كتاب الطهارة الحديثات المجلد 2

اشارة

سرشناسه : خميني، روح الله، رهبر انقلاب و بنيانگذار جمهوري اسلامي ايران، 1368 - 1279

عنوان و نام پديدآور : كتاب الطهاره/ تاليف الامام الخميني

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظيم و نشر آثار الامام الخميني(س)، 1380.

مشخصات ظاهري : ج 4

شابك : 964-335-460-1(دوره) ؛ 964-335-485-x(ج.1) ؛ 964-335-459-811000ريال:(ج.2) ؛ 964-335-380-x13000ريال:(ج.3) ؛ 964-335-381-811000ريال:(ج.4)

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.

يادداشت : كتابنامه

موضوع : طهارت

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

شناسه افزوده : موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني(س)

رده بندي كنگره : BP185/2/خ75ك2 1380

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 80-2199

المقدمه

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين، و صلّى اللّٰه علىٰ محمّد و آله الطاهرين، و لعنة اللّٰه علىٰ أعدائهم أجمعين و بعد ..

فلمّا انجرّ بحثنا إلى الطهارة الترابية أحببت أن أُفرد فيها رسالة لذكر مهمّات أحكامها، و لمّا كان التيمّم ماهية ذات إضافة إلى المتيمّم، و إلى ما يتيمّم به، و لها أحكام، صارت المباحث فيها أربعة:

بحث في ماهيته.

و آخر في المتيمّم.

و ثالث فيما يتيمّم به.

و رابع في الأحكام.

و نحن نذكر المباحث علىٰ ترتيب «الشرائع» لكون بحثنا موافقاً له و إن كان الترتيب الطبيعي يقتضي غير ذلك.

و قبل الورود في المباحث لا بأس بذكر أُمور

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 7

[المقدمة و فيها أمور]

الأمر الأوّل حول كون التيمّم من ضروريات الدين

منها: أنّه لا إشكال في مشروعيّة التيمّم كتاباً «1» و سنّة «2» و إجماعاً «3»، و أمّا كونه من ضروريّات الدين «4» ففيه تأمّل و إن لا يبعد في الجملة.

كما أنّ كون منكر الضروري كافراً «5»، محلّ إشكال يأتي الكلام فيه في مباحث النجاسات «6» إن ساعدنا التوفيق إن شاء اللّٰه.

و الإشكال فيه ناشئ من أنّ إنكار الضروري، هل هو بنفسه موجب للكفر، أو إذا لزم منه إنكار اللّٰه أو توحيده أو رسالة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)؟ و الأظهر هو الثاني، و لا مجال لتفصيل ذلك.

______________________________

(1) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 341، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 1 5.

(3) مدارك الأحكام 2: 175 و 176، رياض المسائل 2: 289، مستند الشيعة 3: 346.

(4) جواهر الكلام 5: 73.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 355 356.

(6) يأتي في الجزء الثالث: 442.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 8

الأمر الثاني عدم اتصاف الطهارات بالوجوب مطلقاً

و منها: أنّ التحقيق عدم اتصاف الطهارات الثلاث بالوجوب؛ لا نفسيّاً، و لا غيريّاً، و لا بعنوان آخر، كالنذر و شبهه:

أمّا عدم الوجوب النفسي: فلقصور الأدلّة عن إثباته؛ لأنّ الظاهر من كلّ ما ورد فيها من الأوامر و غيرها هو الإرشاد إلى الشرطيّة؛ لأنّ الأوامر المتعلّقة بالأجزاء و غيرها من متعلّقات المركّبات، لا ظهور لها في المولويّة بحسب فهم العرف، فقوله تعالىٰ إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. «1» إلىٰ آخره، لا يدلّ إلّا علىٰ أنّ تلك الماهيات أو أثرها شرط للصلاة، و الأوامر المتعلّقة بها للإرشاد إلى الشرطيّة.

لا أقول باستعمال الهيئة في غير ما وضعت له، فإنّ التحقيق أنّ هيئة الأمر الموضوعة لنفس البعث و الإغراء، استعملت

في مثل المقام فيما وُضعت له، لكنّ البعث لداعي إفادة الشرطية. كما أنّ النهي في مثل المقام

كقوله: «لا تصلِّ في وَبَر ما لا يُؤكل لحمه» «2»

استعمل في الزجر، لكن لإفادة مانعيته للصلاة.

بل الظاهر من

قول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة زرارة: «الوضوء فريضة» «3»

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

(2) لم نعثر عليه بهذا اللفظ، و لكن ورد مضمونه في الروايات، انظر وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 1: 346/ 1013، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 9

أيضاً كونه فريضة في الصلاة، و هو لا يفيد إلّا الشرطيّة. و الدليل عليه

صحيحته عن أبي جعفر (عليه السّلام) أيضاً بالسند المتقدّم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الفرض في الصلاة، فقال: «الوقت و الطهور و القبلة و التوجّه و الركوع و السجود و الدعاء» «1»

فعدّ الوقت من فرائض الصلاة في عَرْض الطهور، و لا إشكال في أنّ الوقت فرض فيها بالمعنى الذي ذكرنا.

و كيف كان: لا إشكال في عدم الوجوب النفسي في الطهارات، كما يدلّ عليه بعض الروايات، كرواية الكاهلي و غيرها «2».

كما أنّ التحقيق عدم الوجوب الغيري أيضاً؛ لما ذكرنا في محلّه من عدم وجوب المقدّمة شرعاً، بل عدم إمكان وجوبها «3». بل لو قلنا بوجوب المقدّمة أيضاً، لا يلزم منه وجوب تلك العناوين بما هي؛ لما حقّق من وجوب المقدّمة الموصلة «4»؛ أي عنوان «الموصل» بما هو موصل، فلا يسري الوجوب منه إلىٰ ما يتّحد معه وجوداً.

فلا تقع الطهارات الثلاث إلّا علىٰ وجه واحد هو الاستحباب، و إنّما جُعلت شرطاً

و مقدّمة للصلاة بما هي مستحبّات و عبادات، فما هو شرط لها هو الوضوء العباديّ و التيمّم العباديّ، فتكون عباديّتها قبل تعلّق الأمر الغيري بها، علىٰ فرض تصوير الأمر الغيري، فلا يمكن أن تكون عباديّتها لأجل الأمر الغيري المتعلّق بها؛

______________________________

(1) الكافي 3: 272/ 5، تهذيب الأحكام 2: 241/ 955، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 3.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 314، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 22، الحديث 1 و 2.

(3) مناهج الوصول 1: 410، تهذيب الأُصول 1: 278.

(4) مناهج الوصول 1: 401، تهذيب الأُصول 1: 264 و 267.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 10

لأنّ الأمر الغيري لا يتعلّق إلّا بما هو شرط للصلاة، فإن كان الشرط ذات تلك الأفعال بلا اعتبار قيد العباديّة و القربة، كان اللازم صحّتها و صحّة الصلاة مع إتيانها بلا قصد التقرّب، كما أنّ الأمر كذلك في الستر و التطهير من الخبث، و هو كما ترى.

و إن كان الشرط هي مع قيد العباديّة، فلازمه كون عباديّتها مقدّمة علىٰ شرطيّتها المتقدّمة على الأمر الغيري. و كون عباديّتها للأمر النفسي المتعلّق بالصلاة أسوأ حالًا منه، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «1».

فتحصّل ممّا ذُكر: أنّ التيمّم بما هو عبادة جعل شرطاً للصلاة، فلا بدّ و أن يكون مستحبّاً نفسيّاً مثل الوضوء، مع أنّ الأصحاب لم يلتزموا باستحبابه النفسي علىٰ حذو الوضوء.

و يحسم الإشكال: بإمكان أن يكون التيمّم مستحبّاً نفسيّاً في ظرف خاصّ؛ هو ظرف وجوب الإتيان بما هو مشروط به، أو إرادة ذلك، أو يكون مستحبّاً نفسيّاً بحسب ذاته مطلقاً، لكن عرض له عنوان مانع عن التعبّد به في غير الظرف الكذائي.

هذا، لكن التحقيق:

أنّ الوضوء أيضاً ليس مستحبّاً نفسيّاً إلّا باعتبار حصول الطهارة به، و أمّا نفس الأفعال بما هي فلا تستحبّ، و التيمّم مع تلك الغاية أيضاً مستحبّ، و سيأتي التفصيل في بعض المباحث الآتية «2».

و أمّا عدم وجوبها بسائر العناوين: فلأنّ النذر و شبهه إذا تعلّق بعنوان، لا يوجب إلّا وجوب الوفاء به، و هو لا يوجب سراية الوجوب من عنوان الوفاء به إلىٰ عنوان آخر، بل لا يعقل ذلك، و إن كان متّحداً معه في الوجود، فالواجب في النذر هو الوفاء به، لا الوضوء المنذور المتّحد معه وجوداً لا عنواناً.

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 383 387، تهذيب الأُصول 1: 251 256.

(2) يأتي في الصفحة 325.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 11

الأمر الثالث عدم جواز تحصيل العجز عن الطهارة المائية

اشارة

و منها: أنّه لا إشكال في أنّ التكليف إذا تعلّق بعنوانين متقابلين، مثلًا كالمسافر و الحاضر، و الواجد للماء و الفاقد، و كذا إذا كان التعلّق مشروطاً كما إذا قيل «إذا كنت في السفر فكذا، و إن كنت في الحضر فكذا» لا يجب على المكلّف حفظ العنوان في الفرض الأوّل، و حفظ الشرط في الثاني، فيجوز تبديل أحد العنوانين بالآخر و رفع الشرط؛ سواء كان قبل تحقّق التكليف و تنجّزه أو لا؛ لعدم اقتضاء التكليف حفظ موضوعه، و لا المشروط حفظ شرطه، فيجوز للحاضر السفر قبل الوقت و بعده، و للواجد إراقة الماء قبله و بعده.

كما لا ريب في أنّه إذا توجّه التكليف بنحو الإطلاق إلى المكلّف، لا يجوز تعجيز نفسه؛ لأنّ القدرة ليست من القيود و العناوين المأخوذة في المكلّف، و لا شرطاً للتكليف؛ لا شرعاً و لا عقلًا، لكنّ العاجز معذور في ترك التكليف المطلق الفعلي، فلو قال: «يجب

على الناس إنقاذ الغرقىٰ» لا يكون هذا التكليف المتعلّق بالعنوان الكلّي، مشروطاً بحال القدرة شرطاً شرعيّاً، و إلّا لكان للمكلّف تعجيز نفسه، و لما وجب عليه الاحتياط في الشكّ في القدرة، و ليس للعقل تقييد حكم الشرع، بل هو حاكم بمعذوريّة العبد عند مخالفة التكليف في صورة عجزه، و عدم معذوريّته مع قدرته.

و توهّم لزوم تعلّق التكليف و البعث بالعاجز، قد فرغنا من دفعه في الاصول «1».

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 28، تهذيب الأُصول 1: 308.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 12

كما أنّه لو فرض استفادة وجود اقتضاء التكليف من الأدلّة في صورة عروض عنوان على المكلّف يوجب تعلّق تكليف آخر به، يكون حكمه حكم العجز العقلي، كما لو فرض استفادة اقتضاء لزوميّ للطهارة المائية أو الصلاة معها حتّى في حال عروض فقدان الماء، فلا يجوز إراقته أو تحصيل العجز في هذه الصورة أيضاً. هذا كلّه ممّا لا إشكال فيه.

إنّما الإشكال في أنّ حال الطهارة المائية و الترابية ماذا، و هل التكليف متعلّق بالواجد و بالفاقد كتعلّقه بالحاضر و المسافر، أو يكون التكليف بالطهارة المائية مطلقاً، و له اقتضاء حتّى في صورة فقدان الماء، و الطهارة الترابية مصداق اضطراريّ سوّغه العجز عن المائية مع بقاء الاقتضاء اللزومي، فلا يجوز تحصيل الاضطرار؟

أدلّة عدم جواز التعجيز

الأوّل: الكتاب

فاللازم صرف الكلام أوّلًا إلى الآية الشريفة، ثمّ إلىٰ مقتضى الروايات:

قال تعالىٰ في المائدة يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً

طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «2».

______________________________

(2) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 13

أمر تعالىٰ شأنه بالوضوء أوّلًا، و مع فرض الجنابة بالغسل؛ لظهور قوله فَاطَّهَّرُوا بعد قوله فَاغْسِلُوا و قبل فرض العجز عن الماء في التطهير بالماء، و إطلاقها يقتضي مطلوبيّتهما مطلقاً و اقتضاءهما كذلك حتّى في فرض العجز و الفقدان.

و ليس لأحد أن يقول: إنّ عدم ذكر قيد الوجدان لحصوله غالباً و نُدرة فقدانه، فإنّ نُدرة فقدانه في تلك الأزمان و الأسفار ممنوعة. و لو سُلِّم نُدرته لكنّ العجز المطلق المستفاد من الآية بذكر المرض و إلغاء الخصوصيّة بالنسبة إلىٰ سائر الأعذار، كما يأتي بيانه «1» ليس بنادر. كما أنّ كونها بصدد بيان كيفية الوضوء، لا ينافي الإطلاق من جهة أُخرى، فالآية الشريفة بصدد بيان تكليف صنوف المكلّفين من الواجد و الفاقد و الجنب و غيره.

و قوله تعالىٰ فَلَمْ تَجِدُوا لا يصلح لتقييد الصدر؛ بحيث صار معنوناً بعنوان «الواجد» فيكون العنوانان عِدْلين ك «الحاضر» و «المسافر»:

أمّا أوّلًا: فلأنّ العرف يفهم من عنوان «الفاقد» و «عدم الوجدان» و نظيرهما من العناوين الاضطراريّة أنّ الحكم المتعلّق به إنّما هو في فرض الاضطرار و العجز عن المطلوب الأصلي، و في مثله لا يكون التكليفان في عَرْض واحد علىٰ عنوانين.

و أمّا ثانياً: فلأنّ جعل المرضىٰ قرين المسافر، دليل علىٰ أنّ الحكم كما في المرضى اضطراري الجائي، كذلك في سائر الأصناف.

و أمّا ثالثاً: فلأنّ التذييل بقوله مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ الظاهر عرفاً في كونه مربوطاً بالتيمّم في حال المرض و السفر، و

أنّ الأمر

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 14

بالتيمّم لأجل التسهيل و رفع الحرج؛ فإنّ الأمرَ للمرضىٰ بالطهارة المائية و للمسافر بتحصيل الماء كيفما اتّفق حرجيٌّ، و ما يريد اللّٰه ذلك يدلّ علىٰ أنّ التيمّم سوّغ لأجل التسهيل، و رفع الوضوء و الغسل للحرج، و لا يكون ذلك إلّا مع تحقّق الاقتضاء، فيفهم منه أنّ التكليف الأوّلي الأصلي هو الطهارة المائية، و له اقتضاء حتّى في صورة العجز، فلا يجوز تحصيل العجز، و يجب عليه تحصيل المائية حتّى الإمكان مع عدم الوصول إلىٰ حدّ الحرج.

الثاني: السنّة
و تدلّ عليه أيضاً روايات:
منها: [صحيحة محمّد بن مسلم،]

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألت عن رجل أجنب في سفر، و لم يجد إلّا الثلج أو ماءً جامداً، فقال: «هو بمنزلة الضرورة، يتيمّم، و لا أرىٰ أن يعود إلىٰ هذه الأرض التي توبق دينه» «1».

و الظاهر أنّ المراد من عدم وجدان غير الثلج و الماء الجامد، عدم وجدان ما يتوضّأ به، لا ما يتيمّم به اختياراً كما زعمه صاحب «الوسائل» «2» فحينئذٍ تدلّ علىٰ أنّ التيمّم مصداق اضطراريّ سوّغ في حال الضرورة، و يدلّ ذيلها علىٰ عدم جواز تحصيل الاضطرار اختياراً، و أنّ الترابية ما وفت بما وفت المائية، و الذهاب إلىٰ تلك الأرض لأجل تفويت التكليف الأعلى من قبيل هلاك الدين و تفويت ما يجب تحصيله.

و منها: ما دلّت علىٰ وجوب شراء الماء علىٰ قدر جِدته

و لو بمائة ألف و كم

______________________________

(1) الكافي 3: 67/ 1، تهذيب الأحكام 1: 191/ 553، وسائل الشيعة 3: 355، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 3: 355، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، ذيل الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 15

بلغ،

قائلًا: «و ما يشتري بذلك مال كثير» «1»

، فإنّ المتفاهم منها وجوب حفظ الموضوع، و يرى العرف جواز إراقته بعد الشراء منافياً لها، خصوصاً مع قوله: «ما يشتري بذلك مال كثير» و الظاهر أنّ المراد ليس نفس الماء، بل ما يترتّب عليه من الخاصّية، و لو ترتّبت تلك الخاصّية بعينها على التراب لا يكون ذلك مالًا كثيراً مع كون وجوده و عدمه على السواء. و التعليل دليل علىٰ أنّ وجوب الشراء إنّما هو لتحصيل المصلحة الملزمة، لا لكونه واجداً للماء حتّى يتوهّم عدم المنافاة بين وجوب شرائه و جواز إراقته لتبديل

الموضوع.

و بالجملة: لا شبهة في أنّ المتفاهم منها لزوم تحصيل الماء و كون الصلاة مع المائية مطلوبة حتّى الإمكان، و أنّها الفرد الأعلى.

و منها: ما دلّت علىٰ وجوب الطلب

«2»، و من الغرائب بل الباطل لدى العرف وجوب تحصيل الماء بالطلب و جواز إراقته بعد الوجدان، و إن أمكن أن يقال: إنّ الطلب واجب لتحصيل العلم بتحقّق الموضوع، فلا ينافي رفع الموضوع اختياراً. لكنّه احتمال عقليّ لا يساعد عليه العرف بحسب ما يتفاهم من الروايات.

الروايات المنافية لما سبق

نعم، هنا روايات ظاهرها ينافي ما تقدّم،

كرواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل يكون مع أهله في السفر، فلا يجد الماء، يأتي أهله؟ فقال: «ما أُحبّ أن يفعل ذلك، إلّا أن يكون شَبِقاً، أو يخاف علىٰ نفسه» «3».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 26.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 341، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 405/ 1269، وسائل الشيعة 3: 390، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 27، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 16

و عن «السرائر» نقلًا من كتاب محمّد بن علي بن محبوب مثله، و زاد: قلت: يطلب بذلك اللذّة؟ قال: «هو له حلال».

قلت: فإنّه رُوي عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّ أبا ذرّ سأله عن هذا، فقال: «ائت أهلك تؤجر ..» «1» إلىٰ آخره.

بدعوىٰ: أنّها بإلغاء الخصوصيّة عرفاً أو بالأولويّة، تدلّ علىٰ جواز نقض الوضوء أيضاً، فتدلّ علىٰ أنّ الترابية و المائية سواء.

و

رواية السكوني الموثّقة برواية المفيد مع نحو إشكال فيها؛ و هو احتمال الإرسال «2» عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن أبي ذرّ (رضى اللّٰه عنه): «أنّه أتى النبيَّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: يا رسول اللّٰه هلكتُ؛ جامعتُ علىٰ غير ماء! قال: فأمر النبي (صلّى اللّٰه عليه و

آله و سلّم) بمحمل، فاستترنا به، و بماء، فاغتسلتُ أنا و هي.

ثمّ قال: يا أبا ذرّ، يكفيك الصعيد عشر سنين» «3».

______________________________

(1) السرائر 3: 612، وسائل الشيعة 3: 390، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 27، الحديث 2.

(2) رواها الشيخ الطوسي عن الشيخ (و هو المفيد)، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العباس، عن السكوني. و العبّاس في مشايخ محمّد بن أحمد بن يحيىٰ منصرف إلى العبّاس بن معروف و لم نعثر علىٰ روايته عن السكوني إلّا في هذا المورد و أكثر ما يروي عن السكوني بتوسط أبي همام، عن محمّد بن سعيد بن غزوان كما في سنده الآخر برواية محمّد بن علي بن محبوب، عن العباس بن معروف، عن أبي همام، عن محمّد بن سعيد بن غزوان، عن السكوني فلا محالة في سند الرواية سقط أو إرسال.

(3) تهذيب الأحكام 1: 194/ 561 و 199/ 578، وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 17

و الظاهر من ذيلها دفع توحّش أبي ذر بأنّه هلك و عمل علىٰ خلاف التكليف و المتفاهم منه أنّ الصعيد لا ينقص عن الماء مطلقاً، و لا يختصّ الجواز بالجماع.

و

صحيحة حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل لا يجد الماء، أ يتيمّم لكلّ صلاة؟ فقال: «لا؛ هو بمنزلة الماء» «1».

و

صحيحة محمّد بن حُمران و جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: «إنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» «2».

إلىٰ غير ذلك،

كقوله: «إنّ اللّٰه عزّ

و جلّ جعلهما طهوراً: الماء، و الصعيد» «3».

و «إنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد» «4».

و «إنّ التيمّم أحد الطهورين» «5».

و إنّ «التيمّم بالصعيد لمن لا يجد الماء كمن توضّأ من غدير ماء؛ أ ليس اللّٰه يقول فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً؟!» «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 200/ 581، وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 2.

(2) الفقيه 1: 60/ 223، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1264، وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 405/ 1274، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 3.

(4) تهذيب الأحكام 1: 197/ 571، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15.

(5) تهذيب الأحكام 1: 200/ 580، وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(6) تفسير العيّاشي 1: 244/ 143، وسائل الشيعة 3: 378، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 18

بيان الوجه في تقديم الأخبار المانعة عن التعجيز

أقول: مضافاً إلىٰ ترجيح الروايات الأُولى الموافقة للكتاب و فتوى الأصحاب؛ علىٰ ما حُكي عن «الحدائق» «1» إنّ ما دلّت علىٰ جواز الجماع مخصوصة بموردها، و لا يتعدّىٰ منه، و دعوى الأولوية أو إلغاء الخصوصيّة في غير محلّها، مع وجود الخصوصيّة في الجماع الذي هو من سُنن المرسلين، و التضييق فيه ربّما يورث الوقوع في الحرام.

و لعلّ أبا ذرّ (رضى اللّٰه عنه) تخيّل عدم صحّة صلاته، فقال: «هلكت» و رفع النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هذا التوهّم بقوله: «يكفيك» فلا يدلّ ذلك علىٰ مساواة الترابية للمائية؛ لأنّ الكفاية و الإجزاء غير المساواة في المصلحة و المطلوبيّة.

و

قوله: «هو بمنزلة الماء» ليس بصدد بيان عموم المنزلة حتّى بالنسبة إلى المورد جزماً، بل الظاهر أنّه بمنزلته في عدم وجوب الإعادة، أو في الطهوريّة و الإجزاء. و كذا سائر الروايات ليست بصدد التسوية بينهما من جميع الجهات؛ ضرورة عدم التسوية التي تتوهّم من ظاهرها بينهما، و إلّا لكان التيمّم سائغاً مع وجدان الماء، فلا يستفاد منها إلّا التسوية في أصل الطهوريّة و إجزاء الصلاة.

و رواية العيّاشي «2» مع ضعفها بالإرسال «3» لا تدلّ إلّا علىٰ تسويتهما في تصحيح الصلاة بهما، و لهذا استدلّ فيها بالآية الشريفة الظاهرة في

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 5: 89، الحدائق الناضرة 4: 256.

(2) تقدّم في الصفحة 17، الهامش 6.

(3) رواها العيّاشي في تفسيره مرسلة عن أبي أيّوب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 19

صحّة الصلاة به مع كونه طهارة اضطراريّة.

فالأقوىٰ: عدم جواز إراقة الماء و تحصيلِ الاضطرار في غير المورد المنصوص فيه.

نعم، يبقىٰ إشكال: و هو أنّه لو كان الأمر كذلك لوجب الاكتفاء علىٰ قدر الضرورة و الاضطرار، مع عدم إمكان الالتزام به؛ لما سيأتي من جواز البدار، و جواز الاستئجار، و الاستباحة لسائر الغايات التي لا يضطرّ المكلّف إليها، و صحّة الاقتداء بالمتيمّم .. إلىٰ غير ذلك «3» ممّا لا يمكن الجمع بينها و بين القول بكون الطهارة الترابية اضطراريّة، و الغايات معها أنقصَ ممّا تحصل بالمائية بنحو يلزم مراعاته.

و لعلّه لذلك التزم المحقّق (رحمه اللّٰه) في محكيّ معتبره بجواز الإراقة «4»، و هو كما ترى مخالف لظاهر الأدلّة كتاباً و سُنّة و فتاوى الأصحاب. كما أنّ الالتزام بلزوم الاكتفاء بمقدار الضرورة غير ممكن مخالف للأدلّة الآتية، خصوصاً في

بعض الفروع.

و قد التزم بعض أهل التحقيق: بأنّ للطهارة المائية من حيث هي لدى الإتيان بشي ء من غاياتها الواجبة، مطلوبيّةً وراء مطلوبيّتها مقدّمة للواجبات المشروطة بالطهور. و وجوب حفظ الماء و حرمة تحصيل العجز لأجل ذلك، لا لكون الغايات لأجل المائية تصير واجدة لخصوصيّة واجبة المراعاة «1».

و هو كما ترى ليس جمعاً بين الأدلّة و تصحيحاً لها، بل هو طرح طائفة منها، كظاهر الآية الشريفة الدالّة علىٰ أنّ الطهارة بمصداقيها شرط للصلاة،

______________________________

(3) يأتي في الصفحة 328 و 386.

(4) المعتبر 1: 366.

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 453/ السطر 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 20

و لازمه كون الصلاة معهما مختلفة المرتبة، كما يتضح بالتأمّل في الآية، و لا يجوز رفع اليد عن هذا الظاهر بلا حجّة. مع أنّ هذه المطلوبيّة النفسيّة خلاف ارتكاز المتشرّعة و جميع الأدلّة.

و الذي يمكن أن يقال في رفع الإشكال: إنّ الصلاة مع المائية أكمل منها مع الترابيّة بمقدار يجب مراعاته، كما هو ظاهر الأدلّة المتقدّمة، و مع العجز تتحقّق مفسدة واقعيّة مانعة عن عدم تجويز البدار و عدم تجويز سائر الغايات .. و هكذا، فوجوب حفظ الماء لأجل وجوب تحصيل المصلحة اللزوميّة، و بعد فَقْد الماء و عروض العجز، تجويز الإتيان بسائر الغايات و تجويز البدار و غير ذلك؛ لأجل التخلّص من مفسدة واقعية لازمة المراعاة.

و هذا الوجه و إن كان صِرف احتمالٍ عقليّ، لكن يكفي ذلك في لزوم الأخذ بالظواهر و عدم جواز طرحها، كما لا يخفى.

و أمّا الالتزام بحصول جهة مقتضية في ظرف الفقدان توجب تسهيل الأمر على المكلّفين، فغير دافع للإشكال؛ لأنّ الجهة المقتضية إن كانت مصلحة جابرة، يجوز للمكلّف تحصيل العجز، و إلّا لا

يعقل تفويت المصلحة بلا وجه، تأمّل.

عدم جواز التعجيز قبل زمان التكليف و بعده

ثمّ إنّه لا فرق في وجوب حفظ الطهور و عدم جواز تحصيل العجز بين ما قبل حضور زمان التكليف و ما بعده.

و ما يتخيّل من الفرق: بأنّ التكليف غير متعلّق بذي المقدّمة قبل حضور الوقت، أو غير فعليّ، أو غير منجّز، و المقدّمة تابعة لذيها.

غير مسموع؛ لما قلنا بعدم وجوبها شرعاً، بل وجوب الإتيان بها عقليّ

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 21

محض «1». و علىٰ فرض وجوبها فحديث تبعيّتها لذيها لا أصل له. بل يمكن تعلّق الإرادة الغيريّة بها قبل تعلّق الإرادة بذيها؛ بناءً علىٰ كون الوقت شرطاً و عدم وجوب المشروط قبل شرطه؛ لأنّ مبادي تعلّق الإرادة الغيريّة غير مبادئ الإرادة النفسيّة، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «2»، و لعلّه يأتي من ذي قبل بعض الكلام فيه «3».

و كيف كان: لا بدّ من ملاحظة حكم العقل، و لا إشكال في أنّ العقل حاكم بعدم جواز تحصيل العجز عن تكليف يعلم بحضور وقته، و حصول جميع ما يوجب الفعلية و التنجيز فيه، فإنّه مع العلم بالغرض المطلق الاستقبالي، لا يجوز عقلًا تفويته بتعجيز نفسه، بل لا يجوز تفويت المقدّمة و لو مع احتمال حصول القدرة عند حضور وقت العمل.

و أولى بذلك ما إذا كان واجداً في الوقت و إن احتمل الوجدان فيه، فلا يجوز عقلًا إراقة الموجود بمجرّد احتمال تجدّده بعد ذلك؛ لحكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجّز، و احتمال التجدّد ليس عذراً عند العقلاء ولدي العقل.

و ما قيل: من جريان البراءة عن التكليف المتعلّق بهذه المقدّمة؛ بعد كون الشكّ في انحصارها، و الشكّ في توقّف ذي المقدّمة علىٰ هذا الماء بالخصوص،

و الشكّ في وجوب حفظه «4».

غير وجيه؛ لعدم وجوب المقدّمة، و عدم كون مخالفتها علىٰ فرض وجوبها موجبة لاستحقاق العقاب عليها، فلا مجرى للبراءة فيها.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 8.

(2) مناهج الوصول 1: 323 و ما بعدها، تهذيب الأُصول 1: 198.

(3) يأتي في الصفحة 320 و ما بعدها.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 454/ السطر 26 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 22

و أمّا ذو المقدّمة، فواجب مطلق منجّز فرضاً يجب عقلًا الخروج عن عهدته. و مجرّد احتمال تجدّد القدرة، لا يوجب التعذير العقلي لو فرض عدم التجدّد، و الشاهد حكم العقل في نظائره، فمن كان مكلّفاً بضيافة ضيف لمولاه، و كانت موجبات ضيافته و أسبابها حاصلة لديه، و احتمل عدم إمكان حصولها بعد ذلك احتمالًا عقلائياً، هل ترى من نفسك معذوريته في تفويت المقدّمات، و هل له الاعتذار باحتمال تجدّد القدرة، بل و ظنّه به؟! فما اختاره بعض أهل التحقيق؛ من جواز الإراقة حتّى في الوقت باحتمال الوجدان بعد ذلك؛ تمسّكاً بالبراءة «1» غيرُ سديد.

و ممّا ذكر تعلم حرمة إبطال الطهارة و نقض الوضوء مع العلم بعدم تمكّنه، أو الاحتمال العقلائي المعتدّ به؛ سواء في ذلك قبل حضور الوقت و بعده.

ثمّ اعلم: أنّ المراد بحرمة نقض الوضوء أو وجوب حفظ الطهارة، ليس إلّا عدم المعذوريّة بالنسبة إلىٰ ما يفوت منه لأجل الطهارة المائيّة من التكليف النفسي، و إلّا فترك التكليف الغيري علىٰ فرضه لا يوجب العقوبة، بل لا يكون حفظ المقدّمة واجباً شرعاً، و لا تفويتها حراماً كذلك، كما مرّ.

إذا عرفت ما ذكر فالمباحث [أربعة]

اشارة

كما تقدّم «2» أربعة

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 454/ السطر 26 36.

(2) تقدّم في الصفحة 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2،

ص: 23

المبحث الأوّل في مسوّغات التيمّم

اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 25

فيمن يشرع له التيمّم

و إن شئت قلت: فيما يصحّ معه التيمّم و هو أشخاص أو أُمور، يحويهم المعذور عقلًا أو شرعاً عن الطهارة المائية، أو يحويها العذر كذلك عنها.

و المراد من «العذر» هو ما بحسب الواقع لا الظاهر، كالقاطع بعدم الماء مع وجوده، فإنّه معذور عن الوضوء عقلًا، لكن لا يشرع له التيمّم واقعاً.

و لعلّ ما ذكرنا أولىٰ ممّا في «القواعد» حيث عدّ الشي ء الواحد الجامع للمسوّغات هو «العجز عن استعمال الماء» «1» فإنّ العجز إن كان عقليّاً يخرج منه كثير من المسوّغات.

و إن كان أعمّ من العقلي و الشرعي كما في «الجواهر» «2» يخرج منه أيضاً بعضها، كالخوف علىٰ مالٍ لا يجب حفظه، أو بعض مراتب النفس إن قلنا بعدم حرمته، و كباب المزاحمة مع الأهمّ، فإنّ فيها لا يعجز عقلًا و لا شرعاً؛ أمّا عقلًا فواضح، و أمّا شرعاً فلعدم الحرمة الشرعيّة فيها.

بل التحقيق عدم سقوط الأمر عن المهمّ، كما ذكرنا في باب التزاحم،

______________________________

(1) قواعد الأحكام 1: 22/ السطر 7.

(2) جواهر الكلام 5: 75.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 26

فحينئذٍ يكون التعبير عن الجامع «بأنّ المسوّغ سقوط وجوب الطهارة المائية» غير وجيه أيضاً؛ لعدم السقوط في موارد التزاحم و إن كان المكلّف معذوراً في تركه، كما حقّق في محلّه «1».

و أمّا عنوان «المعذور عقلًا أو شرعاً عن المائية» فالظاهر جمعه لجميع المسوّغات حتّى ضيق الوقت، فإنّ في بعضها يكون العذر عقليّاً، و في بعض شرعيّاً، و في بعضٍ شرعيّاً و عقليّاً. و لا يهمّ البحث عنه.

شمول آية التيمّم لجميع الأعذار

و الأولى صرف عنان الكلام إلىٰ مفاد الآية الكريمة «2»؛ ليعلم مقدار سعة دلالتها للأعذار.

فنقول: إنّ قوله وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ لا يتفاهم منه عرفاً أنّ

للمرض موضوعيّة و استقلالًا في تشريع التيمّم؛ بحيث يكون الحكم دائراً مدار عنوانه، بل الظاهر منه هو المرض الذي يكون عذراً عند العقلاء من استعمال الماء، و يكون الغسل و الوضوء منافياً له، و مضرّاً بحال المريض، دون ما لا يضرّه، فضلًا عمّا إذا كان نافعاً.

و يمكن أن يقال: إنّ العرف كما يقيّد المرض بذلك، كذلك يُلغي خصوصيّة عنوان «المريض» و يفهم منه أنّ الميزان هو العذر عن استعماله و لو لم يكن عذره المرض، كالذي يكون كسيراً أو به جرح و قرح يكون استعماله

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 29 و 30، تهذيب الأُصول 1: 312.

(2) تقدّم في الصفحة 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 27

مضرّاً بحاله، فالمفهوم من الآية تشريع التيمّم للمعذور عن استعمال الماء لمرض و شبهه.

و كذا لا يرى العرف خصوصيّة للسفر و موضوعيّة له، بل يرىٰ أنّ ذكره لأجل كون الابتلاء بالفقدان فيه غالباً، خصوصاً في الأسفار التي في تلك الأزمنة و الأمكنة.

فما عن أبي حنيفة: «من أنّ الفقدان في السفر يوجب التيمّم، لا في الحضر» «1» ليس بشي ء.

كما لا يرى خصوصيّة للمجي ء من الغائط أو لمس النساء، بل يرىٰ أنّ الميزان حصول الحدث الأصغر أو الأكبر.

كما أنّ المراد من عدم الوجدان الذي هو قيد لقوله عَلىٰ سَفَرٍ هو الوجدان بنحو يمكن معه الوضوء، فيشمل عدم الوصلة، ككونه في بئر أو محفظة لا يتيسّر الوصول إليه، و كذا يشمل ما إذا كان الماء قليلًا لا يفي بالاحتياج، فلا يكون وجدانه بعنوانه موضوعاً للحكم، بل هو عنوان طريقيّ إلىٰ تيسّر استعماله، أو كناية عنه، فلو وجد الماء، لكن لا يكون تحت سلطته بحيث جاز استعماله شرعاً و عقلًا

لا يُعدّ واجداً.

و قوله مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ بناءً علىٰ ما تقدّم «2» من كونه مربوطاً بقوله إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ و يكون بياناً لنكتة تشريع التيمّم، يدلّ علىٰ أنّه كلّما كان الوضوء و الغسل حرجيّا سواء كان الحرج في نفسهما، أو مقدّماتهما يتبدّلان بالتيمّم، فيكون المتفاهم من الآية صدراً و ذيلًا

______________________________

(1) المبسوط، السرخسي 1: 123، بداية المجتهد 1: 67، المغني، ابن قدامة 1: 234.

(2) تقدّم في الصفحة 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 28

بإلغاء الخصوصيّات عرفاً و مناسبات الحكم و الموضوع، أنّ التيمّم طهور اضطراريّ مشروع عند كلّ عذر شرعيّ أو عقليّ، و لو فرض عدم استفادة بعض الموارد منها، لكن بعد العلم بعدم سقوط الصلاة بحال، و أن

«لا صلاة إلّا بطهور» «1»

، و أنّ

«التيمّم أحد الطهورين» «2»،

لا يبقى إشكال في توسعة نطاق شرعه لكلّ الأعذار.

هذا مع أنّ الحكم مستفاد من التدبّر في مجموع روايات الباب، فراجع.

و كيف كان: لا بدّ من التعرّض لبعض أسباب العذر تفصيلًا، و هو أُمور:

اشارة

______________________________

(1) الفقيه 1: 22/ 1، تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1.

(2) تقدّم في الصفحة 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 29

السبب الأوّل عدم الماء
اشارة

و لا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2» في كونه من المسوّغات؛ من غير فرق عندنا بين السفر و الحضر، كان السفر طويلًا أو قصيراً. و ما عن السيّد «3» ليس خلافاً في هذه المسألة، بل في مسألة الإجزاء.

نعم، خالف في ذلك أبو حنيفة و أحمد في إحدى الروايتين و زُفر علىٰ ما حُكي عنه، فقالوا: «إنّ الحاضر العادم الماء لا يصلّي» «4» بل عن زُفر: «لا يصلّي قولًا واحداً» «5»، و لا اعتداد بخلافهم، و يردّهم ظاهر الآية «6»، كما عرفت «7».

______________________________

(1) كآية التيمّم، النساء (4): 43، المائدة (5): 6، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 1 و 3 و 4 و 7.

(2) المقنعة: 58، النهاية: 45، المعتبر 1: 363، تذكرة الفقهاء 2: 149.

(3) انظر المعتبر 1: 365.

(4) المبسوط، السرخسي 1: 123، المغني، ابن قدامة 1: 234، المجموع 2: 305.

(5) انظر منتهى المطلب 1: 132/ السطر 28، المحلّى بالآثار 1: 348.

(6) المائدة (5): 6.

(7) تقدّم في الصفحة 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 30

وجوب الفحص عن الماء

كما لا إشكال في وجوب الطلب و الفحص عن الماء في الجملة، و حُكِي الإجماع عليه عن «الخلاف» و «الغنية» و «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «جامع المقاصد» و «إرشاد الجعفرية» و «التنقيح» و «المدارك» و «المفاتيح» و ظاهر «المعتبر» «1» بل عن «السرائر» دعوى تواتر الأخبار به «2».

و يدلّ عليه إطلاق الآية الشريفة؛ لما عرفت «3» من أنّ الظاهر منها أنّ التكليف بالصلاة مع المائية، غير مقيّد بحال الاختيار، بل مطلق، و أنّ التعليق علىٰ عنوان اضطراريّ هو عدم وجدان الماء ظاهر عرفاً في أنّ الترابية طهارة اضطرارية سوّغها الاضطرار و

الإلجاء، مع بقاء المطلوبيّة المطلقة في المائية علىٰ حالها، و معه يجب عقلًا الفحص و الطلب في تحصيل المطلوب المطلق إلىٰ زمان اليأس، أو حصول عذر آخر. و ليس الشكّ في العذر عذراً عند العقلاء، نظير الشكّ في القدرة في الأعذار العقليّة.

بل الظاهر من الآية أنّ تعليق التيمّم علىٰ عدم الوجدان، ليس لأجل تحديد موضع المائية فقط، بل لمّا كان حكم العقل مع فقد الماء، هو سقوط الصلاة لعدم القدرة عليها مع المائية أفادت الآية الكريمة مطلوبيتها مع الترابية، و عدم سقوط أمرها بمجرّد العجز عن المائية، و أنّ الترابية مصداق اضطراري يجب عند فقدان الماء، فحينئذٍ يحكم العقل بوجوب

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 518/ السطر 24، الخلاف 1: 147، غنية النزوع 1: 64، منتهى المطلب 1: 138/ السطر 24، تذكرة الفقهاء 2: 149، جامع المقاصد 1: 465، التنقيح الرائع 1: 137، مدارك الأحكام 2: 178، مفاتيح الشرائع 1: 59، المعتبر 1: 392.

(2) السرائر 1: 135.

(3) تقدّم في الصفحة 13 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 31

الطلب إلىٰ حدّ اليأس و إحراز العذر.

بل يمكن استفادة لزوم الطلب من قوله تعالىٰ فَلَمْ تَجِدُوا فإنّ الظاهر منه عدم الوجدان بعد الفحص و الطلب، كما يظهر بالتأمل في صيغ الماضي و المضارع منه و من مرادفاته في الفارسية. و لا يلزم أن يكون المتفاهم من جميع الصيغ حتّى اسم الفاعل و المفعول كذلك، فلا ينتقض ب «الواجد» و «الموجود» فإنّه قد يدلّ بعض المشتقّات و لو انصرافاً علىٰ معنىً لا يفهم من الآخر، ك «الماء الجاري» حيث يدلّ على الجريان من مبدأ نابع، بخلاف «جري الماء» لصدقه علىٰ ما جرىٰ من الكوز.

و العمدة

في وجوب الطلب هو ما ذُكر، و أمّا

رواية السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ (عليه السّلام) قال: «يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغَلْوة، و إن كانت سهولة فغَلْوتين، لا يطلب أكثر من ذلك» «1».

ففيها إشكال، لا لضعف سندها «2»؛ فإنّ الأرجح وثاقة النوفلي و السكوني، كما يظهر بالفحص و التدبّر في رواياتهما و عمل الأصحاب بها. و عن الشيخ «إجماع الشيعة على العمل بروايات السكوني» «3» و قلّما يتّفق عدم كون النوفلي في طريقها. و عن المحقّق في «المسائل العزّية» أنّه ذكر حديثاً عن السكوني في أنّ الماء يطهر، و أجاب عن الإشكال بأنّه عامّيّ: «بأنّه و إن كان كذلك فهو من ثقات الرواة» «4» و في طريقها النوفلي، و لم يستشكل فيه.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 202/ 586، الإستبصار 1: 165/ 571، وسائل الشيعة 3: 341، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 1، الحديث 2.

(2) رواها الشيخ بإسناده، عن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني.

(3) عدّة الأُصول 1: 149.

(4) تنقيح المقال 1: 128/ السطر 3 4، المسائل العزّية، ضمن الرسائل التسع: 64.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 32

و بالجملة: لا ضعف في سندها، و لو سلّم فهي مجبورة بعمل الأصحاب قديماً و حديثاً. بل لدلالتها، فإنّ الظاهر منها أنّها بصدد بيان مقدار الفحص بعد مفروضيّة أصله، و أمّا كونه واجباً أو مستحبّاً فلا تتعرّض له، فقوله: «يطلب في الحزونة كذا، و في السهولة كذا» يراد به أنّ مقدار الطلب المفروض كذا، و لا يطلب زائداً عن ذلك، و ذلك مثل أن يقال: «يغتسل للجمعة من طلوع الفجر إلى الزوال» فإنّ الظاهر منه بيان

زمان إتيان الغسل، لا وجوبه بين الحدّين.

و كيف كان: لا نحتاج في أصل الوجوب إلىٰ تلك الرواية بعد حكم العقل و دلالة الآية الكريمة.

و أمّا

رواية عليّ بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قلت: أتيمّم .. إلىٰ أن قال: فقال له داود بن كثير الرّقي: فأطلب الماء يميناً و شمالًا؟ قال: «لا تطلب يميناً و لا شمالًا، و لا في بئر، إن وجدته على الطريق فتوضّأ، و إن لم تجده فامضِ» «1».

فبعد ضعف سندها بعليّ بن سالم المشترك بين المجهول «2» و البطائني الضعيف «3»، و قرب احتمال كونها عين الواقعة التي نقلها

داود قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أكون في السفر، فتحضر الصلاة و ليس معي ماء و يقال: إنّ الماء قريب منّا، أ فأطلب الماء و أنا في وقت يميناً و شمالًا؟ قال: «لا تطلب الماء، و لكن تيمّم؛ فإنّي أخاف عليك التخلّف عن أصحابك، فتضلّ و يأكلك السبع» «4»

لبعد

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 202/ 587، الإستبصار 1: 165/ 572، وسائل الشيعة 3: 343، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 3.

(2) هو عليّ بن سالم الكوفي، رجال الطوسي: 247/ 346.

(3) هو عليّ بن أبي حمزة سالم البطائني، رجال النجاشي: 249/ 656.

(4) الكافي 3: 64/ 6، تهذيب الأحكام 1: 185/ 536، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 33

سؤاله عنه مرّتين، و لتشابه ألفاظهما و إن ترك بعض الخصوصيّات في كلٍّ منهما، محمولة على الخوف من اللصّ و السبع، و الإطلاق لأجل كون الأسفار في تلك الأزمنة و الأمكنة، مظنّةَ الخطر نوعاً، و لهذا نهىٰ

عن الطلب في رواية داود من غير فصل معلِّلًا بما ذكر.

بل في

رواية يعقوب بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل لا يكون معه ماء، و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك، قال: «لا آمره أن يُغرّر بنفسه؛ فيعرض له لصّ أو سبع» «1».

فمع فرض وجود الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين قال: «لا آمره» لأجل تغرير النفس و تعرّض اللصّ و السبع، فيتّضح منه أنّ الطلب واجب لولا ذلك، و أنّه (عليه السّلام) مع الأمن من ذلك يأمره به، لكن لمّا كانت تلك الحوادث في تلك الأسفار كثيرة نوعاً قال ما قال.

و كيف كان: لا يمكن الاتّكال علىٰ رواية عليّ بن سالم. فتحصّل ممّا ذكر وجوب الطلب.

لزوم الفحص إلىٰ زمان اليأس أو ضيق الوقت
اشارة

و لا إشكال في أنّ حكم العقل بوجوبه بعد دلالة الآية على المطلوبيّة المطلقة للطهارة المائية هو الفحص إلىٰ زمان اليأس أو ضيق الوقت.

كما تدلّ عليه

صحيحة زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم

______________________________

(1) الكافي 3: 65/ 8، تهذيب الأحكام 1: 184/ 528، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 34

و ليصلّ في آخر الوقت، و إذا وجد الماء فلا قضاء عليه، و ليتوضّأ لما يستقبل» «1».

لكن موثّقة السكوني «2» حاكمة علىٰ حكم العقل، و شارحة لمفاد الآية الكريمة، و مبيّنة لمقدار الطلب، و نافية لوجوب الزيادة.

و أمّا صحيحة زرارة فكما أنّها معارضة لرواية السكوني، معارضة لطائفة من الروايات الآتية في محلّها «3» الدالّة علىٰ جواز البدار و صحّة

الصلاة في سعة الوقت مع التيمّم،

كصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): فإن أصاب الماء و قد صلّىٰ بتيمّم و هو في وقت؟ قال: «تمّت صلاته، و لا إعادة عليه» «4»،

و مثلها غيرها، و موافقة لطائفة أُخرى دالّة علىٰ عدم جواز البدار؛ سواء في ذلك «فليطلب» كما في رواية الكليني أو «فليمسك»، كما في رواية الشيخ بطريق آخر غير الكليني «5»، فإنّ وجوب الإمساك عن الصلاة إلىٰ ضيق الوقت، كما هو مخالف لما دلّ علىٰ جواز البدار، كذلك وجوب الطلب إليه مخالف له، و الجمع العقلائي بينها و بين مخالفاتها، هو حملها و حمل سائر ما أُمر فيها بالتأخير إلىٰ ضيق الوقت على الاستحباب، فيرتفع التعارض بين جميعها، و منها رواية السكوني الدالّة علىٰ أنّ مقدار الطلب غلوة سهم أو سهمين.

______________________________

(1) الكافي 3: 63/ 2، تهذيب الأحكام 1: 192/ 555، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3.

(2) تقدّم في الصفحة 31.

(3) يأتي في الصفحة 332.

(4) تهذيب الأحكام 1: 194/ 562، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 9.

(5) تهذيب الأحكام 1: 194/ 560.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 35

و هذا الجمع أقرب بنظر العرف من الجمع الذي صنع بعض المحقّقين بحمل رواية السكوني علىٰ من أراد الصلاة في مكان مخصوص، كما لو نزل المسافر بعد الظهر منزلًا و أراد أن يصلّي فيه، و حمل صحيحة زرارة علىٰ من ضرب في الأرض، فله الضرب في جهة من الجهات و لو في الجهة الموصلة إلى المقصود؛ برجاء تحصيل الماء إلىٰ أن يتضيّق الوقت، فإنّ العود إلى المكان الأوّل ليس واجباً تعبّدياً، فحيثما طلب

الماء في جهة و لو في الجهة المؤدّية إلى المقصود بمقدار رمية سهم أو سهمين فله أن يصلّي في المكان الذي انتهىٰ إليه طلبه، لكن يجب عليه الفحص فيما حوله بالنسبة إلى المكان الذي انتهىٰ إليه، فله في هذا المكان كالمكان الأوّل أن يختار أوّلًا الضرب إلىٰ مقصده، و هكذا إلىٰ أن يتضيّق الوقت، فثمرة العود إلى المكان الأوّل، جواز الصلاة و لو مع عدم الضيق بعد الفحص في سائر الجهات، فتقيّد صحيحة زرارة بغير هذه الصورة «1»، انتهىٰ.

لأنّ الجمع المذكور، مضافاً إلىٰ كونه بهذا الوجه الدقيق مخالفاً للأنظار العرفيّة، مع أنّ الميزان في الجمع بين الأخبار هو فهم العرف العامّ و مقبوليّته عندهم، و مضافاً إلىٰ إباء العرف من تقييد

الصحيحة القائلة: بأنّه «فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم»،

بأنّه كلّما أراد الصلاة لا يجب الفحص إلىٰ ضيق الوقت، بل يكفي مقدار سهم أو سهمين، أنّ الصحيحة محمولة على الاستحباب علىٰ أيّ تقدير؛ لمعارضتها لروايات جواز البدار الآتية «2»، فلا تعارض رواية السكوني.

ثمّ إنّه يجب التنبيه على أُمور:
اشارة

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 449/ السطر 35.

(2) يأتي في الصفحة 332.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 36

الأمر الأوّل في مفاد خبر السكوني

قد عرفت أنّ خبر السكوني ليس بصدد إيجاب الطلب، بل بصدد بيان مقداره، فيكون إيجابه بحكم العقل و دلالة الآية، كما مرّ «3».

و قد مرّ أنّ حكم العقل بوجوبه لتحصيل المطلوب المطلق إنّما هو في جميع الوقت، و في كلّ جهة محتملة إلىٰ حدّ اليأس «1»، ففي كلّ جهة يحتمل وجود الماء، يحكم بالفحص إلى اليأس لولا الدليل علىٰ عدم لزومه. و قد دلّت رواية السكوني علىٰ تقدير الفحص بغَلْوة أو غَلْوتين لا أزيد، فالرواية في مقام تقدير ما وجب عقلًا، فالرواية مع حكم العقل دالّة علىٰ لزوم الفحص في الجهات إلى الحدّ المذكور فيها.

و المراد من الجهات الأربع ليس الخطوط المتقابلة، بل كلّ جهة هي ربع الدائرة، فلا بدّ من الفحص في جميع سطح الأرض في الجهات، فيكون محلّ المصلّي كالمركز الذي تحيط به دائرة قطرها غلوة أو غلوتان، و يجب الفحص في جميع تلك الدائرة؛ أي السطح المحاط بالخطّ الموهوم، و هذا هو المراد من النصّ و الفتوىٰ.

______________________________

(3) تقدّم في الصفحة 32.

(1) تقدّم في الصفحة 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 37

الأمر الثاني المراد من الحزونة و السهولة و الغَلْوة لغة
اشارة

«الحُزونة» و «السهولة» الواردتان في رواية السكوني، يحتمل أن تكونا بمعنى ما غلظ من الأرض و ضدّه؛ بأن يكون عنوان «الأرض» مأخوذاً في مفهومهما، كما يظهر من بعض تعبيرات اللغويّين، ففي «الصحاح»: «السهل: نقيض الجبل، و الحَزْن: ما غلظ من الأرض، و عن الأصمعي: الحُزَن: الجبال الغلاظ» «1».

و يحتمل أن تكونا بمعنى الغلظة و ضدّها من غير اعتبار الأرض فيهما، و إنّما نُسبتا إليها.

و قيل: السهل من الأرض، و الحَزْن منها، كما يظهر من بعض تعبيراتهم، ففي «الصحاح» بعد قوله: «و الحَزْن: ما غلظ من الأرض» قال:

«و فيها حُزونة» يظهر منه أنّ الحُزونة الغلظة، و يقال: «في الأرض حُزونة» أي غلظة.

و في «المنجد»: «حَزُن يحزُن حُزونةً المكانُ: صار حَزْناً؛ أي غليظاً» «2» و هو كالصريح في أنّ «الحَزْن» هو نفس الغِلْظة، لا ما غَلُظ من الأرض، و إن قال بعده: «الحَزْن ما غَلُظ من الأرض».

و لا يبعد أن يكون الاحتمال الثاني أرجح، فيقال: «أرض سهلة و حَزْنة» و «رجل سهل الخُلُق» و «نهر سَهْل» أي ذو سهولة، و «سهل الموضع» بل و «أسهل

______________________________

(1) الصحاح 5: 1733 و 2098.

(2) المنجد: 132.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 38

الدواء» بمعنى. و يفهم بالانتساب إلى المتعلّقات كيفية السهولة.

و كذا الحَزْن، فإذا قيل «1» للجبال الغلاظ: «الحُزَن» ك «صُرَد» و للشاة السيّئة الخُلُق: «الحَزون» و لقدْمة العرب على العجم في أوّل قدومهم الذي أسحقوا «2» فيه ما أسحقوا من الدور و الضياع: «الحُزانة» يكون بمعنى واحد. بل لا أستبعد أن يكون «الحُزْن» مقابل الفرح من هذا الأصل و إن اختلفت الهيئات.

ثمّ على الاحتمال الأوّل، يكون الميزان في الغلوة و الغلوتين سهولة الأرض و حزونتها ذاتاً؛ سواء كانتا في الخبر خبراً و الكون ناقصاً، أو فاعلًا و هو تامّاً؛ لأنّ المفروض مأخوذيّة عنوان «الأرض» فيهما، و لا ريب في أنّهما إذا كانتا صفة الأرض، تلاحظ غلظتها و سهولتها الذاتيّة، ككونها جبلًا و بسيطاً، فلا تنافي السهولة الأشجار فيها، فأراضي العراق سهلة مع ما فيها من الأشجار، فلا بدّ في إسراء الحكم إلىٰ غيرها كالأراضي المُشْجِرة من دعوى إلغاء الخصوصيّة، و العُهدة علىٰ مدّعيها.

و أمّا على الاحتمال الثاني الراجح، فإن كان الكون ناقصاً، و قدّرت «الأرض» اسماً له بقرينة المقام يكون الأمر كما

مرّ.

و إن كان تامّاً، و يكون المعنىٰ: «إن تحقّقت حُزونة فكذا» من غير انتساب إلى الأرض يمكن استفادة سائر الموانع كالشجر و الثلج الغليظ منهما.

و لو لم يمكن استظهار تماميّة الكون و الوثوق بترجيح ثاني الاحتمالين، فلا محيص عن الاحتياط؛ لما عرفت «3» من حكم العقل و دلالة الآية، و أنّ رواية السكوني لتقدير المقدار، فمع إجمالها يحتاط في موارد الاحتمال بالأخذ

______________________________

(1) القاموس المحيط 4: 215، تاج العروس 9: 174 175، لسان العرب 3: 158 159.

(2) و الموجود في كتب اللغة «اسحقّوا» بدل «أسحقوا».

(3) تقدّم في الصفحة 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 39

بأكثر الحدّين، و كذا في كلّ مورد مشكوك فيه.

و أمّا «الغَلْوة» بفتح المعجمة فالمرّة من «غلا» و هي رَمْية بأبعد المقدور، قال في «الصحاح»: «غَلَوتُ بالسهم غَلْواً: إذا رميتَ به أبعد ما تقدر عليه، و الغَلْوة: الغاية؛ رمية سهم».

و قال: «غلا يغلو غُلُوّاً: أي جاوز فيه الحدّ» «1» و يظهر منه مجيئها بمعنى رَمْية سهم أيضاً.

و في «القاموس»: «غلا في الأمر غُلُوّاً: جاوز حدّه، و بالسهم غَلْواً و غُلُوّاً: رفع يديه لأقصى الغاية ..» إلىٰ أن قال: «فهو رجل غلاء كسماء-: أي بعيد الغَلْو بالسهم، و السهم ارتفع في ذهابه و جاوز المدى: أي الغاية» «2».

و في «المنجد»: «غلا يغلو غَلْواً و غُلُوّاً السهم و بالسهم: رمىٰ به أقصى الغاية، غالىٰ غِلاء و مُغالاة السهمَ و بالسهم: رمىٰ به أقصى الغاية ..» إلىٰ أن قال: «الغَلْوة: المرّة من غلا، الغاية: و هي رمية سهم أبعد ما تقدر عليه. المِغْلى و المِغْلاة: سهم يُغلىٰ به؛ أي يُرمىٰ به أقصى الغاية» «3».

و الظاهر أنّ «الغَلَيان» و «الغُلُوّ» في باب

المبالغة و «الغلاء» في السعر، كلّها من هذا الباب، و هو التجاوز إلىٰ أقصى الغاية.

نعم، في «مجمع البحرين»: «و في الحديث ذكر الغَلْوة و هي بالفتح-: مقدار رَمْية سهم» «4» و الظاهر منه أنّها لُغةً كذلك، و قد عرفت ما في اللُّغة.

و لا يبعد أن يكون استعمالها في مطلق الرمية بنحو من التوسّع، و إلّا ففي

______________________________

(1) الصحاح 6: 2448.

(2) القاموس المحيط 4: 373.

(3) المنجد: 558.

(4) مجمع البحرين 1: 319.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 40

كلّ مورد استعملت تكون بالمعنى المعروف المتقدّم. بل لا يبعد أن تكون «الغالية» المركّبة من عدّة من الطيب أيضاً بلحاظ المعنى المتقدّم. هذا حال اللغة.

اختلاف الفقهاء في مقدار الطلب و بيان الحقّ

و أمّا الفقهاء فقد اختلفت كلماتهم، فمنهم من قدّر المقدار برمية سهم، كالشيخ في «نهايته» و عن «مبسوطه» «1» و عن المفيد و أبي الصلاح مثله «2»، و في «الوسيلة» و «الغنية» و «إشارة السبق» كذلك «3».

و منهم من قدّره بغلوة سهم أو غلوتين ك «المراسم» «4» و عن ابن إدريس: «و حدّه ما وردت به الروايات و تواتر به النقل في طلبه؛ إذا كانت الأرض سهلة غلوة سهمين، و إذا كانت حَزْنة فغلوة سهم» «5» و في الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد التعبير ب «الغَلْوة» و «الغَلْوتين» «6».

و عن «المعتبر»: «و التقدير بالغلوة و الغلوتين رواية السكوني، و هو ضعيف، غير أنّ الجماعة عملوا بها» «7» و منه يظهر عمل الجماعة بها بما لها من التعبير.

و الظاهر أنّ التفسير ب «الرمية» و «الرميتين» اجتهاد منهم؛ ضرورة أنّه

______________________________

(1) النهاية: 48، المبسوط 1: 31.

(2) المقنعة: 61، الكافي في الفقه: 136.

(3) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 69، غنية النزوع 1: 64،

إشارة السبق، ضمن الجوامع الفقهيّة: 119/ السطر 4.

(4) المراسم: 54.

(5) السرائر 1: 135.

(6) شرائع الإسلام 1: 38، المختصر النافع: 17، قواعد الأحكام 1: 22/ السطر 8، إرشاد الأذهان 1: 233.

(7) المعتبر 1: 393.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 41

لا يكون في الباب غير رواية السكوني و مرسلات الحلّي «1»، و فيها «الغلوة» و «الغلوتان» فلا يكون دليل على الرمية و الرميتين، و لهذا ترى أنّ بعضهم فسّر «الغلوة» ب «الرمية». قال في «كشف الغطاء»: «الغلوة: الرمية بالسهم المتوسّط في القوس المتوسّط من الرامي المتوسّط، مع الحالة المتوسّطة في الهواء المتوسّط، و الوضع المتوسّط و الجذب و الدفع المتوسّطين» «2».

و في «المسالك»: «الغلوة: مقدار الرمية من الرامي المعتدل بالآلة المعتدلة» «3». و مثلهما ما في بعض كتب من قارب عصرنا «4».

و قد عرفت أنّ هذا التفسير مخالف للّغة بل العرف، فالمعتبر في الرمي هو إلىٰ أقصى الغاية و أبعد ما يكون مقدوراً. نعم يعتبر في الرامي و الآلة و غيرهما المتوسّط المتعارف؛ لأنّه المتفاهم من التحديدات، كالشبر و الذراع .. و هكذا.

لكنّ الإشكال في المقام: هو عدم إمكان تعيين المقدار خارجاً؛ لعدم تداول الرمي في هذه الأعصار، و ما هو المعتبر هو الغلوة و الغلوتان من الرامي المتدرّب في الفنّ، كما كان في عصر صدور الرواية، و معلوم أنّ الرامي الذي فنّه ذلك يرمي بما لا يمكن لغيره، فحينئذٍ لا محيص عن الاحتياط و الأخذ بالمقدار المحتمل العقلائي؛ فإنّ الدليل على الوجوب ليس رواية السكوني؛ حتّى يقال بعدم الوجوب إلّا بمقدار متيقّن، فينفى الزائد بالأصل، بل يحكم العقل بالوجوب إلىٰ أن يحرز المعذّر. مضافاً إلىٰ أنّ شرع التيمّم معلّق علىٰ عدم الوجدان،

فلا بدّ من إحراز موضوعه لدى الشكّ.

______________________________

(1) السرائر 1: 135.

(2) كشف الغطاء: 165/ السطر 4.

(3) مسالك الأفهام 1: 109.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 451/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 42

الأمر الثالث حول المراد بعدم وجدان الماء

لا شبهة في أنّ المتفاهم عرفاً من الآية الكريمة «1» و لو بسبب مناسبة الحكم و الموضوع و ما هو مرتكز في الذهن أنّ المراد بعدم الوجدان هو عدم وجدان ما يمكن أن يستعمل في الوضوء و الغسل. بل هو الظاهر من قوله فَلَمْ تَجِدُوا بعد قوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا .. إلىٰ آخره وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا.

فعدم الوجدان أعمّ من عدم الوجود واقعاً، و من الوجود مع عدم العثور؛ و عدم التقصير في الفحص بالمقدار المأثور، فلا يكون الموضوع في تشريع التيمّم عدم الماء فقط، و لا يكون عنوان «عدم الوجدان» معتبراً فيه حتّى يقال: لازم الأوّل بطلان التيمّم لو كان الماء موجوداً واقعاً؛ مع عدم العثور عليه و لو بعد الفحص الكامل، و لازم الثاني عدم الصحّة حتّى مع العلم بعدم الماء، و حتّىٰ مع موافقته للواقع، بل لا بدّ له من الضرب في الأرض بالمقدار المأثور حتّى يصير الفقدان وجدانيّاً؛ للفرق بين العلم بالعدم و عدم الوجدان.

فإنّ الاحتمالين خلاف المتفاهم العرفي، فإنّ الطلب المتفاهم من قوله فَلَمْ تَجِدُوا لأجل تحقّق موضوع تشريع التيمّم؛ و هو عدم الماء الذي يمكن عقلًا و شرعاً استعماله في الطهارة، فإذا علم بعدم وجوده علم بتحقّقه، فلا وجه بعدُ للطلب، كما أنّه لو طلب الغلوة أو الغلوتين و لم يجد يتحقّق الموضوع؛ و هو

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 43

عدم الماء

الذي يمكن له استعماله خارجاً؛ للعجز عن استعمال ما لا يعثر عليه.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ عدم الماء الكذائي موضوع لشرع التيمّم، فإذا تفحّص قبل الوقت أو في الوقت، و علم بعدم الماء، يستصحب إلىٰ زمان قيام الأمارة علىٰ وجوده، و هو يحرز ما هو موضوع؛ من غير فرق بين قبل الوقت و بعده، بل و لا بين الارتحال من مكان الطلب و العود إليه و بين عدمه، و من غير فرق بين صلاة واحدة و صلوات عديدة. فما عن المحقّق في «المعتبر» و العلّامة و الشهيد من عدم الاعتداد بالطلب قبل الوقت، بل يجب إعادته، إلّا أن يعلم استمرار العدم الأوّل «1»، فغير وجيه و إن استدلّ عليه في «الجواهر» تارة: بظاهر ما دلّ علىٰ وجوبه من الإجماعات و غيرها، و هو لا يتحقّق إلّا بعد الوقت.

و أُخرى: بأنّ صدق «عدم الوجدان» يتوقّف عليه، سيّما بعد ظهور الآية الدالّة على اشتراطه في إرادة عدم الوجدان عند إرادة التيمّم للصلاة.

و ثالثة: بصحيحة زرارة المتقدّمة «2».

و رابعة: بأنّه لو اكتفىٰ به قبل الوقت لصحّ الاكتفاء به مرّة واحدة للأيّام المتعدّدة، و هو معلوم البطلان.

و خامسة: بأنّ المنساق إلى الذهن من الأدلّة، إرادة الطلب عند الحاجة إلى الماء.

ثمّ استشكل في الاستصحاب: بأنّه لا يعارض ما ذكرنا من ظهور الأدلّة في شرطيّة الطلب أن يكون بعد الوقت «3»، انتهىٰ ملخّصاً.

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّ الوجوب لا يكون شرعيّاً، بل يكون عقليّاً محضاً

______________________________

(1) المعتبر 1: 393، منتهى المطلب 1: 139/ السطر 30، ذكرى الشيعة 1: 182.

(2) تقدّمت في الصفحة 33.

(3) جواهر الكلام 5: 83 84.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 44

لأجل حفظ المطلوب المطلق،

و لا دليل غيره على الوجوب، فضلًا عن استفادة الوجوب الشرعي منه؛ لعدم ثبوت غير ما هو حكم العقل من الإجماعات؛ لعدم كشفها عن دليل آخر مع وجودِ حكم العقل، و احتمالِ استفادتهم الوجوب من الأدلّة اللفظيّة أيضاً.

و أمّا صحيحة زرارة فقد عرفت لزوم حملها على الاستحباب «1»، و عرفت حال رواية السكوني من عدم دلالتها على الوجوب «2».

و أمّا الآية فلا يدلّ ذيلها أي قوله فَلَمْ تَجِدُوا علىٰ وجوب الطلب، بل يدلّ علىٰ شرطيّة عدم الوجدان لشرع التيمّم. نعم هو ظاهر في عدم الوجدان في الوقت، و قد عرفت أنّ الموضوع عدم الماء في الوقت، و هو يحرز بالاستصحاب، و يكون الأصل حاكماً على الآية، و محقّقاً لموضوع وجوب التيمّم و مشروعيّته، فلا دليل علىٰ وجوب الطلب بنحو يقدّم على الاستصحاب و هو حاكم أو وارد علىٰ حكم العقل.

و أمّا النقض بلزوم الاكتفاء بالطلب مرّة لصلوات عديدة، و دعوىٰ معلوميّة بطلانه، فلا يتضح وجهها بعد جريان الاستصحاب و إحراز موضوع التيمّم.

فالأقوىٰ بحسب القواعد كفاية الطلب الواحد مطلقاً؛ سواء كان قبل الوقت أو بعده، و سواء كان تجدّد الماء محتملًا أو مظنوناً. نعم مع قيام الأمارة المعتبرة أو الوثوق بالتجدّد، يجب الطلب، و ينبغي الاحتياط مطلقاً.

و ممّا ذكرنا يظهر حال وجوب الطلب، فإنّه عقليّ محض غير مرتبط بالتيمّم، بل هو لأجل إحراز العذر عن ترك المطلوب المطلق؛ أي الصلاة مع المائية. و ليس في المقام دليل لفظيّ يدلّ على الوجوب حتّى يبحث عن كونه

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 34.

(2) تقدّم في الصفحة 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 45

نفسياً أو شرطياً أو غيرياً، كما عرفت.

و لو سُلّم دلالة مثل رواية السكوني

علىٰ وجوبه أو عدم حمل صحيحة زرارة على الاستحباب، فلا شبهة في عدم دلالتهما على الوجوب النفسي؛ لظهور الأوامر في مثل المقام في الإرشاد إمّا إلى الشرطية أو إلىٰ حكم العقل، فاحتمال النفسيّة في غاية الضعف.

و احتمال الوجوب الشرطي أيضاً ضعيف؛ لأنّ الظاهر من

قوله في الصحيحة: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ ..» إلىٰ آخره

، أنّ وجوب الطلب إنّما هو لتحصيل الماء، لا لتحقّق موضوع التيمّم، و أنّ التيمّم مشروع عند خوف فوت الوقت، و شرطه ذلك، لا الطلب.

و قوله في رواية السكوني: «يطلب الماء في السفر» ظاهر في أنّ الطلب واجب لتحصيل الماء، لا لشرطيته للتيمّم، و قد مرّ تحقيق مدلول الآية «1».

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ الروايات بناءً علىٰ تسليم دلالتها على الوجوب إرشاد إلىٰ حكم العقل، أو تحديد لما يحكم به، كما مرّ «2» في رواية السكوني.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 42.

(2) تقدّم في الصفحة 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 46

الأمر الرابع حكم الإخلال بالطلب

إذا أخلّ بالطلب و تيمّم و صلّى مع سعة الوقت، ففي «الجواهر» بطلانه قطعاً و إجماعاً منقولًا إن لم يكن محصّلًا؛ لما دلّ على اشتراط صحّته به، و لا فرق بين أن يصادف عدم الماء بعد الطلب و عدمه «1».

أقول: أمّا دعوى الإجماع في مثل هذه المسألة الفرعيّة الاجتهاديّة المتراكمة فيها الأدلّة العقليّة و النقليّة، فغير وجيهة. و أمّا أدلّة الاشتراط المدعاة، فقد تقدّم عدم دلالتها على اشتراط الطلب، بل الظاهر من الأدلّة أنّ عدم الماء الذي يمكن استعماله في الوضوء و الغسل إمّا لفقده، أو لعدم وجدانه موجب لانقلاب المائية بالترابية، من غير

دخالة للطلب موضوعاً، و لا لعنوان «عدم الوجدان» أي هذا الأمر الانتزاعي فيه، و لهذا لو علم بعدم الماء، لا يجب عليه الطلب و إن لم يصدق عدم الوجدان عليه؛ لأنّه عنوان منتزع من عدم العثور عليه بالقوى الجزئية كالبصر، و مع فرض عدم وجوب الطلب مع العلم بعدم الماء، لا محيص عن القول بأنّ عدم الماء واقعاً موضوع للانقلاب، و إلّا لزم موضوعية العلم و لو بنحو جزء الموضوع، و هو كما ترى خلاف ارتكاز العقلاء و المتفاهم من الأدلّة، فيكون عدم الماء واقعاً تمام الموضوع للانقلاب.

و إن جهل المكلّف، فلزوم الطلب عقلًا أو شرعاً لإحراز الواقعة، لا لتحقّق الموضوع، فلو كان الماء غير موجود في محلّ الطلب، أو كان بوجه لا يهتدي

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 85.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 47

إليه لو طلبه، صحّ تيمّمه و صلاته:

أمّا إذا كان بحيث لم يوجد إلىٰ آخر الوقت، فظاهر بما مرّ.

و أمّا إذا حدث بعد الصلاة فلإطلاق الآية؛ فإنّ الظاهر من صدرها أنّه إذا قام المكلّف إلى الصلاة، يجب عليه الوضوء أو الغسل و لو في سعة الوقت، و مقتضى عطف المرضىٰ و المسافر الفاقد عليه، جوازُ التيمّم في السعة، و بعد ما علم أنّ المراد بعدم الوجدان عدم الاهتداء إلىٰ ما يمكن استعماله، تمّت الدلالة علىٰ صحّة التيمّم و الصلاة؛ لتحقّق الموضوع، و ظهور الآية في الإجزاء.

و يمكن الاستدلال على المطلوب بما دلّ علىٰ عدم وجوب الإعادة لو وجد بعد الصلاة مع بقاء الوقت،

كصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): فإن أصاب الماء و قد صلّىٰ بتيمّم و هو في وقت؟ قال: «تمّت صلاته، و لا إعادة عليه»

«1»

و مثلها غيرها.

و هي و إن كانت في مقام بيان حكم آخر، لكن يستفاد منها أنّ من كان تكليفه التيمّم فصلّى بتيمّم، لا إعادة عليه و إن وجد الماء في الوقت.

و لو أخلّ بالطلب حتّى ضاق الوقت تيمّم و صلّى و لا قضاء عليه، و عن «المدارك»: «أنّه المشهور» «2» و عن «الروض» نسبته إلىٰ فتوى الأصحاب «3»، و في «الجواهر»: «أنّه الأظهر الأشهر» «4».

و يمكن استفادته من الآية بمناسبات مغروسة في الأذهان؛ بأن يقال: إنّ

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 194/ 562، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 9.

(2) مدارك الأحكام 2: 183.

(3) روض الجنان: 127/ السطر 25.

(4) جواهر الكلام 5: 86.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 48

المراد من «عدم وجدان الماء» عدم وجدان ما يمكن استعماله مع حفظ الوقت، و إلّا فلو لم تلاحظ مصلحة الوقت، أو كانت مصلحة المائية مقدّمة علىٰ مصلحته، لم يشرع التيمّم مع عدم الوجدان؛ ضرورة أنّ عدمه لم يستمرّ إلىٰ آخر العمر، فإيجاب التيمّم مع الفقد لأجل عدم فوت الصلاة و حفظ مصلحة الوقت، فالمراد ب «عدم الوجدان» عدم وجدان ما يغتسل و يتوضّأ به في الوقت، و مع الضيق يكون فاقداً للماء الكذائي و إن كان واجداً للطبيعة، و الظاهر من تعليق الحكم عليه أنّه تمام الموضوع للتبديل من غير دخالة شي ء آخر.

و دعوى الانصراف إلىٰ ما لا يكون سببه المكلّف عصياناً «1»، في غير محلّها؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الترابية مع فقد الماء طهور قائمة مقام المائية؛ من غير دخالة لأسباب الفقد فيه. بل المناسبات المغروسة في الذهن، توجب إلغاء بعض القيود لو كان في الكلام، و معه

لا معنىٰ لدعوى الانصراف.

و تدلّ عليه أيضاً

صحيحة زرارة المتقدّمة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ ..» «2» إلىٰ آخره.

فإنّ وجوب الطلب ما دام في الوقت علىٰ فرضه لأجل تحصيل الماء، لا لاشتراط التيمّم به. و قوله: «فإذا خاف ..» إلى آخره، ظاهر في أنّ خوف الفوت سبب و موضوع تامّ لوجوب التيمّم من أيّ سبب حصل، فلو أراق الماء، أو قصّر في الطلب، أو ترك الوضوء بالماء الموجود حتّى خاف الفوت، يجب عليه التيمّم، و تتمّ صلاته، و لا قضاء عليه؛ لظاهر الصحيحة. بل يستفاد ذلك من

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 452/ السطر 2.

(2) تقدّمت في الصفحة 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 49

مجموع الأدلّة، فإنّه يعلم منها أنّ للوقت منزلة لدى الشارع ليست لغيره، و أن

«الصلاة لا تُترك بحال».

و ما قيل: «إنّ التيمّم في هذه الحال يمكن أن يكون مبغوضاً، فضلًا عن أن يقع عبادة» «1» فاسد؛ فإنّ المبغوض هو ترك الصلاة مع المائية، لا إتيانها مع الترابية، و لا الطهارة الترابية؛ لعدم وجه لمبغوضيّتهما.

و ممّا ذكرنا يتّضح عدم وجوب الاحتياط؛ بدعوىٰ تردّد المكلّف به المعلوم بالإجمال «2»؛ لما عرفت من التكليف بالترابية و إجزائها.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 452/ السطر 9.

(2) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 50

الأمر الخامس فيما يترتّب على موضوع انقلاب التكليف بالترابية

قد مرّ أنّ الموضوع لانقلاب التكليف بالترابية، هو عدم الاهتداء إلىٰ ما يمكنه الاستعمال «1».

و إن شئت قلت: كون الواقعة بحيث لا يهتدي المكلّف إلىٰ ماء يمكنه استعماله عقلًا و شرعاً.

أو قلت: عدم الوجدان الأعمّ من عدم

الوجود للماء الكذائي.

فحينئذٍ نقول: لو تفحّص عن الماء بما قرّره الشارع و لم يقصّر فيه، صحّ تيمّمه و صلاته و لو كان الماء موجوداً بحسب الواقع؛ لتحقّق موضوع الانقلاب.

و أمّا لو قطع بعدم الماء، أو عدم الاهتداء إليه، أو قامت البيّنة علىٰ عدمه، أو عدم الاهتداء إليه، بطلا لعدم تحقّق الموضوع؛ لعدم كون الواقعة بحيث لا يهتدي إلى الماء، فهو واجد للماء و إن كان قاطعاً بعدمه و غير معذور واقعاً؛ و إن كان معذوراً ظاهراً و غير معاقب علىٰ ترك الصلاة مع المائية، فيجب عليه الإعادة.

و كذا يجب الإعادة على الناسي لماء في رَحْله؛ سواء طلب في خارجه غلوة أو غلوتين أو لا؛ لأنّه واجد و إن كان غافلًا عنه. و عدم الوجدان في خارج الرحل مع كونه واجداً فيه، لا يوجب الانتقال.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 42.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 51

و يدلّ عليه

موثّقة أبي بصير أو صحيحته «1»، قال: سألته عن رجل كان في سفر، و كان معه ماء، فنسيه فتيمّم و صلّى، ثمّ ذكر أنّ معه ماء قبل أن يخرج الوقت، قال: «عليه أن يتوضّأ و يعيد الصلاة» «2»

و مقتضى إطلاقها لزوم الإعادة و لو طلب خارج رحله، و المفروض فيها عدم الطلب في رحله.

______________________________

(1) رواها الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير.

و الترديد في سند الرواية لوقوع عثمان بن عيسىٰ في السند و هو كان شيخ الواقفة و وجهها و من أصحاب الإجماع على قول، و لكن يظهر من ترجمته أنّه رجع عن الوقف.

رجال النجاشي: 300/ 817، اختيار معرفة الرجال: 556/ 1050، الفهرست:

120/ 534، تنقيح المقال 2: 247 249 (أبواب العين).

(2) الكافي 3: 65/ 10، وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 52

الأمر السادس عدم الماء بمقدار الكفاية كعدمه المطلق

الظاهر من الآية الكريمة كما مرّ عدم وجدان ما يمكن معه الوضوء أو الغسل «1»، فعدم الماء بمقدار الكفاية كعدمه المطلق؛ لعدم تبعّض الطهارة و عدم تلفيقها من الماء و التراب.

فما يقال: «من استعمال ما وجد في بعض الأعضاء و التيمّم» «2» غير وجيه مخالف لظاهر الآية، و لما ورد من وجوب التيمّم على الجنب مع وجدان الماء بقدر الوضوء،

كصحيحة الحلبي: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يجنب و معه قدر ما يكفيه من الماء لوضوء الصلاة، أ يتوضّأ بالماء أو يتيمّم؟ قال: «لا بل يتيمّم؛ أ لا ترى أنّه إنّما جعل عليه نصف الوضوء؟!» «3».

و مثلها

رواية الحسين بن أبي العلاء، إلّا أنّ في آخرها بدل «نصف الوضوء»: «نصف الطهور» «4»

و

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام): في رجل أجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضّأ به، قال: «يتيمّم و لا يتوضّأ» «5».

و من هنا يظهر: أنّ التمسّك بمثل قاعدة «الميسور ..» في غسل ما يمكن أن يُغسل ليس في محلّه، بعد تسليم جريانها في مثل المقام.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 42.

(2) انظر جواهر الكلام 5: 93، نهاية الإحكام 1: 186، روض الجنان: 119/ السطر 20.

(3) الفقيه 1: 57/ 213، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 404/ 1266، وسائل الشيعة 3: 387، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 3.

(5) تهذيب الأحكام 1: 405/

1272، وسائل الشيعة 3: 387، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 53

الأمر السابع في وجوب تحصيل الماء و لو بالمعالجة

لو تمكّن من مزج الماء الذي لا يكفيه بما لا يسلبه الاسم فتحصّل به الكفاية، فهل يجب ذلك، كما عن جماعة من المتأخّرين منهم العلّامة «1»، أو لا كما عن الشيخ و أتباعه «2»؟

مقتضىٰ ما مرّ مراراً «3» من أنّ التيمّم مصداق اضطراري لدى العجز عن المصداق الاختياري، و أنّ التكليف بالصلاة مع المائية مطلق يحكم العقل بلزوم تحصيله و لو بحفر بئر، أو إذابة ثلج ما لم يكن حرجيّا، أو غير ذلك من أنحاء التوصّل إليه لزوم مثل هذا العلاج لتحصيل المطلوب المطلق. و المتفاهم من الأدلّة تعليق التيمّم على العجز عن الماء، و ليس المراد من «عدم الوجدان» هو ما يقتضي الجمود عليه، و لهذا يجب الوضوء و الغسل مع وجود ثلج أو ماء جامد مع إمكان إذابتهما أو دلكهما على الجسد بنحو يحصل مسمّاهما بواسطة الإذابة بحرارته،

ففي رواية محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلّا الثلج، قال: «يغتسل بالثلج أو ماء النهر» «4»

يعني هما سواء.

و

في رواية معاوية بن شريح قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال: يصيبنا

______________________________

(1) مختلف الشيعة 1: 73، البيان: 103، روض الجنان: 133/ السطر 26، مدارك الأحكام 1: 115.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 87/ السطر 3، المبسوط 1: 9 10.

(3) تقدّم في الصفحة 13 و 14 و 19 و 20 و 28.

(4) تهذيب الأحكام 1: 191/ 550، وسائل الشيعة 3: 356، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 2، ص: 54

الدَّمَقُ و الثلج، و نريد أن نتوضّأ، و لا نجد إلّا ماءً جامداً، فكيف أتوضّأ؛ أدلك به جلدي؟ قال: «نعم» «1».

فيظهر منهما و من غيرهما: أنّ الجمود علىٰ عدم الوجدان غير وجيه.

و يؤيّد ذلك

رواية الحسين بن أبي طلحة قال: سألت عبداً صالحاً عن قول اللّٰه عزّ و جلّ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «2» ما حدُّ ذلك؟ قال: «فإن لم تجدوا بشراءٍ أو غير شراء» «3».

فلو كان عنده المادّتان اللتان يتركّب منهما الماء حسب التجربيات الحديثة و يمكنه مزجهما حتّى يحصل الماء، يجب عليه، و لا أظنّ التزامهم بعدم الوجوب و الانتقال إلى التيمّم.

و ما يقال: من عدم اعتناء العرف و العقلاء بهذا النحو من القدرة الحاصلة بالمعالجات غير المتعارفة، و قياسه بخلط الحنطة بالتراب «4»، غير وجيه، و القياس مع الفارق؛ فإنّ المدّعىٰ إمّا أنّ العرف لا يستفيد من الآية المطلوبية المطلقة للمائية، و هو كما ترى، بل لا يلتزم به القائل.

أو أنّ عدم الوجدان صادق، و لا يجب على المكلّف إيجاد الماء و انسلاك نفسه في الواجد، و هو أيضاً غير وجيه، و لا أظنّ التزامه به، و تردّه الروايات المتقدّمة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 191/ 552، وسائل الشيعة 3: 357، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 2.

(2) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(3) تفسير العياشي 1: 244/ 146، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 26، الحديث 2.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 456/ السطر 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 55

أو أنّ العقلاء يرون نفوسهم عاجزة، و لا يكون العلاج المذكور تحصيلًا للقدرة، أو لا يكون

تحصيلها كذلك واجباً؛ و أنّ التكليف بمثله قبيح، فهو أيضاً بجميع تقاديره ممنوع؛ لعدم العجز بحسب الواقع مع إمكان المزج، و عدم وجوبه إمّا ناشئ من عدم التكليف المطلق، أو من حصول شرط التيمّم، و هما ممنوعان. و أمّا غفلتهم عن إمكان تحصيل الماء بمثل ذلك فلا يضرّ بالمطلوب، و ليس ذلك إلّا كغفلتهم عن وجود الماء، و قد عرفت بطلان التيمّم معه «1».

و كيف كان: الأقوىٰ وجوب العلاج بأيّ نحو يمكنه بلا حرج و مشقّة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 50.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 56

السبب الثاني عدم الوصلة إلى الماء

و هو قد يكون للتعذّر العقلي أو العادي، كما لو كان في بئر لا يمكنه إخراجه و الوصول إليه بوجه، أو كان في محلّ لا يمكنه الوصول إليه لكبر و نحوه، و منه عدم الثمن لشرائه، و هذا ممّا لا إشكال في التبديل به؛ لما عرفت من استفادته من الآية بالبيان المتقدّم «1».

و قد يكون الوصول إليه حرجيّا، كما لو كان في بئر يمكنه الوصول إليه مع الحرج و العسر، و يدلّ على التبديل فيه أدلّة نفي الحرج.

و قد يقال: «إنّ الظاهر من نفي الحرج في الدين أنّ أحكام الدين سهلة غير حرجية، فإذا لزم من الوضوء أو الغسل أو نحوهما حرج يرفع بدليله، و أمّا إذا كان الحرج في المقدّمات فلا؛ لأنّ المقدّمات ليست من الدين، و وجوبها عقليّ لا شرعيّ، فما هو من الدين كالوضوء في المقام ليس حرجياً، و ما فيه الحرج ليس مجعولًا، و لا من الدين» «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 27.

(2) انظر جواهر الكلام 13: 25، مصباح الفقيه، الصلاة: 609/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص:

57

و فيه: أنّ المتفاهم من آية نفي الحرج بمناسبة كونه تعالىٰ في مقام الامتنان أنّه تعالىٰ لم يجعل تكليفاً ينشأ من قِبله الحرج؛ كان في نفس المكلّف به أو مقدّماته أو نتائجه.

و يؤيّد ما ذكرنا بل يدلّ عليه استشهاد أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

في رواية عبد الأعلى الصحيحة على الأصحّ «1» بالآية الكريمة، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): عثرت فانقطع ظفري، فجعلت علىٰ إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: «يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّٰه عزّ و جلّ؛ قال اللّٰه تعالىٰ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» امسح عليه» «3».

فإنّ الحرج ليس في مسح الإصبع برطوبة اليد، بل في مقدّماته من نزع الخرقة و رفع المرارة.

هذا مضافاً إلىٰ إمكان استفادته من ذيل آية التيمّم، قال تعالىٰ وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ .. فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً .. إلى أن قال مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ «4» فإنّ الظاهر ارتباط هذه الجملة بالمريض و المسافر، و لا وجه لاختصاصها بالأوّل، فتكون حرجية الوضوء بالنسبة إلى المسافر الفاقد في مقدّمات تحصيل الماء، كالتخلّف عن الرفقة و غيره، فيستفاد منها أعمّية

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن علي بن الحسن بن رباط، عن عبد الأعلىٰ مولى آل سام. و لا كلام في رجال السند إلّا عبد الأعلىٰ مولى آل سام.

تنقيح المقال 2: 132/ السطر 21 (أبواب العين).

(2) الحج (22): 78.

(3) الكافي 3: 33/ 4، تهذيب الأحكام 1: 363/ 1097، وسائل الشيعة 1: 464، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 5.

(4) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص:

58

الحرج من كونه في الطبيعة المأمور بها.

و أمّا روايات الركية،

كصحيحة الحلبي: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يمرّ بالركية و ليس معه دلو، قال: «ليس عليه أن يدخل الركية؛ لأنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض، فليتيمّم» «1»

و مثلها صحيحة الحسين بن أبي العلاء «2» على الأصحّ «3».

و

صحيحة عبد اللّٰه بن أبي يعفور، عنه قال: «إذا أتيت البئر و أنت جنب، فلم تجد دلواً و لا شيئاً تغرف به، فتيمّم بالصعيد؛ فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد، و لا تقع في البئر، و لا تفسد على القوم ماءَهم» «4».

ففي دلالتها على المطلوب إشكال:

أمّا الأُوليان، فلاحتمال أن يكون ذلك لخوف السقوط و العطب، أو للحرج، أو لإفساد الماء على القوم؛ لأجل سقوط الوحل و التراب من جدار البئر، و إن كان الأخير غير مناسب لقوله: «ليس عليه أن يدخل» بل المناسب له: «ليس له

______________________________

(1) الفقيه 1: 57/ 213، وسائل الشيعة 3: 343، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 64/ 7، وسائل الشيعة 3: 344، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3، الحديث 4.

(3) الحسين بن أبي العلاء الخفّاف هو أبو عليّ الأعور و أخواه عليّ و عبد الحميد و كان الحسين أوجههم و لا ريب في كونه إماميّاً و لكن اختلفوا في وثاقته فمنهم من أثبتها و منهم من أنكرها و لكنّ المصنّف رجّح جانب الوثاقة.

رجال النجاشي: 52/ 117، اختيار معرفة الرجال: 44/ 94، الفهرست: 54/ 194، تنقيح المقال 1: 317/ السطر 11.

(4) الكافي 3: 65/ 9، تهذيب الأحكام 1: 149/ 426، و 185/ 535، وسائل الشيعة 3: 344، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 59

أن يدخل». و كيف كان: دلالتهما على التبديل في الجملة ظاهرة، لكن كونه للحرج غير ظاهر. إلّا أن يقال: بشمول إطلاقهما له، أو يقال: إنّ خوف الضرر موجب لحرجية التكليف.

و أمّا صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في الجنب، فليست مربوطة بالحرج، بل النهي عن الدخول إنّما هو لإفساد الماء المعدّ لشرب القوافل و المارّة، و تلك الآبار في الطرق إنّما حفرت لاستقاء المارّة للشرب و سائر الحاجات، و لا يجوز إفسادها و الدخول فيها؛ لعدم كونها كالمياه المباحة، و لا يجوز التصرّف فيها بغير ما جعلت له. و كيف كان لا ربط لها بالحرج الذي يكون الكلام فيه.

