مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 12

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 12/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

مقدمة المؤلف

______________________________

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الحج (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ وَ الصَّلاةُ وَ السَّلامُ عَلى أشْرَفِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطّاهِرِينَ).

الحج: هو القصد و السعي إلى شي ء، غلب في اصطلاح الكتاب و السنة و المسلمين على القصد إلى بيت اللّه تعالى لإتيان أعمال خاصة في أوقات مخصوصة.

و ينبغي تقديم أمور:

الأول: حسن السعي إلى معالم المعبود و مشاعره و إتيان مراسم العبودية فيها من فطريات كل عابد بالنسبة إلى معبوده، و لا تختص بملة دون أخرى، و الشوق إلى معالم المحبوب فطريّ لكل حبيب، و إلا لكان في أصل الحبّ خلل، و تكون دعوى المحبة باطلة، و لذا كان البيت المعمور في السماء الرابعة مزدحما بالملائكة بحيث كل من طاف منهم حوله مرّة لا تصل إليه النوبة مرة أخرى إلى الأبد، و الكعبة المقدسة مزدحم طواف الملائكة و المسلمين من البشر يسعون إليها بوله و عشق و انقطاع.

و يرون تحمّل جميع المتاعب خفيفة في جنب الوصول إلى أهمّ معالم ربّهم و مشاعره و لا يزال في ازدياد عاما بعد عام، و بيت المقدس مقصد أهل الكتاب، و هناك معالم أخر موجودة على ظهر الأرض يقصدنها عبّادها.

و لقد كان الطواف حول البيت العتيق و هذا المحلّ الرفيع قبل هبوط آدم و خلقه، ففي الصحيح عن الصادق (عليه السلام): «لما أفاض آدم من منى تلقته الملائكة، فقالت: يا آدم برّ حجك فأنّا قد حججنا هذا البيت قبل أن تحجه بألفي عام» (1). و لا يدرى أنّ هذه الأعوام من أعوامنا التي كل يوم و ليلة منها أربع و عشرون

ص: 5


1- الوسائل باب: 1 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 6.

..........

______________________________

ساعة، أو من الأعوام التي كل يوم فيها خمسون سنة، و إنّ يوما عند ربّك خمسون سنة، أو من الأيام التي هي خمسون ألف سنة، و إنّ يوما عند ربّك خمسين ألف سنة و كل محتمل، و إن كان المنساق هو الأول.

الثاني: كلما ضبطته الكتب في فضل البيت العتيق و الطواف حوله، و الوقوف في تلك المشاعر العظام ليس إلا كقطرة من البحر و لمعة من الشمس. و مذا يقال في بيت جعله اللّه مباركا و هدى للعالمين. و «استعبد اللّه به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثهم على تعظيمه و زيارته و جعله محل أنبيائه، و قبلة للمصلّين له، فهو شعبة من رضوانه و طريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال و مجمع العظمة و الجلال، خلقه اللّه قبل دحو الأرض بألفي عام، فأحقّ من أطيع فيما أمر و انتهى عما نهى عنه (1).

و ما ذا يقال في بيت من نظر إليه لم يزل تكتب له حسنة و تمحى عنه سيئة حتى ينصرف بصره عنه.

و ما ذا يقال في بيت أحد أركانه يمين اللّه في أرضه يصافح بها خلقه، و أنّه باب من أبواب الجنة لم يغلقه اللّه تعالى منذ فتحه، و أنّ عليه ملك موكل منذ خلق اللّه السّماوات و الأرض ليس له عمل إلّا التأمين على دعائكم، و عنده نهر من أنهار الجنة تلقى فيه أعمال العباد عند كل خميس.

و قال نبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله): «و ما أتيت الركن اليمانيّ إلا وجدت جبرئيل قد سبقني إليه يلتزمه» (2).

و في ركن آخر حجر استودع اللّه تعالى فيه ميثاق عبادة إذ أخذ ميثاقهم، كما في قوله تعالى وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ (3) ..

الثالث: تشريع الحج كان بعد هبوط آدم بمباشرة جبرئيل، ففي خبر أبي إبراهيم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لما بلغ الوقت الذي يريد اللّه عزّ و جلّ أن

ص: 6


1- الوسائل: باب: 1 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 10.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب الطواف حديث: 3.
3- راجع الروايات في تفسير آية المباركة (127) من سورة البقرة في ضمن البحوث المتعلقة بها في المجلد الثاني من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.

..........

______________________________

يتوب على آدم أرسل إليه جبرئيل، قال: السلام عليك يا آدم الصابر ليلته، التائب عن خطيئته، إنّ اللّه عزّ و جلّ بعثني إليك لأعلّمك المناسك التي تطهر بها- أي التي يريد اللّه أن يتوب بها عليك- فأخذ جبرئيل (عليه السلام): بيد آدم (عليه السلام) حتّى أتى به مكان البيت .. الحديث».

و الأخبار في ذلك كثيرة، و قد واظب الأنبياء على الحج بعد أبيهم آدم (عليه السلام)، قال أبو الحسن (عليه السلام): «إنّ سفينة نوح كانت مأمورة طافت بالبيت حتّى غرقت الأرض ثمَّ أتت منى في أيامها» (1).

و أما إبراهيم و إسماعيل فلقد تحملا المشاق في الحج و تشعير المشاعر بما ذكر في القرآن، و فصّل ذلك في الروايات المستفيضة بين الفريقين، قال الصادق (عليه السلام): «أمر اللّه عزّ و جلّ إبراهيم (عليه السلام) أن يحج و يحج بإسماعيل معه فحجا على جمل أحمر و ما معهما إلا جبرئيل- و الخبر طويل-» (2).

فالتشريع وقع ثانيا اهتماما بالقضية بالوحي السماويّ و أمين الوحي و النبيّ الجليل الخليل، و قد تقدم في طواف سفينة نوح التي كانت مأمورة.

و قال أبو جعفر (عليه السلام): «حج موسى بن عمران و معه سبعون نبيا من بني إسرائيل خطم إبلهم من ليف، يلبّون و تجيبهم الجبال، و على موسى عباءتان قطوانيان يقول: لبيك عبدك و ابن عبدك» (3)، و مر «يونس بن متى بصفائح الروحاء و هو يقول: لبيك كشاف الكرب العظام لبيك، و مر عيسى بن مريم بصفائح الروحاء، و هو يقول: لبيك عبدك و ابن أمتك لبيك، و مر محمد (صلّى اللّه عليه و آله) بصفائح الروحاء و هو يقول: لبيك ذا المعارج لبيك» (4).

ص: 7


1- الوسائل باب: 2 من أبواب أقسام الحج حديث: 20.
2- الوافي باب: 11 من أبواب بدو المشاعر و المناسك حديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب أقسام الحج حديث: 23.
4- الوسائل باب: 40 من أبواب الإحرام حديث: 8 و 6.

..........

______________________________

و عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ سليمان بن داود قد حج البيت في الجنّ و الإنس، و الطير و الرياح و كسى البيت القباطي» (1).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «صلى في مسجد الخيف سبعمائة نبيّ، و إنّ ما بين الركن و المقام لمشحون بقبور الأنبياء» (2).

فيرجى من المسلمين الاهتمام بهذا الأمر العظيم الذي اهتمّ به جميع الأنبياء و المرسلين. و قد أفرد المحدّثون و المؤرخون من المسلمين ما يتعلق بحج خاتم النبيين مؤلفات و أبوابا مستقلة.

و المستفاد من مجموع الأخبار المستفيضة في الحج أن تشريعه وقع ثلاث مرّات.

الأول: بعد هبوط آدم.

الثاني: في زمان النبيّ الجليل إبراهيم الخليل.

الثالث: بعد بعثة نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله)، و لا اختلاف بينها.

نعم، تشريع حج التمتع وقع في حجة الوداع و لم يفصّل أحكام الحج و العمرة من نبيّ و لا وصيّ كما فصّله خليفة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أبو عبد اللّه جعفر بن محمد (عليهما السلام) حتى قال أبو حنيفة النعمان بن ثابت إمام الحنفية: «لو لا جعفر بن محمد (عليه السلام) ما علم الناس مناسك حجهم».

و قد بذل الفقهاء رفع اللّه شأنهم كمال جهدهم في تفريعات الأحكام بحسب الأدلة الواصلة إليهم و القواعد المعتبرة لديهم، و مع ذلك كل سنة ترد فروع محدثة ليس لها في كتب فقه الفريقين ذكر و لا أثر، و كيف لا يكون كذلك فقد ورد في صحيح زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): جعلني اللّه فداك أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني، قال (عليه السلام): يا زرارة بيت حج إليه قبل آدم بألفي عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاما» (3).

ص: 8


1- الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 12.

..........

______________________________

و قال في الجواهر: «كما أنّه ينبغي التفقه في الحج فإنّه كثير الأجزاء جم المطالب وافر المقاصد، و هو مع ذلك غير مأنوس و غير متكرّر، و أكثر الناس يأتونه على ضجر و ملالة سفر و ضيق وقت و اشتغال قلب، مع أنّ الناس لا يحسنون العبادات المتكرّرة اليومية مثل الطهارة و الصلاة مع الفهم لها و مداومتهم عليها و كثرة العارفين بها، حتى أنّ الرجل منهم يمضي عليه الخمسون سنة و الأكثر و لا يحسن الوضوء فضلا عن الصلاة فكيف بالحج الذي هو عبادة غير مألوفة لا عهد للمكلف بها مع كثرة مسائلها و تشعب أحكامها و أطولها ذيلا».

الرابع: إنّ سفر الحج- كما هو من الأسفار الجسمانية- سفر روحاني أيضا، لأنّه الوفود إلى اللّه عزّ و جلّ و التشرف ببيته تعالى و مشاعره العظام و الاستفادة من الإفاضات المعنوية المفاضة من ربّ العالمين على الواقفين في تلك المواقف المباركة و الطائفين حول الكعبة المقدّسة، و قد وردت في الشريعة المقدّسة آداب كثيرة لمطلق السفر من جميع الجهات المتعلقة به لعلنا نشير إلى بعضها في آخر الكتاب، و لا بد في سفر الحج من ملاحظة الآداب الروحانية أيضا، إذ السفر سفر روحانيّ، و أهمّ الأمور في هذا السفر التوبة عن المعاصي قبله و حين التلبس به، و ملازمة الهدوء و الوقار و السكينة، و الاهتمام بالواجبات و ترك المحرّمات، و الانقلاع عن المعاصي و العلائق، و الانقطاع إلى ربّ الخلائق و التخلق بأخلاق اللّه تعالى.

و هذه هي الهدية التي يهدي بها إلى اللّه تعالى، ليست الهدية إنعام تراق دماؤها في منى و في حريم حرم اللّه عزّ و جلّ لتصريحه تعالى بأنّها لا اعتبار بها، فقال عزّ و جلّ:

لَنْ يَنالَ اللّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ (1).

و التلبس بمخالفة المحبوب عند زيارته و الورود إلى بيته مما ينكره كل ذي شعور، فإذا كانت القلوب محجوبة عن اللّه تعالى لأجل النفاق و الشقاق و المعاصي فكيف يطاف بها حول البيت و توقف بها في المواقف، فعن أئمة الدّين «من حج بمال

ص: 9


1- سورة الحج: 37.

..........

______________________________

حرام نودي عند التلبية لا لبيك عبدي و لا سعديك» (1).

الخامس: من أعظم مظاهر عزّ الربوبية و ذل العبودية الذي لا يتصوّر أعظم منه أبدا إنّما هو الحشر الأكبر الذي يعمّ جميع الأنبياء و أممهم و قد تحيّرت عقول الحكماء العارفين في خصوصيات هذا العالم العظيم، و أشير إلى بعض جهاتها في القرآن الكريم، و جعل الحج نموذجا لذلك، و قد سمّي الحج بالحشر الأصغر، و كتب العلماء رسائل في وجوه المطابقة بين الحشرين- من الفقهاء و العرفاء- و أحسنوا و أجادوا (رضوان اللّه عليهم أجمعين)، و قد استفادوا ذلك مما شرحه أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة في خطبته (2) التي هي من جلائل خطبه الشريفة و قد ذكر فيها أسرار الحج، و من أهمّها تذكر الحشر الأكبر الذي يرد على جميع أفراد البشر فيتذكر من خلع الثياب و لبس ثياب الإحرام، و الوقوف في موقف واحد التوشح بالأكفان و الحشر في صعيد واحد، و من السعي و الطواف اضطراب الناس في المحشر فيطلبون ملجأ و ملاذا إلى غير ذلك مما يتوجه إليه العاقل الملتفت إلى الأهوال التي ترد عليه في الحشر.

ثمَّ إنّ من أهمّ الأمور النوعية التي لا بد للحجاج من مراعاتها إظهار محاسن تحمّل الأذى حتّى يصير جميع أهل الجمع كنفس واحدة. و من أهمّها أيضا سعي النّاس لقضاء الحوائج بعضهم عن بعض، فإنّ لذلك فضل عظيم في هذا الجمع، فعن الخثعمي: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّا إذا قدمنا مكة ذهب أصحابي يطوفون و يتركوني أحفظ متاعهم؟ قال (عليه السلام): أنت أعظم أجرا» (3). و قال (عليه السلام) أيضا: من أماط أذى عن طريق مكة كتب اللّه له حسنة، و من كتب له حسنة لم يعذّبه» (4). إلى غير ذلك مما يحتاج شرحه إلى وضع كتاب مستقل.

ص: 10


1- الوسائل باب: 52 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1.
2- نهج البلاغة ص: 405.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الطواف حديث: 1.
4- الوسائل باب: 47 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 1.

كتاب الحج

اشارة

كتاب الحج

فصل من أركان الدّين: الحج

اشارة

فصل من أركان الدّين: الحج (1) و هو واجب على كل من استجمع الشرائط الآتية، من الرجال و النساء و الخناثى، بالكتاب، و السنة و الإجماع من جميع المسلمين، بل بالضرورة و منكره في سلك الكافرين (2)، و تاركه عمدا

______________________________

فصل

(1) بنصوص مستفيضة بين الفريقين، و إجماع المسلمين منها قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «بني الإسلام على خمس: على الصلاة، و الزكاة، و الحج، و الصوم، و الولاية» (1)، و روت العامة عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) بطرق مختلفة: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللّه، و أنّ محمّدا (صلّى اللّه عليه و آله) رسول اللّه، و إقام الصّلاة، و إيتاء الزكاة، و الحج و صوم شهر رمضان» (2).

(2) لما نسب إلى المشهور من أنّ إنكار الضروريّ له موضوعية في الكفر و لو لم يرجع إلى إنكار الألوهية و الرسالة.

و أما بناء على أنّه لا موضوعية له فلا يوجب الكفر- الذي له أحكام خاصة و آثار مخصوصة- و إن كان كفرا بحسب بعض مراتبه، لأنّ للكفر و الإيمان مراتب كثيرة.

ص: 11


1- الوسائل باب: 1 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.
2- راجع صحيح البخاري ج: 1 كتاب الإيمان باب: 2.

مستخفا به بمنزلتهم (1)، و تركه من غير استخفاف من الكبائر (2).

______________________________

(1) الاستخفاف له مراتب: الأولى الإنكار استخفافا به و هذا يرجع إلى أصل الإنكار، بل يكون أشدّ منه من جهة الاستخفاف.

الثانية: الاستخفاف بالفورية مع الإقرار و الاعتقاد بأصل الوجوب ثمَّ الإتيان به و لا دليل على كونه كفرا، بل مقتضى الأصل عدمه. نعم، عدّ الاستخفاف بالحج من الكبائر، كما في خبر فضل بن شاذان و غيره (1)- على ما سيأتي- فإن انطبق على ترك الفورية يكون كبيرة بمقتضى هذا الخبر.

الثالثة: الاستخفاف بأصل الإتيان مع الاعتقاد بأصل الوجوب و عدم الإتيان به و لا ريب في كونه من الكبائر. و أما كونه موجبا للكفر، فمقتضى الأصل و إطلاق ما دل على أنّ الإقرار بالشهادتين إسلام (2) عدم كونه موجبا له.

الرابعة: الاستهزاء ببعض أعماله- كالرمي، و الهرولة و نحوهما- أو بأصله مع الإتيان به، و مقتضى الأصل و الإطلاق عدم كونه موجبا للكفر و إن كان ذلك معصية بل من الكبائر إن شمل الاستخفاف لمثل ذلك. و مع الشك فمقتضى الأصل عدم كونه منها. هذا بحسب القاعدة.

و أما بحسب الأخبار الخاصة فقد أطلق على تارك الحج اليهودي و النصراني، فيما ورد عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «من مات و لم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا» (3) و مثله غيره فلا اختصاص لها بالاستخفاف بل يشمل مطلق من ترك الحج بلا عذر و يأتي ما يتعلق به.

(2) لقاعدة أنّ ترك كل واجب من الكبائر المستفادة من الأخبار خصوصا في الحج، و الصلاة، لكثرة الاهتمام بهما، مضافا إلى ظهور إجماعهم عليه في المقام.

ص: 12


1- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 33 و 36.
2- راجع الكافي كتاب الإيمان و الكفر ج: 2 صفحة: 25 ط: طهران.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب وجوب الحج حديث: 5.

و لا يجب في أصل الشرع إلا مرة واحدة في تمام العمر (1)، و هو المسمّى

______________________________

ثمَّ إنّه قد مرّ أنّ الكفر له مراتب، كما أنّ الإيمان كذلك أيضا، و مجرّد إطلاق الكفر، أو اليهودي، أو النصراني على مسلم في الأخبار لا يوجب ترتب آثار الكافر عليه من حرمة تزويجه بالمسلم، و عدم جواز دفنه في مقابر المسلمين إلى غير ذلك من الآثار الكثيرة مع إقراره بالشهادتين و التزامه بأحكام الإسلام ظاهرا. فمثل هذا الكفر جهتيّ لا من كل جهة، و قد أطلق الكفر على الرشاء في الأحكام (1) و بعض المعاصي الأخر أيضا. و لا يخفى أنّ استحقاق العقاب في صورة ترك الفورية و الاستخفاف ثابت بلا إشكال، و لكن فعلية العقاب متوقفة على عدم التكفير و عدم التوبة أو نحوهما مما يسقط الاستحقاق عن الوصول إلى مرتبة الفعلية فلا ملازمة بين أصل الاستحقاق و فعلية العقاب.

و أما قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ذريح المحاربي: «من مات و لم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا» (2) فالمنساق منه ترك أصل الحج لا لعذر، كما أنّ المراد بذيله تشبيهه بالكفار من هذه الجهة حيث إنهم لا يحجون حجنا لا أنّه يهوديّ أو نصرانيّ من كل جهة، فإنّه مخالف للإجماع على أنّ مرتكب الكبيرة من المسلمين فاسق و ليس بكافر، مضافا إلى صحيح ابن جعفر الصريح في أنّ تارك الحج ليس كافر: «قلت: فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال (عليه السلام): لا، و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر» (3).

(1) بضرورة المذهب بل الدّين.

ص: 13


1- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

بحجة الإسلام، أي: الحج الذي بني عليه الإسلام، مثل الصلاة و الصوم و الخمس و الزكاة. و ما نقل عن الصدوق في العلل: من وجوبه على أهل الجدة كلّ عام- على فرض ثبوته- شاذ مخالف للإجماع و الأخبار (1)، و لا بد من حمله على بعض المحامل- كالأخبار الواردة بهذا المضمون (2)- من إرادة الاستحباب المؤكد، أو الوجوب على البدل (3) بمعنى: أنّه يجب عليه في عامه، و إذا تركه ففي العام الثاني و هكذا، و يمكن حملها على الوجوب الكفائي، فإنّه لا يبعد وجوب الحج كفاية على كل أحد في كل عام إذا كان

______________________________

(1) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «كلّفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك» (1)، و عن الرضا (عليه السلام) عن خبر ابن سنان «إنّما أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك لأنّ اللّه تعالى وضع الفرائض على أدنى القوم قوّة» (2).

(2) و هي أخبار كثيرة منها قول موسى بن جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن جعفر: «إنّ اللّه عزّ و جلّ فرض الحج على أهل الجدة في كل عام، و ذلك قوله عزّ و جل وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا- الحديث-» (3).

و صحيح أبي جرير القمي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «الحج فرض على أهل الجدة في كل عام (4)، و مثله رواية ابن منصور (5). و نسب إلى الصدوق (رحمه اللّه) العمل بها و هو من منفرداته.

(3) نسب الوجهان إلى الشيخ رحمه اللّه و يمكن أن يقال، بل لعله الظاهر إنّ المراد وجوب الحج في كل عام حدثت فيه الاستطاعة و الجدة و عدم تأخيره إلى العام الآخر. فهذه الأخبار من أدلة الفورية لا أن تكون في مقام إثبات حكم آخر.

ص: 14


1- الوسائل باب: 3 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.

متمكنا، بحيث لا تبقى مكة خالية عن الحجاج، لجملة من الأخبار الدالة على أنّه لا يجوز تعطيل الكعبة على الحج، و الأخبار الدالة على أنّ على الإمام- كما في بعضها- و على الوالي- كما في آخر- أن يجبر الناس على الحج و المقام في مكة و زيارة الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) و المقام عنده، و أنّه إن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال (1).

______________________________

(1) أما عدم جواز تعطيل الكعبة فلجملة من الأخبار، منها قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «كان عليّ (عليه السلام) يقول لولده: يا بني انظروا بيت ربّكم فلا يخلونّ منكم فلا تناظروا» (1).

و أما ما دل على الإجبار فقوله (عليه السلام) أيضا في الصحيح: «لو عطل الناس الحج لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحج إن شاءوا و إن أبوا، فإنّ هذا البيت إنّما وضع للحج» (2).

و عنه (عليه السلام) في الصحيح أيضا: «لو أنّ الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك و على المقام عنده، و لو تركوا زيارة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك و على المقام عنده، فإن لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين» (3).

ثمَّ إنّه لا وجه لحمل كلام الصدوق (رحمه اللّه) على الوجوب الكفائي و لا على الوجوب البدلي، لفرض أنّه ذهب- على ما نسب إليه- إلى الوجوب العينيّ على أهل الجدة في كل عام و ادعى ظهور هذه الأخبار فيه، و الوجوب الكفائي أو البدلي مناف لظاهر قوله (رحمه اللّه): «نعم لا بأس بحمل الأخبار على ذلك» إن لم يكن حمل آخر أحسن منه كما قلناه.

ص: 15


1- الوسائل باب: 4 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.

مسألة 1: لا خلاف في أنّ وجوب الحج- بعد تحقق الشرائط- فوريّ

(مسألة 1): لا خلاف في أنّ وجوب الحج- بعد تحقق الشرائط- فوريّ بمعنى: أنّه يجب المبادرة إليه في العام الأول من الاستطاعة، فلا يجوز تأخيره عنه، و إن تركه فيه ففي العام الثاني، و هكذا (1)، و يدل عليه جملة من الأخبار. و لو خالف و أخر- مع وجود الشرائط- بلا عذر يكون عاصيا، بل لا يبعد كونه كبيرة، كما صرّح به جماعة (2)، و يمكن استفادته من جملة من

______________________________

(1) للنصوص، و الإجماع، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا قدر الرجل على ما يحج به ثمَّ دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام»(1)، و عنه (عليه السلام) في صحيح ابن عمار: «قال اللّه تعالى: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة و إن كان سوّفه للتجارة فلا يسعه، و إن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا هو يجد ما يحج به» (2).

(2) البحث في كونه كبيرة تارة: بحسب الأصل. و أخرى: بحسب الإجماع و ثالثة: بحسب الأدلة، و رابعة: بحسب كلمات فقهائنا الأخيار.

أما الأول: فمقتضى الأصل عدم كون المعصية كبيرة إلا بدليل يدل عليه سواء كان الفرق بينهما بالشدة و الضعف أم بالتباين. أما على الأول فمعلوم، لأصالة البراءة عن ترتب آثار الأكثر كما في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ و الأكثر. و أما على الثاني، فلما ثبت في محلّه من جريان الأصل في الأثر، لأنّه في أطراف العلم بلا معارض، فأصل العصيان معلوم و خصوصية الكبيرة منفية بالأصل.

نعم، لو قيل بأنّ كل معصية كبيرة إلا ما دلّ الدليل على الخلاف تثبت الكبيرة في المقام حينئذ، لكنه من مجرّد الدعوى بلا دليل، بل الدليل على خلافه. و تقدم في بحث العدالة ما ينفع المقام.

و أما الثاني: فيظهر من المسالك عدم الخلاف في كون ترك الفورية كبيرة، و في

ص: 16


1- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

..........

______________________________

الاكتفاء به في إثبات الحكم المخالف للأصل إشكال بل منع، مع أنّ الغالب لا يوفقون لإتيانه في أول سنة استطاعتهم.

و أما الثالثة: فاستدل عليه تارة بإطلاق قوله تعالى وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (1). و أخرى: بما ورد في حديث شرائع الدّين حيث عدّ فيه الاستخفاف بالحج من الكبائر (2) و مثله خبر الفضل فيما كتبه الرضا (عليه السلام) إلى المأمون عدّ الاستخفاف به من الكبائر (3)، و ما ورد في عدّ ترك ما فرضه اللّه من الكبائر (4)، و ما روي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): من أنّ «كل ذنب عظيم» (5)، و ما ورد من أنّه: «من مات و لم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا» (6).

و الكل قابل للخدشة:

أما الأول فلأنّ الكفر بمعنى: كفران النعمة لا الكفر الاصطلاحي و هو يحصل بفعل الصغيرة، بل بترك بعض المندوبات أو فعل بعض المكروهات.

و أما الثاني: فلأنّ الاستخفاف له مراتب، و مقتضى الأصل عدم حصول الكبيرة به إلا بالمرتبة الأخيرة و هي الاستخفاف المؤدي إلى الترك.

و أما الثالث: فالمراد بما فرضه اللّه أي: فرضه في القرآن بقرينة سائر الأخبار- على ما سيأتي في محلّه- و الفورية ليست من الفرائض القرآنية.

و أما الرابع: فلا ريب في أنّ كل ذنب عظيم إن لوحظ من حيث مخالفة اللّه تعالى، كما لا ريب في أنّ للعظم مراتب مختلفة و ليس كل عظيم كبيرة بل هي بعض أقسامه.

و أما الأخير: فظهوره في أصل الترك مما لا ينكر فلا دليل على أنّ التسويف مع البناء على الإتيان من الكبائر، و لكن الأحوط إجراء حكمها عليه لجزم المحقق في

ص: 17


1- سورة آل عمران: 97 و راجع ما يتعلق بتفسير الآية الشريفة في مواهب الرحمن في تفسير القرآن
2- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 36.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 33.
4- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 2.
5- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 5.
6- الوسائل باب: 7 من أبواب وجوب الحج حديث: 5.

الأخبار (1).

مسألة 2: لو توقف إدراك الحج- بعد حصول الاستطاعة- على مقدّمات

(مسألة 2): لو توقف إدراك الحج- بعد حصول الاستطاعة- على مقدّمات: من السفر و تهيئة أسبابه، وجبت المبادرة إلى إتيانها (2) على وجه يدرك الحج في تلك السنة (3) و لو تعددت الرفقة، و تمكن من المسير مع كل منهم، اختار أوثقهم سلامة و إدراكا، و لو وجدت واحدة و لم يعلم حصول أخرى، أو لم يعلم التمكن من المسير و الإدراك للحج بالتأخير فهل يجب الخروج مع الأولى، أو يجوز التأخير إلى الأخرى بمجرّد احتمال الإدراك، أو لا يجوز إلا مع الوثوق؟ أقوال: أقواها الأخير (4).

و على أيّ تقدير إذا لم يخرج مع الأولى، و اتفق عدم التمكن من المسير، أو عدم إدراك الحج بسبب التأخير استقرّ عليه الحج، و إن لم يكن آثما بالتأخير، لأنّه كان متمكنا من الخروج مع الأولى إلا إذا تبيّن عدم إدراكه لو سار معهم أيضا.

______________________________

الشرائع به و دعوى عدم الخلاف من المسالك في ذلك.

و أما الرابعة: فالكلمات مختلفة مضطربة فراجع المطولات تجدها كذلك.

(1) هي الأخبار التي تعرّضنا لها و تقدم عدم دلالتها على أنّ ترك الفورية كبيرة فراجع و تأمل.

(2) لحرمة ما يوجب تفويت الواجب في ظرفه، و لوجوب المقدمة عقلا.

(3) للحفظ على الفورية مهما أمكن.

(4) المناط في ذلك كله حصول الاطمئنان المتعارف بالوصول إلى المقصود كما في سائر الأسفار للحوائج المتعارفة، و لا دليل على لزوم اختيار الأوثق سلامة مع وجود مرجح آخر في غيره، فكل قافلة أمكن المسير معها للحج وجب مع التعين و يتخيّر مع التعدد إن كان التخيير بحسب المعهود بين الناس، و مع التأخير و فوت الحج يستقر عليه الحج، لأنّه كان متمكنا من السير عرفا و لم يذهب، و يأثم في صورة تعين القافلة

ص: 18

..........

______________________________

و السير معها لعدم جواز التأخير حينئذ كما مر. و لا يأثم في صورة التعدد، و جواز التأخير و استقرار الحج يدور مدار التمكن العرفي من الذهاب و عدمه، فالمرجع في تشخيص التمكن و عدمه هو العرف فمع حكمه به يستقر الحج، و مع عدم حكمه به أو شكه فيه لا يستقر، و الظاهر أنّ المسألة من العرفيات لا من التعبديات أو الموضوعات المستنبطة حتى يكون لحكم الشرع أو نظر الفقيه دخلا فيها. فلا وجه للتطويل فيها و نقل أقوال الفقهاء خصوصا في هذه العصور التي صار هذا السفر مضبوطا من جملة من الجهات.

فالأقسام ثلاثة:

الأول: تعمد صدق التأخير و التفريط عرفا و لا ريب في استقرار الحج، و تحقق الإثم.

الثاني: صدق عدم التعمد و عدم التفرى و لا ريب في عدم الاستقرار و عدم الإثم.

الثالث: الشك في ذلك عرفا بحيث تتحيّر المتشرعة و لم تجزم بأحدهما و مقتضى الأصل عدم الإثم و عدم الاستقرار.

إن قيل: نسب إلى المشهور أنّه مع الشك في القدرة وجب الاحتياط فيكون الأحوط هنا استقرار الحج في صورة الشك أيضا.

يقال أولا: إن أصل هذا البحث محلّ الخلاف، كما ثبت في الأصول. و ثانيا:

إنّ الاستقرار معلق على صورة التعمد في التأخير و هو مشكوك.

و خلاصة القول: إنّه مع وحدة القافلة الخارجة إلى الحج يتعيّن الخروج معها، و مع التعدد و الوثوق بالجميع يتخيّر في الخروج مع أيّها شاء، و مع الاختلاف في الوثوق و عدمه يتعيّن الخروج مع من يثق. هذا بالنسبة إلى الإسفار القديمة. و أما في هذه العصور فجملة من هذه الفروع ساقطة.

ص: 19

فصل في شرائط وجوب حجة الإسلام

اشارة

فصل في شرائط وجوب حجة الإسلام و هي أمور:

أحدها: الكمال بالبلوغ و العقل

اشارة

أحدها: الكمال بالبلوغ و العقل (1)، فلا يجب على الصبيّ و إن كان مراهقا (2)، و لا على المجنون و إن كان أدواريا، إذا لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الأعمال (3). و لو حج الصبيّ لم يجز عن حجة الإسلام، و إن قلنا بصحة عباداته و شرعيتها كما هو الأقوى (4)، و كان واجدا لجميع الشرائط سوى

______________________________

فصل في شرائط وجوب حجة الإسلام

(1) بضرورة من المذهب إن لم يكن من الدّين، و حديث رفع القلم بالنسبة إليهما سواء كان المراد رفع قلم أصل التشريع أم رفع المؤاخذة الكاشف عن رفع الوجوب، فعن عليّ (عليه السلام): «إنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبيّ حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ» (1).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبيّ الذي لم يبلغ- إلى أن قال- و قد رفع عنهما القلم» (2) غيرهما، و لنصوص خاصة في الصبيّ يأتي التعرض لبعضها.

(2) لشمول إطلاق الدليل له أيضا.

(3) بل يجزي في السقوط عدم وفاء دور الإفاقة بتهيئة المقدّمات المفوّتة، لشمول إطلاق دليل السقوط عنه لهذه الصورة أيضا.

(4) لما تقدم مكرّرا في هذا الكتاب من شمول إطلاقات أدلة التشريع له أيضا. و إنّما المرفوع هو المؤاخذة على الترك لا أصل الصحة.

ص: 20


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب قصاص النفس حديث: 2.

البلوغ ففي خبر مسمع عن الصادق (عليه السلام): «لو أنّ غلاما حج عشر حجج ثمَّ احتلم كان عليه فريضة الإسلام»، و في خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام): «عن ابن عشر سنين يحج؟ قال (عليه السلام):

عليه حجة الإسلام إذا احتلم، و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت» (1).

مسألة 1: يستحب للصبيّ المميّز أن يحج و إن لم يكن مجزئا عن حجة الإسلام

(مسألة 1): يستحب للصبيّ المميّز أن يحج (2) و إن لم يكن مجزئا عن حجة الإسلام (3). و لكن هل يتوقف ذلك على إذن الوليّ أو لا؟ المشهور- بل قيل: لا خلاف فيه- أنّه مشروط بإذنه، لاستتباعه المال في بعض الأحوال للهدي و الكفارة، و لأنّه عبادة متلقاة من الشرع مخالف للأصل، فيجب الاقتصار فيه على المتيقن، و فيه أنّه ليس تصرفا ماليا (4) و إن كان ربما يستتبع

______________________________

(1) و كذا خبر ابن شهاب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن ابن عشر سنين يحج، قال (عليه السلام): عليه حجة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت» (1)، و أما قوله (عليه السلام): «الصبيّ إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر» (2)، فالمراد به درك الثواب، أو الحج المشروع في حقه لا الحج الذي بني عليه الإسلام و ما هو المعهود بين المسلمين.

(2) أما أصل صحة حج المميّز فلا إشكال فيه إجماعا. و أما استحبابه فيكفي فيه العمومات المرغبة إلى الحج- كما تقدم- إذ لا قصور فيها عن الشمول له بعد أن كان المنساق من حديث رفع القلم رفع الإلزام و المؤاخذة لا أصل التشريع، و يدل عليه ظواهر الأخبار الخاصة التي تقدم بعضها الآخر، و يشهد له ما ورد في استحباب الإحجاج بغير المميّز.

(3) للإجماع، و النصوص التي تقدم بعضها.

(4) لأنّ المنساق من التصرف المالي ما كان مورد المال أولا و بالذات كالبيع

ص: 21


1- الوسائل باب: 12 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

..........

______________________________

و الشراء و نحوهما، و حيث إنّ المسألة ابتلائية و لا تختص بسفر الحج بل تشمل جميع الأسفار الراجحة بل المباحة و غير السفر أيضا فلا بد من التعرض لما يتعلق بها من الأقسام و الأحكام فنقول: إنّ التصرف فيما يتعلق به أقسام:

الأول: تصرفاته في نفسه كأفعاله- كالحركة، و السكون، و القيام و القعود، و الصلاة، و الصوم و سائر الطاعات و العبادات- و لا ريب في صحتها بل قد ورد تمرينهم على الصلاة و الصوم (1)- و نحو ذلك من الأمور الاختيارية و غيرها.

الثاني: تصرفاته في نفسه من التنظيف و إزالة المنفرات و نحو ذلك.

الثالث: تصرفاته في حفظ نفسه من الحر، و البرد، و دفع المؤذيات و نحو ذلك.

و مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية للوليّ على الصبيّ في هذه الأمور، فيصح بدون إذنهن، بل و مع نهيه أيضا إلا إذا كان عبادة و كان إتيانها إيذاء له فتفسد من جهة النهي في العبادة و هو مشكل أيضا، لأنّ الظاهر من النهي الموجب لبطلان العبادة ما كان موجبا للحرمة التكليفية و المفروض أنّه لا حرمة و لا تكليف بالنسبة إلى الصبيّ فمن أين يحصل الفساد؟! و يأتي التعرض للخبر الذي استدلوا به على الفساد و الجواب عنه.

الرابع: حيازته للمباحات.

الخامس: تصرفاته في ماله لحوائجه الضرورية كشربه من مائه، و سكونه في منزله، و ركوبه سيارته إلى غير ذلك.

السادس: تصرفاته في ماله للحوائج المتعارفة غير الضرورية كإعطاء الصدقات اللائقة بشأنه، و ذهابه إلى الحج المندوب و الزيارات إلى غير ذلك و مقتضى الأصل و الإطلاقات عدم صحة تصرفاته في هذه الموارد الثلاثة على إذن الوليّ أيضا.

هذا كلّه مع عدم المفسدة، و أما مع وجودها فالكل باطل لا أثر له.

السابع: مطلق عقوده و إيقاعاته قوليّا كان أو فعليا كالمعاطاة- مثلا- أي: ما يتضمن الحكم الوضعيّ من التمليك، و التملك و الإباحة و الزوجية، و التحرير و نحو

ص: 22


1- راجع ج: 7 من هذا الكتاب صفحة: 327.

..........

______________________________

ذلك. و نسب إلى المشهور عدم الصحة حتى مع إذن الوليّ سابقا أو إجازته لاحقا.

و قد ذكرنا في كتاب البيع في شرائط المتعاوضين أنّ إقامة الدليل على ما نسب إليهم مشكل جدّا فراجع، كما أنّ إقامة الدليل على ما في المقام من توقف صحة تصرفات الصبيّ في مال أو في نفسه على إذن الوليّ أشكل، لأنّ غاية ما يمكن أن يستدل به أمور:

الأول: دعوى عدم الخلاف في خصوص المقام.

الثاني: قول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) في خبر ابن مسلم: «أنت و مالك لأبيك» (1).

الثالث: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه و أمره، و من صلاح العبد طاعته و نصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه و أمره، و من برّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعا، و لا يصلّي تطوّعا إلا بإذن أبويه و أمرهما. و إلا كان الضيف جاهلا و كانت المرأة عاصية، و كان العبد فاسقا، و كان الولد عاقا» (2).

الرابع: جميع الأدلة التي استدل بها على حجر الصغير من الكتاب و السنة مما يأتي التعرض لها في كتاب الحجر إن شاء اللّه تعالى.

و الكل مخدوش: أما الأول فعلى فرض تحققه فالمتيقن منه ما إذا كان تصرفه يأتي التعرض لها في كتاب الحجر إن شاء اللّه تعالى.

و الكل مخدوش: أما الأول فعلى فرض تحققه فالمتيقن منه ما إذا كان تصرفه على خلاف الطريقة المألوفة العقلائية و المتشرعة فلا يشمل تصرفاته المتعارفة الصحيحة لدى المتشرعة الي ربما يمدحونه لها فالعرف، و العقل لا يحكم بفسادها، و الأدلة الشرعية قاصرة عن إثبات الفساد كما يأتي.

و أما الثاني: فهو حكم تشريفيّ أدبيّ، مع أنّ الظاهر أنّ الولد كان بالغا فلا ربط له بالمقام و يأتي في [مسألة 58] ما يرتبط بالمقام.

ص: 23


1- الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الصوم المحرّم و المكروه حديث: 2 و 3.

..........

______________________________

و أما الثالث: ففيه أنّه ليس المراد من العقوق ما هو من الكبائر، إذ للعقوق مراتب كثيرة، كما في الحديث: من «أنّ أدنى العقوق- أن تقول لهما- أف» (1)، مع أنّ ظاهر الحديث اعتبار أمر الوالدين في صحة تطوع الولد و الالتزام به مشكل جدّا، مع أنّ وجوب إطاعتهما في مطلق مقترحاتهما النفسانية ما لم يكن في البين جهة راجحة شرعية أو الكلام.

و أما الأخير فالمتأمل في مجموع ما ورد في حجر الصغير يدل على أنّ المناط إنّما هو صرفه المال فيما لا ينبغي كما هو الغالب في الصغار حيث لا يرون لأنفسهم تكليفا و لا عقوبة و لا يتوجهون إلى العواقب و المصالح و المفاسد، و هذا الشأن موجود في الغافلين من الكبار فضلا عن الصغار، و لكن لو حجر الشارع عليهم لعمت البلية نوع البرية، و لا يشمل دليل الحجر ما إذا كان صرف الصغير لماله فيما ينبغي له و كما ينبغي عند المتشرعة.

إن قيل: طنّ صرف الصغير ماله فيما لا ينبغي حكمة للحجر لا علته فيشمل الحجر ما إذا صرفه فيما ينبغي أيضا.

يقال: إنّ الحجر مطلقا مخالف لقاعدة السلطنة التي هي أهمّ القواعد النظامية فلا بد و أن يقتصر فيه على المتيقن من الأدلة لبية كانت أو لفظية. و لا ثمرة عملية لهذه المسألة أصلا. أما بالنسبة إلى الحكم الوضعي و هو الضمان لو تصرف الصغير في ماله فلا وجه لها، إذ لا يعقل ضمان الشخص لمال نفسه على نفسه. و أما بالنسبة إلى الحكم التكليفي، فهو منفيّ لفرض الصغر فعمله صحيح بلا محذور فيه. و يمكن أن يستفاد مما ورد في وصية البالغ عشرا في البر، و المعروف (2) كما يأتي في كتاب الوصية إن شاء اللّه تعالى أمور فراجع و تأمّل.

ثمَّ إنّ نهي الوالدين للولد عن إتيان عمل مندوب شي ء، و اعتبار إذن الوليّ في تصرف الصغير في ماله شي ء آخر، و الأول يشمل الأم أيضا و الأخير يختص بالأب و الصغير، و قد خلط بعض الفقهاء في تعبيراتهم بينهما فراجع.

ص: 24


1- الوسائل باب: 104 من أبواب أحكام الأولاد.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الوصية حديث: 1.

المال و أنّ العمومات كافية في صحته و شرعيته مطلقا، فالأقوى عدم الاشتراط في صحته، و إن وجب الاستئذان في بعض الصور (1). و أما البالغ فلا يعتبر في حجه المندوب إذن الأبوين (2)، إن لم يكن مستلزما للسفر المشتمل على الخطر الموجب لأذيتهما (3)،

______________________________

(1) كما إذا كان السفر موجبا لأذيتهما كما يأتي في البالغ.

(2) للأصل، و الإطلاق و قاعدة السلطنة.

(3) لحرمة إيذاء الوالدين بالأدلة الأربعة، بل يحرم إيذاء كل مؤمن فكيف بهما.

و أما قول أبي عبد اللّه (عليه السّلام) في خبر هشام بن الحكم: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه- إلى أن قال (صلّى اللّه عليه و آله)- و من برّ الولد أن لا يصوم تطوعا، و لا يصلي تطوعا إلا بإذن أبويه و أمرهما و إلا كان الضيف جاهلا- إلى أن قال (صلّى اللّه عليه و آله)- و كان الولد عاق» (1) ففيه- مضافا إلى قصور سنده بأحمد بن هلال- قصور دلالته أيضا عن إثبات الحرمة، إذ العقوق كما مر له مراتب كثيرة لا يحرم جميع مراتبه بل المتيقن منهما و هي المشتملة على الإيذاء من حيث الشفقة على النحو المتعارف، لا الشفقة على نحو الخيال و الوسوسة و بلا داع عقلائي صحيح.

فروع- (الأول): لا فرق فيما ذكر بين سفر الحج و سائر الأسفار الراجحة كالسفر لتحصيل أحكام الدّين، و زيارة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و الأئمة، و زيارة الأرحام، و قضاء حاجة المؤمن و نحو ذلك.

(الثاني): لو سافر الولد لأمر راجح ديني و لم يعلم به الوالدان، أو علما به بعد الرجوع يصح و لا شي ء عليه، لأنّ الأذية مانعة لا أن يكون الإذن شرطا.

ص: 25


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الصوم المحرّم و المكروه حديث: 3.

و أما في حجه الواجب فلا إشكال (1).

مسألة 2: يستحب للوليّ أن يحرم بالصبيّ غير المميّز

(مسألة 2): يستحب للوليّ أن يحرم بالصبيّ غير المميّز بلا خلاف، لجملة من الأخبار (2). بل و كذا الصبية (3) و إن استشكل فيها صاحب

______________________________

(الثالث): المناط في المانعية الأذية الفعلية لا التقديرية، فلو كان السفر محفوفا بعوارض لو علما بها لحصلت الأذية لهما قطعا و لكن حيث لم يعلما لم تحصل الأذية لا بأس به.

(الرابع): لو نهيا عن السفر لمكان أذيتهما به و سافر الكبير يتم صلاته و لا يصح حجه، للنهي المنجز بالنسبة إليه. و أما إن سافر الصغير يقصّر في الصلاة و يصح حجه، لعدم تنجز النهي لأجل صغره.

(1) لأنّه: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1).

(2) منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن الحجاج قال:

«قلت له: إنّ معنا صبيا مولدا فكيف نصنع؟ فقال (عليه السلام) مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها فأتتها فسألتها كيف تصنع؟، فقال: إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه و جرّدوه، و غسّلوه كما يجرّد المحرم، وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه، و احلقوا رأسه، ثمَّ زوروا به البيت، و مري الجارية أن تطوف به بالبيت و بين الصفا و المروة» (2).

و في صحيح ابن عمار عنه (عليه السلام) أيضا: «انظروا من كان معكم من الصبيان فقدّموه إلى الجحفة أو إلى بطن مرّ يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم و يرمي عنهم، و من لا يجد الهدى منهم فليصم عنه وليه» (3).

و هذا نحو تمرين بهذا العمل العظيم يمرن الصبيان به اهتماما بالعمل كما هو شأن الأعمال المهمة العظيمة.

(3) إذ الظاهر أنّ ذكر الصبيّ في الأخبار من باب المثال لا الخصوصية مع أنّ لفظ الصبيان في الاستعمالات المتعارفة يستعمل في الأعمّ منهما.

ص: 26


1- الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج حديث: 70.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 3.

المستند (1). و كذا المجنون (2) و إن كان لا يخلو عن إشكال، لعدم نصّ فيه بالخصوص، فيستحق الثواب عليه (3).

و المراد بالإحرام به جعله محرما لا أن يحرم عنه (4) فيلبسه ثوبي

______________________________

(1) لاشتمال الأدلة على الصبيّ، و إلحاق الصبية به يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

(و فيه): ما مرّ من أنّ ذكره من باب المثال «مع أنّ لفظ الصبيان يستعمل في الاستعمالات المتعارفة في الأعمّ منهما، و كذا الصبية في موثق يعقوب: «إنّ معي صبية صغارا، و أنا أخاف عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال: ائت بهم العرج فليحرموا منها» (1).

و الإشكال عليه بأنّ المراد حج الصبية لا الحج بهم مخالف لظاهر قوله (عليه السلام): «ائت بهم العرج»، و لا بأس بالتمسك بقاعدة «إلحاق الإناث بالذكور فيما لهم و عليهم إلا ما خرج بالدليل» و توهم اختصاصها بخصوص التكاليف المتوجهة إلى نفسهم لا ما توجه إلى وليهم مخالف لظهور الإطلاق.

(2) على المشهور بين الأصحاب، لما مرّ من أنّ ذكر الصبيّ في الأخبار من باب المثال فيشمل كل من لم يكن مكلفا، و لكن الأولى فيهما قصد الرجاء.

(3) لأنّ امتثال الأمر العباديّ يوجب استحقاق الثواب، و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن سنان: «مرّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) برويثة و هو حاج فقامت إليه امرأة و معها صبيّ لها فقالت: يا رسول اللّه أ يحج عن مثل هذا؟

قال: نعم، و لك أجره» (2). هذا مضافا إلى ما يظهر من الأخبار من توسعة الثواب في الحج بجميع شؤونه و نواحيه، و تقدمت بعض الأخبار الدالة عليه في المقدمة.

(4) لأنّه نيابة، و ظاهر الأدلة الإحرام به لا النيابة عنه.

ص: 27


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 7.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 2.

الإحرام (1) و يقول: «اللهم إنّي أحرمت هذا الصبيّ ..» (2) و يأمره بالتلبية، بمعنى: أن يلقنه إيّاها، و إن لم يكن قابلا يلبّي عنه، و يجنّبه عن كل ما يجب على المحرم الاجتناب عنه، و يأمره بكل فعل من أفعال الحج يتمكن منه، و ينوب عنه في كل ما لا يتمكن، و يطوف به، و يسعى به بين الصّفا و المروة، و يقف به في عرفات و منى، و يأمره بالرمي، و إن لم يقدر يرمي عنه، و هكذا يأمره بصلاة الطواف، و إن لم يقدر يصلّي عنه (3).

______________________________

(1) لأنّه المتفاهم من الأدلة عرفا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «و ما يصنع بهم بالمحرم» (1)، و في خبر أيوب: «كان أبي يجرّدهم من فخ» (2).

و أما صحيح ابن الحجاج: «فأحرموا عنه و جرّدوه» (3) فلا بد من حمل قوله (عليه السلام): «فأحرموا عنه» على نية ذلك و قصده لا النيابة عنه في تمام الأعمال بقرينة قوله (عليه السلام): «و جرّدوه»، و في خبر ابن الفضيل عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): «عن الصبيّ متى يحرم به؟ قال (عليه السلام) إذا أثغر» (4).

(2) لما يأتي في [مسألة 12] من (فصل كيفية الإحرام) من استحباب التلفظ بالنية فراجع، و مقتضى الإطلاق شموله للمقام أيضا.

(3) كل ذلك، لأنّه لا معنى لإحجاج غير المميّز. إلا هذا فيأتي بما يقدر هو عليه، و يؤتي عنه بما لا يقدر عليه، مع ما يظهر من الأدلة من جواز النيابة في جميع ما ورد في أحكام الحج بعد ملاحظة المجموع و لا بأس بالتمسك بقاعدة الميسور أيضا، مضافا إلى قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح زرارة: «إذا حج الرجل بابنه- و هو صغير- فإنّه يأمره أن يلبّي، و يفرض الحج. فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه، و يطاف به، و يصلي عنه، قلت: ليس لهم ما يذبحون قال (عليه السلام):

ص: 28


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 3.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 6.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 8.

و لا بد من أن يكون طاهرا، و متوضئا و لو بصورة الوضوء (1)، و إن لم يمكن فيتوضأ هو عنه، و يحلق رأسه، و هكذا جميع الأعمال.

مسألة 3: لا يلزم كون الوليّ محرما في الإحرام بالصبيّ

(مسألة 3): لا يلزم كون الوليّ محرما في الإحرام بالصبيّ بل يجوز له ذلك و إن كان محلا (2).

مسألة 4: المشهور على أنّ المراد بالولي- في الإحرام بالصبيّ الغير المميّز- الوليّ الشرعيّ

(مسألة 4): المشهور على أنّ المراد بالولي- في الإحرام بالصبيّ الغير المميّز- الوليّ الشرعيّ (3)، من الأب و الجدّ، و الوصيّ لأحدهما، و الحاكم، و أمينه، أو وكيل أحد المذكورين، لا مثل العم، و الخال، و نحوهما، و الأجنبيّ. نعم، ألحقوا بالمذكورين، الام و إن لم تكن وليّا شرعيّا، للنص الخاص (4) فيها. قالوا: لأنّ الحكم على خلاف القاعدة، فاللازم الاقتصار

______________________________

يذبح عن الصغار، و يصوم الكبار، و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب و إن قتل صيدا فعلى أبيه» (1).

(1) لأنّ ذلك مقتضى القاعدة المستفادة من النصوص من إتيان الصبيّ مباشرة بالمقدور و إتيان النائب عنه بالمعذور و هو المطابق للمرتكزات في الأعمال التي يمرّن الصبيان عليها اهتماما بالعمل حتى يكبر عليه الصبيان و يشيب عليه الشبان.

(2) للأصل. و الإطلاق، و الاتفاق.

(3) لذكر لفظ الوليّ في صحيح ابن عمار (2)، لأنّ الحكم مخالف للأصل فلا بد فيه من الاقتصار على المتيقن، و لأنّه المنساق من الأدلة في هذا العمل المشتمل على الكلفة بحيث لا يحتملها غير الوليّ.

(4) تقدم في خبر ابن سنان قوله (عليه السلام): «فقامت إليه امرأة و معها صبّي لها»، و يحتمل التعميم فيه لاحتمال أن تكون المرأة مرضعة لا أن تكون أما نسبيا و قد كانت المواضع كثيرة جدّا في تلك العصور.

ص: 29


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.
2- تقدم في صفحة: 26.

على المذكورين، فلا يترتب أحكام الإحرام إذا كان المتصدّي غيره، و لكن لا يبعد كون المراد الأعمّ منهم و من يتولّى أمر الصبيّ و يتكفّله و إن لم يكن وليّا شرعيّا، لقوله (عليه السلام): «قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مر ..» فإنّه يشمل غير الوليّ الشرعيّ أيضا (1) و أما في المميّز فاللازم إذن الوليّ الشرعيّ إن اعتبرنا في صحة إحرامه الإذن.

مسألة 5: النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الوليّ لا من مال الصبيّ

(مسألة 5): النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الوليّ لا من مال الصبيّ (2) إلا إذا كان حفظه موقوفا على السّفر به، أو يكون السفر مصلحة له (3).

مسألة 6: الهدي على الوليّ، و كذا كفارة الصيد إذا صاد الصبيّ

(مسألة 6): الهدي على الوليّ، و كذا كفارة الصيد إذا صاد الصبيّ (4).

______________________________

(1) نعم، الإطلاق ثابت، و لكن القرينة على التقييد موجودة و هي قلة المسافرة بصبيّ الغير خصوصا في الأسفار القديمة المشتملة على المتاعب و المشقات الكثيرة، و خصوصا في كلفة الإحرام به.

(2) لأصالة عدم ولايته على التصرف في مثل هذه الأمور.

(3) لأنّهما حينئذ من مصالحه، و للوليّ الولاية في أن يصرف مال المولى عليه فيما يتعلق بمصالحه، و لكن لا بد من تقييده بما إذا كان حفظه موقوفا على السفر به، و أن لا تكون نفقة الحج به زائدة على نفقة مطلق السفر، و إلا فلا يجوز له أخذ الزائد للأصل.

(4) على المشهور فيهما، لأصالة عدم ولاية الوليّ على إخراجهما من ماله، و أصالة عدم التعلق بمال الصبيّ بعد قصور أدلة المقام عن إثبات ذلك، و يدل على الأول أنّ معنى الإحجاج به القيام بما هو من لوازم الحج شرعا- من الهدي و نحوه- و لا يقال في العرف أحج زيد بعمرو إلّا أن قام بجميع الجهات المتعلقة بحجه.

و يقوى ذلك في غير المميز و الولي، لأنّ غير المميز كالآلة المحضة و السبب الوحيد هو الوليّ، و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في موثق ابن عمار: «سألته عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام قال: قل لهم يغتسلون، ثمَّ

ص: 30

و أما الكفارات الأخر المختصة بالعمد، فهل هي أيضا على الوليّ أو في مال الصبيّ، أو لا تجب الكفارة في غير الصيد، لأن عمد الصبيّ خطأ، و المفروض أنّ تلك الكفّارات لا تثبت في صورة الخطإ؟ وجوه لا يبعد قوة الأخير، إما لذلك و إما لانصراف أدلّتها عن الصبيّ (1) لكن الأحوط تكفل الوليّ، بل لا يترك الاحتياط، بل هو الأقوى لأنّ قوله (عليه السلام): «عمد الصبيّ خطأ»

______________________________

«يحرمون و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم» (1).

و أما قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار: «و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه» (2) فلا يدل على كون الهدي على الصبيّ لاحتمال أن يكون المراد عدم وجدان الوليّ لأن يذبح عنهم. أو هذا الاحتمال يكفي في سقوط الاستدلال به على الحكم المخالف للأصل، كما أنّ قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة: «يذبح عن الصغار، و يصوم الكبار» (3) أعمّ من أن يكون الذبح من مال الصغير، أو من مال الوليّ فلا يصح الاستدلال لواحد منهما.

و يدل على أنّ كفارة الصيد من مال الوليّ ما تقدم في صحيح زرارة: «و إن قتل صيدا فعلى أبيه» (4) فما عن التذكرة من أنّها في ماله، و ما عن السّرائر من أنّه لا كفارة فيه لا على نفسه و لا على الوليّ، لا وجه له.

(1) بدعوى: أنّ الكفارات العمدية مجازاة للذنب و لا ذنب بالنسبة إلى الصبيّ بخلاف كفارة الصيد، فإنّها من الضمان بلا فرق فيها بين الصبيان و غيرهم.

نعم دل الدليل على أنّه على الوليّ كما مرّ، و قدم الشارع هنا التسبيب على المباشر، لقوّة السبب بالنسبة إلى المباشر كما هو معلوم.

ص: 31


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 3.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.

مختص بالدّيات (1)، و الانصراف ممنوع (2)، و إلا فيلزم الالتزام به في الصيد أيضا.

______________________________

(1) بقرينة قول عليّ (عليه السلام): «عمد الصبيّ خطأ تحمله العاقلة» (1)و شيوع استعمالها في الجنايات في الكتاب و السنة، و بناء العرف و العقلاء، و الفقهاء على اعتبار قصد الصبيان في أفعالهم و أقوالهم و ترتيب الأثر على أفعالهم و أقوالهم القصدية إلا ما خرج بتعبد من الشارع فراجع ما ذكرناه في معاملة الصبيّ، و إسلامه، و عباداته، و حيازته و غير ذلك مما هو كثير جدّا.

(2) لأنّ الكفارات مطلقا من سنخ الوضعيات التي لا فرق فيها بين البالغين و غيرهم إلا إذا قام دليل معتبر على العدم، و يمكن أن يكون ما ورد في الصيد من باب المثال الشامل لجميع الكفارات، بل يمكن أن يستفاد من قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة: «و يتقي عليهم ما يتقي على المحرم» (2) أنّ لازم عدم الاتقاء و هو الكفارة متوجه إلى الولي، كما أنّ خطاب الاتقاء متوجه إليه. و يمكن أن يجعل ذلك موافقا لقاعدة «تقديم السبب على المباشر» لقوة السبب عرفا و شرعا كما لا يخفى.

فروع- (الأول): لا فرق في استحباب إحجاج الوليّ للصبيّ بين كونه مميزا أو غير مميز، لإطلاق الأدلة و اشتمال بعضها على الصغار و هو شامل للجميع، و لكن الأحوط في المميّز قصد الرجاء.

(الثاني): يصح للولي أن ينذر إحجاج صبيه مميزا كان أم لا مطلقا لعموم دليل النذر و إطلاقه مع كون المتعلق راجحا.

(الثالث): لو أحج بالصبيّ و لم يطف عنه طواف النساء، فالظاهر حرمة النساء عليه عند بلوغه، لعموم دليل حرمتهنّ بتركه بعد تحقق الإحرام الشرعي.

ص: 32


1- الوسائل باب: 26 من أبواب قصاص النفس حديث: 2.
2- تقدم في صفحة: 28.
مسألة 7: قد عرفت أنّه لو حج الصبيّ عشر مرّات لم يجز عن حجة الإسلام

(مسألة 7): قد عرفت أنّه لو حج الصبيّ عشر مرّات لم يجز عن حجة الإسلام بل يجب عليه بعد البلوغ و الاستطاعة لكن استثنى المشهور من ذلك:

ما لو بلغ و أدرك المشعر، فإنّه حينئذ يجزئ عن حجة الإسلام، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه (1)، و كذا إذا حج المجنون ندبا (2)، ثمَّ كمل قبل المشعر و استدلوا على ذلك بوجوه:

______________________________

(1) ادعاه العلامة في التذكرة، و الشيخ في الخلاف.

(2) على المشهور، بل المتسالم عليه بين جميع الفقهاء من عدم الفرق بين الصبيّ و المجنون في ذلك، فيلزم منه أن يكون كل من ادّعى الإجماع في الصبيّ يكون مراده دعوى الإجماع في المجنون أيضا، و قد أطالوا القول في أمثال هذه الفروع و حق القول أن تنقح المسألة هكذا:

الأعمال الواجبة المتدرجة الوجود إذا حصل شرط الوجوب في أثنائها هل يكون ذلك مجزيا و مسقطا للواجب أو لا؟ مقتضي الإطلاقات هو الأول.

و ما يمكن أن يقال للثاني وجوه- الأول: عدم الأمر، و عدم الملاك في ذلك.

الثاني: عدم إمكان قصد الوجوب. الثالث: قاعدة الاشتغال. الرابع: اختلاف الحقيقتين فلا يجزي أحدهما عن الآخر.

و الكل مردود، أما الأول أي: عدم الأمر و عدم الملاك فلأنّ الكلام في شرط الوجوب لا شرط أصل الصحة، فالملاك موجود، و كذا الأمر لما مرّ مكررا من أنّ عبادات الصبيّ شرعية، و كذا بالنسبة إلى غيره من العبد و المتسكع.

و أما الثاني: فلما أثبته المحققون من عدم اعتبار قصد الوجه أصلا، و مقتضى الأصل عدم اعتباره.

و أما الثالث: فهي محكومة بالإطلاقات و العمومات بعد صدق المتعلق بالنسبة إلى فاقد شرط الوجوب.

و أما الأخير: فبطلانه أوضح من أن يخفى، فمقتضى الأصل اللفظي عدم

ص: 33

أحدها: النصوص الواردة في العبد (1)- على ما سيأتي- بدعوى: عدم خصوصية للعبد في ذلك، بل المناط الشروع حال عدم الوجوب لعدم الكمال، ثمَّ حصوله قبل المشعر. و فيه: أنّه قياس، مع أنّ لازمه الالتزام به فيمن حج متسكعا ثمَّ حصل له الاستطاعة قبل المشعر، و لا يقولون به (2).

الثاني: ما ورد من الأخبار، من أنّ من لم يحرم من مكة أحرم من حيث

______________________________

وجوب الإعادة، بل و كذا الأصل العملي أيضا، لأنّه من الشك في أصل التكليف إلا إذا دل دليل بالخصوص عليها من نصّ، أو إجماع معتبر، و تقدم- في (فصل الأوقات) أنّه لو صلّى الصبيّ في الوقت ثمَّ بلغ، و في كتاب الصوم في شرائط صحته- ما يرتبط بالمقام و يأتي إن شاء اللّه تتمة الكلام.

(1) منها: صحيح ابن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): مملوك أعتق يوم عرفة قال (عليه السلام): إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» (1).

و منها: صحيح ابن شهاب عن الصادق (عليه السلام): «في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له قال (عليه السلام): يجزي عن العبد حجة الإسلام» (2).

و أما ما يتوهم من عدم ظهور الأخبار فيما نحن فيه فلا وجه له إذ لم يدع أحد ظهورها في المقام، و إنّما المدعي عدم استفادة الخصوصية بخصوص العبد بعد ملاحظة مجموعها مع سائر الأخبار.

(2) أما كونه قياسا فهو مخالف لبناء الفقهاء (رحمهم اللّه)، على أنّ مورد السؤال لا يوجب تخصيص عموم الحكم و تقييد إطلاقه، مع بنائهم (رحمهم اللّه) على حمل ما يذكر في السؤال على المثال و الغالب. و أما عدم قولهم (رحمهم اللّه) بذلك في التسكع فهو لأجل الإجماع و لولاه لقلنا به فيه أيضا.

ص: 34


1- الوسائل باب: 17 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

أمكنه (1)، فإنّه يستفاد منها أنّ الوقت صالح لإنشاء الإحرام، فيلزم أن يكون صالحا للانقلاب أو القلب بالأولى و فيه: ما لا يخفى (2).

الثالث: الأخبار الدالة على أنّ من أدرك المشعر فقد أدرك الحج (3).

و فيه: أنّ موردها من لم يحرم، فلا يشمل من أحرم سابقا لغير حجة الإسلام (4)، فالقول بالإجزاء مشكل (5)، و الأحوط الإعادة بعد ذلك إن

______________________________

(1) و هي أخبار كثيرة:

منها: ما عن ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات فما حاله؟ قال: يقول: اللهم على كتابك و سنة نبيك- إلى آخره- فقد تمَّ إحرامه» (1) و مثله غيره.

(2) قال في الجواهر: «إنّه استئناس لا يكون دليلا حتى يستدل بها على المقام».

و فيه: أنّه إن كانت الأخبار استئناسا في موردها يصلح للاستئناس بها في المقام أيضا بعد ملاحظة سائر القرائن، بل إمكان جعل الحكم مطابقا للقاعدة أيضا كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

(3) منها: قول الرضا (عليه السلام) في خبر ابن فضيل: «إذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج» (2)، و مثله غيره.

(4) بل الظاهر أنّ موردها من لم يدرك غير الوقوف بالمشعر سواء كان محرما أم لا. و هذا هو المناسب للتسهيل و الامتنان الذي وردت هذه الأخبار لأجلهما.

(5) ظهر مما تقدم عدم الإشكال في الإجزاء، و هو مقتضى العمومات و الإطلاقات أيضا، بل مقتضى أصالة عدم اشتراط تمام الأعمال بالبلوغ ذلك أيضا،

ص: 35


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المواقيت حديث: 3 و 2.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 3 و غيره.

كان مستطيعا، بل لا يخلو عن قوة (1) و على القول بالإجزاء يجري فيه الفروع الآتية في مسألة العبد، من أنّه هل يجب تجديد النية لحجة الإسلام أو لا (2)؟

و أنّه هل يشترط في الإجزاء استطاعته بعد البلوغ من البلد أو من الميقات (3) أو لا؟ و أنّه هل يجري في حج التمتع مع كون العمرة بتمامها قبل البلوغ أو لا؟

إلى غير ذلك (4).

مسألة 8: إذا مشى الصبيّ إلى الحج فبلغ قبل أن يحرم من الميقات

(مسألة 8): إذا مشى الصبيّ إلى الحج فبلغ قبل أن يحرم من الميقات و كان مستطيعا لا إشكال في أنّ حجة حجة الإسلام (5).

مسألة 9: إذا حج باعتقاد أنّ غير بالغ ندبا فبان بعد الحج أنّه كان بالغا

(مسألة 9): إذا حج باعتقاد أنّ غير بالغ ندبا فبان بعد الحج أنّه كان بالغا، فهل يجزئ عن حجة الإسلام أو لا؟ وجهان أوجههما، الأول (6) و كذا إذا حج الرجل- باعتقاد عدم الاستطاعة- بنية الندب ثمَّ ظهر كونه مستطيعا

______________________________

فيكفي في الإجزاء تحققه في الجملة، و مع عدم الدليل على أزيد من ذلك، فالمرجع الأصل اللفظي و العملي فيما لم يقم دليل على الخلاف، خصوصا في هذا العمل الذي اهتم الشارع بتسهيله على أمته بأيّ نحو أمكنه.

(1) ظهر مما مرّ أنّ الأقوى الإجزاء.

(2) بناء على الإجزاء يكون حجة الإسلام من حين وقوعه، و لا يحتاج إلى تجديد النية إلا أنّه كان ندبا فصار واجبا، و لا دليل على اعتبار قصد الندب و الوجوب أصلا فضلا عن المقام، بل مقتضى الأصل خلافه.

(3) يأتي في [مسألة 6]- من اشتراط الاستطاعة- كفاية الاستطاعة من الميقات.

(4) مقتضى إطلاق ما تقدم من صحيح ابن عمار هو الإجزاء، و هو مقتضى الأصل أيضا، لأنّ الشك في أصل التكليف بعد ذلك.

(5) لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و يكفي استطاعته من محلّ بلوغه، بل من الميقات كما يأتي.

(6) الإشكال مبنيّ على تباين حقيقة حجة الإسلام مع الحج الندبي و هو

ص: 36

حين الحج.

الثاني: من الشروط الحرية

اشارة

الثاني: من الشروط الحرية، فلا يجب على المملوك (1) و إن أذن له مولاه، و كان مستطيعا من حيث المال، بناء على ما هو الأقوى من القول بملكه (2)، أو بذل له مولاه الزاد و الراحلة. نعم، لو حج بإذن مولاه صح

______________________________

خلاف مرتكزات المتشرعة، و إطلاق الأدلة بعد عدم دليل على التباين. و مجرّد الاختلاف في بعض الآثار أعمّ من اختلاف الحقيقة و تباينها خصوصا في الشرعيات المبنية على تفريق المتحد و جمع المتفرق، و كذا أنه مبنيّ على اعتبار قصد الوجوب و الندب في العبادة فلا تصح مع عدم قصدهما و لا قصد أحدهما في مقام الآخر.

و فيه: أنّه قد ثبت في محلّه عدم الدليل على اعتبارهما و لا مانعية قصد أحدهما في الآخر خطأ بعد تحقق قصد الإتيان بذات العمل، بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدم الاعتبار و المانعية، و الظاهر عدم الفرق بين كون القصد بنحو وحدة المطلوب عرفا أو تعدّده. نعم، لو كان القصد بنحو وحدة المطلوب و بنحو الدقة العقلية بحيث رجع إلى عدم قصد حجة الإسلام في الواقع فلا وجه للإجزاء و لكنّه مجرّد الاحتمال العقليّ لا ما يتحقق خارجا عند الناس في أعمالهم فلا موضوع للتردّد و الإشكال كما لا يخفى.

(1) للنصوص، و الإجماع، فعن أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) في موثق ابن يونس: «ليس على المملوك حج و لا عمرة حتى يعتق» (1)، و عنه (عليه السلام) أيضا: «ليس على المملوك حج، و لا جهاد، و لا يسافر إلا بإذن مالكه» (2).

(2) لما تقدم، و لا بأس بالإشارة إلى إجماله. و خلاصة الكلام أنّ البحث في ملكية العبد تارة: بحسب الأصل العملي، و أخرى: بحسب الإطلاقات و العمومات، و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة.

ص: 37


1- الوسائل باب: 15 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.

..........

______________________________

أما الأول: فمقتضاه عدم الملكية مطلقا، لأنّها حادثة و مسبوقة بالعدم، فيجري الأصل في مورد الشك بالنسبة إلى الجميع حرّا كان أم عبدا.

أما الثاني: فمقتضى إطلاقات أدلة الحيازة، و البيع، و الشراء، و المعاوضات كلها حصول الملكية للجميع عبدا كان أو حرا.

أما الأخير فهي على قسمين:

الأول: ما يظهر منها أنّه يملك كصحيح عمر بن يزيد قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له، و قد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة و رضي بذلك المولى، فأصاب المملوك في تجارته مالا سوى ما كان يعطي مولاه من الضريبة قال: فقال: إذا أدى إلى سيده ما فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك. ثمَّ قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): أ ليس قد فرض اللّه تعالى على العباد فرائض، فإذا أدوها إليه لم يسألهم عمّا سواها؟ قال:

قلت: للملوك أن يتصدّق مما اكتسب و يعتق، بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟، قال: نعم، و أجر ذلك له. قلت: فإن أعتق مملوكا مما اكتسب- سوى الفريضة- لمن يكون ولاء العتق؟ قال (عليه السلام): يذهب فيتولى من أحبّ، فإذا ضمن جريرته و عقله كان مولاه و وارثه. قال: قلت: أ ليس قد قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): الولاء لمن أعتق؟ قال: فقال: هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله.

قلت: فإن ضمن العبد الذي أعتقه جريرته و حدثه أ يلزمه ذلك و يكون مولاه و يرثه؟

فقال: لا يجوز ذلك، و لا يرث عبد حرّا» (1).

و موثق ابن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقلّ، أو أكثر، فيقول: حللني من ضربي إياك، و من كل ما كان منّي إليك، و مما أخفتك و أرهبتك، و يحلله و يجعله في حلّ رغبة فيما أعطاه، ثمَّ إنّ المولى بعد أصاب الدّراهم التي أعطاه في موضع وضعها فيه العبد فأخذها السيد، إحلال

ص: 38


1- الوسائل باب: 9 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1.

بلا إشكال (1)، و لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام (2) فلو أعتق بعد ذلك أعاد

______________________________

هي له؟ فقال (عليه السلام): لا تحلّ له، لأنّه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة و القصاص يوم القيامة- الحديث-» (1) و ظهورهما في أنّ العبد يملك مما لا ينكر.

الثاني: ما يظهر منه أنّه لا يملك كقول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «في المملوك ما دام عبدا، فإنّه و ماله لأهله، لا يجوز له تحرير، و لا كثير عطاء و لا وصية، إلا أن يشاء سيده» (2).

و صحيح ابن سنان: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) مملوك في يده مال أ عليه زكاة؟ قال (عليه السلام): لا، قلت: فعلى سيده؟ قال (عليه السلام): لا، لأنّه لم يصل إليه، و ليس هو للمملوك» (3)، و قريب منهما غيرهما.

و فيه: أنّ أهمّ آثار الملكية السلطنة الفعلية و الاستيلاء التام على الملك بحيث لو انتفيا فكأنّه لا ملك عرفا، و لا ريب في أنّ العبد محجور عن التصرف في ملكه نصا، و إجماعا، فالمراد بالقسم الأول من الاخبار حصول ذات الملكية، و بالقسم الثاني نفي آثارها و هذا جمع صحيح عرفي و التفصيل يطلب من المطولات.

و أما دعوى الشهرة أو الإجماع على عدم الملكية فلا اعتبار بهما، لكونه اجتهاديا لا تعبديا. كما أنّ نقل الأقوال المختلفة لا فائدة فيها بعد كونها مستندة إلى كيفية الاستفادة من الأدلة بعد أن استقر المذهب منذ قرون على أنّه يملك. و من شاء العثور عليهما فليراجع المطولات.

(1) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها، فلا بد من الصحة حينئذ.

(2) للنصوص، و الإجماع بقسميه قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في

ص: 39


1- الوسائل باب: 9 من أبواب بيع الحيوان حديث: 3.
2- الوسائل باب: 78 من أبواب الوصية حديث: 1.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4.

للنصوص:

منها: خبر مسمع «لو أنّ عبدا حج عشر حجج ثمَّ أعتق كانت عليه حجة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلا».

و منها: «المملوك إذا حج- و هو مملوك- أجزأه إذا مات قبل أن يعتق، فإن أعتق أعاد الحج».

و ما في خبر حكم بن حكيم: «أيّما عبد حج به مواليه فقد أدرك حجة الإسلام» محمول على إدراك ثواب الحج، أو على أنّه يجزيه عنها ما دام مملوكا لخبر أبان: «العبد إذا حج فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق» فلا إشكال في المسألة. نعم، لو حج بإذن مولاه، ثمَّ انعتق قبل إدراك المشعر، أجزأه عن حجة الإسلام بالإجماع و النصوص

و يبقى الكلام في أمور
اشارة

و يبقى الكلام في أمور:

أحدها: هل يشترط في الإجزاء تجديد النية

أحدها: هل يشترط في الإجزاء تجديد النية للإحرام بحجة الإسلام- بعد الانعتاق فهو من باب القلب، أو لا بل هو انقلاب شرعي؟ قولان مقتضى إطلاق النصوص الثاني و هو الأقوى (1) فلو فرض أنّه لم يعلم بانعتاقه حتى

______________________________

الصحيح: «في مملوك أعتق يوم عرفة قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» (1) و في المعتبر بزيادة: «و إن فاته الموقفان فقد فاته الحج، و يتم حجه، و يستأنف حجة الإسلام فيما بعد».

و في خبر شهاب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له قال (عليه السلام): يجزي عن العبد حجة الإسلام، و يكتب للسيد أجران: ثواب العتق، و ثواب الحج» (2) و مثله غيره.

(1) و تقتضيه أصالة البراءة عن الوجوب بعد كون الشك في أصل التكليف بتجديد النية.

ص: 40


1- الوسائل باب: 17 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

فرغ، أو علم و لم يعلم الإجزاء حتى يجدّد النية، كفاه و أجزأه.

الثاني: هل يشترط في الإجزاء كونه مستطيعا حين الدخول في الإحرام

الثاني: هل يشترط في الإجزاء كونه مستطيعا حين الدخول في الإحرام، أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق، أو لا يشترط ذلك أصلا؟ أقوال: أقواها الأخير، لإطلاق النصوص و انصراف ما دل على اعتبار الاستطاعة عن المقام (1).

الثالث: هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر

الثالث: هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر (2) سواء أدرك

______________________________

ثمَّ إنّ القلب و الانقلاب متقوّم بالاثنينية و لا اثنينية حقيقية في المقام، لما تقدم من أنّ الحج المندوب و الواجب واحد حقيقة و إن اختلفا في الحكم و بعض الآثار و هو أعمّ من الاختلاف في الذات و الحقيقة. نعم، يختلفان في الجهة الاعتبارية و هي الوجوب و الندب و المفروض عدم اعتبار قصدهما، مع أنّ إطلاق الروايات في هذا الحكم الابتلائي في الأزمنة القديمة- التي كان العتق شائعا في عشية عرفة- أقوى دليل على عدم الاعتبار، و لا فرق فيه بين أن يكون ما وقع منه بعنوان الندب، أو بعنوان حجة الإسلام، أو بقصد ذات الحج فقط، لشمول الإطلاق للجميع فلا وجه لتكثر الأقسام.

(1) لعدم المال للمملوك غالبا، و لأنّه حيث تفضل مولاه عليه بالإعتاق، فاللّه أولى بأن يتفضل عليه بالتسهيل و التيسير و يقبل حجه عن حجة الإسلام و لو مع عدم الاستطاعة المالية، و لا دليل على اعتبار الاستطاعة إلا الجمود على أدلة اعتبارها حتى في المقام. و فيه أنّها منصرفة عنه. لما مرّ من القرينة.

(2) كفاية إدراكه حرّا متفق عليه نصّا، و فتوى و تقدم قوله (عليه السلام) في الصحيح: «إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» هذا من حيث الإدراك حرّا. و أما من حيث كفاية الاختياري من أحدهما في صحة أصل الحج، أو كفاية الاضطراري منهما أو من أحدهما فهو حكم آخر فلا ربط له بالمقام، بل يعمّ تمام أقسام الحج و جميع الحجاج مكلفين كانوا أم لا، أحرارا كانوا أم لا، و يأتي التفصيل إن شاء اللّه تعالى في أحكام الموقفين فلا وجه للتعرض له في المقام.

ص: 41

الوقوف بعرفات أيضا أم لا؟- أو يكفي إدراك أحد الموقفين، فلو لم يدرك المشعر لكن أدرك الوقوف بعرفات معتقا كفى؟ قولان، الأحوط الأول. كما أنّ الأحوط اعتبار إدراك الاختياريّ من المشعر (1)، فلا يكفي إدراك الاضطراريّ منه. بل الأحوط اعتبار إدراك كلا الموقفين (2)، و إن كان يكفي الانعتاق قبل المشعر، لكن إذا كان مسبوقا بإدراك عرفات أيضا و لو مملوكا.

الرابع: هل الحكم مختص بحج الإفراد و القران

الرابع: هل الحكم مختص بحج الإفراد و القران أو يجري في حج التمتع أيضا و إن كانت عمرته بتمامها حال المملوكيّة؟ الظاهر الثاني، لإطلاق النصوص خلافا لبعضهم فقال بالأول لأنّ إدراك المشعر معتقا إنّما ينفع للحج لا للعمرة الواقعة حال المملوكية. و فيه: ما مرّ من الإطلاق و لا يقدح ما ذكره ذلك البعض، لأنّهما عمل واحد هذا. إذا لم ينعتق إلا في الحج، و أما إذا انعتق في عمرة التمتع، و أدرك بعضها معتقا فلا يرد الإشكال.

مسألة 1: إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبس به

(مسألة 1): إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبس به ليس له أن يرجع في إذنه (3)، لوجوب الإتمام على المملوك و «لا طاعة لمخلوق في معصية

______________________________

(1) لأنّه المنساق من الكلمات، و المتيقن من الأدلة و إن كان الجمود على الإطلاق يقتضي الاجتزاء بالاضطراريّ أيضا، و الانصراف إلى الاختياريّ بدويّ لا يعتد به و يأتي تفصيل الأقسام في محلّه.

(2) لاحتمال انصراف النصوص إلى هذه الصورة، و لكنّه بدويّ لا يعتد به في هذا الحكم التسهيليّ الامتناني.

(3) مقتضى قاعدة السلطنة جواز الرجوع، لأنّ صحة إحرامه مشروطة بإذنه حدوثا و بقاء. و استدل على عدم سلطنته عليه تارة: بأنّ الشروع في الإحرام يوجب إتمامه و لا ينحل عنه إلا بمحلل شرعيّ و رجوع المالك ليس محللا شرعيا كما في الإحرام للصلاة حيث لا يخرج منها إلا بالسلام. و أخرى: بأنّه لا يجب على العبد

ص: 42

الخالق». نعم، لو أذن له ثمَّ رجع قبل تلبسه به لم يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه (1) و إذا لم يعلم برجوعه فتلبس به، هل يصح إحرامه و يجب إتمامه، أو يصح و يكون للمولى حلّه، أو يبطل؟ وجوه أوجهها الأخير، لأنّ الصحة مشروطة بالإذن، المفروض سقوطه بالرجوع، و دعوى أنّه دخل دخولا مشروعا فوجب إتمامه، فيكون رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف و لم يعلم الوكيل. مدفوعة: بأنّه لا تكفي المشروعية الظاهرية و قد ثبت الحكم في الوكيل بالدليل و لا يجوز القياس عليه (2).

______________________________

حينئذ إطاعة المولى، لأنّه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1).

و نوقش في الأول: بأنّ ما دلّ على وجوب إتمام الإحرام إنّما هو بحسب حكمه الأوليّ من حيث هو و لا نظر له بالنسبة إلى العوارض الخارجية كرجوع المولى و نحوه.

و فيه: أنّ ظاهره الإطلاق بالنسبة إلى جميع الجهات.

و في الثاني: بأنّه إذا ثبت صحة الرجوع فلا يكون من إطاعة المخلوق في معصية الخالق، بل مخالفة السيد تكون حينئذ من مخالفة اللّه تعالى.

و فيه ما تقدم من ظهور الإطلاق، فلا يبقى موضوع لصحة الرجوع، فتكون إطاعة العبد للسيد حينئذ من إطاعة المخلوق في معصية الخالق. نعم، لو فرض الشك في الإطلاق بحيث لا يصح التمسك به، فالمرجع قاعدة السلطنة و الظاهر عدم الشك فيه، مع استنكار المتشرعة للرجوع عن الإذن. و المسألة سيالة في موارد كثيرة، كإذن المالك للصلاة في داره، و الدفن في ملكه، و إذن الزوج في نذر الزوجة، و كذا الوالدين.

(1) لعدم صحة المشروط مع انتفاء الشرط.

(2) خلاصة الكلام: إن ثبت أنّ للمشروعية الظاهرية موضوعية خاصة

ص: 43


1- الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج حديث: 7.
مسألة 2: يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه

(مسألة 2): يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه و ليس للمشتري حلّ إحرامه. نعم، مع جهله بأنّه محرم يجوز له الفسخ، مع طول الزمان الموجب لفوات بعض منافعه (1).

مسألة 3: إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه

(مسألة 3): إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه، و إن لم يتمكن فعليه أن يصوم (2) و إن لم ينعتق كان مولاه بالخيار بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم للنصوص، و الإجماعات (3).

______________________________

في صحة الإحرام واقعا يكون المقام نظير المسألة السابقة في عدم جواز الرجوع، لعموم ما دلّ على أنّ الإحرام لا ينحل إلا بالمحلل الخاص و إن لم تكن لها موضوعية خاصة أو شك في ذلك فمقتضى قاعدة السلطنة جواز الرجوع، إذ لا يجوز التمسك بالإطلاق لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه.

(1) أما جواز البيع، فلقاعدة السلطنة، و ظهور الإجماع. و أما عدم جواز حلّ إحرامه، فلما تقدم في المسألة السابقة. و أما الخيار فهو من خيار تخلف الوصف أو الشرط الضمني، كما يأتي في كتاب الإجارة (فصل إنّ الإجارة من العقود اللازمة).

بل و له الخيار مع قصر الزمان أيضا إن كان إحرامه موجبا لفوت بعض الأغراض الصحيحة العقلائية.

(2) لأنّه حينئذ من الأحرار، فيشمله ما يشملهم من الأدلة، لوجود المقتضي و فقد المانع.

(3) قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «إن شئت فاذبح عنه و إن شئت فمره فليصم» (1) و في صحيح جميل: «فمره فليصم، و إن شئت فاذبح عنه» (2).

و ما يظهر منه تعيين الذبح كخبر ابن أبي حمزة قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتع، ثمَّ أهل بالحج يوم التروية و لم أذبح

ص: 44


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الذبح حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الذبح حديث: 1.
مسألة 4: إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفارة

(مسألة 4): إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفارة، فهل هي على مولاه، أو عليه و يتبع بها بعد العتق أو تنتقل إلى الصوم فيما فيه الصوم مع العجز، أو في الصيد عليه و في غيره على مولاه؟ وجوه أظهرها كونها على مولاه لصحيحة حريز (1)، خصوصا إذا كان الإتيان بالموجب بأمره أو بإذنه.

______________________________

عنه، فله أن يصوم بعد النفر؟ فقال (عليه السلام): ذهبت الأيام التي قال اللّه تعالى، ألا كنت أمرته أن يفرد الحج؟ قلت: طلبت الخير. فقال (عليه السلام): كما طلبت الخير فاذهب فاذبح عنه شاة سمينة، و كان ذلك يوم النفر الأخير»(1) محمول على الأفضلية جمعا، و إجماعا.

(1) قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح حريز: «كل ما أصاب العبد- و هو محرم- في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له في الإحرام» (2) و هو في مقام بيان القاعدة الكلية، فيشمل الجميع، و يشهد له ما اشتهر من أنّ الإذن في الشي ء إذن في لوازمه، فتكون لوازمه عليه، مع أنّ العرف يرى المقام من تقديم السبب على المباشر.

و أما ما في الاستبصار من ضبط الصحيحة هكذا: «المملوك إذا أصاب الصيد .. إلخ».

ففيه: أنّه لا يعارض ضبط الكافي، و التهذيب، و الفقيه (3)، إذ لا تعارض بين الكليّ و أفراده، مع أنّ الكافي أضبط كما هو المشهور، و يمكن أن يكون ذكر الصيد من باب المثال لا التخصيص.

و أما أنّه عليه و يتبع به بعد العتق فهو و إن كان موافقا لقوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (4) و لكنّه مطروح للصحيح القابل لتخصيص الآية المعتبر سندا

ص: 45


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الذبح حديث: 4.
2- الوسائل باب: 56 من أبواب كفارات الصيد حديث: 1.
3- راجع الاستبصار ج: 2 صفحة: 216، و التهذيب ج: 5 صفحة: 383 و الفقيه ج: 2 صفحة: 264 ط: النجف و الكافي ج: 4 صفحة 304 ط: طهران.
4- سورة الأنعام، الآية 164.

نعم، لو لم يكن مأذونا في الإحرام بالخصوص بل كان مأذونا مطلقا إحراما كان أو غيره لم يبعد كونها عليه حملا لخبر عبد الرحمن بن أبي نجران- النافي لكون الكفارة في الصيد على مولاه- على هذه الصورة (1).

مسألة 5: إذا أفسد المملوك المأذون حجه بالجماع قبل المشعر

(مسألة 5): إذا أفسد المملوك المأذون حجه بالجماع قبل المشعر فكالحرّ في وجوب الإتمام و القضاء (2). و أما البدنة ففي كونها عليه، أو على مولاه، فالظاهر أنّ حالها حال سائر الكفارات على ما مرّ أنّ الأقوى كونها على المولى الآذن له في الإحرام (3). و هل يجب على المولى تمكينه من القضاء، لأنّ الإذن في الشي ء إذن في لوازمه، أو لا، لأنّه من سوء اختياره؟ قولان، أقواهما

______________________________

و دلالة، كما أنّ الانتقال إلى الصوم فيما فيه الصوم مخالف لإطلاقه أيضا.

و أما أنّه في الصيد عليه و في غيره على سيده فلا وجه له إلا ما يأتي من خبر ابن أبي نجران و هو قابل لحمله على العبد غير المأذون في إحرامه جمعا بينه و بين صحيح حريز كما سيأتي.

(1) ففي رواية عبد الرحمن بن أبي نجران قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن عبد أصاب صيدا و هو محرم، هل على مولاه شي ء من الفداء؟ فقال (عليه السلام): لا شي ء على مولاه» (1)، و صحيح حريز- المتقدم- يصلح للتصرف في ظاهر هذا الخبر، لأنّه نصّ في المأذون، و هذا ظاهر في التعميم فيحمل على غير المأذون جمعا بينهما. و هذا جمع عرفيّ مقبول.

(2) لإطلاق أدلتهما الشامل للحرّ و العبد مطلقا من غير ما يصلح للتقييد بالحر.

(3) لما مرّ من صحيح حريز الذي ورد في مقام القاعدة الكلية الشاملة للمقام أيضا.

ص: 46


1- الوسائل باب: 56 من أبواب كفارات الصيد حديث: 2.

الأول (1) سواء قلنا: إنّ القضاء هو حجه أو إنّه عقوبة، و إنّ حجه هو الأول (2).

هذا، إذا أفسد حجه و لم ينعتق، و أما إن أفسده بما ذكر ثمَّ انعتق، فإن انعتق قبل المشعر كان حاله حال الحرّ في وجوب الإتمام و القضاء و البدنة و كونه مجزيا عن حجة الإسلام إذا أتى بالقضاء، على القولين من كون الإتمام عقوبة و أنّ حجه هو القضاء، أو كون القضاء عقوبة (3)، بل على هذا إن لم يأت بالقضاء أيضا أتى بحجة الإسلام، و إن كان عاصيا في ترك القضاء (4)، و إن انعتق بعد المشعر فكما ذكر، إلا أنّه لا يجزيه عن حجة الإسلام (5)، فيجب عليه بعد ذلك إن استطاع و إن كان مستطيعا فعلا، ففي وجوب تقديم حجة الإسلام، أو القضاء وجهان مبنيان على أنّ القضاء فوريّ أم لا، فعلى الأول يقدم لسبق سببه (6)، و على الثاني تقدم حجة الإسلام لفوريتها دون القضاء.

______________________________

(1) لأنّ القضاء واجب شرعيّ عليه بالإفساد، و ليس للمولى منعه عما وجب عليه شرعا كما في سائر الواجبات الشرعية.

(2) لوجوبه شرعا على كل تقدير و لا سلطة للمولى على مملوكه في الواجبات الشرعية.

(3) لأنّه حرّ- و إنّ المستفاد من الأدلة تنزيل الحرية الحاصلة في الأثناء منزلة الحرية الثانية من حين الشروع في الحج- فتشمله جميع الأدلة الواردة في حج الحرّ بإطلاقاته و عموماته بلا مقيد و مخصّص في البين، فلا وجه للتشكيك حينئذ.

(4) كما هو الحال فيمن كان حرّا من أول الشروع في الحج فإنّه إن لم يأت بالقضاء أثم و صح منه حجة الإسلام، لفرض أنّه الأول الذي أتى به.

(5) لإطلاق دليل اعتبار الحرية في الإجزاء خرج منه ما إذا أعتق قبل المشعر و بقي الباقي.

(6) مجرّد سبق السبب لا يوجب التقديم ما لم تحرز الأهمية بدليل آخر، كما ثبت ذلك في محله، و الظاهر أنّ الترجيح لحجة الإسلام لكثرة ما ورد فيها من

ص: 47

مسألة 6: لا فرق فيما ذكر- من عدم وجوب الحج على المملوك، و عدم صحته إلا بإذن مولاه

(مسألة 6): لا فرق فيما ذكر- من عدم وجوب الحج على المملوك، و عدم صحته إلا بإذن مولاه، و عدم إجزائه عن حجة الإسلام إلا إذا انعتق قبل المشعر- بين القنّ و المدبر و المكاتب، و أمّ الولد، و المبغض (1) إلا إذا هاياه مولاه، و كانت نوبته كافية، مع عدم كون السفر خطريا فإنّه يصح منه بلا إذن (2) لكن لا يجب، و لا يجزيه حينئذ عن حجة الإسلام و إن كان مستطيعا، لأنّه لم يخرج عن كونه مملوكا (3) و إن كان يمكن دعوى الانصراف عن هذه الصورة فمن الغريب ما في الجواهر من قوله: «و من الغريب ما ظنّه بعض الناس، من وجوب حجة الإسلام عليه في هذا الحال، ضرورة منافاته للإجماع المحكيّ عن المسلمين، الذي يشهد له التتبع على اشتراط الحرية، المعلوم عدمها في المبعض» إذ لا غرابة فيه، بعد إمكان دعوى الانصراف مع أنّ في أوقات نوبته يجري عليه جميع آثار الحرية (4).

مسألة 7: إذا أمر المولى مملوكه بالحج وجب عليه طاعته

(مسألة 7): إذا أمر المولى مملوكه بالحج وجب عليه طاعته، و إن لم يكن مجزيا عن حجة الإسلام (5)، كما إذا آجره للنيابة عن غيره فإنّه لا فرق بين

______________________________

التأكيدات في أصلها و في فوريتها، فينتفي موضوع فورية القضاء حينئذ، لأنّها إنّما تثبت فيما إذا لم يكن واجب أهمّ آخر في البين و المفروض أنّ حجة الإسلام و فوريتها أهمّ.

(1) لإطلاق الأدلة الشامل للجميع بلا قيد و مقيد في البين.

(2) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها فلا بد من الصحة حينئذ.

(3) فهو رقّ عرفا و شرعا.

(4) الانصراف ممنوع و المهاياة ليست إلا تقسيما للمنفعة فقط لا لذات المملوكية بحيث يصير العبد في زمان حرّا و في زمان رقا، فاستغراب صاحب الجواهر في محله.

(5) لإطلاق ما تقدم من مثل خبر مسمع الشامل للمقام أيضا.

ص: 48

صحة إجارته للخياطة أو الكتابة، و بين إجارته للحج أو الصّلاة أو الصّوم (1).

الثالث: الاستطاعة من حيث المال، و صحة البدن

اشارة

الثالث: الاستطاعة من حيث المال، و صحة البدن، و قوّته، و تخلية السّرب، و سلامته، وسعة الوقت، و كفايته بالإجماع و الكتاب، و السنة (2).

مسألة 1: لا خلاف و لا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحج

(مسألة 1): لا خلاف و لا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحج، بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية (3) و هي- كما في جملة من

______________________________

(1) لأنّ المنفعة ملك للمولى، فله أن ينتفع بملكه فيما شاء و أراد، لقاعدة السلطنة ما لم يكن نهي شرعيّ في البين و المفروض عدمه.

(2) بل ببناء العقلاء أيضا، لأنّهم في الأسفار المتعارفة فيما بينهم لحوائجهم العرفية يعتبرون التمكن من حيث المال، و البدن و الطريق، وسعة الوقت، و غير ذلك مما يعتبر في المسافرة. فالاستطاعة بهذا المعنى عرفية أمضاها الشارع لا أن تكون تعبدية شرعية، بل يكفي عدم ثبوت الردع بعد ثبوت أصل وجوب سفر الحج، فكيف بما ورد من الإمضاء كتابا و سنة بالسنة شتّى. نعم، يزيد سفر الحج على غيره من الأسفار بثوبي الإحرام، و الأضحية، و الكفارة لو اتفق موجبها فلا يعتبر فيه شي ء شرعا زائدا على ما يعتبر في سائر الأسفار المتعارفة.

و بالجملة: السفر إلى محل تارة: يلحظ بحسب مجرّد إمكانه الذاتي و لو مع عدم المقتضي و وجود المانع و لا يقدم نوع العقلاء عليه إلا نادرا.

و أخرى: يلحظ بحسب الوقوع الخارجي، و هذا النحو من السفر لا يقدم نوع الناس عليه إلا بعد إحراز المقتضيات و فقد الموانع، و الاستطاعة الشرعية ليست إلا عبارة عن هذا، و ما ورد في الأخبار إرشاد إليها. ثمَّ إنّه لم يذكر (رحمه اللّه) في المقام اشتراط وجود نفقة العيال، و تعرض له في [مسألة 56] و يأتي التفصيل هناك.

(3) أما عدم كفاية القدرة العقلية، فلضرورة المذهب بل الدّين. و أما اعتبار الاستطاعة الشرعية فقد ظهر مما تقدم أنّ الاستطاعة عرفية أمضاها الشارع لا أن

ص: 49

الأخبار- الزاد، و الراحلة، فمع عدمها لا يجب (1) و إن كان قادرا عليه عقلا، باكتساب و نحوه (2). و هل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصا بصورة الحاجة إليها- لعدم قدرته على المشي، أو كونه مشقة عليه أو منافيا لشرفه- أو يشترط مطلقا و لو مع عدم الحاجة إليه؟ مقتضى إطلاق الأخبار، و الإجماعات المنقولة:

الثاني و ذهب جماعة من المتأخرين إلى الأول، لجملة من الأخبار المصرّحة

______________________________

تكون تعبدية شرعية، و جميع ما ورد في الأخبار إرشاد إلى العرف لا أن يكون حكما مستقلا تعبدا، و ذلك لاشتمالها على الزاد، و الراحلة، و صحة البدن، و تخلية السرب، ففي صحيح الخثعمي قال: «سأل حفص الكناسي أبا عبد اللّه (عليه السلام)- و أنا عنده- عن قوله اللّه عزّ و جل وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلّى في سربه، له زاد و راحلة فلم يحج، فهو ممن يستطيع الحج؟ قال (عليه السلام): نعم» (1).

و قريب منه صحيح هشام بن الحكم (2) و كل ذلك شرائط عرفية في كل سفر لدى العرف و العقلاء في جملة أسفارهم، و هي مما تختلف بحسب الأزمنة و الأمكنة و الأشخاص على ما يأتي في المسائل الآتية من التفصيل، فلو كان قد ورد من الشرع يجب عليكم الحج- من دون ذكر الاستطاعة لا كتابا و سنة- لم يكن الا مثل ما ورد من الترغيب إلى زيارة النبي (صلّى اللّه عليه و آله) في أنّ العرف لا يقدمون عليه إلا بعد التمكن العرفي منه، مع ما ارتكز في النفوس من نفي الحرج و الضرر، و المشقّات الخلاف المتعارفة.

(1) لضرورة من المذهب بل الدّين في الجملة و لو حج كذلك لا يجزيه عن حجة الإسلام بل قد يأثم مع تحمل الضرر نفسا أو عرضا، أو نحو ذلك.

(2) و لكن لو اكتسب و صار مستطيعا وجب عليه. لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع فتشمله الأدلة بلا مدافع.

ص: 50


1- الوسائل باب: 8 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب وجوب الحج حديث: 7.

بالوجوب إن أطاق المشي بعضا أو كلا (1) بدعوى أنّ مقتضى الجمع بينها و بين

______________________________

(1) كصحيح معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل عليه دين. أ عليه أن يحج؟ قال (عليه السلام): نعم، إنّ حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين. و لقد كان أكثر من حج مع النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) مشاة. و لقد مرّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بكراع الغميم فشكوا إليه الجهد و العناء فقال: شدّوا أزركم و استبطنوا، ففعلوا ذلك، فذهب عنهم» (1).

و عنه (عليه السلام) أيضا في تفسير آية الاستطاعة: «يخرج و يمشي إن لم يكن عنده، قلت: لا يقدر على المشي قال (عليه السلام): يمشي و يركب، قلت: لا يقدر على ذلك- أعني المشي- قال: يخدم القوم و يخرج معهم» (2).

و في صحيح ابن مسلم: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) فإن عرض عليه الحج فاستحيي؟ قال: هو ممن يستطيع الحج. و لم يستحيي و لو على حمار أجدع أبتر.

قال: فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل» (3).

و إطلاق هذه الأخبار مخالف لقاعدة نفي العسر و الحرج، و القطع بعدم رضا الشارع بمهانة أمته، فلا بد أن تحمل على الإرشاد إلى إظهار الخشوع و ترك الكبرياء في هذا السفر الذي هو من أعظم المشاعر الدينية، و من مظاهر الحشر الأكبر الذي يستوي فيه الغني و الفقير، و الوضيع و الشريف، و لا بد فيه من عدم التجمل بالزخارف الدنيوية كما يفعل في أسفار السرور، أو تحمل على من يكون من شأنه ارتكاب هذه الأمور في أسفاره و سائر أموره المعاشية بحيث لا حرج و لا عسر و لا مهانة بالنسبة إليه، بل يكون موافقا لشأنه و مرتبته كما يأتي في ذيل [مسألة 2].

و قد كان هذا القسم من الأسفار شائعا في الأزمنة القديمة و قد أدركنا بعضها من بعض الأشخاص الذي كان أهلا لذلك و لم يكن عمله مهانة و ذلة.

ص: 51


1- الوسائل باب: 11 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

الأخبار الأول حملها على صورة الحاجة. مع أنّها منزلة على الغالب، بل انصرافها إليها و الأقوى هو القول الثاني، لإعراض المشهور عن هذه الأخبار مع كونها بمرأى منهم و مسمع، فاللازم طرحها (1)، أو حملها على بعض المحامل، كالحمل على الحج المندوب، و إن كان بعيدا عن سياقها. مع أنّها مفسّرة للاستطاعة في الآية الشريفة (2)، و حمل الآية على القدر المشترك بين الوجوب و الندب بعيد (3) أو حملها على من استقر عليه حجة الإسلام سابقا، و هو أيضا بعيد (4)، أو نحو ذلك. و كيف كان فالأقوى ما ذكرنا، و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالأخبار المزبورة، خصوصا بالنسبة إلى من لا فرق عنده بين المشي و الركوب، أو يكون المشي أسهل لانصراف الأخبار الأول عن هذه الصورة بل لو لا الإجماعات المنقولة و الشهرة لكان هذا القول (5) في غاية القوّة (6).

مسألة 2: لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب و البعيد

(مسألة 2): لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب و البعيد،

______________________________

(1) لأنّ طرح هذه النصوص المعتبرة مع صحة السند، و كثرة العدد لا يحتمل في حق الأعاظم، لقصور في الدلالة. و مع ذلك لا يحصل الاطمئنان في الفتوى للفقيه.

(2) مع ذكر «حجة الإسلام» في بعضها كما تقدم، مضافا إلى أنّه إذا سقط الواجب بالعسر و الحرج و المهانة و الذلة، فالمندوب أولى بالسقوط.

(3) لأنّ سياقها في حجة الإسلام فلا يناسب غيرها.

(4) لأنّ المتفاهم منها إنّما هو الترغيب إلى إتيان حجة الإسلام ابتداء خصوصا صحيح ابن عمار.

