يحلّ ما أصابته النار بذهاب الثلثين و لو بغير النار، و مجرّد كون الغليان بالنار لا يوجب صرفه إلىٰ كون التثليث بها. و لو توهّم الانصراف فهو بدوي. كما أنّ ندرة الوجود لا توجبه.

بل مقتضىٰ إطلاق صدرها أنّ ما أصابته النار أعمّ ممّا كانت الإصابة بعد النشّ بنفسه أو لا، و أوّل مراتب النشّ ليس بنادر في العصير الذي يتهيّأ

للطبخ، سيّما إذا كان كثيراً، و يعصر بتدريج، و سيّما إذا كان في المناطق الحارّة، و ليس ظهور الصحيحة في حدوث الحرمة بإصابة النار ظهوراً يدفع الإطلاق، سيّما مع قوّة احتمال أن يكون المقصود الأصلي فيها بيان غاية التحريم.

فتكون دالّة علىٰ خلاف مدعاه من وجهين:

أحدهما: دعواه بأنّ ما غلىٰ بنفسه لا يحلّ و لا يطهر إلّا بصيرورته خلّا، و لا يفيده ذهاب الثلثين بالنار، و هي دالّة علىٰ خلافها.

و ثانيهما: دعواه بأنّ ما غلىٰ بالنار لا يحلّ إلّا بذهاب ثلثيه بها، و هي دالّة علىٰ خلافها.

الإعضال الثالث:

أنّه قد وقع في موثّقة عمّار ما لم يهتدِ إلىٰ وجهه و سرّه أغلب الواقفين عليها، قال عمّار: وصف لي أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالًا، فقال

تأخذ ربعاً من زبيب و تنقّيه، ثمّ تصبّ عليه اثني عشر رطلًا من ماء، ثمّ تنقعه ليلة، فإذا كان أيّام الصيف و خشيت أن ينشّ جعلته في تنوّر مسجور قليلًا حتّى لا ينشّ ...

إلىٰ أن قال

ثمّ تغليه بالنار، فلا تزال تغليه حتّى يذهب الثلثان، و يبقى الثلث «1».

______________________________

(1) الكافي 6: 424/ 1، وسائل الشيعة 25: 289، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 307

فإنّ هذه الفقرة ممّا تحيّر الناظر من وجهين:

أحدهما: أنّه إذا نشّ خارج التنُّور فهو بأن ينشّ فيه أولىٰ، فكيف داواه بما يضاعفه؟! ثانيهما: أنّه أمره بعد ذلك بالتثليث، فالنشيش ليس فيه محذور يخاف منه. و لو فرض خوف فيندفع بعد الغليان و التثليث «1».

ثمّ حلّ هذه المعضلة: بأنّه إذا نشّ بنفسه حدث فيه الإسكار، و بطل المقصود؛ إذ لا بدّ

من إراقته أو تخليله، بخلاف تعجيل غليانه بالتنُّور المسجور، فإنّه يمنع من تسارع الفساد إليه «2»، انتهىٰ بتلخيص.

و فيه: بعد الغضّ عن تسميتها «موثّقة» مع تردّدها بين موثّقة و مرسلة «3»، و بعد الغضّ عن أنّ ذلك بعد تسليم المقدّمات لا ينتج مقصوده؛ لأنّ غاية ما يستفاد منها أنّه مع النشيش بنفسه لا يحلّله التثليث، و هو المسألة الثانية من المسألتين المتقدّمتين «4»، و هو استدلّ بها للأُولىٰ.

أنّ هذه الرواية لا يمكن التعويل عليها حتّى في حرمة ما ينشّ بنفسه لولا دليل آخر؛ ضرورة أنّ القيود الكثيرة المأخوذة فيها، ممّا لا دخالة لها في الحلّية تمنع عن الاستدلال بها، فمن المحتمل قريباً أن يكون الأمر بجعله في التنُّور لئلّا

______________________________

(1) إفاضة القدير: 18 و 19.

(2) إفاضة القدير: 22.

(3) رواها الكليني، عن محمّد بن يحيىٰ، عن عليّ بن الحسن أو عن رجل، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار بن موسى الساباطي.

(4) تقدّمت في الصفحة 289 و 290.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 308

ينشّ؛ لأجل أنّ النشيش بنفسه يوجب الفساد تكويناً، فلا يحصل معه المقصود من تحصيل مشروب لذيذ طبّي مطبوخ له خواصّ و آثار، لا لما ذكره من لزوم إراقته أو تخليله.

إلّا أن يقول: الذي أحصّله ذلك، و لا كلام معه.

نعم، لا إشكال في أنّ الرواية دالّة علىٰ أنّه بعد ما عمل بدستوره، حصل له مطبوخ حلال، و أمّا لو نشّ فلم يصر حلالًا لإسكاره و لا يحلّ إلّا بالتخليل، فلا تدلّ عليه بوجه.

هذا مع أنّ هذه الفقرة غير مذكورة في روايته الأُخرى الموثّقة «1»، مع أنّ الناظر فيهما يرىٰ أنّهما رواية

واحدة نقلتا بالمعنى لحكاية قضية واحدة، نعم ترك في الثانية ذيل الاولىٰ، فلو كان النشّ موجباً لحرمته و عدم حلّيته بالتثليث، كان عليه ذكره. إلّا أن يقال بوقوع السقط في الثانية اشتباهاً، أو بتوهّم الساباطي عدم الدخالة.

و أولى بالدلالة علىٰ عدم الدخالة ما لو كانت الموثّقة رواية مستقلة أُخرى.

الإعضال الرابع:

أنّه قد ورد في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال: سألته عن نبيذ قد سكن غليانه، قال

كلّ مسكر حرام.

وجه الإشكال: أنّه قد دلّ الجواب سيّما مع ترك الاستفصال علىٰ أنّ مطلق الغليان في النبيذ يوجب إسكاره؛ غلىٰ بنفسه أو بالنار، بل يدلّ علىٰ أنّ اندراجه في موضوع الجواب مفروغ عنه عند السائل، و هو مع مخالفته للوجدان، و صريح رواية وفد اليمن يشكل: بأنّه لو كان الغليان موجباً

______________________________

(1) الكافي 6: 425/ 2، وسائل الشيعة 25: 290، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 309

لإسكاره، لم يكن معنى لجعل ذهاب الثلثين محلّلًا؛ فإنّ تسخين المسكر و تغليظه لا يزيل إسكاره «1».

ثمّ أجاب عنه: بأنّ المراد من «الغليان» ما كان بنفسه، فاندراجه تحت الكبرى لمّا كان مفروغاً عنه أجاب بما أجاب «2».

و فيه: بعد إصلاح الرواية؛ فإنّ صحيحة ابن مسلم ليست كما نقلها، بل هي هكذا: محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن نبيذ سكن غليانه، فقال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): كلّ مسكر حرام «3».

و بعد تسليم اندراج مورد السؤال في موضوع الجواب، بل مفروغيته لدى السائل، و الغضّ عن احتمال أنّ إلقاء الكبرى لأجل إفادة أنّ الحرمة دائرة

مدار السكر، فإن كان ما و صفته مسكراً فهو حرام، و إلّا فلا، كما في رواية وفد اليمن، حيث إنّ فيها قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بعد توصيفهم ما صنعوا-

يا هذا، قد أكثرت عليّ، أ فيسكر؟

قال: نعم، فقال

كلّ مسكر حرام «4».

أنّ مضمون الرواية غير مرتبط بدعواه التي من أجلها أسّس أساس المعضلات المتوهّمة؛ أي مسكرية العصير إذا نشّ و غلى بنفسه، لو لم نقل: إنّه ضدّها، لا لأنّها واردة في النبيذ، و كلامنا في العصير، بل لأنّ موضوع السؤال نبيذ سكن غليانه، لا حدث فيه الغليان، فلو فرض كون النبيذ الذي غلىٰ بنفسه

______________________________

(1) إفاضة القدير: 19.

(2) نفس المصدر: 22.

(3) الكافي 6: 418/ 1، وسائل الشيعة 25: 357، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 25، الحديث 1.

(4) الكافي 6: 417/ 7، وسائل الشيعة 25: 355، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 310

و بقي حتّى سكن غليانه مسكراً، لم يثبت به مسكرية ما غلىٰ في أوّل غليانه فيه، فضلًا عن العصير.

بل يمكن أن يقال: إنّ عدم مسكرية ما غلىٰ بنفسه مفروغ عنه لدى السائل، و إنّما شبهته فيما سكن غليانه.

و هذه الصحيحة نظير جملة أُخرى من الروايات التي تمسّك بها لإثبات مدعاه بعد عدّة مقالات، كرواية إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السّلام) فقلت: يا جارية، اسقيني ماءً، فقال لها

اسقيه من نبيذي

فجاءت بنبيذ مَرِيس في قدح من صفر.

قلت: لكنّ أهل الكوفة لا يرضون بهذا، قال

فما نبيذهم؟

قلت: يجعلون فيه القعوة، قال

و ما القعوة؟

قلت: الدازي، قال

و

ما الدازي؟

قلت: ثفل التمر يفري به الإناء حتّى يهدر النبيذ فيغلي، ثمّ يسكن فيشرب، قال

ذاك حرام «1».

و قريب منها رواية إبراهيم بن أبي البلاد، عن [ابن] الرضا (عليه السّلام) «2».

و في نسخة «مرآة العقول»: «ثمّ يسكر» بدل «ثمّ يسكن» «3» فعليها تدلّ الرواية علىٰ ضدّ مقصوده، لمكان «ثمّ».

و كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: استأذنت لبعض أصحابنا علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فسأله عن النبيذ، فقال

حلال.

______________________________

(1) الكافي 6: 416/ 4، وسائل الشيعة 25: 353، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 1.

(2) الكافي 6: 416/ 5، وسائل الشيعة 25: 354، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 3.

(3) مرآة العقول 22: 277/ 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 311

فقال: إنّما سألتك عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر، [فيغلي] ثمّ يسكن، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): كلّ مسكر حرام «1».

و في نسخة المرآة: «فيغلي حتّى يسكر» «2» فعليها تدلّ علىٰ ضدّ مقصوده؛ فإنّ الظاهر منها أنّه يغلي إلىٰ أن ينتهي إلى السكر، فتدلّ علىٰ أنّ السكر بعد الغليان بمدّة.

و في رواية وفد اليمن في وصف النبيذ: يؤخذ التمر فينبذ في إناء، ثمّ يصبّ عليه الماء حتّى يمتلئ، ثمّ يوقد تحته حتّى ينطبخ، فإذا انطبخ أخرجوه فألقوه في إناء آخر، ثمّ صبّوا عليه ماءً، ثمّ مرس، ثمّ صفّوه بثوب، ثمّ القي في إناء، ثمّ صبّ عليه من عكر ما كان قبله، ثمّ هدر و غلى، ثمّ سكن علىٰ عكره، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

يا هذا، قد أكثرت عليّ، أ

فيسكر؟

قال: نعم، فقال

كلّ مسكر حرام «3».

و هذه الروايات كما ترى تدلّ علىٰ أنّ النبيذ بعد العلاج و إلقاء العكر فيه و الغليان و السكون بعده، صار مسكراً، فتدلّ علىٰ أنّ الإسكار إنّما هو بعد تلك المقدّمات لا بمجرّده، فتكون دالّة علىٰ ضدّ مقصوده.

و لو منعت دلالتها علىٰ ذلك فلا شبهة في عدم دلالتها بل و لا إشعارها بحصول السكر بمجرّد الغليان. لكنّ صاحب الرسالة لا يبالي بعدم الدلالة؛ حتّى استدلّ بها علىٰ حصول السكر بمجرّده.

______________________________

(1) الكافي 6: 417/ 6، وسائل الشيعة 25: 355، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 5.

(2) مرآة العقول 22: 278/ 6.

(3) تقدّمت في الصفحة 309.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 312

كما استدلّ عليه بروايات أُخر نظيرها في عدم الدلالة، كذيل رواية إبراهيم في باب تحريم العصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ثمّ إنّ إبليس ذهب بعد وفاة آدم (عليه السّلام) فبال في أصل الكرم و النخلة، فجرى الماء في عودهما ببول عدوّ اللّٰه، فمن ثمّ يختمر العنب و التمر، فحرّم اللّٰه علىٰ ذرّية آدم كلّ مسكر؛ لأنّ الماء جرىٰ ببول عدوّ اللّٰه في النخلة و العنب، و صار كلّ مختمر خمراً؛ لأنّ الماء اختمر في النخلة و الكرمة من رائحة بول عدوّ اللّٰه «1».

و استشهد لإتمام الدلالة بقول ابن الأعرابي «2»: «سمّيت الخمر خمراً؛ لأنّها تركت و اختمرت»، قال: «و اختمارها تغيّر ريحها» «3».

أقول: أمّا الرواية فلا دلالة لها علىٰ منظورة بوجه؛ فإنّ صيرورة الخمر حراماً لجريان بول عدوّ اللّٰه في عود النخلة و الكرم، و صيرورةَ كلّ مختمر خمراً لاختمار الماء فيهما من رائحة بوله، لا تدلّ علىٰ أنّ

العصير بمجرّد غليانه بنفسه صار مسكراً أو خمراً، و أيّ ربط بين تلك الفقرات و دعواه؟! إلّا أن يقال: إنّ رائحة الخمر إذا كانت في شي ء، تكشف عن بول عدوّ اللّٰه و اختماره ببوله. و هو حسن لمن أراد الدعابة و المزاح. مع أنّ موافقة رائحة الخمر لرائحة العصير إذا نشّ، غير معلومة، بل معلومة العدم.

و أمّا التشبّث بقول ابن الأعرابي و غيره من أئمّة اللغة «4»، فمع الغضّ عن

______________________________

(1) الكافي 6: 393/ 2، وسائل الشيعة 25: 283، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 3.

(2) انظر الصحاح 2: 649.

(3) إفاضة القدير: 51.

(4) راجع الصحاح 2: 649، المصباح المنير 1: 182، تاج العروس 3: 188.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 313

عدم حجّية قولهم في غير المعاني اللغوية، و ذكر وجه التسمية غير داخل في فنّهم، بل من قبيل الاجتهاد في أصل اللغة، أنّ العبارة المنقولة عنه غير دالّة علىٰ أنّ كلّ ما تغيّر ريحها تسمّى «خمراً» بل تدلّ علىٰ أنّ الخمر سمّيت بذلك لهذا الوجه، و الافتراق بينهما ظاهر لا يخفى.

و أمّا قوله: «اختمارها تغيّر ريحها» فإن أراد به الإخبار عن حقيقة كيمياوية، فهو غير مسموع منه؛ لعدم كونه داخلًا في فنّه. إلّا أن يدّعي التجربة، و هي كما ترى.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر من تلك العبارة أنّ الخمر سمّيت «خمراً» لأنّها- أي الخمر تركت و اختمرت و تغيّرت حالها، لا أنّ العصير إذا ترك و تغيّر حاله يصير خمراً و يسمّى بها، فلعلّ مراده أنّ وجه تسمية الخمر أنّها إذا تركت تتغيّر في ريحها. و تأويل كلامه بما يرجع إلىٰ ما أراد المستدلّ بلا حجّة لا

داعي له.

و استدلّ أيضاً «1» بما دلّ علىٰ حرمة ما تغيّر من العصير و غيره إذا نشّ و غلى بنفسه «2». و أمر النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بإهراق ما تغيّر و نشّ «3». و الأمرِ بغسل الإناء الذي ينبذ فيه لكيلا يغتلم «4». و بروايات النهي عن الانتباذ في جملة من الأواني، أو مطلق استعمالها، كالدباء و المزَّفَت و الحَنْتَم و النقير «5».

______________________________

(1) إفاضة القدير: 50 63.

(2) راجع وسائل الشيعة 25: 283، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 3.

(3) دعائم الإسلام 2: 128/ 444.

(4) الكافي 6: 415/ 1، وسائل الشيعة 25: 352، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 22، الحديث 5.

(5) وسائل الشيعة 25: 357، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 25.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 314

و أنت خبير بما في الاستدلال بها لإثبات مسكرية ما غلىٰ بنفسه من الوهن؛ بعد التأمّل فيما مرّ، و التمييز بين المسألتين المتقدّمتين؛ أي مسألة حرمة ما نشّ و غلى و الاختلاف في غايتها، و مسألة نجاسة العصير المغلي التي تفرّد بالتفصيل فيها ابن حمزة كما مرّ «1»، و مع جعل ذلك نصب عينيك، تهتدي إلىٰ أنّ ما تمسّك به لمدّعاه من الأخبار و كلمات الأصحاب، إمّا مخالف لمذهبه، أو غير مربوط به، إلّا بعض إشعارات في بعض الكلمات.

و لو كان الوقت متسعاً، و الحال مقتضياً، و المسألة مهمّة، لسردت عليك موارد خلطه حتّى لا تغترّ بعباراته و دعاويه، و اتضح لك وهن اعتراضاته علىٰ أئمّة الفقه و مهرة الفنّ، و اللّٰه العاصم.

فاتضح ممّا مرّ عدم قيام دليل علىٰ نجاسته مطلقاً؛ لا

ما غلىٰ بنفسه، و لا ما غلىٰ بغيره.

حول المراد بالاشتداد

ثمّ إنّ «الاشتداد» الواقع في كلام جملة من الأصحاب- كالمحقّق و العلّامة «2» إن كان المراد منه الإسكار فالتعبير ب «الإلحاق بالمسكر» غير مناسب.

و إن كان المراد الثخانة و الخثورة، فلا دليل على اعتباره إلّا ما احتمله الشيخ الأعظم: من «أنّ عمدة الدليل على النجاسة لمّا كانت الموثّقة المتقدّمة المختصّة بما بعد الثخونة المحسوسة، و فتوى المشهور المتيقّن منها ذلك،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 289.

(2) المعتبر 1: 424، منتهى المطلب 1: 167/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 315

كان الاقتصار في مخالفة الأصل عليها أولىٰ؛ و إن كان الإطلاق لا يخلو من قوّة» «1» انتهىٰ.

و هو غير وجيه؛ فإنّه على فرض كون المستند هو الموثّقة، لا يظهر منها الاختصاص، بل الظاهر منها و لو بالقرائن الداخلية و الخارجية هو الإطلاق.

مضافاً إلىٰ أنّ في كونها مستندهم إشكالًا؛ بعد كونها في مقام بيان الحكم الظاهري كما مرّ «2»، و بعد ما قيل: «من عدم معهودية التمسّك بها إلىٰ زمان الأسترآبادي» «3».

و لو قيل باستنادهم إلىٰ مثل الرضوي المتقدّم «4»، و صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة «5»، كان أولىٰ، و لم يظهر منهما الاختصاص:

أمّا الرضوي فظاهر.

و أمّا الصحيحة، فلأنّ «البُخْتُج» صادق علىٰ أوّل مراتب الطبخ الحاصل بالغليان. و يحتمل أن يكون المراد به الاشتداد في الغليان و إن كان بعيداً بل غير وجيه.

و كيف كان: فبعد بطلان أصل الدعوىٰ، لا داعي للبحث في متفرّعاتها و قيودها.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 362/ السطر 1.

(2) تقدّم في الصفحة 280 281.

(3) انظر الحدائق الناضرة 5: 123، إفاضة القدير: 39.

(4) تقدّم في الصفحة 287.

(5) تقدّمت في الصفحة 283.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 3، ص: 316

في طهارة عصير الزبيب
اشارة

و أمّا عصير الزبيب، فلا ينبغي الإشكال في طهارته، و إن قلنا بنجاسة عصير العنب. بل في «الحدائق»: «الظاهر أنّه لا خلاف في طهارته و عدم نجاسته بالغليان؛ فإنّي لم أقف علىٰ قائل بالنجاسة هنا» «1». و حكي ذلك عن «الذخيرة» أيضاً «2». لكن يظهر من بعضهم وجود قول بها «3»، بل عن أطعمة «مجمع البرهان»: «أنّه يظهر من «الذكرى» اختيار نجاسة عصير التمر و الزبيب» «4».

لكن في «مفتاح الكرامة» ليس لذلك في «الذكرى» عين و لا أثر، قال: «و في «الذكرى» بعد أن نسب الحكم بالنجاسة إلى ابن حمزة و المحقّق في «المعتبر»، و ذكر أنّ المصنّف تردّد في «النهاية» قال: و لم نقف لغيرهم علىٰ قول بالنجاسة «5». نعم اختار في «الألفية» النجاسة «6»» «7»، انتهىٰ.

أقول: و لم أرَ في «الوسيلة» و «المعتبر» ما نسب إليهما. إلّا أن يقال: إنّ العصير شامل للأقسام، و هو غير ظاهر، سيّما بعد معروفية اختصاصه عند الإطلاق بالعنبي و تسميةِ غيره بأسماء أُخر.

و كيف كان: فالأصل فيه الطهارة إلىٰ قيام دليل علىٰ نجاسته.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 125.

(2) ذخيرة المعاد: 155/ السطر 3.

(3) جامع المقاصد 1: 162، روض الجنان: 164/ السطر 9، الدرّة النجفيّة: 50.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 11: 203.

(5) ذكرى الشيعة 1: 115.

(6) الألفية و النفلية: 47.

(7) مفتاح الكرامة 1: 141/ 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 317

التمسّك بالاستصحاب لإثبات النجاسة و جوابه

و ربّما يتمسّك لنجاسته بعد البناء علىٰ نجاسة العصير العنبي المغلي بالاستصحاب التعليقي تارة، و بالتنجيزي اخرىٰ؛ و هو استصحاب سببية غليانه للحرمة و النجاسة، أو استصحاب ملازمته لهما «1».

أقول: إنّ ظواهر الأدلّة المستدلّ بها لنجاسة العصير مختلفة، و يختلف حال الاستصحاب حسب اختلاف

المستند، فإنّ ظاهر موثّقة معاوية بن عمّار «2»، و صحيحة عمر بن يزيد «3»، جعل الحكم التنجيزي للعصير المطبوخ؛ لأنّ موضوع السؤال فيهما البُخْتُج؛ و هو العصير المطبوخ، فقد نزّله في الموثّقة منزلة الخمر في الآثار فرضاً، و منها النجاسة، فكأنّه قال: «البُخْتُج حرام و نجس» و كذا الحال في الصحيحة، فإنّ الحكم فيها أيضاً تنجيزي لا تعليقي.

و أمّا ظاهر مرسلة محمّد بن الهيثم «4»، و خبر «فقه الرضا» «5»، بل خبر أبي بصير «6»، المستدلّ بكلّ منها عليها، فهو إنشاء قضايا تعليقية؛ أي «إذا تغيّر

______________________________

(1) المصابيح في الفقه: 193 (مخطوط).

(2) تقدّمت في الصفحة 279.

(3) تقدّمت في الصفحة 283.

(4) تقدّمت في الصفحة 302.

(5) تقدّم في الصفحة 301.

(6) عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و سئل عن الطلاء فقال: إن طبخ حتّى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال، و ما كان دون ذلك فليس فيه خير.

الكافي 6: 420/ 1، وسائل الشيعة 25: 285، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 318

العصير و غلى فلا خير فيه» أو «إذا أصابته النار أو غلىٰ من غير أن تصيبه النار فهو خمر» فإنّ المستفاد من مثلهما جعل حكم على العصير معلّقاً على الغليان.

و لا يرجع ذلك إلى الحكم التنجيزي مطلقاً؛ لا في الجعل، و لا في الاعتبار، و لا في الواقع، لا قبل حصول المعلّق عليه، و لا بعده؛ لاختلاف موضوعهما اعتباراً و واقعاً، و كذا حكمهما؛ لأنّ المجعول في القضايا التنجيزية أي مفاد الطائفة الاولىٰ هو الحكم الفعلي المنجّز علىٰ موضوع مقيّد؛ أي العصير المغلي و لو تحليلًا؛

فإنّ البُخْتُج هو العصير المغلي أو المطبوخ، و في القضايا التعليقية يكون الموضوع ذات العصير، و الغليان واسطةً و معلّقاً عليه الحكم، و هو أمر تعليقي يتوقّف فعليته علىٰ حصول المعلّق عليه.

فقبل حصول المعلّق عليه و بعده، لا يفترق الموضوع و لا الحكم المجعول؛ فإنّ القضية لا تنقلب عمّا هي عليها؛ حصل المعلّق عليه، أو لم يحصل.

نعم، بعد حصول المعلّق عليه يصير الحكم فعلياً منجّزاً على العبد، و حجّة عليه، لا بانقلاب القضية التعليقية إلى التنجيزية، أو انقلاب موضوعها إلىٰ موضوع آخر؛ فإنّه غير معقول، فالموضوع في القضية التعليقية هو العصير لا العصير المغلي و لو بعد حصول المعلّق عليه، فالغليان ليس قيداً له في وعاء من الأوعية.

و ما قرع الأسماع: من «أنّ الجهات التعليلية ترجع إلى التقييدية» «1»، إنّما هو في القضايا العقلية، لا القضايا العرفية و الظواهر اللفظية، و هو ظاهر لدى التأمّل.

______________________________

(1) نهاية الدراية 2: 131، بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 387، مناهج الوصول 1: 390.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 319

ثمّ إنّ الظاهر من القضايا التعليقية؛ هو جعل الحكم على الموضوع علىٰ تقدير وجود المعلّق عليه، ففي المقام جعل النجاسة و الحرمة علىٰ تقدير وجود الغليان، و ينتزع منه سببية الغليان لهما، أو ملازمتهما معه.

لا أقول: لا يمكن جعل السببية أو الملازمة ثبوتاً، بل أقول: إنّ الظاهر منها في مقام الإثبات جعل الحكم، لا جعل السببية أو الملازمة، فهما منتزعتان من جعل الحكم عقلًا، لا مجعولتان شرعاً.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّه إن قلنا: بأنّ النجاسة في العصير العنبي مستفادة من القضية التعليقية، فإن قلنا: بأنّ المستفاد منها هو سببية الغليان لها، أو ملازمته لها، فاستصحابهما

و إن كان تنجيزياً، و السببية و الملازمة شرعية، لكن تحقّق المسبّب بتحقّق سببه و كذا تحقّق الملازم بتحقّق صاحبه عقلي، فاستصحاب السببية المجعولة لعصير العنب، لا يثبت نجاسة عصير الزبيب المغلي إلّا بالأصل المثبت، و كذا استصحاب الملازمة، فصِرف كون السببية أو الملازمة شرعية، لا يوجب التخلّص من المثبتية.

و إن قلنا: بأنّ المستفاد منها الحكم التعليقي، فيجري استصحابه من غير شبهة المثبتية؛ لأنّ حصول الحكم بحصول المعلّق عليه شرعي، فكأنّ الشارع المقدّس قال: «تعبَّدْ بأنّه إذا وجد غليان عصير الزبيب، وجدت النجاسة» أو «تعبَّدْ بوجودها عند وجوده» فلا إشكال من هذه الجهة.

و كذا لو قلنا: «بأنّ السببية الشرعية ليست علىٰ مثابة السببية التكوينية، بل ترجع إلى التعبّد بوجود المسبّب عند وجود سببه، يكون استصحابها كاستصحاب الحكم التعليقي جارياً.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 320

اعتراضات الاستصحاب التعليقي و بيان الصحيح منها

لكن قد يستشكل في الاستصحاب:

تارة: بعدم بقاء الموضوع؛ فإنّ «العنب» و «الزبيب» عنوانان مختلفان عرفاً و عقلًا، و كذا مصاديقهما، و لهذا لا يمكن التمسّك بدليل حكم العنب علىٰ حكم الزبيب «1».

و فيه: أنّ المعتبر في الاستصحاب وحدة القضية المتيقّنة مع القضية المشكوك فيها، لا وحدة المستصحب مع موضوع الدليل الاجتهادي، و لمّا كان الزبيب في الخارج مسبوقاً بالعنبية، فحين كان عنباً يقال: «هذا الموجود في الخارج إذا غلىٰ عصيره ينجس و يحرم» و ذلك بالاستنتاج من كبرىٰ كلّية اجتهادية، و صغرىٰ وجدانية.

فموضوع القضية المتيقّنة فيه ليس عنوان «العنب» الكلّي، بل الموجود الخارجي المشار إليه؛ لانطباق الكبرى عليه، فإذا جفّ رطوبته لم يصر موجوداً آخر؛ و إن صدق عليه عنوان آخر، و سلب عنه عنوانه الأوّلي، فالرطوبة و اليبوسة فيه نظير الكبر و الصغر و المرض

و الصحّة في الشخص الخارجي، حيث بقيت شخصيته عرفاً و عقلًا مع تبادل العناوين و العوارض عليه، فموضوع القضية المتيقّنة باقٍ مع العلم بعدم بقاء موضوع الدليل الاجتهادي.

و أُخرى: بأنّ الحكم التعليقي و التقديري ليس بشي ء، و لا بدّ في

______________________________

(1) فرائد الأُصول 2: 654، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 362/ السطر 8، مصباح الفقيه، الطهارة: 553/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 321

الاستصحاب من ثبوت حكم وضعي أو تكليفي أو موضوع ذي حكم، و الشكّ في بقائه «1».

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّ الحكم التكليفي أو الوضعي المشروط، أمر مجعول محقّق في وعائه، و ليس معدوماً و لا شي ء أنّه لا يشترط في الاستصحاب كون المستصحب أمراً موجوداً، بل ما يعتبر فيه هو فعليةُ الشكّ و اليقين، لا فعلية المتيقّن و المشكوك فيه، و كونُ المتعلّق ذا أثر قابل للتعبّد في زمان الشكّ.

فلو تعلّق اليقين بعدم شي ء، و كان له أثر في زمان الشكّ، يجري الاستصحاب بلا شبهة، فضلًا عن المقام؛ فإنّ اليقين متعلّق بقضية شرعية هي «أنّه إذا نشّ العصير أو غلىٰ يحرم» أو «إذا أصابته النار فهو خمر» و شكّ في بقائها بعد انطباقها على العنب الخارجي لأجل صيرورته زبيباً، و التعبّد به ذو أثر في زمان الشكّ، و هو الحكم بالنجاسة و الحرمة إذا تحقّق الغليان.

و أمّا ما قيل: بأنّ معنى الاستصحاب التعليقي؛ هو الشكّ في بقاء الحكم المرتّب علىٰ موضوع مركّب من جزءين عند فرض وجود أحد جزءيه، و تبدّل بعض حالاته قبل فرض وجود الجزء الآخر.

ثمّ استشكل على الاستصحاب التعليقي تارة: بأنّ الحكم المرتّب على الموضوع المركّب، إنّما يكون وجوده و تقرّره بوجود الموضوع بما له من

الأجزاء و الشرائط؛ لأنّ الموضوع كالعلّة للحكم، و لا يعقل تقدّم الحكم عليه، فلا معنىٰ لاستصحاب ما لا وجود له.

و تارة: بأنّه ليس للجزء الموجود من المركّب أثر إلّا إذا انضمّ إليه الغليان، و هذا ممّا لا شكّ فيه، فلا معنىٰ لاستصحابه.

______________________________

(1) انظر فرائد الأُصول 2: 653، المناهل: 652/ السطر 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 322

و تارة: بأنّ هذه القضية التعليقية عقلية؛ لأنّها لازم جعل الحكم على الموضوع المركّب «1».

فلا ينبغي أن يصغى إليه؛ بعد خلطه بين القضايا التعليقية التي موضوعها نفس العناوين، و حكمها تعليقي، و المعلّق عليه واسطة في ثبوت الحكم للموضوع، و بين القضايا التنجيزية التي موضوعها أمر مركّب من جزءين: أي العصير، و الغليان، و هو مبنىٰ إشكاله الأوّل.

و أعجب منه إشكاله الثاني، فإنّ ما لا شكّ فيه هو عصير العنب إذا ضمّ إليه الغليان، لا عصير الزبيب.

و أعجب من ذلك إشكاله الثالث، حيث أرجع القضايا التعليقية الواردة في الشرع إلى القضايا التنجيزية المركّبة الموضوع، ثمّ قال: «إنّ القضية التعليقية لازمة عقلًا لجعل الحكم على الموضوع المركّب».

و ثالثة: بأنّ الاستصحاب التعليقي معارض دائماً باستصحاب تنجيزي «2»؛ فإنّ العصير الزبيبي المغلي، كما هو محكوم بالنجاسة و الحرمة للاستصحاب التعليقي و بعد حصول المعلّق عليه، كذلك محكوم بالطهارة و الحلّية الثابتتين له قبل الغليان.

فأجابوا عنه: بحكومة الأصل التعليقي السببي على التنجيزي المسبّبي، و ذكروا في وجهها ما لا يخلو من مناقشة أو مناقشات «3».

______________________________

(1) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 463 469.

(2) المناهل: 653/ السطر 2، فرائد الأُصول 2: 654، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 362/ السطر 13، نهاية النهاية 2: 203.

(3) فرائد الأُصول 2: 654، الطهارة، الشيخ الأنصاري:

362/ السطر 13، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 473 477.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 323

و التحقيق في تقريرها أن يقال: إنّ الاستصحاب التعليقي جارٍ بلحاظ حال قبل الغليان، و المستصحب فيه هو القضية التعليقية، فإذا شكّ في بقائها يستصحب، و أمّا مفاد القضية المستصحبة فهو: أنّ هذا العصير إذا غلىٰ ينجس و يحرم، و بعد حصول الغليان و ضمّ الوجدان إلى القضية المستصحبة تصير النتيجة: أنّ هذا العصير نجس و حرام، لا أنّ العصير المشكوك في نجاسته أو حرمته كذا؛ لأنّ الاستصحاب لم يجرِ في المغلي المشكوك فيه، بل يجري في التعليقي بلحاظ قبل الغليان، فيحرز الدليل الاجتهادي في ظرفه.

و أمّا استصحاب الحلّ و الطهارة، فإنّما يجري في العصير المغلي المشكوك في حلّيته و طهارته.

فالدليل الاجتهادي المستصحب لسانه نجاسة هذا العصير إذا غلىٰ، و بعد الغليان ينتج نجاسة هذا العصير من غير قيد الشكّ، و لسان استصحاب الحلّ و الطهارة الجاري في المغلي: أنّ المشكوك فيه طاهر و حلال، فالأوّل بلسانه مقدّم على الثاني.

و هذا هو السرّ في تقدّم الأصل السببي على المسبّبي في جميع الموارد، مثلًا إذا شكّ في نجاسة الثوب المغسول بما شكّ في كرّيته، فاستصحاب الكرّية ينقّح موضوع الدليل الاجتهادي تعبّداً، فينطبق عليه الدليل الاجتهادي؛ أي أنّ الكرّ مطهّر لما أصابه و غسل فيه، و ليس مفاده: إذا شككت فيما غسل فيه فهو طاهر، بخلاف مفاد استصحاب نجاسة الثوب، فإنّ مفاده: إذا شكّ في نجاسته فهو باقٍ عليها، فمفاد الأوّل بعد تطبيق الدليل: أنّ هذا طاهر، و مفاد الثاني: إذا شكّ في نجاسته فهو نجس.

و إن شئت قلت: إنّ استصحاب الكرّية في المثال، لا يعارض

استصحاب النجاسة؛ لتعدّد موضوعهما، و إنّما التعارض بين مفاد الدليل الاجتهادي المنطبق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 324

على المستصحب تعبّداً بعد ضمّ الوجدان، و بين مفاد استصحاب نجاسة الثوب، و الأوّل مقدّم بلسانه على الثاني و حاكم عليه؛ و لو كان تنقيحه ببركة التعبّد ببقاء الكرّية بالاستصحاب، و كذا الحال في المقام، فتدبّر و اغتنم.

و رابعة: بأنّ الحكم إنّما تعلّق بالعصير، لا بالعنب حتّى يقال ببقاء الموضوع. و هذا الإشكال يقرّر بوجهين:

أحدهما: أنّ موضوع الدليل الاجتهادي عصير العنب لا نفسه، و هو غير باقٍ؛ فإنّ الزبيب لمّا كان مسبوقاً بالعنبية صحّ أن يقال: «إنّ هذا الموجود كان كذا، و الآن كما كان» لكنّ عصيره لم يكن مسبوقاً بعصيرية العنب حتّى يجي ء فيه ما ذكر، فإسراء الحكم من عصير العنب إلىٰ عصيره، إسراء له من موضوع إلىٰ موضوع مباين له في المفهوم و الحقيقة و الوجود «1».

و فيه: أنّه بعد فرض تعلّق الحكم بعصير العنب، يصحّ أن يقال عليه: «إنّ عصير هذا الموجود إذا غلىٰ يحرم و ينجس» فإذا يبس و صار زبيباً يقال: «إنّ هذا الموجود كان عصيره كذا، و الآن كما كان».

و ثانيهما: أنّه ليس للزبيب عصير، فإنّ العنب بعد جفاف ما في جوفه من الماء صار زبيباً، و ما بقي فيه هو الجرم اللزج، و هو ليس بعصير جزماً، و موضوع الحكم في العنب هو عصيره لا نفسه، فإذا صار زبيباً لا يبقى فيه ماء يعتصر و يغلي، و الماء الخارجي الذي يراق فيه لإخراج حلاوته غير العصير العنبي جزماً، فالقضية المتيقّنة غير القضية المشكوك فيها يقيناً «2».

و هذا الإشكال متين، و هو الجواب عن الاستصحاب التعليقي.

______________________________

(1) فوائد

الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 472 473، إفاضة القدير: 119.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 362/ السطر 8، مصباح الفقيه، الطهارة: 553/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 325

هذا كلّه إذا كان المستند للنجاسة و الحرمة هو القضايا التعليقية.

و أمّا إذا كان المستند لهما القضايا التنجيزية، كقوله: «البُخْتُج خمر» أو «لا تشرب البُخْتُج من يد مستحلّ المسكر» فعدم جريان الاستصحاب واضح؛ لأنّ الحكم التنجيزي على الموضوع المقيّد، لا يتحقّق إلّا بعد تحقّق موضوعه بجميع قيوده، و قبله لا وجود له و لو بنحو الاعتبار في الخارج حتّى يشكّ في بقائه و يستصحب.

و توهّم إجراء الاستصحاب التعليقي بتقريب: أنّ العنب كان إذا انضمّ إليه الغليان محكوماً بالحرمة و النجاسة، فإذا صار زبيباً يستصحب الحكم التعليقي، فاسد؛ فإنّ هذا التعليق عقلي لا شرعي؛ لأنّ المفروض أنّه ليس للشارع إلّا حكم تنجيزي على العصير المغلي، فالحكم التعليقي غير مجعول، بل من اللوازم العقلية، و في مثله لا يجري الاستصحاب.

مضافاً إلىٰ ورود الإشكال الأخير- أي عدم بقاء الموضوع عليه أيضاً.

فتحصّل ممّا ذكر عدم جريان الأصل، و عدم الدليل علىٰ نجاسة العصير الزبيبي.

و دعوىٰ صدق «العصير» عليه قد مرّ جوابها «1».

هذا كلّه علىٰ فرض تسليم نجاسة عصير العنب، و إلّا فقد عرفت عدم نجاسته «2»، فضلًا عن نجاسة عصير الزبيب.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 316.

(2) تقدّم في الصفحة 319.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 326

في حلّية عصير الزبيب
اشارة

ثمّ إنّه لا بأس بصرف الكلام إلىٰ حكم عصير الزبيب من جهة الحرمة و إن كان خارجاً عن محطّ البحث لكونه محلّا للابتلاء.

فنقول: المشهور كما في «الحدائق» حلّيته «1». بل في طهارة شيخنا الأعظم عن جماعة دعوى الشهرة

عليه «2». بل عن «الرياض»: «كادت تكون إجماعية» «3».

و هي مقتضى الأصل السالم عن المعارض:

أمّا الاستصحاب فقد عرفت الكلام فيه. و أمّا غيره:

حول التمسك برواية زيد النرسي للحرمة
اشارة

فعمدة المستند للحرمة رواية زيد النرْسي في أصله قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الزبيب يدقّ و يلقى في القدر، ثمّ يصبّ عليه الماء، و يوقد تحته، فقال

لا تأكله حتّى يذهب الثلثان، و يبقى الثلث؛ فإنّ النار قد أصابته.

قلت: فالزبيب كما هو في القدر، و يصبّ عليه الماء، ثمّ يطبخ و يصفّى عنه الماء، فقال

كذلك هو سواء، إذا أدّت الحلاوة إلى الماء، فصار حلواً بمنزلة العصير، ثمّ نشّ من غير أن تصيبه النار فقد حرم، و كذلك إذا أصابته النار فأغلاه فسد «4».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 152.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 362/ السطر 15.

(3) رياض المسائل 2: 291/ السطر 30 (ط. حجري).

(4) أصل زيد النرسي: 58، مستدرك الوسائل 17: 38، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 327

تحقيق في حجية أصل زيد النرسي
حول محاولة العلّامة الطباطبائي

و قد حاول العلّامة الطباطبائي تصحيح سندها تبعاً للمجلسي (رحمه اللّٰه) «1» و استند في ذلك:

تارة: علىٰ قول النجاشي: «له كتاب يرويه عنه جماعة، قال: أخبرنا أحمد بن عليّ بن نوح السيرافي، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد الصفواني، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي بكتابه» «2».

و علىٰ نصّ الشيخ رواية ابن أبي عمير كتابه «3». و عن «البحار» و غيره طريق إليه بتوسّط ابن أبي عمير «4».

قال: «و روايته لهذا الأصل تدلّ علىٰ صحّته و اعتباره و الوثوق بمن رواه؛ فإنّ المستفاد من تتبّع الحديث و كتب الرجال، بلوغه الغاية في الثقة و العدالة و الورع و الضبط، و التحذّر عن التخليط، و الرواية عن الضعفاء و المجاهيل، و لهذا ترى

أنّ الأصحاب يسكنون إلىٰ روايته، و يعتمدون علىٰ مراسيله، و قد ذكر

______________________________

(1) بحار الأنوار 1: 43.