و من الحرج الشراء الموجب للشدّة و الضيق في المعيشة، أو للوهن في وجاهته و اعتباره؛ من غير فرق بين أن يكون أزيد من ثمن المثل أو لا، و لا في حصول الحرج في الحال أو في الاستقبال ممّا يعدّ بنظر العرف حرجاً. و ما دلّ علىٰ وجوب شرائه بمائة درهم بل بما بلغ لو سلّم إطلاقه بالنسبة إلىٰ مورد الحرج، و غضّ عن أنّ

قوله في صحيحة صفوان: «و هو واجد لها» «1»

ظاهر في أنّه ميسور له، كما هو ظاهر

ذيل خبر الحسين بن أبي طلحة، و هو قوله: «علىٰ قدر جِدَته» «2»

فمحكوم لدليل نفي الحرج، كما هو واضح.

و من الحرج الخوف من السبع و اللصّ و لو كان علىٰ أخذ ماله لا علىٰ نفسه؛ لأنّ لأخذ اللصّ ماله و التسلّط عليه مهانةً و ذلّةً و وهناً تأبىٰ عنها النفوس غالباً، و يكون تحمّلها حرجياً.

______________________________

(1) الكافي 3: 74/ 17، تهذيب الأحكام 1: 406/ 1276، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب

الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 26، الحديث 1.

(2) تفسير العيّاشي 1: 244/ 146، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 26، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 60

و منه الخوف على العرض، فإنّ الوقوع في معرض هتك الأعراض من أوضح موارد الحرج.

و تدلّ علىٰ جواز التيمّم عند خوف السبع و اللصّ مضافاً إلىٰ دليل نفي الحرج

رواية داود بن كثير الرقّي، و لا يبعد صحّتها؛ لعدم بُعد وثاقة داود «1» قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أكون في السفر فتحضر الصلاة، و ليس معي ماء، و يقال: إنّ الماء قريب منّا، أ فأطلب الماء و أنا في وقت يميناً و شمالًا؟ قال: «لا تطلب الماء، و لكن تيمّم؛ فإنّي أخاف عليك التخلّف عن أصحابك، فتضلّ و يأكلك السبع» «2».

و

رواية يعقوب بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّٰه عن رجل لا يكون معه ماء، و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك، قال: «لا آمره أن يغرّر بنفسه؛ فيعرض له لصّ أو سبع» «3».

و هما مختصّتان بالخوف علىٰ نفسه، و لعلّ اللصوص في تلك الأزمنة و الأمكنة كانوا كثيرين، و التخلّف عن الرِّفقة كان تغريراً بالنفس نوعاً؛ لعدم إبائهم عن إراقة الدماء، و لهذا أجاب الإمام (عليه السّلام) بما أجاب، مع إطلاق السؤال. بل لا يبعد أن يكون السؤال قرينة على الخوف، و إلّا فمع الأمن و وجود الماء لا يحتمل سقوط الوضوء.

______________________________

(1) اختلف الأصحاب في وثاقه داود بن كثير الرقّي قال النجاشي: «ضعيف جدّاً و الغلاة تروي عنه»، و قال الشيخ: «داود بن كثير الرقّي مولى بني أسد ثقة».

رجال النجاشي: 156/ 410، رجال الطوسي:

336/ 1، تنقيح المقال 1: 414/ السطر 2.

(2) الكافي 3: 64/ 6، تهذيب الأحكام 1: 185/ 536، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 1.

(3) الكافي 3: 65/ 8، تهذيب الأحكام 1: 184/ 528، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 61

و قد يكون في الوصول إلى الماء ضرر ماليّ؛ من غير حصول عنوان آخر كالحرج، فقد استدلّ «1» علىٰ سقوط المائية به بدليل «لا ضرر و لا ضرار» «2» و بالإجماع المحكي عن «الغُنية» و «المعتبر» و «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «كشف اللثام» و «المدارك» «3» و بروايتي داود و يعقوب المتقدّمتين. و باستقراء أخبار التيمّم في سقوط المائية بأقلّ من ذلك.

و فيه ما ذكرناه في رسالة مستقلّة: من أنّ دليل الضرر ليس بصدد رفع الأحكام الضرريّة، كما أفادوا «4»، بل حكم سياسي سلطاني صدر من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بما هو سلطان على الناس، فراجع «5».

و الإجماع المحكيّ مع كونه موهوناً؛ لأجل احتمال استنادهم إلى الأدلّة، مثل دليلي الضرر و الحرج و غيرهما من الأخبار لا يبعد أن يكون معقده هو الخوف من اللصّ علىٰ ماله، و قد مرّ أنّه حرجي مرفوع بدليله، ففي «الغنية» ادّعى الإجماع على الجواز عند حصول خوف من عدوّ من غير ذكر المال «6».

و في «المنتهىٰ» ادّعىٰ عدم وجدان الخلاف في الخوف على المال من لصّ

______________________________

(1) انظر ذكرى الشيعة 1: 184، جامع المقاصد 1: 474، جواهر الكلام 5: 97.

(2) الكافي 5: 292/ 2، الفقيه 3: 147/ 18، تهذيب الأحكام 7: 146/ 651، وسائل الشيعة

25: 428، كتاب إحياء الموات، الباب 12، الحديث 3.

(3) غنية النزوع 1: 64، المعتبر 1: 366، منتهى المطلب 1: 134/ السطر 22، تذكرة الفقهاء 2: 163، كشف اللثام 2: 439، مدارك الأحكام 2: 190.

(4) رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 114 و 116، كفاية الأُصول: 430 435، رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن منية الطالب 2: 208/ السطر 18.

(5) بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 113.

(6) غنية النزوع 1: 64.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 62

أو عدوّ أو حربي «1». و عن «المعتبر» و «كشف اللثام» مثله «2».

و في «المدارك»: «هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب علىٰ ما نقله جماعة، بل قال في «المنتهىٰ»: إنّه لا يعرف فيه خلافاً بين أهل العلم» «3» انتهىٰ. و القيد الأخير ليس في النسخة الموجودة عندي.

و كيف كان: هذه العبارات كما ترى ظاهرة في دعوى الإجماع في مورد الخوف من اللصّ و مثله، و هو حرجي كما مرّ. و الروايتان موردهما الخوف من اللصّ و السبع أيضاً، بل ظاهرهما الخوف على النفس.

و التمسّك بالاستقراء «4» في غير محلّه؛ بعد ورود وجوب شراء ماء الوضوء بالغاً ما بلغ «5». بل يمكن استفادة وجوب صرف المال لتحصيل الماء للطهارة من

صحيحة صفوان في غير المورد المنصوص عليه، قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة، و هو لا يقدر على الماء، فوجد بقدر ما يتوضّأ به بمائة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها، أ يشتري و يتوضّأ، أو يتيمّم؟ قال: «لا، بل يشتري، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت و توضّأت، و ما يشتري

بذلك مال كثير» «6».

حيث قال: «إنّ ماء الوضوء مال كثير» و هو بمنزلة التعليل، فيستفاد منه أنّ

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 134/ السطر 22.

(2) المعتبر 1: 366، كشف اللثام 2: 439.

(3) مدارك الأحكام 2: 190.

(4) جواهر الكلام 5: 103.

(5) وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 26، الحديث 2.

(6) الكافي 3: 74/ 17، تهذيب الأحكام 1: 406/ 1276، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 26، الحديث 1.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 63

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 63

صرف المال لتحصيل المال الكثير عقلائيّ، فإذا كان تحصيل ذلك المال الكثير لازماً، يجب صرف المال لأجله و لو بغير شرائه، كشراء الآلات و حفر البئر و إعطاء المال للإذن بالدخول في ملكه، و العبور عنه للوصول إليه، و استئجار الغير لتحصيله. بل و لو خاف من ضياع ماله في سبيل تحصيله ما لم يكن حرجياً، بل و شقّ الثوب النفيس إذا لم يكن فيه محذور شرعيّ، علىٰ تأمّل في الأخير لأجل احتمال انصرافِ الدليل عن مثله، و صدقِ عدم الوجدان و عدم القدرة عرفاً علىٰ تحصيله.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 64

السبب الثالث كون الاستعمال حرجيّا و لو لم يخف الضرر
اشارة

كالبرد الشديد الذي يكون التوضّي و الاغتسال معه ذا مشقّة، و يعدّ التكليف معه حرجياً، أو كان في استعمال الماء ضرر موجب للهلاك، أو عيب، أو حدوث مرض، أو شدّته، أو طول مدّته، أو صعوبة علاجه، أو عدم بُرئه، أو خاف علىٰ نفسه

ممّا ذكر و أمثاله من الأمراض المعتدّ بها؛ حتّى مثل الشَّين الذي يعلو البشرة من الخشونة المشوّهة للخلقة ممّا يعتني به العقلاء، و لا عبرة باليسير غير المعتنىٰ به ممّا لا يعدّ ضرراً و لا حرجاً و لا مرضاً.

و تدلّ علىٰ ذلك كلّه الآية الكريمة وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ .. إلىٰ قوله تعالىٰ مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ «1».

فإنّ عنوان «المرض» و إن كان صادقاً علىٰ مطلقه؛ حتّى ما لا يكون استعمال الماء منافياً له أو مضرّاً به، لكن المناسبة بين الحكم و الموضوع و ذكر المرض عقيب وجوب المائية، توجب الانصراف إلىٰ ما تكون المائية منافية

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 65

لمرضه و مضرّة به. كما يستفاد منه التبديل إذا أضرّته المائية و لو لم يندرج تحت عنوان «المرض» كما لو كان به قرح أو جرح، فإنّهما لا يعدّان مرضاً عرفاً، فإنّه عبارة عن اختلال مزاجي، كالحمّىٰ و السلّ و غيرهما. كما أنّ الظاهر أنّ الرمد و بعض الأوجاع أيضاً لا يعدّ مرضاً عرفاً.

و كيف كان: يستفاد حكم جميع ما ذُكر من ذكر المرض في ذيل الوضوء و الغسل؛ بمناسبة الحكم و الموضوع.

هذا مع قطع النظر عن قوله مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ .. إلىٰ آخره، و إلّا يكون الحكم أوضح، فتدلّ الآية صدراً و ذيلًا على التبديل في مطلق ما ينافيه المائية و مطلق الحرج و لو كان مأموناً من المرض، بل يكون في نفس الوضوء لأجل البرد حرج. و تدلّ عليه آية عدم جعل الحرج في الدين أيضاً.

نعم، تنصرف الأدلّة عن اليسير غير المعتنىٰ به، كما أشرنا إليه، و لعلّ مراد

المحقّق (رحمه اللّٰه) و غيره من المرض الشديد «1»، هو مقابل اليسير المذكور، و لا أظنّ أن يكون مرادهم اعتبار الشدّة احترازاً عن أوّل مراتب الحمّىٰ مثلًا و لو كان الغسل معه مضرّاً به.

سقوط المائية مع خوف حدوث الأمراض مثلًا

ثمّ إنّه يستفاد من ذيل الآية رفع المائية مع خوف المذكورات، فإنّ التكليف بها مع الخوف ضيق و حرج و تشديد على المكلّف، فيعدّ التكليف مع خوف الهلاك أو حدوث العيوب و الأمراض تضييقاً و تحريجاً عليه، و مخالفاً لقوله مٰا يُرِيدُ الهُٰث .. إلىٰ آخره.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 39، تحرير الأحكام 1: 21/ السطر 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 66

و تدلّ علىٰ ما ذكر مضافاً إلى الآية و الإجماع المتكرّر في ألسنتهم «1» روايات مستفيضة لو لم تكن متواترة،

ففي صحيحة محمّد بن سكين، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قيل له: إنّ فلاناً أصابته جنابة و هو مجدور، فغسّلوه فمات، قال: «قتلوه، ألا سألوا؟! ألا يمّموه؟! إنّ شفاء العيّ السؤال» «2».

و

في صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يُجنب، قال: «لا بأس بأن لا يغتسل؛ يتيمّم» «3».

و

في صحيحة ابن أبي نصر، عن الرضا (عليه السّلام): في الرجل تصيبه الجنابة، و به قروح أو جروح، أو يكون يخاف علىٰ نفسه من البرد، فقال: «لا يغتسل و يتيمّم» «4».

و نحوها صحيحة داود بن سِرحان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «5» .. إلىٰ غير ذلك.

و لا فرق فيما ذكر بين الحدث الأصغر و الأكبر، و لا بين حدوثه اختياراً أو لا، لكن وردت روايات منافية لذلك،

كصحيحة سليمان بن خالد و أبي بصير، عن أبي

عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سئل عن رجل كان في أرض باردة، فتخوّف إن هو اغتسل أن يصيبه عَنَت من الغسل، كيف يصنع؟ قال: «يغتسل و إن أصابه ما أصابه».

______________________________

(1) راجع غنية النزوع 1: 64، تذكرة الفقهاء 1: 159، جواهر الكلام 5: 104.

(2) الكافي 3: 68/ 5، وسائل الشيعة 3: 346، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 1.

(3) الكافي 3: 68/ 1، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 5.

(4) تهذيب الأحكام 1: 196/ 566، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 7.

(5) تهذيب الأحكام 1: 185/ 531، وسائل الشيعة 3: 348، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 67

قال: و ذكر أنّه كان وَجِعاً شديد الوجع، فأصابته جنابة و هو في مكان بارد، و كانت ليلة شديدة الريح باردة «فدعوتُ الغِلْمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنّا نخاف عليك، فقلت: ليس بدّ، فحملوني و وضعوني علىٰ خَشَبات، ثمّ صبّوا عليّ الماء فغسّلوني» «1».

و

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة و لا يجد الماء، و عسىٰ أن يكون الماء جامداً، فقال: «يغتسل علىٰ ما كان» حدّثه رجل: أنّه فعل ذلك فمرض شهراً من البرد، فقال: «اغتسل علىٰ ما كان؛ فإنّه لا بدّ من الغسل» و ذكر أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «أنّه اضطرّ إليه و هو مريض، فأتوه به مسخّناً فاغتسل» و قال: «لا بدّ من الغسل» «2».

و قد يجمع «3» بينهما و بين ما تقدّم بحملهما على الجنابة الاختيارية، و حمل ما سبق

على الاحتلام؛ بشهادة

مرفوعة علي بن أحمد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن مجدور أصابته جنابة، قال: «إن كان أجنب هو فليغتسل، و إن كان احتلم فليتيمّم» «4».

و

مرفوعة إبراهيم بن هاشم قال: «إن أجنب فعليه أن يغتسل علىٰ ما كان منه، و إن احتلم فليتيمّم» «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 198/ 575، الإستبصار 1: 162/ 563، وسائل الشيعة 3: 373، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 17، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 198/ 576، الإستبصار 1: 163/ 564، وسائل الشيعة 3: 374، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 17، الحديث 4.

(3) راجع مستند الشيعة 3: 374 375.

(4) الكافي 3: 68/ 3، الفقيه 1: 59/ 219، تهذيب الأحكام 1: 198/ 574، وسائل الشيعة 3: 373، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 17، الحديث 1.

(5) الكافي 3: 67/ 2، وسائل الشيعة 3: 373، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 17، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 68

بل عن «الخلاف» دعوى إجماع الفرقة علىٰ وجوب الغسل علىٰ من أجنب اختياراً «3»، و عن المفيد و الصدوق اختياره «4».

و فيه: أنّ مرفوعة ابن هاشم لا يعلم كونها رواية، بل لا يبعد أن يكون ذلك فتواه جمعاً بين الروايات، و مرفوعةَ علي بن أحمد مع رفعها؛ و جهالة ابن أحمد «5»، و مخالفتها للروايات الكثيرة في المجدور «6» مع كونها آبية عن التقييد لا تصلح للشهادة على الجمع.

مع أنّ مثل هذا الجمع غير عقلائي و لا مقبول، و أنّ المذكور في صحيحة ابن مسلم: «تُصيبه الجنابة» و لا يبعد ظهوره في غير الاختيارية، و كذا الحال في صحيحتي البزنطي و ابن سرحان.

و ذكرُ أبي عبد اللّٰه

(عليه السّلام) لإصابته الجنابة مع كونه منزّهاً عن الاحتلام لا يصير شاهداً علىٰ كون السؤال عن حصولها باختياره، و التعبير عن جنابة نفسه ب «الإصابة» التي يجب صرفها إلى الاختيارية، لا يوجب ظهورها في نفسها في الاختيارية، بل لعلّه يوجب وهناً في الرواية. و كيف كان هذا الجمع ضعيف غير مقبول.

و أضعف منه الاتكال علىٰ دعوى إجماع «الخلاف» مع كون خلافه مظنّة الإجماع.

______________________________

(3) الخلاف 1: 157.

(4) المقنعة: 60، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 49/ السطر 20.

(5) هو عليّ بن أحمد بن أشيم قال الشيخ الطوسي (رحمه اللّٰه): «عليّ بن أحمد بن أشيم مجهول».

رجال الطوسي: 363/ 66.

(6) راجع وسائل الشيعة 3: 346، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 69

بل عن ظاهر «المنتهىٰ» الإجماع عليه، قال: «لو أجنب مختاراً و خشي البرد تيمّم عندنا» «1» و في «الجواهر»: «المشهور بين الأصحاب نقلًا و تحصيلًا عدم الفرق بين متعمّد الجنابة و غيره» «2».

هذا كلّه مع منافاة ما ذكر للكتاب «3» و السنّة «4»، و إباء أدلّة نفي الحرج «5» من التقييد، و مخالفته لسهولة الملّة و سماحتها، و مخالفة بعض مراتبه للعقل، كخوف تلف النفس، و لهذا خصّه بعضهم بما إذا لم يخف منه «6»، زاعماً كونه جمعاً بين الأخبار و بين مثل

صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة، فيخاف علىٰ نفسه التلف إن اغتسل، فقال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد» «7».

و يتلو الجمع المتقدّم في الضعف لو لم يكن أضعف منه حمل الصحيحتين على الاستحباب بدعوىٰ: «أنّ الغالب أنّ الخوف على النفس من

مرض شديد أو تلف من البرد عند صحّة المزاج كما هو منصرف السؤال إنّما ينشأ عن احتمال موهوم في الغاية لا يجب رعايته، و المظنون الغالب في مثل الفرض الأمن من الضرر لو فرض التحمّي و التحفّظ. بل ربّما يكون الخوف من

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 153/ السطر 4.

(2) جواهر الكلام 5: 108.

(3) كقوله تعالىٰ وَ لٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. البقرة (2): 195.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 12، و: 390، الباب 27، الحديث 1.

(5) كقوله تعالىٰ وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. الحجّ (22): 78.

(6) مستند الشيعة 3: 376.

(7) الفقيه 1: 60/ 224، وسائل الشيعة 3: 372، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 16، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 70

التلف و المرض من تسويلات النفس تنشأ من مشقّة الفعل، كما تشهد به صحيحة سليمان؛ حيث فرض إصابة العنت و هو المشقّة، فقول الإمام (عليه السّلام): «يغتسل و إن أصابه ما أصابه» يعني من العنت، و أمّا الخوف من التلف أو المرض الواجب التحرّز، فلا يكون غالباً إلّا على الاحتمال الموهوم، و لا مانع من حمل الصحيحتين علىٰ مثل الفرض و حملهما على الاستحباب.

و لا يعارضهما عمومات نفي الحرج و الصحاح المتقدّمة؛ إذ لا يفهم من العمومات إلّا الرخصة، و لا من النهي في الصحاح الوارد في مقام توهّم الوجوب إلّا جواز الترك» «1» انتهىٰ.

و ذلك لأنّ دعوى موهومية الاحتمال في المقام في غاية الضعف، و كيف يكون الاحتمال موهوماً في مورد الصحيحتين مع ذكر الإمام (عليه السّلام) في صحيحة سليمان الأمر بتغسيله في ليلة باردة شديدة الريح مع الوجع

الشديد؛ بحيث لم يتمكّن من الحركة و لا من الاغتسال بنفسه، فحملوه و غسّلوه، و لم يقل في جواب الغِلْمة حيث قالوا: «إنّا نخاف عليك»: «لا خوف عليّ» بل قال: «ليس بُدّ» أي و لو مع الخوف، و مع حديث الرجل في صحيحة ابن مسلم: أنّه فعل ذلك فمرض شهراً من البرد، فقال (عليه السّلام): «اغتسل علىٰ ما كان؛ فإنّه لا بدّ من الغسل» ممّا هو كالصريح في لابدّية الغسل و لو مع الخوف من المرض كائناً ما كان، بل و لو مع العلم بحدوثه، بل مع المرض الفعلي، كما حكىٰ عن غسله في مرضه؟! و يتلوه في الضعف دعواه انصراف السؤال إلىٰ صحيح المزاج و سليمه، فإنّه في نفسه و إن لا يبعد انصرافه إليه، لكنّ الجواب و حكاية أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 461/ السطر 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 71

مرضه و وجعه الشديد، صريح في لابدّية الغسل و لو كان مريضاً و سقيماً، و في معرض الازدياد، بل التلف.

و قوله في صحيحة سليمان: «نتخوّف إن هو اغتسل أن يصيبه عَنَت من الغسل» الذي استشهد به لمرامه من أنّ «العَنَت» عبارة عن المشقّة، و قوله (عليه السّلام): «يغتسل و إن أصابه ما أصابه» أي من العنت و المشقّة، غير صالح للاستشهاد؛ لأنّ «العنت» كما جاء بمعنى المشقّة، جاء بمعنى الهلاك و الفساد «1»، و ظاهر قوله: «نتخوّف أن يصيبه عنت» إصابة فساد أو هلاك، و إلّا فأصل المشقّة في الأرض الباردة معلومة، و لا يقال معها: «نتخوّف أن يصيبه».

و لو سلّم لكن لحن قوله: «و إن أصابه ما أصابه» لا يلائم الحمل على المشقّة فقط.

و لو سلّم لكن حكاية أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) اغتساله مع الوجع الشديد و الليلة الباردة و الريح الشديد و قول الغِلْمة و غير ذلك، مخالف لما ذُكر. و لو سلّم ذلك في صحيحة سليمان لا يأتي احتماله في صحيحة ابن مسلم.

و أضعف من جميع ذلك حملهما على الاستحباب مع إبائهما عنه، و كيف يحمل عليه قوله: «يغتسل و إن أصابه ما أصابه» و قوله (عليه السّلام) في جواب الغِلْمة مع الخوف علىٰ نفسه: «ليس بُدّ» و قوله: «يغتسل علىٰ ما كان» و قوله بعد قول الرجل: «فمرض شهراً من البرد»: «اغتسل علىٰ ما كان» و قوله بعد حكاية غسله في حال المرض: «لا بدّ من الغسل»؟! و لَعَمري إنّ طرح الرواية أولىٰ من هذا النحو من الجمع.

و كيف كان: لا محيص عن طرحهما و ردّ علمهما إلىٰ أهله؛ بعد وَهْنهما بظهورهما في إصابة الجنابة إيّاه (عليه السّلام) من غير اختيار، و هو منزّه عنها، و بغاية

______________________________

(1) لسان العرب 9: 415، مجمع البحرين 2: 211.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 72

بُعد الاختيارية منها في هذه الحال و في هذه الأرض الباردة المَخوفة على النفس، و لمخالفتهما للعقل و الكتاب و السنّة، و بإعراض المشهور عنهما علىٰ ما حكي «1»، و موافقتهما للمحكي عن أصحاب الرأي و أحمد في إحدى الروايتين «2».

حول سقوط المائية مع خوف الشيْن
اشارة

ثمّ قد مرّ أنّه لا فرق في خوف المرض و غيره بين الشديد و الضعيف، إلّا إذا كان يسيراً غير معتنى به «3».

و أمّا الشَّيْن الذي ادّعي عدم وجدان الخلاف في جواز التيمّم معه «4»، و عن «المعتبر» و «المنتهىٰ» و «المدارك» و «الكفاية» جوازه عند علمائنا «5»،

و هو ظاهر في الإجماع، بل عن «جامع المقاصد» دعواه صريحاً «6»، فإن كان المراد منه بعض الأمراض الجلدية من قبيل الجرب و السوداء، فلا إشكال في صحّة التيمّم معه؛ لإطلاق الآية. بل يستفاد حكمه من أدلّة القرح و الجرح؛ إمّا بدعوى اندراجه فيها، أو بدعوىٰ إلغاء الخصوصيّة عرفاً. مضافاً إلىٰ أدلّة نفي الحرج.

و إن كان المراد منه هو الخشونة التي تعلو البَشَرة، و قد تنتهي إلى انشقاق

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 461/ السطر 13، مستمسك العروة الوثقىٰ 4: 340.

(2) انظر منتهى المطلب 1: 135/ السطر 31، المغني، ابن قدامة 1: 262 و 265، المجموع 2: 322.

(3) تقدّم في الصفحة 64.

(4) جواهر الكلام 5: 113.

(5) المعتبر 1: 365، منتهى المطلب 1: 136/ السطر 18، مدارك الأحكام 2: 195، كفاية الأحكام: 8/ السطر 8.

(6) جامع المقاصد 1: 473.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 73

الجلد، فمع خوف الانشقاق المعتدّ به ينسلك في الأدلّة و لو بإلغاء الخصوصيّة، و مع عدمه فلا دليل عليه إلّا أدلّة نفي الحرج، فلا بدّ من كونه بحدّ يصدق معه الحرج و المشقّة، و صار التوضّي مع خوفه مندرجاً في التضييق و التحريج.

المراد من «الحرج»

ثمّ اعلم: أنّ ظاهر بعضهم في المقام الذي هو من جزئيّات الحرج تقييده بما لا يتحمّل عادة «1»، و الظاهر منه أنّ «الحرج» عبارة عن المشقّة التي لا تتحمّل عادة. و يؤيّده قول بعض أهل اللغة علىٰ ما قيل-: «إنّ الحرج أضيق الضيق» «2».

و في «المجمع» مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ أي من ضيق؛ بأن يكلّفكم ما لا طاقة لكم به و ما تعجزون عنه، يقال: «حَرِجَ يَحْرَج من باب علم أي ضاق». و

في كلام الشيخ علي بن إبراهيم: «الحرج: الذي لا مدخل له، و الضيق: ما يكون له مدخل» «3» انتهىٰ.

و في «الصحاح»: «مكان حَرَجٌ و حَرِجٌ: أي ضيّقٌ كثير الشجر لا تصل إليه الراعية» «4» و نُقِل ذلك عن ابن عبّاس أيضاً «5».

هذا، لكنّ الظاهر من كثير من كتب اللغة تفسيره بالضيّق من غير تقييد بما لا يتحمّل أو غيره، ففي «الصحاح» و «القاموس»: «التحريج: التضييق» «6» و تقدّم

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 111، مجمع الفائدة و البرهان 1: 215، جواهر الكلام 5: 114.

(2) انظر لسان العرب 3: 107.

(3) مجمع البحرين 2: 288 289.

(4) الصحاح 1: 305.

(5) انظر لسان العرب 3: 107.

(6) الصحاح 1: 306، القاموس المحيط 1: 189.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 74

عن «المجمع»: «حَرِجَ من باب علم أي ضاق».

و في «المنجد»: «حَرِج الشي ء: ضاق، حَرّجه: ضيّقه» «1».

و عن «النهاية»: «الحَرَج في الأصل الضيق» «2».

و حكىٰ في «مجمع البيان» تفسيره بالضيق و العنت عن جميع المفسّرين «3». بل فسّره به

في صحيحة زرارة المتقدّمة «4» عن المشايخ الثلاثة، قال لأبي جعفر (عليه السّلام): أ لا تخبرني من أين علمت و قلت: «إنّ المسح ببعض الرأس»؟ .. و الحديث طويل متعرّض لتفسير الآية و النكات التي فيها، و قال في آخره: ثمّ قال: «مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ «5» و الحرج: الضيق» «6».

و

عن «قرب الإسناد» عن الصادق، عن أبيه، عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: «أعطى اللّٰه أُمّتي و فضّلهم به علىٰ سائر الأُمم ..» إلىٰ أن قال: «و إنّ اللّٰه تعالىٰ أعطىٰ أُمّتي ذلك حيث يقول وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ

حَرَجٍ «7» يقول: من ضيق» «8».

و

في موثّقة أبي بصير في أبواب المياه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّا نسافر، فربّما بُلينا بالغدير من المطر .. إلىٰ أن قال-: «افرج الماء بيدك ثمّ

______________________________

(1) المنجد: 125.

(2) النهاية، ابن الأثير 1: 361.

(3) مجمع البيان 3: 259.

(4) تقدّم في مبحث الوضوء. راجع الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 448.

(5) المائدة (5): 6.

(6) الكافي 3: 30/ 4، الفقيه 1: 56/ 212، تهذيب الأحكام 1: 61/ 168، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

(7) الحجّ (22): 78.

(8) قرب الإسناد: 84/ 277.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 75

توضّأ؛ فإنّ الدين ليس بمضيّق، فإنّ اللّٰه يقول مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» «10».

و يظهر أيضاً من بعض موارد تمسّكهم بدليل نفي الحرج، أوسعيّة الأمر ممّا قيل، كرواية عبد الأعلى «1»، فإنّ رفع المرارة ليس ممّا لا يتحمّل عادة، بل فيه مشقّة و كلفة.

و

في الرواية المحكيّة عن حمزة بن الطيّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و الحديث طويل قال فيه: «و كذلك إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحداً في ضيق» «2».

و

عن «قرب الإسناد» عن الصادق (عليه السّلام) عن أبيه، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: «لا غِلَظَ علىٰ مسلم في شي ء» «3».

مضافاً إلىٰ أنّ لسان الآيات الشريفة الواردة في مقام الامتنان، لسان عدم جعل مطلق الضيق، كقوله يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «4» و قوله رَبَّنٰا وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا «5».

______________________________

(10) تهذيب الأحكام 1: 417/ 1316، وسائل الشيعة 1: 163، كتاب الطهارة، أبواب الماء

المطلق، الباب 9، الحديث 14.

(1) تقدّمت في الصفحة 57.

(2) الكافي 1: 164/ 4.

(3) قرب الإسناد: 134/ 469.

(4) البقرة (2): 185.

(5) البقرة (2): 286.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 76

السبب الرابع الخوف من العطش

في استعمال الماء علىٰ نفسه، أو أولاده و عائلته، أو صديقه، بل كلّ ما يتعلّق به من الإنسان و الحيوان؛ من تلف، أو حدوث مرض، أو علّة، أو عروض حرج، أو مشقّة من فقد الماء؛ لأدلّة نفي الحرج؛ ضرورة أنّه كما يكون التكليف بالوضوء مع خوف ما ذكر علىٰ نفسه تحريجاً و تضييقاً، كذلك إذا خاف علىٰ أطفاله و عياله، أو صديقه، بل غلمته.

بل حيوانه الذي يحتاج إليه في سفره. بل مطلقاً إذا كان في حفظه غرض عقلائيّ؛ سواء أُخذ للذبح لكن لا يكون في السفر محلّ ذبحه و يشقّ عليه حمله، أو لم يؤخذ لذلك.

نعم، لو أُخذ له، و لا يتعلّق الغرض ببقائه، و لا يكون في ذبحه أو حمله حرج، فلا يستفاد حكمه من دليل نفي الحرج و إن لا يبعد استفادته من سائر الأدلّة،

كموثّقة سَماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يكون معه الماء في السفر، فيخاف قلّته، قال: «يتيمّم بالصعيد، و يستبقي الماء؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ جعلهما طهوراً: الماء، و الصعيد» «1».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 405/ 1274، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 77

لصدق خوف القلّة علىٰ من كان في سفر مع عائلته و كلّ ما يتعلّق و يرتبط به؛ إنساناً أو حيواناً، ذمّيا أو مسلماً. بل لعلّه يشمل الخوف على الحربي المتعلّق به؛ و إن كان الأقرب

انصرافه عن مثل الحربي الذي يجب على الناس قتله بأيّة وسيلة ممكنة.

نعم، لو لم يكن مهدور الدم، لكن يكون مرتكباً لما يكون حدّه القتل كالقاتل و الزاني المحصن؛ ممّن يكون قتله بيد شخص خاصّ أو بنحو خاصّ فالظاهر شمول الرواية له.

بل لا يبعد شمولها للخوف علىٰ غير ما يتعلّق به؛ آدميّاً كان أو غيره ممّا له كبد حرّى؛ ضرورة أنّه مع رؤية الإنسان إنساناً أو حيواناً يتلظّىٰ عطشاً بمحضر منه، يكون التكليف بالوضوء عليه تحريجاً و تضييقاً؛ لأنّ النفوس الشريفة بل غير القاسية و الشقيّة تأبىٰ عن ذلك، فحينئذٍ مع خوف حصول ذلك يصدق خوف القلّة. بل تشمله أدلّة نفي الحرج.

و لا يبعد استفادته من

صحيحة ابن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه قال في رجل أصابته جنابة في السفر، و ليس معه إلّا ماء قليل، و يخاف إن هو اغتسل أن يعطش، قال: «إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة، و ليتيمّم بالصعيد؛ فإنّ الصعيد أحبّ إليّ» «1».

فإنّ تغيير الجواب عمّا هو متعارف و تنكير «العطش» ممّا يُشعر أو يدلّ علىٰ توسعة الموضوع من عطش نفسه، و إلّا كان حقّ الجواب إمّا أن يقول: «فليتيمّم» أو يقول: «إن خاف أن يعطش» أو «خاف العطش» فتبديل الجواب بما هو غير

______________________________

(1) الكافي 3: 65/ 1، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1267، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 78

متعارف لا بدّ فيه من نكتة؛ و هي إفادة توسعة الحكم لخوف عطش علىٰ نفسه أو غيره آدميّ أو غيره.

ثمّ إنّ الظاهر من خوف العطش و القلّة أن يكونا مخوّفين، و لا

يطلق عرفاً ذلك إلّا علىٰ ما يكون في احتمالهما خطر هلاك أو مرض أو مشقّة، و أمّا إذا احتمل العطش المتعارف فلا يقال: «يخاف من العطش» أو «القلّة» فليس المراد احتمال حصول أوّل مراتب العطش.

و منه يظهر: أنّ احتمال قلّة الماء لمثل الطبخ و القهوة و (القليان) خارج من مصبّ الرواية؛ لأنّ القلّة لا تكون مخوفة معه عادة، ضرورة أنّ احتمال القلّة لكلّ حاجة لا يوجب الخوف، و لا يطلق عليه، فخوف القلّة ينحصر عرفاً بما يكون معرضاً لخطر أو حرج أو مشقّة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 79

السبب الخامس ما إذا لزم من استعمال الماء في الوضوء أو الغسل محذور شرعيّ
اشارة

من ترك واجب، كما لو لزم من الاشتغال بأحدهما و الصلاة تركُ إنقاذ غريق، دون التيمّم، أو تأخيرُ أداء الدين المطالَب به و نحوهما.

أو فعلِ محرّم، كاستعمال ماء مغصوب، أو العبور من طريق مغصوب، أو استعمال آنية الذهب و الفضة و نحوها.

أو تركِ شرط معتبر في الصلاة، كما لو لزم منه نجاسة مسجد الجبهة مع الانحصار و عدم إمكان التحرّز.

أو حصولِ مانع، كما لو لزم منه نجاسة الساتر. و منه ما لو كان الماء بقدر تطهير الثوب النجس أو الوضوء.

لا ريب في صحّة التيمّم بل لزومه في بعض تلك الموارد، فهل يكون في جميع الأعذار الشرعيّة كذلك، أو يكون من باب الأهمّ و المهمّ و لا بدّ من ملاحظة قاعدة باب التزاحم؟

قد يقال «1» باستفادة كون كلّ عذر شرعيّ أو عقليّ موجباً للتيمّم من الآية

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 448/ السطر 13، و 457/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 80

الكريمة «1»؛ بدعوىٰ: أنّ الظاهر من ذكر عدم الوجدان عقيب الأمر بالوضوء و الغسل، عدم وجدان

ما يستعمل في الطهور بلا محذور مطلقاً؛ أ لا ترى أنّه لو وجد أقلّ من الوضوء، أو كان الماء للغير، لا ينقدح في الذهن صدق وجدانه و عدم صحّة التيمّم معه، فيظهر منه أنّ الموضوع هو الوجدان من غير محذور.

و فيه: أنّه لا ريب في أنّ الظاهر من الآية و لو بمناسبة الحكم و الموضوع هو وجدان ما يمكن استعماله في الطهارة كما مرّ «2»، ففي صورة كون الماء غير وافٍ يتيمّم، كما أنّه لو كان الماء للغير يصدق عدم الوجدان عرفاً، فإنّه غير واجد لمال الغير، كما أنّه يستفاد حكم عدم إمكان التوصّل إليه من الآية كما مرّ «3»، لكن إلحاق كلّ محذور شرعيّ به غير ظاهر؛ فإنّ الوجدان صادق بلا شبهة مع وجوده في آنية الذهب و الفضّة، أو كان في التوصّل إليه و في طريقه محذور شرعيّ، فعدم الوجدان و إن عمّ ما تقدّم، لكنّه لا يعمّ لمثل المحذور الشرعي، و ليس في الآية الكريمة صدراً و ذيلًا ما يدلّ علىٰ ذلك و لو بالارتكاز العرفي و المناسبات. و بالجملة: إنّ عدم الوجدان هو العرفي منه، كما في جميع الموضوعات المتعلّقة للأحكام، و هو صادق مع ما تقدّم، دون مطلق المحذور الشرعي. و قياس سائر المحاذير بمثل التصرّف في مال الغير أي غصب مائه في غير محلّه؛ لصدق عدم الوجدان عرفاً مع كونه للغير، لا لأجل حكم الشارع بالحرمة، بل لحكم العقلاء بأنّ الإنسان لم يكن واجداً لمال غيره، و أمّا إذا كان الماء له و الآنية من الذهب أو من مال الغير، فلا شبهة في صدق الوجدان، و عدم إشعار في الآية بالإلحاق.

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

(2) تقدّم في الصفحة 42.

(3) تقدّم

في الصفحة 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 81

نعم، يمكن أن يُستدلّ على المطلوب ببعض الروايات:
منها: [صحيحة محمّد بن مسلم]

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألت عن رجل أجنب في سفر، و لم يجد إلّا الثلج أو ماءً جامداً، فقال: «هو بمنزلة الضرورة يتيمّم» «1».

حيث يظهر منها أنّ الضرورة أو ما هو بمنزلتها موضوع لصحّة التيمّم، و موردها و إن كان من الضرورات التكوينية، لكن لا يقيّد ما هو بمنزلة التعليل أو الكبرى بالمورد، و لا ريب في أنّ التخلّص عن ارتكاب المحرّم أو ترك الواجب أو شرطه أو إتيان مانعه، من الضرورات عرفاً و عقلًا، و لا يمكن أن يقال: إنّ المحذور الشرعي ليس محذوراً في نظر العرف مع كونه متعبّداً بحكم هذا الشرع، فأيّ ضرورة أعظم من التخلّص من مخالفة المولى؟! و دعوىٰ عدم الإطلاق في الرواية غير وجيهة، فإنّه لو كان موضوع التبديل عنواناً آخر لكان قوله: «هو بمنزلة الضرورة» في غير محلّه، خصوصاً مع كونه بمنزلة التعليل، فالظاهر أنّ كلّ ضرورة موجبة للانتقال.

و منها: [صحيحة أبي بصير]

صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كنتَ في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به؛ فإنّ اللّٰه أولىٰ بالعذر» «2».

حيث يظهر منها أنّ موضوع التبديل هو العذر من التيمّم بالتراب، و هي و إن كانت في مورد آخر، لكن يمكن الاستشهاد بها للمورد، تأمّل.

و منها: [صحيحة عبد اللّٰه بن أبي يعفور]

صحيحة عبد اللّٰه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا أتيت

______________________________

(1) الكافي 3: 67/ 1، وسائل الشيعة 3: 355، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 9.

(2) الكافي 3: 67/ 1، تهذيب الأحكام 1: 189/ 543، الإستبصار 1: 156/ 537، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 82

البئر و أنت جنب، فلم تجد دَلْواً و لا شيئاً تغرف به، فتيمّم بالصعيد؛ فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد، و لا تقع في البئر، و لا تفسد على القوم ماءهم» «1».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر من قوله: «لا تفسد على القوم ماءهم» أنّ فساد الماء عليهم محذور يوجب الانتقال، و المحذور أمّا الحرمة الشرعيّة، فيفهم أنّه مع وقوع الحرام لا يجوز التوضّي و الغسل، و إمّا الغضاضة العرفيّة مع عدم محذور شرعيّ، فيدلّ على التبديل مع المحذور الشرعي قطعاً؛ لدلالتها علىٰ صحّة التيمّم بأدنى شي ء؛ و لو بمثل تنفّر الطباع عن الورود في الماء.

و منها: دعوى أنّ المتفاهم من مجموع الروايات

كقوله: «إنّه أحد الطهورين» «2»

و «إنّ ربّهما واحد» «3»

و «يكفي عشر سنين» «4»

و ما دلّ علىٰ عدم لزوم الفحص عن الماء أكثر من غلوة و غلوتين «5» مع احتمال وجوده، بل الظنّ به، و أخبار الركية «6»، و ما دلّ علىٰ جواز إجناب النفس مع عدم الماء «7»، و ما دلّ علىٰ جواز إتمام الصلاة مع التيمّم لو وجد الماء بعد الدخول في الركوع، بل بعد الدخول في الصلاة «8» على الأقرب، و ما دلّ علىٰ جواز البدار و جواز التيمّم مع

______________________________

(1) الكافي 3: 65/ 9، تهذيب الأحكام 1: 149/ 426، و: 185/ 535، وسائل الشيعة

3: 344، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3، الحديث 2.

(2) تقدّم في الصفحة 17.

(3) وسائل الشيعة 3: 343، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3، جامع أحاديث الشيعة 3: 70، أبواب التيمّم، الباب 1، الحديث 4.

(4) تقدّم في الصفحة 16.

(5) تقدّم في الصفحة 31.

(6) تقدّم في الصفحة 58.

(7) وسائل الشيعة 3: 390، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 27.

(8) وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 83

خوف العطش و لو على الذمّي و الحيوان «10» أنّ الأمر في التبديل سهل يوجبه أدنىٰ عذر.

و الإنصاف: أنّ الخدشة لو أمكنت في كلّ واحد ممّا ذكر، لكن من مجموع ما ذكر تطمئنّ النفس بأنّ المحذور الشرعي مطلقاً يوجب التبديل.

و أمّا لو أُغمض عن ذلك، و رجعنا إلىٰ باب المزاحمة، فمع إحراز الأهمّية في طرف يؤخذ بالأهمّ، و كذا مع احتمالها؛ بناءً على التعيين في دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و مع التساوي بينهما يتخيّر.

و قد يقال: إنّ الوضوء لمّا كان له البدل، يتأخّر في الدوران عمّا لا يكون له البدل «11». لكن إن أُريد به دعوى إحراز الأهمّية فيما ليس له البدل بذلك، فهي كما ترى.

و إن أُريد أنّ الأخذ بالبدل جمع بين الغرضين في مرتبة، و العقل حاكم بلزومه، ففيه: أنّ المفروض أنّ احتمال الأهمّية في الغرض الأقصىٰ، مساوٍ لاحتمالها فيما ليس له البدل، فليس الأخذ به جمعاً بين الغرضين.

تقديم رفع الخبث على رفع الحدث

نعم، في خصوص دوران الأمر بين الوضوء و الغسل، و بين رفع النجاسة عن البدن و الثوب، ادّعي الإجماع علىٰ تقديم التطهير عن الخبث، كما عن «المعتبر» و «التذكرة» «1» و تشهد له

رواية أبي عبيدة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(10) راجع وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25.

(11) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 2: 327.

(1) المعتبر 1: 371، تذكرة الفقهاء 2: 171.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 84

عن المرأة الحائض ترى الطهر و هي في السفر، و ليس معها ماء يكفيها لغسلها، و قد حضرت الصلاة، قال: «إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله، ثمّ تتيمّم و تصلّي» «1».

فأمر بغسل البدن دون الوضوء، و قد مرّ وجوب الوضوء مع كلّ غسل إلّا الجنابة «2».

و يؤيّده الأدلّة الواردة في تتميم الصلاة مع التيمّم إذا دخل فيها أو ركع، فأصاب الماء

قائلًا: «إنّ التيمّم أحد الطهورين» «3»

و ما ورد في عروض النجاسة في الأثناء من وجوب غسلها أو انتزاع الثوب، و مع عدم الإمكان تبطل الصلاة «4»، فيستشعر من الطائفتين كون إزالة النجاسة أهمّ في نظر الشارع.

______________________________

(1) الكافي 3: 82/ 3، تهذيب الأحكام 1: 400/ 1250، وسائل الشيعة 2: 312، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 21، الحديث 1.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 262.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 44، الحديث 1، و 7: 238، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2، الحديث 1 و 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 85

السبب السادس ضيق الوقت
اشارة

فقد يلزم من الطهارة المائية فوت جميع الوقت، و قد يلزم فوت بعضه.

و على الثاني: قد تدرك ركعة من الوقت، و قد لا تدرك.

و علىٰ أيّ تقدير: قد يدرك مع التيمّم جميع الوقت، و

قد يدرك بعضه بمقدار ركعة أو أقلّ أو أكثر، لكن يكون الإدراك معه أكثر من الإدراك مع المائية.

حكم إدراك جميع الوقت مع الترابية و عدم إدراك شي ء منه مع المائية

و كيف كان: فعن «المعتبر» و «جامع المقاصد» و «كشف اللثام» و «المدارك» عدم مشروعية التيمّم لضيق الوقت؛ لاشتراط الصلاة بالطهارة المائية، و عدم ثبوت مسوّغية ضيق الوقت للتيمّم؛ لتعليقه علىٰ عدم الوجدان، و المكلّف واجد للماء متمكّن من استعماله، غاية الأمر أنّ الوقت لا يتسع له «1».

و عن «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «المختلف» و «الروضة» و غيرها مشروعيّته «2»،

______________________________

(1) المعتبر 1: 366، جامع المقاصد 1: 467، كشف اللثام 2: 436، مدارك الأحكام 2: 185.

(2) منتهى المطلب 1: 137/ السطر 29، تذكرة الفقهاء 2: 161 162، مختلف الشيعة 1: 285 286، الروضة البهيّة 1: 445، روض الجنان: 116/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 86

بل عن «الرياض»: «أنّه الأشهر» «1» و اختاره صاحب «الجواهر» و غيره ممّن تأخّر عنه من المحقّقين «2».

و هو الأقوىٰ؛ للآية الكريمة «3»، فإنّ الظاهر منها بعد تعليق الطلب المطلق في صدرها على الوضوء و الغسل، و تعليق الترابية علىٰ بعض العناوين العجزية؛ أي المرض و الفقدان أنّ التنزّل إلى المصداق الاضطراري و رفع اليد عن المطلوب المطلق، إنّما هو لإلجاء المكلّف إلىٰ إتيان الصلاة في الوقت، فيكون حفظ مصلحة الوقت، موجباً لإلجاء المكلّف إلىٰ إتيان الصلاة فيه كائنة ما كانت، و هذا الإلجاء و الاضطرار صار سبباً لعجز المكلّف عن المائية و تشريع الترابية له، فلولا حفظ الوقت لم يكن مضطرّاً، و لا معنىٰ لقبول الفرد الاضطراري و ترك المصلحة المطلقة، فحينئذٍ يستفيد العرف و العقلاء من الآية بلا إشكال أنّ مصلحة الترابية «4» المتروكة لحفظ الوقت

لا تدفع مصلحة الوقت، و لا تصير سبباً لترك الصلاة في وقتها المضروب لها.

و بالجملة: إذا صارت أهمّية الوقت موجبة لرفع اليد عن مصلحة المائية، كيف يمكن مصادمة المائية مع مصلحته؟! و لا مجال لتوهّم: أنّ فقدان الماء صار موجباً لحدوث مصلحة في الصلاة مع الترابية؛ لأنّ ذلك خلاف ظاهر الأدلّة آية و رواية، فإنّ الظاهر منها أنّ الترابية مرتبة ناقصة، كما عبّر عنها في الروايات ب «نصف الطهور»

ففي رواية

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 290.

(2) جواهر الكلام 5: 91 92، مصباح الفقيه، الطهارة: 451/ السطر 30، العروة الوثقىٰ 1: 480، المسألة 26.

(3) المائدة (5): 6.

(4) و الصحيح هو «المائية» كما هو الظاهر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 87

ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «أ لا ترى أنّه إنّما جعل عليه نصف الطهور!» «1»

و مثلها رواية الحسين بن أبي العلاء «2»، و إن احتمل أن يكون المراد بهما نصف الوضوء، كما في صحيحة الحلبي «3» فيكون المقصود المسح علىٰ بعض الوجه و اليد، لكن لا ينافي ذلك فهم قصور الترابية عن المائية، بل قد عرفت سابقاً دلالة الآية عليه «4».

و بالجملة: لا قصور في دلالة الأدلّة علىٰ أنّ الوجدان المنافي لدرك الوقت، يعدّ من عدم الوجدان و من عدم مزاحمة المائية للوقت.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الفحص عن موارد الأعذار، و أنّ الشارع لم يرفع اليد عن الصلاة في وقتها لأجل عذر من الأعذار، و يكون التخلّف عنه في غاية القلّة، يوجب الاطمئنان بل العلم بأنّ للوقت أهمّية لا يزاحمها شي ء من الأعذار.

بل يشعر بذلك تسمية ترك الإتيان في الوقت ب «الفوت» دون فقدان غيره من الأجزاء و الشرائط، فالآتي

بها بعد الوقت جامعة لسائر ما يعتبر فيها فاتت منه، و الآتي بها فيه مع فقد جلّ الأجزاء و الشرائط لم تفت منه.

بل الناظر فيما ورد في تارك الصلاة، و «أنّ من تركها متعمّداً فهو كافر» أو «برئت منه ذمّة الإسلام» و «أنّ تركها أعظم من سائر الكبائر» «5» يرىٰ أنّ المراد من تركها عدم إتيانها في وقتها إلىٰ غير ذلك ممّا يستنبط منها أنّ الصلاة لا تترك بحال.

______________________________

(1) الكافي 3: 65/ 2، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 4.

(2) تقدّمت في الصفحة 52.

(3) تقدّمت في الصفحة 52.

(4) تقدّم في الصفحة 13.

(5) راجع وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 88

و تدلّ على المقصود أيضاً

صحيحة زرارة، عن أحدهما قال: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلِّ في آخر الوقت» «1».

فإنّ الظاهر منها أنّ وجوب الطلب أو استحبابه، لأجل التوصّل إلى المطلوب الأعلى، لا لأجل دخالته في موضوع الصلاة مع التيمّم، و أنّ الأمر بالتيمّم مخافة فوت الوقت، إنّما هو لتقديم الشارع حفظ الوقت على الطهارة المائية، و إلّا فلا وجه لرفع اليد عن المطلوب المطلق.

فلو علم المكلّف بوجود الماء بعد الوقت، فليس له تركها فيه و إتيانها مع المائية في خارجه، كلّ ذلك لأجل رعاية الوقت و أهمّيته، و مع ذلك كيف يحتمل أن يكون وجدان الماء المفوّت للوقت، موجباً لترك الصلاة فيه مع المائية و الترابية؟! فممّا ذكرنا يعلم: أنّ عدم الوجدان ليس قيداً للموضوع، بل مخافة الفوت تمام الموضوع لوجوب التيمّم و عدم

ترك الصلاة في الوقت.

و توهّم: أنّ التيمّم إنّما هو لمن سبق ذكره في الرواية، و هو من لم يجد ماء، فكأنه قال: «إذا كان الفاقد خائفاً فوت الوقت فليتيمّم» في غير محلّه؛ لما أشرنا إليه من أنّ الأمر بالتيمّم عند خوف الفوت، إنّما هو لرعاية الوقت و كونه أهمّ من المائية، و معه كيف يمكن مزاحمتها للوقت و إيجابها ترك الصلاة فيه مطلقاً؟! و لعمري، إنّ الحكم بعد التأمل فيما ذكرنا واضح.

هذا كلّه مع إدراك جميع الوقت مع الترابية، و عدم إدراك شي ء منه مع المائية.

______________________________

(1) الكافي 3: 63/ 2، تهذيب الأحكام 1: 192/ 555، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 89

حكم إدراك ركعة من الوقت مع المائية و مع الترابية جميعه
اشارة

و أمّا إذا أدرك مع المائية ركعة من الوقت، و مع الترابية جميعه، فقد يقال بتقديم المائية بدليل «من أدرك ..» «1».

و تفصيل الحال: أنّه بعد البناء علىٰ دلالة صحيحة زرارة المتقدّمة علىٰ أنّ خوف فوت الوقت تمام الموضوع لصحّة التيمّم، يقع الكلام في أنّ المراد من قوله: «إذا خاف أن يفوته الوقت» هو خوف فوت جميع الوقت؛ بحيث لو علم إدراك بعضه وجب أو استحبّ الطلب لإدراك المائية، فتكون غاية الطلب و لزوم التيمّم خوف فوت تمام الوقت، و عليه إذا كان الماء موجوداً و لم يخف فوت الوقت، لزم الوضوء من غير احتياج إلىٰ دليل «من أدرك ..» بل يكون مفادها أعمّ من دليل «من أدرك ..».

أو أنّ المراد منه خوف فوت الوقت المضروب للصلاة؛ أي خوف أن يفوته ما هو ظرف لطبيعة الصلاة، فمع خوف وقوع جزء منها خارج الوقت، فقد خاف أن يفوته الوقت

الذي هو ظرفها، فإنّ ظرفها هو مقدار من الوقت يسع جميع الصلاة، و مع ذهاب جزء منه لا يكون الوقت وقتاً لها و إن كان جزءً من النهار، فحينئذٍ تدلّ الرواية علىٰ أنّه مع خوف فوت الوقت و لو بجزء منه لا بدّ من التيمّم.

حكومة «من أدرك ..» علىٰ صحيحة زرارة في فرض واحد
اشارة

و يمكن أن يقال: إنّ دليل «من أدرك ..» حاكم على الصحيحة و موسّع لموضوعها؛ فإنّه يدلّ علىٰ أنّ إدراك ركعة من الوقت إدراك للوقت، و مع تنزيل الوقت الخارج منزلة الوقت، أو تنزيل إدراك ركعة منه منزلة إدراك جميعه، أو

______________________________

(1) انظر العروة الوثقىٰ 1: 480.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 90

تنزيل إدراك ركعة من الصلاة في الوقت منزلة إدراك الصلاة فيه، يتمّ المطلوب، و يرفع خوف فوت الوقت.

لكنّه غير وجيه: أمّا أوّلًا: فلأنّ

ما روي عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» «1»

و عن الوصيّ (عليه السّلام): «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» «2»

و

عنه (عليه السّلام): «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة» «3»

و

في لفظ آخر: «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت»

علىٰ ما في «المنتهىٰ» و «المدارك» «4» روايات ضعاف؛ بعضها بالإرسال، و بعضها بضعف السند.

و دعوى الجبر بالاشتهار بين الأصحاب «5» مشكلة؛ لعدم ثبوت كون اتّكالهم في صحّة الصلاة مع إدراك ركعة من الوقت علىٰ تلك الروايات؛ لورود

موثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «فإن صلّىٰ ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ، فقد جازت صلاته» «6»

و احتمال اتّكالهم عليها مع إلغاء الخصوصيّة.

______________________________

(1)

ذكرى الشيعة 2: 352، وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4. صحيح البخاري 1 2: 298/ 547، سنن ابن ماجة 1: 356/ 1122.

(2) انظر جواهر الكلام 3: 213، وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 2: 38/ 119، وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 2.

(4) منتهى المطلب 1: 209/ السطر 35، مدارك الأحكام 3: 93.

(5) جواهر الكلام 3: 213.

(6) تهذيب الأحكام 2: 38/ 120، و: 262/ 1044، وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 1 و 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 91

إلّا أن يقال: ليس بناء أصحابنا خصوصاً قدماءهم على التعدّي من مثل الموثّقة الواردة في الغداة إلىٰ غيرها، فلا محالة يكون مستندهم تلك الروايات.

و عن «المدارك» بعد أن نقل الروايات قال: «و هذه الأخبار و إن ضعف سندها، إلّا أنّ عمل الطائفة عليها، و لا معارض لها، فتعيّن العمل بها» «1».

و الإنصاف: أنّ المناقشة فيها من هذه الجهة غير وجيهة.

و أمّا ثانياً: فلأنّ قوله في النبوي: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» و كذا ما في العلوي، يحتمل في بادي الأمر أحد معانٍ:

إمّا توسعة الوقت حقيقة لمن أدرك الركعة، فيكون خارج الوقت وقتاً اضطراريّاً.

و إمّا تنزيل الصلاة الناقصة بحسب الوقت منزلة التامّة.

و إمّا تنزيل مقدار ركعة من الوقت منزلة تمام الوقت.

و إمّا تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت.

و إنّما يتمّ المطلوب و توجّه الحكومة أو الورود، لو كان المراد منها المعنى الأوّل، فإنّه مع توسعة الوقت حقيقة يرفع خوف الفوت وجداناً، فيصير دليله حاكماً على الصحيحة، و

نتيجتها الورود، و منفّياً لموضوعها تكويناً.

إلّا أن يقال: إنّ الموضوع في الصحيحة خوف فوت الاختياري من الوقت؛ أي الوقت المضروب بحسب الأدلّة الأوّلية المحدّدة للأوقات.

لكن مع ذلك الأوجه: أنّ التوسعة الحقيقية توجب رفع خوف فوت طبيعة الوقت المأخوذة في الصحيحة، و ليس موضوعها متقيّداً بالاختياري؛ و إن كان المنصرَف مع عدم الدليل، هو الوقت المضروب بحسب الأدلّة الأوّلية لكن بالنظر

______________________________

(1) مدارك الأحكام 3: 93.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 92

إلىٰ «من أدرك ..» و تحكيمه على الأدلّة، يكون مقتضاه ما ذكر. و لا ينافي ذلك عدم جواز تأخير الصلاة إلى الوقت الإدراكي الاضطراري، كما لا يخفى.

عدم تمامية الحكومة بالنسبة لسائر الفروض

و كيف كان: لو تمّت الحكومة فإنّما هي في هذا الفرض، و أمّا في سائر الفروض فلا يرفع الخوف الوجداني المأخوذ في الموضوع:

أمّا علىٰ فرض تنزيل الصلاة الناقصة منزلة التامّة فواضح.

و أمّا علىٰ فرض تنزيل الوقت سواء كان متوجّهاً إلى الوقت الناقص، أو إلىٰ خارج الوقت فلأنّ دليل التنزيل لا يوجب رفع خوف فوت الوقت؛ فإنّ وقتها حسب الفرض هو ما قرّره الشارع من دلوك الشمس إلىٰ غروبها، فمع احتمال ضيقه بمقدار لا يسع أربع ركعات، لا محالة يخاف فوت الوقت المقرّر، و التنزيل لا يرفع هذا الخوف.

كما أنّ استصحاب بقاء الوقت لا يرفعه، فلا يجوز الاتكال على الاستصحاب و إتيان الطهارة المائية؛ لعدم زوال الخوف الوجداني به، مع أنّه أولىٰ بذلك من دليل «من أدرك ..» لأنّ المستصحب هو الوقت المضروب، فيكون الاستصحاب حاكماً ببقاء الوقت، لكن مع ذلك لا يُرفع به موضوع دليل التيمّم.

فدليل تنزيل الوقت لا يرفع خوف فوته: لا وجداناً، و هو ظاهر، و لا تعبّداً؛ لعدم توجّه التنزيل إليه.

و تنزيل الوقت الخارج منزلة الداخل أو الوقت الناقص منزلة التامّ، غير تنزيل خوف الفوت منزلة عدمه.

هذا كلّه مع أنّ ما هو المشهور الذي يمكن دعوى جبره، هو النبوي الظاهر في تنزيل الصلاة الناقصة منزلة التامة؛ من غير تعرّض لتنزيل الوقت، فضلًا عن تنزيل خوف فوته منزلة العدم.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 93

ثمّ إنّ ظاهر قوله: «من أدرك ..» هو التنزيل فيما إذا فات الوقت و لم يبق إلّا ركعة، و هو لا يوجب جواز تفويته اختياراً، فحينئذٍ يقع التزاحم بين الوقت و الطهور، فلا بدّ من إثبات أهمّية الوقت حتّى في هذه الصورة؛ حتّى يحكم بوجوب التيمّم، و هو مشكل بعد ورود مثل «من أدرك ..» و الذي يسهّل الخطب عدم المجال للتزاحم بعد ما قدّمناه.

ثمّ إنّه يظهر الكلام ممّا تقدّم فيما إذا لم يدرك مع المائية ركعة، و أدرك جميع الوقت مع الترابية.

حكم ما إذا أدرك ركعة مع الترابية

و أمّا إذا أدرك ركعة مع الترابية ففي شمول «من أدرك ..» له نوع خفاء؛ لاحتمال أن يكون المراد إدراك ركعة حسب وظيفته مع قطع النظر عن الوقت؛ و إن كان الأقرب صحّة الترابية و لزومها بعد عدم ترك الصلاة بحال، و أنّ التراب أحد الطهورين، و أنّ الصلاة معه صلاة. و الظاهر أنّ هذا التنزيل بملاحظة أهمّية الوقت و عدم ترك الصلاة حتّى الإمكان، فلا يبعد التمسّك بإطلاق «من أدرك ..» فإنّه مع إدراك ركعة مع الترابية يصدق إدراك ركعة من الصلاة.

و إن شئت قلت: إنّ دليل تنزيل الترابية منزلة المائية، حاكم علىٰ دليل «من أدرك ..» و محقّق لموضوعه.

حكم إدراك ركعة مع المائية و أزيد منها مع الترابية

و إن أدرك مع المائية ركعة و مع الترابية أزيد منها، ففي تقديم الترابية؛ بدعوىٰ أهمّية الوقت و عدم سقوط الميسور بالمعسور.

أو تقديم المائية؛ لعدم شمول أدلّة الوقت مطلقاً للمقام؛ ضرورة فوت

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 94

الصلاة مع فوت بعض الوقت بحسبها، فيبقىٰ دليل «من أدرك ..» و ظاهره أنّ إدراك ركعة إدراك للصلاة تامّة، كما صرّح به في العلوي من طريقنا، فلا فرق بحسبه بين إدراك ركعة أو أزيد، فحينئذٍ لا وجه لرفع اليد عن الطهارة المائية.

وجهان، أقربهما الثاني، لكن الالتزام ببعض لوازمه في غاية الإشكال، كتجويز تأخير الصلاة مع إدراك ثلاث ركعات منها مثلًا إلىٰ بقاء الوقت بمقدار إدراك ركعة.

و ينبغي التنبيه علىٰ أُمور:
اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 95

الأمر الأوّل في المراد من الخوف المأخوذ في الأدلّة

هل «الخوف» المأخوذ في الأدلّة هو مطلق الخوف، أو ما يكون حاصلًا من منشأ مَخُوف عرفاً؟

فإنّ الخوف الوجداني قد يحصل من منشأ مخوف، كالخوف الحاصل من مفازة تكون في معرض السباع و اللصوص و لو باحتمال عقلائيّ، أو من قلّة الماء في مفازة قفر، و كخوف فوت الوقت الحاصل من ضيقه .. و هكذا، و قد يحصل من اعتقاد باطل، كما لو اعتقد كونه في مفازة كذائية مع كونه في محلّ أمن كثير الماء، أو اعتقد ضيق الوقت مع كونه في سعته .. و هكذا.

مقتضى الأدلّة هو الثاني:

أمّا غير دليل الحرج، فلأنّ ما في الباب من الأخبار ظاهرة فيه أو منصرفة إليه،

ففي صحيحة داود الرقّي بناءً علىٰ وثاقته «1»، كما لا يبعد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أكون في السفر فتحضر الصلاة، و ليس معي ماء، و يقال: إنّ الماء قريب منّا، أ فأطلب الماء و أنا في وقت يميناً و شمالًا؟ قال: «لا تطلب الماء، و لكن

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 60، الهامش 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 96

تيمّم؛ فإنّي أخاف عليك التخلّف عن أصحابك، فتضلّ و يأكلك السبع» «1».

و

في رواية يعقوب، عنه (عليه السّلام) بعد فرض كون الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين قال: «لا آمره أن يغرّر بنفسه، فيعرض له لصّ أو سَبُع» «2».

و الظاهر منهما أنّ في المحلّ المخوف الذي يكون معرضاً للخطر و يخاف منه على النفس يتيمّم، و أمّا المحلّ الآمن الذي لا يكون معرضاً لذلك، لكن حصل الخوف لخطأ في الاعتقاد، فغير مشمول لهما، خصوصاً أنّ المارّة

في تلك الأزمنة و الأمكنة، كانوا يمرّون علىٰ مفاوز مخوفة للنفوس غالباً.

و

في صحيحتي ابن أبي نصر و ابن سِرحان عن الرضا و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام): في الرجل تصيبه الجنابة، و به جروح أو قروح، أو يخاف علىٰ نفسه من البرد، فقال: «لا يغتسل، و يتيمّم» «3».

و الظاهر منهما الخوف من البرد المحقّق، لا من تخيّله، فكأنه قال: «إذا كان الهواء بارداً فخاف علىٰ نفسه ..» و لا ريب في عدم شمولهما لمن خاف علىٰ نفسه من تخيّل البرد مع كون الهواء حارّاً.

و

في رواية زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: قلت: رجل دخل الأجَمة ليس فيها ماء، و فيها طين، ما يصنع؟ قال: «يتيمّم، فإنّه الصعيد».

قلت: فإنّه راكب لا يمكنه النزول من خوف، و ليس هو علىٰ وضوء؟ قال

______________________________

(1) الكافي 3: 64/ 6، تهذيب الأحكام 1: 185/ 536، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 65/ 8، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 185/ 531، و: 196/ 566، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 7 و 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 97

«إن خاف علىٰ نفسه من سبع أو غيره و خاف فوت الوقت فليتيمّم؛ يضرب بيده على اللِّبْد أو البَرْذَعة، و يتيمّم و يصلّي» «1».

و هي أيضاً ظاهرة فيما ذكرناه، خصوصاً إذا كانت «الأجَمة» بمعنى محلّ الأسد، كما في «المنجد» «2» و علىٰ أيّ تقدير لا تشمل الخوف من اعتقاد باطل.

و كذا الكلام في روايات خوف العطش «3»، فإنّها أيضاً ظاهرة في أنّ المحلّ، كان بحيث

يخاف فيه من قلّة الماء أو من العطش.

و كذا

في صحيحة زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلِّ في آخر الوقت ..» «4» إلىٰ آخره؛

لأنّ الظاهر منها الخوف الحاصل من ضيق الوقت، كما هو واضح.

و أمّا دليل نفي الحرج «5»، فقد يمكن أن يقال بصدقه فيما إذا خاف علىٰ نفسه من أيّ منشأ كان، فيكون التكليف بالوضوء حرجياً على المكلّف المعتقد و لو خطأً معرضيّة المحلّ للخطر.

لكنّه أيضاً مشكل؛ لأنّ الظاهر الأوّلي من دليل نفي الحرج، عدم جعل الحرج في الدين؛ أي الأحكام المجعولة فيه، و غاية ما يمكن الاستفادة منه

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 190/ 547، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 5.

(2) المنجد: 4.

(3) تقدّم في الصفحة 76 77.

(4) الكافي 3: 63/ 2، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3.

(5) المائدة (5): 6، الحجّ (22): 78.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 98

بالتقريب المتقدّم في ذيل آية التيمّم «3» أنّ ما يلزم منه الحرج و المشقّة سواء كان في مقدّماته، كتحصيل الماء للوضوء، أو ما يترتّب عليه، كأن لزم من التكليف به عطش في المستقبل فهو أيضاً غير مجعول، و أمّا الحرج الحاصل من تخيّل باطل أو تخيّل الحرج، كما لو تخيّل المرض مع عدمه، أو البرد في مكان حارّ، فليس مشمولًا للأدلّة؛ لعدم الحرج في الدين و لا من قبله واقعاً. و لا يمكن إلغاء الخصوصيّة بالنسبة إلىٰ ما يلزم من اعتقاد باطل.

و من هنا يمكن دعوى الفرق بين ما إذا شكّ

في ضيق الوقت و سعته، و بين ما إذا علم ضيقه و شكّ في كفايته لتحصيل المائية: بالبناء علىٰ بقاء الوقت في الأوّل للاستصحاب دون الثاني، لا لما قيل: «من صدق خوف الفوت في الثاني دون الأوّل» «4» ضرورة تحقّق خوفه في الصورتين؛ لأنّ احتمال الضيق موجب له وجداناً، بل لأنّ الموضوع في الدليل هو الخوف الناشئ من ضيق، و في الصورة الاولىٰ يكون الخوف من احتماله لا من نفسه، فيجري الاستصحاب بلا دليل حاكم عليه، بخلاف الثانية؛ للدليل الحاكم.

إلّا أن يقال: إنّ المتفاهم من صحيحة زرارة أنّ الأمر بالتيمّم عند خوف الفوت، إنّما هو لترجيح إدراك الوقت على الإدراك مع المائية، فأهمّية الوقت أوجبت الأمر بالتيمّم مع خوف فوته، و هو حاصل في الصورة الأُولىٰ أيضاً، فالشارع أسقط الاستصحاب في المقام لأجل أهمّية الوقت، و اعتنى بخوف فوته لذلك، فمع الدوران بين احتمال فوت الوقت و فوت الطهارة المائية، يلاحظ حال الأهمّ، فيحكم العقل بالتيمّم، و أسقط الشارع الأصل لذلك، فلا فرق حينئذٍ بين الفرعين في لزوم التيمّم.

______________________________

(3) تقدّم في الصفحة 27.

(4) العروة الوثقىٰ 1: 480، المسألة 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 99

الأمر الثاني هل «الخوف» المأخوذ في موضوع الأدلّة علىٰ نسقٍ واحد؟

بمعنى أنّ الموضوع لتشريع التيمّم في جميع الموارد هو الخوف، أو الموضوع في جميعها هو الواقع الذي خاف منه، فإذا تيمّم من خوف العطش و لو في محلّ مخوف، ثمّ تبيّن عدم حصول العطش علىٰ فرض استعمال الماء، بطل على الثاني، دون الأوّل، و كذا في سائر موارد الخوف، أو يفصّل بين المقامات؟

التحقيق هو التفصيل، فإنّ الظاهر من الأدلّة غير دليل ضيق الوقت أنّ صِرف معرضيته للخطر الموجبة للخوف، موضوع لتشريع التيمّم و رفع الوضوء،

فقوله في

صحيحة ابن سِنان: «إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة، و ليتيمّم بالصعيد؛ فإنّ الصعيد أحبّ إليّ» «1»

ظاهر في أنّ مجرّد خوف العطش يوجب محبوبية الصعيد.

و قوله

في موثّقة سماعة بعد فرض خوف قلّة الماء-: «يتيمّم بالصعيد، و يستبقي الماء؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ جعلهما طهوراً: الماء، و الصعيد» «2»

و

قوله في رواية ابن أبي يعفور بعد فرض انحصار الماء بمقدار شربه-: «يتيمّم أفضل؛ أ لا ترى أنّه إنّما جعل عليه نصف الطهور» «3»

ظاهران في مشروعية

______________________________

(1) الكافي 3: 65/ 1، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1267، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 405/ 1274، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 65/ 2، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 100

التيمّم، و أنّه أحد الطهورين، و أنّ عليه نصف الطهور في هذا الحال، و كذا الحال في سائر الموارد.

و بالجملة: الظاهر من تلك الموارد أنّ الشارع لاحظ حال المكلّف؛ لئلّا يقع في معرض الخطر، و هذه المعرضية أوجبت رفع الوضوء و تشريع التيمّم. بل الظاهر أنّ في تلك الموارد، إنّما رفع الوضوء لنكتة رفع الحرج عن المكلّف، و لا شبهة في أنّ الإلزام بالإقدام علىٰ ما هو معرض الخطر حرج عليه، ففي تلك الموارد إذا تيمّم و صلّى صحّت صلاته، و لا إعادة عليه، و لو انكشف عدم اللص و عدم إضرار الماء .. و هكذا.

و أمّا صورة خوف فوت الوقت، فالظاهر أنّه ليس علىٰ مساق سائر الموارد، بل الشارع لاحظ فيه حفظ التكليف

الأهمّ لدى الدوران بينه و بين المهمّ، فأمر بالتيمّم لا لأجل صيرورة خوف الفوت موجباً لإسقاط المائية و محبوبية الترابية، بل لأجل الاعتناء باحتمال فوت الأهمّ في قبال المهمّ.

بل يمكن أن يقال بعدم تشريع التيمّم في هذا الحال،

فقوله: «إذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم» «1»

إرشاد إلىٰ أهمّية الوقت، و أنّه مع الدوران بين احتمال فوت الوقت و فوت الطهارة المائية، توجب أهمّية الوقت تقديمه؛ من غير تشريع للتيمّم في هذا الحال، و معه لا وجه للإجزاء، فلو صلّىٰ ثمّ تبيّن سعة الوقت لإعادتها مع المائية تجب الإعادة، و كذا لو تبيّن صلوح الوقت للمائية، و لو فات بواسطة الصلاة مع الترابية يجب عليه القضاء، كلّ ذلك لما تقدّم من عدم استفادة التشريع من الرواية.

بل لا معنىٰ للتشريع بعد حكومة العقل بتقديم الأهمّ؛ و تقديم احتمال فوت

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 97.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 101

الأهمّ على احتمال فوت المهمّ. بل يكفي في عدم الإجزاء احتمال ما ذكرناه؛ لأنّ الإجزاء متقوّم بالتشريع، و مع عدم إحرازه يحكم بالإعادة و القضاء؛ و إن كان في الحكم بالقضاء إشكال يحتاج إلىٰ بسط في المقال و تأمل في المسألة.

الأمر الثالث أنّ المستفاد من أدلّة الحرج سقوط المائية علىٰ نحو العزيمة
اشارة

قد اشتهر بينهم حتّى صار كالأُصول المسلّمة: «أنّ أدلّة الحرج لمكان ورودها في مقام الامتنان و بيان توسعة الدين، لا تدلّ إلّا علىٰ نفي الوجوب، و لا يستفاد منها عدم الجواز» «1» فالتيمّم فيما نحن فيه إذا ثبت تشريعه بدليل نفي الحرج، رخصة لا عزيمة، فلو تحمّل المكلّف المشقّة الرافعة للتكليف، و توضّأ و اغتسل، لم يرتكب محذوراً، و صحّت طهارته، و لا توجب حكومةُ أدلّة الحرج على الأدلّة الأوّلية و تخصيصُها بغير مورد

الحرج، بطلانَ العبادة و لو قلنا بعدم بقاء الجواز؛ لأنّ غاية ذلك عدم بقاء الحكم الشرعي علىٰ جواز المائية؛ لكن لا يقتضي ذلك رفع مقتضي الطلب و محبوبية الفعل، و هو يكفي في صحّة العبادة، كما قُرّر في مبحث الضدّ «2».

فهاهنا مقامان من البحث:

أحدهما: أنّ المستفاد من الأدلّة هل هو السقوط علىٰ نحو العزيمة، أو الرخصة؟

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 463/ السطر 7، العروة الوثقىٰ 1: 473، المسألة 18، مستمسك العروة الوثقىٰ 4: 331.

(2) مناهج الوصول 2: 21، تهذيب الأُصول 1: 300.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 102

و ثانيهما: أنّه لو خالف و أتى بما فيه الحرج بطلت عبادته أولا؟ و لا ملازمة بينهما، كما سيأتي في الأمر الرابع البحث عنه و عن المقام الثاني «1».

أمّا المقام الأوّل: فغاية ما يدّعىٰ عدم دلالة قوله مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» علىٰ كون الرفع علىٰ وجه العزيمة، و أمّا الدلالة علىٰ كونه علىٰ وجه الرخصة فلا، فلو دلّ دليل علىٰ كونه علىٰ وجه العزيمة لا يعارضه ذلك.

و يمكن استفادة العزيمة من قوله تعالىٰ: وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «3».

فإنّ اللّٰه تعالىٰ إذا أراد بنا اليُسر في أحكامه، لا يجوز علينا مخالفة إرادته بإيقاع العُسر علىٰ أنفسنا، فكما أنّه لو أراد منّا شيئاً لا يجوز لنا التخلّف عن إرادته تعالىٰ، كذلك لو أراد في حقّنا شيئاً لا يجوز التخلّف عنها، خصوصاً مع وقوعه في ذيل قوله وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ حيث يكون الصوم على المسافر بل المريض الذي يضرّ به الصوم حراماً، و

يكون السقوط عنهما علىٰ سبيل العزيمة.

فدلّت الآية علىٰ أنّ إرادته تعالى اليسر في سائر الموارد التي تشملها بالإطلاق، كإرادته في صيام المسافر و المريض، و التفكيك بينهما غير جائز إلّا مع قيام دليل في مورد؛ فإنّ قوله يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ كالتعليل لرفع الصوم عن المسافر و المريض، و لا يصحّ التعليل بشي ء ظاهر في عدم الإلزام علىٰ أمر إلزامي، فلا يمكن أن يقال: إلزامية الإرادة فيهما تفهم من الخارج.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 112.

(2) الحجّ (22): 78.

(3) البقرة (2): 185.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 103

فإن قلت: يستفاد عدم الجواز في المريض و المسافر من قوله فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ فأوجب تعالىٰ بمجرّد السفر و المرض عدّةً من غير أيّام شهر رمضان.

قلت: مضافاً إلىٰ أنّ مجرّد جعل عدّة أُخر، لا يدلّ علىٰ حرمة صوم شهر رمضان إنّه لو دلّ عليه يوجب تأكّد المطلوب بأنّ إرادة اليُسر إلزامية؛ و أنّها في سائر الموارد كإرادته في الموردين.

و تدلّ على العزيمة أيضاً

رواية يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر».

ثمّ قال: «إنّ رجلًا أتى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: يا رسول اللّٰه، أصوم شهر رمضان في السفر؟ فقال: لا، فقال: يا رسول اللّٰه، إنّه عليّ يسير، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ اللّٰه تصدّق علىٰ مرضىٰ أُمّتي و مسافريها بالإفطار في شهر رمضان، أ يحبّ أحدكم لو تصدّق بصدقة أن تردّ عليه صدقته؟!» «1».

لأنّ استشهاد أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فيها لقوله: «الصائم في السفر ..» إلىٰ آخره، بقول رسول اللّٰه

(صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دليل علىٰ أنّ ردّ صدقته تعالىٰ غير جائز، و إلّا لما صحّ الاستشهاد للقول بالحرمة بأمر لا يكون محرّماً، مع أن ردّ الصدقة مبغوض و ثقيل على النفوس الشريفة، فيكون قوله: «أ يحبّ أحدكم ..» إلىٰ آخره، تقريباً لمبغوضيته عند اللّٰه بما هو مبغوض عندهم.

و ليس المراد من قوله: «أ يحبّ أحدكم» رفع محبوبيته الأعمّ من المبغوضية، بل الظاهر من مثله حصول المبغوضية، كقوله تعالىٰ أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً «2».

______________________________

(1) الكافي 4: 127/ 3، الفقيه 2: 90/ 403، تهذيب الأحكام 4: 217/ 630، وسائل الشيعة 10: 175، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 1، الحديث 5.

(2) الحجرات (49): 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 104

فتدلّ الرواية علىٰ أنّ ردّ صدقته تعالىٰ و هديّته مبغوض محرّم.

و لا شبهة في أنّ الرفع بدليل نفي الحرج، صدقة من اللّٰه تعالىٰ و تفضّل على الأُمّة و هدية منه تعالىٰ لهم، كما هو مقتضى الامتنان، و يدلّ عليه بعض الروايات،

ففي موثّقة السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليه السّلام) قال: «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ اللّٰه عزّ و جلّ أهدىٰ إليّ و إلى أُمّتي هديّة لا يهديها إلىٰ أحد من الأُمم؛ كرامةً من اللّٰه لنا، فقالوا: ما ذاك يا رسول اللّٰه؟ قال: الإفطار في السفر، و التقصير في الصلاة، فمن لم يفعل فقد ردّ على اللّٰه عزّ و جلّ هديته» «1»

دلالة علىٰ أنّ وجه حرمة الصوم في السفر و إتمام الصلاة؛ هو كونه ردّ هدية اللّٰه تعالىٰ.

و يؤيّد المطلوب

ما عن «تفسير العيّاشي» عن عمرو بن مروان

الخزّاز قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): رُفعت عن أُمّتي أربع خصال: ما اضطُرّوا إليه، و ما نَسُوا، و ما اكرهوا عليه، و ما لم يُطيقوا، و ذلك في كتاب اللّٰه قوله رَبَّنٰا لٰا تُؤٰاخِذْنٰا إِنْ نَسِينٰا أَوْ أَخْطَأْنٰا رَبَّنٰا وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا رَبَّنٰا وَ لٰا تُحَمِّلْنٰا مٰا لٰا طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ «2» و قولُ اللّٰه إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «3»» «4».

حيث ذكر الآية المربوطة بالتقية في سياق حديث الرفع، مع أنّ التقية

______________________________

(1) الخصال: 12/ 43، وسائل الشيعة 8: 520، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 22، الحديث 11.

(2) البقرة (2): 286.

(3) النحل (16): 106.

(4) تفسير العيّاشي 1: 160/ 534، وسائل الشيعة 16: 218، كتاب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 105

واجبة ليس للمكلّف تركها، كما قرّرناه في رسالة مفردة في التقية «1»، فتشعر الرواية بأنّ الرفع عن الأُمّة في موارده علىٰ نحو العزيمة.

كما تشعر به ما عن الطبرسي في «الاحتجاج» عن الكاظم (عليه السّلام) «2» و الرواية طويلة جدّاً، و فيها عدُّ عدّة موارد رُفعت الآصار عن الأُمّة بدعاء رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و هو قوله رَبَّنٰا وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا:

منها: رفع قرض أذى النجاسة من أجسادهم، و جعل الماء طهوراً للأُمّة.

و منها: رفع الصلوات المفروضة علىٰ سائر الأُمم في ظلم الليل و أنصاف النهار، و جعلها في أطراف الليل و النهار و في أوقات نشاطهم.

و منها: رفع

خمسين صلاة، و جعل الخمس في أوقات خمسة.

فيستشعر أنّ ما رفع عن الأُمّة من التكاليف مثل تلك الموارد، ليس لهم التكلّف بإتيانها.

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ ثبوت الترابية و سقوط المائية إنّما هو علىٰ وجه العزيمة، و ليس للعبد اختيار المائية؛ إمّا لأجل إرادة اللّٰه التوسيع على العباد، و إمّا لأجل انطباق عنوان ردّ الهدية على الإتيان بها، و إمّا لأجل حرمة الردّ، لا حرمة المائية، لكن لأجل اتحادهما في الخارج يتعيّن عليه الترابية. و سيأتي في الأمر الآتي الفارق بين الاحتمالات و ما هو الأظهر بينها «3».

ثمّ من المحتمل أن يكون رفع الحرج عن العباد و إرادة التوسيع عليهم، لا لصِرف الامتنان عليهم حتّى يقال: «إنّه لا يقتضي الإلزام، أو لا يناسبه» بل

______________________________

(1) التقيّة، ضمن الرسائل العشرة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 33.

(2) الاحتجاج 1: 497/ 127.

(3) يأتي في الصفحة 125 130.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 106

لأنّه تعالىٰ لا يرضى بوقوع عباده في المشقّة و الحرج، كالأب الشفيق الذي لا يرضى بوقوع ابنه المحبوب في الحرج و لو باختياره، فيمنعه إشفاقاً عليه.

و يحتمل أن يكون رفع الحرج في عباداته و من قبله؛ لعدم رضائه بوقوع العبيد في المشقّة من ناحيتها؛ لكونه مظنّة لانزجارهم عنها، فينتهي إلىٰ إدبار نفوسهم عن عبادة اللّٰه و دينه، و هو أمر مرغوب عنه،

ففي رواية عمرو بن جميع قال: «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): يا عليّ، إنّ هذا الدين متين، فأوغل فيه بالرفق، و لا تبغّض إلىٰ نفسك عبادة ربّك؛ إنّ المُنبتَّ يعني المفرط لا ظهراً أبقى، و لا أرضاً قطع» «1».

و

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) بسند صحيح

قال: «لا تُكرهوا إلىٰ أنفسكم العبادة» «2».

و لا يبعد عدم جواز ذلك إذا كانت مخافة الوقوع في الانزجار من دين اللّٰه، و العياذ باللّٰه.

و أمّا ما ورد عن بعض الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) من إيقاع المشقّة علىٰ نفوسهم الشريفة «3»؛ فلأنّهم مأمونون من خطوات الشيطان و خطراته، و أمّا سائر الناس فأنّىٰ لهم بالعلم أو الاطمئنان بالأمن من كيده و وسوسته؟! بل لنفوسهم الشريفة مقامات من الحبّ لعبادة اللّٰه و الاشتياق إلىٰ لقاء اللّٰه، ربّما لا يكون ما هو شاقّ علىٰ سائر النفوس مشقّة عليهم، بل لهم لذّات في عباداتهم و رياضاتهم، كما

______________________________

(1) الكافي 2: 87/ 6، وسائل الشيعة 1: 110، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 26، الحديث 7.

(2) الكافي 2: 86/ 2، وسائل الشيعة 1: 108، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 26، الحديث 2.

(3) بحار الأنوار 41: 11 24، و 48: 100 101 و 107.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 107

هو معلوم، رزقنا اللّٰه تعالى الاقتداء بهم. و قد خرج الكلام من طرز البحث الفقهي إلىٰ وادٍ يتحيّر فيه العقول.

مع أنّ ما ورد من تحمّل المشاقّ منهم إنّما هو في المستحبّات دون الواجبات، و ما ورد في غسل أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في ليلة باردة «1» قد مرّ الكلام فيه «2»، و في المستحبّات كلام آخر، و لا يبعد عدم شمول أدلّة الحرج لها؛ لعدم حرجية الأمر الاستحبابي، تأمّل. هذا كلّه في مورد الحرج.

ميزان سقوط المائية علىٰ نحو العزيمة في غير مورد الحرج

و أمّا سائر الموارد، فالميزان في كون التيمّم متعيّناً و سقوطِ المائية علىٰ وجه العزيمة، هو لزوم محذور شرعيّ من الوضوء و الغسل و لو لم يلزم منه حرمتهما، كما لو كان

في التوصّل إلى الماء خوف التلف، كما إذا خاف من السبع أو السقوط في البئر فيتلف، أو خاف من استعمال الماء العطشَ المهلك، أو خاف الهلكة من البرد أو المرض أو غير ذلك، أو لزم منه ارتكاب محرّم، كالوضوء من آنية الذهب أو الفضّة، أو المرور من طريق مغصوب، أو ترك واجب، كإنقاذ نفس محترمة، أو لزم منه فوت الوقت .. إلىٰ غير ذلك.

و لا إشكال فيما إذا أُحرز المحذور الشرعي، نعم في بعض موارد الضرر على النفس كلزوم طول المرض، أو حدوث مرض غير مهلك، أو الضرر على الجرح و القرح، أو لزوم طول زمان البُرء، أو لزوم ضرر غير مهلك على النفس في طيّ الطريق إلى الماء، أو خوفه في الموارد التي قد يتردّد في قيام الدليل على الحرمة هل يمكن استفادة تعيّن التيمّم و كون سقوط المائية عزيمة من أدلّة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 66 67.

(2) تقدّم في الصفحة 67 71.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 108

الباب أو لا؟ لا يبعد ذلك من مجموع الروايات:

فإنّ طائفة منها وردت فيما كان الغسل ضرريّاً،

كصحيحة محمّد بن سكين، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قيل له: إنّ فلاناً أصابته جنابة و هو مجدور، فغسلوه فمات، فقال: «قتلوه، ألا سألوا، ألا يمّموه؟! إنّ شفاء العيّ السؤال» «1».

و قريب منها مرسلة ابن أبي عمير «2»

و رواية الجعفري، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ذُكر له أنّ رجلًا أصابته جنابة علىٰ جرح كان به، فأُمر بالغُسل، فاغتسل فكُزّ فمات، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): قتلوه قتلهم اللّٰه، إنّما

كان دواء العيّ السؤال» «3».

و إطلاق هذه الروايات يقتضي شمولها لما إذا خاف علىٰ نفسه التلف أو لا. بل لا يبعد خروج خوف التلف منها، فإنّ أحداً من العقلاء لا يرتكب الاغتسال أو الأمر به عند خوف تلف النفس، فيكون خوفه مفروض العدم، فتدلّ الروايات باشتمالها على اللوم الشديد، و الدعاء على الآمر بالغسل، و أنّه إذا سألوا لكان الجواب تعيّن التيمّم علىٰ كون السقوط عزيمة لا رخصة، و إلّا لما توجّه التقصير إليهم بعد كونه رخصة و الغسل جائزاً.

و قوله: «قتلوه» لا يدلّ علىٰ أنّهم تعمّدوا في قتله، أو كان في مَعرض الموت، بل تصحّ النسبة بوجه؛ لأجل انتهاء أمر الآمر إلىٰ موته و لو لم يكن

______________________________

(1) الكافي 3: 68/ 5، وسائل الشيعة 3: 346، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 1.

(2) الكافي 1: 40/ 1، وسائل الشيعة 3: 346، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 68/ 4، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 109

المفروض خوف الموت. بل الظاهر منها أنّ التعيير و اللوم على الآمر بما هو خلاف حكم الشرع، أو العمل علىٰ خلاف التكليف؛ من غير دخالة للانتهاء إلى الموت في ذلك.

و بالجملة: بعد إطلاق الروايات لصورة عدم الخوف من الهلاك، يستفاد منها تعيّن التيمّم في مطلق الخوف على النفس؛ من غير فرق بين الجُدَري و الجرح و غيرهما، كما لا يخفى.

و مثلها في الدلالة أو أدلّ منها

صحيحة ابن أبي نصر، عن الرضا (عليه السّلام): في الرجل تُصيبه الجنابة، و به قروح أو جروح، أو يخاف علىٰ نفسه من البرد،

فقال: «لا يغتسل و يتيمّم» «1».

و مثلها صحيحة داود بن سِرحان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «2».

و الخوف على النفس من البرد إمّا ظاهر في خوف التلف، أو أعمّ منه، فشموله له هو القدر المتيقّن.

فحينئذٍ لا يمكن حمل النهي عن الاغتسال و الأمر بالتيمّم علىٰ رفع الوجوب و الترخيص؛ بدعوىٰ أنّ النهيَ في مقام توهّم الوجوب و الأمرَ في مقام توهّم الحظر؛ ضرورة أنّه مع الخوف على النفس من الهلاك لا يمكن الترخيص و تجويز الإلقاء في الهلكة، فلا أقلّ من كون المقام في نظر السائل من قبيل الدوران بين المحذورين؛ لأجل خوف الضرر و التلف، فلا يُرفع اليد معه عن ظاهر النهي و الأمر، فحينئذٍ يقتضي ذكر القروح و الجروح مع الخوف على النفس،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 196/ 566، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 185/ 531، وسائل الشيعة 3: 348، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 110

أن يكون الأمر بالتيمّم و النهي عن الغسل في جميعها علىٰ نسق واحد؛ و هو العزيمة.