(5) مع عدم الحرج، أو المهانة.

(6) لا قوة فيه فضلا عن أن يكون في غايته مع انطباق العسر و الحرج و خلاف المتعارف عليه. نعم، إن كان ذلك متعارفا لا بأس به و لا نزاع حينئذ.

ص: 52

حتى بالنسبة إلى أهل مكة، لإطلاق الأدلة فما عن جماعة: من عدم اشتراطه بالنسبة إليهم لا وجه له (1).

مسألة 3: لا يشترط وجودهما عينا عنده

(مسألة 3): لا يشترط وجودهما عينا عنده، بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من المال. من غير فرق بين النقود و الأملاك (2)، من البساتين و الدّكاكين و الخانات و نحوها، و لا يشترط إمكان حمل الزاد معه، بل يكفي إمكان تحصيله في المنازل بقدر الحاجة، و مع عدمه فيها يجب حمله مع الإمكان من غير فرق بين علف الدابة و غيره، و مع عدمه يسقط الوجوب.

مسألة 4: المراد بالزاد هنا: المأكول و المشروب

(مسألة 4): المراد بالزاد هنا: المأكول و المشروب و سائر ما يحتاج إليه المسافر، من الأوعية التي يتوقف عليها حمل المحتاج إليه، و جميع ضروريات ذلك السفر بحسب حاله: قوّة و ضعفا، و زمانه: حرّا و بردا، و شأنه: شرفا و ضعة. و المراد بالراحلة مطلق ما يركب، و لو مثل السفينة في طريق البحر، و اللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوّة و الضعف بل الظاهر اعتباره من

______________________________

(1) أما عدم الفرق. فلإطلاق الأدلة. و أما أنّه لا وجه له بالنسبة إلى أهل مكة فلا بد و أن يقيد بمن لم يكن من عادته المشي في سائر أسفاره المتعارفة و إلا فهو مستطيع و لو لم تكن له راحلة، إذ ليست للراحلة موضوعية خاصة و إنّما تكون طريقا للوصول إلى المقصد بلا حرج، و مشقة و مهانة. و من تكون عادته المشي في أسفاره لا حرج بالنسبة إليه و لا مشقة و لا مهانة إلا أن يقال: إنّ الزاد و الراحلة يلاحظان بالنسبة إلى النوع لا خصوص الشخص، فالمدار على النوع لا عليه. ثمَّ إنّ المراد بالجماعة الذين ذهبوا إلى عدم الاشتراط منهم المحقق، و الشهيد الثاني، و نسبه في المدارك إلى أصحابنا و لا دليل لهم على ذلك إلا الانصراف و هو مخدوش كما هو معلوم.

(2) كل ذلك، لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و سيرة الناس في أسفارهم المتعارفة التي يحتاجون إلى السفر إليها، و ذكر جملة من هذه الفروع لا موضوع له في هذه الأزمنة.

ص: 53

حيث الضعة و الشرف، كما و كيفا فإذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة، بحيث يعدّ ما دونهما نقصا عليه، يشترط في الوجوب القدرة عليه، و لا يكفي ما دونه و إن كانت الآية و الأخبار مطلقة (1)، و ذلك لحكومة قاعدة نفي العسر و الحرج على الإطلاقات. نعم، إذا لم يكن بحدّ الحرج وجب معه الحج و عليه يحمل ما في بعض الأخبار من وجوبه و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب.

مسألة 5: إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوبا يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق

(مسألة 5): إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوبا يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله و شربه و غيرهما من بعض حوائجه، هل يجب عليه أو لا؟ الأقوى عدمه (2)، و إن كان أحوط (3).

مسألة 6: إنّما تعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده

(مسألة 6): إنّما تعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده (4) فالعراقي

______________________________

(1) لا إطلاق فيها بعد لزوم تنزيلها على المتعارف بين الناس و لا ريب في أنّهم يلاحظون في أسفارهم المتعارفة الضعة و الشرف كما و كيفا. و مع الشك في الإطلاق من هذه الجهة لا يصح التمسك بها، لأنّه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك. و ذكر مثل هذه الفروع لا موضوع له في هذه الأزمنة، مع أنّه بعد كون الموضوع من العرفيات لا وجه لتدخل الفقيه فيه.

(2) لأنّه من تحصيل الاستطاعة و ذلك غير واجب، لأنّ المنساق من الأدلة الاستطاعة الفعلية لا ما تكون بالقوة. فما عن المستند من الوجوب مخدوش. نعم، من كان هذا شأنه في جميع أسفاره المتعارفة و يسافر لإمرار معاشه هكذا و يعيش بهذا النّحو، فالظاهر الوجوب عليه، لصدق كونه مستطيعا، و يمكن أن يحمل كلام المستند عليه.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 12، ص: 54

(3) خروجا عن خلاف المستند.

(4) لصدق الاستطاعة، فتشمله إطلاقات الأدلة و عموماتها، مع أنّ مشي الطريق لا موضوعية فيه بوجه، مضافا إلى إطلاق صحيح ابن عمار «قلت لأبي عبد اللّه

ص: 54

إذا استطاع و هو في الشام وجب عليه، و إن لم يكن عنده بقدر الاستطاعة من العراق بل لو مشى إلى ما قبل الميقات متسكعا، أو لحاجة أخرى من تجارة أو غيرها، و كان له هناك ما يمكن أن يحج به وجب عليه. بل لو أحرم متسكعا فاستطاع و كان أمامه ميقات آخر، أمكن أن يقال بالوجوب عليه، و إن كان لا يخلو عن إشكال (1).

مسألة 7: إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة و لم يوجد سقط الوجوب.

(مسألة 7): إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة و لم يوجد سقط الوجوب. و لو وجد و لم يوجد شريك للشق الآخر، فإن لم يتمكن من أجرة الشقين سقط أيضا (2)، و إن تمكن فالظاهر الوجوب، لصدق الاستطاعة فلا

______________________________

(عليه السلام): الرجل يمر مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان و طريقه بمكة، فيدرك الناس و هم يخرجون إلى الحج، فيخرج معهم إلى المشاهد، أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال (عليه السلام): نعم». و منه يظهر الوجه في بقية المسألة و لا بد من تحقق الاستطاعة و إلا فلا يجب كما هو معلوم.

(1) أما دليل إمكان الوجوب عليه، فللجمود على الإطلاق و العمومات، و أما وجه الإشكال فلأنّه لا يجوز لكل من أحرم إحراما صحيحا أن ينشئ إحراما آخر إلا بعد إتمام نسك الإحرام الأول إلا بدليل يدل على تبديل الإحرام و هو مفقود في المقام، و لا ريب في أنّ الإحرام الأول وقع صحيحا فلا يصح تبديله.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ أهمية حجة الإسلام بعد تحقق شرائطه دليل على جواز التبديل، بل يمكن أن يستكشف من ذلك بطلان ما وقع منه من الإحرام للحج الندبي، كما يمكن أن يقال: بالانقلاب، كما مرّ في حج المملوك و الصبيّ، فلا بطلان للإحرام الأول حينئذ، بل كان متصفا بالندب فعرض ما يوجب اتصافه بالوجوب و لا محذور فيه من عقل أو نقل.

(2) لعدم الاستطاعة في الصورتين، فلا موضوع للوجوب حينئذ، و كذا الكلام في مثل وسائل النقل الحديثة- كالسيارة و الطيارة- بلا فرق في البين.

ص: 55

وجه لما عن العلامة. من التوقف فيه، لأنّ المال له خسران لا مقابل له. نعم، لو كان بذله مجحفا و مضرّا بحاله لم يجب (1)، كما هو الحال في شراء ماء الوضوء.

مسألة 8: غلاء أسعار ما يحتاج إليه، أو أجرة المركوب في تلك السنة لا يوجب السقوط

(مسألة 8): غلاء أسعار ما يحتاج إليه، أو أجرة المركوب في تلك السنة لا يوجب السقوط، و لا يجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكنه من القيمة بل و كذا لو توقف على الشراء بأزيد من ثمن المثل (2) و القيمة المتعارفة، بل و كذا لو توقف على بيع أملاكه بأقلّ من ثمن المثل، لعدم وجود راغب في القيمة المتعارفة فما عن الشيخ: من سقوط الوجوب ضعيف. نعم، لو كان الضرر مجحفا بماله مضرّا بحاله لم يجب (3)، و إلا فمطلق الضرر لا يرفع الوجوب، بعد صدق الاستطاعة و شمول الأدلة. فالمناط هو الإجحاف و الوصول إلى حدّ الحرج الرافع للتكليف (4).

______________________________

(1) المناط كله على صدق الاستطاعة و عدمه و لو كان عدم الصدق لأجل الحرج بحيث يصدق عدم الاستطاعة عرفا لأجل الحرج.

(2) كل ذلك لصدق الاستطاعة، فتشمله إطلاقات الأدلة و عموماتها و لا مقيّد و لا مخصّص لها ما لم ينطبق عنوان الحرج، فيسقط الوجوب حينئذ لأجل الحرج كما يأتي في الفرع اللاحق.

(3) لقاعدة نفي الحرج و الضرر التي هي من أهمّ القواعد الامتنانية المقدمة على جميع الأحكام الأولية و الثانوية.

(4) كما هو الشأن في جميع التكاليف الشرعية من أولها إلى آخرها.

ثمَّ إنّ غلاء أسعار الحج أقسام: فتارة يكون نوعيا في نوع البلاد، و أخرى:

يكون موسميا أي: في موسم الحج و في طريقه. و ثالثة: يكون اقتراحيا فقط و لا يسقط في الأولين، و يشكل عدم سقوطه في الأخير، لأنّه ضرر و حرج كما لا يخفى.

ص: 56

مسألة 9: لا يكفي في وجوب الحج وجود نفقة الذهاب فقط

(مسألة 9): لا يكفي في وجوب الحج وجود نفقة الذهاب فقط، بل يشترط وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده (1) و إن لم يكن فيه أهل و لا مسكن مملوك و لو بالإجارة للحرج في التكليف بالإقامة في غير وطنه المألوف له. نعم، إذا لم يرد العود، أو كان وحيدا لا تعلق له بوطن، لم يعتبر وجود نفقة العود، لإطلاق الآية و الأخبار في كفاية وجود نفقة الذهاب و إذا أراد السكنى في بلد آخر غير وطنه لا بد من وجود النفقة إليه إذا لم يكن أبعد من وطنه، و إلا فالظاهر كفاية مقدار العود إلى وطنه (2).

مسألة 10: قد عرفت أنّه لا يشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه في نفقة الحج من الزاد و الراحلة

(مسألة 10): قد عرفت أنّه لا يشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه في نفقة الحج من الزاد و الراحلة، و لا وجود أثمانها من النقود، بل يجب عليه بيع ما عنده من الأموال لشرائها لكن يستثنى من ذلك ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه (3)، فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله، و لا خادمه المحتاج إليه، و لا ثياب تجمّله اللائقة بحاله فضلا عن ثياب مهنته- و لا أثاث بيته من الفراش و الأواني و غيرهما مما هو محلّ حاجته، بل و لا حليّ المرأة مع حاجتها بالمقدار

______________________________

(1) اشتراط نفقة العود إلى الوطن في الاستطاعة و عدمه يدور مدار الحرج و عدمه، فمع صدق الحرج بدونها تشترط و لا تتحقق الاستطاعة إلا بها، و مع عدم الحرج تتحقق الاستطاعة و لو بدونها و هذا مما يختلف باختلاف الأشخاص و ليس بيانه من وظيفة الفقيه.

(2) إلا إذا كان مضطرا إلى الإقامة في غير وطنه، فلا بد من ملاحظة وجود النفقة إليه حينئذ مطلقا.

(3) لقاعدة نفي الحرج، و ظهور الإجماع، و السيرة و ذلك أيضا يختلف باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة، فربّ شي ء يكون من ضروريات معاش شخص و لا يكون كذلك بالنسبة إلى شخص آخر، و ربّ شي ء يكون من ضروريات المعاش في محل دون محل آخر.

ص: 57

اللائق بها بحسب حالها في زمانها و مكانها، و لا كتب العلم لأهله التي لا بد له منها فيما يجب تحصيله، لأنّ الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية، و لا آلات الصنائع المحتاج إليها في معاشه، و لا فرس ركوبه مع الحاجة إليه، و لا سلاحه، و لا سائر ما يحتاج إليه لاستلزام التكليف بصرفها في الحج العسر و الحرج، و لا يعتبر فيها الحاجة الفعلية فلا وجه لما عن كشف اللثام: من أنّ فرسه إن كان صالحا لركوبه في طريق الحج فهو من الراحلة، و إلا فهو في مسيرة إلى الحج لا يفتقر إليه بل يفتقر إلى غيره، و لا دليل على عدم وجوب بيعه حينئذ. كما لا وجه لما عن الدروس: من التوقف في استثناء ما يضطر إليه، من أمتعة المنزل و السلاح، و آلات الصنائع فالأقوى استثناء جميع ما يحتاج إليه في معاشه (1) مما يكون إيجاب بيعه مستلزما للعسر و الحرج. نعم، لو زادت أعيان المذكورات عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحج و كذا لو استغنى عنها بعد الحاجة، كما في حليّ المرأة إذا كبرت عنه و نحوه (2).

مسألة 11: لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه

(مسألة 11): لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه، و كان عنده دار مملوكة، فالظاهر وجوب بيع المملوكة إذا كانت وافية لمصارف الحج، أو متمّمة لها. و كذا في الكتب المحتاج إليها إذا كان عنده من الموقوفة مقدار كفايته، فيجب بيع المملوكة منها. و كذا الحال في سائر المستثنيات إذا ارتفعت حاجته

______________________________

(1) للحاجة مراتب كثيرة منها: الحاجة الفعلية الابتلائية و لا ريب في الاستثناء، و منها: الحاجة القريبة النوعية و هي أيضا استثناء، و منها: الحاجة البعيدة النوعية، و منها: الحاجة الفرضية و يشكل استثناؤهما خصوصا الأخيرة.

(2) كل ذلك لصدق الاستطاعة حينئذ و قد تقدم أنّه لا يعتبر فيها النقد الفعلي، بل المناط التمكن من الحج عرفا و لو بيع ما لا يحتاج إليه فعلا سواء كان مما يحتاج إليه سابقا أم لا.

ص: 58

فيها بغير المملوكة، لصدق الاستطاعة حينئذ إذا لم يكن منافيا لشأنه (1)، و لم يكن عليه حرج في ذلك. نعم، لو لم تكن موجودة، و أمكنه تحصيلها لم يجب عليه ذلك، فلا يجب بيع ما عنده و في ملكه، و الفرق: عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة، بخلاف الصورة الأولى. إلا إذا حصلت بلا سعي منه، أو حصلها مع عدم وجوبه، فإنّه بعد التحصيل يكون كالحاصل أولا.

مسألة 12: لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله

(مسألة 12): لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها، لكن كانت زائدة بحسب القيمة، و أمكن تبديلها بما يكون أقلّ قيمة مع كونه لائقا بحاله أيضا، فهل يجب التبديل للصرف في نفقة الحج أو لتتميمها؟ قولان (2) من صدق الاستطاعة، و من عدم زيادة العين عن مقدار

______________________________

(1) و لا في معرض الزوال عرفا، و المناط في ذلك كله صدق الاستطاعة مع ملاحظة الشأن و الشرف، و سائر الجهات و عدم الصدق، فيجب الحج مع صدقها كذلك و لا يجب مع عدم الصدق، و المرجع فيه متعارف المتشرعة، و مع الشك في الصدق و عدمه، فمقتضى الأصل عدم الوجوب أيضا.

ثمَّ إنّ حق هذه المسألة أن تعنون هكذا: «هل يعتبر في استثناء ما يحتاج إليه الملكية أو يكفي تمكنه عرفا فيما يحتاج إليه بغير الملك؟» مقتضى الأصل و الإطلاق هو الثاني. هذا إذا كان فعلا مستوليا على ما يمكن رفع حاجاته به. و أما إذا أمكن تحصيله بلا عسر و حرج و مهانة، فلا يكون مستطيعا لما يأتي في المتن.

(2) اختار الوجوب جمع منهم الشهيد في الدروس، و المسالك، و العلامة، و صاحب الجواهر، لصدق الاستطاعة عرفا. و نسب عدم الوجوب إلى المحقق الثاني، للأصل. و فيه: أنّه محكوم بالإطلاق بعد صدق الاستطاعة عليه عرفا. نعم، لو لم تصدق الاستطاعة عرفا، أو شك العرف في صدقها، فتصل النوبة إلى الأصل حينئذ. و يمكن اختلاف الصدق، و الشك، و عدم الصدق بحسب الموارد و الأشخاص الخصوصيات و بذلك يمكن جعل النزاع لفظيا.

ص: 59

الحاجة، و الأصل عدم وجوب التبديل. و الأقوى الأول إذا لم يكن فيه حرج أو نقص عليه، و كانت الزيادة معتدا بها، كما إذا كانت له دار تسوى مائة، و أمكن تبديلها بما يسوى خمسين، مع كونه لائقا بحاله من غير عسر، فإنّه يصدق الاستطاعة. نعم، لو كانت الزيادة قليلة جدّا بحيث لا يعتنى بها، أمكن دعوى عدم الوجوب، و إن كان الأحوط التبديل أيضا.

مسألة 13: إذا لم يكن عنده من أعيان المستثنيات لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به

(مسألة 13): إذا لم يكن عنده من أعيان المستثنيات لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به من النقود أو نحوها، ففي جواز شرائها و ترك الحج إشكال.

بل الأقوى عدم جوازه (1)، ألا أن يكون عدمها موجبا للحرج عليه، فالمدار في ذلك هو الحرج و عدمه، و حينئذ فإن كانت موجودة عنده لا يجب بيعها إلا مع عدم الحاجة، و إن لم تكن موجودة لا يجوز شراؤها إلا مع لزوم الحرج في تركه. و لو كانت موجودة و باعها بقصد التبديل بآخر لم يجب صرف ثمنها في

______________________________

(1) هذه المسألة و ما بعدها من صغريات الأهمّ و المهمّ و لا نصّ، و لا إجماع في المسألة و إن كان فيها أقوال متشتتة مع كون أصل الدليل واحد فلو كان شراء تلك الأعيان في هذه المسألة، و التزويج في المسألة التالية أهمّ بحيث ينطبق الحرج على تركه لا يكون مستطيعا، و مع عدم الحرج يستطيع و يجب عليه الحج، و لا وجه للتطويل بأزيد من ذلك، و تشخيص الحرج ليس بنظر الفقيه، بل هو شخصيّ موكول إلى نفس المكلف و هو على نفسه بصيرة. فتارة: يصدق الحرج في ترك اشترائها وجدانا بحيث يكون في معيشته محتاجا إلى الاشتراء إليها فلا استطاعة حينئذ، لأنّها إنّما تلحظ بعد ما يحتاج إليه في معيشته لا أن تكون في عرضه. و أخرى: لا يصدق و يجب الحج عليه حينئذ. و ثالثة: يشك في الصدق و عدمه و المرجع عموم وجوب الحج، لأنّ المخصص إن كان منفصلا و مرددا بين الأقلّ و الأكثر يكون حجة في المتيقن، و في غيره إلى العموم و لا يضرّ ذلك بحجية العام.

ص: 60

الحج، فحكم ثمنها حكمها، و لو باعها لا بقصد التبديل (1) وجب بعد البيع- صرف ثمنها في الحج، إلا مع الضرورة إليها على حدّ الحرج في عدمها.

مسألة 14: إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحج

(مسألة 14): إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحج، و نازعته نفسه إلى النكاح، صرّح جماعة بواجب الحج (2) و تقديمه على التزويج، بل قال بعضهم: و إن شق عليه ترك التزويج و الأقوى- وفاقا لجماعة أخرى- عدم وجوبه، مع كون ترك التزويج حرجا عليه، أو موجبا لحدوث مرض، أو للوقوع في الزنا و نحوه (3). نعم، لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة و لم يكن له حاجة فيها، لا يجب أن يطلقها و صرف مقدار نفقتها في تتميم مصرف الحج، لعدم صدق الاستطاعة عرفا (4).

مسألة 15: إذا لم يكن عنده ما يحج به

(مسألة 15): إذا لم يكن عنده ما يحج به، و لكن كان له دين على

______________________________

(1) لا أثر للقصد و عدمه، بل المناط كله الضرورة و الحرج من ترك الشراء، فمعه لا يجب الحج قصد التبديل أم لا و مع عدمه وجب الحج قصد التبديل أم لا.

(2) منهم المحقق في الشرائع و لا دليل لهم يصح الاعتماد عليه. و العجب أنّ بعضهم جعلوا المسألة من الدوران بين وجوب الحج و استحباب التزويج، فقدّموا الحج من هذه الجهة، و الظاهر أنّ هذا مما لا ينبغي النزاع لأحد في تقديم الحج حينئذ من الأصاغر فضلا عن الأكابر، فالمدار كله على الحرج و عدمه. و تجري الصور الثلاثة التي تعرضنا لها في المسألة السابقة هنا أيضا.

(3) لأنّ العذر الشرعيّ كالعقليّ فلا يكون مستطيعا مع هذا العذر الشرعيّ و يأتي في [مسألة 63] أنّه يعتبر في وجوب الحج أن لا يكون مستلزما لترك واجب أهمّ، أو ارتكاب محرّم.

(4) إلا إذا كانت مطالبة للطلاق خصوصا إذا كان الطلاق خلعيا و بذلت العوض.

ص: 61

شخص بمقدار مئونته أو بما تتم به مئونته، فاللازم اقتضاؤه (1) و صرفه في الحج إذا كان الدّين حالا، و كان المديون باذلا، لصدق الاستطاعة حينئذ، و كذا إذا كان مماطلا و أمكن إجباره بإعانة متسلّط، أو كان منكرا و أمكن إثباته عند الحاكم الشرعي و أخذه بلا كلفة و حرج. بل و كذا إذا توقف استيفاؤه على الرجوع إلى حاكم الجور- بناء على ما هو الأقوى من جواز الرجوع إليه مع توقف استيفاء الحق عليه- لأنّه حينئذ يكون واجبا بعد صدق الاستطاعة، لكونه مقدمة للواجب المطلق، و كذا لو كان الدّين مؤجلا، و كان المديون باذلا قبل الأجل لو طالبه. و منع صاحب الجواهر الوجوب حينئذ، بدعوى: عدم صدق الاستطاعة محلّ منع، و أما لو كان المديون معسرا أو مماطلا لا يمكن إجباره، أو منكرا للدين و لم يمكن إثباته، أو كان الترافع مستلزما للحرج أو كان الدّين مؤجلا مع عدم كون المديون باذلا. فلا يجب، بل الظاهر عدم

______________________________

(1) الصور المتصورة خمسة:

الأول: عدم وجود المال بقدر الاستطاعة و التمكن من تحصيله و لا ريب في عدم وجوب الحج، لأنّه من تحصيل الاستطاعة و ذلك غير واجب.

الثاني: وجوده بقدرها مع وجود المانع عن التصرف فيه و إمكان إزالة المانع بما هو المتعارف من غير حرج و مشقة و منّة، و لا ريب في أنّه مستطيع يجب عليه الحج، لصدق الاستطاعة عرفا.

الثالث: وجوده بقدرها مع وجود مانع عن التصرف و عدم التمكن عن إزالة المانع عقلا، أو شرعا، أو عرفا. و المنساق من ظواهر الأدلة عدم الاستطاعة، لأنّ مثل هذا المانع عذر يعذره اللّه تعالى، فيشمله قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إذا قدر الرجل على ما يحج به ثمَّ دفع ذلك و ليس له شغل يعذره

ص: 62

..........

______________________________

به، فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» (1) و لا فرق بين أنحاء العذر و مراتبها مع صدق عنوان العذر عرفا.

الرابع: أن يشك في أنّه من أيّ القسمين، فيجب الحج للعمومات و الإطلاقات، لأنّ المخصص المنفصل إذا تردد بين الأقلّ و الأكثر لا يضرّ بالتمسك بالعام في غير متيقن التخصيص و هو الأقلّ.

الخامس: أن يشك في أنّه من الاستطاعة الفعلية، أو من القدرة على تحصيل الاستطاعة، و مقتضى الأصل عدم وجوب الحج، لعدم صحة التمسك بالأدلة لوجوبه، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك. نعم، قد يجب الفحص كما يأتي.

و منه يعلم أنّ نزاع الفقهاء في المقام صغرويّ. فإنّ الدّين المؤجل تارة: يكون على شخص يكون في طلبه من المديون منه على الدّائن و لو بأدنى مرتبة من المنة فلا تتحقق الاستطاعة معها. و أخرى: يكون بين صديقين بحيث لو اطلع المديون على أنّ الدّائن يريد الحج لا عطاه دينه فورا و يوبخه على ترك المطالبة، و لا يحكم العرف في مثله بعدم تحقق الاستطاعة، و مجرّد ثبوت حق للمديون على التأخير مع بنائه على الإرفاق كما هو المفروض لا يوجب عدم صدق الاستطاعة، فيكون مراد صاحب الجواهر (رحمه اللّه) بالمنع عن الاستطاعة الصورة الأولى و هو متفق عليه بين الجميع.

و مراد من قال بتحققها في الصورة الثانية و هو أيضا متفق عليه بينهم فيصير النزاع.

لفظيا.

و أما توهم: أنّ في قبول دين غير الحال منه و لا يجب على المالك قبولها- كما في قبول الهبة- فلا يجب الحج في الصورة الثانية أيضا (مدفوع) لأنّه خلاف الفرض، مع أنّ القياس مع الفارق، لأنّ الملك في الهبة لا يحصل إلا بالقبض بخلاف الدّين فإنّ الملك فيه حاصل للدائن.

ص: 63


1- الوسائل باب: 22 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.

الوجوب لو لم يكن واثقا ببذله مع المطالبة (1).

مسألة 16: لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال

(مسألة 16): لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال و إن كان قادرا على وفائه بعد ذلك بسهولة (2)، لأنّه تحصيل للاستطاعة، و هو غير واجب (3). نعم، لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلا، أو مال حاضر لا راغب في شرائه، أو دين مؤجل لا يكون المديون باذلا له قبل الأجل و أمكنه الاستقراض و الصرف في الحج ثمَّ وفاؤه بعد ذلك فالظاهر وجوبه (4) لصدق الاستطاعة حينئذ عرفا، إلا إذا لم يكن واثقا بوصول الغائب أو حصول الدّين بعد ذلك، فحينئذ لا يجب الاستقراض، لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة.

______________________________

(1) كل ذلك لعدم صدق الاستطاعة أو الشك في تحققها، فلا موضوع للوجوب حينئذ في جميع المذكورات و إن وجب الفحص في بعض الموارد.

(2) أما عدم وجوب الاقتراض، فلظواهر الأدلة، و إجماع الإمامية بل المسلمين. و أما الأداء بالسهولة، فله مراتب كثيرة منها إذا جرت عادة الصديقين أو الشريكين على أخذ ما يحتاج إليه من النقود من مال صديقه أو شريكه بلا توجه و التفات من صاحب المال ثمَّ أداؤه دفعة أو تدريجا بلا تعرض من صاحب المال لذلك بوجه و هو يطمئن و يثق من نفسه بالأداء، فالظاهر صدق الاستطاعة حينئذ إلا أن يقال: بأنّه خلاف المنصرف منها عند العرف، و يكفي الشك في تحقق الاستطاعة في عدم وجوب الحج عليه كما مر.

(3) لإجماع الإمامية بل المسلمين كما مرّ.

(4) إن كان ذلك متعارفا له في سائر حوائجه- كما إذا كانا شريكين صديقين بحيث يأخذ كل منهما من مال الآخر لحوائجه متى شاء و أراد و يضعه متى تمكن منه من دون تعرض لصاحب المال لذلك أصلا- بحيث يصدق أنّه قادر على المال فعلا و يلام على ترك الحج لو ترك من هذه الجهة فلا إشكال في صدق الاستطاعة حينئذ.

و أما مع عدم كونه كذلك، فالشك في تحققه يكفي في عدم الوجوب.

ص: 64

مسألة 17: إذا كان عنده ما يكفيه للحج، و كان عليه دين

(مسألة 17): إذا كان عنده ما يكفيه للحج، و كان عليه دين، ففي كونه مانعا عن وجوب الحج مطلقا- سواء كان حالا مطالبا به أم لا، أو كونه مؤجلا- أو عدم كونه مانعا إلا مع الحلول و المطالبة، أو كونه مانعا إلّا مع التأجيل أو الحلول مع عدم المطالبة، أو كونه مانعا إلا مع التأجيل وسعة الأجل للحج و العود أقوال؟ و الأقوى كونه مانعا، إلا مع التأجيل و الوثوق بالتمكن من أداء الدّين إذا صرف ما عنده في الحج و ذلك لعدم صدق الاستطاعة في غير هذه الصورة (1)، و هي المناط في الوجوب، لا مجرّد كونه مالكا للمال و جواز التصرف فيه بأيّ وجه أراد، و عدم المطالبة في صورة الحلول أو الرّضا بالتأخير لا ينفع في صدق الاستطاعة. نعم، لا يبعد الصدق إذا كان واثقا بالتمكن من الأداء، مع فعلية الرضا بالتأخير من الدائن، و الأخبار الدالة على جواز الحج

______________________________

و أما توهم: أنّه يعتبر في الاستطاعة الملك، و القدرة، و إمكان الاستعانة به على الحج، لقوله (عليه السلام) في تفسيرها: «له زاد و راحلة» (1) و قوله (عليه السلام):

«إذا قدر الرجل على ما يحج به» (2) و قوله (عليه السلام): «عنده ما يحج به» (3) أو غيره. فهو فاسد، لأنّه من التطويل فيما لا يلزم التطويل فيه، بل المناط كله صدق الاستطاعة عرفا و لو لم يكن مالكا لشي ء- كما في الحج البذلي، و كما يأتي في [مسألة 29] فمع صدقها يجب، و مع عدم الصدق أو الشك فيه لا يجب. و المسألة عرفية لا أن تكون نظرية فقهية.

(1) لما تقدم في [مسألة 9] من أنّ الاستطاعة إنّما تتحقق بعد استثناء الضروريات المحتاج إليها، و أداء الدّين من أهمّ ما يحتاج إليه، فتلحظ الاستطاعة بعد استثنائه. نعم، مع وثوقه بالأداء، كوثوقه بحصول سائر مئونة التي يحتاج إليها

ص: 65


1- الوسائل باب: 8 من أبواب وجوب الحج حديث: 7.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الحج حديث: 8.

لمن عليه دين (1) لا تنفع في الوجوب، و في كونه حجة الإسلام (2) و أما صحيح معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام): «عن رجل عليه دين أ عليه أن يحج؟ قال: نعم، إنّ حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين».

______________________________

تصدق الاستطاعة عرفا، فيكون المقام مثل اعتبار الرجوع عن كفاية. و يأتي في [مسألة 57] أنّه يكفي الاطمئنان المتعارف في تحققه و حصوله.

ثمَّ لا وجه لنقل الأقوال مع عدم صحة الاستناد إليها خصوصا في كتاب أعدّ للفتوى لا الاستدلال، و النقض و الإبرام. و القول الأول للشرائع، و الثاني للمدارك، و الثالث يرجع إلى الثاني فلا وجه لعدّه مستقلا، و الرابع لكشف اللثام. و الكل مخدوش، لما مرّ مرارا من أنّ المناط على صدق الاستطاعة عرفا و عدمه و هو يختلف باختلاف الخصوصيات و الأشخاص. و يمكن أن يكون النزاع لفظيا.

(1) كصحيح ابن وهب: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) يكون، عليّ الدّين، فتقع في يدي الدّراهم فإن وزعتها بينهم لم يبق شي ء فأحج بها أو أوزعها بين الغرماء؟ فقال (عليه السلام): تحج بها، و ادع اللّه تعالى أن يقضي عنك دينك» (1) و مثله صحيح ابن العطار (2).

(2) أما عدم دلالتهما على الوجوب، فلعدم قرينة عليه إلا أن يقال: «تحج بها» جملة خبرية وقعت موقع الإنشاء فتدل على الوجوب. و لكنه باطل، إذ لا قرينة في البين تدل على أنّها وردت في مورد الإنشاء، و على فرض كون محبوبية أصل الحج قرينة عليه، فيدل على مطلق الرجحان لا الوجوب. و أما عدم استفادة كونه حجة الإسلام فكذلك، إذ لا قرينة عليه من حال أو مقال، مع أنّه لا بد من تقييده بعدم كون الدّين حالا و الدائن مطالبا.

ص: 66


1- الوسائل باب: 50 من أبواب وجوب الحج حديث: 10.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب وجوب الحج حديث: 10.

و خبر عبد الرحمن عنه (عليه السلام) أنّه قال: «الحج واجب على الرجل و إن كان عليه دين». فمحمولان على الصورة التي ذكرنا (1) أو على من استقر عليه الحج سابقا و إن كان لا يخلو من إشكال (2)، كما سيظهر فالأولى الحمل الأول (3). و أما ما يظهر من صاحب المستند (4) من أنّ كلا من أداء الدّين و الحج واجب- فاللازم- بعد عدم الترجيح- التخيير بينهما في صورة الحلول مع المطالبة، أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب و العود، و تقديم الحج في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير، أو التأجيل مع سعة الأجل للحج و العود و لو مع عدم الوثوق بالتمكن من أداء الدّين بعد ذلك، حيث لا يجب المبادرة إلى الأداء فيهما فيبقى وجوب الحج بلا مزاحم.

ففيه: أنّه لا وجه للتخيير في الصورتين الأوليين، و لا لتعيين تقديم الحج في الأخيرتين بعد كون الوجوب- تخييرا أو تعيينا- مشروطا بالاستطاعة، الغير الصادقة في المقام خصوصا مع المطالبة و عدم الرضا بالتأخير. مع أنّ التخيير

______________________________

(1) مع أنّها موهونة بإعراض المشهور عن إطلاقها، فلا وجه للتمسك بها.

(2) لانسباق الحكم الأولي الثابت لذات الحج منها لا ما ثبت بالنسبة إلى عوارضه من الاستقرار و نحوه.

(3) بل الأولى طرحها رأسا، لوهنها بالإعراض.

(4) قد وقع الخلط في كلام صاحب المستند بين التعارض و التزاحم في الدليلين العرضيين أي: كونهما في عرض واحد و الدليلين الطوليين أي: كون أحدهما مقدّما على الآخر لحكومة أو نحوها. و المقام من الثاني لا الأول، لحكومة استثناء ما يحتاج إليه الشخص عرفا و شرعا على دليل الاستطاعة حكومة عرفية شرعية و قد أثبتنا في كتابنا «تهذيب الأصول» أنّه لا تعارض بين دليلي الحاكم و المحكوم. و في المستند، و العوائد من هذا القسم من الاستدلالات كثير «قدس اللّه سرهما و رفع مقامهما في الدرجات العالية».

ص: 67

فرع كون الواجبين مطلقين و في عرض واحد، و المفروض أنّ وجوب أداء الدّين مطلق، بخلاف وجوب الحج فإنّه مشروط بالاستطاعة الشرعية (1).

نعم، لو استقر عليه وجوب الحج سابقا فالظاهر التخيير لأنّهما حينئذ في عرض واحد (2) و إن كان يحتمل تقديم الدّين إذا كان حالا مع المطالبة أو مع عدم

______________________________

(1) لا وجه للتقييد بالشرعية، لأنّ أداء الدّين من الحوائج العرفية المقدم على الاستطاعة مطلقا.

(2) لما اشتهر من تقديم حق الناس على حق اللّه تعالى عند الدوران و لكنه لم يثبت أصله و لا كليته، و ما ورد من: «أنّ الذنوب ثلاثة: ذنب يغفر، و ذنب لا يغفر و ذنب لا يترك، فالذي يغفر ظلم الإنسان نفسه، و الذي لا يغفر ظلم الإنسان ربّه و الذي لا يترك ظلم الإنسان غيره» (1) لا يصلح للاستدلال به، إذ لا يستفاد منه أهمية حق الناس من حق اللّه تعالى، مع أنّ جميع الذنوب تكون ظلما للّه تعالى، و كيف لا يكون الظلم على اللّه تعالى ظلما على النفس، و كذا الظلم على الغير. فكل ظلم متعلقه الأولي هو النفس أولا و بالذات و إن كان متعلقه الخارجي هو الغير.

و يمكن أن يختص ظلم الإنسان ربه بخصوص الشرك فقط، لإطلاق قوله تعالى إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ (2) هذا، مع أنّ ظهور اتفاقهم على التوزيع بعد الموت يكشف عن عدم الأهمية لحق الناس و إلا وجب تقديمه على غيره بعده أيضا.

و ما يقال: من أنّه بعد الموت يتعلق بالعين و حيث لا ترجيح فيتعيّن التوزيع بخلاف زمان الحياة فإنّه في الذمة فتلاحظ الأهمية لا محالة (مخدوش): بأنّه من مجرّد الدعوى بلا دليل عليه، لأنّه مع ثبوت الأهمية لا فرق بينه و بين زمان الحياة و بعد

ص: 68


1- ورد مضمونه في الوسائل باب: 78 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.
2- سورة النساء، الآية 48.

الرضا بالتأخير لأهمية حق الناس من حق اللّه لكنّه ممنوع، و لذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزع المال عليهما و لا يقدّم دين الناس و يحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب، لكنه أيضا لا وجه له كما لا يخفى (1).

مسألة 18: لا فرق- في كون الدّين مانعا من وجوب الحج- بين أن يكون سابقا على حصول المال بقدر الاستطاعة أولا

(مسألة 18): لا فرق- في كون الدّين مانعا من وجوب الحج- بين أن يكون سابقا على حصول المال بقدر الاستطاعة أولا (2)، كما إذا استطاع للحج. ثمَّ عرض عليه دين، بأن أتلف مال الغير- مثلا- على وجه الضمان من دون تعمد، قبل خروج الرفقة، أو بعده قبل أن يخرج هو، أو بعد

______________________________

الموت و التعلق بالعين أو بالذمة. نعم، بناء اللّه جلّ جلاله على التفضل، و الغفران، و عدم المؤاخذة. و بناء الناس على المؤاخذة خصوصا بعض النفوس، و ما ورد: «أنّ اللّه تعالى لا يترك ظلم العباد بعضهم لبعض حتى يرضى المظلوم» (1) لا يصلح للاستدلال به كما في جملة من الأخبار: «إنّ اللّه تعالى يرضى المؤمنين بعضهم عن بعض في يوم القيامة» (2) فراجع الأخبار الكثيرة فالكل يرجع بالتالي إلى اللّه تعالى فإنّ بيده الغفران مباشرة أو تسبيبا.

(1) لأنّه لا دليل من عقل، أو نقل على الترجيح بمجرد الأسبقية ما لم يكن مرجح في البين من جهات أخرى.

(2) لأنّ أداء الدّين من الحوائج الضرورية و قد تقدم أنّ الاستطاعة إنّما تلحظ بعدها، و لا فرق في الحوائج الضرورية بين ما حصلت قبل وصول المال إلى حدّ الاستطاعة أو بعده إذا انطبق الحرج على كل منهما كما إذا احتاج إلى صرف ماله بعد الاستطاعة للمعالجة فلا موضوع للاستطاعة حينئذ مع الاحتياج إلى صرف المال فيها، و هكذا في سائر الحوائج العرفية التي يقع في الحرج بعدم صرف ماله فيها.

ص: 69


1- راجع مضمونه في الوسائل باب: 78 و 79 من أبواب جهاد النفس حديث: 2.
2- راجع مضمونه في الوسائل باب: 78 و 79 من أبواب جهاد النفس حديث: 2.

خروجه قبل الشروع في الأعمال فحاله حال تلف المال من دون دين، فإنّه يكشف عن عدم كونه مستطيعا (1).

مسألة 19: إذا كان عليه خمس أو زكاة، و كان عنده مقدار ما يكفيه للحج لولاهما

(مسألة 19): إذا كان عليه خمس أو زكاة، و كان عنده مقدار ما يكفيه للحج لولاهما، فحالهما حال الدّين مع المطالبة لأنّ المستحقين لهما مطالبون فيجب صرفه فيهما و لا يكون مستطيعا، و إن كان الحج مستقرا عليه سابقا تجي ء الوجوه المذكورة: من التخيير، أو تقديم حق الناس (2)، أو تقديم الأسبق. هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمته، و أما إذا كانا في عين ماله فلا إشكال في تقديمهما على الحج (3)، سواء كان مستقرا عليه أم لا، كما أنّهما يقدمان على ديون الناس أيضا (4). و لو حصلت الاستطاعة و الدّين و الخمس و الزكاة معا (5) فكما لو سبق الدّين.

مسألة 20: إذا كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جدّا

(مسألة 20): إذا كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جدّا كما بعد

______________________________

(1) و الوجه في ذلك كله حكومة ما دل على قضاء الحوائج المتعارفة شرعية كانت أو عرفية على الاستطاعة فتلحظ الاستطاعة بعد جميع ذلك مطلقا.

(2) و تقدّم ما يتعلق به، و للحاكم الشرعي مع اقتضاء المصلحة و تحقق سائر الجهات أن يؤخر أخذه عنه حتى يحج ثمَّ يأخذه منه تدريجا مع الاستيثاق من كل جهة.

(3) لتعلقها بالعين بخلاف الحج فإنّه متعلق بالذمة فقط. هذا مع استقرار الحج. و أما مع عدمه فوجوب أدائهما مانع عن تحقق الاستطاعة رأسا.

(4) لا وجه لحصول الدّين و الاستطاعة معا، لما مرّ من أنّ الدّين يمنع عن حصولها و إنّما تلحظ الاستطاعة بعد أداء الدّين.

(5) أي: في صورة ما إذا كانا في عين ماله، لما مرّ من تعلقها بالعين و تعلق الدّين بالذمة فقط.

ص: 70

خمسين سنة- فالظاهر عدم منعه (1) عن الاستطاعة، و كذا إذا كان الديان مسامحا في أصله، كما في مهور نساء أهل الهند، فإنّهم يجعلون المهر ما لا يقدر الزوج على أدائه- كمائة ألف روبية، أو خمسين ألف- لإظهار الجلالة، و ليسوا مقيدين بالإعطاء و الأخذ، فمثل ذلك لا يمنع من الاستطاعة و وجوب الحج كالدّين ممن بناؤه على الإبراء، إذا لم يتمكن المديون من الأداء، أو واعده بالإبراء بعد ذلك (2).

مسألة 21: إذا شك في مقدار ماله و أنّه وصل إلى حدّ الاستطاعة أو لا هل يجب عليه الفحص أم لا؟

(مسألة 21): إذا شك في مقدار ماله و أنّه وصل إلى حدّ الاستطاعة أو لا هل يجب عليه الفحص أم لا؟ وجهان، أحوطهما ذلك (3) و كذا إذا علم

______________________________

(1) لعدم ترتب آثار الدّين الفعلي بالنسبة إليه عرفا.

(2) مع الوثوق و الاطمئنان المتعارف بالوفاء بوعده.

(3) لوجوب الفحص في كل ما كان معرضا عرفيا للوقوع في خلاف الواقع و قد أفتى (رحمه اللّه) بوجوب الفحص في (فصل غسل الجنابة) في ما إذا شك في الخارج أنّه منّي أو لا، مع أنّه من الشبهة الموضوعية. و نسب إلى المشهور وجوب الفحص عند الشك في تحقق النصاب في الزكاة، و دل عليه خبر زيد الصائغ (1) و قد مرّ في [مسألة 3] من زكاة النقدين. و مورد السؤال و إن كان هو الزكاة و لكن يمكن استفادة التعميم من حكم الإمام (عليه السلام) بمناسبة الحكم و الموضوع في كل مقام. و المناط كله المعرضية العرفية القريبة في الشبهة للوقوع في خلاف الواقع إلا في مثل الطهارة الخبثية، لبناء الشارع فيها على التسهيل و التيسير، و الا فيما دل الدليل على عدم لزوم الفحص فيه. و المناط في وجوب الفحص في الأحكام ذلك أيضا. و ما اشتهر من أنّه لا يجب الفحص في الشبهات الموضوعية إن كان من الإجماع المعتبر يصح الاعتماد عليه و إلا فلا اعتبار به. و كونه من الإجماع المعتبر أول الدعوى.

ص: 71


1- الوسائل باب، 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

مقداره و شك في مقدار مصرف الحج، و أنّه يكفيه أولا.

مسألة 22: لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب و الإياب و كان له مال غائب

(مسألة 22): لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب و الإياب و كان له مال غائب لو كان باقيا يكفيه في رواج أمره بعده العود، لكن لا يعلم بقاءه أو عدم بقائه، فالظاهر وجوب الحج بهذا الذي بيده، استصحابا لبقاء الغائب (1) فهو كما لو شك في أنّ أمواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أم لا فلا يعد من الأصل المثبت (2).

مسألة 23: إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج

(مسألة 23): إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج، يجوز له قبل أن يتمكن من المسير- أن يتصرّف فيه (3) بما يخرجه عن الاستطاعة، و أما بعد

______________________________

(1) لإطلاق أدلة اعتبار الاستصحاب الشامل لكل ما إذا ترتب الأثر الشرعيّ على المستصحب سواء كان بالنسبة إلى ما مضى أو ما يأتي. نعم، لا بد له من حصول الوثوق و الاطمئنان باستيلائه على المال بعد العود و لو لم يحصل لا وجه للاستصحاب، لأنّ مجرّد البقاء من حيث هو لا أثر له. و لعل نظر من أشكل في الاستصحاب إلى هذه الصورة.

(2) فيترتب الأثر الشرعيّ عليه و هو وجوب الحج عليه بلا واسطة فلا يكون مثبتا. نعم، لو كان المراد إثبات نفس البقاء من حيث هو يكون مثبتا و لكن لا وجه له أصلا مع إمكان إرادة إثبات الوجوب.

(3) المناط كله في جواز التفويت و عدمه حصول اليأس العرفي من المسير و عدم حصوله، فمع حصول اليأس المتعارف عنه يجوز، و مع عدمه لا يجوز، و مع الشك يأتي حكمه و ذلك مما يختلف باختلاف الموارد و الأشخاص و الأزمنة، و الأمكنة، و ليس تشخيصه من وظيفة الفقيه، و كل ما ذكره الفقهاء طريق إلى ذلك لا أن يكون له موضوعية خاصة، إذ لا دليل على ما ذكروه، إذ لا نصّ و لا إجماع في المسألة فلا بد و أن تطابق مع القاعدة و هي: قاعدة «قبح تعجيز المكلف نفسه عما يتعلق به التكليف» و هي من القواعد العقلائية في الجملة فيما إذا احتمل التكليف احتمالا

ص: 72

التمكن منه فلا يجوز و إن كان قبل خروج الرفقة، و لو تصرف بما يخرجه عنها بقيت ذمته مشغولة به، و الظاهر صحة التصرف- مثل الهبة، و العتق- و إن كان فعل حراما لأنّ النهي متعلق بأمر خارج (1). نعم، لو كان قصده في ذلك

______________________________

عقلائيا. و منشأ قبحه أنّ التعجيز نحو استخفاف و هتك بشأن المولى، و إذا ثبت القبح العقلي تثبت الحرمة الشرعية، و كل ما صدق التعجيز يحرم، و كل ما لم يصدق فلا حرمة، و في مورد الشك يكون جريان البراءة و عدمه مبنيا على جريانها في مورد الشك في القدرة. و قد ذكرنا في الأصول و بعض المسائل السابقة ما يتعلق به فراجع و يمكن أن يفصّل في الشك بحسب مراتب احتمال السير شدة و ضعفا.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ ذكر وقت الحج و القافلة و نحوهما من التعبيرات في الكلمات مثال لمطلق التمكن من المسير و ليس محدودا بحدّ خاص و وقت مخصوص، لعدم الدليل عليه من نص أو إجماع معتبر، و المدار في ذلك كله عرف المتشرعة و أهل خبرة هذه الأمور و لا وجه لنقل الكلمات و التعرض لها، لأنّ كلها اجتهادات من الفقهاء (رحمهم اللّه) بحسب أنظارهم و المناسبات المرتكزة في أذهانهم الشريفة. و مما ذكرناه يظهر أنّ ما أطال به بعض ليس في محله إذ لا موضوع للتطويل بعد بيان أصل القاعدة.

(1) المعروف أنّ تعلق النهي بالداخل و الخارج له فرق في العبادات فيقتضي الفساد في الأول دون الأخير، و الأول كقوله (عليه السلام): «لا تصلّ في الحرير» (1) و الثاني كقوله تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ (2) و أما في غير العبادات فالنهي فيها لا يقتضي الفساد مطلقا إلا إذا كان إرشادا إليه سواء تعلق بالسبب أم بالمسبب أو بالعوضين، فيفسد إن كان المنهي إرشادا إلى

ص: 73


1- الوسائل باب: 11 من أبواب لباس المصلي.
2- سورة الجمعة، الآية 9.

التصرف الفرار من الحج لا لغرض شرعيّ، أمكن أن يقال بعدم الصحة (1).

و الظاهر أنّ المناط في عدم جواز التصرف المخرج هو التمكن في تلك السنة (2)، فلو لم يتمكن فيها، و لكن يتمكن في السنة الأخرى لم يمنع عن جواز التصرف، فلا يجب إبقاء المال إلى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة، فليس حاله حال من يكون بلده بعيدا عن مكة بمسافة سنتين.

مسألة 24: إذا كان له مال غائب بمقدار الاستطاعة- وحده

(مسألة 24): إذا كان له مال غائب بمقدار الاستطاعة- وحده، أو منضما إلى ماله الحاضر- و تمكن من التصرف في ذلك المال الغائب، يكون

______________________________

الفساد، و أما إذا لم يكن إرشادا إليه بل كان من مجرّد التكليف فقط فلا فساد و إن أثم من حيث مخالفة التكليف، و يمكن أن يكون مراده (رحمه اللّه) بتعلق النهي بأمر خارج يعني أنّه ليس إرشادا إلى الفساد.

(1) لا وجه لعدم الصحة حتى بناء على هذا القصد أيضا إذ لا يخرج النهي به عن كونه تكليفا و لا يصير بذلك إرشادا إلى الفساد، كما لا يؤثر هذا القصد في تحريم المقدمية، لحرمتها في المقدمات التوليدية مع العلم بترتب الحرام قصد التوصل بها إليه أو لا، و لا تحرم في غيرها قصد التوصل أو لا فراجع ما ذكرناه في كتابنا الأصول.

(2) الأقسام ثلاثة- فتارة: يكون صرف وجود الاستطاعة أينما تحققت منشأ لوجوب الحج و حفظ المال، و عدم جواز التعجيز. و على هذا لا فرق بين الحج الذي في سنته الاستطاعة و مسافة قليلة و فيما يستغرق مسافة سنين لفرض أنّ صرف وجودها منشأ لوجوبه.

و أخرى: تكون الاستطاعة الحاصلة في زمان خاص موجبة لوجوبه و هي التي ترى المتشرعة تفويتها تفويتا و تعجيزا للتكليف بالحج.

و ثالثة: يشك في أنّه من أيّ القسمين؟ و مقتضى سيرة المتشرعة قديما و حديثا و المتيقن من الأدلة هو الثانية و الأولى مورد البراءة، إذا المسألة من صغريات الأقلّ

ص: 74

مستطيعا (1) و يجب عليه الحج و إن لم يكن متمكنا من التصرف فيه و لو بتوكيل من يبيعه هناك- فلا يكون مستطيعا (2) إلا بعد التمكن منه أو الوصول في يده (3). و على هذا، فلو تلف في الصورة الأولى بقي وجوب الحج (4) مستقرا عليه، و إن كان التمكن في حال تحقق سائر الشرائط، و لو تلف في الصورة الثانية لم يستقر (5)، و كذا إذا مات مورثه و هو في بلد آخر، و تمكن من التصرف في حصته أو لم يتمكن، فإنّه على الأول يكون مستطيعا، بخلافه على الثاني.

مسألة 25: إذا وصل ماله إلى حدّ الاستطاعة

(مسألة 25): إذا وصل ماله إلى حدّ الاستطاعة، لكنه كان جاهلا به أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه ثمَّ تذكر بعد أن تلف ذلك المال، فالظاهر

______________________________

و الأكثر لتعين الثانية و الشك في الأولى. و منه يعلم حكم صورة الشك أيضا، لأنّ المرجع فيها البراءة عن غير ما هو المعلوم. و نحن قد جعلنا المدار على صدق التمكن و عدمه و عليه أيضا لا فرق بين التمكن في هذه السنة أو سنة أخرى بعد صدق التمكن عند متعارف أهل خبرة هذه الأمور.

(1) المرجع في صدق الاستطاعة و عدمها و صدق التمكن من التصرف في هذه المسألة حكم العرف، فإن صدق ذلك بنظر المتعارف يجب الحج، و مع عدمه لا يجب، و مع الشك فالأحوط الفحص. و أما دليل اعتبار التمكن من التصرف فهو مضافا إلى الإجماع ظواهر النصوص الواردة في بيان الاستطاعة، و تدل عليه المرتكزات العرفية أيضا.

(2) من جهة عدم التمكن من التصرف في ماله و هو شرط الاستطاعة و مع فقد الشرط لا وجه لوجود المشروط.

(3) لفرض عدم صدق التمكن من التصرف إلا بذلك.

(4) فيما إذا كان مقصرا، و أما مع عدمه فلا وجوب للحج، لعدم الاستطاعة حينئذ كما مرّ.

(5) إذا لم يكن مقصّرا و إلا فيستقر كما هو واضح.

ص: 75

استقرار وجوب الحج عليه (1) إذا كان واجدا لسائر الشرائط حين وجوده، و الجهل و الغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة في غاية الأمر: أنّه معذور في ترك ما وجب عليه (2). و حينئذ فإذا مات- قبل التلف أو بعده- وجب الاستيجار عنه إذا كانت له تركة بمقداره، و كذا إذا نقل ذلك المال إلى غيره- بهبة أو صلح- ثمَّ علم بعد ذلك أنّه بقدر الاستطاعة. فلا وجه لما ذكره المحقق القمّي في أجوبة مسائله: من عدم الوجوب، لأنّه لجهله لم يصر موردا، و بعد النقل و التذكر ليس عنده ما يكفيه، فلم يستقر عليه، لأنّ عدم التمكن- من جهة الجهل و الغفلة- لا ينافي الوجوب الواقعيّ، و القدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي، و هي موجودة، و العلم شرط في التنجز لا في أصل التكليف (3).

مسألة 26: إذا اعتقد أنّه غير مستطيع فحج ندبا

(مسألة 26): إذا اعتقد أنّه غير مستطيع فحج ندبا، فإن قصد امتثال الأمر المتعلق به فعلا، و تخيّل أنّه الأمر الندبيّ أجزأ عن حجة الإسلام، لأنّه حينئذ من باب الاشتباه في التطبيق (4) و إن قصد الأمر الندبيّ على وجه التقييد

______________________________

(1) لأنّ المدار في تحقق الشرط على الواقع و العلم و الإحراز طريق إليه كما في جميع الأحكام و موضوعاتها و شرائطها.

(2) إن لم يكن مقصّرا و إلا فهو معاقب بناء على أنّ الجاهل المقصّر معاقب و يجب عليه الحج إن صدق التفويت.

(3) و إن كان مراده (قدّس سرّه) التمسك بإطلاق قوله (عليه السلام): «من ترك الحج و لم يكن له شغل يعذره اللّه به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» (1) ففيه أنّ المراد بالعذر العذر الواقعيّ لا العذر الاعتقادي، و المقام من الثاني لا الأول.

(4) تقدم في [مسألة 9] من اشتراط البلوغ و يأتي في [مسألة 109] ما ينفع

ص: 76


1- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.

لم يجز عنها (1) و إن كان حجه صحيحا (2)، و كذا الحال إذا علم باستطاعة ثمَّ غفل عن ذلك، و أما لو علم بذلك و تخيل عدم فوريتها فقصد الأمر الندبيّ فلا يجزئ، لأنّه يرجع إلى التقييد (3).

مسألة 27: هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد و للراحلة و غيرهما

(مسألة 27): هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد و للراحلة و غيرهما كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى مدّة معينة أو باعه محاباة ذلك؟- وجهان أقواهما العدم، لأنّهما في معرض الزوال (4)، إلا

______________________________

المقام. إن قيل: كيف مع أنّه لم يقصد المأمور به و لا بد من قصده، لتقوّمه بالقصد.

قلت: يكفي القصد الإجماليّ بالنسبة إليه و المفروض تحققه.

(1) إن رجع إلى قصد عدم الحج لو كان في الواقع واجبا و لم نقل بالانقلاب القهري إلى الواجب فلا ريب في عدم الإجزاء عن الواجب حينئذ. و أما لو كان التقييد بالندب من باب التقييد العرفي غير المنافي لقصد ذات الحج في الجملة أيضا فيجزي عن حجة الإسلام، لوجود المقتضي و فقد المانع، و كذا لو قلنا بالانقلاب القهري إلى الواجب فلا ريب في عدم الإجزاء عن الواجب حينئذ و أما لو كان التقييد بالندب من باب التقييد العرفي غير المنافي لقصد ذات الحج في الجملة أيضا فيجزي عن حجة الإسلام، لوجود المقتضي و فقد المانع، و كذا لو قلنا بالانقلاب القهري و يأتي ما ينفع المقام في بعض المسائل الآتية.

(2) يأتي- في [مسألة 109]- أنّ من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه و حج تطوعا أو نيابة الإشكال في صحة الحج و الاحتياط الوجوبي منه (رحمه اللّه) في الترك.

و المقام متحد معها بحسب القاعدة.

إلا أن يقال: إنّ مقتضى القاعدة الصحة في المسألتين و خرجت المسألة الآتية لظهور إجماعهم على البطلان فيها و لا إجماع في المقام عليه.

(3) تقدم أنّه يمكن القول بالصحة حتى مع التقييد.

(4) لأنّ المنساق من الأدلة بحسب الأذهان العرفية تمكن صرف المال فعلا و الاستيلاء عليه بحسب المتعارف بلا احتمال ضمان و تدارك، بحسب القواعد المعتبرة الشرعية و هذا غير متحقق في الملك المتزلزل و إن كان مقتضى أصالة عدم الفسخ ثبوت الاستطاعة ظاهرا، و لكن ظهور الأدلة فيما ذكرناه مقدّم عليها كما هو واضح.

ص: 77

إذا كان واثقا بأنّه لا يفسخ (1). و كذا لو وهبه و أقبضه إذا لم يكن رحما، فإنّه ما دامت العين موجودة له الرجوع، و يمكن أن يقال بالوجوب هنا، حيث إنّ له التصرف في الموهوب، فتلزم الهبة (2).

مسألة 28: يشترط في وجوب الحج- بعد حصول الزاد و الراحلة بقاء المال إلى تمام الأعمال

(مسألة 28): يشترط في وجوب الحج- بعد حصول الزاد و الراحلة- بقاء المال إلى تمام الأعمال (3)، فلو تلف بعد ذلك- و لو في أثناء الطريق- كشف عن عدم الاستطاعة (4)، و كذا لو حصل عليه دين قهرا عليه، كما إذا تلف مال غيره خطأ و أما لو أتلفه عمدا، فالظاهر كونه كإتلاف الزاد و الراحلة عمدا في عدم زوال استقرار الحج (5).

______________________________

(1) بحيث يصدق عرفا أنّه مستطيع فعلا و مسلّط على التصرف في المال كيفما شاء بلا ضمان و تدارك عليه. و هذا مما يختلف بحسب الأشخاص، و مراتب الوثوق و الاطمئنان و مع ذلك كله لو فسخ بعد ذلك يكشف عن عدم الاستطاعة، كما أنّه لو لم يفسخ يكشف ذلك عن تحققها واقعا و لكنه كان معذورا في ترك الفورية هذا بالنسبة إلى المفسوخ عليه.

و أما بالنسبة إلى الفاسخ، فهو من الشك في الاستطاعة وجب عليه الفحص عن حاله في أنّه هل يفسخ أو لا، بل الأحوط الفحص و السؤال على المفسوخ عليه أيضا.

(2) إن لم يكن ذلك بقصد تحصيل الاستطاعة و إلا فلا يجب، لما مرّ من عدم وجوب تحصيلها.

(3) لأنّه المنساق من الأدلة عرفا، و المرتكز في أذهان المتشرعة في هذا العمل المتقوّم بصرف المال حدوثا و بقاء.

(4) لقاعدة انعدام المشروط بانعدام شرطه بعد كون الاستطاعة شرطا حدوثا و بقاء.

(5) أما في حصول الدّين قهرا فلا ريب في عدم صدق تفويت الاستطاعة.

ص: 78

مسألة 29: إذا تلف- بعد تمام الأعمال- مئونة عوده إلى وطنه

(مسألة 29): إذا تلف- بعد تمام الأعمال- مئونة عوده إلى وطنه، أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه- بناء على اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة- فهل يكفيه عن حجة الإسلام أو لا؟ وجهان، لا يبعد الإجزاء (1) و يقرّبه ما ورد (2) من أنّ من مات بعد الإحرام و دخول الحرام أجزأه عن حجة

______________________________

كما أنّه لا إشكال في صدق التفويت في صورة التعمد لأنّ التعمد إلى السبب تعمد إلى المسبب.

(1) لبناء الشارع على التسهيل و التيسير في تكاليفه خصوصا في الحج مع معرضية نفقات الحجاج للضياع و التلف- خصوصا في الأزمنة القديمة- و عدم التعرض في النصوص لهذا الأمر العام البلوى بيانا من المعصوم (عليه السلام) و سؤالا من الرواة عنه (عليهم السلام) فيكشف ذلك عن مسلمية الإجزاء بحيث كان مفروغا عنه لديهم و قد قطع بالإجزاء جمع منهم صاحب المدارك.

(2) بدعوى: أنّه إذا أجزأ مع تلف ذات المكلف حينئذ فمع بقاء الذات و تلف بعض الصفات و إتيان بقية الأعمال يكون الإجزاء بالأولى. و هذا تقريب إجماليّ لا كلية له حتى يرد عليه ما في بعض الشروح و الحواشي.

ثمَّ إنّ الأقسام كثيرة:

الأول: ذهاب أصل الاستطاعة قبل الشروع في الإحرام.

الثاني: ذهابها في أثناء الأعمال، و ظاهرهم عدم الإجزاء في القسمين.

الثالث: ذهاب مئونة الرجوع الى الوطن في أثناء الأعمال.

الرابع: ذهابها قبل الشروع في الأعمال.

الخامس: ذهابها بعد تمام الأعمال.

السادس: ذهاب ما به الكفاية قبل الشروع في الأعمال.

السابع: ذهابه بعد الشروع فيه.

الثامن: بعد الفراغ من الأعمال، و كذا بالنسبة إلى مئونة العيال كما يأتي في

ص: 79

الإسلام، بل يمكن أن يقال بذلك إذا تلف في أثناء الحج أيضا (1).

مسألة 30: الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد و الراحلة

(مسألة 30): الظاهر عدم اعتبار الملكية (2) في الزاد و الراحلة، فلو حصلا بالإباحة اللازمة كفى في الوجوب، لصدق الاستطاعة، و يؤيده

______________________________

[مسألة 56] و مقتضى ما ذكرناه هو الإجزاء في جميع هذه الأقسام.

إن قيل: نعم، لو لا قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط.

(يقال): ظهور بناء الشارع على التسهيل و التيسير في هذا العمل حاكم على القاعدة.

(1) لعموم التسهيل و التيسير، وسعة رحمة اللّه على عبده الضعيف الفقير الذي أمّ بيته و فقدت نفقته.

(2) لإطلاق قوله (عليه السلام): «إذا كان عنده ما يحج به» (1). و قوله (عليه السلام): «يجد ما يحج به» (2)، و قوله (عليه السلام): «إذا قدر الرجل على ما يحج به» (3).

و أما مثل قوله (عليه السلام) في تفسير الاستطاعة: «بأن يكون له زاد و راحلة» (4) فلا يستفاد منه أزيد من الاختصاص و هو متحقق في الإباحة أيضا.

و لا يرد النقض بالمباحات الشرعية- كالاصطياد، و الاحتطاب، و أخذ المعدن مع أنّه لا وجه للوجوب فيها إذ نقول بالوجوب فيها أيضا لو لم يكن من تحصيل الاستطاعة عرفا كما إذا كان قادرا على أخذ مقدار منه بدون أيّ مئونة.

ثمَّ إنّه لا تعتبر في الإباحة أن تكون لازمة كما قيده (رحمه اللّه) بها، بل تكفي الإباحة العرفية لازمة كانت أم لا، بحيث يذم عند الناس على ترك القبول و عدم الصرف في حوائجه المتعارفة.

و بالجملة: سفر الحج كسائر الحوائج المتعارفة يجري فيه جميع ما يجري فيها بلا فرق.

ص: 80


1- تقدم في صفحة: 65.
2- تقدم في صفحة: 65.
3- تقدم في صفحة: 65.
4- تقدم في صفحة: 65.

الأخبار الواردة في البذل فلو شرط أحد المتعاملين على الآخر في ضمن عقد لازم أن يكون له التصرف في ماله بما يعادل مائة ليرة مثلا، وجب عليه الحج و يكون كما لو كان مالكا له.

مسألة 31: لو أوصى له بما يكفيه للحج

(مسألة 31): لو أوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصي خصوصا إذا لم يعتبر القبول في ملكية الموصى له (1) و قلنا بملكيته ما لم يرد فإنّه ليس له الرد حينئذ.

مسألة 32: إذا نذر- قبل حصول الاستطاعة- أن يزور الحسين عليه السلام في كل عرفة

(مسألة 32): إذا نذر- قبل حصول الاستطاعة- أن يزور الحسين (عليه السلام) في كل عرفة، ثمَّ حصلت لم يجب عليه الحج (2). بل و كذا لو نذر إن جاء مسافرة أن يعطي الفقير كذا مقدارا، فحصل له ما يكفيه لأحدهما، بعد حصول المعلّق عليه، بل و كذا إذا نذر- قبل حصول الاستطاعة- أن يصرف مقدار مائة ليرة مثلا في الزيارة أو التعزية أو نحو ذلك، فإنّ هذا كلّه مانع عن تعلق وجوب الحج به. و كذا إذا كان عليه واجب مطلق فوريّ قبل حصول الاستطاعة، و لم يمكن الجمع بينه و بين الحج ثمَّ

______________________________

(1) إن كانت الوصية من الإيقاع كما قرّبناه في محلّه من أنّ الرد مانع لا أن يكون القبول شرطا، فلا ريب في تحقق الملكية و لو لم يقبل و إن كانت من العقود كما نسب إلى المشهور، فإن عدّ القبول من تحصيل الاستطاعة فلا يجب و إلا وجب و الظاهر اختلاف ذلك بحسب الموارد و الأشخاص. و مع الشك لا بد من التأمل و الفحص، لأنّه من الشك في الاستطاعة، و تقدم وجوب الاحتياط فيه.

(2) البحث في هذه المسألة تارة: بحسب الأصل العملي. و أخرى: بحسب الأدلة العامة. و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة. و رابعة: بحسب الكلمات.

أما الأول: فمقتضى الأصل عدم وجوب الحج بعد الشك في أنّ هذا النحو من الاستطاعة المالية يوجب وجوبه أم لا، بعد الفحص في الأدلة و عدم استفادة شي ء منها.

ص: 81

..........

______________________________

و أما الثاني: فالتمسك بعمومات وجوب الحج تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، للشك في تحقق الاستطاعة مع مثل هذا النذر الذي يكون الوفاء به مذهبا لموضوع الاستطاعة، فيبقى استصحاب وجوب الوفاء به مقتضيا للوجوب بلا مزاحم و معارض بعد عدم جواز التمسك بعموم وجوب الوفاء، لأنّه أيضا من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

و أما الثالث: فقد يظهر منهم التسالم على عدم وجوب حجة الإسلام فيما لو نذر حجا غير حجة الإسلام ثمَّ استطاع، و الظاهر كون نذر الحج من باب المثال فيشمل نذر زيارة الحسين (عليه السلام) أيضا و سائر النذور المنافية لحجة الإسلام مع إطلاق صحيح الحلبي: «إذا قدر الرجل على ما يحج به ثمَّ دفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّه تعالى فيه فقد ترك فريضة من فرائض الإسلام» (1) و النذر عذر شرعيّ، فيصلح للمانعية.

و أما الأخير: فعن بعض تقديم حجة الإسلام، و عن آخرين عدم تحقق الاستطاعة و لزوم الوفاء بالنذر و النزاع بينهم صغرويّ، لأنّ من يقول بتقديم حجة الإسلام يثبت أهميته من وجوب الوفاء بالنذر، و من يذهب إلى لزوم الوفاء بالنذر يثبت أهمية الوفاء به من حجة الإسلام هذا.

و يمكن دفع المناقشة في التمسك بالعمومات بأنّه يصير من التمسك بها في الشبهة المصداقية إن ثبت أهمية وجوب الوفاء بالنذر من وجوب الحج، أو كان احتماله احتمالا معتنى به في الجملة.

و أما إن كان من مجرّد الاحتمال البدوي فهو لا يوجب عدم جواز التمسك بالدليل و إلا لسقط الاستدلال بجملة من العمومات، و لا منشأ لاحتمال الأهمية في وجوب الوفاء بالنذر الّا سبق وجوده على الاستطاعة، و السبق الوجوديّ لا يوجب تأكد الملاك و لا اشتداد الوجوب و تنظير الأسبق وجودا في الأحكام الشرعية على العلل

ص: 82


1- تقدم في صفحة: 62.

..........

______________________________

العقلية التكوينية حيث لا يبقى مع العلة الأولى مجال للعلة المتأخرة التي تكون من سنخ الأولى لا وجه له لا من العقل و لا من النقل، إذ الأحكام الشرعية من الاعتباريات التي تقبل التغيير بالوجوه و الاعتبار مع عدم ابتناء الشرعيات على العقليات.

و أما تنظير المقام بما إذا آجر نفسه أولا بالإجارة الخاصة مباشرة ثمَّ استطاع فإنّه لا يجب عليه الحج فهو فاسد، لأهمية وجوب العمل بالإجارة، لأنّه اجتمع فيه حق اللّه و حق الناس، و مع إحراز الأهمية لا إشكال فيه من أحد. بل يمكن إثبات أهمية الحج، لكثرة ما ورد فيه من التأكيدات الأكيدة كتابا و سنة و أنّه ركن الإسلام و مما بني عليه، و لم يرد مثل ذلك بل ثلثها في وجوب الوفاء بالنذر، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة أيضا.

نعم، لو ثبت أنّ كل وجوب سابق و لو كان أضعف من اللاحق يزيل موضوع اللاحق فلا تتحقق الاستطاعة حينئذ و لكنه من مجرّد الدعوى بلا دليل. و أما دعوى الاتفاق على أنّ من نذر الحج ثمَّ استطاع لا يجب عليه حجة الإسلام فهو على فرض اعتباره المتيقن منه مورده فقط، مع أنّ كونه من الإجماع المعتبر أول الدعوى، لأنّ المسألة معنونة في كتب متأخري المتأخرين فراجع المطولات.

و أما صحيح الحلبي فهو أيضا فيما إذا أحرزت الأهمية و مع عدم إحرازها لا وجه للتمسك به، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، فالإطلاقات الدالة على كثرة الاهتمام بحجة الإسلام لا مانع من التمسك بها من غير فرق بين كون المقام من المتزاحمين الذين لا بد من وجود الملاك في كل منهما، أو المانع و الممنوع اللذين يرجعان إلى التعارض الذي لا ملاك إلا في أحدهما إذ التقديم في كل منهما يحتاج إلى ترجيح إما في الملاك- كما في المتزاحمين- أو في جهة من الجهات في الجملة كما في المانع و الممنوع، و المتعارضين و هما موجودان في الحج، و كذا الكلام في الأمثلة التي يذكرها (رحمه اللّه) فيما بعد.

ص: 83

حصلت الاستطاعة، و إن لم يكن ذلك الواجب أهمّ (1) من الحج، لأنّ العذر الشرعي كالعقلي في المنع من الوجوب (2). و أما لو حصلت الاستطاعة أولا ثمَّ حصل واجب فوريّ آخر لا يمكن الجمع بينه و بين الحج، يكون من باب المزاحمة، فيقدم الأهمّ منهما (3)، فلو كان مثل إنقاذ الغريق قدم على الحج

______________________________

(1) بل لا بد من كونه أهمّ كما تقدم و لا يظنّ منهم (رحمهم اللّه) الالتزام بتقديم أضعف مراتب الوجوب السابق على وجوب الحج بعد الاستطاعة اللاحقة مع كونه من أركان الدّين.

إن قيل: نعم، إنّما هو من أركان الدّين و له أهمية كبرى مع ثبوته، و أما مع الشك فيه فلا موضوع للأهمية (يقال): إحراز أهميته من طرق ثبوته سواء كان المقام من المتزاحمين أم المتعارضين و إن كان من الأول فالعلم بأهمية الملاك أيضا من طرق إحراز الثبوت.

ثمَّ إنّ اصطلاحات ذكرناها في كتابنا (تهذيب الأصول):

منها: المتزاحمان و هو ما إذا كان الحكمان تامان ملاكا و خطابا من كل جهة و لكن المكلّف لا يقدر على الجمع بينهما.

و منها: المتعارضان و هو ما إذا لم يكن في البين إلا حكم واحد ثبوتا و لكن في مرحلة الإثبات ورد دليلان واجدان لشرائط الحجة فلا بد حينئذ من إعمال المرجحات، و مع التساوي بينهما فالتخيير.

و منها: المانع و الممنوع و يعبّر عنه بالمتواردين أيضا و هو ما إذا كان أحد الحكمين مقيدا بعدم الآخر كتقييد وجوب الحج بأن لا يكون في البين واجب فعليّ منجز أهمّ منه، و زعم أنّ المقام من هذا القبيل و مما ذكرناه ظهر أنّه لا وجه لهذا الزعم.

(2) مع ثبوت أهمية و إلا فتقديم أضعف مرتبة من الوجوب على أقوى المراتب لا يقول به أحد عند الدوران.

(3) قد ظهر مما تقدم أنّه لا بد من ملاحظة الأهمية مطلقا سواء كان حصول

ص: 84

و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحج فيه و إلا فلا (1).

إلا أن يكون الحج قد استقر عليه سابقا، فإنّه يجب عليه و لو متسكعا.

مسألة 33: النذر المعلق على أمر قسمان

(مسألة 33): النذر المعلق على أمر قسمان (2)، تارة يكون التعليق على وجه الشرطية، كما إذا قال: «إن جاء مسافري فللّه عليّ أن أزور الحسين (عليه السلام) في عرفة» و تارة: يكون على النحو الواجب المعلّق، كأن يقول: «للّه عليّ أن أزور الحسين (عليه السلام) في عرفة عند مجي ء مسافري». فعلى الأول يجب الحج إذا حصلت الاستطاعة قبل مجي ء مسافرة، و على الثاني لا يجب، فيكون حكمه حكم النذر المنجز، في أنّه لو حصلت الاستطاعة و كان العمل بالنذر منافيا لها لم يجب الحج سواء حصل المعلق عليه قبلها أم بعدها، و كذا لو حصلا معا لا يجب الحج، من دون فرق بين الصورتين و السر في ذلك أنّ

______________________________

الواجب قبل الاستطاعة أم بعدها، لأنّ ما يكون مانعا عن البقاء يكون مانعا عن الحدوث أيضا، فإن كان في مرحلة البقاء من التزاحم ففي الحدوث يكون كذلك فلا وجه للتفكيك بينهما.

(1) لأنّه مع كون الواجب الآخر أهمّ لا يكون مستطيعا في هذه السنة من جهة المزاحمة بالأهمّ. نعم، مع عدم أهمية ذلك الواجب يكون مستطيعا و يجب عليه و إن لم يحج وجب الحج في السنة اللاحقة و لو زالت الاستطاعة.

(2) خلاصة الكلام: أنّ تعليق الإنشاء من حيث هو إنشاء محال، إذ لا تعليق في الإيجاديات بما هو إيجاد، بل إما أن يوجد أو لا، و لا يتصور أن يوجد معلقا، لأنّه خلف. نعم، يصح تعليق المنشأ عرفا و عقلا، و هو إما أن يكون ذات العمل الخارجيّ من حيث إنّه عمل خارجيّ و يعبّر عنه بالمعلق، و إما أن يكون فعلية الوجوب من حيث هو وجوب و اعتبار في حد نفسه.

و بعبارة أخرى: الإنشاء بمعنى اسم المصدر لا من حيث هو إنشاء و قائم بالمنشإ أي: بمعنى المصدر و يعبّر عنه بالواجب المشروط و قد حققنا في كتابنا تهذيب

ص: 85

وجوب الحج مشروط و النذر مطلق، فوجوبه يمنع من تحقق الاستطاعة (1).

مسألة 34: إذا لم يكن له زاد و راحلة

(مسألة 34): إذا لم يكن له زاد و راحلة، و لكن قيل له: «حج و عليّ

______________________________

الأصول إمكان كل من القسمين و وقوعهما خارجا و عدم المانع عنهما ثبوتا. و قد ظهر مما تقدم أنّ في هذه المسألة أيضا يقدم الحج على الوفاء بالنذر، لكونه من أركان الدّين بخلاف النذر، فيكون الحج أهم منه كما مرّ، فراجع.

(1) بناء على أنّ مطلق الوجوب يمنع عن الاستطاعة. و أما بناء على أنّه لا يمنع ما لم يكن أهمّ فلا وجه للمنع عنه، لما تقدم من أهمية الحج.

الحج البذلي و هو: واجب فوريّ كحجة الإسلام، بالأدلة الثلاثة فمن الكتاب إطلاق آية الاستطاعة (1)، و من الإجماع محصّلة و منقولة، و من السنة نصوص كثيرة منها صحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)- في تفسير آية الاستطاعة- «قلت: فمن عرض عليه الحج فاستحيا قال؟ (عليه السلام): هو ممن يستطيع الحج» (2).

و مثله خبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام)- كما في التذكرة- «قلت له:

رجل عرض عليه الحج فاستحيى أ هو ممن يستطيع الحج؟ قال (عليه السلام):

نعم».

و تدل عليه العمومات و الإطلاقات أيضا، لأنّ المراد بالاستطاعة كما مرّ التمكن المتعارف من المسير و هو يحصل بالبذل كما يحصل بغيره و تقدم في [مسألة 29] عدم اعتبار الملكية فراجع. و لا بد في الحج البذلي أن لا يكون حرجيا و مخالفا لشأنه.

ص: 86


1- سورة آل عمران، الآية 97.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

«نفقتك و نفقة عيالك» (1) وجب عليه، و كذا لو قال: حج بهذا المال و كان كافيا له (2) ذهابا و إيابا و لعياله، فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة كما تحصل بملكها (3) من غير فرق بين أن يبيحها له أو يملّكها إيّاه (4)، و لا بين أن يبذل عينها أو ثمنها، و لا بين أن يكون البذل واجبا عليه- بنذر أو يمين أو نحوهما، أو لا (5)، و لا بين كون الباذل موثوقا به أو لا على الأقوى، و القول

______________________________

فما يظهر من الأخبار الدالة على وجوبه و لو على حمار أجدع أبتر (1) لا بد من رد علمه إلى أهله، لإعراض المشهور عنها و منافاتها للحرج المنفيّ. و يمكن حمل مثل هذه الأخبار على الترغيب إلى الحج و أن لا يكلف المبذول له الباذل بل يقنع باليسير، فإنّ أهمية المقصد لائقة بأن يتحمل في دركه المشاق و المتاعب ما لم يصل إلى حدّ الحرج.

(1) لظهور الإجماع على اعتبار نفقة العيال في الحج البذل أيضا، و يأتي اعتباره في الحج الأصلي في [مسألة 56] مع فروع تنفع للمقام فراجع. و يمكن أن يقال بأصالة المساواة بين الاستطاعتين إلا ما خرج بالدليل.

(2) و كذا لو اعتقد كفايته على ما يأتي من التفصيل في [مسألة 49].

(3) لإطلاق الأدلة الشاملة لكل منهما.

(4) لما تقدم من عدم اعتبار الملكية في الاستطاعة و يكفي القدرة الفعلية و هي تحصل بالبذل و لو كان بنحو الإباحة. و ما في بعض الأخبار الواردة- في تفسير الاستطاعة- بأن يكون له زاد و راحلة لا يراد بكلمة «اللام» الملكية بقرينة غيره، بل المراد التمكن الفعلي من الذهاب و الإياب و هو حاصل بالإباحة أيضا.

ثمَّ إنّ الملكية في مورد البذل تحصل بإيجاب من الباذل و قبول المبذول له سواء كان ذلك قوليا أم فعليا، بل يمكن أن يستفاد من إطلاق الأدلة كفاية إنشاء التمليك من الباذل و لو لم يقبل المبذول له.

(5) كل ذلك لإطلاق الأدلة الشامل لجميع ذلك.

ص: 87


1- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الحج حديث: 11.

بالاختصاص بصورة التمليك ضعيف، كالقول بالاختصاص بما إذا وجب عليه، أو بأحد الأمرين (1): من التمليك أو الوجوب. و كذا القول بالاختصاص بما إذا كان موثوقا به (2)، كل ذلك لصدق الاستطاعة، و إطلاق المستفيضة من الأخبار، و لو كان له بعض النفقة فبذل له البقية وجب أيضا (3)، و لو بذل له نفقة الذهاب فقط و لم يكن عنده نفقة العود لم يجب (4)،

______________________________

(1) نسب القول الأول إلى ابن إدريس. و الثاني إلى تذكرة العلامة. و الأخير إلى جمع. و عن المسالك الاختصاص ببذل عين الزاد و الراحلة دون أثمانها. و الكل تقييد للإطلاق من غير دليل معتبر عليه.

(2) كون الباذل موثوقا به تارة: يراد به كونه موثوقا به في نفسه من كل جهة.

و أخرى: من جهة خصوص البذل فقط و لو لم يكن موثوقا به من سائر الجهات، و مقتضى المرتكزات و السيرة العقلائية في مثل هذه الأمور و المنساق من أدلة البذل كفاية الوثوق من الجهة الثانية و إن لم يكن موثوقا به من سائر الجهات، فليس لنفس القول من حيث هو موضوعية خاصة بل المناط كله صدق البذل عرفا، و لا يصدق ذلك بحسب المتعارف إلا مع الاطمئنان العرفي به فلا يثبت الوجوب لا بالنسبة إلى الحكم الواقعي و لا الظاهري، فالاطمئنان بالوفاء مأخوذ في موضوع هذا الحكم.

نعم، مع الشك لا بد من الفحص، لأنّه من الشك في الاستطاعة و قد لزم الفحص فيه، و لعله بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات، فمن لا يعتبر الوثوق أي:

من كل جهة و من يعتبره أي من جهة خاصة. و الظاهر كون ذلك متفقا عليه بينهم إذ لا يعتبر العرف و العقلاء الأثر على من لا يعتنى بأقواله و أفعاله.

(3) لتحقق الاستطاعة عرفا، إذ لا فرق بين التمام و الإتمام في القدرة على الحج و التمكن منه، و يشمله إطلاق أدلة المقام.

(4) لعدم تحقق الاستطاعة، و عدم شمول أخبار البذل، لأنّ المنساق منها نفقة الحج و هي عبارة عن نفقة الذهاب و الإياب، و كل ما يكون مورد الاحتياج في هذا السفر عرفا.

ص: 88

و كذا لو يبذل نفقة عياله (1). إلا إذا كان عنده ما يكفيهم إلى أن يعود، أو كان لا يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج أيضا (2).

مسألة 35: لا يمنع الدّين من الوجوب في الاستطاعة البذلية

(مسألة 35): لا يمنع الدّين من الوجوب في الاستطاعة البذلية (3).

نعم، لو كان حالا، و كان الدّيان مطالبا. مع فرض تمكنه من أدائه لو لم يحج

______________________________

(1) التمكن من نفقة العيال معتبر في أصل الاستطاعة فمن تمكن من نفقة الحج و مع الذهاب إليه لا يقدر على نفقة عياله ليس بمستطيع كما يأتي في [مسألة 56]، و أخبار البذل منزلة على ذلك أيضا، و يكفي الأصل في عدم الوجوب مع عدم التمكن من نفقة العيال بالذهاب إلى الحج بعد الشك في شمول إطلاق أخبار البذل لمثله، مع أنّ نفقة العيال واجبة مع التمكن منها و أهمّ من وجوب الحج و لا بد في وجوب الحج مطلقا بذليا كان أو غيره أن لا يكون مستلزما لترك واجب أهمّ.

(2) أما في الصورة الأولى، فلأنّ البذل حينئذ يصير من الإتمام لا التمام و تقدم وجوبه بالأول كالثاني. و أما في الصورة الأخيرة، فلإطلاق أدلة البذل من غير مانع إذ لا يجب عليه الإنفاق بعد تمكنه منه فلا يكون الحج منافيا لترك واجب فعلي، و المفروض أنّ البذل إنّما هو لجهة خاصة و هو الحج و لا يكون مطلقا حتى يجب قبول المبذول و صرفه في الإنفاق الأهمّ من الحج.

هذا إذا كان المراد بالعيال خصوص واجب النفقة. و يحتمل إرادة العيال العرفيّ أيضا إذا عدّ الإنفاق عليهم من المؤنة تنزيلا للحج البذلي منزلة الحج الأصلي في هذه الجهة كما هو المنساق من إطلاق أدلته، كما أنّه يحتمل عدم الوجوب فيما إذا لم يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج أيضا. و قد قواه بعض مشايخنا، لعدم صدق الاستطاعة عرفا، مقتضى الأصل عدم الوجوب بعد عدم كون أدلة البذل في مقام بيان هذه الجهات حتى يتمسك بإطلاقه، و يقتضيه أصالة المساواة بين الحج البذلي و الحج الأصلي.

(3) أرسل ذلك إرسال المسلمات فراجع المطولات، و يقتضيه إطلاق أدلة البذل و بذلك يخرج عن أصالة المساواة بين الاستطاعتين.

ص: 89

و لو تدريجا، ففي كونه مانعا أو لا وجهان (1).

مسألة 36: لا يشترط الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة البذلية

(مسألة 36): لا يشترط الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة البذلية (2).

مسألة 37: إذا وهبه ما يكفيه للحج لأن يحج وجب عليه القبول على الأقوى

(مسألة 37): إذا وهبه ما يكفيه للحج لأن يحج وجب عليه القبول على الأقوى، بل و كذا لو وهبه و خيّره بين أن يحج به أو لا (3). أما لو وهبه و لم يذكر الحج و لا تعينا و لا تخييرا، فالظاهر عدم وجوب القبول، كما عن المشهور (4).

______________________________

(1) وجه عدم المنع الجمود على إطلاق الأدلة و الكلمات. و وجه المنع الأصل بعد عدم إحراز كون الإطلاق متعرضا لهذه الجهة أيضا مع أنّ وجوب أداء الدّين مع التمكن منه واجب فوريّ و تقدم في [مسألة 16] أنّه مانع عن الحج. و لعل المتشرعة أيضا يستنكرون الذهاب إلى الحج مع التمكن من أداء الدّين لو لم يذهب إليه،.

و طريق الاحتياط للدائن التسامح و الرضا و الاستيثاق منه حتى يذهب و يرجع و يؤدي دينه.

(2) للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و لأنّ اعتباره في الحج الأصليّ إنّما هو لأجل الحرج فإنّه إن كان عنده الرجوع عن كفاية و توقف الحج على صرفه فيه فهو حرج، و إن لم يكن عنده ذلك و توقف الحج على صرف ما عنده من المال في الحج ثمَّ بعد الرجوع يكون في المشقة فهو حرج أيضا و كل منهما منفيان في المقام، لفرض أنّ نفقة الحج ليس من نفسه حتى يلزم المحذور، فهو في حرج على أيّ حال إن لم تكن له كفاية الرجوع حج أو لم يحج.

(3) كل ذلك لإطلاق أدلة المقام، و صدق عرض الحج عليه عرفا، و لكن يعتبر أن لا يكون في القبول مهانة و نحوها مما يأبى المتعارف عن القبول. و من يمنع عن الوجوب فإن أراد صورة المنة و نحوها يكون النزاع بيننا و بينه لفظيا، و إن أراد صورة وجود المقتضي و فقد المانع من كل جهة، فظهور الإطلاق شاهد على خلافه إلا أنه يدعي الانصراف إلى هذه الصورة و هو أيضا لا وجه له كما لا يخفى.

(4) علل ذلك بأنّه نوع من الاكتساب و هو غير واجب في الحج، و باشتماله على المنة. و الأول مردود بإطلاق أدلة المقام. و الثاني بأنّه لا كلية فيه. و يختلف

ص: 90

مسألة 38: لو وقف شخص لمن يحج أو أوصى أو نذر كذلك فبذل المتولّي- أو الوصيّ أو الناذر- له وجب عليه

(مسألة 38): لو وقف شخص لمن يحج أو أوصى أو نذر كذلك- فبذل المتولّي- أو الوصيّ أو الناذر- له وجب عليه، لصدق الاستطاعة، بل لإطلاق الأخبار. و كذا لو أوصى له بما يكفيه للحج يشرط أن يحج، فإنّه يجب عليه بعد موت الموصي (1).

مسألة 39: لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا، أو زكاة و شرط عليه أن يحج به فالظاهر الصحة

(مسألة 39): لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا، أو زكاة و شرط عليه أن يحج به فالظاهر الصحة (2) و وجوب الحج عليه إذا كان فقيرا، أو كانت الزكاة من سهم سبيل اللّه.

______________________________

باختلاف الموارد و الأشخاص. فيكون النزاع صغرويا.

(1) لصدق عرض الحج عليه عرفا سواء كانت الوصية على الجهة أم على الشخص، لشمول الإطلاق لكل منهما.

(2) أما صحة أصل الشرط فمبنيّ على ثبوت ولاية المالك عليه، و مقتضى الأصل عدمها و إن كان يمكن أن يستفاد من كثرة إرفاق الشارع بالملاك جوازها و كون ذلك من فروع أصل ولايته على الإخراج، فيندفع ما يتوهم تارة: من الشك في ثبوت ولاية المالك لذلك إن كان الشرط إنشاء محضا. و أخرى: بأنّه إن كان الشرط بمعنى التقييد للإعطاء فإنّه جزئيّ خارجيّ لا يقبل التقييد. فإنّه فاسد أيضا، لأنّه يصح تقيد الجزئيّ الخارجيّ بقيود فضلا عن قيد واحد، لأنّ القيد في معنى الوصف، فنقول: «جاء زيد العالم السيد ابن فلان» إلى غير ذلك من الأوصاف.

ثمَّ أنّه لا بد من ملاحظة الأهمّ و المهمّ في إعطاء الزكاة للحج سواء كانت من سهم الفقراء، أم من سهم سبيل اللّه.

و لو فرض لغوية الشرط يمكن القول بوجوب الحج عليه، لإطلاق أدلة عرض الحج عليه. هذا كله إذا كان من ناحية المالك بنفسه، و أما لو كان ذلك بعد مراجعة الحاكم الشرعي و أنّه رأى الصلاح فيه فلا إشكال حينئذ.

و أما الحج من الحقوق بلا شرط أو معه، فمبنيّ على جواز صرفها في غير الضروريات الشرعية و العرفية، و يمكن تقريب الجواز بأنّه أيضا كسائر المصارف

ص: 91

مسألة 40: الحج البذلي مجز عن حجة الإسلام

(مسألة 40): الحج البذلي مجز عن حجة الإسلام، فلا يجب عليه إذا استطاع مالا بعد ذلك على الأقوى (1).

مسألة 41: يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام

(مسألة 41): يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام (2) و في جواز رجوعه عنه

______________________________

العرفية و الحوائج المتعارفة التي يصح صرف الحقوق فيها للمستحق و لكن الأحوط الاقتصار في المقام على سهم سبيل اللّه، كما أنّ الأحوط للمالك عدم الشرط. نعم، لا بأس به من سهم سبيل اللّه، لورود النص فيه، و قد تقدّم في كتاب الزكاة في بيان سهم سبيل اللّه [مسألة 22]، و مسائل الختام ما ينفع المقام فراجع.

(1) للنصوص، و الإجماع ففي صحيح ابن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه هل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال (عليه السلام) بل هي حجة تامة» (1)، و يدل عليه أيضا قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن وهب: «هو ممن يستطيع الحج» (2) فيقال:

هذا ممن يستطيع الحج و كل من كان كذلك لا عن نيابة يجزيه الحج في العمر مرّة فهذا يجزيه الحج في العمر مرّة، و يدل عليه أيضا قوله (عليه السلام) في موثق ابن عبد الملك: «قضى عنه حجة الإسلام و تكون تامة، و ليست بناقصة و إن أيسر فليحج» (3)، و مثله خبر أبي بصير فيقال: هذا قضى حجة الإسلام و كل من قضاها لا تجب عليه حجة مرّة أخرى فهذا كذلك، فيحمل ذيل موثق ابن عبد الملك، و أبي بصير، على الندب جمعا. هذا مع أنّ هجر الأصحاب عنهما أوهنهما، فلا وجه لما في الاستبصار- الذي لم يعد للفتوى- من الوجوب عليه مرّة أخرى إن أيسر، و يمكن حمل قوله (رحمه اللّه) على إرادة الندب فلا مخالف في المسألة.

(2) لأصالة بقاء ولايته و سلطنته على ماله فله التصرف فيه كيفما شاء و أراد، و الظاهر عدم ضمان المبذول لما صرفه في مقدّمات الحج لقاعدة الغرور إن تحقق غرور.

ص: 92


1- الوسائل باب: 10 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب وجوب الحج حديث: 6.

بعده (1)

______________________________

(1) البحث في هذه المسألة من جهات:

الأولى: في الحكم التكليفي للرجوع و عدمه. الثاني: في حكم إتمام الحج.

الثالث: ضمان المبذول له لما صرفه من مال الباذل، و ضمان الباذل لما يصرف المبذول له في مصارف الرجوع.

أما الأولى: و هي سيالة في الفقه و تقدم في [مسألة 11] من (فصل مكروهات الدفن)، و [مسألة 21] من (فصل مكان المصلّي)، و [مسألة 29] من الاعتكاف إلى غير ذلك مما مرّ، و يأتي في هذا الكتاب. و كبرى المسألة أنّه إذا كان شي ء متدرج الوجود و كانت صحة هذا الشي ء متوقفة على إذن شخص و رضاه فهل يكفي إذنه في مجرّد حدوث هذا الشي ء و لا يحتاج بعد ذلك إلى إذنه، بل لا أثر لمنعه و نهيه، أو يعتبر إذنه حدوثا و بقاء فله المنع في مرحلة البقاء؟ و ليس في هذه المسألة السيالة نصّ و لا إجماع معتبر، بل المسألة نظرية اجتهادية تختلف فيها الآراء و الأنظار كما هو الشأن في جميع الفروع الاجتهادية. و القواعد التي يمكن أن يعوّل عليها في المقام و هي كثيرة:

الأولى: قاعدة السلطنة الدالة على أنّ صحة ذلك متوقفة على إذن المالك و رضاه حدوثا و بقاء و له السلطنة على ماله بأيّ نحو شاء ما لم ينه عنها الشرع و المفروض عدم ورود نهي من الشارع عن رجوعه عن إذنه، و مع رجوعه عن إذنه لا وجه للصحة من عقل أو نقل، فكل من يعتمد عليها لا بد له من أن يقول بالبطلان بعد الرجوع عن الإذن.

الثاني: قاعدة «الإقدام» يعني: أنّ المالك حيث إنه كان متوجها و لو في الجملة أنّ العمل متدرج الوجود و يستغرق مدّة من الزمان قليلة كانت أو كثيرة، فكأنّه بمجرد إذنه هتك ماله في مرحلة البقاء و أسقط رضاه عن الاعتبار، فللمتصرف حق عليه في الإتمام لا أن يكون له حق على المتصرف في النقض و كل من اعتمد عليها لا بد من القول بالصحة و لو مع نهي المالك.

و فيه: أنّ مجرّد الإذن في شي ء أتمّ من هذا النحو من الاقدام و لا يستفاد ذلك

ص: 93

..........

______________________________

منه بأيّ نحو من أنحاء الدلالات. فهذه القاعدة لا وجه لها في المقام.

الثالث: قاعدة «أنّ الإذن في الشي ء إذن في لوازمه» فإذا أذن في الحدوث فقد أذن في البقاء أيضا فلا أثر للرجوع بعد ذلك، و كل من اعتمد عليها لا بد له من القول بالصحة.

و فيه: أنّه لم تثبت هذه القاعدة بنحو الكلية بدليل عقليّ أو نقليّ: نعم، هي ثابتة في الجملة و بنحو الإهمال، و قاعدة السلطنة حاكمة عليها بلا إشكال.

الرابع: قاعدة: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1)فإبطال مثل الصلاة، أو الإحرام معصية فلا بد و أن لا يرتكبها المتلبس بهما لأجل طاعة المخلوق الذي هو المالك.

و فيه: أنّ المقام من البطلان، لقاعدة أنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه لا الإبطال كما هو واضح.

الخامس: عدم جواز إبطال عمل الغير فلا يجوز للمالك الرجوع، لأنّه إبطال لعمل الغير.

و فيه: أنّها على فرض الصحة إنّما يكون فيما إذا لم يكن لمن يتعرض للإبطال حق في البين، و أما إذا كان له الحق لقاعدة السلطنة فلا، فقاعدة السلطنة حاكمة على هذه القاعدة على فرض ثبوتها.

السادس: قاعدة «إنّ حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لا يجوز واحد» و ظاهرهم التسالم على أنّه لو أذن المالك بالبناء و الغرس أو الزرع في ملكه ثمَّ رجع عن إذنه يلزم على المأذون إخلاء الأرض عما عمل فيه- على تفصيل يأتي في المعاملات.

و فيه: أنّه إن ثبت إجماع فهو معتبر في مورده دون المقام، و كذا ما لو قالوه من أنّه لو أذن في رهن ملكه ليس له الرجوع عن الإذن بعد وقوع الرهن لا يجزي ذلك في المقام أيضا، لأنّه يحصل بالرهن حق للمرتهن فرجوعه يكون تصرفا في حقّ الغير فلا سلطنة له عليه، و يمكن أن يقال في المقام أيضا: إنّه يحصل حق للّه تعالى في مثل

ص: 94


1- تقدم في صفحة: 45.

..........

______________________________

الصلاة و الإحرام فلا سلطنة له في إبطال هذا الحق.

السابع: قاعدة «الصحة» و استصحاب الوجوب على الباذل بعد الشك في شمول قاعدة السلطنة في المقام، و لها وجه خصوصا إن كان المالك في مقام الاقتراح بلا غرض عقلائيّ صحيح، فالأحوط الوجوبيّ للمالك عدم الرجوع بعد التلبس بالإحرام، مع استنكار المتشرعة للرجوع بلا فرق في ذلك بين كون البذل وعدا، أو إيقاعا، فالشك في ثبوت سلطنته و ولايته حينئذ يكفي في عدم جريانهما و جريان استصحاب الوجوب، مع أنّ مثل هذه الموارد يرى العرف، و كذا وجدان الباذل أنّ هذا الإقدام إنّما هو إقدام على إتمام العمل، إذ مجرّد الحدوث من حيث إنّه حدوث لا أثر له حتى يقدم العاقل عليه إلا أن يزاحمه شي ء أهمّ منه، فالرجوع بلا مزاحمة الأهم خلاف العرف و الوجدان.

و يمكن أن يستدل على وجوب الوفاء على الباذل حتى يتم العمل بإطلاق أدلة المقام الدال على وجوب الإتمام على المبذول فإنّه يدل بالملازمة العرفية على وجوب الوفاء و عدم الرجوع بالنسبة إلى الباذل أيضا، إذ ليس المراد بالوجوب مجرّد حدوث الحج فقط، بل الحج بمعنى اسم المصدر أي: العمل الخاص من أوله إلى آخره، و لا فرق فيه تمكن المبذول له من إتمام الحج من شخص آخر أم لا، لأنّ إطلاق ما دلّ على الوجوب يشمل الصورتين و العرف يرى الملازمة بين الوجوبين فيهما، فكما أنّه يجب على المستطيع صرف المال في إتمام الحج يجب على الباذل صرف المال في إتمام من أحجه، فعدم جواز الرجوع في المقام أوفق بالاعتبارات و المرتكزات.

و أما الرجوع في أثناء الصلاة إذا أذن المالك في الصلاة في ملكه ثمَّ رجع فيمكن أن يقال: إنّ عمدة الدليل على حرمة قطع الصلاة في سعة الوقت هو الإجماع و المتيقن منه غير هذه الصورة فلا موضوع للبحث عن عدم جوازه، كما أنّ عدم جواز رجوع الزوج بعد الإحرام فيما إذا أحرمت الزوجة بإذنه، و كذا الولد بالنسبة إلى الوالدين لأجل أهميّة إتمام الإحرام من مراعاة حقهما فلا مورد لمراعاة الحق حينئذ، إذ «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1). و كذا في الرجوع في الاعتكاف الواجب و تأتي في

ص: 95


1- تقدم في صفحة: 45.

وجهان (1) و لو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم الهبة عليه (2)، في جواز الرجوع قبل الإقباض و عدمه بعده إذا كانت لذي رحم، أو بعد تصرف الموهوب له.

مسألة 42: إذا رجع الباذل في أثناء الطريق

(مسألة 42): إذا رجع الباذل في أثناء الطريق، ففي وجوب نفقة العود عليه أو لا وجهان (3).

______________________________

المعاملات جملة من الفروع المناسبة للمقام.

و أما الجهة الثانية و هي: حكم إتمام الحج فمقتضى الأدلة الدالة على أنّه لا يتحلّل من الإحرام إلا بما جعله الشارع محلّلا وجوب إتمام الإحرام إما متسكعا، أو في نفقة غيره بالأجرة أو نحو ذلك، و مع عدم التمكن من ذلك كله يجري عليه حكم المحصور. و أما إجزاء حجه عن حجة الإسلام فقد تقدم حكمه في [مسألة 28] فراجع.

و أما الجهة الثالثة و هي: ضمان الباذل الراجع عن بذله لمصارف المبذول له حتى يرجع إلى محله فدليله منحصر بقاعدة الغرور، و الظاهر أنّه مطابق لمرتكزات المتشرعة أيضا و إن كان الأحوط التصالح و التراضي.

و منه يظهر عدم ضمان المبذول له للنفقات المصروفة بعد رجوع الباذل لكونه مغرورا من قلبه فلا ضمان بالنسبة إليه و إن كان الأحوط التراضي.