(2) رجال النجاشي: 174/ 460.

(3) الفهرست: 71/ 290.

(4) بحار الأنوار 1: 43، تهذيب الأحكام، المشيخة 10: 79، الفهرست: 71/ 290.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 328

الشيخ في «العدّة»: «أنّه لا يروي و لا يرسل إلّا عمّن يوثق به» «1»، و هذا توثيق عامّ لمن روىٰ عنه، و لا معارض له هاهنا».

ثمّ ذكر إجماع الكَشّي علىٰ تصحيح ما يصحّ عنه «2»، و أجال القلم حوله «3».

و أُخرى: علىٰ قول الشيخ: «له أصل» «4» قال «و عدّ النَّرْسي من أصحاب الأُصول، و تسمية كتابه «أصلًا» ممّا يشهد بحسن حاله و اعتبار كتابه؛ فإنّ «الأصل» في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر، و ليس بمعنى مطلق الكتاب، فإنّه قد يجعل مقابلًا له فيقال: له كتاب، و له أصل».

ثمّ حكى الكلام المنقول عن المفيد طاب ثراه بأنّه صنّفت الإمامية من عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلىٰ عهد أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري (عليه السّلام) أربعمائة كتاب تسمّى: الأُصول. قال: «و هذا معنىٰ قولهم: له أصل» «5».

«و معلوم أنّ مصنّفات الإمامية فيما ذكر من المدّة، تزيد علىٰ ذلك بكثير، كما يشهد به تتبّع كتب الرجال، فالأصل أخصّ من الكتاب.

و لا يكفي فيه مجرّد عدم انتزاعه من كتاب آخر و إن لم يكن معتمداً، فإنّه يؤخذ في كلام الأصحاب مدحاً لصاحبه، و وجهاً للاعتماد علىٰ ما تضمّنه، و ربّما

______________________________

(1) عدّة الأُصول 1: 154.

(2) اختيار معرفة الرجال: 556/ 1050.

(3) الفوائد الرجالية، بحر العلوم 2: 362 367.

(4) الفهرست: 71/ 289 290.

(5) انظر معالم العلماء:

3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 329

ضعّفوا الرواية لعدم وجدان متنها في شي ء من الأُصول» «1».

و ثالثة: بسكوت ابن الغضائري عن الطعن فيه، مع طعنه في جملة من المشايخ و أجلّاء الأصحاب، حتّى قيل: «السالم من رجال الحديث من سلم منه». بل قال: «زيد الزرّاد و زيد النَّرْسي: رويا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أبو جعفر بن بابويه: «إنّ كتابهما موضوع وضعه محمّد بن موسى السمّان»، و غلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من محمّد بن أبي عمير» «2»، انتهىٰ.

قال: «و لو لا أنّ هذا الأصل من الأُصول المعتمدة المتلقّاة بالقبول بين الطائفة، لما سلم من طعنه و من غمزه؛ علىٰ ما جرت به عادته في كتابه الموضوع لهذا الغرض» «3».

و رابعة: بإخراج الكليني في جامعه «الكافي» الذي ذكر أنّه قد جمع الآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهم السّلام) «4» روايتين عنه:

إحداهما: في باب التقبيل من كتاب الإيمان و الكفر «5».

و ثانيتهما: في كتاب الصوم في باب صوم العاشوراء «6».

و أخرج الشيخ عنه حديثاً في كتاب الوصايا من «التهذيب» «7»، مع إيراده

______________________________

(1) الفوائد الرجالية، بحر العلوم 2: 367.

(2) انظر مجمع الرجال 3: 84.

(3) الفوائد الرجاليّة، بحر العلوم 2: 369.

(4) الكافي 1: 8.

(5) الكافي 2: 185/ 3.

(6) الكافي 4: 147/ 6.

(7) تهذيب الأحكام 9: 228/ 896.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 330

الرواية الأخيرة في كتابي الأخبار بإسناده عن الكليني «1»، فلا تخلو الكتب الأربعة من أخباره «2».

بل روىٰ جعفر بن قولويه، عن عليّ بن الحسين و غيره، بسندهم عن النرسي «3»، و منه يعلم رواية عليّ بن بابويه والد الصدوق أصل النرسي.

و يظهر منه أنّ أصل نسبة اعتقاد وضعهما إلى الصدوق تبعاً لشيخه ضعيف، أو رجع عنه بعد ما ذكره في فهرسته «4»، فإنّ والده شيخ القمّيين و فقيههم و ثقتهم و الذي خاطبه الإمام العسكري (عليه السّلام) بقوله في توقيعه

يا شيخي و معتمدي ..

يروي الأصل المذكور، و ولده يعتقد كونه موضوعاً؟! هذا ممّا لا ينبغي نسبته إليه «5»، انتهىٰ ملخّصاً.

و هو تفصيل ما أفاده المجلسي علىٰ ما حكي عنه تقريباً، قال بعد نقل كلمات الجماعة في الأصلين و صاحبيهما: «أقول: و إن لم يوثّقهما أصحاب الرجال، لكن أخذُ أكابر المحدّثين من كتابهما، و اعتمادهم عليهما حتّى الصدوق في «معاني الأخبار» و غيره، و رواية ابن أبي عمير عنهما، و عدّ الشيخ كتابهما من الأُصول، لعلّها تكفي لجواز الاعتماد عليهما» «6» انتهىٰ، ثمّ ذكر حال نسخته العتيقة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 301/ 912، الاستبصار 2: 135/ 443.

(2) إلى هنا تمّ كلام العلّامة الطباطبائي و بقية الكلام من صاحب المستدرك، الفوائد الرجاليّة، بحر العلوم 2: 372 374.

(3) كامل الزيارات: 510/ 10.

(4) الفهرست: 71/ 290.

(5) خاتمة مستدرك الوسائل 1: 72.

(6) بحار الأنوار 1: 43.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 331

التحقيق في أخبار أصحاب الإجماع و هو الجواب عمّا تشبّث به أوّلًا

أقول: لا بأس بصرف الكلام إلىٰ حال ما تشبّثا به، سيّما إجماع الكَشّي الذي هو العمدة في المقام و غيره من الموارد الكثيرة المبتلىٰ بها.

فعن الكَشّي:

في حقّ فقهاء أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام): «اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) و انقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة ..» «1». ثمّ ساق أسماءهم.

و في فقهاء أصحاب أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام):

«أجمعت العصابة علىٰ تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء، و تصديقهم لما يقولون، و أقرّوا لهم بالفقه ..» «2». ثمّ ساق أسماءهم.

و في فقهاء أصحاب أبي إبراهيم و أبي الحسن (عليهما السّلام): «اجتمع أصحابنا علىٰ تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء و تصديقهم، و أقرّوا لهم بالفقه و العلم ..» «3». ثمّ ذكر أسماءهم.

و يقع الكلام تارة: في المفهوم المراد من تلك العبارات.

و أُخرى: حول كلمات الأصحاب، و فهمهم المعنى المراد منها، و حال دعوى تلقّيهم هذا الإجماع بالقبول.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 238/ 431.

(2) نفس المصدر: 375/ 705.

(3) اختيار معرفة الرجال: 556/ 1050.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 332

المراد من تصديق أصحاب الإجماع و تصحيح ما يصحّ عنهم

أمّا الأوّل: ففيها احتمالات، أظهرها أنّ المراد تصديقهم بما أخبروا عنه، و ليس أخبارهم في الإخبار مع الواسطة إلّا الإخبار عن قول الواسطة و تحديثه، فإذا قال محمّد بن أبي عمير: «حدّثني زيد النَّرْسي قال: حدّثني عليّ بن مَزْيَد قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) كذا» لا يكون إخبار ابن أبي عمير إلّا بتحديث زيد. و هذا فيما ورد في الطبقة الأُولىٰ واضح.

و كذلك الحال في الطبقتين الأخيرتين؛ أي الإجماع علىٰ تصحيح ما يصحّ عنهم؛ لأنّ ما يصحّ عنهم ليس متن الحديث في الإخبار مع الواسطة؛ لو لم نقل مطلقاً. فحينئذٍ إن كان المراد من الموصول مطلق ما صحّ عنهم، يكون لازمه قيام الإجماع علىٰ صحّة مطلق إخبارهم؛ سواء كان مع الواسطة أو لا، إلّا أنّه في الإخبار مع الواسطة لا يفيد تصديقهم و تصحيح ما صحّ عنهم بالنسبة إلى الوسائط، فلا بدّ من ملاحظة حالهم و وثاقتهم و عدمها.

و إن كان المراد منه متن الحديث بدعوىٰ: أنّ الصحّة و الضعف من صفات

المتن و لو بلحاظ سنده، فلازمه قيام الإجماع علىٰ تصحيح الإخبار بلا واسطة؛ فإنّ ما يصحّ عنهم من المتن هو الذي أخبروا عن نفسه، و أمّا الإخبار مع الواسطة فليس إخبارهم عن متنه، بل عن تحديث الغير ذلك.

و إن شئت قلت: ما صحّ عنهم الذي يجب تصحيحه، لا بدّ و أن يكون الإخبار عن واقع حتّى يجوز فيه الصدق و الكذب، و التصحيح و عدمه، فإذا قال ابن أبي عمير: «حدّثني النرسي قال: حدّثني عليّ بن مَزْيَد: قال الصادق (عليه السّلام) كذا» فما أخبر به ابن أبي عمير و يصحّ أن يكون كاذباً فيه و صادقاً و يمكن الحكم بصحّته و الإجماع علىٰ تصحيحه، هو إخباره بأنّ زيداً حدّثني، و أمّا قول النرسي

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 333

و عليّ بن مَزْيَد و كذا قول الصادق (عليه السّلام) فليس من إخباره، و لهذا لو كان أخبار النرسي أو عليّ بن مَزْيَد كاذباً لا يكون ابن أبي عمير كاذباً، و ليس ذلك إلّا لعدم إخباره به، و صحّة سلبه عنه.

و هو واضح جدّاً، فهل ترى من نفسك لزوم تصديق الجماعة حتّى فيما لا يقولون، بل قالوا: «إنّا لم نقله»؟! فإذا كذب عليّ بن مزيد مثلًا على الصادق (عليه السّلام) و نقل ابن أبي عمير قوله، ثمّ قيل له: «لِمَ كذبت على الصادق (عليه السّلام)؟» يصحّ له أن يقول: «إنّي لم أكذب عليه، بل نقلت عن زيد، و هو عن عليّ بن مزيد، و هو كاذب، لا أنا، و لا زيد» و إنّما كرّرنا هذا الأمر الواضح لما هو مورد الاشتباه كثيراً.

فما قد يقال في ردّ هذا الاحتمال: «من أنّه لا يخفى

ما فيه من الركاكة؛ خصوصاً بالنسبة إلىٰ هؤلاء الأعلام، و لو كان المراد ما ذكر اكتفي بقوله: «أجمعت العصابة علىٰ تصديقهم» بل هنا دقيقة اخرىٰ: و هي أنّ الصحّة و الضعف من أوصاف متن الحديث، تعرضه باعتبار اختلاف حالات رجال السند» «1».

لا يخفى ما فيه من الغفلة عن أنّ ذلك من قبيل الفرار من المطر إلى الميزاب، فإنّه يلزم منه عدم قيام الإجماع علىٰ تصديقهم في الإخبار مع الواسطة؛ حتّى بالنسبة إلىٰ تحديث الوسائط، إلّا بدعوىٰ تنقيح المناط. نعم لازم تصديقهم وثاقتهم و صداقتهم في النقل، و هو واضح.

و أمّا دعوى ركاكة دعوى الإجماع علىٰ صِرْف تصديقهم، سيّما في هؤلاء العظماء، ففيها أنّه إذا قام الإجماع علىٰ تصديق هؤلاء، فأيّة ركاكة

______________________________

(1) خاتمة مستدرك الوسائل 7: 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 334

في نقله؟! كما لا ركاكة في نقل الإجماع علىٰ فقاهتهم و الإقرار لهم بالعلم، كما نقله أيضاً «1».

و دعوىٰ عدم اختصاص هذا الإجماع بهم «2» بعد تسليمها يمكن أن لا يكون عند الكَشّي ثابتاً في غيرهم.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ لزوم الركاكة في ظاهر لفظ، لا يوجب جواز صرفه عن ظاهره، و حملِه علىٰ ما لا تلزم منه الركاكة كائناً ما كان.

و قوله: «لو كان المراد ذلك لاكتفىٰ بقوله: «أجمعت العصابة علىٰ تصديقهم».

فيه أوّلًا: اكتفىٰ به في الطبقة الأُولىٰ، و من في الطبقتين الأخيرتين ليسوا بأوثق و أورع ممّن في الأُولىٰ، و من ذلك يمكن أن يقال: إنّ مراده في الجميع واحد، و حيث لم يرد في الأُولىٰ إلّا تصديقهم و توثيقهم لم يرد في غيرها إلّا ذلك.

إلّا أن يقال: إنّ الطبقة الأُولىٰ لمّا لم يكن إخبارهم مع الواسطة، لم

يحتج إلىٰ دعوى الإجماع علىٰ تصحيح ما يصحّ عنهم، و هو كذلك نوعاً. لكن دعوى الإجماع علىٰ تصديقهم لو كانت ركيكة، كانت بالنسبة إليهم ركيكة أيضاً، بل أشدّ ركاكة.

و ثانياً: لنا أن نقول: لو كان المراد من العبارة ما ذكرتم من تصحيح الرواية مع توثيق من بعده، لكان عليه أن يقول: «اجتمعت العصابة علىٰ وثاقة من نقل عنه واحد من هؤلاء» أو نحو ذلك من العبارات، حتّى لا يشتبه الأمر على الناظر، و ما الداعي إلىٰ ذكر تلك العبارة التي هي ظاهرة في خلاف المقصود؟! و ربّما يقال: «إنّ بناء فقهاء أصحاب الأئمّة (عليهم السّلام) نقل فتواهم بالرواية،

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 556/ 1050.

(2) انظر خاتمة مستدرك الوسائل 7: 25.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 335

فكلّ ما روىٰ أحد هؤلاء العظماء كان مضمونها فتواه، فكما صحّ من أصحاب الإجماع التحديث بالمعنى الذي تقدّم، صحّ منهم الفتوىٰ علىٰ مضمون حديثه، و مقتضى تصديقهم و تصحيح ما صحّ عنهم، تصديق التحديث و مضمون الحديث جميعاً، فيتمّ المطلوب» «1».

و فيه: بعد تسليم ذلك، و بعد الغضّ عن أنّ ذلك الإجماع لو ثبت، فإنّما قام علىٰ تصديقهم في النقل لا الفتوىٰ، كما هو الظاهر من معقده أنّ ما ينتج لإتمام المطلوب إثبات أنّ كلّ ما رووا موافق لفتواهم، و هو مقطوع البطلان؛ ضرورة وجود رواية المتعارضين من شخص واحد في مرويّاتنا، و رواية ما هو خلاف المذهب أُصولًا أو فروعاً فيها ممّا لا يمكن مطابقتها لفتواهم.

و أمّا إثبات كون فتواهم بنحو الرواية فلا ينتج المطلوب، فإذا علمنا أنّ بعض ما روى ابن أبي عمير مطابق لفتواه، لا ينتج ذلك لزوم الأخذ بجميع رواياته، و كذا لو

علمنا أنّ كلّ ما أفتىٰ به فهو بنحو الرواية. و هذا مغالطة نشأت من إيهام الانعكاس. مع أنّ في أصل الدعوىٰ أيضاً كلاماً.

في وجه حجّية هذا الإجماع

ثمّ إنّهم ذكروا في وجه حجّية هذا الإجماع بعد عدم كونه بالمعنى المصطلح أحد الأمرين:

الأوّل: اطلاع العصابة على احتفاف جميع الأخبار التي هي منقولة بتوسّطهم بقرائن خارجية، يوجب الاطلاع عليها العلم بصحّة الخبر «2».

______________________________

(1) خاتمة مستدرك الوسائل 7: 60.

(2) نفس المصدر 7: 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 336

و هذا غير ممكن عادة؛ ضرورة عدم حصر تلك الأخبار، و عدم إمكان اطلاع جميع العصابة على القرائن الموجبة لكلّ ناظر في كلّ واحد من الأخبار التي لا تحصى، فهذا محمّد بن مسلم أحد الجماعة روي عن الكَشّي، عن حَريز، عنه أنّه قال: «ما شجرني رأي قطّ إلّا سألت عنه أبا جعفر (عليه السّلام) حتّى سألته عن ثلاثين ألف حديث، و سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن ستّة عشر ألف حديث» «1».

و الظاهر أنّ أحاديث زرارة لم تقصر عنها؛ لو لم تكن أزيد، و من المحال اطلاع جميع الأصحاب علىٰ جميع ما روىٰ هؤلاء مع اطلاعهم علىٰ قرائن موجبة للقطع، بل من المحال عادة احتفاف جميع أخبارهم بالقرائن الكذائية، فهذا ليس وجه إجماعهم، و لا ذاك وجه حجّيته.

الثاني: اطلاعهم علىٰ جميع مشايخ هؤلاء و من يروون عنهم مسنداً و مرسلًا، و العلم بوثاقة جميعهم، فحكموا بصحّة أحاديثهم لأجل صحّة سندها إلى المعصوم (عليه السّلام) «2». هذا وجه إجماعهم، و منه يظهر وجه حجّيته.

و هو و إن كان دون الأوّل في البطلان، لكنّه يتلوه فيه:

أمّا أوّلًا: فلأنّ اطلاع جميع العصابة علىٰ جميع الأفراد الذين يروي هؤلاء الجماعة عنهم بلا واسطة

و مع الواسطة، بعيد في الغاية، بل غير ممكن عادة، مع عدم تدوين كتب الحديث و الرجال في تلك الأعصار؛ بنحو يصل الكلّ إلى الكلّ، و بُعْد وصول أخبار البلاد البعيدة بعضها إلىٰ بعض. و تصوير تهيئة الأسباب جميعاً لجميعهم، مجرّد تصوّر لا يمكن تصديقه.

و أمّا ثانياً: فلأنّ مشايخ الجماعة و من يروون عنهم، لم يكن كلّهم ثقاة، بل

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 163/ 276.

(2) انظر خاتمة مستدرك الوسائل 7: 54 و 5: 127.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 337

فيهم من كان كاذباً وضّاعاً ضعيفاً لا يعتنى برواياته و بكتبه:

هذا ابن أبي عمير و هو أشهر الطائفة في هذه الخاصّة يروي عن يونس بن ظَبْيان الذي قال النجاشي فيه علىٰ ما حكي عنه-: «ضعيف جدّاً، لا يلتفت إلىٰ ما رواه، كلّ كتبه تخليط» «1». و عن ابن الغضائري: «أنّه غالٍ وضّاع للحديث» «2». و عن الفضل في بعض كتبه: «الكذّابون المشهورون: أبو الخطّاب، و يونس بن ظبيان، و يزيد الصائغ ..» «3» إلىٰ آخره.

و قد ورد فيه عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) اللعن البليغ «4».

و عن عبد اللّٰه بن القاسم الحضرمي، الذي قال فيه ابن الغضائري: «ضعيف غالٍ متهافت» «5». و قال النجاشي: «كذّاب غالٍ يروي عن الغلاة، لا خير فيه، و لا يعتدّ بروايته» «6». و قريب منه بل أزيد عن «الخلاصة» «7».

و عن عليّ بن أبي حمزة البطائني، الذي قال فيه أبو الحسن عليّ بن الحسن بن فضّال على المحكي-: «عليّ بن أبي حمزة كذّاب متّهم ملعون، قد رويت عنه أحاديث كثيرة، و كتبت عنه تفسير القرآن من أوّله إلىٰ آخره، إلّا أنّي لا أستحلّ أن أروي عنه

حديثاً واحداً» «8».

______________________________

(1) رجال النجاشي: 448/ 1210.

(2) مجمع الرجال 6: 284.

(3) انظر اختيار معرفة الرجال: 546/ 1033.

(4) نفس المصدر: 363/ 673.

(5) مجمع الرجال 4: 35.

(6) رجال النجاشي: 226/ 594.

(7) رجال العلّامة الحلّي: 236/ 9.

(8) انظر اختيار معرفة الرجال: 404/ 756.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 338

نعم، عن صاحب «المعالم» أنّ ذلك في حقّ ابنه الحسن بن عليّ بن أبي حمزة «1».

و عن ابن الغضائري: «أنّه لعنه اللّٰه أصل الوقف، و أشدّ الخلق عداوة للمولىٰ» يعني الرضا (عليه السّلام) «2».

و نقل عنه نفسه: قال لي أبو الحسن موسى (عليه السّلام)

إنّما أنت يا عليّ و أصحابك أشباه الحمير «3».

و روى الكَشّي روايات في ذمّه:

منها: ما رواه بسنده عن يونس بن عبد الرحمن قال: «مات أبو الحسن و ليس من قوّامه أحد إلّا و عنده المال الكثير، و كان ذلك سبب وقفهم و جحودهم موته، و كان عند عليّ بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار».

و منها: ما رواه بسنده عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) حديثاً، و فيه: و سمعته يقول في ابن أبي حمزة

أما استبان لكم كذبه؟! ..

إلىٰ غير ذلك «4».

و الاعتذار بأنّ رواية ابن أبي عمير عنه كانت قبل وقفه، غير مقبول؛ لظهور ما تقدّم و غيره في سوء حاله قبل الوقف، و أنّ الوقف لأجل حطام الدنيا، و لهذا لم يستحلّ عليّ بن الحسن بن فضّال أن يروي عنه رواية واحدة، فلو كان قبل الوقف صحيح الرواية، لم يستحلّ له ترك روايته؛ بناءً علىٰ كون ذلك في حقّه كما عن ابن طاوس و العلّامة «5». و عمل الطائفة برواياته لا يوجب توثيقه.

______________________________

(1) التحرير الطاوسي: 354/ 245.

(2)

مجمع الرجال 4: 157.

(3) اختيار معرفة الرجال: 404/ 757.

(4) نفس المصدر: 403 405/ 755 و 759 و 760.

(5) التحرير الطاوسي: 353/ 245، رجال العلّامة الحلّي: 232 233.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 339

مع أنّه غير مسلّم بعد ما نقل عن المشهور عدم العمل بها «1»، تأمّل.

و عن أبي جميلة الذي ضعّفه النجاشي «2»، و قال ابن الغضائري و العلّامة: «إنّه ضعيف كذّاب يصنع الحديث» «3».

و عن عليّ بن حديد الذي قال الشيخ في محكي «الاستبصار»: «إنّه ضعيف جدّاً لا يعوّل علىٰ ما ينفرد بنقله» «4». و ضعّفه في محكي «التهذيب» أيضاً «5».

و عن الحسين بن أحمد المِنْقَري الذي ضعّفه الشيخ و النجاشي و العلّامة و غيرهم .. «6»، إلىٰ غير ذلك «7».

و أمّا نقله عن غير المعتمد و المجهول و المهمل و من ضعّفه المتأخّرون- أمثال محمّد بن ميمون التميمي «8»، و هاشم بن حيّان «9» فكثير يظهر للمتتبّع.

و أمّا صفوان بن يحيىٰ، فقد روىٰ عن عليّ بن أبي حمزة، و أبي جميلة

______________________________

(1) تنقيح المقال 2: 262/ السطر 7 (أبواب العين).

(2) رجال النجاشي: 128/ 332.

(3) مجمع الرجال 6: 122، رجال العلّامة الحلّي: 358.

(4) الاستبصار 3: 95/ 325.

(5) تهذيب الأحكام 7: 101/ 435.

(6) رجال الطوسي: 334/ 8، رجال النجاشي: 53/ 118، رجال العلّامة الحلّي: 216/ 2، مجمع الرجال 2: 166.

(7) كأبي البختري وهب بن وهب الذي قال النجاشي فيه «كان كذّاباً»، رجال النجاشي: 430/ 1155، و راجع تهذيب الأحكام 3: 150/ 325.

(8) رجال ابن داود: 276/ 487، رجال العلّامة الحلّي: 255.

(9) رجال العلّامة الحلّي: 214، تنقيح المقال 3: 287/ السطر 26 (أبواب الهاء).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص:

340

المفضّل بن صالح المتقدّمين، و عن محمّد بن سِنان الذي ضعّفوه «1»، بل عن المفضّل: «أنّه من الكذّابين المشهورين» «2» و عن عبد اللّٰه بن خِداش الذي قال فيه النجاشي: «ضعيف جدّاً» «3» .. إلىٰ غير ذلك.

و أمّا البَزَنْطي، فروى عن أبي جميلة المتقدّم، و أحمد بن زياد الخزّاز الضعيف «4»، و الحسن بن عليّ بن أبي حمزة الضعيف المطعون، فعن ابن الغضائري: «أنّه واقفي ابن واقفي، ضعيف في نفسه، و أبوه أوثق منه. و قال الحسن بن علي بن فضّال: إنّي لأستحيي من اللّٰه أن أروي عن الحسن بن عليّ» «5».

و قد مرّ أنّ ما حكي عن ابن فضّال في عليّ بن أبي حمزة ذهب صاحب «المعالم» إلىٰ أنّه في ابنه الحسن. و حكى الكَشّي عن بعضهم: «أنّ الحسن بن عليّ بن أبي حمزة كذّاب» «6».

و أمّا الحسن بن محبوب، فروى عن أبي الجارود الضعيف جدّاً، الوارد فيه عن الصادق (عليه السّلام): أنّه كذّاب مكذّب كافر عليه لعنة اللّٰه «7». و عن محمّد بن سِنان أنّه قال: «أبو الجارود لم يمت حتّى شرب المسكر، و تولّى الكافرين» «8».

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 389/ 729، رجال النجاشي: 328/ 888، الفهرست: 143/ 609.

(2) اختيار معرفة الرجال: 546/ 1033، رجال العلّامة الحلّي: 251.

(3) رجال النجاشي: 228/ 604.

(4) رجال العلّامة الحلّي: 201، تنقيح المقال 1: 62/ السطر 4.

(5) مجمع الرجال 2: 122.

(6) اختيار معرفة الرجال: 552/ 1042.

(7) نفس المصدر: 230/ 416.

(8) الفهرست، ابن النديم: 227، تنقيح المقال 1: 460/ السطر 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 341

و عن صالح بن سهل الهمداني، الذي قال ابن الغضائري فيه: «إنّه غالٍ كذّاب وضّاع للحديث، روىٰ عن

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) لا خير فيه و لا في سائر ما رواه» «1» و قد روي أنّه قال بالوهية الصادق (عليه السّلام) «2».

و عن عمرو بن شمر، الذي قال فيه النجاشي: «إنّه ضعيف جدّاً، زيّد أحاديث في كتب جابر الجعفي» «3».

و غيرِهم، كعبد العزيز العبدي، و أبي جميلة، و محمّد بن سِنان، و مقاتل بن سليمان من الضعاف و الموصوفين بالوضع «4»، فقد حكي أنّه قيل لأبي حنيفة: «قدم مقاتل بن سليمان» قال: «إذن يجيئك بكذب كثير» «5» فويل لمن .. «6».

و أمّا يونس بن عبد الرحمن، فقد روىٰ عن صالح بن سهل، و عمرو بن جميع «7»، و أبي جميلة، و محمّد بن سِنان، و محمّد بن مصادف «8» .. إلىٰ غير ذلك من الضعفاء.

و كذا حال غيرهم، كرواية ابن بُكير و ابن مُسْكان عن محمّد بن مصادف و جميل و أبان بن عثمان عن صالح بن الحكم النيلي «9» .. إلىٰ غير ذلك.

______________________________

(1) مجمع الرجال 3: 205.

(2) اختيار معرفة الرجال: 341/ 632.

(3) رجال النجاشي: 287/ 765.

(4) رجال النجاشي: 244/ 641 و 128/ 332 و 328/ 888.

(5) تنقيح المقال 3: 244/ السطر 9 (أبواب الميم).

(6) إشارة إلى ما يقال: ويل لمن كفّره نمرود.

(7) رجال النجاشي: 288/ 769.

(8) مجمع الرجال 6: 55.

(9) رجال النجاشي: 200/ 533.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 342

و أمّا روايتهم عن المجاهيل و غير الموثّقين فإلىٰ ما شاء اللّٰه.

و ممّا ذكرنا يظهر الجواب عن دعوى شيخ الطائفة، قال في محكي «العدّة»:

«إذا كان أحد الراويين مسنِداً، و الآخر مرسِلًا، نظر في حال المرسل، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة موثوق به، فلا

ترجيح لخبر غيره علىٰ خبره، و لأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما رواه محمّد بن أبي عمير و صفوان بن يحيىٰ و أحمد بن محمّد بن أبي نصر و غيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون و لا يرسلون إلّا عمّن يوثق به و بين ما يسنده غيرهم، و لذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم» «1»، انتهىٰ.

فإنّ هذا الإجماع المدّعىٰ معلّل، و نحن إذا وجدنا خلاف ما وجدوا أو ادعوا لا يمكننا التعويل علىٰ إجماعهم، فضلًا عن دعواه.

و ما قيل: من عدم منافاة خروج فرد أو فردين للظنّ بل الاطمئنان بالوثاقة «2».

مدفوع: بأنّ الخارج كثير، سيّما مع انضمام المجهول و المهمل إلى الضعيف، و معه كيف يمكن حصول الاطمئنان بذلك؟! و الظنّ لو حصل لا يغني من الحقّ شيئاً.

هذا مع عدم إحراز اتكال أصحابنا علىٰ دعوى إجماع الكَشّي، و لا علىٰ إجماع الشيخ.

______________________________

(1) عدّة الأُصول 1: 154.

(2) خاتمة مستدرك الوسائل 5: 124.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 343

دعوى اتكال الأصحاب علىٰ إجماع الكشّي و جوابها

و قد يقال: باتكالهم على إجماع الكشّي، فإنّ شيخ الطائفة قال في أوّل كتابه المختار من «رجال الكشّي» هذه العبارة:

«فإنّ هذه الأخبار اختصرتها من كتاب «الرجال» لأبي عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي، و اخترت ما فيها» «1»، انتهى.

بدعوىٰ ظهورها أو صراحتها في أنّ ما في الكتاب مختاره و مرضيه «2».

و أيضاً: عبارته المتقدّمة المحكية عن «العدّة» إشارة إلى الإجماع المذكور.

و أيضاً: نقل الشهيد في «الروضة» عنه: «أنّ العصابة أجمعت علىٰ تصحيح ما يصحّ عن عبد اللّٰه بن بكير، و أقرّوا له بالفقه و الثقة» «3».

و فيه: أنّ ما ذكر في أوّل الرجال لا إشعار فيه بكون ما

فيه مختاره؛ لو لم نقل بإشعاره بخلافه، فضلًا عن الظهور أو الصراحة فيه؛ فإنّ الضمير المؤنّث في قوله: «ما فيها» يرجع إلى الأخبار المذكورة قبله، فيظهر منه أنّ مختاره بعض الأخبار التي اختصرها من كتابه، و إلّا لكان عليه أن يقول: «و اخترناها» أو «اخترنا ما فيه» مع أن الاختيار في مقام التصنيف غير الارتضاء و الاختيار بحسب الرأي، كما هو ظاهر بعد التدبّر.

ثمّ إنّ «رجال الكشّي» علىٰ ما يظهر من مختاره و مختصره مشحون

______________________________

(1) انظر فرج المهموم: 30.

(2) خاتمة مستدرك الوسائل 7: 12.

(3) الروضة البهيّة 6: 38 39.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 344

بالروايات و الأحاديث، و إنّما قال الشيخ: «إنّ هذه الأخبار اختصرتها من كتابه» و ظاهره الأخبار المصطلحة، فأيّ ربط لهذا الكلام مع ما ذكر من اختياره لدعاوي الكشّي و سائر ما في الكتاب؟! مع أنّ الضرورة قائمة علىٰ عدم كون جميع ما في الكتاب الذي اختصره من «كتاب الكشّي» مرضياً له؛ فإنّ فيه روايات الطعن علىٰ زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و بُرَيْد بن معاوية من مشايخ أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) و غيرهم، و فيه الأخبار المتناقضة، فهل يمكن أن تكون تلك الأخبار مختاراً له؟! و لو كان كذلك لزم منه هدم إجماع الكشّي.

و أمّا عبارته المتقدّمة «1»، فمفادها غير مفاد إجماع الكشّي، علىٰ ما تقدّم مستقصى مفاده «2». إلّا أن يقال: إنّه اتكل علىٰ إجماعه؛ و نقله بالمعنى، و أخطأ في فهم المراد منه. و فيه ما فيه.

بل الظاهر عدم اعتماده علىٰ إجماع الكشّي، و قد طعن علىٰ عبد اللّٰه بن بكير بجواز وضعه الرواية و الكذب

علىٰ زرارة؛ نصرةً لمذهبه، في محكي كتاب الطلاق من «التهذيب»، و «الاستبصار»، قال بعد ذكر روايته عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في هدم كلّ طلاق ما قبله إذا تركت الزوجة حتّى تخرج العدّة و لو كان مائة مرّة هذه العبارة:

«هذه الرواية في طريقها ابن بكير، و قد قدّمنا أنّه قال حين سئل عن هذه المسألة: «هذا ممّا رزق اللّٰه من الرأي» و لو كان سمع ذلك لكان يقول: «نعم، رواية زرارة» و يجوز أن يكون أسند إلىٰ زرارة نصرةً لمذهبه لمّا رأى

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 342.

(2) تقدّم في الصفحة 331.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 345

أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه. و قد وقع منه من اعتقاد الفطحية ما هو أعظم من ذلك» «1»، انتهىٰ.

و أنت خبير: بأنّ ما ذكره فيه لا يجتمع مع تصديقه إجماع الكشّي؛ لما عرفت «2» أنّ لازم إجماعه وثاقة الجماعة، أو مع من بعدهم علىٰ زعم بعضهم، و لا يمكن دعوى احتفاف جميع رواياتهم بالقرائن الموجبة للاطمئنان أو القطع بالصدور سوىٰ هذه الرواية من ابن بكير.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 345

هذا مع ما يأتي من شواهد أُخر علىٰ عدم اعتماده علىٰ إجماعه.

و أمّا العبارة المحكية عن «الروضة» «3» فمع عدم وجودها في كتب الشيخ، كما قال بعض أهل التتبّع «4»، و احتمال أن يكون النقل بالمعنى من العبارة المتقدّمة؛ بزعم كونها إشارة إلىٰ إجماع الكشّي، أو زعم أنّ ما في مختصر الكشّي مختاره و

مرضيه، و منه دعوى الإجماع، كما زعمها غيره «5» فلا يمكن الاتكال عليها في نسبة تصديق الإجماع إليه مع وجود الشواهد علىٰ خلافه، كما مرّ و يأتي. هذا حال شيخ الطائفة.

و أمّا النجاشي الذي هو أبو عُذْرة هذا الفنّ، و سابق حلبته، و مقدّم على الكلّ فيه فلم ترَ منه إشارة ما إلىٰ هذا الإجماع، و لم يظهر منه أدنى اتكال عليه، مع شدّة حرصه على توضيح أحوال الرجال، و الفحص عن وثاقتهم، و عنايته بنقل توثيق الثقات، و لو كان هذا الإجماع صالحاً للاتكال عليه لما غفل

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 8: 35/ ذيل الحديث 107، الاستبصار 3: 276/ ذيل الحديث 982.

(2) تقدّم في الصفحة 332.

(3) تقدّمت في الصفحة 343.

(4) خاتمة مستدرك الوسائل 7: 14.

(5) نفس المصدر 7: 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 346

عنه، بل لما خفي عليه إجماعهم مع تضلّعه و كثرة اطلاعه، و تقدّمه عليه في سعة الباع و الإحاطة، و قرب عهده منه، فلو ثبت عنده ما ثبت عند الكشّي، أو كان نقله معتمداً عنده، لما صحّ منه التوقّف في أحد من الجماعة و رجالهم، فضلًا عن تضعيف بعض رجالهم.

فعدم التعرّض لهذا الإجماع، و عدم توثيق بعض أصحابه، كأبان بن عثمان و عبد اللّٰه بن بكير «1»، و تضعيف بعض رجالهم، و رميه بالكذب و الوضع كما تقدّم منه «2»، كاشف قطعي عن عدم ثبوت الإجماع عنده، و عدم اعتنائه بنقل الكشّي، لا لعدم اتكاله على الإجماع المنقول بخبر الواحد، بل لوجدان خلافه مع قربه منه، و كان كتاب الكشّي موجوداً عنده.

قال في ترجمته: «محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي أبو عمرو: كان ثقة عيناً، و

روى عن الضعفاء كثيراً إلىٰ أن قال-: له كتاب «الرجال» كثير العلم، و فيه أغلاط كثيرة، أخبرنا أحمد بن عليّ بن نوح و غيره، عن جعفر بن محمّد، عنه بكتابه» «3»، انتهىٰ.

سيّما مع تعرّضه في ترجمة ابن أبي عمير لسكون الأصحاب إلىٰ مرسلاته، فلو كان إجماعه ثابتاً، أو كان متكلًا عليه في ابن أبي عمير، لأشار إليه في سائر الرجال المشاركين له فيه، قال في ترجمة ابن أبي عمير:

«و كان حبس في أيّام الرشيد إلىٰ أن قال-: و قيل: «إنّ أُخته دفنت كتبه في حال استتاره و كونه في الحبس أربع سنين، فهلكت الكتب» و قيل: «بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت» فحدّث من حفظه و ممّا سلف له في أيدي

______________________________

(1) رجال النجاشي: 13/ 8، و: 222/ 581.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 337 341.

(3) رجال النجاشي: 372/ 1018.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 347

الناس، فلهذا أصحابنا يسكنون إلىٰ مراسيله» «1»، انتهىٰ.

و هو واضح الدلالة علىٰ أنّ الأمر ليس كما ذكره الكشّي أو نسب إليه، بل هذا خاصّة ابن أبي عمير عنده.

نعم، صِرْف ضياع الكتب ليس موجباً لعملهم علىٰ مراسيله؛ لو كان السكون بمعنى العمل و الاعتماد، و فيه كلام، بل لا بدّ من علمهم أو ثقتهم بأنّه لا يرسل إلّا عن ثقة، و هو يدلّ علىٰ أنّ مرسلاته فقط مورد اعتماد أصحابنا، دون غيرها.

بل المتيقّن منها ما إذا أسقط الواسطة، و رفع الحديث إلى الإمام (عليه السّلام) لا ما ذكره بلفظ مبهم ك «رجل» أو «بعض أصحابنا» و كون المرسلة في تلك الأزمنة أعمّ غير واضح عندي عُجالةً، و لا بدّ من الفحص و التحقيق.

فاتضح بما ذكر:

أنّ النجاشي لم يكن مبالياً بإجماع الكشّي، و كان يرىٰ سكون الأصحاب إلىٰ خصوص مرسلات ابن أبي عمير، دون مسنداته، و لا بمرسلات غيره و مسنداته.

و كذا لم يظهر من ابن الغضائري المعاصر لشيخ الطائفة بل له نحو شيخوخة و تقدّم عليه أدنى اعتماد علىٰ ذلك الإجماع، تأمّل.

و كذا المفيد و غيره ممّن هو في عصر الكشّي أو قريب منه. و قد ضعّف القمّيون يونس بن عبد الرحمن، و طعنوا فيه «2»، و بهذا يظهر المناقشة في دعوى إجماع شيخ الطائفة في عبارته المتقدّمة «3». هذا حال تلك الأعصار.

و أمّا الأعصار المتأخّرة عنها التي اشتهر هذا الإجماع فيها، و كلّما مضى الزمان قوي الاشتهار، فلا حجّية في شهرتهم و إجماعهم، لا في مثل المسألة،

______________________________

(1) رجال النجاشي: 326/ 887.

(2) رجال الطوسي: 346/ 11.

(3) تقدّم في الصفحة 342.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 348

و لا في المسائل الفرعية؛ لعدم شي ء عندهم غير ما عندنا.

و مع ذلك فإنّ المحقّق اختلفت كلماته، فربّما مال إلىٰ حجّية مرسلات ابن أبي عمير، أو قال بها «1»، و ربّما صرّح بعدمها، فعن موضع من «المعتبر» قال: «الجواب: الطعن في السند؛ لمكان الإرسال، و لو قال قائل: مراسيل ابن أبي عمير تعمل بها الأصحاب، منعنا ذلك؛ لأنّ في رجاله من طعن الأصحاب فيه، فإذا أرسل احتمل أن يكون الراوي أحدهم» «2»، انتهىٰ.

هذا بالنسبة إلى ابن أبي عمير، فما حال مرسلات غيره، كصفوان و البَزَنْطي، فضلًا عن غيرهما؟! و عنه في زكاة المستحقّين: «أنّ في أبان بن عثمان ضعفاً» «3». و قريب منه عن العلّامة و الفخر و المقداد و الشهيد «4».

و عن الشهيد الثاني: «أنّ ظاهر كلام الأصحاب قبول

مرسلات ابن أبي عمير؛ لأجل إحراز أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة، و دون إثباته خرط القَتَاد، و قد نازعهم صاحب «البشرىٰ» في ذلك؛ و منع تلك الدعوىٰ» «5» انتهىٰ.

و مع كون العلّامة اتكل كثيراً على الإجماع المذكور «6»، حكىٰ عنه

______________________________

(1) المعتبر 1: 47.

(2) نفس المصدر: 165.

(3) المعتبر 2: 580.

(4) انظر تنقيح المقال 1: 7/ السطر 17، منتهى المطلب 1: 523/ السطر 9، إيضاح الفوائد 4: 631، التنقيح الرائع 1: 324، البيان: 315.

(5) الرعاية في علم الدراية: 138.