و أمّا

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يُجنب، قال: «لا بأس بأن لا يغتسل؛ يتيمّم» «1»

و قريب منها روايته الأُخرىٰ «2» و الظاهر وحدتهما فلا تقاوم الروايات المتقدّمة؛ فإنّ غاية ما في نفي البأس الإشعار بالترخيص، لا الدلالة عليه، فنفي البأس إنّما هو لرفع توهّم عدم جواز ترك الغسل، فهو نصّ في جواز ترك الغسل، و أمّا لزوم التيمّم و كونه علىٰ وجه العزيمة أو كونه علىٰ وجه الرخصة،

فلا تعرّض فيها له، لو لم نقل بظهورها في العزيمة أخذاً بقوله: «يتيمّم» فلا يجوز رفع اليد عن ظاهر الأدلّة به.

مع أنّ كثيراً ما يعبّر بمثله في مورد لزوم فعله، كما في روايات التيمّم بالطين إذا لم يجد غيره،

كقول أبي جعفر (عليه السّلام): «إذا كنت في حال لا تجد إلّا الطين فلا بأس أن تتيمّم به» «3»

مع لزومه عند عدم وجدان غيره.

ثمّ إنّ هذه الطائفة و إن وردت في الغسل، لكن يستفاد منها حكم الوضوء بلا ريب؛ فإنّ الأمر بالتيمّم إنّما هو لخوف الضرر الأعمّ من الهلاك، فإذا خاف علىٰ نفسه في الوضوء كخوفه في الغسل يتعيّن التيمّم، و يستفيد العرف من

______________________________

(1) الكافي 3: 68/ 1، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 5.

(2) الفقيه 1: 58/ 216، وسائل الشيعة 3: 348، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 11.

(3) الإستبصار 1: 156/ 538، وسائل الشيعة 3: 353، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 111

الروايات حكمه، و لعلّ ذكر الغسل لأجل كون الخوف غالباً فيه.

و هنا طائفة أُخرى من الروايات، و هي ما وردت في مورد خوف العطش،

كموثّقة سَماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يكون معه الماء في السفر، فيخاف قلّته، قال: «يتيمّم بالصعيد و يستبقي الماء؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ جعلهما طهوراً: الماء، و الصعيد» «1».

و ما

عن الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الجنب يكون معه الماء القليل، فإن هو اغتسل به خاف العطش، أ يغتسل به، أو يتيمّم؟ فقال: «بل يتيمّم، و كذلك إذا أراد الوضوء» «2».

و خوف القلّة

و العطش أعمّ من خوف الهلاك علىٰ نفس محترمة و غيره، و لا يكون الخوف من الهلاك في تلك الأسفار و تلك الأمكنة في تلك الأعصار بعيداً قليلًا، فحينئذٍ تدلّ الروايتان علىٰ تعيّن التيمّم و وجوب استبقاء الماء.

و أمّا

صحيحة عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إن خاف عطشاً فلا يُهريق منه قطرة، و ليتيمّم بالصعيد؛ فإنّ الصعيد أحبّ إليّ» «3»،

و

رواية ابن أبي يعفور، عنه (عليه السّلام) فيما إذا كان الماء بقدر شربه قال: «يتيمّم أفضل؛ أ لا ترى إنّما جعل عليه نصف الطهور؟!» «4»

فلا يراد بأفعل التفضيل إثبات الجواز

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 405/ 1274، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 406/ 1275، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 2.

(3) الكافي 3: 65/ 1، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1267، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 1.

(4) الكافي 3: 65/ 2، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 112

و المحبوبية لإهراق الماء، فإنّه مضافاً إلىٰ أنّ خوف العطش أعمّ من خوف التلف، و في فرضه لا يمكن تجويز الإهراق بل في فرض حصول الحرج أيضاً، لا يكون الإيقاع في الحرج بإهراقه محبوباً، كما عرفت أنّ قوله (عليه السّلام): «لا يهريق منه قطرة» لا يناسب إثبات الفضل لإهراق جميعه بالاغتسال.

كما أنّ قوله في الثانية: «أ لا ترى إنّما جعل عليه نصف الطهور!» المراد منه التيمّم الظاهر في حصر جعل التيمّم عليه لا يناسب كونه أفضل فردي التخيير.

ثمّ إنّه لا يبعد استفادة حرمة إيقاع الضرر على النفس من مجموع الروايات في موارد متفرّقة، كأبواب الصوم الضرري و الوضوء و الغسل و التيمّم و غيرها.

الأمر الرابع في صحّة الطهارة المائية عند تعيّن التيمّم
اشارة

هل يصحّ الوضوء أو الغسل في موارد تعيّن عليه التيمّم؟ لا بدّ من البحث أوّلًا علىٰ مقتضى القواعد، ثمّ النظر في مقتضى الأدلّة الخاصّة.

بيان مقتضى القواعد في المقام
اشارة

فنقول: لا إشكال في صحّتهما إذا كان التعيّن لأجل توقّفهما علىٰ مقدّمة محرّمة، كطيّ طريق مغصوب أو مخوف، فلو عصىٰ و أتى الماءَ تجب عليه المائية و تصحّ.

و أمّا إذا كان المحرّم من العناوين المتّحدة مع فعلهما، فقد يقال بالبطلان بدعوىٰ: «أنّ الفعل الخارجي الذي تعلّق به النهي و صحّ العقاب عليه، لا يعقل أن يقع عبادة؛ لتوقّفها على الأمر الممتنع تعلّقه بالمنهي عنه؛ لتعذّر الامتثال، و لكون

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 113

النهي ناشئاً عن قُبح الفعل بلحاظ مفسدته الملزمة القاهرة المقبّحة له، فيقبح الأمر بإيجاده» «1».

و فيه: أنّ هذه الدعوىٰ تنحلّ إلىٰ دعويين:

إحداهما: امتناع تعلّق الأمر و النهي بالفعل الخارجي؛ إمّا لأجل الامتناع الذاتي للتضادّ بينهما، أو العرضي لأجل تعذّر الامتثال.

و فيها: أنّه قد فرغنا من جواز اجتماع الأمر و النهي، و قلنا: بأنّ الأوامر و النواهي متعلّقة بالطبائع، لا المصاديق الخارجيّة، بل و لا الوجودات العنوانيّة، فموضوع تعلّق كلٍّ غير الآخر في وعاء تعلّقهما، و ظرف اتحاد المتعلّقين هو الخارج، و لا يمكن أن يكون ظرفَ تعلّقهما؛ للزوم طلب الحاصل و الزجر عنه، و هو محال «2».

فقوله: «الفعل الخارجي الذي تعلّق به النهي» إن كان المراد ظاهره فهو كما ترى؛ فإنّ الفعل لا يصير خارجيّاً إلّا بتحقّقه و وجوده، و بعده لا يمكن تعلّق الأمر و النهي به.

و إن كان المراد الوجود العنواني كما لا يبعد، فمع كونه خلاف التحقيق لا يلزم منه الامتناع؛ لأنّ الوجود العنواني للمنهي عنه لا يتحد مع الوجود

العنواني للمأمور به، و إنّما اتحدا في المصداق الخارجي.

و الحاصل: أنّ هاهنا أُموراً: الأوّل: ماهية الوضوء و الغسل و طبيعتهما، و ماهية الغصب و التصرّف في مال الغير.

الثاني: الوجود العنواني للقبيلتين.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 463/ السطر 32.

(2) مناهج الوصول 2: 128 135، تهذيب الأُصول 1: 391.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 114

و الثالث: الإيجاد العنواني لهما.

و الرابع: الوجود الخارجي العيني، أو الإيجاد الخارجي.

لا إشكال في عدم لزوم الامتناع للتضادّ إذا تعلّق الأمر و النهي بالماهيات و الطبائع كما هو الحقّ المحقّق في محلّه مع دفع ما يتخيّل من الإشكال فيه «1» لاختلافهما ذاتاً.

و كذا لو تعلّقا بالوجود العنواني أو الإيجاد كذلك؛ لأنّهما مفهوم الوجود و الإيجاد المضاف الحاكي عن المعنون، و المفهومان مختلفان متغايران في وعاء المفهوميّة لا اتحاد بينهما. هذا مضافاً إلىٰ أنّ تعلّقهما بهما خلاف التحقيق.

فلا يبقى إلّا الوجود و الإيجاد؛ أي الخارجيان المتحدان، و المتحد معهما كلّ العناوين الصادقة عليهما، و لا ريب في امتناع تعلّقهما بهما.

لا يقال: إنّ الوجودات العنوانيّة بل نفس الطبائع إنّما تصير متعلّقة للأمر و النهي حال كونها مرآةً للخارج؛ لعدم تعقّل تعلّقهما بالوجود الذهني بما هو كذلك، و لا بالماهيّة من حيث هي، فإنّها ليست إلّا هي، فمع المرآتية لا يمكن اجتماعهما؛ للتضادّ أو لرؤيته «2».

فإنّه يقال: مضافاً إلى امتناع تعلّقهما بالعناوين المرآتية إن أُريد تعلّقهما بالمرئي دون المرآة؛ لعين ما ذكر آنفاً إن كان للمرئي وجود و حقيقة، و إلّا فلا محالة يتعلّق بعنوان لا وعاء له إلّا الذهن، و في هذا الوعاء لا يتحدان واقعاً و لا في نظر المولى حتّى يلزم منه محذور إنّ العناوين المرآتيّة لا يمكن أن تحكي

إلّا عن نفس الطبائع بوجودها الخارجي، لا عن مقارناتها و متّحداتها. فعنوان «الصلاة» لا يمكنه الحكاية عن الغصب أو الصلاة في الدار المغصوبة؛ لعدم

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 65، تهذيب الأُصول 1: 343.

(2) نهاية الأفكار 1: 380 381.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 115

التناسب الحقيقي و لا الجعلي بينهما، و لا يمكن أن يكون المرئي مغايراً ذاتاً لمرآته و المحكي لحاكيه.

و التحقيق: أنّ متعلّقهما هو نفس الطبائع و الماهيات من حيث هي، و الهيئة دالّة وضعاً أو عقلًا على الإيجاد لتحصيل المكلّف الوجودَ الخارجي، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «1».

و ممّا ذكرنا يظهر: بطلان دعوى الامتناع عرضاً لتعذّر الامتثال؛ ضرورة إمكانه بعد كون الطبائع مأموراً بها و منهياً عنها، و سيأتي ما في توهّم تعذّره عن قريب.

و الدعوى الثانية: أنّه يقبح الأمر بإيجاد ما هو القبيح، فإنّ النهي ناشئ عن قبح الفعل بلحاظ مفسدته، فالفعل قبيح، و لا يمكن أن يتعلّق الأمر بما هو قبيح.

و فيها: أنّ الأمر متعلّق بطبيعة المأمور به، و هي حسنة، و لا يتعلّق بالغصب و لا بالوجود الخارجي المتّحد معه حتّى يكون قبيحاً، و لا يمكن أن يتعدّىٰ كلّ من الأمر و النهي عن متعلّقهما إلىٰ مقارناته و متّحداته، فالأمر بالوضوء ليس إلّا أمراً بهذه الطبيعة، و هي ليست بمنهي عنها، و لا مشتملة علىٰ مفسدة حتّى يكون التعلّق بها قبيحاً.

و الظاهر أنّ الدعويين نشأتا من مبدأ واحد؛ هو الخلط بين متعلّقات الأوامر و النواهي.

و قد تقرّر الدعوىٰ: «بأنّ إيجاد الفرد الخارجي يعرضه صفة الحسن أو القبح باعتبار جهته القاهرة، فلا يكون ما يوجده المكلّف من حيث صدوره منه-

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 65 69، تهذيب الأُصول

1: 342.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 116

إلّا حسناً أو قبيحاً علىٰ سبيل منع الجمع؛ لامتناع توارد الوصفين المتضادّين على الفعل الخاصّ الصادر من المكلّف من حيث صدوره منه، الذي لا يتصف بشي ء من الوصفين إلّا من هذه الحيثية، فالفرد الخارجي من الصلاة الذي يتحقّق به الغصب المحرّم على الإطلاق، يمتنع أن يطلبه الشارع؛ فإنّ الأمر بشي ء في الجملة ينافي النهي عنه على الإطلاق» «1».

و فيها: أنّ هذه الدعوىٰ أيضاً تنحلّ إلىٰ دعويين:

إحداهما: و هي التي ذكرها أخيراً ترجع إلى امتناع تعلّق الطلب بشي ء في الجملة مع تعلّق النهي عنه مطلقاً.

و قد مرّ مورد الخلط فيها، و قلنا: إنّ الأمر لا يمكن أن يتعلّق بغير عنوان متعلّقه؛ و هو «الصلاة» في المثال، كما أنّ النهي أيضاً لا يمكن أن يتعلّق بغير عنوان «الغصب» فلا يتحد المتعلّقان في وعاء التعلّق، و الخارج ليس وعاءه.

و ثانيتهما: أنّ الفعل الخارجي لا يمكن أن يكون حسناً و قبيحاً؛ لأنّهما وصفان متضادّان لا يمكن تواردهما على الفعل الخاصّ الصادر من المكلّف.

و فيها: أنّ الحسن و القبح ليسا من الأعراض و الكيفيّات الخارجية الحالّة في الموضوع كالسواد و البياض حتّى لا يكفي اختلاف الجهة في رفع التضادّ بينهما، فقبح الظلم لا يكون له صورة خارجية حالّة في الجسم، بل هو أمر عقلي منتزع من التصرّف عدواناً في مال الغير، أو من قتل نفس محترمة عدواناً مثلًا، و كذا حسن العدل ليس من الأعراض الخارجية، بل من الانتزاعيات، فيمكن أن يكون شي ء خارجيّ ذا عناوين حسنة و قبيحة.

فالفعل الخاصّ الخارجي ليس قبحه لأجل كونه من مقولة خاصّة، أو

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 463/ السطر الأخير.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 2، ص: 117

كونه صادراً من فاعل كذا، أو في وقت كذا، أو حالّا في محلّ كذا، مع أنّ كلّها عناوين متحدة معه، بل إنّما هو لأجل كونه ظلماً و عدواناً، فإذا لم يَسْرِ قبحه إلىٰ سائر الجهات، و بقيت هي علىٰ ما هي عليه بلا اقتضاء للحُسْن و القبح، يعلم أنّ القبح لا يسري من عنوانه و حيثيته إلىٰ حيثية أُخرى و عنوان آخر، و كذا الحسن.

فلا مانع من أن يكون عنوانا «الحسن» و «القبح» صادقين علىٰ موجود خارجيّ، فيكون حسناً بوجه، و قبيحاً بوجه، و الجهات في العقليات تقييدية، فتكون الحيثيات بما هي موضوعةً للحسن و القبح، فالصلاة في الدار المغصوبة حسنة بما هي صلاة ليس إلّا، و الغصب في حال الصلاة قبيح ليس إلّا؛ من غير سراية ما لكلّ عنوان و حيثية إلىٰ عنوان آخر و حيثية اخرىٰ.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 117

و ممّا ذكرنا يظهر النظر فيما يقال: من وقوع الكسر و الانكسار في الجهات المقتضية، و بعد قاهرية جهة يتمحّض الفعل في الجهة القاهرة، فإذا كانت مقبّحة يتمحّض في القبح فقط، فالفعل الخاصّ الصادر من المكلّف، لا يكون إلّا حسناً أو قبيحاً علىٰ سبيل منع الجمع «1».

و ذلك لما عرفت: من أنّ الفعل الخارجي مجمع لعناوين، و له جهات، فإذا فرض في إحدىٰ عناوينه جهة مقبّحة، و في الأُخرىٰ جهة محسّنة، و فرض غلبة المقبّحة على المحسّنة، لا توجب خروج الجهة المحسّنة عن كونها جهة محسّنة؛ لأنّ معنىٰ

قاهرية إحدى الجهتين، ليس سراية القبح منها إلى الجهة التي هي حسنة، بل لا يكون إلّا كتقديم الأهمّ على المهمّ، و الفارق الذي بينهما ليس فارقاً من الجهة المنظورة عقلًا؛ لأنّ شأن العقل تحليل الجهات و تكثير الحيثيّات و عدم الإهمال فيها.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 464/ السطر 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 118

و بالجملة: لا يعقل أن تكون نتيجة الكسر و الانكسار إعدام الجهة المقهورة، فما فيه الجهتان يكون كلٌّ منهما ممحّضاً فيما هو شأنه، فالوضوء من الماء المغصوب و الصلاة في الدار المغصوب مع قاهرية حيثية الغصب علىٰ حيثيتهما لا يمكن أن يخرجا عن الجهة المحسِّنة التي فيهما بعنوانهما و حيثيتهما الذاتية؛ و إن حكم العقل بلزوم تركهما و الأخذ بما هو ذو جهة قاهرة.

و نحن الآن بصدد بيان مقتضىٰ حكم العقل، لا الترجيحات التي وقعت من الشارع في مقام التشريع، بل الكلام بعد التشريع على العناوين و اتفاق اتحادها في الخارج، فلا يرد علينا الإشكال: بأنّ الشارع إذا رجّح إحدى الجهتين على الأُخرىٰ في مقام التشريع، فليس للمكلّف الأخذ بالجهة المرجوحة، فليس النظر في قاهرية بعض الجهات علىٰ بعضها في مقام تشريع الأحكام، بل في القاهرية التي يدركها العقل بعد التشريع في أحد التكليفين، و التحقيق فيها ما عرفت.

و فيما ذكرنا ينحلّ سائر الشبهات، كامتناع كون شي ء واحد شخصي مقرّباً و مبعّداً، و ذا مصلحة و مفسدة .. إلىٰ غير ذلك.

كما أنّه ممّا ذكرنا ظهر وجه الصحّة في المسألة الأُخرىٰ:

و هي ما إذا توقّف فعل الوضوء أو الغسل علىٰ مقدّمة مقارنة محرّمة، بل الأمر هاهنا أوضح؛ فإنّ ذات الوضوء و الغسل لا تتحدان مع المحرّم حتّى يأتي فيه

بعض ما تقدّم مع جوابه.

نعم، قد يقال هاهنا بأنّ الأمر بما يتوقّف على القبيح قبيح، كالأمر بالقبيح بل هو هو؛ فإنّ الأمر بالشي ء يقتضي إيجاب ما يتوقّف عليه، و لا أقلّ من أنّه يقتضي جوازه، و المفروض حرمة المقدّمة، فيمتنع أن يكون ما يتوقّف عليه واجباً «1».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 464/ السطر 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 119

و فيه: أنّه إن أُريد بالامتناع ما يلزم من اجتماع الأمر و النهي، فمع الغضّ عن عدم وجوب المقدّمة، أنّه قد ذكرنا في محلّه: أنّ ما هو الواجب علىٰ فرضه هو المقدّمة الموصلة بما هي كذلك؛ أي حيثيّة ما يتوصّل به إلىٰ ذي المقدّمة، فيكون الوجوب متعلِّقاً بهذا العنوان، لا ذات المقدّمة، و لا عنوان «ما يتوقّف عليه ذو المقدّمة» و قد دفعنا الإشكالات التي أوردوها علىٰ صاحب «الفصول» (رحمه اللّٰه) و نقّحنا مقصده بما لا مزيد عليه، فراجع «1».

فحينئذٍ نقول: إنّ ما يتعلّق به الأمر الغيري ليس هو عنوان «الاغتراف» و لا الاغتراف الذي هو موصل، بل عنوان «الموصل» بما هو كذلك، و هو متحد الوجود مع الاغتراف الخارجي، المتحد مع كونه من الآنية المغصوبة، أو آنية الذهب و الفضّة، و ما هو المحرّم هو عنوان «التصرّف في مال الغير بلا إذنه و استعمال الآنيتين» المتحدان في الخارج، فيندفع الإشكال بما دفعناه في المسألة الأُولىٰ.

و بما ذكرنا يظهر دفع توهّم قبح تعلّق الأمر بما يتوقّف علىٰ مقدّمة محرّمة؛ لمنع القبح علىٰ فرض، و منع التعلّق علىٰ آخر، و يتّضح بالتأمل فيما مرّ، فلا نعيده، و أمّا سائر الإشكالات المتقدّمة فلا يتأتّى فيها.

و قد يقال: «بعدم إمكان تصحيح الوضوء المتوقّف على الاغتراف من

الآنية المغصوبة؛ لاشتراط تحقّقه في الخارج بقصد حصول عنوانه بداعي التقرّب، فيكون القصد المحصّل لعنوانه من مقوّمات ماهيّة المأمور به، فيشترط فيه عدم كونه مبغوضاً للشارع، فغسل الوجه إنّما يقع جزءً من الوضوء إذا كان الآتي به بانياً علىٰ إتمامه وضوءً، و هذا البناء ممّن يرتكب المقدّمة المحرّمة،

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 392 405، تهذيب الأُصول 1: 261.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 120

قبيح يجب هدمه و العزم علىٰ ترك الوضوء بترك الغصب، فلا يجوز أن يكون هذا العزم من مقوّمات العبادة. بل العزم علىٰ ذي المقدّمة عزم علىٰ إيجاد مقدّمته إجمالًا ولدي التحليل، لا أنّه موقوف عليه» «1».

و فيه: أنّ ما هو القبيح العزم على الغصب، لا العزم علىٰ إتمام الوضوء، و حكم العقل بلزوم ترجيح جانب الغصب و هدم العزم، ليس لأجل كون الوضوء أو عزمه قبيحاً أو حراماً، بل لأجل ترجيح الأهمّ، فما هو من مقوّمات ماهيّة الوضوء، هو العزم على الوضوء متقرّباً به إلى اللّٰه، لا العزم على المعصية و التصرّف في الآنية المغصوبة، و ما هو قبيح يجب هدمه هو هذا العزم، لا الأوّل، فلو فرض تحليل العزم إلى العزم على التصرّف عدواناً، و العزم على الوضوء، يكون الأوّل قبيحاً دون الثاني، و لزوم هدم الثاني عقلًا، ليس لقبحه و عدم إمكان وقوعه مقوّماً لماهيّة العبادة، بل لاتحاده مع الأوّل و حكم العقل بالترجيح.

هذا مع أنّ ما ذكره أخيراً: «من أنّ العزم علىٰ ذي المقدّمة، عزم علىٰ مقدّمته إجمالًا ولدي التحليل» لا يمكن المساعدة عليه؛ ضرورة أنّ العزم و الإرادة و غيرهما من الأوصاف ذات الإضافة، إنّما يكون تشخّصها بمتعلّقاتها، و مع كثرة المتعلّقات لا يمكن وحدتها،

فالعزم المتعلّق بالكون على السطح، لا يمكن أن يصير متشخّصاً إلّا بالوجود العنواني لذلك العنوان، لا العنوان الآخر، و لا يمكن أن يكون الوجودان مشخّصاً لإرادة واحدة.

مضافاً إلىٰ أنّ مبادي إرادة ذي المقدّمة غير مبادئ إرادة مقدّمته، فإرادة ذي المقدّمة موقوفة علىٰ تصوّره و التصديق بفائدته .. إلىٰ آخر المبادئ،

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 465/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 121

و إرادة المقدّمة موقوفة علىٰ تصوّرها، و تصوّر توقّف ذي المقدّمة عليها، و كونها موصلة إليه، و التصديق به .. إلىٰ آخرها، فلا معنىٰ لانحلال إرادة ذي المقدّمة إلىٰ إرادتها، و هو معلوم جدّاً، فإذا اختلفت الإرادتان لا يبقى مجال للقول بقبح العزم علىٰ إتمام الوضوء؛ و لو فرض لزوم إرادة اخرىٰ بمقدّماتها لحصول المعصية.

و بما ذكرنا ظهر فساد ما ربّما يقال: «لا يعقل الأمر بالوضوء مع المقدّمة المحرّمة المنحصرة؛ للزوم الأمر بما يلازم الحرام، و هو قبيح، بل محال مع بقاء النهي علىٰ فعليّته، كما هو المفروض» «1».

لما عرفت «2» من تعلّق الأمر و النهي بالعناوين، و عدم سراية حكم كلٍّ إلى الآخر و إن اتّحدا في الخارج، و لا يكون الحاكم ناظراً في مقام جعل الحكم إلىٰ حال الخارج، و حال مقارنات الموضوع في ظرفه، و كيفية الامتثال، و ترجيح الراجح على المرجوح، بل الحاكم فيها هو العقل. بل لو ورد حكم في هذا المقام من الشارع، لا يكون إلّا إرشاداً إلىٰ حكم العقل، أو إرشاداً إلىٰ أهمّية أحد التكليفين.

نعم، إذا كان بين العنوانين تلازم، لا يمكن جعل الحكمين المتضادّين عليهما؛ لامتناع الامتثال، و لكنّه خارج عن محطّ البحث.

ثمّ إنّه قد يقال في تصوير الأمر بالوضوء في المقدّمة

المقارنة بالترتّب، لا بأن يكون العصيان الخارجي شرطاً فيه؛ لأنّه متأخّر عن الشروع في الفعل، و يمتنع تقدّم المعلول علىٰ علّته، و لا بأن يكون العزم على المعصية شرطاً للوجوب؛ فإنّ العزم عليها لا يبيحها، و لا يخرج فعلها عن كونه مقدّمة لإيجاد ذي

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 464/ السطر 21.

(2) تقدّم في الصفحة 113.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 122

المقدّمة حتى يتنجّز التكليف به علىٰ تقدير حصول العزم، بل يجب عليه نقض العزم و ترك المحرّم، لا إيجاد ما يقتضيه.

بل عنوان كونه عاصياً في الواقع شرط؛ بمعنى أنّ الطلب الشرعي تعلّق بمن يعصي في فعل المقدّمة، و يقدر علىٰ إيجاد المأمور به، فعزمه على المعصية طريق لإحراز كونه من مصاديق هذا العنوان؛ من دون أن يجب عليه تحصيله «1».

و فيه: أنّ كشفه عن تحقّق عنوان كونه ممّن يعصي مَن عزمه المعصية، لا يوجب سقوط النهي المتعلّق بالمقدّمة، و مع تحقّق النهي الفعلي لا يمكن الأمر بها بناءً علىٰ هذا المبنىٰ، فكما أنّ العزم على المعصية لا يبيحها، و يجب عليه نقضه و ترك المعصية، كذلك العزم الكاشف عن المعصية، و كذا صدق عنوان كونه ممّن يعصي لا يوجب إباحتها و سقوط النهي، بل يجب عليه نقض العزم و هدم العنوان.

و بالجملة: إذا كان القبيح أو الممتنع، تعلّق الأمر بالوضوء اللازم منه تعلّق الأمر بمقدّماته المحرّمة أو تجويزها، لا يمكن التخلّص عنهما في المقدّمات المقارنة بالترتّب؛ سواء جعل الشرط المعصية، أو عزمها، أو عنوان من يعصي. لكن التحقيق ما عرفت من دون لزوم تكلّف.

حكم مزاحمة الطهارة المائية لواجب أهمّ

و ممّا ذكرنا يظهر الحال في مسألة أُخرى: و هي ما إذا زاحمت الطهارة المائية واجباً أهمّ،

لا لأجل الترتّب المعروف الذي فرغنا عن إبطاله في الأُصول «2»، بل لأجل عدم امتناع تعلّق الأمرين بعنوانين متزاحمين في الوجود؛

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 464/ السطر 29.

(2) مناهج الوصول 2: 30 58، تهذيب الأُصول 1: 314.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 123

سواء كانا من قبيل الأهمّ و المهمّ أو لا؛ لأنّ الأوامر متعلّقة بنفس الطبائع؛ من غير سراية إلى الخصوصيات الفردية.

و أنّ الإطلاق بعد تمامية مقدّماته ليس كالعموم في تعلّق حكمه بالأفراد، بل مقتضاه بعدها كون نفس الطبيعة تمام الموضوع؛ بلا دخالة شي ء آخر من الخصوصيات الفردية و الحالات الطارئة.

و أنّ الأدلّة غير ناظرة إلىٰ حال المتزاحمات و لا حال علاجها، فإطلاق دليل المتزاحمين شامل لحال التزاحم؛ من غير أن يكون ناظراً إلى التزاحم و علاجه.

و أنّ الأحكام القانونية تعمّ العاجز و القادر و العالم و الجاهل؛ من غير تقييد بحال دون حال.

و أنّ الأمر بكلٍّ من المتزاحمين أمر بالمقدور، و الجمع غير مقدور، و هو ليس بمأمور به، ففي المتزاحمين أمران كلٌّ تعلّق بمقدور، لا أمر واحد بالجمع الذي هو غير مقدور.

فتحصّل من تلك المقدّمات التي فصّلناها في محلّها «1»: أنّ لدليل المتزاحمين إطلاقاً يشمل حال التزاحم من غير تقييد، و إنّما يحكم العقل بلزوم الأخذ بالأهمّ و ترك المهمّ مع كونه مأموراً به، فيكون المكلّف بحكم العقل معذوراً في ترك التكليف الفعلي بالاشتغال بالأهمّ، و مع ترك الأهمّ و الإتيان بالمهمّ، أتى بالمأمور به و يثاب عليه، و لم يكن معذوراً في ترك الأهمّ، فيستحقّ العقوبة علىٰ تركه، و مع تركهما يستحقّ العقوبة عليهما؛ لتركه كلّاً من التكليفين المقدورين بلا عذر. و التفصيل يطلب من محلّه «2».

ثمّ إنّ

الصحّة لا تتوقّف علىٰ تصوير الأمر، بل تصحّ العبادة مع عدمه. بل

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 23 30، تهذيب الأُصول 1: 302 313.

(2) مناهج الوصول 2: 30.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 124

لا يبعد القول بها مع الالتزام بكون الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه؛ لعدم اقتضاء النهي الغيري الفساد.

و كيف كان: لا إشكال في صحّة الوضوء مع الابتلاء بالمزاحم. هذا كلّه حال تلك المسائل من ناحية حكم العقل.

بيان مقتضى الأدلّة النقلية في المقام
اشارة

و أمّا حالها بالنظر إلى الأدلّة النقلية، فلا بدّ لبيانها من إفراز بعض المسائل التي وردت فيها النصوص:

المسألة الاولىٰ في بطلان الطهارة المائية في موارد سقوطها بدليل نفي الحرج
اشارة

الأقرب بطلان الوضوء و الغسل في الموارد التي سقطا بدليل العسر و الحرج، و الدليل عليه التعليل المستفاد من الآية الكريمة الواردة في الصوم، قال تعالىٰ شَهْرُ رَمَضٰانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّٰاسِ وَ بَيِّنٰاتٍ مِنَ الْهُدىٰ وَ الْفُرْقٰانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «1».

مفاد الآية الكريمة:

و المحتمل بحسب التصوّر أن يكون مفادها حرمة صوم المريض و المسافر؛ لجهة إرادة اليسر، أو لجهة عدم إرادة العسر.

و أن يكون إبقاء اليسر و عدم هدمه واجباً، لا عنوان الصوم العسير حراماً.

______________________________

(1) البقرة (2): 185.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 125

و أن يكون إيقاع العسر على النفس حراماً بعنوانه.

فعلى الاحتمالين الأخيرين لا يلزم بطلان الصوم؛ لما مرّ من عدم بطلان العبادة المتحدة مع عنوان محرّم «1»، و كذا إذا كانت العبادة ضدّ الواجب، و على الاحتمال الأوّل يقع باطلًا؛ لتعلّق الحرمة بنفس العبادة. و هنا بعض احتمالات أُخر منفيّ بما يأتي.

و الأقرب من بينها هو الاحتمال الأوّل؛ إمّا لمفهوم قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ بناءً علىٰ كون مفهومه: «و من لم يشهد فلا يصمه» و أصل المفهوم و كذا كونه كذلك و إن كان محلّ مناقشة في الأُصول «2»، لكن لا يبعد مساعدة العرف عليهما فيما إذا كان الجزاء من قبيل الهيئة، لا المعنى الاسمي؛ للفرق عرفاً بين أخذ المفهوم من قوله: «فمن شهد منكم الشهر فيجب عليه الصيام» حيث إنّ المفهوم: «لا يجب عليه» و بين ما في الآية، فلا يبعد أن يكون مفهومه: «فلا تصمه».

و تؤيّده بل تدلّ عليه في المورد

رواية عبيد بن زرارة التي لا يبعد أن تكون حسنة برواية الصدوق «3»، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): قوله تعالىٰ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ؟

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 113.

(2) مناهج الوصول 2: 182، تهذيب الأُصول 1: 426.

(3) و الوجه فيه: وقوع الحكم بن مسكين في طريق الصدوق (رحمه اللّٰه) إلىٰ عبيد بن زرارة فإنّه قال في مشيخته: «و ما كان فيه عبيد بن زرارة فقد رويته عن أبي (رضى اللّٰه عنه)، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحكم بن مسكين الثقفي، عن عبيد بن زرارة بن أعين و كان أحول».

و أمّا الرواية بطريق الكليني فضعيفة بعبد العزيز العبدي، فإنّه رواها عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن عبيد بن زرارة.

الفقيه، المشيخة 4: 31، تنقيح المقال 1: 360/ السطر 28، و 2: 155/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 126

قال: «ما أبيَنَها! من شهد فليصمه، و من سافر فلا يصمه» «2».

و في «مجمع البيان»: «فيه وجهان: أحدهما: فمن شهد منكم المصر و حضر و لم يغب في الشهر و الألف و اللام في الشَّهْرَ للعهد، و المراد به شهر رمضان فليصم جميعه. و هذا معنىٰ

ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال لمّا سُئل عن هذه الآية: «ما أبينها لمن عقلها! قال: من شهد شهر رمضان فليصمه، و من سافر فيه فليفطر «3»» «4».

و إمّا لإطلاق قوله: وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ حيث دلّت علىٰ أنّ نفس المرض و السفر توجب عدّة من

أيّام أُخر؛ من غير دخالة شي ء آخر من إفطار أو غيره فيه.

فإذا كان المكلّف مريضاً أو مسافراً في الشهر، تأتي علىٰ عهدته عدّة أيّام أُخر بدل شهر رمضان، و لا شبهة في أنّ هذه العدّة قضاء شهر رمضان؛ لما يستفاد من الآية من أنّ الواجب الأصلي هو صيام الشهر، و مع طروّ العنوانين يتبدّل بعدّة من غيره، فإذا وجب القضاء بمجرّد طروّهما، فلا بدّ و أن يقع الصوم معهما باطلًا، و إلّا فيلزم إمّا إيجاب البدل و لو علىٰ فرض إيجاد المبدل منه و صحّته، أو تقدير في الآية و تقييد بلا دليل و حجّة؛ بأن يكون المعنىٰ: «و من كان مريضاً أو علىٰ سفر و أفطر».

و تؤيّده

رواية الزهري، عن علي بن الحسين (عليهما السّلام) في حديث قال: «و أمّا

______________________________

(2) الكافي 4: 126/ 1، الفقيه 2: 91/ 404، تهذيب الأحكام 4: 216/ 627، وسائل الشيعة 10: 176، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 1، الحديث 8.

(3) تفسير العيّاشي 1: 81/ 187، مستدرك الوسائل 7: 373، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 1، الحديث 2.

(4) مجمع البيان 2: 498.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 127

صوم السفر و المرض فإنّ العامّة قد اختلفت في ذلك؛ فقال قوم: يصوم، و قال آخرون: لا يصوم، و قال قوم: إن شاء صام، و إن شاء أفطر، و أمّا نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعاً، فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ يقول فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ فهذا تفسير الصيام» «1».

فحكم بوجوب القضاء عليهما و إن

صاما؛ مستدلّاً بالآية و مستظهراً منها من دون إعمال تعبّد، و قد عرفت أنّ ذلك مقتضىٰ إطلاقها.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ المستفاد من الآية أنّ صوم المريض و المسافر بعنوانهما محرّم باطل، و يظهر منها تعليله بإرادة اليسر و عدم إرادة العسر على الأُمّة، فيجب التعميم بمقتضى العلّة المنصوصة.

ثمّ يقع الكلام في أنّ القضايا المعلّلة المعمّمة، هل تكون ظاهرة في أنّ الحكم لحيثيّة العلّة، كما يقال في الأحكام العقليّة: «إنّ الحيثيّات التعليليّة عناوين للموضوعات» «2» فيكون حكم العرف كحكم العقل؟

أو أنّ الظاهر كون عنوان الموضوع ما أُخذ في ظاهر القضيّة المعلّلة، و ما أُخذ علّةً واسطة في ثبوت الحكم لموضوعه، فقوله: «الخمر حرام؛ لأنّه مُسكر» ظاهر عرفاً في أنّ موضوع الحرمة هو الخمر، و كونه مُسكراً واسطة لتعلّقها به؟

الأقرب هو الثاني؛ فإنّ الأوّل حكم عقلي دقيق برهاني، لا عرفي عقلائي؛ إذ لا إشكال في أنّ العرف يرىٰ في تلك القضايا أُموراً ثلاثة: الموضوع، و الحكم،

______________________________

(1) الكافي 4: 83/ 1، الفقيه 2: 46/ 208، وسائل الشيعة 10: 174، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 1، الحديث 2.

(2) نهاية الدراية 2: 133.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 128

و واسطة ثبوته له.

فتحصّل ممّا ذُكر: أنّ المتفاهم من الآية أنّ صوم المريض و المسافر حرام بعنوانه؛ لأجل إرادة اليسر، و الظاهر بحسب فهم العرف أنّ القضايا المفهومة من تعميم التعليل كالقضيّة الأصلية المعلّلة لها موضوع، و حكم، و وسط، فقضيّة تعميم التعليل في قوله: «الخمر حرام؛ لأنّه مسكر» أنّ الفُقّاع و النبيذ كذلك بعنوانهما لكونهما مسكرين؛ فإنّ الحكم في الفرع تابع لأصله، فاحتمال كون الحكم في الفرع لحيثيّة الإسكار، و كون الشي ء مسكراً بما

هو كذلك، ضعيف مخالف لفهم العرف و العقلاء.

فظهر ممّا مرّ: أنّ مقتضىٰ تعميم العلّة بنحو ما مرّ، أنّ ما يلزم منه الحرج و العسر بعنوانه حرام، فالوضوء الحرجي و الغسل العسير بعنوانهما حرام، فيقعان باطلين.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ قوله في آية التيمّم وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ .. إلىٰ قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «1» كقوله في آية الصوم وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ فكما أنّ مجرّد السفر صار سبباً لعدّة أُخرى من غير دخالة شي ء آخر كما مرّ «2»، كذلك الظاهر أنّ المرض بنفسه سبب لإيجاب التيمّم، و كذا في سائر الأعذار أن عمّمناها بالنسبة إليها.

بل يمكن الاستشهاد على المقصود بتمسّك الأئمّة (عليهم السّلام) بآية الصوم للحرمة تارة بمفهوم قوله فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ كما في روايتي زرارة و ابنه، و أُخرى بقوله فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ كما في رواية الزهري، مع كونها في مقام الامتنان، و سياقها كسياق آية التيمّم، فلو كان الأمر في الرفع

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

(2) تقدّم في الصفحة 126.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 129

امتناناً كما ذكره المتأخّرون من عدم الدلالة على العزيمة و لا البطلان علىٰ فرض التخلّف «1» لما كان وجه لتمسّكهم (عليهم السّلام) بها في مقابل من ذهب إلى الرخصة، فيستشعر منه أنّ جعل التيمّم بدل الوضوء عزيمة، كجعل عدّة من أيّام أُخر بدل صوم المسافر.

هذا كلّه في مفاد الآية الكريمة.

مفاد رواية يحيى بن أبي العلاء

و يأتي الكلام المتقدّم في مثل

رواية يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و سند الشيخ الصدوق إليه كالصحيح «2»، لكن لم يرد في يحيىٰ توثيق، و احتمل بعضهم

أن يكون متحداً مع يحيىٰ بن العلاء الثقة «3»، و هو غير ثابت قال: «الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر».

ثمّ قال: «إنّ رجلًا أتى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: يا رسول اللّٰه، أصوم شهر رمضان في السفر؟ فقال: لا، فقال: يا رسول اللّٰه، إنّه عليّ يسير، فقال رسول اللّٰه: إنّ اللّٰه تصدّق علىٰ مرضىٰ أُمّتي و مسافريها بالإفطار في شهر رمضان، أ يُحبّ

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 463/ السطر 5 8، العروة الوثقىٰ 1: 473، المسألة 18، مستمسك العروة الوثقىٰ 4: 331.

(2) رواها الشيخ الصدوق، عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّٰه و قال في مشيخته: «و ما كان فيه عن يحيىٰ بن أبي العلاء فقد رويته عن محمّد بن الحسن (رضى اللّٰه عنه)، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان بن عثمان، عن يحيىٰ بن أبي العلاء».

قوله: «كالصحيح» إشارة إلىٰ كلامٍ في مذهب أبان بن عثمان.

الفقيه، المشيخة 4: 88، تنقيح المقال 1: 5/ السطر 34، مقباس الهداية 1: 176.

(3) راجع تنقيح المقال 3: 308/ السطر 25 (أبواب الياء).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 130

أحدُكم لو تصدّق بصدقة أن تردّ عليه صدقته؟!» «1».

فيأتي فيها الاحتمالات المتقدّمة «2»، إلّا أنّ العنوان هاهنا ردّ الصدقة، و أقرب الاحتمالات هاهنا أيضاً حرمة عنوان الصوم بعلّية كونه ردّ الصدقة، و يأتي فيها الكلام في التعميم الذي ذكرنا في الآية.

نعم، هنا كلام آخر: و هو أنّ ظاهر الآية أنّ العلّة لحرمة الصوم، إرادة اللّٰه اليسر بالعباد، و ظاهر الرواية و بعض روايات أُخر أنّ العلّة كونه ردّ الصدقة

«3»، و الظاهر عدم التنافي بينهما، و لا مجال لتفصيله.

نكتة أُخرى تقتضي بطلان الصلاة مع المائية

ثمّ اعلم: أنّ هاهنا نكتة أُخرى في باب التكاليف الحرجيّة؛ و هي أنّه لو سُلّم عدم دلالة ما دلّ علىٰ نفي الحرج علىٰ بطلان متعلّقات التكاليف النفسية الحرجية إمّا بدعوىٰ بقاء الجواز بل الرجحان مع رفع الإلزام؛ لأجل أنّ الواجب عبارة عن الأمر بالشي ء مع عدم الرخصة بالترك، و دليل نفي الحرج يرفع عدم الرخصة، و يبقى الأمر مع الرخصة فيه؛ و هو الاستحباب، أو لكفاية ما يقتضي الطلب و محبوبية الفعل لصحّته لكن إذا كان شرط المأمور به أو جزؤه حرجيّا فلا يُسلّم ذلك؛ لأنّ مقتضىٰ نفي الحرج نفي الشرطية و الجزئية، فيكون المأمور به هو الفاقد لهما؛ سواء قلنا بإمكان تعلّق الرفع و الجعل بهما استقلالًا كما هو

______________________________

(1) الكافي 4: 127/ 3، الفقيه 2: 90/ 403، تهذيب الأحكام 4: 217/ 630، وسائل الشيعة 10: 175، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 1، الحديث 5.

(2) تقدّمت في الصفحة 124 125.

(3) وسائل الشيعة 10: 174، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 1، الحديث 4 و 5 و 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 131

التحقيق «1»، أو قلنا بامتناعه و لزوم رفع الأمر عن المقيّد و المركّب الواجد، و تعلّق أمر آخر بفاقدهما «2». و علىٰ أيّ تقدير يكون المأمور به فعلًا هو الطبيعة الفاقدة.

و لو بدّل الشرط أو الجزء بآخر، يكون المأمور به فعلًا هو الطبيعة المتقيّدة بالبدل أو المشتملة عليه، لا المبدل منه، فيكون الإتيان به مع الجزء الساقط زيادةً في المأمور به الفعلي، و الاكتفاء به مع فرض التبديل غيرَ مجزٍ عن الواقع؛ و

هو المأمور به الفعلي. و مجرّد اقتضاء الجزئية أو الشرطية لا يوجب عدمَ الزيادة، و جوازَ ترك الشرط الفعلي و الجزء كذلك، و الاكتفاءَ بما فيه الاقتضاء.

فالصلاة المشروطة بالتيمّم أو بالطهارة الحاصلة منه، هي المأمور بها فعلًا، و لم تكن مشروطة بالوضوء و الغسل، و الآتي بها معهما آتٍ بغير شرطها، و كذا في تبديل الجزء.

و دعوىٰ حصول الطهارة التي من الترابية من الغسل و الوضوء مع شي ء زائد؛ لأنّها مرتبة كاملة من الطهارة، غير متضحة الدليل. و مجرّد كون المائية أكمل من الترابية في تحصيل الغرض، لا يوجب وحدتَهما واقعاً و اختلافَهما بالشدّة و الضعف؛ لإمكان أن تكونا صنفين أحدهما أفضل من الآخر، فلا يحصل من أحدهما ما يحصل من الآخر.

مع أنّ في أصل دعوى كون الشرط أمراً معنوياً حاصلًا منهما كلاماً؛ لقوّة احتمال أن يكون الطهور عبارة عن الوضوء و الغسل و التيمّم، لا أمراً حاصلًا منها، و لا تبعد أقربية ذلك إلىٰ ظواهر الأدلّة و كلمات الأصحاب. و مثل

قوله

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 68.

(2) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 393.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 132

«التراب أحد الطهورين» «1»

و «يكفيك عشر سنين» «2»

لا يدلّ علىٰ أنّه أمر معنوي، و لا علىٰ وحدتهما ذاتاً و اختلافهما رتبة.

كما أنّ

قوله: «الوضوء نور» «3»

أو «نور و طهور» «4»

لا يدلّ علىٰ كون الطهور أمراً معنوياً؛ لو لم نقل بدلالته على الخلاف.

بل الظاهر من آية الوضوء «5» أنّ نفس تلك الأفعال أو العناوين شرط للصلاة، و ليس المراد بقوله فَاطَّهَّرُوا إلّا الغسل بحسب وحدة السياق و فهم العرف، خصوصاً مع قوله حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا في الآية الأُخرىٰ «6»، لا تحصيل

طهارة معنويّة.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ مقتضىٰ دليل نفي الحرج رفع شرطية الطهارة المائية، و مقتضى جعل التيمّم بدلًا اشتراط الصلاة به فعلًا، و قضيتهما بطلان الصلاة مع الاكتفاء بالمائية.

و لو قلنا: بأنّ مقتضىٰ دليل نفي الحرج رفع سببية الوضوء و الغسل للطهارة، و مقتضى جعل البدل جعل السببيّة له، لكان البطلان أوضح مع الذهاب إلىٰ أنّ الشرط هو الأمر الحاصل بها.

______________________________

(1) لم نعثر على نصّ بهذا اللفظ و لكن يوجد مقارب منه. انظر وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 12.

(3) لم نعثر عليه و لكن ورد في بعض الروايات «الوضوء على الوضوء نور على نور» انظر وسائل الشيعة 1: 377، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 8، الحديث 8.

(4) لم نعثر علىٰ هذا النص في كتب الحديث المتوفّرة لدينا.

(5) المائدة (5): 6.

(6) النساء (4): 43.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 133

المسألة الثانية في صحّة الطهارة المائية في موارد سقوطها بغير دليل نفي الحرج

ما تقدّم حال أدلّة نفي الحرج، و أمّا سائر الأدلّة الدالّة علىٰ عدم الوضوء أو الغسل كما وردت في القرح و الجرح و الخوف على النفس، مثل صحيحتي البَزَنْطي و ابن سرحان و غيرهما «1»، و ما وردت في مورد خوف العطش، مثل صحيحة ابن سنان و موثّقة سَماعة و غيرهما «2»، و ما وردت في الركية و فرض إفساد الماء، مثل صحيحة عبد اللّٰه بن أبي يعفور «3»، و ما وردت في مورد خوف فوت الوقت، مثل صحيحة زرارة «4»؛ بناءً علىٰ ما قدّمناه من الاستفادة منها «5» فالظاهر عدم استفادة بطلان المائية منها:

أمّا ما لا يتعلّق النهي فيها بالغسل، بل تعلّق بعنوان

خارج كإفساد الماء أو عدم إهراقه فظاهر؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الأمر بالتيمّم لأجل ترجيح أحد المتزاحمين أي حرمة إفساد الماء و وجوب حفظ النفس على الطهارة المائية، فالأمر بالشرط الناقص ليس لأجل تبديل الكامل به و إسقاط شرطيّته، كما قلنا في نفي الحرج، بل للمزاحمة الواقعة بين الأهمّ و المهمّ، فيأتي فيه ما مرّ في باب المتزاحمين «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 8 و 7 و 1.

(2) وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 1 3.

(3) وسائل الشيعة 3: 344، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3.

(5) تقدّم في الصفحة 88.

(6) تقدّم في الصفحة 100.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 134

و أمّا ما تعلّق النهي في ظاهر الدليل بالغسل، فهو أيضاً كذلك؛ لأنّ المتفاهم من مجموعها أنّ النهي عنه ليس لمبغوضية فيه، بل للإرشاد إلى الأخذ بأهمّ التكليفين، فسبيل قوله في فرض القروح و الجروح و المخافة على النفس: «لا يغتسل، و يتيمّم» سبيل قولِه: «لا تقع في البئر، و لا تفسد على القوم ماءهم» و قولِه: «إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة، و ليتيمّم بالصعيد» حيث لا يفهم منها مبغوضيّة الغسل و الوضوء بعنوانهما، بل الظاهر أنّ المبغوض هلاك النفس أو الواجب حفظها، فلا يدلّ على البطلان. و قد مرّ أنّ مقتضى القاعدة أيضاً الصحّة «1».

نعم، ما ذكرنا من الصحّة بمقتضى القاعدة أو بحسب سائر الأدلّة، إنّما هو حيثي، فإذا انطبق علىٰ مورد عنوان آخر يقتضي البطلان نحكم به، كما إذا انطبق عنوان «الحرج»

علىٰ مورد الضرر أو الخوف على النفس؛ لما عرفت من أنّ مقتضىٰ أدلّة نفي الحرج البطلان، فيفصّل في الحكم به بين ما إذا انطبق علىٰ مورد عنوان «الحرج» و بين ما إذا انطبق عليه عنوان محرّم، كالغسل في آنية الذهب و الفضّة و الوضوء ارتماساً فيها، فيحكم بالبطلان في الأوّل دون الثاني.

و أوضح منه في الصحّة ما إذا تزاحم مع تكليف أهمّ، كالوضوء في ضيق الوقت المزاحم لفعل الصلاة، فإنّه صحيح من غير فرق بين أن يكون قصده امتثال الأمر المتعلّق به من ناحية هذه الصلاة علىٰ وجه التقييد و غيره؛ لما ذكرنا «2» من أنّ ملاك عبادية الطهارات، ليس الأمر الغيري من ناحية الأمر بالصلاة؛ لعدم وجوب المقدّمة إلّا عقلًا، و لأنّ الطهارات بما هي عبادةٌ جعلت شرطاً، فعباديتها مقدّمة علىٰ تعلّق الأمر الغيري علىٰ فرضه، و لا منافاة بين الأمر الاستحبابي

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 112.

(2) تقدّم في الصفحة 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 135

الذاتي و الأمر الغيري؛ لاختلاف العنوان، فحينئذٍ لو جهل المكلّف و قصد الأمر الغيري، أو قصد التقرّب به، يقع قصده لغواً، و عبادته صحيحة؛ لعدم اعتبار شي ء فيها إلّا الرجحان الذاتي و قصد كونه للّٰه.

نعم، لو كان من قصده عدم التعبّد إلّا بالأمر الغيري، يقع باطلًا و لو في سعة الوقت؛ لعدم وجوده، و عدم كونه مقرّباً علىٰ فرضه.

إلّا أن يقال: إنّه نحو انقياد للمولىٰ، و هو كافٍ في الصحّة، فحينئذٍ لا يفرّق بين السعة و الضيق.

الأمر الخامس في الإتيان بالمائية لعذر عند تعيّن التيمّم

لو قلنا في الموارد التي تعيّن عليه التيمّم بالحرمة و البطلان، فأتىٰ بالمائية لعذر: من غفلة، أو جهل بالموضوع، أو بالحكم قصوراً و نحوها، ففي صحّتها مطلقاً،

أو التفصيل بين الموارد، وجهان أقواهما التفصيل بين الموارد التي استفدنا من الأدلّة تقييد المكلّف به بغير المائية و إسقاط شرطيّتها، كما قلنا في مورد الحرج «1»، فنحكم فيها بالبطلان؛ لفقد ما هو شرط واقعاً، و لا تأثير في العمد و غيره و العذر و غيره، و بين الموارد التي قيل ببطلانها؛ لأجل أنّ المبعّد القبيح لا يمكن أن يقع عبادة و صحيحاً و لو قلنا بجواز الاجتماع «2»؛ لأنّه مع العذر لا يقع قبيحاً و مبعّداً، فلا مانع من مقرّبيته. فالوضوء و الغسل صحيحان؛ لرجحانهما

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 132.

(2) نهاية الأُصول: 260 و 262، لمحات الأُصول: 227.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 136

الذاتي، بل فعلية الأمر بهما، و عدمِ مانع آخر من صحّتهما، فالوضوء في آنية الذهب و بالماء المغصوب صحيح. هذا إذا قلنا بجواز الاجتماع.

و أمّا مع القول بامتناعه و ترجيح جانب النهي، فالصحّة تتوقّف علىٰ وجود الملاك في المتعلّق و إمكان مقرّبية الملاك المكسور، و قد ذكرنا في محلّه: أنّ إمكان تحقّق الملاكين للشي ء الواحد، يهدم أساس الامتناع إذا كان ملاكه لزوم التكليف المحال، لا التكليف بالمحال «1»، فإنّ وجود الحيثيتين لحمل الملاكين إذا كان رافعاً للتضادّ بينهما، يكون رافعاً للتضادّ بين الحكمين قطعاً، فالقائل بالامتناع لا بدّ و أن يقول: بأنّ الحيثية التي تعلّق بها الأمر عين ما تعلّق به النهي؛ حتّى يتحقّق التضادّ الموجب للامتناع، و مع وحدة الحيثية لا يمكن تحقّق الملاكين، و مع ترجيح جانب النهي يستكشف عدم ملاك الأمر في المتعلّق، فيقع باطلًا حتّى مع الجهل و سائر الأعذار.

نعم، إذا كان ملاك الامتناع التكليف بالمحال، أو أغمضنا عن الإشكال و التزمنا بوجود

الملاك، فالظاهر وقوعه صحيحاً حتّى مع العلم؛ لوجود الملاك و عدم تقوّم العبادة بالأمر، بل يكون حاله حال المتزاحمين.

و ما قيل: «من أنّ في باب التزاحم إنّما يتزاحم الحكمان في مقام الامتثال عقلًا بعد إنشائهما من قِبَل المولى، و أمّا في باب الاجتماع فتتزاحم المقتضيات لدى المولى، فلا تأثير لعلم المكلّف و جهله في وقوعه باطلًا» «2».

غير وجيه؛ لأنّ تقييد المولى أحد التكليفين بحال، قد يكون لفقدان الملاك في غير هذا الحال، و قد يكون لترجيح أحد الملاكين على الآخر، فإن كان من

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 123، تهذيب الأُصول 1: 407 408.

(2) انظر فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 2: 431.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 137

قبيل الثاني، يكون حكمه كحكم العقل في ترجيح الأهمّ على المهمّ، و في مثله لا مانع من الصحّة لو قلنا بكفاية الملاك، و الملاك المرجوح صالح للمقرّبية و التقييد في مقام ترجيح الملاكات، كالتقييد في مقام التزاحم لو قلنا: بأنّ الشارع ناظر إليه، أو أنّ العقل يقيّد الأدلّة.

و ما قيل «1»: «من أنّ الملاك المكسور غير صالح للمقرّبية» إن كان المراد من «المكسوريّة» رفع الملاك أو نقصانه عمّا هو عليه بواسطة التزاحم، فهو ممنوع؛ لأنّ حامل الملاكات الحيثيات، و لا يسري حكم حيثية إلىٰ حيثية أُخرى.

و إن كان المراد مرجوحيته، فهي لا توجب البطلان بعد فرض كفاية الملاك و لو لم يكن مأموراً به، و التقييد بغير حال الاجتماع لا يستتبع نهياً فرضاً، فالفعل و إن لم يكن مأموراً به، لكن مشتمل على الملاك التامّ، كاشتماله في غير مورد الاجتماع، فيقع صحيحاً.

______________________________

(1) انظر فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 2: 431.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 139

المبحث الثاني فيما يتيمّم به

اشارة

و يتمّ ذلك في ضمن أُمور:

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 141

الأمر الأوّل في اشتراط كونه أرضاً

اشارة

لا إشكال في اشتراط كونه أرضاً، فلا يجوز بما هو خارج عن مسمّاها، و «هو مذهب علمائنا» كما عن «المنتهىٰ» «1» و «عليه الإجماع» كما عن «كشف اللثام» «2» و «لا نزاع فيه عندنا» كما عن «مجمع البرهان» «3» و ادّعىٰ عليه الإجماع في «الخلاف» «4».

و عن «السرائر»: «أنّ الإجماع منعقد على أنّ التيمّم لا يكون إلّا بالأرض، أو ما يطلق عليه اسمها» «5».

و في «الخلاف»: «قال أبو حنيفة: كلّ ما كان من جنس الأرض أو متّصلًا بها من الثلج و الصخر يجوز التيمّم به، و به قال مالك «6»» «7» انتهىٰ.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 140/ السطر 25.

(2) كشف اللثام 2: 449.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 220.

(4) الخلاف 1: 134 135.

(5) السرائر 1: 138.

(6) المحلّىٰ بالآثار 1: 378، المجموع 2: 213.

(7) الخلاف 1: 134.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 142

و في «مفتاح الكرامة» نسبة الجواز بالثلج إلىٰ أبي حنيفة، و بالنبات إلىٰ مالك «1». لكن في كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة»: «الحنفيّة قالوا: إنّ الصعيد الطهور هو كلّ ما كان من جنس الأرض، فيجوز التيمّم على التراب و الرمل و الحصىٰ و الحجر و لو أملس، و السبخ المنعقد من الأرض، أمّا الماء المنعقد و هو الثلج فلا يجوز التيمّم عليه؛ لأنّه ليس من أجزاء الأرض، كما لا يجوز التيمّم على الأشجار و الزجاج و المعادن ..» إلى آخره «2».

و احتمال أن يكون مراده من الحنفية أصحاب أبي حنيفة و تابعيه لا نفسه بعيد، بل عن ابن رشد عدم تجويز أبي حنيفة التيمّم بالثلج

«3».

و كيف كان: فلا إشكال في عدم جوازه بغير الأرض و ما خرج عن مسمّاها. بل و لا خلاف ظاهراً في حال الاختيار. و سيأتي حال التيمّم بالثلج عند الاضطرار «4».

في تحديد ما يصحّ التيمّم عليه
اشارة

ثمّ إنّه اختلفت كلمات أصحابنا بعد اشتراط كونه أرضاً علىٰ أقوال، فقيل: «إنّه التراب الخالص» حُكي ذلك عن السيّد في «شرح الرسالة» و الكاتب و التقي «5». بل عن ظاهر «الناصريّات» و «الغُنية» الإجماع عليه «6».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 1: 527/ السطر 26.

(2) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 160.

(3) بداية المجتهد 1: 72.

(4) يأتي في الصفحة 204.

(5) انظر جواهر الكلام 5: 119، المعتبر 1: 372، مختلف الشيعة 1: 260 261، الكافي في الفقه: 136.

(6) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 33، غنية النزوع 1: 51.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 143

و قيل: «إنّه كلّ ما يقع عليه اسم الأرض» «1» و «هو المشهور تحصيلًا» كما في «الجواهر» و عن «الكفاية» و «الحدائق» «2» و عن «الخلاف» و «مجمع البيان» و ظاهر «التذكرة» الإجماع على الجواز بالحجر «3». و عن «مجمع البرهان» و «المفاتيح» و «كشف اللثام»: «هو مذهب الأكثر» «4» و عن «مجمع البرهان»: «ينبغي أن يكون لا نزاع فيه» «5» و «هو المشهور» كما عن «الكفاية» «6».

و عن جمع التفصيل بين حال الاختيار و الاضطرار «7».

و منشأ اختلافهم اختلاف اجتهادهم في الاستنباط من الكتاب و السنّة. و لا شبهة أنّ الشهرة و الإجماع في مثل هذه المسألة الاجتهادية المتراكمة فيها الأدلّة و الآراء في دلالة الكتاب، ليست حجّة مستقلّة، فالأولىٰ صرف الكلام إلىٰ ظواهر الأدلّة:

الاستدلال بالكتاب علىٰ كفاية مطلق وجه الأرض
اشارة

أمّا الكتاب، فقد نزلت فيه آيتان كريمتان:

إحداهما: في سورة النساء، و هي قوله تعالىٰ

______________________________

(1) المبسوط 1: 31، شرائع الإسلام 1: 39، تحرير الأحكام 1: 21/ السطر 33.

(2) جواهر الكلام 5: 118، كفاية الأحكام: 8/ السطر 25، الحدائق الناضرة 4: 293.

(3) الخلاف 1: 134 135، مجمع

البيان 3: 82، تذكرة الفقهاء 2: 176.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 1: 220 و 222، مفاتيح الشرائع 1: 61، كشف اللثام 2: 455.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 1: 220.

(6) كفاية الأحكام: 8/ السطر 25.

(7) المقنعة: 60، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 71، السرائر 1: 137.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 144

وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ «5».

و ثانيتهما: في المائدة بعينها مع زيادة لفظة مِنْهُ بعد وَ أَيْدِيَكُمْ «6».

اختلاف اللغويين في معنى «الصعيد»

و قد اختلفت كلمة أهل اللغة و العربية في معنى «الصعيد» فعن «العين» و «المحيط» و «الأساس» و «المفردات» للراغب و جمع آخر: «أنّه وجه الأرض» «7» بل عن الزجّاج: «أنّه لا يعلم اختلافاً بين أهل اللغة» «1» و عن «المعتبر» حكايته عن فضلاء أهل اللغة «2».

و عن «البحار»: «أنّ الصعيد يتناول الحجر، كما صرّح به أئمّة اللغة و التفسير» «3» و عن «الوسيلة»: «قد فسّر كثير من علماء اللغة الصعيد بوجه الأرض و ادّعىٰ بعضهم الإجماع عليه» «4».

و استدلّ بعضهم بكونه وجه الأرض بقوله تعالىٰ:

______________________________

(5) النساء (4): 43.

(6) المائدة (5): 6.

(7) كتاب العين 1: 290، القاموس المحيط 1: 318، أساس البلاغة: 254، المفردات في غريب القرآن: 280، المصباح المنير: 339، معيار اللغة 1: 315.

(1) انظر معجم مقاييس اللغة 3: 287، لسان العرب 7: 344.

(2) المعتبر 1: 372.

(3) بحار الأنوار 78: 143.

(4) لم نعثر عليه في الوسيلة و لكن نقل عنه في الجواهر و لعلّ الصحيح هو الوسائل.

انظر جواهر الكلام 5: 122، وسائل الشيعة 3: 352، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، ذيل

الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 145

فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً «1» و

قول النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً علىٰ صعيد واحد» «2»

أي أرض واحدة؛ لعدم تناسب التراب «3».

و عن جمع من أهل اللغة: «أنّه التراب» ك «الصحاح» و الأصمعي و أبي عبيدة «4» بل عن ظاهر «القاموس» و بني الأعرابي و عبّاس و فارس «5» بل عن السيّد حكايته عن أهل اللغة «6».

و يظهر من بعضهم الاشتراك اللفظي بين التراب الخالص و مطلق وجه الأرض، بل و الطريق لا نبات فيه، قال في «مجمع البحرين»: «و الصعيد: التراب الخالص الذي لا يخالطه سَبَخ و لا رمل نقلًا عن «الجمهرة» «7». و الصعيد أيضاً: وجه الأرض تراباً كان أو غيره، و هو قول الزجّاج .. حتّى قال: لا أعلم اختلافاً بين أهل اللغة في ذلك، فيشمل الحجر و المدر و نحوهما. و الصعيد أيضاً: الطريق لا نبات فيها. قال الأزهري: و مذهب أكثر العلماء أنّ «الصعيد» في قوله تعالىٰ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً هو التراب الطاهر الذي علىٰ وجه الأرض، أو خرج من باطنها» «8» انتهىٰ ما في «المجمع».

______________________________

(1) الكهف (18): 40.

(2) تفسير عليّ بن إبراهيم 2: 64، بحار الأنوار 7: 101/ 9.

(3) المعتبر 1: 373، جواهر الكلام 5: 122.

(4) الصحاح 2: 498، انظر جمهرة اللغة 2: 654، معجم مقاييس اللغة 3: 287.

(5) القاموس المحيط 1: 318، تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس: 71، معجم مقاييس اللغة 3: 287.

(6) انظر المعتبر 1: 372 373.

(7) جمهرة اللغة 2: 654.

(8) مجمع البحرين 3: 85.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 146

بل في «المنجد»:

«الصعيد: التراب، القبر، الطريق، ما ارتفع من الأرض» «1».

و ما قيل: «إنّ الاشتراك اللفظي كذلك أي بين مطلق وجه الأرض و التراب بعيد، بل إذا دار الأمر بين اللفظي و المعنوي يقدّم الثاني» «2» ناشئ من تخيّل أنّ وقوع الاشتراك اللفظي في الألسن من واضع واحد أو طائفة واحدة، لكن الظاهر أنّ الاشتراك حاصل من ضمّ الطوائف بعضها إلىٰ بعض، و اختلاط اللغات، كاختلاط لغة العرب بالعجم؛ لأجل سلطة الأعراب و اختلاطهم مع غيرهم، فربّما نسي بعض اللغات من إحدى الطائفتين، و قامت اللغة الأُخرىٰ مقامه، و ربّما بقيت اللغتان، فبقي لمعنىً واحد لفظان أو أكثر من اختلاط الطوائف، فيظنّ من ذلك الاشتراك اللفظي البعيد أو المرجوح.

و كيف كان: لا يمكن لنا الاتكال في معنى «الصعيد» علىٰ قول أهل اللغة مع هذا الاختلاف الفاحش بينهم؛ فإنّ حجّية قولهم أمّا لحجّية قول أهل الخبرة، فمع اختلافهم و تعارض أقوالهم تسقط عنها، أو للاطمئنان و الوثوق منه، فلا يحصل معه. و دعوى الزجّاج عدم الاختلاف بين أهل اللغة، يردّها قول من عرفت من كونه التراب الخالص، أو الاشتراك بينه و بين غيره.

كما أنّ الاستدلال علىٰ كونه مطلق وجه الأرض بقول اللّٰه تعالىٰ صَعِيداً زَلَقاً و قول النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في النبوي المتقدّم، في غير محلّه؛ لعدم جريان أصالة الحقيقة مع معلوميّة المراد و الشكّ في الوضع، و إنّما هي حجّة في تشخيص المراد بعد العلم بالوضع.

و كذا دعوى الانصراف إلى التراب الخالص لكونه الفرد الغالب الشائع في غير محلّها، لمنع تحقّق الشيوع الموجب له، كما أنّ «الأرض» لا تنصرف إليه.

______________________________

(1) المنجد: 424.

(2) المعتبر 1: 373، جواهر الكلام 5: 127.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 2، ص: 147

الاستدلال لتعيين المراد من قوله صَعِيداً بكلمة مِنْهُ

و قد يستدلّ «1» لتشخيص المراد من «الصعيد» في الآية التي في المائدة بلفظة مِنْهُ بدعوىٰ أنّ المتبادر منها هو المسح ببعض الصعيد؛ لظهور رجوع الضمير إليه و عدم إمكان المسح بجميعه، فلا بدّ من المسح ببعضه، و لا يمكن ذلك إلّا بإرادة التراب منه؛ لحصول العلوق به، دون الحجر و مثله؛ سواء كان الاستعمال علىٰ وجه الحقيقة أو المجاز. و المقصود في المقام إثبات المطلوب، لا إثبات المعنى الحقيقي.

و فيه: أنّ المحتمل بدواً فيها كون الضمير راجعاً إلى «الصعيد» و كون «مِنْ» ابتدائية، و عليه يكون معنى الآية: «تيمّموا و اقصدوا صعيداً، فإذا انتهيتم إليه فارجعوا منه إلىٰ مسح الوجوه و الأيدي» فيكون الصعيد منتهى المقصود أوّلًا، فإذا انتهى المكلّف إليه صار مبدأ الرجوع إلىٰ عمل المسح، فاستفيد منها عدم جواز مسح الوجه و اليد على الأرض و عدم جواز التمرّغ و التمعّك، كما فعل عمّار (رضى اللّٰه عنه) فكأنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حين قال: «هكذا يصنع الحمار، و إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» «2» أراد تفهيم أنّ المستفاد من الآية خلاف ما فعله.

بل يستفاد منها كون اليد آلة المسح، و طريق الاستفادة أنّه إذا أمر بالمسح بعد الانتهاء إلى المقصد و هو الصعيد، و الرجوع منه إلىٰ مسح الوجه و الأيدي، يعلم أنّ المسح باليد؛ فإنّها الآلة المتعارفة للعمل، و بهذا يعلم أنّ المسح بباطن

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 120.

(2) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 148

الكفّ لكونه

الآلة المتعارفة، و بعد كون باطنها آلته يعلم أنّ الممسوح غيره، تأمّل. نعم لا يستفاد منها أنّ الممسوح ظاهرها.

و لعلّ هذا الوجه بالتقريب المتقدّم، أقوى الوجوه و أنسبها.

و يحتمل أن تكون «مِنْ» تبعيضية، مع رجوع الضمير إلى «الصعيد». كما يدّعي المدعي، فيكون المعنىٰ: «و امسحوا بوجوهكم و أيديكم بعض الصعيد» فحينئذٍ لا يتضح من الآية أنّ آلة المسح اليد؛ لإمكان أن تكون الآلة نفس بعضه؛ بأن يرفع حجراً أو مدراً و يمسح به، أو يضع وجهه على الصعيد و يمسحه به؛ لصدق مسح وجهه ببعض الصعيد، بل لمّا كان بعض الصعيد هو الصعيد؛ لصدق الجنس على الكثير و القليل بنحو واحد، فكأنه قال: «امسحوا بوجوهكم و أيديكم الصعيد» فيكون الصعيد آلة المسح أو الممسوح، و الماسحُ الوجهَ، فيكون مناسباً لما صنع عمّار، لكنّه تخيّل أنّ ما هو بدل الوضوء، عبارة عن وضع الوجه و الأيدي على الأرض، و ما هو بدل الغسل بالمناسبة المرتكزة في ذهنه عبارة عن مسح جميع البدن بالتراب، كما يغسل بالماء.

و هذا الاحتمال مع بعده لأنّ لازمه اعتبار زائد في الصعيد حتّى يخرجه عن المعنى الجنسي الشامل للقليل و الكثير بنحو واحد؛ و هو لحاظه مجموعاً ذا أبعاض، و هو خلاف الظاهر، و لأنّ الأصل في «من» الابتدائية، علىٰ ما قالوا «1»، و الاستعمال في غيرها بضرب من التأويل، و لأنّ ذكر المسح ببعضه غير محتاج إليه بعد عدم إمكانه بجميع ما يصدق عليه الصعيد، بل غير محتاج إليه مع الإمكان أيضاً؛ لأنّ طبيعة المسح توجد بأوّل مصداقه عرفاً، و الفرض أنّ «الصعيد» اسم جنس صادق على الكلّ و بعضه لا يثبت مدعاهم؛

______________________________

(1) الكافية 2: 320، مغني اللبيب 1: 419، القاموس

المحيط 4: 275.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 149

و هو كون المراد من «الصعيد» هو التراب:

أمّا أوّلًا: فلما عرفت من عدم دليل في ظاهر الآية علىٰ أنّ الماسح الكفّ، بل يمكن أن يكون نفس الصعيد برفع بعضه إلى الوجه، و هو يشعر بخلاف مطلوبهم، و أن يكون المراد مسح الوجه على الأرض، نظير ما صنع عمّار. و المنظور الآن هو النظر في نفس الآية، لا الأدلّة الخارجيّة و المرتكزات الحاصلة من معهودية كيفية التيمّم، و إلّا يكون مطلوبهم واضح البطلان، كما يأتي التنبيه عليه «1».

و أمّا ثانياً: فلأنّ وجه الأرض لا ينحصر بالتراب و الحجر حتّى يثبت مطلوبهم، بل كثير من الأراضي يكون لها علوق مع عدم كونها تراباً، كالجصّ و النورة و الرمل، بل و الحجر المسحوق و غيرها.

و يحتمل أن تكون «مِنْ» للتأكيد، كقوله تعالىٰ مٰا جَعَلَ اللّٰهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ «2»، و قوله وَ تَرَى الْمَلٰائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ «3»، فيكون المعنىٰ: «فامسحوا بوجوهكم و أيديكم الصعيد» و هذا الاحتمال إن لم يكن أقرب من الاحتمال المتقدّم لعدم لزوم التصرّف في «الصعيد» بما مرّ من لزومه علىٰ ذاك الاحتمال فلا أقلّ من مساواته معه، و يأتي فيه ما مرّ آنفاً في فرض ذاك الاحتمال.

و ما قيل: «إنّ مجي ء الحرف للتأكيد خلاف الظاهر، و الأصل أن تستعمل في معنى من المعاني» غير مسلّم إذا كان سائر المعاني خلاف ما وضع له، كما يظهر منهم هاهنا من أنّ الأصل فيها الابتدائية، بل عن السيّد: «أنّ كلمة «من»

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 153.

(2) الأحزاب (33): 4.

(3) الزمر (39): 75.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 150

ابتدائيّة، و أنّ جميع النحويّين من البصريّين منعوا ورود «من» لغير الابتداء» «1».

نعم، لو ثبت اشتراكها بين المعاني المذكورة لها، يكون المجي ء للتأكيد خلاف الأصل، لكنّه غير معلوم.

و يحتمل أن تكون بدلية، مع رجوع الضمير إلى «الماء» و هذا الاحتمال أيضاً لا يقصر من احتمال كونها تبعيضية.

و يحتمل أن تكون ابتدائية، و الضمير راجعاً إلى «التيمّم».

و أن تكون سببية، و الضمير راجعاً إلى الحدث المستفاد من سوق الآية.

أو يكون مساقها مساق

قوله: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» «2» ..

إلى غير ذلك من الاحتمالات التي بعضها أقرب من التبعيضية أو مساوٍ لها.

الاستدلال لتعيين المراد من قوله تعالىٰ صَعِيداً بصحيحة زرارة

و قد يستدلّ «3» لتعيين المراد من الآية

بصحيحة زرارة: أنّه قال لأبي جعفر (عليه السّلام): أ لا تخبرني من أين علمت و قلت: «إنّ المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين»؟ .. إلىٰ أن قال: «فلمّا وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحاً؛ لأنّه قال بِوُجُوهِكُمْ ثمّ وصل بها وَ أَيْدِيَكُمْ ثمّ قال مِنْهُ أي من ذلك التيمّم؛ لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجرِ على الوجه؛ لأنّه يعلق

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 225/ السطر 15.

(2) الكافي 3: 57/ 3، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

(3) ذخيرة المعاد: 103/ السطر 21 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 151

من ذلك الصعيد ببعض الكفّ، و لا يعلق ببعضها» «1».

بدعوىٰ: أنّ المراد من «التيمّم» ما يتيمّم به؛ لبعد الرجوع إلىٰ ذات التيمّم المستفاد من قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً فيتناسب التعليل مع تبعيضية «مِنْ» فكأنه قال: «التيمّم من بعض الصعيد؛ لعدم إجراء جميعه على الوجه، لعلوقه ببعض اليد لا تمامها» فحينئذٍ يتمّ المطلوب؛

و هو كون «الصعيد»: التراب.

و يرد عليه ما يرد على الاستدلال بالآية بعد تسليم تمامية جميع المقدّمات-: و هو عدم اختصاص العلوق بالتراب، فهذه الصحيحة و الآية الكريمة بعد تسليم ما ذكر تدلّان علىٰ لزوم كون التيمّم بما يصلح أن يعلق منه في الجملة باليد بضربها عليه، كالرمل و الجصّ و النورة و الحجر المسحوق. بل تدلّان حينئذٍ علىٰ لزوم كون المسح بما يصدق عليه «الصعيدُ» في الجملة؛ أي و لو لم يلزم الاستيعاب، فلا يجوز النفض اللازم منه عدم بقاء ما يصدق عليه الصعيد و التراب؛ ضرورة أنّ الغالب أن يكون الباقي بعد النفض أثر الأرض و التراب، لا نفسهما و جنسهما؛ للفرق بين الأثر الباقي بعد النفض و بين التراب، كالفرق بين النداوة و الماء، و سيأتي الكلام فيه «2».

هذا مع ممنوعية كون المراد من «التيمّم» ما يتيمّم به؛ لوضوح كون عناية أبي جعفر (عليه السّلام) برجوع الضمير إلى «التيمّم» و عدم رجوعه إلى «الصعيد» فلو أراد الرجوع إلىٰ ما يتيمّم به لكان اللازم أن يقول: «من ذلك الصعيد» مع ذكره في الآية لئلّا يصير الكلام المعجز كاللغز؛ لأنّ عدمَ رجوعه إلى «الصعيد» المذكور في الكلام، و الرجوعَ إلى «التيمّم» الغير المذكور، و إرادةَ ما يتيمّم به من «التيمّم»

______________________________

(1) الكافي 3: 30/ 4، الفقيه 1: 56/ 212، تهذيب الأحكام 1: 61/ 168، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

(2) يأتي في الصفحة 160.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 152

ثمّ إرادةَ الصعيد ممّا يُتيمّم به، أشبه بالاحْجِيّة من الكلام المتعارف، فلا محيص عن إرجاعه إلىٰ نفس التيمّم بناءً علىٰ هذا التفسير.

فلا محالة يكون ذلك

لنكتة، و لعلّها إفادة أنّ المسح بالوجه و الأيدي، لا بدّ و أن يكون من ذلك التيمّم الذي هو كناية عن ضرب الأرض، فكأنه لإفادة لزوم حفظ العلاقة العرفيّة؛ و عدم التأخير أو الاشتغال بأمر رافع للربط بين المسح و الضرب على الأرض، فإن ضرب كفّيه على الأرض و غسلهما مثلًا فمسح بهما وجهه، لم يكن مسحه من ذلك التيمّم، و كذلك لو فصل بين الضرب و المسح بما يقطع العلاقة العرفية.

و أمّا التعليل في الصحيحة، فالظاهر أن يكون لعدم رجوع الضمير إلى «الصعيد» حتّى يتوهّم منه لزوم المسح به مع عدم إمكانه، فكأنه قال: «إنّما قلنا: من ذلك التيمّم لا من الصعيد؛ لعدم إمكان المسح منه، لعدم إجرائه على الوجه؛ لأنّه يعلق منه ببعض الكفّ، و لا يعلق ببعض».

و ما ذكرنا في توجيه الرواية و إن لا يخلو من بُعد و ارتكاب خلاف ظاهر، لكنّه أهون من القول: بأنّ المراد من «التيمّم» ما يتيمّم به؛ فإنّ النفس لا ترضى بانتسابه إلىٰ متعارف الناس، فضلًا عن أفضلهم علماً و فصاحة، فضلًا عن الانتساب إلى الوحي المعجز، فلا بدّ من إبقاء «التيمّم» علىٰ ظاهره و توجيه التعليل، و مع العجز فردّ علمه إلىٰ أهله.

و فيها احتمالات أُخر يطول بنا البحث في الخوض فيها.

لكن في الذهن شبهة: و هي أنّه مع إبقاء ظاهر الآية علىٰ حاله، و رجوع الضمير إلى «الصعيد» و إرادة الابتدائية من كلمة «مِنْ» يتضح ما يراد بالرواية بالتوجيه الذي ذكرناه، فلا تتوقّف إفادة ما ذكر علىٰ رجوع الضمير إلى «التيمّم» فلو كان المراد: «امسح من الصعيد» أي مبتدئاً منه إلىٰ مسح الوجه يفهم منه

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص:

153

عرفاً ما يفهم من رجوعه إلى «التيمّم» فلا بدّ من نكتة أُخرى فيه غير ما تقدّم، فلعلّها لإفادة كون المسح على الوجه و الأيدي جميعاً من ذلك التيمّم؛ أي عدم لزوم تجديد الضرب، أو عدم جوازه.

و لعلّ التعليل علىٰ هذا الاحتمال أقرب؛ بأن يقال: إنّ المراد منه إفادة أنّ الضرب الثاني لا يحصل به إلّا ما يحصل بالضرب الأوّل، و لا يعلّق الصعيد علىٰ جميع اليد حتّى يجري على الوجه، بل يعلق علىٰ بعضه، فلا يلزم العلوق، بل ما لزم هو كون المسح من ذلك التيمّم، و هو حاصل بالضرب الأوّل.

و بالجملة: ليس اللازم في المسح أن يكون بأجزاء الأرض؛ لأنّه غير ممكن في التيمّم، لأنّ الأجزاء لا تعلق بجميع اليد حتّى تجري على الوجه، بل اللازم أن يكون من التيمّم، و هو حاصل بالضرب الأوّل من دون تكرار.

و لعلّ هذا مراد الشهيد في محكي «الذكرى» في ذيل الرواية بقوله: «و هذا الصحيح فيه إشارة إلىٰ عدم اعتبار العلوق» «1» و هو كذلك؛ لأنّ فيها إشارة إلىٰ أنّ المعتبر هو العلاقة، لا العلوق.

الاستدلال بالسنّة علىٰ كفاية مطلق وجه الأرض
اشارة

ثمّ إنّ الأقوىٰ ما عليه المشهور؛ من كون ما يتيمّم به مطلق وجه الأرض، لا التراب خاصّة؛ لطوائف من الروايات فيها الصحيح و الموثّق، ربّما يستفاد منها أنّ المراد ب «الصعيد» في الآية مطلق وجه الأرض:

منها: [النبويّ المعروف: «جُعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً»]

النبويّ المعروف: «جُعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً» «2».

و هي

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 5: 193، ذكرى الشيعة 2: 262 263.

(2) وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 2 و 3 و 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 154

رواية مشهورة مستفيضة نقلًا، لو لم نقل بتواترها، و لهذا نسبها الشيخ الصدوق (رحمه اللّٰه) إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) علىٰ سبيل الجزم «1»، و لا يمكن ذلك من مثله (رحمه اللّٰه) إلّا مع علمه بصدورها و قد ذكرنا أنّ جواز الاتّكال علىٰ مثل هذا الإرسال بنفسه من مثله لا يخلو من قوّة «2»، فضلًا عن مثل المقام مع استفاضة النقل، فقد رواها الشيخ الكليني في «الكافي» «3» و البرقي في «المحاسن» «4» و الصدوق في «الخصال» بسندين، و في «الأمالي» «5» و ابن الشيخ الطوسي في «مجالسه» «6» و الطبري في «بشارة المصطفىٰ» «7» و الديلمي في «إرشاد القلوب» «8» و الشيخ حسن بن سليمان الحلبي فيما رواه من كتاب «المعراج» «9» و المسعودي في «إثبات الوصية» «10» و الراوندي في «لبّ اللباب» «11» و القاضي في «دعائم الإسلام» «12».

و من هنا قد ينقدح في الذهن وقوع اشتباه

فيما روى الصدوق (رحمه اللّٰه) بسند في غاية الضعف، عن جابر بن عبد اللّٰه قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «قال اللّٰه عزّ و جلّ

______________________________

(1)

الفقيه 1: 155/ 1.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 81.

(3) الكافي 2: 17/ 1.

(4) المحاسن: 287/ 431.

(5) الخصال: 201/ 14، و: 292/ 56، أمالي الصدوق: 179/ 6.

(6) أمالي الطوسي: 484/ 1059.

(7) بشارة المصطفىٰ: 85.

(8) إرشاد القلوب: 410.

(9) انظر مستدرك الوسائل 2: 530، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 9.

(10) إثبات الوصيّة: 99.

(11) انظر مستدرك الوسائل 2: 531، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 11.

(12) دعائم الإسلام 1: 120 121.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 155

جعلت لك و لأُمّتك الأرض كلّها مسجداً، و ترابها طهوراً» «1»

و كذا في مرسلة «عوالي اللآلي» «2».

و أمّا

ما في «مجالس ابن الشيخ» في حديث: «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً؛ أينما كنت أتيمّم من تربتها و أُصلّي عليها» «3»

، فلا يخالف الروايات؛ لأنّ عمله (صلّى الهّٰث عليه و آله و سلّم) يمكن أن يكون لأجل أفضلية التراب لا لتعيّنه، فلا ينافي صدرها، و لا يصلح لتقييد إطلاقه، فضلًا عن سائر المطلقات.

ثمّ إنّ احتمال كون المراد من طهوريّة الأرض طهوريتها من الخبث فإنّها طهور منه في الجملة في غاية الضعف.

بل الاختصاص مقطوع البطلان بعد معروفية التيمّم، و كونه أحد الطهورين «4»، و نزول الوحي به في آيتين «5»، مضافاً إلى التصريح بالتيمّم في بعض الروايات «6».

فلا شبهة في إرادة خصوص التيمّم منه أو الأعمّ، فحينئذٍ يمكن الاستشهاد به لكون المراد من «الصعيد» في الآية هو مطلق الأرض؛ فإنّه ناظر إلى الآيتين

______________________________

(1) الخصال: 425/ 1، علل الشرائع: 127/ 3، مستدرك الوسائل 2: 529، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 3.

(2) عوالي اللآلي 2: 13/ 26 و 208/ 130، مستدرك الوسائل 2: 530، كتاب الطهارة، أبواب

التيمّم، الباب 5، الحديث 8.

(3) أمالي الطوسي: 56/ 50، مستدرك الوسائل 2: 529، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 5.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(5) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(6) وسائل الشيعة 3: 343، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3 و 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 156

الكريمتين، حيث جعل اللّٰه تعالىٰ فيهما الصعيد طهوراً، فيكون بمنزلة المفسّر للآية.

و منها: ما وردت في قضيّة عمّار بن ياسر (رضى اللّٰه عنه)

ففي موثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «أتى عمّار بن ياسر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: يا رسول اللّٰه، إنّي أجنبت الليلة فلم يكن معي ماء.

قال: كيف صنعت؟ قال: طرحت ثيابي و قمت على الصعيد فتمعّكت فيه، فقال: هكذا يصنع الحمار، إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً، فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الأُخرىٰ، ثمّ مسح بجبينيه ..» «1» إلىٰ آخره.

و

في صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام): «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ذات يوم لعمّار في سفر له: يا عمّار، بلغنا أنّك أجنبت، فكيف صنعت؟ قال: تمرّغت يا رسول اللّٰه في التراب».

قال: «فقال: كذلك يتمرّغ الحمار؛ أ فلا صنعت كذا؟! ثمّ أهوىٰ بيديه إلى الأرض، فوضعهما على الصعيد، ثمّ مسح بجبينيه ..» «2»

إلىٰ غير ذلك.

و قد يتوهّم دلالة الصحيحة علىٰ مخالفة «الصعيد» للأرض، حيث قال فيها: «أهوىٰ بيديه إلى الأرض، فوضعهما على الصعيد» فلو كان «الصعيد» هو الأرض لقال: «فوضعهما عليها».

و فيه: أنّه من المحتمل أن يكون ذلك لأجل إفادة أنّ «الصعيد» هو

______________________________

(1) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب

الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

(2) الفقيه 1: 57/ 212، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 157

الأرض؛ فإنّ هذه الطائفة مضافاً إلىٰ دلالتها على المذهب المشهور، يمكن الاستشهاد بها علىٰ كون «الصعيد» في الآية هو الأرض، لا التراب خاصّة؛ فإنّه لا شبهة في أنّ قضية عمّار قضية واحدة حكاها الأئمّة (عليهم السّلام) بتعبيرات مختلفة نقلًا بالمعنى:

ففي رواية: «فوضع يده على المِسْح» «1».

و في اخرىٰ: «فضرب بيديه على الأرض» «2».

و

في ثالثة: «أهوىٰ بيديه إلى الأرض، فوضعهما على الصعيد» «3»

فيظهر منها كون «الأرض» و «الصعيد» واحداً ليصحّ النقل بالمعنى.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ النقل بالأعمّ و الأخصّ غير مضرّ بعد أن لا تكون العناية بنقل ما يتيمّم به، بل بأصل القضيّة، و لهذا قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «فوضع يده على المِسْح».

لكن يظهر من أبي جعفر (عليه السّلام) في نقل القضية عناية بذكر ما يتيمّم به، فراجع ما روي عنه في القضية، فحينئذٍ يتمّ المطلوب؛ و هو كون المراد ب «الصعيد» في الآية هو الأرض لا التراب.

ثمّ إنّه يظهر من قوله: «أ فلا صنعت كذا؟! ثمّ أهوىٰ بيديه ..» إلىٰ آخره و قوله: «هكذا يصنع الحمار، إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ..» إلىٰ آخره، أنّ ما صنع عمّار خلاف المتفاهم من الآية الشريفة، فيحتمل أن يكون مراده إفادة أنّ الآية تدلّ علىٰ أنّ المسح من الصعيد، لا مسح الجسد على

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 6.

(3)

وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 158

الأرض، فتدلّ علىٰ ظهور «مِنْ» في الابتدائية، و إلّا فمع التبعيضية كان الظاهر جواز مسح الأعضاء بالأرض.

إلّا أن يقال: إنّ اعتراض رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عليه لتمرّغه على الأرض في بدل الغسل؛ بتوهّم أنّ المناسب فيه ذلك، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ الآية تدلّ علىٰ أنّ للتيمّم كيفيّة واحدة بدلًا عن الوضوء و الغسل، فَلِمَ تمرّغت؟! مع دلالتها على المسح ببعض الوجه و الأيدي، كما تشهد به

رواية «دعائم الإسلام» عن عليّ (عليه السّلام) و فيها: فقال له: «يا عمّار، تمعّكت تمعّك الحمار، قد كان يجزيك من ذلك أن تمسح بيديك وجهك و كفّيك، كما قال اللّٰه عزّ و جلّ» «4».

لكن الظاهر حتّى من «رواية الدعائم» أنّه أرجع عمّاراً إلىٰ ظاهر الآية، و أنّها دالّة علىٰ أنّ آلة المسح هي اليدان؛ فإنّ قوله فيها: «يجزيك من ذلك أن تمسح ..» إلىٰ أن قال: «كما قال اللّٰه» يدلّ على استفادة ذلك منها. و كذا قوله في صحيحة زرارة: «أ فلا صنعت كذا؟! ثمّ أهوىٰ بيديه إلى الأرض ..» إلىٰ آخره يدلّ علىٰ دلالة الآية علىٰ كيفية التيمّم، و لا بُعد في استفادته منها، كما أشرنا إلى استشمامه منها، و لعلّه يأتي تتمّة لذلك «1».

و منها: عدّة روايات أُخر،

كصحيحة الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «إذا لم يجد الرجل طهوراً و كان جنباً فليمسح من الأرض و ليصلّ، و إذا وجد ماءً فليغتسل، و قد أجزأته صلاته التي صلّىٰ» «2».

______________________________

(4) دعائم الإسلام 1: 120، مستدرك

الوسائل 2: 536، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 2.

(1) يأتي في الصفحة 235 237.