و أما توهم اختصاص قاعدة الغرور بخصوص الموارد التي ورد فيها النصّ فهو مخالف لسيرة الأصحاب بالعمل بها في كل باب، مع أنّها من القواعد النظامية العقلائية لا التعبدية حتى تختص بخصوص مورد النص، فالنص ورد على طبق القاعدة لا مخالفا لها.

(1) ظهور مما تقدم أنّ مقتضى استصحاب الوجوب هو الوجه الثاني.

(2) لعموم دليلها الشامل للمقام و غيره.

(3) تقدم أنّ مقتضى قاعدة الغرور الوجوب و معها لا تجري أصالة البراءة و الأحوط التراضي.

ص: 96

مسألة 43: إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية

(مسألة 43): إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية (1) فلو ترك الجميع استقر عليهم الحج فيجب على الكل، لصدق الاستطاعة بالنسبة إلى الكل (2) نظير ما إذا وجد المتيممون ماء يكفي لواحد منهم، فإن تيمّم الجميع يبطل.

مسألة 44: الظاهر أنّ ثمن الهدي على الباذل

(مسألة 44): الظاهر أنّ ثمن الهدي على الباذل (3) و أما الكفارات فان أتى بموجبها عمدا اختيارا فعليه، و إن أتى بها اضطرارا أو مع الجهل أو النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد و غيره، ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان (4).

مسألة 45: إنّما يجب بالبذل الحج الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة

(مسألة 45): إنّما يجب بالبذل الحج الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة

______________________________

(1) بناء على شمول الأدلة لمثل هذا البذل أيضا، و عدم انصرافها عنه و إلا فلا موضوع للوجوب أصلا.

و لكن الظاهر الشمول لظهور الإطلاق كما في أصل حدوث الوجوب. فتكون كيفية الاستقرار تابعة لأصل الحدوث.

(2) لا وجه لذلك بعد عدم كفاية المال إلا للواحد، فيكون الاستقرار على نحو الوجوب الكفائي أيضا، فلو حج واحد منهم كفى. و تقدم ما يتعلق بالتيمم في [مسألة 22] من (فصل أحكام التيمم) فراجع.

(3) لأنّه من مصارف الحج، و المراد ببذل الحج بذل مصارفه التي منها الهدي الذي يلحظ في الحج- خصوصا فيما إذا غلت الأثمان- و لا دليل على الانقلاب إلى الصوم بل مقتضى الأصل عدمه، نعم، لو قبل المبذول له الصوم بدلا عن الهدي يجب حينئذ، لشمول الإطلاق له على هذا.

(4) أما كونها عليه في صورة العمد، فلاستناد السبب إليه شرعا و عرفا، فيكون المباشر حينئذ أقوى من السبب و يكون الباذل أجنبيا عنها مع العمد.

و أما مع الجهل و النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد و غيره فالظاهر كونها على

ص: 97

(1)، فلو بذل للافاقي بحج القران أو الافراد أو العمرة مفردة (2) لا يجب عليه، و كذا لو بذل للمكي لحج التمتع لا يجب عليه، و لو بذل لمن حج حجة الإسلام لم يجب عليه ثانيا (3) و لو بذل لمن استقر عليه حجة الإسلام و صار معسرا وجب عليه (4) و لو كان عليه حجة

______________________________

الباذل، لأنها من لوازم الحج الغير المنوط بالاختيار حينئذ، و الاذن في الشي ء اذن في لوازمه الحج الغير المنوط بالاختيار حينئذ، و الاذن في الشي ء اذن في لوازمه الشرعية بحسب المتعارف، فبذل الحج بذل له بجميع تبعاتها الشرعية مع صحة الاستناد إلى بذل الحج و في صورة العمد لا يصح الاستناد إلى الباذل، بل يستند إلى الفاعل.

نعم، لو كان الجهل عن تقصير الفاعل بحيث يتوجه اللوم عرفا إليه يشكل حينئذ كونه على الباذل، لأنه في حكم العمد.

(1) لظهور النصوص- كما تقدم- و الإجماع في ذلك و هو المنساق منهما عرفا.

(2) اما حج القران، فلأنه غير مشروع للآفاقي. و أما العمرة المفردة، فعدم الوجوب مبني على عدم وجوبها على من تمكن منها فقط و نسب إلى المشهور عدم الوجوب حينئذ، و لكنه خلاف الاحتياط، و ظواهر بعض الإطلاقات و يأتي التفصيل في محله.

(3) للأصل بعد كون الحج البذلي عين حجة الإسلام حسب الأدلة و هي لا تجب في العمر إلا مرة.

(4) أي: وجوبا فعليا بعد تحقق أصل الوجوب و استقراره، لكنه لم يكن متمكنا من إتيانه، فيجب عليه الإتيان به فعلا، لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع و لا اختصاص لذلك ببذل المال، فلو كان مستطيعا من حيث المال و سائر الجهات، و لكن يكون في البين مانع لا يتمكن من ازالته و تعهد شخص بإزالته بلا منة و مهانة وجب عليه القبول.

ص: 98

النذر أو نحوه و لم يتمكن فبذل له باذل وجب عليه (1)، و إن قلنا بعدم الوجوب أو وهبه لا للحج لشمول الأخبار من حيث التعليل فيها. بأنه بالبذل صار مستطيعا. و لصدق الاستطاعة عرفا.

مسألة 46: إذا قال له: «بذلت لك هذا المال مخيرا بين أن تحج به

(مسألة 46): إذا قال له: «بذلت لك هذا المال مخيرا بين أن تحج به أو تزور الحسين (عليه السلام) وجب عليه الحج (2).

مسألة 47: لو بذل ما لا ليحج بقدر ما يكفيه، فسرق في أثناء الطريق سقط الوجوب

(مسألة 47): لو بذل ما لا ليحج بقدر ما يكفيه، فسرق في أثناء الطريق سقط الوجوب (3).

مسألة 48: لو رجع على بذله في الأثناء

(مسألة 48): لو رجع على بذله في الأثناء، و كان في ذلك المكان يتمكن من أن يأتي ببقية الأعمال من مال نفسه أو حدث له مال بقدر كفايته، وجب عليه الإتمام، و أجزه عن حجة الإسلام (4).

مسألة 49: لا فرق في الباذل بين أن يكون واحدا أو متعددا

(مسألة 49): لا فرق في الباذل بين أن يكون واحدا أو متعددا (5)،

______________________________

(1) لوجود المقتضى له و فقد المانع، فلا بد من الوجوب و لا ربط لما ذكره من التعليلين بالمقام، لأنها في مقام تشريع الوجوب و المقام من تفريغ الذمة عن الواجب المتحقق قبل ذلك، فيجب عليه تحصيل مقدمة الواجب المطلق.

(2) لصدق عرض الحج عليه عرفا، و تمكنه منه عرفا و قد مر في أول الكتاب من ان المراد بالاستطاعة التمكن العرفي و هو حاصل في المقام و قد مرّ في [مسألة 26] بعض الكلام فراجع.

(3) لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و كذا الكلام في الاستطاعة الغير البذلية كما تقدم في [مسألة 27].

(4) لصدق الاستطاعة عرفا و لا يعتبر أن تكون من منزله، بل تكفي في الوجوب و إن كان من محله الفعلي أي محل كان و قد تقدم في [مسألة 5] من مسائل الاستطاعة فراجع.

(5) لظهور الإطلاق و الاتفاق، و صدق الاستطاعة و لو بذل كل واحد تمام مصارف الحج يجب بالأول و يلغو البقية مع الترتب و يتخير المبذول له في

ص: 99

فلو قالا له: «حج و علينا نفقتك» وجب عليه.

مسألة 50: لو عين له مقدارا ليحج به، و اعتقد كفايته فبان عدمها، وجب عليه الإتمام

(مسألة 50): لو عين له مقدارا ليحج به، و اعتقد كفايته فبان عدمها، وجب عليه الإتمام في الصورة التي لا يجوز له الرجوع (1)، إلا إذا كان ذلك مقيدا بتقدير كفايته.

مسألة 51: إذا قال: «اقترض و حج و علي دينك»

(مسألة 51): إذا قال: «اقترض و حج و علي دينك» ففي وجوب ذلك عليه نظر، لعدم صدق الاستطاعة عرفا (2) نعم لو قال: «اقترض لي و حج به» وجب مع وجود المقرض كذلك.

مسألة 52: لو بذل له مالا ليحج به فتبين بعد الحج انه كان مغصوبا

(مسألة 52): لو بذل له مالا ليحج به فتبين بعد الحج انه كان مغصوبا.

ففي كفايته للمبذول له عن حجة الإسلام و عدمها وجهان: أقواهما العدم اما لو قال: «حج و علي نفقتك» ثمَّ بذل له مالا فبان كونه مغصوبا، فالظاهر صحة الحج و أجزأه عن حجة الإسلام (3)، لأنه استطاع بالبذل

______________________________

الأخذ من أيهما شاء كلا أو بعضا مع كونه عرضا.

(1) أي: يجب على الباذل الإتمام فيما لا يجوز له الرجوع فيه عن بذله، و ذلك لأن ظاهر البذل للحج هو الالتزام بتمام نفقة الحج إلا مع القرينة على الخلاف و المفروض عدمها. و منه يظهر حكم ما إذا كان مقيدا بالكفاية، فإن التقييد بها قرينة على عدم التزامه بالزائد و حينئذ فإن تمكن المبذول له من الإتمام من نفسه وجب عليه و الا فلا.

(2) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموارد و الأشخاص، فربما يصدق كما إذا كان بينهما صداقة بحيث يرجع كل منهما في حوائجه إلى الآخر و يكون المال بينهما سواء، و كذا قوله اقترض لي و حج به فإنه أيضا يختلف باختلاف الموارد و الأشخاص فالنزاع في المسألة صغروي لا أن يكون كبرويا.

(3) بل الظاهر عدم الفرق بين الصورتين، لعدم تحقق الاستطاعة مطلقا بالحرام الواقعي، و لاعتبار أن يكون البذل من الحلال إذ ليس المدار فيه على مجرد الإنشاء من حيث هو إنشاء بل المناط المال الخارجي و هو حرام في الصورتين و مجرد الإنشاء من حيث هو لا موضوعية فيه بوجه.

ص: 100

و قرار الضمان على الباذل في الصورتين (1)، عالما كان بكونه مال الغير أو جاهلا (2).

مسألة 53: لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا وجب عليه الحج

(مسألة 53): لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا وجب عليه الحج. و لا ينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير، لأنّ الواجب عليه- في حج نفسه- أفعال الحج، و قطع الطريق مقدمة توصلية (3)، بأيّ وجه أتى بها كفى و لو على وجه الحرام، أو لا بنيّة الحج. و لذا لو كان

______________________________

و أما تقريب الصحة في الصورتين بأنّ النهي لم يتعلق بذات العبادة من حيث هي حتى يبطل و إنّما البذل و الصرف خارجه، فالنّهي خارجيّ لا أن يكون ذاتيا (مخدوش):

أولا: بأنّه لا يتم فيما إذا كان ثوبي إحرامه من الحرام و كان عالما به.

و ثانيا: بأنّه لا ربط للنهي في العبادة بالمقام أصلا، بل نقول: إنّ مقتضى ظواهر الأدلة أنّه يعتبر في الاستطاعة مطلقا- أصلية كانت أو بذلية- أن لا تكون من الحرام، فلا موضوع لكفاية هذا الحج عن حجة الإسلام.

و القول بالصحة في الصورة الثانية، بأنّ عنوان البذل إنّما تعلق بالذمة و هو حلال و إن تحقق الأداء من الحرام. (باطل) للصدق العرفي بأنّ البذل حصل من الحرام فما استظهره من الفرق مخدوش.

(1) لأنّه الغارّ الذي لا بد من رجوع المغرور إليه.

(2) لأنّ اشتراط حلية ما يستطاع به واقعيّ لا فرق فيه بين صورتي العلم و الجهل.

(3) كما هو كذلك في قطع كل طريق إلى كل مقصود، و يشهد له العرف، و العقل، و الاعتبار.

و ما عن بعض من الإشكال بأنّ ظاهر الآية الشريفة (1)، وجوب السفر فإن

ص: 101


1- سورة آل عمران، الآية 97.

..........

______________________________

أراد به الوجوب الطريقي للوصول إلى المقصود فهو من الوجوب التكوينيّ الذي لا ربط له بالشرع، و إن أراد به الوجوب النفسيّ فهو مخالف لفهم المتعارف من الآية و لو بنحو أن يكون الطريق جزءا من الواجبات النفسية للحج، و إن أراد انبساط الوجوب النفسيّ من الواجب حتى إلى المقدمة فلا يختص ذلك بخصوص مقدّمة الحج، بل يجري في جميع المقدمات و جميع الواجبات كما حقّقناه في تهذيب الأصول، و إن أراد الوجوب الشرعيّ المقدميّ غير الانبساطي النفسيّ فهو من المقدّمة التوصيلية كما في المتن و يشهد لما ذكرناه إطلاق جملة من الأخبار:

منها: خبر الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «الرجل يكون له الإبل يكريها فيصيب عليها، فيحج و هو كري، تغني عنه حجته أو يكون يحمل التجارة إلى مكة فيحج، فيصيب المال في تجارته أو يضع تكون حجته تامة أو ناقصة؟ أو لا يكون حتى يذهب به إلى الحج و لا ينوي غيره؟ أو يكون ينويهما جميعا، أ يقضي ذلك حجته؟ قال (عليه السلام): نعم، حجته تامة» (1) فإنّ ذيله كالصريح في عدم اعتبار قصد الحج و قطع الطريق و هو موافق للأصل، و الإطلاق أيضا.

و منها: صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «الرجل يمر مجتازا- يريد اليمن أو غيرها من البلدان- و طريقه بمكة، فيدرك الناس و هم يخرجون إلى الحج، فيخرج معهم إلى المشاهد، أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال: (عليه السلام): نعم» (2).

و منها: خبره الآخر عنه (عليه السلام) «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام):

الرجل يخرج في تجارة إلى مكة، أو يكون له إبل فيكريها، حجته ناقصة أم تامة؟ قال (عليه السلام): لا بل حجته تامة» (3) فإنّ هذه الأخبار كالصريح فيما ذكرناه.

ص: 102


1- الوسائل باب: 22 من أبواب وجوب الحج حديث: 5.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.

مستطيعا قبل الإجارة جاز له إجارة نفسه للخدمة في الطريق، بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صح أيضا (1) و لا يضر بحجه. نعم، لو آجر نفسه لحج بلديّ لم يجز له أن يؤجر نفسه لنفس المشي (2) كإجارته لزيارة بلدية أيضا، أما لو آجر للخدمة في الطريق فلا بأس و إن كان مشيه للمستأجر الأول فالممنوع وقوع الإجارة على نفس ما وجب عليه أصلا أو بالإجارة (3).

مسألة 54: إذا استؤجر- أي: طلب منه إجارة نفسه للخدمة

(مسألة 54): إذا استؤجر- أي: طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما

______________________________

(1) لأنّ اللابدية التكوينية لا تنافي عروض الوجوب الشرعيّ عليها من جهة أخرى، كعروض الوجوب الشرعيّ لحركات الركوعية و السجودية، مع أنّها لا بد منها في إتيانها تكوينا فما هو الواجب على نفسه إنّما هو اللابدية التكوينية و ما هو الحاصل بالإجارة إنّما هو الوجوب العرضيّ الشرعيّ و لا منافاة بينهما.

و شبهة: أنّه مسلوب القدرة بالنسبة إلى المشي و متعلق الإجارة لا بد و أن يكون مقدورا. شبهة ضعيفة: قد مرّ الجواب عنها في أخذ الأجرة على الواجبات. و يأتي في كتاب الإجارة أيضا.

(2) لفرض أنّ نفس مشيه صار ملك الغير لا يجوز له التصرف فيه بغير إذن مالكه.

(3) بحيث يكون التنافي و التضاد بينهما في الملكية الفعلية و لا تنافي كذلك في البين، لما مرّ من أنّه لا تنافي بين اللابدية التكوينية و الوجوب الشرعيّ العرضيّ، فلا وجه لإشكال بعض أعاظم مشايخنا في حاشيته في المقام من التنافي بين كلام الماتن هنا و كلامه فيما سبق من أنّه إذا كان المستأجر عليه نفس المشي صح. لأنّ المشي واجب عليه أصلا، و ذلك لأنّ وجوب المشي عليه أصلا إنّما هو لأجل اللابدية التكوينية و هو لا ينافي عروض الوجوب الشرعي لجهة أخرى.

ص: 103

يصير به مستطيعا- لا يجب عليه القبول (1) و لا يستقر الحج عليه (2) فالوجوب عليه مقيّد بالقبول و وقوع الإجارة (3) و قد يقال (4) بوجوبه إذا لم يكن حرجا عليه، لصدق الاستطاعة، و لأنّه مالك لمنافعه فيكون مستطيعا قبل الإجارة، كما إذا كان مالكا لمنفعة عبده أو دابته، و كانت كافية في استطاعته و هو كما ترى، إذ نمنع صدق الاستطاعة بذلك (5) لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في بعض صوره، كما إذا كان من عادته إجارة نفسه للأسفار (6).

______________________________

(1) لأنّه من تحصيل الاستطاعة عرفا و هو غير واجب.

(2) لعدم حدوث الاستطاعة ما لم يقبل فكيف يستقر الحج ما لم تحدث الاستطاعة.

(3) لفرض صدق الاستطاعة بعد ذلك، كما في جميع الموارد التي لا يجب فيها تحصيل الاستطاعة، و لكنّه يصير مستطيعا بعد حصول السبب فيجب عليه الحج حينئذ.

(4) يظهر ذلك من المستند.

(5) و لا أقلّ من الشك في الصدق، فليس لنا التمسك بإطلاق أدلتها حينئذ، لأنّه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك. نعم، لا ريب في صدق القدرة على تحصيل الاستطاعة و لكنّه غير واجب. و من يقول بأنّ الاستطاعة التمكن من المال و القدرة عليه يريد به المال الموجود لا تحصيله، فلا وجه لإشكال بعض الشراح على الماتن (رحمه اللّه).

و أما ما في المستند من أنّه مالك لمنافعه فإن أراد به السلطنة على صرفها في تحصيل المال فهو مما لا ريب فيه، و إن أراد بذلك الملكية الفعلية من كل جهة بحيث يخرج به من الفقر إلى الغني الفعلي و لو لم يصرف منافعه و أخذ عوضها، فهو مخالف للوجدان.

(6) بحيث يكون إعداد نفسه لذلك كحصول المال عرفا. و يمكن أن يكون

ص: 104

(مسألة 55): يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير. و إن حصلت الاستطاعة بمال الإجارة قدّم الحج النيابيّ (1) فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه لنفسه، و إلا فلا.

مسألة 56: إذا حج لنفسه، أو من غيره تبرعا أو بالإجارة، مع عدم كونه مستطيعا لا يكفيه عن حجة الإسلام

(مسألة 56): إذا حج لنفسه، أو من غيره تبرعا أو بالإجارة، مع عدم كونه مستطيعا لا يكفيه عن حجة الإسلام (2) فيجب عليه الحج إذا استطاع بعد ذلك و ما في بعض الأخبار: من إجزائه عنها، محمول على الإجزاء ما دام فقيرا (3)،

______________________________

مراد صاحب المستند هذه الصورة أيضا، فيكون النزاع صغرويا.

(1) إن كان مقيدا بتلك السنة و إلّا قدّم حجة الإسلام إن لم يتوقف الحج النيابي على حفظ المال و إلا فلا يكون مستطيعا، لعدم التمكن عن التصرف في المال، فيأتي بالحج النيابي فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة القابلة يحج حجة الإسلام و إلّا فلا.

(2) نصّا، و إجماعا قال أبو الحسن (عليه السلام) في خبر آدم بن عليّ: «من حج عن إنسان و لم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه اللّه ما يحج به و يجب عليه الحج» (1)، و قريب منه خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لو أنّ رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجته، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج» (2)، بعد حمله على عدم كونه من الحج البذلي و إلا فيسقط عنه الحج بعد ذلك، نصّا، و إجماعا إن استطاع بعد ذلك كما يأتي.

(3) فعن ابن عمار في الصحيح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «حج الصرورة يجزي عنه، و عمن حج عنه» (3).

و في صحيحة الآخر: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل حج عن

ص: 105


1- الوسائل باب: 21 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب وجوب الحج حديث: 5.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.

كما صرّح به في بعضها الآخر (1) فالمستفاد منها أنّ حجة الإسلام مستحبة على غير المستطيع (2) و واجبة على المستطيع، و يتحقق الأول بأي وجه أتى به و لو عن الغير تبرعا أو بالإجارة و لا يتحقق الثاني إلا مع حصول شرائط الوجوب (3).

مسألة 57: يشترط في الاستطاعة- مضافا إلى مئونة الذهاب و الإياب وجود ما يموّن به عياله حتى يرجع

(مسألة 57): يشترط في الاستطاعة- مضافا إلى مئونة الذهاب و الإياب- وجود ما يموّن به عياله حتى يرجع، فمع عدمه لا يكون مستطيعا (4) و المراد

______________________________

غيره، أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال (عليه السلام): نعم» (1).

و في صحيح جميل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره، ثمَّ أصاب مالا، هل عليه الحج؟ فقال: يجزي عنهما جميعا (2).

مع إمكان الحمل على الإجزاء من حيث الثواب، أو على الإجزاء المادامي لا الدائمي، مع وهنها بالإعراض.

(1) لما تقدم من خبر أبي بصير، و كذا ما سبق في قول أبي الحسن (عليه السلام) بدعوى: أنّ المراد بالإجزاء المادامي لا الدائمي- كما تقدم.

(2) المعروف أنّ حجة الإسلام لا تكون إلا واجبة، ففي هذا التعبير مسامحة واضحة و لا بأس بها، إذ الاستحباب قابل للمسامحة دليلا و تعبيرا.

(3) أما الأول، فلأنّه قصد حجة الإسلام فيشمله ثوابها. و أما الثاني فلأدلة اعتبار شرائط خاصة في الوجوب، كما مرّ.

(4) للأصل، و الإجماع، و خبر أبي الربيع- الوارد في تفسير الاستطاعة- «سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فقال (عليه السلام): ما يقول الناس؟ قلت له: الزاد و الراحلة. قال: فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): قد سئل أبو جعفر (عليه السلام)

ص: 106


1- الوسائل باب: 21 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب وجوب الحج حديث: 6.

بهم من يلزمه نفقته لزوما عرفيا و إن لم يكن ممن يجب عليه نفقته شرعا على الأقوى، فإذا كان له أخ صغير، أو كبير فقير لا يقدر على التكسب، و هو ملتزم بالإنفاق عليه، أو كان متكفلا لإنفاق يتيم في حجره و لو أجنبي يعدّ عيالا له، فالمدار على العيال العرفي (1).

مسألة 58: الأقوى وفاقا- لأكثر القدماء- اعتبار الرجوع إلى كفاية

(مسألة 58): الأقوى وفاقا- لأكثر القدماء- اعتبار الرجوع إلى كفاية (2)، من تجارة، أو زراعة، أو صناعة أو منفعة ملك له، من بستان،

______________________________

عن هذا فقال: هلك الناس إذا، لئن كان من له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغني به عن الناس، ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا، فقيل له: فما السبيل؟ قال (عليه السلام) السعة في المال، إذا كان يحج ببعض و يبقي بعضا لقوت عياله» (1).

(1) لأنّه المنساق من لفظ العيال في المحاورات المتعارفة، و تقتضيه سهولة الشريعة المقدسة و رأفته بالنسبة إلى الجميع. و لو أسقطوا نفقتهم، أو أخذوا و تبرعوا بها إلى المعيل، أو كانوا في نفقة الغير فالظاهر عدم اعتبار الاستثناء حينئذ، لأنّ المنساق من الدليل فعلية الصرف و الإنفاق لا الشأنية كما مرّ في استثناء المؤنة في الزكاة و الخمس.

(2) للأصل، و الإجماع، و أدلة نفي الحرج، و يشهد له قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر الأعمش الوارد في الاستطاعة: «أن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله، و ما يرجع إليه بعد حجه» (2).

و في مجمع البيان في تفسير آية الاستطاعة المروي عن أئمتنا: «أنّه الزاد و الراحلة، و نفقة من تلزمه نفقته، و الرجوع إلى كفاية، إما من مال، أو ضياع، أو حرفة» (3).

ص: 107


1- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب وجوب الحج حديث: 5.

أو دكان، أو نحو ذلك، بحيث لا يحتاج إلى التكفف، و لا يقع في الشدّة و الحرج. و يكفي كونه قادرا على التكسب اللائق به، أو التجارة باعتباره و وجاهته، و إن لم يكن له رأس مال يتجر به. نعم، قد مرّ عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذلية و لا يبعد عدم اعتباره- أيضا- فيمن يمضي أمره بالوجوه اللائقة به، كطلبة العلم من السادة و غيرهم، فإذا حصل لهم مقدار مئونة الذهاب و الإياب، و مئونة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم بل و كذا الفقير (1) الذي عادته و شغله أخذ الوجوه و لا يقدر على التكسب، إذا حصل له مقدار مئونة الذهاب و الإياب له و لعياله، و كذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج و بعده، إذا صرف ما حصل له من مقدار مئونة الذهاب و الإياب، من دون حرج عليه.

مسألة 59: لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده و يحج به

(مسألة 59): لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده و يحج به (2) كما لا يجب على الوالد أن يبذل له. و كذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحج به. و كذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج. و القول بجواز ذلك أو وجوبه- كما عن الشيخ- ضعيف، و إن كان يدل عليه صحيح سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): «الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير؟

______________________________

(1) مع عدم الحرج و المشقة الزائدة بواسطة الحج بالنسبة إلى ما كانوا عليه قبل الحج، و كذا من يكون في نفقة الغير، كل ذلك لإطلاق أدلة الاستطاعة الشامل للجميع، لوجود المقتضي و فقد المانع.

(2) على المشهور، لأصالة الاحترام في الأموال، و لقاعدة السلطنة، و قول الحجة (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف): «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه» (1).

ص: 108


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 6.

..........

______________________________

و خبر علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال (عليه السلام) لا إلا أن يضطر إليه فيأكل منه بالمعروف و لا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلا بإذن والده» (1).

و عن حسين بن أبي العلاء قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال (عليه السلام): قوته بغير صرف إذا اضطر إليه، قلت له: فقول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له: (صلّى اللّه عليه و آله): أنت و مالك لأبيك، فقال (عليه السلام): إنّما جاء بأبيه إلى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) فقال: يا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) هذا أبي و قد ظلمني ميراثي من أمي، فأخبر الأب أنّه أنفقه عليه و على نفسه فقال (صلّى اللّه عليه و آله):

أنت و مالك لأبيك، و لم يكن عند الرجل شي ء. أو كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يحبس الأب للابن؟!!» (2).

و في خبر الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال لرجل: أنت و مالك لأبيك، ثمَّ قال أبو جعفر (عليه السلام): ما أحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه مما لا بد منه إنّ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ» (3).

و مثل هذه الأخبار محكمات أخبار الباب و شارحة لسائر الأخبار، و موافقة للعدل و المشهور بين الأصحاب و مرتكزات المتشرّعة، بل جميع الناس، و مخالفة للظلم و العدوان.

ص: 109


1- الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.
2- الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 8.
3- الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.

قال: نعم، يحج منه حجة الإسلام. قلت: و ينفق منه؟ قال: نعم. ثمَّ قال:

إنّ مال الولد لوالده. إنّ رجلا اختصم و هو و والده إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فقضى أنّ المال و الولد للوالد» و ذلك لإعراض الأصحاب عنه، مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله، مع استطاعته من مال نفسه. أو على ما إذا كان فقيرا، و كانت نفقته على ولده، و لم يكن نفقة السفر إلى الحج أزيد من نفقته في الحضر إذ الظاهر الوجوب حينئذ.

مسألة 60: إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله

(مسألة 60): إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله، فلو حج في نفقة غيره لنفسه أجزأه (1) و كذا لو حج متسكعا بل لو حج من مال الغير غصبا صح (2) و أجزأه (3). نعم، إذا كان ثوب إحرامه و طوافه و سعيه من المغصوب لم يصح (4) و كذا إذا كان ثمن هديه غصبا (5).

مسألة 61: يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية

(مسألة 61): يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية، فلو كان مريضا لا يقدر على الركوب، أو كان حرجا عليه- و لو على المحمل أو الكنيسة- لم يجب. و كذا لو تمكن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مئونته و كذا

______________________________

(1) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و تحقق الامتثال فلا بد من الإجزاء.

(2) لتحقق الامتثال فيهما أيضا. و صرف المال لا موضوعية فيه، بل هو طريق للوصول إلى المقصود، فإذا حصل يجزي لا محالة صرف المال أو لا.

(3) لإطلاق الأدلة الشامل لهذه الصورة أيضا و إن أثم للتصرف في المغصوب، و ليس المقام من النهي في العبادة حتى يبطل.

(4) إذا اشتراه بعين المغصوب لا بالذمة، و لكن لو اشترى بالذمة ثمَّ فرغ ذمته بالمغصوب فيصح إحرامه، و سعيه، و إن اشتغلت الذمة بالثمن.

(5) فيفسد هديه، لأنّه عبادة، و النهي في العبادة يوجب الفساد و إن صح حجه، لعدم كون الهدي من الأركان، و يجب عليه الهدي ثانيا على تفصيل يأتي في محلّه.

ص: 110

لو احتاج إلى خادم و لم يكن عنده مئونته (1).

مسألة 62: و يشترط أيضا: الاستطاعة الزمانية

(مسألة 62): و يشترط أيضا: الاستطاعة الزمانية، فلو كان الوقت ضيقا لا يمكنه الوصول إلى الحج، أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب (2) و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب، و إلا فلا.

مسألة 63: و يشترط أيضا. الاستطاعة السربية

(مسألة 63): و يشترط أيضا. الاستطاعة السربية، بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال، و إلا لم يجب (3). و كذا لو كان غير مأمون بأن يخاف على نفسه، أو بدنه، أو عرضه، أو ماله و كان الطريق منحصرا فيه، أو كان جميع الطرق كذلك (4) و لو كان هناك طريقان، أحدهما أقرب لكنّه غير مأمون، وجب الذهاب من الأبعد المأمون (5). و لو كان جميع الطرق مخوفا إلا أنّه يمكنه الوصول إلى الحج بالدوران في البلاد- مثل ما إذا كان من أهل العراق، و لا يمكنه إلا أن يمشي

______________________________

(1) كل ذلك للإجماع، و قاعدة نفي الحرج، و عدم صدق الاستطاعة عرفا.

(2) لما تقدم في سابقة من قاعدة نفي الحرج، و ظهور الإجماع، و عدم صدق الاستطاعة لدى المتعارف.

(3) لظاهر الآية الشريفة (1)، و النصوص المشتملة على تخلية السرب (2)، و الإجماع بقسميه.

(4) لصدق عدم تخلية السرب في جميع ذلك و لو حج و صادف الأمن يأتي تفصيله في [مسألة 64].

(5) لصدق تخلية السّرب بالنسبة إليه، فالمقتضي للوجوب موجود و المانع عنه مفقود، فتشمله الأدلة لا محالة.

ص: 111


1- سورة آل عمران، الآية 97.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب وجوب الحج حديث: 4 و 10.

إلى كرمان، و منه إلى خراسان، و منه إلى بخارا، و منه إلى الهند، و منه إلى بوشهر، و منه إلى جدّة مثلا، و منه إلى المدينة، و منها إلى مكة- فهل يجب أو لا؟

وجهان، أقواهما عدم الوجوب، لأنّه يصدق عليه أنّه لا يكون مخلّى السرب (1).

مسألة 64: إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف مال له في بلده معتدّ به لم يجب

(مسألة 64): إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف مال له في بلده معتدّ به لم يجب (2)، و كذا إذا كان هناك مانع شرعيّ من استلزامه ترك واجب فوريّ سابق على حصول الاستطاعة أو لا حق مع كونه أهمّ من الحج (3) كإنقاذ

______________________________

(1) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموارد، و الأشخاص، و الأزمان، و الخصوصيات، فربما تصدق الاستطاعة و ربما لا تصدق. و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات، فالمناط كله صدق التمكن العرفي و عدمه و مع الشك فيه لا يجب، للأصل.

(2) لقاعدة نفي الضرر. و دعوى: أنّ أصل تشريع الحج ضروري متوقف على صرف المال، فلا تشمله القاعدة (مدفوعة): بأنّه على فرض كون مورد الحكم ضرريا بحسب أصل التشريع الأولي لا يستلزم ذلك عدم جريان القاعدة إن تحقق فيه ضرر آخر زائدا على أصل تشريعه، لإطلاق دليلها و ورودها مورد الامتنان الشامل لجميع ذلك.

فما عن كاشف اللثام من اختصاص الضرر في المقام بضرر النفس و العرض (مخدوش) إلا أن يقال: إنّ الحج ملازم غالبا للحرج و الضرر خصوصا في الأزمنة القديمة. فالإطلاقات و العمومات شاملة له حتى مع ثبوت الضرر و الحرج الخارج عن مورد أصل تشريعه، و لكنه من مجرّد الدعوى خصوصا فيما إذا كان مجحفا.

(3) فإنّه عذر شرعيّ حينئذ و يصدق عليه ما تقدم في صحيح الحلبي (1)أنّه مما يعذره اللّه تعالى. و أما مع إحراز عدم الأهمية، أو الشك فيها فلا يجري الحديث،

ص: 112


1- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.

غريق أو حريق و كذا إذا توقف على ارتكاب محرّم كما إذا توقف على ركوب دابة غصبية، أو المشي في الأرض المغصوبة.

مسألة 65: قد علم مما مرّ أنّه يشترط في وجوب الحج- مضافا إلى البلوغ، و العقل
اشارة

(مسألة 65): قد علم مما مرّ أنّه يشترط في وجوب الحج- مضافا إلى البلوغ، و العقل، و الحرية- الاستطاعة المالية، و البدنية، و الزمانية، و السربية، و عدم استلزامه الضرر، أو ترك واجب، أو فعل حرام، و مع فقد أحد هذه لا يجب (1)

فبقي الكلام في أمرين:
اشارة

فبقي الكلام في أمرين:

أحدهما: إذا اعتقد تحقق جميع هذه مع فقد بعضها واقعا أو اعتقد فقد بعضها و كان متحققا

أحدهما: إذا اعتقد تحقق جميع هذه مع فقد بعضها واقعا أو اعتقد فقد بعضها و كان متحققا، فنقول: إذا اعتقد كونه بالغا أو حرّا- مع تحقق سائر الشرائط- فحج ثمَّ بان أنّه كان صغيرا أو عبدا، فالظاهر- بل المقطوع- عدم إجزائه عن حجة الإسلام (2). و إن اعتقد كونه غير بالغ أو عبدا- مع تحقق سائر الشرائط- و أتى به أجزأه عن حجة الإسلام كما مرّ سابقا (3). و إن تركه مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجة فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه (4)، فإن

______________________________

لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فتشمله أدلة وجوب الحج، لتحقق الاستطاعة العرفية. و تقدم في [مسألة 31] بعض الكلام. و منه يظهر الوجه في قوله (رحمه اللّه): «و كذا إذا توقف.».

(1) للأصل بعد انتفاء شرط الوجوب.

(2) لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

(3) راجع [مسألة 9 و مسألة 25]، و يأتي في [مسألة 109] ما ينفع المقام.

و الوجه في الإجزاء وجود المقتضي و فقد المانع واقعا، و كون العلم و الإحراز طريقا إليه فلا بد من الإجزاء لا محالة.

(4) أما أصل الاستقرار، فيدل عليه ظهور الإطلاق و الاتفاق. و أما التحديد ببقاء الشرائط إلى ذي الحجة فيأتي التعرض له في [مسألة 80] فلا وجه للتعرض له في المقام، و الظاهر أنّ نظره (رحمه اللّه) هنا بالتحديد بذي الحجة إنّما هو على نحو الإهمال و الإجمال لا التفصيل، كما يأتي في تلك المسألة فلا منافاة بينهما في ذلك.

ص: 113

فقد بعض الشرائط بعد ذلك- كما إذا تلف ماله- وجب عليه الحج و لو متسكعا (1). و إن اعتقد كونه مستطيعا مالا و أنّ ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحج، ففي إجزائه عن حجة الإسلام و عدمه وجهان، من فقد الشرائط واقعا. و من أنّ القدر المسلم من عدم إجزاء حج غير المستطيع عن حجة الإسلام غير هذه الصورة (2) و إن اعتقد عدم كفاية ما عنده من المال و كان في الواقع كافيا و ترك الحج، فالظاهر الاستقرار عليه (3) و إن اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج فبان الخلاف فالظاهر كفايته (4)، و إن اعتقد المانع- من العدوة، أو الضرر أو الحرج- فترك الحج، فبان الخلاف فهل يستقر عليه الحج أو لا؟ وجهان. و الأقوى عدمه، لأنّ المناط في الضرر الخوف، و هو حاصل (5) إلا إذا كان اعتقاده على خلاف رؤية العقلاء و بدون الفحص

______________________________

(1) لأنّه تكليف كل من فاته الحج بعد القدرة عليه إجماعا.

(2) لا وجه للتمسك بالقدر المتيقن مع العمومات و الإطلاقات الدالة على الاشتراط، و أصالة عدم الإجزاء. فالمقام من موارد التمسك بقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه فلا وجه للإجزاء.

(3) لأنّ المدار في تحقق الشرط إنّما هو الواقع دون الاعتقاد فتشمله الإطلاقات. نعم، هو معذور ما دام الاعتقاد إن لم يكن مقصّرا. و تقدم في [مسألة 24] ما ينفع المقام.

(4) لأنّ أدلة نفي الحرج لا ترفع أصل الملاك و إنّما ترفع الإلزام الذي يكون في رفعه الامتنان مع الحرج، فإذا تحمل المكلف الحرج و أتى بالعمل فالحكم بفساده يكون خلاف الامتنان، فالنهي ساقط لأجل الاعتقاد بالعدم، و الملاك باق فلا بد من الإجزاء إلا إذا بلغ الحرج و الضرر إلى حدّ يرفع به أصل الملاك أيضا، و مع الشك فمقتضى الأصل بقاؤه.

(5) لأنّ للخوف المتعارف موضوعية خاصة في سقوط التكليف أو تبدله إلى البدل إن كان له البدل، كما في الطهارة المائية و لا واقع للخوف وراء نفسه فلا موضوع

ص: 114

و التفتيش (1)، و إن اعتقد عدم مانع شرعيّ فحج، فالظاهر الإجزاء إذا بان الخلاف (2)، و إن اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف، فالظاهر الاستقرار (3).

ثانيهما: إذا ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمّدا

ثانيهما: إذا ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمّدا، أو حج مع فقد بعضها كذلك أما الأول فلا إشكال في استقرار الحج مع بقائها إلى ذي الحجة (4).

و أما الثاني فإن حج مع عدم البلوغ، أو مع عدم الحرية فلا إشكال في عدم إجزائه (5) إلا إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين، على إشكال في البلوغ قد مرّ (6)، و إن حج مع عدم الاستطاعة المالية فظاهرهم مسلمية عدم

______________________________

حينئذ لتبيّن الخلاف حتى يبحث عنه.

نعم، بعد زواله يكون من تبدل الموضوع لا من تبيّن الخلاف، و لا فرق بين حصوله من أيّ منشأ و سبب، و لا بين كونه نفسيا أو عرضيا أو ماليا بعد كونه بالنحو المتعارف.

(1) فلا اعتبار به حينئذ أصلا و لا يوجب سقوط التكليف و لا تبدله إن كان له بدل، لأنّ المناط فيه حصول الخوف المتعارف بعد الفحص و اليأس، فمقتضى الأصل و الإطلاق عدم الأثر لمثل هذا النحو من الخوف.

(2) لما تقدم في صورة عدم اعتقاد الحرج و الضرر. نعم، لو كان المانع متحدا مع بعض أفعال الحج و لم يكن معذورا في جهله فلا وجه للإجزاء حينئذ، لفعلية النهي، و النهي في العبادة يوجب البطلان كما ثبت بالبرهان.

(3) لأنّ المناط في تحقق الشرائط على الواقع دون الاعتقاد نعم، لا إثم عليه إن كان معذورا و جاهلا.

(4) أما أصل الاستقرار فهو من ضروريات الفقه إن لم يكن من المذهب.

و أما التحديد بذي الحجة، فتقدم إجمالا ما يتعلق به في أول المسألة، و يأتي تفصيله في [مسألة 80].

(5) إجماعا، و نصوصا تقدم بعضها في شرائط وجوب حجة الإسلام.

(6) راجع [مسألة 7] من أول الكتاب.

ص: 115

الإجزاء (1)، و لا دليل عليه إلا الإجماع، و إلا فالظاهر أنّ حجة الإسلام هو الحج الأول، و إذا أتى به كفى و لو كان ندبا (2)، كما إذا أتى الصبيّ صلاة الظهر مستحبا- بناء على شرعية عباداته- فبلغ في أثناء الوقت، فإنّ الأقوى عدم وجوب إعادتها (3) و دعوى: أنّ المستحب لا يجزئ عن الواجب ممنوعة، بعد اتخاذ ماهية الواجب و المستحب (4). نعم، لو ثبت تعدد ماهية حج المتسكع و المستطيع تمَّ ما ذكر، لا لعدم إجزاء المستحب عن الواجب، بل لتعدد الماهية، و إن حج مع عدم أمن الطريق، أو مع عدم صحة البدن مع كونه حرجا عليه، أو مع ضيق الوقت كذلك، فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن

______________________________

(1) و يدل عليه- مضافا إلى الإجماع- قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط المعتبر في وجوب المشروط بالأدلة الثلاثة إلا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل عليه، كما يأتي.

(2) بل الظاهر أنّ حجة الإسلام حجة خاصة لها شرائط مخصوصة و ليس بنحو صرف وجود الحج المنطبق على كل حج أتى به أو لا، و الظاهر كونه خلاف المرتكزات، مضافا إلى كونه خلاف المنساق من الأدلة.

(3) نعم، و لكن القياس مع الفارق، لأنّ المطلوب في الصلاة هو صرف الوجود المنطبق على أول وجودها، فليست الصلاة المأتيّ بها في حال الصغر غير ما يؤتي بها بعد الكبر فلا فرق بينهما إلا بالوجوب و عدمه بخلاف حجة الإسلام مع غيرها فإنّهما مختلفان في متعارف المتشرعة و بحسب المنساق من الأدلة كما مرّ، و الشك في الاتحاد يكفي في عدم الإجزاء، لقاعدة الاشتغال.

(4) و لكن لا بد من إحراز الاتحاد، و الشك فيه يكفي في عدم الإجزاء. و منه يظهر ما في قوله (رحمه اللّه): «نعم، لو ثبت تعدد ماهيته» إذ يكفي عدم الثبوت و لا نحتاج إلى ثبوت العدم، مع أنّه (رحمه اللّه) سيصرّح في [مسألة 109] بأنّه لو حج تطوعا لا يجزيه عن حجة الإسلام فراجع.

ص: 116

الواجب (1). و عن الدروس: الإجزاء إلا إذا كان إلى حدّ الإضرار بالنفس، و قارن بعض المناسك فيحتمل عدم الإجزاء، ففرق بين حج المتسكع و حج هؤلاء و علّل الأجزاء: بأنّ ذلك من باب تحصيل الشرط، فإنّه لا يجب، لكن إذا حصّله وجب و فيه أنّ مجرّد البناء على ذلك لا يكفي في حصول الشرط مع أنّ غاية الأمر حصول المقدمة، التي هو المشي إلى مكة، و منى و عرفات. و من المعلوم أنّ مجرّد هذا لا يوجب حصول الشرط الذي هو عدم الضرر، أو عدم الحرج.

______________________________

(1) خلاصة المقال: إن الضرر و الحرج إما في المقدمات فقط، أو مقارن للمناسك، أو في نفس المنسك:

أما الأول: فلا ريب في الصحة و الإجزاء إن حصلت الأعمال مع عدمها، لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الإطلاقات و العمومات، فلا بد من الإجزاء حينئذ، و قد مرّ في بعض المسائل السابقة أنّ المناط تحقق الشرائط من الميقات و إن لم تكن موجودة قبلها.

و أما الثاني: كما إذا كان مشغولا بالطواف و سرق منه مال يتضرّر به، أو حدثت حادثة وقع بها في الحرج، فيمكن القول بالإجزاء أيضا، للإطلاقات و العمومات بعد كون مثل هذه الأمور الابتلائية في مثل هذه العبادة العظيمة التي لها معرضية لمثل هذه الأمور و إيجاب الإعادة و القضاء خلاف سهولة الشريعة خصوصا في الحج الذي بناء الشارع فيه على التسهيل.

و أما الأخير: فعدم الإجزاء فيه يدور مدار سقوط الطلب بملاكه مطلقا و بجميع مراتبه و هو مشكل بل ممنوع، و مقتضى الأصل بقاؤه و لا ملازمة بين سقوط الإلزام و سقوطه، بل مقتضى الامتنان و التسهيل في مثل هذا المشهد العظيم المعرّض للمشقة و الحرج غالبا عدم السقوط. نعم، إذا بلغ الضرر إلى حدّ الحرمة لا وجه حينئذ لبقاء الملاك و الصحة و ذلك يختلف بحسب الحالات و الأشخاص و الموارد و لعله بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

ص: 117

نعم، لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى الميقات فقط، و لم يكونا حين الشروع في الأعمال تمَّ ما ذكره، و لا قائل بعدم الإجزاء في هذه الصورة هذا و مع ذلك فالأقوى ما ذكره في الدروس لا لما ذكره، بل لأنّ الضرر و الحرج إذا لم يصلا إلى حدّ الحرمة إنّما يرفعان الوجوب و الإلزام لا أصل الطلب (1)، فإذا تحملهما و أتى بالمأمور به كفى.

مسألة 66: إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرّم لم يجزه عن حجة الإسلام

(مسألة 66): إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرّم لم يجزه عن حجة الإسلام (2) و إن اجتمع سائر الشرائط لا لأنّ الأمر بالشي ء نهي عن

______________________________

(1) سواء قلنا إنّ الوجوب بسيط- كما أثبتناه في الأصول- أم أنّه مركب من أصل الطلب و المنع من الترك:

أما على الأول فيستفاد أصل الطلب من باب تعدد الدال و المدلول، لأنّ من أدلة الحرج الدالة على الترخيص في الترك يستفاد رفع الإلزام، و رفع الإلزام أعمّ من رفع أصل المحبوبية المتحقق فيه كما هو شأن جميع الذوات البسيطة المتشككة بحسب المراتب كما إذا رفعنا شدّة النور و بقي أصله في الجملة مع أنّ جميع المراتب بسيطة لا أن تكون مركبة من أصل النور و الشدّة و قد ثبت ذلك في علم الحكمة.

و أما علي الثاني فالأمر أوضح، و هذه حصة خاصة من الطلب ليس لنا أن نحدّها بحدّ الاستحباب و الندب. فما عن بعض مشايخنا في حاشيته من أنّه: «لم يعرف أنّ هذا الطلب المدعى ثبوته بعد رفع الوجوب استحبابي أو نوع آخر و كيف تولد بعد رفع الوجوب» لا وجه له. كما لا وجه عن بعض (رحمه اللّه) من أنّه: «لا دليل على اشتراط عدم الحرج و الضرر في الاستطاعة لا مطلقهما و لا خصوص ما كان آتيا من قبل الشارع» لأنّها بحسب مرتبة الوجوب مشروطة بنفي الحرج و الضرر بالأدلة الأربعة. و أما بحسب التفضل و الامتنان و التسهيل لو تحملهما المكلف فلا اشتراط، و هذا نحو تفضل بعد التحمل و الوقوع لا أن يكون أمرا بالتحمل و الإيقاع و بينهما فرق كما هو معلوم.

(2) بشرط كون الواجب و ترك الحرام أهمّ من حجة الإسلام و اقتران ترك

ص: 118

ضدّه، لمنعه أولا، و منع بطلان العمل بهذا النهي ثانيا، لأنّ النهي متعلق بأمر خارج (1) بل لأنّ الأمر مشروط بعدم المانع، و وجوب ذلك الواجب مانع، و كذا النهي المتعلق بذلك المحرّم مانع، و معه لا أمر بالحج (2). و نعم، لو كان الحج مستقرّا عليه، و توقف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة (3)، و أمكن أن يقال بالإجزاء، لما ذكر: من منع اقتضاء الأمر بشي ء للنهي عن ضدّه، و مع كون النهي المتعلق بأمر خارج موجبا للبطلان.

مسألة 67: إذا كان في الطريق عدوّ لا يندفع إلا بالمال

(مسألة 67): إذا كان في الطريق عدوّ لا يندفع إلا بالمال فهل يجب بذله و يجب الحج أو لا؟ أقوال ثالثها الفرق بين المضرّ بحاله و عدمه (4) فيجب في الثاني دون الأول.

______________________________

الواجب و فعل الحرام بمناسك الحج كما تقدم.

(1) إن كان المراد بالأمر الخارج مقدّمات الحج فلا ريب في خروجها عن مورد البحث، لعدم كونها عبادية حتى يوجب النهي عنها الفساد، و إن كان المراد به الخارج أي: الخروج الوجودي و المفهومي ففي جميع موارد مسألة الضدّ يكون النهي خارجا بهذا المعنى، فإنّ أحد الضدّين غير الآخر مفهوما و وجودا، و إنّما البحث في سراية النّهي من حيث المقدمية- كما عن بعض-، أو من حيث الملازمة- كما عن آخرين- فلا محصّل لهذا التعليل على أيّ تقدير.

(2) مع كون الواجب و الحرام أهمّ، و كون ترك الأول و فعل الآخر مقارنا بالمناسك كما مرّ، و يمكن مع ذلك تصحيح الحج بالترتب إن لم يكن ترك الواجب و فعل الحرام مع المنسك، و قد اشتهر بين المحققين تصحيح المهم مع ترك الأهم، و تعرّضنا لمسألة الترتب في الأصول فراجع.

(3) لا فرق في المسألتين في البطلان مع اتحاد ترك الواجب و فعل الحرام مع المنسك، و الصحة بدونه فلا وجه لما استدل (رحمه اللّه) به من الوجهين فما ذكره (رحمه اللّه) في هذه المسألة مختل النظام من البدء إلى الختام.

(4) المدار على صدق الاستطاعة و عدمه، فمع صدقها تجب و إلا فلا

ص: 119

مسألة 68: لو توقف الحج على قتال العدوّ لم يجب

(مسألة 68): لو توقف الحج على قتال العدوّ لم يجب، حتى مع ظنّ الغلبة عليه و السلامة (1) و قد يقال: بالوجوب في هذه الصورة.

مسألة 69: لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه

(مسألة 69): لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه إلا مع خوف الغرق أو المرض خوفا عقلائيا (2) أو استلزامه الإخلال بصلاته، أو إيجابه لأكل النجس أو شربه (3)، و لو حج مع هذا صح حجة (4)، لأنّ ذلك في المقدّمة، و هي المشي إلى الميقات، كما إذا ركب دابة غصبية إلى الميقات.

مسألة 70: إذا استقر عليه الحج

(مسألة 70): إذا استقر عليه الحج، و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما

______________________________

و هذا القول هو المتعيّن، و يختلف ذلك باختلاف الموارد و الأشخاص و الحالات، و الظاهر جريان السيرة على دفع المال في الجملة للحج في كل عصر بنحو من الأنحاء و عنوان من العناوين.

(1) المناط كله صدق الاستطاعة، و التمكن، و تخلية السرب فمع الصدق العرفي و لو بالقتال في الجملة يجب. و لا يجب مع عدم الصدق و لا ريب في اختلاف ذلك باختلاف الموارد. و يمكن أن يجعل النزاع صغرويا فراجع و تأمل.

(2) أما الوجوب فلإطلاق الأدلة. و أما السقوط مع الخوف فلأدلة نفي الحرج و الضرر على ما تقدّم من التفصيل.

(3) الإخلال بالصلاة، و أكل النجس، أو شربه، تارة: يكون بحسب ما هو المتعارف في نوع الأسفار بالنسبة إلى المتدينين من تبديل الطهارة المائية إلى الترابية و نحو ذلك، و الاضطرار إلى المخالطة مع من لا يتحرج عن النجاسة فلا يكون مثل ذلك مانعا عن الوجوب، لأنّ ذلك متعارف بالنسبة إلى نوع الأسفار، و الأدلة منزلة على هذا المتعارف.

و أخرى: يكون بما هو خلاف المتعارف، فيصير حينئذ عذرا مانعا عن الوجوب، لأهمية الاهتمام بالصلاة عن وجوب الحج، و كذا أكل النجس أو شربه.

(4) و أجزأ عن حجة الإسلام مع اجتماع سائر الشرائط، لوجود المقتضي من الميقات و فقد المانع فتشمله الإطلاقات و العمومات قهرا فلا بد من الإجزاء.

ص: 120

من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها، و لا يجوز له المشي إلى الحج قبلها (1) و لو تركها عصى، و أما حجة فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمته (2) لا في عين ماله، و كذا إذا كانت في عين ماله و لكن كان ما يصرفه في مئونته من المال الذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما، أو كان مما تعلق به الحقوق و لكن كان ثوب إحرامه، و طوافه و سعيه، و ثمن هديه من المال الذي ليس فيه حق (3).

بل و كذا إذا كانا مما تعلق به الحق من الخمس و الزكاة، إلا أنه بقي عنده مقدار ما فيه منهما بناء على ما هو الأقوى من كونهما في العين على نحو الكليّ في المعيّن (4) لا على وجه الإشاعة.

مسألة 71: يجب على المستطيع الحج مباشرة

(مسألة 71): يجب على المستطيع الحج مباشرة، فلا يكفيه حج غيره عنه- تبرعا أو بالإجارة- إذا كان متمكنا من المباشرة بنفسه (5).

مسألة 72: إذا استقر الحج عليه

(مسألة 72): إذا استقر الحج عليه، و لم يتمكن من المباشرة- لمرض لم يرج زواله، أو حصر كذلك، أو هرم بحيث لا يقدر، أو كان حرجا عليه-

______________________________

(1) إن كان المشي إليه منافيا لفورية أدائهما، و أما إن أمكنه الأداء في الطريق وجب عليه المشي و الأداء، جمعا بين الحقين و عملا بكل واحد من الفورين.

(2) أما العصيان، فلمخالفة التكليف الفعلي مع إمكان الإتيان به. و أما صحة الحج، فلوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها، لعدم المنافاة بين اشتغال الذمة بشي ء و إتيان واجب آخر ما لم يكن صحته مقيدة بعدم اشتغال الذمة به كما في صحة صوم المندوب حيث إنّها مقيدة بعدم اشتغال الذمة بالصوم الواجب، و كما في إتيان الحاضرة في أول الوقت لمن عليه الفائتة بناء على القول به.

(3) لما مر من وجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها حينئذ.

(4) و هو المتيقن من الأدلة، و هو الذي تقتضيه سهولة الشريعة في المقام، مع كثرة ابتلاء المسألة بين الأنام، و تقدم في الزكاة و الخمس بعض الكلام.

(5) للأصل، و إجماع المسلمين، و ظواهر أدلة الفريقين.

ص: 121

فالمشهور وجوب الاستنابة عليه، بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه (1) و هو الأقوى، و إن كان ربما يقال بعدم الوجوب (2) و ذلك لظهور جملة من الأخبار في الوجوب (3). و أما إن كان موسرا من حيث المال، و لم يتمكن من المباشرة

______________________________

(1) استظهره في المستند من جملة من العبارات الواردة في مسألة استنابة المعذور بلا تفصيل بين الاستقرار و عدمه، و حكي الإجماع عليه عن جمع.

(2) نسب ذلك إلى إطلاق بعض كلمات العلامة (رحمه اللّه).

(3) كصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قال: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر شيخا كبيرا لم يحج قط، و لم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلا يحج عنه» (1).

و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان عليّ (عليه السلام) يقول: لو أنّ رجلا أراد الحج، فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج، فليجهز رجلا من ماله ثمَّ ليبعثه مكانه» (2).

و في صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّ عليا رأى شيخا لم يحج قط، و لم يطق الحج من كبره، فأمره أن يجهز رجلا فيحج عنه» (3) و مثلها أخبار أخرى.

و نوقش فيها تارة: بأنّها في مقام أصل التشريع دون الوجوب.

و أخرى: بأنّها غير ظاهرة في المستطيع.

و ثالثة: بمعارضتها مع خبر ابن حفص عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ رجلا أتى عليّا (عليه السلام) و لم يحج قط، فقال: إنّي كنت كثير المال، و فرّطت في الحج حتى كبرت سنّي، فقال (عليه السلام): تستطيع الحج؟ فقال: لا. فقال له

ص: 122


1- الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج حديث: 6.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج حديث: 5.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

مع عدم استقراره عليه، ففي وجوب الاستنابة و عدمه قولان لا يخلو أولهما عن قوّة لإطلاق الأخبار المشار إليها (1) و هي و إن كانت مطلقة من حيث رجاء

______________________________

عليّ (عليه السلام): إن شئت فجهّز رجلا ثمَّ ابعثه يحج عنك» (1).

و رابعة: بصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «و إن كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّه تعالى فيه، فإنّ عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له» (2)، و مثله خبر ابن أبي حمزة: «سألته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّه تعالى فيه، فقال (عليه السلام): عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له» (3) فإنّ وجوب إحجاج الصرورة لا وجه له.

و الكل مخدوش:

أما الأولان فخلاف الظاهر منها خصوصا بملاحظة قوله (عليه السلام): «أمر شيخا كبيرا» إذ لا فرق بين هذه الأخبار و سائر الأخبار التي يستفاد منها الوجوب و الإلزام في سائر أبواب الفقه.

و أما الثالثة: ففيه أولا: إنّه في مقام بيان التخيير بين حج نفسه إن أمكن و إحجاج غيره مع عدم التمكن لا جعل أصل الحكم معلقا على مشيئته و إرادته.

و ثانيا: لا وجه للأخذ به في مقابل الصحاح المعمول بها فلا بد من طرحه، أو حمله. و أما الأخير: فالتفكيك في الروايات من حيث القبول في بعض جملاتها و عدمه في بعضها الآخر شائع في الفقه، مع أنّه من باب الغالب حيث إنّ الغالب فيمن ينوب إنّما هو من لا مال له و قد فسّر الصرورة بمن لا مال له.

ثمَّ إنّه قد اختلفوا فيمن استقر عليه الحج و له عذر مرجوّ الزوال، فعن جمع وجوب الاستنابة. و عن آخرين عدمه، فراجع المطولات و الحق عدم الوجوب مع رجاء الزوال عرفا، للأصل بعد الشك في شمول الأدلة له.

(1) لو لا صحة دعوى انصرافها، بل ظهورها عرفا في من استقر عليه الحج

ص: 123


1- الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج حديث: 7.

الزوال و عدمه (1) لكن المنساق من بعضها ذلك مضافا إلى ظهور الإجماع على

______________________________

من كل جهة خرج خصوص من لم يتمكن من المباشرة نصا، و إجماعا و بقي الباقي داخلا تحت إطلاق ما دل على اعتبار صحة البدن و تخلية السرب و غير ذلك من الشرائط، و لم يثبت حكومة مثل هذه الإطلاقات على أدلة اعتبار تلك الشرائط، و الشك فيها يكفي في عدم ثبوتها، لأنّه لا بد في الحكومة من إحراز تقدم أحد الدليلين على الآخر، و لا يكفي مجرّد الاحتمال في صحة الاستدلال.

(1) لا إطلاق لتلك الأخبار لوجود القرينة الصارفة المتصلة و هي: ما ارتكز في الأذهان من أنّ الاستنابة، و الأبدان الاضطرارية للتكاليف الواقعية تدور مدار ثبوت العذر واقعا و استمراره، فجميع أدلة التكاليف واردة مع اقترانها بهذا المرتكز فكيف يثبت لها إطلاق في مورد رجاء زوال العذر، و الإجماع المدعى في بعض الكلمات على عدم الوجوب مع الرجاء- على فرض تحققه- ناشئ عن هذا المرتكز لا أن يكون تعبديا. نعم، لو دل دليل على أنّ لنفس حدوث العذر فقط موضوعية خاصة في انقلاب التكليف يكون متبعا لكنّه مفقود في المقام، و كذا رجاء زوال العذر لا موضوعية له، بل هو طريق إلى الواقع فلو رجا الزوال و أخر و لم يزل العذر باقيا فلا يثبت التكليف، و لو رجا و أخر و زال يثبت مع اجتماع سائر الشرائط و لو لم يرج و أخر و لم يكن في الواقع عذر يستقر عليه الحج فجميع الطرق و الأعذار الظاهرية لا موضوعية لها إلا الخوف كما تقدم بعض الكلام. و يأتي بعضه الآخر و المسألة سيالة في موارد كثيرة من الفقه.

و يمكن أن يقال: بأصالة عدم انقلاب التكليف المباشريّ إلى النيابي إلا في الأعذار المستمرة واقعا و مدرك هذا الأصل ظواهر الأدلة، و استصحاب بقاء وجوب المباشرة و مرتكزات المتشرّعة و لا وجه بعد ذلك للتطويل، مع أنّ جملة منه بلا طائل، و جملة أخرى منه من نقل الكمات التي لا اعتبار بها ما لم يكشف عن إجماع معتبر، أو شهرة كذلك.

ص: 124

عدم الوجوب، مع رجاء الزوال و الظاهر فورية الوجوب (1)، كما في صورة المباشرة و مع بقاء العذر إلى أن مات يجزيه حج النائب (2)، فلا يجب القضاء عنه و إن كان مستقرّا عليه و إن اتفق ارتفاع العذر بعد ذلك، فالمشهور أنّه يجب عليه مباشرة (3) و إن كان بعد إتيان النائب، بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه لكن الأقوى عدم الوجوب، لأنّ ظاهر الأخبار: أنّ حج النائب هو الذي كان واجبا على المنوب عنه (4)، فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجبا عليه، و لا دليل على وجوبه مرّة أخرى (5)، بل لو قلنا باستحباب الاستنابة، فالظاهر كفاية فعل النائب بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه، و معه لا وجه لدعوى أنّ المستحب لا يجزئ عن الواجب إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحب

______________________________

(1) لإطلاق أدلة الفورية الشاملة للمباشرة في النائب أيضا إلا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل عليه من نصّ أو إجماع.

(2) لظهور الإطلاق و الاتفاق و أنّه لا معنى لصحة النيابة إلا ذلك.

(3) لأنّه بزوال العذر ينكشف عدم تحقق موضوع الاستنابة من الأول فلا وجه للإجزاء حينئذ، لأنّ الإجزاء كان ما داميا لا دائميا. نعم، لو قيل بأنّ صرف وجود العذر موضوع لوجوب الاستنابة تصح و يجزي لا محالة و لكنّه ممنوع، و الشك في أنّه من أيّ القسمين يكفي في جريان قاعدة الاشتغال و عدم الإجزاء كما هو معلوم.

(4) بناء على كفاية صرف وجود العذر. و أما بناء على أنّ مورد الاستنابة العذر المستمر فينكشف زواله عن أنّه غير الذي كان واجبا على المنوب عنه فلا موضوع للإجزاء على هذا، و تقدم أنّ الشك في أنّ الاستنابة ما دامية أو دائمية في عدم الإجزاء.

(5) إن ثبت أنّه عين الحج الذي وجب عليه مطلقا. و أما إن ثبت العدم أو شك فيه، فمقتضى القاعدة الوجوب، و قد تقدم أنّه بانكشاف الخلاف ينكشف عدم تحقق موضوع الاستنابة.

ص: 125

نفس ما كان واجبا، و المفروض في المقام أنّه هو بل يمكن أن يقال: إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب- بأن كان الارتفاع بعد إحرام النائب- أنه يجب على الإتمام، و يكفي عن المنوب عنه (1) بل يحتمل ذلك و إن كان في أثناء الطريق، قبل الدخول في الإحرام (2) و دعوى: أنّ جواز النيابة ما داميّ كما ترى (3)، بعد كون الاستنابة بأمر الشارع و كون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها (4) خصوصا إذا لم يكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك (5) و لا فرق فيما

______________________________

(1) كيف يكفي مع انكشاف عدم الأمر بالاستنابة و عدم الملاك لها بل يشكل وجوب إتمام الإحرام أيضا، لانكشاف أنّ الصحة فيه حين حدوثه كانت ظاهرية لا واقعية و لا دليل على وجوب إتمام الإحرام كذلك، بل مقتضى الأصل عدمه بعد الشك في شمول دليل وجوب إتمام الإحرام للمقام.

(2) تبيّن مما مرّ أنّه ضعيف و إفراط من القول.

(3) يكفي الشك في أنّه دائميّ في ثبوت ما دامية و لا يحتاج إلى دليل أزيد من ذلك.

(4) أما كون الاستنابة بأمر الشارع فلا ينفع بعد تبيّن خلافه إلا إذا ثبت أنّ موضوعها صرف وجود العذر مطلقا و هو ممنوع و يكفي الشك فيه، لعدم ثبوته كما مرّ.

و أما أنّه لا دليل على انفساخ الإجارة فيكفي في الدليل عليه أنّه بعد زوال العذر انكشف عدم مشروعيتها أصلا، لعدم تمكن الأجير من الإتيان بما استؤجر عليه فلا تصح حتى تكون لازمة فتنفسخ الإجارة قهرا كما في جميع الموارد التي تقع الإجارة على ما لا واقعية له. و يأتي في كتاب الإجارة تفصيل المقام.

(5) إمكان الإبلاغ و عدمه لا ينفع في صحة الحج و عدمها بعد انكشاف عدم مشروعية الإجارة. نعم، إذا لم يبلغ الأجير خبره حتى فرغ من العمل استحق الأجرة، لقاعدة الغرور و هو أعمّ من فراغ ذمة المنوب عنه، و كذا تستحق بالنسبة لو تبيّن في الأثناء لذلك أيضا.

ص: 126

ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر- من المرض و غيره- و بين من كان معذورا خلقة (1)، و القول بعدم الوجوب في الثاني و إن قلنا بوجوبه في الأول ضعيف (2)، و هل يختص الحكم بحجة الإسلام، أو يجزي في الحج النذري و الإفسادي أيضا؟ قولان و القدر المتيقن هو الأول (3)، بعد كون الحكم على خلاف القاعدة (4) و إن لم يتمكن المعذور من الاستنابة- و لو لعدم وجود النائب، أو وجوده مع عدم رضاه إلا بأزيد من أجرة المثل، و لم يتمكن

______________________________

(1) لإطلاق ما تقدم من صحيح الحلبي (1) الشامل لهما و لا منافاة بينه و بين صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان عليّ (عليه السلام) يقول: لو أنّ رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثمَّ ليبعثه مكانه» (2)، إذ لا منافاة بين المثبتين، و لا مفهوم له حتى يعارض به صحيح الحلبي.

(2) جعل في الشرائع هذا القول أشبه، و اختاره في الجواهر، للأصل، و صحيح ابن مسلم. و فيه: أنّ الأصل لا وجه له، مع إطلاق صحيح الحلبي، و تقدم ما في صحيح ابن مسلم: و هذا كله مبنيّ على وجوب الاستنابة بالنسبة إلى من لم يستقر عليه الحج، و قد مرّ عدم الوجوب، فيكون أصل هذا البحث في موضوع غير معلوم، بل معلوم العدم.

(3) ظاهر الأخبار هو العموم و سيصرّح (رحمه اللّه) بالتعميم في [مسألة 1] من الفصل التالي إلا أن يكون في البين انصراف صحيح الى حجة الإسلام غير مستند إلى غلبة الوجود. و هو مشكل بل ممنوع و صرح بالتعميم في الدروس أيضا.

(4) لو ثبت العموم و عدم الانصراف يكون المدار على العموم لا على القاعدة، لأنّها محكومة به.

ص: 127


1- الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج حديث: 2. و تقدم في ص: 116.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج حديث: 5. و تقدم في ص: 117.

من الزيادة، أو كانت مجحفة- سقط الوجوب (1) و حينئذ فيجب القضاء عند بعد موته إن كان مستقرّا عليه، و لا يجب مع عدم الاستقرار (2).

و لو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناء على الوجوب و وجب القضاء عنه مع الاستقرار، و هل يجب مع عدم الاستقرار أيضا أو لا؟ وجهان أقواهما نعم، لأنّه استقرّ عليه بعد التمكن من الاستنابة (3) و لو استناب- مع كون العذر مرجوّ الزوال- لم يجز عن حجة الإسلام (4)، فيجب عليه بعد زوال العذر. و لو استناب مع رجاء الزوال و حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية (5). و عن صاحب المدارك عدمها و وجوب الإعادة لعدم الوجوب مع

______________________________

(1) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

(2) أما الوجوب مع الاستقرار، فلما يأتي من الأدلة الدالة عليه في (فصل قضاء الحج) و أما عدمه مع عدم الاستقرار، فلأصالة البراءة بعد اختصاص تلك الأدلة بمن استقر عليه الحج.

(3) بناء على وجوب أصل الاستنابة حينئذ و تقدم منعه، فلا موضوع لهذا الفرع إلا على مبناه (رحمه اللّه)، و الأحوط لكبار الورثة الاستنابة عنه من سهامهم.

(4) تقدم أنّه لا موضوعية لرجاء الزوال و اليأس، بل المناط كله على الواقع فقط و هما يعتبران طريقا محضا إلى الواقع و لا موضوعية فيهما بوجه إلا مع الدليل عليها و هو مفقود في المقام، فإن استناب مع رجاء الزوال و كان العذر باقيا يجزي عن حجة الإسلام، و إن استناب مع اليأس و ارتفع العذر فلا يجزي.

(5) تبيّن مما تقدم أنّ الظاهر عدمها، لأنّ المناط على الواقع دون الرجاء من حيث هو فلا أثر حينئذ للرجاء غير المصادف للواقع حين العمل، فكلام صاحب المدارك موافق للقاعدة. و لكن يمكن أن يقال: إنّ العذر كان موجودا حين عمل النائب و اليأس حصل بعده، فاليأس كان موجودا في علم اللّه حين العمل أيضا و المدار على الواقع و ما هو في علم اللّه تعالى، فالحق مع الماتن، و لا وجه لكلام صاحب المدارك.

ص: 128

عدم اليأس، فلا يجزئ عن الواجب و هو كما ترى (1). و الظاهر كفاية حج المتبرّع عنه (2) في صورة وجوب الاستنابة، و هل يكفي الاستنابة من الميقات، كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟ وجهان، لا يبعد الجواز حتى إذا أمكن ذلك في مكة، مع كون الواجب عليه هو التمتع، و لكن الأحوط خلافه (3) لأنّ القدر المتيقن من الأخبار الاستنابة من مكانه كما أنّ الأحوط عدم كفاية التبرع عنه لذلك أيضا.

مسألة 73: إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق

(مسألة 73): إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق، فإن مات بعد الإحرام و دخول الحرام أجزأه عن حجة الإسلام (4)، فلا يجب القضاء عنه.

و إن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه و إن كان موته بعد الإحرام على المشهور

______________________________

(1) لما ذكرناه من الخدشة فيه.

(2) قد يقال: حيث إنّ الحكم مخالف للقاعدة، فلا بد و أن يقتصر على مورد الدليل. و كذا الكلام في الاستنابة على الميقات. و لكنه مخدوش لأنّ ذكر الاستنابة في الأدلة و الكلمات من باب الغالب لا الموضوعية الخاصة و إنّما المناط كله عمل الحج من حيث هو من دون دخل للنيابة و الطريق أصلا فيصح التبرع للصورتين أيضا. هذا و لو كان التبرع بتسبب منه فلا إشكال في الإجزاء، إذ لا يقصر حينئذ عن النيابة كما هو واضح.

(3) ظهر وجه الاحتياط مما مرّ فراجع و تأمل.

(4) للنصوص، و الإجماع منها صحيح ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق، فقال (عليه السلام): إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام، و إن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام» (1).

و منها: صحيح بريد العجلي قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل

ص: 129


1- الوسائل باب: 26 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.

الأقوى خلافا لما عن الشيخ، و ابن إدريس فقالا: بالإجزاء حينئذ أيضا. و لا دليل لهما على ذلك إلا إشعار بعض الأخبار كصحيحة يزيد العجلي حيث قال فيها- بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم- «و إن كان مات- و هو صرورة قبل أن يحرم- جعل جملة و زاده و نفقته في حجة الإسلام» فإنّ مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم لكنّه معارض بمفهوم صدرها (1) بصحيح ضريس (2)

______________________________

خرج حاجا، و معه جمل له و نفقة و زاد، فمات في الطريق قال (عليه السلام) إن كان صرورة ثمَّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، و إن كان مات- و هو صرورة قبل أن يحرم- جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام» (1).

(1) لأنّ مفهوم قوله (عليه السلام): «ثمَّ مات في الحرم» إنّما هو عدم الإجزاء إن مات قبله سواء كان محرما أم لا، و لا ريب أنّ هذا الصحيح مشتمل على شرطين أحدهما: قوله (عليه السلام): «إن كان صرورة ثمَّ مات في الحرم فقد أجزأ حجة الإسلام» ثانيهما: قوله (عليه السلام): «و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم».

و الأقسام المتصوّرة في المقام ثلاثة:

الأول: تقييد الشرطية الثانية فيكون المراد قبل أن يحرم و يدخل الحرم و مفاده عدم الإجزاء و وجوب القضاء و هو مسلّم بين الكل.

الثاني: التصرف في الشرطية الأولى بأن يراد من قوله (عليه السلام): «مات في الحرم» أي: مات قبل الإحرام حتى يتحد الصدر و الذيل و يصير دليلا لما نسب إلى الشيخ و ابن إدريس، و لا ريب في كونه خلاف الظاهر، و لا يصح مستندا لهذا الحكم المخالف للأصل.

الثالث: إجمال الصحيح من حيث المفهوم، فلا يصلح للاستدلال به مطلقا مع معارضته بصحيح ضريس.

(2) تقدم نقله عن أبي جعفر (عليه السلام) و أنّه نصّ في اعتبار دخول الحرم في الإجزاء، و عدم الإجزاء مع عدم الدخول فيه.

ص: 130


1- الوسائل باب: 26 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

و صحيح زرارة و مرسل المقنعة (1) مع أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله:

«قبل أن يحرم» قبل أن يدخل في الحرم (2)، كما يقال: «أنجد» أي: دخل في نجد، و «أيمن» أي: دخل اليمن، فلا ينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام كما لا يكفي الدخول في الحرم بدون الإحرام، كما إذا نسيه في الميقات و دخل الحرم ثمَّ مات، لأنّ المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام، و لا يعتبر دخول مكة، و إن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك (3) لإطلاق البقية في كفاية دخول الحرم، و الظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال، كما إذا مات بين الإحرامين (4)، و قد يقال بعدم الفرق أيضا (5) بين كون الموت في الحل أو الحرم بعد كونه بعد

______________________________

(1) ففي الأول: «قلت فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة قال (عليه السلام): يحج عنه إن كان حجة الإسلام و يعتمر إنّما هو شي ء عليه» (1) فيدل على أنّ مجرّد الإحرام لا يكفي في الإجزاء. و أما إطلاق وجوب القضاء عنه فلا بد من حمله إما على من استقر عليه الحج أو على الندب، جمعا و إجماعا.

و في الأخير: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «من خرج حاجا فمات في الطريق فإنّه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، فإن مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج و ليقض عنه وليه» (2) و هو محمول على ما إذا مات محرما بقرينة غيره، مضافا إلى قصور سنده.

(2) لكنه احتمال بعيد و لا وجه له.

(3) تقدم ذلك في صحيح زرارة الدال بالمفهوم على اعتبار دخول مكة في الإجزاء بالنسبة إليه. و لكنه مشكل، لكونه في مورد سؤال السائل فلا عبرة بمفهومه.

(4) لظهور الإطلاق الشامل لهما.

(5) قاله في الدروس، و المدارك. و عن الأخير: إنّ بهذا التعميم قطع المتأخرون.

ص: 131


1- راجع الوسائل باب: 26 من أبواب الحج حديث: 3.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.

الإحرام و دخول الحرم، و هو مشكل لظهور الأخبار في الموت في الحرم (1)، و الظاهر عدم الفرق بين حج التمتع و القران و الإفراد (2)، كما أنّ الظاهر أنّه لو مات في أثناء عمرة التمتع أجزأه عن حجه أيضا (3)، بل لا يبعد الإجزاء- إذا مات في أثناء حج القران أو الإفراد- عن عمرتها و بالعكس (4) لكنه مشكل، لأنّ الحج و العمرة فيهما عملان مستقلان (5) بخلاف حج التمتع فإنّ العمرة فيه داخلة في الحج فهما عمل واحد. ثمَّ الظاهر اختصاص حكم

______________________________

(1) و قد صرّح به في صحيح ضريس، مع أنّ الحكم مخالف للأصل فلا بد أن يقتصر على خصوص مورد الدليل إلا أن يدل دليل معتبر على عدم الفرق بين الموت في الحرم و غيره و هو مفقود. نعم، من قطع بعدم الفرق بينهما فهو مجبول على العمل بقطعه.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ ذلك إنّما هو من باب الغالب، لأنّ بناء الحجاج على عدم الخروج عن الحرم غالبا و حينئذ فيشمل من مات في عرفات أيضا، مع أنّ مقتضى كون الحكم إرفاقيا هو التوسعة فيه.

(2) لظهور الإطلاق الشامل للجميع، و يقتضيه إطلاق ظاهر كلمات المشهور أيضا.

(3) لإطلاق الروايات و الكلمات الشامل له أيضا. الحج و العمرة في التمتع عمل واحد، فما ورد في حجة يشمل عمرته و بالعكس.

(4) لإمكان أن يراد بالحج الوارد- في أخبار المقام- الحج و ما يلزمه من الأعمال في تلك المشاعر العظام، فيشمل العمرة و بالعكس، مع أنّ هذا تفضل خاص للمضيف بالنسبة إلى ضيفه فلا وجه لأن يحدّ بحدّ خاص إلا بالدليل المخصوص.

(5) فلا ربط لما ورد في أحدهما بالآخر، و أخبار المقام ورد في الحج فلا يشمل العمرة إلا بدليل من الخارج، و في التمتع ثبت بالدليل و هو ما يأتي من الأخبار الدالة على أنّهما عمل واحد و لم يرد ذلك في القرآن و الإفراد، بل ورد بالعكس. إلا أن يقال:

إنّ المراد بالحج في أخبار المقام و هو الحج مع لوازمه الشرعية و كل ما يفعل في تلك

ص: 132

الأجزاء بحجة الإسلام، فلا يجزئ الحكم في حج النذر و الإفساد إذا مات في الأثناء. بل لا يجري في العمرة المفردة (1) أيضا و إن احتمله بعضهم (2).

و هل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحج عليه فيجزيه عن حجة الإسلام إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم، و يجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك؟ وجهان، بل قولان (3)، من إطلاق الأخبار في التفصيل المذكور، و من أنّه لا وجه لوجوب القضاء عمّن لم يستقرّ عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية، و لذا لا يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب، أو إذا فقد بعض الشرائط الأخر مع كونه موسرا.

______________________________

المشاعر العظام، فيشمل العمرة حينئذ مطلقا، مع أنّ الحكم مبنيّ على الامتنان، و التسهيل و الإرفاق و التفضل.

(1) كل ذلك لأنّ الحكم مخالف للأصل فلا بد و أن يقتصر فيه على المنساق من مورد الدليل إلا أن يتمسك بذيل الإرفاق و التسهيل و الامتنان الشامل لذلك كله، و لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كانت هذه الأخبار في مقام جعل البدل للواقع، أو في مقام رفع اليد عنه، لأنّ كلا منهما من طرق تفضل الشريعة و توسعته على أمته.

(2) هو صاحبي المدارك و الحدائق، و ليس لهم دليل إلا الجمود على لفظ الحج الوارد في الدليل الشامل لكل ما يسمّى حجا.

و أورد عليه: أنّه خلاف المنساق منه ظاهرا بل لا يشمل الحج النيابي أيضا.

نعم، ورد فيه الدليل الخاص به كما يأتي في فصل النيابة [مسألة 10] فراجع. لكن الإيراد ممنوع و مناسبة الحكم و الموضوع و التسهيل و الإرفاق خصوصا في الأزمنة القديمة التي يتحمل فيها من المتاعب في سفر الحج شيئا كثيرا يقتضي التعميم، فتلك المتاعب صارت حكمة لتشريع هذا الحكم الإرفاقي، و يمكن أن يستفاد التعميم فيما ورد في الحج النيابي أيضا كما سيأتي.

(3) نسب الأول إلى المبسوط، و النهاية، و القواعد، و حكى الأخير في الجواهر عن بعض.

ص: 133

و من هنا ربما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة على اختصاصها بمن استقرّ عليه. و ربما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقر عليه و حمل الأمر بالقضاء على الندب. و كلاهما مناف لإطلاقها مع أنّه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقر عليه بلا دليل، مع أنّه مسلّم بينهم، و الأظهر الحكم بالإطلاق، إما بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق- كما عليه جماعة- و إن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط أو الموت و هو في البلد إما بحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك و استفادة الوجوب فيمن استقرّ عليه من الخارج (1)، و هذا هو الأظهر (2). فالأقوى جريان الحكم المذكور فيمن لم يستقر عليه أيضا، فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد الأمرين، و استحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك (3).

مسألة 74: الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع

(مسألة 74): الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع، لأنّه مكلّف

______________________________

(1) و هو الإجماع المسلم بينهم و استفادة الندب من الدليل الظاهر في الوجوب بتعدد الدال المدلول شائع في الفقه، بل دأب أهل المحاورة في مقام الإفادة و الاستفادة كما لا يخفى.

(2) و قد يقال: إنّ النصوص واردة في مقام الإجزاء بعد الفراغ عن ثبوته على المكلف باجتماع الشرائط، فلا يشمل من لم يستقر عليه الحج.

و فيه: أنّه من مجرّد الاحتمال و الادعاء من غير دليل عليه، و ظاهر الإطلاق مع كون الحكم تسهيلا و امتنانيا الشمول لمن لم يستقر عليه الحج أيضا.

و ما يتوهم: من أنّ الحكم مخالف للأصل لا بد و أن يقتصر فيه على المتيقن (مدفوع): بأنّه فيما إذا كان الدليل لبيا لا في الدليل اللفظي الظاهر في مطلق حجة الإسلام مع السياق الوارد في التسهيل و الامتنان على الأنام.

(3) و طريق الاحتياط تصدي كبار الورثة لذلك من مالهم أو من سهامهم.

ص: 134

بالفروع، لشمول الخطابات له أيضا (1). و لكن لا يصح منه ما دام كافرا كسائر العبادات (2) و إن كان معتقدا لوجوبه، و آتيا به على وجهه مع قصد القربة (3)، لأنّ الإسلام شرط في الصحة (4)، و لو مات لا يقضى عنه، لعدم كونه أهلا للإكرام و الإبراء (5). لو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه، و كذا لو استطاع بعد إسلامه (6)، و لو زالت استطاعته ثمَّ أسلم لم يجب عليه على الأقوى، لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله (7). كقضاء الصّلاة و الصّيام، حيث إنّه

______________________________

(1) أثبتنا ذلك في هذا الكتاب مكرّرا (1) فراجع.

(2) لأن العبادة مطلقا متقوّمة بكون العابد صالحا للتقرب إلى اللّه تعالى، و الكافر بمعزل عن ذلك ما دام على كفره.

(3) لأنّ قوّة المانع تزيل المقتضي عن اقتضائه. فالصحة حينئذ تكون من قبيل حصول المعلول بلا علة.

(4) إجماعا بقسمة من الإمامية بل من المسلمين.

(5) لأنّ صحة العمل عن النائب فرع إمكان التقرب للمنوب عنه، و مع موت المنوب عنه على كفره كيف يمكن التقرب بالنسبة إليه حتى يصح عمل نائبه.

(6) كل ذلك لعمومات الأدلة الشاملة له بلا مانع في البين، فالمقتضي للوجوب في الصورتين موجودة و المانع عنه مفقود فلا بد من الوجوب.

(7) تقدم بعض ما يتعلق بقاعدة الجبّ في قضاء الصلاة فراجع.

و لباب المقام: أنّ القاعدة من المتفق عليها في جميع الملل و الأديان، إذ كل من ترك ملة و أخذ بغيرها يعمل بها فيما يأتي و لا يؤاخذ بالنسبة إلى ما مضى في الجملة، و حديث الجبّ (2) ورد على هذا الأمر الارتكازي بين جميع الملل و لأديان. و الإسلام

ص: 135


1- تقدم في صفحة 45 من مجلد 11 و جلد 3 ص 129 و في موارد اخرى.
2- تعرض- قدس سرّه- لقاعدة الجب في موارد منها جلد 7 صفحة: 289.

واجب عليه حال كفره كالأداء، و إذا أسلم سقط عنه، و دعوى: أنّه لا يعقل الوجوب عليه، إذ لا يصح منه إذا أتى به و هو كافر و يسقط عنه إذا أسلم مدفوعة (1). بأنّه لا يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمرا تهكميا ليعاقب لا حقيقيا. لكنّه مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به، لا كافرا و لا مسلما (2).

______________________________

أولى و أحق بتلك، لابتنائه على السهولة و التيسير و التسهيل، فلا ينبغي له المؤاخذة على الأعمال السابقة في الجملة.

و لكن إطلاق الجبّ بالنسبة إلى كل شي ء تكليفيا كان أو وضعيا يحتاج إلى تأييد الحديث بقرينة خارجية من إجماع أو نحوه، فهو على إجماله معتبر و لكنه جزء الدليل لا أن يكون تمامه نظير قاعدة الميسور، و قاعدة الإلزام و نحوهما من القواعد المعتبرة في الجملة و تفصيل تلك الموارد، و تميز الفروع التي اتفقوا على دخولها تحت القاعدة، و ما اتفقوا على خروجها عنها، و ما شك فيها دخولا و خروجا يحتاج إلى مجال واسع نسأل اللّه تعالى أن يرزقنا ذلك.

ثمَّ إنّه لا مجال للبحث عن سند الحديث بعد اشتهاره بين الفريقين و اعتماد الفقهاء عليه في الجملة، و جريان عادتهم على الاستدلال به لا عليه كما يظهر من العلامة في المنتهى و التذكرة.

(1) الظاهر أنّ أصل هذا الإشكال حدث عن أبي حنيفة و قرّره صاحب المدارك و لا اختصاص له بمورد دون آخر. و لبابه: أنّ التكليف بالحج في المقام- و قضاء الصلاة و الصيام- لغو، لأنّه مع البقاء على الكفر لا يصح منه و مع الإسلام يسقط عنه فلا يعقل أصل هذا التكليف. و قد أجيب عنه بوجوه خمسة على ما سيأتي.

(2) و الأمر التهكمي إنّما يصح فيما إذا أمكن صدور عقلا، و ما هو اللغو الباطل لا يمكن صدوره من الحكيم تعالى.

و أما ما يتوهم من أنّ أدلة إثبات التكليف متساوية بالنسبة إلى الكافر و غيره لا وجه لاستفادة التهكمية بالنسبة إلى الكافر، و التكليفية بالنسبة إلى غيره (مخدوش):

لأنّ هذه الاستفادة تكون من باب تعدد الدال و المدلول بالنسبة إلى الكافر كما هو واضح فلا محذور في البين من هذه الجهة.

ص: 136

و الأظهر أن يقال: إنّه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعا و إن تركه فمتسكعا، و هو ممكن في حقه، لإمكان إسلامه و إتيانه مع الاستطاعة و لا معها إن ترك، فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال، و مأمور- على فرض تركه حالها بفعله- بعدها و كذا يدافع الإشكال في قضاء الفوائت، فيقال: إنّه في الوقت مكلّف بالأداء، و مع تركه بالقضاء و هو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداء، و مع تركها قضاء فتوجه الأمر بالقضاء إليه إنّما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلق.

فحاصل الإشكال أنّه إذا لم يصح الإتيان به حال الكفر و لا يجب عليه إذا أسلم فكيف يكون مكلّفا بالقضاء و يعاقب على تركه؟.

و حاصل الجواب: أنّه يكون مكلّفا بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلق (1) و مع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء و القضاء، فيستحق العقاب عليه.

______________________________

(1) هذا هو الجواب الثاني عن الإشكال و استفادة الوجوب المعلق بالنسبة إلى الكافر تكون للقربة الخارجية، و يمكن أن يكون تكليفا واحدا بالنسبة إلى شخص مطلقا، و بالنسبة إلى آخر مشروطا، و بالنسبة إلى ثالث معلقا، و بالنسبة إلى رابع مندوبا كل ذلك لأجل القرائن الخارجية. و قد تعرضنا في الأصول- لإمكان الواجب المعلق و أجبنا عن الإشكالات الواردة عليه فراجع.

الثالث: إنّ المستفاد من مجموع الأدلة أنّ الكافر مكلف بالحج بعد زوال الاستطاعة و استقرار الحج عليه، و كذا بقضاء الصلاة و الصيام لتمكنه من إتيانها بالإسلام فلا إشكال في ثبوت التكليف ملاكا و خطابا. و تظهر الثمرة: في أنّه لو مات على كفره يعاقب على ترك ذلك كله، و لو أسلم يكون إسلامه بدلا عما وجب عليه و يسقط المبدل بالإتيان بالبدل.

الرابع: أنّه من قبيل تفويت الواجب كمن ترك التعليم حتى ضاق الوقت عنه

ص: 137

و بعبارة أخرى: كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء و حينئذ فإذا ترك الإسلام و مات كافرا يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء، و إذا أسلم يغفر له، و إن خالف أيضا و استحق العقاب.

مسألة 75: لو أحرم الكافر ثمَّ أسلم في الأثناء

(مسألة 75): لو أحرم الكافر ثمَّ أسلم في الأثناء لم يكفه و وجب عليه الإعادة من الميقات (1) و لو لم يتمكن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه (2). و لا يكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلما، لأنّ إحرامه باطل.

مسألة 76: المرتد يجب عليه الحج

(مسألة 76): المرتد يجب عليه الحج، سواء كانت استطاعته حال

______________________________

و لم يتمكن منه حيث إنّه يسقط عنه الواجب باختياره و يعاقب على تركه. و في المقام لو مات كافرا يعاقب على ترك الحج لتمكنه من الإتيان به بأن يسلم و يأتي به.

و إن أسلم يصير مورد تفضل اللّه تعالى بسقوط التكليف عنه. فالمسألة ذات أثر شرعيّ.

الخامس: إنّ أصل الإشكال إنّما يحدث بالنسبة إلى القضاء، فإنّه مع الإسلام يسقط و مع عدمه لا يصح، فلا يعقل بالأمر به و هو مبنيّ على تعدد الأمر بالنسبة إلى الأداء و إلى القضاء. و لنا أن ننفي أصل تعدد الأمر حتى لا يلزم المحذور، و نقول:

أنّه ليس في البين إلا أمر واحد بالنسبة إلى الأداء بنحو تعدد المطلوب فلا أمر إلا بالنسبة إلى الأداء فإن أسلم و أتى به يسقط و إن لم يسلم يعاقب على تركه، و إن أسلم بعد الوقت يسقط أمر الأداء بماله من التبعات و لا محذور فيه من عقل أو نقل. و هناك أجوبة أخرى عن الإشكال ظاهرة الخدشة من شاء العثور عليها فليراجع المطولات.

(1) لوقوع إحرامه باطلا، فلا أثر له، لأنّ الإسلام من شرائط صحة العبادات مطلقا، و لا فرق فيه بين كون الإحرام عبادة مستقلة أو جزء النسك.

(2) إلحاقا له بالناسي و الجاهل بدعوى: أنّ ورود الدليل فيهما من باب المثال، فيشمل كل من لم يتمكن من الرجوع. و تشهد له قاعدة الميسور أيضا.

ص: 138

إسلامه السابق أو حال ارتداده (1)، و لا يصح منه (2) فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه (3)، و لا يقضي عنه على الأقوى، لعدم أهليته للإكرام و تفريغ ذمته كالكافر الأصلي، و إن تاب وجب عليه و صح منه و إن كان فطريا على الأقوى من قبول توبته (4)، سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته، فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام، لأنّها مختصة بالكافر الأصليّ بحكم التبادر (5)، و لو أحرم في حال ردته ثمَّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي (6)، و لو حج في حال إسلامه ثمَّ ارتد لم يجب عليه الإعادة على الأقوى، ففي خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «من كان مؤمنا فحج ثمَّ أصابته فتنة ثمَّ تاب، يحسب له كل عمل صالح عمله، و لا يبطل منه شي ء»

______________________________

(1) لتكليف الكفار بالفروع كتكليفهم بالأصول على ما أثبتناه غير مرّة، بلا فرق فيه بين جميع أصناف الكفار من الأصليّ و المرتد بقسميه.

(2) لتقوم العبادة بالقربة و عدم لياقة الكافر للتقرب إلى اللّه تعالى.

(3) لأنّه لا معنى لصحة التكليف إلا صحة المعاقبة على الترك و هذه من اللوازم العقلية لها.

(4) لإطلاقات قبول التوبة و عموماتها الشاملة له أيضا(1)، و ليس في البين ما يصلح للتقييد و التخصيص، و قد تقدّم في كتاب الطهارة راجع (الثامن من المطهرات). و إذا قبلت توبته يصير كأحد من المسلمين حينئذ في جميع التكاليف مطلقا.

(5) و يظهر منهم (رحمهم اللّه) التسالم على الاختصاص به، و يشهد له الاعتبار العرفيّ أيضا.

(6) لما مرّ من تقوم العبادة بأجزائها، و جزئياتها بكون العابد لائقا للتقرب، و الكافر لا يليق بذلك.

ص: 139


1- راجع الوسائل باب: 86 من أبواب جهاد النفس حديث: 8 و غيره.

و آية الحبط مختصة بمن مات على كفره، بقرينة الآية الأخرى و هي قوله تعالى:

وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ و هذه الاية دليل على قبول توبة المرتد الفطري (1) فما ذكره بعضهم، من عدم قبولها منه لا وجه له (2).

مسألة 77: لو أحرم مسلما ثمَّ ارتد ثمَّ تاب

(مسألة 77): لو أحرم مسلما ثمَّ ارتد ثمَّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصح، كما هو كذلك لو ارتد في أثناء الغسل ثمَّ تاب، و كذا لو ارتد في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثمَّ تاب قبل فوات الموالاة. بل و كذا لو ارتد في أثناء الصلاة (3) ثمَّ تاب قبل أن يأتي بشي ء أو يفوت الموالاة، على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتصالية جزءا فيها (4). نعم، لو ارتد في أثناء الصّوم بطل، و إن تاب بلا فصل (5).

______________________________

(1) بدعوى: أنّه يعتبر في الحبط الذي هو عبارة عن عدم القبول الموت كافرا، فمن لم يمت كافرا لا يحبط عمله. و عدم الحبط مرتبة من مراتب القبول. و توهم: أنّ عدم الحبط أعمّ من القبول مردود بأنّ الحبط هو البطلان، و عدم البطلان عبارة أخرى عن الصحة، و التوبة الصحيحة تجري لا محالة بل تتقبل. نعم، للقبول مراتب كثيرة.

(2) و لو نوقش في دلالة الآية تكفينا الإطلاقات و العمومات في قبولها منه كما تقدم.

(3) كل ذلك لأصالة الصحة، و عدم المانعية، و عدم كون الزمان متقوّما في تلك الأمور و داخلا في ذاتها و حقيقتها.

(4) المراد بالهيئة الاتصالية هنا الأكوان المتخللة الفارغة عن التلبس بإتيان الجزء، و مقتضى الأصل عدم جزئيتها للصلاة بعد عدم دليل عليها.

(5) لأنّ الزمان بجميع آناته متقوّم لحقيقة الصوم، فتبطل النية في الزمان الذي ارتد فيه، لما مرّ من جهة عدم كون الكافر لائقا للتقرب، فلا يقع فيه الصوم قهرا. و يكون نظير نية القطع و القاطع مع عدم الإتيان بالمفطر حيث يبطل الصوم،

ص: 140

مسألة 78: إذا حج المخالف ثمَّ استبصر

(مسألة 78): إذا حج المخالف ثمَّ استبصر لا يجب عليه الإعادة (1) بشرط أن يكون صحيحا في مذهبه (2)، و إن لم يكن صحيحا في مذهبنا من غير فرق بين الفرق، لإطلاق الأخبار. و ما دل على الإعادة من الأخبار محمول

______________________________

لوقوع جزء من الصوم بلا نية.

(1) لنصوص كثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح العجلي: «كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثمَّ منّ اللّه تعالى و عرفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنّه يعيدها، لأنّه وضعها في غير موضعها، لأنّها لأهل الولاية. و أما الصلاة، و الحج، و الصيام فليس عليه قضاء» (1) و كذا صحيح الفضلاء و هذا هو المشهور.

و عن ابني الجنيد و البراج وجوب الإعادة لقوله (عليه السلام) أيضا في خبر أبي بصير: «لو أنّ رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجته، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج. و كذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج و إن كان قد حج» (2).

و في مكاتبة الهمداني إلى أبي جعفر (عليه السلام) «إنّي حججت- و أنا مخالف- و كنت صرورة و دخلت متمتعا بالعمرة إلى الحج؟. فكتب (عليه السلام) إليه: أعد حجك» (3).

و فيه: أنّهما مضافا إلى قصور سندهما، و إعراض الأصحاب عنهما محمولان على الندب بقرينة غيرهما مما يأتي، أو محمولان على بعض مراتب النصب و الخلاف الموجب للكفر.

(2) لأنّه المنساق من أدلة التقرير، و المرتكز في أذهان المتشرعة- منهم- و منا، فترد الأدلة على ذلك المرتكز.

و أما ما مرّ من قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح العجلي: «لأنّه وضعها في غير موضعها، لأنّها لأهل الولاية» فليس في مقام بيان اعتبار الصحة

ص: 141


1- الوسائل باب: 3 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1 و 2 و 3.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب وجوب الحج حديث: 5.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله (عليه السلام):

«يقضي أحبّ إليّ» و قوله (عليه السلام): «و الحج أحبّ إليّ» (1).

______________________________

الواقعية أو التعميم حتى للفاسد عندهم، بل في مقام الفرق بين حق الناس و حق اللّه تعالى، فتكون الزكاة مثل ما إذا أدى المديون دينه إلى غير الدّائن و هو لا يجزي عند الكل. أما حق اللّه تعالى فهو مبنيّ على العفو و التفضل و الرحمة، فلا بد من الإجزاء، كما أنّ وليّ الزكاة إن قبل ما أعطاه من الزكاة يجزئ أيضا.

فروع- (الأول): لو كان باطلا في مذهبه و صحيحا في مذهب غيره من مذاهب العامة- كما إذا عمل الحنفي بمقتضى مذهب المالكي مثلا- فيمكن القول بالإجزاء، لأنّ المنساق من الأدلة التسهيل و الترغيب و إيجاد الألفة.

(الثاني): لو عمل بمقتضى مذهبنا و كان عمله صحيحا عندنا و باطلا عندهم يمكن القول بالإجزاء بالأولى، و لكنّه مشكل، لاحتمال أن يكون لتقرير خصوص مذهبهم موضوعية خاصة للايتلاف بين المسلمين، مع أنّ صحة عملهم عندنا غير متصوّرة بعد كون الاعتقاد بالولاية من شروط الصحة، كما عن المشهور إلا أن يراد الصحة بالنسبة إلى غير هذا الشرط.

(الثالث): لو لم يعمل شيئا في حال الضلال ثمَّ استبصر وجب عليه قضاء ما فاته، لعمومات الأدلة، و إطلاقاتها.

(الرابع): الظاهر شمول إطلاقات الأدلة لمن كان مستبصرا ثمَّ ضلّ ثمَّ استبصر.

(الخامس): صحة ما مضى من الأعمال بعد الاستبصار يمكن أن تكون لأجل كون الإيمان من الشرط المت، كما يمكن أن تكون تفضّلا من اللّه تعالى، و الأول يرجع إلى الأخير أيضا كما لا يخفى.

(السادس): مقتضى الإطلاقات تمامية حجه و لو مع تركه لطواف النساء، فيجوز للمؤمنة التزويج معه و لو لم يأت بطواف النساء.

(1) في صحيح العجلي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سألته عن رجل حج»

ص: 142

مسألة 79: لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج

(مسألة 79): لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج (1) إذا كانت مستطيعة، و لا يجوز له منعها منه (2). و كذا في الحج الواجب بالنذر و نحوه إذا كان مضيّقا (3)، و أما في الحج المندوب فيشترط إذنه، و كذا في الواجب الموسّع

______________________________

و هو لا يعرف هذا الأمر، ثمَّ منّ اللّه تعالى عليه بمعرفته و الدينونة به، أ عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال (عليه السلام): قد قضى فريضته و لو حج لكان أحبّ إليّ. قال: و سألته عن رجل حج و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة، ناصب متدين، ثمَّ منّ اللّه عليه فعرف هذا الأمر يقضي حجة الإسلام؟ فقال (عليه السلام) يقضي أحبّ إليّ» (1).

(1) للأصل، و النصوص، و الاتفاق، فعن أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح قال: «سألته عن المرأة لم تحج، و لها زوج، و أبى أن يأذن لها في الحج، فغاب زوجها، فهل لها أن تحج؟ قال (عليه السلام): لا طاعة له عليها في حجة الإسلام» (2).

و عنه (عليه السلام) أيضا قال: «سألته عن امرأة لها زوج و هي صرورة، و لا يأذن لها في الحج قال (عليه السلام): تحج و إن لم يأذن لها» (3).

و في صحيح معاوية بن وهب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): امرأة لها زوج، فأبى أن يأذن لها في الحج، و لم تحج حجة الإسلام، فغاب عنها زوجها و قد نهاها أن تحج، فقال (عليه السلام): لا طاعة له عليها في حجة الإسلام «و لا كرامة لتحج إن شاءت» (4).

(2) لأصالة عدم حقّ له عليها في المقام، مع أنّه أمر بالمنكر، و مخالف لقاعدة السلطنة.