(6) انظر خاتمة مستدرك الوسائل 7: 16، رجال العلّامة الحلّي: 21/ 3، و: 107/ 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 349

فخر الدين قال: «سألت والدي عن أبان بن عثمان قال: الأقرب عدم قبول روايته؛ لقوله تعالىٰ إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ .. «1» الآية، و لا فسق أعظم من عدم الإيمان» «2».

و ردّ ابن طاوس رواية ابن بكير «3»، و ضعّفه المحقّق و الفاضل المقداد و الشهيد، و طعنوا في روايات هو في سندها لأجله «4». و يظهر من ابن طاوس نحو تردّد في جميل بن درّاج «5». و الاختلاف في الأسدي و المرادي معروف «6».

و لم يتعرّض النجاشي لمعروف بن خَرَّبوذ، و لم يوثّقه الشيخ «7» و العلّامة، و قال الثاني: «روى الكشّي فيه مدحاً و قدحاً» «8». و قال ابن داود: «و ثقته أصحّ» «9»، و هو ظاهر أو مشعر بوجود الخلاف فيه.

و عن ابن داود في بُرَيد بن معاوية: «مدحه الكشّي ثمّ ذمّه، و يقوى عندي أنّ ذمّه إنّما هو لإطباق العامّة علىٰ مدحه و الثناء عليه، فساء ظنّ بعض أصحابنا به» «10» و هو ظاهر في أنّ الذامّ غير منحصر بالكشّي.

______________________________

(1)

الحجرات (49): 6.

(2) ذكر ذلك الشهيد الثاني (رحمه اللّٰه) في تعليقته على الخلاصة: 15.

(3) لم نعثر عليه.

(4) المعتبر 1: 210، التنقيح الرائع 1: 105، و 3: 320، مسالك الأفهام 9: 128.

(5) التحرير الطاوسي: 118/ 85.

(6) اختيار معرفة الرجال: 238/ 431. رسالة في أحوال أبي بصير، ضمن الجوامع الفقهيّة: 64.

(7) رجال الطوسي: 311/ 644.

(8) رجال العلّامة الحلّي: 170/ 10.

(9) رجال ابن داود: 190/ 1576.

(10) نفس المصدر: 233/ 72.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 350

هذا حال أصحاب الإجماع، و قد تقدّم حال جملة من رجالهم و مشايخهم، و عليك بالفحص في حال سائرهم حتّى يتضح لك حال إجماع الكشّي و الشيخ. هذا شطر من الكلام في أوّل ما تشبّث به الطباطبائي في إصلاح حال النَّرْسي و كتابه.

المراد من «الأصل» و «الكتاب» و هو الجواب عمّا تشبّث به ثانياً

و أمّا ما تشبّث به ثانياً من أنّه ذو أصل «1»، و هو في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر .. إلىٰ آخر ما تقدّم منه، فهو ينحلّ إلىٰ دعويين، أو دعاوٍ ثلاث إن حاول به إصلاح حال النرسي الراوي له:

الدعوى الاولىٰ: أنّ الأصل عبارة عن كتاب معتمد، لا مطلق الكتاب.

و يرد عليها أوّلًا: أنّه لا مستند له في ذلك من قول متقدّمي أصحابنا إلّا قول المفيد المتقدّم «2»؛ أي انحصار الأُصول بالأربعمائة، مع كون الكتب أكثر من ذلك، و أنت خبير بأنّ مجرّد ذلك لا يدلّ علىٰ مطلوبه، بل يدلّ علىٰ أخصّية الأصل من الكتاب، فيمكن أن يكون الأصل عبارة عن كتاب جامع لعدّة كتب يكون نسبته إليها كنسبة كتاب «الشرائع» إلىٰ كتاب الطهارة و الصلاة .. إلى الديات، فتكون تلك الكتب متفرّعة عن الكتاب الأصل، و عددها

أكثر من الأصل بكثير.

و يمكن أن يكون الأصل كتاباً غير مأخوذ من كتاب آخر من غير قيد الاعتماد فيه، و الكتاب أعمّ منه، و لا دليل علىٰ أكثرية الكتب بلا واسطة من أربعمائة، سيّما إذا قلنا: بأنّ الأصل عبارة عن مجموع كتب غير مأخوذ من آخر؛ أي أخذنا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 328.

(2) تقدّم في الصفحة 328.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 351

فيه القيدين، و سيجي ء احتمال أقرب منها، فانتظر «1». و بالجملة دليله أعمّ.

و ثانياً: يظهر من التصفّح في كتب الرجال خلاف ما أفاده؛ لأنّ جعل الاصطلاح علىٰ فرضه لا يمكن أن يكون لمحض التفنّن لغواً و العياذ باللّٰه سيّما من مثل هؤلاء الأعاظم، بل لا بدّ أن يكون لتمييز من تأخّر منهم الكتبَ المعتمدة من غيرها، فحينئذٍ كان عليهم التصريح به في كتبهم الموضوعة في الرجال و الحديث، مع عدم نقله منهم، و عدم تصريح أو إشارة إليه فيها، و إلّا لما اختلفت كلمة المتأخّرين في معنى الأصل هذا الاختلاف، و لكان عليهم عدّ جميع الكتب التي بهذه الخاصّية أصلًا.

مع أنّه خلاف ما نجد في الفهارس و كتب الرجال؛ لعدم إطلاقهم «الأصل» علىٰ كتب أصحاب الإجماع في جميع الطبقات غير «كتاب جميل بن درّاج» فإنّ الشيخ قال: «له أصل» «2» و أثبت النجاشي له كتاباً و أصلًا «3»، و غير أبان بن عثمان، فأثبت الشيخ له أصلًا «4»، و قال النجاشي: «له كتاب» «5».

و كذا لا يطلقون «الأصل» علىٰ نوع كتب أصحاب الأئمّة أكابرهم و غيرهم، و إنّما أطلق النجاشي علىٰ كتب معدودة منهم لعلّها لم تتجاوز عدد الأصابع «6».

و الشيخ و إن أطلقه علىٰ كتب جمع منهم كثيراً

نسبةً، لكن نسبته إلىٰ ما لا يطلق عليه بل أُطلق «الكتاب» عليه كنسبة القطرة إلى البحر، فممّن لم

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 360.

(2) الفهرست: 44/ 143.

(3) رجال النجاشي: 126/ 328. (و الموجود فيه إثبات «الكتاب» دون «الأصل»).

(4) الفهرست: 19/ 52.

(5) رجال النجاشي: 13/ 8.

(6) رجال النجاشي: 51/ 113، و: 104/ 260 261 و: 106/ 267.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 352

يذكر له أصل من كبار أصحاب الأئمّة غير من تقدّم من أصحاب الإجماع أبو بصير ليث المرادي، و الحسن بن عليّ بن فضّال، و فضالة بن أيّوب، و عثمان بن عيسىٰ و هؤلاء من أصحاب الإجماع علىٰ نقل بعضهم «1» و جعفر بن بشير، و صفوان الجمّال، و عبد الرحمان بن الحجّاج، و عبّاس بن معروف، و عبد الرحمان بن أبي نجران، و عبد اللّٰه بن سِنان، و محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، و عليّ بن الحسن بن فضّال، و محمّد الحلبي، و عبيد اللّٰه الحلبي، و عمّار بن موسى الساباطي، و عليّ بن النعمان، و الحسن بن موسى الخشّاب، و حَريز بن عبد اللّٰه، و سعد بن سعد، و عليّ بن يقطين، و الصفّار، و الحِمْيري .. إلىٰ غير ذلك من المشايخ و أصحاب الكتب المتعدّدة و الأُصول المعوّل عليها ممّن يطول ذكرهم، كثعلبة بن ميمون، و معاوية بن وهب، و معاوية بن عمّار، و معاوية بن حكيم، و الحسين بن سعيد، و سعد بن عبد اللّٰه و غيرهم.

فهل ترى من نفسك أنّ هؤلاء المشايخ اصطلحوا علىٰ أنّ الأصل الكتاب المعتمد، ثمّ لم يعدّوا كتب جميع المشايخ و الأصحاب مع كونها معتمدة في الأُصول إلّا نادراً منها، فما عذر

هذا الإغراء بالجهل؟! و ثالثاً: ربّما أُطلق «الأصل» علىٰ كتب غير معتمدة من قوم ضعاف بتصريح منهم:

كالحسن بن صالح بن حيّ. قال الشيخ: «إنّه زيدي، إليه تنسب الصالحية منهم» «2»، و عن «التهذيب»: «أنّه زيدي بتري، متروك العمل بما يختصّ بروايته» «3»، و مع ذلك قال في «الفهرست»: «الحسن الرباطي له

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 238/ 431، و: 556/ 1050.

(2) رجال الطوسي: 130/ 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 408/ 1282.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 353

أصل» «1»، و «الحسن بن صالح بن حيّ له أصل»، و الرباطي أيضاً غير موثّق، و «سعيد الأعرج له أصل» «2». و قال العلّامة: «لا حجّة في روايته» «3».

و زكريّا بن مؤمن عدّه الشيخ في ترجمة أحمد بن الحسين المفلّس من صاحب الأُصول «4»، و قال النجاشي: «حكي عنه ما يدلّ علىٰ أنّه كان واقفاً، و كان مختلط الأمر في حديثه» «5».

و قال الشيخ في أحمد بن عمر الحلّال: «إنّه كوفي رديّ الأصل ثقة» «6». و توقّف العلّامة في قبول روايته لقوله هذا «7».

و الغرض من ذكره: أنّ الأصل لو كان بحسب اصطلاحهم الكتاب المعتمد، لم يتوقّف العلّامة في ذلك، بل كان يحمل «رديّ الأصل» علىٰ محامل أُخر.

و أثبت الشيخ الأصل لجماعة أُخر من الضعاف، أو غير الموثّقين، كعليّ بن أبي حمزة، و سفيان بن صالح «8»، و عليّ بن بُزُرْج «9»، و شهاب بن عبد ربّه «10»،

______________________________

(1) الفهرست: 49/ 164.

(2) نفس المصدر: 50/ 165، و: 77/ 313.

(3) مختلف الشيعة 8: 347.

(4) رجال الطوسي: 409/ 26.

(5) رجال النجاشي: 172/ 453.

(6) رجال الطوسي: 352/ 19.

(7) رجال العلّامة الحلّي: 14/ 4.

(8) الفهرست: 96/ 408، و 81/ 334.

(9) رجال الطوسي:

430/ 20.

(10) الفهرست: 83/ 345.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 354

و عبد اللّٰه بن سليمان «1»، و سعدان بن مسلم، و زيد الزرّاد، و زيد النَّرْسي، و إبراهيم بن عمر اليماني، و إبراهيم بن يحيىٰ «2» .. إلىٰ غير ذلك ممّن يطلع عليه المتتبّع، فهل تكون كتب تلك الجماعة المتقدّمة غير معتبرة عندهم، دون هذه الجماعة من الضعفاء و المردودين، أو اصطلحوا علىٰ أمر، و خالفوه في غالب الموارد؟! اللهمّ لا، و لكن ..

و أيضاً: بعض تعابيرهم تشعر أو تدلّ علىٰ خلاف هذه الدعوىٰ، كقول الشيخ في الساباطي: «له أصل، و كان فطحياً، إلّا أنّه ثقة، واصلة معتمد عليه» «3».

و كالمحكي عن الشيخ البهائي في «مشرق الشمسين» في الأُمور الموجبة لحكم القدماء بصحّة الحديث: «منها: وجوده في كثير من الأُصول الأربعمائة المشهورة، أو تكرّره في أصل أو أصلين منها بأسانيد مختلفة متعدّدة، أو وجوده في أصل رجل واحد من أصحاب الإجماع» «4»، انتهىٰ.

و لو كان الأصل هو الكتاب المعتمد عليه، لكان وجوده في أصل واحد من أيّ شخص موجباً للحكم بالصحّة؛ و إن كان في كلام البهائي كلام من جهة أُخرى.

و كالمحكي عن «رواشح المحقّق الداماد»: «و ليعلم: أنّ الأخذ من الأُصول المصحّحة المعتمدة أحد أركان تصحيح الرواية» «5».

و أنت خبير: بأنّ التقييد ب «المصحّحة المعتمدة» مع كون الأصل الكتاب المعتمد، بشيع مخلّ بالمقصود.

______________________________

(1) لم يذكره الشيخ الطوسي (قدّس سرّه)، و قد نسب النجاشي إليه، رجال النجاشي: 225/ 592.

(2) الفهرست: 79/ 326، و: 71/ 289، و: 71/ 290، و: 9/ 20، و: 9/ 23.

(3) الفهرست: 15/ 52.

(4) مشرق الشمسين: 26 و 27.

(5) الرواشح السماوية: 99/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 3، ص: 355

الدعوى الثانية: أنّ الأصل هو الكتاب الذي لم ينتزع من كتاب.

و فيها أوّلًا: مضافاً إلىٰ أنّه علىٰ فرض صحّتها، لا تنتج المدعىٰ إلّا مع ضمّ الدعوى الأُولىٰ إليها، و قد عرفت ما فيها «1» أنّها مجرّد دعوى خالية عن البيّنة. و كون كتب أصحابنا أكثر من الأُصول المنحصرة بالأربعمائة، أعمّ من مدعاه، كما مرّ في دعواه الاولىٰ «2».

و قد يقال: إنّ الأصل بمعناه اللغوي، و هو مقابل الفرع، فإن كان الكتاب مأخوذاً من كتاب آخر يكون ذلك فرع ما أُخذ منه، و هو أصله «3».

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّه أيضاً دعوى بلا بيّنة، و التمسّك بأصالة عدم النقل كما ترى أنّه أعمّ من المدعىٰ؛ لصحّة أن يقال لكتاب كبير مشتمل علىٰ كتب كثيرة- ككتاب الشرائع المشتمل علىٰ عدّة كتب-: «إنّ هذه فروع، و ذاك أصل».

بل يصحّ إطلاق «الأصل» حقيقةً علىٰ كتاب مشتمل علىٰ أخبار أُصول الدين و المذهب، ككتاب التوحيد و الإمامة، مقابل كتب الفروع.

كما يصحّ إطلاق «الأصل» أو «الأُصول» علىٰ مطلق كتب الأخبار في مقابل كتب الفروع المستنبطة منها، كالكتب الفقهية، كما يظهر من البهائي «4».

و ثانياً: أنّ المحدّثين أطلقوا «الأصل» علىٰ كتاب منتزع من كتب آخر: قال الشيخ البهائي في «الوجيزة» بعد ذكر الأُصول الأربعمائة-: «ثمّ تصدّى جماعة من المتأخّرين شكر اللّٰه سعيهم لجمع تلك الكتب و ترتيبها تقليلًا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 350.

(2) تقدّم في الصفحة 350.

(3) مقباس الهداية 3: 26، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2: 125.

(4) الوجيزة، ضمن الحبل المتين: 6/ 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 356

للانتشار، و تسهيلًا علىٰ طالبي تلك الأخبار، فألّفوا كتباً مبسوطة مبوّبة، و أُصولًا مضبوطة مهذّبة،

مشتملة على الأسانيد المتصلة بأصحاب العصمة سلام اللّٰه عليهم، ك «الكافي» و كتاب «من لا يحضره الفقيه» و «التهذيب» و «الاستبصار» و «مدينة العلم» و «الخصال» و «الأمالي» و «عيون أخبار الرضا» و غيرها، و الأُصول الأربعة الأُوَل هي التي عليها المدار في هذه الأعصار».

إلىٰ أن قال: «فجمعت في كتاب «الحبل المتين» خلاصة ما تضمّنه الأُصول الأربعة من الأحاديث الصحاح و الحسان و الموثّقات التي منها تستنبط أُمّهات الأحكام الفقهية، و إليها تردّ مهمّات المطالب الفرعية» «1» انتهىٰ.

و ظاهره أنّ الأُصول عبارة عن كتب الأخبار مطلقاً، مقابل الفروع التي هي الكتب المشتملة علىٰ ما يستنبط منها مثل الكتب الفقهية.

و قد تكرّر من المحدّث الكاشاني إطلاق «الأُصول» على الكتب الأربعة في مقدّمات «الوافي» «2». و قال المحدّث المجلسي في أوّل «مرآة العقول»: «أنّ «الكافي» أضبط الأُصول و أجمعها» «3». و عن السيّد الجزائري: «أنّ هذه الأُصول الأربعة لم تستوفِ الأحكام» «4».

و قال شيخ الطائفة في ترجمة أحمد بن محمّد بن زيد: «إنّه لم يروِ عنهم» و قال: «روىٰ عنه حُمَيْد أُصولًا كثيرة» «5».

______________________________

(1) الوجيزة، ضمن الحبل المتين: 6/ 27.

(2) الوافي 1: 4 و 28 و 29.

(3) مرآة العقول 1: 3.

(4) انظر الحدائق الناضرة 1: 25.

(5) رجال الطوسي: 408/ 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 357

و عدّ أحمد بن محمّد بن عمّار في باب من لم يروِ عنهم «1»، و مع ذلك قال في «الفهرست»: «إنّه كثير الحديث و الأُصول، و صنّف كتباً». و عن الحسين بن عبيد اللّٰه: «أنّه مات سنة ستّ و أربعين و ثلاثمائة» «2».

و عدّ عليّ بن بُزُرْج ممّن لم يروِ عنهم، و قال: «روىٰ عنه حُمَيْد كتباً كثيرة

من الأُصول» «3».

و من البعيد جدّاً لو لم نقل: مقطوع الخلاف أن تكون تلك الأُصول الكثيرة من الجماعة، رواياتٍ بلا واسطة، أو مع الواسطة سماعاً، لا من كتاب مدوّن قبلهم، مع شدّة حرص أصحابنا علىٰ ضبط أخبار الأئمّة (عليهم السّلام) و كتابتها.

و احتمال أن لا تكون تلك الأُصول من الجماعة بل من غيرهم، في غاية البعد، بل كخلاف الصريح في مثل قوله: «كثير الحديث و الأُصول».

مضافاً إلىٰ أنّ عدمَ إنهاء الكتب و الأُصول إلىٰ صاحبها و الروايةَ عن الواسطة، خلاف المعهود بينهم و المتعارف، كما لا يخفى، و عليه يمكن الاستدلال لضدّ مطلوبهم بكلّ من كان كذلك، ك [عبيد اللّٰه بن] أحمد بن نَهِيك و عليّ بن إبراهيم الخيّاط و غيرهما ممّن لم يرووا عنهم، و روى عنهم أُصول أو أصل «4».

فتحصّل من جميع ما تقدّم: عدم وجاهة دعوييه، بل دعاويه الثلاث لو حاول إثبات وثاقة النرسي أو حسنه.

______________________________

(1) رجال الطوسي: 416/ 98.

(2) الفهرست: 29/ 78.

(3) رجال الطوسي: 430/ 20.

(4) نفس المصدر: 430/ 19 و 21، و: 408/ 21 و 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 358

تحقيق في المراد من الأصل

ثمّ بعد ما لم يثبت كون الأصل في اصطلاح متقدّمي أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد المعوّل عليه أو ثبت خلافه، لا نتيجة معتدّ بها في التحقيق عن مرادهم من «كون الرجل ذا أصل» أو «له أُصول» لكن لمّا بلغ الكلام إلىٰ هذا المجال، لا بأس بالإشارة إلى احتمالين منقدحين في ذهني القاصر:

أحدهما: الذي انقدح في ذهني لأجل بعض التعبيرات و القرائن؛ من أنّه عبارة عن كتاب معدّ لتدوين ما هو مرتبط بأُصول الدين أو المذهب، كالإمامة و العصمة و البداء و الرجعة و بطلان الجبر

و التفويض .. إلىٰ غير ذلك من المطالب الكثيرة الأصلية التي كان التصنيف فيها متعارفاً في تلك الأزمنة، كما يظهر من الفهارس و التراجم، و الكتاب أعمّ منه.

و الذي أوقعني في هذا الاحتمال إثباتهم الأصل لكثير من أصحابنا المتكلّمين، كهشام بن الحكم و هشام بن سالم و جميل بن درّاج و سعيد بن غزوان الذي يظهر من ترجمته أنّه أيضاً منهم «1»؛ روى الكشّي بإسناده عن جعفر بن الحكيم الخَثْعَمي قال: «اجتمع هشام بن سالم و هشام بن الحكم و جميل بن درّاج و عبد الرحمان بن الحجّاج و محمّد بن حُمْران و سعيد بن غزوان و نحو من خمسة عشر رجلًا من أصحابنا، فسألوا هشام بن الحكم أن يناظر هشام بن سالم فيما اختلفوا فيه من التوحيد و صفة اللّٰه عزّ و جلّ؛ لينظروا أيّهما أقوى» «2».

و يؤيّد هذا الاحتمال قول الشيخ في «الفهرست» في ترجمة أبي منصور

______________________________

(1) راجع الفهرست: 174/ 770 771، و: 44/ 143، و: 77/ 314.

(2) اختيار معرفة الرجال: 279/ 500.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 359

الصرّام: «إنّه من جملة المتكلّمين من أهل نيسابور، و كان رئيساً مقدّماً، و له كتب كثيرة: منها كتاب في الأُصول سمّاه: بيان الدين» «1».

و قال في ترجمة هشام بن الحكم: «له مباحث كثيرة مع المخالفين في الأُصول و غيرها، و له أصل» «2».

و عن منتجب الدين في ترجمة أبي الخير بركة بن محمّد: «أنّه فقيه ديّن، قرأ علىٰ شيخنا أبي جعفر الطوسي، و له كتاب «حقائق الإيمان في الأُصول» و كتاب «الحجج في الإمامة» «3» .. إلىٰ غير ذلك من التعبيرات.

ثانيهما: ثمّ عدلت عن هذا الاحتمال، و قوي في نفسي

احتمال آخر لعلّ المنصف يجزم به بعد الفحص الأكيد؛ و هو أنّ لأصحابنا- كما يظهر من كلماتهم تعبيراتٍ عن مؤلّفات أصحاب الكتب، فقد يعبّر عنها ب «الكتاب» فيقال: «لفلان كتاب» أو «له كتب» و هو أكثر تداولًا و إطلاقاً.

و قد يعبّر ب «الأصل» فيقال: «له أصل» أو «له أُصول» كما مرّ «4»، و هو أقلّ تداولًا.

و قد يعبّر ب «المصنَّف» فيقال: «له مصنّفات» أو «له من المصنّفات كتاب كذا».

و قد يعبّر ب «النوادر» و قد يقال: «له روايات» أو «أخبار».

كما أنّ لأصحاب الأئمّة (عليهم السّلام) و من بعدهم و غيرهم كتباً مختلفة؛ فربّما كان الكتاب ممحّضاً في نقل الرواية لا غيرها. و ربّما كان لمقصد آخر، كالتأريخ

______________________________

(1) الفهرست: 190/ 862.

(2) الفهرست: 174/ 771.

(3) الفهرست، منتجب الدين: 42/ 54.

(4) تقدّم في الصفحة 353 354 و 358.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 360

و الأدب و الرجال و التفسير و إثبات المعراج و الرجعة و البداء .. إلىٰ غير ذلك ممّا شاع تصنيفها في تلك الأعصار، كما يظهر بأدنى مراجعة إلىٰ تراجمهم، و تلك المصنّفات و إن عملت لأجل إثبات مقصد، لكنّها كانت مشحونة بالآيات و الروايات، و كان مصنّفوها استشهدوا بها كثيراً.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الظاهر المقطوع به أنّ الكتاب أعمّ من المصنّفات و الأُصول، و هما قسمان منه، و كلٌّ قسيم الآخر.

و الظاهر أنّ الأصل: عبارة عن كتاب معمول لنقل الحديث؛ سواء كان مسموعاً عن الإمام (عليه السّلام) بلا واسطة أو معها، و سواء كان مأخوذاً من كتاب و أصل آخر أو لا. و لا يبعد أن يكون غالب استعماله فيما لم يؤخذ من كتاب آخر.

و المصنّف: عبارة عن كتاب

معمول لأجل مقصد ممّا تقدّم؛ و إن أُطلق أحياناً علىٰ مطلق الكتاب.

و الشاهد علىٰ ما ذكرناه ما عن الشيخ في «الفهرست» قال: «إنّي رأيت جماعة من أصحابنا من شيوخ طائفتنا من أصحاب التصانيف، عملوا فهرست كتب أصحابنا، و ما صنّفوه من التصانيف، و رووه من الأُصول، فلم أجد أحداً استوفىٰ ذلك إلّا أحمد بن الحسين الغضائري، فإنّه عمل كتابين؛ أحدهما: ذكر فيه المصنّفات، و الآخر: فيه الأُصول» «1» انتهىٰ.

و هذا كما ترى ظاهر الدلالة في أنّ الكتاب أعمّ من التصانيف و الأُصول، و هما متقابلان.

بل يمكن أن يقال: إنّ ظاهر قوله: «ما صنّفوه من التصانيف، و رووه من الأُصول» أنّ كلمة «من» في الفقرتين بيانية، فتدلّ علىٰ أنّ مطلق كتب الرواية أصل.

______________________________

(1) الفهرست: 1 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 361

و يشهد له أيضاً ما قال في ترجمة أبان بن عثمان: «و ما عرفت من مصنّفاته إلّا كتابه الذي يجمع المبدأ و المبعث و المغازي و الوفاة و السقيفة و الردّة ..».

ثمّ ذكر طرقه إليه، ثمّ أنهىٰ طريقه إلىٰ أصل له إلىٰ محسن بن أحمد و ابن أبي نصر «1»، فترى كيف جعل المعروف من مصنّفاته منحصراً في كتابه الكذائي، و أثبت له أصلًا، و أنهى طريقه إليه. و فيه شهادة علىٰ مقابلة التصنيف بالأصل، و علىٰ سنخ الكتب المصنّفة.

و عنه في ترجمة هشام بن الحكم: «كانت له مباحث كثيرة مع المخالفين في الأُصول و غيرها، و كان له أصل أخبرنا به جماعة إلىٰ أن قال و له من المصنّفات كتب كثيرة» ثمّ عدّ ثمانية و عشرين كتاباً «2»، انتهىٰ.

و مع الأسف، ليس عندي «فهرست الشيخ» حتّى أنظر في تلك الكتب،

و إنّما أنقل عنه بواسطة. و علىٰ أيّ حال يظهر منه مقابلة المصنّف بالأُصول.

و عنه في ترجمة أحمد بن محمّد بن عمّار: «أنّه كثير الحديث و الأُصول، و صنّف كتباً: منها كتاب «أخبار آل النبي و فضائلهم» و «إيمان أبي طالب (عليه السّلام)» و كتاب «المبيضة» «3» و هي علىٰ ما حكي الفرقة المخالفة لبني العبّاس في البيعة و الرأي «4». و عدّ النجاشي من كتبه كتاب «الفلك» [ «العلل» و كتاب «الممدوحين و المذمومين» «5» و يظهر منه مضافاً إلى

______________________________

(1) الفهرست: 18/ 52.

(2) انظر تنقيح المقال 3: 294/ السطر 27 (أبواب الهاء)، الفهرست: 174/ 761.

(3) الفهرست: 29/ 78.

(4)] تنقيح المقال 1: 89/ السطر 35.

(5) رجال النجاشي: 95/ 236.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 362

التقابل بين المصنّف و الأصل سنخ المصنّفات.

و عن المفيد بعد ذكر جماعة من الأصحاب قال: «هم أصحاب الأُصول المدوّنة و المصنّفات المشهورة» «1».

و قال الشيخ الصدوق في «الفقيه» بعد ذكر جملة من الكتب: «و رسالة أبي (رضى اللّٰه عنه) إليّ، و غيرها من الأُصول و المصنّفات» «2».

و قال النجاشي في ترجمة أحمد بن عبيد اللّٰه بن يحيىٰ: «ذكره أصحابنا في المصنّفين، و أنّ له كتاباً يصف فيه سيّدنا أبا محمّد (عليه السّلام)» «3» .. إلىٰ غير ذلك. فاتضح ممّا مرّ مقابلة المصنّف بالأصل.

ثمّ إنّك لو تصفّحت مليّاً، تجد أنّ «التصنيف» يطلق غالباً في لسانهم على الكتاب الذي عمل لمقصد غير جمع الأخبار؛ و إن ذكرت فيه استشهاداً بها مثل بيان الفروع، ككتاب عليّ بن الحسين إلى ابنه، أو لغير ذلك، كالرجال و الطبّ و النجوم و ما يرتبط بأُصول المذهب و نحوها، فالكتاب أعمّ من الصنفين.

ثمّ

لا يبعد أن يقال: إنّ سرّ عدم إطلاق «الأصل» علىٰ كتب من في الطبقة الاولى من أصحاب الإجماع و أضرابهم إلّا ما استثني عدم كونهم من المصنّفين، و تعارف التصنيف في الطبقات المتأخّرة عنهم، و إنّما أُطلق علىٰ كتاب أبان بن عثمان لكونه ذا تصنيف، مضافاً إلىٰ أنّه ذو أصل «4»، و كذا يظهر من ترجمة جميل بن درّاج أنّ له أصلًا، و له كتاباً «5».

______________________________

(1) جوابات أهل الموصل، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 9: 25.

(2) الفقيه 1: 5.

(3) رجال النجاشي: 87/ 213.

(4) الفهرست: 18/ 52.

(5) رجال النجاشي: 126/ 328، الفهرست: 44/ 143.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 363

هذه جملة حول الأصل و الكتاب، و قد اتضح عدم دلالة قولهم: «إنّ له أصلًا» على الاعتماد عليه أو علىٰ صاحبه، فضلًا عن قولهم: «له كتاب».

الجواب عمّا تشبّث به العلّامة الطباطبائي ثالثاً

و أمّا ما تشبّث به ثالثاً لإصلاح حال زيد: من عدم طعن ابن الغضائري عليه «1»، ففيه ما لا يخفى:

أمّا تغليطه الشيخ الصدوق، فهو غير مرتبط بوثاقة النَّرْسي أو صحّة أصله، بل غايته أنّه غير مجعول، و لم يكذب محمّد بن موسى الهمداني علىٰ زيد النرسي، ففي الحقيقة هو دفاع عن الهمداني.

و أمّا سكوته فلا يدلّ علىٰ شي ء، و لعلّه لم يطلع علىٰ طعن فيه، و كان عنده من المجاهيل، و هو لا يكفي في الاعتماد عليه.

الجواب عمّا تشبّث به العلّامة الطباطبائي رابعاً

و أمّا ما تشبّث به رابعاً: من عدم خلوّ الكتب الأربعة من أخبار «أصل النرسي» «2» فهو عجيب منه؛ فإنّه لو لم يكن إلّا هذا الأمر في سلب الوثوق عن أصله لكان كافياً؛ لأنّ اقتصار المشايخ الثلاثة من روايات أصله علىٰ حديثين أو ثلاثة أحاديث، دليل علىٰ عدم اعتمادهم علىٰ أصله من حيث هو أصله، أو من حيث رواية ابن أبي عمير عنه، فكانت لما نقلوا منه خصوصية خارجية، و إلّا فلأيّ علّة تركوا جميع أصله، و اقتصروا علىٰ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 329.

(2) تقدّم في الصفحة 329.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 364

روايتين منه، مع كون الأصل عندهم، و بمرءىٰ و منظرهم؟! بل لو ثبت أنّ كتاباً كان عندهم، فتركوا الرواية عنه إلّا واحدة أو اثنتين مثلًا، صار ذلك موجباً لعدم الاكتفاء بتوثيق أصحاب الرجال صاحبه في جواز الأخذ بالكتاب. و هذا واضح جدّاً، و موجب لرفع اليد عن كتاب النرسي جزماً.

بل تركهم الرواية عنه مع كون الراوي عنه ابن أبي عمير، دليل علىٰ عدم تمامية ما قيل في شأن ابن أبي عمير: «من أنّه لا يروي إلّا عن ثقة» «1» تأمّل.

حول التمسّك برواية زيد الزرّاد لحرمة العصير الزبيبي

و بما ذكرنا في حال «أصل النرسي» يظهر الكلام في «أصل زيد الزرّاد» فإنّهما مشتركان غالباً فيما ذكر.

هذا كلّه مع عدم وصول النسخة التي عند المحدّث المجلسي إليه بسند يمكن الاتكال عليه؛ لجهالة منصور بن الحسن الآبي الذي كانت النسخة بخطّه مؤرّخة بأربع و سبعين و ثلاثمائة «2». و هو غير منصور بن الحسين الآبي الذي ترجمه منتجب الدين، و قال: «فاضل عالم فقيه، و له نظم حسن، قرأ علىٰ شيخنا المحقّق أبي جعفر الطوسي» «3» انتهىٰ، لتأخّره

عن كتابة النسخة عصراً بناءً علىٰ ما ترجمه؛ و إن صرّح بعض بأنّه معاصر الصاحب بن عبّاد «4». مضافاً إلى اختلافهما في الأب.

______________________________

(1) عدّة الأُصول 1: 154.

(2) بحار الأنوار 1: 43.

(3) الفهرست، منتجب الدين: 104/ 376.

(4) معجم البلدان 1: 51.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 365

هذا مع عدم ثبوت وثاقة الثاني أيضاً، و عدم كفاية ما قال منتجب الدين فيها. هذا مع ما حكي من اشتمال أصله على المناكير و ما يخالف المذهب «1»، تأمّل.

أضف إلىٰ كلّ ذلك أنّ الرواية مغشوشة المتن؛ فإنّ المحكي عن جملة من المشايخ كسليمان بن عبد اللّٰه البحراني (رحمه اللّٰه) و الوحيد البهبهاني و صاحب «البرهان» «2» و الموجود في «الحدائق» «3» و «الجواهر» «4» و «طهارة شيخنا الأعظم» «5» نقلها بغير المتن الذي نقله المجلسي «6» و تبعه جملة أُخرى من المشايخ «7».

و العجب من بعض أهل التتبّع! حيث رأى صراحة الرواية بذلك المتن علىٰ خلاف مدعاه الذي قد فرغنا عن فساده، فأخذ في الإشكال بل الطعن علىٰ أكابر المشايخ، فقال: «هذا الذي اتفق من هؤلاء الأكابر، أمر ينبغي الاسترجاع عند تذكّر مثله، و الاستعاذة باللّٰه العاصم من الوقوع في شبهه» «8».

ثمّ نقل الرواية علىٰ طبق رواية المجلسي من النسخة المتقدّمة،

______________________________

(1) انظر قاموس الرجال 4: 549/ 3041.

(2) انظر إفاضة القدير: 22 و 24، البرهان القاطع 1: 462/ السطر الأخير.

(3) الحدائق الناضرة 5: 158.

(4) جواهر الكلام 6: 34.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 362/ السطر 32.

(6) بحار الأنوار 76: 177.

(7) كالعلّامة الطباطبائي في المصابيح و المحقّق الكاظمي في الوسائل و العلّامة النراقي في المستند. انظر إفاضة القدير: 24، مستند الشيعة 15: 220.

(8) إفاضة القدير: 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 3، ص: 366

و قد سبقه إلىٰ ذكر هذا الاختلاف المحدّث النوري في «مستدركة» «1».

ثمّ ذكر موارد الاختلاف بين المتنين مسمّياً لما يخالف مذهبه ب «التصحيف و الزيادة الباطلة».

ثمّ قال: «و الذي نقلناه مطابق لجميع نسخ «أصل زيد» المصحّحة الموجودة في عصرنا المنتشرة في بلاد مختلفة».

ثمّ قال بعد كلام: «و أوّل من عثرت عليه ممّن وقع في تلك الورطة الموحشة و الهوّة المظلمة: الشيخ الفاضل المتبحّر الشيخ سليمان الماحوزي البحراني، فتبعه من تبعه ممّن لا يراجع إلىٰ «أصل زيد» و لا «البحار» كالذين سمّيناهم أوّلًا، و سلم منه من راجعه أو «البحار» كالذين سمّيناهم أخيراً».

ثمّ ذكر وصيّة الفاضل الهندي في آخر «كشف اللثام» تتميماً لإشكاله و طعنه «2».

أقول: لأحد أن يسترجع عند تذكّر مثله من مثله من إطالة اللسان علىٰ هؤلاء الأكابر من غير دليل وثيق علىٰ خطئهم؛ فإنّ الشيخ الأجلّ أبا الحسن سليمان بن عبد اللّٰه البحراني كما يظهر من ترجمته، و شهدت له الأكابر كان زميلًا للمحدّث المجلسي، و عديلًا له عصراً و ثقة و حفظاً و إحاطةً و علماً و خبراً؛ فعن المولى الوحيد:

«أنّه العالم العامل و الفاضل الكامل المحقّق المدقّق الفقيه النبيه نادرة العصر و الزمان المحقّق الشيخ سليمان» «3».

و عن تلميذه أي تلميذ الشيخ سليمان الشيخ عبد اللّٰه بن صالح في

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 17: 38/ ذيل الحديث 1.

(2) إفاضة القدير: 23 24.

(3) انظر تنقيح المقال 2: 63/ السطر 35 (أبواب السين)، منتهى المقال 3: 400.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 367

إجازاته: «كان هذا الشيخ أُعجوبةً في الحفظ و الدقّة و سرعة الانتقال في الجواب و المناظرة و طلاقة اللسان، لم أرَ مثله

قطّ، و كان ثقة في النقل ضابطاً، إماماً في عصره، وحيداً في دهره، أذعنت له جميع العلماء، و أقرّت بفضله جميع الحكماء، و كان جامعاً لجميع العلوم، علّامة في جميع الفنون، حسن التقرير، عجيب التحرير، خطيباً شاعراً مفوّهاً، و كان أيضاً في غاية الإنصاف، و كان أعظم علومه الحديث و الرجال و التواريخ» «1» انتهىٰ.

و قريب منهما عن صاحب «الحدائق» مع ذكر تأريخ وفاته، و هو سنة سبع و ثلاثين و مائة و ألف «2».

فكان هذا الشيخ معاصراً للمولى المجلسي، و هو يروي هذا الحديث علىٰ ما حكي بمتن روىٰ صاحب «الحدائق» و غيره «3»، و كيف يمكن تغليطه و نسبة التصحيف و الخطأ إليه بمجرّد مخالفة حديثه نسخة المحدّث المجلسي، و هل هذا إلّا مثل تغليط المجلسي في رواية روىٰ بعض معاصريه علىٰ خلافها؛ و لو من نسخة عتيقة أو غيرها؟! مع احتمال كون ما روىٰ من نسخة غيرها، سيّما مثل هذا الشيخ الذي كان عمدة علومه الحديث و الرجال، كيف يمكن منه رواية حديث و الاستناد إليه من غير إسناد إلىٰ كتاب و نسخة أصل؟! بل المحدّث صاحب «الحدائق» أيضاً مثله في ذلك. و شأن الوحيد البهبهاني و تقدّمه في العلوم، معلوم لا يحتاج إلىٰ إطالة الكلام فيه.

______________________________

(1) انظر لؤلؤة البحرين: 7 8، تنقيح المقال 2: 63/ 35 (أبواب السين).

(2) لؤلؤة البحرين: 9.

(3) انظر إفاضة القدير: 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 368

نعم، لا يبعد من صاحب «الجواهر» و شيخنا المرتضىٰ نقل رواية اتكالًا علىٰ نقل صاحب «الحدائق».

و ليت شعري، كيف لغير العالم بالغيب الاطلاع علىٰ جميع نسخ كتاب سيّما مثل «أصل النرسي» حتّى يحكم بخطإ هؤلاء الأكابر؟! و

العجب أنّه ادعىٰ: «أنّ ما نقلناه مطابق لجميع نسخ أصل زيد ..» «1» إلىٰ آخره! لا لأنّ الاطلاع علىٰ جميعها بل غالبها غير ممكن، سيّما لمن لم يخرج من سور بلد، و هل هذه الدعوىٰ إلّا من سذوجة النفس و صفاء الضمير، حيث رأى أو سمع كون بعض النسخ كذلك، فجزم بمطابقته لجميع النسخ المتفرّقة في البلاد؟! بل لأنّ الآلاف من النسخ المصحّحة إذا انتهت إلىٰ نسخة المجلسي، لا تفيد شيئاً إلّا الجزم بأنّها موافقة لما في «البحار» و عند المجلسي، و أنّها فيه بعين هذه الألفاظ، و لا يكشف منها عدم نسخة اخرىٰ عند الشيخ سليمان و غيره.

هذا مضافاً إلى اختلاف بعض ما حكي عن «أصل زيد» في «الكافي» مع ما هو الموجود عند المجلسي «2»، و هو دليل على اختلاف في النسخ، فراجع.

فاتضح من جميع ذلك: عدم إمكان الاتكال علىٰ أصلي الزيدين و ما هو من قبيلهما.

و أمّا مع الغضّ عنه فالإنصاف: أنّ الخدشة في دلالتها في غير محلّها؛ لظهورها صدراً و ذيلًا في حرمة عصير الزبيب إذا غلىٰ بالنار أو بنفسه.

و ما يقال: «من أنّ التعبير في ذيلها عن الحكم ب «الفساد» دون التحريم، لا يبعد أن يكون الوجه فيه أنّه بعد إصابة النار صار مَعْرضاً لطروّ الفساد

______________________________

(1) إفاضة القدير: 23.

(2) راجع الكافي 7: 21/ 1، بحار الأنوار 100: 208/ 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 369

و الإسكار لا لحرمته» «1» لا ينبغي الإصغاء إليه؛ لأنّ مجرّد الاحتمال لا يوجب جواز رفع اليد عن الظاهر المتفاهم عرفاً. و إطلاقُ «الفاسد» علىٰ ما يكون مَعْرضاً للإسكار علىٰ فرض تسليم دعوى: أنّ إصابة النار توجب تسريع الإسكار و المعرضية

له مجازٌ لا يصار إليه بلا وجه، و لم يظهر و لو إشعاراً التفكيك بين ما غلىٰ بنفسه و غيره، بل ظاهرها عدم التفكيك كما لا يخفى، فالعمدة ما مرّ.