(2) الكافي 3: 63/ 3، وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 159

لكن احتمال كونها بصدد بيان إجزاء الصلاة التي صلّىٰ مع التيمّم، لا في مقام بيان ما يتيمّم به كاحتمال كونها بصدد بيان أنّه مع عدم وجدان الماء، يصحّ التيمّم و لو في سعة الوقت، و لا يجب الصبر إلىٰ آخره، و إهمال بيان ما يتيمّم به غير بعيد. و نظيرها صحيحة ابن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «1».

و

كصحيحة المرادي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في التيمّم قال: «تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» «2».

و

رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في التيمّم: «تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «3».

و احتمال كونهما بصدد بيان كيفية التيمّم؛ أي المسحتين، لا ما يتيمّم به، ضعيف. بل لو سلّم يكون الضرب على الأرض من كيفيّاته، و داخلًا في ماهيّته و مقوّماته.

و كيف كان: لا إشكال في ظهور مثل تلك الروايات في أنّ ما يتيمّم به الأرض. بل لا تبعد استفادة كون المراد من «الصعيد» هو الأرض من مثلها؛ فإنّ الظاهر أنّ كلّها واردة لبيان مفاد الآية، لا بيان تشريع آخر زائداً علىٰ مضمونها وصل إليهم من غير طريقها.

بل يمكن رفع الإجمال عن كلمة «مِنْ» علىٰ فرض إجمالها و تردّدها بين

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 193/ 556، و: 197/ 572، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 7.

(2)

تهذيب الأحكام 1: 209/ 608، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 212/ 615، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 160

الابتدائية و غيرها، و عن ذيل صحيحة زرارة المتقدّمة و تعليلها «1»، فإنّه مع النفض لا يبقى من أجزاء الأرض على الكفّ، و ما بقي من الأثر الضعيف لا تصدق عليه «الأرض» فمع كونها تبعيضية لزم المسح بأجزاء الصعيد، فيقع التنافي بين الآية و الروايات، فمع نصوصية تلك الروايات في مضمونها، يرفع الإجمال المتوهّم «2» عن الآية و الصحيحة و تعليلها.

و توهّم: أنّ لزوم النفض أو رجحانه دليل علىٰ وجوب كون التيمّم بالتراب، لا مطلق الأرض «3» مدفوع بما مرّ «4»: من أنّه لا يدلّ علىٰ مدعاهم، بل لو سُلّم يدلّ علىٰ لزوم كون الأرض صالحةً للعلوق. مع أنّه وارد مورد الغالب؛ فإنّ الأراضي غالباً ذات أجزاء تعلق باليد؛ حتّى مثل أراضي الحجاز التي لا تكون تراباً أو تراباً خالصاً، فلا تصلح مثلها لرفع اليد عن عنوان «الأرض» الظاهر في تمام الموضوعيّة.

و يمكن الاستدلال على المطلوب

برواية زرارة، عن أحدهما قال قلت: رجل دخل الأجَمة ليس فيها ماء، و فيها طين، ما يصنع؟ قال:

«يتيمّم؛ فإنّه الصعيد ..» «5» إلىٰ آخره،

فإنّ الظاهر منها أنّ الطين صعيد، مع أنّه ليس بتراب.

لكن

في مرسلة علي بن مطر قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن الرجل لا يصيب

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 150.

(2) الحدائق الناضرة 4: 243.

(3) جواهر الكلام 5: 121، مصباح الفقيه، الطهارة: 470/ السطر 26.

(4) تقدّم في الصفحة 151.

(5) تهذيب الأحكام 1: 190/ 547، وسائل الشيعة

3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 161

الماء و لا التراب، أ يتيمّم بالطين؟ قال: «نعم؛ صعيد طيّب و ماء طهور» «1».

و هي ظاهرة في أنّ أصل الطين صعيد بقرينة «ماء طهور» فتكون ظاهرة في أنّ الطين ليس بصعيد.

و لكن فيها احتمال آخر: و هو أنّ السؤال عن الأراضي الممطورة التي صارت متطيّنة، و فيها الطين و الأجزاء المائية القليلة التي لا تضرّ بصدق عدم وجدان الماء، و لا بصدق كون الأرض متطيّنة، فيكون المراد بقوله: «صعيد طيّب» هو الطين، و بقوله: «ماء طهور» هو الأجزاء المائية، كما تشاهد في الأراضي الممطورة، و الطرق المطيّنة، فتكون الرواية شاهدة على المشهور.

و هنا احتمال ثالث: و هو أنّ المراد بقوله: «صعيد طيّب و ماء طهور» أنّ ما يتطهّر به إمّا صعيد طيّب، و إمّا ماء طهور، و الطين هو الصعيد الطيّب، فيجوز التيمّم به، و مع هذه الاحتمالات لا يمكن رفع اليد عن ظاهر قوله في رواية زرارة: «فإنّه الصعيد».

هذا مع أنّ إطلاق «الصعيد» على التراب لا يدلّ علىٰ عدم صدقه علىٰ غيره، غاية الأمر إشعاره أو دلالته علىٰ أنّ الطين ليس بصعيد، و مع ذلك يكون رواية زرارة أظهر في دلالتها علىٰ كون الطين صعيداً من دلالة هذه الرواية علىٰ نفيه.

و يمكن الاستشهاد على المطلوب: بأنّ أراضي الحجاز و ما حولها غالباً و غالب الأراضي الجبلية، لا يوجد فيها التراب الخالص، بل ليس فيها إلّا الرمل و الأحجار الصغار، فلو كان المراد من «الصعيد» في الآية التراب الخالص، لكان

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 190/ 549، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب

9، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 162

التيمّم حرجياً على سكّان محلّ نزول الوحي، و هو ينافي شرع التيمّم و

النبويّ المشهور: «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً»

الذي هو في مقام بيان الامتنان. بل لو كان ذلك لشاع و صار مورداً للسؤال و الجواب كثيراً.

الاستدلال بالسّنة على اشتراط خصوص التراب و جوابه
اشارة

ثمّ إنّه قد يستدلّ «1» لمذهب الخصم بعد إجماع السيّد و «الغنية» «2» بروايات:

منها: [صحيحة محمّد بن حُمران و جميل بن درّاج:]

صحيحة محمّد بن حُمران و جميل بن درّاج: أنّهما سألا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن إمام قوم أصابته جنابة في السفر، و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل، أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟ فقال: «لا، و لكن يتيمّم الجنب و يصلّي بهم؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ جعل التراب طهوراً، كما جعل الماء طهوراً» «3».

بدعوىٰ: أنّه في مقام بيان امتنان اللّٰه على العباد، فلو كان مطلق الأرض طهوراً كان المناسب أن يذكرها؛ فإنّه أدخل في الامتنان. مع إمكان أن يقال: إنّها ناظرة إلىٰ تفسير الآية.

و فيه: أنّ الرواية بصدد بيان صحّة تيمّم المجنب و إمامته مع وجود المتوضّئ، و إنّما ذكر جعل اللّٰه تعالى التراب طهوراً استدلالًا على المقصود؛ من غير نظر إلى امتنان اللّٰه على العباد، و لا إلىٰ تفسير الآية، فلا تدلّ على

______________________________

(1) انظر الحدائق الناضرة 4: 294 295، جواهر الكلام 5: 121، مصباح الفقيه، الطهارة: 470/ السطر 23.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 33، غنية النزوع 1: 51.

(3) الفقيه 1: 60/ 223، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 163

المطلوب إلّا بمفهوم اللقب.

هذا مع أنّه لو كان في مقام الامتنان، لكان المناسب ذكر الأرض علىٰ أيّ حال؛ لأنّها طهور في الجملة.

و عن «روض الجنان» و «الروضة»: «لا قائل بالمنع مطلقاً» «1» و الحقّ ما مرّ «2»، و لهذا ترى أنّ الروايات التي بصدد بيان الامتنان ذكرت فيها «الأرض» و هي ما مرّ من

الحديث المستفيض عن رسول اللّٰه (صلّى

اللّٰه عليه و آله و سلّم): «جعلتْ لي الأرض مسجداً و طهوراً» «3».

و استدلّ أيضاً ب [صحيحة رِفاعة،]

صحيحة رِفاعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه ..» إلى آخره «4»

و نظيرها صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة «5».

بدعوىٰ: أنّ فرض عدم التراب خاصّة، دليل علىٰ عدم جواز التيمّم حال الاختيار بوجه الأرض، و إلّا لكان عليه فرض عدم الحجر أيضاً.

و فيه: أنّه من القريب أن يكون فرض عدم التراب في الأرض التي لها بِلّة لم تصل إلىٰ حدّ الطين؛ لأجل أنّ البلّة لم تنفذ إلىٰ باطن التراب، فمع وجود التراب في الأرض المبتلّة بالمطر القليل مثلًا، يكون التيمّم بالأرض اليابسة

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 528/ السطر 17، روض الجنان: 121/ السطر 1 7، الروضة البهيّة 1: 450.

(2) تقدّم في الصفحة 153.

(3) تقدّم في الصفحة 153.

(4) تهذيب الأحكام 1: 189/ 546، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 4.

(5) الكافي 3: 66/ 4، وسائل الشيعة 3: 356، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 164

ممكناً؛ برفع ظاهر التراب و التيمّم باليابس من الأرض الذي لم تنفذ إليه البلّة، فالصحيحة سيقت لبيان مراتب التيمّم: بأنّه إن أمكن بالأرض اليابسة فهو، و إلّا فبأجفّ موضع منها فالأجفّ؛ إلىٰ أن لا يجد إلّا الطين فيتيمّم به، كما هو المفروض في ذيلها، فلم تكن بصدد بيان تقدّم التراب علىٰ سائر وجه الأرض، بل بصدد بيان تقدّم اليابس علىٰ غيره، و الأجفّ علىٰ غيره، فهي غير مربوطة بالمقام.

و بالجملة: فرض عدم التراب لفرض عدم وجود

الأرض اليابسة، لا لموضوعية التراب مقابل وجه الأرض، فحينئذٍ إن أمكن الالتزام بمضمونها، فلا محيص عن اعتبار المراتب فيما يتيمّم به؛ تراباً كان أو غيره، فالتراب اليابس و الأرض اليابسة مقدّمان علىٰ غيرهما، و الأجفّ مقدّم علىٰ غيره، و مع عدم إمكانه كما هو الحقّ لا بدّ من حملهما علىٰ مراتب الفضل. و ربّما يأتي الكلام فيها «1».

فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ مقتضى الأدلّة صحّة التيمّم اختياراً بمطلق وجه الأرض، و أنّه المراد من «الصعيد» في الآية.

الاستدلال بالإجماع على اشتراط خصوص التراب و جوابه

بقي الكلام فيما نسب إلىٰ «ناصريات السيّد» من دعوى كون «الصعيد» هو التراب، بل دعواه الإجماع عليه، و كذا في إجماع «الغنية» و لا بأس بذكر عبارتهما حتّى يتضح حال النسبة:

قال في «الناصريات» بعد كلام من الناصر: «و الذي يذهب إليه أصحابنا أنّ

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 193.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 165

التيمّم لا يكون إلّا بالتراب، أو ما جرىٰ مجرى التراب؛ ممّا لم يتغيّر تغيّراً يسلبه إطلاق اسم «الأرض» عليه. و يجوز التيمّم بغبار الثوب و ما أشبهه؛ إذا كان ذلك الغبار من التراب أو ما يجري مجراه».

ثمّ حكىٰ أقوال العامّة و تجويز أبي حنيفة التيمّم بالزرنيخ و الكحل و النورة «2»، و مالك بالشجر و ما يجري مجراه «1».

ثمّ قال: «دليلنا علىٰ صحّة مذهبنا الإجماع المتقدّم ذكره، و يزيد عليه قوله تعالىٰ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً و «الصعيد» هو التراب.

و حكى ابن دريد في كتاب «الجمهرة» عن أبي عبيدة معمر بن المثنّىٰ: أنّ «الصعيد» هو التراب الخالص الذي لا يخالطه سَبَخٌ «3»، و قول أبي عبيدة حجّة في اللغة.

و «الصعيد» لا يخلو أن يراد به التراب، أو نفس الأرض و قد

حكي أنّه يطلق عليها أو يراد ما تصاعد على الأرض:

فإن كان الأوّل فقد تمّ ما أردناه.

و إن كان الثاني، لم يدخل فيه ما ذهب إليه أبو حنيفة؛ لأنّ الكحل و الزرنيخ لا يُسمّيان أرضاً بالإطلاق، كما لا يسمّىٰ سائر المعادن من الذهب و الفضّة و الحديد ب «إنّه أرض».

و إن كان «الصعيد» ما تصاعد على الأرض، لم يخلُ من أن يكون ما تصاعد عليها هو منها و يسمّى باسمها، أو لا يكون كذلك، فإن كان الأوّل فقد دخل فيما

______________________________

(2) المبسوط، السرخسي 1: 108.

(1) المجموع 2: 213، حواشي الشرواني 1: 352.

(3) جمهرة اللغة 2: 654.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 166

ذكرناه، و إن كان الثاني فهو باطل؛ لأنّه لو تصاعد على الأرض شي ء من التمر و المعادن، أو ممّا هو خارج عن جوهر الأرض، فإنّه لا يسمّى «صعيداً» بالإجماع.

و أيضاً: ما روي عنه من قوله: «جُعلتْ لي الأرض مسجداً و ترابها طهوراً».

و أيضاً: فقد علمنا أنّه إذا تيمّم بما ذكرناه، استباح الصلاة بالإجماع، و إذا تيمّم بما ذكره المخالف لم يستبحها بإجماع و علم، فيجب أن يكون الاحتياط و الاستظهار فيما ذكرناه.

و لك أيضاً أن تقول: إنّه علىٰ يقين من الحدث، فلا يجوز أن يستبيح الصلاة إلّا بيقين، و لا يقين إلّا بما ذكرناه، دون ما ذكره المخالف» «1» انتهىٰ بطوله.

و أنت خبير: بأنّ صدر العبارة صريح في ذهاب أصحابنا إلىٰ صحّة التيمّم بالتراب و غيره؛ ممّا يطلق عليه اسم «الأرض» و لم يتغيّر تغيّراً مُخرجاً له عن إطلاق اسمها عليه؛ رملًا كان أو جصّاً أو حجراً، و قوله: «ممّا لم يتغيّر ..» إلىٰ آخره بيان لما يجري مجرى التراب، و

موضّح لمقصوده، فاحتمال كون مراده «ممّا يجري مجراه» هو المسحوق من غير التراب ضعيف. مع أنّه مثبت للمدعىٰ في الجملة.

ثمّ إنّه ادّعى الإجماع علىٰ ما ذكره من جواز التيمّم بمطلق ما لا يخرج عن مسمّى «الأرض» أو علىٰ عدم الجواز بما يخرج عنه، في مقابل أبي حنيفة و أشباهه ممّن أجاز التيمّم بالزرنيخ و الكحل أو الشجر و شبهه، فللسيّد كما يظهر من صدر عبارته و ذيلها دعويان

______________________________

(1) الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 244/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 167

إحداهما: صحّة التيمّم بمطلق وجه الأرض.

و ثانيتهما: عدم جوازه بما يخرج عن مسمّاها.

فقد استدلّ على الاولىٰ بالإجماع في أوّل العبارة و أثنائها و آخرها، و بقاعدة الشغل و الاستصحاب، و على الثانية بالآية الكريمة و الحديث النبوي. و ذكرُ محتملات الآية ردّاً علىٰ أبي حنيفة و أضرابه، لا لإثبات الدعوى الاولىٰ و إن كان في بعض فقرأتها إشعار بأنّ التراب ما يتيمّم به، فلا ريب في لزوم ردّه إلىٰ ما هو صريح بصحّته بمطلق الأرض، و لا اغتشاش في عبارته كما ترى.

و هو (رحمه اللّٰه) موافق للمشهور من صحّة التيمّم بالأرض، و توهّم مخالفته له ناشئ من زعم أنّه استدلّ بالآية و الرواية لمذهبه، فاستكشف منه مذهبه، مع أنّ التدبّر في عبارته موجب للاطمئنان بأنّ استدلاله بهما في مقابل الخصم و لدعواه الثانية، لا لمذهبه.

و قال في «الغنية»: «و أمّا التراب فالذي يفعل به التيمّم، و لا يجوز إلّا بتراب طاهر، و لا يجوز بالكحل و لا بالزرنيخ، و لا بغيرهما من المعادن، و لا بتراب خالطه شي ء من ذلك بالإجماع، و قوله تعالىٰ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً و «الصعيد» هو

التراب الذي لا يخالطه غيره» «1».

و الظاهر أنّ دعواه الإجماع، راجعة إلىٰ عدم الجواز بالكحل و الزرنيخ و غيرهما من المعادن، و التراب المخلوط بشي ء منها، لا إلى الجملة الأُولىٰ، و كيف يدّعي الإجماع علىٰ عدم الجواز إلّا بالتراب؛ مع أنّ السيّد (رحمه الهّٰ ) ادعاه علىٰ جوازه بما يجري مجرى التراب؛ أي الأرض، و هو مختار الشيخ، بل لعلّه ادّعى الإجماع عليه «2»؟!

______________________________

(1) غنية النزوع 1: 51.

(2) الخلاف 1: 134 135، المبسوط 1: 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 168

و ربّما يشهد لذلك قوله: «و لا بتراب خالطه شي ء من ذلك» أي الكحل و ما بعده، و إلّا كان عليه أن يقول: «و لا بتراب خالطه شي ء من غيره».

و كيف كان: لم يظهر منه دعوى الإجماع علىٰ عدم الصحّة إلّا بتراب خالص، و لو سلّم فهي موهونة بذهاب المشهور إلىٰ خلافها.

و ربّما يتمسّك لذلك بقاعدة الشغل «1». و هو إنّما يصحّ لو كان المأمور به أو الشرط، هو الطهور المعنوي الذي تكون تلك الأفعال محصّلاته، و هو غير ثابت، بل ظاهر الأدلّة أنّ الشرط للصلاة هو الوضوء و الغسل و التيمّم، و

قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» «2»

لا يدلّ علىٰ أنّه غير تلك العناوين.

نعم، في بعض الروايات إشعار بما ذكر «3» لم يصل إلىٰ حدّ الدلالة، و لا يقاوم سائر الأدلّة.

هذا مع أنّه لو سلّم فلا مجال للأصل في مقابل ما عرفت.

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 298.

(2) وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1 و 6.

(3) وسائل الشيعة 1: 367، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص:

169

الأمر الثاني في اشتراط التيمّم بما لا يخرج عن مسمّى «الأرض»

اشارة

لا يصحّ التيمّم بما خرج عن مسمّى «الأرض» كالمعادن الخارجة عن مسمّاها، مثل الزرنيخ و الملح و الكحل و الأحجار الكريمة و الذهب و الفضّة، و كالنبات و الشجر بلا إشكال و لا خلاف، إلّا المحكي عن ابن أبي عقيل من تجويزه «بالأرض و بكلّ ما كان من جنسها، كالكحل و الزرنيخ، لأنّه يخرج من الأرض» «1».

و الظاهر من قوله: «من جنسها» ما لا يخرج عن مسمّاها، فيوافق المشهور، و إن كان تمثيله بما ذكر و تعليله ربّما ينافيان ذلك. و لعلّ مراده من «الخروج من الأرض» بنحو خاصّ منه بما لا ينافي كونه من جنسها، فيكون موافقاً للحكم الكلّي للقوم، و تمثيله بما ذكر من تعيين المصداق، لا الاختلاف في الفتوىٰ و إن لا يخلو من بعد.

و كيف كان: يدلّ على المطلوب الإجماعات المنقولة «2» و الشهرة المحقّقة «3» و ظواهر الأدلّة الدالّة علىٰ أنّ ما يتيمّم به هو الأرض و الصعيد، و ما خرج عن مسمّاها و لا يكون صعيداً و أرضاً لا يصحّ التيمّم به «4».

______________________________

(1) انظر المعتبر 1: 372.

(2) انظر جواهر الكلام 5: 130، الخلاف 1: 134 135، غنية النزوع 1: 51، منتهى المطلب 1: 141/ السطر 32.

(3) المعتبر 1: 372، قواعد الأحكام 1: 22/ السطر 23، كشف اللثام 2: 449.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 349، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 170

و لا يخفىٰ: أنّ الميزان في عدم الجواز هو ما ذكرنا، و أمّا عنوان «المعدن» فليس في شي ء من الأدلّة موضوعاً للحكم. بل يظهر من الإجماعات المنقولة: أنّ المناط هو الخروج عن مسمّاها من غير دخالة لعنوان المعدن،

ففي «المنتهىٰ»: «لا يجوز التيمّم بما ليس بأرض على الإطلاق، كالمعادن و النبات المنسحق و الأشجار ..» إلىٰ أن قال: «و هو مذهب علمائنا» «1».

ثمّ قال في الفرع الثاني من التفريعات: «و منع ابن إدريس من التيمّم بالنورة «2»، و هو الأقرب؛ لأنّها معدن، فخرجت عن اسم الأرض» «3».

و عليه يحمل إجماع «الخلاف» و «الغنية» «4» لأنّهما مثّلا بالكحل و الزرنيخ و بغيرهما من المعادن، و الظاهر من كلامهما أنّ مرادهما من المعادن من قبيل الكحل و الزرنيخ الخارجين عن مسمّى «الأرض» لا أنّ عنوان «المعدن» بما هو دخيل في الحكم حتّى نحتاج إلىٰ تشخيص مفهومه و مصاديقه، فيجوز التيمّم بما لم يخرج عن مسمّاها؛ و لو صدق عليه عنوان «المعدن» كالتراب الأحمر و حجر الرحى و المرمر و طين الرأس و الأرمني، و غيرها من المعادن الصادق عليها «الأرض».

الاستدلال علىٰ عدم الاشتراط و جوابه

و قد يستدلّ «5» علىٰ جوازه بمطلق ما خرج من الأرض و كان أصله منها و إن تبدّل بحقيقة أُخرى

برواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 141/ السطر 32.

(2) السرائر 1: 137.

(3) منتهى المطلب 1: 142/ السطر 7.

(4) الخلاف 1: 134 135، غنية النزوع 1: 51.

(5) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 471/ السطر الأخير.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 171

عليّ (عليهم السّلام): «أنّه سئل عن التيمّم بالجصّ، فقال: نعم.

فقيل: بالنورة؟ فقال: نعم.

فقيل: بالرماد؟ فقال: لا؛ إنّه ليس يخرج من الأرض، إنّما يخرج من الشجر» «1».

و

في رواية «الجعفريّات» قيل: هل يتيمّم بالرماد؟ قال: «لا؛ لأنّ الرماد لم يخرج من الأرض» «2».

و

في رواية الراوندي: «و لا يجوز بالرماد؛ لأنّه لم يخرج من الأرض» «3».

دلّت تلك الروايات علىٰ أنّ

العلّة في عدم جواز التيمّم برماد الشجر عدم خروجه من الأرض، فلو خرج منها لم يكن مانع منه.

و أُورد عليه: بأنّه لا يدلّ التعليل إلّا على المنع من كلّ ما لم يخرج من الأرض، و أمّا الجواز بكلّ ما خرج منها فلا، و إلّا لفهم منه جوازه بالنباتات «4».

و فيه: بعد بطلان النقض بالنباتات؛ فإنّها نابتة من الأرض عرفاً، لا متبدّلة منها و منقلبة عنها، و المراد من «الخروج منها» في الرواية كخروج الرماد من الشجر، لا كخروج النبات من الأرض، و هو واضح أنّ ذلك وارد لو أُريد الاستدلال بمفهوم التعليل؛ بدعوىٰ دلالته على الحصر و الانتفاء عند الانتفاء؛

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 187/ 539، وسائل الشيعة 3: 352، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 8، الحديث 1.

(2) الجعفريّات، ضمن قرب الإسناد: 24، مستدرك الوسائل 2: 532، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 6، الحديث 1.

(3) نوادر الراوندي، ضمن الفصول العشرة: 50، مستدرك الوسائل 2: 533، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 6، الحديث 2.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 472/ السطر 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 172

ضرورة أنّ مقتضى إطلاق التعليل و إن كان تمام الموضوعية و العلّية التامّة، لكن لا يقتضي ذلك انحصار العلّة، فيمكن أن يقوم شي ء آخر مقامها في نفي الجواز.

و أمّا لو أُريد الاستدلال بأنّه إذا كان عدمُ الخروج من الأرض المراد به بحسب ظاهر الروايات عدم الانقلاب منها علّةً لعدم جواز التيمّم بالرماد، فلا يمكن أن يكون التبدّل و الخروج من الأرض أيضاً علّة لعدم الجواز، فالاستدلال علىٰ عدم جوازه بالمعادن بأنّها خارجة عن مسمّى الأرض؛ ينافي مفاد الروايات.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ التعليل و إن لم يدلّ على الانحصار،

و يمكن قيام علّة أُخرى مقامها، لكن لا يمكن قيام نقيض العلّة مقامها في العلّية لشي ء واحد، فتدلّ الروايات علىٰ جوازه بكلّ ما خرج من الأرض، و لا يكون الخروج منها مانعاً عنه.

إن قلت: هذا إذا أُريد بقوله: «لم يخرج من الأرض» أنّه لم ينقلب منها، و أمّا لو أُريد منه أنّه لم تكن مادّته من الأرض، فلا ينافي قول الفقهاء؛ بتقريب أنّ عدم الجواز معلول لعلّتين؛ إحداهما: عدم كون مادّة الشي ء من الأرض، كما دلّت الروايات «1»، و الثانية: عدم كون صورته من الأرض؛ أي الخروج من مسمّاها، كما ذكره الفقهاء «2».

قلت: لا يمكن جعل الشيئين علّة فعلية لشي ء إلّا إذا أمكن افتراقهما في الجملة، فإذا كان تبدّل صورة الأرض و عدم الخروج عن مادّتها، علّتين لعدم

______________________________

(1) تقدّمت الروايات في الصفحة 171.

(2) الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 225/ السطر 3، منتهى المطلب 1: 141/ السطر 32، كشف اللثام 2: 448، جواهر الكلام 5: 130 131.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 173

الجواز، فلا بدّ من الالتزام بأنّه إذا لم يخرج الشي ء من الأرض لا يجوز التيمّم به و لو صدق عليه مسمّاها، و هو كما ترى؛ ضرورة صحّة التيمّم بالتراب كتاباً و سنّةً و إجماعاً و لو كان أصله غير الأرض.

و لو قيل: إنّ الخروج من غير الأرض أو عدم الخروج منها، علّة في صورة خروج صورته منها.

يقال: إنّ تبديل الصورة الأرضية بغيرها علّة حسب الفرض، فعليّة عدم الخروج من مادّة الأرض غير معقول، و جعلها لغوٌ لو كانت مجعولة.

مضافاً إلىٰ أنّ التعليل في الروايات بعدم الخروج من الأرض مع أنّ الرماد خارج عن مسمّاها، و لا تصدق «الأرض» عليه يدلّ

علىٰ أنّ ما هو العلّة هو عدم الخروج من الأرض، لا عدم صدق «الأرض» عليه، و إلّا لكان الأولىٰ بل المتعيّن التعليل به؛ بأن يقال: «إنّه ليس من الأرض» فترك التعليل بالصفة النفسية، و التعليل بأصله و مادّته، دليل علىٰ عدم علّية الخروج عن مسمّاها له.

فلو كانت الروايات حجّة معتبرة، لكان اللازم الالتزام بعدم مانعية تبدّل صورة الأرض، بل الاعتبار بالأصل و المادّة، لا بالصورة؛ لإمكان أن يقال بحكومة تلك الروايات على الآية الكريمة و الروايات الدالّة علىٰ لزوم التيمّم بالأرض، تأمّل. لكنّها روايات ضعيفة سنداً، شاذّة معرض عنها غير معوّل عليها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 174

الأمر الثالث في عدم صحّة التيمّم بالرماد

لا يصحّ التيمّم بالرماد بلا إشكال و لا خلاف ظاهراً؛ لعدم كونه أرضاً، و تؤيّده الروايات المتقدّمة «1». و كذا لا يجوز بالرماد الحاصل من الحجر و الأرض؛ لعدم صدق «الأرض» عليه، و لا أقلّ من الشكّ فيه، و عدمِ حجّية الروايات الدالّة على الجواز «2»، و عدمِ جريان الاستصحاب فيه؛ لا موضوعاً و لا حكماً؛ لعدم وحدة القضية المتيقّنة و المشكوك فيها، فإنّ الرماد حقيقة غير حقيقة التراب و الحجر عرفاً، و ليس تبدّلهما به تبدّل صفة مع بقاء الذات، بل تبدّل حقيقة بأُخرى عرفاً و عقلًا، فما هو حاصل بعد الاحتراق لا يكون بعينه ما هو قبله.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 174

و لو قيل: «إنّ الرماد كان حجراً فصار رماداً» يراد به أنّه كان حجراً قبل تبدّله، و قد تبدّل بشي ء آخر،

أو يراد محفوظيّة المادّة و الهيولى، لا بقاء الحقيقة و التغيّر في الصفة.

نعم، لو فرض في موردٍ عدم التبدّل في الذات كالخزف و الآجرّ و نحوهما فلا إشكال فيه.

و مع الشكّ فلا مانع من إجراء الاستصحاب الحكمي، دون الموضوعي: أمّا الأوّل: فلأنّ

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً» «3»

ظاهر في المقام في أنّها مطهّرة، و لا يراد منه أنّها طاهرة و لا مبالغة في الطهارة

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 170 171.

(2) تقدّمت في الصفحة 170 171.

(3) تقدّم في الصفحة 153.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 175

كما احتمل في

قوله: «خلق اللّٰه الماء طهوراً» «1»

فالآجرّ و الخزف قبل طبخهما كانا طهورين بحكم الشارع، فشكّ في ذلك بعد طبخهما فيستصحب. و لا يكون من الاستصحاب التعليقي، بل هو كاستصحاب كرّية الماء و طهارته؛ حيث كان الحكم الشرعي حصول الطهارة بالتيمّم بهما.

و لو كان المراد من قوله: «جعلت لي الأرض .. طهوراً» أنّه إن يتيمّم بها تحصل الطهارة و بعبارة اخرىٰ: يكون مفاده حكماً تعليقياً فلا مانع من استصحابه أيضاً؛ لأنّه في التعليقات الشرعية جارٍ، علىٰ ما هو المحقّق في محلّه «2».

و أمّا عدم الجريان في الموضوعي: فلأنّ ذلك من قبيل الشبهات المفهوميّة، كتردّد مفهوم «اليوم» بين كونه موضوعاً لامتداده إلىٰ ذهاب الحمرة المشرقية، أو إلىٰ سقوط الشمس، فإنّ من المعلوم أنّ الخزف ليس بتراب، و معلوم أنّه خزف، لكن يشكّ في صدق مفهوم «الأرض» عليه من جهة الشكّ في أنّ مفهومها شامل لما طبخ أو لا، و في مثله لا يجري الاستصحاب؛ لأنّ مصبّ أدلّته هو الشكّ في بقاء الشي ء بعد العلم به.

و كذا لا

يجري الاستصحاب في الشبهات الحكميّة التي من قبيلها، كما لو شكّ في أنّ الكرّ شرعاً عبارة عن ثلاثة أشبار و نصف طولًا و عرضاً و عمقاً، أو ثلاثة أشبار، فإذا كان الماء بالمقدار المتيقّن من الكرّ، ثمّ وصل إلىٰ ثلاثة أشبار، لا يجري استصحاب بقاء الكرّ؛ لأنّ الموضوع معلوم؛ أي يعلم أنّه ليس بالحدّ الأوّل، و يعلم أنّه بالحدّ الثاني، فليس الشكّ في بقاء ما علم، بل في تطبيق العنوان عليه شرعاً، و في أنّ الشارع جعل الكرّ أيَّ الحدّين، و في مثله لا يجري الأصل.

______________________________

(1) المعتبر 1: 40 و 41، وسائل الشيعة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 9.

(2) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 131.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 176

الأمر الرابع في جواز التيمّم بالجصّ و النورة

يجوز التيمّم بالجصّ و النورة قبل احتراقهما، كما عن المشهور «1»؛ لصدق عنوان «الأرض» عليهما. و لا مضايقة في صدق «المعدن» عليهما؛ لما عرفت «2» من عدم دليل على اعتبار عدم المعدنية، بل المناط عدم الخروج عن مسمّى «الأرض» فالمانع إن يدّعِ الخروج عن مسمّاها، فهو محجوج بالعرف و اللغة، و إن يدّعِ معدنيّتهما، فهو محجوج بأنّ المعدنية غير مضرّة.

و أمّا التفصيل بين حال الاختيار و الاضطرار فلا وجه له؛ لأنّهما لو خرجا عن صدق «الأرض» فلا يصحّ التيمّم بهما مطلقاً، و إلّا فيصحّ كذلك، و لا دليل على التفصيل فيهما، كما في مثل الطين و الغبار.

نعم، قد ذكرنا سابقاً: أنّ صحيحة رِفاعة تشعر بالتفصيل بين التراب و غيره، لكن قد عرفت: أنّ الأظهر كونها في مقام بيان الترتيب بين اليابس و الجافّ و الأجفّ «3».

و كذا يجوز التيمّم بهما بعد احتراقهما؛ لصدق عنوان «الأرض»

و عدم الخروج عن مسمّاها بمجرّد الطبخ، و مع الشكّ يرجع إلى الاستصحاب الحكمي لا الموضوعي، كما مرّ «4».

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 8/ السطر 25، جواهر الكلام 5: 132، مصباح الفقيه، الطهارة: 472/ السطر 22.

(2) تقدّم في الصفحة 170.

(3) تقدّم في الصفحة 163 164.

(4) تقدّم في الصفحة 174.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 177

الأمر الخامس في اشتراط إباحة ما يتيمّم به

يشترط فيما يتيمّم به أن يكون مباحاً، فلا يجوز التيمّم بالمغصوب إجماعاً، كما عن «التذكرة» «1» و عقلًا إن كان الضرب على الأرض داخلًا في حقيقته، كما هو الظاهر؛ لعدم تعدّد العنوان و الجهة معه؛ و إن أمكن أن يقال: إنّ بين عنواني «الضرب على الأرض» و «التصرّف في مال الغير عدواناً» عموماً من وجه، فهما عنوانان متصادقان علىٰ موجود واحد، فما هو الحرام التصرّف عدواناً، و ما هو جزء التيمّم هو الضرب على الأرض، و هو عنوان آخر غيره، و لهذا يفترقان بالضرب على الأرض المباحة، و بالتصرّف بغير الضرب في الأرض المغصوبة، تأمّل.

و كيف كان: لو فرض صحّته فبمقتضى القاعدة، لكن الالتزام بها في غاية الإشكال، بل غير ممكن؛ لتسلّمه بين الأصحاب، و للإجماع المدعىٰ؛ و إن أمكن المناقشة في مثل هذا الإجماع الذي للعقل فيه مدخل و يمكن اتكال المجمعين علىٰ حكمه: إمّا بعدم جواز الاجتماع و ترجيح جانب النهي، أو دعوى أنّ المبعّد لا يمكن أن يكون مقرّباً و لو مع جوازه، أو جهات أُخر مرّ بيانها و الجواب عنها «2»، لكن مع ذلك لا محيص عمّا ذهب إليه الجماعة، إلّا أنّ ذلك فيما إذا كانت الأرض مغصوبة.

و أمّا مع مباحيتها و مغصوبية الآنية أو المكان أو غيرهما، فلا يبعد القول بالصحّة علىٰ طبق

القاعدة؛ لبُعد كون المسألة بالنسبة إلىٰ تلك الفروع إجماعية، و الاحتياط سبيل النجاة.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 2: 177.

(2) تقدّم في الصفحة 113 122.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 178

الأمر السادس في اشتراط طهارة ما يتيمّم به

يشترط في الأرض الطهارة، فلا يصحّ التيمّم بالتراب النجس إجماعاً، كما عن «الغنية» و «التذكرة» و «جامع المقاصد» و «شرح الجعفرية» «1» و عن «المنتهىٰ» نفي الخلاف عنه «2»، و عن «المدارك» نسبته إلى الأصحاب «3»، و هو حجّة.

و يدلّ عليه قوله تعالىٰ: صَعِيداً طَيِّباً «4» بناءً علىٰ كونه بمعنى الطاهر، كما عن ابن عبّاس «5»، بل عن «جامع المقاصد» نسبته إلى المفسِّرين «6». و لا يبعد دعوى ظهوره فيه عرفاً بعد عدم كون المراد منه المُستَلَذّ الذي قيل: «إنّه معناه الحقيقي» «7» بمناسبة الحكم و الموضوع، و بكونه على الظاهر مساوقاً للنظيف عرفاً الذي جعل مقابل القذر في بعض الروايات «8»، أو يكون المراد منه مطلق النظيف، خرج منه النجس إجماعاً، و بقي ما هو المقابل للقذر.

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 529/ السطر 5، غنية النزوع 1: 51، تذكرة الفقهاء 2: 177، جامع المقاصد 1: 479.

(2) منتهى المطلب 1: 144/ السطر 30.

(3) مدارك الأحكام 2: 204.

(4) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(5) انظر نهاية الإحكام 1: 198، تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس: 71/ السطر 26.

(6) جامع المقاصد 1: 479.

(7) مجمع البحرين 2: 111.

(8) وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 179

و احتمال كونه مقابل الخبيث «1»، كما في قوله وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبٰاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لٰا يَخْرُجُ إِلّٰا نَكِداً «2» فيكون المراد منه

الأرض النابتة، يُبعده ما مرّ من كون «الصعيد» هو مطلق وجه الأرض بالشواهد المتقدّمة «3»، فلا يبعد دعوى أقربيّة ما ذكرناه أوّلًا و لو بضميمة فهم المفسّرين و الفقهاء.

مع أنّ «الخبيث» ليس لغة بمعنى الأرض غير النابتة، بل بمعنى الردي ء و ما يساوقه «4»، و النجس أيضاً خبيث، و المناسبات المغروسة في الأذهان توجب تعيّن الطيّب المقابل للخبيث في الطاهر المقابل له. و قد اشتهرت النجاسات ب «الأخباث» و «الطهارة من الخَبَث» في مقابل الطهارة من الحدث.

و يؤيّد المطلوب بعض الروايات،

كمرسلة علي بن مطر، عن بعض أصحابنا قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن الرجل لا يصيب الماء و لا التراب، أ يتيمّم بالطين؟ قال: «نعم؛ صعيد طيّب و ماء طهور» «5».

بناءً علىٰ أنّ المراد أنّ الطين صعيد طيّب و ماء طهور، فإنّ الظاهر منها أنّ السؤال من حيث صحّة التيمّم لا صيرورة بدنه نجساً للصلاة، و الجواب عن هذه الجهة، فالرواية دالّة علىٰ صحّته به؛ لكونه كذلك، و لو لا اعتبار الطهور في المتيمّم به لا يكون وجه لتقييده بالطهور، بل في نفس ذكر الطيّب و الطهور إشعار بذلك.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 4: 245.

(2) الأعراف (7): 58.

(3) تقدّم في الصفحة 153.

(4) لسان العرب 4: 9.

(5) تهذيب الأحكام 1: 190/ 549، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 180

و

ما عن «الفقه الرضوي»: «الصعيد: الموضع المرتفع عن الأرض، و الطيّب: الذي ينحدر عنه الماء» «6»

، و عن «معاني الأخبار» تفسير «الطيّب» بما ذكر «7»، و الأخبار الواردة في أنّ الأرض طهور «8»؛ أي طاهرة مطهِّرة، أو مطهِّرة. مع قضاء الارتكاز بأنّ المطهّر لا

بدّ و أن يكون طاهراً.

و الإنصاف: أنّ مجموع ما ذكر يوجب الاطمئنان و إن أمكن الخدشة في غالبها، فلا ينبغي الإشكال في الحكم.

الأمر السابع في امتزاج ما يصحّ التيمّم به بغيره

لو مزج ما يصحّ التيمّم به بغيره، فإن خرج عن صدق «الأرض» باستهلاكه فيما لا يصحّ، أو بالامتزاج علىٰ وجه لا يصدق عليه «الأرض» و إن لم يصدق عليه ما اختلط به أيضاً فلا يصحّ التيمّم به بلا إشكال و لا خلاف ظاهراً، و هو واضح.

و إن لم يخرج عن مسمّاها باستهلاك غير الأرض فيها كما إذا امتزج كفّ من الرماد بأمنانٍ من التراب جاز بلا إشكال؛ للصدق حقيقة عند العرف من غير مسامحة.

و يلحق به بعض الأجزاء الضعيفة التي لا تستهلك عرفاً، مثل الشعرة و بعض ذرات التبن و الحشيش؛ ممّا لا ينفكّ عن الأرض نوعاً؛ للانصراف و عدم فهم

______________________________

(6) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 90.

(7) معاني الأخبار: 283.

(8) وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 2 و 3 و 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 181

العرف من «الصعيد» و «الأرض» إلّا تلك الأراضي المتعارفة، لا لصدق «الأرض» على المجموع من التراب و غيره عرفاً؛ ضرورة أنّ الحبّة الصغيرة كحبّة الجاوَرْس و الخَشْخاش و الأجزاء الصغيرة من التبن و غيره إذا كانت علىٰ وجه الأرض لا يطلق على المجموع «الأرض» أو «التراب» إلّا بنحو من المسامحة حتّى في نظر العرف، و قد مرّ «1» أنّ تشخيص موضوعات الأحكام مفهوماً و مصداقاً و إن كان بنظر العرف، لكن المعتبر لولا القرائن هو الدقّة العرفية لا مسامحته؛ من غير فرق بين التحديدات و غيرها، فإذا وجب التيمّم على الأرض، و لم تكن قرينة

توجب الاكتفاء بالفرد المسامحي المجازي، لزم أن تكون الأرض خالصة عرفاً، و يصدق عليها عنوانها من غير مسامحة؛ تحكيماً لأصالة الحقيقة.

و دعوىٰ: أنّ الأجزاء الصغار ليست ملحوظة لدى العرف بحيالها؛ لكون المجموع مصداقاً للصعيد في الفرض، و لا يعتبر أن يكون كلّ جزء جزء يفرض منه ممّا يقع عليه الاسم «2»، غير وجيهة؛ ضرورة أنّ كلّ جزء إذا لم يكن أرضاً عرفاً، لا يمكن أن يكون المجموع أرضاً إلّا بالمسامحة و التأوّل.

و النقض بمورد الاستهلاك كالفرض الأوّل ليس علىٰ ما ينبغي؛ لأنّ فرض الاستهلاك العرفي ينافي البقاء العرفي؛ و إن كان المستهلك باقياً بالبرهان و العقل البرهاني، أو ترى الأجزاء بآلات مكبّرة، لكن العرف لا يرى المستهلك موجوداً و لو بالدقّة، كاستهلاك الماء في اللبن، و المراد بالاستهلاك في الفرض الأوّل ذلك، فلو رؤيت الأجزاء و ميِّزت يكون من قبيل الثاني.

و بالجملة: إنّ مصداق المفاهيم قد يكون عقلياً برهانياً، أو مشخّصاً بآلات

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 73.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 474/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 182

غير عادية كالمكبّرات، و قد يكون عرفياً حقيقياً من غير مسامحة، و قد يكون عرفياً مسامحياً، و الميزان هو تشخيص العرف بالنظر الدقيق العرفي، و لا ريب في أنّ الأرض إذا خالطها أجزاء صغار غير أرضية تدرك بالبصر، لا يصدق علىٰ مجموعها «الأرض» حقيقة، بل الإطلاق بنحو من المسامحة و تنزيل الموجود الصغير منزلة المعدوم.

و لهذا ترى: أنّ العرف يفرّق بين الموضوعات، فيتسامح في خليط التبن بما لا يتسامح في خليط الحنطة، و يتسامح في خليطها بما لا يتسامح في خليط الزعفران و الذهب، و ذلك دليل على التسامح و غضّ البصر

عن بعض الأُمور، لا لأنّ صدق «التبن» على الخليط حقيقي بخلاف «الزعفران».

لكن قد تقدّم وجود قرائن في بعض المقامات علىٰ أنّ الموضوع للحكم الشرعي هو الموضوع الذي يتسامح فيه العرف، مثلًا إذا أوجب الشارع في زكاة الفطر صاعاً من الحنطة أو الشعير، لا ينقدح في ذهن العرف من وجوب صاعٍ من الحنطة و الشعير في زكاة الفطر، إلّا ما هو المتعارف منهما في سوق البلد، لا الخالص غير المتعارف، فالتعارف يوجب الانصراف إلىٰ ما بين أيديهم من الأفراد و تقع معاملاتهم عليه.

كما أنّ بيع كرّ من الحنطة منصرف إلى المصاديق المتعارفة في سوق البلد، فلو كانت الأفراد المتداولة مخلوطة بمقدار من غير الجنس، لا يجب الأداء إلّا ممّا هو المتعارف، لا لأجل صدق كرّ من الحنطة حقيقة و من غير تسامح على الناقص مع المتمّم من غير جنسها، بل لأجل الانصراف إلى المتعارف و عدم اعتناء العرف بمثل هذا الخليط، و إن لم يتسامح في الأجناس الغالية العزيزة.

و في المقام أيضاً ينصرف الأمر بالتيمّم على الصعيد و التراب إلىٰ ما هو

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 183

المتعارف، الذي لا ينفكّ عن الخليط بما ذكرناه؛ و إن لم يصدق عليه «التراب» أو «الصعيد» عليه من غير تسامح، و لهذا لو كان الخليط غير متعارف مقداراً أو جنساً كوقوع ذرّات من الذهب على الأرض لا يصحّ التيمّم به؛ لعدم تعارف مثل هذا الاختلاط بالأجنبي.

و هذا هو السرّ في الافتراق بين الاختلاط بغير الأرض ممّا هو متعارف، و بين الاختلاط بغير المتعارف، كالاختلاط بشي ء من النجس، أو الاختلاط الاختياري بشي ء غير الأرض؛ لعدم المناط المتقدّم.

و كذا الحال في أشباه المقام، كاختلاط مقدار من

التراب اختياراً في الحنطة لتتميم الصاع، فإنّ هذا النحو من الاختلاط غير متعارف لا ينصرف إليه الدليل، بخلاف الاختلاط الطبيعي غير المنفكّ، و لهذا يفرّق بين إعطاء صاع من الحنطة في زكاة الفطر، و صاع من التمر؛ لاختلاف تعارف الخلط فيهما، فلو كان التمر مخلوطاً بمثل خلط الحنطة أي الخلط بالتراب و الرمل لا يكتفى به في الزكاة؛ لأجل عدم التعارف، بخلاف اختلاطه بما هو المتعارف، كالأخشاب الصغار من ساقاته و جذوعه.

فتحصّل من ذلك: جواز التيمّم بالتراب و الأرض المتعارفين؛ ممّا هو مخلوط بصغار التبن و الحشيش و غيرهما ممّا لا ينفكّ عنه غالباً، بخلاف الاختلاط بالأجنبي و ما هو غير متعارف خلطاً و مخلوطاً؛ و إن كان صغيراً. و ممّا ذكرنا يظهر النظر في كلام بعض أهل التحقيق ممّن قارب عصرنا «1»، فراجع.

و ليعلم: أنّ ما ذكرنا في المقام مبنيّ علىٰ لزوم استيعاب جميع الكفِّ الأرضَ، لكن فيه كلام سيأتي التعرّض له في محلّه «2».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 473/ السطر 31.

(2) يأتي في الصفحة 277.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 184

الأمر الثامن في جواز التيمّم بغبار الثوب و لبد السرج

اشارة

يجوز التيمّم بغبار الثوب و لِبْد السرج و عُرْف الدابّة عند فقد الأرض أو تعذّر الاستعمال، بلا إشكال نصّاً و فتوى. و عن «المعتبر»: «هو مذهب علمائنا و أكثر العامّة» «1».

و تدلّ عليه

صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أ رأيت المُواقِف إن لم يكن علىٰ وضوء، كيف يصنع و لا يقدر على النزول؟ قال: «يتيمّم من لِبْده أو سرجه أو مَعْرَفة دابّته؛ فإنّ فيها غباراً، و يصلّي» «2».

و

موثّقته عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «إن كان أصابه الثلج فلينظر لِبْد سرجه، فليتيمّم من غباره أو

من شي ء معه «5»، و إن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» «3».

و

صحيحة رِفاعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه» قال «4»: «ذلك

______________________________

(1) المعتبر 1: 376.

(2) تهذيب الأحكام 1: 189/ 544، وسائل الشيعة 3: 353، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 1.

(5) لا يبعد أن يكون «معه» مصحَّفَ «مغبَّر»، و لقربهما في الكتب اشتبه الأمر على النسّاخ، و يؤيّده صحيحة رفاعة الآتية. [منه (قدّس سرّه)].

(3) تهذيب الأحكام 1: 189/ 545، وسائل الشيعة 3: 353، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 2.

(4) هكذا في الطبعة الحجرية من الوسائل، و لكن في بقيّة المصادر: «فإنّ» بدل «قال».

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 185

توسيع من اللّٰه عزّ و جلّ».

قال: «فإن كان في ثلج فلينظر لِبْدَ سرجه فليتيمّم من غُباره أو شي ء مُغبر، و إن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» «1».

و

صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كنت في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به؛ فإنّ اللّٰه أولىٰ بالعذر؛ إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لِبْد تقدر أن تنفضه و تتيمّم به» «2».

و ينبغي التنبيه علىٰ أُمور:
عدم اختصاص الحكم بالأمثلة المذكورة في النصوص

منها: أنّه يظهر من تعليل صحيحة زرارة و إطلاق قوله: «أو شي ء معه» في موثّقته، عدمُ اختصاص الحكم بالأمثلة المذكورة في النصوص، بل لولاهما أيضاً لا يفهم منها إلّا التمثيل، و اختصاص تلك الأمثلة بالذكر، لأجل كون المحارب المفروض في الصحيحة الأُولىٰ، و المسافر الذي يكون ظاهراً مفروض سائر الروايات، لا

يكون معهم شي ء مغبّر نوعاً إلّا ما ذكر فيها، فلا يستفاد منها إلّا التمثيل، و تُلغى الخصوصية عرفاً بلا إشكال. كما أنّ الظاهر من النصّ و الفتوىٰ عدم الترتيب بين المذكورات، فتقديم الثوب على اللِّبْد «3» أو العكس «4» ممّا لا وجه له.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 189/ 546، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 4.

(2) الكافي 3: 67/ 1، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 7.

(3) السرائر 1: 138.

(4) النهاية: 49.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 186

عدم جواز التيمّم بالغبار في حال الاختيار

و منها: هل جواز التيمّم بالغبار مشروط بفقد التراب أو مطلق الأرض، كما نسبه في محكيّ «التذكرة» إلىٰ علمائنا «1»، و عن «الكفاية»: «أنّه ظاهر أكثر الأصحاب» «2» و عن «كشف اللثام» كذلك تارة، و أُخرى نسبته إلى الأصحاب «3».

أو لا، فيصحّ التيمّم به اختياراً، كما عن السيّد حيث قال: «يجوز التيمّم بالتراب و غبار الثوب» «4» و عن «المنتهىٰ» و «إرشاد الجعفرية» تقويته؟

لكن لا يستفاد من عبارتهما المنقولة ذلك، بل يمكن أن يكون مرادهما جمع الغبار بمقدار يصدق عليه اسم «التراب» و هي هذه: «إنّ الغبار تراب، فإذا نفض أحد هذه الأشياء عاد إلىٰ أصله، فصار تراباً مطلقاً» «5».

بل يمكن أن يكون مراد السيّد من قوله المتقدّم هو الجواز في الجملة، و لم يكن بصدد بيان نفي الترتيب و عرضية الجواز.

و كيف كان: فالمتبع هو الأدلّة المتقدّمة الخاصّة، و أمّا مقتضى الآية الكريمة «6» و الروايات الدالّة علىٰ أنّ التيمّم بالأرض و التراب «7»، فعدم صحّته بالغبار مطلقاً و لو في حال الاضطرار؛ لعدم صدقهما عرفاً على الشي ء المغبّر أو

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء

2: 180.

(2) كفاية الأحكام: 8/ السطر 30.

(3) كشف اللثام 2: 458 و 459.

(4) الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 33.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 534/ السطر 29، منتهى المطلب 1: 142/ السطر 29.

(6) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(7) راجع وسائل الشيعة 3: 343 و 349، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3 و 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 187

الغبار الذي يعلو السرج و اللِبْد، بل هو أثر التراب لدى العرف، كالرطوبة بالنسبة إلى الماء، فلا بدّ من النظر في تلك الروايات:

فنقول: أمّا صحيحة زرارة فلأحد أن يقول: إنّ مقتضىٰ عموم تعليلها جواز التيمّم بما فيه الغبار مطلقاً، و فرض الراوي عدم القدرة على النزول لا يوجب تنزيل التعليل عليه؛ فإنّ المورد لا يقيّد و لا يخصّص إطلاق التعليل أو عمومه، فكما نتعدّى بعموم التعليل أو إطلاقه إلىٰ كلّ ما فيه الغبار، و نتعدّى إلىٰ كلّ عذر، مع أنّ المورد عدم القدرة على النزول، يمكن أن نتعدّى بعمومه عن مورد التعذّر إلىٰ غيره بعد كون فرض التعذّر في كلام الراوي، فهو بمنزلة أن يقول: «إذا لم يكن عنده تراب كيف يصنع؟» فأجاب:

«بأنّه يتيمّم بالحجر؛ فإنّه أرض»

حيث لا يبعد استفادة أنّ الأرض كالتراب في صحّة التيمّم من غير ترتّب بينهما.

نعم، لو كان تقديره في كلام الإمام كان ظاهراً في التأخّر، كما في قوله:

«إذا كنت لا تجد إلّا الطين فلا بأس أن تتيمّم به».

و احتمال التعدّي و لو علىٰ هذا الفرض فلو قال: «إذا لم تجد التراب فتيمّم بالحجر؛ فإنّه أرض» نحكم بجواز التيمّم بالحجر اختياراً ضعيف؛ للفرق بين قوله: «لا تشرب الخمر؛ لأنّه مسكر» و بين قوله: «إذا لم تجد التراب ..»

إلىٰ آخره، فإنّ الظاهر من فرض عدم التراب، أنّه مع وجوده لا يجوز التيمّم بغيره، نعم لازم التعليل التعدّي من الحجر إلىٰ غيره، لا من فرض العجز عن التراب إلىٰ غيره. و هذا بخلاف ما يكون الفرض في السؤال و في كلام الراوي؛ لإمكان القول بالتعدّي و أنّ تمام الموضوع للجواز هو مورد العلّة، تأمّل.

هذا مع تسليم أنّ المفروض في الصحيحة عدم القدرة على التيمّم بالأرض، لكنّه ممنوع، بل المفروض فيها بحسب الظاهر المتفاهم عرفاً عدم التمكّن من النزول للوضوء؛ فإنّ قوله: «إن لم يكن علىٰ وضوء، كيف يصنع

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 188

و لا يقدر على النزول؟» ظاهر في أنّه لا يقدر على النزول للوضوء بقرينة ذكره، و أمّا فرض عدم التمكّن من النزول للتيمّم، فأمر آخر لا بدّ من فرض فقدان الماء معه، و لم يفرضه. مع أنّ فقدانه نادر، و عدم القدرة على النزول لصرف ضرب الكفّ على الأرض نادر أيضاً، بخلاف عدم القدرة للوضوء؛ لاحتياجه إلىٰ زمان معتدّ به.

فتحصّل من ذلك: أنّ المفروض فيها العذر عن الوضوء، فكأنه قال: «إذا تعذّر النزول للوضوء يتيمّم بلِبْد سرجه؛ لأنّ فيه غباراً» فيدلّ علىٰ أنّه عند فقدان الماء يجوز التيمّم بالغبار. و مجرّد كون المورد من الذي لا يتمكّن من التيمّم على الأرض؛ لو فرض فقدان الماء علىٰ فرض تسليمه لا يوجب تقييد الإطلاق و رفع اليد عن التعليل؛ بعد عدم فرض فقدان الماء.

و أمّا

قوله في موثّقة زرارة: «إن كان أصابه الثلج فلينظر لِبْد سرجه، فليتيمّم من غباره»

و إن كان ظاهراً بدواً في الترتيب، لكن يحتمل أن يكون المقصود التنبيه إلىٰ فرد مغفول عنه، فيكون المراد إفادة

صحّة التيمّم بالغبار؛ لئلّا يتوهّم أنّه مع إصابة الثلج فاقد للمتيمّم به، لا لإفادة الترتيب.

و يؤيّده بل يدلّ عليه: أنّه لو كان بصدد إفادة الترتيب، كان عليه أن يقول: «إن لم يجد التراب» فإنّه مع إصابة الثلج، يمكن له تحصيل التراب و الأرض اليابسة نوعاً؛ من غير حرج رافع للتكليف، خصوصاً في المناطق الباردة التي تكون الأرض تحت الثلج يابسة؛ لمنع البرودة من ذوبان الثلج و صيرورتها مبتلّة، فضلًا عن صيرورتها وَحِلة.

مع أنّ التيمّم بالأرض الندية جائز يدّعىٰ عليه اتفاق الأصحاب، و لا يصير تحت الثلج طيناً أو وَحَلًا إلّا في أوقات خاصّة، فتجويز التيمّم بالمذكورات مع إصابة الثلج مطلقاً، دليل علىٰ كونه بها مصداقاً اختيارياً.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 189

و كون إصابة الثلج كناية عن عدم وجدان التراب و الأرض، خلاف الظاهر، مع وجدانهما نوعاً، فلا يبعد أن يكون التعليق علىٰ إصابته؛ للتنبيه علىٰ أنّه لا يلزم مع إصابته أن يتكلّف برفعه من الأرض و يتيمّم بما تحته، بل يجوز التيمّم بغبار الثوب و نحوه؛ فإنّ المكلّف المأمور بالتيمّم إذا أصابه الثلج، يرىٰ نفسه مكلّفاً و ملزماً بتحصيل التراب و الأرض برفع الثلج و سائر الموانع و التيمّم بها، فيمكن أن يراد بذلك دفع توهّم لزومه، لا إفادة الترتيب.

و يؤيّد ما ذكرناه من احتمال كون التعليق للإرشاد إلىٰ مصداق آخر اختياري مغفول عنه صحيحة رِفاعة؛ حيث أردف فيها قوله: «فإن كان في ثلج» بقوله: «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه» فإنّه لإيراد منه الترتيب بين أجفّ موضع من الأرض و بين التراب، كما عليه الفقهاء، فيكون المراد دفعَ توهّم

عدم جواز التيمّم بالأرض المبتلّة، و الإرشادَ إلىٰ مصداق آخر ممّا يصحّ التيمّم به اختياراً، فيمكن الاستئناس به للفرض الثاني.

و يمكن الاستدلال عليه

برواية ابن المغيرة قال: «إن كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم من غباره أو شي ء مغبّر، و إن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم به» «1».

فإنّ الظاهر من عطف «شي ء مغبّر» ب «أو» أنّه مع فقد التراب و الماء في عَرْض الموضع الأجفّ، فمع البناء علىٰ أنّ الأرض الندية في عرض التراب، و يجوز التيمّم بها اختياراً، يتمّ المطلوب. إلّا أنّ المظنون حصول تقطيع في تلك

______________________________

(1) الكافي 3: 66/ 4، وسائل الشيعة 3: 356، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 190

الرواية؛ و أنّ أصلها هي صحيحة رِفاعة «1» المنقولة بتوسّط ابن المغيرة. مع أنّها مقطوعة غير منسوبة إلى المعصوم، و لعلّه فتواه.

و الإنصاف: أنّه لولا مخافة مخالفة الأصحاب، و عدم ثبوت مخالف في المسألة حتّى السيّد كما عرفت «2»، لكان الجواز اختياراً غير بعيد، لكن بعد تسليم المسألة بينهم، و بعد ظهور الآية الكريمة في تعيّن التيمّم بالصعيد «3»، و بعد ظهور الأخبار الكثيرة التي جملة منها ظاهرة في حصر المتيمّم به بالأرض «4»، يمكن دعوى: أنّ التجويز بالغبار من جهة أنّه ميسور الأرض؛ لكونه أثرها، و لهذا ترى أنّ ما دلّت علىٰ تجويزه به إنّما هي في موارد خاصّة، كالمُواقِف غير القادر على النزول، و المصاب بالثلج، و الخائف من سبع و غيره «5»، و ليس في الروايات العامّة إلّا التيمّم بالأرض و الصعيد و التراب،

فلو كان في حال الاختيار جائزاً، لكان في تلك الروايات الكثيرة خصوصاً ما وردت في مقام الامتنان ذكرٌ منه، فيحصل الاطمئنان بما عليه المشهور.

مع إمكان أن يقال: إنّ ما أنكرنا من دلالة الروايات على الترتيب، مناقشات عقلية بعيدة عن الأذهان العرفية، و العرف يفهم منها مع خلوّ نفسه عن المناقشات العقلية الترتيب، و يشهد به فهم الفقهاء و أرباب اللسان.

و بالجملة: الظاهر من الروايات عرفاً بعد تعليق الجواز علىٰ أُمور عذرية أنّ التيمّم به متأخّر عن التيمّم بالصعيد الذي هو التكليف الأوّلي كتاباً

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 184.

(2) تقدّم في الصفحة 186.

(3) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 349، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 353، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 191

و سنّة، و لا ينقدح في الذهن كونها في مقام بيان توسعة المصداق الاختياري، فالقول المشهور مع كونه أحوط هو الأقوىٰ.

في اعتبار محسوسيّة الغبار و ظهوره

و منها: أنّه لا إشكال في اعتبار كون الغبار محسوساً علىٰ ذي الغبار؛ بحيث يرىٰ ظاهره مغبّراً، و لا يكفي ضرب اليد علىٰ ما يكون الغبار كامناً فيه و إن أثار الغبار منه بالضرب عليه؛ لعدم صدق «التيمّم بالغبار» كما أُمر به في موثّقة زرارة و صحيحة رِفاعة «1» و مقتضى ظاهر

صحيحة أبي بصير، قال فيها: «إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لِبْد تقدر أن تنفضه و تتيمّم به» «2»

فإنّ الظاهر أنّ النفض لأن يظهر غباره علىٰ ظاهره؛ لعدم وجود ثوب أو لِبْد يمكن أن ينفض منه مقدار من الغبار يصحّ التيمّم به اختياراً، فحمل الاشتراط عليه مرجعه إلى اشتراط لغو غير محقّق

المصداق، فلا يفهم من قوله ذلك إلّا النفض لظهور الغبار؛ و لو لأجل نُدرة المصداق الاختياري أو فقدانه.

و دعوىٰ صدق «التيمّم على الغبار» إذا ضرب يده علىٰ ذي غبار كامن فأثار منه «3»، في غير محلّها؛ ضرورة أنّ الظاهر من الأمر بالتيمّم على الغبار، أن يضرب يده عليه، و مع عدم كون ظاهره مغبّراً لا يقع الضرب عليه، بل يقع على الثوب، و بعده يظهر الغبار، نظير ما فرض من الضرب علىٰ غير الأرض، فصار بالضرب أرضاً، فصيرورة الشي ء بعد الضرب ممّا يصحّ التيمّم به لا يوجب صدق «التيمّم به» و هو ظاهر.

______________________________

(1) تقدّمتا في الصفحة 184.

(2) تقدّم في الصفحة 185.

(3) جواهر الكلام 5: 147.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 192

و عليها يحمل التعليل في صحيحة زرارة «1»؛ إن لم يكن بنفسه ظاهراً في كون ظاهرها مغبّراً. كما أنّه عليها يحمل إطلاق رواية زرارة «2» الضعيفة بأحمد بن هلال «3». مع أنّ ارتكازية كون الغبار ميسور الصعيد، لا يبعد أن تمنع من إطلاقها. مضافاً إلىٰ أنّ إطلاقها يقتضي الجواز و لو لم يكن في اللِّبْد غبار كامن، و هو كما ترى.

و كيف كان: لا إشكال في المسألة، و لا تحتاج إلىٰ طول البحث.

كما لا إشكال في لزوم كون الغبار ممّا يصحّ التيمّم به، فلا يصحّ بغبار الدقيق و الأُشنان؛ لانصراف الأدلّة و ارتكازية كون الغبار ميسور الأرض و أثرها، فلا ينبغي الخلاف و الإشكال فيه.

و مقتضى إطلاق الأدلّة عدم الفرق بين مراتب ذي الغبار، و أكثريته لا توجب التعيين بعد اشتراك الكلّ في عدم صدق «الأرض» عليه و صدق «الغبار» و الاحتياط حسن علىٰ كلّ حال.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 184.

(2) يأتي

في الصفحة 197.

(3) رجال النجاشي: 83/ 199، الفهرست: 36/ 97.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 193

الأمر التاسع في جواز التيمّم بالطين

اشارة

لا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2» في جواز التيمّم بالطين إجمالًا، و إنّما الإشكال في أمرين:

أحدهما: في أنّ مقتضى الأدلّة العامّة و الخاصّة هل هو جواز التيمّم به اختياراً، أو هو مترتّب علىٰ مطلق وجه الأرض و مصداق اضطراري للمتيمّم به؟

و ثانيهما: أنّ مقتضاها هل هو تقدّمه على الغبار أو تأخّره؟

مقتضى الأدلّة العامّة

و لنبحث عنهما مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب.

فنقول: مقتضىٰ ظاهر الكتاب «3» و النصوص الآمرة بالتيمّم بالصعيد و الأرض «4»، جواز التيمّم بما يصدق عليه عنوانهما، و لا ريب في أنّ الطين إذا كان غليظاً غير رقيق يصدق عليه «الأرض» و إن لم يصدق عليه «التراب» فالطين المتماسك الذي غلبت أجزاء أرضيته علىٰ مائيته، أرض و صعيد؛ بناءً علىٰ ما تقدّم من كونه مطلق الأرض «5»، و مجرّد خروجه عن صدق «التراب» لا يوجب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 353، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9.

(2) المقنع: 27، المقنعة: 59، النهاية: 49، المعتبر 1: 377.

(3) راجع النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(4) وسائل الشيعة 3: 349، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7.

(5) تقدّم في الصفحة 153.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 194

خروجه عن «الأرض» فاللبِنة قبل جفافها و بعده أرض، و ليست بتراب حتّى بعد الجفاف، كما أنّ الأواني المصنوعة من الطين قبل جفافها و بعده أرض، و ليست بتراب.

نعم، قد يكون رقيقاً بحيث يخرج عن صدق «الأرض» عليه، أو يشكّ فيه، كالوحل فإنّ في بعض مراتبه لا يصدق عليه «الأرض» و يشكّ فيه في بعضها. و لعلّ الطين أعمّ من الوحل.

و يشهد لما ذكرنا من صدق «الأرض» على الطين

موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال:

سألته عن حدّ الطين الذي لا يُسجد عليه، ما هو؟ فقال: «إذا غرقت الجبهة و لم تثبت على الأرض» «1».

فإنّ الظاهر منها جواز السجدة على الطين الغليظ المتماسك؛ بحيث تستقرّ الجبهة عليه، و لا شبهة في أنّ جوازها لأجل كونه أرضاً. بل لا يبعد دعوى استفادة كون ما تغرق الجبهة فيه أرضاً منها؛ لجعل المانع منها عدم الاستقرار، لا عدم الأرضية.

و كيف كان: لا شبهة في دلالتها علىٰ أرضية الطين الذي تستقرّ عليه الجبهة لتماسكه.

و تدلّ عليه

رواية زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال قلت: رجل دخل الأجَمة ليس فيها ماء، و فيها طين، ما يصنع؟ قال: «يتيمّم؛ فإنّه الصعيد» «2».

نعم، ربّما يشعر قوله

في مرسلة علي بن مطر: «صعيد طيّب و ماء طهور» «3»

______________________________

(1) الكافي 3: 390/ 13، تهذيب الأحكام 2: 312/ 1267، و: 376/ 1562، وسائل الشيعة 5: 143، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، الحديث 9.

(2) يأتي متنه الكامل في الصفحة 197.

(3) تهذيب الأحكام 1: 190/ 549، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 195

في خلاف ذلك، لكن الظاهر منها أيضاً جواز التيمّم به لكونه صعيداً. و أمّا قوله: «و ماء طهور» فلا بدّ من رفع اليد عن ظاهره؛ لعدم صدق «الماء» عليه بالبداهة، فلعلّ المراد أنّه صعيد طيّب فيه ماء طهور لا يمنع عن التيمّم به، تأمّل.

و كيف كان: بناءً علىٰ صدق «الأرض» على الطين ببعض مراتبه، يجوز التيمّم به اختياراً و لو كان بحيث تتلطّخ اليد بالضرب عليه؛ لظاهر الكتاب و السنّة، فلا بدّ من قيام دليل علىٰ عدم الجواز يقيّد إطلاقهما، و هذا بخلاف

الغبار و الوحل الذي لا يصدق عليه «الأرض» فلا بدّ فيهما من قيام الدليل علىٰ صحّته.

و يظهر ممّا ذكر تقدّم التيمّم بالطين على التيمّم بالغبار بمقتضى الكتاب و السنّة؛ للصدق في الأوّل دون الثاني.

هذا حال الأدلّة العامّة.

مقتضى الأدلّة الخاصّة
اشارة

و أمّا الأدلّة الخاصّة، فقد استدلّ «1» علىٰ تأخّر الطين عن الغبار فضلًا عن الأرض بروايات،

كموثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «إن كان أصابه الثلج فلينظر لِبْد سرجه فليتيمّم من غباره أو من شي ء معه، و إن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» «2»

و قريب منها صحيحة رِفاعة «3».

و أمّا ما جعلها في «الوسائل» رواية أُخرى عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام)

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 476/ السطر 11.

(2) تقدّمت في الصفحة 184.

(3) تقدّمت في الصفحة 184.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 196

و هي الرواية الثالثة من الباب «1» فالظاهر أنّها قطعة من الرواية المتقدّمة، لا رواية مستقلّة.

و وجه الاستدلال بهذه الروايات قوله: «و إن كان في حال ..» إلىٰ آخره؛ حيث علّق فيها جواز التيمّم بالطين علىٰ عدم شي ء يتيمّم به؛ و لو مثل اللِّبْد و الثوب، و مقتضاه تأخّر رتبته عنه.

و فيه: أنّ الظاهر من قوله: «إن كان أصابه الثلج» بعد عدم جواز الأخذ بإطلاقه، كما مرّ في المسألة السابقة «2» هو كونه بحيث يتعذّر أو يتعسّر التيمّم معه بالأرض؛ أي لا يمكن رفع الثلج و التيمّم بها، فيكون عدم إمكان التيمّم بالأرض و لو كانت طيناً، مفروضاً في الروايات، فكأنه قال: «مع عدم المصداق الاختياري يتيمّم بالاضطراري» و هو الغبار الذي مرّ أنّه ليس بأرض «3»، فحينئذٍ لا يجوز حمل قوله: «و إن

كان في حال لا يجد إلّا الطين ..» إلى آخره، علىٰ تعليق التيمّم به علىٰ عدم الغبار، بل هو محمول علىٰ فقدان الأرض غير الطين.

بل بعد صدق «الأرض» على الطين عرفاً، لا ينقدح في الذهن تأخّره عن الغبار الذي هو فرد اضطراري و ليس بأرض، فيوجب ذلك ظهوراً فيما ذكرنا لو نوقش في ظهوره ذاتاً في ذلك. مع أنّ المناقشة في غير محلّها ظاهراً.

نعم، لو كان قوله: «إن كان أصابه الثلج» كناية عن فقدان الأرض غير الطين، لكان لما ذكر وجه. لكن لو كان المراد ذلك لكان ذكر المطر أولىٰ، فذكر الثلج خصوصاً في تلك الآفاق التي لا ينزل فيها الثلج، و ترك المطر الذي هو أولىٰ بالذكر لكثرة الابتلاء به و أسرعيته في تطيين الأرض دليل علىٰ أنّ له دخالةً

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 353، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 3.

(2) تقدّم في الصفحة 188 189.

(3) تقدّم في الصفحة 186 187.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 197

في الحكم، و للإمام (عليه السّلام) عنايةً في ذكره، و ليس فيه ما يوجب الخصوصية إلّا حيلولته عن الوصول إلىٰ وجه الأرض، فكأنه قال: «إذا لم يمكن التيمّم بالأرض لإصابة الثلج و حيلولته، يتيمّم بالغبار، و إن أمكنه لكن لا يجد إلّا الطين، فلا بأس بالتيمّم به» فتدلّ علىٰ تقدّم الطين على الغبار.

و أمّا تقدّم الأرض الجافّة على الطين، فمبنيّ علىٰ أنّ مفهوم «لا بأس» البأس بمعنى الممنوعية، و أمّا إذا كان المراد التنزيه خصوصاً في مثل التيمّم بالطين ممّا يوجب تلطّخ اليد و الوجه، و ربّما ينافي النظافة المطلوبة فلا، و مع احتماله و عدم ظهوره في الأوّل، لا يمكن رفع

اليد عن إطلاق الأدلّة بها.

أدلّة تقدّم الطين على الغبار
اشارة

و تدلّ علىٰ تقدّم الطين على الغبار و عرضيته مع الأرض،

روايةُ زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: قلت: رجل دخل الأجَمة ليس فيها ماء، و فيها طين، ما يصنع؟ قال: «يتيمّم؛ فإنّه الصعيد».

قلت: فإنّه راكب و لا يمكنه النزول من خوف، و ليس هو علىٰ وضوء، قال: «إذا خاف علىٰ نفسه من سبع أو غيره و خاف فوت الوقت فليتيمّم؛ يضرب بيده على اللِّبْد و البَرْذَعة و يتيمّم و يصلّي» «1».

فقوله: «فإنّه الصعيد» إشارة إلىٰ جواز التيمّم به اختياراً؛ لكونه الصعيد الذي أمر اللّٰه تعالىٰ بالتيمّم منه، و لا ريب في أنّ قوله: «فإنّه راكب» ظاهر في أنّ الداخل على الأجمة الكذائية راكب، و يخاف علىٰ نفسه أن ينزل؛ لكونها مأوى

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 190/ 547، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 198

الأسد، و الحمل علىٰ سؤال مستأنف «1» خلاف الظاهر جدّاً، فحينئذٍ تدلّ علىٰ تقدّم الطين على الغبار.

و يدلّ عليه أيضاً إطلاق

مرسلة عليّ بن مطر، عن بعض أصحابنا قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن الرجل لا يصيب الماء و لا التراب، أ يتيمّم بالطين؟ قال: «نعم؛ صعيد طيّب و ماء طهور» «2».

و الظاهر من قوله: «صعيد ..» إلىٰ آخره أنّه فرد اختياريّ لا منع من التيمّم به، و الماء الذي فيه لا مانع منه.

أمّا

صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كنت في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به؛ فإنّ اللّٰه أولىٰ بالعذر؛ إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لِبْد تقدر أن تنفضه و تتيمّم

به» «3».

فمع قطع النظر عن سائر الروايات، ظاهرة في أنّ الطين فرد اضطراري عذري متأخّر عن الإفراد الاختيارية، و عن غبار الثوب أو اللِّبْد الذي هو فرد اضطراري أيضاً.

لكن لا يبعد أن يكون التصرّفُ فيها بحمل القدرة على النفض علىٰ ما إذا حصل به مقدار من التراب يمكن إيجاد الفرد الاختياري معه، خصوصاً مع قوله: «إذا لم يكن معك ..» إلىٰ آخره عقيب قوله: «فإنّ اللّٰه أولىٰ بالعذر» فإنّ ظاهره أنّ الطين مصداق عذري، دون التيمّم بما نفض فإنّه مصداق غير عذري-

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 476/ السطر 30 31.

(2) تهذيب الأحكام 1: 190/ 549، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 67/ 1، وسائل الشيعة 3: 354، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 199

أهونَ من التصرّف في سائر الأدلّة، كقوله: «فإنّه صعيد» خصوصاً مع بُعد تقديم ما ليس بصعيد على الصعيد. نعم ظاهرها أنّ التراب مقدّم على الطين.

هذا كلّه إذا أُريد ب «الطين» في جميع الروايات معنى واحد.

لكن يمكن الجمع بينها بوجه آخر: و هو حمل ما دلّ علىٰ جوازه اختياراً على الطين الذي يصدق عليه «أنّه صعيد» بقرينة قوله في رواية زرارة: «أنّه الصعيد» و حمل صحيحة أبي بصير على الوحل الذي يكون مصداقاً عذريا؛ بقرينة قوله: «إنّ اللّٰه أولىٰ بالعذر» لعدم تناسبه مع الطين الصادق عليه «الصعيد» خصوصاً مع جعله في الصحيحة متأخّراً عن الغبار الذي لا تصدق عليه «الأرض» بلا إشكال.

و إن شئت قلت: إنّ إطلاق صدرها و إن يقتضي كون المراد ب «الطين» أعمّ من الوحل، و يمكن جعل قوله: «إنّ اللّٰه أولىٰ

بالعذر» دليلًا علىٰ أنّ مطلق الطين فرد اضطراري، لكن كون التعليل بأمر ارتكازي و هو أنّه مع عدم إمكان الصعيد و العذر منه، يتيمّم بالطين يمنع عن إطلاقه، فيفهم منه أنّ المراد به ما لا يصدق عليه «الأرض» أي الوحل، خصوصاً مع بُعد تأخّر الأرض عن الغبار، فيكون مقتضى الصحيحة تأخّر الوحل عن الغبار، و هي تصير قرينة علىٰ سائر الروايات، كموثّقة زرارة «1» و صحيحة رفاعة «2»؛ و لو مع قطع النظر عن رواية زرارة و مرسلة ابن مطر.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ مقتضى الجمع المذكور جواز التيمّم بالطين الصادق عليه «الأرض» اختياراً، و عند الاضطرار يقدّم الغبار على الوحل الذي هو خارج عن مسمّى «الأرض» حفظاً لظهور صحيحة أبي بصير.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 184.

(2) تقدّمت في الصفحة 184.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 200

النكتة في تعبير الفقهاء ب «الوحل»
اشارة

و لعلّ تعبيرات الفقهاء في المتون ب «الوحل» للجمع المذكور، مع تطابق النصوص جميعاً علىٰ ذكر «الطين» و كان المناسب تبعيتهم لها في التعبير، كما هو بناؤهم في سائر الموارد غالباً، خصوصاً قدماء أصحابنا، فرفع اليد عمّا في النصوص بعنوان مغاير في الجملة للطين، لا بدّ له من نكتة لا يبعد أن تكون ما ذكرناه من الجمع، قال الشيخ في «النهاية»:

«فإن كان في أرض وحلة لا تراب فيها و لا صخر، و كانت معه دابّة، فلينفض عرفها أو لِبْد سرجها و يتيمّم بغبرته. فإن لم يكن معه دابّة و كان معه ثوب تيمّم منه.

فإن لم يكن معه شي ء من ذلك وضع يديه جميعاً على الوحل، و يمسح إحداهما بالأُخرىٰ، و ينفضهما حتّى يزول عنهما الوحل، ثمّ يتيمّم، و لا يجوز التيمّم بما لا يقع عليه اسم

«الأرض» بالإطلاق سوىٰ ما ذكرناه» «1» انتهىٰ.

و هي كما ترى تدلّ علىٰ أنّ الوحل بما أنّه لا يصدق عليه عنوان «الأرض» لا يجوز التيمّم به، فدلّت علىٰ أنّ اختصاصه بالذكر لأجل عدم صدقها عليه، فذكر الوحل الذي هو الطين الرقيق، و ترك ما في النصوص و تعليله ذلك، دليل علىٰ عناية به، و لعلّها ما ذكرناه، و إلّا فلا وجه لرفع اليد عن النصوص بما يخالفها.

و قد عبّر ب «الوحل» في «المراسم» و «الوسيلة» و «الشرائع» و «النافع» و «القواعد» و «التذكرة» و «المنتهىٰ» قائلًا: «و لو لم يجد إلّا الوحل يتيمّم به، و هو

______________________________

(1) النهاية: 49.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 201

مذهب علمائنا» «2» و إن عبّر بالطين أيضاً في خلال المسائل، لكن الظاهر من تلك العبارة أنّ التيمّم بالوحل مذهب علمائنا. و كذا عبّر به في «الإرشاد» و «الروض» «3» و عن «الدروس» «4».

و في «مفتاح الكرامة» في ذيل قول الماتن: «و لا بالوحل» قال: «أي لا يجوز التيمّم بالوحل اختياراً، كما صرّح به المصنّف و غيره، و في «مجمع البرهان» عدم ظهور الخلاف فيه «5» ..» «6» إلىٰ آخر ما قال، حيث يظهر منه أنّ معقد عدم ظهور الخلاف عنوان «الوحل».

و لا اعتماد علىٰ تفسير المتأخّرين المتونَ المشتملة على «الوحل» ب «الطين» فإنّ الظاهر أنّ التفسير حسب اجتهادهم و علىٰ ما وجدوا النصوص كذلك، قال في «مفتاح الكرامة»: «و الوحل: هو الطين الرقيق، كما نصّ عليه جماعة من الأصحاب «7»» «8» و هذا أيضاً دليل علىٰ عناية منهم بذكر الوحل مقابل الطين.

و كيف كان: لا ريب في أنّ تطابقهم على التعبير به، ليس من باب الاتفاق بلا

عناية منهم بمعنى الوحل، مع ما عرفت من حكاية تفسير جماعة منهم

______________________________

(2) المراسم: 53، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 71، شرائع الإسلام 1: 39 و 40، المختصر النافع: 17، قواعد الأحكام 1: 23/ السطر 2، تذكرة الفقهاء 2: 180 و 181، منتهى المطلب 1: 142/ السطر 34.

(3) إرشاد الأذهان 1: 234، روض الجنان: 120/ السطر 27 و 29.

(4) الدروس الشرعيّة 1: 130.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 1: 222.

(6) مفتاح الكرامة 1: 529/ السطر 25.

(7) جامع المقاصد 1: 481، مدارك الأحكام 2: 204، كشف اللثام 2: 450.

(8) مفتاح الكرامة 1: 530/ السطر 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 202

ب «الطين الرقيق» و لا يمكن حمل كلامهم علىٰ أنّ المراد به الطين مع ما عرفت، و مع تفسير أئمّة اللغة «الوحل» ب «الطين الرقيق». ففي «الصحاح»: «الوحل: الطين الرقيق» «1» و في «القاموس»: «الوَحْل و يحرّك-: الطين الرقيق ترتطم فيه الدوابّ» «2» فما في «مفتاح الكرامة» حكايةً عنه تفسيره ب «الطين» مخالف لما فيه.

و فسّره في «المنجد» و «المجمع» ب «الطين الرقيق» «3» و قد ذكر الفقهاء الموتحل و الغريق في باب صلاة الخوف قرينين «4»، و المراد به من غرق في الوحل؛ و هو الطين الرقيق الذي يغرق الإنسان فيه.

و مع ما عرفت لا يمكن دعوى الشهرة أو الإجماع علىٰ تأخّر الطين الغليظ المتماسك الذي يصدق عليه «الأرض» عن الصعيد، فضلًا عن تأخّره عن الغبار، و لا أقلّ من الشكّ فيه، و معه لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الكتاب و السنّة و مقتضى الجمع بين الأدلّة؛ و إن عبّر بعضهم ب «الطين» كالشيخ في «الخلاف» «5».

بل و لو نوقش في ظهور

الأدلّة فيما ذكرناه و في اقتضاء الجمع المذكور، فلا أقلّ من أنّ ما ذكرناه احتمال مساوٍ لما ذكروه، و دعوى الظهور فيما قالوا ممنوعة، فلا يجوز رفع اليد عن إطلاق الآية و الروايات الصحاح، إلّا أن يمنع صدق «الأرض» على الطين بجميع مصاديقه، أو يدّعى انصراف الأدلّة إلىٰ غيره، و هما ممنوعان مردودان إلى المدعي.

______________________________

(1) الصحاح 5: 1840.

(2) القاموس المحيط 4: 65.

(3) المنجد: 891، مجمع البحرين 5: 490.

(4) المقنعة: 215، النهاية: 128 و 129، غنية النزوع 1: 92، تحرير الأحكام 1: 55/ السطر 25.

(5) الخلاف 1: 155.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 203

كيفية التيمّم بالوحل

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق الأدلّة أنّه ليس للتيمّم بالوحل كيفية خاصة، بل كيفيته هي المعهودة المتداولة في التيمّم بالأرض. نعم لا مانع من فرك الطين من اليد، بل لا يبعد استحبابه إن قلنا باستحباب النفض؛ بدعوى استفادته من أدلّة النفض «1».

و لعلّه مراد الشيخ المفيد (رحمه اللّٰه) «2» كما أنّه ظاهر شيخ الطائفة في عبارته المتقدّمة، حيث قال: «وضع يديه جميعاً على الوحل، و يمسح إحداهما بالأُخرىٰ، و ينفضهما حتّى يزول عنهما الوحل، ثمّ يتيمّم» «3» فما نسب إليه من مخالفته للأصحاب «4» ليس علىٰ ما ينبغي.

بل لا يبعد أن يكون ذلك أيضاً مراد صاحب «الوسيلة» قال:

«فإن لم يكن معه شي ء من ذلك و وجد وحلًا يتيمّم منه، و ضرب بيديه عليه، و قد أطلق الشيوخ (رحمهم اللّٰه) ذلك على الإطلاق. و الذي تحقّق لي منه أنّه يلزمه أن يضرب يديه على الوحل قليلًا، و يتركه عليها حتّى ييبس، ثمّ ينفض عن اليد و يتيمّم به» «5» انتهىٰ.

فإنّ الظاهر من تعليق جواز التيمّم بالوحل علىٰ عدم وجود شي ء

ممّا يتيمّم به

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3 و 6 و 7، و الباب 12، الحديث 2 و 4.

(2) المقنعة: 59.

(3) تقدّم في الصفحة 200.

(4) جواهر الكلام 5: 148، مصباح الفقيه، الطهارة: 476/ السطر الأخير.

(5) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 71.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 204

أنّ التيمّم به بهذه الكيفيّة متأخّر عن سائر المراتب، و لو كان مراده الحيلة إلىٰ تحصيل التراب و التيمّم به، لم يكن وجه لذلك التعليق؛ فإنّ التيمّم بالتراب جائز كان أصله الوحل أو لا. مع أنّ الظاهر منه أنّ كلامه في مقابل إطلاق الأصحاب في كيفية التيمّم لبيان لزوم النفض، و الظاهر رجوع الضمير في قوله: «و يتيمّم به» إلى الوحل، لا إلى المنفوض، تأمّل. و كيف كان فالمتبع هو إطلاق الأدلّة.

ثمّ إنّ في لزوم تلك الحيلة أو مثلها لتحصيل التراب، كلاماً ربّما يأتي في ذيل مسألة جواز التيمّم في سعة الوقت.

تتميم في حكم التيمّم بالثلج
اشارة

الظاهر انحصار ما يتيمّم به و لو اضطراراً بما ذكر، و مع فقده يكون فاقد الطهورين. و حُكي عن ظاهر السيّد و ابن جنيد و سلّار التيمّم بالثلج «1»، و استدلّ عليه «2»

بصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أجنب في سفر، و لم يجد إلّا الثلج أو ماءً جامداً، قال: «هو بمنزلة الضرورة يتيمّم، و لا أرىٰ أن يعود إلىٰ هذه الأرض التي توبق دينه» «3».

بدعوىٰ: أنّ الظاهر منها عدم وجدان شي ء ممّا يتيمّم به اختياراً و اضطراراً، فيكون الظاهر من قوله: «يتيمّم» أنّه يتيمّم بالثلج.

و يشهد له قوله: «و لا أرىٰ أن يعود ..» إلىٰ آخره،

فإنّ التراب أحد

______________________________

(1) انظر المعتبر 1: 377 378، المراسم: 53.

(2) انظر جواهر الكلام 5: 149 150، مصباح الفقيه، الطهارة: 478/ السطر 15.

(3) الكافي 3: 67/ 1، وسائل الشيعة 3: 355، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 205

الطهورين، و معه لا يوبق دينه.

و فيه: أنّ الظاهر من قوله: «و لم يجد إلّا الثلج أو ماءً جامداً» هو عدم وجدان الماء، لا عدم وجدان الأرض و لا الطين و لا الغبار، و قوله: «يتيمّم» في مقام الجواب؛ أي إذا لم يجد ماءً و كان الماء جامداً يتيمّم، و عدم ذكر ما يتيمّم به لأجل وضوحه بنصّ الكتاب و السنّة، و لو كان المراد التيمّم بالثلج كان عليه التصريح. مع كونه مخالفاً لما ذكر، و قد مرّ دلالة ذيلها علىٰ عدم جواز تحصيل الاضطرار عمداً و التيمّم بالتراب.

و قوله: «لا أرىٰ أن يعود ..» إلىٰ آخره؛ أي لا يعود إلىٰ أرض لا يجد فيها ماءً للطهارة، و مجرّد كون التراب أحد الطهورين، لا يوجب جواز تحصيل الاضطرار، كما مرّ في أوائل هذه الوجيزة «1».

و أمّا التمسّك «2» بقاعدة الاحتياط و الشغل، و

قوله: «الصلاة لا تترك بحال» «3»

فهو كما ترى. مع حكومة

«لا صلاة إلّا بطهور» «4»

علىٰ مثل «الصلاة لا تترك بحال» لو سلّم وروده. مع أنّه لا يوجب طهوريّة ما ليس بطهور، بل مقتضاه عدم سقوط الصلاة مع فقد الطهور، لا جعل ما ليس بطهور طهوراً، و سيأتي تتمّة لذلك في محلّه إن شاء اللّٰه «5».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 14.

(2) انظر جواهر الكلام 5: 149، مصباح الفقيه، الطهارة: 478/ السطر 15.

(3) لم نعثر علىٰ نصّ

بهذا اللفظ و لكن

ورد «لا تدع الصلاة علىٰ حال».

انظر وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1 و 6.

(5) يأتي في الصفحة 361.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 206

حول كلام المفيد في التوضي بالثلج مثل الدهن

و عن المفيد في «المقنعة»: «و إن كان قد غطّاها الثلج، و لا سبيل إلى التراب، فليكسره و ليتوضّأ به مثل الدهن» «1» انتهىٰ.

و فيه: أنّه إن كان مراده ب «التوضّي مثل الدهن» هو مسح الأعضاء بدل الغسل بدعوىٰ أنّه ميسوره؛ فإنّه عبارة عن إيصال الماء و إجرائه عليه، و مع عدم إمكان ذلك لا يسقط ميسوره؛ و هو إيصال رطوبة الماء و بلّته إلى العضو و مسحه به، كما تشهد به

رواية عبد الأعلىٰ، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): عثرت فانقطع ظفري، فجعلت علىٰ إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: «يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّٰه عزّ و جلّ؛ قال اللّٰه تعالىٰ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» امسح عليه» «3».

فإذا كان المسح على المرارة ميسور المسح على البشرة لانحلال المسح عليها إلى الإمرار و مماسّة الماسح للممسوح، فإذا رفعت المماسّة للحرج بقي الإمرار على الملاصق بالعضو؛ لارتكازيّة قاعدة «الميسور ..» يكون المقام كذلك جزماً.