(3) إجماعا، و لأهمية مراعاة حق اللّه تعالى، و قد أرسل قوله (عليه السلام) «لا»

ص: 143


1- الوسائل باب: 23 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
4- الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.

قبل تضيقه على الأقوى (1)، بل في حجة الإسلام يجوز له منعها من الخروج

______________________________

طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1) إرسال المسلّمات في أبواب الفقه.

(1) أما في المندوب، فللإجماع، و إطلاق ما دلّ على أنّه ليس للزوجة الخروج من بيتها إلا بإذن زوجها خرج منه الواجب المضيق و بقي الباقي.

و في موثق ابن عمار عن الكاظم (عليه السلام): «المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام تقول لزوجها أحجني مرّة أخرى، أ له أن يمنعها من ذلك؟ قال (عليه السلام): نعم، يقول لها: حقي عليك أعظم من حقّك عليّ في هذا» (2).

و عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «و لا تخرج من بيتها إلا بإذنه» (3).

و أما في الموسع قبل التضيق فلإطلاق موثق ابن عمار فإنّه يشمل كل ما ليس فيه معصية اللّه بالنسبة إلى منع الزوج، فيشمل منعه لها عن الخروج مع أول الرفقة قبل التضيق، إذ ليس في ذلك معصية حتى لا يكون لمنعه أثر.

هذا، و لكن يمكن أن يقال: إنّ حقه ثابت ما لم يكن المورد موردا للوجوب الشرعي و لو بنحو الواجب الموسع، لأنّ منعها عن ذلك مع الالتفات إلى هذه الجهة نحو تصرّف في سلطان الشارع، و تضييق لما وسعه اللّه تعالى. و الشك في ثبوت مثل هذا الحق للزوج بالنسبة إلى زوجته يكفي في جريان أصالة عدم حق له عليها هذا بعد عدم عموم متكفل لإثبات مثل هذا الحق المطلق له عليها.

و تلخيص المقال: إنّ ما تأتي به الزوجة أقسام:

الأول: أن يكون واجب مضيق فلا ريب في عدم حق للزوج على منعها عن الإتيان به سواء توقف الإتيان به على الخروج من المنزل- كالحج- أم لا، و سواء كان الإتيان منافيا لحق الاستمتاع منها أم لا إن ثبت شرعا أهمية إتيان ذلك الواجب من مراعاة حقه- كالصلاة، و الصوم، و الحج و نحوهما، و الوجه في ذلك كله معلوم و هو

ص: 144


1- الوسائل باب: 29 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب وجوب الحج حديث: 7.
3- الوسائل باب: 79 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 1.

..........

______________________________

ثبوت الأهمية الموجب للتقديم عقلا و نقلا.

الثاني: أن يكون واجبا متوقفا على الخروج من المنزل، أو كان إتيانه منافيا للاستمتاع و لم تثبت أهميته من حق الزوج مع كونه مضيقا، و ظاهر إطلاق كلماتهم عدم حق المنع للزوج، و يدل عليه تمسكهم بإطلاق قوله (عليه السلام): «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1).

الثالث: هذه الصورة و سابقتها مع كون الواجب موسعا. و عن جمع: إنّ للزوج حق المنع إلى أن يصير الواجب مضيقا فلا حق له حينئذ، لثبوت عموم حقه و عدم المزاحمة بين الوسعين و لا بين المضيق و الموسع و هذا صحيح لو كان مناط التقديم حيثية المزاحمة من حيث هي، و لكن لو كان المناط ملاحظة نفس الوجوبين من حيث هو وجوب، فتقديم حق الزوج يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

إن قيل: يمكن أن يستفاد التوقف على إذنه مما ورد من أنّه لا نذر في مالها إلا بإذنه. و لا تصوم تطوعا إلا بإذنه- كما تقدم.

(يقال): هذا مختص بمورده و ليس لنا التعدّي منه إلى غيره، لأنّ ثبوت الحق المطلق له عليها مناف لقاعدة السلطنة الثابتة ببناء العقلاء المقرّرة شرعا.

و بالجملة مقتضى أصالة عدم حق له عليها إلا في مورد الدليل، و قاعدة سلطنة الناس على أنفسهم عدم حق المنع للزوج إلا إذا دل عليه دليل بالخصوص و هو مفقود في المقام.

إن قيل: الدليل في المقام ما دلّ على أنّه ليس لها أن تخرج من البيت إلا بإذن زوجها، كما يأتي التعرض له في أحكام النشوز من كتاب النكاح.

(يقال): في شموله للخروج المتصف بطبيعيّ الوجوب إشكال بل منع، و الشك في الشمول يكفي في عدمه في مقابل قاعدة السلطنة.

ثمَّ إنّه لا بدّ و أن يبحث من أنّ حقه عليها من الحقوق الاقتراحية و يدور مدار مشيته و إرادته المطلقة، أو إنّه يدور مدار الأغراض الصحيحة العقلائية و يأتي في

ص: 145


1- الوسائل باب: 29 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.

مع أول الرفقة، مع وجود الرفقة الأخرى قبل تضيق الوقت. و المطلقة الرجعية كالزوجة في اشتراط إذن الزوج ما دامت في العدّة (1) بخلاف البائنة، لانقطاع عصمتها منه (2)، و كذا المعتدّة للوفاة فيجوز لها الحج، واجبا كان أو

______________________________

كتاب النكاح بعض القول فيه، و في فروع أخرى ترتبط بالمقام.

ثمَّ إنّه قد يظهر من بعض الروايات أنّه لو كان المورد من بعض المندوبات و تركتها الزوجة لطاعة زوجها تثاب بأكثر من إتيان ذلك المندوب كخبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ رجلا من الأنصار على عهد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهدا أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم، قال: و إنّ أباها قد مرض فبعثت المرأة إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) تستأذنه أن تعوده فقال: لا، اجلسي في بيتك و أطيعي زوجك- إلى أن قال- قال:

فمات أبوها فبعثت إليه إن أبي قد مات فتأمرني أن أصلي عليه فقال: لا، اجلسي في بيتك و أطيعي زوجك قال: فدفن الرجل فبعث إليها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إنّ اللّه قد غفر لك و لأبيك بطاعتك لزوجك» (1).

(1) نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «المطلقة إن كانت صرورة حجت في عدتها، و إن كانت حجت فلا تحج حتى تقضي عدتها» (2).

و في صحيح ابن عمار: «و لا تحج المطلقة في عدتها» (3)المحمول على الرجعية إجماعا، مع أنّهم (رحمهم اللّه) أرسلوا إرسال المسلّمات قولهم (رحمهم اللّه): «المطلقة رجعية زوجة».

(2) للأصل، بعد انقطاع الاعتصام، و لظهور الإجماع.

ص: 146


1- الوسائل باب: 91 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.

مندوبا (1) و الظاهر أنّ المنقطعة كالدّائمة في اشتراط الإذن (2)، و لا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعا من الاستمتاع بها كمرض أو سفر أو لا (3).

______________________________

(1) نصوصا، و إجماعا ففي موثق زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«سألته عن المرأة التي يتوفى عنها زوجها أ تحج في عدتها؟ قال (عليه السلام):

نعم» (1)، و يقتضيه الأصل، و ظهور الاتفاق، و قاعدة السلطنة.

(2) لعموم جملة من الأخبار، و إطلاقها الشامل لها أيضا، مضافا إلى ظهور عدم الخلاف.

(3) للإطلاق، و ظهور الاتفاق الدال على أنّ ذلك من جهة أصل حق الزوجية لا من متفرّعات الاستمتاع.

فروع- (الأول): عبادات الزوجة إن توقفت على الخروج من بيتها تتوقف على إذن الزوج إلا في المضيّق من الواجبات، و كذا الموسع من الواجب كما مرّ، لكن الأحوط فيه الاستئذان.

(الثاني): إن لم تتوقف عبادة الزوجة على الخروج من بيتها و كانت منافية لحق الاستمتاع تتوقف على إذن الزوج أيضا.

(الثالث): إن لم تتوقف العبادة على الخروج و لم تكن منافية لحق الاستمتاع أيضا، فمقتضى الأصل، و قاعدة السلطنة عدم حق له عليها في منعها. نعم، ورد النص في أنّ نذرها من مالها، و صومها تطوعا يتوقف على إذنه (2)، و التعدّي منهما إلى غيرهما يحتاج إلى دليل و هو مفقود، و السيرة بين المتشرعين و المتشرعات عدم الإذن و الاستئذان لذلك.

ص: 147


1- الوسائل باب: 61 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات حديث: 1.
مسألة 80: لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة

(مسألة 80): لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها و بضعها، كما دلت عليه جملة من الأخبار (1). و لا فرق بين كونها ذات بعل أو لا (2) و مع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم و لو بالأجرة، مع

______________________________

(الرابع): يظهر مما مرّ حكم أفعالها المباحة فإنّها قد تتوقف على الإذن و قد لا تتوقف.

(الخامس): لو منعها في صورة جواز المنع له فإن أتت بعمل توصليّ، فليس عليها إلا الإثم و يزول برضائه و لو بعد حين، و إن أتت بعبادة تفسد إن كان من النهي في العبادة و إلا يكون من مسألة الضد.

(1) منها: صحيح ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المرأة تخرج إلى مكة بغير وليّ، فقال (عليه السلام): لا بأس، تخرج مع قوم ثقاة» (1).

و في صحيح ابن خالد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «المرأة تريد الحج و ليس معها محرم، هل يصلح لها الحج؟ فقال (عليه السلام): نعم، إذا كانت مأمونة» (2).

و في صحيح صفوان الجمال قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): قد عرفتني بعملي، تأتيني المرأة، أعرفها بإسلامها و حبّها إيّاكم و ولايتها لكم، ليس لها محرم فقال (عليه السلام) إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها، فإنّ المؤمن محرم المؤمنة ثمَّ تلا هذه الآية «وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ..» (3)، و مثله غيره، و يشهد له الأصل، و ظهور الإجماع، و قاعدة السلطنة.

(2) لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و في صحيح ابن عمار عنه (عليه السلام):

«عن المرأة تحج بغير وليّ؟ قال (عليه السلام): لا بأس. و إن كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن يحجوا بها، و ليس لهم سعة فلا ينبغي لها أن تقعد، و لا ينبغي لهم أن

ص: 148


1- الوسائل باب: 58 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.
2- الوسائل باب: 58 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
3- الوسائل باب: 58 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

تمكنها منه، و مع عدمه لا تكون مستطيعة (1) و هل يجب عليها التزويج تحصيلا للمحرم؟ وجهان (2). و لو كانت ذات زوج، و ادعى عدم الأمن عليها و أنكرت، قدم قولها مع عدم البينة، أو القرائن الشاهدة (3)، و الظاهر عدم

______________________________

يمنعوها» (1) و ظهوره في عدم الفرق بين من لها زوج و من لا زوج لها مما لا ينكر.

(1) لكون ذلك من مؤن الحج، فمع التمكن منها يجب، و مع العدم لا وجه للوجوب.

ثمَّ إنّ الواجب استصحاب من تثق به و لو لم يكن محرما فلا وجه لاختصاص الحكم بالمحرم، بل يجب عليها الحج إذا كانت مأمونة، كما في صحيح ابن خالد، فتحج بنفسها فقط مع الأمن على نفسها، و قد جرت السيرة على حج المؤمنات بأنفسهن في هذه العصور بلا استنكار عليهنّ من أحد.

(2) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموارد و الأشخاص فتارة: يكون التزويج من تحصيل الاستطاعة فلا يجب. و أخرى: يكون من تحصيل مقدمات السفر فيجب و المرجع في تشخيصه عرف المتشرعة. و منه يظهر أنّه يمكن أن يجعل النزاع في المقام صغرويّا.

(3) حيث إنّ الزوجة عرض الزوج، فيكون خوف هتك عرضه و عدم الأمن عليه مما يقوم به عرفا فله الحق، و له المطالبة بالتحفظ على عرضه بإقامة الدعوى عند الحاكم الشرعي: بأنّي لست آمنا على عرضي و أتخوف عليه، فيكون مدعيا و إذا أنكرت الزوجة ذلك- و قالت: لا خوف عليّ و على عرضك- تكون منكرة فيجري عليها حكم المدعي و المنكر فيقبل قولها مع عدم البينة و القرائن المعتبرة، و لا يمين عليها، لأنّ الأمن و عدم الخوف مما لا يعرف غالبا إلا من قبل نفس الشخص، فيكون مثل الحيض، و الطهر، و الحمل مما يقبل قولها فيها بلا يمين، نعم، لو كانت متهمة، لاحتاج القبول إلى اليمين.

ص: 149


1- الوسائل باب: 58 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.

استحقاقه اليمين عليها (1) الا أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حق الاستمتاع له عليها بدعوى أنّ حجها مفوّت لحقه، مع عدم وجوبه عليها فحينئذ عليها اليمين على نفي الخوف (2). و هل للزوج- مع هذه الحالة- منعها من الحج باطنا إذا أمكنه ذلك؟ وجهان (3) في صورة عدم تحليفها و أما معه فالظاهر سقوط حقه (4). و لو حجت بلا محرم مع عدم الأمن، صح حجها إن حصل

______________________________

هذا إذا انطبق على تقرير الدعوى عنوان المدعي و المنكر. و يمكن تطبيق التداعي عليه بأن يدعى الزوج ثبوت الخوف في السفر، و تدعي الزوجة أنّ السفر مأمون فيجري عليه حينئذ حكمه.

و أما تشخيص أنّ تقرير الدعوى على أيّ نحو يكون من المدعي و المنكر و على أيّ نحو يكون من التداعي فلا ربط له بالمقام و يأتي تفصيله في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(1) لما مرّ من أنّ هذه الأمور مما لا تعرف إلا من قبل الشخص، فيكون مثل الحيض، و الحمل و نحوهما.

(2) حيث إنّ الدعوى من الزوج إنّما هو تفويت الحق و إنكار الزوجة لا بد و أن يتوجه إلى هذه الدعوى بأن تنكر التفويت، للزوم المطابقة بين الدعوى و الإنكار، فيتحقق موضوع اليمين حينئذ بلا إشكال. و أما الحلف على نفي الخوف- كما في المتن- فلا وجه له بالنسبة إلى هذا النزاع، لعدم كون الخوف موردا لتقرير الدعوى حتى يتوجه اليمين بالنسبة إلى نفسه على الزوجة كما لا يخفى.

(3) من أنّ التحفظ على عرضه من حقوقه، فله المنع، و إعمال حقه. و من حيث إنه مع إنكارها الخوف لا يبقى موضوع لحقه لتحقق الوجوب حينئذ بلا إشكال، فلا حق له حتى يمنعها باطنا، نعم، يصح المنع باطنا تعليقا على تحقق الخوف في علم اللّه تعالى.

(4) يسقط الحق في الظاهر، لانقطاع الخصومة ظاهرا بالحجة الشرعية- بينة كانت أو يمينا- إن ثبت هذا النحو من الحق له بأن يعمل عند الشك فيه، و لكن

ص: 150

الأمن قبل الشروع في الإحرام (1)، و إلا ففي الصحة إشكال و إن كان الأقوى الصحة (2).

(مسألة 81): إذا استقر عليه الحج بأن استكملت الشرائط و أهمل حتى زالت أو زال بعضها- صار دينا عليه و وجب الإتيان به بأيّ وجه تمكن (3)، و إن مات فيجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة (4)

______________________________

ثبوته محل إشكال، بل مقتضى الأصل عدمه. و أما في الواقع فالحق باق لو كانت كاذبة، فله حق المنع و الحبس على هذا التقدير مع علمه بكذبها و يأتي التفصيل في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(1) لتحقق المقتضي للصحة و فقد المانع عنها فلا بد من الصحة و الإجزاء حينئذ.

(2) لما تقدم في المسائل السابقة من بقاء الملاك و إن سقط الوجوب فراجع.

نعم، لو كان المورد من النهي في العبادة فلا وجه للصحة حينئذ.

(3) نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «يخرج و يمشي إن لم يكن له مال، قلت: لا يقدر على المشي قال (عليه السلام): يمشي و يركب، قلت: لا يقدر على ذلك أعني: المشي قال (عليه السلام): يخدم القوم و يخرج معهم» (1) المحمول على من استقر عليه الحج.

(4) للنصّ، و الإجماع قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي:

«تقضي عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله» (2)، و في موثق سماعة: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): عن الرجل يموت، و لم يحج حجة الإسلام، و لم يوص بها و هو موسر فقال (عليه السلام) يحج عنه من صلب ماله، لا يجوز غير ذلك» (3) و قريب منه خبر العجلي و غيره.

ص: 151


1- الوسائل باب: 11 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.

و يصح التبرع عنه (1)، و اختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار على أقوال، فالمشهور مضيّ زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعا للشرائط و هو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة. و قيل باعتبار مضيّ زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعا للشرائط، فيكفي بقاؤها إلى مضيّ جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعي، و ربما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة، و قد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام و دخول الحرم، و قد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة (2)، فلو أهمل استقر عليه، و إن فقدت بعض ذلك، لأنّه كان مأمورا بالخروج معهم،

______________________________

(1) للإجماع، و النصوص:

منها: صحيح ابن عمار قال سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): «عن رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض إخوانه، هل يجزي ذلك عنه أو هل هي ناقصة؟ قال: بلى هي حجة تامة» (1).

و خبر عامر بن عميرة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) بلغني عنك أنّك قلت: لو أنّ رجلا مات و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه فقال (عليه السلام): نعم، أشهد بها على أبي أنّه حدثني أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أتاه رجل فقال: يا رسول اللّه إنّ أبي مات و لم يحج، فقال له رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): حج عنه فإنّ ذلك يجزي عنه» (2).

(2) نسب القول الأول إلى التذكرة، و مهذب البارع. و الثاني إلى التذكرة أيضا، و الثالث إلى القواعد. و الأخير إلى جمع منهم صاحب المستند.

و الكل مخدوش:

أما الأول، فلأنّه مبنيّ على التفكيك بين أجزاء الواجب و لا دليل عليه، بل مقتضى القاعدة عدمه إلا مع وجود دليل مخصوص و هو مفقود.

ص: 152


1- الوسائل باب: 31 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.

و الأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية، و البدنية، و السربية، و أما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال، و ذلك لأنّ فقد بعض الشرائط يكشف عن عدم الوجوب عليه واقعا، و أنّ وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهريّا و لذا لو علم من الأول أنّ الشرائط لا تبقى الى الآخر لم يجب عليه (1). نعم، لو فرض تحقق الموت بعد تمام الأعمال كفى بقاء تلك الشرائط إلى آخر الأعمال، لعدم الحاجة حينئذ إلى نفقة العود، و الرجوع إلى كفاية و تخلية السرب و نحوها، و لو علم من الأول بأنّه يموت بعد ذلك، فإن كان قبل تمام الأعمال لم يجب عليه المشي (2)، و إن كان

______________________________

و الثاني: لا وجه له بالنسبة إلى العقل، و صحة البدن، بل هو خلاف التسهيل المبنيّ عليه الشريعة، خصوصا في مثل هذا التكليف المشتمل على المشقة، و تقدم في [مسألة 9 و 28] بعض ما ينفع المقام، فراجع.

و الثالث: تنظير للمقام بمن مات بعد الإحرام و دخول الحرم و هو قياس لا نقول به، و الأخير خلاف الإرفاق، و خلاف ظواهر الأدلة على اعتبار الشرائط ذهابا و إيابا، و مقتضى الأصل عدم تنجز التكليف مطلقا إلا بتحقق موضوعه و بجميع شرائطه و فقد جميع موانعه إلا بدليل خاص يدل على الخلاف، و لم يعلم مخالفة ما نسب إلى المشهور لهذا الأصل، و إطلاقات وجوب القضاء منزلة على ذلك أيضا فلا وجه للأخذ بإطلاقها مع عدم إحراز ورودها مورد البيان من كل جهة، بل وردت لبيان أصل تشريع القضاء في الجملة، فاللازم تتميم الحكم بحسب القواعد، و ما تقتضيه مرتكزات المتشرّعة المنزلة عليها الأدلة و هي ما ذكر (قدّس سرّه) في المتن.

(1) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط واقعا.

(2) لعدم الوجوب بالنسبة إليه من جهة انتفاء الشرط واقعا. نعم، لو قلنا بشمول دليل الإجزاء الوارد في من مات بعد الإحرام و دخول الحرم لمن يعلم أنّه يموت كذلك لوجب بالنسبة إلى من حصل له علم ذلك و لكنّه مشكل بل ممنوع، لكون الحكم مخالفا للقاعدة فلا بد فيه من الاقتصار على مورد دليله.

ص: 153

بعده وجب عليه (1).

هذا إذا لم يكن فقد الشرائط مستندا إلى ترك المشي و الا استقر عليه، كما إذا علم أنّه لو مشى إلى الحج لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلا، فإنّه حينئذ يستقرّ عليه الوجوب، لأنّه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه. و أما لو شك في أنّ الفقد مستند إلى ترك المشي أو لا، فالظاهر عدم الاستقرار، للشك في تحقق الوجوب و عدمه واقعا، هذا بالنسبة إلى استقرار الحج لو تركه، و أما لو كان واجدا للشرائط حين المسير فسار، ثمَّ زال بعض الشرائط في الأثناء فأتم الحج على ذلك الحال. كفى حجة عن حجة الإسلام (2) إذا لم يكن المفقود مثل العقل، بل كان هو الاستطاعة البدنية أو المالية، أو السربية و نحوها على الأقوى.

مسألة 82: إذا استقر عليه العمرة فقط

(مسألة 82): إذا استقر عليه العمرة فقط، أو الحج فقط- كما فيمن وظيفته حج الإفراد و القران- ثمَّ زالت استطاعته، فكما مرّ يجب عليه أيضا بأيّ وجه تمكن و إن مات يقضى عنه (3).

مسألة 83: تقضى حجة الإسلام من أصل التركة

(مسألة 83): تقضى حجة الإسلام من أصل التركة (4) إذا لم يوص بها، سواء كانت حج التمتع، أو القران، أو الإفراد، و كذا إذا كان عليه

______________________________

(1) لتحقق الشرط واقعا، فتشمله الأدلة.

(2) تقدم ما يتعلق به في [مسألة 64] فراجع، فلا وجه للتكرار و الإعادة مع قرب العهد بها.

(3) لظهور الإجماع، و إرسالهم لذلك كله إرسال المسلّمات من غير تعرض للخلاف، و يصح التمسك له بإطلاق بعض ما تقدم من الأخبار.

(4) إجماعا، و نصوصا كثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «يقضي عن الرجل»

ص: 154

..........

______________________________

«حجة الإسلام من جميع ماله» (1).

و عنه (عليه السلام) في موثق سماعة: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يموت، و لم يحج حجة الإسلام، و لم يوص بها و هو موسر فقال: يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك» (2).

و عنه (عليه السلام) أيضا في صحيح العجلي: «عن رجل استودعني مالا و هلك، و ليس لولده شي ء و لم يحج حجة الإسلام قال (عليه السلام): حج عنه، و ما فضل فأعطهم» (3).

و أما صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل توفي، و أوصى أن يحج عنه قال (عليه السلام): إن كان صرورة فمن جميع المال، إنّه بمنزلة الدّين الواجب. و إن كان قد حج فمن ثلثه. و من مات و لم يحج حجة الإسلام، و لم يترك إلا قدر نفقة الحمولة، و له ورثة، فهم أحقّ بما ترك، فإن شاؤوا أكلوا و إن شاؤوا حجوا عنه» (4).

فصدره نصّ في الخروج من الأصل و لا بد من طرح ذيله، أو رد علمه إلى أهله، لكونه مخالفا للإجماع.

و أما استفادة ذلك من الآية الكريمة وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (5) بدعوى: أنّ المراد من اللام الملك فلا وجه له، لعدم دلالتها على الملك أولا بل هي لمطلق الاختصاص، و على فرض الدلالة على الملك فهي أعمّ من كونه من الأصل أو من الثلث. فتأمل.

نعم، يمكن أن يجعل خروج الماليات مطلقا من الأصل مطابقا للقاعدة، لأنّها تتعلق بالشخص من جهتين.

ص: 155


1- الوسائل باب: 28 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
5- سورة آل عمران، الآية 97.

عمرتها (1) و إن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضا (2)، و أما إن أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه (3)، و تقدم على الوصايا المستحبة. و إن كانت متأخرة عنها في الذكر (4) و إن لم يف الثلث

______________________________

الأولى: جهة الإعطاء، و الدفع. و الصرف القائمة بحياته و التي تكون فعلا من أفعاله.

الثانية: الإضافة المالية القائمة به من جهة استيلائه على المال. و هما جهتان مختلفتان عقلا و عرفا. و إذا مات تنعدم الجهة القائمة بذاته، لانتفاء موضوعها بالموت، و تبقى الإضافة المالية السارية في جميع ما كان مستوليا عليه من المال، و لا معنى لصحة الخروج من الأصل إلا هذا. فالنصوص وردت على طبق القاعدة لا على خلافها.

(1) كل ذلك لإطلاق الأدلة الشامل للجميع، و لأنّ المراد بالحج في الأدلة- الواردة في المقام- ما يشمل العمرة أيضا، إجماعا.

(2) إجماعا، و نصّا ففي صحيح ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل مات، فأوصى أن يحج عنه قال (عليه السلام): إن كان صرورة فمن جميع المال، و إن كان تطوّعا فمن ثلثه» (1) و مثله غيره.

(3) لوجوب العمل بالوصية بالأدلة الثلاثة- الأربعة- كما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

(4) نصّا، و إجماعا عند التزاحم، و في صحيح ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن امرأة أوصت بمال في الصدقة، و الحج و العتق فقال (عليه السلام): ابدأ بالحج فإنّه مفروض، فإن بقي شي ء فاجعل في العتق طائفة، و في الصدقة طائفة» (2).

ص: 156


1- الوسائل باب: 25 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب وجوب الحج حديث: 1. و باب: 65 من أبواب أحكام الوصايا.

بها أخذت البقية من الأصل (1)، و الأقوى أنّ حج النذر أيضا كذلك، بمعنى: أنّه يخرج من الأصل كما ستأتي الإشارة إليه (2). و لو كان عليه دين، أو خمس، أو زكاة و قصرت التركة، فإن كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجودا قدّم، لتعلقهما بالعين، فلا يجوز صرفه في غيرهما، و إن كانا في الذمة

______________________________

ثمَّ إن أقسام الوصية بالحج ثلاثة:

الأول: أن يعلم أنّه حجة الإسلام أو حج واجب، فيخرج من الأصل.

الثاني: أن يعلم أنّه حج ندبيّ و يخرج من الثلث.

الثالث: أن يشك في أنّه من أيّهما، و مقتضى أصالة عدم الوجوب عدم صحة إخراجه من الأصل إلا بإذن الورثة، و لا يستفاد من هذا الحديث ما يخالف الأصل و يأتي في (فصل الوصية بالحج) ما ينفع المقام. هذا مع التزاحم. و أما مع عدمه فلا تقدم و لا تأخير في البين.

ثمَّ إنّ مورد الوصية بالثلث تارة: يكون من الواجبات المالية. و أخرى: يكون واجبا غير مالي. و ثالثة: يكون من المندوبات أو المباحات. و رابعة: يكون من المالي و غيره من الواجبات. و خامسة: يكون من المالي و المندوبات. و سادسة: يكون من الواجب غير المالي و المندوبات.

و في الكل إما أن يفي الثلث بالجميع فيجب العمل به أو لا يفي. فيقدم المالي ثمَّ سائر الواجبات ثمَّ المندوبات و يأتي التفصيل في كتاب الوصية.

(1) لإطلاق ما دل على إخراجه من الأصل الشامل للإتمام كالتمام و التحديد بالثلث في الوصية، و إن لم يف بالحج يخالف الكتاب، لأنّها حيف حينئذ، و إطلاق السنة الدالة على أنّ الحج يخرج من الأصل تماما أو إتماما فلا تنفذ، و لا يجوز العمل بها.

(2) لأنّه أيضا واجب ماليّ كحجة الإسلام، و يأتي في [مسألة 8] من الفصل التالي- في فصل الوصية- بعض الكلام.

ص: 157

فالأقوى أنّ التركة توزع على الجميع بالنسبة (1)، كما في غرماء المفلس، و قد يقال: بتقدم الحج على غيره و إن كان دين الناس، لخبر معاوية ابن عمار (2) الدال على تقديمه على الزكاة و نحوه خبر آخر، لكنّهما موهونان بإعراض الأصحاب، مع أنّهما في خصوص الزكاة (3)، و ربما يحتمل تقديم دين الناس لأهميته (4) و الأقوى ما ذكر من التخصيص و حينئذ فإن وفت حصة الحج به فهو، و إلا فإن لم تف إلا ببعض الأفعال- كالطواف فقط، أو مع السعي- فالظاهر سقوطه (5)، و صرف حصته في الدّين أو الخمس أو الزكاة. و مع وجود الجمع توزع عليها. و إن وفت بالحج فقط أو العمرة فقط ففي مثل حج القران و الإفراد تصرف فيها مخيّرا بينهما (6)،

______________________________

(1) لبطلان الترجيح بلا مرجح و هذا هو المشهور بين الفقهاء.

(2) قال: «قلت له: رجل يموت و عليه خمسمائة و عليه حجة الإسلام و ترك ثلاثمائة درهم فأوصى بحجة الإسلام، و أن يقضى عنه دين الزكاة؟ قال (عليه السلام) يحج عنه من أقرب المواضع و يجعل ما بقي في الزكاة» (1) و قريب منه خبره الآخر (2).

(3) مضافا إلى قصور السند، و إمكان أن يكون ذلك مقتضى التوزيع في تلك الأزمنة أيضا.

(4) تقدم ما يتعلق بها في [مسألة 16] فراجع.

(5) لأصالة عدم المشروعية بعد عدم الدليل على التبعيض، فيكون وجوب الحج حينئذ كالعدم، لسقوطه بالتعذر فيصرف حصته في سائر الديون.

(6) لعدم الترجيح بينها في مقام تعلق أصل الحق بالمال و إن كان الحج أهمّ بحسب التكليف الخارجي. و يمكن أن يقال: إنّ ذلك يوجب احتمال الأهمية في

ص: 158


1- الوسائل باب: 21 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2 و باب: 42 من أبواب أحكام الوصايا.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2 و باب: 42 من أبواب أحكام الوصايا.

و الأحوط تقديم الحج (1)، و في حج القران التمتع الأقوى السقوط و صرفها في الدّين و غيره، و ربما يحتمل فيه أيضا التخيير، أو ترجيح الحج لأهميته أو العمرة لتقدمها لكن لا وجه لها بعد كونهما في التمتع عملا واحدا (2)، و قاعدة الميسور لا جابر لها في المقام (3).

مسألة 84: لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استئجار الحج

(مسألة 84): لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استئجار الحج إذا كان مصرفه مستغرقا لها (4).

______________________________

الحج مطلقا، فيقدم على العمرة كذلك، فلا يترك الاحتياط.

(1) لما مرّ آنفا.

(2) نصوصا، و إجماعا كما يأتي في محلّه. و ما في بعض الحواشي من إمكان استفادة الأهمية مما يأتي في [مسألة 85] لا وجه له، لأنّ ما يأتي في تلك المسألة في مقام بيان كفاية الحج الميقاتي عن البلدي، فلا ربط له بالمقام فراجع و تأمل.

(3) لاختلاف كلمات الأعلام الكاشف عن عدم تحقق الإجماع، و تقدم مرارا أنّ هذه القاعدة كجزء الدليل لإتمامه فلا بد و أن تنجبر بالعمل في صحة التمسك بها.

(4) فلا إشكال فيه من أحد إما بناء على عدم انتقال التركة إلى الورثة مع الدّين المستغرق، و بقاؤه على حكم ملك الميت فهو واضح، إذ ليست التركة ملكا للورثة حتى يجوز لهم التصرف فيها، و كذا بناء على القول بالانتقال إليهم متعلقا لحقّ الغير، إذ لا يصح التصرف في متعلق حق الغير أيضا. كما لا يجوز التصرف في ماله إلا برضاه، و لا ريب نصّا و فتوى في أنّ الحق يتعلق بالتركة بعد موت من عليه الحق، قال عليّ (عليه السلام) في خبر محمد بن قيس: «إنّ الدّين قبل الوصية، ثمَّ الوصية على أثر الدّين، ثمَّ الميراث بعد الوصية فإنّ أول القضاء كتاب اللّه تعالى» (1).

و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في خبر السكوني: «أول شي ء يبدأ به من المال الكفن ثمَّ الدّين، ثمَّ الوصية، ثمَّ الميراث» (2) و غير ذلك من الأخبار و ظهورها في عدم

ص: 159


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الوصايا حديث: 2.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الوصايا حديث: 1.

بل مطلقا على الأحوط (1) إلا إذا كانت واسعة جدّا (2)، فلهم التصرف في بعضها حينئذ مع البناء على إخراج الحج من بعضها الآخر كما في الدّين (3) فحاله حال الدّين.

مسألة 85: إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحج على المورث

(مسألة 85): إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحج على المورث و أنكره

______________________________

حق للورثة في التصرف في التركة قبل تفريغ ذمة الميت مما لا ينكر.

(1) بناء على تعلق حق الديان بالمال بنحو الإشاعة، كما هو الظاهر من الأدلة، و عدم الترجيح في التعين لبعض دون بعض.

و أما صحيح البزنطي: «سئل عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين، أ ينفق عليهم من ماله؟ قال (عليه السلام): إن استيقن أنّ الذي عليه يحبط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال» (1) و نحوه مما يمكن أن يستفاد منه أنّه بنحو الكليّ في المعيّن فهو مخدوش، إذ لا ظهور له في ذلك، فإنّه يمكن حمله على العلم برضاء الدّيان حينئذ بعد فوت رئيس العائلة و بقاء العيال في الشدة و الحيرة.

و أما بحسب الأصل فالمسألة من الأقلّ و الأكثر، لأنّ تعلق الحق في التركة بمقدار الدّين معلوم و بالزائد منه مشكوك، فتكون النتيجة مثل الكليّ في المعيّن، و لكنّه لا تصل النوبة إلى الأصل بعد ظهور الأدلة في الإشاعة، و استنكار المتشرّعة للتصرف في التركة قبل أداء الدّين. و يأتي تمام الكلام في كتاب الإرث إن شاء اللّه تعالى.

(2) بحيث يستهجن المتشرعة التصرف في تمام التركة، لأجل مثل هذا الدّين.

(3) بشرط تحقق الاستيثاق و قبول ولىّ أمر الميت و الدّيان بحيث لو تلف المال يكون الوليّ ضامنا.

ص: 160


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الوصايا حديث: 1.

الآخرون لم يجب عليه إلا دفع ما يخص حصته بعد التوزيع (1)، و إن لم يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصته (2) كما إذا أقرّ بدين و أنكره غيره من الورثة فإنّه لا يجب عليه دفع الأزيد، فمسألة الإقرار بالحج أو الدّين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار بالنسب، حيث أنّه إذا أقرّ أحد الأخوين بأخ آخر و أنكره الآخر لا يجب عليه إلا دفع الزائد عن حصته، فيكفي دفع ثلث ما في يده، و لا ينزل إقراره على الإشاعة على خلاف القاعدة للنص (3).

______________________________

(1) لأنّ الدّين كذلك بالإجماع، و الحج دين نصّا، و فتوى، فيشمله الإجماع قهرا، و يدل عليه مضافا إلى ذلك خبر ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل مات فأقرّ بعض ورثته لرجل بدين قال (عليه السلام): يلزمه ذلك في حصته»(1)، و مثله خبر أبي البختري عنه (عليه السلام): «في رجل مات و ترك ورثة، فأقر أحد الورثة بدين على أبيه: أنّه يلزمه ذلك في حصته بقدر ما ورث، و لا يكون ذلك في ماله كله. و إن أقرّ اثنان من الورثة، و كان عدلين أجيز ذلك على الورثة، و إن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا. و كذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت إنّما يلزمه في حصته» (2).

(2) للأصل فيه و فيما يأتي من الدّين، و بالإقرار بالنسب بعد عدم دليل يصلح للخلاف.

(3) قد اعترف (رحمه اللّه) في حاشيته على المكاسب بأنّه على طبق القاعدة أيضا فراجع ما فصله عند ما تعرّضه الشيخ (رحمه اللّه) في مسألة من باع نصف الدار.

و على هذا فالنص ورد على طبقها لا على خلافها. و يظهر من صاحب الجواهر ذلك أيضا.

ص: 161


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الوصايا حديث: 3.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الوصايا حديث: 5.

..........

______________________________

و خلاصة الكلام: أنّ الإقرار مطلقا محمول على الإشاعة سواء كان بدين، أم حج، أم نسب، أم غيرها لوجود المقتضي- و هو الظهور العرفي المحاوريّ فيها- و فقد المانع من عقل، أو نقل، و مع وجوده و كونه من القرينة المعتبرة يعمل به حينئذ، فإن كان في بعض الموارد مانع في البين عن تحقق الإشاعة الخارجية في جميع المال فيعمل به كما في الإقرار بالنسب و الدّين لأنّ المقرّ له معترف بأنّ للمقر ثلث التركة مع كونهم إخوة ثلاثة و قد غصب المنكر حقّه فالمانع إنّما هو التخاصم الواقع بين المقرّ له و المنكر، و لا ربط له بعدم الحمل على الإشاعة و المتعارف يرون المنكر منازعا أو غاصبا لحق المقر له، و كذا في إقرار أحد الورثة بالدّين إذا اعطى مقدار ما يلزمه من الحصة يرونه بريئا مما أقرّ به و لا يلزمونه بإعطاء تمام حقه. و هذا هو المنساق من الخبرين و مراد المجمعين.

و ما يقال: من أنّ الدّين يتعلق بالتركة بنحو الكليّ في المعيّن، أو الكليّ في الكل، أو التبعيض فيجب على المقرّ إعطاء جميع ما عنده سواء كان بمقدار الدّين أم أقلّ منه، فيكون كما إذا كان بعض التركة مغصوبا في حال حياة الميت أو بعد وفاته أو تلف بعد وفاته في تعين البقية للوفاء بالدّين، فكذا إذا أقرّ بعض الورثة و أنكر الآخرون يتعيّن الوفاء بمن أقرّ.

(مدفوع): بأنّه لا بد و أن يحسب الغصب و التلف بالنسبة إلى ذات مال الميت و حصص جميع الورثة حتى لا يلزم الضرر على أحدهم، فيكون التالف على الجميع و الباقي لهم، و كذا بالنسبة إلى المنكر و المقرّ، لأنّ الدّين بالنسبة إلى أصل المال من حيث هو و المقرّ أيضا يقرّ هكذا فلا وجه لإلزامه بالتمام عقلا و لا شرعا و لا عرفا، فهذا الحكم موافق للقاعدة و يجري في غير مورد الإقرار من علم أحد الورثة بالدّين و جهل الآخرين أو تمرده، و مورد الخلاف اجتهادا أو تقليدا أو غير ذلك و لكن الأحوط التراضي خروجا عن خلاف من خالف و لتمام الكلام محلّ آخر.

ثمَّ إنّ وجوب رفع المقرّ بالحج ما يختص بحصته إنّما هو فيما إذا أمكن الحج به من الميقات أو وجد متبرع بالإتمام، و مع عدمهما و عدم كفايته للحج أصلا فلا وجه للوجوب. و هذا بخلاف الإقرار بالدّين، فيجب عليه ما يختص بحصته و لو كان أقلّ

ص: 162

مسألة 86: إذا كان على الميت الحج، و لم تكن تركته وافية به

(مسألة 86): إذا كان على الميت الحج، و لم تكن تركته وافية به، و لم يكن دين فالظاهر كونها للورثة (1)، و لا يجب صرفها في وجوه البر عن الميت (2)، لكن الأحوط التصدق عنه للخبر عن الصادق (عليه السلام) (3):

«عن رجل مات، و أوصى بتركته أن أحج بها فنظرت في ذلك فلم يكفه للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا تصدّق بها فقال (عليه السلام): ما صنعت بها؟ قلت: تصدّقت بها، فقال (عليه السلام): ضمنت الا أن لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان ..»

نعم، لو احتمل كفايتها للحج بعد ذلك أو وجود متبرع بدفع التتمة لمصرف الحج وجب إبقاؤها (4).

مسألة 87: إذا تبرّع متبرّع بالحج عن الميت

(مسألة 87): إذا تبرّع متبرّع بالحج عن الميت رجعت أجرة الاستئجار إلى الورثة (5)

______________________________

قليل و الفرق واضح.

(1) لإطلاق ما دل على أنّ ما تركه الميت فلوارثه و لا مانع عنه في البين كما هو المفروض.

(2) للأصل بعد عدم دليل عليه.

(3) لا ربط له بالمقام، لأنّ مورد الخبر الوصية بالحج بتمام التركة و ما نحن فيه فيما إذا لم يوص به فلا مخصص لعمومات الإرث في المقام بخلاف مورد الوصية و يأتي في محله تفصيل الكلام.

(4) لقاعدة المقدمية أي: إعمال القدرة في الإتيان بالواجب مهما أمكن، و قاعدة الاشتغال عند الشك في القدرة.

(5) لعموم أدلة الإرث من غير مانع في البين بعد فراغ ذمة الميت بحج المتبرع عنه نصّا و فتوى، ففي صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض إخوانه، هل يجزي ذلك عنه؟

ص: 163

سواء عيّنها الميت أم لا (2). و الأحوط صرفها في وجوه البر أو التصدق عنه خصوصا فيما إذا عينها الميت للخبر المتقدم (3).

مسألة 88: هل الواجب الاستئجار عن الميت من الميقات أو البلد؟

(مسألة 88): هل الواجب الاستئجار عن الميت من الميقات أو البلد؟

المشهور: وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكة إن أمكن، و إلا فمن الأقرب إليه فالأقرب. و ذهب جماعة إلى وجوبه من البلد مع سعة المال، و إلا فمن الأقرب إليه فالأقرب. و ربما يحتمل قول ثالث (4)، و هو الوجوب من البلد مع سعة المال، و إلا فمن الميقات و إن أمكن من الأقرب إلى البلد فالأقرب (5) و الأقوى

______________________________

أو هل هي ناقصة؟ قال (عليه السلام): بل هي حجة تامة» (1).

(1) لإطلاق ما تقدم من الصحيح و غيره الشامل للصورتين.

(2) مقتضى القاعدة، أنّه إذا عيّن مالا بالوصية للحج و كان من الثلث و فرغ ذمته عن الحج بالتبرع، و علم من الوصية أنّ التعيين للحج كان من باب تعدد المطلوب- أنّ المال يصرف في وجوه البر حينئذ و إن لم يكن من الثلث، أو لم يعلم أنّه من باب تعدد المطلوب، فيرجع المال إلى الوارث، لعموم أدلة الإرث من غير مانع في البين. و أما الخبر المتقدم فهو في مورد الوصية بتمام المال للحج، فإن كان مندوبا فيتوقف على إمضاء الورثة فيما زاد على الثلث، و إن كان واجبا فلا أثر للوصية، لأنّه يخرج من الأصل أوصى به أو لا.

(3) نسب هذا القول إلى الصدوق: و القول الثاني إلى الدروس. و نسبه الماتن إلى الاحتمال لعدم ثبوت أصله و على أيّ تقدير فكل من القولين لا دليل عليه كما يأتي.

(4) هذا التعبير ورد في عبارات جمع من الفقهاء (رحمهم اللّه) فإن كان مرادهم مراعاة أقلّ نفقة فالأقل، فله وجه موافق، لأصالة البراءة عن وجوب النفقة الزائدة.

و إن كان المراد غير ذلك فلا دليل عليه من عقل أو نقل فراجع المطولات تجد الكلمات مشوشة.

ص: 164


1- الوسائل باب: 31 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

هو القول الأول (1) و إن كان الأحوط القول الثاني لكن لا يحسب الزائد عن

______________________________

(1) ينبغي أن تعدّ هذه المسألة من البديهيات بعد القطع بعدم دخل الطريق في المناسك لا شرطا و لا جزء و إنّما هو مقدمة عقلية فقط، و لا وجه لذكر الأقوال التي لا مستند لها، مع أنّ بعضها لم يعرف قائله، فمقتضى الأصل و الإطلاق وجوب الإتيان بنفس المناسك فقط و تفريغ الذمة بذلك إلا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل كذلك كما يأتي. و لعله لوضوح الحكم لم يرد خبر في المقام مع عموم الابتلاء به و إنّما وردت الأخبار في الوصية بالحج.

نعم، صحيح حريز مطلق شامل لما نحن فيه و غيره قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل أعطى رجلا حجة يحج بها عنه من الكوفة، فحج عنه من البصرة قال (عليه السلام)، لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد تمَّ حجه» (1) و هو موافق للقاعدة بالنسبة إلى أصل فراغ الذمة عن الحج كما قلناه. و يصح التمسك بما ورد في الوصية بالحج للمقام أيضا بالأولوية بدعوى: أنّه إذا صح و أجزأت الميقاتية في الوصية بالحج التي ورد التشديد فيها كتابا، و سنة، ففي غير الوصية يجزي بالأولى، ففي خبر زكريا بن آدم قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات و أوصى بحجة أ يجوز أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال (عليه السلام): أما ما كان دون الميقات فلا بأس» (2).

و في صحيح عليّ بن رئاب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «في رجل أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام، فلم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهما قال (عليه السلام):

يحج عنه من بعض المواقيت التي وقتها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) من قرب» (3) إلى غير ذلك من الأخبار.

ص: 165


1- الوسائل باب: 11 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب النيابة في الحج حديث: 4.

..........

______________________________

و الظاهر بل المنساق من مثل هذه الأخبار أنّه في مقام جعل قاعدة كلية للحج النيابي مطلقا. و قد اشتهر أنّ مورد السؤال لا يخصص عموم الحكم.

و يمكن إرجاع قول المشهور إلى القول الأول، فإنّ من قال بالوجوب من الميقات إنّما قاله في مقابل نفي الوجوب عن البلد و إلا فمقتضى الأصل، و قاعدة السلطنة عدم وجوب شي ء زائد عن نفقة أقرب المواقيت على الورثة خصوصا بعد كون بعضهم قصّر و لم يعلم منهم القول بالوجوب حينئذ من مطلق الميقات.

و أما القول الثاني: فاستدل عليه أولا: بأنّ نفقة الطريق كانت عليه في زمان حياته فهكذا بعد موته. و ثانيا: بصحيح البزنطي عن الرضا (عليه السلام):

«الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال (عليه السلام): على قدر ماله، إن وسع ماله فمن منزله، و إن لم يسعه ماله فمن الكوفة، و إن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة» (1).

و ثالثا: بما ادعاه الحليّ من تواتر الأخبار بذلك و لكن الكل باطل:

أما الأول: فلا ريب في أنّ نفقة الطريق لا تجب نفسا و لا مقدمة، بل إنّما تجب طريقا محضا، و قد مرّ أنّه لو حج المستطيع في نفقة غيره يصح و يجزي حجة فما لا يجب في زمان الحياة إلا طريقا محضا لأداء المناسك يكون بعد الموت أيضا كذلك.

و أما الثاني: فهو في الوصية بالحج دون مطلق الحج و الغالب في الوصية تعين المال أيضا.

و أما الأخير: فلم يظهر فيه على خبر شاذ فكيف بالتواتر. و منه يعلم أنّه لا دليل لما نسب إلى جماعة من وجوبه من البلد مع سعة المال و إلا فمن الأقرب إليه فالأقرب، و كذا احتمال الوجوب من البلد مع السعة و إلا فمن الميقات.

و خلاصة الكلام: من البدء إلى الختام لا بدّ من إتمام الحكم في المقام بحسب الأصول، و الإطلاقات، و القواعد الأولية و مقتضى الأصل و الإطلاق و قاعدة سلطنة الوارث على الإرث إنّما هو قول المشهور.

ص: 166


1- الوسائل باب: 2 من أبواب النيابة في الحج حديث: 3.

أجرة الميقاتية على الصغار الورثة (1)، و لو أوصى بالاستئجار من البلد وجب، و يحسب الزائد عن أجرة الميقاتية من الثلث (2). و لو أوصى و لم يعيّن شيئا كفت الميقاتية (3) إلا إذا كان هناك انصراف إلى البلدية أو كانت قرينة على إرادتها، كما إذا عيّن مقدارا يناسب البلدية (4).

______________________________

و يمكن إرجاع القول الأول إليه أيضا. و الأخبار الواردة في الوصية بالحج (1)ما كان منها ظاهرا فيما قلناه فهو. و ما هو مخالف له يحمل على ما إذا عيّن المال أيضا كما هو الغالب في موارد الوصية بالحج. و بحسب الأصل من صغريات الأقلّ و الأكثر، فإنّ الأقلّ نفقة واجب بلا إشكال، و الزائد عليه مشكوك، فيرجع فيه إلى الأصل. و يمكن أن يراد بقول المشهور: «أقرب المواقيت» الأقل أجرة مع كون الذهاب عنه متعارفا فيطابق قولهم مع هذا الأصل أيضا.

(1) بل مطلق القصر و لو كان كبيرا، و ذلك لعدم الولاية على ذلك من أحد، بل و لا يجبر الكبار الكاملين عليه أيضا إن لم يرضوا بذلك، لأصالة عدم صحة الإجبار في فعل الفاعل المختار.

(2) أما أصل وجوب العمل بالوصية فبالأدلة الثلاثة- بل الأربعة- كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى، و أما كون الزائد من الثلث، فلعدم كونه من الواجبات المالية الأولية على الميت- كالدّين، و مناسك الحج- و إنّما وجب بالوصية و هو يخرج من الثلث كما يأتي.

(3) للأصل، و الإطلاق، و تقدم في صدر المسألة فراجع.

(4) الوصية بالحج تارة: ظاهرة في البلدية عرفا. و أخرى: ظاهرة في الميقاتية.

و ثالثة: مجملة. و في الأخيرتين تكفي الميقاتية، و مقتضى الأصل و الإطلاق عدم وجوب الزائد. و في الأولى يعمل بظاهر الوصية مع إخراج الزائد عن الميقاتية من الثلث، لما مرّ و يأتي.

ص: 167


1- الوسائل باب: 2 من أبواب النيابة في الحج حديث: 4 و غيره من الأحاديث.
مسألة 89: لو لم يمكن الاستئجار إلا من البلد وجب

(مسألة 89): لو لم يمكن الاستئجار إلا من البلد وجب، و كان جميع المصرف من الأصل (1).

مسألة 90: إذا أوصى بالبلدية

(مسألة 90): إذا أوصى بالبلدية، أو قلنا بوجوبها مطلقا فخولف و استوجر من الميقات، أو تبرع عنه متبرع منه، برئت ذمته، و سقط الوجوب من البلد. و كذا لو لم يسع المال إلا من الميقات (2).

مسألة 91: الظاهر أنّ المراد من البلد هو الذي مات فيه

(مسألة 91): الظاهر أنّ المراد من البلد هو الذي مات فيه كما يشعر به خبر زكريا بن آدم (رحمه اللّه): «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات و أوصى بحجة أ يجزيه- أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال (عليه السلام) ما كان دون الميقات فلا بأس به». مع أنّه آخر مكان كان مكلفا فيه بالحج، و ربما يقال إنّه بلد الاستيطان، لأنّه المنساق من النص و الفتوى، و هو كما ترى، و قد يحتمل البلد الذي صار مستطيعا فيه، و يحتمل التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة، و الأقوى ما ذكرنا، وفاقا لسيد المدارك، و نسبه إلى ابن إدريس أيضا. و إن كان الاحتمال الأخير و هو التخيير قويّا جدّا (3).

______________________________

(1) لأنّه حينئذ واجب ماليّ أصليّ لا بد من خروجه من الأصل و لم يحصل من ناحية الوصية من حيث هي حتّى يلزم إخراجه من الثلث.

(2) كل ذلك لتحقق أصل المأمور به فلا بد من الإجزاء، و الطريق ليس دخيلا في المكلّف به لا جزء كالأشواط بالنسبة إلى الطواف، و لا شرطا كالطهارة بالنسبة إليه. نعم، يأثم الوصيّ إن تعمد ذلك، لأنه تغيير للوصية عن وجهها بلا عذر مقبول.

و ما يقال: من أنّه مع علم النائب بذلك لا يحصل منه قصد القربة فيبطل العمل حينئذ (مردود): بأنّ مورد قصد القربة شي ء و مورد الإثم شي ء آخر، فلا ربط لأحدهما بالآخر حتى يبطل، حتى لو كان النائب هو الوصيّ بنفسه.

(3) مع عدم قرينة معينة، و عدم تعارف في البين على التعين و إلا فلا وجه له،

ص: 168

مسألة 92: لو عين بلدة غير بلده

(مسألة 92): لو عين بلدة غير بلده كما لو قال: استأجروا من النجف أو من كربلاء- تعيّن (1).

مسألة 93: على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب

(مسألة 93): على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب، بل يكفي كل بلد دون الميقات (2)، لكن الأجرة الزائدة على الميقات- مع إمكان الاستئجار منه- لا تخرج من الأصل، و لا من الثلث إذا لم يوص بالاستئجار من ذلك البلد إلا إذا أوصى بإخراج الثلث من دون أن يعيّن مصرفه، و من دون أن يزاحم واجبا ماليا عليه (3).

______________________________

و خبر زكريا لا يدل على تعين بلد الموت، لأنّ الغالب إنّما هو الموت في بلد الاستيطان، و الظاهر تعين بلد الاستيطان، لأنّه المنساق من إطلاق البلد عرفا، و يكفي هذا في نفي التخيير فالمدار عليه إلا مع قرينة معتبرة على الخلاف، و منها: ما إذا مات في أثناء المسافرة إلى الحج فمات في بلد، إذ المنسبق إلى الأذهان من البلد حينئذ بلد موته، و يشهد له الاعتبار أيضا، لأنّه جاء بنفسه إلى هذا البلد فلا وجه لإلقائه و صرف النظر عنه.

(1) لما دل على وجوب العمل بالوصية من الكتاب و السنة، و ليس في هذه الوصية مخالفة لهما حتى تبطل.

(2) لأنّ الإجزاء من الميقات أعمّ من الوجوب منه، كما هو واضح.

(3) أما عدم احتساب الأجرة الزائدة من الأصل و لا من الثلث مع عدم الوصية، فلأنّها حينئذ ليست واجبا ماليا بالذات و لا مما أوصى به، فلا بد و أن يتحملها الوصيّ من ماله.

و أما جواز أخذها من الثلث مع عدم تعين المصرف حينئذ، فلأنّه مع التعين يتعيّن المصرف و ليس للوصيّ تغيره، و كذا مع المزاحمة لواجب آخر، لأنّ الأجرة الزائدة ليست واجبا ماليا حتى يزاحم بها واجبا ماليا آخر لفرض كفايته الميقاتية، و عدم كون الأجرة الزائدة عليها عن الواجب المالي مطلقا، لما مرّ. و الظاهر كون العبارة: «من»

ص: 169

مسألة 94: إذا لم يكن الاستئجار من الميقات و أمكن من البلد وجب

(مسألة 94): إذا لم يكن الاستئجار من الميقات و أمكن من البلد وجب (1)، و إن كان عليه دين الناس أو الخمس أو الزكاة، فيزاحم الدّين إن لم تف التركة، بهما، بمعنى: أنّها توزع عليهما بالنسبة.

مسألة 95: إذا لم تف التركة بالاستئجار من الميقات

(مسألة 95): إذا لم تف التركة بالاستئجار من الميقات لكن أمكن الاستئجار من الميقات الاضطراري- كمكة أو أدنى الحلّ- وجب (2). نعم، لو دار الأمر بين الاستئجار من البلد أو الميقات الاضطراري قدم الاستئجار من البلد، و يخرج من أصل التركة، لأنّه لا اضطرار للميت مع سعة ماله (3).

مسألة 96: بناء على المختار من كفاية الميقاتية لا فرق بين الاستئجار عنه و هو حيّ أو ميت

(مسألة 96): بناء على المختار من كفاية الميقاتية لا فرق بين الاستئجار عنه و هو حيّ أو ميت، فيجوز لمن هو معذور- بعذر لا يرجى زواله- أن يجهز رجلا من الميقات، كما ذكرنا سابقا (4) أيضا فلا يلزم أن يستأجر من بلده على الأقوى، و إن كان الأحوط ذلك (5).

مسألة 97: الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت

(مسألة 97): الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت خصوصا إذا كان الفوت عن تقصير من الميت (6)، و حينئذ فلو لم يمكن إلا

______________________________

دون أن يزاحم واجبا آخر عليه» و ذلك مثل الوصية بالصلاة بناء على عدم كونها ماليا.

(1) لإطلاق الأدلة الدالة على وجوبه بكل نحو أمكن، فتصير الأجرة من البلد حينئذ كالدّين و يجري عليها حكم التحصيص و التقسيط كما في سائر الديون.

(2) لعموم أدلة البدلية الاضطرارية الشامل للحج النيابي أيضا، و ظاهرهم الاتفاق عليه.

(3) فلا تشمله أدلة البدل الاضطراري حينئذ لعدم تحقق موضوعه مع التمكن من الاختياري.

(4) تقدم في [مسألة 71] فراجع.

(5) خروجا عن خلاف من خالف في ذلك.

(6) أما أصل الفورية و وجوب المبادرة، فلأنّه دين حال. و الأصل في الديون

ص: 170

من البلد وجب و خرج من الأصل و لا يجوز التأخير إلى السنة الأخرى و لو مع العلم بإمكان الاستئجار من الميقات توفيرا على الورثة، كما أنّه لو لم يمكن من الميقات إلا بأزيد من الأجرة المتعارفة في سنة الموت وجب و لا يجوز التأخير إلى السنة الأخرى توفيرا عليهم (1).

مسألة 98: إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة

(مسألة 98): إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة، أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستئجار ضمن، كما أنّه لو كان على الميت دين، و كانت التركة وافية و تلفت بالإهمال ضمن (2).

مسألة 99: على القول بوجوب البلدية و كون المراد بالبلد الوطن، إذا كان له وطنان

(مسألة 99): على القول بوجوب البلدية و كون المراد بالبلد الوطن، إذا كان له وطنان الظاهر وجوب اختيار الأقرب إلى مكة (3) إلا مع رضا الورثة بالاستئجار من الأبعد، نعم، مع عدم تفاوت الأجرة الحكم التخيير.

______________________________

الحالة وجوب المبادرة إلا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود.

و في صحيح ابن شاذان: «إنّ حبس الحقوق من غير عسر من الكبائر» (1).

و أما صورة تقصير الميت، فلفعلية الفورية و الكبيرة بالنسبة إليه، فيستصحب إلى ما بعد موته فلا بد من إغاثته و تفريغ ذمته لعله يخلص من تبعات ما فعل.

(1) كل ذلك لأجل الفورية و وجوب المبادرة، فتصير الأجرة الزائدة على الميقاتية من الدّين و الواجب المالي حينئذ و يجري عليه حكمه من لزوم إخراجه من الأصل.

(2) لضمان الأمين بالتفريط، نصّا و إجماعا- كما سيأتي في محله- و تقدم في كتاب الزكاة ما ينفع المقام. هذا مع الأمانة، و أما مع عدمها و البناء على الخيانة فضمانه واضح لا ريب فيه عند العقلاء فضلا عن الفقهاء.

(3) بل الأقل اجرة مع كون الذهاب منه متعارفا كما مرّ.

ص: 171


1- الوسائل باب: 86 من أبواب جهاد النفس حديث: 8.
مسألة 100: بناء على البلدية الظاهر عدم الفرق بين أقسام الحج الواجب

(مسألة 100): بناء على البلدية الظاهر عدم الفرق بين أقسام الحج (1) الواجب فلا اختصاص بحجة الإسلام، فلو كان عليه حج نذريّ لم يقيد بالبلد و لا بالميقات يجب الاستئجار من البلد، بل و كذا لو أوصى بالحج ندبا، اللازم الاستئجار من البلد إذا خرج من الثلث.

مسألة 101: إذا اختلف تقليد الميت و الوارث

(مسألة 101): إذا اختلف تقليد الميت و الوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية فالمدار على تقليد الميت (2)، و إذا علم أنّ الميت لم يكن مقلّدا في هذه المسألة، فهل المدار على تقليد الوارث، أو الوصيّ، أو العمل على طبق فتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده إن كان متعينا و التخيير مع تعدد المجتهدين و مساواتهم؟ وجوه:

______________________________

(1) لأنّ المدار على الاستظهار من الدليل بلا فرق بين المصاديق، فإذا استفيد من التكليف بالحج أنّه من البلد لا يفرق فيه بين كونه واجبا بالذات أو بالعرض، و كذا إذا استفيد ذلك من النصوص الواردة في الوصية بالحج (1)التعدّي عن موردها، و تقدم الخدشة في كل منهما، ففي النذر لا بد من اتباع قصد الناذر، و كذا في الوصية.

و مع الإجمال تكفي الميقاتية، و من يقول بالبلدية فظاهر إطلاق كلامه وجوبها في صورة الإجمال أيضا، بل ظاهره عدم صحة الوصية و النذر بالميقاتية فتأمل.

(2) إن عيّن ذلك له و أما مع عدم التعين، فيصح للوارث العمل بتكليفه اجتهادا أو تقليدا، لأنّه مأمور بتفريغ ذمة الميت بما هو صحيح شرعا و لا ريب في حصوله بذلك و إن خالف تكليف الميت، إذ لا موضوعية لتكليف الميت من حيث هو إنّما هو طريق شرعيّ لحكم الشارع بفراغ ذمته و المفروض حصوله بعمل الوارث بتكليفه أيضا. و يأتي منه (رحمه اللّه) في (فصل الوصية بالحج) أنّ المدار على تكليف الوصيّ و الوارث.

ص: 172


1- الوسائل باب: 25 من أبواب وجوب الحج.

و على الأول فمع اختلاف الورثة في التقليد يعمل كل على تقليده، فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصته بمقدارها بالنسبة- فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد، و يحتمل الرجوع إلى الحاكم (1) لرفع النزاع، فيحكم بمقتضى مذهبه، نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة و إذا اختلف تقليد الميت و الوارث في أصل وجوب الحج عليه و عدمه- بأن يكون الميت مقلّدا لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية فكان يجب عليه الحج، و الوارث مقلّدا لمن يشترط ذلك فلم يكن واجبا عليه، أو بالعكس فالمدار على تقليد الميت (2).

مسألة 102: الأحوط- في صورة تعدد من يمكن استئجاره استئجار من أقلّهم أجرة

(مسألة 102): الأحوط- في صورة تعدد من يمكن استئجاره- استئجار من أقلّهم أجرة (3) مع إحراز صحة عمله مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم، سواء قلنا بالبلدية أو الميقاتية، و إن كان لا يبعد جواز استئجار المناسب لحال الميت (4) من حيث الفضل و الأوثقية مع عدم قبوله إلا بالأزيد و خروجه من الأصل كما لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص (5)

______________________________

(1) بل هو المتعيّن مع التنازع.

(2) تقدم أنّ المدار على تقليد الوارث مع عدم اشتراط العمل بتكليف الميت عليه.

(3) مقتضى أصالة عدم الولاية على الإخراج إلا فيما هو المعلوم تعيّن ذلك.

و منشأ التردد إطلاق ما ورد في النيابة، و الوصية بالحج. و لكن كونها في مقام البيان حتى من هذه الجهة مشكل، فلا وجه للتمسك بإطلاقه.

(4) إن كان استئجار الأقلّ أجرة هتكا للميت يتعيّن استئجار المناسب له بالأزيد. و أما مع عدم انطباق عنوان الهتك فلا وجه لتعينه. بل مقتضى الأصل عدمه.

(5) للأصل بعد عدم دليل عليه. نعم، مقتضى أصالة عدم الولاية إلا بعد

ص: 173

عن أقلّهم أجرة، و إن كانت أحوط (1).

مسألة 103: قد عرفت أنّ الأقوى كفاية الميقاتية

(مسألة 103): قد عرفت أنّ الأقوى كفاية الميقاتية لكن الأحوط الاستئجار من البلد (2) بالنسبة إلى الكبار من الورثة بمعنى: عدم احتساب الزائد عن أجرة الميقاتية على القصر إن كان فيهم قاصر.

مسألة 104: إذا علم أنّه كان مقلّدا و لكن لم يعلم فتوى مجتهده في هذه المسألة

(مسألة 104): إذا علم أنّه كان مقلّدا و لكن لم يعلم فتوى مجتهده في هذه المسألة، فهل يجب الاحتياط، أو المدار على تقليد الوصي أو الوارث؟

وجهان أيضا (3).

مسألة 105: إذا علم استطاعة الميت مالا و لم يعلم تحقق سائر الشرائط في حقه

(مسألة 105): إذا علم استطاعة الميت مالا و لم يعلم تحقق سائر الشرائط في حقه، فلا يجب القضاء عنه (4) لعدم العلم بوجوب الحج عليه، لاحتمال فقد بعض الشرائط.

مسألة 106: إذا علم استقرار الحج عليه و لم يعلم أنّه أتى به أم لا

(مسألة 106): إذا علم استقرار الحج عليه و لم يعلم أنّه أتى به أم لا، فالظاهر وجوب القضاء عنه، لأصالة بقائه في ذمته (5). و يحتمل عدم وجوبه

______________________________

الفحص المتعارف وجوبه بنحو ما هو المتعارف بين المتشرعة في التفحص فيما يتعلق بأمورهم الدّينية.

(1) لأنّ الاحتياط حسن على كلّ حال.

(2) خروجا عن خلاف من أوجبه.

(3) تقدم أنّ المدار على تقليد المتصدّي لتفريغ ذمته وصيّا كان أو وارثا فلا وجه للتكرار.

(4) إن لم يكن أصل موضوعيّ في البين يقتضي الوجوب و إلا فيعمل به، فإذا علم بتحقق الشرائط ثمَّ شك في فقدها قبل استقرار الحج يستصحب البقاء فيجب القضاء كما في نظير الحج من الصلاة، و الصوم، و نحوهما التي علم فيها بتحقق التكليف ثمَّ يشك في الإتيان بها لو لم تكن قاعدة معتبرة على خلاف الاستصحاب.

(5) فيجب عليه تفريغ ذمة الميت و تقدم نظيرها في [مسألة 30] من (فصل)

ص: 174

عملا بظاهر حال المسلم (1) و أنّه لا يترك ما وجب عليه فورا، و كذا الكلام إذا علم أنّه تعلق به خمس، أو زكاة، أو قضاء صلوات، أو صيام، و لم يعلم أنّه أداها أم لا.

مسألة 107: لا يكفي الاستئجار في براءة ذمة الميت و الوارث

(مسألة 107): لا يكفي الاستئجار في براءة ذمة الميت و الوارث بل يتوقف على الأداء. و لو علم أنّ الأجير لم يؤد وجب الاستئجار ثانيا (2)، و يخرج من الأصل إن لم يمكن استرداد الأجرة من الأجير (3).

مسألة 108: إذا استأجر الوصيّ أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية الميقاتية

(مسألة 108): إذا استأجر الوصيّ أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية الميقاتية ضمن ما زاد عن أجرة الميقاتية (4) للورثة أو لبقيتهم.

مسألة 109: إذا لم يكن للميت تركة و كان عليه الحج

(مسألة 109): إذا لم يكن للميت تركة و كان عليه الحج لم يجب على الورثة شي ء، و إن كان يستحب على وليّه، بل قد يقال بوجوبه، للأمر به في

______________________________

(صلاة الاستئجار)، و [مسألة 5] من مسائل ختام الزكاة، و كلامه (رحمه اللّه) في المقام مخالف لما تقدّم منه في مسائل الختام.

(1) مقتضى الأصل عدم اعتبار ظاهر الحال ما لم تؤيد بقرينة معتبرة توجب الاطمئنان، أو أصل معتبر. نعم، ظاهر المقال حجة معتبرة عند العقلاء، لأنّ حجية الظواهر من الأصول النظامية لديهم و لم يردع عنه الشارع. و يمكن أن يجعل النزاع في اعتبار ظاهر الحال صغرويا، فمن يقول باعتباره أي: عند احتفافه بأصل معتبر أو قرينة كذلك، و من يقول بالعدم أي: عند عدم احتفافه به.

(2) لإطلاق الأدلة، و قاعدة الاشتغال. و ليس لنفس الاستئجار من حيث هو موضوعية خاصة، بل المناط كله فراغ ذمة فما لم تفرغ يجب التفريغ.

(3) إذا تفحص من يتصدّى لذلك وصيّا كان أو وارثا و بذل جهده بالقدر المتعارف و الا فهو ضامن و لا يخرج من تركة الميت. نعم، لم يكن الأخذ منه أيضا يخرج من الأصل أيضا، لأنّه واجب ماليّ على الميت.

(4) لقاعدتي اليد و الإتلاف، و للورثة إجازة إجارته، فيرتفع الضمان قهرا.

ص: 175

بعض الأخبار (1).

مسألة 110: من استقرّ عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرعا أو بإجارة

(مسألة 110): من استقرّ عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرعا أو بإجارة، و كذا ليس له أن يحج تطوعا (2) و لو خالف فالمشهور البطلان، بل ادعى بعضهم عدم الخلاف فيه و بعضهم الإجماع عليه، و لكن عن سيد المدارك: التردد في البطلان. و مقتضى القاعدة الصحة، و إن كان عاصيا في ترك ما وجب عليه، كما في مسألة الصلاة مع فورية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد، إذ لا وجه للبطلان إلا دعوى أنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه، و هي محلّ منع و على تقديره لا يقتضي البطلان، لأنّه نهي تبغي (3).

______________________________

(1) أما عدم الوجوب على الورثة، فللأصل، و الإجماع، و ظواهر النصوص المشتملة على أنّه «يحج عنه من صلب ماله» (1).

و أما الخبر فهو قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ضريس: «و إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام، و إن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام» (2).

و يمكن حمله على أنّ الوليّ يقضيه من مال الميت لا من مال نفسه، و لكن الاستحباب سهل المؤنة. و قابل للمسامحة و أما القول بالوجوب، فنسب إلى أبي عليّ (رحمه اللّه) و لا دليل له غير ما مرّ من صحيح ضريس و هو مخالف للأصل، و المشهور.

و يمكن حمله على مال الميت دون الندب إن لم يكن له مال.

(2) كل ذلك، لقاعدة عدم جواز تفويت الواجب الفعلي. مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم الجواز في المقام.

(3) أي: خارج عن حقيقة ذات العبادة فلا تسري المبغوضية إليها حتى تفسد، بل تصح للعبادة و إن كان عاصيا حين الإتيان بها.

ص: 176


1- الوسائل باب: 28 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

و دعوى أنّه يكفي في عدم الصحة عدم الأمر مدفوعة بكفاية المحبوبية في حدّ نفسه في الصحة (1)، كما في مسألة ترك الأهمّ و الإتيان بغير الأهمّ من الواجبين المتزاحمين، أو دعوى: أنّ الزمان مختص بحجته عن نفسه، فلا يقبل لغيره، و هي أيضا مدفوعة بالمنع، إذ مجرّد الفورية لا يوجب الاختصاص (2)، فليس المقام من قبيل شهر رمضان حيث إنّه غير قابل لصوم آخر، و ربما يتمسك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى (عليه السلام): «عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال (عليه السلام): نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله (3)، و هي تجزئ عن الميت إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال».

______________________________

(1) لأنّها الأصل للأمر و هو حاصل منها و متفرّع عليها، و لا ملازمة بين سقوط الأمر و سقوطها بوجه أصلا.

و ما في بعض الحواشي من أنّه لا سبيل إلى هذه الدعوى فيما اعتبرت القدرة فيه شرطا شرعيا كالحج و نحوه (مخدوش): لاختلاف المورد في المقام، لأنّ القدرة الشرعية معتبرة في حجة الإسلام، و المأتي به إنّما هو الحج المندوب أو الحج عن الغير إجازة أو تبرعا، و لا يعتبر فيها القدرة الشرعية. هذا و الظاهر أنّ مسألة النيابة في المقام أجنبية عن مسألة الضد، لأن النائب يقصد أمر المنوب عنه و هو ثابت بالنسبة إليه قطعا فلا تصل النوبة إلى القول بكفاية المحبوبية الذاتية في الصحة.

(2) لأنّ الفورية أعمّ من التوقيت شرعا و عرفا بل و عقلا أيضا.

(3) أي: ليس يجزي عن نفسه حجه عن الميت، و قوله (عليه السلام):

«و هي تجزي عن الميت» (1)أي: إنّ ما أتى به من الحج عن الميت تجزي عن الميت.

ص: 177


1- الوسائل باب: 5 من أبواب النيابة في الحج حديث: 3.

و قريب منه: صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) و هما كما ترى بالدلالة على الصحة أولى، فإنّ غاية ما يدلان عليه: أنّه لا يجوز له ترك حج نفسه و إتيانه عن غيره، و أما عدم الصحة فلا. نعم، يستفاد منهما عدم إجزائه عن نفسه، فتردد صاحب المدارك في محلّه، بل لا يبعد الفتوى بالصحة، لكن لا يترك الاحتياط. هذا كله لو تمكن من حج نفسه، و أما إذا لم يتمكن فلا إشكال في الجواز و الصحة عن غيره، بل لا ينبغي الإشكال في الصحة (1) إذا كان لا يعلم بوجوب الحج عليه، لعدم علمه باستطاعته مالا،

______________________________

إلخ» و يصح الاستدلال به حينئذ على خلاف المشهور و في صحيح الأعرج: «إنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصرورة أ يحج عن الميت؟ فقال (عليه السلام):

نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحج به. فإن كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله، و هو يجزي عن الميت كان له مال أو لم يكن مال» (1). و هو ظاهر في الحرمة التكليفية، و الصحة الواقعية، فيدل على خلاف المشهور أيضا.

و قد يستدل على المشهور بأنّ ظاهر قوله تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (2) كون العمل الحجي من المستطيع ملكا للّه تعالى، فيكون مثل الأجير الخاص الذي ليس له حق صرف عمله بغير من استأجره و قد تمسك (رحمه اللّه) بهذه الجهة في موارد كثيرة.

(و فيه)- أولا: أنّه لا يستفاد منه أزيد من أصل الاختصاص و هو يناسب الحكم التكليفي بقرينة الأخبار.

و ثانيا: على فرض استفادة الملكية فإنّما هي بالنسبة إلى الذمة فقط فلا ينافي كون العمل الخارجي للغير.

(1) لما تقدم من قصور الأدلة عن إثبات البطلان في صورة العلم و العمد،

ص: 178


1- الوسائل باب: 5 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
2- سورة آل عمران، الآية 97.

أو لا يعلم بفورية وجوب الحج عن نفسه فحج عن غيره أو تطوعا. ثمَّ على فرض صحة الحج عن الغير- و لو مع التمكن. و العلم بوجوب الفورية- لو آجر نفسه لذلك، فهل الإجارة أيضا صحيحة، أو باطلة مع كون حجه صحيحا عن الغير؟ الظاهر بطلانها و ذلك لعدم قدرته شرعا على العمل المستأجر عليه (1). لأنّ المفروض وجوبه عن نفسه فورا، و كونه صحيحا على تقدير المخالفة لا ينفع في صحة الإجارة، خصوصا على القول بأنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه، لأنّ اللّه إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه، و إن كانت الحرمة تبعية.

فإن قلت: ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في ضمن العقد مع قولكم بالصحة هناك؟ (2) كما إذا باعه عبدا و شرط عليه أن يعتقه فباعه، حيث تقولون بصحة البيع و يكون للبائع خيار تخلّف الشرط.

______________________________

فكيف بصورة الجهل و العذر. نعم، لو كان الجهل عن تقصير فهو كالعمد بناء على صحة إجماعهم على إلحاقه به.

(1) بناء على أنّ الأمر بالشي ء يقتضي النّهي عن ضدّه يصير العمل حراما، فلا يكون مقدورا شرعا، و غير المقدور شرعا كغير المقدور عقلا. و أما بناء على عدم الاقتضاء فهو مقدور عليه، بناء على صحة الترتب كما هو الحق، فدليل البطلان منحصر بمسألة الضد. و الصحة مترتبة على صحة الترتب.

(2) لا وجه للصحة هناك، بل لو قلنا بالصحة في المقام لا نقول بها في الشرط، لأنّ مقتضى المرتكزات أنّه مع الشرط يحصل للشارط على المشروط عليه حق لا يصح التصرف المنافي للمشروط عليه في مورد الحق، فلا يصح التصرف في مورد الحق بدون رضاء من له الحق، و القول بالصحة في شرط العتق ضعيف، و تقدم من الماتن في كتاب الزكاة أنّ نذر التصدق بالعين الزكوي يمنع عن تعلق الزكاة به، و لا فرق بين النذر و الشرط من هذه الجهة. و يأتي في أحكام الشروط تتمة الكلام إن شاء اللّه تعالى.

ص: 179

قلت: الفرق أنّ في ذلك المقام المعاملة- على تقدير صحتها- مفوّتة لوجوب العمل بالشرط، فلا يكون العتق واجبا بعد البيع لعدم كونه مملوكا له بخلاف المقام حيث إنّا لو قلنا بصحة الإجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فورا، فيلزم اجتماع أمرين متنافيين فعلا، فلا يمكن أن تكون الإجارة صحيحة (1) و إن قلنا إنّ النهي التبعيّ لا يوجب البطلان، فالبطلان من جهة عدم القدرة على العمل، لا لأجل النهي عن الإجارة (2) نعم، لو لم يكن متمكنا من الحج عن نفسه يجوز له أن يؤجر نفسه للحج عن غيره (3)، و إن تمكن بعد الإجارة عن الحج عن نفسه لا تبطل إجارته (4). بل لا يبعد صحتها لو لم يعلم باستطاعته، أو لم يعلم بفورية الحج عن نفسه فآجر نفسه للنيابة و لم يتذكر إلى أن فات محلّ استدراك الحج عن نفسه كما بعد الفراغ، أو في أثناء الأعمال (5).

______________________________

(1) التنافي، و عدم الصحة مبنيان على عدم صحة الترتب، و أما معها فتصح و إن عصى كما في جميع موارد فرض الترتب.

(2) لو لم يكن النهي لكانت مقدورة بواسطة الترتب فهو منسوب بالنتيجة إلى النهي.

(3) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها حينئذ فتشملها أدلة صحة الإجارة.

(4) بناء على أنّ سبق واجب يمنع عن وجوب اللاحق المنافي له مطلقا. و أما بناء على الترجيح بالأهمية فلا بد من تقديم ما هو الأهمّ و الظاهر أنّه الحج عن نفسه و لم يثبت كون مجرّد السبق الزماني من حيث هو من المرجحات ما لم يرجع إلى أهميّة الملاك.

(5) كل ذلك مع العذر و عدم التقصير، فإنّ الترخيص الظاهريّ حينئذ يجزي في صحة الإجارة. و أما مع التقصير أو العذر فقد تقدم حكمه آنفا.

ص: 180

ثمَّ لا إشكال في أنّ حجه عن الغير لا يكفيه عن نفسه بل إما باطل- كما عن المشهور- أو صحيح عمن نوى عنه، كما قوّيناه، و كذا لو حج تطوعا لا يجزيه عن حجة الإسلام في الصورة المفروضة، بل إما باطل، أو صحيح و يبقى عليه حجة الإسلام، فما عن الشيخ: من أنّه يقع عن حجة الإسلام لا وجه له، إذ الانقلاب القهري لا دليل عليه، و دعوى: أنّ حقيقة الحج واحدة، و المفروض إتيانه بقصد القربة، فهو منطبق على ما عليه من حجة الإسلام. مدفوعة: بأنّ وحدة الحقيقة لا تجدي (1) بعد كون المطلوب هو الإتيان بقصد ما عليه (2)، و ليس المقام من باب التداخل بالإجماع، كيف و إلا لزم كفاية الحج عن الغير أيضا (3) عن حجة الإسلام؟ بل لا بد من تعدد الامتثال مع تعدد الأمر وجوبا و ندبا (4)، أو مع تعدد الواجبين، و كذا ليس

______________________________

(1) بعد فرض وحدة الحقيقة لا بد من الإجزاء لوجود المقتضي و فقد المانع عنه كما يأتي.

(2) لا ريب في أنّه قد تحقق منه قصد ما عليه في الجملة، و لذا يصححه (قدّس سرّه) فيما يأتي إن كان من باب الاشتباه في التطبيق، فيتحقق الانطباق القهري على المأتيّ به لا محالة.

و بعبارة أخرى: الوحدة الصورية الوحدة بين الواجب و المندوب في المقام مع القصد الإجمالي تكفي في الانطباق القهري إلا أن يرجع إلى قصد عدم الحج لو كان واجبا. و الشيخ لا يقول بالإجزاء حينئذ أيضا.

(3) هذا الإشكال غير وارد لتعدد العمل عن نفسه و عن غيره في عرف المتشرّعة فلا بد من التعيين في القصد بلا إشكال بخلاف الواجب و المندوب عن نفسه، إذ لا يرى العرف فرقا بينهما و لم يتضح من الأدلة خلافه، مع أنّه بناء على الانقلاب القهري يلغى قصد الغير و يجزي أيضا.

(4) هذا عين المدعى لا ينبغي أن يجعل دليلا عليه، مع أنّ كونهما من حقيقة

ص: 181

المراد من حجة الإسلام الحج الأول- بأيّ عنوان كان (1) كما في صلاة التحية، و صوم الاعتكاف فلا وجه لما قاله الشيخ (2) أصلا. نعم، لو نوى الأمر المتوجه إليه فعلا، و تخيّل أنّه أمر ندبيّ غفلة عن كونه مستطيعا، أمكن القول بكفايته عن حجة الإسلام لكنّه خارج عما قاله الشيخ. ثمَّ إذا كان الواجب عليه حجا نذريا أو غيره، و كان وجوبه فوريا فحاله ما ذكرنا في حجة الإسلام من عدم جواز حج غيره، و أنّه لو حج صح أو لا، و غير ذلك من التفاصيل المذكورة بحسب القاعدة (3).

______________________________

واحدة يغني عن توجيه نية مستقلة إلى كل منهما، بل تكفي نية واحدة على الإجمال.

(1) هذا من لوازم وحدة الحقيقة و فروعها، و قد اعترف (رحمه اللّه) في [مسألة 65] فراجع.

(2) ظهر مما تقدم إمكان توجيهه، و لكنّه خلاف المشهور، مع أنّه (قدّس سرّه) وافق المشهور في خلافه فراجع.

(3) لأنّه بعد كون الحكم موافقا للقاعدة يجزي في جميع المصاديق من غير فرق بينهما. هذا مع ظهور التسالم عليه.

ص: 182

فصل في الحج الواجب بالنذر و العهد و اليمين

اشارة

فصل في الحج الواجب بالنذر و العهد و اليمين و يشترط في انعقادها: البلوغ، و العقل، و القصد، و الاختيار. فلا تنعقد من الصبيّ و إن بلغ عشرا و قلنا بصحة عباداته و شرعيتها، لرفع قلم الوجوب عنه. و كذا لا تصح من المجنون و الغافل و الساهي، و السكران، و المكره (1) و الأقوى صحتها من الكافر، وفاقا للمشهور في اليمين خلافا

______________________________

فصل في الحج الواجب بالنذر و العهد و اليمين و الأولان: التزام بعمل، أو ترك للّه تعالى على نحو خاص. و الأخير إخبار مؤكد بالقسم و يأتي الفصيل في محله.

(1) كل ذلك للإجماع، و حديث رفع التسعة عن الأمة(1) و عدم تحقق القصد الجدّي في المجنون، و الغافل، و السكران، و عدم الرضا و طيب النفس من المكره، مع أنّ الالتزامات متقوّمة به في المحاورات خبرا كان، أو إنشاء، إيقاعا كان أو عقدا و أما ما استدل (رحمه اللّه) من رفع قلم الوجوب عن الصبيّ (2) فهو أعمّ من الصحة كما هو واضح، فعمدة الدليل على عدم الصحة فيه فهو ظهور إجماعهم عليه.

ص: 183


1- الوسائل باب: 58 من أبواب جهاد النفس حديث: 4.
2- تقدم في صفحة: 20.

لبعض (1) و خلافا للمشهور في النذر، وفاقا لبعض (2)، و ذكروا في وجه الفرق عدم اعتبار قصد القربة في اليمين و اعتباره في النذر، و لا تتحقق القربة في الكافر، و فيه أولا: أنّ القربة لا تعتبر في النذر (3)، بل هو مكروه (4)، و إنّما تعتبر في متعلقه، حيث إنّ اللازم كونه راجحا شرعا (5)، و ثانيا: إنّ

______________________________

(1) نسب ذلك إلى الشيخ، و ابن إدريس، و لا وجه له بل الوجه الصحة للإطلاقات و العمومات الشاملة للكافر أيضا بعد كونه معتقدا بالصانع في الجملة.

(2) كما عن المدارك و الذخيرة، و الرياض لو لا ظهور الإجماع على خلافهم.

(3) للأصل، و الإطلاق، و العموم. نعم، لا بد و أن يكون الملتزم له هو اللّه تعالى، فالناذر يوجب من قبل اللّه تعالى شيئا على نفسه و لم يردع عنه الشرع بل قرّره و هو أعمّ من اعتبار القربة في النذر كاعتبارها في العباديات: و الوفاء بمثل هذا الالتزام يوجب التقرب مع وجود المقتضي و فقد المانع، خصوصا في نذر التبرع، و الشكر مع أنّه على فرض اعتبارها فيه لا إشكال فيه أيضا فإنّ للتقرب إليه تعالى أنواع شتّى، و لأصل القرب إليه عزّ و جل مراتب غير متناهية، و لا دليل من عقل أو نقل على امتناع بعض مراتبها بالنسبة إلى الكافر، مع أنّ فضله تعالى كثير بل غير متناه، و ليس قربه تعالى منحصرا بالقرب المنعويّ حتى يمتنع ذلك بالنسبة إلى الكافر.

(4) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق ابن عمار- في حديث- «إنّي لأكره الإيجاب أن يوجب الرجل على نفسه» (1).

(و عن أحدهما (عليهما السلام) في خبر الجرجاني: «لا توجب على نفسك الحقوق و اصبر على النوائب» (2) و هذا هو المشهور أيضا. و عن بعض حمله على الإرشاد إلى حسن الصبر و هو بعيد.

(5) لا ريب في اعتبار الرجحان في متعلق النذر و العهد في الجملة، إذ العاقل

ص: 184


1- الوسائل باب: 6 من أبواب النذر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب النذر حديث: 2.

متعلق اليمين أيضا قد يكون من العبادات (1)، و ثالثا: إنّه يمكن قصد القربة من الكافر أيضا.

و دعوى: عدم إمكان إتيانه للعبادات لاشتراطها بالإسلام مدفوعة:

بإمكان إسلامه ثمَّ إتيانه، فهو مقدور لمقدورية مقدّمته (2)، فيجب عليه حال كفره كسائر الواجبات، و يعاقب على مخالفته، و يترتب عليها وجوب الكفارة،

______________________________

بما هو عاقل لا يوجب شيئا على نفسه إلا مع إحراز رجحانه، و معنى أنّه يوجب المنذور على نفسه من قبل اللّه تعالى ذلك أيضا، إذ الإيجاب منه تعالى و لو بالعرض لا يتعلق إلا بالراجح، و يدل عليه قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الكناني: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل قال: عليّ نذر قال (عليه السلام): ليس النذر بشي ء حتى يسمّى للّه شيئا، صياما، أو صدقة، أو هديا، أو حجا» (1) فينعقد في فعل كل واجب أو مندوب عبادة كان أولا.

كما ينعقد في ترك كل حرام، و مكروه، بل و فعل مباح إذا عرضت عليه جهة راجحة، أو تركه إذا عرضت عليه جهة مرجوحة و أما المباح المتساوي الطرفين، فمقتضى الأصل عدم انعقاد النذر به بعد ظهور الإطلاقات فيما هو المتعارف. و ما يظهر من الخلاف لا بد من حمله أو طرحه كما يأتي التفصيل في محله.

(1) الإشكال الأول كان مبنيا على أنّ نفس النذر متقوّم بقصد القربة، فلا ربط لهذا الوجوب بدفع الإشكال. نعم، هذا النقض مشترك الورود على كل منهما، و جوابه منحصر بظهور إجماعهم على عدم صحة العبادات المعهودة من الكافر سواء وقعت متعلق النذر و اليمين أم لا.

(2) اعتبار التقرب فيما اعتبر فيه على قسمين:

الأول: نفس قصد القربة من حيث هو، و لا ريب في أنّه سهل المؤنة يمكن

ص: 185


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النذر حديث: 2.

فيعاقب على تركها أيضا و إن أسلم صح إن أتى به، و يجب عليه الكفارة لو خالف و لا يجري فيه قاعدة جبّ الإسلام، لانصرافها عن المقام (1). نعم، لو خالف و هو كافر، و تعلق به الكفارة فأسلم، لا يبعد دعوى سقوطها عنه كما قيل (2).

مسألة 1: ذهب جماعة إلى أنّه يشترط في انعقاد اليمين من المملوك إذن المولى

(مسألة 1): ذهب جماعة إلى أنّه يشترط في انعقاد اليمين من المملوك إذن المولى، و في انعقاده من الزوجة إذن الزوج، و في انعقاده من الولد إذن الوالد لقوله (عليه السلام): «لا يمين لولد مع والده» (3)، و لا للزوجة مع

______________________________

حصوله من كل من يعتقد باللّه تعالى.

الثاني: حصول التقرب إليه تعالى بما قصد فيه القربة و هو يتوقف على إزالة الموانع عن قربه تعالى للمسلم فكيف بالكافر، فهذا التقرب اقتضائيّ لا أن يكون فعليا من كل جهة، ففي المسلم يتوقف على إزالة جملة من الصفات الذميمة من نفسه، و في الكافر يتوقف على إزالة كفره، مضافا إلى ذلك لأنّ اللّه تعالى قال إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (1) و للقبول مراتب، كما أنّ للتقوى أيضا كذلك. و المرجوّ منه تعالى القبول بكل مرتبة من مراتبه و هو تعالى أعلم بمراتب القبول و الجزاء عليه و ظروف إعطاء الجزاء في الدنيا، و البرزخ، و الآخرة، أو الجميع.

(1) لأنّ سبب الكفارة إنّما هو مخالفة النذر و قد تحقق ذلك بعد الإسلام لا قبله حتى تسقط بحديث الجبّ، مع إنّه قد مرّ أنّه لا بد في العمل بالحديث (2) من الجبر بالفتوى، و الإجماع. و لا إجماع عليه في المقام.

(2) ذكره في الدروس في كفارة اليمين. و في استفادة الإجماع عنه إشكال بل منع. ثمَّ التعدّي من اليمين إلى النذر أشكل.

(3) رواه منصور بن حازم- في الصحيح- عن الصادق (عليه السلام) قال:

ص: 186


1- سورة المائدة، الآية: 27.
2- تقدم في صفحة: 154- 155

زوجها، و لا للمملوك مع مولاه»، فلو حلف أحد هؤلاء بدون الإذن لم ينعقد. و ظاهرهم اعتبار الإذن السابق، فلا تكفي الإجازة بعده. مع أنّه من الإيقاعات، و ادعى الاتفاق (1) على عدم جريان الفضولية فيها و إن كان يمكن دعوى أنّ القدر المتيقن من الاتفاق ما إذا وقع الإيقاع على مال الغير- مثل الطلاق، و العتق، و نحوهما- لا مثل المقام مما كان في مال نفسه غاية الأمر اعتبار رضا الغير فيه (2)، و لا فرق فيه بين الرضا السابق و اللاحق. خصوصا

______________________________

«قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه و لا للمرأة مع زوجها. و لا نذر في معصية. و لا يمين في قطيعة» (1)، و في خبر القداح عنه (عليه السلام) أيضا: «لا يمين لولد مع والده، و لا للمرأة مع زوجها، و لا للمملوك مع سيّده» (2).

(1) ادعاه في غاية المراد. و يشكل الاعتماد عليه، لأنّهم يستدلون عليه بقوله (عليه السلام): «لا عتق إلا في ملك» (3)، فيستفاد منه عدم تمامية الإجماع لديهم.

و أما هذا الحديث فكل ما يجاب عن قوله (عليه السلام): «لا يبع إلا في ملك» (4) يجاب به عنه أيضا فراجع ما ذكرناه في بيع الفضولي. و بعد كون الفضولي على طبق القاعدة كما أثبتناه في كتاب البيع لا فرق فيه بين أنواع العقود و الإيقاعات إلا ما دل الدليل بالخصوص على المنع عنه.

(2) و لو كان لا حقا، فإنّ المعروف جواز عتق الراهن عبده المرهون مع الإجازة اللاحقة من المرتهن فيستفاد منه أنّ الإنفاق على فرض الاعتبار لا يشمل مثل الفرض خصوصا بعد كون الفضولي مطلقا على طبق القاعدة.

ص: 187


1- الوسائل باب: 10 من أبواب اليمين حديث: 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب اليمين حديث: 1.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب العتق.
4- ورد مضمونه في الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام العقود.

إذا قلنا: إنّ الفضولي على القاعدة (1) و ذهب جماعة إلى أنّه لا يشترط الإذن (2) في الانعقاد، لكن للمذكورين حلّ يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقا بنهي أو إذن بدعوى: أنّ المنساق من الخبر المذكور و نحوه: أنّه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج و لازمه. جواز حلّهم له، و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به. و على هذا فمع النهي السابق لا ينعقد، و مع الإذن يلزم، و مع عدمهما ينعقد، و لهم حلّه و لا يبعد قوّة هذا القول: مع أنّ المقدر- كما يمكن أن يكون هو الوجود- يمكن أن يكون هو المنع و المعارضة، أي: لا يمين مع منع المولى، مثلا فمع عدم الظهور في الثاني، لا أقلّ من الإجمال (3) و القدر المتيقن هو عدم الصحة مع المعارضة و النهي، بعد كون مقتضى العمومات الصحة و اللزوم. ثمَّ إنّ جواز الحلّ- أو التوقف على الإذن- ليس في اليمين بما هو يمين مطلقا- كما هو ظاهر كلماتهم- (4) بل إنّما هو فيما كان المتعلق منافيا لحق المولى أو الزوج، و كان مما يجب فيه

______________________________

(1) لأنّ خلاصة النزاع في الفضولي ترجع إلى أنّه هل يعتبر مقارنة الرضا مع الإنشاء، أو يكفي لحوقه به، و مقتضى الإطلاقات عدم الاعتبار، فالفضولي مطابق للإطلاقات و العمومات، و قاعدة الصحة الجارية في العقود و الإيقاعات مطلقا و ليس في البين ما يمنع عن ذلك إلا أصالة عدم ترتب الأثر و هي محكومة بالإطلاقات و العمومات.

(2) نسب ذلك إلى المشهور.

(3) مع أنّ ثبوت حق للمذكورين بحيث تكون صحة اليمين متوقفة على الاستئذان منهم مشكوك، و مقتضى الأصل عدمه، و التمسك بإطلاق أدلة حقوقهم و بأدلة المقام تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(4) ظاهر الكلمات مأخوذة من ظاهر الأخبار. و المحتملات فيه ثلاثة:

الأول: أن يكون لنفس اليمين من حيث هو موضوعية خاصة و لو لم يكن

ص: 188

طاعة الوالد إذا أمر أو نهى. و أما ما لم يكن كذلك فلا، كما إذا حلف المملوك أن يحج إذا أعتقه المولى، أو حلفت الزوجة أن تحج إذا مات زوجها أو طلّقها، أو حلفا أن يصليا صلاة الليل مع عدم كونها منافية لحق المولى أو حق الاستمتاع من الزوجة، أو حلف الولد أن يقرأ كل يوم جزءا من القرآن، أو نحو ذلك مما لا يجب طاعتهم فيها للمذكورين، فلا مانع من انعقاده.

و هذا هو المنساق من الأخبار، فلو حلف الولد أن يحج إذا استصحبه الوالد إلى مكة- مثلا- لا مانع من انعقاده، و هكذا بالنسبة إلى المملوك و الزوجة، فالمراد من الأخبار: أنّه ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافيا لحق المذكورين و لذا استثنى بعضهم الحلف على فعل الواجب أو ترك القبيح و حكم بالانعقاد فيهما، و لو كان المراد اليمين بما هو يمين لم يكن وجه لهذا الاستثناء.

هذا كلّه في اليمين، و أما النذر فالمشهور بينهم أنّه كاليمين في المملوك و الزوجة، و ألحق بعضهم بهما الولد أيضا و هو مشكل، لعدم الدليل عليه- خصوصا في الولد- الا القياس على اليمين، بدعوى تنقيح المناط و هو

______________________________

منافيا لشي ء من حقّهم، و شأنهم، و سائر جهاتهم و كان فيه غرض صحيح شرعيّ.

الثاني: ما كان منافيا لحقوقهم.

الثالث: ما لم يكن منافيا لحقوقهم و لكن كان لاستيلائهم عليهم و المأنوس في المرتكزات، و المنساق من الروايات أحد الأخيرين و في غيرهما يرجع إلى الأصل و العمومات بعد الشك في شمول أدلة المقام له، و يشهد لما قلناه قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع سيده و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة» (1) فإنّ الذيل قرينة على أنّه لا موضوعية لحرمة اليمين في الصدر أيضا. بلى

ص: 189


1- الوسائل باب: 10 من أبواب اليمين حديث: 2.

ممنوع (1) أو بدعوى: أنّ المراد من اليمين في الأخبار ما يشمل النذر، لإطلاقه عليه في جملة من الأخبار، منها: خبران في كلام الإمام (عليه السلام) (2).

و منها: أخبار في كلام الراوي و تقرير الإمام (عليه السلام) له (3) و هو أيضا

______________________________

يكون طريقا إلى تحقق العصيان فإنّ تحقق تبطل و إلا فلا.

(1) تنقيح المناط على قسمين:

الأول: الملاك الواقعي للتشريع و لا ريب في قصور الأذهان عن دركه، فلا عبرة بمقطوعه فكيف بمظنونه.

الثاني: التقريبات العرفيّة المحاورية في مقام الإثبات و الاستظهار و الظاهر اعتباره و يرجع إلى الدّعوى الثانية حينئذ.

(2) قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في موثق سماعة: «إنّما اليمين الواجبة- التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها- ما جعل للّه تعالى عليه الشكر إن هو عافاه من مرضه، أو عافاه من أمر يخافه، أو رد عليه ماله، أو رده من سفره، أو رزقه رزقا فقال: للّه عليّ كذا و كذا شكرا فهذا الواجب على صاحبه» (1).

و في خبر السندي عنه (عليه السلام) أيضا: «قلت له: جعلت على نفسي مشيا إلى بيت اللّه. قال (عليه السلام): كفّر عن يمينك، فإنّما جعلت على نفسك يمينا، و ما جعلته للّه فف به» (2).

(3) و هي كثيرة:

منها: خبر ابن صدقة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): سئل عن رجل يحلف بالنذر، و نيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقلّ قال (عليه السلام): إذا لم يجعل للّه فليس بشي ء» (3).

و أشكل عليه بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة (و فيه): أنّ الظهور حجة و لو لم

ص: 190


1- الوسائل باب: 17 من أبواب النذر حديث: 4.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب النذر حديث: 4.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب النذر حديث: 4.

كما ترى، فالأقوى في الولد عدم الإلحاق (1). نعم، في الزوجة و المملوك لا يبعد الإلحاق باليمين، لخبر قرب الإسناد عن جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) «إنّ عليا (عليه السلام) كان يقول: ليس على المملوك نذر الا بإذن مولاه»، و صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق، و لا صدقة، و لا تدبير، و لا هبة، و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها. إلا في حج، أو زكاة، أو بر والديها، أو صلة قرابتها» و ضعف الأول منجبر بالشهرة (2) و اشتمال الثاني على ما نقول به لا يضرّ (3) ثمَّ هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا؟ وجهان و هل الولد يشمل ولد الولد أو لا؟

كذلك وجهان (4) و الأمة المزوجة عليها الاستئذان من الزوج و المولى (5) بناء

______________________________

يكن حقيقة.

(1) بناء على ما تقدم- من عدم الموضوعية في اليمين من حيث هو و إنّما المنع لأجل المنافاة مع الحق أو الاستيلاء- يكون الحكم موافقا للقاعدة و يجري في النذر أيضا. و أما بناء على الموضوعية المحضة- و إن لم يناف شيئا أبدا- فلا دليل عليه في أصل اليمين فكيف بالنذر.

(2) أما منشأ الضعف، فلحسين بن علوان حيث لم يوثق. و أما الانجبار فهو متوقف أولا: على استناد المشهور إليه، و ثانيا: على كفاية في الانجبار. و الأول مشكل و إن قلنا بالثاني.

(3) أما ما اشتمل عليه مما لا يقول به: فالعتق، و التدبير، و الهبة، فلا يتوقف صحتها منها على إذن الزوج، و أما أنّ ذلك لا يضرّ فلجريان سيرة الفقهاء على التفكيك في الرواية الواحدة في العمل ببعضها و طرح بعضها الآخر.

(4) منشأ الوجهين الجمود على الإطلاق الصادق في المنقطعة، و ولد الولد.

و احتمال الانصراف إلى الدائمة و الولد بلا واسطة، و لكن الانصراف بدويّ و ظهور الإطلاق محكم.

(5) لتعدد السبب، المقتضي لتعدد المسبب.

ص: 191

على اعتبار الإذن، و إذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحج لا يوجب عليه إعطاء ما زاد عن نفقته الواجبة عليه من مصارف الحج (1)، و هل عليه تخلية سبيله لتحصيلها أو لا؟ وجهان (2). ثمَّ على القول بأنّ لهم الحلّ، هل يجوز مع حلف الجماعة التماس المذكورين في حلّ حلفهم أو لا؟ وجهان (3).

مسألة 2: إذا كان الوالد كافرا ففي شمول الحكم له وجهان

(مسألة 2): إذا كان الوالد كافرا ففي شمول الحكم له وجهان، أوجههما العدم للانصراف، و نفي السبيل (4).

مسألة 3: هل المملوك المبعض حكمه حكم القن أو لا؟ وجهان

(مسألة 3): هل المملوك المبعض حكمه حكم القن أو لا؟ وجهان، لا يبعد الشمول، و يحتمل عدم توقف حلفه على الإذن في نوبته في صورة المهاياة خصوصا إذا كان وقوع المتعلق في نوبته (5).

______________________________

(1) للأصل بعد عدم دليل عليه، و كون الإذن فيه أعمّ من ذلك.