حول التمسّك بباقي الروايات لحرمة العصير الزبيبي

ثمّ إنّه قد يتمسّك للتحريم بوجوه مخدوشة «2»، كعموم قوله (عليه السّلام)

كلّ عصير أصابته النار فهو حرام .. «3»

إلىٰ آخره.

و فيه ما مرّ في أوائل البحث: من أنّ «العصير» في الروايات هو العنبي منه لا غير «4». مضافاً إلىٰ أنّ مطلق العصير لا يكون موضوعاً للحكم بالضرورة.

و لو كان المدعى الأخذ بالعموم بعد خروج ما خرج منه «5»، ففيه: أنّه من تخصيص الأكثر البشيع، فلا بدّ أن يحمل علىٰ عصير معهود، و المتيقّن هو العنبي، و غيره مشكوك فيه.

______________________________

(1) إفاضة القدير: 127.

(2) انظر مجمع الفائدة و البرهان 1: 313، الحدائق الناضرة 5: 156، مستند الشيعة 15: 188، إفاضة القدير: 120.

(3) الكافي 6: 419/ 1، وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 1.

(4) تقدّم في الصفحة 273.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 1: 313.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 370

مع أنّ العصير بنفسه ليس موضوع الحكم، فلا محيص من أن يقال: إنّ الموضوع عصير العنب و نحوه، و من الواضح أنّه ليس للزبيب و التمر بلا نقع في الماء عصير، و معه يَجذب الماءَ الخارجي، و هو ليس عصير الزبيب؛ فإنّ المتفاهم من «عصير الشي ء» هو عصيره بالذات، لا بمداخلة شي ء أجنبي فيه و إخراجه منه.

نعم، لو دلّ دليل علىٰ «أنّ عصير الزبيب أو التمر إذا غلىٰ يحرم» لا يكون بدّ إلّا بالحمل على الماء الخارجي المعصور منه بعد نقعه فيه، و هو مفقود، و إطلاق

«العصير» لا يحمل إلّا علىٰ ما بنفسه عصير الشي ء، فالعصير منحصر بالعنب أو ما يشبهه.

مضافاً إلىٰ أنّ الزبيب المنقوع في الماء، لا يجذب من الماء ما يمكن أن يعصر منه شي ء معتدّ به، بل دائماً يكون المعصور منه مستهلكاً في الماء المصبوب فيه، فلا يطلق على المجموع «العصير».

و كالروايات الواردة في خصوص الزبيب، كمرسلة الساباطي أو موثّقته «1» قال: «وصف لي أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالًا ..» «2».

و موثّقته عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «سئل عن الزبيب كيف طبخه حتّى يشرب حلالًا ..» «3» إلىٰ آخره.

فذكر فيهما كيفية طبخه، و أمر بالإغلاء حتّى يذهب الثلثان.

______________________________

(1) تقدّم وجه الترديد في الصفحة 307، الهامش 3.

(2) الكافي 6: 424/ 1، وسائل الشيعة 25: 289، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 2.

(3) الكافي 6: 425/ 2، وسائل الشيعة 25: 290، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 371

و فيه: أنّ الرواية الأُولىٰ و إن كانت ظاهرة في أنّ المفروض لدى الساباطي؛ أنّ المغلي من الزبيب حرام إلىٰ غاية، و يصير حلالًا بما وصف أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)، لكن لم يظهر منها أنّ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) أفتىٰ بحرمته و صيرورته حلالًا بالتثليث، بل فيها توصيف أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) طبخه من غير ذكر الحرمة و الحلّية، و لعلّ الساباطي توهّم من ذكر التثليث أنّ الغليانَ موجب للحرمة، و التثليثَ لرفعها؛ قياساً علىٰ عصير العنب المعهود فيه ذلك. مع أنّها مردّدة بين المرسلة و الموثّقة، و لا اعتماد عليها.

و الثانية و إن

كانت موثّقة، لكن لا ظهور فيها في المدعىٰ؛ للفرق الظاهر بين قوله: «كيف يطبخ حتّى يصير حلالًا؟» و بين قوله: «كيف طبخه حتّى يشرب حلالًا؟» لأنّ المتعارف في طبخ الزبيب مع تلك التفصيلات و التشريفات المذكورة في الروايتين طبخ مقدار كثير حتّى بقي عدّة أيّام كثيرة، بل إلى شهور أو سنة أو أزيد، كما قال في رواية عليّ بن جعفر الآتية، فيشرب منه السنة، فإذا لم يذهب الثلثان لا يبعد أن يعرض عليه الفساد و الإسكار إذا طال بقاؤه، سيّما في تلك الآفاق، فإذا أُريد أن يشرب ذاك المشروب حلالًا من غير عروض الإسكار عليه، فلا بدّ من طبخه حتّى يذهب ثلثاه، فيشرب حلالًا إلىٰ آخر أمده.

و الإنصاف: أنّ هذا الاحتمال لو لم يكن ظاهراً فيها، فلا أقلّ من عدم مرجوحيته بالنسبة إلى احتمال آخر يوافق دعوى المدعي.

و يشهد لرجحانه بل تعيّنه ذيل رواية إسماعيل الهاشمي، حيث قال بعد وصف النبيذ: «و هو شراب طيّب لا يتغيّر إذا بقي إن شاء اللّٰه» «1».

______________________________

(1) الكافي 6: 426/ 3، وسائل الشيعة 25: 290، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 372

و لعلّ «الطيّب» مقابل «الخبيث» الذي أُطلق على الخمر و المسكر.

و كذا تشهد له صحيحة عليّ بن جعفر بناءً علىٰ وثاقة سهل بن زياد، كما هو الأصحّ «1» عن أخيه موسى أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن الزبيب، هل يصلح أن يطبخ حتّى يخرج طعمه، ثمّ يؤخذ الماء، فيطبخ حتّى يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه، ثمّ يرفع فيشرب منه السنة؟ فقال

لا بأس به «2».

فإنّ الظاهر أنّ عليّ بن جعفر لم يكن شكّه

إلّا في أنّ ماء الزبيب المطبوخ كذلك إذا بقي سنة، يحلّ شربه، أو يعرضه الفساد و الإسكار، و إلّا فحلّيته بعد ذهاب الثلثين كانت واضحة، فتصير شاهدة لسائر الروايات أيضاً.

و بما ذكرناه يظهر ضعف الاستدلال بها علىٰ حرمة عصير الزبيب قبل التثليث بتوهّم دلالتها علىٰ معهوديتها «3»؛ و ذلك لما عرفت من أنّ السؤال لم يكن عن حلّيته بالتثليث، بل عن بقائه حلالًا إلىٰ آخر السنة؛ لاحتمال عروض الفساد عليه.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ غاية ما تدلّ عليه هذه الصحيحة- بل سائر الروايات معهودية التثليث، و أمّا كونه لرفع الحرمة فلا، و الظاهر أنّ تعارفه لأجل عدم عروض الفساد و الإسكار عليه.

و يشهد لذلك مضافاً إلىٰ ما تقدّم ورود التثليث في السفرجل

______________________________

(1) تقدّم الكلام في سهل بن زياد في الجزء الأوّل: 78 و 258 259.

(2) الكافي 6: 421/ 10، وسائل الشيعة 25: 295، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 8، الحديث 2.

(3) انظر الدروس الشرعيّة 3: 16 17، الحدائق الناضرة 5: 155، إفاضة القدير: 9089.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 373

و العسل في رواية خليلان بن هاشم قال: كتبت إلىٰ أبي الحسن (عليه السّلام): جعلت فداك، عندنا شراب يسمّىٰ: «المَيْبِهْ» نعمد إلى السفرجل فنقشره و نلقيه في الماء، ثمّ نعمد إلى العصير فنطبخه على الثلث، ثمّ ندقّ ذلك السفرجل و نأخذ ماءه، و نعمد إلىٰ هذا المثلّث و هذا السفرجل فنلقي فيه المسك و الأفاوي و الزعفران و العسل، فنطبخه حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، أ يحلّ شربه؟ فكتب

لا بأس به ما لم يتغيّر «1».

مع وضوح عدم حرمة عصير السفرجل و العسل بالغليان بالنار.

و وروده في دستور

الطبيب أيضاً في رواية إسحاق بن عمّار «2»، و ليس ذلك ظاهراً إلّا لعدم عروض الفساد أو الإسكار عليه بطول المدّة.

و ربّما يتمسّك «3» للحرمة بالروايات الحاكية لمشاجرة إبليس لعنه اللّٰه آدم و نوحاً (عليهما السّلام) «4» بدعوىٰ إعطائهما إبليس من ثمرة الحَبَلة الثلثين.

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّ الأخذ بظاهر تلك الروايات، مستلزم لمالكية إبليس ثلثي جميع شجرة الكرم، كما هو مقتضىٰ بعضها «5»، و لزوم تثليث ماء العنب بإغلائه و إخراج حظّ إبليس، و عدم جواز شربه قبل غليانه، و هو كما ترى،

______________________________

(1) الكافي 6: 427/ 3، وسائل الشيعة 25: 367، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 29، الحديث 3.

(2) الكافي 6: 426/ 4، وسائل الشيعة 25: 291، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 5، الحديث 5.

(3) انظر مستند الشيعة 15: 211 212، جواهر الكلام 6: 34، إفاضة القدير: 121.

(4) وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2.

(5) وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 2 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 374

فلا بدّ من حملها علىٰ بيان سرّ حرمة الخمر أو عصير العنب المغلي، كما هو المتيقّن منها، بل الظاهر من بعضها «1».

و بعبارة اخرىٰ: لا يستفاد الإطلاق من هذه الروايات التي هي بصدد بيان سرّ مخفي، و حكمةٍ غير معقولة لنا لحرمة شي ء معهود، كما لا يخفى.

و أضعف منه التمسّك «2» بموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: أنّه سأل عن الرجل يأتي بالشراب فيقول: هذا مطبوخ على الثلث، قال

إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً فلا بأس

أن يشرب «3».

و نحوها رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه «4» لأنّها بصدد بيان حكم آخر، فلا إطلاق فيها.

فتحصّل من جميع ذلك: حلّية عصير الزبيب المغلي و طهارته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 3 و 11.

(2) انظر مستند الشيعة 15: 201، إفاضة القدير: 121.

(3) تهذيب الأحكام 9: 116/ 502، وسائل الشيعة 25: 294، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 6.

(4) تهذيب الأحكام 9: 122/ 528، وسائل الشيعة 25: 294، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 375

حلّية العصير التمري و طهارته

و أمّا العصير التمري فأولىٰ بهما؛ لفقد الأصل الذي تمسّك به للزبيبي، و عدم دليل علىٰ حرمته عدا ما عن «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام) أنّه قال

الحلال من النبيذ أن تنبذه و تشربه من يومه و من الغد، فإذا تغيّر فلا تشربه، و نحن نشربه حلواً قبل أن يغلي «1».

و فيه: مضافاً إلىٰ ضعف سنده و إرساله، و نقل الإجماع علىٰ خلافه «2»، و معارضته بما يأتي «3» أنّ المراد ب «التغيّر» يمكن أن يكون الإسكار، لا مطلق التغيّر أو الغليان. و يمكن الاستشهاد عليه بقوله (عليه السّلام)

نحن نشربه ..

إلىٰ آخره، حيث يشعر بأنّ عدم الشرب بعد الغليان ليس حكماً إلزامياً على الناس، بل أهل البيت (عليهم السّلام) كانوا لا يشربونه.

و نحو هذا التعبير غير عزيز في الروايات، كرواية زرارة قال قلت: في مسح الخفّين تقيّة؟ فقال

ثلاث لا أتقي فيهنّ أحداً: شرب المسكر، و مسح الخفّين، و متعة الحجّ

قال زرارة: و لم يقل: «الواجب عليكم أن لا

تتقوا فيهنّ أحداً» «4».

______________________________

(1) دعائم الإسلام 2: 129/ 445، مستدرك الوسائل 17: 39، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2، الحديث 2.

(2) الحدائق الناضرة 5: 141.

(3) يأتي في الصفحة 377.

(4) الكافي 3: 32/ 2، وسائل الشيعة 1: 457، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 38، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 376

و ورد نظيره في إتيان أدبار النساء «1» .. إلىٰ غير ذلك، فحينئذٍ يكون التغيّر مقابلًا للغليان، فيرجع إلى الاستحالة و صيرورته خمراً و مسكراً، تأمّل.

و لا علىٰ نجاسته إلّا بعض الروايات الشاذّة المشعرة بها كموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: أنّه سئل عن النَّضُوح المُعَتَّق، كيف يصنع به حتّى يحلّ؟ قال

خذ ماء التمر فأغله حتّى يذهب ثلثا ماء التمر «2»

و موثّقته الأُخرىٰ، عنه (عليه السّلام) قال: سألته عن النَّضُوح، قال

يطبخ التمر حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، ثمّ يمتشطن «3»

ممّا يجب طرحها علىٰ فرض دلالتها؛ لقيام الشهرة علىٰ طهارته. بل حكىٰ شيخنا المرتضى الأنصاري خمسة إجماعات عليها «4»، و لو ضمّ إليها ما حكي علىٰ حلّيته «5» المستلزم للطهارة لزاد عددها.

مع ما في دلالتهما من الإشكال:

أمّا الثانية فواضح.

و أمّا الاولىٰ، فبعد القطع بأنّ المراد من «الحلّية» ليس حلّية الشرب؛ لكونه من الطيّب، بل إمّا حلّية الاستعمال تكليفاً، أو حلّية الصلاة فيه وضعاً، أنّ الوصف ب «المُعتَّق» مشعر أو دالّ علىٰ أنّ المراد أنّه كيف يصنع النَّضُوح- أي

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 415/ 1663، راجع وسائل الشيعة 20: 145، كتاب النكاح، أبواب مقدّماته و آدابه، الباب 73، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 9: 116/ 502، وسائل الشيعة 25: 373، كتاب الأطعمة و الأشربة،

أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 32، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 9: 123/ 531، وسائل الشيعة 25: 379، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 37، الحديث 1.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 363/ السطر 29.

(5) الحدائق الناضرة 5: 141.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 377

الطيب الخاصّ حتّى يحلّ استعماله معتقاً؟

و بعبارة اخرىٰ: كيف يصنع حتّى لا يصير مع صيرورته عتيقاً فاسداً و مسكراً؟ فالأمر بإذهاب الثلثين حينئذٍ لأجل عدم طروّ الفساد عليه. و يظهر من الروايات تعارف جعل الخمر أو النبيذ في النَّضُوح في تلك الأزمنة «1».

مضافاً إلىٰ دلالة بعض الأخبار علىٰ أنّ حرمته و نجاسته تابعة لإسكاره، كخبر وفد اليمن، و فيها بعد توصيفهم النبيذ من التمر لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و تصريحهم بطبخه قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

قد أكثرت عليّ، أ فيسكر؟

قال: نعم، قال

كلّ مسكر حرام «2».

يظهر منها أنّه مع طبخه و عدم عروض الإسكار عليه ليس بحرام، و لازمه عدم نجاسته، فالمسألة واضحة بحمد اللّٰه.

______________________________

(1) كرواية عليّ بن جعفر، قال: سألته عن النضوح يجعل فيه النبيذ، أ يصلح للمرأة أن تصلّي و هو على رأسها؟ قال: لا، حتى تغتسل منه.

مسائل عليّ بن جعفر: 151/ 200، وسائل الشيعة 25: 380، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 37، الحديث 3.

(2) الكافي 6: 417/ 7، وسائل الشيعة 25: 355، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 24، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 379

عدم خمرية الفقّاع و مسكريته

نعم، يأتي الكلام في جهة أُخرى: و هي أنّ الفقّاع ليس خمراً حقيقة، و لم يسمّ باسمها عرفاً و لغة،

و الدليل عليه مضافاً إلىٰ وضوحه وفاق أهل الخلاف في عدم حرمته و نجاسته «2»، مع أنّ كثيراً منهم من أهل اللسان و علماء العربية و أئمّة الأدب و اللغة، فلو كان «الخمر» صادقاً عليه حقيقة لما اتفق بينهم هذا الاتفاق مع حرمتها بنصّ الكتاب «3».

مضافاً إلى استفادة ذلك من الأخبار و كلمات أصحابنا:

أمّا الأخبار فقد تقدّم الكلام فيها: من أنّ الظاهر منها أنّ «الخمر» اسم للمادّة الخبيثة المأخوذة من العنب، و هي التي حرّمها اللّٰه تعالىٰ، و إنّما حرّم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سائر المسكرات، و في بعضها

إنّ اللّٰه لم يحرّم الخمر لاسمها، بل حرّمها لعاقبتها

و هو كالنصّ في أنّ الاسم مختصّ بالمتخذ من

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 279/ 820، وسائل الشيعة 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 8، و قد تقدّم في الصفحة 248.

(2) انظر الخلاف 5: 490، المغني، ابن قدامة 10: 341، الشرح الكبير، ذيل المغني 10: 342.

(3) و هو قوله تعالىٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ. المائدة (5): 90.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 382

العنب. و إطلاقها علىٰ غيرها بضرب من التأويل «1»، فراجع.

و أمّا كلمات الأصحاب فبين ظاهرة في ذلك؛ لأنّ مقابلة المسكرات مع الفقّاع في كلماتهم في أبواب النجاسات و الأشربة المحرّمة و المكاسب المحرّمة و الحدود ظاهرة في أنّه بعنوانه موضوع الحكم لا لإسكاره، و لا لصدق «الخمر» عليه.

مضافاً إلىٰ أنّه لم نرَ استدلالهم علىٰ خلاف العامّة في حرمته بظاهر القرآن، فقد استدلّوا عليه تارة: بروايات من طرقهم، و أُخرى: بدليل الاحتياط، و

لو أمكن الاستدلال عليه بظاهر الآية و لو بوجه لاستدلّوا عليه، سيّما علم الهدىٰ (رضى اللّٰه عنه) الذي عمل «الانتصار» لانتصار الحقّ و إزهاق الباطل، جزاه اللّٰه عن الإسلام أفضل جزاء، و من دأبه التشبّث بظواهر الآيات عليهم حيثما أمكن. مع أنّه من أئمّة الأدب و اللسان. و كذا شيخ الطائفة في «خلافه» بل و ابن زهرة «2».

و قد تمسّك الشيخ في حدود «نهايته» لإثبات أحكام الخمر له بثبوت سوائيته مع الخمر من أئمّة آل محمّد عليهم الصلاة و السلام «3».

و بالجملة: يظهر من كلمات أصحابنا عدم كونه خمراً أو مسكراً، و ليست حرمته لهما؛ ففي «النهاية» بعد ذكر المسكرات: «و حكم الفقّاع حكم الخمر على السواء» «4».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 260.

(2) الانتصار: 197، الخلاف 5: 489 490، غنية النزوع 1: 41.

(3) النهاية: 713.

(4) النهاية: 591.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 383

و في «المراسم»: «و الخمر و سائر المسكرات و الفقّاع» «1».

و في «الغنية»: «و كلّ شراب مسكر نجس، و كلّ فقّاع نجس» «2».

و كذا سائر الكتب و المصنّفات علىٰ هذا المنوال قديماً و حديثاً.

و بين ناصّة علىٰ عدم مسكريته مطلقاً، أو قسم منه، المتفاهم منه عدم خمريته أيضاً؛ لبعد تسميته «خمراً» مع عدم الإسكار.

ففي «الانتصار»: «و قد روىٰ أصحاب الحديث من طرق معروفة: أنّ قوماً من العرب سألوا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الشراب المتخذ من القمح، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

هل يسكر؟

قالوا: نعم، فقال

لا تقربوه «3»

و لم يسأل من الشراب المتخذ من الشعير عن الإسكار، بل حرّم ذلك على الإطلاق، و حرّم الشراب الآخر إذا كان مسكراً» «4».

و

قال قبل ذلك: «و ممّا انفردت به الإمامية القول بتحريم الفقّاع؛ و أنّه جارٍ مجرى الخمر في جميع الأحكام» «5».

و هو كالنصّ في أنّه بمنزلة الخمر لا نفسها.

و في «الوسيلة»: «و غير المسكر ضربان: فقّاع، و غيره، و الفقّاع حرام نجس» «6».

و عن «فقه الرضا»

و اعلم: أنّ كلّ صنف من صنوف الأشربة التي

______________________________

(1) المراسم: 55.

(2) غنية النزوع 1: 41.

(3) مسند الإمام أحمد بن حنبل 4: 232، السنن الكبرى، البيهقي 8: 292.

(4) الانتصار: 199.

(5) الانتصار: 197.

(6) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 364.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 384

لا يغيّر العقل شرب الكثير منها لا بأس به، سوى الفقّاع، فإنّه منصوص عليه لغير هذه العلّة «1».

و عن الأُستاذ في حاشية «المدارك»: «أنّهم صرّحوا بأنّ حرمة الفقّاع و نجاسته يدوران مع الاسم و الغليان لا للسكر، فهو حرام و نجس و إن لم يكن مسكراً؛ لأنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حكم بالحرمة من دون استفصال» «2».

و في «المجمع»: «الفُقّاع كرُمّان-: شي ء يشرب، يتخذ من ماء الشعير فقط، ليس بمسكر، و لكن ورد النهي عنه» «3».

نعم، ظاهر «المعتبر» «4» أنّه خمر اسماً و إن لم يكن مسكراً، متمسّكاً بالتسمية الشرعية، و أصالة الحقيقة و هو كما ترى و بقول أبي هاشم الواسطي المحكي في «الانتصار»: «الفُقّاع نبيذ الشعير، فإذا نشّ فهو خمر» «5».

و هو أيضاً غير وجيه؛ لأنّ الظاهر أنّ مراده من كونه خمراً أنّه مسكر، لا أنّه مسمّىٰ بها. مع أنّ التعويل علىٰ قوله مع ما عرفت في غير محلّه، و لهذا لم يعوّل عليه علم الهدىٰ، و إلّا لأستدلّ علىٰ حرمته بظاهر الكتاب.

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه

السّلام): 255، مستدرك الوسائل 17: 72، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 19، الحديث 8.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 17، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 367/ السطر 19.

(3) مجمع البحرين 4: 376.

(4) المعتبر 1: 425.

(5) الانتصار: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 385

إلّا أن يقال: إنّ الكتاب منصرف عنه. و هو غير معلوم، بل ممنوع بعد الصدق حقيقة.

ثمّ إنّه بعد العلم بعدم خمريته حقيقة، لا بدّ من حمل الروايات الحاكمة بأنّه

خمر بعينها «1»

أو

من الخمر «2»

أو

خمرة استصغرها الناس «3»

علىٰ نحو من التنزيل، فيدور الأمر بين احتمالين:

إمّا البناء على التنزيل باعتبار الحكم؛ بمعنى أنّ الأئمّة (عليهم السّلام) لمّا رأوا ثبوت جميع آثار الخمر له، أطلقوها عليه ادعاء و مجازاً.

و إمّا البناء على التنزيل باعتبار الخاصّية؛ و أنّه لمّا كان عاقبته عاقبة الخمر و فعله فعلها، نزّلوه منزلتها.

و الفرق بينهما: أنّه على الأوّل يحكم بترتّب الأحكام بمجرّد صدق الفُقّاع و إن لم يكن مسكراً؛ لأنّ التنزيل ليس بلحاظ إسكاره، و على الثاني يترتّب الأحكام علىٰ قسم المسكر؛ لأنّ التنزيل باعتبار مسكريته.

و لا شبهة في أنّ مقتضى إطلاق الأخبار البناء على الوجه الأوّل، و لا وجه لرفع اليد عن إطلاقها بلا دليل مقيّد، و دعوى الانصراف إلى القسم المسكر ممنوعة.

______________________________

(1) الكافي 6: 423/ 4، وسائل الشيعة 25: 361، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 27، الحديث 7.

(2) الكافي 6: 422/ 3، وسائل الشيعة 25: 361، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 27، الحديث 6.

(3) الكافي 6: 423/ 9، وسائل الشيعة 25: 365، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 28، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 3، ص: 386

فالأقوىٰ حرمته و نجاسته و ترتّب سائر الآثار عليه بمجرّد صدق الاسم و لو لم يكن مسكراً، كما نصّ عليه الأصحاب في كلماتهم المتقدّمة، و أرسلوه إرسال المسلّمات «1».

حلّية الفقّاع في صورة عدم غليانه

نعم، الظاهر عدم ترتّبها قبل الغليان؛ لصحيحة ابن أبي عمير، عن مُرازِم قال: «كان يعمل لأبي الحسن (عليه السّلام) الفقّاع في منزله» قال ابن أبي عمير: «و لم يعمل فقّاع يغلي» «2».

و الظاهر أنّ ابن أبي عمير كان بصدد دفع توهّم عمل الفقّاع الحرام.

و موثّقةِ عثمان بن عيسىٰ قال: كتب عبد اللّٰه بن محمّد الرازي إلىٰ أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): إن رأيت أن تفسّر لي الفقّاع، فإنّه قد اشتبه علينا، أ مكروه هو بعد غليانه، أم قبله؟ فكتب (عليه السّلام)

لا تقرب الفقّاع إلّا ما لم يضرّ آنيته، أو كان جديداً.

فأعاد الكتاب إليه: كتبت أسأل عن الفقّاع ما لم يغلِ، فأتاني: أن اشربه ما كان في إناء جديد، أو غير ضارٍّ، و لم أعرف حدّ الضراوة و الجديد، و سأل أن يفسّر ذلك له، و هل يجوز شرب ما يعمل في الغَضارة و الزجاج و الخشب و نحوه من الأواني؟ فكتب (عليه السّلام)

يفعل الفقّاع في الزجاج و في الفخّار الجديد إلىٰ قدر ثلاث عملات، ثمّ لا يعد منه بعد ثلاث عملات إلّا في إناء جديد، و الخشب مثل ذلك «3».

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 379 و 382 384.

(2) تهذيب الأحكام 9: 126/ 545، وسائل الشيعة 25: 381، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 39، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 9: 126/ 546، وسائل الشيعة 25: 381، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 39، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 3، ص: 387

و الظاهر منها أنّ النهي عن هذه الظروف لأجل حصول النشيش و الغليان له إذا نبذ فيها. و يمكن أن يكون لحصول الإسكار له، لكن هذا مجرّد احتمال لا يمكن رفع اليد به عن إطلاق الأدلّة و كلمات الأجلّة.

و صحيحةِ عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) قال: سألته عن شرب الفقّاع الذي يعمل في السوق و يباع، و لا أدري كيف عمل، و لا متى عمل، أ يحلّ أن أشربه؟ قال

لا أُحبّه «1».

و الظاهر منها وجود قسمين منه: حلال، و حرام، و الظاهر من الروايتين المتقدّمتين أنّ الحلال منه قبل غليانه و نشيشه، و الحرامَ بعده، و كذا الأخيرة أيضاً؛ لإشعار قوله: «متى عمل» أو ظهوره في شكّه في بقائه إلىٰ حال التغيّر و النشيش، و لا يبعد حمل إطلاق كلمات الأصحاب علىٰ ما بعده، كما مرّ ما عن الأُستاذ في «حاشية المدارك»: «أنّهم صرّحوا بأنّ حرمة الفقّاع و نجاسته تدوران مع الاسم و الغليان» «2».

بل الظاهر من اللغويين عدم صدقه علىٰ ما لم ينشّ؛ قال في «القاموس»: «الفُقّاع كرمّان-: هذا الذي يشرب، سمّي به لما يرتفع في رأسه من الزبَد» «3» و نحوه في «المنجد» و «معيار اللغة» «4».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 126/ 547، وسائل الشيعة 25: 382، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 39، الحديث 3.

(2) تقدّم في الصفحة 384.

(3) القاموس المحيط 3: 66.

(4) المنجد: 590، معيار اللغة 2: 125.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 388

و في «المجمع»: «قيل: سمّي «فقّاعاً» لما يرتفع في رأسه من الزبَد» «1».

و يظهر من الشهيد في محكي «الروض» اعتباره في الصدق

«2».

اختصاص حكم الفقّاع بالمتخذ من الشعير دون غيره

ثمّ إنّ المتيقّن منه ما أُخذ من الشعير، و الظاهر عدم الكلام فيه، و إنّما الكلام و الإشكال فيما يؤخذ من سائر الأشياء، كالقمح و الذرة و الزبيب و غيرها. و قد مرّ كلام الطريحي في «المجمع» في انحصاره بما يؤخذ من الشعير «3». و هو ظاهر السيّد في «الانتصار» حيث استدلّ علىٰ حرمة الفقّاع مطلقاً بعدم استفصال النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فيما يؤخذ من الشعير، دون ما يؤخذ من القمح «4»، فما نسب إليه من أخذه من القمح أيضاً «5» مخالف لذلك.

نعم، حكىٰ هو من طريق الناس، عن أُمّ حبيبة زوجة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أنّ أُناساً من أهل اليمن قدموا علىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ليعلّمهم الصلاة و السنن و الفرائض، فقالوا: يا رسول اللّٰه، إنّ لنا شراباً نعمله من القمح و الشعير، فقال

الغُبَيْراء؟

قالوا: نعم، قال

لا تطعموه .. «6»

إلىٰ آخره.

ثمّ حكىٰ تفسير زيد بن أسلم «الغُبَيْراء» بالسكْرُكة، و هي بالفقّاع «7».

______________________________

(1) مجمع البحرين 4: 376.

(2) روض الجنان: 164/ السطر 24.

(3) تقدّم في الصفحة 384.

(4) الانتصار: 199.

(5) مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 12.

(6) مسند الإمام أحمد بن حنبل 6: 427/ 9، السنن الكبرى، البيهقي 8: 292.

(7) الانتصار: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 389

و لعلّ

الغُبَيْراء

في كلام النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان مربوطاً بالمتخذ من الشعير المتأخّر في الذكر في كلام السائل، لا منه و من القمح، تأمّل. و يظهر من السيّد اختصاص الغُبَيْراء بما يؤخذ من الشعير، فراجع «الانتصار» بتعمّق «1».

و عن «المدنيات»: «أنّه شراب معمول من الشعير» «2»

و حكى السيّد عن الواسطي: «أنّ الفقّاع نبيذ الشعير، و إذا نشّ فهو خمر» «3».

و عن بعض آخر عدم الاختصاص به؛ فعن «رازيات السيّد» و «الانتصار»: «كان يعمل من الشعير و من القمح» «4» و قد عرفت حال ما في «الانتصار» و ليس عندي «الرازيات».

و عن «مقداديات الشهيد»: «كان قديماً يتخذ من الشعير غالباً، و يحصَّل حتّى يحصل فيه التنشّر، و كأنّه الآن يتخذ من الزبيب» انتهىٰ. كذا في «مفتاح الكرامة» «5» و لعلّ مراده أنّه يبقىٰ حتّى ينشّ.

و عن أبي عبيدة: «أنّ السكْرُكة من الذرة» «6».

و عن «مخزن الأدوية»: «أنّ الفقّاع اسم لنوع من النبيذ مركّب طعمه من حلاوة قليلة و حموضة و مرارة، و يصنع من أكثر الحبوب، كالشعير و الأرُزّ و الدخن و الذرة و الخبز الحواري و الزبيب و التمر و السكّر و العسل، و قد يضيفون

______________________________

(1) الانتصار: 198 199.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 13.

(3) الانتصار: 199.

(4) مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 12، رسائل الشريف المرتضىٰ 1: 102، الانتصار: 199.

(5) مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 13.

(6) لسان العرب 6: 307.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 390

إليه الفلفل و سنبل الطيب و القرنفل» «1» انتهىٰ.

و المتحصّل من الجميع: أنّ ما يؤخذ من الشعير فقّاع بلا ريب، و صدقَه علىٰ ما عداه مشكوك فيه، و مقتضى الأصل الحلّية و الطهارة بعد كون الشكّ في المفهوم و الوضع. و مجرّد إطلاقه في الأزمنة المتأخّرة على المأخوذ من غيره، لا يفيد. و أصالة عدم النقل و الاشتراك علىٰ فرض جريانهما لا تفيد في إثبات الوضع و لو كانت عقلائية.

______________________________

(1) قرابادين كبير (مخزن الأدوية): 314/ السطر 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 3، ص: 391

الفُقّاع

التاسع: الفُقّاع، و لا ريب في نجاسته، و قد حكي الإجماع عليها مستفيضاً، كما في «الانتصار» و «الخلاف» و محكي «الغنية» و «المنتهىٰ» و «المهذّب البارع» و «التنقيح» و «كشف الالتباس» و «إرشاد الجعفرية» و ظاهر «المبسوط» و «التذكرة» و «الذكرى» «1».

و عن «المدارك» تأمّل في نجاسته، حيث قال: «وردت به رواية ضعيفة» «2».

أراد رواية «الكافي» عن أبي جميلة البصري قال: كنت مع يونس ببغداد و أنا أمشي معه في السوق، ففتح صاحب الفُقّاع فُقّاعه، فقفز «3» فأصاب يونس، فرأيته قد اغتمّ لذلك حتّى زالت الشمس، فقلت له: يا أبا محمّد، إلا تصلّي؟ قال: فقال لي: ليس أُريد أن أُصلّي حتّى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي.

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 15، الانتصار: 197، الخلاف 5: 489 490، غنية النزوع 1: 41، منتهى المطلب 1: 167/ السطر 22، المهذّب البارع 5: 79، التنقيح الرائع 1: 145، كشف الالتباس: 211/ السطر 11 (مخطوط)، المبسوط 1: 36، تذكرة الفقهاء 1: 65، ذكرى الشيعة 1: 115.

(2) مدارك الأحكام 2: 293.

(3) قفز بالقاف ثمّ الزاء: وثب (الوافي). [منه (قدّس سرّه)].

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 380

فقلت له: هذا رأي رأيته، أو شي ء ترويه؟

فقال: أخبرني هشام بن الحكم: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفُقّاع، فقال

لا تشربه؛ فإنّه خمر مجهول، فإذا أصاب ثوبك فاغسله «1».

و لا مجال للتردّد في الحكم بعد ذلك الاشتهار و تلك الإجماعات. و لو نوقش في الرواية بضعف السند بل و عدم العلم بالجبر؛ لاشتراطه بإحراز الاستناد، و هو ممنوع لما تصحّ المناقشة في دلالة الروايات المتظافرة الآتية

«2» الحاكمة بأنّه

خمر بعينها

أو

من الخمر

أو

خمرة استصغرها الناس

إلىٰ غير ذلك، فإنّها: إمّا تدلّ علىٰ خمريته و مسكريته واقعاً، فقد فرغنا عن نجاسة المسكرات المائعة «3».

و إمّا تدلّ على التنزيل منزلته حكماً، فلا شبهة في استفادة عموم التنزيل مع هذه التعبيرات و التأكيدات، و لو لا كونه بمنزلته في جميع الآثار، لما صحّ هذا التنزيل بهذا اللسان الأكيد.

و الشاهد عليه ثبوت حكم شارب الخمر عليه «4» فلا ينبغي الإشكال في نجاسته و حرمته.

______________________________

(1) الكافي 6: 423/ 7، تهذيب الأحكام 1: 282/ 828، وسائل الشيعة 3: 469، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 5.

(2) يأتي في الصفحة 385.

(3) تقدّم في الصفحة 237.

(4) كما في رواية ابن فضّال، قال: كتبت إلىٰ أبي الحسن (عليه السّلام) أسأله عن الفقّاع فقال: هو الخمر و فيه حدّ شارب الخمر.

راجع وسائل الشيعة 25: 360، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 27، الحديث 2 و 11، و الباب 28، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 381

فما في رواية زكريّا بن آدم، عن أبي الحسن (عليه السّلام) «1» ممّا يشعر أو يدلّ على الخلاف، لا يعوّل عليه. مع ضعفها سنداً بابن المبارك، و وهنها متناً باشتمالها علىٰ حكم في الدم لا نقول به، و موافقتها للناس، و مخالفتها للإجماع و النصوص.

الكافر

اشارة

العاشر: الكافر بجميع أنواعه؛ ذمّيا كان أو غيره، أصلياً أو مرتدّاً، إجماعاً كما في «الانتصار» و «الناصريات» مع التصريح بالكلّية «1». و في «الخلاف» دعواه في المشرك الذمّي و غيره «2».

و في «الغنية» ادعى الإجماع المركّب، و قال: «التفرقة بين نجاسة المشرك و غيره خلاف الإجماع» «3».

و ادعى الإجماع صريحاً في «المنتهىٰ» «4»

و ظاهراً في «التذكرة» «5» و هو المحكي عن «السرائر» و «البحار» و «الدلائل» و «شرح الفاضل» «6» و ظاهر «نهاية الإحكام» «7».

______________________________

(1) الانتصار: 10، الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 216/ السطر 24.

(2) الخلاف 1: 70.

(3) غنية النزوع 1: 44.

(4) منتهى المطلب 1: 168/ السطر 12.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 67.

(6) انظر مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 22، السرائر 3: 124، بحار الأنوار 77: 44.

(7) نهاية الإحكام 1: 273.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 392

و عن «التهذيب»: «إجماع المسلمين» «1» و لعلّ مراده المؤمنون الذين هم المسلمون حقّا. و حكي تأويله عن الفاضل الهندي بما هو أبعد ممّا ذكرناه «2».

و عن «حاشية المدارك»: «أنّ الحكم بالنجاسة شعار الشيعة يعرفه علماء العامّة منهم، بل و عوامّهم يعرفون أنّ هذا مذهب الشيعة، بل و نساؤهم و صبيانهم يعرفون ذلك، و جميع الشيعة يعرفون أنّ هذا مذهبهم في الأعصار و الأمصار» «3».

و عن القديمين القول بعدم نجاسة أسآر اليهود و النصارى «4»، و كذا عن ظاهر المفيد «5»، و عن موضع من «النهاية» «6».

لكن عن «حاشية المدارك»: «لا يحسن جعل ابن أبي عقيل من المخالفين مع تخصيصه عدم النجاسة بأسآرهم؛ لأنّه لا يقول بانفعال الماء القليل، و السؤر هو الماء الملاقي لجسم حيوان».

قال: «و الكراهة في كلام المفيد لعلّه يريد منها المعنى اللغوي» «7» انتهىٰ. و هو حسن.

و أمّا ما نسب إلىٰ «نهاية الشيخ» ففي غير محلّه جزماً، قال فيها

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 223، ذيل الحديث 637.

(2) كشف اللثام 1: 399.

(3) حاشية المدارك، ضمن مدارك الأحكام: 105، ذيل قوله: «بل ادعي عليه» (ط. حجري).

(4) انظر مختلف الشيعة 8: 316.

(5) انظر المعتبر 1: 96، مفتاح الكرامة

1: 142/ السطر 28.

(6) انظر مفتاح الكرامة 1: 142/ السطر 29، النهاية: 589 590.

(7) حاشية المدارك، ضمن مدارك الأحكام: 105، ذيل قوله: «و نقل عن ابن الجنيد و عن ابن أبي عقيل» (ط. حجري).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 393

«و لا يجوز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم، و لا استعمال أوانيهم إلّا بعد غسلها بالماء، و كلّ طعام تولّاه بعض الكفّار بأيديهم و باشروه بنفوسهم لم يجز أكله؛ لأنّهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إيّاه».

قال بعد أسطر: «و يكره أن يدعو الإنسان أحداً من الكفّار إلىٰ طعامه فيأكل منه، و إن دعاه فليأمره بغسل يديه» «1» انتهىٰ.

و هو كما ترى محمول كما عن «نكتها» «2» على الطعام اليابس، كالتمر و الخبز و نحوهما؛ بقرينة ما تقدّم، و الأمر بغسل يدهم لدفع القذارة العرفية. و أمّا ما عن ابن إدريس من أنّه ذكر ذلك إيراداً لا اعتقاداً «3» فبعيد.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 393

و الظاهر استناد الشيخ فيما ذكره إلىٰ صحيحة عِيص بن القاسم «4»، فإنّها بمضمون ما ذكره ظاهراً.

و لم يحضرني كلام ابن الجنيد، و ما نقل عنه «5» غير ظاهر في المخالفة.

و نسب إلىٰ صاحب «المدارك» و «المفاتيح» الميل إلىٰ طهارتهم «6»، لكن لم يظهر من «المدارك» ذلك فراجع «7»، و لم يحضرني «المفاتيح» «8».

نعم، قد يظهر من «الوافي» ذلك؛ لأنّه بعد ذكر الأخبار قال

______________________________

(1) النهاية: 589 590.

(2) النهاية و نكتها 3: 107.

(3) السرائر 3: 123.

(4) يأتي في الصفحة 408.

(5) مختلف

الشيعة 8: 316.

(6) مفتاح الكرامة 1: 143/ السطر 1.

(7) مدارك الأحكام 2: 294 298.

(8) مفاتيح الشرائع 1: 70 71.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 394

«و قد مضى في باب طهارة الماء خبر في جواز الشرب من كوز شرب منه اليهودي «1»، و التطهير من مسّهم ممّا لا ينبغي تركه» «2» و فيه إشعار برجحان التطهير منه لا لزومه.

التمسّك بالإجماع و السيرة لإثبات نجاسة الكفّار

و كيف كان: فالعمدة هو الإجماعات المتقدّمة، و المعروفية بين جميع طبقات الشيعة؛ بحيث صار شعارهم عند الفريقين، كما تقدّم عن الأُستاذ الوحيد. و لا يمكن أن يقال: إنّ ذلك لتخلّل اجتهاد من الفقهاء، و تبعهم العوامّ:

أمّا أوّلًا: فلأنّ الأخبار كما تأتي جملة منها «3» ظاهرة الدلالة علىٰ طهارة أهل الكتاب، و لها جمع عقلائي مقبول مع غيرها لا يمكن خفاؤه علىٰ فاضل، فضلًا عن جميع الطبقات من أهل الحلّ و العقد من الطائفة، و هو دليل علىٰ أنّ استنادهم إلىٰ بعض الآيات و الأخبار «4» ليس مبنىٰ فتواهم، بل المبنىٰ هو المعلومية من الصدر الأوّل؛ و أخذ كلّ طبقة لاحقة عن سابقتها.