فيرد عليه: بعد الغضّ عن سند القاعدة، و عدم ثبوت جبره، و عدم ثبوت كونها عقلائيّة يتكل عليها العقلاء في أُمورهم أنّ عنوان «المسح» مقابل بل مباين للغسل، و لا يكون ميسوره عرفاً، و لا يعتني العرف بهذه التحليلات العقليّة.

______________________________

(1) انظر المعتبر 1: 378، المقنعة: 59.

(2) الحجّ (22): 78.

(3) الكافي 3: 33/ 4، تهذيب الأحكام 1:

363/ 1097، وسائل الشيعة 1: 464، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 207

مع أنّ الغسل بالماء لا ينحلّ إلىٰ وصول الرطوبة التي ليست بماء، بل أثره عرفاً و مغايرة له ذاتاً، فلا مجال للتمسّك بالقاعدة في مثله.

و أمّا رواية عبد الأعلى و إن كانت موهمة لذلك، لكن التأمل فيها يدفع التوهّم؛ فإنّ المفروض فيها حكمان؛ أحدهما: عدم لزوم المسح على البشرة، و الثاني: لزوم المسح على المرارة، و ما يعرف من كتاب اللّٰه أي آية عدم جعل الحرج التي تمسّك بها أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) هو الحكم الأوّل؛ ضرورة أنّ المستفاد منها ليس إلّا عدم جعل التكاليف الحرجية، و أمّا جعل البدل و بقاء الوضوء المركّب من المسح و الغسل بعد تعذّر بعض أجزائه، فلا يكاد يستفاد و يعرف منها.

مضافاً إلىٰ وضوح عدم كون المسح على المرارة ميسور المسح على البشرة، فلو صحّ التقريب و التحليل المتقدّم لصحّ أن يقال: إنّ المسح على البشرة منحلّ إلىٰ أصل المسح، و كونه باليد، و كونه على البشرة، و كونه بأثر الماء المنحلّ إلىٰ مطلق المائع و الخصوصيّة، فإذا تعذّر الجميع يجب المسح و لو بأثر مائع غير الماء علىٰ غير البشرة و بغير آلية اليد، و هو كما ترى.

و بالجملة: إنّ المسح على الخرقة ليس ميسور المسح على الرجل؛ و لو كانت الخرقة متصلة و ملصقة بها.

و الظاهر أنّ استناده على الآية إنّما هو للحكم الأوّل؛ أي عدم لزوم المسح على البشرة، و قوله: «امسح عليه» خصوصاً عقيب التمسّك بها حكم تعبّدي آخر لا يمكن معرفته منها.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ التمسّك بالقاعدة لتبديل الغسل بالماء

بالمسح بالثلج، في غير محلّه.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 208

و قد يتوهّم «1» دلالة طائفة من الروايات علىٰ جواز الاغتسال و التوضّي مسحاً بدل الغسل، كصحيحة علي بن جعفر و رواية معاوية بن شريح و سيأتي حالها عن قريب.

و إن كان مراده من «التوضّي بمثل الدهن» الاكتفاء بأقلّ مراتب الغسل، كما هو مقتضى الروايات في الوضوء.

فيرد عليه: أنّه مع إمكان الوضوء به بلا حرج كما هو كذلك في الوضوء نوعاً فلا وجه لتأخّره عن التراب، و مع حرجيته لا يجب، و يكون فاقد الطهورين.

و قد يوجّه قوله: بأنّ التيمّم في موارد الحرج لمّا كان رخصة لا عزيمة، يجوز تحمّل المشقّة بالوضوء و الغسل مع حرجيتهما، و يجوز تركهما و التيمّم. و جعَل ما ذكر وجه الجمع بين طائفة من الروايات كروايتي محمّد بن مسلم و معاوية بن شريح و صحيحتي علي بن جعفر و بين صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة «2»؛ بحمل ما عدا الأخيرة علىٰ جواز الوضوء و الغسل مع حرجيتهما، و الأخيرة علىٰ جواز التيمّم و عدم تعيّنه «3».

و قد تقدّم كون ما يرفع بدليل الحرج عزيمة لا رخصة بما لا مزيد عليه «4».

و الأولى في المقام نقل الروايات حتّى يتضح حال التوهّم المتقدّم أي تبديل الغسل بالمسح و الدعوى المتقدّمة في توجيه كلام الشيخ المفيد (رحمه اللّٰه)

فعن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يجنب في السفر لا يجد

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 477/ السطر 12.

(2) تقدّمت في الصفحة 204.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 477/ السطر 35.

(4) تقدّم في الصفحة 101.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 209

إلّا الثلج، قال: «يغتسل

بالثلج أو ماء النهر» «1».

و

عن معاوية بن شريح قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا عنده فقال: يصيبنا الدَّمَق و الثلج، و نريد أن نتوضّأ، و لا نجد إلّا ماءً جامداً، فكيف أتوضّأ، أدلك به جلدي؟ قال: «نعم» «2».

و

في صحيح علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل الجنب أو علىٰ غير وضوء، لا يكون معه ماء، و هو يصيب ثلجاً و صعيداً؛ أيّهما أفضل أ يتيمّم، أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال: «الثلج إذا بلّ رأسه و جسده أفضل، فإن لم يقدر علىٰ أن يغتسل به فليتيمّم» «3»

و قريب منها روايته الأُخرىٰ «4».

و قد يتوهّم منها خصوصاً من رواية معاوية وجوب المسح بالثلج في صورة فقدان الماء و عدم إمكان الغسل «5».

و فيه ما لا يخفى؛ أمّا قوله

في رواية ابن مسلم: «يغتسل بالثلج أو ماء النهر»

فهو ظاهر في أنّ الاغتسال بهما سواء، و هو خلاف المطلوب. مضافاً إلىٰ أنّ مسح الثلج بالبشرة غير الاغتسال به بالبداهة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 191/ 550، وسائل الشيعة 3: 356، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 191/ 522، وسائل الشيعة 3: 356، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 192/ 554، وسائل الشيعة 3: 357، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 3.

(4) قرب الإسناد: 181/ 668، وسائل الشيعة 3: 357، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 4.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 477/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 210

و الظاهر أنّ مراده من «الاغتسال به» هو دلكه على الجسد بنحو يحصل به أقلّ

مراتب الغسل، و قد تقدّم «1» في باب الوضوء و الغسل: أنّ المعتبر في ماهيتهما ليس إلّا أقلّ مراتب الجريان و لو بإعانة اليد، و ليس الغسل فيهما كالغسل من القذارات، كما هو المصرّح به في الروايات «2».

و بالجملة: إنّ المتفاهم من هذه الرواية اعتبار تحقّق عنوان «الغسل» و هو موقوف علىٰ إجراء ماء الثلج على البشرة في الجملة؛ و لو بالدلك و إعانة حرارة البدن.

و أمّا رواية ابن شريح فليست في مقام بيان كفاية المسح عن الغسل، بل بعد فرض إرادة الوضوء المعهود بين المسلمين المصرّح به في الكتاب و السنّة و هو الغسلتان و المسحتان سأل عن نحو تحصيله بنحو دلك الماء الجامد على العضو، فالسؤال عمّا يتوضّأ به، لا عن تبديل الوضوء بغيره، كما لا يخفى على المتأمل.

و لعلّ احتمال اعتبار كون ما يتوضّأ به قبل الغسل به ماءً مطلقاً، أو احتمال لزوم إجراء الماء على العضو كإجرائه في باب غسل القذارات، صار منشأً لسؤاله.

و أمّا صحيحة علي بن جعفر فلولا ذيلها لكانت ظاهرة فيما يتوهّم، علىٰ تأمّل فيه ناشئ من أنّ ارتكازية اعتبار الغسل في ماهيّة الاغتسال تمنع عن ظهور قوله: «إذا بلّ رأسه و جسده» في الرطوبة التي لا يحصل منها أقلّ مراتب الغسل. لكن صراحة قوله: «فإن لم يقدر أن يغتسل به فليتيمّم» رافعة للتوهّم و الإجمال علىٰ فرضه. بل هو حاكم على الظهور البدوي للصدر لو سلّم ذلك. هذا حال التوهّم المتقدّم.

______________________________

(1) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 420.

(2) راجع وسائل الشيعة 1: 484، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 52.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 211

و أمّا الدعوى المتقدّمة، فصحّتها مبنية علىٰ

أن يكون الموضوع في تلك الروايات، فرض حرجية الوضوء و الغسل، فيقال: إنّ تجويزهما مع فرضها دليل علىٰ كون السقوط رخصة لا عزيمة، فيحمل الأمر بالتيمّم في صحيحة ابن مسلم عليه، فيكون ذلك طريق جمع بين الروايات.

و فيه: منع كونها في مقام بيان حال حرجيتهما، بل هي في مقام بيان حكم آخر، بخلاف صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة.

أمّا رواية ابن مسلم و إن كان ظاهر صدرها، السؤال عن تكليفه عند عدم وجدان غير الثلج، فيكون مطابقاً لصحيحته في ذلك، لكن الظاهر من الجواب، بيان كون الاغتسال بالثلج و بماء النهر سواء، فهو في مقام بيان صحّة الاغتسال به كالاغتسال بماء النهر، و أمّا لزومه أو جوازه فلا يفهم منه؛ لعدم كونه من هذه الجهة في مقام البيان، فهو كقوله ابتداءً: «إنّ الوضوء بالثلج كالوضوء بماء النهر» لا يدلّ إلّا على التسوية بينهما، و أمّا مع حرجيته فيجوز أو يجب فلا يستفاد من مثله.

مع أنّه علىٰ فرض تسليم شموله لحال الحرج، يكون إطلاقاً يجب تقييده بأدلّة الحرج الحاكمة على المطلقات. و دعوىٰ كون المفروض حرجية الاغتسال ممنوعة.

و أمّا رواية ابن شريح، ففي مقام بيان جواز الوضوء بذلك الثلج على العضو، و لا إشعار فيها بفرض الحرج، كما لا يخفى. مع أنّ الوضوء بالثلج ليس حرجياً نوعاً. و كيف كان لا يمكن الاتكال عليها للمدعىٰ.

كما أنّ صحيحة علي بن جعفر أيضاً تكون في مقام بيان حكم آخر؛ و هو أفضلية التيمّم أو المسح بالثلج، فلا يكون المفروض فيها حرجياً. و الاستدلال بقوله: «أفضل» الظاهر في كون التيمّم أيضاً جائزاً و لو كان مفضولًا، و إن لا يخلو

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 212

من وجه، لكن مع قرب احتمال أنّ ذكره لأجل وجوده في السؤال، لا لأجل عناية بصحّة التيمّم في الفرض و لهذا قال في ذيلها: «فإن لم يقدر أن يغتسل به فليتيمّم» الظاهر في أنّ التيمّم إنّما هو مشروع مع عدم القدرة، كما هو المرتكز في الأذهان و المستفاد من الكتاب و السنّة، كما تقدّم «1» لا يفهم منه ما يدعىٰ، و ليس «الأفضل» في هذه الرواية إلّا

كقوله في صحيحة ابن سنان الواردة في خوف العطش: «فإنّ الصعيد أحبّ إليّ» «2»

و

كقوله في رواية ابن أبي يعفور مع فرض كون الماء بقدر شربه: «يتيمّم أفضل» «3».

و الإنصاف: أنّه لا يمكن رفع اليد عمّا تقدّم «4» من ضروب الاستدلال كتاباً و رواية علىٰ كون السقوط في مورد الحرج عزيمة بمثل هذا الإشعار الضعيف.

و بما ذكرنا يرفع التضادّ و المعارضة المتوهّمان بين تلك الروايات، و بين صحيحة محمّد بن مسلم الظاهرة في أنّ موردها حرجية الغسل بوجوه، فتدبّر.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 12 15.

(2) الكافي 3: 65/ 1، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1267، وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 1.

(3) الكافي 3: 65/ 2، وسائل الشيعة 3: 389، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 4.

(4) تقدّم في الصفحة 101.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 213

المبحث الثالث في كيفيّة التيمّم

اشارة

و إن كان الترتيب يقتضي أن يذكر أوّلًا ما له دخل في ماهيّة التيمّم من الأجزاء المقوّمة لها، ثمّ تُذكر شروطها و ما هي خارجة عن حقيقتها، لكن وقع خلاف الترتيب تبعاً لبعض المتون «1»، و الأمر سهل. و كيف كان:

يعتبر في التيمّم أُمور:

______________________________

(1) و هو متن الشرائع كما صرّح (قدّس سرّه) به

في الجزء الأوّل من كتاب الطهارة: 329، انظر شرائع الإسلام 1: 40.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 215

الأمر الأوّل في اعتبار النيّة

اشارة

و قد فرغنا من المباحث المتعلّقة بها في مبحث الوضوء «1»، و نتعرّض في المقام لبعض المباحث المتعلّقة بخصوص التيمّم:

عدم لزوم قصد البدلية
اشارة

منها: إنّ مقتضىٰ ما حقّق في محلّه من أصالة التوصّلية في الأوامر أمّا للإطلاق اللفظي؛ لجواز أخذ جميع القيود حتّى ما تأتي من قِبل الأوامر في متعلّقاتها، كما هو التحقيق «2»، و إمّا للإطلاق المقامي؛ بعد كونِ بيان جميع القيود الدخيلة في المتعلّقات المؤثّرة في حصول الغرض، من وظائف المولى، و إمكان بيانها بدليل منفصل «3» عدم وجوب شي ء في التيمّم سوى الضرب و المسحات المأخوذة في الأدلّة كتاباً و سنّة.

و لا إشكال في إطلاق طائفة من الروايات،

كموثّقة زرارة، عن أبي جعفر

______________________________

(1) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 347.

(2) راجع مناهج الوصول 1: 274.

(3) نهاية الأفكار 1: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 216

في التيمّم قال: «تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «1»

و قريب منها صحيحة المرادي «2»، و كبعض ما وردت في قضيّة عمّار بن ياسر «3» و غيرها «4».

بل الظاهر إطلاق الآية الكريمة «5» أيضاً، كما يشهد به بعض ما ورد من تمسّك المعصوم بالخصوصيات المأخوذة فيها «6» ممّا لا مجال له إلّا للإطلاق.

لكن يجب الخروج عن مقتضى الإطلاقات بقيام الإجماع بل الضرورة علىٰ عبادية التيمّم و لزوم النيّة و الإخلاص فيه. و قد مرّ في بعض المباحث السالفة «7» و في بحث الأُصول: أنّ مناط عبادية الطهارات الثلاث، ليس الأوامر الغيرية من غاياتها و لو قلنا بوجوب المقدّمة. مع بطلانه أيضاً؛ و أنّ عباديتها في رتبة سابقة علىٰ تعلّقها بالفرض «8».

و كيف كان: لا شبهة في اعتبار النيّة في التيمّم، و

قد تظافرت دعوى الإجماع عليه، كما عن «الغنية» و «نهاية الإحكام» و «الذكرى» و «إرشاد

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 212/ 615، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 209/ 608، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 2.

(3) دعائم الإسلام 1: 120، تفسير العيّاشي 1: 244/ 145، مستدرك الوسائل 2: 536، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 2 و 4، و قد تقدّم في الصفحة 158 أيضاً.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 3.

(5) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(6) راجع وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

(7) تقدّم في الصفحة 9.

(8) مناهج الوصول 1: 383، تهذيب الأُصول 1: 251.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 217

الجعفرية» و «المدارك» و «كشف اللثام» «8» بل عن «المعتبر» و «التذكرة» و «جامع المقاصد» و «روض الجنان» إجماع علماء الإسلام عليه «9».

و عن «المنتهىٰ»: «لا نعرف فيه خلافاً، و به قال أهل العلم سوىٰ ما حكي عن الأوزاعي و الحسن بن صالح بن حيّ «10»» «11».

بل لزوم النيّة و قصد القربة و الإخلاص فيه و في أخويه ضروري في الفقه، و لزوم الإخلاص في العبادة مستفاد من السنّة المستفيضة «21».

و أمّا اعتبار قصد الوجه و التمييز في النيّة و غيرهما كقصد البدلية فلا دليل عليه. بل مقتضى الإطلاق عدمه و لو قلنا: بأنّ التيمّم بدل عن الوضوء و الغسل؛ فإنّ عنوان البدلية بناءً عليه ثابت لنفسه من غير دخالة للقصد فيه. بل في إمكان ذلك تأمّل و إشكال.

مع أنّه لا دليل

علىٰ كونه بدلًا منهما، خصوصاً إن أُريد بالبدلية كون التيمّم بدل الطهور، فإنّه مخالف للأدلّة، و مجرّد كونه أمراً ثابتاً في حال الاضطرار و مصداقاً اضطرارياً، لا يستلزم البدلية؛ فإنّها أمر زائد عليه.

فإن أُريد بالبدلية كونه مصداقاً اضطرارياً و لهذا يقال: «إنّه بدل اضطراري» فهذا أمر لا معنىٰ للنزاع فيه، و لا مشاحّة في الاصطلاح.

______________________________

(8) انظر مفتاح الكرامة 1: 538/ السطر 19، غنية النزوع 1: 62، نهاية الإحكام 1: 203، ذكرى الشيعة 2: 256، مدارك الأحكام 2: 215، كشف اللثام 2: 466.

(9) المعتبر 1: 390، تذكرة الفقهاء 2: 187، جامع المقاصد 1: 488، روض الجنان: 122/ السطر الأخير.

(10) المغني، ابن قدامة 1: 253.

(11) منتهى المطلب 1: 144/ السطر 35.

(21) راجع وسائل الشيعة 1: 59، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 218

و إن كان المراد بها أمراً زائداً علىٰ ذلك، و عنواناً ملازماً للمصداق الاضطراري، فهو ممنوع؛ فإنّ المصداق الاضطراري يمكن أن يكون مستقلا في التأثير في ظرفه، لا نائباً عن غيره و بدلًا عنه، فلا ملازمة بينهما عقلًا و لا عرفاً.

و دعوى استفادة ذلك من بعض الأخبار،

كصحيحة حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل لا يجد الماء، أ يتيمّم لكلّ صلاة؟ فقال: «لا؛ هو بمنزلة الماء» «1».

و

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: كيف التيمّم؟ فقال: «هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة» «2».

و

موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن التيمّم من الوضوء و الجنابة و من الحيض للنساء سواء؟ فقال: «نعم» «3».

مدفوعة؛ لأنّ كونه بمنزلة الماء في جواز إتيان

الصلوات الكثيرة به، لا يلازم كونه بدلًا منه؛ فإنّ وحدة منزلة شيئين في حصول أمر لو لم نقل بكونها دليلًا على استقلال كلٍّ في حصوله لا تكون دليلًا علىٰ نيابة أحدهما عن الآخر أو بدليته.

و بالجملة: لا يستفاد منه إلّا كون التيمّم مثل الوضوء في الحكم المذكور،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 200/ 581، وسائل الشيعة 3: 379، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 20، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 210/ 611، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 1: 212/ 617، وسائل الشيعة 3: 362، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 219

أو مطلقاً، نظير

قوله: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» «1»

فإنّ كون أمير المؤمنين بمنزلة هارون (عليهما السّلام) لا يستلزم نيابتَه عن هارون، و أصالةَ هارون في نيابته عن موسى، و عدمَ أصالة المولى (عليه السّلام) في نيابته عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

و أمّا الرواية الثانية فلا إشعار فيها بالمدّعى؛ فإنّ كون التيمّم للوضوء لا معنىٰ له بحسب ظاهره، و الظاهر أنّ ذكر الوضوء و غسل الجنابة؛ لمجرّد المعرّفية عن التيمّم الذي هو للحدث الأصغر و الأكبر، فلا يستفاد منه البدلية بوجه.

و كذا لا تستفاد من الثالثة؛ لأنّ قوله: «من الوضوء» لولا تعقّبه بقوله: «و الجنابة و من الحيض» لا يبعد ظهوره في البدلية؛ و إن كان وقوعه في لفظ الراوي لا يفيد شيئاً، و ليس قول الإمام تقريراً لذلك، لكن مع تعقّبه به يدفع ذلك.

و الإنصاف: أنّ تلك الروايات لا تكون في مقام إفادة بدلية التيمّم و أصالة الوضوء و الغسل، بل

هي بصدد مجرّد المعرّفية، نظير قوله

في صحيحة محمّد بن مسلم بعد بيان التيمّم: ثمّ قال: «هذا التيمّم علىٰ ما كان فيه الغسل ..» «2» إلىٰ آخره.

بل الظاهر من مثل

قوله: «التراب أحد الطهورين» «3»

و

قوله: «إنّ اللّٰه جعلهما طهوراً: الماء، و الصعيد» «4»

عدم البدلية.

ثمّ إنّه لا يبعد أن يكون القائل بكون التيمّم مبيحاً لا رافعاً، هو القائل

______________________________

(1) الخصال: 572/ 1، أمالي الصدوق: 147/ 7، مستدرك الوسائل 18: 367، كتاب الديات، أبواب ديات الأعضاء، الباب 20، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 210/ 612، وسائل الشيعة 3: 362، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 5.

(3) لم نعثر على نصّ بهذا اللفظ و لكن يوجد مقارب منه. انظر وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 220

ببدليته؛ بأن يقول: إنّ المعتبر في الصلاة هو الطهور، و هو لا يحصل إلّا بالوضوء و الغسل، و أمّا التيمّم فبدل عن الطهور، لا موجب له و رافع للحدث، و إلّا فلو قيل بحصول الطهور منهما فلا معنىٰ للبدلية، و سيأتي في المسألة الآتية ما هو التحقيق.

ثمّ إنّ ما ذكرنا هاهنا من إنكار البدلية بالمعنى المتقدّم، لا ينافي ما سيأتي منّا مراراً من التمسّك بإطلاق البدلية و عموم المنزلة «1»، كما يظهر بالتأمل.

رافعيّة التيمّم للحدث
اشارة

و منها: صرّح غير واحد «2» بل ادّعى الإجماع جماعة «3» بأنّ التيمّم ليس برافع للحدث، بل هو مبيح، فلا يجوز فيه نيّة الرفع. و قد استدلّ عليه بعد الإجماع ببعض وجوه عقلية، سيأتي الكلام فيها و في حال الإجماع المدعىٰ

«4».

و ليعلم: أنّه لا ريب في أنّ المستفاد من الأخبار استفادة قطعيّة أنّ التيمّم طهور، كما أنّ الوضوء و الغسل كذلك،

كقوله: إنّه «أحد الطهورين» «5»

و «إنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد» «6»

و «إنّ اللّٰه جعلهما طهوراً: الماء، و الصعيد» «7»

و إنّه

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 387 و 389 و 400.

(2) المبسوط 1: 34، جامع المقاصد 1: 506، الدروس الشرعيّة 1: 134.

(3) المعتبر 1: 394، منتهى المطلب 1: 145/ السطر 1، تذكرة الفقهاء 2: 214.

(4) يأتي في الصفحة 224 230.

(5) وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(6) وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15 و 17.

(7) وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 221

«بمنزلة الماء» «1»

و «جُعلتْ لي الأرض مسجداً و طهوراً» «2»

و إنّ المتيمّم «فعل أحد الطهورين» «3»

و «إنّ التيمّم بالصعيد لمن لم يجد الماء كمن توضّأ من غدير ماء» «4»

و «إنّ الصعيد طهور المسلم إن لم يجد الماء عشر سنين» «5»

و «إنّ التراب طهور المسلم و لو إلىٰ عشر سنين ..» «6»

إلىٰ غير ذلك.

مع ظهور الآية الكريمة «7» فيه صدراً و ذيلًا؛ فإنّ الظاهر عرفاً من جعل التيمّم في مقام الضرورة شرطاً للصلاة، أنّه في حالها يفيد فائدة الوضوء و الغسل و لو بمرتبة نازلة منها، لا كونه أجنبياً عنهما و عن أثرهما، كما هو الظاهر في أمثال المقام، فلو قال الطبيب: «اشرب الدواء الكذائي، و لو لم تجده اشرب كذا» يفهم أنّه يفيد فائدة الأوّل و لو بمرتبة ناقصة منه.

و هذا واضح و لو مع الغضّ عن قوله تعالىٰ وَ

لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ فإنّه كالنصّ في ذلك. و دعوىٰ كونه مربوطاً بالصدر أي الوضوء و الغسل كما ترى.

نعم، في مقابل ما عرفت بعض روايات، ربّما يدّعىٰ دلالتها علىٰ عدم طهوريته،

كصحيحة الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «إذا لم يجد الرجل طهوراً، و كان جُنباً، فليمسح من الأرض و ليصلّ، فإذا وجد ماء فليغتسل، و قد أجزأته صلاته التي صلّىٰ» «8».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 2 و 3 و 4.

(3) وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15.

(4) وسائل الشيعة 3: 378، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 6.

(5) سنن الترمذي 1: 81/ 124، سنن النسائي 1: 171 (مع تفاوت يسير).

(6) سنن أبي داود 1: 144/ 332 (مع تفاوت يسير).

(7) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(8) الكافي 3: 63/ 3، وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 222

و مثلها صحيحة ابن سنان «1»؛ فإنّ التيمّم لو كان طهوراً لم يقل: «لم يجد طهوراً» مع إشعار الإجزاء به أيضاً.

و فيه: بعد كونه من قبيل مفهوم القيد الذي لا نقول بحجّيته، و لمّا لم يكن التيمّم طهوراً مطلقاً كالماء، كان الكلام مصوناً عن لغوية ذكره أنّ مثله لا يقاوم الأدلّة الناصّة علىٰ طهوريته، و دعوىٰ إشعار ذيلها بذلك كما ترى، بل يمكن دعوى الإشعار أو الدلالة بتحقّق الشرط الذي هو الطهور.

و منه يظهر الحال

في موثّقة يعقوب بن سالم، حيث قال فيها: «قد مضت صلاته، و لْيتطهّر»

«2».

و كذيل

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام): «و متىٰ أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنباً، و الوضوء إن لم تكن جنباً» «3».

و فيه: عدم ظهوره في أنّ إطلاق «الجنب» عليه إنّما هو في حال التيمّم، فإنّه كان جنباً قبل التيمّم، فصحّ إطلاقه عليه بلحاظه، و لا ظهور له في اتصال زمان وجدان الماء لصفة الجنابة.

نعم، ظاهره كونه قبل وجدانه جنباً، فلا يصحّ الحمل على الجنابة الحاصلة بعد وجدانه.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 193/ 556، و: 197/ 572، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 195/ 563، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 14.

(3) تهذيب الأحكام 1: 210/ 611، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 223

و

كموثّقة ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: رجل أمّ قوماً و هو جنب و قد تيمّم، و هم علىٰ طهور، فقال: «لا بأس» «5».

بدعوىٰ إطلاق «الجنب» عليه حتّى مع تيمّمه، فإنّ الظاهر منها أنّه أمّهم مع كونه جنباً. و أيضاً جعله مقابل القوم «و هم علىٰ طهور».

و فيه: أنّ قوله: «و هو جنب و قد تيمّم» ليس معناه أنّه جنب حتّى مع التيمّم، بل المراد أنّه جنب فتيمّم، فأمّ قوماً مع التيمّم، فلم يظهر منه أنّه جنب حتّى حال التيمّم و الصلاة.

و الإنصاف: أنّ السائل إنّما هو بصدد الاستفهام عن جواز اقتداء المتوضّي بالمتيمّم؛ من دون نظر إلىٰ بقاء جنابته حال التيمّم أو لا، و أجابه عن ذلك من غير نظر إلىٰ غيره. و قوله: «و هم

علىٰ طهور» قد مرّ جوابه.

هذا، مع أنّ إطلاق ابن بكير و جعله مقابلًا لما ذكر ليس بحجّة، و الإمام (عليه السّلام) ليس إلّا بصدد بيان حكم الاقتداء، فلم يظهر منه تقريره لما فهمه. مضافاً إلىٰ عدم مقاومة أمثال تلك الإشعارات التي لم تصل إلىٰ حدّ الدلالة لما تقدّم.

و قد ورد في هذا الموضوع

حسنة جميل بن درّاج أو صحيحته «1» تكشف المراد من مثل موثّقة ابن بكير، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إمام قوم أصابته

______________________________

(5) تهذيب الأحكام 1: 404/ 1265، و 3: 167/ 366، وسائل الشيعة 8: 327، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 17، الحديث 3.

(1) رواها الصدوق، عن محمّد بن حمران و جميل بن درّاج، و طريقه إليهما صحيح، و رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن علي بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران و جميل بن درّاج.

و لعلّ الترديد لأجل وقوع أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار في طريق الشيخ الطوسي إلىٰ محمّد بن علي بن محبوب و هو محلّ كلام.

و لا يخفىٰ أنّ المصنّف (قدّس سرّه) عبّر عنها بالصحيحة في الصفحة 17 و 162 و 238 و 315.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 224

جنابة في السفر، و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل، أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟ قال: «لا، و لكن يتيمّم الجنب و يصلّي بهم؛ فإنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً، كما جعل الماء طهوراً» «1».

فنفي البأس في موثّقة ابن بكير إنّما هو لأجل كون التراب طهوراً كالماء، فلا إشكال في المسألة من هذه الجهة.

إنّما الإشكال من جهتين أُخريين:
الجهة الأُولىٰ: هي الإشكال العقلي المعروف
اشارة

و هو أنّ التيمّم إذا كان رافعاً و مفيداً

للطهارة، لا يمكن أن ينتقض بوجدان الماء الذي ليس بحدث إجماعاً «2».

مع أنّ وجدانه لو كان حدثاً لزم المساواة في الموارد؛ لأنّه إمّا حدث أصغر يوجب الوضوء، أو أكبر يوجب الغسل، مع أنّه بانتقاض التيمّم ترجع الحالة الأُولىٰ جنابة أو حيضاً أو حدثاً آخر، و هو دليل علىٰ عدم كونه رافعاً.

و يمكن دفع الإشكالين: بأنّ الظاهر من الأخبار في الأبواب المتفرّقة، أنّ الحدث مانع عن الصلاة؛ سواء في ذلك الحدث الأصغر و الأكبر، و إيجاب الوضوء و الغسل لتطهير الحدثين، و منزلتهما كمنزلة الماء في تطهير القذارات الصورية و عود المحلّ إلىٰ حالته الأصلية.

و هذا في الحدث الأكبر واضح؛ ضرورة أنّ المكلّف الذي لم يحصل له

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 404/ 1264، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 2.

(2) المعتبر 1: 394، منتهى المطلب 1: 145/ السطر 1، روض الجنان: 124/ السطر 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 225

أسباب الجنابة و غيرها من سائر الأحداث الكبيرة، تصحّ صلاته، فلو كان شرط الصلاة أمراً وجودياً و كمالًا نفسانياً يحصل بالغسل، لكان اللازم على المكلّف الغسل و لو مع عدم حصول الأسباب. و القول بكونه واجداً له قبل حصولها، و هي صارت موجبة لزواله، و الغسل موجب لعوده، كما ترى.

و المتدبّر في الروايات خصوصاً ما تعرّضت لعلل الغسل و الوضوء «1» لا يكاد يشكّ في أنّ الجنابة حالة قذارة تحصل بأسبابها، و الغسل تطهير من الجنابة و تلك القذارة، و كذا الحال في الوضوء.

بل إطلاق «الطهور» على الغسل و الوضوء و كذا على الماء، ليس إلّا كإطلاقه على الماء بالنسبة إلىٰ رافعيته للقذارات الصورية؛ لأنّ معنى «التطهير»: التنظيف

المساوق لإزالة القذارة، و الأشياء غير الأعيان النجسة نظيفة بحسب ذاتها، و إنّما عرضت لها القذارة بملاقاتها القذارات، و الماء طهور لها، و موجب لعودها إلى الحالة الأصلية، و حال الوضوء و الغسل الطهورين من الأحداث و القذارات المعنوية، حال الماء الطهور من القذارات الصورية.

و يظهر ذلك بالتأمل في الآية الكريمة «2»؛ حيث قال تعالىٰ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا أي من الجنابة.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 225

و كذا يظهر

من قوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا .. إلىٰ آخره المفسّر بأنّه: «إذا قمتم من النوم» «3»

فيظهر منه أنّ الوضوء لرفع حدث النوم.

______________________________

(1) راجع علل الشرائع: 257، وسائل الشيعة 1: 367، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 9، و 2: 178، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 2.

(2) المائدة (5): 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 7/ 9، وسائل الشيعة 1: 253، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 3، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 226

و كذا يظهر ذلك من

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار؛ بذلك جرت السنّة من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله» «1».

حيث إنّ إطلاقها يقتضي نفي الصلاة إلّا بطهور من الأحداث و الأخباث، و ذيلها ظاهر في أنّ الاستنجاء بالأحجار و غسل البول لإزالة القذر، و مقتضى وحدة السياق و الحكم أن يكون الطهور من

الأحداث كذلك، فليست الصلاة مشروطة بالطهارة؛ أي الأمر المعنوي الحاصل بالوضوء و الغسل، نعم الطهارات الثلاث عبادات مقرّبات إلى اللّٰه تعالىٰ، و بهذه الحيثية يطلق على الوضوء: «أنّه نور»

و «الوضوء على الوضوء نور علىٰ نور» «2».

لكن لم يتضح كونها بتلك الحيثية شرطاً للصلاة، بل الظاهر أنّها مع عباديتها رافعة للقذارات المعنوية التي هي مانعة عنها.

و بالجملة: الأقرب بالنظر إلىٰ مجموع الأدلّة، هو مانعية الأحداث و الأرجاس عن الصلاة، و الطهور رافع لها، و المسألة تحتاج إلىٰ زيادة تفصيل و تنقيح.

إذا عرفت ذلك نقول: يمكن أن يقال: إنّ الأحداث الحادثة بأسبابها، إنّما تعرض على المكلّف، و تصير كالحالة الأصلية الثانوية له، و التيمّم إنّما يرفع الحدث ما دام متحقّقاً، فإذا انتقض بوجدان الماء و غيره، ترجع الحالة الأصلية الثانوية.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و: 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(2) الفقيه 1: 26/ 82، وسائل الشيعة 1: 377، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 8، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 227

و هو بوجه نظير النظافة التي للأشياء، فإنّها نظيفة لولا عروض القذارة عليها، و مع رفع القذارة عنها ترجع إلىٰ حالتها الأصلية من غير تأثير سبب، فيمكن أن تكون الجنابة العارضة كالحالة الأصلية و إن كانت حالة أصلية إضافية، و التيمّم رافعاً لها ما دام باقياً، و بوجدان الماء انتقض التيمّم، و ترجع الحالة الأصلية من غير لزوم تأثير سبب، فالماء ليس بحدث، بل ناقض للتيمّم الرافع للحدث، و المانع عن فعليته حالة الجنابة.

و إن شئت قلت: إنّ أسباب الأحداث توجب مع الأحداث اقتضاءً في الذات لإبقائها، و الوضوء و

الغسل رافعان لها و للاقتضاء، و التيمّم رافع لها لا للاقتضاء، و وجدان الماء ناقض للتيمّم، و رافع لمانع تأثير المقتضي، فيرجع الحدث بالاقتضاء الحاصل بالأسباب، تأمّل.

و علىٰ أيّ تقدير: يندفع كلا الإشكالين العقليين، مع حفظ ظهور الأدلّة في ناقضية الماء التيمّم و كونه طهوراً، و من غير مخالفة للإجماع المدّعىٰ علىٰ عدم كون الماء حدثاً.

جواب بعض المحقّقين عن الإشكالين السابقين و ما يرد عليه

و ما ذكرنا في دفعهما أولىٰ و أقرب إلىٰ ظهور الأدلّة ممّا ذكره بعض المحقّقين: من أنّ الطهارة إن كانت أمراً وجوديّاً كما هو الأظهر، نلتزم بحصولها لموضوع خاصّ؛ هو العاجز، و مع رفع العجز ينتفي الطهور بانتفاء موضوعه، لا لوجود المزيل.

و إن كانت القذارة أمراً وجودياً، فلا استحالة في أن يكون التيمّم مزيلًا لتلك القذارة علىٰ وجه يعدّ نظافة مع الضرورة، نظير مسح اليد بالحائط

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 228

لدى الضرورة. بل من الجائز أن يكون رافعاً لها بالمرّة، و لكن يكون أسبابها المؤثّرة لحدوثها، مقتضيات لتجدّدها عند تجدّد القدرة على استعمال الماء «1»، انتهىٰ ملخّصاً.

و فيه:- مضافاً إلىٰ أنّ ما اختاره من كون الطهارة أمراً وجودياً معتبراً في العبادات، خلاف التحقيق، كما أشرنا إليه، و ليس المقام جديراً بتحقيقه مستقصى أنّ القول بأنّ الطهور ينتفي بانتفاء موضوعه لا بوجود المزيل، مخالف للنصوص المصرّحة بناقضية الماء له، كصحيحة زرارة «2» و غيرها «3» و لكلمات الفقهاء فإنّهم جعلوا التمكّن من استعمال الماء ناقضاً له. بل عن جمع حكاية إجماع أهل العلم سوىٰ شاذّ من العامّة «4» عليه «5»، و معلوم أنّ ناقضية الماء غير تبدّل الموضوع.

و يرد علىٰ فرضه الثاني أي كون القذارة أمراً وجودياً، و التيمّم يعدّ نظافة لدى الضرورة، و

هو عبارة أُخرى عن حصول نظافة ناقصة غير كافية لدى الاختيار: أنّ هذا أيضاً مخالف لما تقدّم من الأخبار و كلمات الأصحاب، فإنّه لو صار عاجزاً فتيمّم، و وجد الماء مع القدرة على استعماله، و لم يتطهّر و فقد الماء، لا يجب علىٰ ما ذكره تجديد التيمّم؛ لحصول النظافة الناقصة و عدم تجدّد رافع لها.

و أمّا ما ذكره أخيراً، فيمكن إرجاعه إلىٰ ما ذكرناه أخيراً و إن كان خلاف

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 484/ السطر 21.

(2) الكافي 3: 63/ 4، تهذيب الأحكام 1: 200/ 580، وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 2 و 6.

(4) المبسوط، السرخسي 1: 110، الجامع لأحكام القرآن 5: 234، المجموع 2: 302.

(5) المعتبر 1: 401، تذكرة الفقهاء 2: 207، كشف اللثام 2: 492.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 229

ظاهره، فإنّ الظاهر منه أنّ تلك الأسباب الموجبة للأحداث، مقتضية للحدث عند وجدان الماء، مع أنّه مستحيل لو كان الاقتضاء علىٰ طبق التكوين. مضافاً إلىٰ أنّه التزام بحدوث حدث جديد و لو بالسبب الأوّل.

و كيف كان: لا يمكن رفع اليد عن ظاهر الكتاب و السنّة القطعية بتلك الوجوه العقلية القابلة للدفع.

الجهة الثانية: دعوى الإجماع علىٰ عدم كون التيمّم رافعاً

و قد تكرّرت الدعوىٰ في كتب القوم، كالشيخ و المحقّق و العلّامة و الشهيد و المحقّق الثاني و غيرهم «1».

لكن معروفية الاستدلال بالدليل العقلي المتقدّم بينهم من لدن عصر الشيخ، تمنع عن كشف دليل شرعيّ تعبّدي؛ لقرب احتمال كون المستند هو الوجه العقلي لا غير، كما ربّما يظهر من الشيخ في «الخلاف» عدم الإجماع منّا في هذه المسألة، فإنّه ادّعىٰ

عدم الخلاف في أنّ المتيمّم إذا وجد الماء وجب عليه الغسل، و مع كون التيمّم رافعاً لم يكن واجباً، فيظهر منه أنّ مستنده في هذا الحكم، هو عدم الخلاف في تلك المسألة و الوجه العقلي، قال:

«التيمّم لا يرفع الحدث، و إنّما يستباح به الدخول في الصلاة، و به قال كافّة الفقهاء إلّا داود و بعض أصحاب مالك، فإنّهم قالوا: يرفع الحدث «2».

دليلنا: أنّه لا خلاف في أنّ الجنب إذا تيمّم و صلّى ثمّ وجد الماء وجب

______________________________

(1) الخلاف 1: 144، المعتبر 1: 394، منتهى المطلب 1: 145/ السطر 1، ذكرى الشيعة 2: 282، جامع المقاصد 1: 514، مدارك الأحكام 2: 252.

(2) المجموع 2: 221.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 230

عليه الغسل، فلو كان الحدث قد زال بالتيمّم لما وجب عليه الغسل؛ لأنّ رؤية الماء لا توجب الغسل ..» «30» إلىٰ آخره.

و مراده ب «كافّة الفقهاء» هو فقهاء العامّة، كما يظهر من تعبيراته عنهم و عنّا في «الخلاف» و لذا استثنىٰ منهم داود و بعض أصحاب مالك، و لم يستثن السيّدَ منّا المصرّح بأنّه رافع، فعن «الذكرى»: «قال المرتضىٰ في «شرح الرسالة»: إنّ الجنب إذا تيمّم، ثمّ أحدث بالأصغر، و وجد ما يكفيه للوضوء، توضّأ به؛ لأنّ حدثه الأوّل قد ارتفع و جاء ما يوجب الصغرىٰ» «4» انتهىٰ. بل لا يبعد ظهوره من مقنع الصدوق «5» أيضاً.

و كيف كان: فالشيخ لم يدعِ الإجماع في هذه المسألة، و لهذا لم يدعه بعد قوله: «دليلنا كذا» بل جعل الدليل عدم الخلاف في مسألة أُخرى جعلها مبنى المسألة و تمسّك بالوجه العقلي المتقدّم «1».

و لا يبعد ظهوره من منتهى العلّامة «2» أيضاً. نعم ظاهر «التذكرة»

ادعاؤه زائداً على الدليل العقلي «3».

و علىٰ أيّ تقدير: لا يمكن الاتكال على الإجماع. مع قوّة احتمال أن يكون مرادهم أنّ التيمّم لا يرفع الحدث كرفع الماء؛ بحيث لا يحتاج إلى الغسل عند وجدانه، و هو مسلّم.

______________________________

(30) الخلاف 1: 144.

(4) ذكرى الشيعة 2: 283.

(5) المقنع: 25.

(1) تقدّم في الصفحة 224.

(2) منتهى المطلب 1: 145/ السطر 1.

(3) تذكرة الفقهاء 2: 214.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 231

الأمر الثاني في اعتبار المباشرة
اشارة

تعتبر في التيمّم المباشرة حال الاختيار، فلو يمّمه غيره مع قدرته لم يصحّ بلا إشكال. و عن «المنتهىٰ»: «لا خلاف عندنا في أنّه لا بدّ من المباشرة بنفسه» «1».

و نفى عنه الريب في محكي «المدارك» «2» و هو كذلك؛ لظهور الأدلّة فيها، فإنّ المتبادر من هيئة الأمر هو بعث المأمور لإيجاد المأمور به.

و الظاهر أنّ ذلك من دلالة اللفظ، لا حكم العقل كالإلزام الذي قلنا: إنّه خارج عن مفاد الهيئة و إن كان صِرف البعث، حجّةً عقلائية علىٰ لزوم الخروج عن عهدة التكليف ما لم يرد من قِبَل المولى ترخيص في الترك «3». لكن المباشرة مفهومة من ظاهر الهيئة، لكن لا بمعنى دخول مفهوم اسمي في مفاد الهيئة، بل بمعنى وضعها لنفس الإغراء المتوجّه إلى الغير بوجه يكون المبعوث خارجاً عنه، كخروج القيد و دخول التقيّد بوجه، فتدلّ دلالة لفظية على الإغراء المتوجّه إلى الغير؛ بحيث لا يكون جزءَ مفادِها.

و لا إشكال في أنّ الصدور الحقيقي بلا تأوّل هو المباشري، دون التسبيبي و النيابي المحتاجَين إلىٰ نحو تأوّل و ادعاء.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 148/ السطر 13 14.

(2) مدارك الأحكام 2: 227.

(3) مناهج الوصول 1: 250 256، تهذيب الأُصول 1: 135.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط -

الحديثة)، ج 2، ص: 232

حكم العاجز عن المباشرة

و كيف كان: لا شبهة في ظهور الأوامر وضعاً أو انصرافاً أو عقلًا مع قطع النظر عن القرائن في لزوم المباشرة، و مقتضاه سقوط الأمر عند تعذّره؛ لعدم دليل علىٰ تعدّد المطلوب في نفس الأدلّة الأوّلية، و لا يستفاد ذلك من الهيئة المتوجّهة إلى المخاطب الباعثة إيّاه نحو المأمور به.

نعم، لا إشكال في المقام في لزوم إيجاده تسبيباً و جعل غيره آلة لإيجاده بلا خلاف، كما في «الجواهر» «1» و عن «المدارك»: «تجب الاستنابة في الأفعال دون النيّة عند علمائنا» «2» فيظهر منه تسلّم الحكم عندهم.

مضافاً إلىٰ

صحيحة محمّد بن سكين في المجدور الذي غسّلوه فمات، ففي ذيلها: «أ لا يمموه؟! إنّ شفاء العيّ السؤال» «3».

و أمّا

مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «يؤمّم المجدور و الكسير إذا أصابتهما جنابة» «4»

فمع كونها في نسخة «الوسائل» بدل «يؤمّم» «يتيمّم» «5» يمكن أن يكون مبنيّاً للفاعل، فإنّ «يمّم» و «تيمّم» بمعنى واحد، فلا تدلّ على المطلوب.

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 178.

(2) مدارك الأحكام 2: 227.

(3) الكافي 3: 68/ 5، وسائل الشيعة 3: 346، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 15، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 185/ 533، وسائل الشيعة 3: 348، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 10.

(5) في النسخ الموجودة من الوسائل لدينا أيضاً «يؤمّم».

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 233

نعم، لا يبعد ظهور

مرسلة «الفقيه» في البناء للمفعول علىٰ تأمّل قال: و قال الصادق (عليه السّلام): «المبطون و الكسير يؤمّمان و لا يغسّلان» «1»

و إن كان المظنون فيهما البناء للمفعول، لكنّه ظنّ خارجي غير حجّة. و كيف كان لا إشكال في أصل

الحكم.

كما لا إشكال في أنّ المباشر يباشر صورة العمل؛ مقتصراً علىٰ مقدار يعجز عنه المكلّف، و يباشر النيّة نفس المكلّف، كما ادّعى «المدارك».

كما أنّ المعتبر ضرب يدي العاجز مع الإمكان، فإنّ ضربهما دخيل في ماهية التيمّم جزءً أو شرطاً، و ليس حاله حال الاغتراف للوضوء أو الغسل. و مع عدم إمكان ضرب يديه ينوب عنه الصحيح؛ بأن يضرب يديه على الأرض، فيمسح بهما وجه العليل و يديه.

و عن الكاتب: «يضرب الصحيح بيديه، ثمّ يضرب بهما يدي العليل» «2».

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّه مع دوران الأمر بين سقوط ما يتيمّم به و سقوط آلية اليد، لا شبهة في سقوط الثاني، و ضرب اليد على اليد المضروبة على الأرض ليس ضرباً عليها؛ أ لا ترى أنّه لو دار الأمر بين سقوط آلية اليد و التيمّم بالحديد مثلًا اختياراً، لا يحتمل تقديم الثاني! و ضرب اليد على اليد كضربها على الحديد.

و ممّا ذكرنا يظهر صحّة قول الشهيد: «إنّه لم نقف علىٰ مأخذ قول الكاتب» «3» و النظر فيما عن «كشف اللثام» من دعوى ظهور المأخذ «4».

______________________________

(1) الفقيه 1: 59/ 217، وسائل الشيعة 3: 348، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 12.

(2) انظر ذكرى الشيعة 2: 269.

(3) نفس المصدر.

(4) كشف اللثام 2: 480.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 234

الأمر الثالث في اعتبار الترتيب
اشارة

يعتبر الترتيب بين أجزاء التيمّم؛ بتقديم الضرب على الأرض علىٰ مسح الجبهة، و هو علىٰ مسح الكفّ اليمنىٰ، و هو على اليسرىٰ، فلو نكس استأنف بما حصل معه الترتيب. و هو إجماعي، كما عن «الغنية» و «المنتهىٰ» و «إرشاد الجعفرية» و «المدارك» و «المفاتيح» و ظاهر «التذكرة» و «الذكرى» «1».

و عن المرتضىٰ: «أنّ كلّ

من أوجب الترتيب في الوضوء أوجبه فيه، فمن فرّق بينهما خرق الإجماع» «2».

و عن «جامع المقاصد»: «يجب تقديم اليمنىٰ على اليسرىٰ إجماعاً» «3» و عن «الذكرى» نسبته إلى الأصحاب «4».

لكن ترك جمع منهم ذكر الترتيب بين الكفّين ك «الشرائع» و عن «المراسم» و «السرائر» و «المقنع» و «جمل العلم و العمل» «5» و عن بعضهم ترك

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 544/ السطر 21، غنية النزوع 1: 63، منتهى المطلب 1: 147/ السطر 30، مدارك الأحكام 2: 226 227، مفاتيح الشرائع 1: 62، تذكرة الفقهاء 2: 196، ذكرى الشيعة 2: 267.

(2) انظر المعتبر 1: 393.

(3) جامع المقاصد 1: 492.

(4) ذكرى الشيعة 2: 267.

(5) شرائع الإسلام 1: 40، المراسم: 54، السرائر 1: 136، المقنع: 26، جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى 3: 25.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 235

ذكر الترتيب مطلقاً «1»، أو ما في بدل الوضوء «2»، فالاستناد إلى الإجماع مع ذلك لا يخلو من توقّف.

لكن يمكن الاستدلال عليه بالسيرة العملية في مثل تلك المسألة التي تعمّ بها البلوىٰ، و تحتاج إليها طائفة من المكلّفين في صلواتهم، فلا يبعد الجزم بأنّه كان كذلك من لدن زمن الشارع، و كان الخلف أخذ من السلف كذلك إلىٰ عصر المعصوم (عليه السّلام). بل لا يبعد جواز الاتكال على الشهرة المحقّقة في هذه المسألة التي يقتضي إطلاق الكتاب و السنّة فيها عدم الترتيب بين الكفّين، كما يأتي الكلام فيه.

و كيف كان: لا ريب في تقدّم الضرب على الأرض علىٰ سائر الأجزاء كتاباً و سنّة، بل هو كالضروري.

كما لا إشكال في دلالة النصوص علىٰ تقدّم المسح على الجبين علىٰ مسح الكفّين، كموثّقة زرارة الآتية

و غيرها. و بمثلها يقيّد إطلاق الكتاب و السنّة، كبعض الروايات الآتية.

الإشكال في استفادة الترتيب بين الكفّين من الأدلّة و الجواب عنه

إنّما الإشكال في استفادة الترتيب بين الكفّين من الأدلّة، فقد استدلّ «3» له

بموثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «أتى عمّار بن ياسر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: يا رسول اللّٰه، إنّي أجنبت الليل، فلم يكن معي ماء، قال: كيف صنعت؟ قال

______________________________

(1) الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 49/ السطر 17.

(2) الفقيه 1: 57/ ذيل الحديث 212.

(3) رياض المسائل 2: 325.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 236

طرحت ثيابي، و قمت على الصعيد، فتمعّكت فيه، فقال: هكذا يصنع الحمار، إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «1» فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الأُخرىٰ، ثمّ مسح بجبينيه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة علىٰ ظهر الأُخرىٰ، فمسح اليسرىٰ على اليمنىٰ، و اليمنى على اليسرىٰ» «2».

و تقريبه: أنّ حكاية أبي جعفر (عليه السّلام) قضيّة عمّار، إنّما هو لبيان الحكم الشرعي، لا لبيان أمر تأريخي، فلا تكون مثل الفعل في عدم إفادة تقديم بعض الأفعال علىٰ بعضٍ وجوبَه بعد عدم إمكان الجمع بين الفعلين، فلا بدّ من الأخذ بخصوصيات النقل الذي هو لإفادة الحكم.

فنقول: إنّ قوله: «فمسح كفّيه كلّ واحدة علىٰ ظهر الأُخرىٰ» يكفي في مقام بيان الحكم لو كان الترتيب بينهما غير مراد، فيبقىٰ قوله: «فمسح اليسرىٰ على اليمنىٰ ..» إلىٰ آخره بلا نكتة، و حمله علىٰ بيان واقع القضيّة بلا نظر إلىٰ إفادة الحكم بعيد، و لا نكتة فيه إلّا بيان تقديم مسح اليمنىٰ على اليسرىٰ، و هو المطلوب.

و فيه: أنّه لو كان مراده من ذلك بيان لزوم تقديم اليمنىٰ، لكان عليه

عطف «اليمنىٰ» ب «ثمّ» أو الفاء، كما ترى عنايته (عليه السّلام) بتخلّل «ثمّ» في الجمل السابقة، فذكرها فيها و ترك ما يفيد الترتيب في الجملة الأخيرة، دليل على اعتبار الترتيب في غير اليسرىٰ، و عدم اعتباره فيها.

بل يمكن أن يدّعىٰ أنّ دلالة هذه الموثّقة علىٰ عدم اعتباره، أوضح من الإطلاقات؛ لأنّ عنايته بذكر خصوصيّات ما فعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لتعليم عمّار،

______________________________

(1) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(2) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 237

و العطف ب «ثمّ» و الفاء في «الجبهة» و «الكفّين» و تركهما في عطف «اليمنىٰ» على «اليسرىٰ» كادت أن تجعلها صريحة في عدم اعتباره في الكفّين.

نعم،

عن العيّاشي، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن التيمّم، فقال: «إنّ عمّار ..» ثمّ ساقها باختلاف يسير مع الموثّقة، و قال في ذيلها: «ثمّ دلك إحدىٰ يديه بالأُخرىٰ علىٰ ظهر الكفّ بدءً باليمنى» «1».

و دلالتها واضحة، خصوصاً مع سؤاله عن كيفيته، و نقل القضيّة لتعليم الكيفية، و عنايته بحكاية بدأة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) باليمنى، فلا إشكال فيها إلّا من جهة الإرسال و عدم الجبر؛ فإنّ مجرّد مطابقة الفتاوىٰ لها لا توجبه إلّا أن يعلم استنادهم إليها.

و بهذا يظهر النظر في الاستدلال بما في «فقه الرضا» «2» و دعوىٰ جبره «3».

______________________________

(1) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(2)

و هي هكذا: «و صفة التيمّم للوضوء و الجنابة و سائر أسباب الغسل واحد، و هو أن تضرب

بيديك على الأرض ضربة واحدة، ثمّ تمسح بهما وجهك من حدّ الحاجبين إلى الذقن، و روى: أنّ موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف ثمّ تضرب بهما اخرى فتمسح باليسرى اليمنى إلى حدّ الزند و روى من أُصول الأصابع من اليد اليمنى و باليمنى اليسرى على هذه الصفة.

و أروي: إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض ضربة واحدة، ثمّ تضع إحدى يديك على الأُخرى، ثمّ تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك و بقي ما بقي، ثمّ تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصل الأصابع من فوق الكف، ثمّ تمرها على مقدمها على ظهر الكف، ثمّ تضع أصابعك اليمنى على أصابعك اليسرى، فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى على اليمنى مرة واحدة، فهذا هو التيمّم».

الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السّلام): 88.

(3) مستند الشيعة 3: 453، جواهر الكلام 5: 175.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 238

بل الظاهر عدم فتوى جامع الكتاب بما أرسله، بل و لا غيره من الفقهاء؛ لأنّ فيه المسح علىٰ ظهر الأصابع من أُصولها، فراجعه. و الأولى للقائل بالجبر بمجرّد المطابقة، التمسّك برواية العيّاشي الموافقة لفتاوى الفقهاء، لا مرسلة «فقه الرضا» المخالفة لها التي هي مرسلة في مرسلة لم يعمل بها مرسلها، فضلًا عن غيره.

و أمّا التمسّك بذيل

صحيحة جميل: «فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» «1»

بدعوىٰ أنّ مقتضىٰ إطلاق التشبيه أنّه مثل الماء حتّى في كيفيته، إلّا ما خرج بدليل.

و ذيل

صحيحة حمّاد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل لا يجد الماء، أ يتيمّم لكلّ صلاة؟ فقال: «لا؛ هو بمنزلة الماء» «2»

بدعوى استفادة عموم المنزلة منها حتّى

في كيفيته.

ففي غير محلّه؛ ضرورة أنّهما في مقام بيان حكم آخر، و لا إطلاق فيهما من الجهة المبحوث عنها، كما لا يخفى.

و الذي يمكن أن يقال زائداً علىٰ ما تقدّم من السيرة العملية و ارتكاز المتشرّعة و حجّية الشهرة في مثل المسألة التي دلّت الأدلّة إطلاقاً علىٰ خلافها: إنّ المستفاد من الآية الكريمة مشفوعاً بالارتكاز العقلائي أنّ فاقد الماء يتيمّم، و يقصد الصعيد لتحصيل الطهور الذي كان يحصل بالماء، و أنّه يجب أن يفعل معه ما يفعل مع الماء عند فقده، فلو لم تتعرّض الآية لكيفيته، و اختتمت إلىٰ قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً يستفيد منها العقلاء أنّه عند عدم

______________________________

(1) الفقيه 1: 60/ 223، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 200/ 581، وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 239

وجدان الماء، يقوم الصعيد مقامه فيما يحتاج المكلّف إليه، فيفهم منه ما فهمه عمّار من التمعّك على الصعيد للغسل، و مسح أعضاء الوضوء بالكيفية التي فيه للحدث الأصغر.

و بالجملة: المتفاهم منه وضع التراب موضع الماء من غير تغيير و تبديل في الكيفية، فبقي المتقدّم و المتأخّر في الغسل علىٰ حالهما من غير تصرّف و تغيير إلّا فيما يتطهّر به، نظير أن يأمر المولى بضيافة العلماء مقدّماً على الأشراف، و هم مقدّماً على التجار، و عيّن محلّاً خاصّاً لها، و شرائطَ و قيوداً، و قال: «أضفهم بالغذاء الفلاني، و مع فقده بالفلاني» فإنّه لا ريب في أنّ العرف لا يأخذ بإطلاق قوله: «و مع فقده كذا» و يرفع اليد عن الشرائط و القيود، بل

يحكم بأنّ التبديل إنّما وقع في الغذاء، لا في سائر الكيفيات، فلا بدّ من مراعاتها. و مقتضى هذا الارتكاز أنّ كلّ ما يعتبر في الوضوء و الغسل، معتبر في التيمّم الذي هو بدله. و القائل بالبدلية إن كان مراده ذلك فلا كلام، و إن كان مراده عدم حصول الطهور بل يحصل بدله، فقد مرّ ما فيه «1».

و بالجملة: لا شبهة في أنّ مقتضى ارتكاز العقلاء و الرجوع إلى الأشباه و النظائر، أنّ التبديل إنّما هو فيما يتطهّر به، لا في كيفية التطهير و العمل.

فحينئذٍ نقول: إنّ قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ «2» يدلّ علىٰ سقوط المسح على الرجل و الرأس، و عدم كونه إلى المرفق، و لا علىٰ جميع الوجه؛ لمكان الباء علىٰ ما أفاد أبو جعفر (عليه السّلام) «3» و أمّا سائر ما

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 220.

(2) المائدة (5): 6.

(3) الكافي 3: 30/ 4، الفقيه 1: 56/ 212، تهذيب الأحكام 1: 61/ 168، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 240

يعتبر فيه من الشرائط و الموانع، فبقيت علىٰ حالها، كالبدأة بالوجه و باليمنى المعتبرة في الوضوء، و طهارة المحالّ و غيرها من الشرائط، فلا بدّ من مراعاة ما يعتبر فيهما فيه أيضاً. و لو لا الدليل لقلنا بعدم اعتبار الموالاة في بدل الغسل، لكن سيأتي «1» بيان استفادته من الأدلّة حتّى من الآية الكريمة.

و يؤيّد ما ذكرناه

قوله في صحيحة زرارة في تفسير الآية عن أبي جعفر (عليه السّلام): «.. ثمّ قال فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ فلمّا أن وضع الوضوء عمّن

لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحاً» «2»

فإنّه مُشعر أو ظاهر في إثبات المسح ببعض المحالّ، و إسقاط الغسل فقط؛ من غير تصرّف في سائر الشرائط و القيود.

كما يشعر به

ما في «الرضوي» قال: «و نروي أنّ جبرئيل نزل إلىٰ سيّدنا محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في الوضوء ..» إلىٰ أن قال: «ثمّ في التيمّم بإسقاط المسحين، و جعل مكان موضع الغسل مسحاً» «3».

و كيف كان: لا ينبغي الإشكال في أصل الحكم؛ و إن فرض إمكان المناقشة في بعض ما ذكر.

و ممّا ذكرنا من التقريب المتقدّم، يظهر الدليل على اعتبار كلّ ما يعتبر في الوضوء و الغسل جميعاً، كطهارة المحالّ و المباشرة و غيرهما ممّا يعتبر فيهما.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 242.

(2) تقدّم تخريجه في الصفحة 239، الهامش 3.

(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 89، مستدرك الوسائل 2: 535، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 241

الأمر الرابع في اعتبار الموالاة
اشارة

مقتضى التقريب المتقدّم في بيان الترتيب، التفصيل بين التيمّم الذي للحدث الأصغر و ما للأكبر في الموالاة، كما حكي عن الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الدروس» «1» و كذا التفصيل بين الشرائط التي اعتبرت في أحدهما دون الآخر، كالمسح من الأعلى، فيقال باعتباره في بدل الوضوء، دون بدل الغسل.

لكن مقتضىٰ بعض الروايات مساواتهما،

كموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن التيمّم من الوضوء و الجنابة و من الحيض للنساء، سواء؟ فقال: «نعم» «2».

و

موثّقة أبي بصير قال: سألته عن تيمّم الحائض و الجنب، سواء إذا لم يجدا ماءً؟ قال: «نعم» «3»

بناءً علىٰ أنّ المراد ب «تيمّم الحائض إذا لم تجد ماءً» ما تحتاج

إليه من بدل الغسل و الوضوء.

و حملهما علىٰ صِرف الكيفية دون سائر ما يعتبر فيهما، فاسد بعد اقتضاء الإطلاق سوائيتهما مطلقاً، فحينئذٍ لا يمكن التمسّك بالآية للتفصيل، و لا لاعتبار الموالاة مطلقاً، و لا لعدمه كذلك، و كذا في سائر الشرائط التي اعتبرت في أحدهما دون الآخر، فالقول بالتفصيل غير وجيه.

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 1: 133.

(2) الفقيه 1: 58/ 215، تهذيب الأحكام 1: 212/ 617، وسائل الشيعة 3: 362، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 65/ 10، تهذيب الأحكام 1: 212/ 616، وسائل الشيعة 3: 363، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 242

الدليل على اعتبار الموالاة مطلقاً

و الأقوى اعتبارها مطلقاً، و الدليل عليه مضافاً إلى الإجماعات المحكيّة عن «الغنية» و «جامع المقاصد» و «الروض» و «مجمع البرهان» و ظاهر «المنتهىٰ» و «الذكرى» و «المدارك» «1» و إلى ما أشرنا إليه في الترتيب من السيرة المستمرّة الكاشفة عن كونه كذلك من زمن الشارع المقدّس «2»، و إن كان للإشكال في ذلك مجال؛ لاحتمال كونها لاقتضاء العادة و عدم الداعي إلى التفريق، لا الاعتبار، و إن أمكن أن يقال: إنّ في ارتكاز المتشرّعة اعتبارها الآية الكريمة، قال تعالىٰ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ «3».

بناءً علىٰ كون الفاء للترتيب باتصال، كما هو المعروف «4»، فيفيد قوله فَامْسَحُوا الترتيب باتصال عرفي بين المسح على الوجه و الأيدي، و بين وضع اليدين أو ضربهما على الأرض الذي هو المراد من قوله فَتَيَمَّمُوا؛ لأنّ قصد الأرض ليس بنفسه موضوعاً للحكم بلا إشكال.

بل أخذ العنوان الطريقي الذي ليس مقصوداً بالذات فيه، لعلّه دليل علىٰ أنّ المراد منه المرئي

و المقصود، خصوصاً مع قيام القرينة عليه؛ فإنّ قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً عقيب فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً ظاهر عرفاً في أنّ المراد التوصّل إلى الصعيد للتمسّح به على الوجه، و المقصود هو الوضع أو الضرب على

______________________________

(1) غنية النزوع 1: 64، جامع المقاصد 1: 493، روض الجنان: 127/ السطر 3، مجمع الفائدة و البرهان 1: 238، منتهى المطلب 1: 149/ السطر 32، ذكرى الشيعة 2: 267، مدارك الأحكام 2: 227.

(2) تقدّم في الصفحة 235.

(3) المائدة (5): 6.

(4) شرح الكافية 2: 365، مغني اللبيب 1: 213 214، البهجة المرضيّة 2: 69.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 243

الأرض و لو بدليل خارجي، فكأنه قال: «اضرب يديك على الأرض، فتمسّح بلا فصل بوجهك و يديك».

فلو دلّت الفاء على الترتيب باتصال، تمّت الدلالة بلا احتياج إلىٰ دعوى عدم القول بالفصل، كما صنع المحقّق الثاني «1» علىٰ ما حكي عنه «2». لكن في دلالتها عليه تأمّل.

نعم، لا إشكال في دلالتها على الترتّب و التعقّب، و هي غير كافية.

فالأولى الاستدلال على المطلوب بلفظة مِنْهُ فإنّ «مِنْ» علىٰ ما تقدّم ابتدائية لا تبعيضية «3»، فالمعنىٰ: «فامسحوا بوجوهكم و أيديكم مبتدئاً من الصعيد، و منتهياً إلى الوجوه و الأيدي» و التمسّح من الصعيد بهذا المعنىٰ لا يصدق عرفاً إلّا مع حفظ العلاقة بين الضرب على الأرض و المسح منها على الوجه و اليدين.

أ لا ترى أنّه لو قيل لمريض: «تمسّح من الضرائح المقدّسة تبرّكاً» لا ينقدح في ذهن العقلاء منه إلّا مع حفظ العلقة بين المسح عليها و المسح علىٰ موضع العلّة! فلو مسحها بيده، ثمّ انصرف و ذهب إلىٰ حوائجه، ثمّ مسح يده على الموضع بعد سلب العلاقة العرفية، لم

يعمل بقوله: «تمسّح منها»؛ لأنّه لا يكون إلّا بعلاقة خاصّة مقطوعة بالفصل المعتدّ به، كما ربّما تقطع بغيره، كما لو ضرب يده على الأرض فغسلها، فإنّ الظاهر سلب العلاقة و عدم صدق «التمسّح منها» لا لاعتبار العلوق، بل لاعتبار العلاقة الخاصّة العرفية.

نعم، لو قلنا: بأنّ المراد من قوله فَامْسَحُوا .. مِنْهُ فامسحوا ببعضه، أو أراد به العلوق و الأثر من الأرض، لما تمّ الاستدلال؛ لصدقه مع بقاء أجزاء

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 493.

(2) ذخيرة المعاد: 106/ السطر 14، مستمسك العروة الوثقىٰ 4: 416.

(3) تقدّم في الصفحة 147.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 244

الأرض على اليد أو أثرها عليها. لكنّه خلاف التحقيق كما مرّ «1»، و سيأتي بعض الكلام فيه «2».

و بما ذكرنا يظهر صحّة التمسّك للمطلوب ببعض الأخبار،

كصحيح الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «إذا لم يجد الرجل طهوراً و كان جنباً، فليتمسّح من الأرض» «3».

و نظيرها صحيح ابن سنان «4».

لعدم صدق «المسح منها» لو قطعت العلاقة، بعد ظهور «من» في الابتدائيّة، كما تقدّم حكايته عن أئمّة الأدب «5».

و لو قيل: لا تدلّ الابتدائية إلّا علىٰ لزوم كون ضرب اليد مبتدئاً من الأرض، و منتهياً إلى الوجه، و أمّا اعتبار العلقة فلا، أ لا ترى أنّ المسافر إذا سافر من بلده إلىٰ مكّة المعظّمة مع اشتغاله بين الطريق بأُمور كثيرة، بل مع تعطّله عن السير في بعض البلاد التي بين الطريق، يقال: «سافر من بلده إلىٰ مكّة» من غير لزوم العلاقة! يقال: مع أنّ القياس لعلّه مع الفارق كما يظهر من التأمل في مثل: «تمسّح من التربة» أو «من الضرائح المقدّسة» و الأشباه و النظائر إنّ ما ذكر

من النقض حاله حال المقام؛ لأنّه لو فرض التعطّل عنه بين الطريق بمقدار انقطعت العلقة بين قطعات سفره عرفاً، يخرج عن صدق «منه» و «إليه».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 151 153.

(2) يأتي في الصفحة 264 267.

(3) الكافي 3: 63/ 3، وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 4.

(4) تهذيب الأحكام 1: 193/ 556، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 7.

(5) تقدّم في الصفحة 149 150.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 245

لكن في مورد النقض و نظائره، تعارف لكيفيّة طيّ الطريق و الإقامة في بعض البلاد للزيارة أو لسائر الحوائج، ما لا يوجب التلبّسُ بها لأجله سلبَ العلقة، فلو فرض خروجه عن التعارف، كما لو سافر من بلده إلى الحجّ، فأقام في النجف الأشرف مدّة لتحصيل العلم أو غيره؛ بحيث سلبت العلاقة بين قطعات أسفاره، لخرج عن الصدق أيضاً، فالعلاقة معتبرة، و المقامات متفاوتة، و في المقام تنقطع العلاقة بفصل معتدّ به.

و بهذا ظهر الميزان في الموالاة، فإنّها عبارة عن بقاء تلك العلاقة العرفية، و هي محفوظة مع عدم الفصل المعتدّ به عرفاً بين الضرب و بين المسحات.

و أمّا التقدير بمقدار الجفاف في الوضوء أو بمقدار سلب الاسم، فلا دليل عليه. نعم مع سلب الاسم عرفاً لا تبقى العلاقة المذكورة.

و ظهر أيضاً لزوم الموالاة سواء قلنا: بأنّ الضرب على الأرض شرط، أو جزء، أو لا ذا و لا ذاك، بل هو مثل الاغتراف، فإنّ التمسّح من الأرض معتبر بلا إشكال، و هو لا يصدق إلّا مع حفظ العلاقة و عدم الفصل بين الضرب و المسح.

و أمّا الاغتراف من الماء فلا يعتبر فيه شي ء؛ لأنّ

الوضوء غسل الوجه بالماء، و هو يحصل لو بقي الماء في كفّه أربعين سنة.

كما أنّه لو قلنا: إنّ المعتبر في التيمّم المسح ببعض الأرض أو بأثرها، و الضرب مقدّمة لذلك، لما كان يلزم حفظ العلاقة، بل المعتبر صدق «المسح ببعضها» أو «أثرها» و هو صادق و لو بقيا ما بقيا.

فتأمّل في أطراف ما ذكرنا و الموارد التي نظيره في العرف، و تدبّر في الارتكازات العرفية حتّى يتضح لك الحال، و لا تحتاج إلى التكلّف بما ارتكبه بعض المحقّقين في إقامة الدليل عليه «1»، مع ما ترى من تردّده في صحّة مقالته، فيقدّم رجلًا، و يؤخّر اخرىٰ.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 486 487.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 246

الأمر الخامس في اعتبار ضرب اليدين على الأرض
اشارة

هل يعتبر في التيمّم ضرب اليدين على الأرض؟ أو يعتبر وضعهما؛ بناءً علىٰ مباينته للضرب؟ أو يكفي مطلق التمسّح عليها وضعاً أو ضرباً؟

أو لا يعتبر شي ء من ذلك، بل المعتبر وصول أثر الصعيد إلى الوجه و الكفّين، فيكفي تعريضهما للهواء المغبّر ليصل إليهما؟

أو يعتبر المسح باليدين، لكن لا يعتبر وضعهما أو ضربهما على الأرض، بل يكفي تأثّرهما منها و لو بوضعها عليهما، أو استقبالهما للعواصف حتّى تتأثّرا، كما حُكي «1» عن العلّامة «2»؟ لكن عن بعض تكذيبه، و نسبة الحكاية إلى الغفلة «3».

أو يعتبر الضرب أو الوضع على الأرض، لكن لا يعتبر ماسح خاصّ، بل يجزي بكلّ آلة؛ يداً كانت أو غيرها؟

وجه عدم اعتبار المسح باليد و تضعيفه

و لو لا مخالفة الأصحاب و السيرة المستمرّة المتقدّمة «4»، لكان للاحتمال الأخير وجه معتدّ به.

توضيحه: أنّ الظاهر من الآية الكريمة، أنّه مع عدم وجدان الماء يقوم

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 1: 541/ السطر 14.

(2) نهاية الإحكام 1: 203.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 487/ السطر 24.

(4) تقدّم في الصفحة 235.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 247

التراب مقامه، لكن مع تبديل الغسل ببعض المسح، فقوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أي اقصدوا و انحوا نحوه لتمسّح الوجوه و الأيدي منه، فلا ينقدح في ذهن العرف منه إلّا أنّ التمسّح من الصعيد على الوجه و الأيدي، تمام الموضوع و تمام حقيقة التيمّم، و أنّ قصد الصعيد و الذهاب إليه، إنّما هو لأجل التوصّل إلىٰ هذا المقصود.

أ لا ترى أنّه لو قال: «اذهب إلى الماء، و خذ غُرفة منه، فاغسل وجهك به» لا ينقدح في الذهن دخالة الذهاب و الاغتراف فيه، و يرى العرف و العقلاء أنّ ذكر الغرفة كذكر التراب لمحض التوصّل إلىٰ غسل الوجه!

و المقام أولىٰ به منه؛ لأنّ الأمر بالتيمّم من الصعيد عقيب الأمر بغسل الوجه و الأيدي في الوضوء الذي يطلب فيه صِرف غسلهما من غير دخالة للآلة يجعل الذيل ظاهراً بل كالنصّ في أنّ منزلة التراب منزلة الماء، و أنّ المقصود حصول المسح من الصعيد محلّ الغسل بأيّة آلة حصل. و عدم ذكر الآلة مع كونها في مقام البيان، يؤكّد ما ذكرناه.

و تشهد به

صحيحة زرارة المفسّرة لها، قال فيها: «فلمّا أن وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء، أثبت بعض الغسل مسحاً؛ لأنّه قال بِوُجُوهِكُمْ ثمّ وصل بها وَ أَيْدِيَكُمْ» «1».

فإنّها ظاهرة في أنّ التصرّف إنّما هو في إثبات المسح موضع الغسل، فكما أنّ الغسل لا يعتبر فيه آلة خاصّة، كذلك ما اثبت محلّه.

فتحصّل من ذلك: أنّ الظاهر من الآية أنّ اللازم فيه هو التمسّح من الصعيد على الوجه و الأيدي، و هو لا يحصل إلّا مع التوصّل إلى التمسّح على

______________________________

(1) الكافي 3: 30/ 4، الفقيه 1: 56/ 212، تهذيب الأحكام 1: 61/ 168، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 248

الصعيد، و منه إليهما، و هو صادق بأيّة آلة، كالغسل بالماء.

فإذا علم ذلك فلا بدّ في رفع اليد عنه من دليل صالح، و الأدلّة الواردة في التيمّمات البيانية «1» و غيرها تشكل صلاحيتها لذلك؛ فإنّ وِزانها وِزان ما وردت في الوضوءات البيانية «2» ممّا اشتملت على الأخذ بالغُرفة و باليمين؛ حيث لا يفهم منها إلّا صِرف الآلية من غير دخالة في تحصيل الغسل.

و بهذا يظهر الخدشة في دلالة مثل

قوله: «تضرب بكفّيك الأرض» «3»

فإنّه مع كون اليد آلة للمسح،

لا يفهم العرف منها الخصوصية،

كقوله: «يجزيك من الوضوء ثلاث غُرفات: واحدة للوجه، و اثنتان للذراعين» «4»

فكما لا يفهم منه اعتبار الاغتراف، و لا ينقدح في الذهن إلّا صرف آليتها، و لا يصلح لتقييد إطلاق الآية، كذلك حال الضرب بالكفّين.

و ليس المدّعىٰ إلغاء الخصوصية حتّى يقال: لا طريق للعرف إليه في مثل هذا الحكم التعبّدي.

بل المدّعىٰ عدم إمكان رفع اليد عن ظهور الآية بمثله مع عدم الانقداح في الذهن من «ضرب اليد و الكفّ» إلّا الآلية، فلا يحرز من مثله القيدية حتّى يقيّد به الإطلاق، كما لا تحرز من الوضوءات البيانية.

و لعمري، إنّ هذا الوجه وجيه لولا الجهات الخارجيّة؛ من مفروغيّة الحكم لدى الأصحاب و معهوديّة التيمّم بين المتشرّعة؛ بحيث ما ذكرناه يعدّ كالشبهة في مقابل البديهة، و لهذا ترى أنّه مع كمال المناسبة بين البابين،

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11.

(2) راجع وسائل الشيعة 1: 387، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 15.

(3) وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 1: 387، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 249

لم يتفوّه أحد بذلك! و هو كافٍ في بطلانه.

و أمّا بعض الاحتمالات المتقدّمة كالمنسوب إلى العلّامة و ما قبله «1» فهو مخالف لظاهر الآية و جميع الأدلّة، فلا داعي للتعرّض له.

وجه اعتبار الضرب أو الوضع و وجه اعتبار مجرّد المسح باليد
اشارة

بقي الكلام في أنّ المعتبر هو ضرب اليدين أو وضعهما؛ بناءً علىٰ مباينتهما، أو لا يعتبر شي ء منهما، بل المعتبر هو شي ء أعمّ؛ أي مطلق المماسّة و لو مسحاً.

مقتضىٰ إطلاق الآية عدم اعتبار شي ء إلّا كون المسح من الأرض؛ أي مبتدئاً منها، و قد

قيّدت بالإجماع بل الضرورة بلزوم كون الآلةِ اليدَ، و بقي إطلاقها بالنسبة إلى الوضع و الضرب بحاله. بل بمناسبة كون الصعيد قائماً مقام الماء عند فقده و الارتكاز المتقدّم ذكره «2»، يتقوّىٰ إطلاقها، و يشكل رفع اليد عنه بمثل قوله: «تضرب بكفّيك الأرض» في مقام بيان كيفية التيمّم و لو مع الغضّ عن الروايات المشتملة على الوضع؛ لعدم فهم القيدية منه، بل لا ينقدح في ذهن العرف إلّا أنّ الضرب للتوصّل إلى التمسّح من الأرض، خصوصاً من مثل

قوله في صحيحة الكندي: «التيمّم ضربة للوجه، و ضربة للكفّين» «3»

الظاهر في أنّ الضرب لصرف التمسّح للوجه، و لا موضوعية له.

و بالجملة: لا يحرز من مثله القيدية و لو مع قطع النظر عن سائر الروايات.

ثمّ إنّ الروايات التي في الباب:
اشارة

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 246.

(2) تقدّم في الصفحة 239.

(3) تهذيب الأحكام 1: 210/ 609، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 250

منها: ما هي مشتملة علىٰ حكاية عمّار بن ياسر

، كصحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام): «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ذات يوم لعمّار ..» إلىٰ أن قال: «فقال: كذلك يتمرّغ الحمار؛ أ فلا صنعت كذا؟! ثمّ أهوىٰ بيديه إلى الأرض، فوضعهما على الصعيد ..» «1» إلىٰ آخره.

و الظاهر منها ظهوراً كاد أن يكون كالنصّ، أنّ قوله: «ثمّ أهوىٰ» من تتمّة كلام أبي جعفر (عليه السّلام) أي أهوى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الحاكي له أبو جعفر (عليه السّلام) فلا يأتي فيه احتمال الاشتباه إلّا من الرواة في نقل القول، و هو مدفوع بالأصل، و ظاهرها كفاية الوضع و لو لم يشتمل علىٰ خصوصيّة زائدة؛ و هي الدفع و اللطم، إذ لو كانت دخيلة في ذلك لما أهملها أبو جعفر (عليه السّلام) في مقام بيان الحكاية لتعليم الحكم.

نعم،

في موثّقة زرارة عنه بعد حكاية القضية: «فقال: هكذا يصنع الحمار، و إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فضرب بيديه على الأرض ..» «2» إلىٰ آخره.

و ظاهرها أيضاً أنّ قوله: «فضرب» من كلام أبي جعفر (عليه السّلام) حكاية عن فعل النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و احتمال أن كان العمل من أبي جعفر (عليه السّلام) فيها، غير بعيد.

و لا يبعد أن يكون وجه اختلاف الحكاية علىٰ فرض كونها منه (عليه السّلام) أو العمل و الحكاية علىٰ فرض آخر، أنّ واقع فعل النبي

(صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هو الضرب، لكن لمّا كان العنوان المفيد للأمر الزائد عن حقيقة الوضع، غيرَ دخيل في صحّة التيمّم، و كان متقوّماً بمطلق الوضع كيف كان، ذكره أبو جعفر (عليه السّلام) لإفادة عدم دخالة شي ء

______________________________

(1) الفقيه 1: 57/ 212، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8.

(2) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 251

غيره. و لمّا كان الضرب وضعاً أيضاً مع قيد، لا يكون النقل خلاف الواقع، كما لو كان مجي ء إنسان موضوعاً لحكم، فجاء زيد مثلًا، فيصحّ أن يقال: «جاء زيد» و أن يقال: «جاء إنسان».

و بالجملة: حكىٰ أبو جعفر (عليه السّلام) تارة: واقع القضيّة مع بعض الخصوصيّات غير الدخيلة في صحّة التيمّم و كيفيّته، كقوله (عليه السّلام): «أهوىٰ بيديه إلى الأرض» و كقوله: «ضرب بيديه» و أُخرى: ما هو دخيل في الحكم، كقوله: «وضع يديه» إفادةً لعدم دخالة الخصوصيّة الزائدة. و ليس هذا من قبيل المطلق و المقيّد، بل هو حكاية قضيّة شخصية لا بدّ في ترك القيد الزائد الذي اشتملت عليه من نكتة، و المحتمل أن تكون ما ذكرناها.

و منها: ما اشتملت علىٰ بيان كيفية التيمّم عملًا،

كرواية الخزّاز الصحيحة على الأصحّ «1»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن التيمّم فقال: «إنّ عمّاراً ..» إلىٰ أن قال: فقلت له: كيف التيمّم؟ فوضع يده على المِسْح .. إلىٰ آخره «2».

و

صحيحة داود بن النعمان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن التيمّم فقال: «إنّ عمّاراً ..» إلىٰ أن قال: فقلنا له: فكيف التيمّم؟ فوضع يده على الأرض .. «3»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) رواها الكليني، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي أيّوب الخزّاز. و لا إشكال في رجال السند، إلّا في محمّد بن عيسى العبيدي، و هو ثقة على الأصحّ، كما صرّح به المصنّف (قدّس سرّه) في غير موضع من كتبه. راجع الجزء الأوّل: 349.

(2) الكافي 3: 62/ 4، وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 207/ 598، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 252

و

صحيحة زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: و ذكر التيمّم و ما صنع عمّار، فوضع أبو جعفر (عليه السّلام) كفّيه على الأرض .. «1» إلىٰ آخره.

و

موثّقة سَماعة أو صحيحته «2» قال: سألته: كيف التيمّم؟ فوضع يده على الأرض .. «3» إلىٰ آخره.

و احتمال الاشتباه من الرواة في حكاية الفعل «4»، لا يُعتنىٰ به، سيّما مع تعدّدهم و تكرّر الرواية، و كونهم من قبيل زرارة و الخزّاز و سماعة.

فدار الأمر بين تقييد الإطلاقات كتاباً و أخباراً، و رفع اليد عن صحيحة زرارة المتقدّمة «5» الحاكية لفعل النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بلفظ أبي جعفر (عليه السّلام) مع أنّ إعمال الإطلاق و التقييد غير وجيه بعد الحكاية عن الفعل الشخصي تاركاً لما هو دخيل في الحكم فرضاً؛ و إن فهم من حكايته حكم كلّي و بين رفع اليد عن قيدية

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 208/ 603، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 5.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان

بن عيسى، عن سماعة.

وجه الترديد لوقوع عثمان بن عيسى و سماعة في السند؛ لأنّ عثمان بن عيسى كان شيخ الواقفة و وجهها و من أصحاب الإجماع على قول، و لكنّ الظاهر رجوعه عن الوقف. و سماعة بن مهران ثقة عند النجاشي و واقفي عند الشيخ الطوسي.

رجال النجاشي: 193/ 517 و 300/ 817، رجال الطوسي: 337/ 4، الفهرست: 120/ 534.

(3) تهذيب الأحكام 1: 208/ 602، الإستبصار 1: 170/ 592، وسائل الشيعة 3: 365، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 3.

(4) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 488/ السطر 34.

(5) تقدّمت في الصفحة 250.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 253

الضرب الوارد في الأخبار الكثيرة، و الأهون في المقام مع الخصوصيات المتقدّمة هو الثاني، سيّما مع كون المطلق و المقيّد مثبتين، و الحمل في مثله متوقّف علىٰ إحراز وحدة المطلوب، و هو مع ما تقدّم مشكل.

مضافاً إلىٰ أنّ المقام ليس من قبيل المطلق و المقيّد؛ فإنّ المتفاهم العرفي من قوله: «وضع يده على الأرض» في مقام تعليم التيمّم و بيان كيفيّته، أنّه كان وضعها بلا دفع و اعتماد، و إلّا كان على الرواة عدم إهماله، و الحمل على الغفلة قد مرّ ما فيه «1»، فيظهر أنّ مقتضىٰ هذه الروايات أنّ عمل المعصوم في مقام التعليم، كان وضعاً لا ضرباً، و معه كيف يمكن إعمال المطلق و المقيّد؟! فلا محيص عن الالتزام إمّا برفع اليد عن الروايات الصحيحة التي هي في مقام البيان، و هو كما ترى.

و إمّا البناء علىٰ أنّ للتيمّم كيفيتين؛ إحداهما: وضع اليد، و ثانيتهما: ضربها.

و إمّا البناء علىٰ أنّ المعتبر فيه ليس إلّا لمس الأرض وضعاً أو ضرباً، بل أو مسحاً؛ أخذاً

بإطلاق الآية، و جمعاً بين الروايات، و هو أهون؛ لكونه جمعاً عقلائيّاً بين جميع الروايات.

نعم، لا يبعد الالتزام برجحان الضرب؛ أخذاً بظواهر ما دلّت على الضرب و اشتملت على الأمر به. هذا كلّه إذا قلنا بعدم مباينة «الضرب» و «الوضع».

و أمّا لو قلنا بمباينتهما، فيقع التعارض بين صحيحة زرارة و موثّقته الحاكيتين عن أبي جعفر (عليه السّلام) نقلَ فعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حيث عبّر في الأُولىٰ ب «الوضع» و في الثانية ب «الضرب» و هو لا يوجب رفع اليد عن سائر الروايات الحاكية لفعل أبي عبد اللّٰه و أبي جعفر (عليهما السّلام) في مقام تعليم التيمّم بعد السؤال عن

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 250.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 254

كيفيته، فالأخذ بجميع الروايات، و الالتزام بأنّ للتيمّم كيفيتين، و حمل ما اشتملت على الأمر بالضرب على الرجحان، أولىٰ و أهون من طرح الطائفة المقابلة مع صحّة سندها. بل هو من قبيل حمل الظاهر على النصّ؛ لأنّ أخبار الضرب ظاهرة في تعيّنه، و أخبار الوضع نصّ في الاجتزاء به، مع موافقتها لإطلاق الكتاب.

و أمّا الشهرة المنقولة في المقام «1» فليست من الشهرات المعتدّ بها؛ لأنّ المسألة اجتهادية تراكمت فيها الأدلّة. هذا مع ذهاب جملة من الأساطين إلى الاجتزاء بالوضع صريحاً أو ظاهراً، كالشيخ في محكي «المبسوط» و «النهاية» و المحقّق في «الشرائع» و الشهيد في محكي «الذكرى» و عن «جامع المقاصد» و «حاشية الإرشاد» «2».

لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بعد اشتمالِ أكثر الروايات على «الضرب» «3» و نقلِ الشهرة، و احتمالِ كون مراد بعض من عبّر ب «الوضع» الضربَ منه، و تعارفِ الضرب بين المتشرّعة، و

اللّٰه العالم.

تنبيه: هل الضرب أو الوضع شرط لحصول المسح أو جزءٌ؟

ظاهر الكتاب و السنّة أنّ الضرب أو الوضع شرط لحصول المسح من الأرض، لا جزء للتيمّم؛ فإنّ قوله تعالىٰ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً متفرّعاً عليه قوله فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ظاهر في أنّ قصد الصعيد ضرباً أو

______________________________

(1) كشف اللثام 2: 468، جواهر الكلام 5: 180.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 541/ السطر 8، المبسوط 1: 32، النهاية: 49، شرائع الإسلام 1: 40، ذكرى الشيعة 2: 259 260، جامع المقاصد 1: 489 490.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 1 و 3 و 6 و 7 و 9، و الباب 12، الحديث 2 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 255

وضعاً؛ لأجل المسح و التوصّل إليه، و لو لا الإجماع و التسلّم بينهم «1» لقلنا بعدم مدخلية الآلة الخاصّة أيضاً، لكن بعد القول باعتبارها لا ريب أنّ الظاهر منها أنّ الضرب لأجل المسح بالوجوه و الأيدي، كما هو الظاهر أيضاً من مثل

قوله: «التيمّم ضربة للوجه، و ضربة للكفّين» «2»

و

قوله: «مرّتين مرّتين للوجه و اليدين» «3»

و هذا يُنافي الجزئيّة.

و لا دليل على اعتبار الجزئية زائداً على اعتبار الشرطية؛ بأن يكون جزءً بالنسبة إلى المجموع، و شرطاً لسائر الأجزاء. و

قوله: «تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «4»

لا يدلّ على الجزئية لو لم نقل بدلالتها على الشرطية، خصوصاً مع كون جميع الروايات كالتفسير للآية الكريمة.

فتوهّم «5» كون التيمّمات البيانية «6» و كذا أشباه الرواية المتقدّمة في مقام بيان ماهيّة التيمّم و الأجزاء المقوّمة لها، غير وجيه جدّاً؛ لأنّ الظاهر أنّهم (عليهم السّلام) بصدد بيان كيفية التيمّم الصحيح؛ من غير نظر

إلىٰ ما يعتبر فيه شرطاً أو جزءً، لو لم نقل بظهور بعضها كالرواية المتقدّمة في الشرطية، فالأظهر هو الشرطية.

و أمّا الثمرة بين القولين فغير ظاهرة، نعم لو قلنا: بأنّ دليل اعتبار الموالاة

______________________________

(1) راجع ذكرى الشيعة 2: 258، جامع المقاصد 1: 489 و 498، مدارك الأحكام 2: 217، جواهر الكلام 5: 179.

(2) وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

(5) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 487/ السطر 30.

(6) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 256

فيه هو ظهور الأوامر المتعلّقة بالمركّبات في إتيان أجزائها متوالية و مرتبطة كما استدلّوا به له «1» يكون اعتبار الموالاة بين الضرب و المسح على الجزئية، و عدم اعتباره على الشرطية، ثمرةً بينهما؛ لأنّ غاية ما يمكن دعواه هو ظهورها في الموالاة بين الأجزاء، لا بين الشرائط و الأجزاء أيضاً، كما لا يخفى. لكن قد عرفت أنّ وجه اعتباره غير ذلك «2»، و مع ما ذكرناه لا تكون هذه ثمرة، فراجع.