(2) منشأهما أصالة البراءة عن الوجوب، و أنّ الإذن في الشي ء إذن في لوازمه و لا يبعد الأخير.

(3) منشأهما أنّه تسبب لعدم الوفاء بالنذر بعد تحققه فلا يجوز. و من أنّه لا دليل على حرمة مثل ذلك فمقتضى الأصل البراءة، و الظاهر هو الأخير، لأصالة البراءة عن حرمة مثل هذا التسبب.

(4) يمكن منع الانصراف بدعوى: أنّ ذلك من شؤون الوالدية التكوينية لا من جهة الاحترام الشرعي، كما أنّه لا وجه للتمسك بآية نفي السبيل (1)، لإجمال معناه لما يأتي في كتاب البيع عند بيان عدم جواز بيع العبد المسلم من الكافر.

(5) إن وقع النذر و المتعلق كلاهما في نوبته، فالظاهر عدم شمول أدلة المقام له. و إن كان بالاختلاف، فمقتضى قاعدة السلطنة الشمول خصوصا إذا كان وقوع النذر في نوبة العبد و المتعلق في نوبة السيد و احتمال الانصراف بدويّ لا يعتنى به.

ص: 192


1- سورة النساء، الآية: 141.

مسألة 4 الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر و الأنثى

(مسألة 4) الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر و الأنثى، و كذا في المملوك و المالك، لكن لا تلحق الأم بالأب (1).

مسألة 5: إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك

(مسألة 5): إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك، ثمَّ انتقل إلى غيره- بالإرث أو البيع أو نحوه- بقي على لزومه (2).

مسألة 6: لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمَّ تزوجت

(مسألة 6): لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمَّ تزوجت، وجب عليها العمل به و إن كان منافيا للاستمتاع بها، و ليس للزوج منعها من ذلك الفعل، كالحج و نحوه، بل و كذا لو نذرت أنّها لو تزوجت بزيد (3)- مثلا صامت كل خميس، و كان المفروض أنّ زيدا أيضا حلف أن يواقعها كل خميس إذا تزوجها، فإنّ حلفها أو نذرها مقدّم على حلفه و إن كان متأخرا في الإيقاع لأنّ حلفه لا يؤثر شيئا في تكليفها بخلاف نذرها، فإنّه يوجب الصوم عليها، لأنّه متعلق بعمل نفسها، فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل.

______________________________

(1) أما عدم الفرق، فللإطلاق، و الاتفاق. و أما عدم الإلحاق فللأصل بعد عدم الدليل عليه. نعم، لو كان المناط المنافاة للحق و كان النذر منافيا لحقّها لا فرق حينئذ بين الأب و الأم.

(2) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق فيما إذا لم يكن منافيا لحق مولى الثاني، و كذا في صورة المنافاة، إذ المملوك كأنّه وصل إليه مسلوب المنفعة من هذه الجهة فلا سلطنة له عليه فيها.

(3) هذه المسألة بفرعيها مبنية على أنّ التوقف على إذن الزوج أو ثبوت حقّ الحلّ له هل يكون في حدوث يمينها فقط، أو أنّه متعلق بذات اليمين من حيث الطبيعة السارية ما دامت اليمين باقية؟. فعلى الأول لا موضوع لحق الزوج أصلا لتحقق اليمين مستجمعا للشرائط فهو و الأجنبيّ بالنسبة إليها على السواء. و على الأخير له الحق لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الإطلاقات و العمومات، و مقتضى ظواهر الأدلة هو الأخير، فيصح له حلّ نذرها في الفرعين.

ص: 193

مسألة 7: إذا نذر الحج من مكان معيّن- كبلدة أو بلد آخر معيّن فحج من غير ذلك المكان

(مسألة 7): إذا نذر الحج من مكان معيّن- كبلدة أو بلد آخر معيّن- فحج من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمته و وجب عليه ثانيا (1). نعم، لو عينه في سنة، فحج في تلك السنة من غير ذلك المكان وجب عليه الكفارة، لعدم إمكان التدارك، و لو نذر أن يحج من غير تقييد بمكان، ثمَّ نذر نذرا آخر أن يكون ذلك الحج من مكان كذا، و خالف فحج من غير ذلك المكان، برئ من النذر الأول، و وجب عليه الكفارة لخلف النذر الثاني، كما أنّه لو نذر أن يحج حجة الإسلام من بلد كذا فخالف، فإنّه يجزيه عن حجة الإسلام (2) و وجب عليه الكفارة لخلف النذر.

مسألة 8: إذا نذر أن يحج و لم يقيّده بزمان

(مسألة 8): إذا نذر أن يحج و لم يقيّده بزمان، فالظاهر جواز التأخير إلى ظنّ الموت أو الفوت، فلا يجب عليه المبادرة (3)، إلا إذا كان هناك انصراف،

______________________________

إن قيل: فعلى هذا لو أذن الزوج في يمينها فيجوز له أن يرجع عن إذنه، لتعلق الحق بالطبيعة السارية، مع أنّهم لا يقولون به.

قلت: نعم، و لكن مرجع الإذن إلى إسقاط الحق فلا حق له بعد ذلك، مع أنّه خرج بدليل خاص يأتي التعرض له في كتاب النذر إن شاء اللّه تعالى. و أما الترجيح بالسبق الزماني، فقد تقدم أنّه لا دليل عليه ما لم تثبت الأهمية من جهة أخرى.

(1) لإطلاق دليل وجوب الوفاء به بعد عدم صحة أن يكون ما أتى به امتثالا له لأجل المخالفة بينهما.

(2) لأنّ المتعارف من مثل هذه النذور أنّها من باب تعدد المطلوب فالمقتضي لصحة حجة الإسلام موجود و المانع عنها مفقود. و المخالفة حصلت في القيد الخارج عن ذات حجة الإسلام. نعم، لو كان نذره بحيث لو حج من غير ذلك الطريق لم يحصل منه قصد القربة بطلت من هذه الجهة.

(3) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق. و استدل على الفورية تارة:

بالانصراف إليها، و أخرى: بعدم تحقق الوجوب مع جواز التأخير عمدا. و ثالثة:

ص: 194

فلو مات قبل الإتيان به- في صورة جواز التأخير- لا يكون عاصيا. و القول بعصيانه- مع تمكنه في بعض تلك الأزمنة و إن جاز التأخير- لا وجه له (1).

و إذا قيده بسنة معينة لم يجز التأخير مع فرض تمكنه في تلك السنة (2)، فلو أخر عصى، و عليه القضاء و الكفارة (3)، و إذا مات وجب قضاؤه عنه، كما أنّ في صورة الإطلاق إذا مات- بعد تمكنه منه، قبل إتيانه- وجب القضاء عنه (4).

و القول بعدم وجوبه، بدعوى: أنّ القضاء بفرض جديد، ضعيف لما يأتي (5). و هل الواجب القضاء من أصل التركة، أو من الثلث؟ قولان،

______________________________

بما تقدم من أخبار التسويف (1) الدالة على الحرمة. و رابعة: بأنّه حق و لا يجوز التأخير فيه.

و الكل مردود لفرض عدم الانصراف، و لا ريب في صحة الوجوب و لو مع جواز التأخير. نعم، ينافيه الإذن في تركه مطلقا، و أخبار التسويف وردت في حجة الإسلام لا المقام. و عدم جواز تأخير الحق إنّما هو في ما إذا ثبت فوريته لا فيما إذا لم تثبت فيكون هذا الدليل عين المدعى.

(1) لأنّ العقاب إنّما يدور مدار المخالفة العمدية لا مطلق ترك الواقع و مع جواز التأخير كيف تتحقق المخالفة، مع أنّ هذا القول غير معروف القائل مضافا إلى كونه بلا دليل فلا وجه لنقله.

(2) لصيرورته واجبا فوريّا حينئذ.

(3) أما العصيان و الكفارة فللمخالفة العمدية للنذر، و أما القضاء فللإجماع، و إرسالهم إرسال المسلّمات الفقهية.

(4) لظهور الإجماع في الموردين بل الظاهر وجوب القضاء لو نسي الإتيان أو تركه لعذر بعد تمكنه منه لشمول الإجماع لذلك أيضا.

(5) هذه المناقشة من صاحب المدارك و تبعه غيره. و هي مردودة: بأنّ الفرض

ص: 195


1- تقدم في صفحة: 11- 12.

فذهب جماعة إلى القول بأنّه من الأصل، لأنّ الحج واجب ماليّ، و إجماعهم قائم على أنّ الواجبات المالية تخرج من الأصل. و ربما يورد عليه بمنع كونه واجبا ماليا، و إنّما هو أفعال مخصوصة بدنية و إن كان قد يحتاج إلى بذل المال في مقدماته، كما أنّ الصلاة أيضا قد تحتاج إلى بذل المال في تحصيل الماء و الساتر و المكان و نحو ذلك.

و فيه أنّ الحج في الغالب محتاج إلى بذل المال، بخلاف الصلاة و سائر العبادات البدنية، فإن كان هناك إجماع و غيره على أنّ الواجبات المالية من الأصل يشمل الحج قطعا، و أجاب صاحب الجواهر (رحمه اللّه) بأن المناط في الخروج من الأصل كون الواجب دينا، و الحج كذلك، فليس تكليفا صرفا- كما في الصلاة و الصوم- بل للأمر به جهة وضعية فوجوبه على نحو الدّينية بخلاف سائر العبادات البدنية، فلذا يخرج من الأصل، كما يشير إليه بعض الأخبار الناطقة بأنّه دين، أو بمنزلة الدّين (1) قلت: التحقيق أنّ جميع

______________________________

الجديد كاشف عن بقاء التكليف الأول ملاكا و خطابا أيضا. و أنّ القيد كان من باب تعدد المطلوب فلا موضوعية للفرض الجديد بوجه و إنّما هو كاشف عن بقاء الخطاب الأول، و ما لم يرد فيه القضاء يستفاد من الدليل أنّ القيد بالوقت فيه دخيل في ذات المطلوب و يكون من باب وحدة المطلوب. هذا مع أنّ هذا القول مسبوق بالإجماع و ملحوق به.

(1) ففي صحيح ضريس: «إنّما هو مثل دين عليه» (1)، و في حسن معاوية:

«إنّه بمنزلة الدّين الواجب» (2)، و في خبر الحارث: «إنّما هي دين عليه» (3). و يمكن استفادة الدينية في حجة الإسلام، و الواجب بالنذر من قوله تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .. (4) و قول الناذر: للّه عليّ أن أحج- مثلا.

ص: 196


1- الوسائل باب: 29 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
4- سورة آل عمران، الآية: 97.

..........

______________________________

و لباب المقال: إنّ ما اشتغلت به الذمة إما مال أولا و بالذات- كالزكاة، و الخمس، و ديون الناس، و الكفارات، و الديات، و نحوها. و لا ريب في ثبوت الحكم التكليفيّ بوجوب الأداء. و إما تكليف مستلزم لصرف المال عرفا- كالحج- و إما تكليف محض- كالصلاة، و الصيام. و إما مردود من أنّه من أيّ الأقسام.

و يجب الإخراج من أصل المال في الأول نصا (1)و إجماعا. و كذا الثاني بالإجماع بلا فرق بين أن يوصي الميت بذلك أو لا. و أما في الأخيرين، فمقتضى العمومات الدالة على انتقال التركة إلى الوارث عدم جواز التصرف فيها إلا بإذنهم ما لم يدل دليل على الخلاف، و لا دليل كذلك إلا إطلاق الدّين على الصلاة في الأخبار و هي أربعة أحاديث: جمعها صاحب الحدائق في قضاء الصلاة.

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في إخباره عن وصايا لقمان: «و إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها بشي ء صلّها و استرح منها فإنّها دين» (2).

و منها: ما ذكره ابن بابويه في باب آداب المسافر و هو عين ما تقدم من وصية لقمان. و الظاهر عدم كونه حديثا آخر.

و منها: ما عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) في ليلة الإسراء في حكاية تشريع الأذان و الصلاة: «ثمَّ قال حيّ الصلاة قال اللّه عزّ و جلّ: فرضتها على عبادي و جعلتها دينا» (3) بناء على قراءته بفتح الدال و إن قرئ بكسر الدال فيخرج عن الاستدلال.

و منها: خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «قلت له: رجل عليه دين من صلاة فلم يقضه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك قال (عليه السلام): يؤخر القضاء و يصلي صلاة ليلته تلك»(4).

هذا ما ورد في خصوص الصلاة و هو مردود بين أن يراد به التشبه بالدّين في لابدية الإتيان به فلا يستفاد منه أزيد من مجرّد الوجوب التكليفي. أو يراد به الدّين الاصطلاحي العرفيّ الشرعيّ الذي له آثار خاصة. و استظهار الثاني من هذه الأخبار

ص: 197


1- راجع ج: 7 صفحة: 339.
2- راجع ج: 7 صفحة: 339.
3- تقدمت في ج: 7 صفحة: 339.
4- تقدمت في ج: 7 صفحة: 339.

الواجبات الإلهية ديون للّه تعالى، سواء كانت مالا، أو عملا ماليا، أو عملا غير مالي، فالصلاة و الصوم أيضا ديون للّه، و لهما جهة وضع (1) فذمة المكلّف مشغولة بهما، و لذا يجب قضاؤهما فإنّ القاضي يفرغ ذمة نفسه أو ذمة الميت، و ليس القضاء من باب التوبة، أو من باب الكفارة، بل هو إتيان لما كانت الذمة مشغولة به (2)، و لا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل، بل مثل

______________________________

عليل ثمَّ التّعدي من الصلاة- التي ورد في موردها- إلى سائر الواجبات الإلهية بلا دليل، بل مقتضى الأصل هو العدم، لأنّ الشبهة من الأقلّ و الأكثر. و على فرض التعدّي فيصير الدليل هكذا: الواجبات دين و الدّين يخرج من الأصل فالواجبات تخرج من الأصل.

و فيه: أنّ كلية الكبرى غير مسلّمة، إذ ليس كل ما يسمّى دينا يخرج من الأصل بل هو دين خاص له أحكام و فروع مخصوصة، و مع الشك في كلية الكبرى أو ثبوت عدمها لا تصح النتيجة كما هو واضح و قد أثبتوا ذلك في فنّ الميزان، نعم، في كتاب الوصية من الجواهر: إنّ في عشرة كتب أو أكثر أنّ مطلق الواجب يخرج من الأصل، و لكنه لا تبلغ الشهرة المعتبرة فكيف بالإجماع، بل يظهر منهم أنّ عدم الخروج منه مظنة الإجماع فراجع و تأمل.

و منه تظهر الخدشة في قوله (رحمه اللّه): إنّ جميع الواجبات الإلهية ديون للّه تعالى، فإنّه (رحمه اللّه) إن أراد به الدّين الاصطلاحي الذي له أحكام مخصوصة فهو ممنوع صغرى و كبرى، و إن أراد به مطلق لابدية الأداء و عدم فراغ الذمة إلّا به فهو مسلّم، و لكنه أعمّ من الدينية الاصطلاحية.

(1) إن أريد بجهة الوضع اشتغال الذمة فلا ريب فيه، و إن أريد بها ترتب الأحكام الخاصة للدّين فهو أول الدعوى و عين المدعى.

(2) نعم، و لكن ليس كل ما هو أداء لما في الذمة دينا، لأنّ تفريغ ما في الذمة أعمّ من الدّين الاصطلاحي لغة، و عرفا، و شرعا.

ص: 198

قوله «للّه عليّ أن أعطي زيدا درهما» دين إلهي لا خلقي (1) فلا يكون الناذر مديونا لزيد، بل هو مديون للّه بدفع الدرهم لزيد، و لا فرق بينه و بين أن يقول: «للّه عليّ أن أحج أو أن أصلي ركعتين» فالكل دين اللّه (2)، و دين اللّه أحق أن يقضي، كما في بعض الأخبار (3).

و لازم هذا كون الجميع من الأصل. نعم، إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمة به بعد فوته لا يجب قضاؤه، لا بالنسبة إلى نفس من

______________________________

(1) إن أراد بذلك مجرّد الوجوب التكليفيّ فلا ينفع للمقام و إن أراد الدّين الاصطلاحي فلا دليل عليه، لأنّ مسألة النذر معروفة بالإشكال و اختلفت فيها الأقوال. و عن الماتن (رحمه اللّه) في حاشيته على المكاسب عند بيان أنّ الإجازة كاشفة أو ناقلة عند قول الشيخ (رحمه اللّه): «مسألة النذر المعروفة بالإشكال» ما هذا عين لفظه: «و الحق عدم تعلق الحق و إنّما هو مجرّد تكليف شرعيّ» فلا تحصل الملكية للّه و لا للمنذور له، و مقتضى الأصل صحة قوله (رحمه اللّه) في الحاشية، لأنّ أصل حصول الوجوب معلوم و حصول الزائد عليه مشكوك. نعم، مقتضى المرتكزات حصول نحو حق في البين في الجملة. و أما استفادة الدينية و الملكية من كلمة اللام في قول الناذر: للّه عليّ فلا وجه له، لأنّ كلمة اللام لا اقتضاء بالنسبة إلى هذه الجهات، نعم، إفادة الاختصاص لا تنكر و إنّما يستفاد الملكية و الحقيقة و سائر الجهات من القرائن الخارجية.

(2) كونه دينا بمعنى لزوم تفريغ الذمة مسلّم. و أما الدّين بالمعنى الاصطلاحي الذي له أحكام خاصة فهو أول الدعوى.

(3) هي رواية الخثعمية و هذه الجملة لا تدل على أزيد من أصل القضاء أي:

الإتيان في الجملة، و أما أنّه بنحو الوجوب أو من الأصل فهي ساكتة عنه كما يقال:

إذا أكرمت ولدك فالوالد أحقّ بالإكرام. و يأتي منه (رحمه اللّه) في ذيل [مسألة 13] منه صدق الدّين فراجع.

ص: 199

وجب عليه، و لا بعد موته سواء كان مالا أو عملا، مثل وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة فإنّه لو لم يعطه حتى مات لا يجب عليه و لا على وارثه القضاء لأنّ الواجب إنّما هو حفظ النفس المحترمة، و هذا لا يقبل البقاء بعد فوته، و كما في نفقة الأرحام فإنّه لو ترك الإنفاق عليهم مع تمكنه لا يصير دينا عليه، لأنّ الواجب سدّ الخلة، و إذا فات لا يتدارك. فتحصّل أنّ مقتضى القاعدة في الحج النذري إذا تمكن و ترك حتّى مات وجوب قضائه من الأصل لأنّه دين إلهي (1) إلا أن يقال: بانصراف الدّين عن مثل هذه الواجبات و هو محل منع (2) بل دين اللّه أحق أن يقضى.

و أما الجماعة (3) القائلون: بوجوب قضائه من الثلث، فاستدلوا بصحيحة ضريس، و صحيحة ابن أبي يعفور (4) الدالتين على أنّ من نذر

______________________________

(1) تقدم مرارا أنّ هذا مسلّم، و لكنّه أعمّ من المدّعى.

(2) بل وجيه كما تقدم لا أقلّ من الشك فيه فلا يصح التمسك بخبر الخثعمية، و سائر ما اشتمل على لفظ الدّين.

(3) نسب ذلك إلى الشيخ، و الصدوق، و المحقق و غيرهم (رحمهم اللّه).

(4) ففي صحيح ضريس قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام): عن رجل- عليه حجة الإسلام- نذر نذرا في شكر ليحجنّ به رجلا إلى مكة» فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام، و من قبل أن يفي بنذره الذي نذر قال (عليه السلام):

إن ترك مالا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال، و أخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قد و في بالنذر. و أن لم يكن ترك مالا إلا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر إنّما هو مثل دين عليه» (1).

و في صحيح ابن أبي يعفور: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل نذر

ص: 200


1- الوسائل باب: 29 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

الإحجاج و مات قبله يخرج من ثلثه، و إذا كان نذر الإحجاج كذلك- مع كونه ماليا قطعا- فنذر الحج بنفسه أولى بعدم الخروج من الأصل و فيه: أنّ الأصحاب لم يعملوا بهذين الخبرين في موردهما، فكيف يعمل بهما في غيره (1)، و أما الجواب عنهما بالحمل على صورة كون النذر في حال المرض، بناء على خروج المنجزات من الثلث فلا وجه له بعد كون الأقوى خروجها من الأصل، و ربما يجاب عنهما بالحمل على صورة عدم إجراء الصيغة، أو على صورة عدم التمكن من الوفاء حتى مات، و فيهما ما لا يخفى خصوصا الأول (2).

مسألة 9: إذا نذر الحج مطلقا أو مقيدا بسنة معينة

(مسألة 9): إذا نذر الحج مطلقا أو مقيدا بسنة معينة، و لم يتمكن من الإتيان به حتى مات لم يجب القضاء عنه، لعدم وجوب الأداء عليه حتى يجب القضاء عنه، فيكشف ذلك عن عدم انعقاد نذره (3).

مسألة 10: إذا نذر الحج معلّقا على أمر

(مسألة 10): إذا نذر الحج معلّقا على أمر كشفاء مريضة أو مجي ء مسافرة- فمات قبل حصول المعلق عليه، هل يجب القضاء عنه أم لا؟ المسألة

______________________________

للّه: إن عافى اللّه ابنه من وجعه ليحجنه إلى بيت اللّه الحرام، فعافى اللّه الابن و مات الأب فقال (عليه السلام): الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده، قلت: و هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه؟ فقال: هي واجبة على الأب من ثلثه. أو يتطوّع ابنه فيحج عن أبيه»(1).

(1) مضافا إلى اضطراب المتن فلا بد من رد علمهما إلى أهله.

(2) لأنّ النذر بلا صيغة، أو مع عدم التمكن من الوفاء باطل لا أثر له، فلا وجه لإخراجه من الثلث أصلا.

(3) و يدل عليه الإجماع و الأصل أيضا.

ص: 201


1- الوسائل باب: 29 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.

مبنية على أنّ التعليق من باب الشرط أو من قبيل الوجوب المعلق (1) فعلى الأول لا يجب (2)، لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط، و إن كان متمكنا من حيث المال و سائر الشرائط، و على الثاني يمكن أن يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه واجبا عليه من الأول إلا أن يكون نذره منصرفا إلى بقاء حياته حين حصول الشرط.

مسألة 11: إذا نذر الحج- و هو متمكن منه- فاستقر عليه

(مسألة 11): إذا نذر الحج- و هو متمكن منه- فاستقر عليه، ثمَّ صار معضوبا- لمرض أو نحوه، أو مصدودا بعدوّ أو نحوه- فالظاهر وجوب استنابته حال حياته، لما مرّ من الأخبار سابقا في وجوبها، و دعوى اختصاصها بحجة الإسلام ممنوعة كما مرّ سابقا (3) و إذا مات وجب القضاء عنه و إذا صار معضوبا أو مصدودا قبل تمكنه و استقرار الحج عليه، أو نذر و هو مغصوب أو مصدود حال النذر مع فرض تمكنه من حيث المال، ففي وجوب الاستنابة

______________________________

(1) و بعبارة أخرى: أي شرط الوجوب فلا وجوب أصلا قبل حصوله أو شرط الواجب، فأصل الوجوب حاصل.

(2) و هو الظاهر في المحاورات العرفية من مثل هذه النذور فلا قضاء عليه، بل مقتضى الأصل عدم وجوبه حتى على القول الثاني، للشك في كشف حصول الشرط في مثل المقام عن سبق الوجوب، لما يأتي من الانصراف إلى بقاء الحياة فلا أثر في خصوص المقام بين كون الشرط شرط الوجوب، أو شرط الواجب.

(3) ظاهر تلك الأخبار هو العموم. و لو فرض الانصراف إلى حجة الإسلام فهو بدويّ، مع أنّ إلغاء الخصوصية شائع في الاستظهارات العرفية فالأقوى ما اختاره هنا و إن كان يظهر منه (رحمه اللّه) العدم في المسألة السابقة فراجع [مسألة 7] من الفصل السابق.

ثمَّ إنّ المراد بالمعضوب هو الممنوع لجهة من الجهات، و المصدود ما صد لعدوّ أو نحوه.

ص: 202

و عدمه حال حياته و وجوب القضاء عنه بعد موته قولان، أقواهما العدم (1)، و إن قلنا بالوجوب بالنسبة إلى حجة الإسلام إلا أن يكون قصده من قوله: «للّه عليّ أن أحج» الاستنابة (2).

مسألة 12: لو نذر أن يحج راجلا في سنة معينة

(مسألة 12): لو نذر أن يحج راجلا في سنة معينة، فخالف مع تمكنه وجب عليه القضاء و الكفارة (3)، و إن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة، لأنّهما واجبان ماليان بلا إشكال (4)، و الصحيحتان المشار إليهما سابقا- الدالتان على الخروج من الثلث- معرض عنهما- كما قيل- أو محمولتان على بعض المحامل (5).

و كذا إذا نذر الإحجاج من غير تقييد بسنة معينة مطلقا، أو معلقا على شرط و قد حصل و تمكن منه و ترك حتى مات، فإنّه يقضى عنه من أصل

______________________________

(1) للأصل بعد عدم الدليل عليه، و تقدم ما يتعلق بحجة الإسلام في [مسألة 71] في الفصل السابق فراجع و لكن بناء على الوجوب في حجة الإسلام يشكل الفتوى بالعدم في المقام بعد إلغاء خصوصية المورد عن الدليل إلا أن يكون انصراف معتبر للأدلة إلى غير المقام.

(2) فيشمله عموم وجوب الوفاء بالنذر بلا خلاف و لا إشكال حينئذ.

(3) أما الكفارة، فلعموم ما دل على لزومها بالمخالفة. و أما القضاء فلما مرّ في المسألة الثانية فراجع.

(4) أما كون القضاء واجبا ماليا بلا إشكال فيه، لأنّ الإحجاج متقوّم بالمال.

و أما كون الكفارة كذلك، فهو مقتضى أصالة بقائها على ما هي عليه من التخيير أو الترتيب، فإن اختار وليّ الميت المالية يكون ماليا. و إن اختار الصوم تكون بدنيا، و في المرتبة مع تمكنهم من المال يكون ماليا، و مع العجز يصير بدنيا. و احتمال الاختصاص بزمان حياة الميت لا دليل عليه، بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه.

(5) تقدم ما يتعلق بها في [مسألة 8] فراجع.

ص: 203

التركة (1). و أما لو نذر الإحجاج بأحد الوجوه و لم يتمكن منه حتى مات ففي وجوب قضائه و عدمه وجهان، أوجههما ذلك (2)، لأنّه واجب ماليّ أوجبه على نفسه فصار دينا، غاية الأمر إنّه ما لم يتمكن معذور، و الفرق بينه و بين نذر الحج بنفسه أنّه لا يعد دينا مع عدم التمكن منه و اعتبار المباشرة، بخلاف الإحجاج فإنّه كنذر بذل المال، كما إذا قال: «للّه عليّ أن أعطي الفقراء مائة درهم» و مات قبل تمكنه.

و دعوى كشف عدم التمكن من عدم الانعقاد ممنوعة (3). ففرق بين إيجاب مال على نفسه، أو إيجاب عمل مباشريّ و إن استلزم صرف المال، فإنّه لا يعدّ دينا عليه بخلاف الأول (4).

مسألة 13: لو نذر الإحجاج معلقا على شرط- كمجي ء المسافر

(مسألة 13): لو نذر الإحجاج معلقا على شرط- كمجي ء المسافر أو

______________________________

(1) لما تقدم من أنّ الإحجاج واجب ماليّ، و كل واجب ماليّ يقضى من الأصل فهو كذلك يقضى من الأصل.

(2) لأنّ الواجب الماليّ الذي يخرج من الأصل أعمّ مما كان مفاد النذر بالمطابقة أو بالالتزام المعتبر في المحاورة بلا فرق بين أن يقول: للّه عليّ أن أعطي مائة دينار لزيد ليصرفها في الحج، أو يقول: للّه عليّ أن أحجه و العرف لا يفرّق بينهما في جهة المالية.

(3) و ما تقدم في [مسألة 9] من كشف عدم التمكن من عدم الانتقال إنّما هو من جهة نفس الحج من حيث عمل نفسه لا من حيث المالية فلا منافاة بينه و بين المقام.

(4) إن كان مراده (قدّس سرّه) نفي أصل الدينية فهو مخالف لما تقدم منه في [مسألة 8] من أنّ الواجبات الإلهية ديون. و إن كان مراده نفي الدّينية المالية فهو خلاف الصدق المحاوري من أنّ الدّينية أعمّ مما كانت بالمطابقة أو بالالتزام المعتبر عند الناس، و نذر الإحجاج من الثاني عرفا.

ص: 204

شفاء المريض- فمات قبل حصول الشرط، مع فرض حصوله بعد ذلك و تمكنه منه قبله، فالظاهر وجوب القضاء عنه (1) إلا أن يكون مراده التعليق على ذلك الشرط مع كونه حيّا حينه، و يدل على ما ذكرنا خبر مسمع بن عبد الملك فيمن كان له جارية حبلى، فنذر إن هي ولدت غلاما أن يحجه أو يحج عنه حيث قال الصادق (عليه السلام) بعد ما سئل عن هذا: «إنّ رجلا نذر في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه، فمات الأب و أدرك الغلام بعد، فأتى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فسأله عن ذلك، فأمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أن يحج عنه مما ترك أبوه» و قد عمل به جماعة و على ما ذكرنا لا يكون مخالفا للقاعدة كما تخيله سيد الرياض و قرّره عليه صاحب الجواهر، و قال: إنّ الحكم فيه تعبديّ على خلاف القاعدة.

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة تارة: بحسب القاعدة و أخرى: بحسب خبر مسمع. و ثالثة: بحسب أقوال الفقهاء و رابعة: فيما يرد على الماتن (رحمه اللّه).

أما الأول: فمقتضى إنّ الإحجاج متقوّم بالمال كما تقدم أنّه دين ماليّ لا بد فيه من القضاء و الخروج من أصل المال، و مقتضى الأصل و الإطلاق بقاء أثر نذره و لو بعد موته إلا أن يستفاد من القرائن تقييده ببقاء حياته إلى حين حصول الشرط و مع انتفائها أو الشك. فالأصل باق على حاله.

و أما الثاني: ففي موثق مسمع قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): كانت لي جارية حبلى، فنذرت للّه عزّ و جلّ إن ولدت غلاما أن أحجه عنه فقال: إنّ رجلا نذر للّه عزّ و جلّ في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه، فمات الأب و أدرك الغلام بعد، فأتى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ذلك الغلام فسأله عن ذلك، فأمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أن يحج عنه مما ترك أبوه» (1) و هو كما ترى مشتمل على فرعين

ص: 205


1- الوسائل باب: 16 من أبواب النذر حديث: 1.

..........

______________________________

- الأول: ما إذا نذر بأنّه إن ولد له ولد، أن يحجه، أو يحج عنه و هو صريح سؤال السائل. الثاني: ما هو مورد قول الإمام (عليه السلام) فيما إذا نذر. بأنّه إن ولد له ولد و أدرك أن يحجه أو يحج عنه فمات الوالد قبل أن يدرك الولد.

و مقتضى القاعدة في الأول وجوب العمل بالنذر مخيّرا بين إحجاج الولد أو الحجّ عنه كما هو مورد النذر مع تحقق الشرط في زمان الحياة و وجوب القضاء من أصل التركة إن مات، و لعله لأجل أنّ حكمه كان واضحا و مطابقا للقاعدة لم يتعرّض له الإمام (عليه السلام)، أو لأجل أنّ من بيان حكم الذيل يستفاد حكم الصدر بالأولوية هذا.

و الثاني فهو من الواجب الماليّ عرفا سواء كان من إحجاج الولد، أم الحج عنه و لا إشكال فيه، كما لا إشكال في أنّه يخرج من الأصل كما تقدم.

إنّما الكلام في أنّ موت الوالد قبل إدراك الولد يكشف عن بطلان النذر، لعدم التمكن منه أو لا؟ فعلى الأول يكون الحكم مخالفا للقاعدة، و لم يظهر عامل به غير صاحب الجواهر في كتاب النذر بخلاف الأخير: و الظاهر في مثل النذر لإدراك الولد هو الأخير، لأنّ المقصود بحسب المتعارف من هذا النذر طلب الخلف من اللّه تعالى و حفظه عن الحوادث سواء كان الوالد حيا أم لا، فهذه النذور بمنزلة العقيقة التي تعمل لأجل حفظ الولد بقي الوالد أم لا. نعم، لا ريب في أنّ إحجاجه أو الحج عنه في زمان حياة الوالد مطلوب أيضا بنحو تعدد المطلوب لا التقييد الحقيقي، فعلى هذا يكون الحكم الثاني المذكور في الحديث موافقا للقاعدة أيضا و يستفاد منه حكم صدر الحديث بالأولى.

و أما الثالث: فإن كان الحكم في السؤال و مورد الجواب مطابقا للقاعدة كما قلناه، فلا وجه للتفكيك في العمل بمورد السؤال و عدمه بمورد جواب الإمام (عليه السلام) بل الظاهر عمل الكلّ بها حينئذ، و كذا لو كان الحكم فيهما مخالفا للقاعدة و تعبدنا بالنص فلا وجه للتفكيك أيضا و لو لم يكن النص معتبرا و كان المدرك هو الإجماع و تمَّ بالنسبة إلى الحكم الأول فقط دون الثاني لكان للتفكيك وجه و لكنه مشكل. و يأتي التفصيل في كتاب النذر إن شاء اللّه تعالى.

ص: 206

مسألة 14: إذا كان مستطيعا و نذر أن يحج حجة الإسلام انعقد على الأقوى

(مسألة 14): إذا كان مستطيعا و نذر أن يحج حجة الإسلام انعقد على الأقوى، و كفاه حج واحد (1)، و إذا ترك حتى مات وجب القضاء عنه و الكفارة من تركته (2). و إذا قيّده بسنة معينة فأخر عنها وجب عليه الكفارة (3)، و إذا نذره في حال عدم الاستطاعة انعقد أيضا (4) و وجب عليه تحصيل الاستطاعة (5) مقدمة إلا أن يكون مراده الحج بعد الاستطاعة.

______________________________

و أما الرابع: فيرد على قوله (رحمه اللّه): «و تمكنه منه قبله» أنّه لا فرق بناء على ما اختاره في المسألة السابقة بين التمكن منه و عدمه.

و ثانيا: قوله: «و قد عمل به جماعة» أنّه في الفرع الثاني لم نظفر على عمل أحد غير صاحب الجواهر، مع أنّه مجمل على كل تقدير فراجع و تأمل.

(1) أما الانعقاد فلما يأتي في كتاب النذر إن شاء اللّه من صحة نذر الواجب، لوجود المقتضي و فقد المانع، و إمكان تأكد وجوب شي ء واحد من جهات شتى كما هو أوضح من أن يخفى، فتشمله إطلاقات أدلة النذر و عموماتها، مضافا إلى الأصل بعد كون الشك في أصل تعدد التكليف لو فرض شك في ذلك. و أما كفاية حج واحد، فلظهور الإطلاق و الاتفاق.

(2) أما وجوب القضاء، فلكونه حجة الإسلام و هي تقضى من أصل التركة، نصّا و إجماعا- كما مرّ- و كذا الكفارة على ما هي عليه من التخيير أو الترتيب، لأنّها من الواجب المالي.

(3) لتحقق المخالفة العمدية الموجبة للكفارة إجماعا.

(4) لوجود المقتضي للانعقاد و فقد المانع عنه، فلا بد من انعقاد النذر حينئذ.

(5) لأنّ ذلك مقتضى وجوب الوفاء بالنذر و فعليته فلا وجه لما عن جمع من عدم وجوبه، لأنّ أصل حجة الإسلام لا يجب تحصيل الاستطاعة فيها، إذ فيه: أنّ عدم الوجوب فيها لأجل عدم فعلية وجوب في البين قبلها بخلاف المقام الذي يكون وجوب الوفاء بالنذر و إطلاقه فعليا. نعم، لو كان أراد الحج بعد الاستطاعة لا يجب حينئذ كما هو واضح.

ص: 207

مسألة 15: لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية بل يجب مع القدرة العقلية

(مسألة 15): لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية بل يجب مع القدرة العقلية (1) خلافا للدروس، و لا وجه له (2) إذ حاله حال سائر الواجبات التي تكفيها القدرة عقلا.

مسألة 16: إذا نذر حجا غير حجة الإسلام في عامه و هو مستطيع لم ينعقد

(مسألة 16): إذا نذر حجا غير حجة الإسلام في عامه و هو مستطيع لم ينعقد (3) إلا إذا نوى ذلك على تقدير زوالها فزالت و يحتمل الصحة مع الإطلاق أيضا إذا زالت، حملا لنذره على الصحة.

مسألة 17: إذا نذر حجا في حال عدم الاستطاعة الشرعية ثمَّ حصلت له

(مسألة 17): إذا نذر حجا في حال عدم الاستطاعة الشرعية ثمَّ حصلت له، فإن كان موسعا أو مقيدا بسنة متأخرة قدم حجة الإسلام

______________________________

(1) لإطلاق أدلته من غير ما يصلح للتقييد بالخلاف، كما في جميع النذور المطلقة المتعلقة بأفعال خاصة.

(2) مراد صاحب الدروس (قدّس سرّه) نحو قدرة خاصة لا تستلزم العسر و الحرج الذي لا يتحملهما نوع الناس، لأنّ للقدرة العقلية مراتب متفاوتة، فإذا حكم متعارف المتشرعة أنّه غير قادر على الذهاب إلى الحج، فالظاهر عدم الوجوب عليه و إن كان قادرا عليه بالدقة العقلية، و كذا في سائر ما يجب بالنذر من الصوم، و الصلاة و نحوهما.

و بالجملة: مثل دليل الحرج كما هو مقدّم على التكاليف الأولية كذا يقدم على التكاليف الثانوية الواجبة بالنذر و نحوه، و يمكن استظهار ذلك من الجميع بلا نزاع في البين.

(3) لأنّه نذر غير مشروع. هذا مع التفاته إلى فعلية التكليف بالحج و إلى مزاحمة نذره مع تكليفه الفعليّ و كان النذر بقصد تقويته. و أما لو كان متعلق النذر ما هو الصحيح في علم اللّه تعالى و بحسب الموازين الشرعية من دون بناء على التفويت و المزاحمة، فيصح نذره، للإطلاقات و العمومات. و حينئذ فإن زالت الاستطاعة يعمل

ص: 208

لفوريتها (1)، و إن كان مضيقا- بأن قيده بسنة معينة و حصل فيها الاستطاعة، أو قيده بالفورية قدمه (2) و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت، و إلا، فلا، لأن المانع الشرعي كالعقلي (3) و يحتمل وجوب تقديم النذر (4) و لو مع كونه موسعا، لأنه دين عليه، بناء على ان الدين- و لو كان موسعا- يمنع عن تحقق الاستطاعة خصوصا مع ظن عدم تمكنه من الوفاء بالنذر ان صرف استطاعته في حجة الإسلام.

مسألة 18: إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فوريا ثمَّ استطاع و أهمل عن وفاء النذر في عامه

(مسألة 18): إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فوريا ثمَّ استطاع و أهمل عن وفاء النذر في عامه، وجب الإتيان به في العام القابل مقدما

______________________________

بالنذر و لو لم تزل و خالف تكليف حجة الإسلام و أتي بالمنذور، فالمسألة من صغريات الترتب.

و توهم: بطلان أصل النذر، لتردد المنذور بين ما هو باطل واقعا و صحيح كذلك فاسد لكفاية قصد الصحيح الواقعي في انعقاده و المفروض تحققه و منه يظهر صحة ما في المتن.

(1) و لو كان مقصود من النذر طبيعة الحج مع قصد التعميم تجزى عن الحج المنذور أيضا.

(2) بناء على كون وجوب الوفاء بالنذر أهم من حجة الإسلام و هو ممنوع، و مجرد السبق الزماني لا يوجب الأهمية ما لم تثبت من جهة أخرى و تقدم في [مسألة 31] من الفصل السابق بعض الكلام فراجع.

(3) و لكن مع ثبوت أهمية عن حجة الإسلام و إلا فلا منع في البين و ثبوت الأهمية أول الكلام و مع عدم ثبوتها، فالحكم هو التخيير.

(4) و لكنه ضعيف، لجواز التأخير في الواجب الموسع مطلقا. و احتمال انصراف الدين المانع عن وجوب حجة الإسلام عن الحج النذري الموسع.

ص: 209

على حجة الإسلام (1) و إن بقيت الاستطاعة إليه، لوجوبه عليه فورا ففورا، فلا يجب عليه حجة الإسلام إلا بعد الفراغ عنه. لكن عن الدروس انه قال- بعد الحكم بأن استطاعة النذر شرعية لا عقلية- «فلو نذر ثمَّ استطاع صرف ذلك إلى النذر (2)، فإن أهمل و استمرت الاستطاعة إلى العام القابل وجب حجة الإسلام أيضا» و لا وجه له (3).

نعم، لو قيد نذره بسنة معينة، و حصل فيها الاستطاعة فلم يف به و بقيت استطاعته إلى العام المتأخر أمكن أن يقال بوجوب حجة الإسلام أيضا، لأن حجه النذري صار قضاء موسعا ففرق بين الإهمال مع الفورية و الإهمال مع التوقيت، بناء على تقديم حجة الإسلام مع كون النذر موسعا.

مسألة 19: إذا نذر الحج و أطلق من غير تقييد بحجة الإسلام

(مسألة 19): إذا نذر الحج و أطلق من غير تقييد بحجة الإسلام و لا

______________________________

نعم، لو وقع بتركه في الحرج في سائر حوائجه المتعارفة لو تركها لكان لهذا الاحتمال وجه.

(1) ان ثبت أهميته بالنسبة إليها و لكنها غير ثابتة، بل الظاهر هو العكس، لكثرة ما ورد عن الشارع من الاهتمام بحجة الإسلام.

(2) لعله (قدس سره) قال ذلك لترجيح الحج النذري من جهة سبقه على حجة الإسلام، و لكن تقدم ان السبق الوجودي لا يوجب التقدم ما لم تثبت الأهمية من جهة أخرى. و قد مرّ مرارا أهمية حجة الإسلام منه. مع انه كانت الاستطاعة في كل منهما شرعية، فتقديم النذر يكون من الترجيح بلا مرجح، فلا وجه له من هذه الجهة أيضا.

(3) لأنه مع وجوب الحج النذري عليه فورا ففورا في كل سنة كيف تجب عليه حجة الإسلام؟! إذ لا يصير مستطيعا حينئذ بالنسبة إليها بناء على ما اختاره (رحمه اللّه).

ص: 210

بغيره، و كان مستطيعا أو استطاع بعد ذلك فهل يتداخلان (1) فيكفي حج واحد عنهما، أو يجب التعدد، أو يكفي نية الحج النذري عن حجة الإسلام دون العكس؟

أقوال، أقواها الثاني، لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب (2) و القول بأن الأصل هو التداخل ضعيف (3). و استدل للثالث بصحيحتي رفاعة

______________________________

(1) نسب القول بالتداخل إلى الشيخ، و الذخيرة، و المدارك. و القول بعدمه إلى الأكثر. و التفصيل إلى جمع منهم الشيخ في النهاية، و موضوع البحث ما إذا لم يكن من قصد الناذر التعميم حتى بالنسبة إلى حجة الإسلام و إلا فلا إشكال و لا خلاف في الاجزاء.

(2) لما ثبت في محله من ظهور الشرط في التعدد المنافي للتداخل، و هو مقدم على ظهور الجزاء الدال على كفاية ذات الطبيعة من حيث هي الدال على التداخل، مع انه إن أحرز التعميم في قصده حتى بالنسبة إلى حجة الإسلام، فيصح التداخل، قيل به في محله أو لا. و إن كان قصده التعدد فلا وجه كذلك.

نعم، فيما إذا لم يحرز قصده و انحصر الاستظهار بظاهر لفظه يجري بحثه حينئذ فلا بد من العمل بمقتضى القواعد و مقتضاها عدم التداخل كما قلناه.

(3) استدل على التداخل بأصالة البراءة عن التكليف بالنسبة إلى غير الواحد المعلوم، و بأن علل الشرع معرفات و لا بأس باجتماع معرفات متعددة لشي ء واحد.

و يرد الأول: بأنه لا وجه للأصل العملي مع اللفظ الظاهر في التعدد و يرد الأخير: بأن بحث التداخل إنما هو من جهة ظهور اللفظ في التعدد و عدمه في المحاورات العرفية و لا ربط له بمسألة ان علل الشرع معرفات أولا مع انه لا أصل لهذه الجملة: (علل الشرع معرفات) من عقل أو نقل و قد فصل ذلك في بحث المفاهيم في الأصول فراجع.

ص: 211

و محمد بن مسلم (1): «عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه فمشى هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال (عليه السلام: نعم» و فيه: ان ظاهر هما كفاية الحج النذري عن حجة الإسلام مع عدم الاستطاعة، و هو غير معمول به و يمكن حملهما على انه نذر المشي لا الحج، ثمَّ أراد أن يحج، فسأل (عليه السلام) عن انه هل يجزيه هذا الحج الذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) بالكفاية.

نعم، لو نذر أن يحج مطلقا- أي حج كان (2)- كفاه عن نذره حجة الإسلام بل الحج النيابي و غيره أيضا، لأن مقصوده حينئذ حصول الحج منه في الخارج بأي وجه كان (3).

______________________________

(1) فعن رفاعة بن موسى قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه الحرام فمشى، هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال (عليه السلام): نعم. قلت: أرأيت إن حج عن غيره و لم يكن له مال، و قد نذر أن يحج ماشيا، أ يجزي ذلك عنه من مشيه؟ قال (عليه السلام): نعم» (1) و مثله صحيح ابن مسلم (2).

(2) الصور أربعة: فتارة ينذر حجة الإسلام بالخصوص. و اخرى: ينذر حجا غيرها، و قد تقدم حكمهما في [مسألة 14 و 16] فراجع. و ثالثة: ينذرهما بنحو الإهمال و غير قاصد للتعميم لكل حج، و قد تقدم حكمه في صدر هذه المسألة. و رابعة: يقصد الحج بعنوان التعميم لكل حج حتى للنيابة و حجة الإسلام و قد ذكر حكمه هنا.

(3) فيجزي لا محالة، لأن المقصود إتيان الحج بالعنوان المهمل من كل

ص: 212


1- الوسائل باب: 27 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

مسألة 20: إذا نذر الحج- حال عدم الاستطاعة- معلقا على شفاء ولده مثلا

(مسألة 20): إذا نذر الحج- حال عدم الاستطاعة- معلقا على شفاء ولده مثلا، فاستطاع قبل حصول المعلق عليه فالظاهر تقديم حجة الإسلام (1). و يحتمل تقديم المنذور إذا فرض حصول المعلق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فوريا، بل هو المتعين إن كان نذره من قبيل الواجب المعلق (2).

مسألة 21: إذا كان عليه حجة الإسلام و الحج النذري و لم يمكنه الإتيان بهما

(مسألة 21): إذا كان عليه حجة الإسلام و الحج النذري و لم يمكنه الإتيان بهما أما لظن الموت أو لعدم التمكن إلا من أحدهما، ففي وجوب تقديم الأسبق سببا، أو التخيير، أو تقديم حجة الإسلام لأهميتها وجوه، أوجهها الوسط، و أحوطها الأخير (3). و كذا إذا مات و عليه حجتان و لم تف

______________________________

جهة القابل للانطباق على كل ما يسمى حجا في الشريعة.

(1) لوجود المقتضى له و فقد المانع عنه، فيشمله الإطلاقات، و العمومات.

(2) بدعوى: ان من حصول المعلق عليه يستكشف تمامية النذر، فيكون عذرا شرعيا مانعا عن تحقق الاستطاعة.

و فيه:

أولا: ان لنا أن نقول: ان من تحقق الاستطاعة يستكشف عدم انعقاد النذر من أوله.

و ثانيا: قد سبق مكررا ان سبق النذر لا يوجب المنع و لا يكون عذرا إلا إذا أثبت أهميته من الحج و ثبوتها له ممنوع، و لذا ذهب جمع إلى تعيين حجة الإسلام حينئذ أيضا.

(3) بل هو المتعين لأهميته و لا وجه للتخير العقلي- مع احتمال الأهمية في حجة الإسلام- و لا الشرعي، لفقد الدليل عليه و قد مر مرارا أن الأسبقية لا يوجب الترجيح.

ص: 213

تركته إلا لأحديهما و أما إن وفت التركة فاللازم استيجارهما و لو في عام واحد (1).

مسألة 22: من عليها الحج الواجب بالنذر الموسع يجوز له الإتيان بالحج المندوب قبله

(مسألة 22): من عليها الحج الواجب بالنذر الموسع يجوز له الإتيان بالحج المندوب قبله (2).

مسألة 23: إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد

(مسألة 23): إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد و وجب عليه أحدهما على وجه التخيير، و إذا تركهما حتى مات يجب القضاء عنه مخيرا و إذا طرء العجز من أحدهما معينا تعين الآخر، و لو تركه أيضا حتى مات يجب القضاء عنه مخيرا (3) أيضا، لأن الواجب كان على وجه التخيير، فالفائت هو الواجب المخير، و لا عبرة بالتعيين العرضي، فهو كما لو كان عليه كفارة الإفطار في شهر رمضان، و كان عاجزا عن بعض الخصال ثمَّ مات، فإنه يجب الإخراج عن تركته مخيرا و إن تعين عليه- في حال حياته- في إحديهما فلا يتعين في ذلك المتعين (4).

______________________________

(1) لإطلاق دليل وجوبهما الشامل لهذه الصورة، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(2) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(3) أما التخيير في الأداء، فلأجل كونه مورد النذر، فيشمله إطلاق دليل وجوب الوفاء به. و أما التخيير في القضاء، فلأنه تابع للأداء في التعيين و التخيير، فيتخير الولي بين استيجار من يحج عنه أو إحجاج شخص من تركته.

(4) لأن التكاليف الثانوية الحاصلة في ظرف الحياة عذر موقت في زمان الحياة فقط بمعنى: انه لو أتى به يكون تكليفه ذلك و يجزى عنه لا ان ينقلب الواقع و لو بعد الممات، فمن كان تكليفه الوضوء مع الجبيرة أو كان تكليفه الطهارة الترابية و فات عنه الصلاة كذلك لا يقضي صلاته بالوضوء جبيرة و لا

ص: 214

نعم، لو كان حال النذر غير متمكن إلا من أحدهما معينا، و لم يتمكن من الآخر إلى إن مات، أمكن أن يقال باختصاص القضاء بالذي كان متمكنا منه بدعوى: ان النذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكن منه، بناء على ان عدم التمكن يوجب عدم الانعقاد (1) و لكن الظاهر ان مسألة الخصال ليست كذلك، فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير و إن لم يكن في حياته متمكنا الا من البعض أصلا (2)، و ربما يحتمل- في الصورة المفروضة و نظائرها- عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضا.

بدعوى: ان متعلق النذر هو أحد الأمرين على وجه التخيير، و مع تعذر أحدهما لا يكون وجوب الآخر تخييريا. بل عن الدروس اختياره في مسألة ما لو نذر ان رزق ولدا أن يحجه أو يحج عنه، إذا مات الولد قبل تمكن الأب من أحد الأمرين.

و فيه: ان مقصود الناذر إتيان أحد الأمرين من دون اشتراط كونه على وجه التخيير، فليس النذر مقيدا بكونه واجبا تخييريا (3) حتى يشترط في

______________________________

بالطهارة الترابية، بل تقضى بحسب الحكم الواقعي و قد تقدمت نظائر كثيرة للمسألة.

(1) هذا بحسب الحكم الظاهري في ظرف الحياة. و أما الحكم الواقعي الأعم من زمان الحياة و بعد الموت، فليس هو إلا التخيير، لفرض التمكن الواقعي منه في علم اللّه تعالى و لو بالاستنابة بعد الموت بلا فرق فيه بين كون القضاء بالأمر السابق أو بالأمر الجديد، لكون كل منهما يلحظ بالنسبة إلى الواقع في علم اللّه تعالى.

(2) لأنه حكم واقعي لا يتغير بعروض الاضطرار في ظرف الحياة.

(3) و بعبارة أخرى: التخيير لم يلحظ بعنوان الموضوعية بل طريقا إلى

ص: 215

انعقاده التمكن منهما.

مسألة 24: إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين عليه السلام من بلده ثمَّ مات قبل الوفاء بنذره

(مسألة 24): إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين (عليه السلام) من بلده ثمَّ مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته و لو اختلف أجرتهما يجب الاقتصار على أقلهما اجرة (1)، إلا إذا تبرع للوارث بالزائد، فلا يجوز للوصي اختيار الأزيد اجرة و إن جعل الميت أمر التعيين إليه (2) و لو أوصى باختيار الأزيد اجرة خرج الزائد من الثلث.

مسألة 25: إذا علم إن على الميت حجا و لم يعلم انه حجة الإسلام

(مسألة 25): إذا علم إن على الميت حجا و لم يعلم انه حجة الإسلام

______________________________

ذات ما هو المطلوب و المراد.

و الحق: ان النزاع بين الشهيد (رحمه اللّه) و غيره صغروي، فإنه إن أريد الناذر التخيير من حيث هو بنحو الموضوعية و كان بعض الأطراف متعذرا فلا وجه لتحقق النذر، لفرض ان التخيير لوحظ بنحو الموضوعية و الخصوصية التخييرية. و إن أراد الناذر في نذره ذات ما هو المطلوب و كان التخيير طريقا محضا إليه فلا إشكال في الصحة حينئذ و المتعارف من نذور الناذرين هو القسم الثاني و الأول انما هو مجرد احتمال و خارج عن المتعارف بين الناس.

(1) أما وجوب القضاء من أصل التركة، فلأنه واجب مالي يخرج منه.

و أما وجوب الاقتصار على الأقل، فلأصالة عدم جواز التصرف في التركة بغير إذن الورثة إلا في المتيقن.

و فيه: ان إطلاق دليل النذر يشمل الأكثر فلا وجه للاقتصار على المتيقن مع وجود الإطلاق.

نعم، لا ريب في انه أحوط كما اختاره (قدس سره) في [مسألة 20] من (فصل الكفن)، و [مسألة 101] من الفصل السابق.

(2) ان وسع الثلث للزيادة يجوز له اختيارها، لإطلاق دليل وصايته نعم ان لم يسع لها فلا موضوع للزيادة حينئذ.

ص: 216

أو حج النذر وجب قضائه عنه من غير تعيين و ليس عليه كفارة (1) و لو تردد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفارة أيضا و حيث انها مرددة بين كفارة النذر و كفارة اليمين فلا بد من الاحتياط (2) و يكفي حينئذ إطعام ستين مسكينا، لأن فيه إطعام عشرة أيضا الذي يكفي في كفارة الحلف.

مسألة 26: إذا نذر المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب انعقد مطلقا

(مسألة 26): إذا نذر المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب انعقد مطلقا حتى في مورد يكون الركوب أفضل، لأن المشي في حد نفسه أفضل من الركوب بمقتضى جملة من الأخبار (3)، و إن كان الركوب قد يكون أرجح لبعض الجهات، فإن أرجحيته لا توجب زوال الرجحان عن المشي في حد نفسه (4) و كذا ينعقد لو نذر الحج ماشيا مطلقا و لو مع

______________________________

(1) أما وجوب القضاء، فللعلم التفصيلي به و أما عدم وجوب الكفارة، فللأصل بعد الشك فيها و عدم دليل عليها.

(2) أما وجوب أصل الكفارة، فللعلم به تفصيلا. و أما الاحتياط فلا دليل على وجوبه، إذ المسألة من صغريات الأقل و الأكثر. و قد تقدم له نظائر في كتاب الخمس و الزكاة.

(3) منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر الشامي: «ما عبد اللّه بشي ء أفضل من الصمت و المشي إلى بيته» (1) و مثله غيره.

(4) فيكون حينئذ كالعبادة المكروهة، لأن تعدد جهة الراجحية و المرجوحية يوجب الاختلاف، فلا يصير الذات مرجوحا. هذا إذا لم ينطبق عليه عنوان يوجب زوال أصل الرجحان عن الذات و إلا فيتبع حكم ذلك العنوان.

ص: 217


1- الوسائل باب: 32 من أبواب وجوب الحج حديث: 6.

الإغماض عن رجحان المشي، لكفاية رجحان أصل الحج في الانعقاد، إذ لا يلزم أن يكون المتعلق راجحا بجميع قيوده و أوصافه. فما عن بعضهم:

من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل لا وجه له و أضعف منه دعوى (1)، الانعقاد في أصل الحج لا في صفة المشي فيجب مطلقا لأن المفروض نذر المقيد، فلا معنى لبقائه مع عدم صحة قيده.

مسألة 27: لو نذر الحج راكبا انعقد و وجب

(مسألة 27): لو نذر الحج راكبا انعقد و وجب (2)، و لا يجوز حينئذ (3) المشي و إن كان أفضل، لما مر من كفاية رجحان المقيد دون قيده.

نعم، لو نذر الركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد (4)، لأن المتعلق حينئذ الركوب لا الحج راكبا. و كذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كل يوم أو فرسخين، و كذا ينعقد لو نذر

______________________________

(1) نسب الأول إلى القواعد. و الأخير إلى الإيضاح. و خلاصة المقال: انه يكفي في النذر قصد الخصوصية الراجحة في الجملة، للإطلاقات و لا يعتبر الرجحان من كل جهة بعد كون أصل الفعل مباحا، لعدم دليل عليه، بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه، فإذا كانت في المشي جهة راجحة ينعقد النذر. و إن كانت هناك حيثية أخرى يكون لها الركوب أفضل.

نعم، لو زالت جهة رجحان المشي أصلا فلا وجه لانعقاد النذر حينئذ، و ذلك يختلف باختلاف الموارد، و الجهات، و الأشخاص.

(2) لشمول إطلاقات أدلة النذر، و عموماته له أيضا.

(3) يعني: بالنسبة إلى الوفاء بالنذر، لكونه خلاف المنذور.

(4) لما علله (قدس سره) من ان المنذور ذات الركوب من حيث هو و لا رجحان فيه، و متعلق النذر لا بد و أن يكون راجحا و لكنه نزاع صغروي فإذا كان

ص: 218

الحج حافيا (1). و ما في صحيحة الحذاء، من أمر النبي (صلّى اللّه عليه و آله) بركوب أخت عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت اللّه حافية، قضية في واقعة، يمكن أن يكون لمانع من صحة نذرها، من إيجابه كشفها، أو تضررها أو غير ذلك (2).

______________________________

قصد نذره من الركوب التقوي على العبادة لا إشكال في انعقاده، لانطباق عنوان الرجحان عليه حينئذ.

و لباب المقال ان النذر على أقسام:

الأول: ما فيه جهة رجحان ذاتا أو عرضا و لا ريب في صحته و انعقاده.

الثاني: ما ليس فيه ذلك مطلقا و لا ريب في عدم صحته و عدم انعقاده.

الثالث: ما فيه جهة رجحان في الجملة و لكن إتيانه مناف لما هو أرجح منه و لا يجتمع الأرجح مع الإتيان به بحسب الوجود الخارجي، و مقتضى إطلاق أدلة النذر و عمومها صحته أيضا و الا لبطل جملة كثيرة من النذور الراجحة مع وجود ما هو أرجح منها كما هو واضح.

(1) كل ذلك لوجود الرجحان فيها في الجملة، فيشمله إطلاقات أدلة النذر و عموماتها.

(2) في صحيحة الحذاء قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافيا. فقال: إن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) خرج حاجا فنظر إلى امرأة تمشي بين الإبل، فقال: من هذه؟! فقالوا: أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى مكة حافية. فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يا عقبة انطلق إلى أختك فمرها فلتركب، فإن اللّه غني عن مشيها و حفاها قال:

فركبت» (1) مع انه (صلّى اللّه عليه و آله) ولي المؤمنين و المؤمنات، فله (صلّى اللّه عليه و آله) أن يحل النذر بكل ما يراه (صلّى اللّه عليه و آله) من المصلحة.

ص: 219


1- الوسائل باب: 34 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.

مسألة 28: يشترط في انعقاد النذر ماشيا أو حافيا تمكن الناذر و عدم تضرره بهما

(مسألة 28): يشترط في انعقاد النذر ماشيا أو حافيا تمكن الناذر و عدم تضرره بهما، فلو كان عاجزا أو كان مضرا ببدنه لم ينعقد (1).

نعم، لا مانع منه إذا كان حرجا لا يبلغ حد الضرر، لأن رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة (2) هذا إذا كان حرجيا حين النذر، و كان عالما

______________________________

ثمَّ ان المنساق من الرواية ان الامام (عليه السلام) أجاب عن سؤال السائل بنقل القضية لا أن يجيب عنه مستقلا. و في نقله (عليه السلام) لها احتمالان:

الأول: بطلان النذر، لأن اللّه غني عن المشي و الحفا أي: غير راض به، و ما كان اللّه تعالى غنيا عنه فهو غير مشروع و قد اختار ذلك في الدروس.

الثاني: أن يكون المراد بالغناء الاستغناء العرفي لا عدم الرضا، كما هو الظاهر من لفظ الغناء في المحاورات، فلا يدل على البطلان حينئذ بل يدل على صحة الترخيص في الترك عند وجود بعض المصالح فيه فلا وجه لما اختاره في الدروس، لأن مقتضى القاعدة الصحة. و هذا الصحيح لا يصلح لطرحها بعد و هنا بالاعراض عن العمل به مطلقا، مع معارضته بخبر سماعة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه حافيا قال (عليه السلام): فليمش، فإذا تعب فليركب» (1).

(1) لعدم القدرة في الأول، و الحرمة في الأخير فلا وجه للانعقاد، مع ان متعلق النذر لا بد و أن يكون مقدورا كما يأتي في كتاب النذر.

(2) فلا يوجب الحرمة و المرجوحية المطلقة حتى يبطل النذر. هذا مع ان وضع المشي على الحرج و المشقة نوعا، فمثل هذا النذر الالتزام به، و شمول أدلة نفي الحرج لمثله ممنوع.

ص: 220


1- الوسائل باب: 34 من أبواب وجوب الحج حديث: 10.

به (1) و أما إذا عرض الحرج بعد ذلك، فالظاهر كونه مسقطا للوجوب (2).

مسألة 29: في كون مبدء وجوب المشي أو الحفاء: بلد النذر أو الناذر

(مسألة 29): في كون مبدء وجوب المشي أو الحفاء: بلد النذر أو الناذر، أو أقرب البلدين إلى الميقات، أو مبدء الشروع في السفر، أو أفعال الحج أقوال (3). و الأقوى أنه تابع للتعيين أو الانصراف (4)، و مع عدمهما فأول أفعال الحج إذا قال: «للّه علي أن أحج ماشيا»، و من حين الشروع في السفر إذا قال: «للّه علي أن أمشي إلى بيت اللّه» أو نحو ذلك (5) كما ان الأقوى ان منتهاه- مع عدم التعيين- رمي الجمار، لجملة من الأخبار (6) لا طواف النساء كما عن المشهور، و لا الإفاضة من عرفات، كما في بعض

______________________________

ثمَّ ان الرخصة: عبارة عن المشروعية مع الترخيص في الترك، فيجوز الإتيان بقصد المشروعية. و العزيمة: عبارة عن عدمها فلا يجوز الإتيان بقصد المشروعية و ان صح بعنوان الرجاء و ليس المراد بها الحرمة الذاتية حتى يحرم الإتيان به مطلقا.

(1) لأنه مع العلم بالحرج و الاقدام عليه لعمده، و اختياره لا تشمله أدلة نفي العسر و الحرج، لأنها امتنانية، و المفروض انه أقدم عليه باختياره.

(2) لأدلة نفي العسر و الحرج الحاكمة على جميع الأحكام الأولية و الثانوية و لا فرق في ذلك بين العلم و الجهل.

(3) يظهر الأول عن جمع: منهم المحقق في الشرائع. و الثاني عن جمع منهم الشهيد في الدروس. و استحسن في المسالك الثالث. و في كشف اللثام الأخير.

(4) لأنهما متبعان في المحاورات مطلقا.

(5) لانسباق أفعال الحج من التعبير الأول عرفا. و الشروع في السفر من التعبير الثاني كذلك.

(6) منها قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح جميل: «إذا حججت» ماشيا و رميت الجمرة فقد انقطع المشي» (1)، و في صحيح الحلبي به: «سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الماشي متى ينقضي مشيه؟ قال (عليه السلام): إذا رمى الجمرة و أراد الرجوع فليرجع راكبا فقد انقضى مشيه و إن مشى فلا بأس» (2) و في صحيح ابن همام عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الذي عليه المشي في الحج: إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا و ليس عليه شي ء» (3).

(7) نسب ذلك إلى المشهور و لم يثبت ذلك، كما لم يثبت عليه الدليل على فرض صحة النسبة إلا دعوى انه آخر أفعال الحج. و يأتي التفصيل في محله.

ص: 221


1- الوسائل باب: 35 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب وجوب الحج حديث: 5.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.

الأخبار (1).

مسألة 30: لا يجوز لمن نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه أن يركب البحر لمنافاته لنذره

(مسألة 30): لا يجوز لمن نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه أن يركب البحر لمنافاته لنذره، و إن اضطر إليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره (2). كما انه لو كان منحصرا فيه من الأول لم ينعقد و لو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فالمشهور أنه يقوم فيه، لخبر

______________________________

(1) ففي خبر يونس بن يعقوب قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) متى ينقطع مشي الماشي؟ قال (عليه السلام): إذا أفاض من عرفات» (1) و لكن أسقطه عن الاعتبار عدم ظهور عامل به.

(2) لعدم التمكن من الامتثال فيه، و عدم كون المتعلق مقدورا في الفرع التالي.

ص: 222


1- الوسائل باب: 35 من أبواب وجوب الحج حديث: 6.

السكوني (1) و الأقوى عدم وجوبه، لضعف الخبر (2) عن إثبات الوجوب و التمسك بقاعدة الميسور لا وجه له (3) و على فرضه فالميسور و هو التحرك لا القيام (4).

______________________________

(1) عن جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): «ان عليا (عليه السلام) سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه فعبر في المعبر قال (عليه السلام): فليقم في المعبر قائما حتى يجوزه» (1).

(2) الضعف منجبر، مع ان السكوني معتمد عند لأصحاب. إن قلت:

يشكل العمل بالخبر، لأنه ان كان المنذور المشي في جميع نقاط المسافة، فهو من نذر غير المقدور في الطريق الذي فيه البحر، يبطل النذر و لا موضوع له حتى يعمل بالحديث. و إن كان مورده المشي في البر، فيكون القيام في المعبر لغوا إلا أن يكون ذلك من التعبد المحض و هو بعيد.

قلت: المنذور هو المشي في طريق الحج عرفا، فينعقد النذر صحيحا إجمالا ثمَّ يعمل فيه بما هو مقتضى الدليل و مقتضاه هو المشي فيما أمكن و القيام فيما لا يمكن مع كون أصل الذهاب بواسطة المعبر، كما مرّ في الخبر، و لا تعبد في البين، إذ المشي عبارة عن الذهاب إليه بكيفية خاصة مركبة من القيام و الحركة نحو المطلوب مباشرة و إذا تعذرت المباشرة في الحركة فيكفي بالمعبر. و أما القيام فحيث انه ممكن فلا وجه لسقوطه.

(3) الظاهر ان خبر السكوني ورد مطابقا لقاعدة الميسور. و القاعدة في المقام مؤيدة بالخبر و بعمل المشهور.

(4) لا وجه لهذا الاحتمال، إذا المراد بالميسور ما يعد ميسورا عرفا و بحسب المرتكزات لا ما يعد مستنكرا و الحركة في المعبر بأي وجه كانت لا يعد من الميسور، بل تعد مباينا مع المشي، لعدم حصول قطع المسافة

ص: 223


1- الوسائل باب: 37 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

مسألة 31: إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكبا

(مسألة 31): إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكبا، فإن كان المنذور الحج ماشيا من غير تقييد بسنة معينة وجب عليه الإعادة، و لا كفارة (1) إلا إذا تركها أيضا (2) و إن كان المنذور الحج ماشيا في سنة معينة فخالف و أتى به راكبا وجب عليه القضاء و الكفارة (3). و إذا كان المنذور المشي في حج معين وجبت الكفارة دون القضاء، لفوات محل النذر و الحج صحيح في جميع الصور (4). خصوصا الأخيرة (5) لأن النذر لا

______________________________

بها بوجه أصلا.

(1) لعدم تحقق المخالفة حتى تتعلق به الكفارة.

(2) لا يتحقق الحنث الموجب للكفارة إلا إذا كان المنذور موقتا لفظا أو انطبقا و قهرا، كما إذا حصلت أمارات الوفاة، فلا يجوز التأخير حينئذ. و إن أخر و فات عنه تجب الكفارة.

(3) لتحقق المخالفة العمدية في المنذور الموقت، فيجبان معا نصا و إجماعا. و يأتي التفصيل في كتاب النذر.

(4) خلاصة الكلام: انه إن كان المشي قيدا ملحوظا في الحج بعنوان وحدة المطلوب بحيث يوجب فقده فقد قصد القربة يبطل الحج في جميع الصور، لفقد قصد القربة. و إن كان ملحوظا بعنوان تعدد المطلوب كما هو الظاهر من مثل هذه النذور حيث ان السير لا يعد في النذور المتعارفة من الأجزاء المقومة للحج- كالطواف، و السعي، و الوقوف- حتى يفسد الحج بتركه فيصح الحج في جميع الصور بلا إشكال، لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها فيصح لا محالة.

(5) لعدم انطباق عنوان محرم فيها على الحج حتى يوجب البطلان إلا بناء على كون المشي جزء من أفعال الحج و لا وجه له، كما تقدم.

ص: 224

يوجب شرطية المشي في أصل الحج و عدم الصحة من حيث النذر لا يوجب عدمها من حيث الأصل، فيكفي في صحته الإتيان به بقصد القربة و قد يتخيل البطلان، من حيث ان المنوي- و هو الحج النذري- لم يقع، و غيره لم يقصد (1) فيه: ان الحج في حد نفسه مطلوب، و قد قصده في ضمن قصد النذر (2)، و هو كاف الا ترى أنه لو صام أياما بقصد الكفارة ثمَّ ترك السابع لا يبطل الصيام في الأيام السابقة أصلا، و انما تبطل من حيث كونها صيام كفارة و كذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قراءته و أذكاره التي أتى بها من حيث كونها قرآنا أو ذكرا. و قد يستدل للبطلان- إذا ركب في حال الإتيان بالأفعال- بأن الأمر بإتيانها ماشيا موجب للنهي عن إتيانها راكبا.

و فيه منع كون الأمر بالشي ء نهيا عن ضده و منع استلزامه البطلان على القول به. مع انه لا يتم فيما لو نذر الحج ماشيا مطلقا، من غير تقييد بسنة معينة و لا بالفورية لبقاء محل الإعادة.

______________________________

(1) و بعبارة أخرى: المأمور به غير مقصود و ما هو المقصود غير المأمور به، فيبطل من هذه الجهة.

(2) لأن جميع أفعال البرية و الخيرية يتوجه القصد إلى ذاتها أولا و بالذات، و إلى الخصوصية الملحوظة فيها ثانيا و بالعرض، فتكون الخصوصية الملحوظة فيها ملحوظا مستقلا لا أن يكون بعنوان التقييد الدقي العقلي الحقيقي فاصل القصد موجود فيها وجدانا.

و توهم: ان ذلك من قبيل الداعي، كما إذا اعطى زيدا درهما بعنوان الوفاء بالدين و إن علم زيد بأنه غير مديون لا يجوز له الأخذ. فاسد و قياس مع الفارق بين العبادات، و البريات، و الخيرات، و مثل الديون، و المعاوضات.

و أما نسبة ذلك إلى ظاهر الأصحاب من انه تعتبر في إتيان المأمور به قصد

ص: 225

مسألة 32: لو ركب بعضا و مشي بعضها فهو كما لو ركب الكل، لعدم الإتيان بالمنذور

(مسألة 32): لو ركب بعضا و مشي بعضها فهو كما لو ركب الكل، لعدم الإتيان بالمنذور (1)، فيجب عليه القضاء أو الإعادة ماشيا و القول بالإعادة و المشي في موضع الركوب، ضعيف لا وجه له (2).

______________________________

الخصوصيات المعتبرة فيه، فإن لم يقصد يقع باطلا.

ففيه. أولا: ان الخصوصيات الحاصلة من ناحية الأمر لا دليل على اعتبار قصدها، بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه.

و ثانيا: ان قصد الخصوصيات انما يعتبر في درك تلك الخصوصية لا في الجامع المشترك بينها و لا ريب في كون تلك الجامع مقصودا في الجملة و هو يكفي للصحة.

(1) لأنه المشي في تمام طريق الحج و لم يتحقق ذلك.

(2) نسب هذا القول إلى جمع منهم: الشيخ (رحمه اللّه)، لأن المنذور هو قطع المسافة بالمشي و هو كما يتحقق باستمرار المشي يحصل بالتلفيق أيضا.

و فيه: انه خلاف العرف، إذ لا يصدق في المحاورات انه مشي تمام الطريق كما هو واضح، فما وقع منه مركب من الركوب و المشي و هو غير المنذور عرفا.

نعم، لو كان مقصوده من النذر هذا النحو من التحليل الدقي العقلي لا بأس بالقول به. و لعل نظر الشيخ (رحمه اللّه) و من تبعه إلى ذلك. و أما خبر إبراهيم بن عبد الحميد: «أن عباد بن عبد اللّه البصري سأل الكاظم (عليه السلام) عن رجل جعل للّه نذرا على نفسه المشي إلى بيته الحرام فمشى نصف الطريق أو أقل أو أكثر قال (عليه السلام): ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فليتصدق به» (1)، فأسقطه عن الاعتبار عدم عامل به.

ص: 226


1- الوسائل باب: 21 من أبواب النذر حديث: 1.

مسألة 33: لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره لتمكنه منه، أو رجائه سقط

(مسألة 33): لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره لتمكنه منه، أو رجائه (1) سقط. و هل يبقى حينئذ وجوب الحج راكبا أو لا، بل يسقط أيضا؟ فيه أقوال:

أحدها: وجوبه راكبا مع سياق بدنة (2).

الثاني: وجوبه بلا سياق (3).

الثالث: سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة. أو كان مطلقا مع

______________________________

(1) لإطلاق النصوص الشامل لصورة الرجاء أيضا. و إلا فتبين الخلاف مع الرجاء يكشف عن عدم انعقاد النذر.

(2) نسب إلى جمع: منهم الشيخ و عن خلافه دعوى الإجماع عليه، لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قلت له: رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه و عجز عن المشي، قال (عليه السلام): فليركب، و ليسق بدنة، فإن ذلك يجزي إذا عرف اللّه تعالى منه الجهد» (1)، و في صحيح ذريح المحاربي: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل حلف ليحجن ماشيا، فعجز عن ذلك فلم يطقه قال (عليه السلام): فليركب، و ليسق الهدى» (2).

(3) نسب إلى جمع: منهم المفيد، و الشيخ في نذر الخلاف، لصحيح رفاعة عنه (عليه السلام) أيضا: «رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه قال (عليه السلام): فليمش قلت: فإنه تعب قال (عليه السلام): فإذا تعب ركب» (3) و مثله صحيح ابن مسلم: «سئل أحدهما (عليه السلام) عن رجل جعل عليه مشيا إلى بيت اللّه تعالى فلم يستطع قال (عليهما السلام): يحج راكبا» (4).

ص: 227


1- الوسائل باب: 34 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
4- الوسائل باب: 34 من أبواب وجوب الحج حديث: 9.

اليأس عن التمكن بعد ذلك، و توقع المكنة مع الإطلاق و عدم اليأس (1).

الرابع: وجوب الركوب مع تعيين السنة، أو اليأس في صورة الإطلاق، و توقع المكنة مع عدم اليأس (2).

الخامس: وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام (3) و إذا كان قبله فالسقوط مع التعيين، و توقع المكنة مع الإطلاق و مقتضى القاعدة و إن كان هو القول الثالث (4) إلا ان الأقوى- بملاحظة جملة من الأخبار- هو القول الثاني، بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدى، على الاستحباب بقرينة السكوت عنه في بعضها الآخر مع كونه في مقام

______________________________

(1) نسب إلى الحلي، و العلامة، و المحقق الثاني، لقاعدة سقوط التكليف الموقت مع العجز عنه في وقته مع وحدة المطلوب كما هو الظاهر من التوقيت في المقام، و أصالة بقاء التكليف المطلق ما لم يحصل العجز الدائمي، و لكنه لا بد من الإتيان به مع تجدد التمكن منه إن تمكن.

(2) نسب إلى الشهيد الثاني في المسالك و الروضة، لأن نذر المشي إلى الحج من باب تعدد المطلوب، فلا يسقط أصل الحج بتعذر مطلوب آخر و هو المشي إليه.

نعم، مقتضى الأصل بقاء التكليف مع الإطلاق، و توقع المكنة و عدم اليأس.

(3) نسب إلى المدارك. اما وجوب الركوب بعد الإحرام، فلما دل على وجوب إتمام الحج و العمرة بعد التلبس بهما. و أما السقوط مع التعين إذا كان قبله، فللعجز بعد كونه التكليف من باب وحدة المطلوب و اما توقع المكنة مع الإطلاق، فلأصالة بقاء التكليف و عدم ما يوجب السقوط.

(4) لما مر من قاعدة سقوط التكليف الموقت مع العجز عنه إن كان من

ص: 228

البيان (1)، مضافا إلى خبر عنبسة الدال على عدم وجوبه صريحا فيه (2) من غير فرق في ذلك بين أن يكون العجز قبل الشروع في الذهاب أو بعده، و قبل الدخول في الإحرام أو بعده و من غير فرق أيضا بين كون النذر مطلقا أو مقيدا بسنة، مع توقع المكنة و عدمه (3) و إن كان الأحوط في صورة

______________________________

باب وحدة المطلوب كما هو الظاهر في المقام.

(1) تقدم في صحيحي رفاعة و ابن مسلم. و لا وجه لإشكال بعضهم بأن كل مطلق و مقيد كذلك، فكما يحمل المطلق على المقيد في سائر الموارد فليكن في المقام كذلك أيضا، و ذلك لأن من شرط الحمل عليه إحراز وحدة المطلوب فيهما. و أما إذا أحرز التعدد من قرائن خارجية أو الداخلية أو شك فيه فلا وجه لحمله عليه.

(2) فعن عنبسة بن مصعب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام):

اشتكى ابن لي، فجعلت للّه على ان هو برئ أن أخرج إلى مكة ماشيا، و خرجت امشي حتى أتيت إلى العقبة فلم أستطع أن أخطو فيه، فركبت تلك الليلة حتى إذا أصبحت مشيت حتى بلغت فهل علىّ شي ء؟ قال (عليه السلام): أذبح فهو أحب إلي قال: أي شي ء هو إلي لازم أم ليس لي بلازم؟ قال (عليه السلام): من جعل للّه على نفسه شيئا فبلغ فيه مجهوده فلا شي ء عليه، و كان اللّه تعالى أعذر لعبده» (1).

و الاشكال عليه: بكون عنبسة ضعيفا (مردود) بأن ابن أبي عمير جعله في صحيحه من أصحابنا، و روى عنه البزنطي و هو ظاهر في اعتماده عليه، مع ان الخبر موافق لسهولة الشريعة و الامتنان، مضافا إلى أنه يكفي الشك في وجوب الذبح في عدم وجوبه. و مجموع الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض يكفي في حصول الشك و عدم الوجوب.

(3) كل ذلك لإطلاق خبر عنبسة و غيره، و أصالة البراءة بعد عدم إمكان

ص: 229


1- الوسائل باب: 34 من أبواب وجوب الحج حديث: 6.

الإطلاق- مع عدم اليأس من المكنة، و كونه قبل الشروع في الذهاب- الإعادة إذا حصلت المكنة بعد ذلك، لاحتمال انصراف الأخبار عن هذه الصورة (1). و الأحوط إعمال قاعدة الميسور أيضا بالمشي بمقدار المكنة، بل لا يخلو عن قوة للقاعدة، مضافا إلى الخبر: «عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه حاجا قال (عليه السلام) فإذا تعب فليركب» و يستفاد منه كفاية الحرج و التعب في جواز الركوب و إن لم يصل إلى حد العجز (2). و في مرسل حريز: «إذا حلف الرجل أن لا يركب، أو نذر أن لا يركب، فإذا بلغ مجهوده ركب».

مسألة 34: إذا نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي

(مسألة 34): إذا نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي من مرض، أو خوف، أو عدو، أو نحو ذلك- فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر، أولا (3) لكون الحكم على خلاف القاعدة؟

______________________________

استفادة الوجوب مما تقدم من الأخبار.

(1) هذا الاحتمال حسن فلا يترك الاحتياط.

(2) و تقتضيه سهولة الشريعة المقدسة، و كثرة تفضل اللّه تعالى على خلقه، و تقدم قول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «إن اللّه تعالى غنى عن مشيها و حفائها» (1) و لا شك في انه تعالى أغنى الأغنياء عن تكاليفه الأولية المجعولة لعباده فكيف بما يجعله العباد على أنفسهم فلا بد فيه أيضا من مراعاة التسهيل و التيسير.

(3) وجه الإلحاق ان ما ذكر في الروايات من التعب، و الاشتكاء، و عدم الاستطاعة شامل لجميع ما يمنع عن الوصول إلى المقصود إلا بالحرج سواء كان القصور في الفاعل كالمرض، أو لمانع في الأرض مثل ما يمنع عن المشي عليه

ص: 230


1- تقدم في صفحة: 219.

وجهان (1) و لا يبعد التفصيل (2) بين المرض و مثل العدو، باختيار الأول في الأول و الثاني في الثاني. و إن كان الأحوط الإلحاق مطلقا.

______________________________

كالرمضاء و الأشواك، أو لمانع في الجو و الفضاء كالحر، و البرد، و الرياح مما لا يتحمل عادة ففي الكل جامع قريب و هو حرجية الوصول إلى المقصود فتشمل الأدلة لجميع ذلك. و وجه عدم الإلحاق الجمود على النص، و لكنه جمود بارد بعد القطع بأن المدار على حيثية الحرجية.

(1) إن أراد ان السقوط في موارد العجز على خلاف القاعدة، فهو باطل لموافقته لقاعدة الحرج. لأنه موافق لأصالة الإطلاق لا أن يكون مخالفا لها. و إن أراد الإتيان بالمشي بقدر المكنة مخالف فهو باطل أيضا، لكونه موافقا لقاعدة الميسور.

(2) لا يخفى أنه بعيد لما ذكرنا من ان المناط حيثية الحرج المتحققة في الكل. هذا و اللّه تعالى هو العالم.

ص: 231

فصل في النيابة

اشارة

فصل في النيابة لا إشكال في صحة النيابة عن الميت في الحج الواجب و المندوب (1).

و عن الحيّ في المندوب مطلقا (2)، و في الواجب في بعض الصور (3).

مسألة 1: يشترط في النائب أمور

اشارة

(مسألة 1): يشترط في النائب أمور:

أحدها: البلوغ

أحدها: البلوغ على المشهور، فلا يصح نيابة الصبيّ عندهم و إن كان مميزا و هو الأحوط، لا لما قيل: من عدم صحة عباداته لكونها تمرينية لأنّ الأقوى كونها شرعية، و لا لعدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه (4)، لأنّه أخصّ من المدعى، بل لأصالة عدم فراغ ذمة المنوب عنه.

______________________________

فصل في النيابة (1) بضرورة من المذهب إن لم تكن من الدّين، و لنصوص مستفيضة التي يأتي بعضها في المسائل الآتية.

(2) نصّا، و إجماعا ففي صحيح ابن عيسى قال: «بعث إليّ أبو الحسن الرضا (عليه السلام) رزم ثياب، و غلمانا. و حجة لي و حجة لأخي موسى ابن عبيد، و حجة ليونس بن عبد الرحمن، و أمرنا أن نحج عنه، فكانت بيننا مائة دينار أثلاثا فيما بيننا» (1).

(3) راجع [مسألة 71] من شرائط الاستطاعة.

(4) لعدم الوثوق بالإتيان مناشئ شتى و لا يختص بعدم التكليف و يعمّ المكلفين غير المبالين بالدّين أيضا و هذا معنى إنّ هذا الدليل أعمّ من المدّعى.

ص: 232


1- الوسائل باب: 34 من أبواب نيابة الحج حديث: 1.

بعد دعوى انصراف الأدلة، خصوصا مع اشتمال جملة من الأخبار على لفظ الرجل (1)، و لا فرق بين أن يكون حجة بالإجارة أو بالتبرع بإذن الوليّ أو عدمه و إن كان و لا يبعد دعوى صحة نيابته في الحج المندوب بإذن الولي (2).

الثاني: العقل

الثاني: العقل، فلا تصح نيابة المجنون الذي لا يتحقق منه القصد (3)، مطبقا كان جنونه، أو أدواريا في دور جنونه و لا بأس بنيابة السفيه (4).

الثالث: الإيمان

الثالث: الإيمان (5)، لعدم صحة عمل غير المؤمن و إن كان معتقدا

______________________________

(1) ذكر الرجل من باب الغالب و المثال و إلا فلا ريب في صحة استنابة المرأة عن الرجل. و الانصراف بدويّ، و عدم الوثوق دليل عدم الجواز في مقام الإثبات لا الواقع و الثبوت، و قاعدة الاشتغال محكومة بالإطلاقات فصحة استنابته موافقة للأدلة، و لكن الأحوط الجمود على فتوى المشهور.

ثمَّ إنّه لا وجه لابتناء صحة نيابة الصبيّ و عدمها على أنّ عباداته تمرينية أو شرعية أصلا، لأنّ النائب يقصد أمر المنوب عنه و أمر المنوب عنه شرعيّ قطعا، مع أنّ احتمال التمرينية إن كان بمعنى: أنّ الأمر بالأمر ليس بأمر فقد أثبتنا خلافه في الأصول. و إن كان بمعنى «أنّ التمرين حكمة جعل الأحكام عليه، فلا منافاة بينه و بين الشرعية، لأنّه يمكن أن تكون للأحكام عللا كثيرة بالنسبة إلى المكلّفين و غيرهم، فأساس التمرينية بلا أساس أصلا.

(2) لأنّه يصح عن نفسه، فلا بد و أن يصح عن غيره أيضا، و في المدارك دعوى القطع بالصحة.

(3) بالضرورة بين الفقهاء، بل العقلاء لعدم اعتماد الجميع على أفعال المجانين خصوصا مثل هذا العمل الذي له أحكام كثيرة و موضوعات مختلفة.

(4) للإطلاقات، و العمومات، و عدم ما يصلح للتقييد و التخصيص.

(5) و تقتضيه غريزة الاختلاف المذهبي و إن توافقوا في الأصول الإسلامية و الدّينية. و بعد ذلك لا نحتاج إلى الاستشهاد بالوجوه القابلة للخدشة. و لعله لذلك

ص: 233

بوجوبه و حصل منه نية القربة، و دعوى أنّ ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى.

الرابع: العدالة أو الوثوق بصحة عمله

الرابع: العدالة (1) أو الوثوق بصحة عمله و هذا الشرط إنّما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحة عمله.

الخامس: معرفته بأفعال الحج و أحكامه

الخامس: معرفته بأفعال الحج و أحكامه (2) و إن كان بإرشاد معلم حال كل عمل.

السادس: عدم اشتغال ذمته بحج واجب عليه في ذلك العام

السادس: عدم اشتغال ذمته بحج واجب عليه في ذلك العام فلا تصح نيابة من وجب عليه حجة الإسلام، أو النذر الضيق مع تمكنه من إتيانه (3)، و أما مع عدم تمكنه- لعدم المال- فلا بأس، فلو حج عن غيره مع تمكنه من الحج لنفسه بطل على المشهور، لكن الأقوى أنّ هذا الشرط إنّما هو لصحة

______________________________

لم يتعرّض له الأكثر، فأوكلوه إلى الفطرة المذهبية.

و منه يظهر الإشكال في العكس أيضا، و يشهد لما قلناه خبر عمار بن موسى عن الصادق (عليه السلام): «في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم، هل يجوز أن يقضيه غير عارف؟ قال (عليه السلام): لا يقضيه إلا مسلم عارف» (1).

(1) المناط إحراز صحة عمله- بحسب القواعد الشرعية كقاعدة الصحة و نحوها- و لو كان فاسقا، و مع عدم الإحراز لا يجوز و لو كان عادلا.

(2) يمكن عدّ هذا الشرط من شرائط العمل المستأجر عليه، كما يمكن عده من شرائط العامل، لأنّه من الأمور الإضافية المتقوّمة بالطرفين. و على أيّ تقدير فالدليل عليه- مضافا إلى الإجماع- لزوم كون الأجير قادرا على إتيان العمل المستأجر عليه و مع عدم المعرفة كيف يقدر عليه.

(3) تقدم ما يتعلق به في [مسألة 109] فراجع.

ص: 234


1- الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 5.

الاستنابة و الإجارة، و الا فالحج صحيح (1) و إن لم يستحق الأجرة و تبرأ ذمة المنوب عنه على ما هو الأقوى. من عدم كون الأمر بالشي ء نهيا عن ضدّه. مع أنّ ذلك- على القول به، و إيجابه للبطلان- إنّما يتم مع العلم و العمد، و أما مع الجهل أو الغفلة فلا، بل الظاهر صحة الإجارة أيضا على هذا التقدير لأنّ البطلان إنّما هو من جهة عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه حيث إنّ المانع الشرعيّ كالمانع العقليّ، و مع الجهل أو الغفلة لا مانع، لأنّه قادر شرعا (2).

مسألة 2: لا يشترط في النائب الحرية

(مسألة 2): لا يشترط في النائب الحرية. فتصح نيابة المملوك بإذن مولاه، و لا تصح استنابته بدونه، و لو حج بدون إذنه بطل (3).

______________________________

(1) صحة الحج و فساده مبنيّ على أنّ قصد عنوان النيابة مقوّم لقصد أصل الحج بحيث لا يتحقق الحج أصلا إلا بقصد النيابة، و أنّه من باب وحدة المطلوب، أو أنّه مجرّد داع لقصد الحج و من باب تعدد المطلوب فعلى الأخير يصح أصل الحج، لتحقق القصد بالنسبة إليه و إن بطلت النيابة. و على الأول لا يصح أصل الحج، لفقد القصد إليه. و حيث إنّ الغالب هو الأخير، فيصح الحج، و مع الشك تجري أصالة الصحة في الحج، فتفرغ ذمة المنوب عنه.

(2) لأنّ عذره عن فعلية النهي يوجب عدم تنجز النهي بالنسبة إليه، فليس في البين منع شرعيّ حتى يكون ممنوعا شرعا و يصير غير مقدور شرعا، فتجتمع بالنسبة إليه القدرة العقلية و الشرعية و لا وقع لتفصيل الكلام هنا بأكثر من ذلك كما وقع عن بعض الشرّاح.

(3) أما عدم اعتبار الحرية، فللأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و أما الصحة مع إذن المولى فلوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة. و أما عدم الصحة بدونه، فلحرمة تصرفاته في منافعه بدون إذن مولاه، فيكون من النهي في العبادة الموجب للبطلان.

ص: 235

مسألة 3: يشترط في المنوب عنه الإسلام

(مسألة 3): يشترط في المنوب عنه الإسلام، فلا تصح النيابة عن الكافر (1) لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه، لمنعه و إمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه، بل لانصراف الأدلة، فلو مات مستطيعا و كان الوارث مسلما لا يجب عليه استئجاره عنه. و يشترط فيه أيضا كونه ميتا (2) أو حيّا عاجزا في الحج الواجب، فلا تصح النيابة عن الحيّ في الواجب إلا إذا كان عاجزا، و أما في الحج الندبيّ فيجوز عن الحيّ و الميت، تبرعا أو بالإجارة.

مسألة 4: تجوز النيابة عن الصبيّ المميّز و المجنون

(مسألة 4): تجوز النيابة عن الصبيّ المميّز (3) و المجنون، بل يجب

______________________________

(1) للإجماع المتسالم بينهم، و ما تقتضيه غريزة الاختلاف الدّينيّ و المذهبيّ.

و قد استدل عليه أيضا بأمور أخرى: فتارة: بأنّه لا ينتفع بالعمل و أخرى: بانصراف الأدلة عنه. و ثالثة: بقوله تعالى ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى (1). و رابعة: بقوله أيضا وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلّا ما سَعى (2) خرج منه المؤمن و بقي الباقي. و خامسة: بأنّ فعل النائب تابع لفعل المنوب عنه في الصحة و الفساد.

و الكل باطل: لإمكان حصول النفع في الدنيا أو البرزخ أو تخفيف العذاب في الآخرة و لا وجه للانصراف و لو كان فهو بدويّ. و الآية الأولى في مقام بيان أنّ الاستغفار لا ينفع المشرك عن الخلود في النار، و أنّه نوع موادة لمن حارب اللّه و رسوله و ليست في مقام بيان عدم النفع أصلا و لو بنحو الجملة و الإجمال. و حيث إنّ عمل النائب كعمل المنوب عنه فكأنّه من سعي نفس الإنسان، فيشمله إطلاق الآية. و أما الأخير فلا دليل على الملازمة من عقليّ، أو عرف أو شرع.

(2) تقدم وجهه في أول الفصل. كما تقدم ما يتعلق ببقية المسألة في المسائل السابقة فراجع.

(3) لإطلاق الأدلة الشاملة له بعد كون عباداته شرعية كما هو الحق.

ص: 236


1- سورة التوبة، الآية 113.
2- سورة النجم، الآية 39.

الاستئجار عن المجنون إذا استقر عليه حال إفاقته ثمَّ مات مجنونا (1).

مسألة 5: لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة

(مسألة 5): لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة، فتصح نيابة المرأة عن الرجل كالعكس (2) نعم، الأولى المماثلة (3).

______________________________

(1) لإطلاق الأدلة الدالة على وجوب إخراج الواجبات المالية عن أصل التركة بعد تعلق الوجوب في حال الحياة جامعا للشرائط.

(2) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق في غير الصرورة، و جملة من الأخبار:

منها: صحيح معاوية: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل يحج عن المرأة، و المرأة تحج عن الرجل؟ قال (عليه السلام): لا بأس» (1).

و في موثق أبي أيوب: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) امرأة من أهلنا مات أخوها فأوصى بحجة، و قد حجت المرأة فقالت: إن كان يصلح حججت أنا عن أخي، و كنت أنا أحقّ بها من غيري، فقال: أبو عبد اللّه (عليه السلام): لا بأس بأن تحج عن أخيها» (2).

و في صحيح رفاعة عنه (عليه السلام) أيضا: «تحج المرأة عن أبيها» (3)و مثلها غيرها.

(3) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق زرارة: «الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه. هل يجزي عنه امرأة؟ قال (عليه السلام): كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان؟! إنّما ينبغي أن تحج المرأة عن المرأة، و الرجل عن الرجل» (4).

و أما خبر بشير النبال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّ والدتي توفيت و لم تحج. قال: يحج عنها رجل أو امرأة قلت: أيهما أحبّ إليك؟ قال (عليه السلام):

رجل أحبّ إليّ» (5) يمكن أن يحمل على التفصيل من حيث الجهات الخارجية كما هو

ص: 237


1- الوسائل باب: 8 من أبواب النيابة في الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب النيابة في الحج حديث: 5.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب النيابة في الحج حديث: 2.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب النيابة في الحج حديث: 8.

مسألة 6: لا بأس باستنابة الصرورة

(مسألة 6): لا بأس باستنابة الصرورة، رجلا كان أو امرأة، عن رجل أو امرأة (1) و القول بعدم جواز استنابة المرأة صرورة مطلقا، أو مع كون المنوب عنه رجلا ضعيف (2). نعم، يكره ذلك خصوصا مع كون المنوب عنه رجلا، بل لا يبعد كراهة استئجار الصرورة و لو كان رجلا عن رجل (3).

______________________________

كذلك غالبا.

(1) على المشهور، للإطلاقات و العمومات.

(2) نسب القولان إلى الشيخ (رحمه اللّه)، لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر زيد الشحام: «يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، و لا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة» (1).

و عن سليمان بن جعفر قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن المرأة الصرورة حجت عن امرأة صرورة فقال (عليه السلام): لا ينبغي» (2).

و في خبر مصادف عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في المرأة تحج عن الرجل الصرورة فقال (عليه السلام): إن كانت قد حجت، و كانت مسلمة فقيهة، فرب امرأة أفقه من رجل» (3). و لكن قصورها سندا و دلالة، و إعراض الأصحاب عنها أسقطها عن الاعتبار. نعم، تصلحان للكراهية، كما يأتي للمسامحة في الكراهة بما لا يتسامح في غيرها.

(3) استظهرها صاحب الجواهر من الأخبار، و يقتضيها الاعتبار في هذا العمل غير المأنوس الذي يحتاج تحسينها إلى التكرار، و يشهد لها مكاتبة إبراهيم بن عقبة عن أبي جعفر (عليه السلام): «كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحج قط حج عن صرورة لم يحج قط أ يجزي كل واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإسلام أو لا؟ بيّن لي ذلك يا سيدي إن شاء اللّه. فكتب (عليه السلام) لا يجزي ذلك» (4)

ص: 238


1- الوسائل باب: 9 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب النيابة في الحج حديث: 3.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب النيابة في الحج حديث: 3.

مسألة 7: يشترط في صحة النيابة قصد النيابة، و تعيين المنوب عنه في النية

(مسألة 7): يشترط في صحة النيابة قصد النيابة، و تعيين المنوب عنه في النية و لو بالإجمال و لا يشترط ذكر اسمه و إن كان يستحب ذلك في جميع المواطن و المواقف (1).

مسألة 8: كما تصح النيابة بالتبرع و بالإجارة كذا تصح بالجعالة

(مسألة 8): كما تصح النيابة بالتبرع و بالإجارة كذا تصح بالجعالة (2)، و لا تفرغ ذمة المنوب عنه الا بإتيان النائب صحيحا و لا تفرغ بمجرّد

______________________________

القاصر سندا عن إثبات الحرمة.

و أما قولهم (عليهم السلام) في صحيح الحلبي و الموسر الذي لا يتمكن من الحج مباشرة: «فإن عليه أن يحج من ماله صرورة من لا مال له» (1) فحيث إنّه في مقام توهم الحظر لا يستفاد منه أكثر من الجواز فلا يعارض به غيره مما يستفاد منه المرجوحية.

(1) أما اشتراط القصد في النيابة، فلأنّها من العناوين القصدية المتوقفة عليه، و أما كفاية الإجمالي منه، فلعدم دليل على اعتبار الأزيد، بل مقتضى الإطلاقات، و الأصل عدمه، كما أنّ مقتضاها عدم اعتبار ذكر اسمه أيضا، و في صحيح البزنطي:

«إنّ رجلا سأل أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن الرجل، يسميه باسمه؟ فقال (عليه السلام): إنّ اللّه لا تخفى عليه خافية» (2).

و أما استحباب ذلك فلصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام):

«قلت له: ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال (عليه السلام): يسميه في المواطن و المواقف» (3) المحمول على الندب جمعا، و إجماعا.

(2) لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و أنّ المدار على إتيان العمل بأيّ وجه حصل.

ص: 239


1- الوسائل باب: 24 ممن أبواب وجوب الحج حديث: 7.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب النيابة في الحج حديث: 5.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.

الإجارة (1) و ما دل من الأخبار على كون الأجير ضامنا و كفاية الإجارة في فراغها منزلة على أنّ اللّه تعالى يعطيه ثواب الحج إذا قصّر النائب في الإتيان، أو مطروحة لعدم عمل العلماء بها بظاهرها (2).

مسألة 9: لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال

(مسألة 9): لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال (3)، بل

______________________________

(1) إجماعا بل ضرورة من الفقه، و تقتضيه قاعدة أنّ الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.

(2) فلا بد من حملها، أوردها إلى أهلها بعد استقرار المذهب على عدم العمل بها، مع أنّها قاصرة الدلالة أيضا، لأنّ في موثق عمار: «قلت: لأنّ الأجير ضامن للحج؟ قال (عليه السلام): نعم» (1) و هو أعمّ من فراغ ذمة الميت بمجرد الإجارة، إذ يحتمل أن يكون المراد أنّ الحج في ضمانه فلا بد و أن يخرج من ماله.

و في مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل أخذ من رجل مالا و لم يحج عنه و مات و لم يخلّف شيئا فقال (عليه السلام): إن كان حج الأجير أخذت حجته و دفعت إلى صاحب المال، و إن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج» (2).

و فيه: أنّ الجملة الأولى مخالفة لقاعدة انّ الأعمال بالنيات و الجملة الأخيرة أعمّ من سقوط التكليف كما هو واضح. و مثله بالنسبة إلى الجملة الأولى خبر عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن رجل أخذ دراهم رجل فأنفقها فلما حضر أوان الحج لم يقدر الرجل على شي ء، قال (عليه السلام): يحتال و يحج عن صاحبه كما ضمن، سئل إن لم يقدر؟ قال (عليه السلام): إن كانت له عند اللّه حجة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة» (3).

(3) لأصالة بقاء التكليف الواقعيّ الاختياريّ المستفاد من الإطلاقات

ص: 240


1- الوسائل باب: 15 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب النيابة في الحج حديث: 3.

لو تبرع المعذور يشكل الاكتفاء به.

مسألة 10: إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك فإن كان قبل الإحرام لم يجز عن المنوب عنه

(مسألة 10): إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك فإن كان قبل الإحرام لم يجز عن المنوب عنه، لما مرّ من كون الأصل عدم فراغ ذمته إلا بالإتيان (1)، بعد حمل الأخبار الدالة على ضمان الأجير على ما أشرنا إليه، و إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ عنه (2)، لا لكون الحكم كذلك في الحاج عن نفسه، لاختصاص ما دل عليه به و كون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي الإلحاق (3) بل لموثقة إسحاق بن عمار، المؤيدة بمرسلتي حسين بن عثمان، و حسين بن يحي، الدالة على أنّ النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب عنه المقيّدة بمرسلة المقنعة (4): «من خرج حاجا فمات في الطريق،

______________________________

و العمومات. نعم، لو أتى المعذور بالعمل لنفسه في ظرف العذر يسقط تكليفه تسهيلا و امتنانا، و هو أعمّ من انقلاب التكليف الواقعيّ إلى التكليف العذري بالنسبة إلى النائب. و منه يظهر حكم المتبرع المعذور. و المسألة سيالة في جميع الأعمال النيابية.