و احتمال تخلّل الاجتهاد و خطأ جميع طبقات الفقهاء في هذه المسألة الواضحة المأخذ بحسب الرواية، ممّا تبطله الضرورة. و لا تقاس هذه المسألة بمسألة المنزوحات التي اختلفت الآراء و الأخبار فيها؛ بحيث تكون مظنّة تخلّل الاجتهاد، كما يظهر بالرجوع إليها.

______________________________

(1) الوافي 6: 26/ 26.

(2) الوافي 6: 211، ذيل الحديث 31.

(3) تأتي في الصفحة 405.

(4) راجع ما يأتي في الصفحة 399 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 395

و أمّا ثانياً: فلأنّ احتمال كون المعروفية عند جميع الطبقات من النساء و الصبيان و الحاضر و البادي

من فتوى فقهائهم، بعيد جدّاً، بل غير وجيه؛ فإنّ المسائل الاجتهادية التي أجمعت الفقهاء عليها غير عزيزة، مع عدم معروفيتها لدى العامّة؛ حتّى فيما تكون محلّ الابتلاء، كحرمة العصير العنبي، و حرمة كثير من أجزاء الذبيحة.

هذا مع أنّ كثيراً ممّن يكون الحكم واضحاً عندهم، لعلّه لا عهد لهم بالفقهاء و آرائهم.

و بالجملة: هذه الشهرة و المعروفية في جميع الطبقات في الأعصار و الأمصار، تكشف جزماً عن رأي أئمّتهم (عليهم السّلام) و لا يبقىٰ فيها محلّ تشكيك و ريب، سيّما مع مخالفة العامّة جميعاً، فذهبوا إلىٰ طهارة الكفّار مطلقاً، قال السيّد:

«و ممّا انفردت به الإمامية القول بنجاسة سؤر اليهودي و النصراني و كلّ كافر، و خالف جميع الفقهاء في ذلك، و حكى الطحاوي عن مالك في سؤر النصراني و المشرك: «أنّه لا يتوضّأ به» و وجدت المحصّلين من أصحاب مالك يقولون: «إنّ ذلك علىٰ سبيل الكراهة لا التحريم» لأجل استحلالهم الخمر و الخنزير، و ليس بمقطوع علىٰ نجاسته، فالإمامية منفردة بهذا المذهب» «1» انتهىٰ.

هذا أيضاً يؤكّد البناء علىٰ نجاستهم، و علىٰ معلّلية ما دلّت علىٰ طهارتهم من الأخبار، و قد تكرّر منّا «2»: أنّه لا دليل معتدّ به علىٰ حجّية خبر الثقة إلّا بناء العقلاء، و التي وردت في هذا المضمار آيةً و روايةً لا يستشعر منها

______________________________

(1) الانتصار: 10.

(2) تقدّم في الصفحة 19 و 249.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 396

التأسيس، بل كلّها أو جلّها دالّة علىٰ إمضاء ما لدى العقلاء، و ليس للشارع المقدّس طريق خاصّ و تعبّد في ذلك، و لو وجد فيها ما يشعر بخلاف ذلك لم تصل إلىٰ حدّ الدلالة.

و لا شبهة في عدم بناء العقلاء على

العمل بمثل الروايات التي أعرض عنها الأصحاب مع كونها بمرءىٰ و منظر منهم، و كونهم متعبّدين بالعمل بما وصل إليهم من طريق أهل البيت (عليهم السّلام) فيكون إعراضهم إمّا موجباً للوهن في سندها، أو مع عدم إمكان ذلك لكثرة الروايات، و القطع بصدور بعضها فلا محالة يوجب الوهن في جهة صدورها مع اتفاق أهل الخلاف علىٰ طهارتهم «1».

فالقول «2»: «بأنّ مجرّد وثاقة الراوي يكفي في العمل بالرواية» تارة، و «بأنّ احتمال صدورها تقيّة في المقال في مقام بيان الحكم، بعيد عن مساق الأخبار» اخرىٰ، لا ينبغي أن يصغى إليه.

كما أنّ القول: «بحدوث هذه السيرة و المعروفية بعد عصر الأئمّة (عليهم السّلام) و لم يكن الحكم معروفاً في زمانهم؛ لشهادة جلّ الروايات بخلوّ أذهان السائلين- الذين هم من عظماء الشيعة و رواة الأحاديث من احتمال نجاستهم الذاتية، و أنّ الذي أوقعهم في الريبة الموجبة للسؤال عدم تجنّبهم عن النجاسات؛ حتّى أنّ محمّد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري الذي كتب إلىٰ صاحب الزمان في عصر الغيبة استشكل في الصلاة في الثياب المتخذة من المجوس؛ لأجل أنّهم كانوا يأكلون الميتة، و لا يغتسلون من الجنابة «3»، فيستفاد منه عدم انقداح نجاستهم

______________________________

(1) المغني، ابن قدامة 1: 43، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 6.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 561/ السطر 24.

(3) الاحتجاج 2: 570، وسائل الشيعة 3: 520، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 73، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 397

الذاتية في ذهنه، فيظنّ منه حدوث المعروفية لدى العلماء للاجتهاد، ولدي العوام للتقليد» «1».

في غاية الضعف:

أمّا أسئلة الرواة، فلا تدلّ علىٰ عدم المعروفية لدى الشيعة؛ فإنّ المتتبّع في أسئلتهم في المسائل الفقهية، يرىٰ أنّ

كثيراً ما لم تكن الأسئلة الصادرة من فقهاء أصحابهم لرفع شبهة، بل كان بناؤهم على السؤال لضبط الجواب عن كلّ إمام في أُصولهم و كتبهم، فمثل مشايخ أصحاب أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) نظير زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير، و غيرهم ممّن أدركوا عصر أبي جعفر (عليه السّلام) و أخذوا المسائل منه سألوا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن تلك المسائل بعينها، و ربّما سألوا عن مسائل واضحة لا يمكن خفاؤها عليهم إلىٰ زمان الصادق (عليه السّلام) ككيفية غسل الجنابة و غسل الميّت و الوضوء و جواز المسح على الخفّين بل و عدد الصلوات الفرائض .. إلىٰ غير ذلك ممّا لا تحصى، حيث كان السؤال لمقاصد أُخر، كالحفظ في الكتب للبقاء و الوصول إلى الطبقة المتأخّرة، و كثرة الانتشار، و غير ذلك.

و أمّا دعوى: أنّ جلّ الروايات شاهدة علىٰ خلوّ أذهان السائلين عن نجاستهم ذاتاً، ففيها: أنّ الواقع خلاف ذلك؛ فإنّ جلّها خالية من الإشعار بما ذكر، فضلًا عن الشهادة به، كما يظهر للمراجع إليها في كتاب الطهارة و الأطعمة.

نعم، في بعضها إشعار بذلك، كرواية الحميري المتقدّمة. لكن ليس محطّ نظره السؤال عن نجاسة المجوس، بل نظره إلى السؤال عن حال الثوب المنسوج بيدهم. و لا يبعد أن يكون بعد الفراغ عن نجاستهم، و لهذا خصّهم بالذكر، و إنّما ذكر أكلهم الميتة و عدم اغتسالهم من الجنابة؛ لفرض قوّة احتمال تنجّس

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 562/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 398

الثوب، و أنّه مع كونهم نجساً كانوا كذلك، و لأجله صار ما بأيديهم أقرب إلى التنجّس، و لهذا أضاف إلىٰ أكل الميتة عدم اغتسالهم من

الجنابة.

فهي نظير صحيحة معاوية بن عمّار قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الثياب السابرية يعملها المجوس، و هم أخباث، و هم يشربون الخمر، و نساؤهم علىٰ تلك الحال، ألبسها و لا أغسلها ..» «1» إلىٰ آخره.

و الظاهر أنّ المراد ب «الأخباث» الأنجاس؛ فإنّ الخبث الباطني النفساني لا يناسب المقام، و ذكر النجاسة العرضية غير مناسب لقوله بعده: «و هم يشربون الخمر» فالظاهر فرض قوّة احتمال تلوّث الثياب و تنجّسها بفرض نجاسات ذاتاً و عرضاً فيهم و فيما بأيديهم.

و نحوها صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان «2» حيث فرض فيها إعارة الذمّي الثوب، و يعلم أنّه يشرب الخمر، و يأكل لحم الخنزير.

بل الأسئلة الكثيرة في الروايات عن ثياب المجوس و النصارى و اليهود و بواريهم و ما يعملونه و غير ذلك «3»، ظاهرة الدلالة في معهودية نجاستهم في ذلك العصر.

إلّا أن يقال: اختصاصهم بالذكر لكثرة ابتلائهم بها، كما ربّما يشهد به بعضها.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 362/ 1497، وسائل الشيعة 3: 518، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 73، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 2: 361/ 1495، وسائل الشيعة 3: 521، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 74، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 419، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، و: 518، الباب 73.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 399

التمسّك بالكتاب لإثبات نجاسة الكفّار

ثمّ إنّه قد استدلّ «3» علىٰ نجاستهم بقوله تعالىٰ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ «2».

و يمكن تقريبه بنحو لا يرد عليه بعض الإشكالات: و هو أنّ المستفاد من كلمة الحصر و حمل المصدر؛ أنّ المشركين ليسوا إلّا حقيقة النجاسة بالمعنى المصدري، و هو مبني على الادعاء و التأوّل، و هو لا يناسب طهارتهم و نظافتهم ظاهراً

التي هي بنظر العرف أوضح مقابل للنجاسة و أظهره، فلا يجوز الحمل على القذارة الباطنية: من كفرهم أو جنابتهم؛ لبشاعة أن يقال: «إنّ الكافر ليس إلّا عين القذارة، لكنّه طاهر نظيف في ظاهره، كسائر الأعيان الطاهرة».

بل لو منع من إفادة كلمة «إنّما» الحصر، يكون حمل المصدر الدالّ على الاتحاد في الوجود، موجباً لذلك أيضاً، كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام.

نعم، لو قرن الكلام بدعوىٰ أُخرى: هي دعوى أنّ المشركين ليسوا إلّا بواطنهم، لكان لإنكار الدلالة وجه، لكنّها علىٰ فرض صحّتها خلاف الأصل.

و الحمل على القذارة الصورية العرفية غير جائز؛ لعدم مطابقته للواقع إن أُريد الحقيقة، فلا بدّ من ارتكاب تجوّز؛ و هو دعوى: أنّه من هو نظيف بينهم كالعدم، و هي لا تصحّ إلّا إذا كان النظيف بينهم نادراً يلحق بالعدم، و هو غير معلوم، بل معلوم العدم. مع أنّ المجاز خلاف الأصل، و لا قرينة عليه.

و كذا إن أُريد نجاستهم عرضاً لا بدّ من ارتكاب التجوّز، و هو أيضاً خلاف الأصل لو فرض كثرة ابتلائهم بحدّ تصحّح الدعوىٰ.

______________________________

(3) المعتبر 1: 96، الحدائق الناضرة 5: 164، جواهر الكلام 6: 42.

(2) التوبة (9): 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 400

مضافاً إلىٰ أنّ دعوى كونهم عين النجاسة بالمعنى المصدري أو حاصله، أيضاً لا تتناسب في النجاسة العرضية إلّا في بعض الأحيان، كما لو تلوّث جميع البدن تحقيقاً أو تقريباً، و إلّا فمع الملاقاة ببعض البدن لا يصحّ دعوى أنّه عين القذارة، و تلوّث جميع أفراد المشركين أو أكثرهم بنحو تصحّ دعوى أنّ جميعهم نجاسة و نجَس بالفتح معلوم العدم. مع أنّ المجاز خلاف الأصل.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ حمل الآية علىٰ إرادة القذارة

المعنوية فقط، غير صحيح لا يناسب البلاغة، و حملَها على القذارة العرفية حقيقة، غير موافق للواقع، و على التأوّل غير صحيح، و مع فرض الصحّة مخالف للأصل، و كذا على القذارة العرضية.

فبقي احتمال أن يكون المراد به النجاسة الجعلية الاعتبارية، فهو إمّا محمول على الإخبار عن الواقع، فلا بدّ من مسبوقيته بجعل آخر، و هو بعيد.

أو على الإخبار في مقام الإنشاء، فيصحّ دعوى أنّهم عين القذارة و النجاسة بعد كون جميع أبدانهم قذراً، سيّما إذا أُريد نجاستهم الباطنية أيضاً، فتكون دعوى أنّهم عين القذارة بعد كونهم ظاهراً و باطناً ملوّثين بالكفر و الخباثة و الجنابة و القذارة في غاية البلاغة، فإبقاء المصدر علىٰ ظاهره أبلغ في إفادة المطلوب من حمله علىٰ خلاف ظاهره مرادفاً للنجِس بالكسر.

و بما ذكرناه يندفع الإشكال: «بأنّه نمنع كون «النجَس» في زمان صدور الآية حقيقة في المعنى المصطلح، بل المتبادر منه هو المعنى اللغوي الذي هو أعمّ من الاصطلاحي» «1» لما عرفت من أنّ الحمل على المعنى الحقيقي- أي القذارة العرفية غير ممكن، كما تقدّم.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 557/ السطر 34.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 401

و لو قيل: إنّه يدور الأمر بين حمل «النجَس» على المعنى الحقيقي، و التصرّف و التأويل في «المشركين» أو العكس، و لا ترجيح.

يقال: إنّ الترجيح مع حمل «النجَس» على الجعلي الاعتباري؛ لمساعدة العرف. مع أنّ مصحّح الادعاء في المشركين غير محقّق؛ لما تقدّم.

هذا مضافاً إلىٰ ما أشرنا إليه «1» في هذا المختصر: بأنْ ليس للشارع اصطلاح خاصّ في النجاسة و القذارة مقابل العرف، بل وضع أحكاماً لبعض القذارات العرفية، و أخرج بعضها عنها، و ألحق أُموراً بها، فالبول و الغائط و

نحوهما قذرة عرفاً و شرعاً، و وضع الشارع لها أحكاماً، و أخرج مثل النخامة و القيح و نحوهما من القذارات العرفية عنها حكماً بلسان نفي الموضوع في بعضها، و ألحق مثل الكافر و الخمر و الكلب بها بجعلها نجَساً؛ أي اعتبر القذارة لها.

ففي الحقيقة أخرج مصاديق من المفاهيم تعبّداً، و أدخل مصاديق فيه كذلك؛ من غير تصرّف في المفهوم، فإن أُريد من الاصطلاح الشرعي ذلك فلا كلام، و إن أُريد أنّ مفهوم «القذارة» عند الشرع و العرف مختلفان، فهو ممنوع.

و لا إشكال في أنّ الأحكام الشرعية كانت مترتبة علىٰ قذارات كالأخبثين و غيرهما في عصر الشارع الأقدس، فقوله تعالىٰ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ «2» محمول على النجاسة بمفهومها، لكن لا بمعنى الإخبار عن الواقع، فإنّه غير محقّق، و مع فرض تحقّقه لا يكون الإخبار به وظيفة الشارع، بل بمعنى جعل ما ليس بمصداق مصداقاً تعبّداً، و هو الأقرب بعد قيام القرينة العقلية و العادية، كما عرفت الكلام فيها مستقصى «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 11.

(2) التوبة (9): 28.

(3) تقدّم في الصفحة 11 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 402

فتحصّل من ذلك: أنّ دلالة الآية الكريمة بالنسبة إلى المشركين تامّة.

و أمّا بالنسبة إلى الذمّي:

فقد يقال بانسلاكه فيهم «1»؛ لقوله تعالىٰ وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ .. إلىٰ قوله سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ «2».

و فيه: أنّ تلك الآية مسبوقة بأُخرى؛ و هي اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ.

و المراد باتخاذهم أرباباً ليس ما هو ظاهرها؛ لعدم قولهم بالوهيتهم، ففي «مجمع البيان» عن الثعلبي، عن عدي

بن حاتم في حديث قال: انتهيت إليه أي إلىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و هو يقرأ من سورة البراءة هذه الآية اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ .. حتّى فرغ منها، فقلت له: لسنا نعبدهم، فقال

أ ليس يحرّمون ما أحلّ اللّٰه فتحرّمونه، و يحلّون ما حرّم اللّٰه فتستحلّونه؟

قال قلت: بلىٰ، قال

فتلك عبادتهم «3».

و قريب منها في رواياتنا «4»، فعليه لا يكون الشرك بمعناه الحقيقي.

إلّا أن يقول النصارى: بأنّ المسيح اللّٰه، كما قال تعالىٰ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّٰاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلٰهَيْنِ «5».

و قال تعالىٰ في الآية المتقدّمة وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ و لم ينفه

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 166.

(2) التوبة (9): 30 31.

(3) مجمع البيان 5: 37.

(4) تفسير العيّاشي 2: 86 87، مجمع البيان 5: 37.

(5) المائدة (5): 116.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 403

عدي بن حاتم، بل الظاهر نفي عبادتهم للأحبار و الرهبان.

و قال تعالىٰ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اللّٰهَ ثٰالِثُ ثَلٰاثَةٍ «1».

قال في «المجمع»: «القائلون بهذه المقالة جمهور النصارى: من الملكانية، و اليعقوبية، و النسطورية؛ لأنّهم يقولون بثلاثة أقانيم» «2».

و في «مجمع البحرين»: «قيل: هو ردّ على النصارى لإثباتهم قدم الاقْنوم» «3» انتهىٰ.

و قال تعالىٰ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اللّٰهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَ قٰالَ الْمَسِيحُ يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ اعْبُدُوا اللّٰهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّٰهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّٰهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ «4».

حيث يظهر منها شركهم. و لعلّه لقولهم، بأنّ المسيح هو الربّ المتجسّد في الناسوت؛ حتّى أنّ صاحب «المنجد» المسيحي قال: «المسيح: لقب الربّ، يسوع ابن اللّٰه المتجسّد» و قال: «المسيحي: المنسوب إلى المسيح الربّ» «5».

تعالى اللّٰه عمّا يقول

الظالمون علوّاً كبيراً.

و في «مجمع البيان»: «هذا مذهب اليعقوبية منهم؛ لأنّهم قالوا: إنّ اللّٰه اتحد بالمسيح اتحاد الذات، فصار شيئاً واحداً، و صار الناسوت لاهوتاً، و ذلك قولهم: إنّه الإلٰه» «6».

______________________________

(1) المائدة (5): 73.

(2) مجمع البيان 3: 353.

(3) مجمع البحرين 2: 239.

(4) المائدة (5): 72.

(5) المنجد (الطبعة الثانية): 560.

(6) مجمع البيان 3: 352.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 404

و كيف كان: لا يمكن لنا إثبات الشرك لجميع طوائفهم، و لا إثباته لليهود مطلقاً.

و ليس في قول النصارى ثٰالِثُ ثَلٰاثَةٍ «1» إشعار بأنّ اليهود قائلون: إنّه ثاني اثنين، و مجرّد القول: بأنّ عزيزاً ابن اللّٰه لا يوجب الشرك و إن لزم منه الكفر. مع أنّ القائلين بذلك علىٰ ما قيل «2» طائفة منهم قد انقرضوا.

و أمّا المجوس:

فإن قالوا بإلهية النور و الظلمة، أو يزدان و أهْرمن، فهم مشركون داخلون في إطلاق الآية الكريمة. مع احتمال أن يكون المراد بالمشركين في الآية هو مشركو العرب؛ أي الوثنيون.

كما أنّ الطبيعيين من الكفّار و المنتحلين للإسلام، خارجون عن الشرك، فالآية الشريفة غير وافية لإثبات تمام المدعىٰ؛ أي نجاسة تمام صنوف الكفّار.

و استدلّ المحقّق لنجاستهم «3» بقوله تعالىٰ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ «4».

و هو مشكل مع اشتراكه بين العذاب و اللعنة و غيرهما؛ و إن حكي عن الشيخ في «التهذيب»: «أنّ الرِّجْسَ هو النجس بلا خلاف» «5».

و قال في «المجمع»: «ظاهره أنّه لا خلاف بين علمائنا في أنّه في الآية بمعنى النجس» «6» انتهىٰ.

______________________________

(1) المائدة (5): 73.

(2) مجمع البيان 5: 36.

(3) المعتبر 1: 96.

(4) الأنعام (6): 125.

(5) تهذيب الأحكام 1: 278، ذيل الحديث 816.

(6) مجمع البحرين 4: 74.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 3، ص: 405

و لعلّ دعواه ناشئة من عدم الخلاف في نجاستهم، و إلّا فلم يفسّره المفسّرون به، كما يظهر من المحقّق «1»، و لم يحتمله في «مجمع البيان» و لم ينقله من أحد «2»، مع أنّ بناءه علىٰ نقل الأقوال.

التمسّك بطوائف من الروايات لإثبات نجاسة أهل الكتاب و ما فيه

و استدلّ علىٰ نجاسة أهل الكتاب بروايات مستفيضة، و هي علىٰ طوائف:

منها: ما وردت في النهي عن مصافحتهم، و الأمر بغسل اليد إن صافحهم، كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام): في رجل صافح رجلًا مجوسياً، فقال

يغسل يده، و لا يتوضّأ «3».

و صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن مؤاكلة المجوسي في قَصْعة واحدة، و أرقد معه علىٰ فراش واحد، و أُصافحه، قال

لا «4».

و قريب منها صحيحته الأُخرىٰ «5».

فإنّ الأمر بالغسل محمول علىٰ ما إذا كان في اليد رطوبة سارية، فهو ظاهر في نجاستهم، كالأمر بغسل الثوب من ملاقاة الكلب «6».

______________________________

(1) المعتبر 1: 96.

(2) راجع مجمع البيان 4: 562.

(3) الكافي 2: 650/ 12، وسائل الشيعة 3: 419، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 3.

(4) الكافي 6: 264/ 7، وسائل الشيعة 3: 420، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 6.

(5) يأتي في الصفحة 407.

(6) راجع وسائل الشيعة 3: 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 12، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 406

و فيه: أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلىٰ صحيحة ابن مسلم لولا سائر الروايات، و أمّا مع ملاحظتها فالظاهر منها أنّ مصافحة الذمّي مرجوح نفساً؛ لأجل ترك المحابّة معهم، و الأمر بالغسل محمول على الاستحباب لإظهار التنفّر و الانزجار عنهم؛ سواء كانت اليد مرطوبة أو

لا.

و الدليل على المرجوحية مطلقاً مضافاً إلىٰ رواية الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه (عليهم السّلام) عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

أنّه نهىٰ عن مصافحة الذمّي «1»

صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة، و صحيحته الأُخرى الظاهرتان في أنّ المصافحة معهم مطلقاً مرجوح. و حمل النهي فيها على الغيري خلاف الظاهر، سيّما في مثل المقام ممّا يعلم مرجوحية إظهار الموادّة معهم بأيّ نحو كان.

و يؤيّده بل يدلّ عليه إرداف النهي عن المصافحة بالرقود مع المجوس علىٰ فراش واحد، و بالنهي عن إقعاد اليهودي و النصراني علىٰ فراشه و مسجده في صحيحته الأُخرىٰ.

و تدلّ علىٰ أنّ الغسل ليس للتطهير بل لإظهار التنفّر- مضافاً إلىٰ ما تقدّم رواية خالد القَلانسي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ألقى الذمّي فيصافحني، قال

امسحها بالتراب أو بالحائط.

قلت: فالناصب، قال

اغسلها «2».

فإنّ الظاهر منها أنّ الموضوع في الموردين واحد، فيكون المسح بالتراب أو الحائط لإظهار نفرة و انزجار منهم، و هو في الناصب أشدّ. و يمكن أن يكون

______________________________

(1) الفقيه 4: 4/ 1، وسائل الشيعة 12: 225، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 127، الحديث 7.

(2) الكافي 2: 650/ 11، وسائل الشيعة 3: 420، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 407

الغسل في الناصب للنجاسة، و المسح في الذمّي لإظهار النفرة، فالرواية دالّة علىٰ طهارتهم.

و موثّقة أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السّلام): في مصافحة المسلم اليهودي و النصراني قال

من وراء الثوب، فإن صافحك بيده فاغسل يدك «1».

و الظاهر منها أنّ غسل اليد ليس للنجاسة، و إلّا لكان يأمر بغسل الثوب أيضاً، بل لأجل التماسّ مع يدهما، و

هو نحو انزجار و نفور. و الحمل علىٰ عرق اليدين مشترك، و التفكيك كما ترى، فتلك الطائفة أجنبية عن الدلالة على النجاسة.

و منها: ما دلّت على النهي عن مؤاكلتهم في قَصْعة واحدة، كصحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة و صحيحته الأُخرىٰ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن فراش اليهودي و النصراني، ينام عليه؟ قال

لا بأس، و لا يصلّى في ثيابهما، و لا يأكل المسلم مع المجوسي في قَصْعة واحدة، و لا يقعده علىٰ فراشه، و لا مسجده، و لا يصافحه .. «2»

إلىٰ آخره.

و صحيحة هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أُخالط المجوس، فآكل من طعامهم؟ فقال

لا «3».

و الظاهر منها النهي عن المؤاكلة، فتدلّ علىٰ نجاستهم.

______________________________

(1) الكافي 2: 650/ 10، وسائل الشيعة 3: 420، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 263/ 766، وسائل الشيعة 3: 421، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 10.

(3) الكافي 6: 264/ 8، وسائل الشيعة 3: 420، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 408

و فيه: أنّه لا دلالة لها على النجاسة؛ لقوّة احتمال مرجوحية المؤاكلة معهم مطلقاً، لا للسراية، كما أنّه مقتضىٰ إطلاقها الشامل لليابس، سيّما مع اشتمالها على النهي عن الإقعاد على الفراش و المسجد و نحوهما.

و تشهد له حسنة الكاهلي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قوم مسلمين يأكلون، و حضرهم رجل مجوسي، أ يدعونه إلىٰ طعامهم؟ فقال

أمّا أنا فلا اواكل المجوس، و أكره أن أُحرّم عليكم شيئاً تصنعونه في بلادكم «1».

و المراد من التحريم المنع، و ظاهرها أنّ الحكم

علىٰ سبيل التنزّه لا الحرمة، كما هو ظاهر هذا التعبير في غير واحد من المقامات.

و صحيحةُ عِيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن مؤاكلة اليهودي و النصراني و المجوسي، فقال

إن كان من طعامك و توضّأ فلا بأس «2».

و صحيحتهُ الأُخرىٰ قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن مؤاكلة اليهودي و النصراني، فقال

لا بأس إذا كان من طعامك.

و سألت عن مؤاكلة المجوسي، فقال

إذا توضّأ فلا بأس «3».

و لعلّ المراد بالتوضّي الاستنجاء بالماء، أو غسل يده. و هما ظاهرتا الدلالة في عدم نجاستهم، و النهي عن مؤاكلتهم علىٰ سبيل الكراهة مطلقاً، أو في بعض الصور.

______________________________

(1) الكافي 6: 263/ 4، وسائل الشيعة 3: 419، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 2.

(2) الكافي 6: 263/ 3، وسائل الشيعة 24: 208، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 53، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 9: 88/ 373، وسائل الشيعة 24: 209، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 53، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 409

و منها: ما وردت في النهي عن آنيتهم، كصحيحة إسماعيل بن جابر قال: قال لي أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لا تأكل ذبائحهم، و لا تأكل في آنيتهم

يعني أهل الكتاب «1» و نحوها روايته الأُخرىٰ «2» و كذا رواية عبد اللّٰه بن طلحة «3».

و صحيحةِ محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن آنية أهل الذمّة و المجوس، فقال

لا تأكلوا في آنيتهم، و لا من طعامهم الذي يطبخون، و لا في آنيتهم الذي يشربون فيه الخمر «4».

بدعوىٰ: أنّ النهي عنه ظاهر في نجاستهم.

و فيها: أنّ هاهنا احتمالين آخرين

أقرب ممّا ذكر:

أحدهما: احتمال المرجوحية النفسية؛ لكون الأكل في آنيتهم أيضاً نحو عِشْرة معهم.

و الدليل عليه مضافاً إلىٰ أنّ إطلاقها يقتضي منع الأكل من مطلق أوانيهم؛ سواء كان المأكول يابساً أو لا، و الآنية يابسة أو لا رواية زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في آنية المجوس، فقال

إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء «5».

______________________________

(1) الكافي 6: 240/ 13، وسائل الشيعة 24: 55، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 27، الحديث 10.

(2) الكافي 6: 240/ 11، وسائل الشيعة 24: 54، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 27، الحديث 7.

(3) المحاسن: 584/ 72، وسائل الشيعة 24: 212، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 7.

(4) الكافي 6: 264/ 5، وسائل الشيعة 24: 210، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 3.

(5) المحاسن: 584/ 73، وسائل الشيعة 24: 212، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 410

فإنّ الظاهر منها أنّ المنع ليس لنجاستهم، و إلّا لما قيّده بالاضطرار.

نعم، ظاهر الأمر بالغسل نجاسة إنائهم، و إطلاقه يقتضي نجاستهم؛ و إن أمكن أن يقال: إنّ إطلاقه يقتضي لزوم غسل إنائهم و لو لم يستعملوه في المائعات، أو شكّ فيه، فيكون الغسل نحو نفور و انزجار عنهم، تأمّل.

ثانيهما: أنّ الأمر بالغسل لكونها مستعملة في أكل النجس و شربه، و تدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن آنية أهل الكتاب، فقال

لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير «1».

و صحيحةُ إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما

تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال

لا تأكله

ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال

لا تأكله

ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال

لا تأكله، و لا تتركه، تقول: إنّه حرام، و لكن تتركه تتنزّه

تنزّهاً

خ. ل

عنه؛ إنّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير «2».

و هما مفسّرتان لسائر الروايات، و ظاهرتان في طهارتهم، و شاهدتان للجمع بين جميع الروايات؛ لو فرضت دلالتها على النجاسة في نفسها.

و منها: ما وردت في سؤرهم، كصحيحة سعيد الأعرج بناءً علىٰ كونه ابن عبد الرحمن، كما هو الظاهر قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن سؤر اليهودي و النصراني، فقال

لا «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 88/ 371، وسائل الشيعة 24: 211، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 6.

(2) الكافي 6: 264/ 9، وسائل الشيعة 24: 210، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54، الحديث 4.

(3) الكافي 3: 11/ 5، وسائل الشيعة 1: 229، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 3، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 411

و مرسلة الوشّاء، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «أنّه كره سؤر ولد الزنا، و سؤر اليهودي و النصراني و المشرك، و كلّ من خالف الإسلام، و كان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب» «1».

بناءً علىٰ كون الكراهة الانزجار علىٰ نحو الالتزام.

و فيه: مضافاً إلىٰ معارضتهما بما هو كالصريح في الطهارة؛ أعني موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه علىٰ أنّه يهودي؟ فقال

نعم

فقلت: من ذلك الماء الذي يشرب منه؟! قال

نعم «2».

و الظاهر أنّ المراد بقوله: «علىٰ أنّه يهودي» أنّه

علىٰ فرض كون الرجل يهودياً. و الحمل على الظنّ بكونه يهودياً خلاف الظاهر.

و صحيحةَ إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا (عليه السّلام): الجارية النصرانية تخدمك، و أنت تعلم أنّها نصرانية؛ لا تتوضّأ، و لا تغتسل من جنابة، قال

لا بأس، تغسل يديها «3».

و مقتضى الجمع بينهما و بين ما تقدّم حمل النهي على الكراهة؛ لاحتمال النجاسة العرفية. بل الصحيحة الأخيرة شاهدة للجمع بين الروايات المتفرّقة كما هو واضح أنّه يمكن منع دلالتهما

______________________________

(1) الكافي 3: 11/ 6، وسائل الشيعة 1: 229، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 3، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 223/ 641، وسائل الشيعة 1: 229، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 3، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 1: 399/ 1245، وسائل الشيعة 3: 422، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 412

أمّا الثانية: فهي علىٰ خلاف المطلوب أدلّ، سيّما مع اقترانه بولد الزنا.

و أمّا الاولىٰ: فلأنّ استفادة نجاستهم منها، إنّما هي بمدد ارتكاز العقلاء علىٰ أنّ النهي عن سؤرهم لانفعال الماء منه، كما تستفاد النجاسة في سائر النجاسات من الأمر بالغسل، أو النهي عن الصلاة فيها، أو نحو ذلك، و هو في المقام ممنوع بعد الاحتمال العقلائي المعوّل عليه بأنّ الشرب من سؤرهم و فضلهم بما أنّهم أعداء اللّٰه كان منهياً عنه و منفوراً، سيّما مع ورود النهي عن مؤاكلتهم و مصافحتهم، و النوم معهم علىٰ فراش واحد، و إقعادهم على الفراش و المسجد «1»، فإنّها توجب قوّة احتمال أن تكون النواهي الواردة فيهم، نواهيَ نفسية لتجنّب المسلمين و نفورهم عنهم، لا لنجاستهم العرضية أو الذاتية، بل لمحض كونهم مخالفين للإسلام و أعداء

اللّٰه و رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

و يؤيّده قوله في المرسلة: «و كان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب».

و بالجملة: لو لم نقل بأنّ تلك النواهي ظاهرة في ذلك، فلا أقلّ من الاحتمال الراجح أو المساوي، فلا يستفاد منها نجاستهم بوجه.

و ممّا ذكرناه يظهر الكلام في روايات أُخر، كموثّقة عبد اللّٰه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال:

و إيّاك أن تغتسل من غُسالة الحمّام؛ ففيها يجتمع غُسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهلَ البيت، و هو شرّهم؛ فإنّ اللّٰه تبارك و تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب، و إنّ الناصب لنا أهلَ البيت لأنجس منه «2».

______________________________

(1) راجع ما تقدّم من الروايات في الصفحة 405.

(2) علل الشرائع: 292/ 1، وسائل الشيعة 1: 220، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 413

فإنّ استفادة نجاستهم منها لمقارنتهم بالناصب، مع تصريحه بأنّهم

أنجس من الكلب

و هي لم تصل إلىٰ حدّ الدلالة، فضلًا عن معارضة غيرها.

و لو سلّمت دلالتها فمقتضى الجمع بينها و بين ما هو كالصريح في طهارتهم، حملها على الكراهة، أو على ابتلائهم بالنجاسات.

مضافاً إلىٰ قيام شواهد علىٰ ذلك في روايات المنع عن الاغتسال بغسالة الحمّام، أو على الحمل على الكراهة، كالتعليل بأنّ فيها غسالة ولد الزنا، و هو لا يطهر إلىٰ سبعة آباء «1»؛ لمعلومية أنّ الطهارة فيها غير ما تقابل نجاسة ظاهر أبدانهم، كرواية محمّد بن عليّ بن جعفر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال

من اغتسل من الماء الذي قد اغتُسل فيه فأصابه الجُذام، فلا يلومنّ إلّا نفسه.

فقلت لأبي الحسن: إنّ أهل

المدينة يقولون: إنّ فيه شفاء من العين، فقال

كذبوا، يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرّهما و كلّ من خلق اللّٰه، ثمّ يكون فيه شفاء من العين؟! «2».

بناءً علىٰ أنّ المراد، الغسل من غسالة الحمّام.

و عنه (عليه السّلام) في حديث أنّه قال

لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا، و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت، و هو شرّهم «3».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 1: 219، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 4.

(2) الكافي 6: 503/ 38، وسائل الشيعة 1: 219، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 2.

(3) الكافي 6: 498/ 10، وسائل الشيعة 1: 219، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 414

و غيرها ممّا تشعر أو تدلّ على الكراهة. هذا إذا كان المراد من «الغسالة» غير ماء الحمّام، كما لا يبعد.

و أمّا لو كان المراد ذلك، فلا إشكال في كونها محمولة على الكراهة؛ للمستفيضة الدالّة علىٰ عدم انفعال ماء الحمّام، و أنّه

كماء النهر «1»

و

لا ينجّسه شي ء «2»

فعليها أيضاً تحمل صحيحة عليّ بن جعفر: أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام، قال

إذا علم أنّه نصراني اغتسل بغير ماء الحمّام، إلّا أن يغتسل وحده على الحوض، فيغسله ثمّ يغتسل.

و سأله عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء، أ يتوضّأ منه للصلاة؟ قال

لا، إلّا أن يضطرّ إليه «3».

فإنّ الظاهر منها الاغتسال بماء الحمّام، لا غسالته المجتمعة في البئر، فلا محيص عن الحمل على الكراهة؛ لعدم انفعاله. مع

أنّ الظاهر من ذيلها طهارتهم. و الحمل على الاضطرار للتقيّة، كما ترى.

و منها: ما وردت فيما يعملون من الثياب أو يستعيرونها «4» فإنّها و إن اشتملت علىٰ نفي البأس غالباً، لكن يظهر منها معهودية نجاستهم.

______________________________

(1) الكافي 3: 14/ 1، وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 7.

(2) قرب الإسناد: 309/ 1205، وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 8.

(3) تهذيب الأحكام 1: 223/ 640، وسائل الشيعة 3: 421، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 9.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 518 و 521، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 73 و 74.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 415

و فيه: أنّها أعمّ من الذاتية، كما تشعر أو تدلّ على العرضية نفس الروايات. مع أنّها لا تقاوم الأدلّة الصريحة أو كالصريحة بطهارتهم، كما مرّت «1».

فتحصّل من جميع ذلك: أنْ لا دليل علىٰ نجاسة أهل الكتاب و لا الملحدين ما عدا المشركين، بل مقتضى الأصل طهارتهم. بل قامت الأدلّة علىٰ طهارة الطائفة الاولىٰ. بل هي مقتضى الأخبار الكثيرة الدالّة علىٰ جواز تزويج الكتابية «2» و اتخاذها ظِئراً «3»، و تغسيل الكتابي للميّت المسلم بعض الأحيان «4» .. إلىٰ غير ذلك. و يؤيّدها مخالطة الأئمّة (عليهم السّلام) و خواصّهم للعامّة غير المتحرّزين عن معاشرتهم.

فالمسألة مع هذه الحال التي تراها لا ينبغي وقوع خطأ عمّن له قدم في الصناعة فيها، فضلًا عن أكابر أصحاب الفنّ و مهرة الصناعة، فكيف بجميع طبقاتهم؟! و من ذلك يعلم: أنّ المسألة معروفة بينهم من الأوّل، و أخذ كلّ طائفة من سابقتها .. و هكذا إلى عصر الأئمّة (عليهم السّلام) و التمسّك

بالأدلّة أحياناً ليس لابتناء الفتوىٰ عليها.

و لقد أجاد العلَم المحقّق صاحب «الجواهر» قدّس اللّٰه نفسه حيث قال: «فتطويل البحث في المقام تضييع للأيّام في غير ما أعدّ له الملك العلّام» «5» و تعريض بعض الأجلّة عليه «6» وقع في غير محلّه، و خروجٌ عن الحدّ في حقّ

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 411.

(2) راجع وسائل الشيعة 20: 536، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالكفر، الباب 2.

(3) راجع وسائل الشيعة 21: 464، كتاب النكاح، أبواب أحكام الأولاد، الباب 76.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 515، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 19.

(5) جواهر الكلام 6: 44.

(6) مصباح الفقيه، الطهارة: 562/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 416

من عجز البيان عن وصفه، و عقم الدهر عن الإتيان بمثله في التحقيق و التدقيق، و الكرّ و الفرّ، و الرتق و الفتق، و جودة الذهن، و ثقابة الفكر، و الإحاطة بأطراف المسائل و الآثار و الدلائل، شكر اللّٰه سعيه، و نضّر اللّٰه وجهه، و جزاه اللّٰه عنّا و عن الإسلام أفضل الجزاء.

عدم الفرق في نجاسة الكفّار بين ما تحلّه الحياة و غيره

ثمّ إنّه لا فرق في نجاسة الكفّار بين ما تحلّه الحياة و ما لا تحلّه، لا للآية الكريمة المتقدّمة «1» الظاهرة في نجاسة المشرك الذي هو الموجود الخارجي بجميع أجزائه، ك «الكلب» الذي هو اسم للموجود كذلك، و تتميمه بعدم القول بالفصل.

و لا لما دلّ علىٰ نجاسة الناصب بعنوانه الشامل لما ذكر «2»، و تتميمه بما ذكر؛ و إن كان لهما وجه.

بل لإطلاق معاقد الإجماعات و إطلاق فتاوى الأصحاب «3»؛ لعدم تعقّل طهارة ما لا تحلّه الحياة من الكفّار و عدم استثناء الفقهاء، مع شمول اللفظ للموجود بجميع أجزائه، و هل هذا إلّا الفتوىٰ

بغير ما أنزل اللّٰه تعالىٰ، و هل ترى أنّ استثناء ما لا تحلّ في الميتة وقع من باب الاتفاق، كعدم الاستثناء هاهنا؟! و لو كان اللفظ غير شامل له عندهم، و احتمل خطأ الكلّ في مثل هذا الأمر

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 399.

(2) تقدّمت في الصفحة 412 413.

(3) تقدّمت في الصفحة 391 392.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 417

الواضح، فلِمَ استثنوها في الميتة «1»، و تركوها هاهنا؟! بل ليس ذلك إلّا لعدم كونها مستثناةً عندهم.

نعم، مقتضىٰ كلام السيّد في «الناصريات» و استدلاله في خروج ما لا تحلّه الحياة في الكلب و الخنزير «2»، جريان بحثه هاهنا أيضاً، لكنّه ضعيف.

إلحاق ولد الكافر به في النجاسة

و يلحق بالكافر ما تولّد من الكافرين، كما عن «المبسوط» و «التذكرة» و «الإيضاح» و «كشف الالتباس» «3» و عن الأُستاذ: «أنّ الصبيّ الذي يبلغ مجنوناً نجس عند الأصحاب» «4» و هو مؤذن بالإجماع.