و يمكن أن يقال: إنّه على الشرطية لا دليل علىٰ لزوم قصد التقرّب و التعبّد به، بخلافه على الجزئية؛ لأنّ المتيقّن من الإجماع علىٰ عباديّة التيمّم عباديّة ماهيّته، لا الأعمّ منها و من شرائطه. إلّا أن يقال: مقتضى ارتكاز المتشرّعة عبادية الضرب أيضاً.

و قد يقال في بيان الثمرة أمران آخران «3»، و هو غير سديد.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 486/ السطر 13.

(2) تقدّم في الصفحة 242.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 487/ السطر

28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 257

الأمر السادس اعتبار كون الضرب بكلتا اليدين
اشارة

لا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2» في اعتبار كون الضرب بكلتا يديه، فلو ضرب بإحداهما بطل. بل يمكن استفادته من الكتاب العزيز، فضلًا عن الأخبار الناصّة عليه.

عدم اعتبار ضرب اليدين دفعةً

و أمّا اعتبار الدفعة فغير ظاهر، بل مقتضىٰ إطلاق الأدلّة عدم اعتبارها؛ أمّا إطلاق الكتاب فظاهر، و أمّا الأخبار فلأنّ الظاهر من

قوله: «تضرب بكفّيك» «3»

ليس إلّا اعتبار الضرب بهما؛ و أنّه تمام الموضوع للحكم، و أمّا الدفعة فأمر آخر غير ضربهما لا بدّ في اعتباره من بيان و تقييد مفقود في المقام، فمقتضىٰ إطلاق مثله هو عدم الاعتبار.

و توهّم «4» دلالة الأدلّة عليه انصرافاً أو إشعار كلّ واحد من الأخبار، و بعد ضمّ بعضها إلىٰ بعض يستفاد الحكم، غير سديد.

نعم لا يبعد أن يكون العمل الخارجي المتعارف بين الناس، موجباً لتوهّم الانصراف، لكنّه غير الانصراف في نفس الأدلّة.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11.

(2) المقنعة: 62، المبسوط 1: 32 33، السرائر 1: 136، جواهر الكلام 5: 181 182.

(3) وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 489/ السطر 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 258

و الإنصاف: أنّ رفع اليد عن ظاهر الأدلّة و مقتضى إطلاقها مشكل؛ و إن كان ترك الاحتياط و البناء علىٰ عدم الاعتبار بعد كون العمل عليه مشكلًا آخر.

اعتبار الضرب بباطن الكفّين

ثمّ إنّه لا ريب في أنّ الظاهر من الأدلّة و لو انصرافاً أنّ المعتبر ضرب باطن الكفّين، خصوصاً بعد ارتكازية مخالفة الماسح و الممسوح. بل يمكن أن يستدلّ عليه بعدها بمثل

موثّقة زرارة: «ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة علىٰ ظهر الأُخرىٰ» «1».

و

قوله في رواية داود: «فوضع يديه على الأرض، ثمّ رفعهما فمسح وجهه و يديه فوق الكفّ» «2»

بعد كونه في مقام بيان كيفية التيمّم.

و لا يمكن إلغاء الخصوصيّة بعد ما عرفت من اعتبار الأدلّة الخاصّة

فيه، بل اللازم مراعاة جميع ما يتفاهم من التيمّمات البيانيّة و غيرها المحتملة دخالتها، بعد كونها في مقام بيان كيفية التيمّم و ما يعتبر فيه.

كما لا ريب في جواز التيمّم بالتراب و نحوه و إن لم يكن متصلًا بالأرض، و يدلّ عليه مضافاً إلى السيرة القطعية، و

قوله: «التراب أحد الطهورين» «3»

و ما دلّ علىٰ جواز التيمّم بالجصّ و النورة الصادق كلّ منهما على المنفصل من الأرض أنّ الظاهر عرفاً من قوله تعالىٰ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً .. إلىٰ قوله:

______________________________

(1) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

(2) تهذيب الأحكام 1: 207/ 598، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 4.

(3) تقدّم في الصفحة 219.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 259

مِنْهُ أنّ ما هو دخيل فيه هو محلّ الضرب و وقوع اليد، و أمّا سائر أجزاء الأرض التي لا تقع اليد عليها، فلا دخالة لها في المسح.

و لو نوقش فيه، فلا إشكال في أصل الحكم، بعد كون التراب أحد الطهورين، و قطعية عدم الفصل بينه و بين الحجر و غيره.

في اعتبار كون الضرب بجميع الباطن

ثمّ إنّ المعتبر فيه ضرب مجموع باطن الكفّين؛ لكون «الكفّ» اسماً له ظاهراً، و بعضه جزء له، لا كفّ على الإطلاق.

نعم، لو كانت ناقصة يكفي الضرب بها، و لا يسقط التيمّم بلا إشكال؛ لقاعدة الميسور، و ضرورية عدم سقوط الصلاة. بل لا يبعد فهمه من نفس الخطابات المتوجّهة إلى المكلّفين، كما ذكرناه في الوضوء «1» و قلنا: إنّ قوله تعالىٰ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ ليس مخصوصاً بمن كان وجهه و يده سليمين، فمن قطعت يده من الأصابع، و سمع قوله

تعالىٰ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ يرىٰ لزوم غسل يده الناقصة إلى المرفق، و لا ينقدح في ذهنه توجّه الخطاب إلى السالمين. نعم لو كان القطع من المرفق يكون خارجاً منه.

و في المقام أيضاً يرى العرف دخول مقطوع الإصبع تحت الخطاب و لو قلنا بكون «الكفّ» اسماً للمجموع؛ و ذلك لمناسبات مغروسة في الأذهان، كما هو كذلك في الخطابات العرفية.

بل لا يبعد أن يقال: إنّ «الكفّ» ك «اليد» و «الرجل» صادقة على الكلّ

______________________________

(1) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 440.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 260

و البعض، لكن ينصرف مثل قوله: «اضرب كفّيك» إلىٰ ضرب جميعهما، و هو يتمّ مع سلامة الكفّ، و مع نقصها يصدق «أنّه ضرب كفّيه على الأرض» حقيقة، فلا إشكال في عدم سقوط التيمّم و الصلاة مع نقصان الكفّ.

حكم من قطعت كفّاه من الزند

و أمّا لو قطعت كفّاه من الزَّنْد، فقد يقال بلزوم مسح الوجه بالذراعين، و مسح ظاهر كلٍّ بباطن الأُخرىٰ. و هو بالنسبة إلىٰ مسح الوجه غير بعيد و إن لا يخلو من شبهة، لكن بالنسبة إلىٰ ظاهر كلٍّ بباطن الأُخرىٰ و قيامِهما مقامَ الكفّ، بعيد لعدم شمول الخطابات له، و هو واضح، و عدم كون مسح الذراعين ميسورَ مسحِ الكفّين.

و لو حاول أحد تعميم قاعدة «الميسور ..» لمثل ذلك، لصحّ له أن يلتزم بلزوم مسح الرجل أو سائر الجسد بدل اليد إذا قطعت يداه من الأصل؛ لأنّ المسح بظاهر الكفّ ينحلّ إلى المسح، و كونه بظاهر الكفّ، و كونه بالكفّ، و كونه بالجسد، فمع تعسّر كلّ مرتبة يجب قيام الأُخرىٰ مقامها، و هو كما ترى.

و بالجملة: ليست الذراعان مع الكفّ إلّا كأجنبي في باب

التيمّم، و ليس المسح عليهما ميسورَ مسحِ الكفّين، و الانحلال العقلي غير معوّل عليه في مثل المقام. بل لزوم مسح الجبهة فقط ممّن لم يكن له يد لكونه ميسورَ التيمّم أيضاً لا يخلو من إشكال.

و الاحتياط لازم علىٰ أيّ حال في مثل الصلاة التي لا تُترك بحال، مع بُعد عدم تكليف مثله بالصلاة التي هي عماد الدين إلىٰ آخر عمره. بل ليس المدّعى للقطع بعدم ترك مثله سُدى بمجازف.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 261

حكم تعذّر المسح بباطن الكفّين

ثمّ لو تعذّر الضرب بباطن الكفّين، هل يقوم ظاهرهما مقامه بدعوىٰ: أنّه ميسوره و أقرب من غيره، أو يقوم باطن الذراعين مقامه، فيضرب بباطنهما، و يمسح بهما الوجه و ظاهر الكفّين، أو يتخيّر بينهما، أو يجب الجمع؛ للعلم الإجمالي بحصول التيمّم الواجب بإحدى الكيفيتين؟

وجوه، لا يبعد ترجيح الثاني؛ لأنّ أصل اعتبار كون الماسح هو اليد و الكفّين، غير مستفاد من الأدلّة اللفظية كما مرّ، و إنّما قلنا باعتباره للسيرة و الإجماع «1»، و المتيقّن منهما اعتباره حال عدم التعذّر و في صورة الاختيار، و أمّا مع التعذّر فالأصل و إن اقتضىٰ عدم اعتبار إحدى الخصوصيتين، لكن المتفاهم من الأدلّة كما مرّت الإشارة إليه «2» مخالفة الماسح للممسوح؛ و أنّ آلة المسح موصلة لأثر الأرض و لو أثراً اعتبارياً إلىٰ ما لم يلمس الأرض، و مع القول بالانتقال إلى الظاهر، لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظاهر.

و بعبارة اخرىٰ: يعتبر في التيمّم حال الاختيار، كونُ المسح بباطن الكفّ، و مغايرةُ الآلة للممسوح، و في حال التعذّر يرفع اليد عن الباطن، و تحفظ المغايرة مع حفظ آلية اليد، فيرجّح الذراع على الظاهر.

لكن ما ذكرناه لا يساعد عليه

كلمات القوم ممّن تعرّض للمسألة «3»، و الاحتياط بالجمع لا ينبغي تركه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 246.

(2) تقدّم في الصفحة 258.

(3) جامع المقاصد 1: 490، رياض المسائل 2: 324، جواهر الكلام 5: 182 183.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 262

حكم نجاسة الباطن

ثمّ إنّه مع نجاسة الباطن؛ إمّا أن تكون سارية إلى الأرض لو تيمّم، أو إلى الممسوح دون الأرض، كما لو جرح العضو بعد الضرب، أو لم تكن سارية مطلقاً:

فعلى الأوّل قد يقال: إنّ ظاهر الأدلّة اعتبار طهارة الصعيد عند ضرب اليد عليه، فإذا صار قذراً بالضرب لا يضرّ بالتيمّم «1».

و فيه: أنّ ظاهر الآية «2» مع قطع النظر عن صحيحة زرارة «3» اعتبار طهارته عند رفع اليد منه أيضاً؛ لمكان مِنْهُ فإنّ الظاهر رجوع الضمير إلى «الصعيد الطيّب» فمع ابتدائية «مِنْ» كما هي الأرجح يكون المعنىٰ: «فامسحوا مبتدئاً من الصعيد الطيّب».

نعم، بناءً علىٰ رجوع الضمير إلى «التيمّم» كما في صحيحة زرارة المفسّرة للآية يشكل استفادة ما ذكر منها، كما تقدّم بعض الكلام فيها «4».

إلّا أن يقال: إنّ المراد من قوله: «ذلك التيمّم» ذلك الضرب الواقع على الصعيد الطيّب، و مع قذارته بالضرب يخرج عن ذلك العنوان، تأمّل.

و يمكن استفادة اعتبار طهارة الأرض التي يمسح منها المحالّ و كذا اعتبار طهارة المحالّ الممسوحة إذا فرض سراية نجاسة الكفّ إليها من الآية

______________________________

(1) مستند الشيعة 3: 457، مصباح الفقيه، الطهارة: 490/ السطر الأخير.

(2) المائدة (5): 6.

(3) الفقيه 1: 56/ 212، الكافي 3: 30/ 4، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

(4) تقدّم في الصفحة 247.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 263

الكريمة و صحيحة زرارة المتقدّمة

بالتقريب المتقدّم؛ مستمدّاً بارتكاز العرف في اعتبار كلّ ما يعتبر في الوضوء و الغسل جميعاً في التيمّم، فراجع «1».

و أمّا مع عدم سرايتها بأن يكون المحلّ جافّاً فالظاهر عدم الانتقال إلى الظاهر، بل ينتقل إلى الذراعين، كما مرّ الكلام فيه «2».

و أمّا دعوى: أنّ حفظ الذات أولىٰ من حفظ الوصف، فمع الانتقال إلىٰ غير باطن الكفّ، ترك الأصل و الذات حفظاً للوصف، بخلاف المسح بالباطن النجس.

ففيها: أنّ أمثال هذه الأُمور الاعتبارية و الترجيحات الظنّية، غير معوّل عليها في الأحكام التعبّدية البعيدة عن العقول. مع ما عرفت «3» من أنّ اعتبار باطن الكفّ بل مطلق آلية اليد غير مستفاد من الأدلّة لولا الإجماع و السيرة المفقودان في مثل المقام.

و الاحتياط في جميع صور الدوران لا ينبغي أن يترك؛ و إن كانت البراءة في كثير من الموارد محكّمة؛ بناءً علىٰ جريانها في الطهارات الثلاث، كما هو الأقوىٰ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 239.

(2) تقدّم في الصفحة 261.

(3) تقدّم في الصفحة 261.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 264

الأمر السابع هل يعتبر في التيمّم العلوق ممّا ضرب عليه؟
اشارة

و الكلام فيه يقع في موارد:

عدم لزوم مسح المواضع بالتراب و نحوه

منها: في اعتبار العلوق بمعنى لزوم مسح المواضع بالتراب و نحوه، و لا إشكال و لا كلام عندنا في عدم اعتباره، و هو الذي ادّعي الإجماع عليه، فعن «المنتهىٰ»: «لا يجب استعمال التراب عند علمائنا» «1» و حكي الإجماع عن غيره أيضاً «2».

و الظاهر أنّ خلاف بعض المتأخّرين «3» ليس في ذلك، كما يظهر من استدلالاتهم، خصوصاً جوابهم عن الروايات الدالّة على النفض: «من عدم المنافاة بينه و بين لزوم العلوق؛ لبقاء الأجزاء الصغيرة الغبارية بعد النفض» فيظهر منهم أنّ مرادَهم بلزوم العلوق، لزومُ بقاء أثر التراب الذي لا يسمّى «تراباً». و كيف كان: يدلّ علىٰ عدم اعتباره بعد الإجماع الأدلّةُ الدالّة على استحباب النفض أو جوازه «4»؛ ضرورة أنّه بعده لا يبقى من نفس الصعيد و الأرض على اليد

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 147/ السطر 35.

(2) انظر جواهر الكلام 5: 187 188، كنز العرفان في فقه القرآن 1: 26، جامع المقاصد 1: 496، مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 67.

(3) الحبل المتين: 89/ السطر 5، مفاتيح الشرائع 1: 62، الحدائق الناضرة 4: 333 335.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3 و 6 و 7 و 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 265

شي ء، و ما بقي عليها أحياناً هو أثرهما الذي لا يسمّى «تراباً» عرفاً و لا «أرضاً».

و الآيةُ الكريمة بعد البناء علىٰ كون «مِنْ» ابتدائية بشهادة صحيحة زرارة «1» التي دلّت علىٰ رجوع الضمير المجرور إلى «التيمّم» لا «الصعيد» و كذا الأخبار المتقدّمة «2»؛ ضرورة أنّه لو كان الجارّ للتبعيض و المجرور راجعاً إلى «الصعيد» لزم منه

وجوب حمل الصعيد إلى الوجه و الكفّين، مع أنّه بعد النفض لا يبقى بعض الأرض على اليد للوجه، فضلًا عن الكفّين، فإذا لم تكن تبعيضية فلا محالة تكون ابتدائية؛ لضعف الاحتمالات الأُخر، فتدلّ على أنّ المعتبر في التيمّم، أن يكون المسح مبتدئاً من الأرض لا بالأرض، فتدلّ علىٰ عدم اعتبار العلوق بالمعنى المتقدّم، و لا بغيره كما يأتي، فلا ينبغي الإشكال في عدم اعتباره بهذا المعنىٰ.

عدم لزوم أن يعلق على اليد من أجزاء الأرض

و منها: اعتباره بمعنى لزوم أن يعلق على اليد من أجزاء الأرض و لو سقطت بالنفض، بل و لو لم يبقَ أثرها. و لا ينبغي الإشكال في عدم اعتباره أيضاً، بل هو أضعف من سابقه؛ لإمكان التمسّك له بالآية و الصحيحة المتقدّمة؛ بتوهّم تبعيضية «مِنْ» و بارتكازية بدلية التراب للماء، و إن ظهر ضعفهما ممّا تقدّم حتّى الثاني، فإنّ الارتكاز لا يقاوم الأدلّة كتاباً و سنّة.

و أمّا توهّم اعتبار العلوق و كونه واجباً مستقلا، لا للتمسّح به على الأعضاء، فهو خلاف الآية و الروايات جميعاً؛ فإنّ الظاهر منها عدم استقلاليته، بل لو كان

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 262.

(2) تقدّمت في الصفحة 244.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 266

معتبراً فلأجل المسح على الأعضاء، و الروايات المشتملة على النفض يظهر منها بمساعدة الارتكاز العرفي أنّ النفض لعدم الاحتياج إلىٰ ما يعلق من الصعيد على اليد لمسحها، و لا إشعار فيها بلزوم العلوق استقلالًا من غير لزوم المسح به.

و لهذا ترى أنّ الروايات المشتملة على الوضع خالية عن ذكر النفض «1»، بخلاف ما تشتمل على الضرب، فإنّها مشتملة عليه «2» إلّا نادراً «3»! و الظاهر أنّ الوجه فيه هو تحقّق العلوق بالضرب دون الوضع، خصوصاً في

أراضي الحجاز الغالب عليها الرمل و الأحجار الصغار التي تلصق باليد مع الضرب، دون الوضع بلا اعتماد و لا قوّة و لا مكث.

و بالجملة: عدم اعتبار العلوق بهذا المعنىٰ أيضاً واضح.

عدم اعتبار انتقال أثر من الأرض إلى الأعضاء

و العمدة البحث عن النحو الثالث من العلوق؛ و هو أثر التراب و الأرض، و لا يبعد أن يكون ذلك مورداً للكلام، و مختاراً لبعض المتأخّرين، كما مرّت الإشارة إليه. و هو أيضاً لا يقصر في الضعف عمّا تقدّم؛ فإنّ «مِنْ» في الآية الكريمة إن كانت تبعيضية، تنطبق على العلوق بالمعنى الأوّل، و إن كانت ابتدائية لا تنطبق على العلوق بهذا المعنى أيضاً. بل بعد البناء على الابتدائية، تدلّ الآية بإطلاقها علىٰ عدم اعتبار العلوق؛ للدلالة علىٰ أنّ تمام الموضوع لتحقّق التيمّم، كون التمسّح مبتدئاً من الصعيد من غير دخالة شي ء آخر فيه.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 2 و 4 و 5 و 8.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3 و 6 و 7.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 267

و دعوىٰ: أنّ المسح منه على الوجه و الكفّ و لو بمناسبة الحكم و الموضوع منصرف إلى انتقال أثر من الأرض إلى الأعضاء «1»، مدفوعة بأنّ ما هو المرتكز من قيام الصعيد مقام الماء، هو قيام نفسه مقامه، كما فعل عمّار، لا قيام أثره، و بعد قيام الدليل علىٰ عدم لزوم ذلك، لا مجال لدعوىٰ قيام الأثر، فلا يجوز رفع اليد عن الإطلاق، و لا دعوى الانصراف لأجل الارتكاز.

كما أنّ دعوى الانصراف أو

عدم الإطلاق لأجل غلبة الأراضي في انتقال أثرها إلى اليد و بقائه بعد النفض «2» مدفوعة بمنع الغلبة الموجبة لعدم الإطلاق، فضلًا عن الانصراف، سيّما في أراضي نزول الوحي و صدور الروايات، و خصوصاً مع كون «الصعيد» مطلق وجه الأرض، و بالأخصّ مع قرب أراضي الحرمين الشريفين من البحر الموجب لنزول الأمطار الغريزة في غالب الفصول فيها، مع كيفية أرضهما الخالية من التراب الموجب لعدم كونها مغبّرة و عدم بقاء أثرها بعد النفض غالباً، و معه كيف تسوغ دعوى الغلبة و الانصراف، و كيف يمكن السكوت عنه مع فرض اعتباره؟! مضافاً إلىٰ أنّه لو فرض بقاء أثر ضعيف بعد النفض، فلا ريب في أنّه مع إمرار اليدين على الوجه، يرتفع و ينتقل إليه، فلا يبقى للكفّين أثر منه، فلا بدّ للقائل بلزوم العلوق؛ إمّا أن يلتزم بلزومه للوجه فقط، أو لزوم المسح ببعض اليد على الوجه بوجه يبقى الأثر للكفّين، أو لزوم ضرب آخر بعد مسح الوجه، و لا أظنّ التزامه بالأوّلين، و يأتي الكلام في ضعف الثالث «3».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 492/ السطر 24.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 491/ السطر 34.

(3) يأتي في الصفحة 304.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 268

الأمر الثامن في تحديد الماسح و الممسوح و كيفية المسح
أمّا الماسح، فيقع البحث فيه من جهات:
الجهة الاولىٰ: في كفاية المسح بيد واحدة
اشارة

بعد وضوح لزوم كون المسح بما يضرب على الأرض نصّاً «1» و فتوى «2»، هل يعتبر أن يقع مسح الجبهة باليدين، كما عن «التذكرة»: «أنّه الأظهر من عبارات الأصحاب» «3».

و عن «المدارك»: «أنّ أكثر الأصحاب علىٰ كون المسح بباطن الكفّين معاً» «4» و عن «المختلف» و «الذكرى» و «كشف اللثام»: «أنّه المشهور» «5».

أو يجتزأ بيد واحدة، كما عن «التذكرة» احتماله «6»، و عن المولى الأردبيلي و المحقّق الخونساري اختياره «7»؟

______________________________

(1)

راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11 و 12.

(2) المقنعة: 62، المبسوط 1: 33، تذكرة الفقهاء 2: 190.

(3) تذكرة الفقهاء 2: 194.

(4) مدارك الأحكام 2: 222.

(5) مختلف الشيعة 1: 274، المسألة 204، ذكرى الشيعة 2: 265، كشف اللثام 2: 469.

(6) تذكرة الفقهاء 2: 194.

(7) مجمع الفائدة و البرهان 1: 237، الحواشي علىٰ شرح اللمعة الدمشقية، المحقّق الخوانساري: 151/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 269

وجه الاجتزاء بيد واحدة

لا يبعد ترجيح ذلك؛ لإطلاق الآية الكريمة و عدم صلوح الأدلّة لتقييدها. و دعوىٰ «1» كونها من المتشابهات التي يجب الرجوع فيها إلىٰ تفسير أهل البيت (عليهم السّلام) كدعوىٰ عدم إطلاقها؛ لكونها في مقام أصل التشريع ضعيفة؛ ضرورة عدم إجمال و تشابه فيها، فإنّ الظاهر من قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً الواقع في ذيل بيان الوضوء و الغسل و أنّهما بالماء، و بقرينة فَامْسَحُوا .. مِنْهُ هو التلمّس للأرض بالآلة المتداولة التي هي باطن الكفّين؛ لعدم إمكان المسح على اليدين بكفّ واحدة، فيستفاد منها لزوم مسح بعض الوجه و اليدين من الأرض بالآلة. نعم لولا الجهات الخارجية لقلنا بعدم لزوم كون اليد آلة، كما تقدّم «2».

فإطلاق الآية محكّم ما لم يرد دليل على التقييد. و التقييدات الواردة عليها ليست بحدّ الاستهجان حتّى نلتزم بإهمالها، أو بقيام قرائن حالية لم تصل إلينا.

و الذي يشهد علىٰ عدم إجمال أو إهمال فيها، إرجاع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عمّاراً إليها لرفع خطئه

بقوله: «هكذا يصنع الحمار؛ إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «3».

و

في رواية: «إنّما قال اللّٰه فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ» «4».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 492/ السطر

33.

(2) تقدّم في الصفحة 246.

(3) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

(4) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 270

و في اخرىٰ: «أ فلا صنعت كذا؟» ثمّ تيمّم «1».

و تمسّك أبي جعفر (عليه السّلام) بها و بخصوصياتها لتعليم زرارة «2»، فلا إشكال في إطلاقها و عدم تشابهها. نعم الروايات الحاكية لفعلهم «3»، لا يكون فيها إطلاق معتدّ به من هذه الجهة.

و أمّا عدم صلوح شي ء لتقييدها؛ فلأنّ أظهر ما في الباب في ذلك ممّا يمكن الركون إليه سنداً

موثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في التيمّم قال: «تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «4».

و

صحيحة المرادي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في التيمّم قال: «تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» «5».

بدعوىٰ ظهورهما بل صراحتهما في كون مسح الوجه باليدين.

لكن يمكن إنكار ظهورهما فضلًا عن صراحتهما بأن يقال: إنّ محتملات قوله: «و تمسح بهما وجهك و يديك» كثيرة بدواً:

أحدها: أن يكون المراد «تمسح بهذه و هذه وجهك و يدك اليمنىٰ و اليسرى» جموداً علىٰ ظاهر علامة التثنية من تكرير مدخولها، و ظاهر الضمير الراجع إلىٰ

______________________________

(1) الفقيه 1: 57/ 212، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8.

(2) الفقيه 1: 56/ 212، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11.

(4) تهذيب الأحكام 1: 212/ 615، وسائل

الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

(5) تهذيب الأحكام 1: 209/ 608، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 271

طبيعة اليدين؛ من غير اعتبار الاجتماع في المدخول و المرجع، فإنّه يحتاج إلىٰ مئونة زائدة.

و لازم هذا الاحتمال لزوم مسح كلّ يد جميع الجبهة، أو هي مع الجبينين، و كذا مسح كلٍّ من اليدين الماسحتين كلَّ واحدة من الممسوحتين، و هو غير ممكن في الثاني، و لم يلتزموا به في الأوّل، فهذا الاحتمال مدفوع لذلك.

ثانيها: أن يكون المراد «تمسح بمجموعهما وجهك و كلّ واحد من يديك» و لازمه لزوم مسح كلّ من اليدين بمجموعهما، و هو أيضاً مدفوع؛ لامتناعه.

ثالثها: أن يكون المراد «تمسح بمجموعهما وجهك و مجموع اليدين» و لازم ذلك ما هو المشهور.

رابعها: «تمسح بمجموعهما مجموع الوجه و اليدين» أي بمجموع هذين مجموع الثلاثة. و لازم ذلك جواز مسح الوجه بيد واحدة، كما اختاره المحقّقان المتقدّمان.

و لا ترجيح لأحد الأخيرين لو لم نقل بترجيح ثانيهما؛ لأجل ارتكاز العرف بأنّ المسح لإيصال أثر الأرض و لو أثرها الاعتباري إلى الوجه من غير دخالة مجموع اليدين في ذلك. و ضرب اليدين إنّما هو لتحصيل المسحات الثلاث، لا لمسح الوجه بهما.

و بالجملة: مع محفوفية الكلام بالقرينة العقلية، و رفع اليد عن الظاهر الأوّلي، لا يبقى ظهور في الاحتمال الثالث.

و دعوىٰ: أنّ الظاهر منها هو المسح بهما مطلقاً، و قيام القرينة العقلية موجب لرفع اليد عنه بالنسبة إلى اليدين دون الوجه، مدفوعة بأنّ الظاهر منها هو المسح بكلّ واحدة منهما جميع الممسوح، و هو مخالف لإطلاق الكتاب و الفتوىٰ و العقل،

و مع رفع اليد عنه و دوران الأمر بين أحد الأخيرين، فالترجيح

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 272

مع ثانيهما، فيوافق إطلاق الآية. و مع تساويهما أو الترجيح الظنّي لأوّلهما، لا يترك الإطلاق حتّى على الثاني؛ لعدم ظهورٍ معتدٍّ به، و عدم كون الظنّ مستنداً إلى اللفظ و ظهوره حتّى يكون حجّة.

نعم، ظاهر

رواية الكاهلي قال: «سألته عن التيمّم، فضرب على البساط، فمسح بهما وجهه، ثمّ مسح كفّيه إحداهما علىٰ ظهر الأُخرىٰ» «1»

هو مسح الوجه باليدين.

لكنّها مع ضعفها سنداً «2» و إضمارها، لا تصلح لتقييد الكتاب، و لا يعلم استناد المشهور إليها، و مجرّد مطابقة فتواهم لرواية لا يجبر ضعفها. و كون الناقل عنه صفوان بن يحيىٰ و صحّة السند إليه، غير مفيد؛ لعدم ثبوت أنّه لا يروي إلّا عن ثقة و إن قال به الشيخ في محكيّ «العدّة» «3»، و الإجماع علىٰ تصحيح ما يصحّ عنه «4» علىٰ فرض ثبوته لم يتضح إثبات ما راموا منه، و التفصيل موكول إلى محلّه «5».

و أمّا

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن التيمّم، فضرب بكفّيه الأرض، ثمّ مسح بهما وجهه، ثمّ ضرب بشماله الأرض، فمسح بها مرفقه إلىٰ أطراف الأصابع: واحدة علىٰ ظهرها، و واحدة علىٰ بطنها، ثمّ ضرب بيمينه الأرض، ثمّ صنع بشماله كما صنع بيمينه، ثمّ قال: «هذا التيمّم علىٰ ما

______________________________

(1) الكافي 3: 62/ 3، وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 1.

(2) رواها الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن الكاهلي.

(3) عدّة الأُصول 1: 154.

(4) اختيار معرفة الرجال: 556/ 1050.

(5) يأتي في الجزء الثالث: 331.

كتاب

الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 273

كان فيه الغسل و في الوضوء: الوجه و اليدين إلى المرفقين ..» «2» إلىٰ آخره.

فلا يتّكل عليها لتقييد الكتاب؛ بعد اشتمالها علىٰ عدّة أحكام مخالفة للمذهب. و التفكيك في الحجّية في مثلها، غير جائز بعد عدم الدليل علىٰ حجّية خبر الثقة إلّا بناء العقلاء الممضى، و لا ريب في عدم ثبوت بنائهم على العمل بما اشتملت علىٰ عدّة أحكام مخالفة للواقع، لو لم نقل بثبوت عدمه.

وجه عدم الاجتزاء بيد واحدة و ترجيحه

نعم، هنا روايات لا يبعد دعوى ظهورها في المطلوب،

كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) حكايةً لقضية عمّار بن ياسر، و فيها: «ثمّ أهوىٰ بيديه إلى الأرض، فوضعهما على الصعيد، ثمّ مسح جبينيه بأصابعه، و كفّيه إحداهما بالأُخرىٰ، ثمّ لم يعد ذلك» «3».

فإنّ الظاهر من «مسح جبينيه بأصابعه» المسح بجميعها، سيّما بعد قوله: «فوضعهما على الصعيد».

و

موثّقته عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال في ذيل حكاية قضيّة عمّار: «فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الأُخرىٰ، ثمّ مسح بجبينيه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة علىٰ ظهر الأُخرىٰ» «4».

______________________________

(2) تهذيب الأحكام 1: 210/ 612، وسائل الشيعة 3: 362، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 5.

(3) الفقيه 1: 57/ 212، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8.

(4) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

و لكنّ المتن موافق للطبع الحجري راجع وسائل الشيعة 1: 227، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، باب كيفيّة التيمّم، السطر 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 274

فإنّ الظاهر منها أنّ المسح وقع بعين ما ضرب على الأرض للمسح، لا بإحدى يديه؛

ضرورة أنّه لو ضرب بيدين و مسح بإحداهما علىٰ جبينيه، لقال في مقام الحكاية-: «فمسح بواحدة منهما» لكون الضرب بهما و المسح بإحداهما مخالفاً للمتعارف، و معه كان عليه حكايته، و مع عدم الذكر ينصرف إلى المتعارف؛ و هو المسح بما ضرب، أ لا ترى عدم احتمال كون المسح بغير اليدين مع عدم حكاية كونه بهما! و ليس ذلك إلّا للانصراف و الظهور في كونه بما وقع على الأرض.

و هذا نظير أن يقال: «أخذ الماء بغرفتيه، فغسل وجهه»؛ حيث يكون ظاهراً في صبّ ما في الغرفتين علىٰ وجهه و غسله بهما. و من هنا يمكن الاستدلال عليه ببعض روايات أُخر «1».

لكن يمكن المناقشة في صلوح مثل تلك الروايات لتقييد الآية الكريمة؛ فإنّ مجرّد ظهورها في كون المسح باليدين و لو في مقام بيان الحكم و التعليم، لا يكفي في التقييد إلّا إذا دلّت على التعيين، و العملُ الخارجي الذي لا يمكن أن يقع إلّا علىٰ وجه واحد و كيفية واحدة، لا يكون ظاهراً فيه، و دالّاً على أنّ للتيمّم كيفيّة واحدة، و أنّ تمام حقيقته كذلك، و معه لا يمكن تقييد المطلق الموافق له به.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ المطلق و المقيّد المثبتين غير متنافيين، إلّا إذا أُحرزت وحدة المطلوب و الكيفية، و هي غير محرزة في المقام.

و لعلّه إلىٰ ما ذكرنا يرجع ما عن المحقّق الخونساري (رحمه اللّٰه) حيث قال: «كما

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 4 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 275

يجوز حمل المطلق على المقيّد، يجوز القول بكفاية المطلق و حمل المقيّد علىٰ أنّه أحد أفراد الواجب» «1» انتهىٰ.

إلّا

أن يقال: إنّ الظاهر من صحيحة داود بن النعمان «2» هو السؤال عن كيفيّة التيمّم، فعملُ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في مقام جواب سؤاله عن الكيفيّة، ظاهر في أنّ ما فعل هو الكيفيّة الفريدة و تمام ماهيّة التيمّم، فلو كان المسح بيد واحدة مجزياً، لفعله في مقام بيان نفس الماهيّة؛ لعدم دخالة ضمّ الأُخرىٰ في تحقّقها.

و الظاهر منها مسح الوجه باليدين بالتقريب المتقدّم، بل لا يبعد أظهريتها في ذلك ممّا تقدّم؛ لقوله: «ثمّ رفعهما، فمسح وجهه و يديه».

و لا يخفىٰ: أنّه فرق بين هذه الصحيحة التي ندّعي ظهورها في كون المسح بيدين، و بين صحيحة المرادي و رواية زرارة المتقدّمة حيث منعنا ظهورهما فيه كما مرّ «3»؛ لأنّ الظهور المدّعىٰ في هذه الصحيحة لأجل حكاية الفعل، كما تقدّم وجهه، فتدبّر.

بل الظاهر منها و من صحيحة الخزّاز «4»، أنّ ما صنع أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) موافق لفعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في مقام تعليم عمّار، و بعد ضمّ ذلك إلىٰ رواية الكاهلي الذي شهد شيخ الطائفة (رحمه اللّٰه) بوثاقته؛ لرواية صفوان عنه، و قيام الإجماع المنقول علىٰ تصحيح ما يصحّ عنه، و هما و إن كانا موردين للمناقشة كما مرّ «5»،

______________________________

(1) الحواشي علىٰ شرح اللمعة الدمشقية، المحقّق الخوانساري: 151/ السطر 1.

(2) تقدّم في الصفحة 251.

(3) تقدّم في الصفحة 270 271.

(4) الكافي 3: 62/ 4، وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 2.

(5) تقدّم في الصفحة 272.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 276

لكن يوجبان ظنّاً معتدّاً به، فإذا ضمّ ذلك إلىٰ

مرسلة العيّاشي، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها:

«ثمّ مسح يديه بجبينيه» «1»

و إلى رواية فقه الرضا «2» و إلى صحيحة زرارة و موثّقته «3» الحاكيتين لفعل رسول اللّٰه الظاهرتين في مسحه باليدين، يتمّ المطلوب؛ و هو تعيّنه في كيفيّة واحدة.

و الإنصاف: أنّ الراجع إلى الروايات يطمئنّ بأنّ له كيفيّة واحدة، هي ما قال به المشهور. بل قيام السيرة القطعية المتصلة إلىٰ زمان الأئمّة، من أقوى الشواهد علىٰ كونه بهذه الكيفية المعهودة، فيتقيّد بها الآية الشريفة، فلا ينبغي التأمّل فيه.

الجهة الثانية: في عدم اعتبار المسح باليدين دفعة

مقتضىٰ إطلاق الآية و بعض الروايات كصحيحة المرادي و رواية زرارة المتقدّمتين «4» عدم اعتبار المسح بهما دفعة، فيجوز تدريجاً. و إشعار الروايات الحاكية لفعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) «5» أو دلالتها علىٰ أنّ عملهم كان بنحو الدفعة، لا يظهر منها التعيين؛ للفرق الظاهر بين الإتيان باليدين الظاهر في الدخالة، و بين الإتيان دفعة؛ لأنّه لو كان مجزياً باليد الواحدة، لكان ضمّ اليد الأُخرىٰ إليها بلا وجه؛ لعدم تعارف ضمّ ما ليس بدخيل إلىٰ ما هو

______________________________

(1) تفسير العيّاشي 1: 244/ 144، مستدرك الوسائل 2: 537، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 4.

(2) تقدّم متنها في الصفحة 237، الهامش 2.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 276

(3) تقدّمتا في الصفحة 273.

(4) تقدّمتا في الصفحة 270.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 277

الدخيل، بخلاف الدفعة، فإنّها متعارفة بعد

لزوم كون المسح باليدين، و التعارف يوجب عدم الظهور في التعيين.

كما أنّ السيرة على الدفعة لا تكشف إلّا صحّته كذلك، و أمّا بطلان غيره فلا، كما لا يخفى، و هذا بخلاف السيرة على المسح باليدين، فإنّها كاشفة عن دخالة اليد؛ و ذلك لما مرّ من عدم تعارف ضمّ ما ليس بدخيل، فلا تغفل. لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

الجهة الثالثة: في عدم اعتبار استيعاب الكفّ بالمسح

الظاهر عدم اعتبار كون المسح بجميع الكفّ؛ لإطلاق الآية «1» و ظهور الأدلّة «2» في أنّ ضرب اليد على الأرض إنّما هو لإيصال أثرها و لو اعتباراً إلى الممسوح، و ليس للكفّين إلّا سمة الآلية للمسح منها، فإذا حصل ببعض الكفّ سقط التكليف.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ المسح منها الذي هو الواجب الأصيل، يحصل بتحقّق صِرف الوجود من المسح، و يتحقّق ذلك بأوّل مرتبة الإمرار، و الزائد يحتاج إلىٰ دليل. و لا دليل عليه إلّا توهّم ظهور الأدلّة في وجوب الضرب بجميع الكفّ، و لمّا كان ذلك للمسح فلا بدّ من كونه بجميعها.

و فيه: أنّ تقليب ذلك الدليل أولىٰ بحسب ارتكاز العرف؛ بأن يقال: إنّ الضرب لمّا كان للمسح، و هو يحصل ببعض الكفّ، فهو دليل علىٰ عدم لزوم الضرب بجميعها. و الأولوية لأجل أنّ المطلوب الأصلي هو المنظور فيه،

______________________________

(1) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11 و 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 278

و التبعي منظور لأجله، و بعد اقتضاء الدليل كون الضرب للمسح الحاصل بأوّل وجود الإمرار، لا ينقدح في ذهن العرف توسعة ذي الآلة، بل ينقدح فيه تضييق الآلة.

هذا مع أنّ ظاهر الأدلّة انصرافاً، هو المسح بوضع طول الماسح علىٰ عرض

الممسوح في الكفّ، و هو أزيد منه بمقدار معتدّ به؛ بحيث يرى العرف زيادته عليه، و كذا يزيد عرض اليدين عن الجبهة و الجبينين، و مع لزوم الاستيعاب كان اللازم التنبيه عليه، و عدمه دليل علىٰ عدم لزومه.

هذا مع الغضّ عن صحيحة زرارة «1»، و إلّا فهي صريحة في جوازه، فالأقوىٰ عدم لزوم الاستيعاب و إن كان الأحوط خلافه.

و من بعض ما ذكرناه يعلم كفاية مسح مجموع الممسوح بمجموع الماسح توزيعاً، فلا يجب المسح بكلٍّ من اليدين علىٰ تمام الممسوح.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 273.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 279

تحديد الممسوح
اشارة

و أمّا الممسوح، فيقع البحث فيه من جهات:

الجهة الاولىٰ: في تحديد الوجه
اشارة

و الكلام يقع فيه في مقامين:

المقام الأوّل: في مقتضى الأدلّة مع قطع النظر عن فتوى الأصحاب

فنقول: إنّ مقتضىٰ إطلاق الآية «1» جواز مسح بعض الوجه؛ أيّ بعض كان بعد كون الباء تبعيضية؛ إمّا لقول السيّد المرتضىٰ: «إنّ الباء إذا لم يكن لتعدية الفعل إلى المفعول، لا بدّ له من فائدة، و إلّا كان عبثاً، و لا فائدة بعد ارتفاع التعدية به إلّا التبعيض» «2»، و هو من أهل الخبرة في صناعة الأدب، تأمّل.

و إمّا لصحيحة زرارة المفسّرة للآية عن أبي جعفر (عليه السّلام) «3» و استدلّ (عليه السّلام) لتبعيض المسح في الوضوء و التيمّم بالباء.

و أمّا الروايات فعلى طوائف:

منها: و هي الأكثر ما اشتملت علىٰ عنوان «الوجه» «4».

______________________________

(1) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(2) الانتصار: 33.

(3) الفقيه 1: 56/ 212، وسائل الشيعة 3: 364، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 1.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 1 و 2 و 4 و 5 و 7، و 361، الباب 12، الحديث 1 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 280

و منها: على «الجبينين» «1».

و منها: على «الجبين» مفردة «2». و في نسخة اخرىٰ أو رواية أُخرى بدل «الجبين» «الجبهة» «3».

و بعضها: و هي رواية

زرارة، عن «تفسير العيّاشي» على المسح «من بين عينيه إلىٰ أسفل حاجبيه» «4».

و

في رواية «فقه الرضا»: ذكر «موضع السجود من مقام الشعر إلىٰ طرف الأنف» و روى فيه: «مسح الوجه من فوق الحاجبين، و بقي ما بقي» «5».

و يمكن الجمع بينها بالأخذ بإطلاق الآية، و حمل الروايات على اختلافها على التخيير بين أعضاء الوجه؛ بدعوىٰ عدم استفادة التعيين منها بعد ذلك الاختلاف، و حمل أخبار الوجه على الفضل في

الاستيعاب.

و فيه ما لا يخفى؛ لأنّ الالتزام بجواز مسح العارض أو الذقن بعد كونه مخالفاً لجميع الروايات في غاية الإشكال، بل غير ممكن و إن يظهر من محكيّ «المعتبر» التخيير بين استيعاب الوجه، و مسح بعضه بشرط عدم الاقتصار علىٰ أقلّ من الجبهة «6». و ظاهره جواز المسح على العارض مثلًا إذا لم يقتصر علىٰ أقلّ

______________________________

(1) راجع جامع أحاديث الشيعة 3: 104، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 1 و 12 و 16 و 17.

(2) تهذيب الأحكام 1: 211/ 613.

(3) تهذيب الأحكام 1: 207/ 601، و راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(4) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(5) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 88، مستدرك الوسائل 2: 535، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 1، و قد تقدّم متنها أيضاً في الصفحة 237، الهامش 2.

(6) المعتبر 1: 386.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 281

منها مساحة، و هو أسوأ من الجمع المتقدّم؛ لالتزامه بالتخيير بين الأقلّ و الأكثر، و هو لو لم يكن ممتنعاً، فلا أقلّ من عدم كونه من الجمع المقبول.

مضافاً إلىٰ أنّ روايات «الجبين» و «الجبهة» لو كانت صالحة لتقييد الآية، فلا بدّ من التخيير بينهما و بين الوجه، أو تعيّن المسح بهما، و إلّا فلا وجه لعدم جواز الاقتصار علىٰ أقلّ من الجبهة.

و قد يقال «6» بالجمع بين روايات «الوجه» و «الجبينين» بحمل الاولىٰ علىٰ إرادة المسح في الجملة؛ حملًا للمطلق على المقيّد، و هو من أهون التصرّفات.

و فيه: أنّه بعد تسليم دلالة روايات الوجه علىٰ كثرتها

علىٰ لزوم الاستيعاب، يقع التعارض بينها و بين ما دلّ على المسح على الجبينين بالتباين.

و الإنصاف: أنّه لو سلّم دلالة الروايات المتجاوزة عن العشر، و فيها الصحاح و الموثّق علىٰ لزوم الاستيعاب، و كونها في مقام بيان كيفية التيمّم، لا يتأتّى الجمع بينها بما ذكر، بل يقع التعارض بينها و بين غيرها بعد عدم كونها من قبيل المطلق و المقيّد؛ لأنّ نسبة الكلّ و الجزء ليست من قبيلهما.

لكن الشأن في ثبوت دعوى دلالتها عليه؛ فإنّ الناظر بعين التدبّر، يرىٰ عدم سلامة سوى النادرة منها من المناقشة؛ أمّا سنداً، أو دلالة، أو جهة، فها هي الروايات:

أمّا ما دلّت علىٰ أنّ التيمّم ضربة للوجه، و ضربة لليدين

كصحيحة إسماعيل الكندي، عن الرضا (عليه السّلام) قال: «التيمّم ضربة للوجه، و ضربة للكفّين» «1»

و

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما قال: سألته عن التيمّم فقال:

______________________________

(6) مصباح الفقيه، الطهارة: 494/ السطر الأخير.

(1) تهذيب الأحكام 1: 210/ 609، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 282

«مرّتين مرّتين للوجه و اليدين» «1»

و

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: كيف التيمّم؟ فقال: «هو ضرب واحدة للوضوء و الغسل من الجنابة: تضرب بيديك مرّتين، ثمّ تنفضهما نفضة للوجه، و مرّة لليدين» «2»

فهي في مقام حكم آخر لا يمكن استفادة لزوم الاستيعاب منها، كما لا يستفاد لزوم مسح تمام اليد منها، فهي لا تعارض أخبار المسح على الكفّ، و لا ما دلّت علىٰ مسح الجبينين، كما لا يخفى. و الظاهر أنّ صحيحة المرادي «3» من هذا القبيل.

و أمّا صحيحة محمّد بن مسلم «4» و موثّقة سماعة «5»

المشتملتان علىٰ مسح الذراعين إلى المرفق، فهما محمولتان على التقيّة، و استقرّ المذهب علىٰ عدم العمل بهما. و يمكن أن تكون صحيحة المرادي أيضاً كذلك.

و أمّا

موثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك» «6»

فمن القريب أن تكون بصدد بيان عدم لزوم نقل التراب إلى الوجه؛ حيث قد يدّعىٰ دلالة الآية علىٰ لزومه «7»، و يظهر

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 210/ 610، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 210/ 611، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 4.

(3) تقدّمت في الصفحة 270.

(4) تقدّمت في الصفحة 272.

(5) تهذيب الأحكام 1: 208/ 602، وسائل الشيعة 3: 365، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 3.

(6) تهذيب الأحكام 1: 212/ 615، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7.

(7) أحكام القرآن، الجصّاص 2: 390، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي 5: 239.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 283

من فتوى الشافعي أنّ ذلك كان في تلك الأعصار مورد البحث و النظر «1»، فلا تكون ناظرة إلىٰ مقدار مسح الوجه و اليدين، و لذا ذُكر فيها اليدان لا الكفّان، و لو كانت بصدد بيان كيفية التيمّم لم تهمل وظيفة اليد، فالأقرب ما ذكرنا من كونها بصدد بيان لزوم كون المسح باليد المضروبة على الأرض، لا بأجزاء التراب، و لهذا قال فيها: «تنفضهما و تمسح بهما».

و أمّا روايتا داود بن النعمان «2» و الخزّاز «3» فيتحمل فيهما كون قوله: «قليلًا» قيداً للوجه أيضاً، فيكون المراد مسح الوجه قليلًا، و فوق الكفّ قليلًا.

مع احتمال أن يكون المنظور ضرب اليد على الأرض في مقابل عمل عمّار، تأمّل.

و كيف كان: فمع اشتمالهما علىٰ ما تصلح للقرينية، لا يمكن إثبات الاستيعاب بهما.

و أمّا رواية الكاهلي «4» فضعيفة، و لو قيل بحسنها «5» لكن لا تكون صالحة لمعارضة الصحاح؛ لا سنداً و لا دلالة.

فبقيت صحيحة واحدة هي

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول، و ذكر التيمّم و ما صنع عمّار، فوضع أبو جعفر كفّيه على الأرض، ثمّ مسح وجهه و كفّيه، و لم يمسح الذراعين بشي ء» «6».

______________________________

(1) الامّ 1: 49، المجموع 2: 228.

(2) تهذيب الأحكام 1: 207/ 598، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 4.

(3) الكافي 3: 62/ 4، وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 2.

(4) تقدّم في الصفحة 272.

(5) ملاذ الأخيار 2: 186، مستند الشيعة 3: 441، جواهر الكلام 5: 205.

(6) تهذيب الأحكام 1: 208/ 603، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 284

و هي مع عدم بيان تفصيل القضيّة فيها حتّى يعلم كون أبي جعفر (عليه السّلام) في مقام بيان أيّة جهة من جهات التيمّم، و كون المذكور فيها عمله، و يصحّ لمن يرىٰ مسح يده علىٰ جبهته أو جبينه أن يقول: «مسح يده علىٰ وجهه» من غير تسامح و تجوّز لا تقاوم الكتاب؛ إذ لو كان المراد لزوم مسح جميع الوجه، فتخالفه بالتباين بعد كون الباء للتبعيض، و لا تقاوم الروايات الحاكية لفعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الناصّة علىٰ مسحه بجبينيه،

فتكون قرينة علىٰ أن ليس المراد ب «الوجه» جميعه، لا لتقييد الإطلاق كما قيل «1»، بل لأنّ «الوجه» يطلق على البعض و التمام بلا مسامحة.

و لا يبعد دعوى الفرق بين «اغسل وجهك» و بين «امسح بيدك وجهك» بأنّه يفهم الاستيعاب من الأوّل دون الثاني، فتأمّل.

و كيف كان: لا شبهة في عدم وجوب الاستيعاب في الوجه حتّى مع الغضّ عن فتاوى الأصحاب «2» و مخالفته للكتاب «3» و موافقته للعامّة «4». هذا حال الأخبار المشتملة على «الوجه».

و أمّا سائر الأخبار؛ فالمعتمد منها و هي صحيحة زرارة «5» و موثّقته «6» الحاكيتان لفعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) تعليماً لعمّار، عن أبي جعفر (عليه السّلام) كالصريح في

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 494/ السطر الأخير.

(2) سيأتي بيان فتاوى الأصحاب في الصفحة 287.

(3) لقوله تعالىٰ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(4) المغني، ابن قدامة 1: 257، المجموع 2: 231.

(5) تقدّمت في الصفحة 273.

(6) تقدّمت في الصفحة 273.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 285

كفاية مسح الجبينين من دون لزوم مسح الجبهة؛ فإنّ قوله (عليه السّلام): «ثمّ مسح» أي رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «جبينيه بأصابعه» أو «ثمّ مسح بجبينيه» في مقام بيان الحكم و ماهية التيمّم ظاهر بل كنصّ في أنّ تمام الدخيل فيه مسحهما فقط، و ليس مسح غيرهما كالجبهة و غيرها دخيلًا في ماهيته. و ليس هذا كنقل أحد من الرواة حتّى يقال: إنّه ترك ذكر الجبهة بتوهّم ملازمة مسحها لمسحهما مع عدم الملازمة واقعاً، أو احتمل فيه الخطأ في فهم كيفية العمل.

و كيف كان: لو كان اللازم مسح الجبهة لمسحها رسول اللّٰه (صلّى

اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و نقل أبو جعفر (عليه السّلام).

و تدلّ عليه أيضاً

رواية ابن أبي المقدام أو حسنته لرواية صفوان عنه «1» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «أنّه وصف التيمّم، فضرب بيديه على الأرض، ثمّ رفعهما فنفضهما، ثمّ مسح علىٰ جبينيه و كفّيه مرّة واحدة» «2».

و ذكرُ «الجبينين» مثنّاة و ترك «الجبهة» دليل علىٰ عدم مسحه جبهته.

و الظاهر أنّ موثّقة زرارة المختلفة في النقل المردّدة بين «جبينه» و «جبهته» «3» كانت في الأصل «جبينه» أو «جبينيه» و اشتبهت في النسخ لغاية تشابههما في الخطّ العربي، سيّما في الخطوط القديمة.

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي، عن الشيخ و هو المفيد-، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن عمرو بن أبي المقدام.

(2) كذلك في الطبعة الحجرية من الوسائل، و لكن في طبع آل البيت «جبينه» بدل «جبينيه»، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 61/ 1، تهذيب الأحكام 1: 207/ 601 و 211/ 613، الاستبصار 1: 171/ 593، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 286

و إنّما رجّحنا «الجبين» على «الجبهة» لشهادة سائر الروايات المتّفقة على «الجبينين» «1» بل المظنون وقوع تصحيف في عبارة الحسن بن علي العُماني؛ حيث ادّعىٰ تواتر الأخبار بأنّه حين علّم عمّاراً مسح بهما جبهته و كفّيه «2»، و كان الأصل «جبينيه» فاشتبهت و صُحّفت ب «جبهته» لشدّة المشابهة في الخطّ، و إلّا فكيف يدّعي تواتر ما ليس بموجود إلّا نادراً، و ترك

ذكر «الجبينين» مع ورود روايات كثيرة فيهما؟! و أمّا قول المحقّق في «النافع»: «و هل يجب استيعاب الوجه و الذراعين بالمسح؟ فيه روايتان أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة» «3» فليس المراد منه أكثرية الرواية كما توهّم «4»، بل أشهريتها بحسب الفتوىٰ، و هو مبني علىٰ حمل عبارات من تقدّم عليه على اختصاص المسح بالجبهة، و سيأتي الكلام فيها «5»، و إلّا فروايات «الوجه» و «الجبينين» أكثر بلا إشكال، و لم تصل إلى المحقّق روايات أُخر غير ما بأيدينا أكثر من روايات «الجبينين» جزماً.

و كيف كان: فمراده أشهرية الفتوىٰ، و الشهرة الفتوائية هي الميزان في قبول رواية أو ردّها لا الأكثرية، كما هو المقرّر في محلّه «6».

نعم، هنا بعض روايات ضعاف تدلّ علىٰ وجوب مسح الجبهة ك «الفقه

______________________________

(1) كذلك في الطبعة الحجرية من الوسائل، و لكن في طبع آل البيت «جبينه» بدل «جبينيه»، راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3 و 6 و 8 و 9.

(2) انظر مختلف الشيعة 1: 270.

(3) المختصر النافع: 17.

(4) رياض المسائل 2: 312 314.

(5) يأتي في الصفحة 287.

(6) أنوار الهداية 1: 261 264، تهذيب الأُصول 2: 100.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 287

الرضوي» الذي لم يثبت كونه رواية بل الظاهر من عباراته أنّه مصنَّف فقيهٍ أفتىٰ بمضمون الأخبار،

و فيه: «ثمّ تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلىٰ طرف الأنف» ثمّ قال: «و أروي ..» إلىٰ أن قال: «ثمّ تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك، و بقي ما بقي» «1».

و لعلّ المراد من هذه الرواية الأخيرة مسح جميع ما فوق الحاجبين، و إبقاء بقيّة الوجه.

و لا يبعد رجوع

مرسلة

العيّاشي إلىٰ ذلك، قال: و عن زرارة، عن أبي جعفر بعد ذكر قضيّة عمّار «ثمّ وضع يديه جميعاً على الصعيد، ثمّ مسح من بين عينيه إلىٰ أسفل حاجبيه» «2»

و هي موافقة لفتوى الصدوق في «المقنع» «3» مع احتمال كون المراد مسح الجبهة إلىٰ طرف الأنف المحاذي لأسفل الحاجبين.

و كيف كان: فمقتضى الجمود على الروايات الصالحة للاعتماد، كفاية مسح الجبينين و عدم الاجتزاء بمسح الجبهة خاصّة؛ لأنّ ما دلّت على الاجتزاء بها غير صالحة للحجّية، إلّا أن يثبت استناد المشهور إليها، و هو غير معلوم. هذا كلّه حال الروايات.

و أمّا المقام الثاني: و هو حال فتاوى الأصحاب
اشارة

فالظاهر من فتاوىٰ قدمائهم إلىٰ زمان المحقّق فيما رأيت إلّا نادراً هو التحديد بمسح الجبينين و الجبهة عرضاً، و من قصاص الشعر إلىٰ طرف الأنف

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 88.

(2) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(3) المقنع: 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 288

طولًا؛ لأنّ الغالب فيها التعبير ب «مسح الوجه باليدين من قصاص شعر رأسه إلىٰ طرف أنفه» و ليس في عباراتهم لفظة «الجبهة».

و الظاهر من «مسح الوجه بهما» أي باليدين مضمومتين، كما هو المتبادر المتعارف تحديد العرض، و من «قصاص الشعر إلىٰ طرف الأنف» تحديد الطول في مقابل العامّة القائلين بالاستيعاب، أو مسح أكثر الوجه «2».

و إليه يرجع قول السيّد في «الانتصار» و «الناصريات» قال في الأوّل: «و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ مسح الوجه بالتراب في التيمّم، إنّما هو إلىٰ طرف الأنف من غير استيعاب له، فإنّ باقي الفقهاء يوجبون الاستيعاب» «3».

و قال في الثاني بعد قول الناصر: «و تعميم الوجه و اليدين واجب» بهذه

العبارة: «هذا غير صحيح، و قد بيّنا في المسألة التي قبل هذه ..» إلىٰ أن قال: «و قد أجمع أصحابنا علىٰ أنّ التيمّم في الوجه، إنّما هو من قصاص الشعر إلىٰ طرف الأنف» «4» انتهىٰ.

و الظاهر من «مسح الوجه إلىٰ طرف الأنف» هو مسح جميع القطعة التي وقعت من الوجه فوق طرف الأنف، لا ما هو بحذاء طرفه، فإنّه أقلّ من عرض إصبع واحد، و لا ينطبق إلّا علىٰ أقلّ من الجبهة، فاحتماله في عبارته و سائر عبارات القوم مقطوع الفساد، بل الإجماع و الضرورة علىٰ خلافه.

و إليها من هذه الجهة ترجع ظاهراً عبارة «المقنع»: «فامسح بهما بين عينيك إلىٰ أسفل الحاجبين» «5» لاحتمال كون المراد التحديد عرضاً باليدين،

______________________________

(2) المغني، ابن قدامة 1: 257، المجموع 2: 231.

(3) الانتصار: 32.

(4) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 30.

(5) المقنع: 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 289

و طولًا إلىٰ أسفل الحاجبين، سيما مع ذكر الحاجبين، لا طرف الأنف.

و الظاهر رجوع قول الصدوق في «الأمالي» إليه، قال فيما وصف دين الإمامية: «فإن أراد الرجل أن يتيمّم ضرب بيديه على الأرض مرّة واحدة، ثمّ ينفضهما فيمسح بهما وجهه ..» إلىٰ أن قال: «و قد روي: أن يمسح الرجل جبينه و حاجبيه، و يمسح علىٰ ظهر كفّيه، و عليه مضى مشايخنا» «1».

و قال في «الفقيه»: «و مسح بهما جبينيه و حاجبيه» «2».

و الظاهر بقرينة إفراد الجبين في «الأمالي» و ضمّ الحاجبين الظاهر منه مسح تمامهما الملازم لمسح الجبهة أنّ مراده مسح الجبهة و الجبين. و يشهد له أنّ مسح الجبين فقط مخالف لكلمات الأصحاب.

هذا حال كلمات أصحابنا من زمن الصدوق إلىٰ عصر المحقّق ممّا عثرت عليه من

كتبهم، «كالأمالي»، و «الفقيه»، و «المقنع»، و «الهداية»، و «الانتصار»، و «الناصريات»، و «النهاية»، و «الخلاف»، و «الوسيلة»، و «المراسم»، و «الغنية»، و «إشارة السبق» و عن أبي الصلاح و ابن إدريس كذلك «3».

و أمّا من عصر المحقّق فقد تغيّرت العبارات، فقال في «النافع»: «و هل يجب استيعاب الوجه و الذراعين بالمسح؟ فيه روايتان أشهرهما

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 515.

(2) الفقيه 1: 57/ 212.

(3) أمالي الصدوق: 515، الفقيه 1: 57، المقنع: 26، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 49/ السطر 17، الانتصار: 32، الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 30، النهاية: 49، الخلاف 1: 137 138، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 72، المراسم: 54، غنية النزوع 1: 63، إشارة السبق، ضمن الجوامع الفقهيّة: 119/ السطر 6، الكافي في الفقه: 136، السرائر 1: 136.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 290

اختصاص المسح بالجبهة و ظاهر الكفّين» «1».

و الظاهر أنّ مراده أشهرهما فتوى، كما تقدّم «2»، و هو مبنيّ علىٰ أنّ مراد قدماء أصحابنا من العبارات المتقدّمة هو مسح الجبهة؛ بقرينة قولهم: «من قصاص الشعر إلىٰ طرف الأنف» لكن قد مرّ أنّ ذلك لتحديد الطول «3»، فكما حدّدوا الوجه في الوضوء من قصاص الشعر إلىٰ محادر شعر الذقن طولًا، و بما اشتمل عليه الإبهام و الوسطى عرضاً، حدّدوه في المقام عرضاً بقولهم: «مسح بهما» الظاهر في تمام باطنهما متصلين، و طولًا بما ذكر في مقابل الاستيعاب «4».

و قد نسب في محكي «المعتبر» «5» مسح الجبهة إلىٰ مذهب الثلاثة «6» و أتباعهم «7» فإن كان مراده اختصاصه بالجبهة كما صرّح في «النافع» «8» ففيه ما مرّ «9»، و إن كان مراده لزوم مسحها أيضاً مضافاً إلى الجبينين، فهو حقّ.

و

ظاهر «الشرائع» اختصاصه بها «10»، كظاهر العلّامة في «القواعد» و «الإرشاد» «11».

______________________________

(1) المختصر النافع: 17.

(2) تقدّم في الصفحة 286.

(3) تقدّم في الصفحة 288.

(4) المقنعة: 43 و 62، النهاية: 12 و 49، الكافي في الفقه: 132 و 136.

(5) المعتبر 1: 384.

(6) المقنعة: 62، الانتصار: 32، النهاية: 49.

(7) المراسم: 54، المهذّب 1: 47، غنية النزوع 1: 63، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 72.

(8) المختصر النافع: 17.

(9) تقدّم في الصفحة 286.

(10) شرائع الإسلام 1: 40.

(11) قواعد الأحكام 1: 23/ السطر 7، إرشاد الأذهان 1: 234.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 291

و هو ظاهر «التذكرة» أيضاً «1» و إن عبّر فيها ب «مسح الوجه» لتمسّكه

بقول الصادق (عليه السّلام) في رواية زرارة، قال: «و لأنّ زرارة سأل الصادق (عليه السّلام) عن التيمّم، فضرب بيديه الأرض، ثمّ رفعهما فنفضهما و مسح بهما جبهته و كفّيه مرّة واحدة» «2»

و هي بعينها موثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) «3» لكنّه نسبها إلى الصادق (عليه السّلام)، و لعلّها رواية أُخرى عثر عليها و إن كان بعيداً.

و قال في «المنتهىٰ»: «أكثر علمائنا علىٰ أنّ حدّ الوجه هنا من قصاص الشعر إلىٰ طرف الأنف، اختاره الشيخ في كتبه «4»، و المفيد «5» و المرتضىٰ في «انتصاره» «6» و ابن إدريس «7» و أبو الصلاح «8»» ثمّ حكىٰ قول عليّ بن بابويه و غيره و تمسّك لمختاره بروايات «الجبهة» و «الجبينين» في مقابل القائل بالاستيعاب «9».

و الإنصاف: إمكان إرجاع كلامه فيهما إلىٰ ما ذكرناه و استظهرناه من كلام القوم.

و عن الشهيد في «الذكرى»: «أنّ مسح الجبهة من القصاص إلىٰ طرف الأنف

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 2: 190.

(2) أوردها عن الإمام الصادق (عليه السّلام)

في المعتبر 1: 386، و لكن قد وردت في كتب الحديث عن أبي جعفر (عليه السّلام).

(3) تهذيب الأحكام 1: 207/ 601، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(4) الخلاف 1: 137 138، المبسوط 1: 33، النهاية: 49.

(5) المقنعة: 62.

(6) الانتصار: 32.

(7) السرائر 1: 136.

(8) الكافي في الفقه: 136.

(9) منتهى المطلب 1: 145/ السطر 25.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 292

متفق عليه بين الأصحاب» «1» و لعلّ مراده وجوب مسحها، لا الاختصاص بها.

و صرّح ثاني الشهيدين في «الروض» بالاختصاص، و قال: «هذا القدر متفق عليه بين الأصحاب ..» إلىٰ أن قال: «و زاد بعضهم مسح الجبينين و هما المحيطان بالجبهة، يتصلان بالصُّدْغين لوجوده في بعض الأخبار» «2».

و في مقابله الأردبيلي، حيث قال: «إنّ المشهور أنّ مسح الجبينين واجب و كافٍ» «3».

و هو مصيب في وجوبه، لا في كفايته، كما أنّ الشهيد مصيب في أنّ وجوب مسح الجبهة متفق عليه بين الأصحاب علىٰ تأمّل؛ لما نقل عن المحقّق من التخيير بين الوجه و بعضه بمقدار مساحة الجبهة «4» و غير مصيب في انتساب الجبينين إلىٰ بعضهم.

و كيف كان: فالأقوىٰ وجوب مسح الجبينين و الجبهة وفاقاً للمشهور بين المتقدّمين، كما عرفت، بل و المتأخّرين؛ فإنّه المحكيّ عن «جامع المقاصد» و «مجمع البرهان» و «المدارك» و «شرح المفاتيح» و «منظومة الطباطبائي» و «فوائد الشرائع» و «حاشية الإرشاد» و «شرح الجعفرية» و «حاشية الميسي» و «الروضة» و «المسالك» و «رسالة صاحب المعالم» «5» و عن «مجمع البرهان»

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 2: 263.

(2) روض الجنان: 126/ السطر 5.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 234 235.

(4) المعتبر 1: 386.

(5) انظر جواهر الكلام 5:

197، جامع المقاصد 1: 490 491، مجمع الفائدة و البرهان 1: 234، مدارك الأحكام 2: 220، مصابيح الظلام 1: 401/ السطر 13 (مخطوط)، الدرّة النجفيّة: 45، حاشية الإرشاد، ضمن غاية المراد 1: 58، الروضة البهيّة 1: 455، مسالك الأفهام 1: 114.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 293

«أنّه المشهور» «1» و عن «شرح المفاتيح»: «لعلّه لا نزاع فيه بين الفقهاء» «2».

و أمّا ما عن «الأمالي»: «من كونه من دين الإمامية، و مضىٰ عليه مشايخنا» «3» فالظاهر أنّ ما نَسب إلىٰ دين الإمامية غير ذلك. نعم ظاهر قوله: «و مضىٰ عليه مشايخنا» هو الرجوع إلىٰ ما ذكر كما مرّ «4»، فراجع عبارته، فإنّ النسخة التي عندي مغلوطة ظاهراً.

تأويل الروايات بنحو تنطبق معه على القول المشهور

و بعد ما عرفت من الشهرة المحقّقة و السيرة القطعية، لا بدّ من تأويل الروايات علىٰ ما تنطبق على القول المشهور، أو ردّ علمها إلىٰ أهله، و انطباقها عليه ليس ببعيد؛ بدعوىٰ أنّ مسح جبينيه بتمام أصابعه يلازم عادة مسح الجبهة، و كذا المسح باليدين عليهما، كما هو ظاهر موثّقة زرارة «5» و رواية أبي المقدام «6».

و أولى منهما موثّقة زرارة الأُخرىٰ برواية «الكافي» حيث قال فيها: «ثمّ مسح بها جبينه» مفردة «7» و إطلاق «الجبين» علىٰ تمام القطعة التي فوق الحاجبين غير بعيد، بل شائع في مثل قولهم: «بكدّ اليمين، و عرق الجبين».

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 1: 234.

(2) مصابيح الظلام 1: 401/ السطر 21 (مخطوط).

(3) أمالي الصدوق: 515.

(4) تقدّم في الصفحة 289.

(5) تقدّمت في الصفحة 273.

(6) تقدّمت في الصفحة 285.

(7) كما في بعض نسخ الكافي، راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3، جامع أحاديث الشيعة 3: 108/

3441.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 294

لكن يظهر من المجلسي في «مرآته» أنّه بلفظ التثنية لا المفرد «1»، و في «الوافي» عن «الكافي»: «جبهته» بدل «جبينه» «2» فيظهر من ذلك أنّ نسخ «الكافي» أيضاً مختلفة، و معه لا يبعد ترجيح النسخة المشتملة على «الجبهة» علىٰ تأمّل.

و قد يجمع «3» بين الروايات الحاكية لفعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «4» و بين الروايات الظاهرة في مسح الجبهة كالموثّقة علىٰ إحدى النسختين «5»، و

الرضوي حيث قال فيه: «ثمّ تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلىٰ طرف الأنف» «6»

و

مرسلة العيّاشي، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال بعد حكاية قضيّة عمّار: «ثمّ وضع يديه جميعاً على الصعيد، ثمّ مسح من بين عينيه إلىٰ أسفل حاجبيه» «7»

بناءً علىٰ ظهوره في الجبهة، كما لا يبعد برفع اليد عن ظاهر كلٍّ من الطائفتين بصريح الأُخرىٰ؛ فإنّ الطائفة الثانية نصّ في اعتبار الجبهة، و ظاهرة في عدم اعتبار غيرها من باب السكوت في معرض البيان، و الطائفة الاولىٰ عكسها، فيأوّل الظاهر بالنصّ، فيحكم باعتبارهما.

______________________________

(1) مرآة العقول 13: 172/ 1.

(2) الوافي 6: 581/ 4978.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 495/ السطر 21.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8 و 9.

(5) تهذيب الأحكام 1: 207/ 601، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(6) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 88، مستدرك الوسائل 2: 535، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 1.

(7) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام

الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 295

و هو كما ترى؛ ضرورة أنّ واحدة من الطائفتين ليست نصّاً في الاعتبار معيّناً، بل ظاهرة في التعيين.

و الأقرب في الجمع بينهما مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب هو الاجتزاء بكلٍّ من الجبهة و الجبينين، فيرفع اليد عن ظهورهما فيه. بل لولا مخالفة الأصحاب، لقلنا بعدم كون ذلك الجمع مخالفاً للظاهر المعتدّ به؛ لأنّ العمل ليس له ظهور في التعيين، و الروايات كلّها إلّا الرضوي حكاية أعمال. بل ظهور الأعمال في الاجتزاء، قويّ يعارض ما لو دلّ دليل على اعتبار شي ء آخر.

لكن لا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور بعد الإجماع علىٰ لزوم مسح الجبهة، و ظهور كلمات الأصحاب كما عرفت في مسح الجبهة و الجبينين.

الجهة الثانية: لزوم المسح إلى طرف الأنف الأعلى مع الحاجبين
اشارة

إنّ ظاهر تحديد الأصحاب إلىٰ طرف الأنف، هو الطرف الأعلى منه، كما صرّح به في «المنتهىٰ» «2» و قال: «إنّه المراد في عبارات المفيد و الشيخ و السيّد و ابن حمزة و أبي الصلاح» «3» و هو ظاهر من قال بمسح الجبينين و الحاجبين، كالصدوق في «الفقيه» «4».

و قال في «الأمالي»: «و قد روي: أن يمسح الرجل جبينه و حاجبيه، و عليه مضى مشايخنا» «5».

______________________________

(2) منتهى المطلب 1: 146/ السطر 14.

(3) المقنعة: 62، المبسوط 1: 33، النهاية: 49، الانتصار: 32، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 72، الكافي في الفقه: 136.

(4) الفقيه 1: 57.

(5) أمالي الصدوق: 515.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 296

بل في «الجواهر»: «صرّح به بنو حمزة و إدريس و سعيد «1» و العلّامة «2» و الشهيدان «3» و غيرهم «4» لا الأسفل، بل في «السرائر» و غيرها «5» الإزراء علىٰ من ظنّ ذلك من المتفقّهة» «6»

انتهىٰ.

لكن لم يصرّح ابن حمزة به، و لعلّه رأى في غير «وسيلته» كما أنّ ما نقل عن «الأمالي» من المسح إلىٰ طرف الأنف الأعلى و إلى الأسفل أولىٰ «7»، و كذا ما نقل في «مفتاح الكرامة» عن «الأمالي» المسح من القصاص إلىٰ طرف الأنف الأسفل «8»، ليس شي ء منهما موجوداً في النسخة الموجودة عندي.

و كيف كان: مقتضى الأدلّة و كلمات الأصحاب عدم لزومه إلى الأسفل.

لزوم مسح الحاجبين

و أمّا مسح الحاجبين، فمقتضىٰ تحديدهم إلىٰ طرفٍ دخولُهما في المحدود بعد الاستظهار المتقدّم «9» من كون المراد من قولهم: «يمسح بهما من قصاص الشعر إلى الأنف» تحديدَ الطول و العرض؛ ضرورة أنّ طرف الأنف الأعلى أسفل من الحاجبين، فيكون الحاجبان فوق الحدود داخلين في المحدود الممسوح.

______________________________

(1) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 72، السرائر 1: 136، الجامع للشرائع: 46.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 190، إرشاد الأذهان 1: 234، نهاية الإحكام 1: 205.

(3) الدروس الشرعيّة 1: 132، مسالك الأفهام 1: 114، الروضة البهيّة 1: 455.

(4) جامع المقاصد 1: 490، مدارك الأحكام 2: 219 و 222.

(5) السرائر 1: 136، الحدائق الناضرة 4: 342.

(6) جواهر الكلام 5: 200.

(7) انظر جواهر الكلام 5: 200.

(8) مفتاح الكرامة 1: 543/ السطر 15.

(9) تقدّم في الصفحة 288.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 297

و يشهد له قول الصدوق في «الأمالي» بعد نقل رواية مسح الجبين و الحاجبين-: «و عليه مضى مشايخنا» «1» و قد أفتىٰ به في «الفقيه» و «الهداية» أيضاً «2».

و يشهد له أيضاً إرساله العلّامة إرسال المسلّمات، قال في «المنتهىٰ»: «لا يجب ما تحت شعر الحاجبين، بل ظاهره كالماء» «3» فيظهر النظر في محكي «الكفاية» من دعوى الشهرة علىٰ عدم وجوب مسح الحاجبين «4».

نعم،

ظاهر الأدلّة الحاكية لتيمّم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) عدم وجوب مسحهما «5»، و في بعض روايات ضعيفة وجوبه، كمرسلة العيّاشي «6» على احتمال، و مرسلة الصدوق في «الأمالي» «7» فيكون حال الحاجبين حال الجبهة في كون لزومِ مسحهما مشهوراً، و ظاهرِ الأدلّة المعتبرة «8» علىٰ خلافه، مع فرق بينهما؛ و هو أنّ لزوم مسح الجبهة صريحهم، و مسح الحاجبين ظاهرهم.

و كيف كان: فلا يبعد ترجيح وجوبه، كما نفىٰ عنه البأس في محكي

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 515.

(2) الفقيه 1: 57/ ذيل الحديث 2، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 49/ السطر 17.

(3) منتهى المطلب 1: 146/ السطر 18.

(4) كفاية الأحكام: 8/ السطر 37.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11.

(6) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

(7) أمالي الصدوق: 515.

(8) راجع وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3 و 6 و 8 و 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 298

«الذكرى» «1» و اختاره «جامع المقاصد» «2». بل يمكن أن يقال: إنّ مسح الجبينين و الجبهة ملازم لمسحهما، خصوصاً إذا كانت الجبهة محدودةً بطرف الأنف الأعلى، و الجبينان طرفيها، كما يظهر من اللغة «3» فتنطبق الأخبار على القول المشهور.

الجهة الثالثة: في لزوم مسح الكفّين من الزنْد إلى أطراف الأصابع

المشهور بين الأصحاب وجوب مسح الكفّين من الزَّنْد و هو المفصل بين الساعد و الكفّ إلىٰ أطراف الأصابع «4» بل عليه نقل الإجماع «5» و الشهرة «6» و المعروفية بين الأصحاب «7» متكرّر، و عليه جملة من العامّة، كمالك و أحمد و الشافعي

قديماً علىٰ ما نقل «8».

و عن عليّ بن بابويه وجوب استيعاب المسح إلى المرفقين «9»، و هو المحكي عن أبي حنيفة و الشافعي ثانياً «10».

______________________________

(1) ذكرى الشيعة 2: 263.

(2) جامع المقاصد 1: 491.

(3) لسان العرب 2: 172، المصباح المنير: 91، القاموس المحيط 4: 284.

(4) النهاية: 49، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 72، تذكرة الفقهاء 2: 191، الدروس الشرعيّة 1: 133.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 543/ السطر 26، الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 27، غنية النزوع 1: 63، جامع المقاصد 1: 492.

(6) مختلف الشيعة 1: 273، كشف اللثام 2: 472، الحدائق الناضرة 4: 351.

(7) نقله عن شرح رسالة صاحب المعالم في مفتاح الكرامة 1: 543/ السطر 27.

(8) انظر تذكرة الفقهاء 2: 191، الجامع لأحكام القرآن 5: 240، المجموع 2: 211، شرح الزرقاني على موطإ الإمام مالك 1: 113.

(9) انظر مختلف الشيعة 1: 276.

(10) انظر تذكرة الفقهاء 2: 192، المبسوط، السرخسي 1: 107، الجامع لأحكام القرآن 5: 239، الامّ 1: 49.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 299

و عن ابن إدريس عن بعض أصحابنا: «أنّ المسح من أُصول الأصابع إلىٰ رؤوسها» «1».

و روى عن مالك أيضاً: أنّ التيمّم على الكفّ و نصف الذراع «2»، و احتجاجه عليه من المضحكات. و عن الزهري: «يمسح يديه إلى المنكب» «3».

و تدلّ على المشهور صحيحة زرارة و موثّقته الحاكيتان لفعل رسول اللّٰه «4»، و صريح

صحيحة زرارة الحاكية عن فعل أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «فوضع أبو جعفر (عليه السّلام) كفّيه على الأرض، ثمّ مسح وجهه و كفّيه، و لم يمسح الذراعين بشي ء» «5»

و ظاهر غيرها ممّا اشتملت على «الكفّ» «6».

بل ظاهر صحيحتي داود بن النعمان «7» و

الخزّاز «8»

حيث قال في الأُولىٰ: «فمسح وجهه و يديه فوق الكفّ قليلًا»

و قريب منها الثانية؛ لأنّ الظاهر من

______________________________

(1) السرائر 1: 137.

(2) انظر منتهى المطلب 1: 146/ السطر 22 و 37.

(3) انظر منتهى المطلب 1: 146/ السطر 22، المبسوط، السرخسي 1: 107، بداية المجتهد 1: 70، الجامع لأحكام القرآن 5: 240.

(4) تقدّمتا في الصفحة 156.

(5) تهذيب الأحكام 1: 208/ 603، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 5.

(6) وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 1 و 3 و 6.

(7) تهذيب الأحكام 1: 207/ 598، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 4.

(8) الكافي 3: 62/ 4، وسائل الشيعة 3: 359، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 300

«فوق الكفّ قليلًا» و لو بجهات خارجية هو حدّ المفصل أو فوقه قليلًا الذي يتعارف المسح له لتحصيل مسح ظهر الكفّ احتياطاً. و احتمال كون المراد منه ظهر الكفّ لإفادة عدم لزوم مسح تمام الظهر «1» ضعيف. و مع احتمال كون المسح فوق الكفّ قليلًا لأجل الاحتياط و اليقين بحصول مسح الكفّ لا يمكن الاستدلال بها للزوم مسح الفوق تعبّداً لدخالته في ماهيّة التيمّم.

و أمّا روايات ليث المرادي و محمّد بن مسلم و سَماعة «2» المشتملات علىٰ مسح الذراعين، أو هما مع المرفق، فمحمولة على التقيّة، كما تظهر آثارها من ثانيتها. و لو لا قوّة احتمالها لكان الحمل على الاستحباب غير بعيد، بل متعيّناً حملًا للظاهر على النصّ.

كما أنّ مرسلة «فقه الرضا» «3» و مرسلة حمّاد بن عيسىٰ «4» الظاهرتين في الاجتزاء بالمسح على الأصابع،

غير صالحتين للاحتجاج، فضلًا عن المقاومة لما تقدّم. مع إمكان أن يقال: إنّ المراد ب «موضع القطع» ما هو المعروف عند العامّة، فأراد أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) تعليم السائل طريق الاحتجاج معهم «5». و رواية «فقه الرضا» مجملة المراد، و لا داعي لبيان محتملاتها بعد عدم حجّيتها.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 496/ السطر 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 209/ 608 و 210/ 612 و 208/ 602، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 2 و 5، و 364، الباب 13، الحديث 3.

(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 88، مستدرك الوسائل 2: 535، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 1، و تقدّمت في الصفحة 237، الهامش 2.

(4) الكافي 3: 62/ 2، وسائل الشيعة 3: 365، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 13، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 3: 365، ذيل الحديث 2، جواهر الكلام 5: 204.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 301

بيان كيفيّة المسح

و أمّا كيفيّة المسح، فمقتضىٰ إطلاق الآية و بعض الروايات و مقتضى سكوت أبي جعفر (عليه السّلام) عن الخصوصية الواقعية التي وقع بها تيمّم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في مقام تعليم عمّار، هو عدم دخالة كيفية خاصّة في المسح، بل التيمّم متقوّم بمسح الوجه و الكفّين باليدين بأيّة كيفية؛ وقع من الأعلى أو إليه، وقع طول الباطن علىٰ عرض الظاهر، أو طوله علىٰ طوله. بل و لو وضع جميع الباطن علىٰ جميع الظاهر، فجرّ الماسح في الجملة حتّى وقع مسح جميع الظاهر به. و كذا لا خصوصيّة بمقتضاها في مسح الوجه.

أمّا إطلاق الآية، فلما مرّ مراراً من أنّها في مقام البيان، و

لا إجمال فيها، و لذا تمسّك النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الإمام بها و بخصوصياتها المأخوذة فيها لإثبات الحكم «1»، فالقول بكونها مجملة «2» نشأ من قلّة التأمل فيها، و إلّا فغالب أحكام التيمّم مستفاد منها.

و أمّا إطلاق بعض الأخبار كموثّقة زرارة و رواية المرادي «3» و إن لا يخلو من المناقشة كما مرّ، لكن لا يبعد إطلاقهما.

و أمّا سكوت أبي جعفر (عليه السّلام) فهو أقوى دليل علىٰ عدم الاعتبار؛ فإنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قد كان في مقام بيان ماهية التيمّم لعمّار بلا ارتياب و لا إشكال،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 216 و 249 و 269.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 492/ السطر 33، و 498/ السطر 3.

(3) وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 7، و 361، الباب 12، الحديث 2، و قد تقدّمتا أيضاً في الصفحة 159.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 302

و كان أبو جعفر (عليه السّلام) في مقام نقل القضية لإفادة الحكم بلا إشكال؛ و إن كان في تكرار القضية منه و من أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فائدة أُخرى أو فوائد أُخر، كإفحام المخالفين، و التنبيه علىٰ جهل الثاني بالأحكام و بالقرآن الذي بين أيديهم، أو تجاهله و مخالفته للّٰه و رسوله، و

قد حُكي عن «كتاب سُلَيْم بن قيس الهلالي» عن أمير المؤمنين: «و العجب لجهله و جهل الأُمّة، أنّه كتب إلىٰ جميع عمّاله: أنّ الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يصلّي، و ليس له أن يتيمّم بالصعيد حتّى يجد الماء و إن لم يجده حتّى يلقى اللّٰه، ثمّ قبل الناس ذلك

منه، و رضوا به، و قد علم و علم الناس أنّ رسول اللّٰه قد أمر عمّاراً و أمر أبا ذرّ أن يتيمّما من الجنابة و يصلّيا، و شهدا به عنده و غيرهما فلم يقبل ذلك، و لم يرفع به رأساً» «4».

و كيف كان: لو كان للمسح خصوصية من قبيل كونه من الأعلى، أو وقوع طول باطن الكفّ علىٰ عرض الظاهر، أو غيرهما لما أهملها أبو جعفر (عليه السّلام) في مقام نقل القضية لإفادة ماهية التيمّم.

و أمّا التشبّث بدليل التنزيل لإثبات كونه من الأعلى كما في الوضوء «5»، فقد مرّ ما فيه، و قلنا: إنّ الآية الكريمة مع الارتكاز العرفي و إن يظهر منها اعتبار ما يعتبر في الغسل و الوضوء معاً في التيمّم أيضاً، كالترتيب و طهارة البدن من الأحكام المشتركة، لكن لا يمكن إثبات الشرائط المختصّة بكلّ واحد منهما للتيمّم؛ بعد كونه بدلًا منهما في الآية الشريفة بنحو واحد «6».

______________________________

(4) كتاب سليم بن قيس الهلالي: 138، بحار الأنوار 78: 162/ 23، مستدرك الوسائل 2: 551، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 1.

(5) جواهر الكلام 5: 200 201.

(6) تقدّم في الصفحة 238 240.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 303

و أمّا التشبّث بالشهرة «1»، فهو ناشئ من توهّم ظهور كلمات الأصحاب في وجوب المسح من الأعلى؛ حيث قالوا: «يمسح من قصاص الشعر إلىٰ طرف الأنف» و لا يخفىٰ على الناظر في كلماتهم أنّ ذلك لتحديد الممسوح، لا لبيان كيفية المسح، و لذا لم يتعرّضوا بالنسبة إلى الكفّ «2»، فيمكن أن يقال: إنّ خلوّ كلماتهم عن الكيفية دليل علىٰ عدم اعتبار كيفيّة خاصّة فيه.

نعم، إنّ السيرة القطعية علىٰ هذه الكيفية المعهودة، ربّما

توجب الوثوق بدخالتها لو لم نقل: بأنّها إنّما دلّت علىٰ صحّته بهذه الكيفية، لا انحصاره بها.

فالأحوط عدم التعدّي عن الكيفية المعهودة؛ لما ذُكر، و لدلالةِ ما رُوي في الرضوي عليه بالنسبة إلى الكفّين «3»، مع دعوى عدم الفصل بينهما «4»، و إشعارِ

مرسلة العيّاشي عن أبي جعفر (عليه السّلام) به، قال: «ثمّ مسح من بين عينيه إلىٰ أسفل حاجبيه» «5»

و احتمالِ انصراف «مسح الوجه» إلى المسح من الأعلى.

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 8/ السطر 37، الحدائق الناضرة 4: 348، انظر جواهر الكلام 5: 201.

(2) شرائع الإسلام 1: 40.

(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 88، و تقدّم متنه في الصفحة 237، الهامش 2.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 497/ السطر 7 و 14.

(5) تفسير العيّاشي 1: 302/ 63، مستدرك الوسائل 2: 540، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 304

الأمر التاسع في تحديد عدد ضربات التيمّم
اشارة

اختلفوا في عدد الضربات في التيمّم، فعن المشهور التفصيل بين ما للوضوء و بين ما للغسل؛ بضربة واحدة في الأوّل، و ضربتين في الثاني «1».

و عن جمع من المتقدّمين «2» و المتأخّرين «3» الضربة الواحدة فيهما.

و عن جمع آخر منهما الضربتان فيهما «4». و ربّما نقل عن بعض بل قوم من أصحابنا كما حكي عن «المعتبر» «5» ثلاث ضربات. فالأولىٰ أوّلًا بيان مقتضى الأدلّة و الجمع بينها، ثمّ النظر في كلمات القوم. فنقول:

بيان مقتضى الأدلّة و وجه الجمع بينها
اشارة

مقتضىٰ إطلاق الآية الكريمة «6» الاجتزاء بالضربة الواحدة فيهما، سيّما بعد ذكر التيمّم عقيب الحدثين.

و أمّا الروايات فهي علىٰ طوائف:
اشارة

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 207.

(2) هو المنسوب إلى ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد في رسالته العزّية و السيّد في الناصريات، انظر مفتاح الكرامة 1: 546/ السطر 15، مختلف الشيعة 1: 271، الناصريّات، ضمن جوامع الفقهيّة: 224/ السطر 23.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 231، مدارك الأحكام 2: 232، مفاتيح الشرائع 1: 62، الحدائق الناضرة 4: 340.

(4) انظر المعتبر 1: 388، مختلف الشيعة 1: 271، منتقى الجمان 1: 351.

(5) المعتبر 1: 388.

(6) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 305

منها و هي عمدتها-: ما هي ظاهرة في الاجتزاء بواحدة،

و فيها الروايات الحاكية لفعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) تعليماً لعمّار، حكاه أبو جعفر (عليه السّلام)، و لا ريب في أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان في مقام تعليمه و بيان ماهية التيمّم، كما يظهر من

قوله: «أ فلا صنعت كذا؟! ثمّ أهوىٰ بيديه إلى الأرض، فوضعهما على الصعيد، ثمّ مسح ..» «1» إلىٰ آخره.

فهل يمكن أن يقال: إنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بعد قوله: «أ فلا صنعت كذا؟!» و إتيانه بالتيمّم الذي هو بدل الغسل الذي ابتلي به عمّار أهمل في مقام البيان و التعليم ما كان معتبراً في ماهية التيمّم؟! أو يقال: إنّ أبا جعفر (عليه السّلام) أهمل ما فعله رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و كان دخيلًا في ماهيّته، أو إنّ زرارة أو الرواة بعده أهملوا ما وصل إليهم؟! و لو فتح على الروايات باب هذه الاحتمالات لاختلّ الفقه، و انسدّ باب الاحتجاج على العقلاء.

و أضعف شي ء في المقام احتمال كونه في مقام بيان كيفية

قسم من التيمّم؛ و هو الذي بدل الوضوء، و هل هذا إلّا الإغراء بالجهل و الإيقاع في خلاف الواقع؟! و مثلها قوله في موثّقة زرارة: «هكذا يصنع الحمار؛ إنّما قال اللّٰه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فضرب بيديه الأرض ..» «2» إلىٰ آخره.

فإنّ تمسّكه بالآية الكريمة و إتيانه بالتيمّم بضربة واحدة، ممّا جعل الكلام كالنصّ في عدم الاحتياج إلى الضربتين في بدل الغسل، الذي هو مورد الكلام و المتيقّن في مقام التعليم.

______________________________

(1) الفقيه 1: 57/ 212، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 8.