(1) و يدل عليه- مضافا إلى قاعدة الاشتغال- الإجماع بقسميه أيضا.

(2) نصّا و إجماعا روى ابن عمار في الموثق: «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطي رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل أن يحج ثمَّ أعطى الدراهم غيره فقال (عليه السلام): إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنّه يجزي عن الأول- الحديث-» (1).

و لا بد من تقييده بما إذا كان بعد الإحرام و دخول الحرم إجماعا. و يمكن أن يقال: إنّ هذا الحكم لطبيعة الحج من حيث هي بلا فرق فيه بين النفسي و النيابي.

(3) إن لم يكن حكم بطبيعة الحج من حيث هي و الا فالأفراد بحكم الكل طبعا و ذاتا و لا يحتاج إلى الإلحاق.

(4) أما الأولى: فهي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل أعطى رجلا»

ص: 241


1- الوسائل باب: 15 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.

فإنّه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة» الشاملة للحاج عن غيره أيضا، و لا يعارضها موثقة عمار (1) الدالة على أنّ النائب إذا مات في الطريق

______________________________

ما يحجه، فحدث بالرجل حدث، فقال: إن كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت و إلّا فلا» (1).

و الثانية: عنه (عليه السلام) أيضا: «في رجل أعطى رجلا مالا يحج عنه فمات، قال: فإن مات في منزله قبل أن يخرج فلا يجزي عنه، و إن مات في الطريق فقد أجزأ عنه» (2).

و أما الأخيرة: فذكرها في المتن و في ذيلها: «فإن مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج و ليقض عنه وليه» (3).

و حيث إنّ مقتضى الأصل عدم الإجزاء فلا بد من الاقتصار على المتيقن المستفاد من مجموع النصوص بقرينة فهم الأصحاب. و المتيقن من المجموع ما ذكره (قدّس سرّه).

و توهم: الأخذ بإطلاق المرسلة و تقييد ما تقدم من الأخبار بها، فيكون الحكم في النائب هو الإجزاء و لو مات قبل الإحرام و دخول الحرم جمودا على إطلاق الموت في الطريق فيخالف حكم موت النائب مع موت الأصيل في هذه الجهة (مردود): لما مر من عدم صحة الأخذ بالإطلاق في هذا الحكم المخالف للأصل، مع قصور سند المرسلتين، فما نسب إلى المشهور و اختاره الماتن هو المتعيّن.

(1) عن الصادق (عليه السلام): «في رجل حج عن آخر و مات في الطريق، قال (عليه السلام): و قد وقع أجره على اللّه، و لكن يوصي، فإن قدر على رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل» (4) و الحمل على الاستحباب من أحسن طرق الجمع بين الأصحاب.

ص: 242


1- الوسائل باب: 15 من أبواب النيابة في الحج حديث: 3.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب النيابة في الحج حديث: 4.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب النيابة في الحج حديث: 5.

عليه أن يوصي، لأنّها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام، أو على الاستحباب. مضافا إلى الإجماع على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق و ضعفها سندا- بل و دلالة- منجبر بالشهرة، و الإجماعات المنقولة، فلا ينبغي الإشكال في الإجزاء في الصورة المزبورة. و أما إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان (1). و لا يبعد الإجزاء و إن لم نقل به في الحاج عن نفسه، لإطلاق الأخبار في المقام، و القدر المتيقن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الإحرام، لكن الأقوى عدمه (2). فحاله حال الحاج عن نفسه في اعتبار الأمرين في الإجزاء. و الظاهر عدم الفرق بين حجة الإسلام و غيرها من أقسام الحج و كون النيابة بالأجرة أو بالتبرع (3).

مسألة 11: إذا مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم يستحق تمام الأجرة

(مسألة 11): إذا مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم يستحق تمام الأجرة إذا كان أجيرا على تفريغ الذمة (4) و بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال

______________________________

(1) نسب الأول إلى الشيخ (رحمه اللّه) و ادعى في خلافه الإجماع عليه، و لكنه موهون بدعوى الإجماع عن غيره على خلافه.

(2) للأصل، و ظهور الإجماع، و ما تقدم من مرسلة المقنعة المعمولة فلا وجه للتمسك بإطلاق قوله (عليه السلام): «إن مات في الطريق فقد أجزأ عنه» (1)، للزوم تقييده بالمرسلة الظاهرة في العموم و إنّ هذا حكم طبيعة الحج من حيث هي مع و هن الإطلاق بالإجماع على الخلاف، مع أنّه من قبيل زيادة الفرع على الأصل، لما مرّ من أنّ من يحج عن نفسه إن مات قبل دخول الحرم لا يجزي عن حجه فكيف نقول به في النائب؟! مع عدم دليل معتبر للفرق بينهما.

(3) للإطلاق الشامل للجميع، مع عدم الدليل على التفصيل.

(4) بما جعله الشارع مفرغا، و يدل عليه- مضافا إلى الإجماع- عموم وجوب الوفاء بالعقد أيضا لحصول العمل المستأجر عليه، فيتحقق استحقاق الأجرة لا محالة

ص: 243


1- الوسائل باب: 15 من أبواب النيابة في الحج حديث: 4.

إذا كان أجيرا على الإتيان بالحج، بمعنى الأعمال المخصوصة (1) و إن مات قبل ذلك لا يستحق شيئا، سواء مات قبل الشروع في المشي، أو بعده و قبل الإحرام، أو بعده و قبل الدخول في الحرم، لأنّه لم يأت بالعمل المستأجر عليه- لا كلا و لا بعضا (2) بعد فرض عدم إجزائه (3) من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال، أو مع المقدمات من المشي و نحوه. نعم، لو كان المشي داخلا في الإجارة على وجه الجزئية- بأن يكون مطلوبا في الإجارة نفسا- استحق مقدار ما يقابله من الأجرة بخلاف ما إذا لم يكن داخلا أصلا، أو

______________________________

و لا فرق بين أجرة الذهاب و العود، لأنّ أجرة العود قد لوحظت في عقد الإجارة الواقعية على تفريغ الذمة و قد حصل، فيستحقها الأجير لا محالة.

(1) إتيان الأعمال المخصوصة يتصوّر على قسمين:

الأول: الإتيان بها أعمّ من الحقيقي و التنزيل الشرعي، فيكون حكمه حكم ما إذا استؤجر على تفريغ الذمة، فيستحق تمام الأجرة.

الثاني: الإتيان بها في الخارج أي: ذوات الأعمال الخارجية من حيث هي و حينئذ فتتسقط الأجرة عليها، لظهور الاستئجار في التقسيط بحسب المتعارف ما لم تكن قرينة على الخلاف مضافا إلى ظهور الإجماع عليه أيضا، و المنساق من الإجارة في الحج عند المتشرعة هو الأول ما لم تكن قرينة على الخلاف.

(2) مقتضى المرتكزات العرفية المنزلة عليها الأدلة الشرعية أنّه إن أتى ببعض العمل المستأجر عليه، فيستحق الأجرة بالنسبة إلى ما أتى به من العمل، و عدم الإجزاء شرعا لا ربط له بما هو المتعارف من الإجارة نوعا بلا فرق فيه بين كون المشي جزءا أو مقدمة لتعارف تقسيط الأجرة مطلقا ما لم يصرّح بالخلاف.

(3) عدم الإجزاء شرعا لا ربط له باحترام العمل الذي وقع مورد الإجارة، فيستحق الأجرة بحسب ما أتى به من العمل، لفرض وقوعه بتمام أجزائه و جزئياته مورد الإجارة.

ص: 244

كان داخلا فيها لا نفسا بل مطلقا بوصف المقدّمية (1) فما ذهب إليه بعضهم (2) من توزيع الأجرة عليه أيضا مطلقا لا وجه له (3). كما أنه لا وجه لما ذكره بعضهم: من التوزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام، إذ هو نظير ما إذا استؤجر

______________________________

(1) بل و إن كانت بوصف المقدمية يستحق الأجرة له أيضا، لفرض أنّه عمل محترم و يقابل بالمال عند الناس إلا إذا كان بعنوان التقييد بمعنى: أنّه لو لم تحصل ذو المقدمة لكانت المقدمة لغوا محضا و وقع الإقدام منهما في الإجارة هكذا فلا يستحق حينئذ شيئا.

(2) و هو الذي تقتضيه قاعدة احترام العمل، و نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب.

(3) ظهر مما تقدم أنّه لا وجه. و خلاصة الكلام: أنّ المشي تارة: يجعل مورد الإجارة جزءا، و أخرى: يكون موردها مقدمة بذاته من حيث هو مع قطع النظر عن كل شي ء، و ثالثة: يجعل موردا لها حين إرادة ذي المقدمة، أو بقصد التواصل به إلى ذي المقدمة، و رابعة: يكون موردا لها بقيد التوصل به إلى النتيجة بحيث لو لم تترتب النتيجة لا يكون موردا لها أبدا، و قد أقدم الأجير على هتك عمله حينئذ و مقتضى المتعارف و قاعدة احترام العمل جزءا و كلا، جزئيا و كليا و لا وجه للاحترام إلا الضمان و التدارك توزيع الأجرة على الجميع إلا الأخير، بل و كذا بالنسبة إلى أجرة الإياب أيضا، لأنها ملحوظة في الإجارات نوعا و إن لم تكن دخيلة في العمل جزءا أو مقدمة بل يوجب زيادة الأجرة إن كانت المسافة بعيدة، و قلتها إن لم يكن كذلك، فللحج البلدي أجرة، و للميقاتي أجرة أخرى و يختلف ذلك قربا و بعدا و بحسب سائر الجهات. و مدرك الكل أصالة احترام العمل التي هي من أهمّ الأصول النظامية بين جميع الناس.

إن قيل: لا يثبت بها تقسيط الأجرة بل لا تثبت إلّا أجرة المثل.

يقال: نعم، لو لا وقوع الإقدام على أجرة المسمّى.

ص: 245

للصلاة، فأتى بركعة أو أزيد ثمَّ أبطلت صلاته (1)، فإنّه لا إشكال في أنّه لا يستحق الأجرة على ما أتى به، و دعوى أنّه و إن كان لا يستحق من المسمّى بالنسبة، لكن يستحق أجرة المثل لما أتى به، حيث إنّ عمله محترم مدفوعة:

بأنّه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه (2). و المفروض أنّه لم يكن مغرورا

______________________________

(1) القياس مع الفارق، لأنّه في صورة الإبطال قد أقدم على هتك عمله و ألقى احترام عمله. نعم، لو حصل البطلان القهري كالموت و نحوه، فهو عين المقام. بل و كذا في صورة الإبطال العمدي يكون ما أتى به من القراءة و الأذكار مثل المقام. إن فرض توزيع الأجرة عليها عرفا حتى في هذه الصورة، لعدم بطلانها في ذاتها في صورة إبطال الصلاة و إنّما بطلت جزئيتها للصلاة فقط. نعم، مع عدم التوزيع عليها عرفا بعد إبطال الصلاة لا وجه له حينئذ.

(2) المناط في استحقاق أجرة المثل ملكية المنفعة بالتسبب العقدي مع بطلان أجرة المسمّى و لو تقسيطا سواء انتفع بها المستأجر أم لا. و هذا المعنى حاصل في المقام، لكن الكلام في بطلان التقسيط مع أنّ أهل الخبرة يحكمون به.

و خلاصة الكلام من البدء إلى الختام: أنّ المقصود الأصليّ من النيابة و الإجارة في مثل الحج و الزيارة هو نفس الأعمال الخاصة و العبادات المخصوصة و هي الدّاعي الأوليّ للإقدام المعاوضي إجارة كان أو جعالة، و لكن القرار المعامليّ إنّما هو جميع ما يقع من العامل في الخارج من أول إقدامه على ما له دخل في هذا العمل إلى آخر رجوعه إلى المحل، و في الرجوع إلى سيرة الذين أعدّوا أنفسهم للنيابة غني و كفاية.

و هذه المسألة ليست تعبدية و لا نظرية بل عرفية محضة لا بد فيها من مراجعة العرف و أهل الخبرة لذلك.

و أما توهم: أنّه لا وجه لأجرة المسمّى في المقام، لأنّها تكون فيما إذا كانت للشي ء قيمة، و لا قيمة لجزء العمل هنا. فباطل، لأنّ عدم الاعتبار بجزء العمل شرعا لا يوجب سلب الاعتبار العرفيّ عن العمل المصروف فيه، فيرجع إلى أهل الخبرة فكل ما عيّن من المال في العمل المصروف جزءا و كلا يتعيّن ذلك على المستأجر الكلام.

ص: 246

من قبله (1) و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحج في سنة معينة (2)، و يجب عليه الإتيان به إذا كانت مطلقة (3)، من غير استحقاق لشي ء على التقديرين (4).

مسألة 12: يجب في الإجارة تعيين نوع الحج

(مسألة 12): يجب في الإجارة تعيين نوع الحج، من تمتع، أو قران، أو إفراد (5) و لا يجوز للمؤجر العدول عمّا عيّن له و إن كان إلى الأفضل (6).

كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأول- إلا إذا رضي المستأجر بذلك، فيما إذا كان مخيّرا بين النوعين أو الأنواع- كما في الحج المستحبّي و المنذور المطلق- أو كان ذا منزلين متساويين في مكة و خارجها (7) و أما إذا كان ما عليه من نوع

______________________________

إلا إذا أقدم الأجير على هتك عمله.

(1) قاعدة «إنّ المغرور يرجع إلى من غرّه» من القواعد الفطرية بين الناس في الجملة. و يكفي في اعتبارها عدم ثبوت الردع، مع أنّه قد ورد التقرير لها في النبويّ- كما سيأتي في كتاب البيع- بعين هذا اللفظ و في موارد أخرى مختلفة. و هي متوقفة على صدق التغرير، و مع الشك لا مجرى لها فكيف بصدق عدم الغرور.

(2) لعدم الموضوع للوفاء بها حينئذ، فتنفسخ لا محالة.

(3) يعني وجوب الاستئجار من تركته إذا لم تشترط المباشرة.

(4) ظهر مما مرّ أنّه يستحق بالنسبة إن لم يقدم على هتك عمله بالمرة.

(5) لظهور الاتفاق و اختلاف الأغراض، و الأحكام الشرعية باختلاف الأنواع، و ما يأتي من خبر عليّ بن رئاب.

(6) للأصل، و ما دل على وجوب الوفاء بالعقود مضافا إلى الإجماع.

(7) بلا إشكال فيه إن كان الرضاء قبل الشروع في العمل، و أما بعد الفراغ منه، فهو من صغريات جريان الفضولية في العبادات، كما إذا صلّى شخص في منزل أحد- أو توضأ من مائه- من دون إحراز رضاه و بعد الفراغ منها رضي و أجاز، و مقتضى العمومات الصحة مع حصول قصد القربة و المسألة سيالة في موارد كثيرة.

ص: 247

خاص فلا ينفع رضاه أيضا بالعدول إلى غيره (1)، و في صورة جواز الرضا بكون رضاه من باب إسقاط حق الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطية و من باب الرضا بالوفاء بغير الجنس إن كان بعنوان القيدية (2) و على أيّ تقدير يستحق الأجرة المسماة و إن لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني، لأنّ المستأجر إذا رضي بغير النوع الذي عينه فقد وصل إليه ماله على المؤجر، كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون، فكأنّه قد أتى بالعمل المستأجر عليه و لا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل أو إلى المفضول. هذا و يظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل- كالعدول إلى التمتع- تعبدا من الشارع، لخبر أبي بصير عن أحدهما: «في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها مفردة أ يجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال (عليه السلام): نعم إنّما خالف إلى الأفضل» و الأقوى ما ذكرناه، و الخبر منزل على صورة العلم برضاء

______________________________

(1) لأن التعيين حينئذ حكم شرعيّ ليس تحت اختيار المستأجر حتى ينفع رضاه. هذا بالنسبة إلى براءة ذمة المستأجر، و كذا بالنسبة إلى صحة نفس العمل، لأنّ الأجير قصد الأمر المتوجه إلى المنوب عنه. و المفروض أنّه لم يكن مأمورا بما قصده الأجير. و أما بالنسبة إلى براءة ذمة النائب، فيصح رضاه، لأنّ الحق قائم به كما لا يخفى.

(2) لأنّه يصح أن يكون التعيين بعنوان الشرط الخارج عن ذات الشي ء، كما يجوز أن يكون بعنوان القيد المقوّم له عرفا، و هما اعتباران صحيحان عند المتعارف في أغراضهم العرفية و يصح تنزيل الأدلة عليهما أيضا، و يختلف الأثر بالنسبة الى كل منهما كما ذكره (رحمه اللّه)، فتارة: يكون من باب إسقاط الشرط. و أخرى:

يكون من الوفاء بغير الجنس.

ص: 248

المستأجر (1) بذلك مع كونه مخيّرا بين النوعين جمعا بينه و بين خبر آخر (2):

«في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة قال (عليه السلام) ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج، لا يخالف صاحب الدراهم» و على ما ذكرنا- من عدم جواز العدول الا مع العلم بالرضا- إذا عدل بدون ذلك لا يستحق الأجرة في صورة التعيين على وجه القيدية (3)، و إن كان حجه صحيحا عن المنوب عنه و مفرغا لذمته (4) إذا لم يكن ما في ذمته متعينا فيما عين، و أما إذا

______________________________

(1) أو العلم بأنّ تعينه للنوع الخاص لم يكن لأجل خصوصية فيه، بل كان ذكره من باب المثال و ما هو الأسهل على النائب أو نحو ذلك مما لا يوجب التعين.

و أما الإشكال على الوجه الأول: من أنّه مع العلم بالرضا لا وجه للسؤال (مدفوع): بأنّ هذا السؤال إنّما هو لحصول الاطمئنان الظنيّ، و زوال الوسوسة.

(2) رواه صاحب الوسائل عن عليّ (1)، و استظهر في المدارك أنّه ابن رئاب، فيكون معتبرا.

(3) لأنّه حينئذ من الوفاء لغير الجنس مع عدم رضاء من له الحق و هو باطل بالأدلة الأربعة، و ظاهر مثل هذه الإجارة الواقعة بعنوان القيدية عدم تقسيط الأجرة على ما أتى به الأجير من العمل، فكأنّ المستأجر قال: إن أتيت بهذا العمل الكذائي فلك أجرة خاصة و إلّا فلا شي ء لك أبدا و قبل الأجير ذلك. هذا بالنسبة إلى الأجرة بإزاء المناسك. و أما الأجرة بإزاء الذهاب و سائر الأعمال المقدمة، فهل تقسط عليها الأجرة أو لا؟ وجهان، يأتي في الفرع اللاحق ما ينفع المقام.

(4) لفرض أنّ النائب أتى بالعمل عن المنوب عنه و المفروض أنّ إتيان ذات العمل عنه صحيح شرعا، فلا بد من فراغ ذمته.

و أما توهم: أنّ التعيين في الإجارة يوجب تقييدا في ذات العمل المستأجر عليه، فيصبر حينئذ من الوفاء بغير الجنس. فباطل بالنسبة إلى ذات العمل من حيث

ص: 249


1- الوسائل باب: 12 من أبواب النيابة في الحج حديث: 2.

كان على وجه الشرطية فيستحق (1)، إلا إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلف الشرط، إذ حينئذ لا يستحق المسمّى بل أجرة المثل (2).

مسألة 13: لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق

(مسألة 13): لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق و إن كان في الحج البلدي، لعدم تعلق الغرض بالطريق نوعا، و لكن لو عيّن تعيّن (3) و لا يجوز العدول عنه إلى غيره، الا إذا علم أنّه لا غرض للمستأجر في خصوصيته و إنّما ذكره على المتعارف، فهو راض بأيّ طريق كان، فحينئذ لو عدل صح و استحق تمام الأجرة، و كذا إذا أسقط بعد العقد حق تعيينه (4) فالقول بجواز العدول مطلقا، أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصية ضعيف كالاستدلال له بصحيحة حريز: «عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه»

______________________________

هو، لأنّ المفروض أنّه مشروع في حق المنوب عنه. نعم، هو صحيح بالنسبة إلى العقد الإجاريّ، و قلنا ببطلانه أيضا.

و كذا توهم أنّه منهيّ عنه فكيف تصح عبادة؟! و ذلك لما ثبت في محله من أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضدّه فالعمل صحيح و تبرأ ذمة المنوب عنه و يكون كعمل المتبرع، فكأنّ الأجير أقدم على هتك عمله من حيث العوض فقط لا أن يبطل عمله بالذات حتى يصير فاسدا أصلا مطلقا.

(1) لفرض صحة الإجارة و أنّ تخلف الشرط لا يوجب بطلانها.

(2) أما عدم استحقاق أجرة المسمّى فلا فلانفساخ أصل الإجارة بالفسخ، و أما استحقاق أجرة المثل فلأصالة احترام العمل التي هي من أهمّ الأصول العقلائية المقرّرة شرعا.

(3) أما عدم اعتبار تعين الطريق، فللأصل بعد عدم دليل عليه، و أما التعين في صورة التعين، فلدليل وجوب الوفاء بالعقود و الشرط.

(4) لوجود المقتضي لاستحقاق تمام الأجرة في الفرعين حينئذ و عدم المانع عنه كما هو معلوم.

ص: 250

من البصرة فقال: لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد تمَّ حجة» إذ هي محمولة على صورة العلم بعدم الغرض كما هو الغالب (1). مع أنّها إنّما دلت على صحة الحج من حيث هو (2) لا من حيث كونه عملا مستأجرا عليه كما هو المدعى و ربما تحمل على محامل آخر (3) و كيف كان لا إشكال في صحة حجه و براءة ذمة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيدا بخصوصية الطريق المعيّن (4) إنّما الكلام في استحقاقه الأجرة المسماة على تقدير العدول و عدمه، و الأقوى أنّه يستحق من المسمّى بالنسبة و يسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبرا في الإجارة على وجه الجزئية (5)، و لا يستحق شيئا على تقدير اعتباره على وجه القيدية، لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذ (6) و إن برئت ذمة المنوب عنه بما أتى به، لأنّه حينئذ متبرع بعمله، و دعوى أنّه يعدّ في العرف أنّه أتى ببعض ما استؤجر عليه، فيستحق بالنسبة، و قصد التقييد بالخصوصية لا يخرجه عرفا عن العمل ذي الأجزاء، كما ذهب إليه في الجواهر لا وجه لها (7)

______________________________

(1) فيصير التعين من باب المثال حينئذ لا الخصوصية.

(2) فلا تصلح للاستدلال بها للمقام مع عدم ظهورها فيه.

(3) كاحتمال أنّه لم يكن من باب الإجارة الاصطلاحية حتى يجب الوفاء به بل كان ارتزاقا لهذه الجهة، أو أنّه منها و لكن لا يجب الوفاء بالشرط، لعدم كونه مذكورا في العقد، أو أنّه قوله: (من الكوفة) متعلق بقوله: (اعطى) لا بقوله (يحج) و الكل خلاف الظاهر كما لا يخفى.

(4) كما إذا كان منذورا بعنوان إتيانه من الطريق الخاص و لكن أصل الحج صحيح، كما تقدم في [مسألة 31] من الفصل السابق.

(5) لما مرّ من انحلال الأجرة و تقسيطها عرفا في أمثال المقام.

(6) إلا إذا أجاز المستأجر ذلك، فيكون من قسم الفضوليّ الذي نهى المالك عنه ثمَّ أجاز، و يأتي في كتاب البيع صحته.

(7) لها وجه وجيه. إذا ليس المراد- بالتقييد- الدقي العقلي و المقوّم الذاتيّ

ص: 251

و يستحق تمام الأجرة إن كان اعتباره على وجه الشرطية الفقهية (1)، بمعنى:

الالتزام في الالتزام. نعم، للمستأجر خيار الفسخ لتخلف الشرط، فيرجع إلى أجرة المثل (2).

(مسألة 14): إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معينة، ثمَّ آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضا، بطلت الإجارة الثانية، لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالأولى. و مع عدم اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما صحتا معا (3)، و دعوى: بطلان الثانية و إن لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الأولى. لأنّه يعتبر في صحة الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه، فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن، و كذا لا يجوز إجارة الحائض لكنس المسجد و إن لم يشترط المباشرة ممنوعة (4): فالأقوى الصحة. هذا إذا آجر نفسه ثانيا للحج بلا اشتراط المباشرة و أما إذا آجر نفسه

______________________________

الحقيقيّ بحيث ينفي القيد تكوينا بانتفائه، بل المراد به القيد العرفي الذي يكون برزخا بين الالتزام و القيدية الدقية المقوّمة لذات الشي ء.

و بالجملة: العرف يرى الأجير ذا حق في المشي على المستأجر خصوصا مع براءة ذمة المنوب عنه عن الحج و لا يرون عمله المشي باطلا محضا بالنسبة إليه.

(1) يمكن القول بالتبعيض فيه أيضا، لصدق أنّه أتى ببعض العمل عرفا، إذ أنّ الشرط طريق و مرآة إلى ما في الخارج لا أن يكون له موضوعية محضة و لا أن يكون مبنيا على الدقة العقلية.

(2) لأصالة احترام العمل التي هي أصل نظاميّ عقلائيّ.

(3) إن لم يكن انصراف معتبر إلى المباشرة و الا فتكون كالصورة الأولى.

(4) لأنّ التمكين بنفسه أعمّ من المباشرة و التسبب و المفروض عدم اشتراط المباشرة، فيتمكن من العمل. نعم، لو اشترطت المباشرة، فيرجع إلى التمكن بنفسه من نفسه. و هذا خارج عن الفرض و يكون من القسم الأول الذي اشترطت فيه المباشرة.

ص: 252

لتحصيله فلا إشكال فيه (1)، و كذا تصح الثانية مع اختلاف السنتين، أو مع توسعة الإجارتين، أو توسعة إحديهما بل و كذا مع إطلاقهما، أو إطلاق إحديهما إذا لم يكن انصراف الى التعجيل (2) و لو اقترنت الإجارتان- كما إذا آجر نفسه من شخص، و آجره وكيله من آخر في سنة واحدة، و كان وقوع الإجارتين في وقت واحد- بطلتا معا (3) مع اشتراط المباشرة فيهما و لو آجره فضوليان من شخصين- مع اقتران الإجارتين- يجوز له إجارة إحداهما (4) كما في صورة عدم الاقتران و لو آجر نفسه من شخص، ثمَّ علم أنّه آجره فضوليّ من شخص آخر سابقا على عقد نفسه، ليس له إجازة ذلك العقد (5) و إن قلنا بكون الإجازة كاشفة بدعوى أنّها حينئذ تكشف عن بطلان إجارة نفسه.

______________________________

(1) لأنّه تصريح حينئذ بكفاية التسبيب و يكون تمام الأجرة في الإجارة له إلا أن يكون تقييد في البين بإعطاء تمامها إلى الأجير الثاني لو استأجره.

(2) كل ذلك لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشملها الإطلاقات و العمومات، و مع وجود قرينة معتبرة على التعجيل تبطل الثانية في صورة إطلاقهما، و كذا إذا كانت إحديهما مقيدة بهذه السنة مثلا، و كانت الأخرى مطلقة مع قرينة دالة على التعجيل فيها أيضا.

(3) لامتناع صحتهما معا. و بطلان الترجيح بلا مرجح. و التخيير يحتاج إلى دليل و هو مفقود، فيرجع إلى الأصل و مقتضاه عدم ترتب الأثر على كل واحدة منهما.

(4) لما يأتي في محله من كون الفضوليّ في العقود مطابقا للقاعدة فيصح المجاز و يلغو الآخر لا محالة، فصحة أحد العقدين دون الآخر يكون مع المرجح و هو الإجازة اللاحقة له. و منه يعلم حكم صورة عدم الاقتران.

(5) لأنّه فوّت مورد الإجازة عمدا بإجازة نفسه، فلا سلطنة له على منافعه حتى يجيز إجازة الفضولي. و يأتي إن شاء اللّه تعالى في الفضولي بعض الكلام. و أما صحة الإجارة الفضولية بإجازة المستأجر فيأتي في [مسألة 16] تفصيله فراجع.

ص: 253

لكون إجارة نفسه مانعا عن صحة الإجارة حتى تكون كاشفة و انصراف أدلة صحة الفضولي عن مثل ذلك.

مسألة 15: إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة

(مسألة 15): إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لا يجوز له التأخير، بل و لا التقديم، الا مع رضا المستأجر و لو أخر لا لعذر أثم و تنفسخ الإجارة إن كان التعيين على وجه التقييد و يكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطية (1) و إن أتى به مؤخرا لا يستحق الأجرة على الأول، و إن برئت ذمة المنوب عنه به (2) و يستحق المسماة على الثاني الا إذا فسخ المستأجر فيرجع

______________________________

(1) أما عدم جواز التقديم و التأخير، فلأنّه خلاف الشرط الذي يجب الوفاء به، و مقتضى الأصل عدم التسلط على متعلق حق الغير إلا برضاه. و أما جوازه برضاء المستأجر، فلأنّ الحق له و يدور مدار رضاه.

و أما الإثم مع التخلف لا لعذر، فلأنّه ترك الواجب عمدا، و كل ترك واجب كذلك يوجب الإثم.

و أما انفساخ الإجارة مع التقييد و الخيار مع الشرط فيأتي إن شاء اللّه تعالى ما يتعلق به في [مسألة 12] من كتاب الإجارة. و الظاهر عدم الفرق في هذه الجهة بين كون التخلف لعذر أو لا إلا في الإثم و عدمه فراجع كتاب الإجارة. هذا كله إذا علم أنّ التعيين إنّما هو لخصوصية خاصة فيه، و أما إذا لم يعلم ذلك أو علم عدمه بالقرائن فالظاهر جواز التقديم و التأخير و يصح العمل و يستحق تمام الأجرة.

(2) أما براءة ذمة المنوب عنه، فلفرض أنّه أتى بالعمل بعنوان النيابة، و أما عدم استحقاق الأجرة فلأجل أنّه لم يأت بما استؤجر عليه، فيكون كالمتبرع بعمله عنه مثل ما إذا استؤجر على أن يصوم عن زيد يوم الجمعة فصام عنه يوم الخميس هذا بناء على التقييد الدقيّ العقليّ. و أما بناء على ما قلناه من التقييد العرفيّ الذي يكون برزخا بين التقييد العقليّ و الشرطية المحضة، فيستحق من الأجرة بالنسبة، و تقتضيه أصالة احترام المال و العمل إلا مع الإقدام على المجانية المحضة.

ص: 254

إلى أجرة المثل (1) و إذا أطلق الإجارة، و قلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال. و في ثبوت الخيار للمستأجر حينئذ و عدمه وجهان من أنّ الفورية ليست توقيتا و من كونها بمنزلة الاشتراط (2).

مسألة 16: قد عرفت عدم صحة الإجارة الثانية فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معينة ثمَّ آجر من آخر في تلك السنة

(مسألة 16): قد عرفت عدم صحة الإجارة الثانية فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معينة ثمَّ آجر من آخر في تلك السنة، فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأول أو لا؟ فيه تفصيل، و هو أنّه إن كانت الأولى واقعة على العمل في الذمة لا تصح الثانية بالإجازة، لأنّه لا دخل للمستأجر بها إذا لم تقع على ماله حتى تصح له إجازتها (3) و إن كانت واقعة على منفعة الأجير في تلك السنة- بأن تكون منفعته من حيث الحج، أو جميع منافعه له- جاز له إجازة الثانية، لوقوعها على ماله (4) و كذا الحال في نظائر المقام، فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معيّن، ثمَّ آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم، ليس لزيد إجازة العقد الثاني (5) و أما إذا ملكه منفعة الخياطة،

______________________________

(1) لقاعدة «احترام العمل ما لم يثبت الهتك و المجانية».

(2) و هو الظاهر عرفا في الإجارات المتعارفة إلا مع القرينة على الخلاف.

(3) هذا التعليل عليل جدّا. لأنّه لا يعتبر في مورد الإجازة كونه مالا للمجيز، بل يكفي كونه موردا لحقه و لو في الجملة و إن لم يكن مالا له، و لا ريب في كون الإجازة الثانية من حيث المزاحمة للإجارة مع الأولى تكون موردا لحق المستأجر الأول، فتصح إجازته بلا إشكال و يأتي التفصيل في [مسألة 4] من كتاب الإجارة (فصل يكفي في صحة الإجارة) فراجع، و لا وجه للتطويل في المقام مع ما يأتي في مستقبل الكلام.

(4) فيكون المقتضي للإجازة موجودا و المانع عنهما مفقودا.

(5) ظهر مما مرّ صحة إجازته، لأنّ العقد الثاني وقع على مورد حق زيد، فيصح له إجازته، لكونه مسلّطا على حقه إبقاء و إسقاطا.

ص: 255

فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة لعمرو، جاز له إجازة هذا العقد (1)، لأنّه تصرف في متعلق حقه، و إذا أجاز يكون مال الإجارة له لا للموجر (2). نعم، لو ملك منفعة خاصة- كخياطة ثوب معيّن، أو الحج عن ميت معيّن على وجه التقييد- يكون كالأول في عدم إمكان إجازته (3).

مسألة 17: إذا صدّ الأجير أو أحصر كان حكمه كالحاج عن نفسه

(مسألة 17): إذا صدّ الأجير أو أحصر كان حكمه كالحاج عن نفسه

______________________________

(1) أما إجازة الخياطة، فلكون منفعة الخياطة له. و أما إجازة الكتابة، فلأجل وقوعها في مورد حقه، فتصح الإجازة منه من هذه الجهة.

(2) لوقوع الإجازة على عين ماله فبالإجازة تكون الأجرة له لا محالة. نعم، لو كان الاحتياج إلى الإجازة من جهة المزاحمة الحقية فقط فلا يكون مال الإجارة في الإجارة الثانية للمستأجر الأول بل تكون للأجير إلا أن يتصالحا على أن يكون للمستأجر، كما أنّ مال الإجارة في الإجارة الأولى له أيضا إلا أن تكون في البين قرائن تدل على الخلاف.

(3) تقدم إمكان إجازة كل ما كان مزاحما لحقه و لو لم يكن بنفسه مالا له، فراجع. و يأتي التفصيل في كتاب الإجارة.

فروع- (الأول): الإجارة الثانية إن زاحمت الإجارة الأولى لا تصح بدون إجازة المستأجر الأول سواء كانت المزاحمة في ماله أم ما يتعلق بحقه على ما يأتي التفصيل في كتاب الإجارة.

(الثاني): بعد إجازة الإجارة الثانية تكون الأجرتين للأجير إلا مع القرينة على الخلاف.

(الثالث): يجوز للمستأجر إلغاء قيد المباشرة أو السنة المعينة في الإجارة الأولى، لأنّ ذلك من فروع سلطنته عرفا، فتصير الإجارة الثانية صحيحة لا محالة، لوجود المقتضي و فقد المانع. و يجب على الأجير تحصيل مورد الإجارة الأولى تسبيبا مع إلغاء قيد المباشرة، و في السنة الأخرى مباشرة مع إلغاء السنة المعينة.

ص: 256

فيما عليه من الأعمال (1) و تنفسخ الإجارة مع كونها مقيدة بتلك السنة، و يبقى الحج في ذمته مع الإطلاق، و للمستأجر خيار التخلف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد (2) و لا يجزئ عن المنوب عنه (3) و إن كان بعد الإحرام و دخول الحرم، لأنّ ذلك كان في خصوص الموت في جهة الإخبار، و القياس عليه لا وجه له و لو ضمن المؤجر الحج في المستقبل- في صورة التقييد- لم تجب إجابته، و القول بوجوبه ضعيف (4)، و ظاهرهم استحقاق الأجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال، و هو مشكل (5)، لأنّ المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه، و عدم فائدة فيما أتى به (6) فهو

______________________________

(1) لظهور الإطلاق و الاتفاق في أنّ أحكام الصد و الحصر مترتبة على طبيعة الحج سواء كان للنفس أم للغير.

(2) أما انفساخ الإجارة، فلأنّ تعذر العمل يكشف عن فساد التمليك و التملك على ما يأتي في كتاب الإجارة [مسألة 12]. و أما بقاء الحج في ذمته مع الإطلاق، فلأصالة اللزوم، مضافا إلى ظهور الاتفاق. و أما ثبوت خيار الشرط إن كان اعتبار التعين على وجه الشرطية، فلما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى من أنّ تعذر الشرط يوجب الخيار. راجع أحكام الشروط في كتاب البيع.

(3) لأصالة عدم الإجزاء إلا مع الدليل على الخلاف و لا دليل عليه في المقام و إن ورد في الموت بعد دخول الحرم و الإحرام. و إجراؤه هنا قياس بلا كلام، فلا وجه لما نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه) من الإجزاء.

(4) أما عدم وجوب الإجابة، فللأصل بعد عدم دليل عليه. و أما القول بالوجوب فنسب إلى المقنعة، و النهاية، و مهذب البارع و لا وجه له، و لذا حمل على الاستئجار ثانيا بالمتخلف من الأجرة و لو معاطاة و لا إشكال فيه حينئذ.

(5) تقدم في [مسألة 11] عدم الإشكال فيه كما هو المتعارف بين عمال مثل هذه الأعمال.

(6) التسبيب الاختياري إلى الضمان المعاوضي لا يدور مدار استقرار الفائدة

ص: 257

نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصد و الحصر، و كالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة، لعذر في إتمامها، و قاعدة احترام المسلم لا تجري لعدم الاستناد إلى المستأجر، فلا يستحق اجرة المثل أيضا (1).

مسألة 18: إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة فهو من ماله

(مسألة 18): إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة فهو من ماله (2).

مسألة 19: إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل

(مسألة 19): إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى: الحلول في مقابل الأجل (3) لا بمعنى الفورية (4). إذ لا دليل عليها، و القول بوجوب التعجيل إذا لم يشترط الأجل ضعيف (5) فحالها حال البيع، في أنّ إطلاقه

______________________________

و تحققها، كما إذا اشترى شيئا لرفع الحاجة و استعمله فتلف بآفة سماوية و لا ريب في تحقق الضمان المعاوضي حينئذ، و لا فرق بين الأموال و الأعمال، لاحترام كل منهما شرعا، و عرفا، و عقلا.

(1) توزيع الأجرة في نظائر المقام من المتعارف بين الأنام فلا تصل النوبة إلى أجرة المثل، مع أنّه يكفي في صحة الاستناد التسبب العقدي و هو حاصل قطعا فلا وجه للتشكيك فيه.

(2) للإجماع، و لأنّها عقوبة للمباشرة فلا ربط لها بالمستأجر.

(3) لقاعدة السلطنة، لأنّ الأعمال كالأموال، فكما أنّ العقد الموجب لإثبات مال في الذمة يقتضي ذلك، فكذا إذا كان موجبا لثبوت عمل فيها فلمالك الذمة المطالبة متى شاء و أراد. هذا مع عدم اشتراط الأجل و إلا فلا وجه للتعجيل لإقدامها على إسقاط حق التعجيل حينئذ.

(4) بل بمعنى فعلية حق المطالبة متى شاء و أراد، كما يأتي منه (رحمه اللّه) لأنّ مقتضى الأصل عدم لزوم الفورية، و لا يستفاد ذلك من الأدلة أيضا.

(5) لأصالة عدم وجوب التعجيل عليه و إنّما الثابت وجوب الأداء عند مطالبة ذي الحق، و حرمة الحبس مع عدم إحراز الرضاء بالتأخير.

و يمكن أن يجعل السكوت عن المطالبة طريقا لإحراز الرضاء بالتأخير و لكن يختلف ذلك حسب اختلاف الموارد و الأشخاص.

ص: 258

يقتضي الحلول بعني: جواز المطالبة. و وجوب المبادرة معها.

مسألة 20: إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها

(مسألة 20): إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها، كما أنّها لو زادت ليس له استرداد الزائد (1). نعم، يستحب الإتمام كما قيل بل قيل (2). يستحب على الأجير أيضا رد الزائد، و لا دليل بالخصوص على شي ء من القولين. نعم، يستدل على الأول: بأنّه معاونة على البر و التقوى و على الثاني: بكونه موجبا للإخلاص في العبادة.

مسألة 21: لو أفسد الأجير حجة بالجماع قبل المشعر فكالحاج عن نفسه يجب عليه إتمامه

(مسألة 21): لو أفسد الأجير حجة بالجماع قبل المشعر فكالحاج عن نفسه يجب عليه إتمامه، و الحج من قابل، و كفارة بدنه (3). و هل يستحق الأجرة على الأول أو لا؟ قولان، مبنيان على أنّ الواجب هو الأول و أنّ الثاني عقوبة أو هو الثاني و أنّ الأول عقوبة، قد يقال بالثاني، للتعبير في الأخبار بالفساد، الظاهر في البطلان، و حمله على إرادة النقصان و عدم الكمال مجاز لا داعي إليه. و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت معينة، و لا يستحق الأجرة، و يجب عليه الإتيان في القابل بلا اجرة. و مع إطلاق الإجارة تبقى ذمته

______________________________

(1) لأصالة عدم الوجوب عليه في الأول، و أصالة عدم الولاية له على الاسترداد في الأخير.

(2) حكي الأول عن النهاية، و المبسوط، و الأخير عن التذكرة.

و قوله (رحمه اللّه): (موجبا للإخلاص) أي: أقرب إليه إن كان قبل الشروع في العمل، و أما إن كان بعده فلا أثر له في الإخلاص و عدمه، مع أنّ هذه الوجوه الاعتبارية لا تصلح مدركا للفتوى بالاستحباب إلا بناء على المسامحة فيه حتى بمثل هذه الأمور.

(3) لإطلاق الأدلة المثبتة لإيجاب هذه الأمور في إفساد الحج بالجماع قبل المشعر الشامل لذات الحج سواء كان مباشريا أم نيابيا، مضافا إلى الإجماع على عدم الفرق بينهما في ذلك.

ص: 259

مشغولة، و يستحق الأجرة على ما يأتي به في القابل، و الأقوى صحة الأول (1)، و كون الثاني عقوبة لبعض الأخبار الصريحة في ذلك (2) في الحاج عن نفسه، و لا فرق بينه و بين الأجير. و لخصوص خبرين في خصوص الأجير (3) عن إسحاق بن عمار عن أحدهما (عليهما السلام) قال:

«قلت: فإن ابتلى بشي ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل، أ يجزي عن الأول؟ (4) قال: نعم، قلت: فإنّ الأجير ضامن للحج؟

______________________________

(1) على المشهور بين متأخري المتأخرين. و اختاره في الجواهر في الكفارات، و لكنه اختار خلافه في المقام و يأتي التحقيق في محله إن شاء اللّه تعالى.

(2) ففي صحيح زرارة قال: «سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة قال (عليه السلام): جاهلين أم عالمين؟ قلت: أجنبيّ على الوجهين جميعا قال (عليه السلام): إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما. و مضيا على حجهما و ليس عليهما شي ء. و إن كانا عالمين فرق بينهما- إلى أن قال- حتى يقضيا نسكهما و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت، فأيّ الحجتين لهما؟ قال (عليه السلام): الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، و الأخرى عليهما عقوبة» (1) و الإشكال عليه بالإضمار لا يضرّ بعد كون المضمر مثل زرارة الذي لا يسأل إلا من الإمام (عليه السلام).

(3) ففي صدر خبر ابن عمار: «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة، فيعطي رجل دراهم يحج بها عنه، فيموت قبل أن يحج ثمَّ أعطى الدراهم غيره قال (عليه السلام): إن مات في الطريق، أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنّه يجزي عن الأول. قلت: فإن ابتلى ..» (2) إلى آخره كما في المتن. و حمل الخبرين على أنّ المراد بالإجزاء إعطاء الثواب، أو المراد اجتزاء المجموع من حيث المجموع خلاف الظاهر.

(4) لأنّه العمل المستأجر عليه و المفروض أنّه مفرغ للذمة، فالمقتضي لاستحقاق الأجرة موجود و المانع عنه مفقود.

ص: 260


1- الوسائل باب: 3 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام حديث: 9.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.

«قال: نعم».

و في الثاني سئل الصادق (عليه السلام) عن رجل حج عن رجل، فاجترح في حجه شيئا يلزم فيه الحج من قابل و كفارة قال (عليه السلام): «هي للأول تامة، و على هذا ما اجترح».

فالأقوى استحقاق الأجرة على الأول، و ان ترك الإتيان من قابل، عصيانا أو لعذر (1) و لا فرق بين كون الإجارة مطلقة أو معينة (2).

و هل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الذي أتى به الأول- فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه و بذلك العنوان- أو هو واجب عليه تعبدا و يكون لنفسه؟ وجهان، لا يبعد الظهور في الأول و لا ينافي كونه عقوبة، فإنّه تكون الإعادة عقوبة. و لكن الأظهر الثاني (3) و الأحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمة (4) ثمَّ لا يخفى عدم تمامية ما ذكره ذلك القائل (5)، من عدم استحقاق

______________________________

(1) لأنّه تكليف بالنسبة إلى الأجير فقط و لا ربط له بالمستأجر فيكون كسائر تروك الإحرام التي يرتكبها الأجير.

(2) لشمول إطلاق الدليل لكل منهما.

(3) لا ريب في أنّ الثاني تعبد محض بعد ما مرّ أنّ الأول هو الفرض، كما لا ريب في ثبوت المنشئيّة للحج النيابيّ لهذا التعبد، فيصح كل منهما فيقصد النيابة عن المنوب من حيث صيرورتها موجبا.

أو يقصد التعبد من حيث كونه من آثار النيابة فلا ثمرة عملية مهمة في هذا البحث، بل و لا علمية كما لا يخفى على أهله.

(4) لأنّه جمع بين القولين و يرتفع هذا النزاع من البين.

(5) هو صاحب الجواهر في بحث النيابة في الحج. و جعل قوله: (هذا) إحدى الأقوال الثمانية في المسألة فراجع فإنّ جملة من تلك الأقوال لا مدرك لها يصح الاعتماد عليه، و لا وجه للتعرض لتلك الأقوال، لأنّ هذا الكتاب ليس موضوعا لذلك.

و خلاصة دليله: أنّه لا وجه لاستحقاق الأجرة في المقام أصلا، لأنّ الأول

ص: 261

الأجرة- في صورة كون الإجارة- معينة و لو على ما يأتي به في القابل، لانفساخها. و كون وجوب الثاني تعبدا، لكونه خارجا عن متعلق الإجارة و إن كان مبرئا لذمة المنوب عنه، و ذلك لأنّ الإجارة و إن كانت منفسخة بالنسبة إلى الأول، لكنّها باقية بالنسبة إلى الثاني تعبدا (1)، لكونه عوضا شرعيا تعبديا عما وقع عليه العقد، فلا وجه لعدم استحقاق الأجرة على الثاني و قد يقال بعدم كفاية الحج الثاني أيضا (2) في تفريغ ذمة المنوب عنه، بل لا بد للمستأجر أن يستأجر مرّة أخرى في صورة التعيين، و للأجير أن يحج ثالثا في صورة الإطلاق لأنّ الحج الأول فاسد، و الثاني إنّما وجب للإفساد عقوبة، فيجب ثالث، إذ

______________________________

باطل لا معنى لاستحقاق الأجرة على الباطل. و الثاني: تعبد شرعيّ لا ربط له بالمستأجر و المنوب عنه.

و هذا الدليل ظاهر الخدشة أولا: بما تقدم من أنّ الأول هو الفرض المجزي و المفرغ للذمة فيستحق الأجرة بالنسبة إليه، و ثانيا: بأنّه مع العلم بفراغ ذمة المنوب عنه أما بالأول أو الثاني. و هذا هو الغرض الأهمّ الذي تقوم به صحة الإجارة فكيف لا يستحق الأجرة فيكون دليله (رحمه اللّه) شبيه بالمغالطة.

(1) يعني: أنّ مقتضى ظاهر حال المسلم في إجارة نفسه لشي ء بقاء الإجارة إلى أن يحكم الشارع بفراغ ذمة الأجير عن العمل المستأجر عليه، فهذا نحو التزام شرعيّ يلتزمه المسلم على عهدته في إجارته بالالتزام العقدي لتفريغ الذمة و هو حاصل، كما أنّ الحكم بالفراغ من الشارع حاصل أيضا.

و هذا وجه حسن، و لكنه مردود بما تقدم من كون الأول هو الفرض فتسقط ذمة الأجير من هذه الجهة أيضا، كما تفرغ ذمة المستأجر. و منه يظهر بطلان ما عن بعض أعاظم المحشين من أنّ التعبد بوجوب إعادة الحج لا يستلزم التقييد ببقاء الإجارة.

(2) هذا أيضا إحدى الأقوال الثمانية في المسألة، و نسب إلى الشيخ و العلامة و غيرهما.

ص: 262

التداخل خلاف الأصل.

و فيه: أنّ هذا إنّما يتم إذا لم يكن الحج في القابل بالعنوان الأول، و الظاهر من الأخبار- على القول بعدم صحة الأول- وجوب إعادة الأول و بذلك العنوان، فيكفي في التفريغ، و لا يكون من باب التداخل، فليس الإفساد عنوانا مستقلا. نعم، إنّما يلزم ذلك إذا قلنا إنّ الإفساد موجب لحج مستقل لا على نحو الأول، و هو خلاف ظاهر الأخبار (1) و قد يقال في صورة التعيين (2) إنّ الحج الأول إذا كان فاسدا و انفسخت الإجارة يكون لنفسه فقضاؤه في العام القابل أيضا يكون لنفسه، و لا يكون مبرئا لذمة المنوب عنه، فيجب على المستأجر استئجار حج آخر. و فيه أيضا ما عرفت من أنّ الثاني واجب بعنوان إعادة الأول و كون الأول- بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه (3)، لا يقتضي كون الثاني له و إن كان بدلا عنه، لأنّه بدل عنه بالعنوان المنويّ لا بما صار إليه بعد الفسخ.

هذا، و الظاهر- عدم الفرق في الأحكام المذكورة- بين كون الحج الأول المستأجر عليه واجبا أو مندوبا بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام و الإعادة في النيابة تبرعا أيضا (4)،

______________________________

(1) بل خلاف الأصل و العرف و الاعتبار أيضا.

(2) قال في الجواهر: «و دعوى أنّ الحج بإفساده له انقلب لنفسه لأنّه غير المستأجر عليه يدفعها منع الانقلاب إليه» و هو كذلك، إذ مقتضى الأصل عدم الانقلاب بعد إتيانه بقصد المنوب عنه.

(3) يعني: على فرض صحة الانقلاب و لكنه لا دليل عليه من عقل أو نقل، بل مقتضى الأصل عدمه. و لعمري إنّ ذكر هذه الأقوال التي لا دليل عليها و النقض و الإبرام فيها من مجرّد تضييع العمر.

(4) كل ذلك للإطلاق الشامل للجميع و إنّ هذه الأحكام أحكام طبيعة

ص: 263

و إن كان لا يستحق الأجرة أصلا (1).

مسألة 22: يملك الأجير الأجرة بمجرّد العقد

(مسألة 22): يملك الأجير الأجرة بمجرّد العقد، لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل (2)، إذا لم يشترط التعجيل، و لم تكن قرينة على إرادته، من انصراف أو غيره (3)، و لا فرق في عدم وجوب التسليم بين أن تكون عينا أو دينا (4)، و لكن إذا كانت عينا و نمت كان النماء

______________________________

الحج من حيث هي ما لم يدل دليل على الخلاف، و تأتي فروع أخرى مناسبة للمقام في بيان أصل المسألة.

(1) أما الحج الأول فلإقدامه على التبرع به. و أما الثاني فلأنّه من توابع فعله فيكون بمنزلة الكفارة اللازمة له. كما أنّ في صورة الإجارة إذا أفسد الأجير الحج الأول و وجب عليه الحج الثاني تكون نفقاته على نفسه.

فروع- (الأول): لا يسقط الحج ثانيا على الأجير بإسقاط المستأجر حقه، لأنّه حكم شرعيّ لا يدور مدار رضاه و عدمه.

(الثاني): لو كان الحج الثاني مستلزما للحرج بالنسبة إلى الأجير فهل يجب أيضا أو لا؟ مقتضى عموم أدلة نفي الحرج هو الأخير.

(الثالث): الظاهر فورية الإتيان به في القابل، كما يأتي في محله.

(2) أما الأول فلأنّ عقد الإجارة بل كل عقد معاوضة من موجبات التمليك و التملك اتفاقا من العلماء و السيرة من العقلاء. و أما الأخير فلأنّ بناء المعاوضات مطلقا على التسليم، و مطالبة ما تملكه و صحة الامتناع عن الأداء في ظرف امتناع الآخر. و هذه كلها من مقوّمات المعاوضات. و يأتي في كتاب البيع و الإجارة تتمة الكلام.

(3) لأنّ عدم وجوب تسليم الأجرة إلا بعد العمل مقتضى ذات الإجارة من حيث هي، إذ التسليم في العمل لا يتحقق إلا بتمامه. نعم، القرينة على الخلاف مقدمة عليه كتقدم النص على الظاهر، أو تقدم الأظهر عليه.

(4) لوجود سببية التمليك و التملك في كل منهما و هو عقد الإجارة.

ص: 264

للأجير (1) و على ما ذكر- من عدم وجوب التسليم قبل العمل إذا كان المستأجر وصيا أو وكيلا، و سلّمها قبله كان ضامنا لها (2)، على تقدير عدم العمل من المؤجر، أو كون عمله باطلا. و لا يجوز لهما اشتراط التعجيل من دون إذن الموكل أو الوارث (3) و لو لم يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الأجرة كان له الفسخ (4). و كذا للمستأجر. لكن لما كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي، يستحق الأجير المطالبة في صورة الإطلاق، و يجوز للوكيل و الوصيّ دفعها من غير ضمان.

مسألة 23: إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة

(مسألة 23): إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة (5)، فلا يجوز للأجير أن

______________________________

(1) لقاعدة «تبعية النماء للأصل في الملكية المسلّمة عند الكل، فكل من كان الأصل ملكه كان النّماء له.

(2) لتحقق التعدّي منه حينئذ. نعم، إذا تعذر الاستئجار بغير هذا النحو فالظاهر عدم التعدّي فلا ضمان كما يأتي.

(3) لأصالة عدم ولايتهما عليه إلا مع الإذن و لا بد في اعتبار إذن الوارث من تقيده بما إذا كان له نحو حق في ذلك و لو بنحو النظارة أو نحوها و إلا فلا مدخلية لإذنه.

(4) عدم القدرة مع ضيق الوقت يوجب الانفساخ كما يأتي في كتاب الإجارة، و لعل مراده (قدّس سرّه) الامتناع عن العمل. نعم، إن كان المتعارف دفع الأجرة كلا أو بعضا قبله بنحو يكون إطلاق العقد منزلا عليه و لم يدفع كان له الفسخ بذلك تعذر عليه الحج أم لا.

(5) لأنّها الظاهرة من مثل قوله: «آجرتك على أن تحج لي- مثلا-» و لو لم يكن ظهور لفظيّ أو قرائن أخرى على المباشرة في البين، فمقتضى الإطلاق جواز الاستنابة و لكنّه مع ذلك مشكل إلا مع استظهار التعميم صريحا أو ظاهرا، و عدم كون الإجارة الثانية بالأقل إلا مع الإتيان ببعض العمل. و يأتي التفصيل في كتاب الإجارة إن شاء اللّه تعالى.

ص: 265

يستأجر غيره، الا مع الإذن صريحا أو ظاهرا و الرواية الدالة على الجواز محمولة على صورة العلم بالرضا من المستأجر (1).

مسألة 24: لا يجوز استئجار من ضاق وقته عن إتمام الحج

(مسألة 24): لا يجوز استئجار من ضاق وقته عن إتمام الحج (2) تمتعا و كانت وظيفته العدول إلى حج الإفراد- عمّن عليه حج التمتع، و لو استأجره مع سعة الوقت فنوى التمتع ثمَّ اتفق ضيق الوقت، فهل يجوز له العدول و يجزئ عن المنوب عنه أو لا؟ وجهان: من إطلاق أخبار العدول و من انصرافها إلى الحاج عن نفسه و الأقوى عدمه (3)، و على تقديره (4) فالأقوى عدم إجزائه عن الميت، و عدم استحقاق الأجرة عليه (5) لأنّه غير ما على

______________________________

(1) فعن ابن عيسى قال: «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): ما تقول في الرجل يعطي الحجة فيدفعها إلى غيره؟ قال (عليه السلام): لا بأس» (1) و لكنّها ليست ظاهرة في الإجارة المعهودة فيمكن حملها على مجرّد تحصيل الحجة بأيّ نحو أمكن.

(2) لقاعدة الاشتغال، و أصالة عدم الإجزاء ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف في المقام، و ما ورد في صحة العدول إنّما ورد في مورد خاص فلا يشمل ما نحن فيه.

(3) إن كان ذلك لأجل الانصراف فلا وجه له، لأنّه بدويّ. و إن كان لأجل قاعدة الاشتغال، و أصالة عدم الإجزاء فهي محكومة بالإطلاقات، فالأقوى الإجزاء للإطلاقات الظاهرة في أنّ ذلك حكم ذات الحج من حيث هو سواء كان عن نفسه أم عن غيره.

(4) أي: على تقدير عدم جواز العدول لا يجزي و هو معلوم لا يحتاج إلى البيان. و أما على تقدير صحة العدول و الإجزاء فلا ريب في فراغ ذمة المنوب عنه و استحقاق الأجير للأجرة على تفصيل يأتي.

(5) إن كانت الإجارة على تفريغ الذمة شرعا يستحق الأجرة بناء على

ص: 266


1- الوسائل باب: 14 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.

الميت، و لأنّه غير العمل المستأجر عليه (1).

مسألة 25: يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب أيّ واجب كان

(مسألة 25): يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب أيّ واجب كان، و المندوب، بل يجوز التبرع عنه بالمندوب و إن كانت ذمته مشغولة بالواجب، و لو قبل الاستئجار عنه للواجب. و كذا يجوز الاستئجار عنه في المندوب كذلك (2) و أما الحيّ فلا يجوز التبرع عنه في الواجب إلا إذا كان معذورا في المباشرة- لمرض، أو هرم- فإنّه يجوز التبرع عنه (3)، و يسقط عنه وجوب

______________________________

الإجزاء. و أما بناء على عدم الإجزاء فتسقط الأجرة على ما تقدم في [مسألة 17] فراجع.

(1) ظهر مما مرّ أنّ هذا التعليل عليل.

(2) كل ذلك لظهور الإطلاق و الاتفاق، و في خبر ابن عميرة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): بلغني عنك أنّك قلت: لو أنّ رجلا مات و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه، فقال: نعم. أشهد بها على أبي أنّه حدّثني أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أتاه رجل فقال: يا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إنّ أبي مات و لم يحج، فقال له رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) حج عنه فإنّ ذلك يجزي عنه» (1).

و في خبر ابن حبيب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إنّ أبي هلك و هو رجل أعجميّ و قد أردت أن أحج عنه و أتصدّق، فقال: افعل فإنّه يصل إليه» (2) و يشهد له الاعتبار، و ارتكاز الناس أيضا لأنّه تفضل و إحسان محض عرفا، و شرعا، و عقلا.

(3) أما عدم جواز التبرع عنه مع عدم العذر، فلظواهر الأدلة، و قاعدة الاشتغال، و الإجماع. و أما جوازه مع العذر فيشكل أيضا. لأنّ ظاهر الأدلة، تشريع الاستنابة بالنسبة إليه و أنّه يجهز رجلا، و الحكم مخالف للقاعدة فلا بد من الاقتصار

ص: 267


1- الوسائل باب: 26 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب النيابة في الحج حديث: 3.

الاستنابة على الأقوى، كما مرّ سابقا (1) و أما الحج المندوب فيجوز التبرع عنه كما يجوز له أن يستأجر له حتى إذا كان عليه حج واجب لا يتمكن من أدائه فعلا (2) و أما إن تمكن منه فالاستئجار للمندوب قبل أدائه مشكل (3) بل التبرع عنه في الحج المندوب حينئذ أيضا لا يخلو عن إشكال (4) في الحج الواجب.

مسألة 26: لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد

(مسألة 26): لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد (5)، و إن كان الأقوى فيه الصحة. إلا إذا كان وجوبه عليهما على نحو

______________________________

على المنساق من الدليل. نعم، لو كان منه تسبب لذلك يمكن شمول الأدلة له حينئذ.

(1) راجع [مسألة 71] من مسائل اشتراط الاستطاعة.

(2) لإطلاق أدلة التطوع بالحج، و إطلاق ما دل على التسبب للحج الندبي الشامل للاستئجار أيضا، مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه.

(3) يظهر من صاحب الجواهر الاتفاق على الجواز و هو مقتضى الإطلاقات أيضا كخبر أبي بصير قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «من حج فجعل حجته عن ذي قرابته يصله بها كانت حجة كاملة، و كان للذي حج عنه مثل أجره» (1).

و قال في الجواهر: «لا فرق عندنا بين من كان عليه حج واجب- مستقرا كان أم لا- و غيره تمكن من أدائه ففرّط أو لم يفرّط بل يحج بنفسه واجبا و يستنيب غيره في التطوع» فلا وجه للإشكال.

(4) لا إشكال فيه، لظهور الإطلاق و الاتفاق. و ما في بعض النسخ هنا من قوله (رحمه اللّه): «في الحج الواجب» زائد و سهو عن القلم.

(5) للإجماع في الحج الواجب، و قوله (رحمه اللّه): «و إن كان الأقوى الصحة» زائد و لعله كان في آخر المسألة السابقة، و قوله: «هناك في الحج الواجب» هنا فاشتبه الناسخ و غيّره.

ص: 268


1- الوسائل باب: 25 من أبواب النيابة في الحج حديث: 4.

الشركة، كما إذا نذر كل منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحج (1) و أما في الحج المندوب فيجوز حج واحد عن جماعة بعنوان النيابة (2)- كما يجوز بعنوان إهداء الثواب (3)- لجملة من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة أيضا، فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب.

______________________________

ثمَّ إنّه يدل على عدم الجواز صحيح ابن بزيع قال: «أمرت رجلا أن يسأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يأخذ من رجل حجة فلا تكفيه، أ له أن يأخذ من رجل آخر حجة أخرى و يتسع بها و يجزي عنهما جميعا إن لم يكفه إحداهما فذكر أنّه قال: أحبّ إليّ أن تكون خالصة لواحد، فإن كانت لا تكفيه فلا يأخذ» (1).

و أما صحيحة الآخر الآتي في الفرع اللاحق فلا بد من حمله على الحج المندوب أو غيره من المحامل.

(1) لإطلاق أدلة النيابة حينئذ من غير ما يصلح للتقييد من إجماع أو غيره.

(2) أرسله في الجواهر إرسال المسلّمات، و تقتضيه إطلاقات الروايات فعن محمد ابن إسماعيل قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام): كم أشرك في حجتي؟

قال (عليه السلام): كم شئت» (2)، و عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يشرك أباه أو أخاه أو قرابته في حجه، فقال (عليه السلام):

إذا يكتب لك حجا مثل حجهم و تزداد أجرا بما وصلت» (3).

(3) لأنّ الثواب حقه فيجوز له إهداؤه إلى كل من يريد سواء كان ذلك قبل العمل أم حينه أم بعده، و يشهد له خبر الحرث: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام)- و أنا بالمدينة بعد ما رجعت من مكة-: إنّي أردت أن أحج عن ابنتي، قال (عليه السلام): فاجعل ذلك لها الآن» (4).

ص: 269


1- الوسائل باب: 19 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب النيابة في الحج حديث: 3.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.

مسألة 27: يجوز أن ينوب جماعة عن الميت أو الحيّ في عام واحد في الحج المندوب

(مسألة 27): يجوز أن ينوب جماعة عن الميت أو الحيّ في عام واحد في الحج المندوب، تبرعا، أو بالإجارة (1) بل يجوز ذلك في الواجب أيضا، كما إذا كان على الميت- أو الحيّ الذي لا يتمكن من المباشرة لعذر- حجان مختلفان نوعا كحجة الإسلام و النذر أو متحدان من حيث النوع كحجتين للنذر، فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد (2)، و كذا يجوز إذا كان أحدهما واجبا و الآخر مستحبا بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحج واجب واحد (3)- كحجة الإسلام في عام واحد احتياطا- لاحتمال بطلان حج أحدهما. بل و كذا مع العلم بصحة الحج من كل منهما و كلاهما آت بالحج الواجب، و إن كان

______________________________

و يمكن أن يستدل بإطلاقه لصحة جعل نفس الحج لها لا مجرّد ثوابها، و يقتضيه ما تقدم من خبري محمد بن إسماعيل، و هشام.

(1) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و ما تقدم من خبر ابن عيسى اليقطيني قال: «بعث إليّ أبو الحسن الرضا (عليه السلام) رزم ثياب و غلمانا و حجة لأخي موسى بن عبيد، و حجة ليونس بن عبد الرحمن، و أمرنا أن نحج عنه فكانت بيننا مائة دينار أثلاثا فيما بيننا» (1).

و في خبر الديلمي مولى الرضا (عليه السلام) قال: «سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: من حج بثلاثة من المؤمنين فقد اشترى نفسه من اللّه عزّ و جلّ بالثمن و لم يسأله من أين اكتسب ماله من حلال أو حرام» (2).

(2) للأصل، و ظهور الإجماع.

(3) لما مرّ في سابقة، و لأنّه احتياط حسن على كل حال.

ص: 270


1- الوسائل باب: 34 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر، فهو مثل: ما إذا صلّى جماعة على الميت في وقت واحد و لا يضر سبق أحدهما بوجوب الآخر، فإنّ الذمة مشغول ما لم يتم العمل، فيصح قصد الوجوب من كل منهما و لو كان أحدهما أسبق.

شروعا (1).

______________________________

(1) و كذا لو كان أحدهما أسبق ختاما، لأنّ قصد الوجوب طريق إلى ما هو في علم اللّه تعالى من أصل تفريغ الذمة، أو ما يوجب زيادة مراتب القبول و الكمال. فما عن بعض الشراح من أنّه لا يصح قصد الوجوب حينئذ مخدوش، لما عرفت.

ص: 271

فصل في الوصية بالحج

اشارة

فصل في الوصية بالحج

مسألة 1: إذا أوصى بالحج، فإن علم أنّه واجب أخرج من أصل التركة و إن كان بعنوان الوصية

(مسألة 1): إذا أوصى بالحج، فإن علم أنّه واجب أخرج من أصل التركة و إن كان بعنوان الوصية، فلا يقال: مقتضى كونه بعنوانها خروجه من الثلث (1). نعم، لو صرّح بإخراجه من الثلث أخرج منه (2)، فإن و في به، و الا يكون الزائد من الأصل، و لا فرق- في الخروج من الأصل- بين حجة الإسلام، و الحج النذري، و الإفساديّ لأنّه بأقسامه واجب مالي، و إجماعهم قائم على خروج كل واجب مالي من الأصل مع أنّ في بعض الأخبار: إنّ الحج بمنزلة الدّين، و من المعلوم خروجه من الأصل بل الأقوى خروج كل واجب من الأصل و إن كان بدنيا، كما مرّ سابقا (3).

و إن علم أنّه ندبيّ فلا إشكال في خروجه من الثلث (4) و إن لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثلث وجهان: يظهر من سيد

______________________________

فصل في الوصية بالحج

(1) لأنّ ما يخرج من الثلث بالوصية إنّما هو إذا تمحض وجوبه من حيث العمل بالوصية فقط، لا ما إذا وجب الإخراج و لو لم يكن وصية في البين كما في الواجبات المالية الثابت وجوب إخراجها مع عدم الوصية أيضا كالديون، فإنّها تخرج من الأصل أوصى بها أم لا، و لا ثمرة للوصية بالنسبة إليها.

(2) لوجوب العمل بالوصية مهما أمكن.

(3) و مرّ الكلام فيه راجع [مسألة 8] من (فصل الحج النذري).

(4) إجماعا و نصوصا:

ص: 272

الرياض خروجه من الأصل حيث إنّه وجه كلام الصدوق الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل: بأنّ مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجبا أو لا، فإنّ مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية خروجها من الأصل، خرج عنها صورة العلم بكونها ندبيا و حمل الخبر الدال بظاهره على ما عن الصدوق أيضا على ذلك، لكنّه مشكل، فإنّ العمومات مخصصة بما دل على أنّ الوصية بأزيد من الثلث ترد إليه، الا مع إجازة الورثة، هذا مع أنّ الشبهة مصداقية، و التمسك بالعمومات فيها محل إشكال، و أما الخبر المشار إليه- و هو قوله (عليه السلام): «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح، إن أوصى به كله فهو جائز» فهو مرهون بإعراض العلماء عن العمل بظاهره (1) و يمكن أن يكون المراد بماله هو الثلث الذي أمره بيده. نعم، يمكن أن يقال- في مثل هذه الأزمنة،

______________________________

منها: خبر معاوية بن عمار: «في رجل مات و أوصى أن يحج عنه فقال (عليه السلام): إن كان صرورة يحج عنه من وسط المال، و إن كان غير صرورة فمن الثلاث» (1).

و في خبره الآخر قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل مات و أوصى أن يحج عنه قال (عليه السلام) إن كان صرورة فمن جميع المال و إن كان تطوّعا فمن ثلثه» (2).

(1) و معارض بما هو أكثر و أصح، و يكون بعضها شارحا لهذا الخبر، كخبر عمار عن الصادق (عليه السلام): «الميت أحقّ بماله ما دام فيه الروح يبين به، فان قال: بعدي فليس له إلا الثلث» (3) فيحمل إن أوصى به كله فهو جائز على ما نجزه في حياته دون الوصية المحضة بعد وفاته، و يمكن حمل كلام الرياض على الوصية بالواجب ككلام غيره ممن يظهر منه المخالف فلا مخالف حينئذ.

ص: 273


1- الوسائل باب: 25 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب وجوب الحج حديث: 6.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الوصايا حديث: 1.

بالنسبة إلى هذه الأمكنة البعيدة عن مكة- الظاهر من قول: «الموصي حجوا عنّي» هو حجة الإسلام الواجبة، لعدم تعارف الحج المستحبي في هذه الأزمنة و الأمكنة، فيحمل على أنّه واجب من جهة هذا الظهور و الانصراف (1) كما أنّه إذا قال أدوا كذا مقدار خمسا أو زكاة ينصرف إلى الواجب عليه.

فتحصل: أنّ- في صورة الشك في كون الموصى به واجبا حتى يخرج من أصل التركة، أو لا حتى يكون من الثلث- مقتضى الأصل الخروج من الثلث، لأنّ الخروج من الأصل موقوف على كونه واجبا، و هو غير معلوم، بل الأصل عدمه إلا إذا كان هناك انصراف، كما في مثل الوصية بالخمس أو الزكاة أو الحج و نحوها. نعم، لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب- كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقا و لم يعلم أنّه أتى به أو لا- فالظاهر جريان الاستصحاب و الإخراج من الأصل، و دعوى: أنّ ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه و هو فرع شكه، لا شك الوصيّ أو الوارث، و لا يعلم أنّه كان شاكا حين موته أو عالما بأحد الأمرين مدفوعة: بمنع اعتبار شكه، بل يكفي شك الوصي أو الوارث (2) أيضا، و لا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوص، فإنّ مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث. و لكنه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد، لحصول العلم غالبا بأنّ الميت كان مشغول الذمة بدين، أو خمس، أو زكاة، أو حج أو نحو ذلك، الا أن يدفع بالحمل على الصحة (3)، فإنّ ظاهر حال

______________________________

(1) أي: ظهور اللفظ الواقع في الوصية في ذلك و لا ريب في حجية ظواهر الألفاظ.

(2) تقدم في [مسألة 5] من ختام الزكاة بعض الكلام و قد اختار الماتن هناك غير ما اختار في المقام فراجع و تأمل.

(3) إن كان المراد بها ظاهر الحال كما فسرها فهو يختلف باختلاف

ص: 274

المسلم الإتيان بما وجب عليه، لكنّه مشكل في الواجبات الموسعة، بل في غيرها أيضا في غير الموقتة، فالأحوط في هذه الصورة الإخراج من الأصل (1).

مسألة 2: يكفي الميقاتية

(مسألة 2): يكفي الميقاتية (2)، سواء كان الحج الموصى به واجبا أو مندوبا و يخرج الأول من الأصل، و الثاني من الثالث: إلا إذا أوصى بالبلدية، و حينئذ فالزائد عن أجرة الميقاتية في الأول من الثلث كما أنّ تمام الأجرة في الثاني منه.

مسألة 3: إذا لم يعيّن الأجرة، فاللازم الاقتصار على أجرة المثل

(مسألة 3): إذا لم يعيّن الأجرة، فاللازم الاقتصار على أجرة المثل للانصراف إليها، و لكن إذا كان هناك من يرضى بالأقلّ منها وجب استئجاره (3)، إذ الانصراف إلى أجرة المثل إنّما هو نفي الأزيد فقط (4)، و هل

______________________________

الأشخاص. و إن كان المراد بها قاعدة الصحة المعروفة فتبني على جريانها فيما إذا شك في أصل الوجود أيضا كجريانها في صحة الموجود. أما الواجبات الموقتة، فتجري فيها قاعدة عدم اعتبار الشك بعد الوقت، و أما غير الموقتة- موسعة كانت أو غيرها فلا طريق لإحراز الإتيان إلا ظاهر الحال، و قاعدة الصحة. و الأولى لا كلية فيها بل تدور مدار حصول الاطمئنان من القرائن، و الثانية مبنية على جريانها في الشك في أصل الوجود.

(1) بل الأحوط لكبار الورثة أن يخرجوا ذلك من سهامهم.

(2) لأصالة عدم وجوب الزائد عليه، و تقدم الكلام في [مسألة 87] فراجع و حكم بقية المسألة واضح.

(3) مع عدم رضاء الورثة بأجرة المثل، أو وجود الصغار فيهم و مع ذلك فالجزم بالوجوب مشكل، بل مقتضى الأصل عدمه.

(4) مع أنّ الانصراف إنّما يعتنى به مع القرينة على الخلاف، و وجود من يقبل بالأقل قرينة على الخلاف فلا موضوع للانصراف إلا أن يقال: إنّ تعارف أجرة المثل عند الناس بمنزلة أمارة معتبرة و ليس من باب الانصراف، فلا يقدم عليه إلا ما كان أقوى منه و هو مفقود في المقام.

ص: 275

يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده؟ الأحوط ذلك، توفيرا على الورثة، خصوصا مع الظنّ بوجوده. و إن كان في وجوبه إشكال (1) خصوصا مع الظن بالعدم، و لو وجد من يريد أن يتبرّع فالظاهر جواز الاكتفاء به، بمعنى: عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار بل هو المتعيّن (2) توفيرا على الورثة، فإن أتى به صحيحا كفى، و الا وجب الاستئجار (3) و لو لم يوجد من يرضي بأجرة المثل فالظاهر وجوب دفع الأزيد (4) إذا كان الحج واجبا، بل و إن كان مندوبا أيضا مع وفاء الثلث و لا يجب الصبر إلى العام القابل و لو مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل أو أقلّ بل لا يجوز، لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمة الميت في الواجب، و العمل بمقتضى الوصية في المندوب (5) و إن عيّن الموصي مقدارا للأجرة تعيّن و خرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على أجرة المثل، و الا فالزيادة من الثلث كما أنّ في المندوب كله من الثلث.

مسألة 4: هل اللازم في تعيين أجرة المثل الاقتصار على أقلّ الناس أجرة

(مسألة 4): هل اللازم في تعيين أجرة المثل الاقتصار على أقلّ الناس أجرة

______________________________

(1) لأنّ المقام من الشبهات الموضوعية و ظاهرهم عدم وجوب الفحص فيها، مع أنّ الظن غير المعتبر كالعدم، مضافا إلى ما مرّ أنّ تعارف أجرة المثل كالأمارة المعتبرة، و لا وجه للتعدي عنها إلا بما هو أقوى منها، و الظاهر أنّ سيرة المتشرعة على عدم المداقة في مثل ذلك.

(2) ظهر مما تقدم عدم دليل على تعينه، و مقتضى الأصل عدمه. نعم، هو الأحوط.

(3) لأنّ المناط في الأعمال النيابية مطلقا إتيانها صحيحا لا مجرّد وقوع الإجارة عليها كما هو معلوم.

(4) مقدمة لإتيان الواجب و العمل بالوصية.

(5) بناء على وجوب المبادرة بالعمل بالوصية مطلقا حتى فيما لم يكن قرينة معتبرة في البين عليها و إلا فمقتضى الأصل عدم وجوب المبادرة. نعم، لا تجوز المسامحة حتى تصير في معرض الضياع. و يأتي في الوصية ما يرتبط بالمقام.

ص: 276

أو يلاحظ أجرة من يناسب شأن الميت في شرفه وضعته؟ لا يبعد الثاني (1)، و الأحوط الأظهر الأول و مثل هذا الكلام يجري أيضا في الكفن الخارج من الأصل أيضا.

مسألة 5: لو أوصى بالحج و عيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن

(مسألة 5): لو أوصى بالحج و عيّن المرّة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن (2)، و إن لم يعيّن كفى حج واحد (3)، إلا أن يعلم أنّه أراد التكرار، و عليه يحمل ما ورد في الأخبار: من أنّه يحج عنه ما دام له مال كما في الخبرين، أو ما بقي من ثلثه شي ء كما في ثالث (4) بعد حمل الأولين على الأخير من إرادة الثلث من لفظ المال. فما عن الشيخ و جماعة، من وجوب التكرار ما دام الثلث باقيا ضعيف، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من الأخبار: أنّه يجب الحج ما دام يمكن الإتيان به ببقاء شي ء من الثلث بعد العمل بوصايا أخر، و على فرض ظهورها في إرادة التكرار- و لو مع عدم العلم بإرادته- لا بد من طرحها، لإعراض المشهور عنها، فلا ينبغي الإشكال في كفاية حج واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار. نعم، لو أوصى بإخراج الثلث و لم يذكر إلا الحج، يمكن أن

______________________________

(1) لأنّ مراعاة مثل هذه الأمور أهمّ عند نوع الناس من المحافظة على أصل المال خصوصا عند أهل الشرف و الفضيلة، و ربما بعد الاقتصار على الأقلّ عارا و منقصة. و منه يظهر أنّه لا وجه لكون الأول أظهر، و كذا الكلام في جميع ما يخرج من الأصل كالكفن و مؤن التجهيز.

(2) لحجية ظاهر قوله، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(3) للأصل، و لظهور الإطلاق المنطبق على صرف الطبيعة قهرا، و وجوب الزائد عليه يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

(4) أما الأولان فأحدهما خبر الأشعري: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام):

جعلت فداك. إنّي سألت أصحابنا عما أريد أن أسألك عنه فلم أجد عندهم جوابا، و قد اضطررت إلى مسألتك. و إنّ سعد بن سعد أوصى إليّ فأوصى في وصيته حجوا

ص: 277

يقال بوجوب صرف تمامه في الحج، و كذا لو لم يذكر الا المظالم، أو إلا الزكاة، أو إلا الخمس. و لو أوصى أن يحج عنه مكرّرا كفى مرتان، لصدق التكرار معه.

مسألة 6: لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحج سنين معينة

(مسألة 6): لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحج سنين معينة، و عيّن لكل سنة مقدارا معيّنا، و اتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة، صرف نصيب سنتين في سنة، أو ثلاث سنين في سنتين مثلا، و هكذا لا لقاعدة

______________________________

عنّي مبهما و لم يفسر، فكيف أصنع؟ قال (عليه السلام): يأتي جوابي في كتابك.

فكتب لي: يحج عنه ما دام له مال يحمله» (1).

و ثانيهما: خبر محمد بن الحسين قال لأبي جعفر (عليه السلام): «جعلت فداك قد اضطررت إلى مسألتك، فقال: هات. فقلت: سعد بن سعد أوصى حجوا عنّي مبهما و لم يسم شيئا، و لا ندري كيف ذلك؟ قال يحج عنه ما دام له مال» (2).

و الأخير: خبر بن خالد: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أوصى أن يحج عنه مبهما. فقال: حج عنه ما بقي من ثلثه شي ء» (3).

و فيه: أنّها مضافا إلى قصور السند، و إعراض الأصحاب عنها لا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل. فما نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه)- و اختاره في الحدائق من التكرار تحصيلا لليقين بالبراءة، و اعتمادا على هذه الأخبار- لا وجه له، إذ الشك في أصل التكليف لا في الفراغ، و الأخبار موهونة بالضعف و الإعراض، فمقتضى الأصل و الإطلاق عدم وجوب الزائد ما لم يعلم التكرار. و لو أراد كبار الورثة ذلك من سهامهم فلهم ذلك، لأنّه خير محض بالنسبة إلى مورثهم.

ص: 278


1- ورد في الوسائل باب: 16 من أبواب النيابة في الحج ملحق حديث: 1 مع اختلاف بسيط.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب النيابة في الحج حديث: 2.

الميسور، لعدم جريانها في غير مجعولات الشارع (1) بل لأنّ الظاهر من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في الحج و كون تعيين مقدار كل سنة بتخيل كفايته، و يدل عليه أيضا خبر عليّ بن محمد الحصيني (2)، و خبر إبراهيم ابن مهزيار: ففي الأول تجعل حجتين في حجة، و في الثاني تجعل ثلاث حجج في حجتين، و كلاهما من باب المثال (3) كما لا يخفي.

______________________________

(1) فيه أولا: أنّها من المرتكزات العقلائية في الجملة.

و ثانيا: يمكن كون مفادها في المقام من المجعولات الشرعية بدعوى: أنّ المقصود إنّما هو الحج بأيّ نحو تحقق و تعيّن المقدار بقدر معيّن إنّما هو من باب تعدد المطلوب، و تأتي الإشارة إليه في المتن.

(2) الظاهر أنّه خبر ابن مهزيار قال: «كتب إليه عليّ بن محمد الحصيني: إنّ ابن عمّي أوصى أن يحج عنه بخمسة عشر دينارا في كل سنة و ليس يكفي. ما تأمرني في ذلك؟ فكتب (عليه السلام): يجعل حجتين في حجة فإنّ اللّه تعالى عالم بذلك» (1)، و خبره الآخر: «كتبت إليه (عليه السلام): إنّ مولاك عليّ بن مهزيار أوصى أن يحج عنه من ضيعة- صير ربعها لك- في كل سنة حجة إلى عشرين دينارا و إنّه قد انقطع طريق البصرة فتضاعف المؤن على الناس فليس يكتفون بعشرين دينارا. و كذلك أوصى عدة من مواليك في حجهم. فكتب (عليه السلام) يجعل ثلاث حجج حجتين إن شاء اللّه» (2) و هما معتبران من حيث السند، كما اعترف به في الحدائق، و المستدرك. و عن ابن طاوس: إنّ إبراهيم بن مهزيار من السفراء فراجع، مع أنّ في الإجماع كفاية.

(3) فيلحق بما ذكر فيهما غيرهما أيضا. و تتم الكلية التي تعرّض لها الفقهاء، و ادعوا تسالمهم عليها.

ص: 279


1- الوسائل باب: 3 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب النيابة في الحج حديث: 2.

هذا، و لو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجة، فهل ترجع ميراثا أو في وجوه البر أو تزاد على أجرة بعض السنين؟ وجوه (1) و لو كان الموصى به الحج من البلد، و دار الأمر بين جعل أجرة سنتين مثلا لسنة، و بين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكل سنة، ففي تعيين الأول أو الثاني، وجهان، و لا يبعد التخيير (2)، بل أولوية الثاني الا أنّ مقتضى إطلاق الخبرين الأول. هذا كله إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحج بذلك المقدار على وجه التقييد، و الا فتبطل الوصية (3)، إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير، أو كانت الوصية مقيدة بسنين معينة.

مسألة 7: إذا أوصى بالحج و عيّن الأجرة في مقدار

(مسألة 7): إذا أوصى بالحج و عيّن الأجرة في مقدار فإن كان الحج واجبا، و لم يزد ذلك المقدار عن أجرة المثل أو زاد و خرجت الزيادة من الثلث

______________________________

(1) وجه الأول: أنّه مال لا مصرف معيّن له من الميت، فتشمله عموم ما تركه الميت فلوارثه.

و وجه الثاني: أنّ تعين الحج و المقدار كل منهما من باب تعدد المطلوب لكل بر يصل نفعه إلى الميت.

و وجه الأخير: أنّ تعين المقدار من باب تعدد المطلوب و الا فالمطلوب هو الحج بأيّ مقدار حصل و يأتي في [مسألة 9] أنّ المتعيّن هو الوسط فيصرف في وجوه البر، و لو انطبق ذلك على زيادة أجرة الأجير في الحج في بعض السنين لجمع فيه الوجهان.

و يمكن اختلاف ذلك باختلاف الموارد و الأشخاص.

(2) وجه الأول إطلاق الخبرين. و وجه الثاني أنّ تعدد الحج أولى من حجة واحدة مثلا. و وجه التخيير عدم ثبوت الترجيح بين الاحتمالين و لكن ذلك كله اجتهاد.

في مقابل النص، إذ مع وجود الإطلاق لا وجه للتخيير و لا الحج من الميقات.

(3) أي: بالنسبة إلى الحج لتعذر العمل بها فيصرف المال في وجوه البر حينئذ.

ثمَّ إنّه مع بطلان الوصية لا مورد للتمسك بالخبرين كما لا يخفى.

ص: 280

تعيّن (1) و إن زاد و لم تخرج الزيادة من الثلث بطلت الوصية (2). و يرجع إلى أجرة المثل و إن كان الحج مندوبا فكذلك تعيّن أيضا مع وفاء الثلث بذلك المقدار، و الا فبقدر وفاء الثلث، مع عدم كون التعيين على وجه التقييد و إن لم يف الثلث بالحج، أو كان التعيين على وجه التقييد بطلت الوصية، و سقط وجوب الحج (3).

مسألة 8: إذا أوصى بالحج و عيّن أجيرا معيّنا تعيّن استئجاره بأجرة المثل

(مسألة 8): إذا أوصى بالحج و عيّن أجيرا معيّنا تعيّن استئجاره بأجرة المثل، و إن لم يقبل إلا بالأزيد، فإن خرجت الزيادة من الثلث تعيّن أيضا، و الا بطلت الوصية و استؤجر غيره بأجرة المثل في الواجب مطلقا، و كذا في المندوب إذا و في به الثلث، و لم يكن على وجه التقييد و كذا إذا لم يقبل أصلا (4).

مسألة 9: إذا عيّن للحج أجرة لا يرغب فيها أحد و كان الحج مستحبا بطلت الوصية إذا لم يرج وجود راغب فيها

(مسألة 9): إذا عيّن للحج أجرة لا يرغب فيها أحد و كان الحج مستحبا بطلت الوصية إذا لم يرج وجود راغب فيها. و حينئذ فهل ترجع ميراثا، أو تصرف في وجوه البر (5)، أو يفصل بين ما إذا كان كذلك من الأول فترجع ميراثا أو كان الراغب موجودا إذا طرأ التعذر؟ وجوه. و الأقوى هو الصرف في وجوه البر، لا لقاعدة الميسور، بدعوى: أنّ الفصل إذا تعذر يبقى الجنس-

______________________________

(1) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله أدلة إنقاذ الوصية. و المراد بخروج الزيادة من الثلث وفاؤه بالزيادة مع عدم المزاحم.

(2) مع عدم إمضاء كبار الورثة من سهامهم. و وجه بطلان الوصية حينئذ تعذر العمل بها فتبطل قهرا.

(3) و تصرف في وجوه البر كما عرفت.

(4) ظهر مما تقدم وجه هذه المسألة، فلا مورد للتكرار.

(5) و هو الذي تقتضيه مرتكزات المتشرعة، و يستفاد من أخبار متفرّقة واردة في أبواب مختلفة.

ص: 281

لأنّها قاعدة شرعية (1) و إنّما تجري في الأحكام الشرعية المجعولة للشارع، و لا مسرح لها في مجعولات الناس، كما أشرنا إليه سابقا، مع أنّ الجنس لا يعد ميسورا للنوع (2)، فمحلها المركبات الخارجية إذا تعذر بعض أجزائها و لو كانت ارتباطية- بل لأنّ الظاهر من حال الموصي (3)- في أمثال المقام- إرادة عمل ينفعه، و إنّما عين خاصّا لكونه أنفع في نظره من غيره، فيكون تعيينه لمثل الحج على وجه تعدد المطلوب و إن لم يكن متذكرا لذلك حين الوصية.

نعم، لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللب أيضا يكون الحكم فيه الرجوع إلى الورثة (4) و لا فرق في الصورتين بين كون العذر طارئا أو من الأول (5) و يؤيد ما ذكرنا: ما ورد من الأخبار في نظائر المقام، بل يدل عليه

______________________________

(1) تقدم أنّها في الجملة من المرتكزات العقلائية لا أن تكون تعبدية محضة.

(2) ليس في المقام جنس و لا نوع حقيقيّ، بل نوع واحد و هو البر و جميع أنحاء البر داخل فيه و يكون من أفراده و العرف يساعد عليه أيضا، مع أنّ المناط صدق الميسور فمع صدقه تجري القاعدة و لو كان من الجنس و الفصل، و مع عدم الصدق لا تجري و لو كان في خصوصيات الفرد، و ذلك يختلف باختلاف الموارد.

(3) هذا الظاهر أيضا مما يؤيد جريان قاعدة الميسور في المقام، و كذا ما في الأخبار، فعن ابن الريّان قال: «كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن إنسان أوصى بوصية، فلم يحفظ الوصيّ إلا بابا واحدا، كيف يصنع بالباقي؟ فوقع (عليه السلام) الأبواب الباقية اجعلها في وجوه البر» (1).

(4) لصدق أنّه مما تركه الميت فيشمله ما دل على أنّه لوارثه بعد عدم مورد للوصية، و عدم صحة التصرف في وجوه البر، لفرض تحقق التقييد الحقيقي، و عدم إرادة تعدد المطلوب.

(5) لجريان «قاعدة الميسور» فيهما إن كان ذلك من باب تعدد المطلوب،

ص: 282


1- الوسائل باب: 61 من أبواب الوصايا حديث 1.

خبر عليّ بن سويد (1) عن الصادق (عليه السلام) قال: «قلت مات رجل فأوصى بتركته أن أحج بها عنه، فنظرت في ذلك فلم تكف للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا تصدق بها، فقال (عليه السلام) ما صنعت؟ قلت:

تصدّقت بها. فقال (عليه السلام): ضمنت إلا أن لا تكون تبلغ أن يحج بها من مكة فأنت ضامن».

و يظهر مما ذكرنا حال سائر الموارد التي تبطل الوصية لجهة من الجهات (2)، هذا في غير ما إذا أوصى بالثلث و عيّن له مصارف و تعذر

______________________________

و جريان «إنّ ما تركه الميت فهو لوارثه» إن كان بعنوان التقييد الحقيقي، و بطلان أصل الوصية، و عدم موضوع للصرف في وجوه البر.

(1) لم نجد عليّ بن سويد فيما تفحصت في كتب الأحاديث، و نذكر تمام الحديث عن الكافي عن عليّ بن فرقد قال: «أوصى إليّ رجل بتركته و أمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فإذا شي ء يسير لا يكفي للحج فسألت أبا حنيفة، و فقهاء أهل الكوفة فقالوا: تصدق بها عنه فلما حججت لقيت عبد اللّه بن الحسن في الطواف، فسألته و قلت له: إنّ رجلا من مواليكم من أهل الكوفة مات و أوصى بتركته إليّ و أمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف للحج فسألت من قبلنا من الفقهاء فقالوا: تصدّق بها فتصدّقت بها فما تقول؟ فقال لي: هذا جعفر بن محمد في الحجر فأته و اسأله قال: فدخلت الحجر فإذا أبو عبد اللّه (عليه السلام) تحت الميزاب مقبل بوجهه على البيت يدعو ثمَّ التفت إليّ فرآني فقال (عليه السلام): ما حاجتك، قلت جعلت فداك إنّي رجل من أهل الكوفة من مواليكم فقال (عليه السلام): دع ذا عنك. حاجتك؟ قلت: رجل مات و أوصى بتركته أن أحج بها (1) .. كما في المتن-».

(2) لكون الحكم مطابقا للقاعدة على كلا الفرضين من كون المقصود من باب

ص: 283


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الوصايا، و في الوافي ج 13 صفحة: 16.

بعضها، و أما فيه فالأمر أوضح (1)، لأنّه بتعيينه الثلث لنفسه أخرجه عن ملك الوارث بذلك فلا يعود إليه.

مسألة 10: إذا صالحه على داره مثلا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح و لزم

(مسألة 10): إذا صالحه على داره مثلا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح و لزم، و خرج من أصل التركة و إن كان الحج ندبيا، و لا يلحقه حكم الوصية (2) و يظهر من المحقق القمّي (رحمه اللّه) في نظير المقام إجراء حكم الوصية عليه (3)، بدعوى: أنّه بهذا الشرط ملك عليه الحج، و هو عمل له أجرة، فيحسب مقدار أجرة المثل لهذا العمل، فإن كانت زائدة عن الثلث توقف على إمضاء الورثة.

______________________________

تعدد المطلوب، و كونه من التقييد الحقيقي.

(1) لحكم المتشرعة بأنّ ذلك من الوصية المعهودة، و يكون من تعدد المطلوب بحسب أنظارهم. و أما تعليل الماتن فهو مخدوش، لأنّه مع كون المورد من تعدد المطلوب يصرف في البر، مع بطلان الوصية، و مع كونه من التقييد الحقيقيّ يرجع إلى الورثة على أيّ حال.

(2) لأنّه تصرّف في ماله فعلا في حال حياته و تمليك فعليّ للغير مع الشرط.

و الوصية تمليك للمال بعد الممات و تصرف في ماله بعده.

(3) الاحتمالات في مثل هذه الأمور أربعة: الأول أنّها تمليك فعليّ منجز و استفادة من المالك بماله في حياته في زمان الحياة و لا ربط لها بالوصية أصلا فيكون كبيع شي ء في زمان الحياة لشخص بشرط أن يستغفر له بعد الممات.

الثاني: أنّها عبارة عن الوصية المحضة كسائر الوصايا المتعارفة.

الثالث: الشك في أنّها من أيّهما.

الرابعة: تركبها من التمليك الفعليّ و الوصية، و مقتضى التمليك الفعليّ عرفا هو الوجه الأول، و الثالث يكون بحكمه أيضا، لقاعدة السلطنة بعد ظهور التمليك في الفعلية و عدم جواز التمسك بأدلة الوصية، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و أما الأخير فله أقسام: فتارة: ترد الوصية على التمليك الفعلي.

ص: 284

و فيه: أنّه لم يملك عليه الحج مطلقا في ذمته ثمَّ أوصى أن يجعله عنه بل إنّما ملك بالشرط الحج عنه، و هذا ليس مالا تملكه الورثة (1)، فليس تمليكا و وصية، و إنّما هو تمليك على نحو خاص (2) لا ينتقل إلى الورثة. و كذا الحال

______________________________

و أخرى: بالعكس. و ثالثة: يكونان في عرض واحد.

و في الأولى: يجري عليه حكم التمليك الفعلي و لا حق للورثة فيه، و كذا في الأخيرة لقاعدة السلطنة بعد صدق التمليك الفعلي فيه أيضا، و عدم جواز التمسك بأدلة الوصية، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و أما الثانية: فمقتضى أصالة بقاء الوصية بعد حدوثها إجراء حكم الوصية عليه، للشك في أنّ هذا النحو من التمليك اللاحق لها يخرجها عن حقيقة الوصية أم لا.

ثمَّ إنّه يمكن أن يجعل النزاع بين المحقق القمي (رحمه اللّه) و غيره صغرويا، لاتفاقهما على أنّه ليست من الوصية إن كان تمليكا فعليا بالشرط، و يكون منها إن كان عهدا إليه بالحج مثلا، و ذلك يختلف باختلاف الموارد و التعبيرات و سائر الخصوصيات.

(1) لتحقق التمليك بالغير في ظرف الحياة، و تخصص نفس المورّث به، و استفادة عوض ماله لنفسه، فالمراد بقوله (رحمه اللّه): ليس مالا أي: المالية الخاصة التي تكون مورد إرث الورثة لا نفي أصل المالية رأسا، و الشك في كونه مما تركه الميت يكفي في عدم شمول أدلة الإرث له، لكون التمسك بها حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

(2) التمليك الفعلي متحقق قطعا و هو صحيح، لقاعدة السلطنة، و كونه من الوصية مشكوك فلا تشمله أدلتها، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، بل يشكل التمسك بأدلة الإرث أيضا، لأنّه يعد مثل ذلك نحو استفادة من المالك بماله في حياته فقد استوفى عوض ماله، فلم يبق شي ء للورثة حتى يدخل في ملكهم بأدلة الإرث

ص: 285

إذا ملكه داره بمائة تومان مثلا (1)، بشرط أن يصرفها في الحج عنه أو عن غيره، أو ملكه إيّاها بشرط أن يبيعها و يصرف ثمنها في الحج أو نحوه فجميع ذلك صحيح لازم من الأصل (2) و إن كان العمل المشروط عليه ندبيا. نعم، له الخيار عند تخلف الشرط و هذا ينتقل إلى الوارث، بمعنى: أنّ حق الشرط ينتقل إلى الوارث فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن يفسخ المعاملة (3).

مسألة 11: لو أوصى بأن يحج عنه ماشيا أو حافيا صح

(مسألة 11): لو أوصى بأن يحج عنه ماشيا أو حافيا صح، و اعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبيا، و خروج الزائد عن أجرة الميقاتية عنه إن كان واجب (4) و لو نذر في حال حياته أن يحج ماشيا أو حافيا، و لم يأت به حتى

______________________________

(1) لجريان جميع ما تقدم فيه أيضا، و عدم صحة التمسك بأدلة الوصية و الإرث.

و توهم: أنّ هذا الشرط عهد منه و العهد هو الوصية كما يأتي في كتاب الوصية (مدفوع)- أولا: بعد كون الشرط هو العهد بل إنّما هو الإلزام و التثبت. و ثانيا: على فرض كونه عهدا فليس كل عهد هو الوصية.

(2) أما الصحة، فلقاعدة السلطنة. و أما اللزوم فلأصالة اللزوم فيما يملك.

و أما عدم الانتقال إلى الورثة و عدم كونه من الوصية فيكفي في عدم ترتب آثارهما الشك في كونه من مواردهما، مضافا إلى الصدق العرفي في عدم كونه منهما، و أنّه استفادة من المالك بماله و استيفاء عوض ملكه.

(3) يمكن أن يقال: إنّه لا ينتقل هذا الحق إلى الورثة، لأنّه شرط عليهم لا أن يكون لهم، فقد قطع سلطنتهم المورث عن هذا المال، بل هو من شؤون الحاكم الشرعي من باب ولاية الحسبة، فالأحوط للورثة الرجوع إليه.

(4) أما أصل صحة مثل هذه الوصية، فلعموماتها، و إطلاقاتها. و أما الخروج من الثلث في المندوب مع عدم إجازة الورثة فلأنّه من خصوصيات الوصية في غير

ص: 286

مات، و أوصى به أو لم يوص، وجب الاستئجار عنه من أصل التركة (1) كذلك. نعم، لو كان نذره مقيّدا بالمشي ببدنه أمكن أن يقال: بعدم وجوب الاستئجار عنه، لأنّ المنذور هو مشيه ببدنه، فيسقط بموته، لأنّ مشي الأجير ليس ببدنه ففرق بين كون المباشرة قيدا في المأمور به أو موردا (2).

مسألة 12: إذا أوصى بحجتين أو أزيد

(مسألة 12): إذا أوصى بحجتين أو أزيد: و قال: إنّها واجبة عليه، صدق، و تخرج من أصل التركة (3). نعم، لو كان إقراره بالوجوب عليه في

______________________________

الواجب المالي، كما يأتي في محله، و كذا خروج ما به التفاوت مطلقا، فإنّه يخرج من الثلث، لعدم كونه من الواجب المالي بل هو تبرعيّ محض.

(1) لما تقدم من أنّ الحج الواجب بالنذر يخرج من الأصل.

(2) الأقسام خمسة:

فتارة يكون المشي مقيدا بنفسه فقط فلا يجب الاستئجار حينئذ.

و أخرى: يكون مطلوبا بنفسه أعمّ من بدنه و أجيره فيجب القضاء حينئذ ماشيا.

و ثالثة: يكون طريقا محضا للوصول إلى الحج و لا مطلوبية له في نفسه أصلا لا لنفسه و لا بنفسه، و الظاهر جواز الاستئجار راكبا حينئذ أيضا.

و رابعة: يشك في أنّه من أيّ الأقسام مع إحراز وجوب الحج و أصل الحج حينئذ واجب و الكيفية مشكوكة فيرجع فيها إلى البراءة.

و خامسة: يشك في أنّه بالنسبة إلى أصل الحج من أيّ الأقسام و الظاهر عدم وجوب الاستئجار أصلا، لاحتمال أن يكون من القسم الأول، فيكون الشك في أصل التكليف، و تجري أصالة البراءة. و الأحوط لكبار الورثة الاستئجار من سهامهم.

(3) لسيرة المتشرعة بل العقلائية على القبول في الأخبار بما يتعلق بالنفس مطلقا، و ظاهرهم الإجماع عليه، و يشمله عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

ص: 287

مرض الموت، و كان متهما في إقراره، فالظاهر أنّه كالإقرار بالدّين فيه، في خروجه من الثلث إذا كان متهما على ما هو الأقوى (1).

مسألة 13: لو مات الوصيّ بعد ما قبض من التركة أجرة الاستئجار

(مسألة 13): لو مات الوصيّ بعد ما قبض من التركة أجرة الاستئجار، و شك في أنّه استأجر الحج قبل موته أو لا؟ فإن مضت مدّة يمكن الاستيجار فيها، فالظاهر حمل أمره على الصحة مع كون الوجوب فوريا منه (2)، و مع كونه موسعا إشكال (3) و إن لم تمض مدّة يمكن الاستئجار فيها وجب

______________________________

و الإشكال عليه بأنّه موجب لضياع حق الورثة (مدفوع) بأنّه لا بأس به كما في إقرار المفلس بعد الحجر عليه بدين سابق، و كما في الإقرار في مرض الموت مع عدم الاتهام، و السرّ فيه أنّ حق الورثة لا اقتضائيّ و الإقرار الجامع للشرائط اقتضائيّ فلا تنافي بينهما، و يأتي في كتاب الحجر، و الإقرار، و الوصية ما ينفع المقام.