و عن «الكفاية»: «أنّه مشهور» «5» و قرّبه العلّامة «6»، قيل: «و هو مؤذن بالخلاف» «7» و هو غير معلوم. و في جهاد «الجواهر» دعوى الإجماع بقسميه علىٰ تبعية الولد لوالديه في النجاسة و الطهارة «8».

و عن جملة من الكتب دعوى الإجماع صريحاً علىٰ تبعية الولد المسبيّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 136.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 218/ السطر 24.

(3) المبسوط 3: 342، تذكرة الفقهاء 1: 68، إيضاح الفوائد 2: 141، كشف الالتباس: 210/ السطر 17 (مخطوط).

(4) مصابيح الظلام 1: 450/ السطر 7 (مخطوط).

(5) كفاية الأحكام: 12/ السطر 11.

(6) نهاية الإحكام 1: 274.

(7) مفتاح الكرامة 1: 144/ السطر 4.

(8) جواهر الكلام 21: 134 135.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 418

مع أبويه لهما في النجاسة «1». و

الدليل عليها مضافاً إلىٰ ذلك، و إلى احتمال صدق «اليهودي» و «النصراني» و «المجوسي» علىٰ أولادهم، كما جزم به النراقي حتّى في الناصب «2»؛ و إن لا يخلو من نظر، بل منع، سيّما في الأخير، و إلى صدق العناوين علىٰ أطفالهم المميّزين المظهرين لدين آبائهم، سيّما مع قربهم بأوان التكليف، مع عدم القول بالفصل جزماً السيرة القطعية علىٰ معاملة الطائفة الحقّة معهم معاملة آبائهم في الاحتراز عنهم، و إلحاقهم بآبائهم، و عدم التفريق بينهم.

و أمّا سائر الاستدلالات فغير تامّ، كالاستصحاب، و تنقيح المناط عند أهل الشرع، حيث إنّهم يتعدّون من نجاسة الأبوين ذاتاً إلىٰ أولادهما، و هو شي ء مركوز في أذهانهم «3»؛ إن لم يرجع إلىٰ ما تقدّم من السيرة القطعية.

و كقوله تعالىٰ وَ لٰا يَلِدُوا إِلّٰا فٰاجِراً كَفّٰاراً «4» «5».

و قولِه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

أبواه يهوّدانه «6»

بدعوىٰ أنّ المراد منه يجعلانه تبعاً لهما في التهوّد «7».

______________________________

(1) انظر مستمسك العروة الوثقى 1: 381 و 384، الخلاف 5: 533، مجمع الفائدة و البرهان 10: 414، جواهر الكلام 21: 138، و 38: 184.

(2) مستند الشيعة 1: 209.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 562/ السطر 36، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 381.

(4) نوح (71): 27.

(5) انظر إيضاح الفوائد 2: 141، جواهر الكلام 6: 45 46.

(6) عوالي اللآلي 1: 35/ 18، وسائل الشيعة 15: 125، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو و ما يناسبه، الباب 48، الحديث 3 (مع اختلاف)، صحيح مسلم 5: 212 214.

(7) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 351/ السطر الأوّل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 419

و صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان «1» و غيرها «2» ممّا وردت في أولاد الكفّار «3».

و رواية حفص

بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب، فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك، فقال

إسلامه إسلام لنفسه و لولده الصغار، و هم أحرار، و ولده و متاعه و رقيقه له، و أمّا الولد الكبار فهم في ء للمسلمين، إلّا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك .. «4»

إلىٰ آخره.

لما مرّ في نظائره: من أنّ الطفل في بطن امّه ليس من أجزائها «5».

و استصحاب الكلّي الجامع بين الذاتية و العرضية، قد عرفت ما فيه «6».

و تنقيح المناط إن لم يرجع إلى السيرة المتقدّمة ممنوع بعد عدم كفر الصغار و عدم نصبهم.

و لا يراد من عدم توليدهم إلّا فاجراً كفّاراً، هو كونهم كذلك لدى الولادة؛ ضرورة عدم كونه فاجراً، بل المراد أنّهم يصيرون كذلك بسوء تربيتهم و تلقيناتهم،

______________________________

(1) قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث، قال: كفّار .. إلىٰ آخره. الفقيه 3: 317/ 1544.

(2) كرواية وهب بن وهب عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السّلام) قال: قال عليّ (عليه السّلام): أولاد المشركين مع آبائهم في النار .. إلىٰ آخره.

الفقيه 3: 317/ 1543.

(3) الحدائق الناضرة 5: 198، جواهر الكلام 6: 44، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 381.

(4) تهذيب الأحكام 6: 151/ 262، وسائل الشيعة 15: 116، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ، الباب 43، الحديث 1.

(5) تقدّم في الصفحة 223.

(6) تقدّم في الصفحة 224.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 420

و هو المراد من تهويد الوالدين.

و الروايات المشار إليها مع مخالفتها لأُصول العدلية غير مربوطة بعالم التكليف. مضافاً إلىٰ معارضتها لجملة أُخرى من الروايات الدالّة على امتحانهم في الآخرة بتأجيج

النار، و أمرهم بالدخول فيها «1».

و رواية حفص مع الغضّ عن سندها لا تدلّ على المقصود؛ لأنّ قوله (عليه السّلام)

إسلامه إسلام ..

إلىٰ آخره، ليس علىٰ وجه الحقيقة، بل علىٰ نحو التنزيل، و لم يتضح التنزيل من جميع الجهات و إن لا يبعد. ثمّ لو سلّم ذلك لا تدلّ علىٰ عمومه للكفر أيضاً، كما لا يخفى.

و أمّا الاستدلال علىٰ طهارتهم بالأصل «2»، و قوله تعالىٰ فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا «3» المفسّر بفطرة التوحيد و المعرفة و الإسلام «4».

و قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

كلّ مولود يولد علىٰ فطرة الإسلام ثمّ أبواه يهوّدانه ..

«5». ففيه ما لا يخفى؛ لانقطاع الأصل بما تقدّم، و عدم كون المراد من فطرة التوحيد أو الإسلام هو كونهم موحّدين مسلمين، بل المراد ظاهراً أنّهم مولودون علىٰ وجهٍ لولا إضلال الأبوين و تلقيناتهما، لاهتدوا بنور فطرتهم إلىٰ تصديق الحقّ و رفض الباطل عند التنبّه علىٰ آثار التوحيد و أدلّة المذهب الحقّ، و هو المراد من النبوي المعروف.

______________________________

(1) راجع الكافي 3: 248/ 1 و 2 و 6 و 7.

(2) انظر غنائم الأيّام 1: 420، مستند الشيعة 1: 209.

(3) الروم (30): 30.

(4) الكافي 2: 12، باب فطرة الخلق على التوحيد.

(5) كما استدل به الشيخ الأعظم (قدّس سرّه). راجع الطهارة، الشيخ الأنصاري: 351/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 421

إلحاق الولد الكافر بأشرف أبويه

و لو أسلم أحد الأبوين الحق به ولده، لا لقوله (عليه السّلام)

الإسلام يعلو، و لا يعلىٰ عليه «1» «2»

لمنع دلالته علىٰ ذلك؛ لاحتمال أن يكون المراد منه غلبة حجّته علىٰ سائر الحجج. أو يكون المراد منه عدم علوّ غير المسلم على المسلم، نظير قوله وَ لَنْ يَجْعَلَ

اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا «3».

و لا لقوله تعالىٰ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمٰانٍ أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ .. «4» «5» لكونه أجنبياً عمّا نحن بصدده.

و لا للنبوي

كلّ مولود .. «6» «7»

؛ لما تقدّم «8».

و لا لكون عمدة دليل الحكم بالتبعية الإجماع و السيرة، فليقتصر على القدر المتيقّن منهما؛ و هو ثبوت الحكم مع تبعيته لهما، و مقتضى الأصل الطهارة «9»؛ لما يأتي من جريان استصحاب النجاسة فيه و في المسبي «10».

______________________________

(1) الفقيه 4: 243/ 778، وسائل الشيعة 26: 14، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 11.

(2) كما استدلّ به في جواهر الكلام 21: 136 و مصباح الفقيه، الطهارة: 563/ السطر 2.

(3) النساء (4): 141.

(4) الطور (52): 21.

(5) كما استدلّ به في الخلاف 3: 591.

(6) تقدّم تخريجه في الصفحة 418، الهامش 6.

(7) كما استدلّ به في الخلاف 3: 591.

(8) تقدّم في الصفحة 420.

(9) مصباح الفقيه، الطهارة: 563/ السطر 2.

(10) يأتي في الصفحة 422.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 422

بل لعدم نقل الخلاف في المسألة، و دعوى الشيخ الإجماع عليها في لقطة «الخلاف».

قال: «إذا أسلمت الامّ و هي حبلىٰ من مشرك، أو كان منه ولد غير بالغ، فإنّه يحكم للولد و الحمل بالإسلام و يتبعانها» ثمّ قال: «دليلنا: إجماع الفرقة» و في نسخة: «و أخبارهم» «1».

و في جهاد «الجواهر» «2» نفى وجدان الخلاف عنها، كما اعترف به بعضهم، و استدلّ برواية حفص بن غياث المتقدّمة «3»، و لا يبعد دعوى عموم التنزيل فيها تمسّكاً بإطلاقه.

حكم ولد الكافر المسبي

و أمّا المسبي، فإن انفرد عن أبويه ففي إلحاقه بالسابي المسلم في مطلق الأحكام، أو في الطهارة فقط، أو عدم الإلحاق

مطلقاً، وجوه أوجهها الأخير؛ لاستصحاب نجاسته المتيقّنة قبل السبي، و كذا غيرها من الأحكام.

و استشكل الشيخ الأعظم فيه:

«بأنّ الدليل علىٰ ثبوت النجاسة للطفل هو الإجماع، و لم يعلم ثبوتها لنفس الطفل أو الطفل المصاحب للأبوين، فلعلّ لوصف المصاحبة مدخلًا في الموضوع الذي يعتبر القطع ببقائه في جريان الاستصحاب» «4».

______________________________

(1) الخلاف 3: 591.

(2) جواهر الكلام 21: 135 136.

(3) تقدّمت في الصفحة 419.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 350/ السطر 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 423

و إليه يرجع ما في كلام بعض أهل التحقيق في الإشكال على استصحاب نجاسة من أسلم أحد أبويه: «بتبدّل الموضوع و عدم بقائه عرفاً؛ لأنّ وصف التبعية من مقوّمات الموضوع عرفاً في مثل هذه الأحكام الثابتة له بالتبع».

و أضاف إليه: «أنّ الاستصحاب فيه من قبيل الشكّ في المقتضي» «1».

و الجواب عنه ما مرّ مراراً «2»: من أنّ المعتبر في جريان الاستصحاب وحدة القضية المتيقّنة و المشكوك فيها؛ من غير مدخلية لبقاء موضوع الدليل الاجتهادي و عدمه، بل و مع القطع بعدم بقاء ما أُخذ في موضوعه، فلو علمنا بأنّ المأخوذ في الدليل الاجتهادي هو الطفل المصاحب لأبويه، لكن كان الدليل قاصراً عن نفي الحكم عمّا بعد المصاحبة، و شككنا في بقاء الحكم؛ لاحتمال أن يكون وصف المصاحبة واسطة في الإثبات و دخيلًا في ثبوت الحكم، لا في بقائه، فلا إشكال في جريانه؛ لأنّا علىٰ يقين من أنّ الطفل الموجود في الخارج، كان نجساً ببركة الكبرى الكلّية المنضمّة إلى الصغرى الوجدانية، فيشار إلى الطفل الموجود و يقال:

«هذا كان مصاحباً لأبويه الكافرين، و كلّ طفل كان كذلك كان نجساً و لو لأجل مصاحبته، فهذا كان نجساً» و هو القضيّة المتيقّنة المتحدة

مع القضيّة المشكوك فيها.

و لو قيل: إنّ القضيّة المتيقّنة ببركة الدليل الاجتهادي، لا بدّ و أن تكون

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 563/ السطر 9.

(2) تقدّم في الصفحة 118 و 185.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 424

علىٰ طبقه، و هو لم يثبت الحكم علىٰ نفس الذات، بل على الذات الموصوفة، و هي غير باقية.

يقال له: إنّ الذات الموصوفة متّحدة الوجود في الخارج مع الذات، و لا يعقل حصول القطع بنجاسة الذات الموصوفة الخارجية، و عدم حصول القطع بنجاسة الذات.

و التفكيك بين العناوين الكلّية، لا يستلزم التفكيك في الموجود الخارجي عرفاً. فإذا كان زيد عالماً في الخارج، يحصل القطع بأنّ ابن عمرو و ابن أخ خالد عالم؛ لمكان الاتحاد و لو كانت العناوين مختلفة.

و بالجملة: إنكار العلم بأنّ الطفل الموجود المسمّى بفلان نجس مكابرة، فالقضية المتيقّنة موضوعها الطفل المسمّى بكذا، و هو باقٍ بعينه عقلًا و عرفاً.

مع أنّ ما ذكر مستلزم للبناء علىٰ طهارة من انقطعت عنه هذه المصاحبة و لو بغير السبي، كما لو فرّ الطفل من حجر أبويه، أو مات الأبوان، أو أخذه الوالي و سلّمه إلىٰ دار الرضاعة من غير البناء علىٰ إعادته إليهما .. إلىٰ غير ذلك ممّا لا يمكن الالتزام به.

و دعوىٰ دخالة السبي في الحكم بالطهارة مع خلوّها عن الدليل خروج عن محطّ البحث، و فرار عن المبنىٰ.

و الاستدلال «1» للتبعية ببعض ما تقدّم من النبوي و غيره، كما ترى.

فالأقوىٰ عدم تبعيته مطلقاً إذا سبي منفرداً، فضلًا عمّن سبي مع أبويه أو أحدهما.

______________________________

(1) انظر مجمع الفائدة و البرهان 7: 465، جواهر الكلام 21: 136.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 425

حكم اللقيط

و أمّا اللقيط،

فمقتضى الأصل طهارته، و عدم جريان الأحكام المخالفة للقواعد عليه.

نعم، لا يبعد جريان حكم المسلم عليه إذا غلب على البلد المسلمون؛ بحيث يكون غيرهم نادراً، و حكم الكافر إذا غلبت الكفّار كذلك؛ لعدم اعتناء العقلاء في أمثال ذلك على الاحتمال، كما في الشبهة غير المحصورة و نحوها.

إلّا أن يقال: مجرّد الغلبة لا يكون حجّة ما لم يحصل العلم العادي و الاطمئنان، إلّا إذا كان بناء العقلاء على العمل، و أحرزنا إمضاء الشارع، و هو مشكل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 426

تنبيه في تحصيل مفهوم الكفر

و الظاهر مقابلته مع الإسلام تقابل العدم و الملكة، و الكافر و غير المسلم متساوقان، فمن لم يعتقد بالالوهية و لو لم يعتقد بخلافها، و لم ينقدح في ذهنه شي ء من المعارف و مقابلاتها يكون كافراً.

و ما ذكرناه هو المرتكز عند المتشرّعة، و المستفاد من الأدلّة، فما في بعض الروايات ممّا يوهم خلاف ذلك، لا بدّ من توجيهه، كقوله (عليه السّلام) في رواية عبد الرحيم القصير

و لا يخرجه إلى الكفر إلّا الجحود و الاستحلال «1».

و في صحيحةِ زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا لم يكفروا «2».

و روايةِ محمّد بن مسلم قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) جالساً عن يساره، و زرارة عن يمينه، إذ دخل أبو بصير فقال: يا أبا عبد اللّٰه، ما تقول فيمن شكّ في اللّٰه تعالىٰ؟ قال

كافر، يا أبا محمّد.

قال: فشكّ في رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟ فقال

كافر.

ثمّ التفت إلىٰ زرارة فقال

إنّما يكفر إذا جحد «3».

______________________________

(1) الكافي 2: 27/ 1، وسائل الشيعة 28: 354، كتاب الحدود

و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 50.

(2) الكافي 2: 388/ 19، وسائل الشيعة 27: 158، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 12، الحديث 11.

(3) الكافي 2: 399/ 3، وسائل الشيعة 28: 356، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 56.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 427

و لعلّ المراد أنّه لا يحكم بكفره إلّا مع الجحود.

و من المحتمل أن يكون

يُكفَّر

من التفعيل مبنيّاً للمفعول، بل هو مقتضى الجمع بين صدرها و ذيلها، و مقتضى الجمع بينها و بين غيرها ممّا حكم فيه بكفر الشاكّ، كصحيحة منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): من شكّ في رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

كافر.

قال قلت: فمن شكّ في كفر الشاكّ فهو كافر؟ فأمسك عنّي، فرددت عليه ثلاث مرّات، فاستبنت في وجهه الغضب «1».

و عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في خطبة

لا ترتابوا فتشكّوا، و لا تشكّوا فتكفروا «2».

و في صحيحة ابن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من شكّ في اللّٰه تعالىٰ و في رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو كافر «3».

و بالجملة: لا إشكال بحسب ارتكاز المتشرّعة في مقابلة الكفر و الإسلام؛ و أنّ الكافر من لم يكن مسلماً و من شأنه ذلك، فلا بدّ في تحصيل معنى الكفر من تحصيل مفهوم الإسلام حتّى يتضح هو بمقابلته.

فنقول: إنّ المسلم بحسب ارتكاز المتشرّعة هو المعتقد باللّٰه تعالىٰ، و وحدانيته، و رسالة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، أو الشهادة بالثلاثة، على احتمالين يأتي

______________________________

(1) الكافي 2: 387/ 11، وسائل الشيعة 28: 355، كتاب الحدود

و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 53.

(2) الكافي 2: 399/ 2.

(3) الكافي 2: 386/ 10، وسائل الشيعة 28: 355، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 52.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 428

الكلام فيهما «1». و هذه الثلاثة ممّا لا شبهة و لا خلاف في اعتبارها في معنى الإسلام.

و يحتمل أن يكون الاعتقاد بالمعاد إجمالًا أيضاً مأخوذاً فيه لدى المتشرّعة، علىٰ تأمّل يأتي وجهه «2».

في حكم المخالفين
اشارة

و أمّا الاعتقاد بالولاية فلا شبهة في عدم اعتباره فيه، و ينبغي أن يعدّ ذلك من الواضحات لدى كافّة الطائفة الحقّة؛ إن أُريد بالكفر المقابل له ما يطلق علىٰ مثل أهل الذمّة: من نجاستهم و حرمة ذبيحتهم و مساورتهم و تزويجهم، ضرورة استمرار السيرة من صدر الإسلام إلىٰ زماننا علىٰ عشرتهم و مؤاكلتهم و مساورتهم و أكل ذبائحهم و الصلاة في جلودها، و ترتيب آثار سوق المسلمين علىٰ أسواقهم؛ من غير أن يكون ذلك لأجل التقيّة.

و ذلك واضح لا يحتاج إلىٰ مزيد تجشّم، لكن اغترّ بعض «3» من اختلّت طريقته ببعض ظواهر الأخبار و كلمات الأصحاب من غير غور في مغزاها، فحكم بنجاستهم و كفرهم، و أطال في التشنيع على المحقّق القائل بطهارتهم «4» بما لا ينبغي له و له، غافلًا عن أنّه حفظ أشياء هو غافل عنها.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 443 و ما بعدها.

(2) يأتي في الصفحة 445.

(3) و هو صاحب الحدائق.

(4) المعتبر 1: 97.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 429

تمسّك صاحب «الحدائق» بالأخبار لإثبات نجاسة المخالفين و ردّه

فقد تمسّك لنجاستهم بأُمور «1»؛ منها روايات مستفيضة دلّت علىٰ كفرهم، كموثّقة الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

إنّ اللّٰه تعالىٰ نصب عليّاً علماً بينه و بين خلقه، فمن عرفه كان مؤمناً، و من أنكره كان كافراً، و من جهله كان ضالّاً، و من نصب معه شيئاً كان مشركاً، و من جاء بولايته دخل الجنّة، و من جاء بعداوته دخل النار «2».

و روايةِ أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

إنّ عليّاً باب فتحه اللّٰه تعالىٰ، من دخله كان مؤمناً، و من خرج منه كان كافراً «3»

و نحوهما أخبار كثيرة «4».

و فيه: أنّ كفرهم

علىٰ فرض تسليمه لا يفيد ما لم يضمّ إليه كبرىٰ كلّية هي: «كلّ كافر نجس» و لا دليل عليها سوىٰ توهّم إطلاق معاقد إجماعات نجاسة الكفّار «5»، و هو وهم ظاهر؛ ضرورة أنّ المراد من «الكفّار» فيها مقابل المسلمين الأعمّ من العامّة و الخاصّة، و لهذا ترى إلحاقهم

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 177 179.

(2) الكافي 2: 388/ 20، وسائل الشيعة 28: 353، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 48.

(3) الكافي 2: 388/ 16، وسائل الشيعة 28: 354، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 49.

(4) راجع الكافي 2: 388/ 17 و 18 و 21.

(5) تقدّمت الإجماعات في الصفحة 391.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 430

بعض المنتحلين للإسلام- كالخوارج و الغلاة بالكفّار «1»، فلو كان مطلق المخالف نجساً عندهم فلا معنىٰ لذلك.

بل يمكن دعوى الإجماع أو الضرورة علىٰ عدم نجاستهم. و تخيّل أنّ المحقّق أوّل من قال بطهارتهم «2» باطل؛ لقلّة مصرّح بنجاستهم قبله أيضاً.

نعم، قد صرّح جمع بكفرهم، منهم المحقّق في أوصاف المستحقّين من كتاب الزكاة، قال: «و كذا لا يعطى غير الإمامي و إن اتّصف بالإسلام، و نعني بهم كلّ مخالف في اعتقادهم الحقّ، كالخوارج و المجسّمة، و غيرهم من الفرق الذين يخرجهم اعتقادهم عن الإيمان ..».

إلىٰ أن قال: «إنّ الإيمان هو تصديق النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في كلّ ما جاء به، و الكفر جحود ذلك، فمن ليس بمؤمن فهو كافر» «3» انتهىٰ.

و مع ذلك قد صرّح بطهارتهم في كتاب الطهارة «4»، فالقول بكفرهم و طهارتهم غير متناقضين؛ لعدم الدليل علىٰ نجاسة مطلق الكفّار.

و العلّامة أيضاً مع ظهور كلامه

في محكي شرحه لكتاب «فصّ الياقوت» تصنيف الشيخ ابن نوبَخْت في كفرهم بالمعنى المعروف «5»، علىٰ تأمّل لم يحكم بنجاستهم في طهارة «القواعد» و «التذكرة» و «المنتهىٰ» «6» بل صرّح في

______________________________

(1) راجع شرائع الإسلام 1: 45، تذكرة الفقهاء 1: 68، جامع المقاصد 1: 164.

(2) الحدائق الناضرة 5: 178.

(3) المعتبر 2: 579.

(4) المعتبر 1: 97.

(5) انظر الحدائق الناضرة 5: 175، أنوار الملكوت في شرح الياقوت: 204 205، المسألة الثانية عشر في حكم المخالفين (مخطوط).

(6) قواعد الأحكام 1: 7/ السطر 17، تذكرة الفقهاء 1: 68، منتهى المطلب 1: 25/ السطر 21، و: 168/ السطر 27 و 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 431

«التذكرة» بطهارة من عدا النواصب منهم «1»، فيظهر منه أنّ كفرهم لا يلازم نجاستهم.

و من ذلك يعلم عدم استفادة النجاسة من مثل قول ابن نوبَخْت: «دافِعو النصّ كفرة عند جمهور أصحابنا، و من أصحابنا من يفسّقهم» «2».

و لا من قول ابن إدريس المحكي عن «السرائر» بعد اختيار عدم جواز الصلاة على المخالف تبعاً للمفيد «3» «و هو أظهر، و يعضده القرآن، و هو قوله تعالىٰ وَ لٰا تُصَلِّ عَلىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً «4» يعني الكفّار، و المخالف لأهل الحقّ كافر بلا خلاف بيننا» «5» انتهىٰ.

و لعلّ السيّد المرتضىٰ أيضاً حكم بكفرهم دون نجاستهم «6»؛ و إن كان ما نقل عنه خلاف ذلك «7». و هكذا حال سائر العبارات الموجبة لاغترار الغافل.

و بالجملة: لو التزمنا بكفرهم لا يوجب ذلك الالتزام بنجاستهم؛ بعد عدم الدليل عليها و لا علىٰ نجاسة مطلق الكفّار الشامل لهم.

بل مع قيام الأدلّة علىٰ طهارتهم من النصوص المتفرّقة في أبواب الصيد و الذباحة «8»

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1:

68.

(2) أنوار الملكوت في شرح الياقوت: 204، المسألة الثانية عشر في حكم المخالفين (مخطوط).

(3) المقنعة: 85.

(4) التوبة (9): 84.

(5) السرائر 1: 356.

(6) الانتصار: 82.

(7) الحدائق الناضرة 5: 176.

(8) وسائل الشيعة 24: 44، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 23، الحديث 6 و 7 و 11، و الباب 26، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 432

و سوق المسلم «1» و غيرها «2».

و توهّم أنّ المراد من «المسلم» في النصوص و الفتاوىٰ في تلك الأبواب خصوص الشيعة الاثني عشرية «3»، من أفحش التوهّمات.

هذا كلّه لو سلّم أنّهم كفّار، مع أنّه غير مسلّم؛ لتطابق النصوص و الفتاوىٰ في الأبواب المتفرّقة على إطلاق «المسلم» عليهم، فلا يراد ب «ذبيحة المسلمين» و لا «سوقهم» و «بلادهم» إلّا ما هو الأعمّ من الخاصّة و العامّة؛ لو لم نقل باختصاصها بهم؛ لعدم السوق في تلك الأعصار للشيعة، كما هو ظاهر.

كما أنّ المراد من «إجماع المسلمين» في كتب أصحابنا، هو الأعمّ من الطائفتين.

هذا مع ما تقدّم من ارتكاز المتشرّعة خلفاً بعد سلف علىٰ إسلامهم «4».

و أمّا الأخبار المتقدّمة «5» و نظائرها، فمحمولة علىٰ بعض مراتب الكفر؛ فإنّ «الإسلام» و «الإيمان» و «الشرك» أُطلقت في الكتاب و السنّة بمعانٍ مختلفة، و لها مراتب متفاوتة، و مدارج متكثّرة، كما صرّحت بها النصوص، و يظهر من التدبّر في الآيات، ففي آية قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 24: 70، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 29.

(2) وسائل الشيعة 3: 490، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50.

(3) الحدائق الناضرة 5: 181.

(4) تقدّم في الصفحة 428.

(5) تقدّمت في

الصفحة 429.

(6) الحجرات (49): 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 433

و في آية فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً «1».

و في آية إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّٰهِ الْإِسْلٰامُ «2».

و في آية فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا «3».

و في آية فَمَنْ يُرِدِ اللّٰهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلٰامِ «4».

و في رواية

الإسلام ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها.

و في اخرىٰ

و الإسلام: شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، و التصديق برسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

و في ثالثة

إنّ اللّٰه خلق الإسلام فجعل له عرصة، و جعل له نوراً، و جعل له حصناً، و جعل له ناصراً ..

إلىٰ آخره.

و في رابعة

الإسلام عريان، فلباسه الحياء، و زينته الوفاء، و مروّته العمل الصالح، و عماده الورع، و لكلّ شي ء أساس، و أساس الإسلام حبّنا أهلَ البيت.

و في خامسة: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي، و لا ينسبه أحد بعدي إلّا بمثل ذلك: إنّ الإسلام هو التسليم، و التسليم هو اليقين، و اليقين هو التصديق، و التصديق هو الإقرار، و الإقرار هو العمل، و العمل هو الأداء .. «5»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) الجنّ (72): 14.

(2) آل عمران (3): 19.

(3) نفس المصدر: 20.

(4) الأنعام (6): 125.

(5) الكافي 2: 26/ 5 و 2: 25/ 1 و 2: 46/ 3 و 2: 46/ 2 و 2: 45/ 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 434

و كذا للإيمان مراتب، لو حاولنا ذكرها خرجنا عمّا هو مقصدنا الآن، و بإزاء كلّ مرتبة من مراتب الإسلام و الإيمان مرتبة من مراتب الكفر و الشرك، فراجع

أبواب أُصول «الكافي» و غيره، كباب وجوه الكفر، و باب وجوه الشرك، و باب أدنى الكفر و الشرك، ترى أنّهما أُطلقا علىٰ غير الإمامي «1» و على الكافر بالنعمة «2» و علىٰ تارك ما أمر اللّٰه به «3» و علىٰ تارك الصلاة و علىٰ تاركها مع الجحد «4» و علىٰ تارك عمل أقرّ به «5» و علىٰ من عصىٰ عليّاً (عليه السّلام) «6» و على الزاني و شارب الخمر «7» و من ابتدع رأياً، فيحبّ عليه و يبغض «8» و من سمع عن ناطق يروي عن الشيطان «9» و علىٰ من قال للنواة: إنّها حصاة، و للحصاة: إنّها نواة، ثمّ دان به «10».

و قد استفاضت الروايات في إطلاق

المشرك

على المرائي «11» بل يستفاد

______________________________

(1) الكافي 2: 401/ 1.

(2) الكافي 2: 389/ 1.

(3) نفس المصدر.

(4) وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11.

(5) الكافي 2: 384/ 5.

(6) الكافي 1: 437/ 7.

(7) الكافي 5: 123/ 4 و 6: 405/ 9.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 434

(8) الكافي 2: 397/ 2.

(9) انظر الكافي 6: 434/ 24.

(10) الكافي 2: 397/ 1.

(11) الكافي 2: 293/ 3 و 4 و 9، وسائل الشيعة 1: 68، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11، الحديث 13، و الباب 12، الحديث 2 و 4 و 6 و 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 435

من بعض الروايات أنّ من لقي اللّٰه و في قلبه غيره تعالىٰ فهو مشرك «1» ..

إلىٰ غير ذلك.

فهل لصاحب «الحدائق» و أمثاله أن يقولوا: إنّ كلّ من أُطلق في الروايات عليه

المشرك

أو

الكافر

فهو نجس، و ملحق بالكفّار و أهل الكتاب، فهلّا تنبّه إلىٰ أنّ الروايات التي تشبّث بها، لم يرد في واحدة منها أنّ من عرف عليّاً (عليه السّلام) فهو مسلم، و من جهله فهو كافر، بل قوبل في جميعها بين المؤمن و الكافر، و الكافر المقابل للمسلم غير المقابل للمؤمن؟! و الإنصاف: أنّ سِنخ هذه الروايات الواردة في المعارف، غير سنخ ما وردت في الفقه، و الخلط بين المقامين أوقعه فيما أوقعه، و لهذا فإنّ صاحب «الوسائل» لم يورد تلك الروايات في أبواب النجاسات في جامعه؛ لأنّها أجنبية عن إفادة الحكم الفقهي.

ثمّ مع الغضّ عن كلّ ذلك، فقد وردت روايات أُخر حاكمة عليها لا يشكّ معها ناظر في أنّ إطلاق «الكافر» عليهم ليس علىٰ ما هو موضوع للنجاسة و سائر الآثار الظاهرة، كموثّقة سَماعة قال قلت: لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أخبرني عن الإسلام و الإيمان، إنّهما مختلفان؟ فقال

إنّ الإيمان يشارك الإسلام، و الإسلام لا يشارك الإيمان.

فقلت: فصفهما لي، فقال

الإسلام: شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، و التصديق برسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث، و علىٰ ظاهره جماعة الناس .. «2»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) الكافي 2: 295/ 9 و 10.

(2) الكافي 2: 25/ 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 436

و حسنةِ حُمران بن أعين أو صحيحته «1»، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

الإيمان: ما استقرّ في القلب، و أفضى به إلى اللّٰه، و صدّقه العمل بالطاعة للّٰه، و التسليم لأمر

اللّٰه، و الإسلام: ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها، و به حقنت الدماء، و عليه جرت المواريث، و جاز النكاح ..

إلىٰ أن قال: فهل للمؤمن فضل على المسلم في شي ء من الفضائل و الأحكام و الحدود و غير ذلك؟ فقال

لا، هما يجريان في ذلك مجرى واحد، و لكن للمؤمن فضل على المسلم .. «2»

إلىٰ آخره.

و بعض فقرأت هذا الحديث لا يخلو من تشويش، فراجع.

و روايةِ سفيان بن السمْط قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الإسلام و الإيمان، ما الفرق بينهما؟ فلم يجبه، ثمّ سأله فلم يجبه، ثمّ التقيا في الطريق و قد أزف من الرجل الرحيل، فقال له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

كأنّه قد أزف منك رحيل؟

فقال: نعم، قال

فالقني في البيت

فلقيه، فسأل عن الإسلام و الإيمان، ما الفرق بينهما؟ فقال

الإسلام: هو الظاهر الذي عليه الناس؛ شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، و أنّ محمّداً رسول اللّٰه، و إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة، و حجّ البيت، و صيام شهر رمضان، فهذا الإسلام.

و قال

الإيمان: معرفة هذا الأمر مع هذا، فإن أقرّ بها و لم يعرف هذا الأمر كان مسلماً، و كان ضالّاً «3».

______________________________

(1) رواها الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن حمران بن أعين. و الترديد لأجل وقوع حُمران بن أعين في السند.

منتهى المقال 3: 126، تنقيح المقال 1: 370/ السطر 16.

(2) الكافي 2: 26/ 5.

(3) الكافي 2: 24/ 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 437

و روايةِ قاسم

الصيرفي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

الإسلام يحقن به الدم، و تؤدّىٰ به الأمانة، و تستحلّ به الفروج، و الثواب على الإيمان «1».

و قريب منها روايات أُخر يظهر منها بنحو حكومة أنّ الناس مسلمون، و أنّ الإسلام عبارة عن الشهادتين، و بهما حقنت الدماء، و جرت الأحكام؛ و إن كان الثواب على الإيمان و الفضل له «2».

هذا مع ما مرّ «3» من أنّ الكفر يقابل الإسلام تقابل العدم و الملكة؛ حسب ارتكاز المتشرّعة، و أنّ ما أُخذ في ماهية الإسلام ليس إلّا الشهادة بالوحدانية، و الرسالة، و الاعتقاد بالمعاد، بلا إشكال في الأوّلين، و على احتمال اعتبار الأخير أيضاً و لو بنحو الإجمال، و لا يعتبر فيها سوىٰ ذلك؛ سواء فيه الاعتقاد بالولاية و غيرها، فالإمامة من أُصول المذهب، لا الدين.

فالعامّة العمياء من المسلمين؛ بشهادة جميع الملل مسلمة و غيرها، و إنكاره إنكار لأمر واضح عند جميع طبقات الناس.

فما وردت في أنّهم كفّار لإيراد به الحقيقة بلا إشكال، و لا التنزيل في الأحكام الظاهرة؛ لأنّه مع مخالفته للأخبار المستفيضة، بل المتواترة التي مرّت جملة منها واضح البطلان؛ ضرورة معاشرة أهل الحقّ معهم أنواع العشرة من لدن عصر الأئمّة (عليهم السّلام) إلى الحال من غير نكير، و من غير شائبة تقيّة.

فلا بدّ من حملها إمّا على التنزيل في الأحكام الباطنة، كالثواب في الآخرة، كما صرّحت به رواية الصيرفي، أو علىٰ بعض المراتب التي هي غير مربوطة بالأحكام الظاهرة.

______________________________

(1) الكافي 2: 24/ 1.

(2) الكافي 2: 24 27.

(3) تقدّم في الصفحة 426 427.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 438

و أمّا الحمل علىٰ أنّهم كفّار حقيقة، لكن يجري عليهم أحكام الإسلام ظاهراً

و لو من باب المصالح العالية؛ و عدم التفرقة بين جماعات المسلمين «1» فغير وجيه بعد ما تقدّم من أنّه لا يعتبر في الإسلام إلّا ما مرّ ذكره «2».

تمسّك صاحب «الحدائق» بدعوىٰ كونهم نصّاباً و ردّها

و ممّا ذكرناه يتضح الجواب عن دعوى صاحب «الحدائق» بأنّهم نصّاب، و كلّ ناصب نجس «3»:

أمّا الصغرىٰ، فلروايات:

منها: رواية عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ليس الناصب من نصب لنا أهلَ البيت؛ لأنّك لا تجد رجلًا يقول: أنا أبغض محمّداً و آل محمّد، و لكنّ الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنّكم تتولّونا، و أنّكم من شيعتنا «4»

و نحوها عن المعلّى بن خُنيس «5».

و منها: مكاتبة محمّد بن عليّ بن عيسىٰ المنقولة عن «السرائر» قال: كتبت إليه يعني عليّ بن محمّد (عليهما السّلام) أسأله عن الناصب: هل أحتاج في

______________________________

(1) انظر الحدائق الناضرة 5: 184، مصباح الفقيه، الطهارة: 564/ السطر 9.

(2) تقدّم في الصفحة 427 428.

(3) الحدائق الناضرة 5: 185 188.

(4) ثواب الأعمال: 247/ 4، وسائل الشيعة 9: 486، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 3.

(5) صفات الشيعة: 9/ 17، وسائل الشيعة 9: 486، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، ذيل الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 439

امتحانه إلىٰ أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت، و اعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب

من كان علىٰ هذا فهو ناصب «1».

و أمّا الكبرى، فللإجماع و الأخبار علىٰ نجاسة الناصب «2».

و الجواب: بمنع المقدّمة الأُولىٰ؛ لضعف مستندها:

أمّا الرواية الأُولىٰ: فمضافاً إلىٰ ضعف سندها «3» بجميع طرقها، في متنها وهن:

أمّا أوّلًا: فلورود روايات تدلّ علىٰ وجود الناصب لهم أهل البيت (عليهم السّلام) «4» و

حملها على الناصب لشيعتهم بعيد جدّاً. مع أنّ الواقع علىٰ خلاف ذلك، فكم لهم ناصب و عدوّ في عصرهم! و أمّا ثانياً: فلأنّ الظاهر منها أنّ كلّ من نصب لمن يعلم أنّه يتولّاهم و شيعتهم فهو ناصب، و لا يمكن الالتزام به.

إلّا أن يقال: إنّ من نصب لجميع الشيعة التي تتولّى الأئمّة (عليهم السّلام) مع علمه بذلك فهو ناصب؛ أي ناصب للشيعة و للموالي بما هم كذلك، لكنّه ملازم لعداوتهم، سيّما مع ضمّ تولّيهم؛ فإنّ البغض لمن يتولّاهم بما هو كذلك يرجع إلى

______________________________

(1) السرائر 3: 583، وسائل الشيعة 9: 490، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 14.

(2) راجع الحدائق الناضرة 5: 187 188.

(3) و الرواية ضعيفة بجميع طرقها بإبراهيم بن إسحاق فإنّه كان ضعيفاً في حديثه و متهماً في دينه.

الفهرست: 7/ 9، رجال النجاشي: 19/ 21، تنقيح المقال 1: 13/ السطر 21.

(4) وسائل الشيعة 1: 218، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف و المستعمل، الباب 11، الحديث 1 و 3 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 440

البغض لهم، و لعلّ المراد أنّ الناصب لم يصرّح بعداوتنا، و لو نصب لكم بما أنتم من موالينا يكون ذلك دليلًا علىٰ نصبه.

و أمّا الرواية الثانية: فمع ضعفها سنداً «1»، أيضاً مخالفة للواقع إن كان المراد أنّ كلّ من قدّمهما فهو ناصب لهم حقيقة، كيف؟! و كثير منهم لا يكونون ناصبين لهم و إن قدّموا الجبت و الطاغوت، فيحتمل التنزيل بحسب الآثار في يوم القيامة، و أمّا بحسب الآثار ظاهراً فلا؛ لما تقدّم «2».

و بمنع المقدّمة الثانية:

أمّا دعوى الإجماع على الكلّي بحيث يشمل محلّ البحث، فواضحة الفساد، بل يمكن دعوى

الإجماع علىٰ خلافها، بل الإجماع العملي من جميع الطبقات علىٰ خلافها.

و أمّا الأخبار فصرّح في جملة منها ب

الناصب لنا أهلَ البيت «3»

و ما اشتملت على

الناصب

بلا قيد «4» فمحمول عليه؛ لتبادر الناصب للناصب لهم لا لشيعتهم. بل مع تلك السيرة القطعية و الإجماع العملي، لا يمكن العمل برواية علىٰ خلافهما لو وردت كذلك، فضلًا عن فقدانها.

و ممّا ذكرنا: يظهر الحال في غير الاثني عشري من سائر فرق الشيعة،

______________________________

(1) و الرواية ضعيفة بمحمّد بن علي الكوفي و هو الصيرفي أبو سمينة فإنّه ضعيف جدّاً.

رجال النجاشي: 332/ 894، تنقيح المقال 3: 157/ السطر 23 و 159/ السطر 27 (أبواب الميم).

(2) تقدّم في الصفحة 437.

(3) راجع وسائل الشيعة 1: 218، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 1 و 3 و 5.

(4) وسائل الشيعة 3: 420، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 14، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 441

كالزيدي و الواقفي. نعم لو كان فيهم من نصب لأهل البيت فمحكوم بحكمه، و سيأتي الكلام فيه «1»، و أمّا مجرّد الزيدية و الواقفية فلا يوجب الكفر المقابل للإسلام، و حال الأخبار الواردة فيهم «2» حال ما وردت في الناس، و قد عرفت الكلام فيها «3».