3

(2) السرائر 3: 554، وسائل الشيعة 3: 360، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 306

و مثلهما

صحيحتا الخزّاز و داود بن النعمان «1» حيث سألا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن التيمّم، فذكر قضية عمّار، فقالا له: «كيف التيمّم؟ فوضع يديه على الأرض، ثمّ رفعهما فمسح وجهه و يديه فوق الكفّ قليلًا»

و اللفظ من الثانية.

فإنّ الاكتفاء بالمرّة بعد حكاية قصّة عمّار و سؤالهما عن الكيفية، كالنصّ في كفايتها عن بدل الغسل.

و يدلّ عليه إطلاق موثّقة زرارة و ابن أبي المقدام «2» و غيرهما من غير احتياج إلىٰ دعوى كون قوله: «مرّة واحدة» في ذيلهما قيداً للضرب لا للمسح، أو قيداً لهما؛ بدعوىٰ أنّ الضرب كان مورد البحث و الخلاف عند العامّة و الخاصّة، لا المسح، فكون القيد للثاني كاللغو «3». و كيف كان: لا شبهة في قوّة ظهور تلك الروايات في الاجتزاء بالمرّة مطلقاً، و في بدل غسل الجنابة بالخصوص.

و منها: طائفة أُخرى مشتملة علىٰ «مرّتين»

كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما، قال: سألته عن التيمّم فقال: «مرّتين مرّتين للوجه و اليدين»

«4».

و محتملاتها كثيرة، ككون «المرّتين» قيداً للقول، أو لأمر مقدّر ك «اضرب» أو أحدهما قيداً للقول و الآخر للأمر.

ثمّ علىٰ فرض كونهما من متعلّقات الضرب، يمكن أن يكون الثاني تأكيداً للأوّل، و يمكن أن يكون تأسيساً؛ لبيان أنّ اللازم في التيمّم أربع ضربات: ضربتان للوجه، و ضربتان لليدين.

______________________________

(1) تقدّم تخريجهما في الصفحة 299.

(2) تقدّمتا في الصفحة 285.

(3) جواهر الكلام 5: 211.

(4) تهذيب الأحكام 1: 210/ 610، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 307

و الأظهر هو الاحتمال الأخير، فكأنه قال: «ضربتان للوجه، و ضربتان لليدين» و لا أقلّ من كون هذا الاحتمال في عَرض احتمال التأكيد. مع أنّه ليس المورد من موارد التأكيد. فهذه الصحيحة بما لها من الظهور خلاف فتوى الكلّ، أو هي مجملة في نفسها لا بدّ من رفع إجمالها بسائر الروايات.

و

كرواية ليث المرادي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في التيمّم: «تضرب بكفّيك الأرض مرّتين، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك» «1».

و الظاهر منها أنّ ضرب المرّتين قبل المسح. و بها يرفع الإجمال من هذه الحيثية عن الصحيحة المتقدّمة؛ إذ لا يتضح منها أنّ المرّتين قبل المسح، أو مرّة قبل مسح الوجه، و مرّة قبل مسح الكفّين.

كما يرفع الإجمال بها عن

صحيحة الكندي، عن الرضا (عليه السّلام) قال: «التيمّم ضربة للوجه، و ضربة للكفّين» «2»

لعدم ظهورها في الافتراق و إن كانت مشعرة به، لكن ظهور رواية المرادي محكّم و مقدّم عليه. فهذه الروايات الثلاث كما رأيت لا تدلّ علىٰ ما نسب إلى المشهور فإنّ ظاهرها بعد ردّ بعضها إلىٰ بعض ضرب اليدين مرّتين قبلًا، ثمّ

مسح الأعضاء بهما، و فتوى القوم خلاف ذلك؛ ظاهراً في بعض عباراتهم «3» و نصّاً في الآخر «4» فأوجبوا التفريق.

و أمّا صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) التي هي العمدة في مستند القول

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 209/ 608، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 210/ 609، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 3.

(3) المبسوط 1: 33، تذكرة الفقهاء 2: 194 195.

(4) السرائر 1: 137.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 308

بالتفصيل، و جعلت شاهدة للجمع بين الطائفتين «1»، فليست شاهدة له حتّى بعد تسليم دلالة هذه الروايات علىٰ ما راموا من الضربتين،

قال قلت له: كيف التيمّم؟ فقال: «هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة: تضرب بيديك مرّتين، ثمّ تنفضهما نفضةً للوجه، و مرّة لليدين، و متىٰ أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنباً، و الوضوء إن لم تكن جنباً» «2».

لأنّ الظاهر منها أنّ لتيمّم الوضوء و الغسل كيفيّة واحدة؛ و هي الضرب باليدين مرّتين أوّلًا، ثمّ نفضهما نفضة، و المرّتان تكونان للوجه، ثمّ يجب مرّة أُخرى لليدين، فتكون الضربات ثلاثة.

و لو أغمضنا عن هذا الظاهر المتفاهم عرفاً، و قلنا بأنّ الواو في قوله: «و الغسل» للاستئناف، و هو مبتدأ، و «تضرب» خبره، فلا يمكن الإغماض عن ظهورها في أنّ الضربات ثلاث كما مرّ، و هو ممّا لم يقل به أحد منهم، فلا يمكن الاستشهاد بها للجمع بين الروايات بجميع النسخ المختلفة الحاكية لها؛ لأنّ كلّها مشتركة في قوله: «تضرب بيديك مرّتين، ثمّ تنفضهما» الذي هو ظاهر في كونهما قبل مسح الوجه؛ و إن كانت مختلفة

من جهات أُخر في كتب الاستدلال ك «الخلاف» و «التذكرة» و «المنتهىٰ» و «المدارك» و محكي «المعتبر» «3» لكن لا اعتماد في نقل الروايات على الكتب الاستدلالية غير المعدّة لنقلها بألفاظها، كما يظهر بالمراجعة إليها، خصوصاً بعض كتب المتأخّرين.

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 212.

(2) تهذيب الأحكام 1: 210/ 611، وسائل الشيعة 3: 361، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 4.

(3) الخلاف 1: 134، تذكرة الفقهاء 2: 195، منتهى المطلب 1: 148/ السطر 36، مدارك الأحكام 2: 231، المعتبر 1: 388.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 309

هذا مع أنّ الجمع بين الطائفتين المتقدّمتين بحمل الاولىٰ علىٰ تيمّم بدل الوضوء، مع كونها غالباً في مورد الجنابة، و الثانية علىٰ بدل الغسل، مع كونها في مقام بيان أصل الماهية، ليس جمعاً مقبولًا عقلائيّاً، كما لا يخفى.

فحينئذٍ لو سلّمت دلالة الرواية المتقدّمة، و دلالة صحيحة محمّد بن مسلم «1» الظاهر منها آثار التقيّة، مع وضوح عدم دلالتها على التفصيل بما قالوا، بل ظاهرها المرّتان مطلقاً، و التفصيل في المسح من المرفقين و إليهما، و سلم ورود مرسلات أُخر من جملة من الأعاظم كالمحكي عن «المعتبر» قال: «روي في بعض الأخبار التفصيل، من ذلك رواية حريز، عن زرارة» «2» و في «الغُنية»:

«و قد روىٰ أصحابنا أنّ الجنب يضرب ضربتين» «3»

و عن السيّد: «و قد روي أنّ تيمّمه إن كان من جنابة و ما أشبهها، ثنّىٰ ما ذكرناه من الضربة» «4» و عن الصيمري نسبة التفصيل إلى الروايات «5» فلا يمكن الجمع بينها بما ذكر، بل لا بدّ من حملها على الاستحباب أو التقيّة. مع عدم ثبوت كون تلك المرسلات غير الروايات التي في الباب؛ و إن

يُستشعر من عبارة السيّد كون مرسلته غيرها، تأمّل.

و كيف كان: لا يمكن الاتكال عليها. و انجبارُها بالشهرة مع عدم ثبوت أصلها، فضلًا عن ثبوت الاتكال عليها ممنوع. فلم يبق في المقام إلّا روايات

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 210/ 612، وسائل الشيعة 3: 362، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 5.

(2) المعتبر 1: 388.

(3) غنية النزوع 1: 63.

(4) جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضىٰ 3: 26، مستدرك الوسائل 2: 538، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 10، الحديث 3.

(5) انظر جواهر الكلام 5: 212، غاية المرام 1: 40 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 310

المرّة و رواية الساباطي الدالّة على التسوية بين التيمّم من الوضوء و الجنابة و من الحيض «1»، و ليس في مقابلها ما دلّ على القول المنسوب إلى المشهور، و قد أوّل صاحب «الجواهر» رواية التسوية بما لا يخلو من الغرابة «2».

حول كلمات القوم في المقام

و أمّا الشهرة في المسألة، فليست بتلك المثابة التي ذكرها في «الجواهر» «3» و لأجلها فتح باب المناقشات على الروايات و كلمات الأصحاب، فأوّلها بما لا أظنّ ارتضاء نفسه الشريفة به لولا اتكاله على الشهرة، حتّى نَسَب الخلاف إلى الأردبيلي و الكاشاني مع أنّ ظاهر الصدوق في «المقنع» و «الهداية» «4» و السيّد في «الانتصار» «5» و ابن زهرة في «الغنية» «6» و المحكي عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد في «المسائل العزية» «7» و عن «المعتبر» و «الذكرى» «8» و غيرهم «9»، اختيار الضربة في الجميع. بل حكي اشتهاره بين العامّة عن عليّ (عليه السّلام) و ابن عبّاس و عمّار «10».

______________________________

(1) سيأتي متنها في الصفحة 312.

(2) جواهر الكلام 5: 213.

(3) نفس

المصدر 5: 207.

(4) المقنع: 26، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 49/ السطر 17.

(5) لم نعثر عليه في الانتصار و لكنّه موجود في الناصريات، انظر الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 22.

(6) غنية النزوع 1: 63.

(7) انظر مختلف الشيعة 1: 271.

(8) المعتبر 1: 388 389، ذكرى الشيعة 2: 262.

(9) مدارك الأحكام 2: 232، كفاية الأحكام: 9/ السطر 2.

(10) انظر رياض المسائل 2: 320، جواهر الكلام 5: 215، المغني، ابن قدامة 1: 245.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 311

و عن «المعتبر» عن قوم من أصحابنا اختيار ثلاث ضربات «1».

و حكي عن المفيد في «الأركان» «2» و عن التقيّ «3» عن جماعة من القدماء في الكلّ ضربتان «4». و نسب ذلك إلى الصدوق أيضاً «5»، و هو موافق للنسخة التي عندنا من «أماليه» قال: «فإذا أراد الرجل أن يتيمّم، ضرب بيديه على الأرض مرّة واحدة، ثمّ ينفضهما فيمسح بهما وجهه، ثمّ يضرب بيساره الأرض، فيمسح بها يده اليمنىٰ من الزند إلىٰ أطراف الأصابع، ثمّ يضرب بيمينه الأرض فيمسح بها يده اليمنىٰ من الزند إلىٰ أطراف الأصابع، و قد رُوي: أن يمسح الرجل جبينيه و حاجبيه، و يمسح علىٰ ظهر كفيه، و عليه مضى مشايخنا» «6» انتهىٰ.

و هذه النسخة و إن كانت مغلوطة، لكن لم يفصّل فيها بين التيمّم بدل الوضوء و الغسل، فهي شاهدة علىٰ أنّ التفصيل لم يكن مشهوراً في تلك الأعصار، بل مضى المشايخ علىٰ خلافه.

و يشهد له أنّ شيخ الطائفة في «الخلاف» لم يتمسّك لمذهبه بالإجماع «7» مع أنّ دابة فيه ذلك، و إنّما تمسّك بصحيحة زرارة المتقدّمة «8»، فيعلم من ذلك أنّ اختياره له كان بتخلّل اجتهاد، لا لأمر آخر نحن

بعيدون عنه.

______________________________

(1) المعتبر 1: 388.

(2) انظر ذكرى الشيعة 2: 261، مفتاح الكرامة 1: 546/ السطر 26.

(3) هكذا في مصباح الفقيه، لكن الصحيح «المنتقى».

(4) منتقى الجمان 1: 351.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 546/ السطر 27، المعتبر 1: 388.

(6) أمالي الصدوق: 515.

(7) الخلاف 1: 134.

(8) تقدّمت في الصفحة 308.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 312

و الإنصاف: أنّ الاتكال على الشهرة في مثل هذه المسألة التي تراكمت فيها الأدلّة و أقوال أساطين الفقه، و رفعَ اليد لأجلها عن الأدلّة كتاباً و سنّة، ممّا لا مجال له.

اتحاد كيفية التيمّم بدل جميع الأغسال

ثمّ إنّه لا إشكال في اتحاد كيفية التيمّم بدل الأغسال واجبة كانت أو مستحبّة قولًا واحداً، كما في «الجواهر» «1» و يدلّ عليه كثير من الروايات؛ حيث يظهر منها السؤال عن كيفية ماهية التيمّم، كرواية الكاهلي و موثّقة زرارة بل و صحيحتي الخزّاز و ابن النعمان و غيرها «2».

مضافاً إلىٰ

موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن التيمّم من الوضوء و الجنابة و من الحيض للنساء، سواء؟ فقال: «نعم» «3».

و

موثّقة أبي بصير في حديث، قال: سألته عن تيمّم الحائض و الجنب، سواء إذا لم يجدا ماءً؟ قال: «نعم» «4».

و معلومية عدم الفصل، بل يمكن الاستئناس له بالتساوي في المبدل منه، فلا إشكال فيه.

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 216.

(2) وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11، الحديث 1 و 3 و 2 و 4 و 5.

(3) الفقيه 1: 58/ 215، تهذيب الأحكام 1: 212/ 617، وسائل الشيعة 3: 362، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 6.

(4) الكافي 3: 65/ 10، تهذيب الأحكام 1: 212/ 616، وسائل الشيعة 3: 363، كتاب

الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 313

تتميم: في أنّ التيمّم بمنزلة المبدل منه في جميع الآثار

هل يكون التيمّم كالغسل في الاجتزاء به فيما إذا كان بدلًا من غسل الجنابة عن الوضوء، و الاجتزاء بتيمّم واحد عن الأغسال الكثيرة إذا كان فيها غسل جنابة و نوى الجميع، أو مطلقاً؛ كان فيها جنابة أو لا، نوى الجميع أو بعضها؟

و بالجملة: هل يقوم التيمّم مقام الغسل في جميع ما للغسل، أو لا مطلقاً، أو يفصّل بين ما هو بدل غسل الجنابة، فيقوم مقامه في الاجتزاء عن الوضوء أو التيمّم له، دون غيره، فلا يكتفى بتيمّم واحد عن الأغسال المتعدّدة؟

أو يجتزأ به حتّى فيما لا يجتزأ بالغسل الواحد، كما لو كان على المرأة غسل الحيض، و قلنا بوجوب الوضوء عليها مع الغسل، فيجزي تيمّم واحد عن غسلها و وضوئها؟

وجوه، أقواها كونه بمنزلة المبدل منه في جميع ما له، فيكتفىٰ بتيمّم واحد بدل غسل الجنابة عن الوضوء، و يتداخل كما تتداخل الأغسال، و لا يتداخل فيما لا تتداخل، و لا يجتزأ به فيما لا يجتزأ بالغسل، فيجب تيمّمان على الحائض بدل الغسل و الوضوء:

أمّا الاجتزاء عن الوضوء في بدل غسل الجنابة، فممّا لا ينبغي الإشكال فيه، بل في «الجواهر» دعوى عدم وجدان الخلاف فيه «1»، لكن لا للآية الكريمة «2» بنفسها، فإنّها مع قطع النظر عن الروايات لا تدلّ على الاجتزاء؛ فإنّ الظاهر من صدرها لزوم الوضوء للصلاة شرطاً، و لزوم الغسل من الجنابة كذلك،

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 216.

(2) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 314

فلا يستفاد منها غير ذلك، فلا تدلّ على إجزاء أحدهما عن الآخر لو لم نقل: إنّ الظاهر

منها لزومهما عند تحقّق سببهما.

و أمّا ذيلها فيتفرّع على الصدر، فلا يستفاد منه زائداً عليه. مع أنّ الظاهر من عطف لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ بلفظ أَوْ أنّ كلّ واحد من الحدث الأصغر و الأكبر سبب للتيمّم، و إطلاق السببية يقتضي تكرّر المسبّب، و يكون مقدّماً علىٰ إطلاق المسبّب، كما حرّرناه في محلّه «1». و كيف كان: لا يمكن استفادة الاجتزاء منها بنفسها، بل يستفاد بضمّ ما دلّ علىٰ إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء «2»؛ لأنّ الظاهر منها أنّ التيمّم عند فقدان الماء بمنزلة الوضوء، و للمجنب بمنزلة الغسل، فإذا علم أنّ الغسل كافٍ عن الوضوء، قام التيمّم مقامه في ذلك.

بل لنا دعوى استفادة عموم التنزيل بالنسبة إلىٰ سائر الأغسال أيضاً؛ إمّا بدعوىٰ كون قوله لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ كناية عن مطلق الحدث الأكبر، كما أنّ قوله أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ كناية عن مطلق الأصغر، و قوله وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ كناية عن مطلق المعذور، مع المناسبات المغروسة في ذهن العرف، و معلومية عدم ترك الصلاة بحال، و عدم سقوط شرطية الطهارة لها.

أو بدعوى استفادة ذلك من قوله تعالىٰ في ذيل بيان التيمّم مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ «3» الظاهر منه أنّ التيمّم طهور لدى فقدان الماء أو العذر في استعماله، فكأنه قال: التيمّم أحد الطهورين.

فيستفاد منه و من قبله مع الارتكازات العقلائية: أنّ كلّ ما للوضوء و الغسل عند الاحتياج إليهما، للتيمّم مع تعذّرهما، فإذا اجتزئ بغسل واحد عن

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 196، تهذيب الأُصول 1: 435.

(2) وسائل الشيعة 2: 244، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33 و 34.

(3) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط -

الحديثة)، ج 2، ص: 315

الأغسال المتعدّدة و إن كان أحدها للجنابة اجتزئ عن الوضوء أيضاً يجتزأ بالتيمّم الذي هو بمنزلته، و هو الطهور في هذه الحالة.

و بالجملة: حال البدل حال المبدل منه مطلقاً و في جميع ما له من الآثار.

و يمكن استفادته من الأخبار أيضاً،

كصحيحة ابن حُمران و جميل بن درّاج بطريق جميل «1»: أنّهما سألا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن إمام قومٍ أصابته جنابة في السفر، و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل، أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟ فقال: «لا، و لكن يتيمّم الجنب و يصلّي بهم؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ جعل التراب طهوراً، كما جعل الماء طهوراً» «2».

فإنّ الظاهر منها الاكتفاء بالتيمّم للصلاة مع فرض وجدان الماء بقدر الوضوء، و مقتضى تعليله عموم الحكم و المنزلة.

و أمّا ما قد يقال «3» بالاجتزاء بتيمّم واحد عن غسل الحيض و الوضوء و إن لم نقل في المبدل منه، فمبني علىٰ كون التيمّم للوضوء و الغسل بكيفية واحدة، و عدم قيد يوجب تباينهما، و عدم إمكان اجتماعهما في المصداق الواحد، و استفادة جميع التيمّمات من الآية الكريمة بالتقريب المتقدّم، و تقديم إطلاق الجزاء على إطلاق الشرط في الآية. لكن جميع المقدّمات مسلّمة إلّا الأخيرة؛ لما تقرّر من تقديم إطلاق الشرط على الجزاء «4». مضافاً إلىٰ بعد زيادة البدل عن المبدل منه، و لأجله لا يستفاد ذلك في المقام و لو سلّم في سائر المقامات، فالأقوىٰ هو تساويهما في الآثار مطلقاً.

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 223، الهامش 2.

(2) الكافي 3: 66/ 3، الفقيه 1: 60/ 223، وسائل الشيعة 3: 386، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 24، الحديث 2.

(3) مدارك الأحكام 2: 233.

(4)

مناهج الوصول 2: 201، تهذيب الأُصول 1: 438.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 317

المبحث الرابع في أحكام التيمّم

اشارة

و هي أُمور:

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 319

الأمر الأوّل في عدم صحّة التيمّم قبل الوقت لصاحبته
اشارة

لا خلاف ظاهراً بينهم في عدم صحّة التيمّم قبل الوقت لصاحبته، و عليه نقل الإجماع مستفيضاً؛ لأنّه منقول عن ثلاثة عشر موضعاً أو أكثر من زمن المحقّق و من بعده «1»، و لو أُضيف إليه فحوى الإجماعات المنقولة علىٰ عدم صحّته في سعة الوقت «2»، يكاد يتجاوز العشرين.

و هو الحجّة؛ لعدم إمكان أن يقال: كلّ ذلك لأمر عقلي، سيّما إذا ثبت أنّ الوضوء التأهّبي المفتى به «3»، من قبيل التخصيص عندهم من عدم جواز الوضوء

______________________________

(1) المعتبر 1: 381، تذكرة الفقهاء 2: 199، منتهى المطلب 1: 139/ السطر 34، قواعد الأحكام 1: 23/ السطر 14، تحرير الأحكام 1: 22/ السطر 21، ذكرى الشيعة 2: 251، الدروس الشرعيّة 1: 132، التنقيح الرائع 1: 133، روض الجنان: 121/ السطر 21، مدارك الأحكام 2: 208، مفاتيح الشرائع 1: 63، مفتاح الكرامة 1: 550/ السطر 4، رياض المسائل 2: 308، جواهر الكلام 5: 154.

(2) الانتصار: 31 32، غنية النزوع 1: 64، فقه القرآن 1: 37، جواهر الكلام 5: 158.

(3) نهاية الإحكام 1: 20، الدروس الشرعيّة 1: 86، مفاتيح الشرائع 1: 41.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 320

قبل الوقت؛ لأنّ التأهّب للفرض و التهيُّؤ له عبارة أُخرى عن كونه له، و معه لا يكون منعهم لعدم المعقولية.

لكن إثبات الخروج التخصيصي مشكل، بل غير ممكن؛ لاحتمال أن يكون تخصّصاً لأجل الاتكال على الروايات الدالّة علىٰ أفضلية إيقاع الصلوات في أوّل أوقاتها «1»، فاستكشف منها محبوبية تحصيل الطهور قبل الأوقات؛ و لو لأجل الكون على الطهارة. و يمكن أن يقال: إنّ نفس التهيّؤ للصلاة غاية

أُخرى غير الغيرية.

و كيف كان: ففي الإجماعات كفاية، بعد فساد توهّم كون الاتكال على الأمر العقلي غير التامّ، و تخطئةُ الكلّ في مثل هذا الأمر العقلي الذي ربّما يطابق الوجدان، خطأٌ فاحش، سيّما مع ورود نظيره في الشرع، كمقدّمات الحجّ، و ظهور الكتاب و السنّة إلّا بعض الروايات في كون الصلاة بالنسبة إلى الأوقات من قبيل الواجب المعلّق لا المشروط، كما سيأتي.

مضافاً إلىٰ عدم اتكال كثير من قدماء أصحابنا علىٰ مثل تلك العقليات التي كثرت و شاعت لدى متأخّري المتأخّرين، كما لا يخفى، و من هنا يمكن كشف كون الحكم معهوداً من الصدر الأوّل.

الدليل العقلي المتوهّم علىٰ عدم صحّة التيمّم و جوابه

و أمّا لو أغمضنا عن ذلك، فالاتكال على الدليل العقلي المتوهّم في المقام غير ممكن؛ بأن يقال: إنّ الصلاة من قبيل الواجب المشروط بالأوقات، فقبل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 118، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 321

مجي ء أوقاتها لا يكون التكليف بها فعلياً، و مع عدم وجوب ذي المقدّمة لا يمكن وجوب مقدّمته؛ لعدم إمكان تحقّق المعلول قبل علّته، و معه لا يمكن صحّته لأجل الإتيان به بداعي الأمر المقدّمي الموهوم.

و فيه: بعد تسليم كون الصلاة من الواجب المشروط، و تسليم وجوب المقدّمة شرعاً، و تسليم صلوح الأمر الغيري للعبادية، أنّ التحقيق إمكان وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها؛ لما حقّقناه في محلّه «1».

و مجمله: أنّ الملازمة علىٰ فرض تسليمها ليست بين وجوب المقدّمة و وجوب ذيها، و لا بين إرادتها و إرادته؛ بمعنى نشوء وجوب عن وجوب، أو إرادة عن إرادة؛ لأنّ البعث إلىٰ ذي المقدّمة لو كان علّة تامّة لبعث آخر متعلّق بمقدّمته بحيث يكون البعث إليها لازم البعث إليه و

معلوله لزم منه مقهورية الآمِر الباعث لذي المقدّمة للبعث إلىٰ مقدّمته بلا حصول مقدّماته و ما يتوقّف عليه: من التصوّر، و التصديق بالفائدة، و غيرهما، و هو ضروريّ الفساد.

كما أنّ معلولية إرادة المقدّمة لإرادة ذي المقدّمة بذلك المعنىٰ ضرورية البطلان؛ ضرورة أنّ كلّ إرادة تحتاج في تحقّقها إلىٰ مبادئ تصوّرية و تصديقية لا يعقل تحقّقها بدونها.

نعم، ما يمكن أن يقال في باب وجوب المقدّمة: إنّ إرادتها تحصل من مبادي خاصّة بها، هي تصوّرها، و تصوّر توقّف ذي المقدّمة عليها، و التصديق به، و إدراك لزوم حصولها بيد العبد، و معها تتحقّق إرادتها و البعث إليها، و هذه المقدّمات كما هي حاصلة في مقدّمات الواجب المطلق و المشروط بعد تحقّق شرطه، حاصلة للمشروط قبل تحقّق شرطه، فإنّ المولى الآمر بشي ء مشروطاً

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 356 358، تهذيب الأُصول 1: 228.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 322

بوقت مثلًا، إذا تصوّر مقدّمته الوجودية قبل مجي ء شرطه، و تصوّر توقّفه عليها، و صدّق بذلك، و رأىٰ أنّ مطلوبه في موطنه متوقّف عليه؛ و إن لم يكن بالفعل مطلوباً له، و لا يمكن التوصّل إليه إلّا بإيجادها، فمع انحصارها تتعلّق لا محالة إرادته بإيجادها؛ للتوصّل بها إلىٰ ما يصير واجباً و مطلوباً مطلقاً في موطنه؛ لحصول مبادئ الإرادة و عدمِ إمكان تفكيك مبادئها عنها.

و تبعيةُ وجوب المقدّمة لوجوب ذي المقدّمة، ليست إلّا بهذا المعنى المحقّق في الواجبات المشروطة قبل مجي ء شرطها أيضاً، و مع عدم الانحصار يحكم العقل بالتخيير.

نعم، لو كانت الملازمة بين الإرادة الفعلية أو الوجوب الفعلي المتعلّق بذي المقدّمة مع وجوب مقدّمته، لكان وجوبها قبل وجوبه ممتنعاً، لكن المبنىٰ فاسد، بل وجوبها علىٰ

فرض تسليم الملازمة تابع لوجوب ذيها بالوجه الذي عرفت، و قد عرفت عدم الفرق بين فعلية وجوب ذي المقدّمة أو ما سيصير فعلياً؛ من غير لزوم الالتزام بالوجوب التعليقي، أو التفصيل بين المقدّمات المفوّتة و غيرها.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ الطهارات الثلاث قبل حضور أوقات الصلاة واجبة؛ بناءً على القول بوجوب المقدّمة و لو قلنا: بأنّ الوقت شرط الوجوب، و أنّ عباديتها تتوقّف على الأمر الغيري المقدّمي.

مع أنّ كون الصلاة من قبيل الواجب المشروط بحضور أوقاتها، محلّ منع؛ لظهور الكتاب الكريم و أكثر الأخبار في الوجوب التعليقي، كقوله تعالىٰ أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ «1».

______________________________

(1) الإسراء (17): 78.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 323

و قولِه تعالىٰ إِنَّ الصَّلٰاةَ كٰانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً «1» المفسّر بكونها موجوباً

و ثابتاً و مفروضاً في الروايات «2».

و قولِه تعالىٰ أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ «3» المفسّر بصلاة الغداة و المغرب و العشاء «4».

و

كقول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة زرارة: «إنّما فرض اللّٰه عزّ و جلّ على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة» «5».

فيكون الوجوب فعليّاً، و الواجب استقبالياً، و قد ذكرنا في محلّه إمكان المشروط بما ذكره المشهور «6»، و كذا المعلّق «7».

و أمّا ما ذكره بعض المحقّقين: من لزوم تعلّق الخطابات قبل حضور زمان الفعل؛ لعدم تعقّل الأمر بإيجاد شي ء في زمان صدور الطلب و بذلك دفع الإشكال عن وجوب المقدّمة قبل حضور وقت الواجب، و صحّح حرمة إراقة الماء قبل الوقت إذا علم بعدم إمكان تحصيله بعدُ .. إلىٰ غير ذلك «8».

ففيه: أنّه إن كان المرادُ بعدم تعقّل وحدة زمان الخطاب و إيجاد الفعل،

لزومَ تقدّم إنشاء الخطاب علىٰ زمان العمل، كما هو ظاهره، فهو غير ملازم

______________________________

(1) النساء (4): 103.

(2) وسائل الشيعة 4: 7، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 1.

(3) هود (11): 114.

(4) تفسير العيّاشي 2: 161/ 73.

(5) الكافي 3: 419/ 6، الفقيه 1: 266/ 1217، تهذيب الأحكام 3: 21/ 77، وسائل الشيعة 7: 295، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 1.

(6) مناهج الوصول 1: 355، تهذيب الأُصول 1: 227.

(7) مناهج الوصول 1: 358، تهذيب الأُصول 1: 231.

(8) مصباح الفقيه، الطهارة: 479/ السطر 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 324

للوجوب المعلّق، فيمكن أن يصدر الخطاب المشروط بزمان العمل قبل مجي ء الوقت، و لا يكون الوجوب فعلياً إلّا عند مجي ء وقته، و معه لا يدفع الإشكال في المقام، و لا في سائر المقامات.

و إن كان المراد أنّ اتحاد زمان فعلية التكليف و العمل محال، فلا يمكن أن يكون الزوال شرطاً للوجوب و ظرفاً لأوّل جزء من الصلاة، فهو ممنوع؛ لأنّ ما هو المسلّم لزوم تقدّم باعثية الأمر على انبعاث المكلّف، لكن لا يلزم منه أن يكون بينهما تقدّم و تأخّر وجودي؛ ضرورة أنّ المكلّف إذا علم بخطاب «أقم الصلاة إذا زالت الشمس» مثلًا، ينبعث منه في أوّل الزوال.

و إن شئت قلت: إنّ التقدّم رتبي لا خارجي، فلا يلزم أن يكون الخطاب فعلياً قبل مجي ء وقت العمل.

و العجب منه أنّه في ذيل كلامه اعترف بأنّ الوقت من الشرائط الوجوبية للواجبات الموقّتة «1»، و مع ذلك التزم بالوجوب التعليقي، فكأنه التزم بالوجوب المعلّق و المشروط معاً في الصلاة! و هو كما ترى.

ثمّ إنّ في أصلِ وجوب المقدّمة، و صلاحيةِ الأمر المقدّمي للمقرّبية،

و كونِ عبادية الطهارات الثلاث من قِبَل الأمر المقدّمي و لو فرض صلوحه للتقرّب، إشكالًا و منعاً ينافي التفصيل فيها وضع هذا المختصر.

و بما ذكرناه من عدم الفرق بين ما قبل الوقت و ما بعده علىٰ فرض وجوب المقدّمة، و بما حقّقناه في محلّه من عدم تعقّل وجوب المقدّمة رأساً «2»، يجب التصرّف بوجهٍ في مثل

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «إذا دخل الوقت

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 479/ السطر 27.

(2) مناهج الوصول 1: 410، تهذيب الأُصول 1: 278.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 325

وجب الطهور و الصلاة، و لا صلاة إلّا بطهور» «1».

حيث يظهر منها وجوب الطهور عند دخول الوقت، و مفهومها عدمه بعدمه؛ فإنّ وجوب الطهور إنّما هو بملاك المقدّمية لا غير، و قد حقّق عدم تعقّله، و علىٰ فرض تعقّله لا يُتعقّل الفرق بين الوقت و قبله و لذلك لا بدّ من رفع اليد عن مفهومها و التصرّف في منطوقها بوجه. مضافاً إلىٰ مخالفتها لظاهر الكتاب و صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّين علىٰ كون الصلاة واجباً معلّقاً.

ثمّ إنّ ما مرّ من الكلام إنّما هو مع المماشاة للقوم، و إلّا فالتحقيق أنّ الطهارات الثلاث بما هي عبادات، جعلت مقدّمةً و شرطاً للصلاة، أو مقدّمةً لمقدّمتها «2» إن قلنا بأنّ الطهور شرط، و هو محصَّل منها، فالإرادة المتعلّقة بالصلاة علىٰ فرض وجوب المقدّمة، موجبة بنحو ما مرّ «3» لإرادة متعلّقة بتلك العبادات؛ بما هي عبادات و صالحات للتقرّب قبل تعلّق الإرادة بها من قِبل ذي المقدّمة، و إلّا يلزم أن يكون سبيلها سبيل الطهارة الخبثية التي هي واجبة توصّلًا، مع أنّه خلاف الضرورة، فالأمر المقدّمي علىٰ فرضه لا يمكن

أن يكون ملاك عباديتها بعد كونها مقدّمة علىٰ تعلّقه.

و توهّم سقوط أوامرها النفسية الاستحبابية عند تعلّق الأمر الوجوبي المقدّمي، قد فرغنا عن تضعيفه في محلّه «4».

ثمّ إنّ الأمر المقدّمي علىٰ فرضه إنّما يدعو إلى الغسل و أخويه؛ لأجل

______________________________

(1) الفقيه 1: 22/ 67، تهذيب الأحكام 2: 140/ 546، وسائل الشيعة 1: 372، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 4، الحديث 1.

(2) مناهج الوصول 1: 383 385، تهذيب الأُصول 1: 251 256.

(3) تقدّم في الصفحة 321.

(4) تهذيب الأُصول 1: 253 254.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 326

ترتّب الطهارة عليها، أو كونها طهارات كما يظهر من الكتاب و السنّة؛ و إن كان للتأمل في كون الطهارة بنفسها شرطاً، أو لأجل رفع القذارة الحاصلة بالأحداث التي هي الموانع مجال.

و كيف كان: لا يدعو الأمر المقدّمي إلّا إليها لأجل ترتّب الطهارة عليها، فتكون الصلاة غاية ثانوية للطهارات، و الغاية الاولىٰ حصول الطهور. لا بمعنى أنّ حصول الطهور يتوقّف علىٰ قصده، فإنّه محلّ إشكال بل منع عقلًا إن رجع إلىٰ تقييد في العمل، بل المراد أنّ الطهور لمّا كان شرط الصلاة مثلًا، و هو يحصل بتلك الأعمال إذا وجدت للّٰه تعالىٰ، فلا محالة يتعلّق الأمر المقدّمي بتحصيله و إتيان الأفعال للّٰه تعالىٰ لتحصيله، فتقع دائماً تلك الأعمال لأجل غاية هي الطهور، و يدعو الأمر المقدّمي إليه.

الإشكال في الإجماع المدّعىٰ علىٰ عدم صحّة التيمّم قبل الوقت

فحينئذٍ يقع الإشكال في الإجماع المدّعىٰ علىٰ عدم صحّة التيمّم قبل الوقت «1»، مع دعوى إرسال الأصحاب صحّةَ التيمّم قبل الوقت لغاية أُخرى حتّى الكون على الطهارة إرسالَ المسلّمات «2»، مع ما عرفت من أنّ الأمر المقدّمي لا يدعو إلّا إليها لتحصيل الطهور، فلا تقع تلك الأفعال إلّا علىٰ وجه واحد؛

هو الإتيان للّٰه تعالىٰ لما يترتّب عليها من الطهور.

فعليه لو كان الإجماع قائماً علىٰ بطلان التيمّم إذا اتي به لمحض الأمر الغيري و للصلاة، مع تجريده عن كافّة الغايات حتّى الكون على الطهارة، فهو

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 319.

(2) انظر جواهر الكلام 5: 154.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 327

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 327

صحيح لو رجع إلىٰ عدم قصد العبادية، لكن لازمه بطلانه و لو وقع في الوقت أو في ضيقه.

كما أنّه لو قلنا بصحّته و طهوريته إذا وقع بقصد التقرّب؛ و لو جرّد عن قصد كونه طهوراً لغفلة أو جهل لكان صحيحاً و لو قبل الوقت؛ لأنّ ترتّب أثر الشي ء عليه لا يتوقّف علىٰ قصده.

و لو قيل بقيام الإجماع علىٰ بطلانه للصلاة و لو كانت غاية الغاية، و تكون الغاية الأُولى الطهور، فهو منافٍ لما ادّعي من تسالمهم علىٰ صحّته إذا قصد غاية أُخرى، إلّا أن يرجع مرادهم إلى البطلان إذا كانت الصلاة غاية الغاية، و هو بعيد، و المسألة مشكلة، و الاحتياط سبيل النجاة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 328

الأمر الثاني في جواز البدار إلى التيمّم مع سعة الوقت
اشارة

لا إشكال و لا كلام في صحّة التيمّم في ضيق الوقت. و أمّا في سعته فعن المشهور عدم الجواز مطلقاً، و لازم مقابلته للتفصيل الآتي، هو عدم الجواز حتّى مع العلم باستمرار العجز؛ و إن كان شمول إطلاق معاقد الإجماعات و الشهرات المحكية لذلك، محلّ تأمّل.

و كيف كان: قد نسب هذا القول تارة: إلى الأكثر،

كما عن «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «الذكرى» و «كشف الالتباس» و «جامع المقاصد» و «كشف اللثام» «1» و أُخرى: إلى الأشهر، كما عن «الدروس» «2» و ثالثة: إلى المشهور، كما عن «المختلف» و «المسالك» «3» و جملة اخرىٰ من الكتب «4» و رابعة: إلى الإجماع، كما في «الانتصار» و عن «الناصريات» و عن ظاهر «الغنية» و «شرح جمل السيّد

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 140/ السطر 5، تذكرة الفقهاء 2: 200، ذكرى الشيعة 2: 253، كشف الالتباس: 198 (مخطوط)، جامع المقاصد 1: 500، كشف اللثام 2: 482.

(2) الدروس الشرعيّة 1: 132.

(3) مختلف الشيعة 1: 253، مسالك الأفهام 1: 114.

(4) روض الجنان: 122/ السطر 11، كفاية الأحكام: 9/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 329

للقاضي» و «أحكام الراوندي» «1».

و عن جماعة الجواز مطلقاً، كالعلّامة في «المنتهىٰ» و «التحرير» و «الإرشاد» و الشهيد في «البيان» و الأردبيلي و الخراساني و الكاشاني «2». و عن «الذكرى» حكايته عن الصدوق و ظاهر الجعفي و البَزنطي «3» و في «مفتاح الكرامة» «4»: الحاكي عن الصدوق جماعة من الأصحاب، منهم العلّامة في جملة من كتبه «5» و المحقّق في «المعتبر» «6». و عن «حاشية الإرشاد» و «المدارك»: «أنّه قويّ متين» «7» و عن «المهذّب البارع»: «أنّه مشهور كالقول الأوّل» «8» و حُكي إطباق جمهور العامّة عليه «9».

و عن جماعة الجواز مع العلم باستمرار العجز، و عدمه مع عدمه، و هو المحكي عن «المعتبر» و «التذكرة» و «الفخرية» و «اللمعة» و جملة اخرىٰ «10».

______________________________

(1) الانتصار: 31 32، الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 225/ السطر 20، غنية النزوع 1: 64، انظر شرح جمل العلم و العمل: 61، فقه القرآن 1:

37.

(2) منتهى المطلب 1: 140/ السطر 19، تحرير الأحكام 1: 22/ السطر 21، إرشاد الأذهان 1: 234، البيان: 86، مجمع الفائدة و البرهان 1: 223، كفاية الأحكام: 9/ السطر 8، مفاتيح الشرائع 1: 63.

(3) ذكرى الشيعة 2: 252 253.

(4) مفتاح الكرامة 1: 550/ السطر 30.

(5) تذكرة الفقهاء 2: 200، منتهى المطلب 1: 140/ السطر 6، مختلف الشيعة 1: 253.

(6) المعتبر 1: 382.

(7) انظر مفتاح الكرامة 1: 550/ السطر الأخير، مدارك الأحكام 2: 212.

(8) المهذّب البارع 1: 202.

(9) انظر المعتبر 1: 382، الامّ 1: 46، المغني، ابن قدامة 1: 243 244، الشرح الكبير، ذيل المغني 1: 276.

(10) انظر مفتاح الكرامة 1: 551/ السطر 5، المعتبر 1: 383 384، تذكرة الفقهاء 2: 201، اللمعة الدمشقيّة: 31، الروضة البهيّة 1: 459، نهاية الإحكام 1: 216، قواعد الأحكام 1: 23/ السطر 15، الرسالة الجعفريّة، ضمن رسائل المحقّق الكركي 1: 95.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 330

و عن «جامع المقاصد»: «أنّ عليه أكثر المتأخّرين» «1» و عن «الروضة»: «أنّه الأشهر بين المتأخّرين» «2».

و ربّما يفصّل بين العلم بارتفاع العجز و عدمه، كما اختاره جماعة من متأخّري المتأخّرين «3». و هو محتمل قول من قال بالجواز مطلقاً؛ بدعوى انصرافه عن هذه الصورة.

و كيف كان: فالمتبع هو الأدلّة اللفظية؛ إذ تحصيل الإجماع أو الشهرة المعتبرة في مثل تلك المسألة التي تراكمت فيها الآراء و الأدلّة، مشكل.

ثمّ إنّ لازم ما ذكرناه في الأمر الأوّل، هو جواز التيمّم في سعة الوقت و صحّته، لكن لمّا وردت أدلّة كثيرة في هذه المسألة، فلا بدّ من استئناف الكلام فيها و النظر في الأدلّة و مقتضاها:

التمسّك بالآية لجواز البدار
اشارة

فنقول: يمكن الاستدلال للجواز مطلقاً بإطلاق الآية

الكريمة «4».

و قد استشكل على الاستدلال بها علم الهدىٰ في «الانتصار» بما ملخّصه:

أنّ المراد من قوله تعالىٰ إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ إذا أردتم القيام بلا خلاف، ثمّ أتبع ذلك بحكم العادم للماء، فمن تعلّق بالآية لجواز التيمّم في أوّل

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 500.

(2) الروضة البهيّة 1: 459.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 500، أحكام التيمّم، المسألة 3، مستمسك العروة الوثقىٰ 4: 447.

(4) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 331

الوقت، لا بدّ أن يدلّ علىٰ جواز إرادته القيام للصلاة، فإنّا نخالف ذلك و نقول: ليس لمن عدم الماء أن يريدها أوّل الوقت، و إرادة الصلاة شرط في الجملتين، و إلّا لزم وجوب التيمّم على المريض و المسافر إذا أحدثا و إن لم يريدا الصلاة، و هذا لا يقول به أحد «1»، انتهىٰ.

أقول: ظاهر الآية الشريفة أنّ إرادة القيام للصلاة علىٰ فرض شرطيتها للوضوء و الغسل و التيمّم علىٰ نسق واحد؛ و أنّ في كلّ مورد أراد القيام للصلاة فيجب عليه الطهارة المائية، و مع فقدان الماء تقوم الترابية مقامها من غير تفكيك بين الموارد، و لازمه أنّه إذا أراد القيام للصلاة في أوّل الوقت، يجب عليه الوضوء أو الغسل، و مع فقدان الماء يجب عليه التيمّم، و التفكيك بينهما خلاف المتفاهم العرفي.

مع أنّ قوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ ليس مسوقاً لإفادة شرطية القيام إلى الصلاة للوضوء أو التيمّم، أو وجوبهما، بل مسوق لإفادة شرطية الطهور للصلاة، كما هو المتفاهم عرفاً في مثل تلك التراكيب، سيّما في مثل العناوين الآلية و الطريقية المأخوذة في تلو الشرط، فلا يفهم من مثل «إذا أردت الصلاة، أو إذا قمت إلى الصلاة، استر عورتك، أو توجّه

إلى القبلة» إلّا أنّهما دخيلان في تحقّقهما، لا أنّ القيام و الإرادة شرط لوجوبهما.

و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في إطلاق الآية الكريمة؛ و أنّه مع عدم وجدان الماء مطلقاً يقوم التيمّم مقام الوضوء و الغسل، و التقييد بعدم وجدانه إلىٰ آخر الوقت، يحتاج إلىٰ دليل.

و ممّا يوجب تحكيم إطلاقها قوله تعالىٰ في ذيل حكم التيمّم

______________________________

(1) الانتصار: 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 332

مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ حيث يدلّ علىٰ أنّ تشريع التيمّم لدفع الحرج عن المريض و غيره، و معه كيف يمكن تحميل لزوم الصبر على المريض و الفاقد إلىٰ نصف الليل أو آخره، و هل هذا إلّا تحريج و تضييق فوق تحميل الوضوء، و معه كيف يمنّ عليه بعدم جعل الحرج و إرادته؟! و الإنصاف: أنّ إطلاق الآية في غاية القوّة، خصوصاً مع ضمّ ذيلها إليه، و هو يقتضي عدم الفرق بين العلم بزوال العذر و عدمه، و دعوى الانصراف عن صورة العلم غير مسموعة. هذا حال الآية.

التمسّك بالروايات لجواز البدار
و أمّا الروايات، فما دلّت علىٰ صحّته في السعة علىٰ طوائف:
منها: ما دلّت بإطلاقها عليها، مع التصريح بعدم لزوم الإعادة

، كصحيحة الحلبي: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل إذا أجنب و لم يجد الماء، قال: «يتيمّم بالصعيد، فإذا وجد الماء فليغتسل و لا يعيد» «1».

و

صحيحته الأُخرىٰ قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «إذا لم يجد الرجل طهوراً و كان جنباً، فليتمسّح من الأرض و ليصلّ، فإذا وجد ماءً فليغتسل، و قد أجزأته صلاته التي صلّىٰ» «2»

و مثلها صحيحة ابن سِنان «3» و قريب منها غيرها.

______________________________

(1) الفقيه 1: 57/ 213، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 63/ 3، وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة،

أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 1: 193/ 556، و 197/ 572، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 333

و منها: ما دلّت علىٰ صحّته، مع التصريح بسعة الوقت و عدم لزوم الإعادة،

كموثّقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل تيمّم و صلّى، ثمّ بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت، فقال: «ليس عليه إعادة الصلاة» «1».

و

صحيحة يعقوب بن سالم أو موثّقته «2»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل تيمّم و صلّى، ثمّ أصاب الماء و هو في وقت، قال: «قد مضت صلاته، و ليتطهّر» «3».

و

رواية علي بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: أتيمّم و أُصلّي، ثمّ أجد الماء و قد بقي عليّ وقت؟

فقال: «لا تعد الصلاة؛ فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد» «4».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 195/ 565، وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 11.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن علي، عن علي بن أسباط، عن يعقوب بن سالم.

الحسن بن علي مشترك بين الحسن بن علي الوشاء و الحسن بن علي بن عبد اللّٰه بن المغيرة و هما إماميان ثقتان، و بين الحسن بن علي بن فضال و هو فطحي ثقة، و علي بن أسباط ثقة و كان فطحياً و اختلف في رجوعه عن الفطحية.

رجال النجاشي: 4 39/ 80، و 62/ 147، و 34/ 72، و 449/ 663، اختيار معرفة الرجال: 562/ 1061، تنقيح المقال 2: 268/ السطر 14.

(3) تهذيب الأحكام 1: 195/ 563، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث

14.

(4) تهذيب الأحكام 1: 202/ 587، وسائل الشيعة 3: 371، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 334

و

صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): فإن أصاب الماء و قد صلّىٰ بتيمّم و هو في وقت؟ قال: «تمّت صلاته، و لا إعادة عليه» «3».

و جعل قوله: «هو في وقت» متعلّقاً ب «صلّىٰ» «4» في غاية البعد، خصوصاً مع تعقّبه ب «لا إعادة عليه».

إلىٰ غير ذلك، كرواية معاوية بن ميسرة «5» و مرسلة حسين العامري عمّن سأله «6»، و العيّاشي عن أبي أيّوب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «7» بل رواية داود الرقّي «8» التي لا يبعد أن تكون صحيحة «9». بل لا يبعد أن تكون صحيحة ابن مسلم «10» و العيص «11» ظاهرتين في بقاء الوقت.

______________________________

(3) تهذيب الأحكام 1: 194/ 562، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 9.

(4) تهذيب الأحكام 1: 194/ ذيل الحديث 562.

(5) الفقيه 1: 59/ 220، تهذيب الأحكام 1: 195/ 564، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 13.

(6) تهذيب الأحكام 1: 193/ 557، وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 2.

(7) تفسير العيّاشي 1: 244/ 143، وسائل الشيعة 3: 378، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 6.

(8) الكافي 3: 64/ 6، تهذيب الأحكام 1: 185/ 536، وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2، الحديث 1.

(9) تقدّم وجهه في الصفحة 60، الهامش 1.

(10) تهذيب الأحكام 1: 197/ 571، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15.

(11) تهذيب الأحكام 1:

197/ 569، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 335

و منها: ما دلّت علىٰ صحّته، مع الأمر بالإعادة مع رفع العذر في الوقت،

كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة، و يخاف علىٰ نفسه التلف إن اغتسل، فقال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أمن من البرد اغتسل و أعاد الصلاة» «1»

و نظيرها مرسلة جعفر بن بشير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «2».

و

صحيحةِ يعقوب بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل تيمّم فصلّى، فأصاب بعد صلاته ماءً، أ يتوضّأ و يعيد الصلاة، أم تجوز صلاته؟

قال: «إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ و أعاد، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه» «3».

و

موثّقةِ منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل تيمّم فصلّى، ثمّ أصاب الماء، فقال: «أمّا أنا فكنت فاعلًا، إنّي كنت أتوضّأ و أُعيد» «4».

و لا يخفىٰ تعيّن حمل الإعادة في الوقت على الاستحباب؛ بقرينة نصوصية الطائفة المتقدّمة في عدم وجوب الإعادة، بل الرواية الأخيرة مشعرة أو ظاهرة في الاستحباب، فحينئذٍ تكون جميع تلك الطوائف من أدلّة صحّة التيمّم في سعة الوقت.

______________________________

(1) الفقيه 1: 60/ 224، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 67/ 3، تهذيب الأحكام 1: 196/ 567 و 568، وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 193/ 559، الإستبصار 1: 159/ 551، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 8.

(4) تهذيب الأحكام 1: 193/ 558، وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب

التيمّم، الباب 14، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 336

الخدشة في الروايات المستدلّ بها علىٰ عدم جواز البدار

كما أنّ أوجه المحامل في الروايات التي استدلّ بها علىٰ عدم صحّته في السعة، الحملُ عليه لو سلّمت دلالتها علىٰ مقصودهم. لكن يمكن الخدشة فيها:

أمّا

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: «إذا لم تجد ماءً و أردت التيمّم، فأخّر التيمّم إلىٰ آخر الوقت، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» «1».

فلإمكان أن يقال فيها: إنّ قوله: «فإن فاتك ..» إلىٰ آخره الذي هو بمنزلة العلّة لقوله: «أخّر التيمّم» ظاهر في أنّ التيمّم في سعة الوقت مع عدم وجدان الماء، محصّل للطهور المحتاج إليه، لكن الأمر بالتأخير لاحتمال وجدان الماء الذي هو المصداق الأرجح.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ التراب إذا كان في سعة الوقت غيرَ محصّل للطهارة، و يكون كالخشب في ذلك، و إنّما تختصّ طهوريته بآخر الوقت، فلا يناسب أن يقال: «فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» فإنّ هذا الكلام إنّما يقال فيما إذا كان المصداق المرجوح ميسوراً في جميع الوقت المضروب، و المصداق الراجح محتملَ الوجود، و أمّا إذا كان المصداق المرجوح غير ميسور و غير صحيح إلّا آخر الوقت، فلا يقال بتلك العبارة.

أ لا ترى أنّه إذا قيل لأحد: «أخّر الغذاء؛ فإنّه إذا فاتك اللحم لم يفتك الخبز» كان ظاهراً في أنّ الخبز مصداق المطلوب مطلقاً، لكن الأرجح تأخير الأكل لانتظار حصول المطلوب الأرجح، و لا يقال ذلك فيما إذا لم يكن الخبز

______________________________

(1) الكافي 3: 63/ 1، تهذيب الأحكام 1: 203/ 588، وسائل الشيعة 3: 384، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص:

337

صالحاً للطعام إلّا في آخر الوقت، و المرجع في مثله العرف. و به يجاب عن موثّقتي عمّار «1».

و ما ذكرناه و إن ثقل علىٰ بعض الأسماع، لكن بالمراجعة إلىٰ أشباهه في المخاطبات يرفع الاستبعاد، فتأمّل.

و أمّا

صحيحة زرارة، عن أحدهما قال: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ في آخر الوقت» «2».

فالظاهر منها وجوب الطلب إلىٰ آخر الوقت، و هو مع مخالفته لتحديده بغلوة سهم أو سهمين «3» مخالف لفتوى الأصحاب «4»، فلا بدّ من حملها على الاستحباب أو تأويلها بأن يقال: إنّ المراد منه أنّه يجب الطلب إذا كان في الوقت و كان واسعاً له؛ من غير تعرّض لمقدار الطلب، و مع عدم سعته له يتيمّم، فحينئذٍ تدلّ علىٰ جواز التيمّم في سعته؛ لأنّ قوله: «فليطلب إذا كان في سعة» ظاهر في أنّه يتيمّم بعد الطلب في سعته، خصوصاً مع مقابلته لخوف الفوت، فكأنه قال: «مع خوف الفوت يتيمّم بلا طلب، و مع سعته بعد الطلب».

نعم، بناءً علىٰ رواية «فليمسك» «5» تدلّ على المطلوب في الجملة.

______________________________

(1) الصحيح هو موثقتي «ابن بكير». قرب الإسناد: 170/ 623، تهذيب الأحكام 1: 404/ 1265، وسائل الشيعة 3: 384، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 3 و 4.

(2) الكافي 3: 63/ 2، تهذيب الأحكام 1: 192/ 555، و 203/ 589، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3.

(3) كما في رواية السكوني، راجع وسائل الشيعة 3: 341، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 1، الحديث 2، و تقدّم أيضاً في الصفحة 31.

(4) راجع السرائر 1: 135، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 69، إرشاد الأذهان

1: 233، جواهر الكلام 5: 80.

(5) تهذيب الأحكام 1: 194/ 560.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 338

حول التفصيل بين رجاء رفع العذر و عدمه

ثمّ إنّه بناءً على الغضّ عمّا ذكرنا في الروايات المانعة، فلا شبهة في أنّ محطّها هو فيما إذا احتمل العثور على الماء:

أمّا فيما علّل بقوله: إنّه «إن فاتك الماء لم تفتك الأرض» فظاهر.

و أمّا صحيحة زرارة بناءً علىٰ رواية «فليمسك» فلأنّ العرف لا يفهم من لزوم الإمساك و التأخير إلىٰ آخر الوقت موضوعيته؛ بعد كون الصلاة مع الوضوء و الغسل فرد المطلوب الأعلى، و بعد العلم بأنّ المنظور الأصلي في تلك الروايات هو الصلاة مع الطهور إمّا بالماء، أو بالتيمّم، فمعه لا يشكّ العرف في أنّ الأمر بالإمساك إلىٰ آخر الوقت و التيمّم عند خوف فوت الوقت، ليس إلّا لاحتمال حصول المطلوب الأعلى، لا لمطلوبية الإمساك نفساً، أو اشتراط التيمّم بضيق الوقت.

و منه يعلم: أنّ الروايات المشتملة على التعليل المتقدّم لو لم تكن مذيّلة به، يفهم منها أنّ الأمر بالتأخير إنّما هو لأجل احتمال الوصول إلى المطلوب الأعلى؛ و هو الصلاة مع المائية، و هذا واضح لدى التأمل.

فحينئذٍ قد يقال في مقام الجمع بين هذه الطائفة و الروايات المتقدّمة؛ بتقييدها بهذه الطائفة، فتحمل تلك الروايات و الآية الكريمة علىٰ مورد العلم بفقدان الماء، فيفصّل بين رجاء رفع العذر و عدمه «1»، كما تقدّم نقل اشتهاره بين المتأخّرين من أصحابنا «2».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 481/ السطر 35.

(2) تقدّم في الصفحة 329 330.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 339

لكن الإنصاف: أنّ هذا النحو من الجمع و التقييد في غاية الوهن؛ لعدم إمكان حمل الآية و الروايات التي ربّما بلغت عشرين كلّها في

مقام البيان و تعيين الوظيفة؛ من غير إشارة إلىٰ هذا القيد النادر التحقّق علىٰ هذا المورد، سيّما ما اشتملت على التعليل ب «إنّ ربّ الماء هو ربّ التراب»

كصحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب، فتيمّم بالصعيد و صلّى، ثمّ وجد الماء، قال: «لا يعيد؛ إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين» «1»

و قريب منها رواية معاوية بن ميسرة «2» و عليّ بن سالم «3».

و بالجملة: تقييد الآية و الروايات المستفيضة بل المتواترة بهذا القيد، من أبعد المحامل.

و توهّم: أنّ محيط ورودها لمّا كان قليل الماء، سيّما في المسافرات البعيدة في البوادي التي قلّت فيها المياه و المعمورة، فلا مانع من الحمل علىٰ صورة العلم بالعدم؛ لعدم ندرة الفرض.

فاسد؛ بعد كون جزيرة العرب محاطة بالبحار؛ و في معرض الأمطار الكثيرة الغزيرة المعهودة فيها في كثير من الأوقات، فكيف يمكن دعوى شيوع العلم بذلك أو عدم ندرته؛ بحيث لا يستهجن ورود المطلقات الكثيرة فيه في مقام البيان؟! هذا مع أنّ السائلين لم يكونوا من أهل الجزيرة غالباً، كزرارة و محمّد بن مسلم و ليث المرادي و منصور بن حازم الكوفيين، و الحلبي و يعقوب بن يقطين

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 197/ 571، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15.

(2) تقدّم تخريجه في الصفحة 334.

(3) تقدّم في الصفحة 333.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 340

البغدادي، و غيرهم فالحمل المذكور غير وجيه، بخلاف حمل الأخبار المانعة على الاستحباب؛ حملًا للظاهر على النصّ، علىٰ فرض تسليم الظهور اللغوي في الوجوب، مع أنّه محلّ كلام، كما قُرّر في محلّه «1».

فلا إشكال في هذا

الحمل، سيّما مع وجود شواهد في نفسها عليه،

ففي رواية محمّد بن حُمران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل تيمّم، ثمّ دخل في الصلاة، و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه، ثمّ يؤتىٰ بالماء حين يدخل في الصلاة، قال: «يمضي في الصلاة، و اعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت» «2».

فإنّ قوله: «و اعلم أنّه ..» إلىٰ آخره بعد الأمر بالمضيّ في الصلاة من غير استفصال كالنصّ في عدم الإلزام، فالتفصيل بين العلم باستمرار العذر و عدمه ضعيف.

حول التفصيل بين العلم برفع العذر و عدمه

كما أنّ الأقرب بحسب إطلاق الأدلّة، عدم الفرق بين العلم بزوال العذر و عدمه، و دعوى الانصراف إلىٰ صورة عدم العلم برفعه «3»، في غير محلّها.

نعم، الإنصاف انصراف الأدلّة عن بعض الموارد بلا إشكال، كما لو منعه الزحام عن الوصول إلى الماء إلّا بعد ساعة، أو كانت نوبته في الاغتراف من الشريعة بعد اغتراف من سبقه و تقدّم عليه و أمثال ذلك.

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 247، تهذيب الأُصول 1: 139.

(2) تهذيب الأحكام 1: 203/ 590، وسائل الشيعة 3: 382، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 3.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 482/ السطر 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 341

بل لا يبعد أن يكون الأمر بالإعادة

في موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أبيه، عن عليّ (عليه السّلام): «أنّه سئل عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة، فأحدث أو ذكر أنّه علىٰ غير وضوء، و لا يستطيع الخروج من كثرة الزحام، قال: يتيمّم و يصلّي معهم، و يعيد إذا هو انصرف» «2»

و قريب منها موثّقة السكوني «3» لأجل العلم

برفع العذر بعد انصراف الجماعة، فيجب عليه الإعادة، و تدلّ على التفصيل المتقدّم.

و الأمر بالصلاة معهم لكون التخلّف عن جماعتهم خلاف التقيّة، و الاعتذار بعدم الوضوء لعلّه كان غير مقبول عندهم.

و الأمر بالتيمّم و إن كان ظاهراً في صحّة صلاته في هذا الحال، و لهذا حملوا الإعادة على الاستحباب «4»، لكن حمل الأمر بالتيمّم و الصلاة معهم عليه، أولىٰ من حمل الإعادة عليه بعد انصراف الأدلّة عن مثل هذا العذر الذي يرفع بعد ساعة، و لهذا لو كان الزحام لأمر آخر يمنعه عن الوضوء مقدار ساعة، لا يمكن الالتزام بصحّة التيمّم و الصلاة، و كذا لو منعه مانع منه مقدار ساعة.

نعم، لو قلنا بوجوب الجمعة تعييناً، فالظاهر صحّته و صحّة صلاته؛ لخروج وقتها، كما لو منعه زحام أو غيره عند ضيق الوقت صحّ تيمّمه و صلاته. لكنّ الروايتين ظاهرتان في جمعة الناس، و مع إقامتهم لا تجب علينا تعييناً. بل

______________________________

(2) تهذيب الأحكام 3: 248/ 678، وسائل الشيعة 3: 371، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 15، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 185/ 534، وسائل الشيعة 3: 371، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 15، الحديث 1.

(4) مفاتيح الشرائع 1: 63، وسائل الشيعة 3: 371، ذيل الحديث 2، مصباح الفقيه، الطهارة: 502/ السطر 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 342

في وجوبها تعييناً حتّى في زمان الحضور و بسط يد الوالي بالحقّ، أيضاً كلام و إن أرسلوه ظاهراً إرسال المسلّمات «1».

فالأقرب التفصيل بين العلم برفع العذر و عدمه. و كونه في بعض الفروض النادرة موجباً للحرج، غير مضرّ بعد رفعه بدليله.

حول حصر محلّ الخلاف في غير المتيمّم

ثمّ إنّه حكي «2» عن صريح جماعة «3» و ظاهر آخرين «4»: «أنّ

محلّ الخلاف في المسألة في غير المتيمّم، و أمّا من كان متيمّماً في أوّل الوقت لصلاة ضاق وقتها أو لغاية أُخرى، صحّت صلاته في أوّل وقتها؛ لوجود المقتضي و رفع المانع».

و يظهر ممّا ذكر أنّ المانع من تعجيل الصلاة، هو فقدان الطهور و شرطية ضيق الوقت لصحّة التيمّم، و أمّا مع حصول الطهور بوجه آخر فلا يبقى مانع، فحينئذٍ لا ثمرة للنزاع، كما لا يخفى.

و هذا النحو من البحث و إن أمكن احتماله في كلمات الفقهاء علىٰ بعد في خصوص الفرع بالنظر إلىٰ إطلاق كلماتهم ظاهراً، بل الظاهر من السيّد في «الناصريّات» أنّه لا يجوز الصلاة بالتيمّم إلّا في آخر الوقت، كما لا يجوز التيمّم أيضاً إلّا في آخره «5» لكن غير ممكن في الروايات:

______________________________

(1) راجع جواهر الكلام 11: 151.

(2) جواهر الكلام 5: 165، مصباح الفقيه، الطهارة: 482 483.

(3) الروضة البهيّة 1: 460، مدارك الأحكام 2: 212.

(4) الدروس الشرعيّة 1: 132، جامع المقاصد 1: 502.

(5) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 225/ السطر 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 343

أمّا أوّلًا: فلأنّ الظاهر من روايات المضايقة «1» هو الأمر بتأخير التيمّم لتحصيل الفرد الأكمل الاختياري من الصلاة، لا لأجل عدم حصول الطهور. بل لو فرض اشتراط حصوله بتحقّق الضيق أيضاً، يكون لأجل الصلاة لا للطهور، و العرف الملتفت إلىٰ أنّ المنظور الأصلي هو الصلاة، و الطهارات شرائط لها، لا مطلوبات نفسية إلزامية، لا يفهم من الأمر بالتأخير إلّا التحفّظ على الصلاة المطلوبة ذاتاً مع الطهارة المائية، و لا ينقدح في ذهنه اشتراط الطهور بالوقت، بل لو صرّح بالاشتراط لا ينقدح في ذهنه إلّا مراعاة حال الصلاة مع المائية.

فحينئذٍ لو أخذنا بتلك الروايات الواردة

في المضايقة، و أغمضنا عمّا تقدّم، فلا محيص عن القول بلزوم تأخير الصلاة إلىٰ آخر الوقت؛ رجاءً لتحصيل الطهارة المائية.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر من قوله

في صحيحة زرارة: «فليتيمّم و ليصلّ في آخر الوقت» «2»

و قولِه

في موثّقة ابن بكير، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب، فلم يجد ماءً، يتيمّم و يصلّي؟ قال: «لا، حتّى آخر الوقت» «3»

أنّ الصلاة يجب أن تكون في آخر الوقت أيضاً، تأمّل.

مع أنّ

قوله في تلك الروايات: «إن فاته الماء لم تفته الأرض» «4»

ظاهر في فوت المصلحة الصلاتيّة، لا المصلحة النفسية للطهارة، كما لا يخفى على المتأمل.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 384، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22.

(2) تقدّمت في الصفحة 337.

(3) قرب الإسناد: 170/ 623، وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 4.

(4) راجع ما تقدّم في الصفحة 336.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 344

و أمّا ثانياً: فلأنّه لو كان تحصيل الطهور بوجه آخر و غاية اخرىٰ، رافعاً للمانع، و لم يكن للأمر بتأخير الصلاة و التيمّم إلىٰ آخر الوقت، موجب إلّا فقد الطهور الممكن الحصول بغاية أُخرى، لما أمروا بتأخيرها مع الاهتمام العظيم بالتحفّظ على الصلاة في أوائل أوقاتها بما كاد أن يلحقه بالواجبات فكان على الأئمّة (عليهم السّلام) التنبيه علىٰ ذلك؛ حفظاً لأهمّية أوّل الوقت، لا الأمر بالتأخير بقول مطلق، فيظهر من ذاك و ذا: أنّ المهمّ في نظر الشارع مراعاة إيجاد الصلاة مع المائية، و ليس الأمر بالتأخير لعدم حصول الطهور.

فالأقوىٰ بناءً على القول بوجوب التأخير، وجوبه مطلقاً و لو كان الطهور محقّقاً في أوّل الوقت.

نعم، لا شبهة في عدم وجوب تجديد التيمّم

في آخر الوقت، إذا وجد صحيحاً في أوّله أو قبله في ضيق الوقت مثلًا، كما صرّحت به الروايات «1» خلافاً لبعض العامّة «2».

المراد ب «آخر الوقت» في المقام

ثمّ إنّه قد يقال: إنّ المراد ب «آخر الوقت» الذي يجب أو ينبغي مراعاته، هو آخره عرفاً؛ بحيث يقال: «إنّه أتى بها في آخره» فيصدق ذلك إذا أتى بها مع الآداب المتعارفة، بل و اختيار الفرد الطويل مع التخيير بينه و بين القصير، بل و إتيان بعض المقدّمات المتعارفة «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 379، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 20.

(2) المغني، ابن قدامة 1: 266، المجموع 2: 240 241.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 482/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 345

و مستندهم فيه هو الأخبار الحاكمة بتأخير التيمّم إلىٰ آخر الوقت المحمولة على الآخر العرفي، كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام.

و يمكن أن يقال: إنّ الأخبار الواردة في لزوم التأخير فرضاً، لا يفهم منها إلّا الإرشاد إلىٰ ما حكم به العقل، و هو مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة، يحكم بوجوب الصلاة بالفرد الاختياري من دلوك الشمس إلىٰ آخر الوقت، و مع التعذّر عنه جزماً لا احتمالًا، يجتزئ بالاضطراري، فيحكم فيما إذا كان للصلاة فرد طويل و قصير مع الاحتمال المعتدّ به برفع العذر، بالانتظار، لا الإتيان بالطويل، كما أنّه يحكم بالاكتفاء بالواجبات و ترك الآداب؛ حفظاً للغرض الأعلى و الفرد الاختياري، و الظاهر أنّ الأخبار وردت للإرشاد، لا للتوسعة لما يدركه العقل.

لزوم الإعادة مع انكشاف سعة الوقت

ثمّ إنّ ظاهر الأخبار أنّ اللازم هو التأخير إلىٰ آخر الوقت، و هو الموضوع للحكم، و الأمر بالتيمّم و الصلاة مع خوف الفوت، إنّما هو لترجيح الوقت على الطهارة المائية عند احتمال فوته، لا لموضوعية في خوف الفوت، و معه لو انكشف سعة الوقت بقدر تحصيل المائية، تجب عليه الإعادة.

بل لا يبعد وجوبها لو

وسع للترابية أيضاً؛ لعدم تحقّق الشرط لو قلنا: بأنّ الضيق لها أو لصحّة الصلاة أيضاً.

لكن الذي يسهّل الخطب أنّ القول بالمضايقة ضعيف، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 346

و لا يخفىٰ: أنّ القائل بالمضايقة، لا يكون عاملًا بالأخبار الدالّة علىٰ عدم لزوم الإعادة و لو مع بقاء الوقت «1»؛ إمّا بحملها على التقيّة لمطابقتها لجمهور الناس، أو لغير ذلك، و معه لا وجه لردّ قوله في هذه المسألة تشبّثاً بتلك الروايات، فقولُ بعض أهل التحقيق ردّاً على الشيخ القائل بالإعادة «2»: «بأنّه ضعيف محجوج بالأخبار المصرّحة بعدم الإعادة» «3» كأنه وقع في غير محلّه.

______________________________

(1) تقدّمت الروايات في الصفحة 333.

(2) المبسوط 1: 31، النهاية: 48.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 482/ السطر 34.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 347

الأمر الثالث في عدم وجوب الإعادة مطلقاً علىٰ من صلّى بتيمّم صحيح

من صلّىٰ بتيمّم صحيح لا يجب عليه الإعادة و لا القضاء؛ لاقتضاء الأمر الإجزاء. و محلّ الكلام ما إذا قلنا بصحّة صلاته مع التيمّم؛ إمّا لأجل القول بالمواسعة، أو للبناء علىٰ صحّة صلاته مع التيمّم لغاية أُخرى، أو مع بقائه من الوقت السابق.

و بعبارة اخرىٰ: بعد الفراغ عن المسألة السابقة، ففي كلّ مورد صحّحنا تيمّمه و صلاته فصلّى بتيمّم، لا يجب عليه الإعادة، فضلًا عن القضاء؛ سواء قلنا بأنّ الشرط قابل للجعل المستقلّ؛ و لا يحتاج إلى انتزاعه من الأمر بالمركّب مقيّداً به، أو لا:

أمّا على الأوّل فواضح؛ لأنّ الظاهر من الآية الكريمة «1» أنّها بصدد جعل شرطية الطهور للصلاة المأمور بها مع الوضوء و الغسل، و مع فقدان الماء مع التيمّم، فتكون الصلاة طبيعة واحدة ذات أمر واحد، و لها مصاديق اختيارية و اضطرارية، فمع طروّ

الاضطرار يكون المكلّف مخيّراً مع سعة الوقت بين إتيان الصلاة المأمور بها بفردها الاضطراري، أو الصبر و الإتيان بالفرد الاختياري،

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 348

و ليس المصداق الاختياري و الاضطراري مأموراً به، بل لا يكون إلّا أمر واحد متعلّق بنفس الطبيعة، و لا يعقل بقاؤه مع الإتيان بمتعلّقه؛ سواء أتى بالفرد الاختياري منها أو الاضطراري، و مع فرض إمكان تعلّق الجعل المستقلّ بالشرطية و المانعية، لا يجوز رفع اليد عن ظاهر الآية الدالّة علىٰ جعل شرطية الوضوء و الغسل، ولدي العذر التيمّم.

و أمّا على الثاني فلا محيص عن أمرين؛ يتعلّق أحدهما بالواجد، و الآخر بالفاقد، لكن الضرورة قائمة علىٰ أنّ الصلاة مطلوبة واحدة، و تعدّد الأمر فرضاً إنّما هو لضيق الخناق و امتناع إفادة الشرطية إلّا به، و في مثله لا يكون المتعدّد كاشفاً عن كونها مع المائية مطلوبة، و مع الترابية مطلوبة اخرىٰ مستقلّة.

و هذا نظير ما إذا قلنا بامتناع أخذ ما يجي ء من قِبل الأمر، كقصده في متعلّقه، و التزمنا بأمرين، فإنّ الأمر الثاني لا يكون لتحديد المطلوب الأوّل، و لا استقلال له، فلا يكون تعدّد الأمر في المقام إلّا لإفادة الشرطية في الحالين، و لتحديد المطلوب الأوّل.

فلا شبهة في استفادة الإجزاء من الآية؛ لأنّ الظاهر منها أنّ المكلّف إذا قام إلى الصلاة المأمور بها، يجب عليه أن يأتي بها مع المائية، و مع العذر مع الترابية، و مع الإتيان بالاضطراري يكون آتياً بطبيعة المأمور بها. و مقتضى إطلاقها و إلغاء الخصوصية عرفاً كما مرّ عدم الفرق بين السفر و الحضر، و لا بين أسباب حصول الجنابة و لا غيرها «1»، فما عن القديمين من

إيجاب الإعادة «2» كما عن السيّد من الفرق بين الحاضر و المسافر، فأوجبها في الأوّل «3» ضعيف.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 27 و 30.

(2) انظر مختلف الشيعة 1: 286، ذكرى الشيعة 2: 273.

(3) انظر المعتبر 1: 365.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 349

و الظاهر أنّ مراد السيّد وجوب القضاء لا الإعادة؛ لأنّ مذهبه علىٰ ما في «الانتصار» «4» و «الناصريات» عدم صحّة التيمّم و الصلاة إلّا في آخر الوقت، و لهذا أورد على الناصر حيث قال: «فإن وجد الماء بعد ما فرغ من صلاته، و هو في بقيّة من وقتها، وجب عليه إعادتها» بقوله:

«إنّ هذا الفرع لا يشبه أصل من ذهب إلىٰ أنّ الصلاة بالتيمّم لا تجوز إلّا في آخر الوقت، و إنّما يجوز أن يفرِّع هذا الفرع من يجوِّز الصلاة في سعة الوقت، أو قبل تضييق الوقت، و قد بيّنا أنّ ذلك لا يجوز، فلا معنىٰ لهذا الفرع علىٰ مذهبنا و مذهب من وافقنا في أنّ الصلاة لا تجوز إلّا في آخر الوقت» «5» انتهىٰ.

و لعلّ وجه ذهابه إلى التفصيل أنّه لم يعمل علىٰ أخبار المواسعة «6»، و ظنّ أنّ الآية الشريفة «7» تختصّ بالمسافر الفاقد، و أخبار المضايقة «8» لم تتعرّض إلّا للزوم التأخير إلىٰ آخر الوقت، إلّا صحيحة زرارة المختصّة بالمسافر «9»، و فيها عدم لزوم القضاء عليه بعد الوجدان خارج الوقت.

و فيه: أنّ الآية و إن علّقت على المريض و المسافر، لكن العرف بالمناسبات المرتكزة في ذهنه يلغي الخصوصية، كما مرّ مراراً «1»، كما يلغيها من الصحيحة

______________________________

(4) الانتصار: 31.

(5) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 226/ السطر 1.

(6) تقدّمت في الصفحة 333.

(7) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(8) راجع

وسائل الشيعة 3: 384، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22.

(9) الكافي 3: 63/ 2، تهذيب الأحكام 1: 192/ 555، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3، و تقدّم أيضاً في الصفحة 337.

(1) تقدّم في الصفحة 27 و 30 و 64.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 350

أيضاً. هذا مضافاً إلىٰ ما تقدّم من دلالة طوائف من الروايات على المقصود «1»، و لا وجه لرفع اليد عنها بعد كون المسألة خلافية من لدن زمن قديم، و لم يثبت إعراض الأصحاب عنها لو لم نقل بثبوت عدمه و تخلّل الاجتهاد في البين.

في عدم الإعادة على المتيمّم لو تعمّد الجنابة

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق الآية و الرواية، عدم الفرق في الإجزاء بين تعمّد الجنابة و الخشية من استعمال الماء و غيره، فما حكي عن كتب الشيخ «2» و «المهذّب» «3» و «الإصباح» «4» و «روض الجنان» «5» من لزوم الإعادة على المتعمّد، و عن «المدارك» «6»: «أنّ فيه قوّة» غيرُ متضح المدرك.

و

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة، فيخاف علىٰ نفسه التلف إن اغتسل، فقال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد» «7».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 332 334.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 554/ السطر 28، تهذيب الأحكام 1: 196، ذيل الحديث 568، الاستبصار 1: 162، ذيل الحديث 560، النهاية: 46، المبسوط 1: 30.

(3) المهذّب 1: 48.

(4) إصباح الشيعة، ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة 2: 440.

(5) و الموجود في النسخة الموجودة عندنا خلاف ذلك و لكن نقل عنه الفاضل الهندي و صاحب المفتاح و الظاهر وجود اختلاف في النسخ و لذا صرّح صاحب مفتاح

الكرامة بأنّ الموجود في النسخة التي عنده هو عدم الإعادة.

روض الجنان: 130/ السطر 16 17، انظر كشف اللثام 2: 487، مفتاح الكرامة 1: 554/ السطر 31.

(6) مدارك الأحكام 2: 240.

(7) الفقيه 1: 60/ 224، وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 351

و مثلها مرسلة جعفر بن بشير «1» غير ظاهرة في المتعمّد، لو لم نقل بظهورها في غيره. مع أنّ ظاهرها صحّة الصلاة مع التيمّم في هذه الحال، و معها يكون مقتضى القاعدة الإجزاء، فتكون قرينة علىٰ حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب؛ لبعد كون الصلاة صحيحة و وجوب الإعادة تعبّداً.

و لو لم يسلّم ذلك فلا بدّ من حملها على الاستحباب؛ جمعاً بينها و بين ما تقدّم من الأدلّة المتظافرة علىٰ عدم وجوب الإعادة «2». و التفصيل بين فاقد الماء و المقام في غير محلّه. مع أنّ العرف يفهم من تلك الأدلّة أنّ تمام المناط، هو صحّة صلاته مع التيمّم و اقتضاء الأمر الإجزاء.

مضافاً إلىٰ صحيحتي داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «3» و

البَزَنطي عن الرضا (عليه السّلام) «4»: في الرجل يصيبه الجنابة، و به جروح أو قروح، أو يخاف علىٰ نفسه من البرد، فقال: «لا يغتسل، و يتيمّم».

فإنّه يفهم منهما جزماً صحّة الصلاة مع التيمّم و عدم لزوم الإعادة؛ لقاعدة الإجزاء. فحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب أولىٰ من التصرّف فيهما، خصوصاً مع جعل الخائف قريناً مع المجروح و المقروح، ممّا لم ينقل عن أحد وجوب الإعادة عليهما بعد الالتئام.

______________________________

(1) تقدّم تخريجها في الصفحة 335.

(2) تقدّمت في الصفحة 332 334.

(3) تهذيب الأحكام 1: 185/ 531، وسائل الشيعة 3:

348، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 8.

(4) تهذيب الأحكام 1: 196/ 566، وسائل الشيعة 3: 347، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 352

بطلان التفصيل بين وجود الماء و فقدانه من حيث الإعادة

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّه لا مجال للتفصيل بين وجود الماء و الخوف على النفس من استعماله، و بين فقدان الماء؛ بلزوم الإعادة بعد الصلاة مع التيمّم في الأوّل بدعوىٰ: أنّ ذلك مقتضى الروايات؛ لاختصاص ما دلّت علىٰ عدم الإعادة بفاقد الماء، و ما دلّت على الإعادة أي صحيحة ابن سنان و مرسلة جعفر بن بشير بالواجد الخائف.

و ذلك لما عرفت: من أنّ الأمر بالتيمّم و الصلاة في الروايتين، دالّ علىٰ أنّ ما يأتي به في هذه الحال مع التيمّم، هي الصلاة التي كانت على المسلمين كتاباً موقوتاً، لا صلاة أُخرى وجبت علىٰ خصوص الخائف تعبّداً، و بقيت الصلاة المكتوبة علىٰ عامّة المسلمين بحالها؛ يجب عليه إتيانها بعد رفع الخوف، و معه لا شبهة في سقوط الأمر عقلًا؛ لحصول المأمور به بمصداقه الاضطراري.

إلّا أن يدعىٰ: أنّ خصوص الخائف مكلّف من بين المسلمين بصلاتين؛ إحداهما: مع المائية، و الأُخرى: مع الترابية، و الإتيان بالأُولىٰ موجب لسقوط التكليف عن الثانية دون العكس، و تكون الصلاتان في حقّ خصوص الخائف من الفرائض اليومية. و هو كما ترى.

أو يلتزم بكون المكتوبة عليه كسائر المسلمين صلاةً واحدةً، و هي ساقطة بإتيان الفرد الاضطراري، لكن يجب تعبّداً إعادتها، كاستحباب إعادة الصلاة جماعة بعد الإتيان بها فرادى. و هو أيضاً بمكان من البُعد لا يمكن الالتزام به.

و بعد بطلان الاحتمالات عقلًا و عرفاً، لا محيص عن حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب و لو لم يكن غير

الروايتين شي ء في الباب. مع أنّ الروايات الدالّة علىٰ عدم لزوم الإعادة على الفاقد، تدلّ عرفاً علىٰ أنّ عدمها إنّما هو

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 353

لأجل كون الصلاة مع التيمّم، مصداقاً للمأمور به من غير دخالة للسبب فيه، و إنّما السبب دخيل في حصول موضوع التيمّم، لا في كون الصلاة معه مصداقاً للمأمور به.

و إن شئت قلت: إنّ العرف يفهم مع إلغاء الخصوصيّة أنّ تمام العلّة لعدم لزوم الإعادة، إنّما هو قيام التيمّم مقام المائية و تحقّق الطبيعة المأمور بها بإتيانها معه؛ من غير دخالة أسباب العذر و الانتقال في ذلك.

هذا مع قطع النظر عن التعليلات الواردة فيها، و أمّا مع النظر إليها

كقوله في صحيحة محمّد بن مسلم بعد الحكم بعدم الإعادة بعد وجدان الماء: «إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين» «1»

فالأمر أوضح؛ لأنّ الظاهر منه أنّ تمام العلّة لعدم الإعادة، هو فعل أحد الطهورين من غير دخالة شي ء آخر فيه، فحينئذٍ مع الأمر بالإتيان بالصلاة مع التيمّم عند الخوف على النفس، لا مجال للتشكيك في حصول الطهور به و فعل أحد الطهورين، فيندرج تحت العلّة المنصوصة، و لا شبهة في أنّ التصرّف في الأمر بالإعادة بحمله على الاستحباب، أهون من رفع اليد عن كلّ واحد ممّا تقدّم، فضلًا عن مجموعة، فلا إشكال في الحكم بحمد اللّٰه تعالىٰ.

وجوب الإعادة مع العلم بزوال الزحام بعد ساعة مثلًا

ثمّ إنّ مقتضىٰ ما ذكرناه و إن كان البناء على استحباب الإعادة فيمن منعه الزحام عن الوضوء كما ذهب إليه جمع «2» بل لعلّه المعروف بينهم، خلافاً

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 197/ 571، وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15.

(2) مفاتيح الشرائع

1: 63، وسائل الشيعة 3: 371، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 15، ذيل الحديث 2، الحدائق الناضرة 4: 269، مصباح الفقيه، الطهارة: 502/ السطر 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 354

للمحكيّ عن «النهاية» و «المبسوط» و «المقنع» و «الوسيلة» و «المهذّب» و «كشف اللثام» «1» فأوجبوا الإعادة بعد التيمّم و الصلاة معهم، و مستندهم

موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أبيه، عن عليّ (عليه السّلام): «أنّه سئل عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة و يوم عرفة، فأحدث أو ذكر أنّه علىٰ غير وضوء، و لا يستطيع الخروج من كثرة الزحام، قال: يتيمّم و يصلّي معهم، و يعيد إذا هو انصرف» «2»

، و نظيرها موثّقة السكوني «3» لكن الالتزام بالانتقال إلى التيمّم مع العلم بزوال العذر بعد ساعة مثلًا بعيد.

و لو بنينا على الأخذ بظاهر الروايتين، لكان الواجب علىٰ من منعه الزحام أو غيره عن الوصول إلى الماء مطلقاً، الصلاةَ متيمّماً و الإعادة؛ لعدم الخصوصية في زحام عرفة جزماً.

و دعوى اختصاص الجواب بزحام الجمعة، فيكون لها خصوصية، في غير محلّها؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الزحام في يوم الجمعة منعه عن الوضوء لصلاتها، و يوم عرفة منعه عن الوضوء لفريضة الظهر أو العصر. بل الظاهر منهما أنّ الجمعة للناس، و معه لا تجب علينا تعييناً بلا إشكال، بل المكلّف مخيّر بين الصلاة معهم جمعةً و الفرادىٰ ظهراً، و معه كيف تجب عليه الصلاة و الإعادة معاً؟! و لهذا قلنا: إنّ الظاهر من الروايتين لزوم الصلاة معهم تقيّة «4».

______________________________

(1) النهاية: 47، المبسوط 1: 31، المقنع: 27، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 70، المهذّب 1: 48، كشف اللثام 2: 490.

(2) تهذيب

الأحكام 3: 248/ 678، وسائل الشيعة 3: 371، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 15، الحديث 2.

(3) تقدّم تخريجها في الصفحة 341.

(4) تقدّم في الصفحة 341.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 355

لعلّ الأمر بالتيمّم لأجل أنّ الدخول في الصلاة صورةً أيضاً يجب، أو يستحبّ أن يكون مع الوضوء أو التيمّم، كما لعلّه تشهد به

رواية مسعدة بن صدقة التي لا يبعد كونها موثّقة «1»-: أنّ قائلًا قال لجعفر بن محمّد (عليهما السّلام): جعلت فداك، إنّي أمرّ بقوم ناصبية، و قد أُقيمت لهم الصلاة، و أنا علىٰ غير وضوء، فإن لم أدخل معهم في الصلاة قالوا ما شاؤوا أن يقولوا، أ فأُصلّي معهم، ثمّ أتوضّأ إذا انصرفت و أُصلّي؟

فقال جعفر بن محمّد: «سبحان اللّٰه! أ فما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفاً؟!» «2»

تأمّل.

و كيف كان: فالأقرب حملها علىٰ أنّ الصلاة معهم وجبت تقيّة، و يستحبّ أو يجب التيمّم لها، لكن لا تقع عن الفريضة، و تجب عليه الإعادة. و عدم وقوعها فريضة ليس لكون الصلاة معهم؛ لما قلنا في محلّه: إنّها معهم مُجزية «3»، بل لعدم صحّة التيمّم مع العلم بوجود الماء و رفع المانع في الوقت، خصوصاً في مثل المفروض في الرواية.

______________________________

(1) رواها الشيخ الصدوق (رحمه اللّٰه) عن مسعدة بن صدقة، و قال في مشيخته: ما كان فيه عن مسعدة بن صدقة فقد رويته عن أبي (رضى اللّٰه عنه)، عن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري، عن مسعدة بن صدقة، عن ربعي.

لا كلام في رجال السند إلّا في مسعدة بن صدقة فإنّه عامي و اختلف في وثاقته.

الفقيه، المشيخة 4: 30، رجال الطوسي: 146/ 40، تنقيح المقال 3: 212/ السطر

5 (أبواب الميم).

(2) الفقيه 1: 251/ 1128، وسائل الشيعة 1: 367، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 2، الحديث 1.

(3) التقيّة، ضمن الرسائل العشرة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 63.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 356

في حكم المتيمّم مع نجاسة الثوب

ثمّ إنّه حُكي «2» عن «النهاية» و «المبسوط»: «أنّ من كان علىٰ ثوبه نجاسة غير معفوّة، و تعذّر عليه إزالتها، يتيمّم و يصلّي، ثمّ يعيد» «3» و مستنده

موثّقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سئل عن رجل ليس عليه إلّا ثوب، و لا تحلّ الصلاة فيه، و ليس يجد ماءً يغسله، كيف يصنع؟ قال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أصاب ماءً غسله و أعاد الصلاة» «4».

و لا يخفىٰ: أنّ هذه الموثّقة غير مربوطة بالمقام سؤالًا و جواباً؛ لوضوح أنّ سؤاله إنّما هو عن وحدة الثوب و عدم إمكان تطهيره، فأجاب بالتيمّم و الصلاة؛ أي مع الثوب النجس ظاهراً، ثمّ إذا أصاب الماء أعادها بعد غسله، فالجواب عن هذه الحيثية، و لهذا تعرّض لغسله و إعادتها، لا للوضوء و الإعادة، و إنّما ذكر التيمّم تطفّلًا لفرض فقدان الماء.

فهذه المسألة ليست من مستثنيات المسألة المتقدّمة، بل هي مسألة أُخرى برأسها تأتي إن شاء اللّٰه في أبواب النجاسات «5» و قد كثرت الروايات فيمن كان ثوبه نجساً «6»، و اختلفت في وجوب الصلاة معه أو عرياناً، و المقام ليس مورد تنقيحها.

______________________________

(2) انظر جواهر الكلام 5: 230 231.

(3) النهاية: 55، المبسوط 1: 35.

(4) تهذيب الأحكام 1: 407/ 1279، و 2: 224/ 886، وسائل الشيعة 3: 392، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 30، الحديث 1.

(5) يأتي في الجزء الرابع: 319.

(6) راجع وسائل الشيعة 3: 482، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،

الباب 43 46.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 357

الأمر الرابع في حكم فاقد الطهورين

اشارة

المشهور كما عن «كشف الالتباس» و «الرياض» أنّ فاقد الطهورين تسقط عنه الصلاة «1»-، و عن «روض الجنان» و «المدارك»: «أنّه مذهب الأصحاب، لا نعلم فيه مخالفاً» «2». و عن «جامع المقاصد»: «أنّه ظاهر مذهب أصحابنا» «3».

لكن في «الشرائع»: «قيل: يصلّي و يعيد» «4» و عن «التذكرة» «5» و غيرها «6»: «أنّ بعض الأصحاب قال: يصلّي و يعيد» و عن جدّ المرتضىٰ وجوب الأداء لا القضاء «7».

______________________________

(1) كشف الالتباس: 203 (مخطوط)، رياض المسائل 4: 275.

(2) روض الجنان: 128/ السطر 14، مدارك الأحكام 2: 242.

(3) جامع المقاصد 1: 486.

(4) شرائع الإسلام 1: 41.

(5) تذكرة الفقهاء 2: 183.

(6) جواهر الفقه: 14، المسألة 28.