(1) لأنّ وجود الاتهام يوجب الشك في اعتباره. هذا الإقرار إلا في المتيقن من مورده و هو الثلث.

(2) لقاعدة الصحة. و ما يقال: من أنّه يعتبر في مجراها صدور فعل منه و مع عدمه فلا مجرى لها (مدفوع):

أولا: إنّ مقتضى بعض الإطلاقات عدم اعتباره.

و ثانيا: قبض الوصي المال- بعنوان الوفاء بالوصية- فعل صدر منه خصوصا مع كون الوجوب فوريا فيحمل على الصحة. و لكن هذا الحكم على إطلاقه مشكل جدّا خصوصا في هذه الأزمنة التي استولى الفساد على أهلها فمن أحسن الظن بأحد فقد غرّر كما في الخبر (1).

و يمكن أن يجعل هذا النزاع لفظيا فمن يقول بعدم اعتبار صدور الفعل أي:

إذا حصل الوثوق من سائر القرائن. و من يقول بالاعتبار أي: إذا كان طريق حصول الوثوق منحصرا به.

(3) من أنّ مقتضى ظاهر حال المسلم المبادرة إلى أداء حقوق الناس مطلقا.

ص: 288


1- نهج البلاغة باب المختار: 114.

الاستئجار من بقية التركة إذا كان الحج واجبا، و من بقية الثلث إذا كان مندوبا (1) و في ضمانه لما قبض و عدمه- لاحتمال تلفه عنده بلا ضمان- وجهان (2). نعم، لو كان المال المقبوض موجودا أخذ حتى في الصورة الأولى، و إن احتمل أن يكون استأجر من مال نفسه إذا كان مما يحتاج إلى بيعه و صرفه في الأجرة، و تملك ذلك المال بدلا عما جعله أجرة، لأصالة بقاء ذلك المال على ملك الميت (3).

مسألة 14: إذا قبض الوصيّ الأجرة و تلفت في يده بلا تقصير لم يكن ضامنا

(مسألة 14): إذا قبض الوصيّ الأجرة و تلفت في يده بلا تقصير لم يكن ضامنا و وجب الاستئجار من بقية الثلث و إن اقتسمت على الورثة استرجع

______________________________

و من أنّ التوسعة قرينة على عدم المبادرة بلا محذور في التأخير، فلا يتحقق مورد الحمل على الصحة.

(1) أما أصل وجوب الاستئجار، فلوجوب العمل بالوصية مطلقا. و أما كونه من بقية التركة في الحج الواجب، فلخروجه من الأصل، و أما في المندوب، فيخرج من الثلث كما هو واضح معلوم.

(2) من عموم على اليد. و من أصالة البراءة بعد عدم جريان قاعدة اليد من جهة الاستئمان في الإجارة و يأتي منه (رحمه اللّه) في المسألة التالية عدم الضمان، و يأتي في أحكام المعاملات أنّ التضمين ينافي التأمين مطلقا.

(3) مع إحراز عدم الإتيان بالحج يكون المال مال الميت. و أما مع الشك في الإتيان بالحج و حمل أمره على الصحة و الحكم بوقوع الحج بحسب الظاهر فلا وجه لكون المال باقيا على ملك الميت، لعدم جريان أصالة بقاء المال على ملكه مع وجود الأصل الموضوعي في البين و هو الحمل على الصحة.

إن قلت: إن المفروض توقف الحج على التصرف في المال و مع عدمه يحرز عدم الإتيان بالحج.

(قلت): هذا غير الصورة الأولى لأنّها فيما إذا شك في الإتيان به، و هذا صورة إحراز عدم الإتيان به فالأقسام ثلاثة:

ص: 289

منهم (1). و إن شك في كون التلف عن تقصير أو لا، فالظاهر عدم الضمان أيضا (2) و كذا الحال إن استؤجر و مات الأجير و لم يكن له تركة، أو لم يمكن الأخذ من ورثته (3).

مسألة 15: إذا أوصى بما عنده من المال للحج ندبا

(مسألة 15): إذا أوصى بما عنده من المال للحج ندبا، و لم يعلم أنّه يخرج من الثلث أو لا، لم يجز صرف جميعه (4). نعم، لو ادعى أنّ عند الورثة ضعف هذا أو أنّه أوصى سابقا بذلك و الورثة أجازوا وصيته، ففي سماع دعواه و عدمه وجهان (5).

______________________________

فتارة: أحرز الإتيان بالحج بحسب القرائن و لا ريب في خروج المال عن ملك الميت. و أخرى: يشك فيه، و مقتضى جريان أصالة الصحة أنّ حكمه حكم القسم الأول. و ثالثة: يحرز بحسب القرائن عدم الإتيان به و لا ريب في بقاء المال على ملك الميت.

(1) أما عدم الضمان، فلأنّه أمين و لا معنى لتضمين الأمين. و أما وجوب الاستئجار، فلوجوب العمل الوصية، و أما الاسترجاع فلانكشاف بطلان القسمة و عدم انتقال تمام المال إلى الورثة.

(2) لظهور حال المسلم في عدم التقصير، و أصالة البراءة عن الضمان.

(3) فمع كون التلف بلا تقصير لا ضمان في البين، لأنّه أمين كانت له تركة أو لا، أمكن الأخذ من ورثته أو لا، و كذا مع الشك في تقصيره، لأصالة البراءة عن الضمان. نعم، إن علم تقصيره يؤخذ من تركته. و مع عدم تركة له أو عدم إمكان الأخذ من ورثته وجب الاستئجار من بقية تركة الموصي أو بقية ثلثه.

(4) لاحتمال كونه زائدا على الثلث، فيتوقف على إجازة الورثة. نعم، لو كان الموصي متوجها إلى هذه الجهة و مع ذلك أوصى بما عنده من المال يحمل فعله على الصحة حينئذ.

(5) من أنّه دعوى بالنسبة إلى الورثة فلا تسمع إلا بالبينة. و من أنّه إخبار بما في يده فيسمع، و الحق أنّه بالنسبة إلى عمل الوصي مسموع. و أما بالنسبة إلى

ص: 290

مسألة 16: من المعلوم أنّ الطواف مستحب مستقلا

(مسألة 16): من المعلوم أنّ الطواف مستحب مستقلا (1) من غير أن يكون في ضمن الحج، و يجوز النيابة فيه عن الميت، و كذا عن الحيّ إذا كان غائبا عن مكة (2)، أو حاضرا و كان معذورا في الطواف بنفسه (3) و أما مع

______________________________

الورثة فلا بد من المحاكمة عند الحاكم الشرعي.

(1) للنصوص، و الإجماع قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن عمار:

«إنّ اللّه تعالى جعل حول الكعبة عشرين و مائة رحمة، منها ستون للطائفين» (1).

(2) نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «من وصل أبا أو ذا قرابة له، فطاف عنه، كان له أجره كاملا، و للذي طاف عنه مثل أجره، و يفضل هو- بصلته إياه- بطواف آخر» (2) و عقد في الوسائل في الطواف عن المعصومين (عليهم السلام) أحياء و أمواتا بابا فراجع (3)، و عن ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أطوف عن الرجل و المرأة و هما بالكوفة قال (عليه السلام):

نعم» (4).

(3) إجماعا، و نصوصا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح حريز:

«المريض المغلوب، و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف عنه» (5).

و صحيح معاوية بن عمار: «و المبطون يرمى، و يطاف عنه، و يصلّى عنه» (6).

و في خبر الخثعمي (7) عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أن يطاف عن المبطون، و الكسير» إلى غير ذلك من الروايات و يأتي التفصيل في أحكام الطواف.

ص: 291


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الطواف حديث: 3.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب النيابة في الحج حديث: 2.
3- راجع الوسائل باب: 26 من أبواب النيابة في الحج.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
5- الوسائل باب: 49 من أبواب الطواف حديث: 1.
6- الوسائل باب: 49 من أبواب الطواف حديث: 6.
7- الوسائل باب: 49 من أبواب الطواف حديث: 5.

كونه حاضرا و غير معذور فلا تصح النيابة عنه (1). و أما سائر أفعال الحج فاستحبابها مستقلا غير معلوم حتى مثل السعي بين الصفا و المروة (2).

______________________________

(1) للنص، و الإجماع ففي مرسل ابن أبي نجران عن الصادق (عليه السلام) قال: «قلت له: الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكة قال (عليه السلام) لا، و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب عن مكة، قال: قلت و كم مقدار الغيبة؟ قال (عليه السلام): عشرة أميال» (1).

و في خبر ابن عبد الخالق قال: «كنت إلى جنب أبي عبد اللّه (عليه السلام) و عنده ابنه عبد اللّه، و ابنه الذي يليه، فقال له رجل: أصلحك اللّه تعالى يطوف الرجل عن الرجل و هو مقيم بمكة ليس به علة؟ فقال (عليه السلام): لا، لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني فلانا فطاف عنّي. سمّى الأصغر و هما يسمعان» (2)، فيقيد بذلك إطلاق ما دل على صحة النيابة في الطواف.

(2) لأصالة عدم الاستحباب، و أصالة عدم المشروعية بقصده، و لكن الظاهر أنّ الأضحية مستحبة نفسا، لقول أبي جعفر (عليه السلام): «الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير و هي سنة» (3).

و عن عليّ (عليه السلام) في خبر ابن هاني: «لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا و ضحوا إنّه ليغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر من دمها» (4).

و أما السعي فظاهرهم عدم الاستحباب النفسي فيه إلا في مورد واحد و هو ما إذا علم أنّه سعى ثمانية أشواط فإنّه يستحب أن يضيف إليها ستا و يمكن أن يستفاد من بعض الأخبار رجحانه، كقول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في خبر ابن قيس

ص: 292


1- الوسائل باب: 18 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب الطواف حديث: 1.
3- ورد في الوسائل باب: 60 من أبواب الذبح حديث: 3.
4- الوسائل باب: 64 من أبواب الذبح حديث: 3.

مسألة 17: لو كان عند شخص وديعة، و مات صاحبها و كان عليه حجة الإسلام

(مسألة 17): لو كان عند شخص وديعة، و مات صاحبها و كان عليه حجة الإسلام، و علم أو ظنّ (1) أنّ الورثة لا يؤدون عنه إن ردها إليهم، جاز بل وجب أن يحج بها (2) عنه، و إن زادت أجرة الحج رد الزيادة إليهم لصحيحة بريد: «عن رجل استودعني مالا فهلك، و ليس لوارثه شي ء و لم يحج

______________________________

لرجل من الأنصار: «إذا سعيت بين الصفا و المروة كان لك عند اللّه تعالى أجر من حج ماشيا من بلاده، و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة» (1).

و عن أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: ما من بقعة أحبّ إلى اللّه تعالى من المسعى، لأنّه يذل فيه كل جبار» (2) لو لم يحمل ذلك كله على السعي الواجب.

(1) المراد على حصول الاطمئنان العادي. و بذلك يمكن أن يجمع بين كلمات من عبّر بالعلم و من عبّر بالظن من الفقهاء، إذ ليس المراد بالظن أي ظن و لو لم يكن معتبرا.

(2) البحث في هذه المسألة تارة: بحسب القاعدة. و أخرى: بحسب الدليل الخاص. أما بحسب القاعدة فيجوز في ظرف امتناع الورثة عن الأداء، لأنّه إحسان محض وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (3)، و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (4)، و قوله (عليه السلام): «اللّه في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه» (5) بلا فرق فيه بين جميع الحقوق الواجبة المالية حجا كان أو غيره، كما لا فرق فيه بين بقاء التركة على ملك الميت. أو انتقالها إلى الورثة.

أما على الأول: فلا إشكال فيه للقطع برضاء الميت به و كذا على الثاني، لأنّ الانتقال إليهم في مقدار دين الميت لا موضوعية فيه أبدا، بل هو طريق لتفريغ ذمة

ص: 293


1- الوسائل باب: 1 من أبواب السعي حديث: 15.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب السعي حديث: 14.
3- سورة آل عمران، الآية 148.
4- سورة التوبة، الآية 91.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف حديث: 2.

حجة الإسلام قال (عليه السلام): حج عنه و ما فضل فأعطهم» و هي و إن كانت مطلقة الا أنّ الأصحاب قيّدوها بما إذا علم أو ظنّ بعدم تأديتهم لو دفعها إليهم (1) و مقتضى إطلاقها عدم الحاجة إلى

______________________________

الميت لأجل كونهم أولى به، فإذا علم امتناعهم لا معنى لمراعاة حق، أولويتهم، مع أنّ هذه الأمور مورد رضاء جميع الورّاث بالنسبة إلى مورثهم نوعا، و من لم يرض منهم بها خارج عن المتعارف. و يمكن دعوى عدم شمول ما دل على اعتبار رضاء الورثة لما هو خارج عن المتعارف بالنسبة إلى الحقوق الواجبة على الميت، و التمسك بإطلاق الأدلة في مثله تمسك بالعام في الموضوع المشكوك، كما أنّ مقتضى أنّه إحسان محض عدم الاحتياج إلى إذن الحاكم خصوصا مع إطلاق ما تقدم من الآية و الرواية. نعم، لو احتمل صيرورة ذلك منشأ للحجاج و الخصومة يحتاج حينئذ إلى إذن الحاكم، لأنّ إذنه قاطع لها و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

و أما الثاني: فهو صحيح بريد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل .. إلخ- كما في المتن» (1) و هو موافق لما قلناه من القاعدة أيضا فلا مجال للمناقشة في المسألة، مع أنّه يظهر منهم الإجماع على الحكم في الجملة فأصل الجواز مسلّم، و أما الوجوب فلظاهر الأمر في صحيح بريد، و احتمال كونه في مقام توهم الحظر لا يعتنى به، لأنّه مجرّد الاحتمال الذي يكون خلاف الظاهر.

(1) و يمكن منع إطلاق الصحيح أيضا، فإنّه لو علم منهم الأداء لا وجه لسؤال ذلك عن الإمام (عليه السلام) خصوصا مثل بريد الذي هو من الفضلاء الأعيان، بل يبادرون بفطرتهم إلى إعطاء المال إلى الورثة و لا يتحمّلون مشقة الاستنابة، فالتقييد بالاطمئنان بعدم الأداء سياقيّ عرفيّ و لا نحتاج إلى تقييد الأصحاب و دعوى الإجماع عليه.

ص: 294


1- الوسائل باب: 13 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.

الاستئذان (1) من الحاكم الشرعيّ (2).

و دعوى: أنّ ذلك للإذن من الإمام (عليه السلام) كما ترى، لأنّ الظاهر من كلام الإمام (عليه السلام) بيان الحكم الشرعيّ، ففي مورد الصحيحة لا حاجة إلى الإذن من الحاكم و الظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شي ء و كذا عدم الاختصاص بحج الودعي بنفسه، لانفهام الأعمّ من ذلك (3) منها، و هل يلحق بحجة الإسلام غيرها من أقسام الحج الواجب أو غير الحج من سائر ما يجب عليه مثل: الخمس و الزكاة، و المظالم،

______________________________

(1) إلا في مورد معرضية المورد للخصومة و اللجاج فيحتاج إلى الإذن لقطع ذلك عما بينهم.

فرع: لو كان للميت أموال عند جمع و علم كل منهم بعدم أداء الورثة حج ميتهم و حج كل واحد منهم عن الميت مع عدم اطلاعه على غيره فهل يصح حج كلهم نيابة أو يستخرج بالقرعة؟ الظاهر هو الأخير، و حينئذ يجب على البقية رد المال إلى الورثة.

(2) لا منافاة بين كونه بيانا للحكم و إذنا أيضا، و لو لم يكن هذا إذنا، فقوله تعالى وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، و قوله (عليه السلام): «اللّه في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه» (1) إذن من الشارع في الإحسان المحض.

(3) و التعميم موافق للقاعدة التي ذكرناها، و يشهد له الاعتبار أيضا.

و الظاهر أنّ ذكر جملة: «ليس لوارثه شي ء» التي في الصحيح لأجل القرينة على أنّه لو أعطى المال إليهم يتملكون المال و يؤخر الحج، مع أنّ المدار على إطلاق كلام الإمام (عليه السلام) لا الخصوصيات المأخوذة في السؤال.

إن قيل: إذا كان الحكم موافقا للقاعدة فليكن جائزا في صورة عدم الاطمئنان بعدم الأداء أيضا (يقال): أصل موافقته للقاعدة في ظرف امتناع الورثة، كما مرّ.

ص: 295


1- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف حديث: 2.

و الكفارات، و الدّين أو لا؟. و كذا هل يلحق بالوديعة غيرها مثل: العارية، و العين المستأجرة، و المغصوبة، و الدّين في ذمته أو لا؟ وجهان قد يقال بالثاني (1)، لأنّ الحكم على خلاف القاعدة (2) إذا قلنا إنّ التركة مع الدّين تنتقل إلى الوارث، و إن كانوا مكلّفين بأداء الدّين و محجورين عن التصرف قبله بل و كذا على القول ببقائها معه على حكم مال الميت، لأنّ أمر الوفاء إليهم فلعلّهم أرادوا الوفاء من غير هذا المال، أو أرادوا أن يباشروا العمل الذي على الميت بأنفسهم (3)، و الأقوى مع العلم بأنّ الورثة لا يؤدون بل مع الظن القويّ أيضا جواز الصرف فيما عليه (4) لا لما ذكره في المستند: من أنّ وفاء ما على الميت- من الدّين أو نحوه- واجب كفائيّ على كل من قدر على ذلك، و أولوية الورثة بالتركة إنّما هي ما دامت موجودة، و أما إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتى تكون الورثة أولى به إذ هذه الدعوى فاسدة جدّا (5)، بل لإمكان فهم المثال من الصحيحة. أو دعوى تنقيح المناط أو أنّ

______________________________

(1) حكي ذلك في المستند عن جمع. و حكي خلافه عن آخرين أيضا.

(2) لا نسلّم أنّه على خلاف القاعدة مع إحراز امتناع الورثة بل هو مطابق لقاعدة: «ما على المحسنين من سبيل».

(3) الأقسام ثلاثة:

فتارة: يعلم من بيده المال بعدم إرادة الورثة لخصوصية خاصة في الأداء لو كانوا في مقام تفريغ ذمة ميتهم عما عليه، بل يكون نظرهم إلى أصل تفريغ الذمة فقط و أخرى: لا يعلم بذلك، و ثالثة: يعلم بلحاظهم الخصوصية، و لا إشكال في الجواز في الأول، و كذا الثاني، لأنّ مقتضى الفطرة الإسلامية و الرحمة لمورثهم كون نظرهم إلى تفريغ ذمته فقط، و مقتضى الأصل عدم نظر آخر لهم غير ذلك. و في الأخير يحتاج إلى مراجعة الحاكم الشرعي.

(4) لما مرّ من أنّه إحسان محض، و موافق للقاعدة في هذه الصورة.

(5) لأنّ الوجوب الكفائيّ لا ينافي التوقف على الإذن كما في غسل الميت

ص: 296

المال إذا كان بحكم مال الميت فيجب صرفه عليه، و لا يجوز دفعه إلى من لا يصرفه عليه، بل و كذا على القول بالانتقال إلى الورثة، حيث أنّه يجب صرفه في دينه (1)، فمن باب الحسبة (2) يجب على من عنده صرفه عليه، و يضمن لو دفعه إلى الوارث لتفويته على الميت. نعم، يجب الاستئذان من الحاكم (3)،

______________________________

و الصلاة عليه، و تقدم في أحكام الأموات ما ينفع المقام، و لكن يمكن أن يكون مراد صاحب المستند ما ذكرناه و إن قصرت عبارته عنه.

(1) و يشهد بذلك العرف و الاعتبار، بل وجد أنّ المتشرّعة من الورثة، و يمكن أن يستفاد من موثق ابن صهيب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل فرّط في إخراج زكاته في حياته، فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرّط فيه مما لزمه من الزكاة، ثمَّ أوصى أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له فقال (عليه السلام): جائز، يخرج ذلك من جميع المال. إنّما هو بمنزلة دين لو كان عليه، ليس لوارثه شي ء حتى يؤدوا ما أوصى به من الزكاة» (1).

و خبر يحيى الأزرق: «عن رجل قتل و عليه دين و لم يترك مالا، فأخذ أهله الدية من قاتله، عليهم أن يقضوا دينه؟ قال (عليه السلام): نعم. قلت: و هو لم يترك شيئا قال (عليه السلام): إنّما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه» (2).

(2) الأمور الحسبة هي التي لا بد من تحققها خارجا. و لكن بعضها منوط بإذن شخص خاص كما في المقام، و مع امتناع إذنه لا يسقط أصل إتيانه فيباشره كل من قدر عليه، لكون إذن الشخص من باب تعدد المطلوب لا المقوّم الحقيقي.

(3) فيما إذا كان الموضوع معرضا عرفا للخصومة و اللجاج. و في غيره مقتضى الأصل عدم الوجوب بعد عدم دليل عليه.

ص: 297


1- الوسائل باب: 40 من أبواب الوصايا حديث: 1.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الوصايا حديث: 1.

لأنّه من وليّ من لا وليّ له (1)، و يكفي الإذن الإجماليّ (2)، فلا يحتاج إلى إثبات وجوب ذلك الواجب عليه، كما قد يتخيّل. نعم، لو لم يعلم، و لم يظن عدم تأدية الوارث يجب الدفع إليه (3) بل لو كان الوارث منكرا أو ممتنعا، و أمكن إثبات ذلك عند الحاكم، أو أمكن إجباره عليه، لم يجز لمن عنده أن يصرفه بنفسه (4).

مسألة 18: يجوز للنائب- بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه- أن يطوف عن نفسه و عن غيره

(مسألة 18): يجوز للنائب- بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه- أن يطوف عن نفسه و عن غيره. و كذا يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه و عن غيره (5).

مسألة 19: يجوز لمن أعطاه رجل مالا لاستئجار الحج أن يحج

(مسألة 19): يجوز لمن أعطاه رجل مالا لاستئجار الحج أن يحج

______________________________

(1) روي عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «السلطان وليّ من لا وليّ له» (1) و ينطبق ذلك على الحاكم الشرعي، لأنّه السلطان الواقعي، و يقتضيه مرتكزات المتشرّعة أيضا.

(2) لأصالة البراءة عن الزائد عليه.

(3) لأصالة عدم جواز تصرفه فيه إلا بإذن من له حق الإذن.

(4) لو لم نقل بسقوط ولايته مع الامتناع و إلا لجاز. و طريق الاحتياط الرجوع إلى الحاكم الشرعي.

(5) كل ذلك لإطلاق أدلة استحبابها الشامل للنائب أيضا، و في خبر يحيى الأزرق قلت: «لأبي الحسن (عليه السلام): الرجل يحج عن الرجل، يصلح له أن يطوف عن أقاربه؟ فقال (عليه السلام): إذا قضى مناسك الحج فليصنع ما شاء» (2).

ص: 298


1- مستدرك الوسائل باب: 64 من أبواب الوصايا حديث: 1.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.

بنفسه (1)، ما لم يعلم أنّه أراد الاستئجار من الغير و الأحوط عدم مباشرته (2)، الا مع العلم بأنّ مراد المعطي حصول الحج في الخارج (3) و إذا عيّن شخصا تعيّن (4)، إلا إذا علم عدم أهليته و أنّ المعطي مشتبه في تعيينه أو أنّ ذكره من باب أحد الأفراد (5).

______________________________

(1) لأنّ استيجار الحج أعمّ من استئجار نفسه و غيره فيشمل إطلاق عقد الإجارة لنفسه أيضا.

(2) للانصراف البدوي إلى إجارة الغير، و لكنّه لا اعتبار بالانصرافات البدوية و إن صلحت للاحتياط.

(3) للعلم بعدم الفرق بين نفسه و بين غيره حينئذ.

(4) لعموم ما دل على الوفاء بالعقد و الشرط.

(5) كل ذلك لإحراز عدم الموضوعية في تعيينه حينئذ بل كان خطأ محضا في الأول.

ص: 299

فصل في الحج المندوب

اشارة

فصل في الحج المندوب

مسألة 1: يستحب لفاقد الشرائط- من البلوغ، و الاستطاعة، و غيرهما- أن يحج مهما أمكن

(مسألة 1): يستحب لفاقد الشرائط- من البلوغ، و الاستطاعة، و غيرهما- أن يحج مهما أمكن، بل و كذا من أتى بوظيفته من الحج الواجب (1) و يستحب تكرار الحج، بل يستحب تكراره في كل سنة (2)، بل يكره تركها خمس سنين متوالية (3)، و في بعض الأخبار: «من حج ثلاث حجج لم يصبه»

______________________________

فصل في الحج المندوب

(1) للإجماع، و النصوص المستفيضة المرغبة في الحج بأنحاء شتّى من الترغيب (1).

(2) نصوصا، و إجماعا ففي خبر ابن أبي منصور قال: «قال لي جعفر بن محمد (عليه السلام): يا عيسى، انّ، استطعت أن تأكل الخبز و الملح و تحج في كل سنة فافعل» (2).

(3) فعن الصادق (عليه السلام) في خبر ذريح: «من مضت له خمس سنين فلم يفد إلى ربه- و هو موسر- إنّه لمحروم» (3) و عن أبي جعفر (عليه السلام) في خبر حمران: «إنّ للّه تعالى مناديا ينادي: أي عبد أحسن اللّه تعالى إليه، و أوسع عليه في رزقه، فلم يفد إليه في كل خمسة أعوام مرة ليطلب نوافله إنّ ذلك لمحروم» (4).

ص: 300


1- راجع الوسائل باب: 43 و 44 و 45 من أبواب وجوب الحج.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب وجوب الحج حديث: 6.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
4- الوسائل باب: 49 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.

«فقر أبدا» (1).

مسألة 2: يستحب نية العود إلى الحج عند الخروج من مكة

(مسألة 2): يستحب نية العود إلى الحج عند الخروج من مكة و في الخبر أنّها توجب الزيادة في العمر، و يكره نية عدم العود و فيه: أنّها توجب النقص في العمر (2).

مسألة 3: يستحب التبرع بالحج عن الأقارب و غيرهم أحياء و أمواتا

(مسألة 3): يستحب التبرع بالحج عن الأقارب و غيرهم أحياء و أمواتا، و كذا عن المعصومين (عليهم السلام) أحياء و أمواتا، و كذا يستحب الطواف عن الغير، و عن المعصومين (عليهم السلام) أمواتا و أحياء، مع عدم حضورهم في مكة أو كونهم معذورين (3).

______________________________

(1) قال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن مهران: «من حج ثلاث حجج لم يصبه فقر أبدا» (1).

(2) فعن ابن سنان قال: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: من رجع من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره» (2).

و قال (عليه السلام) أيضا في مرسل الفقيه: «و من خرج من مكة و هو لا يريد العود إليها، فقد قرب أجله، و دنا عذابه» (3)، و قد ورد في نية العدم نصوص:

منها: رواية الحسن بن عليّ عن الصادق (عليه السلام) قال: «إنّ يزيد بن معاوية حج، فلما انصرف قال:

إذا جعلنا ثافلا يمينا فلن نعود بعدها سنينا

للحج و العمرة ما بقينا

فنقص اللّه تعالى عمره، و أماته قبل أجله» (4).

(3) أما الأقارب فلقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر جابر: «قال رسول»

ص: 301


1- الوسائل باب: 45 من أبواب وجوب الحج حديث: 22.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب وجوب الحج حديث: 5.
4- الوسائل باب: 57 من أبواب وجوب الحج حديث: 6.

..........

______________________________

«اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): من وصل قريبا بحجة أو عمرة كتب اللّه له حجتين و عمرتين» (1).

و أما غير الأقارب و المعصومين (عليهم السلام) فلخبر البجلي: «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): فربما حججت عن أبيك، و ربما حججت عن أبي، و ربما حججت عن الرجل من إخواني، و ربما حججت عن نفسي، فكيف أصنع؟

فقال (عليه السلام): تمتع» (2)و إطلاقهما يشمل الحيّ و الميت.

و أما الطواف عن الغير فلصحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«قلت له: أطوف عن الرجل و المرأة و هما بالكوفة؟ فقال (عليه السلام): نعم» (3) و خبر ابن القاسم عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): «قلت له قد أردت أن أطوف عنك و عن أبيك فقيل لي: إنّ الأوصياء لا يطاف عنهم، فقال (عليه السلام): بلى، طف ما أمكنك فإنّ ذلك جائز» (4).

و إطلاق الأخبار يشمل الحاضرين المعذورين أيضا. و أما الحاضر غير المعذور، فمقتضى أصالة عدم المشروعية و عدم جوازه، و يشهد له صحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل جعل ثلث حجته لميت، و ثلثيها لحيّ فقال (عليه السلام): للميت و أما الحيّ فلا» (5) بعد حمله على غير المعذور. نعم، لا بأس بإهداء الثواب، لأنّه حقه فله أن يفعل فيه ما يشاء.

ص: 302


1- الوسائل باب: 25 من أبواب النيابة في الحج حديث: 5.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب النيابة في الحج حديث: 6.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
5- الوسائل باب: 25 من أبواب النيابة في الحج حديث: 9.

مسألة 4: يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج

(مسألة 4): يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج إذا كان واثقا بالوفاء بعد ذلك (1).

مسألة 5: يستحب إحجاج من لا استطاعة له

(مسألة 5): يستحب إحجاج من لا استطاعة له (2).

مسألة 6: يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها

(مسألة 6): يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها (3).

مسألة 7: الحج أفضل من الصدقة بنفقته

(مسألة 7): الحج أفضل من الصدقة بنفقته (4).

______________________________

(1) فعن الواسطي عن أبي الحسن (عليه السلام): «سألت أبا الحسن (عليه السلام): عن الرجل يستقرض و يحج، فقال (عليه السلام): إن كان خلف ظهره مال فإن حدث به حدث أدى عنه فلا بأس» (1).

و عن ابن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل يحج بدين و قد حج حجة الإسلام قال (عليه السلام): نعم، إنّ اللّه سيقضي عنه إن شاء اللّه» (2).

(2) في خبر الدّيلمي قال: «سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: من حج بثلاثة من المؤمنين فقد اشترى نفسه من اللّه عزّ و جل بالثمن» (3).

(3) لأنّه من سبيل اللّه تعالى، فيشمله إطلاق دليل الإعطاء من ذلك السّهم، مضافا إلى صحيح ابن مسلم عن الصادق (عليه السلام): إنّه سأل عن الصرورة أ يحج من الزكاة؟ قال (عليه السلام): نعم (4)، و تقدمت هذه المسألة في الزكاة، و في مسائل الاستطاعة.

(4) لنصوص مستفيضة:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «صلاة فريضة أفضل من عشرين»

ص: 303


1- الوسائل باب: 50 من أبواب وجوب الحج حديث: 7.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب وجوب الحج حديث: 8.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
4- الوسائل باب: 42 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

مسألة 8: يستحب كثرة الإنفاق في الحج

(مسألة 8): يستحب كثرة الإنفاق في الحج و في بعض الأخبار: إنّ اللّه يبغض الإسراف، إلا بالحج و العمرة» (1).

مسألة 9: يجوز الحج بالمال المشتبه

(مسألة 9): يجوز الحج بالمال المشتبه كجوائز الظلمة- مع عدم العلم بحرمتها (2).

مسألة 10: لا يجوز الحج بالمال الحرام

(مسألة 10): لا يجوز الحج بالمال الحرام (3). لكن لا يبطل الحج إذا كان لباس إحرامه و طوافه و ثمن هديه من حلال (4).

______________________________

حجة، و حجة خير من بيت مملوّ من ذهب يتصدّق به حتى لا يبقى منه شي ء» (1).

(1) قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في رواية ابن أبي يعفور: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): ما من نفقة أحبّ إلى اللّه عزّ و جل من نفقة قصد، و يبغض الإسراف إلا في الحج و العمرة» (2).

(2) للإطلاق، و الأصل، و الإجماع، و صحيح أبي همام عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «فيمن عليه دين قال (عليه السلام): يحج سنة، و يقضي سنة، قلت: أعطي المال من ناحية السلطان؟ قال (عليه السلام): لا بأس عليك» (3).

(3) بضرورة من الدّين، و نصوص متواترة، ففي مرسل الفقيه: «روي عن الأئمة (عليهم السلام) أنهم قالوا: من حج بمال حرام نودي عند التلبية لا لبيك عبدي و لا سعديك» (4).

و عن أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: «من أصاب مالا من أربع لم يقبل منه في أربع: من أصاب مالا من غلول، أو ربا، أو خيانة، أو سرقة لم يقبل منه في زكاة، و لا صدقة، و لا حج، و لا عمرة» (5).

(4) راجع [مسألة 69] من الفصل الأول.

ص: 304


1- الوسائل باب: 42 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 55 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
3- الوسائل باب: 52 من أبواب وجوب الحج حديث: 10.
4- الوسائل باب: 52 من أبواب وجوب الحج حديث: 10.
5- الوسائل باب: 52 من أبواب وجوب الحج حديث: 10.

مسألة 11: يشترط في الحج الندبي: إذن الزوج، و المولى

(مسألة 11): يشترط في الحج الندبي: إذن الزوج، و المولى، بل الأبوين في بعض الصور. و يشترط أيضا. أن لا يكون عليه حج واجب مضيّق لكن لو عصى و حج صح (1).

مسألة 12: يجوز إهداء ثواب الحج إلى الغير بعد الفراغ عنه

(مسألة 12): يجوز إهداء ثواب الحج إلى الغير بعد الفراغ عنه كما يجوز أن يكون ذلك من نيته قبل الشروع فيه (2).

مسألة 13: يستحب لمن لا مال له أن يحج به أن يأتي به و لو بإجارة نفسه عن غيره

(مسألة 13): يستحب لمن لا مال له أن يحج به أن يأتي به و لو بإجارة نفسه عن غيره و في بعض الأخبار أنّ للأجير من الثواب تسعا و للمنوب عنه واحدا (3).

______________________________

(1) تقدم ما يتعلق بذلك في الفصل الأول [مسألة 78]. و [مسألة 109].

(2) أما بعد الفراغ، فلصحيح ابن المغيرة: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام):

و أنا بالمدينة بعد ما رجعت من مكة إنّي أردت أن أحج عن ابنتي قال (عليه السلام):

فأجعل ذلك لها الآن» (1).

و في مرسل الفقيه: «قال رجل للصادق (عليه السلام): جعلت فداك إنّي كنت نويت أن أدخل في حجتي العام أبي «أمي» أو بعض أهلي فنسيت فقال (عليه السلام) الآن فأشركها» (2).

و أما قبل الشروع مع النية فيدل عليه الخبران بالأولى و ظاهرهما و إن كان صحة جعل نفس الحج للغير بعد الفراغ و لكنّه مخالف للإجماع، فلا بد و أن يحمل على إهداء الثواب، مع أنّ إهداء الثواب إلى الغير مطلقا موافق لقاعدة تسلط الناس على أموالهم، و منافعهم، و حقوقهم كما مرّ ذلك مرارا.

(3) في خبر ابن سنان قال: «كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل، فأعطاه ثلاثين دينارا يحج بها عن إسماعيل، و لم يترك شيئا من العمرة إلى

ص: 305


1- الوسائل باب: 29 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب النيابة في الحج حديث: 2.

..........

______________________________

الحج إلا اشترط عليه، حتى اشترط عليه أن يسعى في وادي محسر، ثمَّ قال: يا هذا، إذا أنت فعلت هذا كان لإسماعيل حجة بما أنفق من ماله، و كان لك تسع بما أتعبت من بدنك» (1).

فرع: هل يجزي ذلك في سائر الأعمال العبادية الاستيجارية من الصلاة، و الصوم، و قراءة القرآن، و نحوها؟ مقتضى التعليل جريانه فيها أيضا.

ص: 306


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.

فصل في أقسام العمرة

اشارة

فصل في أقسام العمرة

مسألة 1: تنقسم العمرة كالحج- إلى واجب أصليّ، و عرضيّ، و مندوب

(مسألة 1): تنقسم العمرة كالحج- إلى واجب أصليّ، و عرضيّ، و مندوب. فتجب بأصل الشرع على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج في العمرة مرّة بالكتاب، و السنة، و الإجماع (1) ففي صحيحة زرارة: «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج فإنّ اللّه تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ» و في صحيحة الفضيل (2): «في قول اللّه تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ قال

______________________________

فصل في أقسام العمرة

(1) أما السنة: فهي مستفيضة و بها تتم دلالة الكتاب، لأنّ قوله تعالى:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1) أعمّ من الوجوب ففي صحيح ابن أذينة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه عزّ و جل:

وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يعني: به الحج دون العمرة؟

قال (عليه السلام): لا، و لكنه يعني الحج و العمرة جميعا، لأنّهما مفروضان» (2).

و أما الإجماع: فيدل عليه محصله و منقوله مستفيضا.

(2) في الوسائل و غيره من كتب الأخبار: الفضل أبي العباس (3) بدل فضيل فراجع.

ص: 307


1- سورة البقرة، الآية 196.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب العمرة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب العمرة حديث: 1.

(عليه السلام) هما مفروضان» و وجوبها- بعد تحقق الشرائط- فوريّ كالحج (1) و لا يشترط في وجوبها استطاعة الحج، بل تكفي استطاعتها في وجوبها (2). و إن لم تتحقق استطاعة الحج كما أنّ العكس كذلك، فلو استطاع للحج دونها وجب دونها و القول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كل منهما و أنّهما مرتبطان ضعيف كالقول باستقلال الحج في الوجوب دون العمرة (3).

مسألة 2: تجزئ العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة بالإجماع، و الأخبار

(مسألة 2): تجزئ العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة بالإجماع، و الأخبار (4) و هل تجب على من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها و لم يكن

______________________________

(1) بالإجماع، و لإمكان استفادته من ذكرها في عرض حجة الإسلام في النصوص المتعرضة لوجوبهما.

(2) على المشهور: لإطلاق أدلة وجوبها، و أصالة البراءة عن اعتبار استطاعة غيرها و لكن تأتي المناقشة في هذا الأصل.

(3) أما القول الأول فلم يعرف القائل به و على فرض وجوده، فهو مخالف للإطلاق، و الأصل. و أما الثاني: فنسب إلى الدروس و لم يعرف له مستند غير الأصل، و ظهور الأدلة في خصوص الحج، فيعتبر استطاعته في وجوبها. و الظاهر كونه من الاجتهاد في مقابل إطلاق النص.

(4) قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): في صحيح الحلبي: «إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة» (1).

في صحيح ابن شعيب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): قال اللّه عزّ و جل وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ .. يكفي الرجل- إذا تمتع بالعمرة إلى الحج- مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: كذلك أمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أصحابه (2).

و في صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قلت: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج، أ يجزي ذلك؟ قال (عليه السلام): نعم» (3) إلى غير ذلك من

ص: 308


1- الوسائل باب: 5 من أبواب العمرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب العمرة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب العمرة حديث: 4.

مستطيعا للحج؟ المشهور عدمه بل أرسله بعضهم إرسال المسلّمات و هو الأقوى (1) و على هذا فلا تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة و إن كان مستطيعا لها و هو في مكة و كذا لا تجب على من تمكن منها و لم يتمكن من الحج

______________________________

الأخبار الكثيرة.

(1) و تشهد له السيرة على عدم استقرار عمرة على من استطاع من النائين فمات أو ذهبت استطاعته قبل أشهر الحج و عدم الحكم بفسقه لو أخر الاعتمار إلى أشهر الحج- الى آخر ما في الجواهر.

أقول: البحث في هذه المسألة تارة: بحسب الأصل. و أخرى: بحسب الإطلاقات. و ثالثة: بحسب الأخبار الخاصة.

أما الأول: فالشك في وجوبها على النائي مع عدم استطاعته للحج يكون من الشك في أصل التكليف فتجري البراءة بلا إشكال، و النائي يشك في وجوبها عليه مقدّمة و نفسيا، فيكون وجوبها عند الاستطاعة للحج معلوما قطعا و مع عدم الاستطاعة له مشكوك، و المرجع فيه البراءة.

أما الثانية: فهي عبارة عن قوله (عليه السلام) في صحيح فضل: «هما مفروضان» (1) أي: العمرة و الحج، و قوله (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «العمرة مفروضة مثل الحج- الحديث-» (2)، و قوله (عليه السلام): في خبر ابن عمار: «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج لأنّ اللّه تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (3).

و لا ريب في ظهورها، بل نصوصيتها في وجوب العمرة في الجملة و تشمل العمرة التمتعية مع الاستطاعة للحج. و أما شمولها للعمرة المفردة للنائي مع الاستطاعة لها فقط، فهو من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، للشك في شمول التشريع لها بعد معلومية التشريع للعمرة التمتعية إذا استطاع للحج أيضا.

إن قلت: لا شبهة في الموضوع حتى يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لمعلومية العمرة لدى المسلمين فينطبق عليه الدليل قهرا.

ص: 309


1- الوسائل باب: 1 من أبواب العمرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب العمرة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب العمرة حديث: 8.

لمانع و لكن الأحوط الإتيان بها (1).

مسألة 3: قد تجب العمرة بالنذر، و الحلف، و العهد

(مسألة 3): قد تجب العمرة بالنذر، و الحلف، و العهد و الشرط في

______________________________

قلت: ليس المناط في موضوعات العبادات الصدق العرفي فقط مع الشك في أصل التشريع، بل المناط إحراز تشريع الحكم و مع الشك فيه لا أثر للصدق العرفي، و احتمال كون المراد من العمرة الواجبة بالنسبة إلى النائي العمرة التمتعية و عدم التعرض لما يتعلق بها في الأخبار سؤالا و جوابا- و غير ذلك مما ذكره في الجواهر- يوجب التردد في الوجوب بالنسبة إليه.

أما الثالث: فمنها ما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة» (1).

و خبر ابن عمار: «قلت: فمن تمتع بالعمرة، إلى الحج أ يجزي عنه؟ قال:

نعم» (2).

و في خبر ابن شعيب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) قول اللّه عزّ و جل وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان تلك العمرة المفردة قال: كذلك أمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أصحابه (3).

و عنه (عليه السلام) أيضا في خبر أبي بصير: «إذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة» (4).

و لا تدل جميع هذه التعبيرات على أنّ العمرة المفردة واجبة مستقلة على النائي و العمرة التمتعية تجزي عنها و تكون بدلا عنها، لأنّ هذه التعبيرات أعمّ من ذلك بل بعضها ظاهر في الخلاف مثل قوله (عليه السلام): «فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة» (5) مع أنّه يمكن حمل صدور مثل هذه التعبيرات على التقية من المخالفين، لأنّ الواجب لديهم العمرة المفردة فبينوا (عليهم السلام) بهذا النحو من البيان و مقصودهم (عليهم السلام) أنّ الواجب إنّما هو العمرة التمتعية لا المفردة.

(1) خروجا عن احتمال الوجوب و مخالفة من قال به.

ص: 310


1- الوسائل باب: 5 من أبواب العمرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب العمرة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب العمرة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب العمرة حديث: 6.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب العمرة حديث: 1.

ضمن العقد، و الإجارة (1)، و الإفساد (2) و تجب أيضا لدخول مكة بمعنى:

حرمته بدونها (3)، فإنّه لا يجوز دخولها إلا محرما، إلا بالنسبة إلى من يتكرّر دخوله و خروجه (4)، كالخطّاب، و الحشاش، و ما عدا ما ذكر مندوب.

______________________________

(1) كل ذلك للإجماع، و إطلاق أدلة وجوب الوفاء بها عمرة كانت أو غيرها.

(2) المراد بالإفساد: إفساد حج التمتع فإنّه يوجب الإتيان به ثانيا فيجب الإتيان بعمرته أيضا. و نسب في المستند إلى قطع الأصحاب بأنّ إفساد نفس العمرة موجب للإتيان بها ثانيا. و يأتي التفصيل في محلّه. و من موارد وجوبها فوات الحج، فإن فاته الحج وجب عليه التحلل بعمرة مفردة على ما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

(3) بل لا يجوز دخول الحرم إلا محرما، كعدم جواز مس المصحف إلا متوضئا. و أما دخول مكة فتجب العمرة أو الحج تخييرا إن وجب الدخول و إلا كان وجوب العمرة من الوجوب الشرطيّ كوجوب الوضوء للنافلة، و تدل على أصل المسألة- مضافا إلى الإجماع- النصوص ففي صحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام- قال (عليه السلام): لا، إلا أن يكون مريضا، أو به بطن» (1).

و في صحيح ابن حميد: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): يدخل الحرم أحد إلا محرما؟ قال (عليه السلام): إلا مريض، أو مبطون»(2) و يأتي في الإحرام تفصيل الكلام.

(4) للنص، و الإجماع، و الحرج قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح رفاعة ابن موسى: «إنّ الحطّابة و المختلية أتوا النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) فسألوه، فأذن لهم أن يدخلوا حلالا» (3). و المختلية: الذين يقطعون النباتات الرطبة، و في

ص: 311


1- الوسائل باب: 50 من أبواب الإحرام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب الإحرام حديث: 2.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب الإحرام حديث: 2.

و يستحب تكرارها كالحج و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين، فقيل:

يعتبر شهر، و قيل: عشرة أيّام و الأقوى عدم اعتبار فصل (1).

______________________________

بعض النسخ المجتلبة أي: الذين يجلبون المتاع من الخارج.

فروع- (الأول): الظاهر أنّ ذكر الحطابة و المجتلبة في الحديث مثال لكل من تكرّر منه الدخول فلا يختص بهما. فحينئذ يشمل كل من تكرّر دخوله فيه و كان له غرض عقلائيّ سواء كان لأجل حرفة و مهنة- كالحملدارية الذين يتكرّر ذلك منهم لمصالح الحجاج- أم لا كالذي يفعل ذلك للظفر بأصدقائه و رفقائه من الحجيج.

(الثاني): لا فرق في الدخول بين ما إذا كان في جميع السنة أو في موسم الحج فقط، لقاعدة الحرج، و ظهور الإطلاق.

(الثالث): المرجع في التكرر هو العرف فمع الصدق العرفيّ يسقط الوجوب، و مع عدمه يثبت فكيف بما إذا صدق العدم.

(الرابع): إذا دخل مكة بإحرام و قضى نسكه و أحلّ من إحرامه فخرج من مكة ثمَّ عاد إليها قبل مضيّ شهر يجوز له الدخول فيها بلا إحرام أيضا، إجماعا. و يأتي في [مسألة 3] من (فصل صورة حجة التمتع) ما ينفع المقام.

(1) نسب ذلك إلى كثير من المتأخرين، و يظهر من الناصريات الإجماع عليه، للإطلاقات المرغبة كقوله (عليه السلام): «الحج الأصغر العمرة» (1).

و قوله (عليه السلام): «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» (2).

و قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «العمرة كفارة لكل ذنب» (3)، و لارتكاز مطلوبية تكرر العبادة مطلقا عند المتشرعة خصوصا مثل العمرة.

و أما الأخبار الخاصة فهي أقسام:

الأول: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في كتاب عليّ (عليه السلام): «في»

ص: 312


1- الوسائل باب: 1 من أبواب العمرة حديث: 10 و غيره.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب العمرة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب العمرة حديث: 7.

..........

______________________________

«كل شهر عمرة» (1).

و في خبر ابن يعقوب قال: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: في كل شهر عمرة» (2).

و قوله (عليه السلام) أيضا في خبر ابن عمار: «قال أبو عبد اللّه (عليه السلام):

السنة إثنا عشر شهرا، يعتمر لكل شهر عمرة» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار و هي معتبرة سندا، و لا يستفاد منها عدم تشريع غير الواحدة، إذ يحتمل أن يكون المراد عمرة مؤكدة في الفضيلة، أو عمرة مشروعة بحيث لا يكون غيرها جائزة، أو عمرة واحدة تسهيلا و إرفاقا كما أنّ في العمر حجة واحدة واجبة و كذلك العمرة في كل شهر و هو لا ينافي تأكد استحباب غيرها أيضا. و مقتضى المرتكزات الاحتمال الأول، أو الأخير فلا يثبت بمثل هذه الأخبار عدم مشروعية غير العمرة الواحدة في الشهر. نعم، لو كان التعبير هكذا: (ليس في كل شهر إلا عمرة واحدة) لأمكن استفادة عدم المشروعية على تأمل فيه أيضا، إذ يمكن حمله على عدم تأكد استحباب غيرها لا على عدم المشروعية.

الثاني: خبر عليّ بن أبي حمزة قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) الرجل يدخل مكة في السنة المرّة و المرّتين و الأربعة كيف يصنع؟ قال (عليه السلام): إذا دخل فليدخل ملبيا، و إذا خرج فليخرج محلا، قال (عليه السلام): و لكل شهر عمرة، فقلت: يكون أقلّ؟ فقال (عليه السلام): في كل عشرة أيام عمرة» (4) و سياقه يشهد بأنّه من باب التسهيل و الإرفاق لا نفي التشريع.

الثالث: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح حريز: «و لا يكون عمرتان في سنة» (5) و قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي: «العمرة في كل سنة مرّة» (6) و الظاهر بل المقطوع به أنّ العمرة التي تشتاق إليها النفس كمال الاشتياق، لما ارتكز في نفوس المؤمنين من أنّه كل ما طال العهد بين أفراد

ص: 313


1- الوسائل باب: 6 من أبواب العمرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب العمرة حديث: 9.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب العمرة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب العمرة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب العمرة حديث: 7.
6- الوسائل باب: 6 من أبواب العمرة حديث: 6.

فيجوز إتيانها كلّ يوم (1)، و تفصيل المطلب موكول إلى محله.

______________________________

فعل الخير يتأكد اشتياق النفس إليه و يشتد إليه الحنين، مع إمكان كونها صادرة بالنسبة إلى الأزمنة القديمة حيث إنّ عمرتهم غالبا كانت في موسم الحج، فهذه الأخبار وردت على طبق المتعارف في تلك الأزمنة فلا تنافي بينها حتى يذهب بعض إلى اختيار الأول كالنافع، و الوسيلة، و الغنية و غيرها. و بعض إلى الثاني كالمهذب البرع، و الجامع، و الشرائع. و أما الثالث فلم أظفر على قائل به عاجلا فاجتمع مجموع الأدلة بعد رد بعضها إلى بعض على ما اختاره في المتن، مع أنّ أخبار القسم الأول متواترة فلا وجه لتوهم المعارضة بينها و بين القسم الأخير.

(1) بل في يوم واحد مرّات لو أمكن ذلك، لما تقدم.

ص: 314

فصل في أقسام الحج

اشارة

فصل في أقسام الحج و هي: ثلاثة- بالإجماع (1) و الأخبار (2)- تمتع، و قران

______________________________

فصل في أقسام الحج

(1) من المسلمين عامة في أصل تشريع الأقسام الثلاثة من الحج في الإسلام، و هو من المسلّمات بين علماء الفريقين.

و أنّما وقع النزاع في أنّ حج التمتع باق على تشريع النبي (صلّى اللّه عليه و آله) أو أنّه أبطل تشريعه بعد النبي (صلّى اللّه عليه و آله)، فإجماع الإمامية و نصوصهم المتواترة على الأول. و ذهب غيرهم إلى الثاني و استندوا إلى اجتهاد للخليفة الثاني و المسألة مذكورة- في الكتب الفقهية، و التاريخية، و الكلامية- مفصلا من شاء فليراجعها.

(2) و هي متواترة منها قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن عمار:

«الحج ثلاثة أصناف: حج مفرد، و قران، و تمتع بالعمرة إلى الحج. و بها أمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و الفضل فيها و لا نأمر الناس إلا بها» (1).

و خبر الصيقل: «قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): الحج عندنا على ثلاثة أوجه: حاج متمتع، و حاج مفرد سائق للهدي، و حاج مفرد للحج» (2).

و في خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «الحاج على ثلاثة وجوه:

رجل أفرد الحج و ساق الهدي، و رجل أفرد الحج و لم يسق الهدي و رجل تمتع

ص: 315


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أقسام الحج حديث: 2.

و افراد (3) و الأول فرض من كان بعيدا عن مكة و الاخران فرض من كان حاضرا، أي: غير بعيد و حد البعد- الموجب للأول- ثمانية و أربعون ميلا

______________________________

بالعمرة إلى الحج» (1) إلى غير ذلك من الروايات المعتبرة.

(3) التمتع: بمعنى التلذذ سمّى بذلك، لأنّ المحرم يتلذذ بتروك الإحرام بعد التحلل من عمرته و قبل الإحرام لحجة.

و سمّى القران به، لأنّ الحاج يقرن بين إحرامه و سوقه لهدية.

و سمّى الإفراد، لأنّه مفرد عن العمرة و لا يعتبر العمرة في صحته.

و قد مر في أول كتاب الحج ان تشريع الحج كان بعد هبوط آدم (عليه السلام) ثمَّ في زمن إبراهيم الخليل (عليه السلام) و كان كل منها بوحي من اللّه تعالى تعليم جبرئيل مباشرة. و كان الحج شائعا في الجاهلية و كان ذلك من أهمّ مجامعهم و أسواقهم و قد قرر الإسلام بعض ما كان شائعا و ردع عن بعض.

نعم، تشريع حجة التمتع كان في حجة الوداع، كما في بعض الأخبار كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) حين حج حجة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتى أتى الشجرة فصلّى بها ثمَّ قاد راحلته حتّى أتى البيداء فأحرم منها، و أهّل بالحج و ساق مائة بدنة و أحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة و لا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) مكة طاف بالبيت و طاف الناس معه ثمَّ صلّى ركعتين عند المقام و استلم الحجر، ثمَّ قال ابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جل به، فأتى الصفا فبدأ بها، ثمَّ طاف بين الصّفا و المروة سبعا، فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيبا، فأمرهم أن يحلّوا و يجعلوها عمرة و هو شي ء أمر اللّه عزّ و جلّ به فأحلّ الناس، و قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم، و لم يكن يستطيع أن يحلّ من أجل الهدي

ص: 316


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أقسام الحج حديث: 3.

من كل جانب، على المشهور (4) الأقوى. لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «قلت له قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فقال (عليه السلام): يعني أهل مكة ليس عليهم متعة كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية، و كل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة» و خبره عنه (عليه السلام): «سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: (ذلك .. إلخ) قال لأهل مكة ليس لهم متعة، و لا عليهم عمرة قلت فما حد ذلك؟ قال: ثمانية و أربعون ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان و ذات عرق» و يستفاد أيضا من جملة من أخبار

______________________________

الذي معه إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ و قال: سراقة بن مالك بن جعشم الكناني يا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) علمنا كأنا خلقنا اليوم» أرأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لكل عام؟

فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لا بل للأبد و إن رجلا قام فقال: يا رسول اللّه نخرج حجاجا و رؤوسنا تقطر؟! فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): انك لن تؤمن بهذا أبدا- الحديث-» (1).

(4) نسبه في الجواهر- إلى شرح المفاتيح- و قال: «و إن كنا لم نحققه».

و البحث في هذه المسألة تارة: بحسب الأصل العملي. و اخرى: بحسب الأصل اللفظي أي: الإطلاقات، و العمومات. و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة.

أما الأول: فالمسألة من الشك بين المتباينين و يجب فيها الاحتياط ان لم يعلم حكمها من الأدلة بأن يأتي بالعمرة بقصد القربة المطلقة و التكليف الواقعيّ و بعد التقصير يحرم للحج من مكة و يأتي بجميع أفعاله بقصد التكليف الواقعيّ

ص: 317


1- الوسائل باب: 2 من أبواب أقسام الحج حديث: 14.

..........

______________________________

الفعليّ أيضا. ثمَّ يأتي بعمرة اخرى رجاء على الأحوط و لكن لا تصل النوبة إلى الأصل العملي مع وجود سائر الأدلة.

و أما الثاني: فادعي أنّ مقتضى العمومات و الإطلاقات وجوب التمتع مطلقا إلا ما خرج بدليل معتبر.

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عليك بالتمتع» (1).

و في خبر أبي بصير: «ما نعلم حجا للّه غير المتعة» (2).

و قوله (عليه السلام): «إن حج فليتمتع» (3)، أو «من حج فليتمتع» (4) إلى غير ذلك من الأخبار المطلقة.

و قد ثبت في محله أنّه إذا قيد المطلق بقيد مردد بين الأقل و الأكثر يسقط الإطلاق في المتيقن من التقييد و يثبت في غيره مع استقرار الإطلاق، و ظهور اللفظ فيه ففي المقام يجب التمتع على من بعد عن مكة عند أقل التحديدات الواردة في الأخبار بناء على كونها في مقام بيان التحديد لوجوب المتعة. و أما بناء على انها لبيان مصاديق من وجب عليه الإفراد أو القران فلا ربط لها بالمقام، إذ يمكن أن تكون مصاديق الشي ء متعددة كما هو واضح، فلا تكون هذه الأخبار مقيدة للمطلقات الواردة في وجوب حج التمتع بل مبنية لمصاديق حكم آخر.

مع ان لنا أن نقول: انه يجب القران أو الإفراد على من يكون حاضرا في مكة، أو من كان بحكم الحاضر خرج من بعد عنها بثمانية و أربعين ميلا قطعا و بقي الباقي تحت إطلاق الحاضر بالمعنى الذي يأتي التعرض له أيضا و لكن الشأن في صحة التمسك بهذه الإطلاقات، لعدم ورودها في مقام البيان من هذه الجهات حتى نتمسك بها.

ص: 318


1- الوسائل باب: 3 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب أقسام الحج حديث: 7.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب أقسام الحج حديث: 10.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب أقسام الحج حديث: 14.

..........

______________________________

و أما الأخير و هو العمدة فمن الأدلة الخاصة الآية الكريمة: و هي قوله تعالى ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (1) و ذكرنا ما يتعلق بهذه الآية الشريفة في التفسير و تعرّضنا للبحوث التي تناسبها فراجع (2) و اللّه العالم.

و المراد بمسجد الحرام مكة المكرمة، كما في آية الإسراء سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى (3).

و المراد بعدم الحضور أما الدقة العقلية، أو الدقة العرفية، أو المسامحة العرفية كما في جميع الاستعمالات المحاورية.

و لا وجه للأول قطعا، بل و لا الثاني و إلا لوجب حج التمتع على أهل منى و نحوها من الأطراف القريبة لمكة المكرمة و هو مقطوع بخلافه، فالمتعيّن هو الأخير أي: من يكون بحسب تردده في حوائجه إلى مكة المكرمة كأنه من حاضريها، فالمراد بالحضور الحضور التنزيلي العرفي، و مقتضى المتعارف أنّ أهل القرى المجاورة للبلد كأهل ذلك البلد فيما يكون لهم و عليهم، و يصدق في المجاورة أنّهم كحاضريها و ليس المراد الحضور في مقابل السفر الشرعي، لعدم الدليل عليه في المقام بل هو على عدمه.

نعم، حيث ان هذا الموضوع قابل للتشكيك فحدده الشارع الأقدس بما يأتي من الأدلة بعد رد بعضها إلى بعض فنقول:

ان الأخبار الواردة على أقسام أربعة كلها واردة في تفسير قوله تعالى:

ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و حيث ان المفسّر واحد لا بد و ان ترجع تلك الأخبار إلى شي ء واحد أيضا و الا فلا وجه للبيان و التفسير.

الأول: ما ذكر فيها الموضوعات الخارجية كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح أبي بصير: «ليس لأهل مكة و لا لأهل مرّ، و لا لأهل سرف

ص: 319


1- سورة البقرة: 196.
2- المجلد الثالث من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
3- سورة الإسراء: 2.

..........

______________________________

متعة و ذلك لقول اللّه عزّ و جلّ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» (1) و مثله صحيح الأعرج (2).

و مر- مثل فلس- موضع يقرب مكة المكرمة من جهة الشام نحو مرحلة و كل مرحلة 24 ميلا و تصير ثمانية فراخس. و سرف- مثل كتف- موضع من مكة على عشرة أميال و يصير ثلاثة فراسخ و ثلث فرسخ، لأن كل فرسخ ثلاثة أميال و مثل هذا الخبر شارح لمعنى الحضور و إنّه شامل حتى لثمانية فراسخ حول مكة المكرمة.

الثاني: ما علق فيه الحكم على ثمانية عشر ميلا كقوله (عليه السلام) أيضا في صحيح حريز- الوارد في تفسير الآية الشريفة المتقدمة-: «من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها، و ثمانية عشر ميلا من خلفها، و ثمانية عشر ميلا عن يمينها، و ثمانية عشر ميلا عن يسارها فلا متعة له مثل مرّ و أشباهه» (3) أسقطه عن الاعتبار عدم وجود العامل به.

الثالث: ما علق فيه الحكم على ثمانية و أربعين ميلا، كما في خبري زرارة المذكورين في المتن (4) و إنّ ذات عرق المذكور فيهما أول تهامة و على نحو مرحلتين من مكة. و عسفان محل بين مكة و المدينة على نحو مرحلتين من مكة أيضا، و قوله (عليه السلام): «كما يدور حول مكة» أي: يعتبر هذا الحد من جميع نواحي مكة و تمام أطرافه، كما في خبره الآخر.

و أما قوله (عليه السلام): «دون عسفان، و دون ذات عرق» فالظاهر أنّهما واديان وسيعتان يكن لهما أولا و وسطا و آخرا، و يمكن أن يكون من بعض حدودهما من طرف مكة أقل من ثمانية و أربعين ميلا، فلا يجب التمتع حينئذ.

بل يجب القران أو الإفراد.

ص: 320


1- الوسائل باب: 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 6.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 10.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 3.

أخر (5). و القول: بأنّ حده اثنا عشر ميلا من

______________________________

و يمكن أن يحمل عليه أيضا خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام):

«قلت لأهل مكة متعة؟ قال (عليه السلام): لا، و لا لأهل بستان، و لا لأهل ذات عرق، و لا لأهل عسفان و نحوها» (1) فان هذين الواديين وسيعان فيمكن أن يكون هذا التعبير بلحاظ حدودهما من طرف مكة التي تكون أقل من ثمانية و أربعين ميلا.

الرابع: ما علق فيه الحكم على ما دون المواقيت كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي في تفسير الآية المباركة: «ما دون المواقيت إلى مكة فهو حاضري المسجد الحرام، و ليس لهم متعة» (2).

و عنه (عليه السلام) أيضا في صحيح حماد: «ما دون الأوقات إلى مكة» (3)، و أسقطهما عن الاعتبار عدم عامل بهما.

و الحق: أنه لا تعارض بين هذه الأخبار، لما ثبت في محلّه من أنه لا مفهوم للقلب و لا للعدد، و جميع هذه الأخبار في مقام بيان المصاديق للحضور عند المسجد الحرام الذي يكون مناطا لوجوب القران و الإفراد لا أن يكون تحديدا لمحل وجوب المتعة حتى يلزم التعارض، فالتحديد لوجوب المتعة إنّما هو بعد ثمانية و أربعين ميلا عن مكة المكرمة و فيما دونه يجب القران أو الافراد.

و ما ذكر في الأخبار بيان لمصاديق وجوبها. هذا مع ما يأتي من الموهنات لما هو المخالف للمشهور.

(5) لم يرد ذكر اثني عشر ميلا إلا في خبر واحد و هو صحيح حريز المتقدم.

نعم، بناء على أن يكون مر، و سرف اللذان وردا في صحيح ابن خالد على

ص: 321


1- الوسائل باب: 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 12.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 4.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.

كل جانب- كما عليه جماعة (6) ضعيف لا دليل عليه الا الأصل (7)، فإنّ مقتضى جملة من الأخبار: وجوب التمتع على كل أحد، و القدر المتيقن الخارج منها من كان دون الحد المذكور و هو مقطوع بما مرّ (8).

أو دعوى: أن الحاضر مقابل للمسافر، و السفر أربعة فراسخ. و هو كما ترى (9).

أو دعوى: ان الحاضر- المعلق عليه وجوب غير التمتع- أمر عرفي، و العرف لا يساعد على أزيد من اثني عشر ميلا و هذا أيضا كما ترى (10).

______________________________

رأس اثني عشر ميلا كان دالا عليه أيضا، و لكنه مشكل بل ممنوع فراجع.

(6) منهم المحقق في الشرائع، و العلامة في القواعد. و نسب إلى المبسوط. و جعله أقوى في الجواهر.

(7) ان كان المراد الأصل العمليّ، فقد مرّ أنّ مقتضاه الاحتياط على نحو ما قلناه. و ان كان المراد الأصل اللفظي، فيأتي الإشكال فيه.

(8) إذ لم يثبت أصالة العموم و الإطلاق بالنسبة إلى ذات الحج من حيث هي بهذه العمومات و الإطلاقات. و انما هي بالنسبة إلى تكليف النائي و حينئذ نقول شمولها لمن بعد عن مكة بقدر ثمانية و أربعين ميلا معلوم و الأقل منه مشكوك، فلا يصح التمسك بها مع الشك، لأنّه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، مع أنّه لا وجه للتمسك بالقدر المتيقن بعد وجود مثل صحيح زرارة- المتقدم- المعمول به عند الفقهاء.

(9) لأنه من مجرّد الدعوى بلا دليل عليه من شرع أو عرف، إذ ليس كل لفظ «حاضر» استعمل في الكتاب و السنة في مقابل المسافر الشرعي، مع أنه لا وجه له بعد وجود الدليل المعتبر على الخلاف.

(10) فإنّه كما لا يساعد على أزيد من اثني عشر لا يساعد عليه أيضا لكونه من الترجيح بلا مرجح فلم لا يساعد على عشرة أميال أو أقلّ، مع أنّه لا

ص: 322

كما ان دعوى: ان المراد من ثمانية و أربعين التوزيع على الجهات الأربع، فيكون من كل جهة اثنى عشر ميلا منافية لظاهر تلك الأخبار (11).

و أما صحيحة حريز- الدالة على ان حد البعد ثمانية عشر ميلا- فلا عامل بها (12) كما لا عامل بصحيحتي حماد بن عثمان و الحلبي، الدالتين على أنّ الحاضر من كان دون المواقيت إلى مكة و هل يعتبر الحدّ المذكور من مكة أو من المسجد؟ وجهان، أقربهما الأول (13) و من كان على نفس

______________________________

وجه لمساعدة العرف و عدمها بعد ورود الدليل على التحديد، و العرف يرجع إليه ما لم يكن دليل شرعي في البين.

ثمَّ إنّه نسب هذا الاستدلال إلى كشف اللثام و غيره.

(11) هذه الدعوى نسبت إلى ابن إدريس و قصد بذلك رفع النزاع بين الأصحاب و وجه منافاته لظاهر الأخبار أنّ ظهور قوله (عليه السلام): «كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية» (1) في ان هذا الحد يلاحظ من كل طرف لا أنّه يوزع على الأطراف مما لا ينكر.

(12) تقديم صحيح حريز في القسم الثاني من الأخبار، و صحيحا حماد و الحلبي في القسم الرابع. و تقدم سقوطهما عن الاعتبار، لعدم وجدان عامل بها.

(13) لذكر لفظ «مكة» في صحيح زرارة، و صحة إطلاق مسجد الحرام على مكة كما في آية الإسراء (2) مع انه كان من بيت أم هاني مضافا إلى أنه لا معنى لاعتبار الحضور في مسجد الحرام من حيث هي، فالمناط مكة المكرمة و حواليها. و في المسألة قولان و ليس من مجرد الوجهين فراجع المطولات.

و الظاهر ابتناء المسألة على المسامحة العرفية، فيصح اعتبار الحد من

ص: 323


1- الوسائل باب: 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 3.
2- سورة الإسراء: الآية 2.

الحد فالظاهر أنّ وظيفته التمتع لتعليق حكم الإفراد و القران على ما دون الحد (14). و لو شك في كون منزله في الحد أو خارجه وجب عليه الفحص (15) و مع عدم تمكنه يراعي الاحتياط و إن كان لا يبعد القول بأنّه يجري عليه حكم الخارج (16)، فيجب عليه التمتع لأنّ غيره معلّق على عنوان الحاضر، و هو مشكوك فيكون كما لو شك في أنّ المسافة ثمانية

______________________________

حوالي مكة عرفا و لا يخفى أنّ حدّ مكة يختلف باختلاف الأزمنة، فأين حدّ مكة في زمان صدور الآية الشريفة من حدّها في هذه الأزمنة بل و في الأزمنة القديمة أيضا، لازدياد الأبنية فيها في كل قرن.

(14) فتدل تلك الأخبار على الحكم بالدلالة المطابقية و هذا هو المشهور بين الفقهاء أيضا.

(15) لكون الشبهة معرضا عرفيا للوقوع في مخالفة الواقع و كل ما كانت كذلك وجب فيها الفحص حكمية كانت الشبهة أو موضوعية، و تقدم نظائر كثيرة للمقام في الزكاة، و الخمس، و الاستطاعة، و نحوها و أثبتنا ذلك في كتاب [تهذيب الأصول] فراجع.

(16) لا وجه لجريان حكم الخارج عليه، و ذلك كما أنّ وجوب القران و الإفراد معلّق على أمر وجوديّ و هو عنوان الحضور، فكل ما لم يحرز ذلك العنوان لا يجب، فكذا وجوب التمتع علّق على عنوان وجوديّ و هو البعد عن مكة بحدّ معيّن محدود، فالتمسك بالدليل اللفظي لوجوب كل منهما تمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و الأصل الموضوعي لا يجري في كل منهما، لعدم العلم بالحالة السابقة. و الحكميّ يجري في كل منهما و يسقط بالتعارض، فلا بد من الاحتياط و هو يحصل بالإتيان بالعمرة أولا بقصد القربة المطلقة ثمَّ الإحرام للحج من مكة و الإتيان بتمام اعماله رجاء و الأحوط الإتيان بعمرة اخرى رجاء بعد الفراغ من الحج بناء على أنّه يعتبر في عمرة القران و الإفراد أن تكون بعد

ص: 324

فراسخ أولا، فإنّه يصلي تماما (17) لأنّ القصر معلّق على السفر، و هو مشكوك.

ثمَّ ما ذكر إنّما هو بالنسبة إلى حجة الإسلام، حيث لا يجزي للبعيد إلا التمتع، و لا للحاضر إلا الإفراد أو القران و أما بالنسبة إلى الحج الندبي فيجوز لكل من البعيد و الحاضر كل من الأقسام الثلاثة بلا إشكال و إن كان الأفضل اختيار التمتع (18) و كذا بالنسبة إلى الواجب غير حجة الإسلام،

______________________________

الحج في غير موارد الاضطرار و يأتي التفصيل في محلّه.

(17) القياس مع الفارق، لأنّ مقتضى الأصل الموضوعي و هو عدم تحقق المسافة، و الأصل الحكمي و هو استصحاب وجوب التمام وجوبه عليه إلا إذا ثبت انه مسافر شرعا و في المقام لا أصل كذلك لا موضوعا و لا حكما حتى يرجع إليه كما مر فراجع و تأمل.

(18) أما جواز الإتيان في الحج الندبيّ بكل واحد من الأقسام الثلاثة، فلإطلاقات الأدلة المرغبة في الحج بالسنة شتّى الغير القابلة للتقيد إلا بما هو المعلوم منه، و لأصالة البراءة عن التعين بعد الشك في وجوبه، و لظهور التسالم على عدم التعيين.

و أما أفضلية التمتع مطلقا، فلأخبار مستفيضة، و الإجماع بقسميه.

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن البختري: «المتعة و اللّه أفضل، و بها نزل القرآن، و جرت السنة» (1).

و في صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أيضا قال: «قلت له:

إني قرنت العام و سقت الهدى فقال (عليه السلام): و لم فعلت ذلك؟ التمتع و اللّه أفضل» (2).

ص: 325


1- الوسائل باب: 4 من أبواب أقسام الحج حديث: 8.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب أقسام الحج حديث: 17.

كالحج النذري و غيره (19).

مسألة 1: من كان له وطنان، أحدهما في الحدّ و الآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما

(مسألة 1): من كان له وطنان، أحدهما في الحدّ و الآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما، لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «من أقام بمكة سنتين هو من أهل مكة و لا متعة له، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام):

أرأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكة؟ فقال (عليه السلام): فلينظر أيهما الغالب (20) فإن تساويا فإن كان مستطيعا من كل منهما تخيّر بين الوظيفتين و إن كان الأفضل اختيار التمتع (21) و إن كان مستطيعا من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة (22).

______________________________

و قول أبي جعفر (عليه السلام): «المتمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من المفرد السائق للهدي. و كان يقول: ليس يدخل الحاج بشي ء أفضل من المتعة» (1) إلى غير ذلك مما هي مستفيضة، بل متواترة.

(19) لأنّ المنساق من الأدلة و الكلمات خصوص حجة الإسلام الواجبة في العمر مرة، فيرجع في غيره إلى أصالة البراءة عن التعين، لأنّ الشك في أصل التكليف عدا إذا أطلق النذر و إن قيده بحج خاص تعيّن كما أنّ الحج الإفسادي تابع لما أفسده، لما يأتي في محله.

(20) تمام الحديث: «فهو من أهله» (2).

(21) أما التخيير، فلظهور الإطلاق و الاتفاق، و تقيد الإطلاق بخصوص أحد الفردين من الترجيح بلا مرجّح، فيتحقق لا محالة التخيير العقلي. و أما أفضلية التمتع، فلنصوص تقدم بعضها فراجع.

(22) ان صلح ذلك للترجيح، و لكنّه ممنوع، إذ لا دليل على الترجيح به

ص: 326


1- الوسائل باب: 4 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.

مسألة 2: من كان من أهل مكة و خرج إلى بعض الأمصار ثمَّ رجع إليها

(مسألة 2): من كان من أهل مكة و خرج إلى بعض الأمصار ثمَّ رجع إليها، فالمشهور (23) جواز حج التمتع له و كونه مخيّرا بين الوظيفتين، و استدلوا بصحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار ثمَّ يرجع إلى مكة فيمرّ ببعض المواقيت إله أن يتمتع؟ قال (عليه السلام): ما أزعم ان ذلك ليس له لو فعل و كان الإهلال أحبّ إليّ» و نحوها صحيحة أخرى عنه، و عن عبد الرحمن بن أعين عن أبي الحسن (عليه السلام) (24) و عن ابن أبي عقيل:

عدم جواز ذلك، و أنّه يتعيّن عليه فرض المكي إذا كان الحج

______________________________

من شرع أو عرف، فيبقى الإطلاق المقتضي للتخيير العقلي بحاله.

نعم، هو الأحوط لكونه من احتمال الترجيح احتمالا ضعيفا.

(23) يظهر ذلك عن جمع- منهم المحقق، و العلامة- (رحمهم اللّه تعالى.

ثمَّ ان قوله (عليه السلام): «و كان الإهلال بالحج أحبّ إليّ» (1) المراد به حج التمتع.

(24) و لا إشكال في صحة سندهما أما الأول، فكما ذكر في المتن و أما الثاني فعن ابن الحجاج و ابن أعين قالا: «سألنا أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار، ثمَّ رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) له أن يتمتع؟ فقال (عليه السلام): أزعم ان ذلك ليس له، و الإهلال بالحج أحبّ إليّ، و رأيت من سأل أبا جعفر (عليه السلام) و ذلك أول ليلة من شهر رمضان- فقال له: جعلت فداك إني قد نويت أن أصوم بالمدينة قال (عليه السلام): تصوم إن شاء اللّه تعالى قال له: و أرجو أن يكون خروجي في عشر من شوال فقال تخرج إن شاء اللّه فقال له: قد نويت أن

ص: 327


1- الوسائل باب: 7 من أبواب أقسام الحج حديث: 2.

واجبا عليه، و تبعه جماعة لما دل من الأخبار على أنّه لا متعة لأهل مكة و حملوا الخبرين على الحج الندبي، بقرينة ذيل الخبر الثاني (25) و لا يبعد قوّة هذا القول مع انه أحوط لأنّ الأمر دائر بين التخيير

______________________________

أحج عنك أو عن أبيك فكيف أصنع؟ فقال له: إن اللّه ربما منّ عليّ بزيارة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و زيارتك، و السلام عليك و ربما حججت عنك، و ربما حججت عن بعض إخواني أو عن نفسي فكيف أصنع؟ فقال له: تمتع، فرد عليه القول ثلاث مرات يقول: إنّي مقيم بمكة و أهلي بها، فيقول: تمتع، فسأله بعد ذلك رجل من أصحابنا فقال: إنّي أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر يعني شوال، فقال له:

أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل: إنّ أهلي و منزلي بالمدينة، ولي بمكة أهل و منزل، و بينهما أهل و منازل، فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: فإنّ لي ضياعا حول مكة و أريد أن أخرج حلالا، فإذا كان إبان الحج حججت»(1).

(25) لا ريب في ظهور الذيل في الندب، و لكن ظهور بعض جملات الخبر في الندب لا يضرّ بظهور جملة أخرى منه في الإطلاق الشامل للواجب و المندوب، فيصح الأخذ بإطلاق الصدر بلا تناف بينه و بين الذيل الظاهر في الندب، لكونهما مسألتان لا ربط لأحدهما بالآخر، بل قوله (عليه السلام): «و كان الإهلال أحبّ إليّ» (2)ظاهر في الواجب، لمعلومية أفضلية التمتع في المندوب عند الشيعة بلا احتياج إلى بيانه (عليه السلام).

و أشكل على ظهور الإطلاق تارة: باستبعاد عدم حجة الإسلام من المكي كما في الخبر. و اخرى: بإمكان حمله على التقية، كما عن كشف اللثام. و ثالثة:

بمعارضته بقوله (عليه السلام): «و أهل مكة لا متعة لهم» (3) الموافق للكتاب،

ص: 328


1- الوسائل باب: 7 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب أقسام الحج حديث: 2.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.

و التعيين، و مقتضى الاشتغال هو الثاني (26) خصوصا إذا كان مستطيعا حال كونه في مكة فخرج قبل الإتيان بالحج، بل يمكن أن يقال: إنّ محل كلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها (27) و أما إذا كان مستطيعا فيها قبل خروجه منها فيتعين عليه فرض أهلها (28).

مسألة 3: الآفاقي إذا صار مقيما في مكة

(مسألة 3): الآفاقي إذا صار مقيما في مكة، فإن كان ذلك بعد

______________________________

و النصوص المستفيضة. و رابعة: بإمكان الحمل على من هجر مكة و أراد الاستيطان في غيرها.

و الكل مردود، لأن مجرد الاستبعاد لا ينافي ظهور الإطلاق و الحمل على التقية خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بعد الاضطرار إليه، مع ان الترغيب إلى التمتع و لو تخييرا خلاف التقية فكيف يحمل عليها، كما لا وجه للمعارضة، لكون أدلة المقام مخصصا لقوله (عليه السلام): «و أهل مكة لا متعة لهم» و الحمل على من أراد الاستيطان خلاف الظاهر يحتاج إلى قرينة و هي مفقودة، بل مقتضى الأصل عدم هذا القصد فلا محيص إلّا من الرجوع إلى الإطلاق المقتضي للتخيير، مع أنّ في قوله (عليه السلام): «ما أزعم أنّ ذلك ليس له» (1)تنصيص و تأكيد للجواز.

(26) اما كون الذيل قرينة لحمل الصدر على الندب، فلا وجه له لظهور السياق في تعدد الحكمين، كما لا وجه لجريان قاعدة الاشتغال مع وجود الإطلاق، مع ان جريانها في مورد دوران الأمر بين التعيين و التخيير أول الكلام كما فصّل في الأصول فراجع كتابنا [تهذيب الأصول].

(27) لكنه من مجرد الدعوى، و مخالف لإطلاق كلامهم، و إطلاق النصوص.

(28) لأصالة بقاء تكليفه الفعلي و عدم تبدله.

ص: 329


1- الوسائل باب: 7 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.

استطاعته و وجوب التمتع عليه فلا إشكال في بقاء حكمه، سواء كانت إقامته بقصد التوطّن أو المجاورة و لو بأزيد من سنتين (29) و أمّا إذا لم يكن مستطيعا ثمَّ استطاع بعد اقامته في مكة فلا إشكال في انقلاب فرضه إلى فرض المكي في الجملة (30) كما لا إشكال في عدم الانقلاب بمجرّد الإقامة (31) و إنّما الكلام في الحدّ الذي به يتحقّق الانقلاب، فالأقوى ما هو المشهور، من أنّه بعد الدخول في السنة الثالثة، لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة و لا متعة له» و صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق (عليه السلام): «المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين، فإذا جاوز سنتين كان قاطنا و ليس له أن يتمتع».

و قيل: بأنه بعد الدخول في الثانية، لجملة من الأخبار (32) و هو

______________________________

و فيه: أنّه لا وجه لجريان الأصل مع وجود الإطلاق في النصوص و الكلمات، فما هو المشهور هو المتعين بلا فرق بين كون الاستطاعة فيهما أو في الخارج أو في مكة قبل الخروج ثمَّ خرج.

(29) للأصل، و الإجماع الذي به يقيد إطلاق الأخبار الآتية لو كان شاملا لهذا الفرض.

(30) لكونه من المسلّمات، نصا، و فتوى بنحو الإجمال.

(31) للإجماع، و النصوص التي يأتي بعضها.

(32) نسب هذا القول إلى المقنع، و الدروس، و كشف اللثام، لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة- قال الراوي- يعني: يفرد الحج مع أهل مكة و ما كان دون السنة فله أن يتمتع» (1).

ص: 330


1- الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 8.

ضعيف، لضعفها بإعراض المشهور عنها، مع ان القول الأول موافق للأصل (33)، و أما القول بأنّه بعد تمام ثلاث سنين، فلا دليل عليه إلا الأصل المقطوع بما ذكر مع أن القول به غير محقق، لاحتمال إرجاعه إلى القول المشهور بإرادة الدخول في السنة الثالثة، و أما الأخبار الدالة على أنّه بعد ستة أشهر أو بعد خمسة أشهر، فلا عامل بها مع احتمال صدورها تقية،

______________________________

و قال أبو جعفر (عليه السلام): «من دخل مكة بحجة عن غيره ثمَّ أقام سنة فهو مكي» (1).

و في صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) في القاطنين في مكة: «إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة» (2).

و مثله قوله (عليه السلام) في خبر حماد: «إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكة» (3).

(33) أي أصالة عدم الانقلاب. و أشكل على المشهور تارة: بأن المراد بالسنتين الدخول فيها لاتمامهما. و أخرى: بأن المراد من سنتي الحج الزمان الذي يمكن فيه وقوع حجتين كما في شهر الحيض. و ثالثة: بأن الدخول في الثانية موافق للاعتبار.

و الكل باطل اما الأول فلأنّ التوجيه فرع اعتبار الخبر و مع الإعراض عما دل على التحديد بالنسبة و معارضته بغيره، و كون المعارض أقوى لا يكون معتبرا حتى يوجه فهو توجيه باطل في فرض باطل.

و ثانيا: بأنه لا شاهد على أنّ المراد بالسنتين الدخول في الثانية و هو خلاف الظاهر و كذا كون المراد بها الزمان الذي يمكن فيه وقوع حجتين و أما أنّ

ص: 331


1- الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 9.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 3.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 7.

و إمكان حملها على محامل أخر (34) و الظاهر من الصحيحين: اختصاص الحكم بما إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة، فلو كانت بقصد التوطن فينقلب بعد قصده من الأول (35) فما يظهر من بعضهم من كونها أعمّ لا وجه له (36) و من الغريب ما عن آخر، من الاختصاص بما إذا كانت بقصد

______________________________

السنة موافق للاعتبار فهو من مجرد الادعاء بلا بينة و شاهد كما هو واضح.

(34) قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح حفص: «ان كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع، و إن كان أقل من ستة أشهر فله أن يتمتع» (1).

و عنه (عليه السلام): «من أقام بمكة خمسة أشهر فليس له أن يتمتع» (2).

ثمَّ إنّ المراد بالتقية في المقام يمكن أن يكون إلقاء الخلاف في نقل الحديث لمصالح تقتضي ذلك و من المحامل الآخر حملها على المتوطن في مكة و لكن رد علم هذه الأخبار إلى أهله أولى من ذلك كله، مع اتفاق الفتوى على خلافها.

(35) لأنّ المنساق من هذه الأخبار إنّما هو الإلحاق الحكمي و من قصد الاستيطان يكون موضوعا من أهل مكة بلا احتياج إلى السؤال و البيان، و العرف أصدق شاهد عليه.

فهناك عناوين ثلاثة: الزائر الوارد في مكة من الخارج، و المجاور فيها، و المتوطن في مكة. و لا تحديد للأول و الأخير شرعا بل هما موكولان إلى العرف و إنما ورد التحديد للثاني شرعا بتمام سنتين و الدخول في الثالثة فيتبدل حكمه حينئذ.

(36) لأنّه بعد صدق كونه متوطنا في مكة مع البناء على الاستيطان و تهيئة أسباب ذلك لا يعقل وجه صحيح للتحديد بل يكون لغوا و المراد بالبعض

ص: 332


1- الوسائل باب: 8 من أبواب أقسام الحج حديث: 3.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.

التوطن (37).

ثمَّ الظاهر أنّ في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكي بالنسبة إلى الاستطاعة أيضا (38)، فيكفي في وجوب الحج الاستطاعة من مكة، و لا يشترط فيه حصول الاستطاعة من بلده (39)، فلا وجه لما يظهر من صاحب الجواهر، من اعتبار استطاعة النائيّ في وجوبه، لعموم أدلتها و أنّ الانقلاب إنّما أوجب تغير نوع الحج، و أما الشرط فعلى ما عليه (40)، فيعتبر بالنسبة إلى التمتع هذا و لو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكة لكن قبل مضي السنتين، فالظاهر أنّه كما لو حصلت في بلده، فيجب عليه

______________________________

صاحبا المدارك و الجواهر.

(37) لكونه مخالفا للنص (1)، و الإجماع كما في المسالك.

(38) لأنّ ذلك من لوازم إطلاق الحكم بالانقلاب عرفا، فيدل إطلاق الحكم على كفاية الاستطاعة من مكة بالملازمة العرفية.

(39) لظهور الإطلاق في كفاية الاستطاعة المكية، و أصالة البراءة عن اعتبار الاستطاعة البلدية، بل الظاهر كفاية الاستطاعة من مكة قبل الانقلاب أيضا لكن لحج التمتع الذي يكون وظيفته فعلا، لما تقدم من انه لا تعتبر الاستطاعة من البلد بل من أيّ محلّ حصلت الاستطاعة يجب الحج عليه بحسب تكليفه الفعلي راجع [مسألة 6] من مسائل اشتراط الاستطاعة.

(40) لا محصّل لهذا الكلام و هو مختل النظام فإنه إن أريد به اعتبار الاستطاعة من بلده فعلا في وجوب الحج المكي عليه فهو لغو محض و إن أريد أنّه مع عدم الاستطاعة من البلد، فإن حج ثمَّ رجع إلى محله و استطاع منه يجب عليه الحج ثانيا، فهو مخالف لما دل على أنّ حجة الإسلام واحدة في العمرة مرّة

ص: 333


1- راجع الوسائل باب: 8 و 9 من أبواب أقسام الحج.

التمتع (41).

و لو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد (42) فالمدار على حصولها بعد الانقلاب (43).

و أما المكي إذا خرج إلى سائر الأمصار مقيما بها، فلا يلحقه حكمها في تعيّن التمتع عليه، لعدم الدليل و بطلان القياس إلا إذا كانت الإقامة فيها بقصد التوطن، و حصلت الاستطاعة بعده، فإنّه يتعيّن عليه التمتع بمقتضى القاعدة، و لو في السنة الأولى (44) و أما إذا كانت بقصد المجاورة، أو كانت الاستطاعة حاصلة في مكة فلا (45).

______________________________

و لا تعدد فيها و إن أريد به غير ذلك فهو مأخوذ بدليله و لا دليل له من عقل أو نقل أو عرف.

(41) لإطلاق أدلة وجوبه من غير تقييد حينئذ. هذا إذا وقع حجه قبل التجاوز عن السنتين و أما إذا كان بعدهما فمقتضى إطلاق ما تقدم من صحيح زرارة (1) وجوب القران و الإفراد عليه. و طريق الاحتياط أن يأتي أولا بالعمرة بقصد القربة ثمَّ يحرم للحج من مكة و يأتي بعمرة رجاء على الأحوط.

(42) لتنجز التكليف بحج التمتع بالنسبة إليه حينئذ فيستصحب بقاءه.

(43) لأنه المنساق من الأدلة عرفا.

(44) لكونه ناءيا عن المسجد الحرام و غير حاضر، فيشمله عموم دليل وجوب التمتع و إطلاقه فيصير وجوب التمتع عليه، للإطلاقات و العمومات الشاملة له حينئذ.

(45) أما في الصورة الأولى، فلصدق كونه من أهل مكة و من حاضري المسجد الحرام. و أما في الصورة الأخيرة، فلأصالة بقائه، و ظهور الإجماع على

ص: 334


1- الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.

نعم، الظاهر دخوله حينئذ في المسألة السابقة (46) فعلى القول بالتخيير فيها- كما عن المشهور- يتخيّر و على قول ابن أبي عقيل يتعيّن عليه وظيفة المكي.

مسألة 4: المقيم في مكة إذا وجب عليه التمتع

اشارة

(مسألة 4): المقيم في مكة إذا وجب عليه التمتع كما إذا كانت استطاعته في بلده، أو استطاع في مكة قبل انقلاب فرضه- فالواجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتع (47)

و اختلفوا في تعيين ميقاته على أقوال
اشارة

و اختلفوا في تعيين ميقاته على أقوال:

أحدها: أنه مهل أرضه

أحدها: أنه مهل أرضه (48) ذهب إليه جماعة، بل ربما يسند إلى المشهور- كما في الحدائق- لخبر سماعة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن المجاور إله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال (عليه السلام): نعم يخرج إلى مهل أرضه فليلب إن شاء» المعتضد بجملة من

______________________________

عدم تغيره.

(46) لصدق كونه مكيا و خرج إلى بعض الأمصار ثمَّ رجع إليها، فيشمله صحيح عبد الرحمن (1).

(47) للأصل، و الإجماع، و إطلاق أدلة تكليفه الفعلي.

(48) بضم الميم أي: الميقات و محل الإحرام و يسمى بذلك، لأن الإهلال بمعنى رفع الصوت و حيث يرفع الصوت بالتلبية يسمى المحل باسم الحال.

و لا بد من بيان مقتضى القاعدة أولا ثمَّ التعرض لما يتعلق بالمقام و هي: ان مقتضى الأصل و الإطلاق عدم وجوب العبور على ميقات خاص على الافاقي لا نفسا و لا شرطا بل هو مخير في العبور من أي ميقات شاء و أراد و الإحرام منه.

و مقتضى الاستصحاب بقاء هذا الحكم للافاقي المقيم في مكة ما لم ينقلب

ص: 335


1- الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.

الأخبار الواردة في الجاهل و الناسي (49) الدالة على ذلك بدعوى: عدم خصوصية للجهل و النسيان (50) و إن ذلك لكونه مقتضى حكم التمتع.

و بالأخبار الواردة في توقيت المواقيت و تخصيص كل قطر بواحد منها أو من مرّ عليها بعد دعوى أن الرجوع إلى الميقات غير المرور عليه (51).

ثانيها: أنه أحد المواقيت المخصوصة

ثانيها: أنه أحد المواقيت المخصوصة مخيّرا بينها و إليه ذهب جماعة

______________________________

تكليفه إلا أن يدل دليل معتبر غير معارض على الخلاف و ذكر مهل أرضه في خبر سماعة (1) من باب الغالب و المثال لا الخصوصية و كذا أدنى الحل في غيره- كما سيأتي- و حينئذ فتتفق جميع الأخبار في مفادها و تتطابق مع الأصل و الإطلاق أيضا و يرتفع الاختلاف من البين.

و يمكن استفادة ذلك من كلمة: «إن شاء» الواردة في خبر سماعة بجعله قيدا للخروج إلى مهل أرضه يعني: انه مخير في الرجوع إلى مهل أرضه إن شاء ذلك.

(49) يأتي التعرض لهذا الفرع في [مسألة 6] من (فصل أحكام المواقيت) فراجع.

(50) بدعوى: أن ذكرهما من باب المثال لكل من يكون تكليفه حج التمتع و هو في مكة و لم ينقلب تكليفه إلى حج القران أو حج الافراد فيشمل المقام أيضا.

(51) فإنّه لو كان الرجوع إلى الميقات عبارة أخرى عن المرور عليه لثبت التخيير بلا إشكال كما في المرور، لأنّ المار مخيّر في المرور على أيّ ميقات شاء و أراد و لم يقم دليل على كون الرجوع إلى الميقات مخالفا للمرور عليه بل هما متحدان في إرادة الكون لقصد النسك فيه و هو الجامع القريب بينهما.

ص: 336


1- الوسائل باب: 8 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.

اخرى، لجملة أخرى من الأخبار (52) مؤيدة بأخبار المواقيت بدعوى:

عدم استفادة خصوصية كل بقطر معيّن (53).

______________________________

(52) أما الجماعة الأخرى فمنهم الشهيدان، و يظهر من المحقق و غيره أيضا.

و أما الأخبار فمنها قول أبي جعفر (عليه السلام): في مرسل حريز: «من دخل مكة بحجة عن غيره ثمَّ أقام سنة فهو مكيّ فإذا أراد أن يحج عن نفسه أو أراد أن يعتمر بعد ما انصرف من عرفة فليس له أن يحرم من مكة و لكن يخرج إلى الوقت و كل ما حول رجع إلى الوقت» (1).

و منها: موثق سماعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «من حج معتمرا في شوال و من نيته أن يعتمر و يرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك. و إن هو أقام إلى الحج فهو يتمتع، لأنّ أشهر الحج: شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة، فمن اعتمر فيهنّ و أقام إلى الحج فهي متعة، و من رجع إلى بلاده و لم يقم إلى الحج فهي عمرة. و إذا اعتمر في شهر رمضان أو قبله و أقام إلى الحج فليس بمتمتع و إنّما هو مجاور أفرد العمرة. فإن هو أحبّ أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة إلى الحج. فإن هو أحبّ أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها» (2).

و منها: خبر إسحاق بن عبد اللّه: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المعتمر «المقيم» بمكة، يجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى؟ فقال (عليه السلام):

يتمتع أحبّ إليّ و ليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين» (3).

(53) فيشمل النائي العابر عليها و المقيم في مكة الراجع إليها و يعضده الأصل كما مر، و سهولة الشريعة في هذا التكليف المشتمل على المشقة

ص: 337


1- الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 9.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب أقسام الحج حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب أقسام الحج حديث: 20.
ثالثها: أنه أدنى الحل

ثالثها: أنه أدنى الحل نقل عن الحلبي، و تبعه بعض متأخري المتأخرين (54) لجملة ثالثة من الأخبار (55) و الأحوط الأول و إن كان الأقوى الثاني، لعدم فهم الخصوصية من خبر سماعة (56) و أخبار الجاهل

______________________________

خصوصا في الأزمنة القديمة.

(54) كالأردبيلي، و صاحبي المدارك و الكفاية.

(55) منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة، أو الحديبية أو ما أشبهها» (1).

و الحديبية، و الجعرانة من حدود الحرم كما يأتي في العاشر من المواقيت.

و في صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): لأهل مكة أن يتمتعوا؟ قال (عليه السلام): لا، ليس لأهل مكة أن يتمتعوا قلت: و القاطنون بها؟

قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة. فإن أقاموا شهرا فإن لهم أن يتمتعوا. قلت: من أين؟ قال (عليه السلام): يخرجون من الحرم. قلت: من أين يهلون بالحج؟ قال (عليه السلام): من مكة نحوا مما يقول الناس» (2).

و في رواية حماد: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن أهل مكة أ يتمتعون؟ قال: (عليه السلام): ليس لهم متعة. قلت: فالقاطن بها؟ قال (عليه السلام): إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكة قلت: فإن مكث شهرا؟

قال (عليه السلام): يتمتع قلت: من أين يحرم؟ قال: يخرج من الحرم» (3).

(56) أما كون الأول أحوط، فللاتفاق على جوازه. و أما عدم فهم الخصوصية من خبر سماعة، فلما تقدم من ثبوت التخيير له قبل الوصول إلى

ص: 338


1- الوسائل باب: 22 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 3.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 7.

..........

______________________________

الميقات، و مقتضى الأصل بقاؤه، فيكون ذكر مهل أرضه من باب الغالب في تلك الأزمنة لقلة وسائل النقل فيها فكان أهل كل أرض يعبر عن مهل أرضه و يرجع عنه غالبا فلا وجه لتقييد مرسل حريز بعد كون القيد غالبيا.

مع أن قوله (عليه السلام) في المرسل: «كل ما حول رجع إلى الوقت» (1) في مقام بيان جعل القاعدة الكلية لا تصلح للتقييد إلا بما هو أقوى منها في الدلالة.

ثمَّ انه يمكن حمل خبر سماعة (2) على الأفضلية التي لا ريب في ثبوتها حتى يرفع التنافي من البين كما هو عادة الفقهاء في الجميع بين مثل هذه الأخبار.

و أما قوله (عليه السلام) في موثق سماعة: «فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق و عسفان» (3) فلا ريب في أنّه لا موضوعية للتجاوز عنهما، بل يكون ذلك طريقا للوصول إلى الميقات و ليس كل منهما في ناحية واحدة بل الاولى في طريق العراق و الأخيرة في طريق المدينة فهو أيضا بيان للوصول إلى إحدى المواقيت من غير تعين و الاقتصار عليها من دون بيان طرق سائر المواقيت من باب الاقتصار عن الكل بذكر البعض.

كما أنّ قوله (عليه السلام) في خبر ابن عمار: «و ليكن إحرامه من مسير ليلة أو ليلتين (4) لبيان ذلك أيضا.

و خلاصة ذلك كله: إن هذا التقريب للخروج إلى أيّ ميقات شاء من غير تعيين منه (عليه السلام) لذلك و حمل الليلة على من كان ميقاته بقدر ليلة و الليلتين على من كان ميقاته بقدرهما، و كذا في ذات عرق و عسفان بلا شاهد عليه من العقل و النقل.

ص: 339


1- تقدمت في صفحة: 337.
2- تقدمت في صفحة: 337.
3- تقدمت في صفحة: 337.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب أقسام الحج حديث: 20.

و الناسي (57) و أنّ ذكر المهل من باب أحد الأفراد (58) و منع خصوصية للمرور في الأخبار العامة الدالة على المواقيت (59) و أما أخبار القول الثالث- فمع ندرة العامل بها (60)- مقيدة بأخبار المواقيت أو محمولة على صورة العذر (61)، ثمَّ الظاهر، أنّ ما ذكرنا حكم كل من كان في مكة و أراد الإتيان بالتمتع و لو مستحبا (62) هذا كله مع إمكان الرجوع إلى

______________________________

(57) لأن في جميع تلك الأخبار ذكر «الناسي» أو «الجاهل» أو «الحائض» التي تركت الإحرام جهلا (1) في كلام السائل و مورد السؤال. و المعروف أنّ المورد لا يكون مخصصا لإطلاق الجواب.

(58) و الغالب بحسب تلك الأزمنة و ما كان بحسب الغالب لا يصلح للتقييد كما ثبت في محله.

(59) بل المناط كله الكون فيها مع إرادة فعل النسك سواء كان ذلك بالمرور بها أو الرجوع إليها، و مع هذه الاحتمالات يكفي أصالة البراءة عن تعين ميقات خاص ان فرض إجمال الدليل كيف و قد استظهرنا عدم الإجمال.

(60) إذ لم يعمل بها إلا الحلبي، و الأردبيلي، و بعض تلامذته فهي موهونة بإعراض المشهور، مع موافقتها للعامة، مضافا إلى اشتهار كون أدنى الحل ميقاتا للعمرة المفردة عند الشيعة في كل عصر يمنع عن استفادة غير ذلك من مثل هذه الأخبار، مع ان من عادة الأردبيلي (رحمه اللّه) التشكيك في جملة من المسلّمات، و كذا بعض تلامذته (قدس سرهم).

(61) كما يأتي ذلك في أحكام المواقيت إن شاء اللّه تعالى.

(62) لإطلاق ما مرّ من الأخبار، مع أنّ بعضها ظاهر في الحج المندوب فراجع.

ص: 340


1- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت.

المواقيت و أما إذا تعذر، فيكفي الرجوع إلى أدنى الحل (63) بل الأحوط الرجوع إلى ما يتمكن من خارج الحرم مما هو دون الميقات (64) و إن لم يتمكن من الخروج إلى أدنى الحل أحرم من موضعه و الأحوط الخروج إلى ما يتمكن.

______________________________

فرع: لو أراد أهل مكة الإتيان بحج التمتع فظاهرهم التسالم على لزوم خروجه إلى إحدى المواقيت و الإحرام منه و يأتي التفصيل في فصل المواقيت.

(63) على المشهور المتسالم عليه و قد عدّ ذلك من القطعيات بين الفقهاء (رحمهم اللّه).

(64) لقاعدة «الميسور». و إن نوقش في جريانها في مثل المقام، لعدم الجبر بالعمل فيه، و كذا في الفرع التالي، مع تجديد التلبية في الموردين على الأحوط.

ص: 341

فصل صورة حج التمتع على الإجمال

اشارة

فصل صورة حج التمتع (65) على الإجمال: أن يحرم في أشهر الحج

______________________________

(66) من الميقات بالعمرة المتمتع بها إلى الحج، ثمَّ يدخل مكة فيطوف فيها بالبيت سبعا، و يصلي ركعتين في المقام، ثمَّ يسعى لها بين الصفا و المروة سبعا، ثمَّ يطوف للنساء احتياطا- و إن كان الأصح عدم وجوبه-

(67) و يقصّر ثمَّ ينشئ إحراما للحج من مكة في وقت يعلم أنّه يدرك الوقوف بعرفة- و الأفضل إيقاعه يوم التروية ثمَّ يمضي إلى عرفات فيقف

(65) و يسمّى بالمتعة أيضا لأن الحاج يتحلل بين عمرته و حجه فيتلذذ و ينتفع بما حرم عليه بالإحرام.

و صورة حج الإفراد أن يحرم للحج من حيث يجوز له الإحرام، فيمضي إلى عرفات و يقف بها ثمَّ إلى المشعر فيقف بها أيضا، فيأتي منى فيقضي مناسكه- كما في حج التمتع بلا فرق بينهما إلا في الهدى فلا يجب في حج الإفراد- ثمَّ يأتي مكة و يأتي بالطواف و صلاته ثمَّ يأتي بالسعي ثمَّ يطوف للنساء و يصلي ركعتيه و لا تجب فيه العمرة بالذات و قد تجب بالعرض. و يسمّى إفرادا لانفصاله عن العمرة و عدم ارتباطه بها.