تمسّك صاحب «الحدائق» بدعوى إنكارهم للضروري و ردّها

و من بعض ما ذكر يظهر حال الدعوى الأُخرىٰ لصاحب «الحدائق»: و هي أنّهم منكرون للضروري من الإسلام، و من كان كذلك فكافر «4»، لكنّه خلط بين مطلق العامّة، و نصّابهم من قبيل يزيد و ابن زياد عليهما لعائن اللّٰه.

و فيها أوّلًا: أنّ الإمامة بالمعنى الذي عند الإمامية، ليست من ضروريات الدين، فإنّها عبارة عن أُمور واضحة بديهية عند جميع طبقات المسلمين، و لعلّ الضرورة عند كثير

علىٰ خلافها، فضلًا عن كونها ضرورة. نعم هي من أُصول المذهب، و منكرها خارج عنه، لا عن الإسلام.

و أمّا التمثيل بمثل قاتلي الأئمّة (عليهم السّلام) و ناصبيهم، فغير مربوط بالمدعى.

و ثانياً: أنّ منكر الضروري بوجه يشمل منكر أصل الإمامة، لا دليل علىٰ نجاسته من إجماع أو غيره، بل الأدلّة علىٰ خلافها، كما تقدّم الكلام فيها «5».

______________________________

(1) سيأتي في الصفحة 455 458.

(2) اختيار معرفة الرجال: 228 229/ 409 411، و: 456/ 861 و 862 و 867، بحار الأنوار 48: 256/ 10، و: 263/ 18 و 19.

(3) تقدّم في الصفحة 432 و 437.

(4) الحدائق الناضرة 5: 180.

(5) تقدّم في الصفحة 428 432.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 442

تنبيه آخر
في كفر منكر الضروري و نجاسته
اشارة

قد اختلفت كلماتهم في كفر منكر الضروري و نجاسته، فلا بدّ من تمحيص البحث في منكره بما هو؛ في مقابل منكر الأُلوهية و النبوّة.

و أمّا البحث عن المنكر الذي يرجع إنكاره إلىٰ إنكار اللّٰه تعالىٰ أو النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو خارج عن محطّ البحث؛ ضرورة أنّ الموجب للكفر حينئذٍ هو إنكار الأصلين لا الضروري، و هو بأيّ نحو موجب له، نعم أحد مبرزاته إنكار الضروري أحياناً.

فالبحث المفيد هاهنا: هو أنّ إنكاره مستقلا موجب للكفر كإنكارهما أو لا؟

ثمّ إنّ القائل: بأنّ إنكاره موجب له إذا رجع إلىٰ إنكار أحد الأصلين، من المنكرين لموجبيته له.

حول استدلال الشيخ الأعظم على كفره

فقد استدلّ الشيخ الأعظم علىٰ كفره بوجوه:

منها: أنّ الإسلام عرفاً و شرعاً عبارة عن التديّن بهذا الدين الخاصّ الذي يراد منه مجموع حدود شرعية منجّزة على العباد، كما قال اللّٰه تعالىٰ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّٰهِ الْإِسْلٰامُ «1» ثمّ تمسّك بروايات يأتي حالها «2».

______________________________

(1) آل عمران (3): 19.

(2) يأتي في الصفحة 447.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 443

ثمّ قال: «و أمّا ما دلّ من النصوص و الفتاوىٰ علىٰ كفاية الشهادتين في الإسلام، فالظاهر أنّ المراد به حدوث الإسلام ممّن ينكرهما من غير منتحلي الإسلام؛ إذ يكفي منه الشهادة بالوحدانية و الرسالة المستلزمة للالتزام بجميع ما جاء به النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إجمالًا، فلا ينافي ما ذكرنا: من أنّ عدم التديّن ببعض الشريعة أو التديّن بخلافه، موجب للخروج عن الإسلام.

و كيف كان: فلا إشكال في أنّ عدم التديّن بالشريعة كلّا أو بعضاً، مخرج عن الدين و الإسلام».

ثمّ ذكر أقسام المنكرين، و ساق الكلام إلىٰ أن قال في تأييد عموم كلام الفقهاء

في نجاسة الخوارج و النواصب للقاصر و المقصّر: «و يؤيّدها ما ذكرنا: من أنّ التارك للتديّن ببعض الدين خارج عن الدين» «1» انتهىٰ ملخّصاً.

و فيه: أنّ لازم دليله من أنّ الإسلام عبارة عن مجموع الأحكام، و التديّن بالمجموع إسلام، و عدم التديّن به كفر هو كفر كلّ من لم يتديّن بمجموع ما جاء به النبي واقعاً؛ أصلًا و فرعاً، ضرورياً و غيره، منجّزاً على المكلّف أو لا؛ لأنّ عدم التنجّز العقلي لا يوجب خروج غير المنجّز عن قواعد الإسلام، فلا وجه للتقييد بالمنجّز.

مع أنّ هذا التقييد ينافي التأييد في ذيل كلامه؛ لعدم تنجّز التكليف على القاصر.

كما لا ينبغي معه الفرق بين الأُمور الاعتقادية و العملية؛ بعد كون الإسلام عبارة عن مجموع ما ذكر، فالتفصيل بين الأمرين كما وقع في خلال كلامه منافٍ لدليله.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 355 356.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 444

و مجرّد أنّ المطلوب في الأحكام العملية ليس إلّا العمل، لا يوجب خروجها عن ماهيته التي ادعىٰ أنّها مجموع هذه الحدود الشرعية، و بترك التديّن ببعضها يخرج عن الإسلام.

و الإنصاف: أنّ كلامه في تقرير هذا المدعىٰ، لا يخلو من تدافع و اغتشاش.

و التحقيق: أنّ ما يعتبر في حقيقة الإسلام بحيث يقال للمتديّن به: «إنّه مسلم» ليس إلّا الاعتقاد بالأُصول الثلاثة، أو الأربعة؛ أي الأُلوهية، و التوحيد، و النبوّة، و المعاد على احتمال، و سائر القواعد عبارة عن أحكام الإسلام، و لا دخل لها في ماهيته؛ سواء عند الحدوث أو البقاء، فإذا فرض الجمع بين الاعتقاد بتلك الأُصول و عدم الاعتقاد بغيرها لشبهة بحيث لا يرجع إلىٰ إنكارها يكون مسلماً.

نعم، لا يمكن الجمع بين الاعتقاد بالنبوّة، مع عدم الاعتقاد

بشي ء من الأحكام، و هذا بخلاف بعضها ضرورياً كان أو غيره لأجل بعض الشبهات و الإعوجاجات، فإذا علم أنّ فلاناً اعتقد بالأُصول، و التزم بما جاء به النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إجمالًا الذي هو لازم الاعتقاد بنبوّته، لكن وقع في شبهة من وجوب الصلاة أو الحجّ، و تخيّل أنّهما كانا واجبين في أوّل الإسلام مثلًا، دون الأعصار المتأخّرة، لا يقال: «إنّه ليس بمسلم» في عرف المتشرّعة.

و تدلّ علىٰ إسلامه الأدلّة المتقدّمة «1» الدالّة علىٰ أنّ الإسلام هو الشهادتان.

و دعوىٰ: أنّهما كافيتان في حدوث الإسلام، و أمّا المسلم فيعتبر في إسلامه أُمور أُخر زائداً عليهما، خالية عن الشاهد، بل الشواهد في نفس تلك الروايات

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 435 437.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 445

علىٰ خلافها، كما في حسنة حُمران

و الإسلام: ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها، و به حقنت الدماء «1»

و غيرها ممّا تقدّم ذكرها.

و الإنصاف: أنّ دعوى كون الإسلامِ عبارةً عن مجموع ما جاء به النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و تركِ الالتزام ببعضها بأيّ نحو موجباً للكفر، ممّا لا يمكن تصديقها، و لهذا فإنّ الشيخ الأعظم لم يلتزم به بعد الكرّ و الفرّ.

و مع الإغماض عمّا تقدّم، يلزم من دليله كفر كلّ من أنكر شيئاً ممّا يطلب فيه الاعتقاد و لو لم يكن ضرورياً، كبعض أحوال القبر و البرزخ و القيامة، و كعصمة الأنبياء و الأئمّة (عليهم السّلام) و نظائرها. و التفكيك بين الضروري و غيره خروج عن التمسّك بهذا الدليل.

ثمّ إنّ اندراج منكر المعاد أيضاً في الكفّار حقيقة، و دعوىٰ

كون الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالأركان الأربعة، و الاعتقاد بالمعاد داخل في ماهيته، أيضاً لا يخلو من إشكال، بل منع؛ لإطلاق الأدلّة المتقدّمة الشارحة لماهية الإسلام الذي به حقنت الدماء «2»، و قوّةِ احتمال أن يكون الارتكاز المدعىٰ لأجل وضوح عدم الجمع بين الاعتقاد بالنبوّة و إنكار المعاد، الذي لأجل كمال بداهة كونه من الإسلام عدّ في الأُصول.

فدعوى كون الإسلام هو الاعتقاد بالالوهية و التوحيد و النبوّة، غير بعيدة.

و كلامنا هاهنا في مقام الثبوت و الواقع، و إلّا فمنكر الضروري سيّما مثل المعاد محكوم بالكفر ظاهراً، و يعدّ منكراً للُالوهية أو النبوّة. بل لا يقبل قوله إذا

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 436.

(2) تقدّمت في الصفحة 435 437.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 446

ادعى الشبهة إلّا في بعض أشخاص، أو بعض أُمور، يمكن عادة وقوع الشبهة منه أو فيه، كما أنّ إنكار البديهيات لدى العقول لا يقبل من متعارف الناس، فلو ادعىٰ أحد: أنّ اعتقاده أنّ الاثنين أكثر من الألف، لا يقبل منه، بل يحمل علىٰ أنّه خلاف الواقع، إلّا أن يكون خلاف المتعارف.

و يمكن أن يقال: إنّ أصلَ الإمامة كان في الصدر الأوّل من ضروريات الإسلام، و الطبقةَ الاولى المنكرين لإمامة المولى أمير المؤمنين صلوات اللّٰه و سلامه عليه و لنصّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) علىٰ خلافته و وزارته، كانوا منكرين للضروري من غير شبهة مقبولة من نوعهم، سيّما أصحاب الحلّ و العقد، و سيأتي الكلام فيهم «1».

ثمّ وقعت الشبهة للطبقات المتأخّرة؛ لشدّة وثوقهم بالطبقة الاولىٰ، و عدم احتمال تخلّفهم عمداً عن قول رسول اللّٰه (صلّى الهّٰث عليه و آله و سلّم) و نصّه على المولى

سلام اللّٰه عليه، و عدم انقداح احتمال السهو و النسيان من هذا الجمّ الغفير.

و لعلّ ما ذكرناه هو سرّ ما ورد من ارتداد الناس بعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلّا أربعة أو أقلّ أو أكثر «2».

و الظاهر عدم إرادة ارتداد جميع الناس؛ سواء كانوا حاضرين في بلد الوحي أو لا.

و يحتمل أن يكون المراد من «ارتداد الناس» نكث عهد الولاية و لو ظاهراً و تقيّة، لا الارتداد عن الإسلام، و هو أقرب.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 455.

(2) اختيار معرفة الرجال: 8/ 17، و: 11/ 24، بحار الأنوار 28: 238 239/ 25 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 447

استدلال الشيخ الأعظم بالروايات على كفر منكر الضروري

و ممّا استدلّ به علىٰ كفره جملة من الروايات؛ منها مصحّحة أبي الصباح، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قيل لأمير المؤمنين (عليه السّلام): من شهد أن لا إله إلّا اللّٰه، و أنّ محمّداً رسول اللّٰه كان مؤمناً؟ قال: فأين فرائض اللّٰه؟!

قال: و سمعته يقول

كان عليّ (عليه السّلام) يقول: لو كان الإيمان كلاماً لم ينزّل فيه صوم و لا صلاة و لا حرام.

قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): إنّ عندنا قوماً يقولون: إذا شهد أن لا إله إلّا اللّٰه، و أنّ محمّداً رسول اللّٰه، فهو مؤمن، قال

فلِمَ يضربون الحدود، و لم يقطع أيديهم و ما خلق اللّٰه تعالى خلقاً أكرم على اللّٰه من مؤمن؛ لأنّ الملائكة خدّام المؤمنين، و أنّ جوار اللّٰه تعالىٰ للمؤمنين، و أنّ الجنّة للمؤمنين، و أنّ الحور العين للمؤمنين؟!.

ثمّ قال

فما بال من جحد الفرائض كان كافراً! «1».

قال الشيخ الأعظم: «فهذه الرواية واضحة الدلالة علىٰ أنّ التشرع بالفرائض، مأخوذ في الإيمان المرادف للإسلام،

كما هو ظاهر السؤال و الجواب، كما لا يخفى» «2» انتهىٰ.

أقول: بل هي واضحة الدلالة علىٰ أنّ المراد من

الإيمان

فيها هو الإيمان الكامل المنافي لترك ما فرضه اللّٰه، و لفعل ما يوجب إجراء الحدّ عليه،

______________________________

(1) الكافي 2: 33/ 2، وسائل الشيعة 1: 34، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 13.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 355/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 448

و المؤمن الذي هذا صفته و ملائكة اللّٰه خدّامه و جوار اللّٰه له، هو المؤمن الكامل، لا المرادف للمسلم الذي لا ينافي إسلامه ارتكاب المعاصي و إجراء الحدود عليه .. إلىٰ غير ذلك.

نعم، ذيلها يدلّ علىٰ أنّ جحد الفرائض موجب للكفر، فهو محمول بقرينة صدرها علىٰ أنّ الجحد موجب للكفر المقابل للإيمان لا الإسلام، فيكون شاهداً على الحمل في سائر الروايات، فإنّها علىٰ كثرتها طائفتان:

إحداهما: ما دلّت علىٰ أنّ ترك الفرائض أو ترك ما أمر اللّٰه به، موجب للكفر، و هي كثيرة جدّاً، كرواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

من اجترىٰ على اللّٰه في المعصية و ارتكاب الكبائر فهو كافر، و من نصب ديناً غير دين اللّٰه فهو مشرك «1».

و روايةِ حُمران بن أعين قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قول اللّٰه عزّ و جلّ إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً «2» قال

إمّا آخذ فهو شاكر، و إمّا تارك فهو كافر «3».

و روايةِ عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمٰانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ «4» فقال

ترك العمل الذي أقرّ به، منه

______________________________

(1) المحاسن: 209/ 75، وسائل الشيعة 1: 38،

كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 21.

(2) الإنسان (76): 3.

(3) الكافي 2: 384/ 4، وسائل الشيعة 1: 31، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 5.

(4) المائدة (5): 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 449

الذي يدع الصلاة متعمّداً، لا من سكر، و لا من علّة «1».

و روايةِ أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الكفر في كتاب اللّٰه خمسة أوجه ..

إلىٰ أن قال

و الوجه الرابع من الكفر: ترك ما أمر اللّٰه عزّ و جلّ به، و هو قول اللّٰه عزّ و جلّ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتٰابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ «2» فكفّرهم بترك ما أمر اللّٰه عزّ و جلّ به «3».

و في كثير من الروايات ورد كفر تارك الصلاة «4» و مانع الزكاة «5» و تارك الحجّ «6» .. إلىٰ غير ذلك.

و ثانيتهما: ما دلّت علىٰ أنّ تركها مع الجحود أو الاستكبار أو نفس الجحد موجب له، و هي كثيرة أيضاً:

كصحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

كلّ شي ء يجرّه الإقرار و التسليم فهو الإيمان، و كلّ شي ء يجرّه الإنكار و الجحود فهو الكفر «7».

______________________________

(1) الكافي 2: 387/ 12، وسائل الشيعة 1: 31، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 6.

(2) البقرة (2): 85.

(3) الكافي 2: 389/ 1، وسائل الشيعة 1: 32، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 9.

(4) راجع وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11.

(5) وسائل الشيعة 9: 34، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 4، الحديث 7.

(6) وسائل الشيعة 11: 29، كتاب الحجّ، أبواب وجوب الحجّ، الباب 7.

(7) الكافي

2: 387/ 15، وسائل الشيعة 1: 30، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 450

و روايةِ داود بن كثير الرقّي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): سنن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) .. إلىٰ أن قال

فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها و جحدها كان كافراً «1».

و روايةِ عبد الرحيم القصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها

و لم يخرجه إلى الكفر إلّا الجحود و الاستحلال، فإذا قال للحلال: هذا حرام، و للحرام: هذا حلال، و دان بذلك، فعندها يكون خارجاً من الإيمان و الإسلام إلى الكفر «2».

و روايةِ زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا لم يكفروا «3».

و روايةِ عبد اللّٰه بن سِنان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) .. إلىٰ أن قال فقال

من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال، أخرجه ذلك من الإسلام، و عذّب أشدّ العذاب، و إن كان معترفاً أنّه ذنب و مات عليها، أخرجه من الإيمان، و لم يخرجه من الإسلام، و كان عذابه أهون من عذاب الأوّل «4».

و روايةِ زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال في حديث

الكفر أقدم من الشرك ..

ثمّ ذكر كفر إبليس.

______________________________

(1) الكافي 2: 383/ 1، وسائل الشيعة 1: 30، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 2.

(2) التوحيد: 229/ 7، وسائل الشيعة 1: 37، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 18.

(3) الكافي 2: 388/ 19، وسائل الشيعة 1: 32، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث

8.

(4) الكافي 2: 285/ 23، وسائل الشيعة 1: 33، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 451

ثمّ قال

فمن اجترىٰ على اللّٰه فأبى الطاعة و أقام على الكبائر، فهو كافر

يعني مستخفّ كافر «1» .. إلىٰ غير ذلك «2».

و يمكن الجمع بينها: إمّا بحمل الجميع علىٰ مراتب الكفر و الشرك و الإيمان و الإسلام؛ فأوّل مراتب الإسلام هو ما يحقن به الدماء، و يترتّب عليه أحكام ظاهرة، و هو شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، و أنّ محمّداً رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كما في موثّقة سَماعة و نحوها «3»، و أكمل مراتبه هو ما عرّفه أمير المؤمنين (عليه السّلام) علىٰ ما في مرفوعة البرقي قال

لأنسبنّ الإسلام .. «4»

إلىٰ آخره.

و لعلّه المراد بقوله تعالىٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً «5».

فهذه المرتبة من الإسلام أعلىٰ من كثير من مراتب الإيمان. و بين المرتبتين مراتب إلىٰ ما شاء اللّٰه، و بإزاء كلّ مرتبة مرتبة من الكفر أو الشرك. و كذا للإيمان درجات و مراتب كثيرة يشهد بها الوجدان و الروايات «6».

و بذلك يجمع بين جميع الروايات الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرّقة، و له شواهد كثيرة في نفس الروايات، فخرجت الروايات المستشهد بها لكفر منكر

______________________________

(1) الكافي 2: 384/ 3، وسائل الشيعة 1: 31، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 1: 33، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 2، الحديث 11 و 13.

(3) تقدّمت في الصفحة 435 436.

(4) تقدّمت في الصفحة 433.

(5) البقرة (2): 208.

(6) الكافي 2: 42، باب درجات الإيمان.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 3، ص: 452

الضروري عن صلاحية الاستشهاد بها، و عن صلاحية تقييد مثل موثّقة سَماعة المتقدّمة و غيرها.

و إمّا بحمل الطائفة الأُولى المتقدّمة على الثانية، و حمل الطائفة الثانية علىٰ ما إذا جحد حكماً علم أنّه من الدين، لكن لا لكونه موجباً للكفر بنفسه، بل لكونه مستلزماً لإنكار الأُلوهية أو النبوّة و تكذيب النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بدعوىٰ عدم ملاءمة تصديق النبوّة مع إنكار ما أعلم أنّه جاء به منتسباً إلى اللّٰه، من غير فرق بين الضروري منها و غيره.

و هذا أقرب إلىٰ حفظ ظواهرها من حملها علىٰ إنكار الضروري. بل حملها عليه خالٍ من الشاهد، بل مخالف لكثير منها، سيّما إذا قيل بالتسوية بين الجحد عن علم و غير علم؛ و إن لم نقل: بأنّ الجحد هو الإنكار عن علم، و إلّا فالأمر أوضح.

و هنا احتمال ثالث بعد حمل المطلقات على المقيّدات-: و هو حملها على الحكم الظاهري؛ و أنّ الجاحد لمّا علم أنّه من الدين محكوم بالكفر. لكنّه لا يلائم جميع الروايات و إن لاءم بعضها.

كما أنّ الجمع الثاني كذلك و إن كان أقرب من الثالث. و أقرب منهما الجمع الأوّل.

و كيف كان: لا دلالة لها علىٰ كفر منكر الضروري من حيث هو.

عدم قيام الإجماع أو الشهرة على نجاسة منكر الضروري

و الظاهر أنّ غالب كلمات الأصحاب في الأبواب المختلفة سيّما أبواب الحدود ناظر إلى الحكم الظاهري، و بعضها محتمل للوجه الثاني، أو محمول عليه، فلا يمكن تحصيل الشهرة أو الإجماع على المدعىٰ؛ ففي

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 453

كتاب المرتدّ من «الخلاف»: «من ترك الصلاة معتقداً أنّها غير واجبة، كان كافراً يجب قتله بلا خلاف» «1».

و في «النهاية»: «من

استحلّ الميتة و الدم و لحم الخنزير ممّن هو مولود علىٰ فطرة الإسلام، فقد ارتدّ بذلك عن دين الإسلام، و وجب عليه القتل بالإجماع» «2».

و في حدود «الشرائع»: «من شرب الخمر مستحلا استتيب، فإن تاب أُقيم عليه الحدّ، و إن امتنع قتل. و قيل: «يكون حكمه حكم المرتدّ» و هو قوي. و أمّا سائر المسكرات فلا يقتل مستحلّها؛ لتحقّق الخلاف بين المسلمين».

و قال: «من استحلّ شيئاً من المحرّمات المجمع عليها- كالميتة و الدم و لحم الخنزير ممّن ولد على الفطرة يقتل» «3».

و يحتمل في هذه العبارات أحد الوجهين، و لهذا قال المحقّق في حدود «الشرائع»: «كلمة الإسلام أن يقول: أشهد أن لا إله إلّا الهّٰذ، و أنّ محمّداً رسول اللّٰه» «4».

نعم، صريح بعض «5» و ظاهر جمع «6» حصول الارتداد بإنكار الضروري، أو ما يعلم أنّه من الدين مطلقاً، و أنّه سبب مستقلّ. كما أنّ صريح بعض «7» و ظاهر

______________________________

(1) الخلاف 5: 359.

(2) النهاية: 713.

(3) شرائع الإسلام 4: 157 158.

(4) نفس المصدر: 172.

(5) جواهر الكلام 6: 47 و 41: 601.

(6) شرائع الإسلام 1: 45، تحرير الأحكام 1: 24/ السطر 14، الروضة البهية 1: 286.

(7) مصباح الفقيه، الطهارة: 567/ السطر 28، العروة الوثقى 1: 67، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 378 380.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 454

جمع «1» أنّه ليس سبباً مستقلا، بل هو لأجل رجوعه إلىٰ إنكار الأصلين. و لم يظهر من قدماء أصحابنا شي ء من الوجهين يمكن الوثوق بمرادهم، فضلًا عن تحصيل الشهرة في المسألة.

نعم قد يقال: بأنّ تسالمهم علىٰ نجاسة الخوارج و النصّاب، مع استدلالهم لها: بأنّهم منكرو الضروري من الدين، دليل علىٰ تسالمهم علىٰ أنّ إنكاره مطلقاً

موجب للكفر؛ ضرورة أنّ كثيراً منهم بل غالبهم كانوا يتقرّبون إلى اللّٰه تعالىٰ بالنصب لهم و الحرب معهم؛ لجهلهم بما ورد في حقّهم من الكتاب و السنّة «2».

و فيه: أنّ التمسّك لنجاستهم بإنكارهم الضروري، إنّما وقع من بعضهم، و لم يظهر تسالمهم عليه، بل الظاهر أنّ نجاسة الطائفتين مسلّمة عندهم بعنوان النصب و الحرب، و لهذا لم ينقل الخلاف في نجاستهما، مع وقوع الخلاف في منكر الضروري.

فالأقوىٰ عدم نجاسة منكر الضروري، إلّا أن يرجع إلىٰ إنكار الأصلين و لو قلنا: بأنّ الإنكار مطلقاً موجب للكفر؛ لعدم الدليل علىٰ نجاسة الكفّار بحيث يشمل المرتدّ بهذا المعنىٰ:

أمّا الآية «3» فواضح.

و أمّا الروايات فقد مرّ الكلام فيها «4».

و أمّا الإجماع فلم يقم عليها.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 3: 199، كشف اللثام 1: 402.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 354/ السطر 29، و: 356/ السطر 6.

(3) التوبة (9): 28.

(4) تقدّمت في الصفحة 405.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 455

بل لا يبعد أن يراد من دعوى الشيخ الإجماع علىٰ كفر مستحلّ الميتة و الدم و لحم الخنزير و ارتداده تارةً، و دعوىٰ عدم الخلاف في كفر من ترك الصلاة معتقداً أنّها غير واجبة أُخرى مضافاً إلىٰ ما تقدّم هي ارتداده بحسب بعض الآثار كالقتل و غيره، دون النجاسة، تأمّل.

و كيف كان: لا يمكن إثبات نجاسته بالإجماع أو الشهرة.

في كفر النواصب و الخوارج و نجاستهم

و أمّا الطائفتان فالظاهر نجاستهما، كما نقل الإجماع و عدم الخلاف و عدم الكلام فيها من جملة من الأعاظم، و إرسالهم إيّاها إرسال المسلّمات «1».

و يمكن الاستدلال عليها بموثّقة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

و إيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام؛ ففيها يجتمع

غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهلَ البيت، و هو شرّهم؛ فإنّ اللّٰه تبارك و تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب، و إنّ الناصب لنا أهلَ البيت لأنجس منه «2».

فإنّه بعد ثبوت نجاسة الطوائف الثلاث بما مرّ مستقصى «3»، جعل هذه الطائفة الخبيثة قرينةً لهم، يشعر أو يدلّ علىٰ كونها نجسة.

______________________________

(1) انظر مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 387، جامع المقاصد 1: 164، روض الجنان: 163/ السطر 23، جواهر الكلام 6: 50.

(2) علل الشرائع: 292/ 1، وسائل الشيعة 1: 220، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 5.

(3) تقدّم في الصفحة 404 416.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 456

هذا مع التصريح بأنّهم

أنجس من الكلب

الظاهر بمناسبة الحكم و الموضوع في النجاسة الظاهرية. و مجرّد جعلهم أنجس من الكلب، لا يوجب رفع اليد عن الظاهر الحجّة.

و لا ينافي ذلك ما مرّ منّا من الخدشة في الاستدلال عليها لنجاسة الطوائف الثلاث «1»؛ لأنّ الاستدلال هناك كان لمقارنتهم مع النصّاب، و قلنا: إنّ صِرف ذلك لا يدلّ على المطلوب، و هاهنا بعد ثبوت النجاسة للطوائف، يستدلّ من المقارنة علىٰ أنّ المراد بتلك النجاسة هي النجاسة الظاهرة التي للطوائف و الكلب بالدليل الخارجي، تأمّل.

و أمّا الاستدلال لها برجوع إنكارهم فضائل أهل البيت الواردة من النبي الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلىٰ تخطئته و اعتقاد الغفلة و الجهل بعواقب أُمورهم في حقّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و هو كفر «2»، فغير تامّ صغرى و كبرى؛ لمنع عموم المدعىٰ في جميع طبقاتهم، و منع صيرورته موجباً للكفر و النجاسة، سيّما مع ذهاب بعض أصحابنا كابن الوليد إلىٰ أنّ

نفي السهو عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أوّل مراتب الغلوّ «3»، و ظهور بعض الآيات «4» و الروايات «5» في سهوه.

و كيف كان: لا ينبغي الإشكال في كفر الطائفتين و نجاستهما.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 413.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 567/ 18.

(3) انظر الفقيه 1: 235.

(4) كقوله تعالىٰ «وَ إِمّٰا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطٰانُ فَلٰا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرىٰ»، الأنعام (6): 68.

(5) كرواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) سها فسلّم في ركعتين ثمّ ذكر .. إلىٰ آخره، راجع بحار الأنوار 17: 97 129.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 457

ثمّ إنّ المتيقّن من الإجماع هو كفر النواصب و الخوارج؛ أي الطائفتين المعروفتين، و هم الذين نصبوا للأئمّة (عليهم السّلام) أو لأحدهم بعنوان التديّن به؛ و أنّ ذلك وظيفة دينية لهم، أو خرجوا علىٰ أحدهم كذلك، كالخوارج المعروفة، و الظاهر أنّ

الناصب

الوارد في الروايات- كموثّقة ابن أبي يعفور المتقدّمة أيضاً يراد به ذلك؛ فإنّ النواصب كانوا طائفة معهودة في تلك الأعصار، كما يظهر من الموثّقة أيضاً، حيث نهي فيها عن الاغتسال في غسالة الحمّام التي يغتسل فيها الطوائف الثلاث و الناصب، و ليس المراد منه المعنى الاشتقاقي الصادق علىٰ كلّ من نصب بأيّ عنوان كان، بل المراد هو الطائفة المعروفة، و هم النصّاب الذين كانوا يتديّنون بالنصب، و لعلّهم من شعب الخوارج.

طهارة الناصب و الخارج لغرض دنيوي و نحوه

و أمّا سائر الطوائف من النصّاب بل الخوارج، فلا دليل علىٰ نجاستهم و إن كانوا أشدّ عذاباً من الكفّار، فلو خرج سلطان علىٰ أمير المؤمنين (عليه السّلام) لا بعنوان التديّن، بل للمعارضة في الملك، أو غرض آخر،

كعائشة و الزبير و طلحة و معاوية و أشباههم، أو نصب أحد عداوة له أو لأحد من الأئمّة (عليهم السّلام) لا بعنوان التديّن، بل لعداوة قريش، أو بني هاشم، أو العرب، أو لأجل كونه قاتل ولده أو أبيه، أو غير ذلك، لا يوجب ظاهراً شي ءٌ منها نجاسة ظاهرية و إن كانوا أخبث من الكلاب و الخنازير؛ لعدم دليل من إجماع أو أخبار عليه.

بل الدليل علىٰ خلافه؛ فإنّ الظاهر أنّ كثيراً من المسلمين بعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)- كأصحاب الجمل و صفّين و أهل الشام و كثير من أهالي الحرمين الشريفين كانوا مبغضين لأمير المؤمنين و أهل بيته الطاهرين صلوات اللّٰه عليهم و تجاهروا فيه، و لم ينقل مجانبة أمير المؤمنين و أولاده المعصومين (عليهم السّلام) و شيعته

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 458

المنتجبين عن مساورتهم و مؤاكلتهم و سائر أنواع العشرة.

و القول: بأنّ الحكم لم يكن معلوماً في ذلك الزمان، و إنّما صار معلوماً في عصر الصادقين (عليهما السّلام) «1» كما ترى. مع عدم نقل مجانبة الصادقين (عليهما السّلام) و أصحابهما و شيعتهما و كذا سائر الأئمّة (عليهم السّلام) المتأخّرة عنهما و شيعتهم عن مساورة شيعة بني أُميّة و بني العبّاس، و لا من خلفاء الجور.

و الظاهر أنّ ذلك لعدم نجاسة مطلق المحارب و الناصب، و أنّ الطائفتين- لعنهما اللّٰه لم تنصبا للأئمّة (عليهم السّلام) لاقتضاء تديّنهما ذلك، بل لطلب الجاه و الرياسة و حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة، أعاذنا اللّٰه منه بفضله.

بل المنقول عن بعض خلفاء بني العبّاس أنّه كان شيعياً، و نقل عن المأمون أنّه قال: «إنّي أخذت التشيّع من أبي»

«2» و مع ذلك كان هو و أبوه علىٰ أشدّ عداوة لأبي الحسن موسى بن جعفر و ابنه الرضا (عليهما السّلام) لمّا رأيا توجّه النفوس إليهما، فخافا علىٰ ملكهما من وجودهما.

و بالجملة: لا دليل علىٰ نجاسة النصّاب و الخوارج إلّا الإجماع و بعض الأخبار، و شي ء منهما لا يصلح لإثبات نجاسة مطلق الناصب و الخارج؛ و إن قلنا بكفرهم مطلقاً، بل وجوب قتلهم في بعض الأحيان.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 358/ 9.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1: 88/ 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 459

حكم سائر الطوائف من المنتحلين للإسلام أو التشيّع

ثمّ إنّ المتحصّل من جميع ما تقدّم: أنّ المحكوم بالنجاسة هو الكافر المنكر للُالوهية، أو التوحيد، أو النبوّة، و خصوص النواصب و الخوارج بالمعنى المذكور.

و أمّا سائر الطوائف من المنتحلين للإسلام أو التشيّع كالزيدية و الواقفة و الغلاة و المجسّمة و المجبّرة و المفوّضة و غيرهم إن اندرجوا في منكري الأُصول أو في إحدى الطائفتين، فلا إشكال في نجاستهم، كما يقال: «إنّ الواقفة من النصّاب لسائر الأئمّة من بعد الصادق (عليه السّلام)» «1».

و أمّا مع عدم الاندراج فلا دليل علىٰ نجاستهم؛ فإنّ بعض الأخبار الواردة في كفر بعضهم كقوله (عليه السّلام)

من شبّه اللّٰه بخلقه فهو مشرك، و من نسب إليه ما نهي عنه فهو كافر «2»

و قوله (عليه السّلام)

من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر مشرك «3»

و قوله (عليه السّلام)

و القائل بالجبر كافر، و القائل بالتفويض مشرك «4»

و غير

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 229/ 410 411، الحدائق الناضرة 5: 189.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1: 114/ 1، وسائل الشيعة 28: 339، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 1.

(3) عيون أخبار الرضا

(عليه السّلام) 1: 143/ 45، وسائل الشيعة 28: 340، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 5.

(4) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1: 124/ 17، وسائل الشيعة 28: 340، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 460

ذلك «1» فسبيله سبيل الأخبار الكثيرة المتقدّمة «2» و غيرها ممّا لا يحصى ممّا أُطلق فيها

الكافر

و

المشرك

علىٰ كثير ممّن يعلم عدم كفرهم و شركهم في ظاهر الإسلام، و قد حملناها علىٰ مراتب الشرك و الكفر «3»، كما قامت الشواهد في نفس الروايات عليه.

و الإنصاف: أنّ كثرة استعمال اللفظين في غير الكفر و الشرك الظاهريين، صارت بحيث لم يبقَ لهما ظهور يمكن الاتكال عليه لإثبات الكفر و الشرك الموجبين للنجاسة فيمن أُطلقا عليه، و لا لإثبات التنزيل في جميع الآثار، و هو واضح جدّاً لمن تتبّع الروايات، و لا دليل آخر من إجماع أو غيره علىٰ نجاستهم.

حكم الغلاة

و أمّا الغلاة، فإن قالوا بإلهية أحد الأئمّة (عليهم السّلام) مع نفي إله آخر أو إثباته، أو قالوا بنبوّته، فلا إشكال في كفرهم.

و أمّا مع الاعتقاد بالوهيته تعالىٰ، و وحدانيته، و نبوّة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فلا يوجب شي ء من عقائدهم الفاسدة كفرَهم و نجاستهم؛ حتّى القول بالاتحاد أو الحلول إن لم يرجع إلىٰ كون اللّٰه تعالىٰ هو هذا الموجود المحسوس و العياذ باللّٰه فإنّه يرجع إلىٰ إنكار اللّٰه تعالىٰ، بل يراد بهما ما عند بعض الصوفية: من فناء العبد في اللّٰه و اتحاده معه نحو فناء الظلّ في ذيه، فإنّ تلك الدعاوي لا توجب الكفر و إن كانت فاسدة.

______________________________

(1) راجع وسائل

الشيعة 28: 339، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ المرتد، الباب 10.

(2) تقدّم في الصفحة 448 450.

(3) تقدّم في الصفحة 451.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 461

و كالاعتقاد بأنّ اللّٰه تعالىٰ فوّض أمر الخلق مطلقاً إلىٰ أمير المؤمنين (عليه السّلام) فهو بتفويض اللّٰه تعالىٰ إليه خالق ما يرىٰ و ما لا يرى، و رازق الورىٰ، و أنّه محي و مميت .. إلىٰ غير ذلك من الدعاوي الفاسدة، فإنّ شيئاً منها لا يوجب الكفر و إن كان غلوّاً، و كان الأئمّة (عليهم السّلام) يبرأون منها، و ينهون الناس عن الاعتقاد بها.

و دعوىٰ: أنّ إثبات ما هو مختصّ باللّٰه تعالىٰ لغيره، إنكار للضروري «1»، ممنوعة إن أُريد به ضروري الإسلام؛ فإنّ تلك الأُمور من ضروري العقول لا الإسلام. مع أنّ منكر الضروري ليس بكافر، كما مرّ «2».

حكم المجسّمة

و أمّا المجسّمة، فإن التزموا بأنّه تعالىٰ جسم حادث كسائر الحوادث، فلا إشكال في كفرهم؛ لإنكار الوهيته تعالىٰ، و لا أظنّ التزامهم به.

و مع عدمه: بأن اعتقد بجسميته تعالىٰ؛ بمعنى أن يعتقد أنّ الإلٰه القديم الذي يعتقد به كافّة الموحّدين جسم لنقص معرفته و عقله فلا يوجب ذلك كفراً و نجاسة.

هذا إن ذهب إلىٰ أنّه جسم حقيقة، فضلًا عمّا إذا قال: بأنّه جسم لا كالأجسام، كما نسب إلىٰ هشام بن الحكم الثقة الجليل المتكلّم «3» و لقد ذبّ أصحابنا عنه، و قالوا: «إنّما قال ذلك معارضةً لطائفة لا اعتقاداً» «4» و بعض الأخبار

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 569/ السطر 18.

(2) تقدّم في الصفحة 451 452.

(3) انظر الشافي في الإمامة 1: 82 84، الملل و النحل 1: 164 165.

(4) انظر الشافي في الإمامة 1: 82 84،

تنقيح المقال 3: 294/ السطر 23 (أبواب الهاء).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 462

و إن كان ينافي ذلك «1»، لكن ساحة مثل هشام مبرّأ عن مثل هذا الاعتقاد السخيف. مع أنّ مراده غير معلوم علىٰ فرض ثبوت اعتقاده به.

حكم المجبّرة و المفوّضة

و أمّا القول بالجبر أو التفويض، فلا إشكال في عدم استلزامه الكفر- بمعنى نفي الأُصول إلّا علىٰ وجه دقيق يغفل عنه الأعلام، فضلًا عن عامّة الناس، و مع عدم الالتفات إلى اللازم لا يوجب الكفر جزماً.

و دعوى استلزام الجبر لنفي العقاب و الثواب، و ذلك إبطال للنبوّات «2»، لو فرضت صحّتها لم يلتزم المجبّرة به، و لا إشكال في أنّ القائل بهما ليس منكراً للضروري؛ لعدم كون الأمر بين الأمرين من ضروريات الدين، بل و لا من ضروريات المذهب؛ و إن كان ثابتاً بحسب الأخبار «3»، بل البرهان كما حقّق في محلّه «4».

و الإنصاف: أنّ الأمر بين الأمرين- بالمعنى المستفاد من الأخبار، و القائم عليه البرهان الدقيق لا يمكن تحميل الاعتقاد به علىٰ فضلاء الناس، فضلًا عن عوامّهم و عامّتهم، و لهذا ترى أنّه قلّما يتّفق لأحد تحقيق الحقّ فيه و سلوك مسلك الأمر بين الأمرين من دون الوقوع في أحد الطرفين؛ أي الجبر و التفويض سيّما الثاني.

______________________________

(1) الكافي 1: 104/ 1 و 4 و 5 و 6 و 7.

(2) كشف اللثام 1: 404، جواهر الكلام 6: 54.

(3) الكافي 1: 155، باب الجبر و القدر و الأمر بين الأمرين، التوحيد: 359، الباب 59.

(4) الطلب و الإرادة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 35.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 463

فتحصّل ممّا ذكر عدم كفر الطوائف المتقدّمة، فما عن غير واحد: «من

أنّ نجاسة الغلاة إجماعية» «1» أو «لا خلاف» «2» و «لا كلام فيها» «3» فالقدر المتيقّن منه هو الغلوّ بالمعنى الأوّل، لا بمعنى التجاوز عن الحدّ مطلقاً. و ما عن الشيخ و غيره من نجاسة المجسّمة «4» و عن «حاشية المقاصد» و «الدلائل»: «لا كلام في نجاستهم» «5» لعلّ المراد لهم مَن توجّه و التفت إلىٰ لازمه، و إلّا فلا دليل عليها كما تقدّم، و كذا الكلام في المجبّرة و المفوّضة.

حكم المنافقين

بقي الكلام في المنافقين الذين يظهرون الإسلام و يبطنون الكفر، فإن قلنا: بأنّ الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالأُصول الثلاثة، و كلمة الشهادتين طريق إثباته في الظاهر، أو أنّه عبارة عن الإقرار باللسان، و الاعتقاد بالجنان، فيكون موضوع الأحكام مركّباً من جزءين، و جُعل أحدهما طريقاً للآخر، فلا إشكال في كفرهم واقعاً و إن رتّبت عليهم أحكام الإسلام ظاهراً ما لم يثبت خلافه.

فإذا علمنا بنفاقهم لا يجوز إجراء الأحكام عليهم، فحينئذٍ يقع الإشكال في المنافقين الذين كانوا في صدر الإسلام، و كان النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الوصي (عليه السّلام) يتعاملان معهم معاملة الإسلام.

______________________________

(1) روض الجنان: 163/ السطر 23.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 144/ السطر 14.

(3) جامع المقاصد 1: 164.