(7) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 226/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 358

مقتضى القاعدة في مثل المقام

و لا بأس بالإشارة إلىٰ مقتضى القاعدة في مثل المقام، فنقول: لو علم بجزئيّة شي ء للمركّب أو شرطيته في الجملة، و شكّ في أنّه كذلك مطلقاً، أو مخصوص بحال التمكّن، فلا يخلو إمّا أن يكون لدليل المركّب إطلاق دون دليل اعتبارهما، أو العكس، أو لكلٍّ منهما إطلاق، أو إهمال:

فإن كان لدليل المركّب إطلاق فقط، يجب إتيانه مع العجز عن الجزء أو الشرط.

أو لدليل اعتبارهما فقط فيسقط معه. و يلحق بإطلاق دليله فقط تقدّم دليله علىٰ دليل اعتبارهما بحكومة أو غيرها لو كان لهما إطلاق، و بإطلاق دليليهما تقدّمهما علىٰ دليله كذلك.

و مع إهمالهما أو إطلاقهما من غير ترجيح، يرجع إلىٰ مقتضى الأصل العقلي أو النقلي مع قطع النظر عن أدلّة العلاج؛ لو قلنا بشمولها لمثل المقام، و الأصل العقلي يقتضي البراءة مطلقاً، كما هو المقرّر في محلّه «1».

و قد يتمسّك «2» بالاستصحاب في بعض الموارد بوجوه من

التقرير، و قد فرغنا عن تضعيفه «3»، و بقاعدة «الميسور ..» و هي ضعيفة المستند «4» غير مجبورة.

______________________________

(1) راجع أنوار الهداية 2: 378، تهذيب الأُصول 2: 395.

(2) فرائد الأُصول 2: 497، كفاية الأُصول: 420.

(3) أنوار الهداية 2: 381 385، تهذيب الأُصول 2: 397 400.

(4) راجع أنوار الهداية 2: 386، تهذيب الأُصول 2: 401.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 359

حول سقوط الأداء في فاقد الطهورين

إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ مقتضىٰ إطلاق آية الوضوء «1» أنّ الصلاة مشروطة بالطهور مطلقاً و لو مع العجز عنه. و توهّم قصور الأمر عن إثبات الشرطية حال العجز لعدم إمكان توجّه الخطاب إلى العاجز فاسد.

لا لما قيل «2»: «من أنّ مثل تلك الأوامر إرشادية لا يعتبر فيها القدرة علىٰ متعلّقاتها؛ لأنّ مفادها ليس إلّا الإرشاد إلىٰ دخل متعلّقاتها في متعلّق الخطاب النفسي، ففي الحقيقة أنّ تلك الخطابات بمنزلة الإخبار؛ لا بعث فيها، و لا تحريك إلى المتعلَّقات حتّى تقتضي القدرة عليها، فلا فرق بين الشرطية المستفادة من

مثل «لا صلاة إلّا بطهور» «3»

أو المستفادة من الأمر الإرشادي».

و ذلك لما قرّرناه في محلّه «4»: من أنّ مطلق الأوامر نفسية كانت أو غيرية أو إرشادية، إنّما تستعمل في معناها؛ و هو نفس البعث و الإغراء، فإنّ الهيئة موضوعة لذلك من غير أن يكون الوجوب أو غيره مفادَها، لكن البعث إذا توجّه إلىٰ طبيعة من غير دلالة علىٰ أنّه لأجل مطلوب آخر، ينتزع منه النفسية، و إذا تعلّق بشي ء مع الدلالة علىٰ أنّه لآخر، ينتزع منه الغيرية، أو الإرشاد إلى الشرطية، أو الجزئية؛ حسب اختلاف المقامات.

فقوله تعالىٰ إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. إلىٰ آخره،

______________________________

(1) المائدة (5): 6.

(2) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني)

الكاظمي 4: 252 253.

(3) دعائم الإسلام 1: 100، الفقيه 1: 35/ 129، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1.

(4) مناهج الوصول 1: 243، تهذيب الأُصول 1: 135.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 360

لا ينسلخ عن البعث إلىٰ غسل الوجوه و الأيدي؛ بحيث تكون الهيئة مستعملة في الإخبار باشتراط الصلاة بالوضوء؛ ضرورة أنّ هذا الاستعمال مع كونه غلطاً لا مجازاً مخالف لفهم العرف و العقلاء، بل الهيئة مستعملة في معناها؛ و هو البعث و الإغراء، لكن لمّا كانت مسبوقة بقوله إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ تكون دالّة علىٰ أنّ البعث إليه لأجل اشتراط الصلاة به، ففهم الشرطية أو انتزاعها إنّما هو من البعث و الإغراء مع خصوصية المورد، و تصوّر ما ذكر يكفي عن مئونة تصديقه في مثل المقامات التي يكون الاتكال فيها على العرف و الذوق السليم.

بل لما حقّقناه في مظانّه: من أنّ الأوامر الكلّية القانونية، غير مشروطة عقلًا بصحّة توجّهها إلىٰ كلّ فرد فرد من المكلّفين، و ليست الخطابات الكلّية منحلّة كلٌّ إلىٰ خطابات متوجّهة إلىٰ آحادهم؛ فيكون كلّ خطابٍ منحلٍّ منظوراً فيه شرائط توجّه الخطاب، و إلّا لزم منه مفاسد، كعدم تكليف العصاة و الكفّار، و الجاهل بالحكم أو الموضوع، بل و اختصاص الوضعيات بمن يختصّ به التكاليف .. إلىٰ غير ذلك ممّا يطول ذكره، و الخلط بين شرائط الخطاب الجزئي الشخصي و الخطاب العامّ القانوني، منشأ لكثير من الاشتباهات و الاختلاطات، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «1».

و بالجملة: إنّ إطلاق الآية يقتضي اشتراطها بالطهور مطلقاً، و مقتضاه سقوط الصلاة مع تعذّر الشرط.

نعم، لو كان الاتّكال علىٰ صِرف ظاهر الآية و إطلاقها، لكان لتوهّم إطلاق

أدلّة الصلاة سيّما مثل

قوله: «الصلاة لا تترك بحال»

مجال، بل كان ذلك

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 23 29، أنوار الهداية 2: 214 215، تهذيب الأُصول 1: 302 311 و 2: 280.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 361

حاكماً علىٰ ظاهر الآية؛ لتعرّضه لمقام الإتيان، و هو من أقسام الحكومة.

لكن مضافاً إلىٰ عدم إطلاق معتدٍّ به في أدلّة تشريع الصلاة، و عدم ثبوت قوله: «الصلاة لا تترك بحال» من طريقنا؛ بحيث يمكن الاتكال عليه و علىٰ إطلاقه و حكومته على الآية، و مقتضى الاستقراء و إن كان أنّ للوقت في نظر الشارع أهمّية فوق غالب الأجزاء و الشرائط، فربّما يحصل الظنّ منه بأنّ الصلاة لا تُترك بحال، لكن ذلك ليس بمثابة يمكن الركون إلىٰ كلّيته و إطلاقه، و ما ورد في بعض الروايات في باب الاستحاضة

كصحيحة زرارة، و فيها: «و لا تدع الصلاة علىٰ حال؛ فإنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: الصلاة عماد دينكم» «1»

غير مربوط بمثل المقام، و ليس قوله: «فإنّ الصلاة عماد دينكم» علّة يمكن معها كشف صحّتها لدى الشكّ في شرطية شي ء لها أو جزئيته.

أنّ قوله

في صحيحة زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور»

حاكم علىٰ مثل

قوله: «الصلاة لا تترك بحال»

علىٰ فرض ثبوته؛ لأنّ الصحيحة رافعة لموضوعها، و هو حاكم علىٰ عدم جواز الترك علىٰ فرض الموضوع. بل من أوضح موارد الحكومة،

كقوله: «لا سهو لمن أقرّ علىٰ نفسه بالسهو» «2»

مثلًا بالنسبة إلىٰ أدلّة الشكوك.

و كذا يكون

قوله: «لا صلاة إلّا بطهور»

حاكماً علىٰ قاعدة الميسور إن كان المراد من

قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور»

أنّ الطبيعة الميسورة لا تسقط؛ لعين ما ذكر.

______________________________

(1) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1:

173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

(2) السرائر 3: 614، وسائل الشيعة 8: 229، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 362

و أمّا إن كان المراد أنّ ميسور الطبيعة لا يسقط، فلا يبعد أن تكون القاعدة حاكمة عليه؛ لعدم لزوم صدق الطبيعة علىٰ ميسورها، فيمكن أن يكون شي ءٌ ميسورَ شي ءٍ عرفاً لا نفسه. بل لا منافاة حينئذٍ بين الصحيحة و القاعدة؛ لأنّ مفاد الاولىٰ أنّ فاقد الطهور ليس بصلاة، و مفاد الثانية أنّ ميسور الصلاة و لو لم يكن صلاة لا يسقط.

لكن مضافاً إلىٰ عدم ظهور القاعدة في الاحتمال الثاني لو لم نقل بظهورها في الأوّل لا أصل لتلك القاعدة؛ لضعف سندها، و عدم ثبوت الجبر، خصوصاً في مثل تلك المسألة التي هي مظنّة الإجماع علىٰ عدم وجوب الأداء.

و إن يمكن الإشكال في صحيحة زرارة بوجه آخر: و هو أنّها منقولة في الباب الأوّل من أبواب الوضوء من «الوسائل»

عن محمّد بن الحسن، بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسىٰ، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «لا صلاة إلّا بطهور» «1»

. و رواها في «الوافي» عن «الفقيه» مرسلةً «2»، و عن «التهذيب» بالسند المتقدّم «3».

و

روى الحرّ في الباب الرابع من أبواب الوضوء بالسند المتقدّم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة، و لا صلاة إلّا بطهور» «4»

و رواها في «الفقيه» مرسلةً «5».

و روى في الباب التاسع من أحكام الخلوة بالسند المتقدّم، عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1،

الحديث 1.

(2) الوافي 6: 366/ 4478.

(3) الوافي 6: 365/ 4478.

(4) وسائل الشيعة 1: 372، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 4، الحديث 1.

(5) الفقيه 1: 22/ 67.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 363

أبي جعفر (عليه السّلام) أيضاً قال: «لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار؛ بذلك جرت السنّة من رسول اللّٰه، و أمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله» «1».

فيحتمل أن تكون الرواية واحدة، هي هكذا: «إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة، و لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ..» إلىٰ آخره، فيكون الذيل قرينة علىٰ أنّ المراد من «الطهور» هو الطهور من الخبث، و قد جزّأها المحدّثون و النقَلة على الأبواب. و يمكن دعوى الإطلاق في صدرها للطهورين؛ و إن كان الذيل يناسب ما ذكر.

و يحتمل كونها روايتين أو ثلاثاً، كما هو الظاهر من محكي «التهذيب» و «الفقيه» و مع ذلك فاختصاص الطهور بالوضوء و أخويه، بعيد و لو بلحاظ ذيل الصحيحة.

فحينئذٍ مقتضىٰ إطلاقها تحكيمها علىٰ أدلّة اشتراط الطهارة من الخبث، مع أنّه مخالف للنصّ و الفتوىٰ، فيشكل الأمر من جهة أنّ ورود التقييد علىٰ مثل قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» مشكل؛ لاستهجانه عرفاً، فلا بدّ في رفعه من الالتزام بأنّها مخصوصة بموارد بطلان الصلاة مع الخبثية، و معه يشكل التشبّث بها و تحكيمها علىٰ مثل

قوله: «الصلاة لا تترك بحال».

لكن ذلك لا يوجب التوقّف في أصل المسألة؛ لإطلاق أدلّة الشرط، كالآية الكريمة و عدم إطلاق في أدلّة تشريع الصلاة كتاباً و سنّة فالأقوىٰ عدم وجوب الأداء.

و أمّا وجوب الذكر عليه مقدار الصلاة، و الاكتفاء به عن الأداء و القضاء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 315،

كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 364

كما حكي عن رسالة المفيد إلىٰ ولده «4» و عن أبي العبّاس في صلاة «الموجز» و الصيمري في طهارة «كشف الالتباس» «5» فلم نعثر علىٰ مستنده، بل و لا مستند استحبابه بالخصوص.

حول سقوط القضاء عن فاقد الطهورين

فهل يجب عليه القضاء عند ارتفاع العذر بعد الوقت؟

قيل: نعم «1»، و في «الجواهر»: «أنّه الأشهر بين المتقدّمين و المتأخّرين» «2» و عن «كشف الالتباس»: «أنّه المشهور» «3» لعمومِ ما دلّ عليه،

كقوله: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» «8».

و

قولِه في النبويّ المشهور كما في «الرياض»: «من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها، فذلك وقتها» «9»

و حكاه في «المنتهىٰ» مع سقوط قوله: «فذلك وقتها» «10».

و الأخبار المستفيضة من طريق الخاصّة في الأبواب المتفرّقة،

كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال: «أربع صلوات يصلّيها الرجل في

______________________________

(4) انظر السرائر 1: 353، مختلف الشيعة 2: 458، المسألة 319.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 537/ السطر 28، كشف الالتباس: 204 (مخطوط).

(1) انظر شرائع الإسلام 1: 41.

(2) جواهر الكلام 5: 233.

(3) كشف الالتباس: 203 (مخطوط).

(8) عوالي اللآلي 2: 54/ 143، و راجع وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.

(9) رياض المسائل 4: 271.

(10) منتهى المطلب 1: 420/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 365

كلّ ساعة: صلاة فاتتك فمتىٰ ذكرتها أدّيتها ..» «1» إلىٰ آخره.

و

صحيحة الحلبي قال: سُئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل فاتته صلاة النهار، متى يقضيها؟ قال: «متى شاء» «2»

و مثلهما غيرهما.

و

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام): «و متىٰ ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها»

«3».

و

صحيحته الأُخرىٰ عنه: سئل عن رجل صلّىٰ بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلّها، أو نام عنها، قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها» «4» ..

إلىٰ غير ذلك.

و دعوىٰ تبعيّة القضاء للأداء، غير مسموعة. مع إمكان أن يقال: إنّ الأداء فريضة؛ إمّا بدعوىٰ صيرورة «الفريضة» اسماً لتلك الصلوات، لا وصفاً لها، كما احتمله الشهيد «5»، و إمّا بدعوىٰ: أنّها فريضة فعلًا و إن كان المكلّف معذوراً في تركها، كما ذكرناه في محلّه «6».

______________________________

(1) الفقيه 1: 278/ 1265، وسائل الشيعة 8: 256، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 452/ 6، تهذيب الأحكام 2: 163/ 639، وسائل الشيعة 4: 241، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 7.

(3) الكافي 3: 291/ 1، تهذيب الأحكام 3: 158/ 340، وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 2: 266/ 1059، وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 1.

(5) روض الجنان: 128/ السطر 26.

(6) مناهج الوصول 2: 26 28، تهذيب الأُصول 1: 309.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 366

كدعوىٰ عدم صدق الفوت؛ ضرورة صدقه عرفاً مع فوات المصلحة، فضلًا عمّا قلنا من فعلية الفريضة.

لكن الأشبه مع ذلك عدم وجوبه؛ وفاقاً للمحقّق و العلّامة و الكركي و غيرهم «1» للأصل بعد عدم إطلاق أو عموم يمكن الركون إليه، سيّما في مثل الفرض الذي هو نادر الوجود بحيث يلحق بالعدم:

أمّا النبويان، فمع عدم جبر سندهما بعد عدم ثبوت اتكال الأصحاب عليهما في أبواب القضاء، مع وجود روايات كثيرة من طرقنا «2» يحتمل اتكالهم عليها أنّهما في مقام بيان حكم آخر.

أمّا

الأوّل منهما ففي مقام بيان كيفية القضاء؛ إن قصراً فقصراً، و إن تماماً فتماماً. كما أنّ الأمر كذلك في طائفة من رواياتنا، مثل

صحيحة زرارة قال: قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر، فذكرها في الحضر، قال: «يقضي ما فاته كما فاته؛ إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته» «3»

فهي كالتفسير للنبوي المتقدّم الأوّل، و تكون في مقام بيان حكم آخر، فلا إطلاق لها و لا للنبوي المفسّر بها.

و أمّا النبويّ الثاني، فمضافاً إلى احتمال اختصاصه بالناسي، كما يشعر به قوله: «إذا ذكرها» ففي مقام بيان جواز إتيان القضاء بلا كراهية في أيّ وقت من

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 41، تذكرة الفقهاء 2: 184، جامع المقاصد 1: 486 487، إيضاح الفوائد 1: 69.

(2) راجع وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1 و 2 و 6.

(3) الكافي 3: 435/ 7، تهذيب الأحكام 3: 162/ 350، وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 367

الأوقات، فهو كطائفة أُخرى من رواياتنا، كالصحاح المتقدّمة.

و ممّا ذكرنا يظهر الكلام في الروايات التي هي من طرقنا، فإنّها جميعاً في مقام بيان أحكام أُخر لا إطلاق في واحد منها، كما يظهر بالنظر فيها.

و دعوىٰ: أنّه يفهم منها و لو بملاحظة المجموع أنّ وجوب قضاء الفرائض علىٰ من لم يأتِ بها في وقتها، كان من الأُمور المعهودة لديهم «1»، غير مفيدة؛ لأنّ معهوديته في الجملة ضرورية، و لزومه في الجملة منصوص عليه، لكن لا يثبت بها الحكم في الموارد المشكوك فيها.

و

إن رجعت الدعوىٰ إلىٰ معهودية القضاء مطلقاً حتّى في مثل المقام، فهي فاسدة جدّاً.

و بالجملة: لا يثبت بتلك الروايات إلّا المعهودية في الجملة، و هي غير مفيدة، و ما هي مفيدة غير ثابتة بها، خصوصاً في مثل فاقد الطهورين الذي تنصرف عنه الأذهان؛ لغاية ندرته، بل هو من الفروع التي أبداها الفقهاء، و لم يكن معهوداً.

بل يمكن التشبّث لسقوط القضاء بالتعليل الوارد في المغمىٰ عليه:

بأنّه «كلّ ما غلب اللّٰه عليه فاللّٰه أولىٰ بالعذر» «2».

إلّا أن يقال: إنّ الأخذ بهذا العموم مشكل؛ لورود تخصيصات كثيرة عليه.

و الإنصاف: أنّ القواعد و إن تقتضي سقوطه، إلّا أنّ الاحتياط لا ينبغي أن يترك.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 504/ السطر 23.

(2) الفقيه 1: 237/ 1042، وسائل الشيعة 8: 259، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 368

الأحوط ترك الصلاة مع فقدان الطهورين

لكن ينبغي الاحتياط بترك الصلاة مع فقدان الطهورين؛ لاحتمال الحرمة النفسيّة في الدخول فيها جنباً، بل و من غير وضوء؛ لقوله تعالىٰ لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ وَ أَنْتُمْ سُكٰارىٰ حَتّٰى تَعْلَمُوا مٰا تَقُولُونَ وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «1».

بناءً علىٰ أنّ المراد من الصَّلَاةَ نفسها لا محالّها، كما هو الأظهر في الآية. و لا ينافيه قوله إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ لأنّه إشارة ظاهراً إلى المسافر الفاقد الذي يأتي حكمه في ذيلها، و لا يكون ذلك تكراراً بشيعاً حتّى يكون قرينة علىٰ إرادة محالّها، بل هو من قبيل الإجمال و التفصيل، و هو من فنون البلاغة.

و الظاهر من التعبير ب لٰا تَقْرَبُوا هو الحرمة الذاتية، و ليس سبيلها سبيل النواهي في المركّبات التي تكون ظاهرة في الإرشاد إلى المانعية؛ للفرق بين قوله: «لا

تصلّ جنباً»

و «لاتصلّ في وَبَر ما لا يُؤكل» «2»

و بين قوله لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ .. جُنُباً فإنّ سبيله سبيل قوله لٰا تَقْرَبُوا الزِّنىٰ «3» و لٰا تَقْرَبُوا الْفَوٰاحِشَ «4» و لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ «5» ممّا هي ظاهرة في مبغوضية الارتكاب و أهمّية الموضوع.

______________________________

(1) النساء (4): 43.

(2) انظر وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7.

(3) الإسراء (17): 32.

(4) الأنعام (6): 151.

(5) البقرة (2): 222.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 369

و لرواية

مسعدة بن صدقة الموثّقة على الأصحّ «1»، و فيها: فقال جعفر بن محمّد (عليه السّلام): «سبحان اللّٰه، أ فما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفاً؟!» «2».

و

صحيحة صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «اقعِدَ رجل من الأحبار في قبره، فقيل له: إنّا جالدوك مائة جلدة من عذاب اللّٰه ..» إلىٰ أن قال: «فقال: لِمَ تجلدونيها؟ قالوا: نجلدك أنّك صلّيت يوماً بغير وضوء» «3».

فإنّ الظاهر منها أنّ الجلدة لم تكن لترك الصلاة، بل لإتيانها بغير وضوء، و ليست الحرمة النفسية ببعيدة بعد وقوع نظيرها في العبادات، كصلاة الحائض.

نعم، وردت رواية صحيحة من زرارة «4» يظهر منها أنّ المراد من قوله تعالىٰ وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ هو المساجد.

و كيف كان: فالاحتياط في ترك الاحتياط بإتيانها جنباً و من غير طهور.

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 355، الهامش 1.

(2) تقدّمت في الصفحة 355.

(3) الفقيه 1: 35/ 130، علل الشرائع: 309/ 1، عقاب الأعمال: 267/ 1، وسائل الشيعة 1: 368، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 2، الحديث 2.

(4) علل الشرائع: 288/ 1، وسائل الشيعة 2: 207، كتاب الطهارة، أبواب

الجنابة، الباب 15، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 370

الأمر الخامس في حكم المتيمّم إذا وجد الماء

حكم وجدان الماء قبل الدخول في الصلاة

إذا وجد المتيمّم الماء قبل دخوله في الصلاة، انتقض تيمّمه بلا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2». و المراد من الوجدان هو التمكّن من استعماله عقلًا و شرعاً، كما هو المحكي عن ظاهر معقد إجماع «التذكرة» أو صريحه «3»، و صريح معقد إجماع «المعتبر» و «الذكرى» «4» بل هو المتفاهم من جميع روايات الباب، كما قلنا في الآية الشريفة «5»: إنّ المراد من عدم الوجدان هو عدم وجدان ما يُغتسل أو يُتوضّأ به.

و الإصابة و الوجدان في تلك الروايات و إن لم تكن مقرونة بما

في رواية

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19.

(2) المقنعة: 61، المبسوط 1: 33، النهاية: 48، شرائع الإسلام 1: 42.

(3) انظر جواهر الكلام 5: 235، تذكرة الفقهاء 2: 207.

(4) المعتبر 1: 399، ذكرى الشيعة 2: 275.

(5) تقدّم في الصفحة 42.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 371

العيّاشي: «و كان يقدر عليه» «1»

و نحوه، كانت ظاهرة في الإصابة و الوجدان علىٰ نحو يتمكّن من رفع احتياجه به.

و كونُ الإصابة مطلقاً موجبة للتعبّد بانتقاض التيمّم حتّى يقال بالانتقاض مع إصابة ماء قليل لا يكفي للوضوء أو الغسل، أو كان مغصوباً مع كفايته بعيدٌ جدّاً، بل مقطوع الفساد، فضلًا عن مقارنة الروايات بما يجعلها كالصريح في المقصود،

كقوله في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام): و يصلّي بتيمّم واحد صلاة الليل و النهار؟ قال: «نعم، ما لم يحدث أو يصب ماءً».

قلت: فإن أصاب الماء، و رجا أن يقدر علىٰ ماء آخر، و ظنّ أنّه يقدر عليه كلّما أراد، فعسر ذلك عليه؟

قال: «ينقض ذلك تيمّمه، و عليه أن يعيد التيمّم ..» «2» إلىٰ آخره.

حيث يظهر من قوله: «قلت: فإن أصاب ..» إلىٰ آخره، أنّه فهم من إصابة الماء في قول أبي جعفر (عليه السّلام)، هو إصابة ما يقدر على استعماله، كما هو واضح بأدنى تأمّل.

و

كمرسلة العامري، قال فيها: «فإنّ تيمّمه الأوّل انتقض حين مرّ بالماء و لم يغتسل» «3».

يظهر منها أنّ الانتقاض إنّما هو بالمرور بماء يتمكّن من الاغتسال به و لم يغتسل.

______________________________

(1) تفسير العيّاشي 1: 244/ 143، وسائل الشيعة 3: 378، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 6.

(2) الكافي 3: 63/ 4، تهذيب الأحكام 1: 200/ 580، وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 193/ 557، وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 372

و أظهر منهما

قوله في رواية العيّاشي: «إذا رأى الماء و كان يقدر عليه، انتقض تيمّمه».

فلو وجد الماء في ضيق الوقت الذي هو فيه مأمور بحسب ما استظهرناه من الروايات بالتيمّم لم ينتقض تيمّمه، فلو فقد حين الصلاة أو بعدها بلا مهلة لم يجب عليه تجديده.

ثمّ إنّ الأخبار و إن وردت في وجدان الماء، لكن يظهر منها بإلغاء الخصوصيّة حال رفع سائر الأعذار، كما هو ظاهر.

و لا فرق في وجدان الماء و رفع العذر بين ما قبل دخول الوقت و ما بعده؛ سواء قلنا بجواز الوضوء و الغسل للصلاة قبل الوقت، كما هو الأقوىٰ، أو لا؛ لإطلاق الروايات و حصول القدرة و لو لغاية أُخرى. و قد مرّ حكم من وجد بعد الفراغ منها «3».

حكم وجدان الماء في أثناء الصلاة

و إن وجد

في الأثناء ففيه أقوال خمسة أو ستّة، لكن العمدة منها قولان:

أحدهما: أنّه يقطع ما لم يركع، و هو المحكي عن «مقنع الصدوق» أو «فقيهة» «4» و «مصباح السيّد» «5» و «جمله» «6» و «شرح الرسالة» «7» و الجُعفي «8»

______________________________

(3) تقدّم في الصفحة 347.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 558/ السطر 21، المقنع: 26، الفقيه 1: 58، ذيل الحديث 5.

(5) انظر منتهى المطلب 1: 154/ السطر 31.

(6) جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى 3: 26.

(7) انظر مدارك الأحكام 2: 245.

(8) انظر ذكرى الشيعة 2: 276.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 373

و الحسن بن عيسى «1» و عن «النهاية» و «مجمع البرهان» و «المفاتيح» و شرحه «2»، و رسالة صاحب «المعالم» و شرحها «3» و قد بالغ في تشييده المحقّق صاحب «الجواهر» بما لا مزيد عليه «4».

ثانيهما: أنّه يمضي بعد التلبّس بتكبيرة الإحرام، و هو المحكي عن رسالتي عليّ بن بابويه و السيّد «5» و «المقنعة» و «الخلاف» و «المبسوط» و «الغنية» و «السرائر» «6» و كتب المحقّق «7» و العلّامة «8» و غيرهم «9» و هو المشهور، كما عن «جامع المقاصد» و «المسالك» و «روض الجنان» و «مجمع البرهان» «10» بل عن «السرائر» الإجماع عليه في بحث الحيض و الاستحاضة «11».

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 275.

(2) النهاية: 48، مجمع الفائدة و البرهان 1: 239 240، مفاتيح الشرائع 1: 64، مصابيح الظلام 1: 424 425 (مخطوط).

(3) انظر مفتاح الكرامة 1: 558/ السطر 22.

(4) جواهر الكلام 5: 240 243.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 558/ السطر 12، المعتبر 1: 400.

(6) المقنعة: 61، الخلاف 1: 141، المبسوط 1: 33، غنية النزوع 1: 64، السرائر 1:

140.

(7) شرائع الإسلام 1: 42، المختصر النافع: 17، المعتبر 1: 400.

(8) إرشاد الأذهان 1: 234، قواعد الأحكام 1: 23/ السطر 20، تحرير الأحكام 1: 22/ السطر 25.

(9) كشف الرموز 1: 105، الروضة البهيّة 1: 462، رياض المسائل 2: 334 335.

(10) جامع المقاصد 1: 508، مسالك الأفهام 1: 116، روض الجنان: 129/ السطر 23 و 26، مجمع الفائدة و البرهان 1: 239.

(11) السرائر 1: 153.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 374

لا للأصل أو الأُصول أو أدلّة التنزيل و البدلية «1»، و كفاية عشر سنين «2» و النهي عن إبطال العمل كتاباً «3» و سنّة عن الانصراف حتّى يسمع الصوت و يجد الريح «4» .. إلىٰ غير ذلك ممّا يطول ذكرها «5»؛ لقطع ذلك كلّه بإطلاق أدلّة بطلانه بوجدان الماء و إصابته؛ ممّا قد مرّ بعضها «6».

و دعوى الانصراف إلىٰ ما لم يشرع في المقصود، في غير محلّها، كدعوىٰ عدم إطلاقها، لكون القدر المتيقّن بعد ما حرّر في مقامه من عدم إضراره بالإطلاق «7»، سيّما أمثال ذلك ممّا يقطع بعدم الإضرار به.

و لا للشهرة و الإجماع المنقولين؛ لعدم حجّيتهما في مثل هذه المسألة التي نقطع بكون المدرك هو النصوص الموجودة، بل عدم ثبوتهما، خصوصاً الثاني بعد خماسيتها قولًا أو سداسيتها، و ذهاب من تقدّم و غيرهم إلى التفصيل.

بل لعدم دليل صالح للركون إليه للقول بالتفصيل:

بطلان أدلّة القول بالتفصيل

أمّا

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها قلت: إن أصاب الماء و قد دخل في الصلاة؟ قال: «فلينصرف فليتوضّأ ما لم يركع، و إن كان قد ركع

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23.

(2) وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب

التيمّم، الباب 14، الحديث 12.

(3) في قوله تعالىٰ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ محمّد (47): 33.

(4) دعائم الإسلام 1: 190 191، مستدرك الوسائل 5: 406، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 7.

(5) انظر جواهر الكلام 5: 239.

(6) تقدّم في الصفحة 371.

(7) مناهج الوصول 2: 327 328، تهذيب الأُصول 1: 533 534.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 375

فليمض في صلاته؛ فإنّ التيمّم أحد الطهورين» «1».

فلأنّ حمل الأمر بالانصراف و التوضّي قبل الركوع على الوجوب و الإرشاد العقلي إلىٰ بطلان التيمّم قبل الركوع كحمل الأمر بالمضي على الإرشاد إلى الصحّة بعد الركوع، كما هو الشأن في مثل تلك الأوامر غير مناسب مع التعليل بأنّ التراب أحد الطهورين؛ فإنّ العلّة المشتركة بين ما قبل الدخول في الركوع و ما بعده، لا تناسب التفصيل، بل قاطعة له، هذا نظير أن يقال: «اشرب الخمر، و لا تشرب النبيذ؛ فإنّه مسكر» مع كون المسكرية مشتركة بينهما.

ففي المقام لو كانت العلّة للمضي كون التراب أحد الطهورين فقط كما هو الظاهر، لم يكن للتفصيل وجه، و لو كان التفصيل إلزامياً حتّى يستفاد منه ما تقدّم، كان عليه أن يعلّل بأنّ حرمة الركوع مثلًا مانعة عن نقض الطهور، فلا بدّ من حمل الأمر بالانصراف و التوضّي على الاستحباب؛ و الأخذ بعموم التعليل لصحّة الصلاة مطلقاً، أو رفع اليد عن التعليل بلا جهة موجبة، و الأوّل متعيّن، فتكون الصحيحة من أدلّة القول المنصور.

و لعلّه لذلك لم يجعلها المحقّق في «المعتبر» دليلًا على القول بالتفصيل، مع كونها بمنظر منه، فقال: «فإن احتجّ الشيخ بالروايات الدالّة على الرجوع ما لم يركع، فالجواب عنه: أنّ أصلها عبد اللّٰه بن عاصم فهي في التحقيق رواية

واحدة و يعارضها روايتنا، و هي أرجح من وجوه، أحدها: أنّ محمّد بن حُمران أشهر في العدالة و العلم من عبد اللّٰه بن عاصم، و الأعدل مقدّم» «2» انتهىٰ.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 2، ص: 375

______________________________

(1) الكافي 3: 63/ 4، تهذيب الأحكام 1: 200/ 580، وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(2) المعتبر 1: 400.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 376

و نسبة المحقّق إلى الغفلة عن صحيحة زرارة «1»، كأنّها غفلة.

و أمّا رواية عبد اللّٰه بن عاصم، فهي منقولة من طريق الكليني إليه «2»، و في طريقه المعلّى بن محمّد الذي قال النجاشي فيه: «إنّه مضطرب الحديث و المذهب، و كتبه قريبة» «3».

و ذكره العلّامة في القسم الثاني من محكي «الخلاصة» و وصفه باضطراب الحديث و المذهب «4».

و عن ابن الغضائري: «يعرف حديثه و ينكر، و يروي عن الضعفاء، و يجوز أن يخرَّج شاهداً» «5».

و عن الوجيزة: «أنّه ضعيف» «6».

نعم، قد يقال: إنّه شيخ إجازة، و هو يُغنيه عن التوثيق، و لأجله صحّح حديثه بعضهم «7».

و فيه: أنّ كونه شيخ إجازة غير ثابت، و غناء كلّ شيخِ إجازةٍ عن التوثيق أيضاً غير ثابت.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 4: 382، جواهر الكلام 5: 242.

(2)

رواها الكليني، عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن عبد اللّٰه بن عاصم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل لا يجد الماء فيتيمّم و يقيم في الصلاة فجاء

الغلام فقال: هو ذا الماء، فقال: إن كان لم يركع فلينصرف و ليتوضّأ و إن كان قد ركع فليمض في صلاته.

الكافي 3: 64/ 5.

(3) رجال النجاشي: 418/ 1117.

(4) رجال العلّامة الحلّي: 259/ 2.

(5) انظر مجمع الرجال 6: 113، تنقيح المقال 3: 233/ السطر 19 (أبواب الميم).

(6) انظر تنقيح المقال 3: 233/ السطر 20 (أبواب الميم)، الوجيزة، المجلسي: 324.

(7) تنقيح المقال 3: 233/ السطر 21 (أبواب الميم).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 377

و من طريق الشيخ إليه تارة: بسند فيه الحسن بن الحسين اللؤلؤي «1» و قد ضعّفه الصدوق «2» و استثناه شيخه ابن الوليد من روايات محمّد بن أحمد بن يحيىٰ و نقل النجاشي استثناء ابن الوليد، ثمّ قال: «قال أبو العبّاس بن نوح: قد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه، و تبعه أبو جعفر بن بابويه علىٰ ذلك، إلّا في محمّد بن عيسىٰ بن عبيد فلا أدري ما رأيه فيه؛ لأنّه كان علىٰ ظاهر العدالة و الثقة» «3».

أقول: يظهر من استثناء أبي العبّاس أنّ استثناء ابن الوليد، إنّما هو لضعف في الرجال نفسهم، نعم وثّقه النجاشي «4»، لكن سكت عند نقل عبارة ابن نوح، و لعلّه لرضاه بما ذكره. و كيف كان يشكل الاتكال علىٰ توثيقه بعد تضعيف الصدوق و شيخه ظاهراً و ابن نوح. و احتمال كون تضعيف الصدوق لاتباع ابن الوليد و إن كان قريباً، لكن يؤيّد ذلك بل يدلّ علىٰ أنّ ابن الوليد إنّما ضعّف الرجال نفسهم، و هو مع تقدّم عصره عن النجاشي، و قول الصدوق فيه ما قال لا يقصر عن قول النجاشي لو لم يقدّم عليه.

و أُخرى: بسند

فيه القاسم بن محمّد الجوهري «5» و هو واقفي غير موثّق «6».

______________________________

(1) رواها الشيخ في التهذيب و الاستبصار بإسناده، عن محمد بن عليّ بن محبوب، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن جعفر بن بشير.

تهذيب الأحكام 1: 204/ 593، الاستبصار 1: 167/ 578.

(2) انظر رجال الطوسي: 424/ 45.

(3) رجال النجاشي: 348/ 939.

(4) رجال النجاشي: 40/ 83.

(5) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن أبان بن عثمان جميعاً، عن عبد اللّٰه بن عاصم. تهذيب الأحكام 1: 204/ 592.

(6) رجال النجاشي: 315/ 862، رجال الطوسي: 342/ 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 378

و أمّا عبد اللّٰه بن عاصم فهو مهمل في كتب الرجال، كما عن «الذخيرة»: «أنّ عبد اللّٰه بن عاصم غير مذكور في كتب الرجال، لكن يظهر ممّا سننقل من كلام المحقّق توثيقه» «1» انتهىٰ.

و العبارة المشار إليها هي ما في «المعتبر» في مسألتنا هذه، قال: «و هي أي رواية محمّد بن حُمران أرجح من وجوه؛ أحدها: أنّ محمّد بن حُمران أشهر في العدالة و العلم من عبد اللّٰه بن عاصم، و الأعدل مقدّم» «2» انتهىٰ.

لكن المحقّق لم يوثّقه بنفسه، و لم يعدّله، بل يظهر منه أشهرية عدالته من ابن حمران «3»، و هي شهرة منقولة بعدالته علىٰ إشكال، لا وثاقته، و حجّية مثلها مع إهمال الرجل في كتب الرجال المعدّة لذلك محلّ إشكال، بل منع، سيّما مع كون الوثاقة غير العلم و العدالة.

و الإنصاف: أنّ الركون إلىٰ مثل هذه الرواية مع ما عرفت، و مع الغضّ عن سائر الروايات مشكل، بل غير جائز. نعم مع الغضّ عن سندها لا إشكال في دلالتها علىٰ مذهب المفصّل.

الوجه في المضيّ بعد التلبّس بتكبيرة الإحرام

لكن

بإزائها مضافاً إلىٰ صحيحة زرارة المتقدّمة بالتقريب المتقدّم

صحيحة أُخرى عنه و عن محمّد بن مسلم، قال: قلت في رجل لم يصب الماء، و حضرت الصلاة، فتيمّم و صلّى ركعتين، ثمّ أصاب الماء: أ ينقض الركعتين أو يقطعهما و يتوضّأ، ثمّ يصلّي؟

______________________________

(1) ذخيرة المعاد: 108/ السطر 13.

(2) المعتبر 1: 400.

(3) هكذا في النسخة المخطوطة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 379

قال: «لا، و لكنّه يمضي في صلاته، و لا ينقضهما؛ لمكان أنّه دخلها و هو علىٰ طهر بتيمّم» «2».

تدلّ علىٰ أنّ تمام العلّة لعدم النقض و المضي، دخوله فيها و هو علىٰ طهر بتيمّم.

و حمل الدخول فيها على الدخول في الركوع، و تقييد التعليل بالدخول فيه، طرحها في الحقيقة، لا جمع بينها و بين رواية عبد اللّٰه علىٰ فرض تسليم سندها، فإنّ معنىٰ «دخلها» أي شرع فيها، و لا يكون صادقاً على الدخول في الركوع و مطلقاً قابلًا للتقييد؛ لوضوح الفرق بين هذا التعبير و بين أن يقال: «إنّه داخل في الصلاة» فإنّ الأوّل لا يصدق إلّا علىٰ أوّل الجزء و حال الشروع، بخلاف الثاني.

و رواية محمّد بن حُمران، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) التي لا يبعد أن تكون صحيحة؛ لقرب احتمال أن يكون محمّد بن سَماعة الواقع في سندها هو الحضرمي الثقة؛ لقيام شواهد عليه، كما يظهر من ترجمته و ترجمة ابنه جعفر بن محمّد بن سماعة و قرب احتمال أن يكون محمّد بن حمران هو النهدي الثقة؛ بقرينة رواية محمّد بن سماعة عنه «3». و لو كان ابن أعين يكون ممدوحاً؛ لكونه من مشايخ ابن أبي عمير؛ لحديث في المجلس الثاني من مجالس الصدوق: «أنّ محمّد بن أبي عمير

قال: حدّثني جماعة من مشايخنا» و عدّ منهم محمّد بن حمران «4»، تأمّل. و يشهد بكونه النهدي قول المحقّق: «إنّه أشهر في

______________________________

(2) تهذيب الأحكام 1: 205/ 595، وسائل الشيعة 3: 382، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 4.

(3) رجال النجاشي: 119/ 305، و 329/ 890.

(4) أمالي الصدوق: 15/ 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 380

العلم و العدالة من عبد اللّٰه بن عاصم» «1» و من كان كذلك هو

النهدي قال: قلت له: رجل تيمّم، ثمّ دخل في الصلاة، و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه، ثمّ يؤتىٰ بالماء حين يدخل في الصلاة، قال: «يمضي في الصلاة، و اعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت» «2».

و هي كالنصّ في أنّ الإتيان بالماء في أوّل الشروع في الصلاة؛ لقوله: «حين يدخل» فإنّ حين الدخول أوّل وقته، فإذا أُضيف إلىٰ فعل المضارع صار كالنصّ فيه، و إذا أُضيف إلىٰ ذلك إعادته بعد قوله: «ثمّ دخل في الصلاة» مع عدم الاحتياج إلى التكرار إن كان المراد مطلق الدخول يؤكّد ذلك؛ لأنّ الظاهر أنّه لإفادة زائدة؛ و هي بيان أنّ الإتيان به إنّما هو في أوّل الشروع فيها.

و حملها علىٰ ما بعد الدخول في الركوع طرح لها جزماً، لا جمع بينها و بين رواية عبد اللّٰه، و لهذا قال المحقّق في مقام ترجيحها علىٰ رواية عبد اللّٰه: «إنّ مع العمل برواية محمّد، يمكن العمل برواية عبد اللّٰه بالتنزيل على الاستحباب، و لو عمل بروايته لم يكن لرواية محمّد محمل» «3» انتهىٰ، مع أنّ حمل المطلق على المقيّد من أوضح المحامل عندهم.

و الإنصاف: أنّ الجمع بين الروايات بحمل الأمر بالمضيّ

قبل الركوع على الاستحباب متعيّن لا غبار فيه، و لم نترقّب من المحقّق صاحب «الجواهر» ارتكاب ما ارتكبه في هذه المسألة الواضحة المأخذ بما لا ينقضي العجب منه؛ من التمسّك بما لا ينبغي التمسّك به، و حمل الروايات علىٰ ما لا ينبغي الحمل

______________________________

(1) المعتبر 1: 400.

(2) تهذيب الأحكام 1: 203/ 590، وسائل الشيعة 3: 382، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 3.

(3) المعتبر 1: 401.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 381

عليه؛ ممّا يطول الكلام لو تعرّضنا لموارد النظر في كلامه! و أعجب منه أنّه خالف المشهور مع تصديقه بتحصيل الشهرة، مع أنّ بناءه على اتباعها و ارتكاب التأويل في الأدلّة المخالفة لها كيف كانت، و في المقام خالفها، و ارتكب التأويلات الغريبة في أدلّتها الظاهرة الدلالة على المذهب المشهور!! «1» فراجع.

حول ما عن «التذكرة» من استحباب الاستئناف مطلقاً

ثمّ إنّه حكىٰ عن «التذكرة» استحباب الاستئناف مطلقاً «2»، و لعلّه

لرواية الصيقل، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل تيمّم، ثمّ قام يصلّي، فمرّ به نهر و قد صلّىٰ ركعة، قال: «فليغتسل و ليستقبل الصلاة».

قلت: إنّه قد صلّىٰ صلاته كلّها، قال: «لا يعيد» «3».

بل يمكن أن يقال باستحباب الإعادة مطلقاً حتّى بعد الصلاة؛ لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدّمة الآمرة بالإعادة بعد الصلاة إذا أمن البرد «4». و يحتمل أن تكون للاستحباب مراتب بحسب حالات ما قبل الركوع، و ما بعده، و ما بعد الصلاة.

و ربّما يقال بالتنافي بين رواية الصيقل و ما دلّت علىٰ وجوب المضيّ خصوصاً ما فصّلت بين ما قبل الركوع و ما بعده «5»، و دعوىٰ قصور الأخبار عن

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 238.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 211.

(3) تهذيب الأحكام 1: 406/

1277، وسائل الشيعة 3: 383، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 6.

(4) تقدّمت في الصفحة 335 و 350.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 382

إفادة وجوب المضي لكون الأوامر فيها في مقام توهّم الحظر غير مسموعة بعد مغروسية حرمة قطع الصلاة، و كون النقض منافياً لاحترامها في أذهان المتشرّعة «1».

و فيه: أنّ الأوامر الواردة في ذلك المضمار، لا يستفاد منها إلّا الإرشاد إلىٰ صحّة العمل، و لهذا لا يجوز التمسّك بمثلها علىٰ حرمة القطع، كما ترى معروفية عدم الدليل علىٰ حرمته إلّا الإجماع «2» مع أنّ أمثال هذه الروايات كثيرة، و ليس ذلك إلّا لعدم دلالتها علىٰ وجوب المضي، فمع إرشاديتها إلىٰ صحّة العمل و عدم انتقاض التيمّم، لا مانع من الجمع بينها و بين الأمر بالإعادة بحمله على الاستحباب.

و دعوىٰ مغروسية حرمة القطع في أذهان المتشرّعة في زمان صدور الروايات بل مطلقاً، غير ثابتة، خصوصاً في مثل المقام الذي يمكن أن يقال فيه بارتكازية وجوب الاستئناف؛ لكون التيمّم طهارة اضطرارية.

و لو لا ضعف الرواية «3»، و عدم إمكان التشبّث بالتسامح في أدلّة السنن في مثل المقام الذي هو مظنّة الإجماع علىٰ حرمة القطع لكان القول بالاستحباب غير بعيد. إلّا أن ينكر الإجماع بدعوىٰ: أنّ القدر المتيقّن منه في غير مثل المورد، لكن الأحوط عدم القطع.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 506/ السطر 29.

(2) الحدائق الناضرة 4: 383، جواهر الكلام 5: 241.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن الحسين بن أبي العلاء، عن المثنى، عن الحسن، عن الصيقلي. و

الرواية ضعيفة بموسى بن سعدان.

رجال النجاشي: 404/ 1072.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 383

و أمّا توهّم التنافي بين استحباب الانصراف قبل الركوع و بقاء التيمّم مع عدم العذر و وجدان الماء «1»، ففي غاية السقوط بعد وجود الأدلّة الصحيحة المعمول عليها.

عدم الفرق بين الفريضة و النافلة

ثمّ إنّه هل يختصّ الحكم بصحّة الصلاة مع الدخول فيها بتيمّم بالفرائض اليومية، أو يعمّ مطلق الفرائض، أو يعمّ النوافل أيضاً، أو يعمّ مطلق المركّبات المشروطة بالطهارة؟

قد يقال «2» بالأوّل لاختصاص الأدلّة بها و انصرافها إليها، و في غيرها يرجع إلىٰ أدلّة نقض التيمّم بوجدان الماء.

و في مقابله احتمال التعميم إلىٰ مطلق المركّبات؛ بدعوى اقتضاء التعليل الوارد في صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم «3» ذلك فإنّه يظهر من قوله: «لمكان أنّه دخلها و هو علىٰ طهر بتيمّم» أنّ تمام العلّة لعدم النقض و المضي، هو وجدان الطهور حال الدخول في العمل؛ من غير دخالة لكونه صلاة فريضة، بل و لا لكونه صلاة، فكما يعمّم العرف من قوله: «لا تشرب الخمر؛ لأنّه مسكر» الحكمَ إلىٰ كلّ مسكر و لو لم يكن خمراً، و لا يعتني بالمورد و لا بالضمير الراجع إليه، كذلك في المقام يستفاد من التعليل أنّ الدخول بتيمّم في كلّ عمل مشروط بالطهارة، يقتضي عدم النقض و صحّة العمل و بقاء الطهور؛ من غير اعتناء بالضمير

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 506/ السطر 20.

(2) جواهر الكلام 5: 247، مصباح الفقيه، الطهارة: 507/ السطر 32.

(3) تقدّمت في الصفحة 378.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 384

الراجع إلى الفريضة أو إلى الصلاة، فإنّه لو كان لها دخالة فيه لما علّل بالدخول و هو علىٰ طهر بتيمّم، بل

كان المناسب التعليل بحرمة القطع و نظائرها.

و بالجملة: هذه الجملة المعلّلة كأشباهها تدلّ علىٰ عموم الحكم، و يلغى المورد و خصوصية الضمير الراجع إليه.

و ممّا ذكرنا يظهر التقريب في تعليل

الصحيحة الأُخرى لزرارة و هو قوله: «فإنّ التيمّم أحد الطهورين» «1»

فإنّ مقتضاه و إن كان الصحّة لو تيمّم صحيحاً و لو كان قبل الدخول، لكن يرفع اليد عنه بالنسبة إلىٰ ما قبل الدخول بالروايات الدالّة علىٰ نقضه إذا وجد الماء «2»، فإنّ الظاهر أو المتيقّن منها هو النقض قبل الدخول في الصلاة، و لو كان فيها إطلاق يرفع اليد عنه بالروايات المتقدّمة، و معه لا يمكن تعميم العلّة حتى بالنسبة إلىٰ ما قبل الدخول، للزوم طرح تلك الروايات، فيبقى العموم في غير موردها، و يعمّم إلىٰ غير الصلاة بالتقريب المتقدّم فنتعدّىٰ إلى الطواف و غيره من غير احتياج إلى التمسّك

بالنبويّ: «الطواف بالبيت صلاة» «3»

حتّى يستشكل في سنده و دلالته أيضاً؛ بدعوىٰ عدم التنزيل من هذه الجهات.

لكن مع ذلك لا يخلو التعميم بهذه السعة من إشكال؛ لاحتمال عدم مساعدة العرف على التعميم إلىٰ غير الصلاة؛ و إن كان إلىٰ مطلق الصلاة فريضة أو نافلة قريباً.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 374.

(2) وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19.

(3) عوالي اللآلي 1: 214/ 70، مستدرك الوسائل 9: 410، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 38، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 385

بل دعوى انصراف جميع الروايات إلى الفرائض أو اليوميّة منها، ممنوعة؛ ضرورة أنّ النوافل سيّما الرواتب منها كانت معمولًا بها في تلك الأعصار، و لم تكن كأعصارنا مهجورة ينصرف عنها الأذهان، فمقتضىٰ إطلاق الأدلّة عدم الفرق بين الفريضة و النافلة.

حكم فقدان الماء بعد وجدانه

و لو وُجد الماء في أثناء الصلاة بمقدار يمكن معه الوضوء أو الغسل، و فُقد في الأثناء أو بعدها بلا مهلة، فالأقرب بقاء الطهارة و عدم الاحتياج إلى الإعادة؛ لعدم شمول الروايات الحاكمة بنقض الطهارة بوجدان الماء أو بالقدرة عليه لذلك؛ فإنّ المراد منهما ليس مطلق الوجدان و القدرة عليه، و لذا لو وُجد و كان مغصوباً لا ينتقض به بلا ريب، بل المراد ما يمكن رفع الاحتياج به شرعاً و عقلًا، فينسلك المورد فيما دلّت علىٰ جواز إتيان الصلوات المتعدّدة بتيمّم واحد. و لو نوقش فيه يكفي الأصل بعد حصول الطهور و الشكّ في النقض بعد قصور أدلّته.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 386

قالوا «1»:

الأمر السادس المتيمّم يستبيح ما يستبيحه المتطهّر بالماء

اشارة

و الكلام فيه يقع في مقامين:

المقام الأوّل إنّه لو تيمّم لغاية جاز لأجلها التيمّم، يباح له جميع ما يباح للمتطهّر

فلو تيمّم لصلاة فريضة جاز له فعل النافلة، و مسّ الكتاب، و اجتياز المسجدين، و اللبث في غيرهما، و قراءة العزائم .. إلىٰ غير ذلك، و خالف في ذلك فخر المحقّقين «2».

و التحقيق: أنّ الخلاف في هذه المسألة إنّما يأتي بناءً علىٰ كون التيمّم مبيحاً، أو بناءً على اعتبارية الطهور علىٰ فرض كونه رافعاً؛ لإمكان أن يقال على الفرض الأوّل: إنّه مبيح بالنسبة إلىٰ غاية دون غاية أُخرى، و على الثاني: إنّه اعتبرت الطهورية كذلك بالنسبة إلىٰ غاية دون اخرىٰ.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 42.

(2) إيضاح الفوائد 1: 66 67.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 387

و أمّا على القول بالرفع و كونه طهوراً، و كون الطهور أمراً واقعياً كشف عنه الشارع ككون الحدث قذارة معنوية كشف عنها فلا مجال للنزاع؛ لعدم تعقّل كون العاجز المتيمّم طاهراً من الجنابة أو الحدث الأصغر بالنسبة إلىٰ عمل، و جنباً و محدثاً بالأصغر بالنسبة إلىٰ آخر، فهذا النزاع إنّما يتمشّىٰ بعد الفراغ عن مبيحية التيمّم، و لمّا فرغنا عن كونه طهوراً و رافعاً كما مرّ «1»، فلا يبقى وجه لذلك؛ لضعف احتمال اعتبارية الطهور.

ثمّ إنّه علىٰ فرض المبيحية أيضاً، الأقوىٰ ما عليه المشهور لأدلّة البدلية و المنزلة و لو نوقش في إطلاق بعضها فلا مجال للتشكيك بالنسبة إلىٰ جميعها، كذيل الآية الكريمة «2» فإنّها و إن وردت في الصلاة، لكن يظهر منها بأتمّ ظهور أنّه طهور، و لأجل طهوريته أمر الشارع به للصلاة، فمع حصول الطهور يجوز معه الإتيان بكلّ ما يشترط فيه الطهور و يحتاج إليه.

و القائل بعدم حصول الطهور كما هو المفروض، لا محالة يقول في الآية: أنّه

بمنزلته، فيفهم منه عموم المنزلة؛ لأنّ الذيل بمنزلة التعليل، و كأنّه قال علىٰ هذا المسلك: «لمّا كان التيمّم بمنزلة الطهور تيمّموا».

و كالروايات المتواترة؛

لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في المستفيضة: «جعلتْ لي الأرض مسجداً و طهوراً» «3»

و

قولِه (عليه السّلام): «هو بمنزلة الماء» «4»

و

قولِه (عليه السّلام): «إنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» «5»

و

قولِه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «يكفيك عشر

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 220.

(2) المائدة (5): 6.

(3) وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 2 4.

(4) وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 388

سنين» «1»

و

قولِه (عليه السّلام): إنّ «ربّ الماء و ربّ الأرض واحد» «2»

و «إنّه أحد الطهورين» «3»

و «إنّ التيمّم غسل المضطرّ و وضوؤه» «4»

و «إنّه الوضوء التامّ الكامل في وقت الضرورة» «5» ..

إلىٰ غير ذلك ممّا يعلم منها: أنّ التيمّم بمنزلة الوضوء و الغسل في جميع ما لهما من الخواصّ و الآثار.

المقام الثاني إنّه هل يجوز التيمّم لكلّ غاية، أو مخصوص بغايات خاصّة؟
اشارة

يظهر من بعضهم عدم وجوبه إلّا للصلاة أو لها و للخروج من المسجدين «6» أو مع زيادة الطواف «7».

و عن الفخر أنّ والده لا يجوّز التيمّم من الحدث الأكبر للطواف و مسّ كتابة القرآن «8».

و عنه أيضاً عدم مشروعية التيمّم لصوم الجنب و الحائض و المستحاضة «9».

و يظهر من المحقّق الأنصاري نوع تردّد فيه، قال في صومه: «لو لم يتمكّن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 12.

(2) مستدرك الوسائل 2: 548، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم،

الباب 18، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(4) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 88.

(5) مستدرك الوسائل 2: 535، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 9، الحديث 1.

(6) شرائع الإسلام 1: 3، تذكرة الفقهاء 1: 8، جواهر الكلام 5: 252.

(7) قواعد الأحكام 1: 3/ السطر 9، إرشاد الأذهان 1: 221.

(8) انظر كشف اللثام 2: 491، مفتاح الكرامة 1: 556/ السطر 21.

(9) انظر جواهر الكلام 5: 252 253، منتهى المطلب 1: 156 157.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 389

المكلّف من الغسل فهل يجب عليه التيمّم؟ فيه قولان: من عموم المنزلة

في صحيحة حمّاد: «هو بمنزلة الماء»

و

في الروايات: «هو أحد الطهورين»

و هو مذهب المحقّق و الشهيد الثانيين «1»، خلافاً للمحكي عن «المنتهىٰ» «2».

و لعلّه من أنّ المانع هو حدث الجنابة، و التيمّم لا يرفعه، و هو طهور بمنزلة الماء في كلّ ما يجب فيه الغسل، لا ما توقّف علىٰ رفع الجنابة، فالتيمّم يجب في كلّ موضع يجب فيه الغسل، لا فيما يشترط بعدم الجنابة. و يشعر به قوله في صحيحة ابن مسلم: «فإن انتظر ماءً يسخّن أو يستقىٰ فطلع الفجر فلا شي ء عليه» «3» حيث إنّه لم يأمر بالتيمّم ..» إلى أن قال: «فالأحوط التيمّم» «4» انتهىٰ.

و فيه أوّلًا: ما تقدّم «5» من أنّ التيمّم رافع للجنابة في الموضوع الخاصّ، كما هو مقتضى الأدلّة، و قد دفعنا الإشكال العقلي فيما مرّ «6».

و ثانياً: لو فرض عدم رفعها فلا إشكال في أنّ مقتضى الأدلّة رفع مانعيتها، فهو لو لم يكن طهوراً بمنزلته و يقوم مقامه في كلّ ما له من الآثار؛ بمقتضىٰ عموم المنزلة. و إن

شئت قلت: إنّ دليل عموم المنزلة، حاكم علىٰ ما دلّ علىٰ أنّ الجنابة مانعة، أو رفعها شرط.

______________________________

(1) جامع المقاصد 3: 83، مسالك الأفهام 2: 46.

(2) منتهى المطلب 1: 156 157.

(3) الكافي 4: 105/ 2، تهذيب الأحكام 4: 211/ 613، وسائل الشيعة 10: 60، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 14، الحديث 1، و الباب 15، الحديث 3.

(4) الصوم، ضمن تراث الشيخ الأعظم 12: 32 33.

(5) تقدّم في الصفحة 220.

(6) تقدّم في الصفحة 224.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 390

و أمّا

صحيحة محمّد بن مسلم، فهي عن أحدهما في حديث: أنّه سأله عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان، ثمّ ينام، قال: «إن استيقظ قبل أن يطلع الفجر، فإن انتظر ماءً يسخّن أو يستقىٰ فطلع الفجر، فلا يقضي صومه».

فالظاهر أنّها بصدد بيان حكم آخر؛ و هو حكم طلوع الفجر حال انتظار تسخين الماء أو استقائه، لا لتكليفه عند ضيق الوقت، فالسؤال إنّما هو عن طلوع الفجر فجأة، و هو غير مربوط بالمقام،

كرواية إسماعيل بن عيسىٰ عن الرضا (عليه السّلام)، و فيها قلت: رجل أصابته جنابة في آخر الليل، فقام ليغتسل و لم يصب ماءً، فذهب يطلبه، أو بعث من يأتيه بالماء، فعسر عليه حتّى أصبح، كيف يصنع؟ قال: «يغتسل إذا جاءه، ثمّ يصلّي» «1»

فإنّها أيضاً في مقام بيان حكم آخر، فلا يمكن الاستشهاد عليه بسكوته في مقام البيان؛ لصحّة الصوم مع ترك التيمّم عمداً، كما لا يخفى.

قيام التيمّم مقام الوضوءات المستحبّة

ثمّ إنّ مقتضىٰ إطلاق المنزلة و عمومها، قيام التيمّم مقام الوضوءات المستحبّة؛ حتّى وضوء الحائض للذكر، و الأغسال المستحبّة حتّى غسل الجمعة.

و الاستشكال في الأوّل: بأنّه غير رافع، و في الثاني بذلك أيضاً؛ بدعوى

«2» انصراف الأدلّة إلى الرافع، سيّما بملاحظة أنّ الحكمة في شرع بعضها

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 210/ 610، وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 14، الحديث 2.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 508/ السطر 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 391

التنظيف «1» مع سكوت روايات غسل الجمعة عن ذكر التيمّم، خصوصاً الروايات المتعرّضة لعدم التمكّن من الغسل يوم الجمعة مع تعرّضها لتقديمه و قضائه يوم السبت «2»، لعلّه في غير محلّه:

أمّا دعوى الانصراف فغير وجيهة، خصوصاً مع حصول نحو طهارة لمطلق الوضوء، بل الغسل، كما

ورد في رواية أصبغ: كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) إذا أراد أن يوبّخ الرجل يقول: «و اللّٰه لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة! فإنّه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأُخرىٰ» «3».

و في روايات استحباب الغسل لدخول مكّة «4» ما يُشعر بذلك. بل الظاهر أنّ كلّاً من الغسل و الوضوء ماهية واحدة موجبة لنحو طهارة؛ و إن كانت للطهارة مراتب. و كيف كان لا تتجه دعوى الانصراف.

و أمّا التأييد للانصراف بأنّ الحكمة في شرع بعضها التنظيف، ففيه: أنّ الظاهر من الروايات المشتملة على العلل، أنّ الوضوء و غسل الجنابة و غسل الميّت و غسل مسّه للتنظيف «5»، و معه لا يسوغ دعوى الانصراف.

و أمّا عدم التعرّض له في الروايات الواردة فيمن لا يتمكّن من الغسل،

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 315، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 6، الحديث 15.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 319، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 9 و 10.

(3) الكافي 3: 42/ 5، علل الشرائع: 285/ 2، المقنعة: 158، تهذيب الأحكام 3: 9/ 30، وسائل الشيعة 3: 318،

كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 7، الحديث 2.

(4) راجع وسائل الشيعة 13: 200، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف، الباب 5.

(5) علل الشرائع: 281/ 1 و 300/ 3، وسائل الشيعة 2: 478، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 2، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 392

ففيه: أنّ تلك الروايات واردة فيمن نسي الغسل يوم الجمعة و فوّته، و لم أرَ فيها عاجلًا فرض فقدان الماء إلّا في رواية واحدة «1» و لا يمكن رفع اليد عن إطلاق أدلّة البدلية «2» بمجرّد عدم التعرّض في رواية واحدة.

و أمّا روايات التقديم «3» فلا تشعر بالمقصود؛ لأنّه مع شرعيته لا تبقىٰ للبدلية مجال، تأمّل.

و كيف كان: فالأقوىٰ ما ذكرناه، و الأحوط الإتيان به رجاءً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 113/ 300، وسائل الشيعة 3: 321، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 10، الحديث 3.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 319، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 393

الأمر السابع في حكم اجتماع ميّت و جنب و محدث بالأصغر

إذا اجتمع ميّت و جنب و محدث بالأصغر، و معهم من الماء ما يكفي أحدهم، فإن كان ملكاً لأحدهم اختصّ به، و يحرم علىٰ غيره التصرّف فيه من غير رضاه. فإن كان المالك هو الميّت تعيّن صرفه فيه؛ لأنّه أولىٰ بماء غسله من غيره حتّى وارثه.

و إن كان لغيره فلا يبعد القول بجواز إيثاره علىٰ نفسه، لا لما قيل: «من عدم الدليل علىٰ وجوب حفظه حتّى مع العلم بعدم الإصابة في مثل المورد؛ لأنّ المتيقّن من الأدلّة اللبّية، إنّما هو حرمة تفويت التكليف بإراقة الماء و نحوه ممّا

يعدّ فراراً من التكليف، و أمّا حرمة صرفه في مقاصده العقلائيّة التي من أهمّها احترام موتاهم بتغسيلها فلا» «1» و ذلك لما عرفت في محلّه من دلالة الآية و غيرها علىٰ عدم جواز تعذير العبد نفسه «2»، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين المقامات.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 509/ السطر 28.

(2) تقدّم في الصفحة 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 394

و دعوى استفادة الحكم من الأدلّة المتفرّقة في تجويز التيمّم بخوف العطش و لو على الدوابّ «1» و في مورد الدخول في الركية «2» و غيرهما من الموارد «3» في غير محلّها.

كما أنّ دعوى جواز صرف الماء في مطلق المقاصد العقلائية، في غير محلّها.

بل لأنّ العقل الحاكم في مقام الإطاعة و كيفيتها، لا يرى ذلك مخالفة لأمر المولى.

توضيحه: أنّ المولى إذا أمر عبيده بشي ء، كتنظيف بدنهم حين الورود علىٰ محضره؛ بحيث يكون في تنظيف كلّ واحد منهم غرض إلزامي، و لم يوجد ماء كافٍ لجميعهم، و لم يمكن حصول أغراض المولى؛ لقصور الماء، و لم يكن في نظره فرق بين فعل النظافة منه و من غيره، و تركها كذلك، لا يعدّ العقل من آثر غيره علىٰ نفسه بإعطائه ماءه لإطاعة أمر المولى مخالفاً لأمره، بعد كون المولى واحداً، و العبيدِ كلّهم موظّفين بإطاعته.

و بالجملة: بعد كون العبيد لمولىً واحد، و عملهم لتحصيل غرضه، لا يفرّق العقل في مقام المزاحمة و عدم إمكان الجمع بين السقوط منه و من غيره، بل لو آثر غيره علىٰ نفسه لوصوله إلى المثوبة، يكون مأجوراً؛ للإيثار.

و أوضح منه ما إذا كان الماء مباحاً، فإنّ التخلية بينه و بين غيره و إيثاره علىٰ نفسه، حسن عقلًا، و ليس

مخالفاً لأمره؛ بعد أن لا يكون غرضه الإهمال في أمره، و التواني في إطاعته.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 388، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 25.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 343، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 342، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 395

و إن شئت قلت: إنّ حال العبيد بالنسبة إلىٰ إطاعة المولى الواحد في المزاحمة، كعبد واحد بالنسبة إلىٰ تكاليف متعدّدة متساوية في مقام المزاحمة، فكما يحكم العقل بعدم الترجيح في الثاني، يحكم بعدمه في الأوّل.

و ما ذكرناه و إن أمكن أن يكون بعيداً من الأذهان ابتداءً، لكن بالنظر و التأمل في الموالي العرفية و العبيد المأمورين بتحصيل أغراضهم، يرفع الاستبعاد.

و لا يبعد أن تكون الروايات الواردة في الباب، و ترجيح الجنب في مقام الدوران بين رفع الجنابة و رفع الحدث الأصغر و غسل الميّت و ترجيح رفع الحدث الأصغر من جماعة و رفع الجنابة من واحد؛ لأجل ما ذكرناه من اعتبار المكلّفين كأنّهم شخص واحد مأمور بتحصيل غرض المولى، و إلّا فلا وجه للترجيح في التكاليف المتعدّدة و الأشخاص المختلفة؛ لعدم التعارض بينها إلّا باعتبار ما ذكر، تأمّل.

ففي صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران: أنّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن ثلاثة نفر كانوا في سفر؛ أحدهم: جنب، و الثاني: ميّت، و الثالث: علىٰ غير وضوء، و حضرت الصلاة، و معهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء، و كيف يصنعون؟

قال: «يغتسل الجنب، و يدفن الميّت بتيمّم، و يتيمّم الذي هو علىٰ غير وضوء؛ لأنّ غسل الجنابة فريضة، و غسل الميّت سنّة، و التيمّم

للآخر جائز» «1».

______________________________

(1) الفقيه 1: 59/ 222، تهذيب الأحكام 1: 109/ 285، وسائل الشيعة 3: 375، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 396

و قريب منها رواية الحسين بن النضر الأرمني «1» إلّا أنّ فيها فرض ميّت و جنب، و

رواية الحسن التفليسي و في ذيلها: «إذا اجتمعت سُنّة و فريضة بدئ بالفرض» «2».

و

في موثّقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قوم كانوا في سفر، فأصاب بعضهم جنابة، و ليس معهم من الماء إلّا ما يكفي الجنب لغسله، يتوضّأون هم هو أفضل، أو يعطون الجنب فيغتسل و هم لا يتوضّأون؟ فقال: «يتوضّأون هم، و يتيمّم الجنب» «3».

و الظاهر أنّ وقوع المزاحمة و الترجيح بما ذكر، إنّما هو لكون المولى واحداً و العبيد كأنّهم واحد، كما أشرنا إليه تأمّل.

ثمّ إنّ مقتضىٰ ترك الاستفصال في الروايات عدم الفرق بين كون الماء مشتركاً بينهم، أو مختصّاً بأحدهم. كما أنّ الظاهر من التعليل هو كون الترجيح استحبابياً لا إلزامياً، كما يظهر من المحقّق الإجماع عليه «4»، علىٰ تأمّل. لكن

______________________________

(1)

قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن القوم يكونون في السفر فيموت منهم ميّت و معهم جنب و معهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهما أيّهما يبدأ به؟

قال: يغتسل الجنب، و يترك الميّت؛ لأنّ هذا فريضة و هذا سنّة.

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 82/ 19، علل الشرائع: 305/ 1، تهذيب الأحكام 1: 110/ 287، وسائل الشيعة 3: 376، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 1: 109/ 286، وسائل الشيعة 3: 376، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 3.

(3)

تهذيب الأحكام 1: 190/ 548، وسائل الشيعة 3: 375، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 2.

(4) انظر جواهر الكلام 5: 257، المعتبر 1: 406.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 397

العمل على الروايات إذا كان الميّت مالكاً، مشكل.

نعم، لا يبعد جواز العمل إذا كان شريكاً؛ لعدم لزوم إعطاء الشريك ماءه لتغسيله، و معه يكون ماؤه مثل ما يفسد ليومه يجوز التصرّف فيه و تقويمه، أو يرجع إلىٰ ورثته، و يجوز لهم التبرّع به لغسل الجنب. و أمّا حمل الروايات علىٰ كون الماء مباحاً أصليّاً، فغير ممكن.

و لا بأس بالعمل بموثّقة أبي بصير بعد كون الترجيح استحبابياً. و أمّا مرسلة محمّد بن علي «1» فمع ضعفها «2» و مخالفتها للمعتبرة و فتاوى الأصحاب «3»، لا يعوّل عليها.

______________________________

(1)

رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: الميّت و الجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء إلّا بقدر ما يكتفي به أحدهما، أيّهما أولى أن يجعل الماء له؟ قال: «يتيمّم الجنب و يغسل الميّت بالماء».

تهذيب الأحكام 1: 110/ 288، وسائل الشيعة 3: 376، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 18، الحديث 5.

(2) و الرواية مع إرسالها ضعيفة بعليّ بن محمّد القاشاني.

رجال الطوسي: 388/ 9، تنقيح المقال 2: 308/ السطر 15 (أبواب العين).

(3) النهاية: 50، المعتبر 1: 405، تحرير الأحكام 1: 22/ السطر 32، جامع المقاصد 1: 512.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 398

الأمر الثامن في حكم الجنب المتيمّم إذا أحدث بالأصغر

اشارة

إذا تيمّم الجنب بدلًا من الغسل، ثم أحدث بالأصغر، فعن المشهور: «أنّه أعاد بدلًا من الغسل، و لا يتوضّأ لو وجد ماءً

بقدر الوضوء» «1».

و عن السيّد في «شرح الرسالة»: «أنّ المجنب إذا تيمّم ثمّ أحدث حدثاً أصغر و وجد ما يكفيه للوضوء توضّأ؛ لأنّ حدثه الأوّل قد ارتفع، و جاء ما يوجب الصغرىٰ، و قد وجد من الماء ما يكفيه لها، فيجب عليه استعماله» «2» انتهىٰ.

و أجابوا عنه: «بقيام الإجماع علىٰ أنّ التيمّم ليس برافع، بل هو مبيح، و الجنابة باقية، و زالت الإباحة بالحدث الأصغر، فيجب عليه الغسل، و مع فقد الماء التيمّم بدله» «3».

و يظهر من الاستدلال و جوابه أنّ المسألة مبتنية على المسألة

______________________________

(1) المهذّب البارع 1: 217، كفاية الأحكام: 9/ السطر 18، جواهر الكلام 5: 260.

(2) انظر ذكرى الشيعة 2: 283.

(3) جامع المقاصد 1: 514، روض الجنان: 132/ السطر 8، جواهر الكلام 5: 260 261، مصباح الفقيه، الطهارة: 511/ السطر 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 399

المتقدّمة، و مع القول بالرافعية لا مجال للقول المشهور، و مع القول بالاستباحة لا مجال لقول السيّد. و لكن الأمر ليس كذلك؛ لإمكان القول بالرافعية إلىٰ غاية حصول الحدث، و إمكان القول بأنّه مبيح لا ترفع إباحته من حيث الجنابة بحدوث الأصغر، فلا بدّ من النظر في الأدلّة علىٰ كلا القولين:

فنقول: إنّ مقتضىٰ إطلاق أدلّة التنزيل و البدلية كتاباً «1» و سنّة «2»، قيام التيمّم مقام الغسل و الوضوء في جميع ما لهما من الآثار؛ سواء قلنا بطهوريته أو لا:

أمّا على الأوّل فواضح؛ لأنّ الطهور من الجنابة لا ينتقض إلّا بجنابة جديدة، نعم لو قام دليل خاصّ على انتقاضه بالحدث الأصغر، لالتزمنا بكونه طهوراً إلىٰ غاية، و إلّا فمقتضىٰ إطلاق الأدلّة طهوريته مطلقاً. و إنّما قلنا بكونه طهوراً للعاجز؛ لقيام الدليل على

الاغتسال بعد رفع العجز، كما تقدّم «3».

و أمّا على الاستباحة؛ فلأنّ غاية ما نرفع اليد به عن إطلاق الأدلّة و تنزيل التراب منزلة الماء بناءً علىٰ قيام دليل عقلي أو غيره علىٰ عدم الرفع هو عدم قيامه مقامه في الرافعية، فيكون الدليل الخارجي قرينة علىٰ أنّ المراد

بقوله: «هو أحد الطهورين»

هو أحد الطهورين تنزيلًا؛ أي بمنزلة الطهور، فيكون مقتضى الإطلاق أنّه طهور تعبّدي تنزيلي في جميع الآثار، فنزّل الشارع المقدّس الجنابة منزلة العدم، و التيمّم منزلة الطهور و الغسل، فكما أنّ الغسل و الطهور من الجنابة لا ينتقض بالأصغر، كذلك ما هو بمنزلته، بل هو هو في عالم التنزيل، فلا بدّ من قيام دليل علىٰ ذلك حتّى ترفع اليد عن الأدلّة.

______________________________

(1) النساء (4): 43، المائدة (5): 6.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23.

(3) تقدّم في الصفحة 370 372.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 400

و أمّا إنكار إطلاقها بدعوىٰ: أنّ أدلّة التنزيل ناظرة إلى التنزيل في أصل التحقّق، لا في الناقض، فيمكن أن يكون البول مثلًا ناقضاً، و لا إطلاق لها لرفع هذا الشكّ.

ففيه: أنّه إن كان المراد أنّ مفادها حصول الطهور، أو ما هو بمنزلته مطلقاً للفاقد، و يكون البول موجباً لحدوث جنابة جديدة، فهو مخالف للضرورة و الأدلّة، فلا بدّ من الالتزام بحصول الطهارة لموضوع خاصّ، مثل من لم يحدث، أو إلىٰ أمد خاصّ؛ أي إلىٰ حين الحدث، فيرجع إلى التقييد في موضوع الأدلّة الدالّة علىٰ أنّه طهور، كما لا يخفى.

و قد يقال: لا يبعد الالتزام بمقالة المشهور حتّى مع القول بطهورية التيمّم؛ بدعوىٰ أنّ الطهور الذي هو شرط في الصلاة صفة وجودية، و الحدث

أيضاً قذارة معنوية، فنلتزم بعدم المضادّة بين الوصفين ذاتاً، بل التنافي بين أثريهما، كما أنّ المسلوس طاهر و محدث حقيقة، و غسل الجنابة رافع لحدث الجنابة، و مفيد للطهارة التي هي شرط الصلاة، و أمّا التيمّم فإنّما يقوم مقام الغسل و الوضوء في الطهورية المسوّغة لاستباحة الغايات؛ أي المجامعة مع المانع، لا بصفة المانعية، و أمّا كونه بمنزلتهما في إزالة ذات المانع فالأدلّة قاصرة عن إثباته:

أمّا ما دلّ علىٰ أنّه طهور فواضح.

و أمّا ما دلّ علىٰ أنّ التراب بمنزلة الماء، فهو و إن اقتضىٰ عموم المنزلة، لكن العلم ببقاء الأثر في الجملة المقتضي لوجوب الغسل لدى القدرة، موجب لصرف الذهن عن إرادة التشبيه في إزالة الذات «1»، انتهىٰ ملخّصاً. ثمّ تأمّل و تردّد و أمر بالاحتياط.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 513/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 401

و لا يخفىٰ ما فيه؛ فإنّه مضافاً إلىٰ أنّ التضادّ بين الصفتين ارتكازي بين المتشرّعة، و أنّ القطرات غير الاختيارية في المسلوس و المبطون، ليست سبباً للحدث بمقتضى الجمع بين الأدلّة كما حقّق في محلّه «1» و أنّ الحدث مانع للصلاة، لا الطهارة شرط على الأقرب و إنّما أُمر بالطهارة لإزالة الجنابة و سائر الأحداث؛ و إن يوهم شرطيتَها بعضُ الأدلّة،

كقوله: «لا صلاة إلّا بطهور»

لكن مع تذيّله

بقوله: «و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار» «2»

يُدفع التوهّم، كما أشرنا إليه «3»، كما أنّ قوله تعالىٰ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «4» ظاهر في أنّ الأمر بالاغتسال لإزالة الجنابة أنّ إنكار دلالة الأدلّة علىٰ إزالة ذات المانع، في غير محلّه:

أمّا الآية الكريمة فمع تصديرها بقوله وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا الذي هو كالنصّ في أنّ الغسل

مزيل للجنابة و رافع لها، و ليس ذلك إلّا للتضادّ بين الوصفين تكون ظاهرة جدّاً في أنّ التيمّم أيضاً رافع عند فقدان الماء؛ لما تقدّم مراراً من استفادة عموم التنزيل منها «5» و لو لم تكن مذيّلة بقوله وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ و معه لا يبقى مجالُ تشكيكٍ فيه.

نعم، لو كان الدليل العقلي المعروف بينهم «6» تامّاً، لما كان بدّ من توجيهها

______________________________

(1) تقدّم في مسألة المسلوس و المبطون من مبحث الوضوء.

(2) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، و 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(3) تقدّم في الصفحة 363.

(4) المائدة (5): 6.

(5) تقدّم في الصفحة 27 و 30 و 221 و 314.

(6) تقدّم في الصفحة 224.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 402

و توجيه سائر الأدلّة التي هي كالنصّ في الطهورية «8». و لعلّ إعراض القوم عن هذا الظاهر و التزامهم بالاستباحة؛ لأجل المانع العقلي، كما هو المعوّل عليه من زمن شيخ الطائفة (رضى اللّٰه عنه) «9» و بعد ما تقدّم من تصوير الرافعية من غير لزوم إشكال عقلي «1»، لا يبقى مجال لردّ الأدلّة.

و العجب من دعوى وضوح عدم دلالة مثل

قوله: «التيمّم أحد الطهورين» «2»

و «إنّ اللّٰه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» «3»

علىٰ كونه مزيلًا لذات الجنابة! مع أنّ صَرف مثل تلك الأخبار عن الدلالة علىٰ إزالة قذارة الجنابة كما هو شأن الماء إلىٰ كونه في حكمها، كالطرح للأدلّة بلا موجب. و دلالة هذه الطائفة أوضح بمراتب من دلالة

قوله: «هو بمنزلة الماء» «4»

كما لا يخفى بأدنى تأمّل.

فالأدلّة دالّة على المقصود و لو قلنا بمقالة المشهور في مسألة الاستباحة و

الرفع «5».

نعم، هنا بعض الروايات استدلّ بها للقول المشهور «6»؛ ممّا لا داعي لنقلها و الجواب عنها بعد وضوح عدم دلالتها.

______________________________

(8) راجع وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23.

(9) الخلاف 1: 144.

(1) تقدّم في الصفحة 224.

(2) وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 2.

(5) راجع ما تقدّم في الصفحة 220.

(6) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 512/ السطر 17 و 30.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 403

بيان مقتضى القاعدة في المقام

ثمّ لو فرض قصور أدلّة التنزيل عن إثبات الحكم، فقد يقال: بأنّ مقتضى القاعدة الاحتياط؛ لكون الشكّ في المكلّف به، فيجب بعد الحدث الجمع بين التيمّم بدلًا من الغسل، و بين الوضوء أو التيمّم بدله «1».

و فيه: أنّ المرجع بعد الشكّ إلى استصحاب بقاء الطهور الحقيقي أو التنزيلي، و معه ينقّح موضوع الأدلّة الاجتهادية المستفاد منها بعد الجمع و التخصيص أنّ الطاهر من الجنابة إذا أحدث بالصغرىٰ، يجب عليه الوضوء. و لا يعارضه استصحاب عدم مشروعية الوضوء قبل التيمّم؛ لأنّ الشكّ في المشروعية و عدمها ناشئ عن بقاء الطهارة و عدمه، و استصحاب بقائها المنقّح لموضوع الأدلّة الاجتهادية حاكم عليه. هذا فيما إذا قلنا بحصول الطهارة حقيقةً واضح.

و كذا إذا قلنا بالاستباحة؛ لأنّ القائل بها لا يمكنه رفع اليد عن ظاهر الأدلّة المتواترة إلّا بما دلّ دليل عقلي أو نقلي علىٰ خلافه، فمع قيامه علىٰ عدم حصول الطهارة واقعاً، تحمل الأدلّة علىٰ حصول التنزيلية منها، فيكون معنىٰ

قوله: «التراب أحد الطهورين»

أنّه أحدهما حكماً، لكن بلسان

تحقّق الموضوع، و هو من أوضح موارد الحكومة، فكما أنّ

قوله: «التراب طهور»

حاكم علىٰ مثل

«لا صلاة إلّا بطهور»

و لو قلنا بأنّ الطهور تنزيلي، كذلك استصحابه ينقّح موضوع الأدلّة الاجتهادية الحاكمة علىٰ أنّ الحدث الأصغر لغير الجنب موجب للوضوء، فلا إشكال في المسألة؛ سواء قلنا بالرافعية كما هو الأقوىٰ، أو بالاستباحة.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 513/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 404

الأمر التاسع في بعض فروع انتقاض التيمّم مع التمكن من استعمال الماء

لا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2» في انتقاض التيمّم مع التمكّن من استعمال الماء و عدم العذر منه شرعاً و عقلًا، و مع فقده بعد ذلك افتُقر إلىٰ تجديده. كما لا إشكال في عدم انتقاضه بخروج الوقت، و لا بإتيان الصلاة، فما عن الشافعي من اختصاص أثر التيمّم بصلاة واحدة «3»، ضعيف. كما لا يعوَّل علىٰ رواية السكوني «4» المخالفة للروايات «5» و فتوى الأصحاب «6».

و إنّما الكلام في بعض الفروع:

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 377، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 19 و 20.

(2) الفقيه 1: 58، ذيل الحديث 3، المقنعة: 60 و 61، النهاية: 50، شرائع الإسلام 1: 42.

(3) انظر تذكرة الفقهاء 2: 203 204، الامّ 1: 47، المجموع 2: 293.

(4)

عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: لا يتمتّع بالتيمّم إلّا صلاة واحدة و نافلتها.

تهذيب الأحكام 1: 201/ 584، وسائل الشيعة 3: 380، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 20، الحديث 6.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 379، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 20.

(6) المقنعة: 60، جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضىٰ 3: 26، النهاية: 50، جواهر الكلام 5: 265.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 405

منها: لو تيمّمت

الحائض أو المستحاضة تيمّمين بدلًا من الغسل و الوضوء، فوجدت ماءً يكفي لواحد منهما لا كليهما، فلا يخلو إمّا أن تعلم بأهمّية أحدهما المعيّن المعلوم كالغسل أهمّيةً إلزاميةً، أو تحتمل ذلك، أو تعلم بأهمّية أحدهما المعيّن واقعاً و لا تعرفه، أو تحتمل ذلك، أو تعلم بتساويهما:

فعلى الأوّل: ينتقض ما هو بدل الأهمّ؛ لحصول التمكّن من استعمال الماء له، و لا ينتقض بدل المهمّ؛ للعذر عن استعماله له.

و على الثاني: ينتقض محتمل الأهمّية بناءً على انتقاضهما مع التساوي، كما يأتي للعلم التفصيلي بانتقاضه؛ إمّا لكونه أهمّ، فيختصّ بالانتقاض، أو لتساويهما فينتقضان، و الآخر محتمل الانتقاض، فيستصحب بقاؤه.

و على الثالث و الرابع: يحصل العلم بانتقاض أحدهما و بقاء أحدهما، فيجب عليها التيمّمان لو قلنا باختلاف كيفيتهما، و تكتفي بواحد بقصد ما في الذمّة لو قلنا باتحادهما كيفيّة، كما هو الأقوىٰ. و كذا مع احتمال الأهمّية في كلّ واحد منهما.

و مع إحراز تساويهما ينتقض التيمّمان؛ لكونها قادرة علىٰ كلّ واحد من الغسل و الوضوء؛ و إن لم تكن قادرة على الجمع، و القدرة عليه ليست موضوعة للحكم، بل القدرة علىٰ كلّ واحد موجبة لانتقاضه، و هي حاصلة. و هذا بوجه نظير باب المتزاحمين؛ حيث قلنا: بأنّه لو ترك المكلّف إنقاذ الغريقين، يستحقّ العقوبة علىٰ ترك كلٍّ منهما؛ للقدرة علىٰ إنقاذه و إن لم يقدر على الجمع، و هو ليس بمأمور به «1».

ثمّ إنّه قد يقال: «مع إحراز أهمّية الغسل لو توضّأت صحّ وضوؤها؛ لقاعدة

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 29 30، تهذيب الأُصول 1: 311.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 406

الترتّب، و مقتضاها انتقاض ما هو بدل من الوضوء أيضاً علىٰ تقدير ترك الغسل. و

لو أتلفت الماء انتقض التيمّمان» «1».

و فيه: مضافاً إلىٰ ما حرّرنا في محلّه من بطلان الترتّب «2» أنّ انتقاض التيمّم في المقام نصّاً و فتوى، متوقّف على القدرة الفعلية على استعمال الماء للوضوء، و عدمِ محذور فيه، و هي لم تحصل إلّا باستعمال مقدار من الماء للوضوء أو غيره، أو إتلافِ مقدار منه؛ بحيث خرجت البقيّة عن إمكان الاغتسال بها، فحينئذٍ لو استعملت الماء لغير الوضوء، أو أتلفته ثمّ توضّأت بالبقيّة، صحّ وضوؤها. لكن هذا الفرض خارج عن محطّ الكلام.

و أمّا لو استعملت في الوضوء، فما لم يخرج الماء عن إمكان الاغتسال به، لم ينتقض تيمّمها؛ لكونها غير قادرة على استعماله في الوضوء؛ لبقاء العذر و لزوم تقديم الأهمّ.

و إذا تعذّر بالاستعمال كما لو تعذّر بعد غسل وجهها للوضوء انتقض تيمّمها، فلا يمكن أن يقع ذلك الوضوء صحيحاً؛ لحصول الانتقاض بعد غسل الوجه و صيرورتها محدثة أثناء الوضوء، نظير حدوث الحدث أثناءه.

و بالجملة: انتقاض التيمّم حصل بالوضوء و في أثنائه، فلا يقع صحيحاً، و ذلك من غير فرق بين القول برافعية التيمّم حقيقةً أو حكماً، كما لا يخفى وجهه بالتأمل.

ثمّ إنّ إتلاف الماء لا يوجب انتقاض التيمّم بدل الوضوء إلّا أن يكون تدريجياً؛ بحيث تقدر على الوضوء بعد سلب قدرتها عن الغسل. و أمّا لو أتلفته دفعة، فلا موجب لانتقاض بدل الأصغر بعد فرض أهمّية الأكبر؛ لأنّها قبل التلف

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 514/ السطر 20.

(2) مناهج الوصول 2: 30، تهذيب الأُصول 1: 314.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 407

لم تكن قادرة على استعماله في الوضوء، و بالتلف تسلب القدرة عنهما دفعة، فلا وجه لانتقاض ما هو بدل الأصغر، فإطلاق القول

بانتقاضهما بالإتلاف محلّ إشكال و منع.

و قد يقال في فرض عدم الأهمّية: «إنّهما ينتقضان إن تركت استعماله فيهما إلىٰ أن يمضي زمان تتمكّن فيه من فعل كلٍّ من الطهارتين؛ لقدرتها علىٰ كلٍّ منهما علىٰ تقدير ترك الآخر، و قد تحقّق التقدير في الفرض. و أمّا علىٰ تقدير استعماله في أحدهما، فالظاهر عدم انتقاض ما هو بدل من الآخر؛ لعدم قدرتها على الإتيان بمبدله علىٰ تقدير صرف الماء فيما استعملت بمقتضىٰ تكليفها» «1».

و فيه: أنّ مضي الزمان بمقدار العمل لا دخالة له في قدرتها، بل هي حاصلة في أوّل زمان وجدان الماء الجائز الاستعمال شرعاً و عقلًا؛ فإنّ القدرة علىٰ كلٍّ منهما ليست معلّقة علىٰ ترك الآخر، بل فعله رافع للقدرة؛ لأجل المزاحمة عقلًا بينهما، فالقدرة قبل الاشتغال بالعملين حاصلة بالنسبة إلىٰ كلٍّ من العملين، و بالاشتغال بأحدهما ترفع عن الآخر ما دام الاشتغال، أو مع نقصان الماء بالاستعمال.

و منه يظهر النظر في كلامه الأخير أي عدم الانتقاض علىٰ تقدير الاستعمال في صاحبه لأنّ القدرة كانت حاصلة لكلٍّ منهما قبل الاشتغال بالآخر، و لا يشترط في الانتقاض إلّا ذلك.

فالأقوى انتقاضهما بمجرّد الوجدان و القدرة على الاستعمال قبل الاشتغال بأحدهما، و لا تأثير للاشتغال به في عدم الانتقاض.

و العجب أنّ القائل بالتفصيل في هذا الفرع لم يفصّل في الفرع الآخر! فقال

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 514/ السطر 22.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 2، ص: 408

«لو وجد جماعة ماءً يباح لهم التصرّف فيه، فإن تمكّن كلٌّ منهم من التصرّف فيه علىٰ وجه سائغ من غير أن يزاحمه غيره، انتقض تيمّم الجميع، و إلّا انتقض تيمّم المتمكّن خاصّة» «1» انتهىٰ.

و كان عليه التفصيل المتقدّم؛ من مضي

زمان بمقدار العمل مع تركهم الاستعمال، و مع استعمال أحدهم حين الوجدان يلتزم بعدم الانتقاض.

إلّا أن يقال: إنّ مراده ذلك، و لم يصرّح به لإيكاله إلى الوضوح بعد بيان الفرع المتقدّم، فيرد عليه ما تقدّم.

و الحمدُ للّٰه أوّلًا و آخراً، و ظاهراً و باطناً. و قد وقع الفراغ من هذه الوجيزة في 11 شهر شعبان المعظّم، سنة 1376.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 514/ السطر 27.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.