و حج القران كالإفراد إلا في سياق الهدي عند عقد الإحرام و لذلك سمى بالقران.

(66) و هي: شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة بتمامه كما يأتي تفصيله.

(67) بل لا يجب، إجماعا، و نصوصا.

منها: صحيح صفوان بن يحيى قال: «سأله أبو حارث عن رجل تمتع»

ص: 342

بها من الزوال إلى الغروب (68) ثمَّ يفيض و يمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه، و يقف به بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (69) ثمَّ يمضي إلى منى فيرمي جمرة العقبة، ثمَّ ينحر أو يذبح هديه و يأكل منه، ثمَّ يحلق أو يقصّر، فيحل من كل شي ء إلّا النساء و الطيب و الأحوط اجتناب الصيد أيضا و إن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام (70).

ثمَّ هو مخير بين أن يأتي إلى مكة ليومه، فيطوف طواف الحج، و يصلي ركعتيه، و يسعى سعيه فيحل له الطيب ثمَّ يطوف طواف النساء و يصلي ركعتيه فتحل له النساء، ثمَّ يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها

______________________________

بالعمرة إلى الحج، فطاف و سعى، و قصّر هل عليه طواف النساء؟ قال (عليه السلام): لا إنّما طواف النساء بعد الرجوع من منى» (1).

و أما خبر المروزي عن الفقيه (عليه السلام) قال: «إذا حج الرجل، فدخل مكة متمتعا، فطاف بالبيت، و صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) و سعى بين الصفا و المروة، و قصّر، فقد حل له كل شي ء ما خلا النساء لأن عليه- لنحله النساء- طوافا و صلاة» (2) فهو ضعيف سندا و شاذ، إذ لم يوحد عامل به و إن أسنده في الدروس إلى النقل و لكنه لم يعين الناقل و لا عينه أحد غيره أيضا.

(68) أي: من يوم عرفة.

(69) أي: من يوم النحر، و كذا أعمال منى على تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالى.

(70) بل يحرم من حيث الحرم بلا إشكال كما يأتي.

ص: 343


1- الوسائل باب: 82 من أبواب الطواف حديث: 6.
2- الوسائل باب: 82 من أبواب الطواف حديث: 7.

ليالي التشريق و هي: الحادي عشر، و الثاني عشر و الثالث عشر و يرمي في أيامها الجمار الثلاث، و أن لا يأتي إلى مكة ليومه بل يقيم بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر و مثله يوم الثاني عشر- ثمَّ ينفر بعد الزوال إذا كان قد اتقى النساء و الصيد. و إن أقام إلى النفر الثاني- و هو الثالث عشر- و لو قبل الزوال- لكن بعد الرمي- جاز أيضا ثمَّ عاد إلى مكة للطوافين و السعي، و لا إثم عليه في شي ء من ذلك، على الأصح (71) كما أنّ الأصح الاجتزاء بالطواف و السعي تمام ذي الحجة (72) و الأفضل الأحوط هو

______________________________

(71) لجملة من النصوص:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر، إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الاحداث و المعاريض» (1).

و في خبر ابن عمار قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن زيارة البيت تؤخر إلى اليوم الثالث؟ قال (عليه السلام): تعجيلها أحبّ إليّ. و ليس به بأس إن أخّره» (2).

و أما قوله (عليه السلام) في صحيح ابن حازم: «لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت» (3) و نحوه صحيح ابن مسلم (4)عن أبي جعفر (عليه السلام): «سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال (عليه السلام): يوم النحر» محمول على استحباب التعجيل بقرينة ما تقدم من الأخبار.

(72) أما التأخير إلى آخر أيام التشريق، فلجملة من النصوص.

ص: 344


1- الوسائل باب: 1 من أبواب زيارة البيت حديث: 9.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب زيارة البيت حديث: 10.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب زيارة البيت حديث: 5.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب زيارة البيت حديث:

اختيار الأول، بأن يمضي إلى مكة يوم النحر. بل لا ينبغي التأخير لغده- فضلا عن أيام التشريق- إلا لعذر (73).

______________________________

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «لا بأس إن أخرت زيارة البيت إلى أن تذهب أيام التشريق، إلا أنك لا تقرب النساء، و لا الطيب» (1)، و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح قال (عليه السلام): لا بأس أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق» (2).

و أما التأخير إلى آخر ذي الحجة فلإطلاق مثل هذه الأخبار، و ظهور الإجماع من كل من قال بجواز التأخير إلى آخر أيام التشريق.

(73) خروجا عن خلاف من حرّم التأخير عن الغد للتمتع اختيارا. و نسبه العلامة في المنتهى إلى علمائنا، و لكنه خالف نفسه في المختلف. هذا مع الاختلاف بين الأصحاب، فذهب جمع كثير منهم إلى جوازه عمدا فكيف يثبت مثل هذا الإجماع و على أيّ تقدير، فعدم جواز التأخير عمدا لو ثبت فهو تكليفيّ محض لا أن يوجب بطلان الطواف و الحج فلا يوجب إلا الإثم و هو يزول بالاستغفار و حيث تأتي جميع هذه المسائل مفصلا فلا وجه للتعرض بأكثر من ذلك.

ص: 345


1- الوسائل باب: 1 من أبواب زيارة البيت حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب زيارة البيت حديث: 2.

..........

______________________________

الفرق بين حج التمتع و حجي الافراد و القران الأول: وجوب العمرة في الأول دون الأخيرين إلا إذا وجبت بالنذر و نحوه.

الثاني: تقدم العمرة في التمتع بخلاف الإفراد و القران إن وجبت.

الثالث: اعتبار كون النسكين في عام واحد في الأول بخلافهما فإنّه لا يجب فيها ذلك إلا بالنذر أو نحوه.

الرابع: اعتبار كون عمرة التمتع في أشهر الحج بخلاف الإفراد و القران إلا ان وجبت بنذر أو نحوه.

الخامس: لا يجوز الخروج للتمتع إلا إذا رجع قبل شهر بخلافهما فيجوز الخروج لهما متى شاء.

السادس: محل الإحرام لحج التمتع بطن مكة و لهما إحدى المواقيت أو منزلهما إن كان دون الميقات.

نعم، لو كانا من أهل مكة يحرمان منها.

السابع: محل الإحرام للعمرة التمتعية من الميقات أو ما في حكمه بخلاف عمرتهما لو وجبت فإنه من أدنى الحل لو كان في الحرم و لو كان خارجا فمن أي ميقات يمرّ عليه فيكون مثل التمتعية حينئذ.

الثامن: المتمتع يقطع التلبية في العمرة إذا شاهد بيوت مكة بخلاف المفردة فإنه يقطعها عند مشاهدة الكعبة.

التاسع: لا طواف للنساء في عمرة التمتع بخلاف عمرتهما فيتكرر طواف النساء فيهما حجا و عمرة.

العاشر: يجوز للمفرد و القارن تقديم الطواف و السعي على الوقوفين

ص: 346

و يشترط في حج التمتع أمور

اشارة

و يشترط في حج التمتع أمور:

أحدها: النية

أحدها: النية بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحج- حين الشروع في إحرام العمرة (74)، فلو لم ينوه أو نوى غيره، أو تردد في نيّته بينه و بين

______________________________

اختيارا بخلاف حج التمتع.

الحادي عشر: يجوز لهما تأخير الطواف و السعي طول ذي الحجة من غير كراهة و لا تحريم بخلاف حج التمتع فإنه مرجوع كراهة أو تحريما على القولين.

الثاني عشر: يجوز لهما الطواف ندبا عند دخول مكة بخلاف المتمتع ففيه قولان الأشهر التحريم.

الثالث عشر: إحرام المتمتع لا ينعقد إلا بالتلبية بخلاف القران فإنه يعقد بها و بالاشعار.

الرابع عشر: يجب الهدي على المتمتع دونهما.

نعم، هدي القران واجب لا من حيث الهدي بل من جهة السوق.

الخامس عشر: ان التمتع يعدل إليه و لا يعدل عنه اختيارا و الإفراد يعدل عنه و لا يعدل إليه و القران لا يعدل عنه و لا إليه. و هذه كلها إجمال ما يحتاج إلى تفصيل ربما يأتي في غير المقام.

ثمَّ إنه قد اختلف الفقهاء في أنّهما لو قدما الطواف و السعي على الوقوفين هل يحصل لهما الإحلال أو لا؟ على أقوال أربعة يأتي التعرض لها في فصل الطواف إن شاء اللّه تعالى.

(74) النية: معتبرة في جميع العبادات بل في جميع الأفعال الاختيارية بمعنى مطلق القصد و الاختيار. و تزيد العبادات عليها بأن يكون صدور العمل عن الفاعل لأجل الإضافة إلى اللّه جلّ جلاله و قد فصلنا ذلك في نية الوضوء و الصلاة (1)، و حيث ان الحج عمل مشتمل على شتات الأفعال المختلفة غير

ص: 347


1- راجع ج: 2 صفحة: 437- 442.

غيره لم يصح (75).

نعم، في جملة من الأخبار أنّه لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج

______________________________

المأنوسة للنوع غالبا فلا بد من قصدها بنحو الجملة و الإجمال حين الشروع في أول ما يتعلق به و هو الإحرام و هو لا ينافي كون هذا القصد تفصيليا بالنسبة إلى كل عمل حين الإتيان به فالنية إجمالية من حيث التعلق بالمجموع و تفصيلية ارتكازية من حيث التعلق بكل جزء حين الإتيان به و لا منافاة بينها كما في صوم شهر رمضان، فإنّ المكلف قاصد لصوم تمام الشهر إجمالا و في كل يوم يقصد صومه تفصيلا، و كما في كل عمل مندرج الوجود كالصلاة و نحوها.

فالنزاع في أنها نيّة الإحرام كما عن الدروس أو نية الخروج إلى مكة كما عن المبسوط ساقط عن أصله، إذ لا فرق بين نية الإحرام لحج التمتع أو نية الإحرام للعمرة التمتعية من حيث ارتباطها بالحج أو نية أصل حج التمتع من حيث اشتماله على أمور منها الإحرام لعمرته، لأن مرجع الكل إلى واحد و يشير إليه قول أبي الحسن (عليه السلام) في حج التمتع: «لبّ بالحج، و انو المتعة» (1).

و في صحيح آخر للبزنطي عن أبي الحسن (عليه السلام): «سألته عن رجل متمتع، كيف يصنع؟ قال (عليه السلام): ينوي العمرة، و يحرم بالحج» (2).

و قد تقدم مكررا أن النية عبارة عن مجرد الداعي بلا شي ء زائد عليه و هو حاصل بارتكاز كل من يرحل إلى تلك الديار المقدسة لأداء الفريضة على ما هي عليه في الواقع.

(75) أما في الأول فبالضرورة الفقهية الدالة على البطلان بفقد النية.

و أما الثاني: فلظهور الإجماع، بل لفقد النية أيضا، لأنّ ما يكون تكليفه الفعلي لم تتعلق به النية و ما تعلقت به ليس تكليفه.

!

ص: 348


1- الوسائل باب: 22 من أبواب الإحرام حديث: 4.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب الإحرام حديث: 1.

جاز أن يتمتع بها (76)، بل يستحب ذلك (77) إذا بقي في مكة إلى هلال ذي الحجة، و يتأكد إذا بقي إلى يوم التروية (78)، بل عن القاضي وجوبه حينئذ و لكن الظاهر تحقق الإجماع على خلافه (79) ففي موثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام): «من حج معتمرا في شوال و من نيته أن يعتمر، و رجع إلى بلاده فلا بأس بذلك و إن هو أقام إلى الحج فهو متمتع، لأنّ أشهر الحج: شوال، و ذو القعدة و ذو الحجة فمن اعتمر فيهن فأقام إلى الحج فهي متعة، و من رجع إلى بلاده و لم يقم إلى الحج فهي عمرة و إن اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحجّ فليس بمتمتع، و إنما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحبّ أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج

______________________________

و أما الأخير: فلأنّ الترديد مناف للنية، كما مرّ مرارا فيمكن إرجاع الكل إلى فقد أصل النية.

كما انه يعتبر أن لا يكون رياء. أعاذنا اللّه تعالى و جميع المسلمين منها و إلا فيبطل نصا (1)، و إجماعا و قد تقدم التفصيل في نية الوضوء و الصلاة فراجع و لو رأى في عمل عباديّ من العمرة أو الحج يبطل نفس ذلك العمل فلا بد من تداركه.

(76) للإجماع كما عن جمع منهم المحقق و العلامة

(77) كما عن جمع و لعله مراد من عبّر بالجواز أيضا، لأنّ العبادة متقومة بالرجحان و تعبيرهم بالجواز بمعنى عدم المنع عنه شرعا لا الجواز الاصطلاحي.

(78) لما يأتي في صحيح عمر بن يزيد.

(79) بل هو اجتهاد في مقابل النص، ففي صحيح اليماني عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «انه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثمَّ خرج»

ص: 349


1- الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات.

منها حتى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرته إلى الحج فإن هو أحبّ أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبّي منها».

و في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله إلا أن يدركه خروج الناس يوم التروية».

و في قويّة عنه (عليه السلام): «من دخل مكة معتمرا مفردا للحج فيقضي عمرته كان له ذلك و إن أقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة قال (عليه السلام): «و ليس تكون متعة إلا في أشهر الحج».

و في صحيحة عنه (عليه السلام): «من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج مع الناس».

______________________________

إلى بلاده؟ قال (عليه السلام): لا بأس. و إن حج من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم. و ان الحسين بن علي عليهما السّلام خرج يوم التروية إلى العراق و كان معتمرا» (1).

و في خبر معاوية بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): من أين يفترق المتمتع و المعتمر؟ فقال (عليه السلام): إنّ المتمتع مرتبط بالحج، و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء. و قد اعتمر الحسين (عليه السلام) في ذي الحجة، ثمَّ راح يوم التروية إلى العراق و الناس يروحون إلى منى و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج» (2).

و دلالتهما على خلاف القاضي مما لا ريب فيه و الحمل على الضرورة بلا شاهد كما يسقط بهما ما في بعض المقاتل من أنّ الحسين (عليه السلام) بدّل حجة التمتع إلى العمرة المفردة، لظهورهما في انه (عليه السلام) لم يكن قاصدا

ص: 350


1- الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 3.

و في مرسل موسى بن القاسم «من اعتمر في أشهر الحج فليتمتع» إلى غير ذلك من الأخبار (80) و قد عمل بها جماعة، بل في الجواهر «لا أجد فيه خلافا» و مقتضاها صحة التمتع مع عدم قصده حين إتيان العمرة، بل الظاهر من بعضها أنّه يصير تمتعا قهرا (81) من غير حاجة إلى نية التمتع بها

______________________________

للحج من أول الأمر بل كان قاصدا للعمرة المفردة فلا يبقى موضوع للتبديل حينئذ.

(80) و أما خبر ابن سنان: «انه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام): عن المملوك يكون في الظهر يرعى، و هو يرضى أن يعتمر ثمَّ يخرج؟ فقال (عليه السلام): ان كان اعتمر في ذي القعدة فحسن، و ان كان في ذي الحجة فلا يصلح إلا الحج» (1) فلا بدّ من حمله على الندب.

كما أن خبر ابن حفص قال: «سأله أبو بصير- و أنا حاضر- عمّن أهّل بالعمرة في أشهر الحج، إله أن يرجع؟ قال (عليه السلام): ليس في أشهر الحج عمرة يرجع منها إلى أهله، و لكنه يحتبس بمكة حتى يقضي حجه، لأنه إنما أحرم لذلك» (2) محمول على ما إذا قصد التمتع.

و كذا خبر ابن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المعتمر في أشهر الحج قال (عليه السلام): هي متعة» (3).

(81) لما تقدم في موثق سماعة: «فهو متمتّع» (4)، و قوله (عليه السلام):

«كانت عمرته متعة» (5).

و نوقش فيه أولا: بعدم القائل به.

ص: 351


1- الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 7.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 13.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 5.

بعدها بل يمكن أن يستفاد منها أنّ التمتع هو الحج عقيب عمرة وقعت في أشهر الحج، بأيّ نحو أتى بها، و لا بأس بالعمل بها (82) لكن القدر المتيقن

______________________________

و فيه: أنه لا يضر بعد موافقة الدليل عليه و عدم كون ذلك من الاعراض الموهون.

و اخرى: بأنه لو كان الانقلاب قهريا كان الإتمام واجبا و لم يجز الخروج و هو خلاف النص و الفتوى.

و فيه: أنه يمكن أن تكون القهرية بعد التلبس بالحج أو كان جواز الخروج جائزا لهذا القسم من التمتع.

و ثالثة: بأنّه حينئذ لا يجوز له حج الإفراد مع التصريح بالجواز في خبر اليماني.

و فيه: أنّه يمكن أن يحمل خبر اليماني على الإعراض عن عمرته و جعلها مستقلة من حيث هي و لحاظ عدم الارتباط بالحج، فإنّ الانقلاب القهري حينئذ مشكل بل ممنوع.

(82) لاعتبار السند، و صحة الدلالة، فيصح العمل بها.

و أشكل عليه. تارة: بما مر من خبر اليماني. و تقدم الجواب عنه.

و اخرى: بالإجماع على اعتبار النية في حج التمتع حين الإحرام لعمرته.

و فيه: ان النص مخصص للإجماع، مع انه يمكن جعل الحكم موافقا للقاعدة أيضا فإن قصد من يأتي بمثل هذه العمرة يتصور على أقسام:

الأول: أن يقصدها بشرط لا عن الحج و قصد عدم الحج بعدها.

الثاني: أن يقصد العمرة بلا التفات تفصيلي فعلا للحج، و لكن كان من قصده أنّه لو وفق له لفعله، فالقصد الإجمالي الارتكازيّ له موجود فعلا و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك.

الثالث: أن يقصدها على ما هي عليه في علم اللّه تعالى و بحسب الوظيفة

ص: 352

منها هو الحج الندبي (83) ففيما إذا وجب عليه التمتع فأتى بعمرة مفردة ثمَّ أراد أن يجعلها عمرة التمتع يشكل الاجتزاء بذلك عما وجب عليه سواء كان حجة الإسلام أم غيرها مما وجب بالنذر أو الاستيجار.

الثاني: أن يكون مجموع عمرته و حجه في أشهر الحج
اشارة

الثاني: أن يكون مجموع عمرته و حجه في أشهر الحج (84) فلو أتى بعمرته- أو بعضها في غيرها لم يجز له أن يتمتع بها و أشهر الحج: شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة بتمامه على الأصح، لظاهر الآية و جملة من الأخبار كصحيحة معاوية ابن عمار، و موثقة سماعة، و خبر زرارة (85) فالقول بأنّها

______________________________

الشرعية و حيث إنّ الوظيفة الشرعية تقتضي صحة كونها تمتعية، فيكون قاصدا للحج أيضا و يكون مثل ما يأتي في [مسألة 8] من فصل كيفية الإحرام، فيرجع إلى نية الإحرام على ما هو صحيح شرعا، فيتحقق منه قصد الحج في الجملة و لا ريب في أنّ هذا هو قصد نوع الناس.

(83) بعد ظهور الإطلاق، و إمكان تطبيقه على القاعدة لا فرق بين الندب و الواجب خصوصا مع بناء الحج على التسهيل مهما أمكن للشرع إليه من السبيل.

(84) إجماعا، و نصوصا منها ما تقدم من موثق سماعة.

(85) أما الآية، فقوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (1) الظاهر في تمام الأشهر الثلاثة لا الناقص منها و قد ذكرنا في التفسير انه لا يقع شي ء من الحج في غيرها (2).

و أما صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قال ان اللّه تعالى يقول الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ

ص: 353


1- سورة البقرة: 197.
2- راجع المجلد الثالث من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.

الشهران الأولان مع العشر الأول من ذي الحجة كما عن بعض أو مع ثمانية أيام كما عن آخر، أو مع تسعة أيام و ليلة يوم النحر إلى طلوع فجره كما عن ثالث، أو إلى طلوع شمسه كما عن رابع ضعيف (86) على أنّ الظاهر أنّ النزاع لفظيّ فإنّه لا إشكال في جواز إتيان بعض الأعمال إلى آخر ذي الحجة فيمكن أن يكون مرادهم ان هذه الأوقات هي أخر الأوقات التي يمكن بها إدراك الحج (87).

______________________________

وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ و هي: شوال و ذو القعدة، و ذو الحجة»(1).

و أما موثق سماعة فقد تقدم في المتن.

و أما خبر زرارة الوارد في تفسير الآية عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله اللّه عزّ و جلّ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ قال: «شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة و ليس لأحد أن يحرم بالحج فيما سواهنّ» (2).

(86) نسب القول الأول إلى التبيان، و روض الجنان. و الثاني إلى الغنية.

و الثالث إلى المبسوط، و الوسيلة، و مجمع البيان و غيرها. و الأخير إلى ابن إدريس.

و الكل ضعيف لما في المتن و اعترف به غير واحد فراجع الجواهر و غيره من المطوّلات.

(87) قال في الشرائع ما هذا لفظه ممزوجا بعبارة الجواهر: «و ضابط وقت الإنشاء لحج التمتع و ابتداءه في هذه المدة ما يعلم أنّه يدرك المناسك فيه كغيره من الواجبات الموقتة».

أقول: و من إرسالهم ذلك إرسال المسلّمات يستظهر منهم أن النزاع لفظي.

ص: 354


1- الوسائل باب: 11 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب أقسام الحديث حديث: 8.
مسألة 1: إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج قاصدا بها التمتع

(مسألة 1): إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج قاصدا بها التمتع فقد عرفت عدم صحتها تمتعا لكن هل تصح مفردة أو تبطل من الأصل؟ قولان اختار الثاني في المدارك، لأنّ ما نواه لم يقع و المفردة لم ينوها (88) و بعض اختار الأول (89) لخبر الأحول عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج؟ قال يجعلها عمرة».

و قد يستشعر ذلك من خبر سعيد الأعرج قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «من تمتع في أشهر الحج ثمَّ أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة و إن تمتع في غير أشهر الحج ثمَّ جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم، إنّما هي حجة مفردة إنّما الأضحى على أهل الأمصار» و مقتضى القاعدة و إن كان هو ما ذكره (90) صاحب المدارك لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض للخبرين (91).

______________________________

(88) تأتي المناقشة في هذا الدليل فلا وجه للاعتماد عليه.

(89) يظهر ذلك من المحقق، و العلامة. و يمكن تطبيقه على القاعدة، لأنّ ذات العمرة مقصودة قطعا في ضمن الخصوصية و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك.

و بعبارة أخرى: قصد الخصوصية من قبيل تعدد المطلوب لا لتقيد الدقيّ العقلي حتى تكون المفردة غير مقصودة. هذا مع بناء الشارع على التسهيل و التيسير، و الامتنان في الحج و العمرة مهما أمكنه، لكون كل منهما عملا ذات مشقة فناسب التسهيل و المنّة من كل جهة.

(90) تقدم إمكان كون مقتضى القاعدة خلاف ما ذكره صاحب المدارك.

(91) ان قيل: ان خبر الأحول ذكر فيه الحج و لا ربط له بالعمرة فلا وجه للاستدلال به في المقام.

ص: 355

الثالث: أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة

الثالث: أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة، كما هو المشهور المدعى عليه الإجماع، لأنّه المتبادر من الأخبار المبينة لكيفية حج التمتع (92) و لقاعدة توقيفية العبادات (93) و للأخبار الدالة على دخول

______________________________

يقال. أولا: ان المراد به العمرة قطعا، لأنّ فساد إتيان الحج في غير ذي الحجة مما لا يخفى على أحد من المسلمين فكيف يسأل عن الامام (عليه السلام).

و أما إتيان العمرة التمتعية في غير أشهر الحج فلا يعلم حكمه نوع الناس خصوصا في تلك الأزمنة.

و ثانيا: يمكن أن يراد به الحج بماله من المقدمات التي منها العمرة كما يأتي من الماتن في شرط الرابع في بيان خبر إسحاق.

إن قيل: إنّ خبر الأعرج ظاهر في انقلاب عمرة التمتع إلى المفردة، لكنه من جهة انقلاب تكليفه إلى حج الإفراد لا من جهة وقوع العمرة في غير أشهر الحج.

يقال: لا وجه لهذا التوهم، إذ لا تجب العمرة في حج الإفراد حتى تكون صحتها من هذه الجهة فلا ربط لأحد الحكمين بالآخر و لا ينافي ذلك ظهوره في صحة العمرة المفردة.

(92) و تكون ظاهرة فيه. و الظهور حجة معتبرة خصوصا في مثل قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ثمَّ شبك (صلّى اللّه عليه و آله) أصابعه بعضها في بعض» (1).

(93) هذه قاعدة معمولة بها بين الفقهاء خصوصا القدماء، و يقتضيها الاعتبار أيضا لكنّها كجملة من القواعد، كقاعدة الميسور، و القرعة، و نحوها لا بد في اعتبارها من العمل بها في مورد جريانها و قد عملوا بها في المقام، فتكون

ص: 356


1- الوسائل باب: 3 من أبواب أقسام الحج حديث: 1 و 2.

العمرة في الحج و ارتباطها به (94) و الدالة على عدم جواز الخروج من مكة بعد العمرة قبل الإتيان بالحج (95)، بل و ما دل من الأخبار على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو يوم عرفة (96)

______________________________

معتبرة فيه بخلاف سائر الموارد من موارد الشك في الجزئية أو الشرطية و نحوها مما لم يعملوا بتلك القاعدة فيها بل رجعوا إلى البراءة من الجزئية أو الشرطية.

(94) الظاهر ظهورا عرفيا في كونهما عمل واحد يؤتى به في زمان واحد إلّا ما دلّ الدليل على صحة التخلل به بينهما خصوصا مثل خبر عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): من أين افترق المتمتع و المعتمر؟ فقال (عليه السلام): إن المتمتع مرتبط بالحج و المعتمر إذ افرغ منها ذهب حيث شاء» (1).

و قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح صفوان: «المتعة دخلت في الحج، و لم تدخل العمرة المفردة في الحج» (2).

و كفاية كونها في أشهر الحج من سنة واحدة مقطوع بصحته و في غيره يكون مقتضى ظواهر مثل هذه الأخبار البطلان.

(95) الدال عرفا على اعتبار الوحدة الزمانية فيهما إلا مع دلالة الدليل على الخلاف.

(96) الكاشف عن وحدة العمل و يلزمها وحدة الزمان عرفا. و بالجملة الملازمة العرفية بين الوحدة العملية و الزمانية مما لا تنكر. و الأخبار دالة بالدلالة المطابقة على كونها كعمل واحد شرعا، فتدل على وحدة الزمان كذلك و يأتي المراد بهذه الوحدة عند قوله (رحمه اللّه): «ثمَّ المراد من كونهما في سنة واحدة» كما يأتي نقل الأخبار الدالة على زوال المتعة بزوال التروية أو يوم عرفة في

ص: 357


1- الوسائل باب: 7 من أبواب العمرة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب العمرة حديث: 5.

و نحوها (97) و لا ينافيها خبر سعيد الأعرج المتقدم.

بدعوى: أنّ المراد من القابل فيه العام القابل (98) فيدل على جواز إيقاع العمرة في سنة و الحج في أخرى، لمنع ذلك (99) بل المراد منه الشهر القابل (100) على أنه، لمعارضة الأدلة السابقة غير قابل (101).

و على هذا فلو أتى بالعمرة في عام و أخّر الحج إلى العام الآخر لم يصح تمتعا (102) سواء أقام في مكة إلى العام القابل، أو رجع إلى أهله ثمَّ عاد إليها. و سواء أحل من إحرام عمرته، أو بقي عليه إلى السنة

______________________________

[مسألة 3] فلا وجه للتكرار.

و توهم: أنّ تلك الأخبار وردت في العدول عن عمرة التمتع إلى الافراد، لأجل ضيق الوقت فلا يشمل المقام (فاسد): لأنّا لا نستدل بمورد تلك الأخبار بل الاستدلال بسياق مجموع الأخبار من حيث المجموع.

(97) مما يأتي التعرض لها في ضمن المسائل الآتية.

(98) فيكون المراد بالشاة حينئذ الهدي، لصيرورة حجه حج التمتع و لا يخفى ظهور قوله (عليه السلام): «فعليه شاة» (1) في الكفارة دون الهدي بقرينة سائر الأخبار المشتملة على هذا التعبير كما يأتي في محله.

(99) لأنّ المنساق منه أشهر الحج المتصلة بعضها ببعض كشوال و ذي القعدة و ذي الحجة و الشك في شموله لغير ذلك يجزي في عدم الشمول، لأنه حينئذ من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(100) لما مرّ من انسباق الاتصال من لفظ أشهر الحج في المقام.

(101) لكثرتها و تعدد طرق استفادة اعتبار كونها في سنة واحدة منها، فيسقط بذلك هذا الاحتمال في خبر الأعرج لا محالة.

(102) لقاعدة «انتفاء الشرط بانتفاء المشروط». المعمول بها عند الكل.

ص: 358


1- الوسائل باب: 10 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.

الأخرى (103).

و لا وجه لما عن الدروس من احتمال الصحة في هذه السورة (104).

ثمَّ المراد من كونهما في سنة واحدة (105). أن يكونا معا في أشهر الحج من سنة واحدة، لا أن لا يكون بينهما أزيد من اثني عشر شهرا و حينئذ فلا يصح- أيضا- (106) لو أتى بعمرة التمتع في أواخر ذي الحجة و اتى بالحج في ذي الحجة من العام القابل.

الرابع: أن يكون إحرام حجه من بطن مكة

الرابع: أن يكون إحرام حجه من بطن مكة، مع الاختيار للإجماع، و الأخبار (107) و ما في خبر إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام) من قوله (عليه السلام): «كان أبي مجاورا هاهنا، فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج» حيث إنّه ربما يستفاد منه جواز الإحرام بالحج من غير مكة،

______________________________

(103) لاشتراك الجميع في مناط البطلان.

(104) أي: فيما إذا بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام الأعمال إلى القابل، و لكنه مخالف للإجماع، و النصوص على ما استظهرنا منها. إلا أن يدعى ان المتيقن من الإجماع و المنصرف من النصوص غير هذه الصورة و هو مشكل بل ممنوع، مع أنّ أصل الفرض لا يصدر من العاقل فحكمه فرض في فرض باطل.

(105) لأنّه المنساق من الأدلة و المتسالم عليه بين الأجلّة.

(106) لظهور الإجماع على البطلان، و لما مرّ من انسباق كونهما في أشهر الحج من سنة واحدة.

(107) هذا الحكم من القطعيات الفقهية عند الإمامية و يدل عليه- مضافا إلى صحيح حريث- صحيح ابن عمار الذي يأتي التعرض لهما في الميقات من

ص: 359

محمول على محامل (108) أحسنها: أنّ المراد بالحج عمرته (109) حيث إنها أول أعماله.

نعم، يكفي أيّ موضع منها كان و لو في سككها، للإجماع، و خبر عمرو ابن حرث عن الصادق (عليه السلام): «من أين أهل بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك، و إن شئت من المسجد، و إن شئت من الطريق» و أفضل مواضعها المسجد (110) و أفضل مواضعه المقام، أو الحجر (111) و قد يقال: أو تحت الميزاب (112) و لو تعذر الإحرام من مكة أحرم مما

______________________________

الفصل التالي. و لا وجه للإشكال على صحيح ابن حريث: بأن في دلالته خفاء.

لظهوره العرفي في كون السؤال عن محل الإهلال بالحج و جوابه (عليه السلام) أيضا كذلك و يأتي التعرض لصحيح ابن عمار في الميقات السادس إن شاء اللّه تعالى.

(108) منها الافراد بالحج، و الاجمال في الفعل لمصالح رآها (عليه السلام).

(109) و هذا الإطلاق بالنسبة إلى حج التمتع شائع كتابا، و سنة، و في عرف المتشرعة أيضا.

(110) للإجماع كما عن جمع منهم صاحبا المدارك و الحدائق.

(111) لصحيح ابن عمار الذي يأتي نقله في ميقات إحرام الحج، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(112) أي: التخيير بين المقام و بينه كما عن العلامة، و الشهيد لا التخيير بين الحجر و تحت الميزاب، لأنّ الميزاب في الحجر و تحته منه إلا أن يحمل على أنه أفضل أماكن إحرام الحج.

فروع. الأول: لو كان الإحرام من أماكن الفضل منافيا لحضور القلب، لكثرة الازدحام يحرم من سائر أماكن المسجد، لأن مراعاة حضور القلب أولى من

ص: 360

يتمكن (113)، و لو أحرم من غيرها اختيارا متعمدا بطل إحرامه و لو لم يتداركه بطل حجه و لا يكفيه العود إليها بدون التجديد بل يجب أن يجدده، لأن إحرامه من غيرها كالعدم و لو أحرم من غيرها- جهلا أو نسيانا- وجب العود إليها و التجديد مع الإمكان و مع عدمه جدده في مكانه (114).

______________________________

مراعاة المكان.

الثاني: لا فرق فيما ذكر بين الرجال و النساء إلا مع ازدحام الرجال فيذهبن النساء إلى الأمكنة الخالية من الرجال في المسجد.

الثالث: لا فرق في المسجد بين المسجد القديم و ما زيد فيه فيما قارب هذه الأزمنة كما لا فرق فيه بين المسقف منه و غيره و لا بين الطبقة السفلى و لا العليا. و الاولى للنساء مكان الخلوة مهما أمكن.

(113) إجماعا، و نصّا، ففي صحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال:

«سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره و هو بعرفات ما حاله؟ قال (عليه السلام) يقول: اللّهمّ على كتابك و سنّة نبيّك، فقد تمَّ إحرامه فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده، إن كان قضى مناسكه كلها فقد تمَّ حجه» (1) و الظاهر ان ذكر النسيان في السؤال مثال لمطلق العذر.

(114) على المشهور، لقاعدة «الميسور» المعمول بها في المقام، و تظافر الأخبار بكفاية الإحرام مما أمكن مع العذر، و المفروض تحقق العذر هنا أيضا فعن زرارة: «عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا إلى الميقات، و هي لا تصلي، فجهلوا ان مثلها ينبغي أن تحرم فمضوا بها كما هي. حتى قدموا مكة و هي طامث حلال، فسألوا الناس فقالوا: تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم منه فكانت إذا فعلت لم تدرك الحج، فسألوا أبا جعفر (عليه السلام) فقال: تحرم

ص: 361


1- الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت حديث: 8.
الخامس: ربما يقال: إنّه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته
اشارة

الخامس: ربما يقال (115): إنّه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته

______________________________

من مكانها قد علم اللّه نيتها» (1) و هو و ان ورد في الحائض لكن إطلاق التعليل في قوله (عليه السلام) يشمل مطلق العذر».

و عن الصادق (عليه السلام) في خبر ابن عمار في الحائض التي لم تحرم قال (عليه السلام): «إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت و لتحرم منه و إن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليها بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم» (2).

و ذيله ظاهر في أنّ المناط كله التحفظ على عدم فوت الحج فلو لم تقدر على أن تخرج إلى الخارج تحرم من مكانها، و كذا سائر المعذورين بعد كون ذكر الحائض من باب المثال.

و عنه (عليه السلام) في صحيح الحلبي أيضا من ترك الإحرام: «و إن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه» (3) المحمول على المعذور إجماعا، و يأتي في [مسألة 8] من (فصل أحكام المواقيت) التعرض لهذه المسألة أيضا فهي مكررة.

و نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه) في خلافه الاجتزاء بإحرامه الأول في المقام، لأن الجهل و النسيان عذر.

و فيه: ان العذرية إنما هو فيما إذا ترك الإحرام رأسا لجهل أو نسيان.

و تنظير المقام عليه قياس إلّا إذا حصل العلم بالأولوية و هو ممنوع و على فرض حصوله فهو حجة لمن حصل له العلم بها دون غيره.

(115) نسب ذلك إلى بعض الشافعية فاشترط ذلك. و أما أصحابنا فلم يتعرضوا لهذا الشرط.

ص: 362


1- الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت حديث: 6.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت حديث: 4.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب المواقيت حديث: 7.

و حجه من واحد و عن واحد، فلو استؤجر اثنان لحج التمتع عن ميت أحدهما لعمرته و الأخرى لحجة لم يجز عنه، و كذا لو حج شخص و جعل عمرته عن شخص، و حجه عن آخر لم يصح و لكنه محل تأمل، بل ربما يظهر من خبر محمد بن مسلم (116) عن أبي جعفر (عليه السلام) صحة الثاني، حيث قال: «سألته عن رجل يحج عن أبيه أ يتمتع؟ قال: نعم المتعة له و الحج عن أبيه».

______________________________

و البحث فيه تارة: بحسب الأصل. و اخرى: بحسب الانسباق من الأدلة.

و ثالثة: بحسب المأنوس من مذاق فقهائنا الأجلة.

أما الأول: فالمسألة من صغريات الشك في الشرطية و المرجع فيها البراءة.

و أما الثاني: فالمستفاد مما ورد في أن حج التمتع مع عمرته عمل واحد و مشبّك أحدهما في الآخر إجراء حكم العمل الواحد عليه فهو عمل واحد شرعا. و كل ما كان هكذا لا يصح التفكيك بين أجزائه، فحج التمتع لا يجوز فيه ذلك.

و أما الثالث: فظهور تسالمهم على أنّه عمل واحد تسالم على لوازمه أيضا.

(116) و لكن لا وجه للاعتماد عليه مع الإجماع على خلافه مضافا إلى إجمال متنه فإنّ قول السائل: «أ يتمتع» يحتمل وجوها:

الأول: هل يأتي بحج التمتع عن أبيه أولا؟

الثاني: هل له أن يأتي بحج التمتع لنفسه زائدا على ما أتى به عن أبيه أو لا؟

الثالث: هل يصح أن ينوب أحد عن شخص في عمرة التمتع و آخر عنه في حجه؟

ص: 363

مسألة 2: المشهور انه لا يجوز الخروج من مكة بعد الإحلال من عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج

(مسألة 2): المشهور انه لا يجوز الخروج من مكة بعد الإحلال من عمرة التمتع (117) قبل أن يأتي بالحج، و انه إذا أراد ذلك، عليه أن يحرم

______________________________

الرابع: هل يصح التفرقة بينهما في إهداء الثواب. و مع هذه الاحتمالات كيف يعتمد عليه في الحكم المخالف للإجماع مع أن المتعين هو الأخير؟

(117) البحث فيها من جهات:

الاولى: مقتضى الأصل عدم حرمة الخروج و عدم وجوب البقاء في مكة بعد الفراغ عن أعمال عمرة التمتع ما لم يترتب على الخروج مفسدة من فوات الحج و نحوه.

الثانية: وجوب البقاء في مكة بعد الفراغ من عمرة التمتع أما نفسية أو غيرية أو طريقية محضة. و الشك في الأولين يكفي في عدم كونه منهما إلّا أن يدل دليل صحيح على أحدهما، و مقتضى المرتكزات كونه طريقيا محضا لأجل الإتيان بالحج فورا و عدم قوته عنه، و تشهد له قرائن في الأخبار كما تعرّض لها الماتن، مع ان فساد العمرة السابقة بالخروج من مكة ليس قولا لأحد من أصحابنا كما صرّح به في الجواهر فيما يأتي من عبارته.

هذا مع إنه إذا جاز الخروج منها في أثناء عمرة التمتع قبل الإحلال منها كما يأتي في ذيل المسألة، و كذا في أثناء إحرام الحج يكون هذا قرينة على جواز الخروج بعد الإحلال بالأولى.

إلّا أن يقال: حيث انه يخرج محرما و يدخل محرما فلا ربط له بالمقام.

الثالثة: الأخبار الواردة في المقام و هي العمدة.

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح حماد: «من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج، فان عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبيا بالحج، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع إلى مكة رجع محرما و لم يقرب البيت

ص: 364

بالحج فيخرج محرما به (118) و إن خرج محلا و رجع بعد شهر فعليه أن

______________________________

حتى يخرج مع الناس إلى منى على إحرامه و إن شاء وجهه ذلك إلى منى، قلت:

فان جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام ثمَّ رجع في أبان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرما، قلت فأي الإحرامين و المتعتين متعة الأولى أو الأخيرة؟ قال الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته، قلت: فما فرق بين المفردة و بين عمرة المتعة إذا دخل في أشهر الحج؟ قال: أحرم بالعمرة «بالحج» و هو ينوي العمرة، ثمَّ أحل منها و لم يكن عليه دم و لم يكن محتبسا، لأنّه لا يكون ينوي الحج» (1) و دلالته على الوجوب الطريقي مما لا تنكر.

و منها: قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي: «الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج، يريد الخروج إلى الطائف قال (عليه السلام): يهلّ بالحج من مكة. و ما أحبّ أن يخرج منها إلا محرما، و لا يتجاوز الطائف. انها قريبة من مكة» (2) و دلالته على عدم الوجوب أصلا ظاهرة.

و منها: صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)- في حديث- قال: «تمتع، فهو و اللّه أفضل- ثمَّ قال- إنّ أهل مكة يقولون: ان عمرته عراقية و حجته مكية كذبوا أ ليس هو مرتبطا بالحج؟! لا يخرج حتى يقضيه» (3) إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة إما في عدم وجوب البقاء، أو كونه طريقيا على فرض ثبوته و معنى كونه طريقيا انه مع ادراك الحج لا وجه للوجوب أصلا.

(118) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح حماد: «من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج فإن عرضت له

ص: 365


1- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 6.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 7.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 2.

يحرم بالعمرة (119) و ذلك لجملة من الأخبار الناهية عن الخروج، و الدالة على انه مرتهن و محتبس بالحج، و الدالة على انه لو أراد الخروج خرج ملبّيا بالحج و الدالة على أنّه لو خرج محلا، فإن رجع في شهره دخل محلا، و إن رجع في غير شهره دخل محرما (120) و الأقوى عدم حرمة الخروج و جوازه محلّا حملا للأخبار على الكراهة- كما عن ابن إدريس و جماعة

______________________________

حاجة إلى عسفان، أو إلى الطائف، أو إلى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبيا بالحج فلا يزال على إحرامه فإن رجع إلى مكة رجع محرما و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام رجع في أبان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير إحرام قال (عليه السلام): إن رجع في شهره دخل بغير إحرام و إن دخل في غير الشهر دخل محرما قلت: فأيّ الإحرامين و المتعتين متعته الأولى أو الأخيرة؟ قال (عليه السلام): الأخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته» (1).

(119) لما تقدم في صحيح حماد فراجع.

(120) أما الناهية للخروج فقد تقدم في صحيح زرارة.

و أما الدالة على الارتهان، فهو موثق عمار قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثمَّ تبدوا له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق، أو إلى بعض المعادن قال (عليه السلام): يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج» (2).

و أما الدلالة على الاحتباس فقد مرّ في صحيح حماد فراجع و تأمل في الجميع، فإنها بعد ردّ بعضها إلى بعض تفرق عن لسان واحد و هو الاهتمام

ص: 366


1- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 6.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 8.

أخرى (121) بقرينة التعبير (لا أحبّ) في بعض تلك الأخبار و قوله (عليه السلام) في مرسلة الصدوق: «إذا أراد المتمتع الخروج من مكة إلى بعض المواضع فليس له ذلك، لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه إلّا أن يعلم إنه لا يفوته الحج».

و نحوه الرضوي، بل و قوله (عليه السلام) في مرسل أبان: «و لا يتجاوز إلّا على قدر مالا تفوته عرفة» إذ هو و إن كان بعد قوله: «فيخرج محرما» إلا أنه يمكن أن يستفاد منه: إن المدار فوت الحج و عدمه بل يمكن أن يقال إنّ المنساق من جميع الأخبار المانعة إن ذلك للتحفظ عن عدم إدراك الحج و فوته، لكون الخروج في معرض ذلك. و على هذا فيمكن دعوى عدم الكراهة أيضا مع علمه بعدم فوات الحج منه (122).

______________________________

بدرك الحج و فوريته و إن لا يفوته الحج بعد وصوله إلى تلك المشاعر.

(121) منهم العلامة، و الشيخ (رحمه اللّه).

(122) فيكون مفاد جميع هذه الأخبار مع ما دل على وجوب إتمام الحج بالشروع فيه واحدا و المفروض ان حج التمتع و عمرته واحد شرعا و إن تخلل الإحلال بينهما فإذا علم بأنه يتمه يجوز له الخروج إلى أيّ محلّ شاء بلا محذور في البين.

و توهم: قصور سند ما هو ظاهر في الجواز- كمرسل أبان و صدوق- و دلالة ما هو معتبر سندا كصحيح الحلبي، لأن قوله (عليه السلام): «ما أحبّ» (1) يستعمل في الحرمة أيضا (باطل) لظهور كلمة «ما أحبّ» في مطلق المرجوحية إلا مع القرينة على الحرمة بل المرسلان يصلحان للقرينة على عدم الحرمة. مع ان مجموع الأخبار بعد ردّ بعضها إلى بعض لا يصلح لإثبات الحرمة لأن

ص: 367


1- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 7.

نعم، لا يجوز الخروج لا بنية العود، أو مع العلم بفوات الحج منه إذا خرج (123).

ثمَّ الظاهر أنّ الأمر بالإحرام- إذا كان رجوعه بعد شهر- إنّما هو من جهة أنّ لكل شهر عمرة، لا أن يكون ذلك تعبدا، أو لفساد عمرته السابقة، أو لأجل وجوب الإحرام على من دخل مكة (124) بل هو صريح خبر إسحاق بن عمار (125) قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته، ثمَّ تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة، أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المنازل قال (عليه السلام): يرجع إلى مكة بعمرة إن كان

______________________________

الارتهان و الاحتباس انما هو لأجل إتيان الحج لا أن تكون لهما موضوعية خاصة و المفروض إنه عالم بالإتيان فلا وجه للارتهان و مثل هذه الأخبار لا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل لا حرمة و لا كراهة، لعدم تمامية الدليل بعد استفادة الطريقية المحضة عن هذه الأخبار.

(123) لأنه إبطال للحج و هو حرام بلا فرق فيه بين الواجب و المندوب.

و لو نوى عدم العود و خرج ثمَّ رجع و حج يصح حجه و إن تجرّأ بما نوى. ثمَّ ان الماتن تعرض لفروع المقام تبعا لغيره من الأعلام و هي:

(124) هذا هو الفرع الأول أما عدم التعبد، فللأصل. و أما عدم فساد العمرة السابقة، فلأصالة الصحة فيها و أما عدم كون الإحرام لأجل دخول مكة، فلانصراف أدلة وجوبه عن مثل الفرض الذي يصدق عرفا أنّه في أثناء عمل الحج. و لكن يمكن القول بالوجوب من هذه الجهة كما يأتي منه (رحمه اللّه).

(125) لقوله (عليه السلام) فيه: «إن لكل شهر عمرة» (1) و هو حكم استحبابي نصا، و إجماعا فيكون الحكم المعلل به أيضا كذلك و لكن الاستحباب

ص: 368


1- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 8.

في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج- إلى آخر-». و حينئذ فيكون الحكم بالإحرام- إذا رجع بعد شهر- على وجه الاستحباب لا الوجوب، لأن العمرة التي هي وظيفة كل شهر ليست واجبة، لكن في جملة من الأخبار كون المدار على الدخول في شهر الخروج (126) أو بعده كصحيحتي حماد و حفص بن البختري، و مرسلة

______________________________

من هذه الجهة لا ينافي عروض الوجوب من جهة أخرى فلا ينبغي أن يعد هذا من أدلة الاستحباب المطلق.

(126) أي: ان دخل في شهر الخروج تجب العمرة و إن دخل في غيره تجب و هذه مسألة أخرى من فروع أحكام العمرة المفردة ينبغي أن يتعرض لها في ذيل (فصل أقسام العمرة) حيث قال (رحمه اللّه) فيه: «و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين .. إلخ» و حيث إنّ لها نحو ربط في الجملة بما نحن فيه تعرض لها و لكن قال في الجواهر ما هذا لفظه- و نعم ما قال-: «بل ان لم يكن إجماعا أمكن القول ان ذلك البحث إنّما هو في الفصل بين العمرتين المفردتين لا في مثل الفرض الذي هو عمرة التمتع التي يجب إكمالها بالحج بعدها و قد دخلت فيه دخول الشي ء بعضه في بعض كما هو مقتضى ما جعله النبي (صلى اللّه عليه و آله) من تشبّك أصابعه الشريفة فهو حينئذ قبل قضائه في أثناء العمل فلا وجه لاستينافه عمرة في أثنائه و النصوص المزبورة مع عدم جامعية كثير منها لشرائط الحجية يمكن حملها على التقية، و لعلّ ما في النصوص من الخروج محرما تعليم للجمع بين قضاء حاجته و اتصال حجه بعمرته.

نعم، لو قلنا بفساد عمرة تمتعه بخروجه و رجوعه بعد شهر أمكن حينئذ القول باستيناف عمرة جديدة لوجوب الحج عليه بإفساده إلا أنه ليس قولا لأحد من الأصحاب و الحاصل ان المسألة غير محرّرة في كلام الأصحاب على ما هو حقه».

ص: 369

الصدوق، و الرضوي و ظاهرها الوجوب (127) إلّا أن تحمل على الغالب،

______________________________

ثمَّ ان مورد صحيح حماد الشاهد للمقام قوله (عليه السلام) فيه: «إن رجع في شهره دخل بغير إحرام و إن دخل في غير الشهر دخل محرما» (1).

و أما صحيح حفص فلا دلالة له على المقام، إذ فيه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل قضى متعته و عرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها فقال (عليه السلام): فليغتسل للإحرام و ليهلّ بالحج و ليمض في حاجته فان لم يقدر على الرجوع إلى مكة مضى إلى عرفات» (2) و لا إشارة فيه إلى المقام فكيف بالدلالة؟! نعم مرسله عنه (عليه السلام) أيضا شاهد للمقام: «في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم قال (عليه السلام): إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، و إن دخل في غيره دخل بإحرام» (3)، و مرسل الصدوق قال (عليه السلام) في ذيل ما تقدم في المتن: «و إن علم و خرج و عاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مكة محلا و إن دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما» (4).

(127) و لكن لا ينفع الظهور بعد قصور السند في غير صحيح حماد.

و قوة احتمال أن يكون المراد العمرة لكل شهر التي هي مندوبة بالذات، بل مقتضى أن بعض الأخبار قرينة على التصرف في الآخر ان خبر إسحاق بتعليله قرينة عليها أيضا.

و لباب الكلام من البدء إلى الختام: ان تمام أخبار المقام إذا ردّ بعضها إلى بعض و جعل كخبر واحد صادر عن الإمام (عليه السلام) لا يستفاد منها حرمة الخروج من مكة بعد الفراغ عن عمرة التمتع و لا وجوب الإحرام لدخول مكة

ص: 370


1- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 6.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 4.
3- الوسائل باب: 51 من أبواب الإحرام حديث: 4.
4- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 10.

من كون الخروج بعد العمرة بلا فصل (128) لكنه بعيد (129) فلا يترك الاحتياط بالإحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج، بل القدر المتيقن من جواز الدخول محلا صورة كونه قبل مضي

______________________________

من هذه الجهة و ان وجب لدخولها من جهة أخرى.

(128) فيكون المراد من مرسل حفص، و الصدوق، و الرضوي (1) الدال على اعتبار شهر الخروج شهر التمتع أيضا لفرض ان الخروج يحصل بعده بلا فصل غالبا، فيرتفع التنافي حينئذ بينها و بين خبر إسحاق المشتمل على شهر التمتع.

(129) إن كان المراد عدم الفصل بالدقة. و أما إن كان المراد منه بحسب العرف فلا بعد فيه مع ان قوله (عليه السلام) في التعليل: «لأن لكل شهر عمرة» ظاهر في أنّه لا موضوعية لشهر التمتع من حيث هو بل المناط تخلل الشهر بين العمرتين مطلقا فلا وجه لتوهم المعارضة بين مثل هذه الأخبار.

ان قيل: ظاهر قوله (عليه السلام): «إن رجع في شهره دخل بغير إحرام و إن دخل في غير الشهر دخل محرما» (2) اعتبار شهر الخروج، و ظاهر قوله (عليه السلام) في موثق عمار: «يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر عمرة» (3) اعتبار شهر النسك و هما مختلفان فيتحقق التعارض لا محالة.

يقال: لا ريب في كون الأول أعمّ من الثاني، لكفاية أدنى الملابسة في صحة الإضافة، فيشمل شهر النسك أيضا و قد مرّ أنّه لا موضوعية لشهر النسك من حيث هو حتى لو أتى بالعمرة في اليوم الثامن و العشرين- مثلا- ثمَّ أراد أن

ص: 371


1- مستدرك الوسائل باب: 18 من أبواب أقسام الحج حديث: 1.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 6.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 8.

شهر من حين الإهلال (130)، أي: الشروع في إحرام العمرة لا الإحلال منها، و لا من حين الخروج. إذ الاحتمالات في الشهر ثلاثة: ثلاثون يوما من حين الإهلال، و ثلاثون من حين الإحلال- بمقضتى خبر إسحاق بن عمار (131) و ثلاثون من حين الخروج، بمقتضى هذه الأخبار (132) بل من حيث احتمال كون المراد من الشهر في الأخبار هنا- و الأخبار الدالة على أن لكلّ شهر عمرة الأشهر الاثنى عشر المعروفة (133)، و لا بمعنى ثلاثين

______________________________

يأتي بها أيضا في أول الشهر اللاحق لصح إطلاق تخلل الشهر بينهما مع أنّه خلاف العرفيات المنزلة عليها الأدلة في إطلاق الشهر، بل الظاهر منهم الإجماع على وحدة معنى الشهر في الجملة في جميع موارد استعمالاته و إن اختلفوا في ابتدائه في المقام.

(130) و الظاهر كونه المنساق عرفا في مثل المقام أيضا، و كذا في سائر الأعمال المتدرّجة الوجود الشاغلة لمدة من الزمان فإن المدة تحتسب من حين الشروع في العمل.

(131) ظهوره في كون المناط حين الإحلال مشكل، لأن قوله (عليه السلام) فيه: «غير الشهر الذي تمتع فيه» (1) لا ريب في ظهوره بل كونه نصا في التلبس به و أما استفادة اعتبار زمان الإحلال منه فلا قرينة عليها، إذ يمكن أن يكون المراد الإهلال به أو الإحلال منه.

(132) أي: مرسل حفص، و مرسل الصدوق و الرضوي و لكن حيث أن الكل قاصر سندا فلا وجه للاعتماد عليها.

(133) النصوص الدالة على ان لكل شهر عمرة كثيره (2) و هي لا تدل على الأشهر المعروفة لشمولها للملفق منها أيضا.

ص: 372


1- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 8.
2- تقدم بعضها في صفحة: 366- 368 و راجع باب: 6 من أبواب العمرة.

يوما و لازم ذلك أنّه إذا كانت عمرته في آخر شهر من هذه الشهور، فخرج و دخل في شهر آخر، أن يكون عليه عمرة ثانية و الأولى مراعاة الاحتياط من هذه الجهة أيضا.

و ظهر مما ذكرنا ان الاحتمالات ستة: كون المدار على الإهلال، أو الإحلال، أو الخروج و على التقادير فالشهر إما بمعنى ثلاثين يوما، أو أحد الأشهر المعروفة، و على أيّ حال إذا ترك الإحرام مع الدخول في شهر آخر- و لو قلنا بحرمته- لا يكون موجبا لبطلان عمرته السابقة، فيصح حجه بعدها (134).

______________________________

نعم، في خبر ابن عمار- على ما في الجواهر- عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «السنة اثنا عشر شهرا، يعتمر لكل شهر عمرة فقلت له: أ يكون أقلّ من ذلك؟ قال: لكل عشرة أيام عمرة» (1).

و يمكن إرادة المقدار منه فيراد تسعة و عشرون يوما في الجملة و لو ملفقا بقرينة ذكر عشرة أيام فيه الذي هو للمقدار قطعا و لو ملفقا من شهرين فيكون الصدر أيضا كذلك، بل مقتضى إطلاق الشهر هو الأعم من الأشهر المعروفة و الملفق منها في موارد استعمالاته.

(134) هذا هو الفرع الثاني و وجه الصحة الأصل و الإطلاق بعد عدم استفادة الشرطية للعمرة اللاحقة لصحة الحج، بل مقتضى الأصل عدمها خصوصا بعد ما ورد من أن حرمة الخروج لأجل خوف فوت الحج.

و ما يتوهم من أن مثل هذه الأوامر سيقت مساق الشرطية مردودة بأنه فيما إذا لم يكن في البين قرينة معتبرة على ان الأمر طريق صرف لعدم فوت الحج و تقدم في أول المسألة ما ينفع المقام.

ص: 373


1- الوسائل باب: 56 من أبواب العمرة حديث: 3.

ثمَّ إنّ عدم جواز الخروج- على القول به- إنما هو في غير حال الضرورة، بل مطلق الحاجة (135) و أما مع الضرورة أو الحاجة، مع كون الإحرام بالحج غير ممكن أو حرجا عليه، فلا إشكال فيه أيضا (136) و الظاهر اختصاص المنع- على القول به- بالخروج إلى المواضع البعيدة (137)، فلا بأس بالخروج إلى فرسخ أو فرسخين، بل يمكن أن يقال: باختصاصه بالخروج إلى خارج الحرم (138) و إن كان الأحوط

______________________________

(135) هذا هو الفرع الثالث و وجه الجواز ما تقدم من خبر إسحاق بن عمار، و مرسل ابن قاسم عن أبي جعفر (عليه السلام): «أن لي ضياعا حول مكة و احتاج إلى الخروج إليها فقال (عليه السلام): تخرج حلالا و تخرج حلالا إلى الحج» (1)، و يدل عليه أدلة نفي الحرج، و إنه «ليس شي ء مما حرّمه اللّه إلا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (2).

(136) لأدلة نفي الحرج، و ما تقدم من خبري ابن عمار، و مرسل ابن قاسم.

(137) لأنّها مظنة فوت الحج غالبا خصوصا في الأزمنة القديمة، و يشهد له قوله (عليه السلام) في صحيح حماد: «فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف، أو إلى ذات عرق ..» فإنّ ذكر هذه الموارد مع وجود أماكن أقرب منها قرينة على إرادة الأماكن البعيدة و منه يظهر وجه الاختصاص بخارج الحرم.

(138) لأنه المتيقن من الأدلة، لأنّها اشتملت على الخروج من مكة، و لكن الظاهر منها أن المراد بها مكة بلوازمها و حدودها و الحرم من لوازم مكة و حدودها و ليس المراد الخروج إلى خلف سور مكة خصوصا بعد ذكر عسفان و نحوه في السؤال.

ص: 374


1- الوسائل باب: 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 3.
2- راجع الوسائل باب: من أبواب القيام حديث: 6. (كتاب الصلاة).

خلافه (139).

ثمَّ الظاهر أنه لا فرق- في المسألة- بين الحج الواجب و المستحب (140) فلو نوى التمتع مستحبا ثمَّ أتى بعمرته يكون مرتهنا بالحج، و يكون حاله في الخروج محرما أو محلا و الدخول كذلك كالحج الواجب.

ثمَّ إن سقوط وجوب الإحرام عمّن خرج محلا و دخل قبل شهر مختص بما إذا أتى بعمرة بقصد التمتع (141)، و أما من لم يكن سبق منه عمرة فيلحقه حكم من دخل مكة في حرمة دخوله بغير الإحرام، إلّا مثل الحطّاب و الحشّاش و نحوهما (142) و أيضا سقوطه إذا كان بعد العمرة قبل شهر إنما هو على وجه الرخصة- بناء على ما هو الأقوى من عدم اشتراط فصل شهر بين العمرتين- فيجوز الدخول بإحرام قبل الشهر أيضا ثمَّ إذا

______________________________

(139) جمودا على ظاهر لفظ «مكة» و بعض عبارات الفقهاء و لكنه جمود بلا وجه خصوصا في هذه العصور التي عمّت عمارات مكة غالب الحرم.

(140) هذا هو الفرع الرابع و الوجه فيه ظهور الإطلاق و الاتفاق في عدم الفرق بينهما إن لم نقل بأنّ المتيقن من الاتفاق، و المنساق من الإطلاق خصوص الواجب فقط و لا بد من تقييده على فرض التعميم بما إذا كان بانيا على إتيان الحج و لكن لو بدئ له عن إتيانه فلا موضوع للبحث حينئذ لأن عمرته تصير مفردة قهرا.

(141) هذا الفرع راجع إلى ما تعرض له في الأثناء من أنّ لكل شهر عمرة و الإتيان بعمرة التمتع إنما هو فيما إذا كان تكليفه ذلك و إلّا فيكفي العمرة لعمرة المفردة.

(142) تقدم ما يتعلق بمقدار الفصل بين العمرتين، و ما يتعلق بكون

ص: 375

دخل بإحرام، فهل عمرة التمتع هي العمرة الأولى أو الأخيرة؟ مقتضى حسنة حماد. أنها الأخيرة المتصلة بالحج (143) و عليه لا يجب فيها طواف النساء (144) و هل يجب حينئذ في الأولى أولا؟ وجهان أقواهما.

نعم (145)، و الأحوط الإتيان بطواف مردد بين كونه للأولى أو

______________________________

السقوط رخصة في [مسألة 3] من فصل أقسام العمرة فراجع، إذ لا وجه للتكرار. و كذا الحكم بالنسبة إلى كل من يحتاج إلى تكرار الدخول و الخروج لحاجة عرفية كالحملدارية و نحوهم.

(143) هذا هو الفرع الخامس الراجع إلى أصل المسألة، و يدل عليه مضافا إلى حسن حمّاد ظهور الاتفاق.

لكن المتيقن من الاتفاق على فرض تحققه كونها عمرة تمتع في الجملة لا من كل جهة و لا يستفاد من خبر حماد أزيد من ذلك أيضا من جهة اتصالها بالحج دون الأولى.

و لكن يرد عليه أولا: ان معنى الاتصال كون الحج و العمرة في أشهر الحج و المفروض تحقق هذا النحو من الاتصال في العمرة الأولى أيضا.

و ثانيا: انه إن قصد بالعمرة الثانية التمتعية لا بأس بوقوعها تمتعا و أما إن قصد بها الإفراد فكيف ينقلب إلى التمتع و شمول دلالة خبر حماد للانقلاب القهريّ مشكل بل ممنوع، فطريق الاحتياط قصد التكليف الواقعي في العمرة الثانية. و الحق أنّ هذه الفروع غير منقحة كما اعترف به في الجواهر.

(144) لعدم وجوبه فيها نصا، و إجماعا كما مر. و يأتي في فصل الطواف أيضا.

(145) هذا هو الفرع السادس، لأنّه بعد كون الثانية عمرة التمتع بالنص، و الإجماع تكون الأولى مفردة لا محالة و يجب فيها طواف النساء نصا و إجماعا على ما يأتي.

ص: 376

الثانية (146). ثمَّ الظاهر أنّه لا إشكال في جواز الخروج في أثناء عمرة التمتع قبل الإحلال منها (147).

______________________________

و ما يقال: من إنه قصد بها التمتع فلا يتغير عما وقعت عليه مع انه أحل منها بالتقصير و ربما أتى النساء فلا موضوع لطواف النساء حينئذ (مردود) إذ الأول من الاجتهاد في مقابل النص، و كذا الثاني أيضا لأنه بإتيان العمرة الثانية و حكم الشرع عليها بالتمتع يستكشف بكون الاولى مفردة و أنه لا يكفي مجرد التقصير فيها لحلية النساء و أنها كانت حكما ظاهريا ثمَّ تبين الخلاف.

إلا أن يقال: بالشك في شمول ما دل على اعتبار طواف النساء في العمرة المفردة لمثل هذه العمرة فيرجع إلى أصالة البراءة عن وجوبه حينئذ بدعوى: ان المنساق من أدلة اعتباره في العمرة المفردة ما إذا قصد الإفراد حين التلبس بإحرامها لا مثل المقام فتأمل.

(146) لأن بذلك يحصل الامتثال لا محالة على فرض الوجوب.

(147) هذا هو الفرع السابع لأصل المسألة، و الوجه في الجواز الأصل بعد التقيد بالخروج بعد الإحلال في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، و خبر علي بن جعفر و غيرها، و إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي:

«و ما أحب أن يخرج منها إلا محرما» إن لم نقل بانصرافه إلى إحرام الحج بقرينة غيره.

و لكن يظهر من الشرائع إطلاق عدم جواز الخروج حيث قال: «و لا يجوز للمتمتع الخروج من مكة حتى يأتي بالحج» و لكنه لا بد و ان يحمل على بعد الإحلال منها، للتصريح به في الأخبار كما مر.

فروع:

الأول: يجوز الخروج من مكة في أثناء إحرام الحج، للأصل بعد عدم دليل على المنع.

ص: 377

مسألة 3: لا يجوز لمن وظيفته التمتع أن يعدل إلى غيره

(مسألة 3): لا يجوز لمن وظيفته التمتع أن يعدل إلى غيره من القسمين الأخيرين اختيارا (148).

نعم، إن ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج جاز له نقل النية إلى الإفراد، و أن يأتي بالعمرة بعد الحج بلا خلاف و لا إشكال، و إنما الكلام في حد الضيق المسوّغ لذلك، و اختلفوا فيه على أقوال:

أحدها: خوف فوات الاختياري عن وقوف عرفة.

الثاني: فوات الركن من الوقوف الاختياري و هو المسمى منه.

الثالث: فوات الاضطراري منه.

الرابع: زوال يوم التروية.

الخامس: غروبه.

السادس: زوال يوم عرفة.

السابع: التخيير (149) بعد زوال يوم التروية- بين العدول و الإتمام، إذا لم يخف الفوت.

______________________________

الثاني: لا فرق في جواز الخروج في أثناء عمرة التمتع و أثناء الإحرام بين أن يذهب إلى الأماكن البعيدة- كالمدينة، و الطائف و نحوهما- أو الأماكن القريبة.

الثالث: جميع ما تقدم من الأحكام حرمة أو كراهة حكم واقعي لا فرق فيه بين العالم و الجاهل.

(148) إجماعا، و نصوصا تقدم بعضها في أول (فصل في أقسام الحج).

(149) حكى الأول عن الغنية، و المختلف، و الدروس كما في المستند.

و قال: «و اختاره بعض شيوخنا» و هو ظاهر التهذيب و الاستبصار. و يمكن استفادة الشهرة بالنسبة إليه بناء على اتحاد حكم هذه المسألة مع المسألة الآتية.

ص: 378

..........

______________________________

و حكى الثاني عن الحلّيين و ابني إدريس و سعيد و احتمل في الجواهر رجوع ما في المبسوط، و النهاية، و الوسيلة، و المهذب إليه.

و حكى الثالث عن ظاهر ابن إدريس و احتمل عن أبي الصلاح أيضا.

و حكى الخامس عنهما أيضا في المقنع و المقنعة.

و حكى السادس عن جمع منهم الشيخ و الإسكافي.

و أما الأخير فقال في الجواهر: «ربما يظهر من بعض متأخري المتأخرين الجمع بين النصوص بالتخيير من أقوالهم رحمهم اللّه و بعضها كالاجتهاد في مقابل النص مع عدم الاعتماد على أنه بنحو الاحتمال أو الفتوى لعدم كون بعض الكتب المنسوب إليها بعضها معدّا للفتوى فلا وجه لصرف الوقت في ردها و تضعيفها مع استقرار المذهب على خلاف جملة منها».

و لا بد أولا من بيان الحكم بحسب الأصل اللفظي و الأصل العملي و مقتضى القاعدة ثمَّ بحسب الأخبار الخاصة.

أما الأول: فمقتضى الإطلاقات و للعمومات وجوب الإتيان بتمام أعمال حج التمتع مهما أمكن و هذا هو مقتضى قاعدة الاشتغال أيضا فاتفق الأصل اللفظي و العملي على الإتيان بتمام اختياري عرفة.

و أما مقتضى القاعدة فإن الأمر يدور بين تأخير العمرة عن الحج و الإتيان بتمام أفعال الحج حتى يصير الحج إفراد أو تقديم العمرة و التنقيص من بعض واجبات الحج حتى يكون حج تمتع مع النقص في بعض واجباته، و الظاهر ان الأول أهم أو محتمل الأهمية فلا بد من تقديمه فيدرك حجا تاما و يؤخر العمرة عنه.

و أما الأخبار الخاصة فلا يستفاد من مجموعها بعد ردّ بعضها إلى بعض أزيد من الاهتمام و التحفظ على الإتيان بالحج و هذا مما يختلف بحسب الأزمنة و الأشخاص و الأحوال. و يمكن تنزيل اختلاف الأخبار على فرض حجيتها و صدورها لبيان الحكم الواقعي على ذلك. و لكن كل منهما محل نظر بل منع كما

ص: 379

و المنشأ اختلاف الأخبار، فإنها مختلفة أشدّ الاختلاف (150)

______________________________

سيأتي فتتفق مفاد الأصل اللفظي و العملي، و القاعدة، و الأخبار الخاصة على شي ء أحد و هو التحفظ على جميع أفعال الحج و عدم إيراد النقض عليها مهما أمكن. و أما العمرة فهي تامة قدمت على الحج أو أخرت عنه.

(150) يرتقي إلى أقسام عشرة بل أكثر:

الأول: قوله (عليه السلام) في خبر ابن شعيب المحاملي: «لا بأس للمتمتع- إن لم يحرم من ليلة التروية- متى ما تيسر له، ما لم يخف فوت الموقفين» (1).

الثاني: قوله (عليه السلام) في مكاتبة ابن مسرور: «ساعة يدخل مكة إن شاء اللّه يطوف، و يصلي ركعتين، و يسعى و يقصر، و يحرم بحجته، و يمضى إلى الموقف، و يفيض مع الامام» (2).

الثالث: صحيح ابن بزيع قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحل، متى تذهب متعتها؟ قال (عليه السلام): كان جعفر (عليه السلام) يقول: زوال الشمس من يوم التروية- الحديث-» (3).

الرابع: لحوق الناس بمنى كما في خبر أبي بصير: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة فقال (عليه السلام): إن كانت تعلم انها تطهر، و تطوف بالبيت، و تحل من إحرامها، و تلحق الناس بمنى فلتفعل» (4).

الخامس: يوم التروية كما في صحيح ابن الحجاج قال: «أرسلت إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام): إن بعض من معنا من صرورة النساء قد اعتللن فكيف تصنع؟ قال (عليه السلام): تنظر ما بينها و بين التروية فإن طهرت فلتهل، و إلا فلا

ص: 380


1- الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 16.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 14.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 3.

..........

______________________________

يدخلن عليها التروية إلا و هي محرمة» (1).

السادس: ليلة عرفة كرواية إسحاق عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:

«المتمتع إذا قدم ليلة عرفة فليس له متعة، يجعلها حجة مفردة. إنّما المتعة إلى يوم التروية» (2) و مثلها صحيح ابن يقطين.

السابع: غروب الشمس من يوم عرفة كصحيح العيص قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية صلاة العصر تفوته المتعة؟ قال (عليه السلام): لا، ما بينه و بين غروب الشمس قال: و قد صنع ذلك رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)» (3).

الثامن: ما بينه و بين الليل كخبر إسحاق بن عبد اللّه قال: «سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن المتمتع يدخل مكة يوم التروية فقال ليتمتع ما بينه و بين الليل» (4)، و في رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا قدمت مكة يوم التروية- و قد غربت الشمس- فليس لك متعة امض كما أنت بحجك» (5).

التاسع: السحر من يوم عرفة كصحيح ابن مسلم قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إلى متى يكون للحاج عمرة؟ قال (عليه السلام): إلى السحر من ليلة عرفة» (6).

العاشر: زوال يوم عرفة كصحيح جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة و له الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر» (7) إلى غير ذلك.

و مسألة كانت بهذا النحو من اختلاف الأدلة كيف يجوز لفقيه أن يأخذ

ص: 381


1- الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 15.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 9 و 11.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 10.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 11.
5- الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 12.
6- الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 9.
7- الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 15.

و الأقوى أحد القولين الأولين، لجملة مستفيضة من تلك الأخبار فإنها يستفاد منها- على اختلاف ألسنتها- أنّ المناط في الإتمام عدم خوف فوت الوقوف بعرفة.

منها قوله (عليه السلام): في رواية يعقوب بن شعيب الميثمي: «لا بأس للمتمتع- إن لم يحرم من ليلة التروية- متى ما تيسر له ما لم يخف فوات الموقفين» و في نسخة: «لا بأس للمتمتع أن يحرم ليلة عرفة» (151).

و أما الأخبار المحددة بزوال يوم التروية (152)، أو بغروبه (153)،

______________________________

بواحد منها و يغمض عن البقية؟!! إلّا إذا كان بينها حاكم و محكوم، فالمتعين الأخذ بالحاكم و خبر الميثمي المتقدم (1) حاكم على الجميع، و كذا مثل خبر سعد ابن عبد اللّه (2)، فليس للفقيه أن ينظر إلى حديث واحد منها بعين واحد و يفتي بمضمونه، بل لا بد و أن يرجع بعضها إلى بعض ثمَّ تلحظ الجهات الخارجية و الداخلية و يفتي بالمتحصل من المجموع من حيث المجموع كما هو الشأن في جميع موارد اختلاف الأدلة.

(151) و ظهوره على النسختين في كون المناط فوت الاختياريّ من عرفة مما لا ينكر.

و احتمال كون المراد ان المتمتع إذا فرغ من متعته لا تجب عليه المبادرة إلى الإحرام بالحج ليلة التروية خلاف الظاهر، لأنّه معلوم و لا يحتاج إلى البيان و ما يحتاج إليه إنما هو بيان تكليف صورة عدم التمكن من الإتيان بوظيفته الفعلية.

(152) كصحيح ابن بزيع الذي تقدم في القسم الثالث من الأخبار.

(153) كصحيح عيص بن القاسم المتقدم في القسم السابع من الأخبار.

ص: 382


1- الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 14.

أو بليلة عرفة (154)، أو سحرها (155) فمحمولة على صورة عدم إمكان الإدراك إلا قبل هذه الأوقات (156)، فإنه مختلف باختلاف الأوقات،

______________________________

(154) تدل عليه الأخبار السابقة في غروب يوم التروية فإنّه ليلة عرفة كما مر في القسم السادس و الثامن منها.

(155) كصحيح ابن مسلم الذي مرّ في القسم التاسع من الأخبار.

(156) كما في مكاتبة ابن مسرور التي تقدمت في القسم الثاني من الأخبار، و صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل أهلّ بالحج و العمرة جميعا، ثمَّ قدم مكة و الناس بعرفات، فخشي إن هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف قال (عليه السلام): يدع العمرة فإذا أتمّ حجه صنع كما صنعت عائشة، و لا هدي عليه» (1). و بعضها لا يستفاد منه التحديد كصحيح أبي بصير كما تقدم في القسم الرابع من الأخبار، فلا وجه لعدّه من الأخبار المعارضة.

و أما صحيح ابن الحجاج الذي مرّ في القسم الخامس منها، فالمراد منه إنه إذا لم تطهر المرأة إلى يوم التروية لا يمكنها حينئذ الإتيان بالعمرة التمتعية ثمَّ الذهاب إلى عرفات بحسب المتعارف في تلك الأزمنة، فلا يستفاد منه الموضوعية ليوم التروية منه، فيحمل على التمكن و عدمه بقرينة صحيح أبي بصير. و أما الحمل على التقية فهو ظاهر صحيح ابن بزيع.

و خلاصة الكلام: إنّ مجموع تلك الأخبار العشرة- المتقدمة- الواردة في التحديد كلها محكومة بقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن شعيب: «لا بأس للمتمتع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يخف فوات الموقفين» (2)، لأنّ قوله (عليه السلام): «متى ما تيسر له» ما لم يخف فوات الموقفين علة مبينة و شارحة لجميع هذه الأخبار و المنساق من الموقفين هو

ص: 383


1- الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 6.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 5.

و الأحوال، و الأشخاص (157)، و يمكن حملها على التقية إذا لم يخرجوا مع الناس يوم التروية (158) و يمكن كن الاختلاف لأجل التقية (159) كما

______________________________

الاختياري منهما إلا مع القرينة على الخلاف و هي مفقودة في المقام، لأن المقطوع به عدم إرادة الموضوعية الخاصة في هذه التحديدات المتباينة و عدم كونها في مقام بيان الحكم الواقعي، إذ لا اختلاف في الواقع بل هو واحد و هو الإتيان بالوظيفة الفعلية.

و هذه الأخبار المختلفة ورد لبيان تعدد المصاديق و أقسام الواردين إلى مكة بحسب الأحوال و العوارض المختلفة و ليس في ذلك كله تعبد خاص بل بيانه خارج عن وظيفة الإمام (عليه السلام) و ما هو وظيفته إنّما هو وظيفته إنّما هو بيان الحكم فقط و هو التحفظ على درك اختياري عرفة فلا تعارض في الواقع بين الأخبار كما لا تعارض بين الحاكم و المحكوم.

(157) و هذا مما يشهد به الوجدان و الاعتبار في كل عصر و زمان حتى في هذه الأزمنة التي اتسعت الطرق فيها و سهلت الوسائل النقلية فإن اختلاف الوصول إلى المقصد فيها أيضا حاصل بالوجدان.

إنه كان بناء عامة الناس الخروج إلى عرفة يوم التروية، فجميع ما صدر عنهم (عليهم السلام) مما يستفاد منه التحديد إلى آخر يوم التروية صدرت تقية منهم و هو القسم الأول، و الثاني، و الثالث، و الخامس، و السابع و هذا حمل صحيح جدا.

(158) و توهم انه لا بد في الحمل على التقية من وجود قول به و إلا فلا وجه لها (باطل) لأنّ العمل المستقر عليه بناؤهم- أشد من القول بمراتب في لزوم التقية.

(159) أي كون الاختلاف لأجل إلغاء الخلاف بين الشيعة و إلغاء الخلاف إنما هو لأجل التقية و حفظ الشيعة. و هذا أيضا وجه حسن بل هو دأب الأئمة (عليهم السلام) في حفظ شيعتهم في أمثال هذه الموارد كما لا يخفى على من تتبع كيفية مراعاتهم لحقوق شيعتهم و رعايتهم لهم مهما

ص: 384

في أخبار الأوقات للصلوات. و ربما تحمل على تفاوت مراتب افراد المتعة في الفضل بعد التخصيص بالحج المندوب (160)، فإنّ أفضل أنواع التمتع أن تكون عمرته قبل ذي الحجة، ثمَّ ما تكون عمرته قبل يوم التروية، ثمَّ ما يكون قبل يوم عرفة. مع أنّا لو أغمضنا عن الأخبار- من جهة شدة اختلافها و تعارضها.

فنقول: مقتضى القاعدة هو ما ذكرنا، لأن المفروض أنّ الواجب عليه هو التمتع، فما دام ممكنا لا يجوز العدول عنه و القدر المسلّم من جواز العدول صورة عدم إمكان إدراك الحج، و اللازم إدراك الاختياري من الوقوف، فإن كفاية الاضطراري منه خلاف الأصل (161).

______________________________

أمكنهم (عليهم السلام).

و الفرق بين هذه التقية و التقية السابقة ان الاولى بالنسبة إلى عمل المكلف أولا و بالذات و هذه لأجل إلقاء الخلاف بينهم لا لأجل نفس عملهم.

(160) نسب ذلك إلى الشيخ و هو أيضا نحو جمع حسن بين الأخبار و شائع في الفقه. و المندوب قابل للتسامح فيه، بل قد جرت سيرة الفقهاء عليه بخلاف الواجب.

و ما يقال: ان التخصيص يكون بلا مخصص، لظهور عموم الأخبار للواجب أيضا، مع ان مورد صحيح ابن الحجاج الصرورة (1) و هي في حجة الإسلام مع إباء بعض الأخبار عن الحمل على الأفضل (باطل) لأن التخصيص بالقرينة الخارجية و هو كون الندب قابلا للمسامحة، دون الواجب، و بناء الفقهاء على ذلك. و الصرورة من كان حجه أول حجه سواء كان ذلك واجبا أو مندوبا.

(161) أي: أصالة الإطلاق و العموم، و أصالة الاشتغال، كما أنّ المراد

ص: 385


1- تقدم في القسم الخامس من الأخبار راجع صفحة 380.

يبقى الكلام في ترجيح أحد القولين الأولين. و لا يبعد رجحان أولهما، بناء على كون الواجب استيعاب تمام ما بين الزوال و الغروب بالوقوف، و إن كان الركن هو المسمى، و لكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال (162) فإن من جملة الأخبار مرفوع سهل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في متمتع دخل يوم عرفة قال متعة تامة أن يقطع الناس تلبيتهم» حيث إنّ قطع التلبية بزوال يوم عرفة، و صحيحة جميل: «المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر» و مقتضاهما كفاية إدراك مسمّى الوقوف الاختياري فإنّ من البعيد إتمام العمرة قبل الزوال من عرفة، و إدراك الناس في أول الزوال بعرفات، و أيضا يصدق إدراك الموقف إذا أدركهم قبل الغروب إلا أن يمنع الصدق، فإنّ المنساق منه إدراك تمام الواجب و يجاب من المرفوعة و الصحيحة بالشذوذ (163)، كما ادعى.

______________________________

بالقاعدة: القاعدة المستفادة من الإطلاقات و العمومات أيضا.

و توهم: أنّه لا وجه للإغماض عنها بعد اعتبار سند بعضها فلا بد إما من التخيير أو الترجيح.

مردود: لأنه يتعين الإغماض إما لأجل حكومته مثل خبر شعيب عليها، و أما لأجل قرائن دالة على إنها لم تصدر لبيان الحكم الواقعي فيكون من قبيل اشتباه الحجة بغير الحجة فكيف يجري التخيير مع انها من الأخبار الشاذة و الإجماع على خلاف جملة منها و بعضها لم ينسب العمل به إلا إلى واحد من الأصحاب- كالمفيد و ابن بابويه- و استقر المذهب على خلافهما.

(162) ظهر مما تقدم منا، و يأتي في المتن عدم الإشكال فيه.

(163) كما صرح به في الجواهر، و كذا خبر ابن مسرور، مع أن المرفوعة قاصرة سندا أيضا.

ص: 386

و قد يؤيد القول الثالث- و هو كفاية ادراك الاضطراري من عرفة- بالأخبار الدالة على أن من يأتي بعد إفاضة الناس من عرفات، و أدركها ليلة النحر تمَّ حجه.

و فيه: أن موردها غير ما نحن فيه و هو عدم الإدراك من حيث هو، و فيما نحن فيه يمكن الإدراك و المانع كونه في أثناء العمرة فلا يقاس بها (164).

نعم، لو أتم عمرته في سعة الوقت ثمَّ اتفق أنّه لم يدرك الاختياري

______________________________

(164) مع أنّ ظاهر خبر ابن مسرور، و صحيح الحلبي، و زرارة مخالف له. فإنّ في الأول قوله (عليه السلام): «و يفيض مع الإمام»(1)، و في الثاني:

«فخشي إن هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف قال (عليه السلام): يدع العمرة- الحديث-» (2)، و في الأخير: «سألت أبا جعفر (عليه السلام): عن الرجل يكون في يوم عرفة بينه و بين مكة ثلاثة أميال، و هو متمتع بالعمرة إلى الحج. فقال (عليه السلام): يقطع التلبية، تلبية المتعة و يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر، و يمضي إلى عرفات فيقف مع الناس و يقضي جميع المناسك، و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم و لا شي ء عليه» (3) فإن مثل هذه النصوص ظاهرة بل ناصة في أن المانع كونه في أثناء العمرة لا شي ء آخر فلا بد من الأخذ بمفاد هذه الأخبار دون غيرها على فرض شمولها لما نحن فيه.

مع أنّ القياس مع الفارق، لأنّ تلك الأخبار فيما إذا تحقق الاضطرار عرفا و البحث في المقام هل هو من الاضطرار أو لا؟

ص: 387


1- الوسائل باب: 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 16.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 6.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 7.

من الوقوف كفاه الاضطراري و دخل في مورد تلك الأخبار (165). بل لا يبعد دخول من اعتقد سعة الوقت فأتمّ عمرته ثمَّ بان كون الوقت مضيقا في تلك الأخبار (166).

ثمَّ إنّ الظاهر عموم حكم المقام بالنسبة إلى الحج المندوب (167) و شمول الأخبار له، فلو نوى التمتع ندبا، و ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج جاز له العدول إلى الأفراد و في وجوب العمرة بعده إشكال، و الأقوى عدم وجوبها (168) و لو علم من وظيفته التمتع ضيق الوقت عن إتمام العمرة و إدراك الحج قبل أن يدخل في العمرة هل يجوز له العدول من الأول إلى الإفراد؟ فيه إشكال، و إن كان غير بعيد (169)، و لو دخل في

______________________________

(165) لتحقق الموضوع حينئذ، فيكون انطباق الحكم قهريا.

(166) لفرض تحقق الضيق واقعا و الالتفات إليه طريق لا أن يكون له موضوعية خاصة.

(167) لظهور الإطلاق الشامل له، و تقدم عن الشيخ حملها على المندوب.

(168) للأصل بعد عدم دليل عليه إلا فيما إذا كان الحج تمتعيا. و ما في بعض الأخبار من إتيان العمرة بعد حج الافراد (1) محمول على ما إذا كانت واجبة. أو إرشاد إلى حسنها. هذا في المندوب.

و أما في الحج الواجب إذا عدل عنه إلى الإفراد، فمقتضى الأصل بقاء وجوب عمرته.

(169) أما وجه الإشكال فلأن المنساق من الأدلة- كما مر- إنما هو العدول في الأثناء و هو غير العدول من الابتداء.

ص: 388


1- الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 2.

العمرة بنية التمتع في سعة الوقت و آخر الطواف و السعي متعمدا إلى ضيق الوقت، ففي جواز العدول و كفايته إشكال (170) و الأحوط العدول و عدم الاكتفاء إذا كان الحج واجبا عليه.

مسألة 4: اختلفوا في الحائض و النفساء- إذا ضاق وقتهما عن الطهر و إتمام العمرة و إدراك الحج- على أقوال
اشارة

(مسألة 4): اختلفوا في الحائض و النفساء- إذا ضاق وقتهما عن الطهر و إتمام العمرة و إدراك الحج- على أقوال:

______________________________

و أما عدم البعد و لو في الابتداء، فلأنّ مناط العدول عدم التمكن من إتمام حج التمتع و هو حاصل في الابتداء كحصوله في الأثناء.

(170) هذه المسألة مبنية على أنّ إطلاق أدلة الأحكام الاضطرارية هل يشمل لما إذا أوجد المكلف موضوع الاضطرار بالاختيار أو لا؟ فعلى الأول يجزي و يصح بخلاف الأخير. و ظاهر إطلاق الأدلة و الفتاوى في الموارد المتفرقة الشمول راجع [مسألة 13] من (فصل التيمم) و غيرها.

ثمَّ إنّ كلا من العدول و الإتمام إلزاميّ و مقتضى الاستصحاب ترجيح الثاني فهو الأحوط دون الأول.

إلا أن يقال: إنه من جهة إطلاقات المقام مع احتمال المناقشة في شمولها لصورة التعمد فيشك في جريان الاستصحاب حينئذ.

ان قيل: لا يعدل و يتم و لو أدرك الاضطراريّ من الوقوفين فيجري و يصح لما دل على الاجزاء بالاضطراري.

يقال أولا: إنه إذا نوقش في شمول أدلة المقام لما إذا حصل العذر بالاختيار فتجري هذه المناقشة في أجزاء الوقوف الاضطراري أيضا إذا حصل الاضطرار بالاختيار.

و ثانيا: يمكن أن يقال: أنّ إطلاق أخبار المقام مع ورودها في مقام البيان حاكم على ما دل على الاجتزاء بالوقوف الاضطراري و إنها مقيدة بغير ما نحن فيه.

ص: 389

أحدها: أنّ عليهما العدول إلى الإفراد

أحدها: أنّ عليهما العدول إلى الإفراد (171) و الإتمام ثمَّ الإتيان بعمرة بعد الحج لجملة من الأخبار (172).

الثاني: ما عن جماعة من ان عليهما ترك الطواف

الثاني: ما عن جماعة (173) من ان عليهما ترك الطواف، و الإتيان بالسعي، ثمَّ الإحلال، و ادراك الحج، و قضاء طواف العمرة بعده فيكون عليهما الطواف ثلاث مرات، مرة لقضاء طواف العمرة، و مرة للحج، و مرة للنساء و يدل على ما ذكروه أيضا جملة من الأخبار (174).

______________________________

فرع: الظاهر ان الانقلاب إلى الإفراد في المقام تكليف واقعي فلو ترك حج الإفراد و أتى بالتمتع و أدرك اضطراري الوقوف فلا يجزي و الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة.

(171) نسب هذا القول إلى المشهور، و ادعى عليه الإجماع.

(172) كصحيح جميل: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية قال (عليه السلام): تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة، ثمَّ تقيم حتى تطهر، فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة» (1)، و عن ابن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن المرأة تجي ء متمتعة فتطمث- قبل أن تطوف بالبيت- حتى تخرج إلى عرفات قال (عليه السلام): تصير حجة مفردة، و عليها دم أضحيتها» (2) و قد تقدم صحيح ابن بزيع (3). و يمكن الاستشهاد بروايات أخرى تأتي الإشارة إليها.

(173) منهم عليّ بن بابويه، و أبو الصلاح.

(174) كالصحيح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثمَّ حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت

ص: 390


1- الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 2.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 13.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 14.

..........

______________________________

وسعت، و إن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت و احتشت، ثمَّ سعت بين الصفا و المروة، ثمَّ خرجت إلى منى فإذا قضت المناسك و زارت البيت، طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثمَّ طافت طوافا للحج، ثمَّ خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شي ء يحل منه المحرم، إلّا فراش زوجها، فإذا طافت أسبوعا حل لها فراش زوجها» (1)، و خبر عجلان: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): متمتعة قدمت مكة فرأت الدم كيف تصنع؟ قال (عليه السلام): تسعى بين الصفا و المروة و تجلس في بيتها. فإن طهرت طافت بالبيت، و إن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلّت بالحج و خرجت إلى منى فقضت المناسك كلها،- فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين، ثمَّ سعت بين الصفا و المروة- فإذا فعلت ذلك فقد حل لها كل شي ء ما عدا فراش زوجها قال: و كنت أنا و عبد اللّه بن صالح سمعنا هذا الحديث في المسجد، فدخل عبيد اللّه على أبي الحسن (عليه السلام) فخرج إليّ فقال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رواية عجلان فحدثنا بنحو ما سمعنا عن عجلان» (2).

و خبر عجلان الآخر: إنه سمع أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: إذا اعتمرت المرأة ثمَّ اعتلت قبل أن تطوف، قدمت السعي و شهدت المناسك فإذا طهرت و انصرفت من الحج قضت طواف العمرة، و طواف الحج، و طواف النساء ثمَّ أحلت من كل شي ء» (3).

و خبره الثالث: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن متمتعة دخلت مكة فحاضت قال (عليه السلام): تسعى بين الصفا و المروة ثمَّ تخرج مع الناس حتى تقضي طوافها بعد» (4).

ص: 391


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الطواف.
2- الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف حديث: 6.
3- الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف حديث: 3.
4- الوسائل باب: 84 من أبواب الطواف حديث: 10.
الثالث: ما عن الإسكافي و بعض متأخري المتأخرين

الثالث: ما عن الإسكافي و بعض متأخري المتأخرين (175)، من التخيير بين الأمرين للجمع بين الطائفتين بذلك.

الرابع: التفصيل بين ما إذا كانت حائضا قبل الإحرام فتعدل

الرابع: التفصيل بين ما إذا كانت حائضا قبل الإحرام فتعدل أو كانت طاهرا حال الشروع فيه ثمَّ طرئ الحيض في الأثناء فتترك الطواف و تتم العمرة و تقضي بعد الحج اختاره بعض (176) بدعوى: انه مقتضى الجمع بين الطائفتين، بشهادة خبر أبي بصير: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول في المرأة المتمتعة إذا أحرمت و هي طاهر، ثمَّ حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت و لم تطف حتى تطهر، ثمَّ تقضي طوافها و قد قضت عمرتها.

و إن أحرمت و هي حائض لم تسع و لم تطف حتى تطهر».

و في الرضوي: «إذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم- إلى قوله (عليه السلام)- و إن طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها، فتجعلها حجة مفردة و إن حاضت بعد ما أحرمت سعت بين الصفا و المروة و فرغت من المناسك كلّها إلا الطواف بالبيت، فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت، و هي متمتعة بالعمرة إلى الحج، و عليها طواف الحج و طواف العمرة و طواف النساء».

و قيل في توجيه الفرق (177) بين الصورتين: أنّ في الصورة الأولى لم تدرك شيئا من أفعال العمرة طاهرا، فعليها العدول إلى الإفراد، بخلاف

______________________________

(175) يمكن أن يستظهر ذلك من صاحب المدارك.

(176) نسب إلى الكاشاني، و الحدائق.

(177) هذا الفرق ضعيف مع أنّ قائله غير معروف.

ص: 392

الصورة الثانية، فإنّها أدركت بعض أفعالها طاهرا، فتبني عليها، و تقضي الطواف بعد الحج.

و عن المجلسي (178) في وجه الفرق ما حصله: إنّ في الصورة الاولى لا تقدر على نية العمرة، لأنها تعلم أنها لا تطهر للطواف و إدراك الحج بخلاف الصورة الثانية، فإنها حيث كانت طاهرة وقعت منها النية و الدخول فيها.

الخامس: ما نقل عن بعض، من أنّها تستنيب للطواف ثمَّ تتم العمرة و تأتي بالحج لكن لم يعرف قائله

الخامس: ما نقل عن بعض، من أنّها تستنيب للطواف ثمَّ تتم العمرة و تأتي بالحج لكن لم يعرف قائله (179)، و الأقوى من هذه الأقوال هو القول الأول للفرقة الاولى من الأخبار التي هي أرجح من الفرقة الثانية، لشهرة العمل بها دونها (180).

و أما القول الثالث- و هو التخيير- فإن كان المراد منه الواقعي بدعوى

______________________________

(178) المراد به المجلسي الأول قاله في شرحه على الفقيه و قال في الحدائق: «إنه وجه جمع بين الأخبار».

و فيه: إنّه بلا شاهد مع إنه يحصل القصد منها مع جهلها بالحكم كما هو الغالب في النساء خصوصا في تلك الأزمان بل و مع العلم أيضا بأن تقصد العمرة بما هي عليها في الواقع و لو كانت بتأخير طوافها عن الحج كما تقدم في خبر أبي بصير و غيره.

و بالجملة: النية الرجائية حاصلة منها على كلّ تقدير.

(179) بل و لا دليله كما اعترف به في الجواهر و غيره. و ليت شعري إذا لم يعرف قائله و لا دليله لم يتعرّضون له.

(180) الترجيح من حيث الشهرة الروائية و هي موجودة فيها و إن قلنا أن الشهرة العملية لا توجب الترجيح و المسألة محرّرة في الأصول.

ص: 393

كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين ففيه: أنّهما يعدان من المتعارضين، و العرف لا يفهم التخيير منهما و الجمع الدلالي فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرين ذلك و إن كان المراد التخيير الظاهري العملي، فهو فرع مكافئة الفرقتين، و المفروض ان الفرقة الأولى أرجح، من حيث شهرة العمل بها (181).

و أما التفصيل المذكور فموهون بعدم العمل. مع ان بعض أخبار القول الأول ظاهر في صورة كون الحيض بعد الدخول في الإحرام (182).

نعم، لو فرض كونها حائضا حال الإحرام و علمت بأنّها لا تطهر لإدراك الحج يمكن أن يقال: يتعين فيها العدول إلى الإفراد من الأول، لعدم فائدة في الدخول في العمرة ثمَّ العدول إلى الحج (183).

و أما القول الخامس فلا وجه له و لا له قائل معلوم.

مسألة 5: إذا حدث الحيض و هي في أثناء طواف عمرة التمتع

(مسألة 5): إذا حدث الحيض و هي في أثناء طواف عمرة التمتع، فإن كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافها على الأقوى (184) و حينئذ فإن

______________________________

(181) خلاصة الكلام: ان التخيير إن كان في المسألة الفرعية فهو خلاف ظواهر أخبار المقام، لظهورها في الوجوب التعيني لا التخييري.

و إن كان المراد التخيير في المسألة الأصولية فلا موضوع له، لكونه في المتكافئين من كل جهة و المفروض عدمه، لما مر من أن الترجيح للفرقة الاولى من الأخبار و صحيح جميل من محكمات أخبار الباب سندا، و دلالة، و متنا، و جهة.

(182) كصحيحي ابني بزيع، و عمار المتقدم في أول المسألة.

(183) لأنه حينئذ من اللغو المنزّه عنه مقام الشرع.

(184) لعموم ما دل على إحراز الطواف بإحراز الأربعة منه- كما سيأتي-

ص: 394

..........

______________________________

و لنصوص خاصة.

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة فجاوزت النصف علمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته فإن هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله» (1).

و خبر أحمد بن عمر الحلال عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثمَّ اعتلت قال (عليه السلام): إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بالصفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله» (2).

و في خبر إسحاق بياع اللؤلؤ قال: «حدثني من سمع أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثمَّ حاضت فمتعتها تامة، و تقضي ما فاتها من الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة و تخرج إلى منى قبل أن تطوف الطواف الآخر» (3) و قصور سنده مجبور بالعمل.

و نسب إلى ابن إدريس القول ببطلان التمتع بعروض الحيض في الأثناء و تبعه في المدارك لإطلاق ما دلّ على بطلانه في عروض الحيض في أثنائه الواجب حمله على التفصيلي الوارد في الأخبار العامة و الخاصة الوارد في هذه الأخبار فراجع و تأمل.

و في صحيح الأعرج قال: «سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) و عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثمَّ طمثت قال (عليه السلام):

تتم طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة فلها أن تطوف بين الصفا و المروة، و ذلك لأنها زادت على النصف و قد مضت متعتها

ص: 395


1- الوسائل باب: 85 من أبواب الطواف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 85 من أبواب الطواف حديث: 2.
3- الوسائل باب: 86 من أبواب الطواف حديث: 2.

كان الوقت موسّعا أتمت عمرتها بعد الطهر (185)، و إلا فلتعدل إلى حج الإفراد (186) و تأتي بعمرة مفردة بعده، و إن كان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف و بعد الطهر تأتي بالثلاثة الأخرى، و تسعى، و تقصّر مع سعة الوقت (187) و مع ضيقه تأتي بالسعي و تقصر، ثمَّ تحرم للحج و تأتي بأفعاله ثمَّ تقضي بقية طوافها- قبل طواف الحج أو بعده- (188) ثمَّ تأتي ببقية أعمال الحج، و حجها صحيح تمتعا، و كذا الحال إذا حدث الحيض

______________________________

و لتستأنف بعد الحج»(1) و هذا هو المشهور بين الفقهاء (رحمهم اللّه).

و نسب إلى الصدوق جواز الاكتفاء في صحة المتعة بالأقل أيضا، لخبر محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقلّ من ذلك ثمَّ رأت دما قال (عليه السلام): تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت و أعتدت بما مضى» (2).

و قال (رحمه اللّه) في الفقيه: «بهذا الحديث أفتي دون الحديث الذي رواه ابن مسكان ..» و فيه أولا: استقرار كلمة الفقهاء على خلافه.

و ثانيا: قصور سنده عن المعارضة بغيره فليحمل على طواف النافلة كما يأتي في محله.

(185) للإجماع، و النصوص التي تقدم بعضها.

(186) لما تقدم في المسألة السابقة فإن هذه المسألة من صغرياتها.

(187) لما تقدم من النصوص الخاصة، و لزوم مراعاة الترتيب مهما أمكن بين الطواف و صلاته و السعي.

(188) لإطلاق الأخبار الواردة في المقام الشامل للإتيان بالطواف قبل طواف الحج أو بعده، مضافا إلى أصالة عدم اشتراط قيد مخصوص من

ص: 396


1- الوسائل باب: 86 من أبواب الطواف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 85 من أبواب الطواف حديث: 3.

بعد الطواف و قبل صلاته (189).

______________________________

التقدم أو التأخر.

(189) يظهر حكمه مما إذا حدث الحيض بعد تجاوز نصف الطواف بالأولية، مضافا إلى صحيح زرارة قال: «سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلي الركعتين قال (عليه السلام): ليس عليها إذا طهرت إلا الركعتين و قد قضت الطواف». (1)

و في صحيح أبي الصباح قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة، ثمَّ حاضت قبل أن تصلي الركعتين قال (عليه السلام): إذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) و قد قضت طوافها» (2). و منه يظهر أنّه لا وجه لإشكال صاحب المدارك، فراجع و تأمل.

فرع: لو كان تكليف المرأة حج التمتع و أتت بعمرته و فرغت منها و أحرمت للعمرة المفردة فحاضت في أثنائها و ضاق وقتها عن إتمامها ففيه وجوه.

الأول: تبدّل حجها إلى الإفراد.

و فيه: أنّه مخالف للأصل فلا دليل عليه، لأن ما تقدم من الأخبار في غير الفرض.

الثاني: أن تذهب بإحرامها إلى عرفات و تأتي بأفعال حج التمتع.

و فيه: انه مخالف للإطلاقات الدالة على وجوب إنشاء الإحرام للحج من غير دليل على تقييدها بالمقام.

الثالث: تنشئ إحراما آخر للحج.

و فيه: أنّه من الإحرام على الإحرام و هو غير جائز.

ص: 397


1- الوسائل باب: 88 من أبواب الطواف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 88 من أبواب الطواف حديث: 2.

..........

______________________________

الرابع: أنها تستنيب للطواف، و صلاته و تأتي ببقية الأعمال بنفسها ثمَّ تحل و بعد الإحلال تحرم للحج. و يمكن استفادة هذا الوجه مما ورد من كثرة التسهيلات في الحج و الاستنابة في أفعالها مع العذر.

و الحمد للّه أولا و آخرا نعم المولى و نعم النّصير و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

ص: 398

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.