(4) المبسوط 1: 14، منتهى المطلب 1: 168/ السطر 27.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 145/ السطر 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 464

و طريق دفعه إمّا بأن يقال: إنّ مصالح الإسلام اقتضت جعل أحكام ثانوية واقعية نظير باب التقيّة، فجريان أحكام الإسلام عليهم واقعاً لمصلحة تقوية الإسلام في أوائل حدوثه، فإنّه مع عدم إجرائها في حال ضعفه و نفوذ المنافقين و قوّتهم، كان يلزم منه الفساد و التفرقة،

فأجرى اللّٰه تعالىٰ أحكامه عليهم واقعاً، و أمّا بعد قوّة الإسلام و عدم الخوف منهم و عدم لزوم تلك المفسدة، فلا تجري الأحكام عليهم.

و إمّا بأن يقال: إنّ ترتيب الآثار كان ظاهراً لخوف تفرقة المسلمين، فهم مع كفرهم و عدم محكوميتهم بأحكامه واقعاً، كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و وصيّه (عليه السّلام) يتعاملان معهم معاملة المسلمين ظاهراً؛ حفظاً لشوكة الإسلام.

و الالتزام بالثاني في غاية الإشكال. بل مقطوع الخلاف بالنسبة إلىٰ بعض الأحكام.

و إمّا بأن يقال: إنّ العلم غير العادي كالعلم من طريق الوحي لم يكن معتبراً، لا بمعنى نفي اعتباره حتّى يلزم منه الإشكال، بل بالتزام تقييد في الموضوع. و هو أيضاً بعيد.

و إن قلنا: بأنّ الإسلام عبارة عن صِرف الإقرار ظاهراً و الشهادة باللسان، و هو تمام الموضوع لإجراء الأحكام واقعاً، فلا إشكال في طهارتهم و إجراء الأحكام عليهم، و لا يرد الإشكال علىٰ معاملة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) معهم معاملة الإسلام، فإنّهم مسلمون حقيقة، إلّا أن يظهر منهم مخالفة الإسلام؛ بأن يقال: إنّ الإسلام عبارة عن التسليم و الانقياد ظاهراً، مقابل الجحد و الخروج عن السلم، فمن ترك عبادة الأوثان مثلًا، و دخل في الإسلام بالإقرار بالشهادتين، و انقاد لأحكامه، كان مسلماً منقاداً يجري عليه أحكامه واقعاً، إلّا أن يظهر منه ما يخالف الأُصول. هذا بحسب مقام الثبوت.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 465

و أمّا بحسب مقام الإثبات و التصديق:

فقد عرفت في صدر المبحث: أنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة أنّ الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالأُصول الثلاثة «1»، فلو علمنا بأنّ نصرانياً أظهر الإسلام من غير اعتقاد، بل يبقىٰ على اعتقاد

التنصّر، لم يكن في ارتكازهم مسلماً.

لكن يظهر من الكتاب و الأخبار خلاف ذلك؛ قال تعالىٰ قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ «2».

في «المجمع»: «هم قوم من بني أسد أتوا النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في سنة جَدْبة، و أظهروا الإسلام، و لم يكونوا مؤمنين في السرّ».

ثمّ قال: «قال الزجّاج: الإسلام: إظهار الخضوع و القبول لما أتى به الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بذلك يحقن الدم، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد و تصديق بالقلب فذلك الإيمان إلىٰ أن قال-: و روى أنس، عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

الإسلام علانية، و الإيمان في القلب

أشار إلىٰ صدره» «3» انتهىٰ.

و في موثّقة أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سمعته يقول قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا فمن زعم أنّهم آمنوا فقد كذب، و من زعم أنّهم لم يسلموا فقد كذب «4».

و في موثّقة جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قول اللّٰه تعالىٰ قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 427.

(2) الحجرات (49): 14.

(3) مجمع البيان 9: 207 208.

(4) الكافي 2: 25/ 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 466

فقال لي

أ لا ترى أنّ الإيمان غير الإسلام! «1».

و في حسنة «2» حُمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

الإيمان: ما استقرّ في القلب، و أفضى به إلى اللّٰه، و صدّقه العمل بالطاعة للّٰه، و التسليم لأمر اللّٰه،

و الإسلام: ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها، و به حقنت الدماء، و عليه جرت المواريث و جاز النكاح.

ثمّ استشهد بالآية المتقدّمة و قال:

فقول اللّٰه أصدق القول «3».

و تدلّ عليه أيضاً جملة من الروايات الأُخر، كموثّقة سَماعة المتقدّمة «4»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها: فقلت: فصفهما لي، فقال

الإسلام: شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه، و التصديق برسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث، و علىٰ ظاهره جماعة الناس، و الإيمان: الهدىٰ و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام، و ما ظهر من العمل به، و الإيمان أرفع من الإسلام بدرجة؛ إنّ الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر، و الإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن؛ و إن اجتمعا في القول و الصفة «5».

و هي بحسب ذيلها كالصريحة أو الصريحة في المقصود.

و يمكن المناقشة في صدرها بأن يقال: إنّ الشهادة لا تصدق إلّا مع الموافقة للقلوب، و لهذا كذّب اللّٰه تعالى المنافقين مع شهادتهم برسالة

______________________________

(1) الكافي 2: 24/ 3.

(2) تقدّم وجهها في الصفحة 436، الهامش 1.

(3) الكافي 2: 26/ 5.

(4) تقدّمت في الصفحة 435.

(5) الكافي 2: 25/ 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 467

النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ «1» و الظاهر أنّ تكذيبهم لعدم موافقة شهادتهم لقلوبهم.

و يمكن دفعها: بأنّ «الشهادة» صادقة بصِرف الشهادة ظاهراً، و لهذا تجعل مقسماً للصادقة و الكاذبة بلا تأوّل، و لعلّ التكذيب في الآية كان لقرينة علىٰ دعواهم موافقة القلوب للظاهر.

و كيف كان:

لا إشكال في دلالتها عليه.

و في صحيحة الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

إنّ الإيمان يشارك الإسلام، و لا يشاركه الإسلام؛ إنّ الإيمان ما وقر في القلوب، و الإسلام ما عليه المناكح و المواريث، و حقن الدماء «2».

و في رواية حفص بن خارجة قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) .. إلىٰ أن قال

فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان، و يجري عليه أحكام المؤمنين، و هو عند اللّٰه كافر، و قد أصاب من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله و عمله! «3» ..

إلىٰ غير ذلك.

و حمل تلك الروايات علىٰ لزوم جريان الأحكام في الظاهر لو أمكن في بعضها، لكن يأبىٰ عنه أكثرها.

______________________________

(1) المنافقون (63): 1.

(2) الكافي 2: 26/ 3.

(3) الكافي 2: 39/ 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 468

طهارة ولد الزنا و إسلامه

ثمّ إنّ المشهور علىٰ ما حكاه جماعة «1» طهارة ولد الزنا و إسلامه. بل عن «الخلاف» الإجماع علىٰ طهارته «2»، و لعلّه مبنيّ علىٰ أنّ فتوى السيّد بكفره «3» لا تلازم فتواه بنجاسته، كما أنّ فتوى الصدوق بعدم جواز الوضوء بسؤره «4» لا تستلزم القول بها.

و لم يحضرني كلام السيّد و لا الحلّي، و اختلف النقل عنهما؛ ففي «الجواهر»: «في «السرائر»: «أنّ ولد الزنا قد ثبت كفره بالأدلّة بلا خلاف بيننا» بل يظهر منه أنّه من المسلّمات، كما عن المرتضى الحكم بكفره أيضاً» «5» انتهىٰ.

و يظهر ذلك أيضاً من الشيخ سليمان البحراني، كما في «الحدائق» «6».

و هو لا يدلّ علىٰ حكمهما بنجاسته؛ لعدم الملازمة بينهما بعد قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة مطلق الكافر. إلّا أن يقال: إنّ السيّد قائل بنجاسة كلّ كافر، كما يظهر من

«انتصاره» «7» و «ناصرياته» «8».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 190، جواهر الكلام 6: 68، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 359/ السطر 10.

(2) انظر جواهر الكلام 6: 68، الخلاف 1: 713.

(3) الانتصار: 273.

(4) الفقيه 1: 8/ 11.

(5) جواهر الكلام 6: 68.

(6) الحدائق الناضرة 5: 191.

(7) الانتصار: 10.

(8) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 216/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 469

و كيف كان: تدلّ علىٰ إسلامه الأخبار الشارحة للإسلام الذي عليه المناكح و المواريث «1»، و إطلاقها شامل له بلا شبهة، و دعوىٰ عدم الإطلاق «2» في غاية الضعف، و هي حاكمة علىٰ جميع ما ورد في حقّ ولد الزنا، فإنّ غاية ما في الباب تصريح الأخبار بكفره، فتكون حالها حال الأخبار التي وردت في كفر كثير من الطوائف و شركهم ممّا مرّ الكلام فيها «3»، مع عدم دليل عليه أيضاً، كما سنشير إليه.

ثمّ إنّ القائل بكفره إن أراد منه أنّه لا يمكن منه الإسلام عقلًا، أو لا يقع منه خارجاً، فلا بدّ من طرح إظهاره للشهادتين؛ للعلم بتخلّفه عن الواقع.

ففيه: مضافاً إلىٰ عدم الدليل علىٰ ذلك لو لم نقل: إنّ الدليل علىٰ خلافه أنّه لو سلّم لا يوجب كفره؛ لما مرّ من أنّ الإسلام الذي يجري عليه الأحكام ظاهراً، ليس إلّا التسليم الظاهري و الانقياد بإظهار الشهادتين، فما لم يظهر منه شي ء مخالف لذلك، يكون محكوماً بالإسلام و لو علم عدم اعتقاده، كما قلنا في المنافقين «4».

و إن أراد منه أنّه محكوم بأحكام الكفر من عدم جواز التزويج و غيره، فهو ممكن، لكن يحتاج إلىٰ قيام دليل عليه، و هو مفقود؛ لأنّ الأخبار الواردة فيهم «5» الدالّة علىٰ عدم دخولهم في الجنّة فإنّها للمطهّرين لا

تدلّ علىٰ كفرهم، بل فيها ما تدلّ علىٰ صحّة إيمانهم، مثل ما دلّ علىٰ بناء بيت في النار لولد الزنا

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 435 436.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 570/ السطر 20.

(3) تقدّم في الصفحة 448 451.

(4) تقدّم في الصفحة 464.

(5) راجع المحاسن: 139/ 28 و 29، بحار الأنوار 5: 287/ 10 و 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 470

العارف، و كان منعّماً فيها، و محفوظاً عن لهيبها «1»، و هذا دليل علىٰ صحّة إيمانه.

و لا يجب على اللّٰه تعالىٰ أن يدخله الجنّة؛ فإنّ ما يحكم به العقل امتناع تعذيب اللّٰه تعالىٰ أحداً من غير كفر أو عصيان، و أمّا لزوم إدخاله في الجنّة بل لزوم جزائه و استحقاقه على اللّٰه تعالىٰ شيئاً فلا دليل عليه، بل العقل حاكم علىٰ خلافه.

نعم، لا يمكن تخلّف وعده، لكن لو دلّ دليل على اختصاص وعده بطائفة خاصّة، لا ينافي حكم العقل.

و كيف كان: هذه الطائفة من الأخبار أجنبية عن الأحكام الظاهرية، كأجنبية سائر ما تشبّث به في «الحدائق» «2» كما وردت في مساواة ديتهم لدية أهل الكتاب «3»، مع عدم عمل الطائفة بهذه الأخبار علىٰ ما حكي «4».

و ما وردت من «أنّ حبّ عليّ (عليه السّلام) علامة طيب الولادة و بغضه علامة خبثها» «5».

و ما وردت من «أنّ لبن أهل الكتاب أحبّ إليّ من لبن ولد الزنا» «6».

و ما وردت من «أنّ نوحاً (عليه السّلام) لم يحمل في السفينة ولد الزنا، مع حمله الكلب و الخنزير» «7».

______________________________

(1) المحاسن: 149/ 64، بحار الأنوار 5: 287/ 12.

(2) الحدائق الناضرة 5: 194 196.

(3) وسائل الشيعة 29: 222، كتاب الديات، أبواب ديات النفس، الباب 15.

(4) جواهر

الكلام 6: 70.

(5) بحار الأنوار 38: 189، الباب 63، الغدير 4: 322 323.

(6) الكافي 6: 43/ 5، وسائل الشيعة 21: 462، كتاب النكاح، أبواب أحكام الأولاد، الباب 75، الحديث 2.

(7) تفسير العيّاشي 2: 148/ 27 و 28، وسائل الشيعة 27: 377، كتاب الشهادات، الباب 31، الحديث 9 و 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 471

و ما وردت من عدم قبول شهادته، و عدم جواز توليته القضاء و الإمامة «1» .. إلىٰ غير ذلك ممّا لا دخل لها بكفره و نجاسته «2»، كما لا يخفى.

نعم، ربّما يتمسّك لنجاسته بأخبار غسالة الحمّام و بكفره «3»؛ بدعوىٰ ملازمتها مع كفره، و في المقدّمتين إشكال و منع.

أمّا الثانية: فلعدم الدليل عليها.

و أمّا الاولىٰ: فللإشكال في روايتها سنداً و دلالةً:

أمّا رواية حمزة بن أحمد، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته أو سأله غيري عن الحمّام، قال

ادخله بمئزر، و غضّ بصرك، و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام؛ فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنا و الناصب لنا أهلَ البيت، و هو شرّهم «4».

فمع ضعفها و إرسالها «5»، أنّ الظاهر منها أنّ اغتسال الجنب بما هو، مانع عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 374، كتاب الشهادات، الباب 31، و 8: 321، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 1 و 2 و 4 و 6.

(2) مثل رواية زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: لا خير في ولد الزنا و لا في بشره و لا شعره و لا لحمه و لا في دمه و لا في شي ء منه.

المحاسن: 108/ 100، بحار الأنوار 5: 285/ 6.

(3) و الظاهر أنّ

الصحيح «لكفره».

(4) تهذيب الأحكام 1: 373/ 1143، وسائل الشيعة 1: 218، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 1.

(5) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن عدّة من أصحابنا، عن محمّد بن عبد الحميد، عن حمزة بن أحمد. و الرواية ضعيفة بحمزة بن أحمد فإنّه مهمل. رجال الطوسي: 335/ 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 472

الاغتسال بغسالة الحمّام لا للنجاسة، و لعلّه لكون البقيّة هو الماء المستعمل، فلا يمكن الاستدلال بها لنجاسة ولد الزنا و لو كان الناصب نجساً.

و قريب منها رواية عليّ بن الحكم، عن رجل، عن أبي الحسن (عليه السّلام) في حديث أنّه قال:

لا تغتسل من غسالة الحمّام؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا، و يغتسل فيه ولد الزنا، و الناصب لنا أهلَ البيت، و هو شرّهم «1».

و الظاهر منها أنّ غسالة الغسل من الزنا بما هي من غسل الزنا مانع، و هو غير نجس بالضرورة. و الحمل علىٰ نجاسة عرقه خلاف ظاهرها.

و أمّا رواية ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال:

لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمّام؛ فإنّ فيها غسالة ولد الزنا، و هو لا يطهر إلىٰ سبع آباء «2».

فمع ضعفها و إرسالها «3»، تدلّ علىٰ خلاف مطلوبه؛ ضرورة أنّ قوله (عليه السّلام)

لا يطهر إلىٰ سبع آباء

بمنزلة التعليل للمنع، مع قيام الضرورة علىٰ عدم نجاسة آباء ولد الزنا أو أبنائه، فيعلم أنّ ما أوجب النهي عن غسالته هو خباثته المعنوية، لا النجاسة الصورية.

______________________________

(1) الكافي 6: 498/ 10، وسائل الشيعة 1: 219، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 14/ 1، وسائل الشيعة 1: 219، كتاب

الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 4.

(3) رواها الكليني، عن بعض أصحابنا، عن ابن جمهور، عن محمّد بن القاسم، عن ابن أبي يعفور.

و الرواية ضعيفة بمحمّد بن القاسم فإنّه مجهول.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 473

و لو كان المراد منه المبالغة فلا تناسب إلّا الخباثة المعنوية.

بل هي شاهدة علىٰ صرف سائر الروايات علىٰ فرض دلالتها، فأخبار هذا الباب ينبغي أن تعدّ من أدلّة طهارة ولد الزنا لا نجاسته.

فما في «الحدائق» من دعوى دلالة الأخبار الصحيحة الصريحة غير القابلة للتأويل علىٰ كفره أو نجاسته «1» علىٰ فرض إرادتها أيضاً، في غاية الغرابة؛ بعد ما عرفت من عدم دلالة رواية واحدة علىٰ مطلوبه. بل عرفت دلالتها علىٰ خلافه.

و أغرب منه توهّم عدم وقوف علمائنا الأعلام علىٰ هذه الأخبار «2» التي خرجت من لديهم إليه و إلى مثله، و هو عيال عليهم في العثور عليها، و كم له من نظير!

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 5: 193.

(2) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 475

تتميم يذكر فيه بعض ما هو محلّ خلاف بين الأصحاب

منها: عرق الجنب من الحرام

فعن جملة من المتقدّمين كالصدوقين و الشيخين و القاضي و ابن الجنيد القول بالنجاسة «1». و عن «الخلاف» الإجماع عليه «2». و عن الأُستاذ دعوى الشهرة العظيمة عليه «3»، و عن «الرياض» الشهرة العظيمة بين القدماء «4».

و عن «المراسم» و «الغنية» نسبته إلىٰ أصحابنا «5». و عن «المبسوط» إلىٰ رواية أصحابنا «6». و عن «أمالي الشيخ الصدوق»: «أنّه من دين الإمامية» «7».

______________________________

(1) المقنع: 43 نقله عن رسالة أبيه إليه، الفقيه 1: 40/ 153، المقنعة: 71، النهاية: 53، المهذّب 1: 51، انظر الحدائق الناضرة 5: 214.

(2) الخلاف 1: 483.

(3) مصابيح الظلام 1: 456/ السطر 13 (مخطوط).

(4) رياض المسائل

2: 366.

(5) المراسم: 56، غنية النزوع 1: 45.

(6) المبسوط 1: 37 38.

(7) أمالي الصدوق: 516.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 476

و استدلّ عليه بجملة من الروايات:

كرواية إدريس بن زياد الكَفَرْتوثي: أنّه كان يقول بالوقف، فدخل سرّ من رأى في عهد أبي الحسن (عليه السّلام) و أراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب، أ يصلّي فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره حرّكه أبو الحسن (عليه السّلام) بمقرعة، و قال مبتدئاً

إن كان من حلال فصلّ فيه، و إن كان من حرام فلا تصلّ فيه «1».

و عن «إثبات الوصيّة» لعليّ بن الحسين المسعودي نقل الرواية بتفصيل آخر، و في آخرها:

فقال لي

يا إدريس، أما آن لك؟

فقلت: بلىٰ يا سيّدي، فقال

إن كان العرق من الحلال فحلال، و إن كان من الحرام فحرام

من غير أن أسأله، فقلت به، و سلمت لأمره «2».

و عن «البحار»: «وجدت في كتاب عتيق من مؤلّفات قدماء أصحابنا رواه عن أبي الفتح غازي بن محمّد الطريفي، عن عليّ بن عبد اللّٰه الميموني، عن محمّد بن عليّ بن معمر، عن عليّ بن يقطين بن موسى الأهوازي، عن الكاظم (عليه السّلام) مثله، و قال

إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال، و إن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام «3».

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 1: 120، وسائل الشيعة 3: 447، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 12.

(2) إثبات الوصيّة: 201، مستدرك الوسائل 2: 571، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 7.

(3) بحار الأنوار 77: 118/ 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 477

كذا في «مفتاح الكرامة» «1» و في «المستدرك» ذكره بعد رواية

«المناقب» نقلًا عن «البحار» «2».

و عن «مناقب ابن شهرآشوب»: أنّ عليّ بن مَهْزِيار كان أراد أن يسأل أبا الحسن (عليه السّلام) عن ذلك و هو شاكّ في الإمامة .. إلىٰ أن قال: ثمّ قلت: أُريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب، فقلت في نفسي: إن كشف عن وجهه فهو الإمام، فلمّا قرب منّي كشف وجهه، ثمّ قال

إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام، لا تجوز الصلاة فيه، و إن كان جنابته من حلال فلا بأس

فلم يبقَ في نفسي بعد ذلك شبهة «3».

و عن «الفقه الرضوي»

إن عرقت في ثوبك و أنت جنب فكانت الجنابة من الحلال، فتجوز الصلاة فيه، و إن كان حراماً فلا تجوز الصلاة فيه حتّى يغسل «4».

نقله في «الحدائق» «5» و لم ينقله صاحب «المستدرك».

و قد يؤيّد بما ورد في غسالة الحمّام، كرواية عليّ بن الحكم، عن رجل، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال

لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا «6».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 1: 151/ السطر 7.

(2) مستدرك الوسائل 2: 569 570، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 5.

(3) المناقب 4: 413.

(4) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 84.

(5) الحدائق الناضرة 5: 217.

(6) تقدّمت في الصفحة 472.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 478

و في الكلّ نظر:

أمّا الإجماع أو الشهرة، فغير ثابت لا بالنسبة إلى النجاسة، و لا المانعية؛ لأنّ عبارات القدماء إلّا الشاذّ منهم خالية عن التصريح بالنجاسة، بل و لا ظهور فيها يمكن الاتكال عليه، ففي «الأمالي» فيما يملي من دين الإمامية: «و إذا عرق الجنب في ثوبه و كانت الجنابة من حلال، فحلال الصلاة

في الثوب، و إن كانت من حرام فحرام الصلاة فيه» «1».

و في «الفقيه»: «و متىٰ عرق في ثوبه و هو جنب، فليستنشف فيه إذا اغتسل، و إن كانت الجنابة من حلال فحلال الصلاة فيه، و إن كانت من حرام فحرام الصلاة فيه» «2».

و هما كما ترى ظاهران في المانعية لا النجاسة. بل الظاهر من الثاني الطهارة مع المانعية؛ لأنّ الظاهر أنّ الضمير المجرور في ذيله راجع إلى الثوب الذي أجاز التنشيف به.

و في «الخلاف»: «عرق الجنب إذا كان الجنابة من حرام يحرم الصلاة فيه، و إذا كان من حلال فلا بأس بالصلاة فيه».

ثمّ قال: «دليلنا: إجماع الفرقة، و دليل الاحتياط، و الأخبار التي ذكرناها في الكتابين المتقدّم ذكرهما» «3».

و هو كما ترى نقل الإجماع علىٰ حرمة الصلاة، و هي أعمّ من النجاسة، كحرمة الصلاة في وبر ما لا يؤكل.

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 516.

(2) الفقيه 1: 40/ 153.

(3) الخلاف 1: 483.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 479

و توهّم: أنّ مراده النجاسة؛ بقرينة تصريحه في «نهايته» بنجاسته «1»، و تظهر من «تهذيبه» أيضاً «2»، في غير محلّه حتّى بالنسبة إلىٰ فتواه، فضلًا عن نقل فتوى الفرقة؛ لاحتمال عدوله عن الفتوىٰ بالنجاسة. كما يظهر من محكي «مبسوطه» التوقّف في الحكم «3».

و في «التهذيب» في ذيل كلام المفيد حيث قال: «و لا يجب غسل الثوب منه أي من عرق الجنب- إلّا أن تكون الجنابة من حرام، فتغسل ما أصابه من عرق صاحبها من جسد و ثوب، و يعمل في الطهارة بالاحتياط» «4».

قال بهذه العبارة: «فأمّا ما يدلّ علىٰ أنّ الجنابة من حرام فإنّه يغسل الثوب منها احتياطاً، فهو ما أخبرني ..» ثمّ نقل صحيحة الحلبي قال:

«قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل أجنب في ثوبه ..» إلىٰ آخره، ثمّ حمل الرواية علىٰ عرق المجنب من حرام.

ثمّ قال: «مع أنّه يحتمل أن يكون المعنىٰ فيه أن يكون أصاب الثوب نجاسة، فحينئذٍ يصلّي فيه و يعيد» «5» انتهىٰ.

فترى أنّ كلام الشيخين مبني على الاحتياط.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 3، ص: 479

نعم يظهر منهما سيّما الأوّل أنّه لاحتمال النجاسة.

و في «المراسم»: «و أمّا غسل الثياب من ذرق الدجاج و عرق الجلّال و عرق

______________________________

(1) النهاية: 53.

(2) تهذيب الأحكام 1: 271/ ذيل الحديث 799.

(3) المبسوط 1: 37 38.

(4) تهذيب الأحكام 1: 268/ ذيل الحديث 785.

(5) تهذيب الأحكام 1: 271/ ذيل الحديث 798.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 480

الجنب من الحرام، فأصحابنا يوجبون إزالته، و هو عندي ندب» «1».

و الظاهر أنّ المسألة لم تكن إجماعية؛ لمخالفته صريحاً، و ذكرِ ذرق الدجاج. مضافاً إلىٰ عدم ظهور معتدّ به لكلامه في النجاسة.

و في «الغنية»: «و قد ألحق أصحابنا بالنجاسات عرق الإبل الجلّالة، و عرق الجنب إذا أجنب من حرام» «2».

و هو غير صريح، بل و لا ظاهر في النجاسة؛ لاحتمال أن يكون مراده الإلحاق الحكمي مطلقاً، أو في خصوص الصلاة، فيمكن تأييد شارح «الموجز» فعنه: «أنّ القول بالنجاسة للشيخ، و هو متروك» «3» بل تصديقه. بل تصديق دعوى الحلّي الإجماع على الطهارة؛ بدعوىٰ رجوع الشيخ عن القول بها «4»، فضلًا عن تصديق دعوى صاحب «المختلف» و «الذكرى» و «الكفاية» و «الدلائل» الشهرة عليها «5».

و أمّا الأخبار،

فلا دلالة لشي ء منها على النجاسة، نعم ظاهرها مانعيته عن الصلاة، و هي أعمّ منها.

نعم ما عن «الفقه الرضوي» «6» لا يخلو من إشعار بها، لكن كون هذا

______________________________

(1) المراسم: 56.

(2) غنية النزوع 1: 45.

(3) كشف الالتباس: 211/ السطر 13 (مخطوط).

(4) السرائر 1: 181.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 150/ السطر 28، مختلف الشيعة 1: 303، ذكرى الشيعة 1: 120، كفاية الأحكام: 12/ السطر 15.

(6) تقدّم في الصفحة 477.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 481

الكتاب رواية غير ثابت، فضلًا عن اعتباره.

فلو ثبت اعتماد الأصحاب علىٰ تلك الروايات الدالّة علىٰ عدم جواز الصلاة فيه، فلا محيص عن العمل بها. لكنّه أيضاً محلّ إشكال، سيّما مع ما في «الخلاف» كما تقدّم «1»، حيث تمسّك في الحكم بالأخبار التي في «التهذيبين» «2» فلو كان اعتماده علىٰ تلك الأخبار لم يقل ذلك، و لم يكن وجه لترك التمسّك بها في الكتابين، و سيّما مع نقل «الدلائل» عن «المبسوط» نسبة كراهة الصلاة فيه إلى الأصحاب «3»؛ و إن قال صاحب «مفتاح الكرامة»: «و لم أجد ذكر ذلك فيه» «4» فإنّ عدم وجدانه أعمّ.

فإثبات المانعية بتلك الروايات الضعيفة غير المجبورة، مشكل بل ممنوع، و الاتكال علىٰ نفس الشهرة و الإجماع المنقول في «الخلاف» و غيره أيضاً لا يخلو من إشكال؛ لإعراض المتأخّرين عنه من زمن الحلّي.

مضافاً إلىٰ أنّ مدّعي الإجماع كالشيخ توقّف أو مال إلى الخلاف، علىٰ ما في محكي «مبسوطه» «5».

و يظهر من «تهذيبه» «6» و الناسب إلى الأصحاب توقّف، كابن زهرة «7»، أو

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 478.

(2) تهذيب الأحكام 1: 271/ 799، الاستبصار 1: 187/ 655.

(3) راجع المبسوط 1: 91.

(4) مفتاح الكرامة 1: 151/ السطر

3.

(5) المبسوط 1: 91.

(6) تهذيب الأحكام 1: 271/ ذيل الحديث 799.

(7) غنية النزوع 1: 45.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 482

أفتىٰ بالخلاف، كأبي يعلى سلّار بن عبد العزيز «1».

و أمّا ما في «الأمالي» فالظاهر أنّ ما أدّى إليه نظره عدّه من دين الإمامية، كما يظهر بالرجوع إلىٰ أحكام ذكرها في ذلك المجلس.

هذا مع ما في جملة من الروايات المصرّحة بعدم البأس عن عرق الجنب، و لا يبعد دعوى تحكيم بعضها علىٰ تلك الأخبار:

مثل ما عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال

سألت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن الجنب و الحائض يعرقان في الثوب حتّى يلصق عليهما، فقال: إنّ الحيض و الجنابة حيث جعلهما اللّٰه عزّ و جلّ، ليس في العرق، فلا يغسلان ثوبهما «2».

و عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لا يجنّب الثوب الرجل، و لا يجنّب الرجل الثوب «3».

فلو كان عرق الجنب موجباً للنجاسة أو المانعية في الجملة، لم يعبّرا بمثل ما ذكر فيهما.

هذا و لكن الاحتياط لا ينبغي أن يترك، سيّما بالنسبة إلى المانعيّة.

______________________________

(1) المراسم: 56.

(2) تهذيب الأحكام 1: 269/ 792، وسائل الشيعة 3: 447، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 9.

(3) الكافي 3: 52/ 4، وسائل الشيعة 3: 445، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 483

و منها: عرق الإبل الجلّالة
اشارة

و الأقوى نجاسته، وفاقاً للمحكي عن الصدوقين «1» و الشيخين في «المقنعة» و «النهاية» و «المبسوط» و القاضي و العلّامة في «المنتهىٰ» و صاحب «كشف اللثام» و «الحدائق» و «اللوامع» «2» و عن «الرياض»: «أنّها الأشهر بين القدماء» «3».

و قد تقدّم ما في «الغنية» و «المراسم» من

نسبة إلحاقه بالنجاسات في الأوّل و نسبة وجوب إزالته عن الثياب في الثاني إلى الأصحاب «4».

و ما قلنا في المسألة السابقة: «إنّ المحتمل في الأوّل الإلحاق الحكمي، و لم يكن الثاني صريحاً في النجاسة» «5» لدفع تحصيل الشهرة أو الإجماع بإبداء الاحتمال لا ينافي تشبّثنا بكلامهما في المقام؛ للفرق بين المسألتين: بأنّ هناك لم يدلّ دليل معتمد على النجاسة، بل و لا على المانعية، فاحتجنا في إثباتها إليهما و لو لجبر سند بعض ما تقدّم، و المناقشة في تحقّقهما أو جبر الإسناد بهما بما تقدّم كافية فيه.

و هاهنا تدلّ الرواية الصحيحة علىٰ نجاسته، فلا يجوز رفع اليد عنها إلّا بإثبات إعراض الأصحاب عنها، و مع المناقشة فيه باحتمال كون مراد صاحب

______________________________

(1) نسبه في اللوامع إلى الصدوقين على ما في الجواهر. انظر جواهر الكلام 6: 77، الفقيه 3: 214/ 991، المقنع: 421.

(2) المقنعة: 71، النهاية: 53، المبسوط 1: 38، المهذّب 1: 51، منتهى المطلب 1: 170/ السطر 12، كشف اللثام 1: 416، الحدائق الناضرة 5: 221، اللوامع 1: 141 (مخطوط).

(3) رياض المسائل 2: 368.

(4) تقدّم في الصفحة 479 480.

(5) تقدّم في الصفحة 479 480.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 484

«الغنية» و «المراسم» ذهابَ الأصحاب إلى نجاسته تبقى الصحيحة سليمة عن الموهن، و هي صحيحة حفص بن البَخْتَري، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا تشرب من ألبان الإبل الجلّالة، و إن أصابك شي ء من عرقها فاغسله «1».

و إطلاق صحيح هشام بن سالم، عنه (عليه السّلام) قال قال

لا تأكل اللحوم الجلّالة، و إن أصابك من عرقها فاغسله «2».

و عن «الفقيه»: نهىٰ (عليه السّلام) عن ركوب الجلّالات و شرب ألبانها

و

إن أصابك من عرقها فاغسله «3».

و خلافاً «للمراسم» «4» و عن الديلمي «5» و الحلّي «6» و جمهور المتأخّرين «7». بل عن «كشف الالتباس» و «الذكرى» و «البحار» و غيرها نسبته إلى الشهرة من غير تقييد «8». بل عن «كشف الالتباس»: «أنّ القول بالنجاسة للشيخ، و هو متروك» «9».

______________________________

(1) الكافي 6: 251/ 2، وسائل الشيعة 3: 423، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 15، الحديث 2.

(2) الكافي 6: 250/ 1، تهذيب الأحكام 1: 263/ 768، وسائل الشيعة 3: 423، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 15، الحديث 1.

(3) الفقيه 3: 214/ 991.

(4) المراسم: 56.

(5) نفس المصدر.

(6) السرائر 1: 181.

(7) انظر ذخيرة المعاد: 155/ السطر 29.

(8) كشف الالتباس: 211/ السطر 12 (مخطوط)، ذكرى الشيعة 1: 120، بحار الأنوار 77: 120، كفاية الأحكام: 12/ السطر 15.

(9) كشف الالتباس: 211/ السطر 12 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 485

حول كلام صاحب الجواهر في المقام

و قد بالغ المحقّق صاحب «الجواهر» في تشييده و تأييده بما لا مزيد عليه، و لم يأتِ بشي ء مقنع يتجه معه ترك العمل بالحجّة الظاهرة في النجاسة:

أمّا تمسّكه بالأُصول، فمع الإشكال في بعضها فظاهر، كتمسّكه بعمومات طهارة الحيوان أو سورة. و كون الجلّال طاهر العين. و ملازمة طهارة سؤره لطهارة عرقه؛ لعدم الانفكاك غالباً. و استبعاد الفرق بينه و بين ما حرّم أكله أصالة، بل و بين سائر الجلّالات، بل و بين سائر فضلات نفسه. و ما دلّ علىٰ حلّ أكله بعد الاستبراء من غير ذكر نجاسته. و بفحوىٰ عدم حرمة استعماله في الركوب و حمل الأثقال مع استلزامه للعرق غالباً من غير الأمر بالتجنّب «1».

إذ العمومات علىٰ فرض وجودها قابلة للتخصيص. مع أنّ الظاهر عدم عموم

لفظي يدلّ علىٰ طهارة الجلّال أو سورة، بل لو كان شي ء يكون إطلاقاً. مع أنّه أيضاً محلّ تأمّل و مناقشة، و علىٰ فرضه قابل للتقييد.

و قضيّة ملازمة طهارة سؤره لطهارة عرقه علىٰ فرضها إنّما هي متّجهة لورود دليل في خصوص سؤر الجلّال، و هو مفقود، و العمومات و الإطلاقات لا تقتضي ما ذكر، مع أنّها مخصّصة أو مقيّدة.

و الاستبعاد المذكور غير معتمد في الأحكام التعبّدية، مع عدم بُعْد في بعض، و عدم إطلاق فيما دلّ علىٰ حلّ الأكل بعد الاستبراء؛ لكونها في مقام بيان حكم آخر.

و منه يظهر حال الفحوى المدعاة .. إلىٰ غير ذلك من مؤيّداته.

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 78 79.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 486

و أمّا ما أفاده: «من أنّ صحيحة هشام و مرسل «الفقيه» لا اختصاص فيهما بالإبل و لا قائل غير «النزهة» بالأعمّ «1»، و التخصيص إلىٰ واحد غير جائز و الحمل على العهد تكلّف، فلا بدّ من الحمل علىٰ غير الوجوب، و إلّا لكان الخبر من الشواذّ. و مجاز الندب أولىٰ من عموم المجاز؛ لشيوعه حتّى قيل: «إنّه مساوٍ للحقيقة» «2» فيكون قرينة علىٰ إرادة الندب أيضاً بالنسبة إلى الإبل في حسنة حفص» «3».

ففيه: بعد تسليم جميع المقدّمات أنّه لا يوجب رفع اليد عن الحسنة، و دعوى قرينية ما ذكر لإرادة الندب فيها ممنوعة، بل هي مخصّصة أو مقيّدة للصحيح و المرسل.

مع أنّ ما ذكر من المقدّمات غير سليمة عن المناقشة، بل المنع؛ لمنع لزوم الاستهجان لو قلنا بعدم نجاسة غير عرق الإبل، فإنّ هيئة الأمر علىٰ ما ذكرنا في محلّه لا تدلّ على الوجوب دلالة لفظية وضعية، بل هي موضوعة للبعث و الإغراء «4»،

كما أنّ هيئة النهي موضوعة للزجر «5»، فهي في عالم الألفاظ كالإشارة المغرية أو الزاجرة.

نعم، مع عدم قيام دليل على الترخيص تكون حجّة على العبد؛ لحكم العقل و العقلاء بلزوم تبعية إغراء المولى و زجره مع عدم الدليل على الترخيص، كما ترى في الإشارة الإغرائية أو الزاجرة مع عدم وضعها لشي ء.

فحينئذٍ نقول: إنّ الترخيص إلىٰ واحد، لا يوجب الاستهجان مع بقاء أصل

______________________________

(1) نزهة الناظر: 19.

(2) معالم الدين: 53.

(3) جواهر الكلام 6: 79.

(4) مناهج الوصول 1: 243، تهذيب الأُصول 1: 135.

(5) مناهج الوصول 2: 104، تهذيب الأُصول 1: 373.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 487

البعث بالنسبة إلىٰ سائر الأفراد؛ فإنّ الترخيص ليس مخصّصاً للدليل، بل يكون كاشفاً عن عدم الإرادة الإلزامية بالنسبة إلى مورد الترخيص، مع بقاء البعث بحاله من غير ارتكاب خلاف ظاهر.

نعم، لو دلّ دليل علىٰ عدم استحباب غسل عرق سائر الجلّالات، لا يبعد القول بالاستهجان.

هذا لو لم نقل: بأنّ كثرة ابتلاء أهالي محيط ورود الروايات بالإبل، دون سائر الجلّالات، فإنّها بالنسبة إلى غير الإبل كانت قليلة؛ بحيث توجب الانصراف أو عدم استهجان التخصيص، و إلّا فالأمر أوضح.

و الإنصاف: عدم قيام الحجّة بما ذكره لرفع اليد عن الحجّة القائمة على النجاسة، فالأقوىٰ نجاسته.

طهارة عرق سائر الجلّالات

كما أنّ الأقوىٰ طهارة عرق سائر الجلّالات، و الأحوط التجنّب منه أيضاً.

و قد وقع من الشيخ الأعظم هنا أمر ناشئ عن الاستناد إلىٰ حافظته الشريفة و التعجيل في التصنيف: و هو أنّه نقل حسنة ابن البَخْتَري مع إسقاط لفظة

الإبل

فقال: «إنّ ظاهر الصحيحة الأُولىٰ كالحسنة عدم اختصاص الحكم بالإبل» «1».

مع أنّ جميع النسخ الموجودة عندي و كذا الكتب الفرعية التي راجعتها، مشتملة عليها، و من هنا

لزم علىٰ كلّ باحث أن يراجع المدارك عند التأليف و الفتوىٰ، و لا يكتفي بالكتب الاستدلالية لنقل الرواية، و لا يتكل عليها، فضلًا عن حفظ نفسه؛ بعد ما رأى وقوع مثله مِن مثل مَن هو تألى العصمة و فقيهُ الأُمّة، و اللّٰه العاصم.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 367، السطر 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 488

ثمّ إنّه قد تقدّم الكلام في المسوخ «1»، فلا نطيل بالإعادة.

و هنا بعض أُمور أُخر قد ذهب بعض إلىٰ نجاسته، و دلّت بعض الأخبار عليها، كلبن الجارية «2» و الحديد «3» و أبوال البغال و الحمير «4»، و غيرها «5» ممّا هي ضعيفة المستند بعد كون طهارتها كأمر ضروري، فلا نطيل بذكرها.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 226.

(2) ذهب ابن حمزة إلى نجاسة لبن الجارية. الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 78. و الرواية التي يستدلّ عليها، هو خبر السكوني و فيه «لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ..» إلىٰ آخره.

تهذيب الأحكام 1: 250/ 718، وسائل الشيعة 3: 398، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 4.

(3) لم نقف على قائل بنجاسته و لكن قد ورد في بعض الأخبار «لا تجوز الصلاة في شي ء من الحديد فإنّه نجس ممسوخ».

راجع الحدائق الناضرة 5: 233، جواهر الكلام 6: 84، وسائل الشيعة 3: 530، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 83، الحديث 5 و 6 و 7.

(4) و المنقول عن ابن الجنيد و عليه الشيخ في النهاية: نجاسة أبوال البغال و الحمير. انظر المعتبر 1: 413، النهاية: 51، و أمّا الروايات فقد ورد في بعضها «يغسل بول الحمار و الفرس و البغل ..» إلىٰ آخره وسائل الشيعة 3: 406، كتاب الطهارة،

أبواب النجاسات، الباب 9.

(5) كالقي ء كما نقل عن بعض الأصحاب نجاسته، انظر الحدائق الناضرة 5: 233، و قد ورد في بعض الروايات «يجزيك من الرعاف و القي ء أن تغسله و لا تعيد الوضوء».

تهذيب الأحكام 1: 349/ 1026، وسائل الشيعة 1: 266، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 7، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 3، ص: 489

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً، و ظاهراً و باطناً، و قد وقع الفراغ من مبيضة هذه الوريقات في صبيحة العاشر من ذي الحجّة الحرام سنة 1373 ه

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.