المرتقی الی الفقه الارقی: کتاب الزکاه المجلد 2

اشارة

سرشناسه : روحانی، محمد، 1376 - 1298

عنوان و نام پديدآور : المرتقی الی الفقه الارقی: کتاب الزکاه/ تقریرا لابحاث محمد الحسینی الروحانی؛ [تصحیح] محمدصادق الجعفری

مشخصات نشر : تهران: موسسه الجلیل للتحقیقات الثقافیه، 1418ق. = - 1376.

مشخصات ظاهری : ج 14

فروست : (دار الجلی؛ 48، 36)

شابک : 964-5972-07-x15000ریال(ج.1) ؛ 964-5972-07-x15000ریال(ج.1) ؛ 964-5972-07-x15000ریال(ج.1) ؛ 964-5972-07-x15000ریال(ج.1) ؛ 1964-5972-24-8 ؛ 2964-5972-16-7

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه

عنوان دیگر : کتاب الزکاه

موضوع : زکات

شناسه افزوده : جعفری، محمدصادق، مصحح

رده بندی کنگره : BP188/4/ر9م 4 1376

رده بندی دیویی : 297/356

شماره کتابشناسی ملی : م 77-7278

المقدمه

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

و له الحمد و الشكر، و الصّلاة و السّلام على محمّد و آله أولى الأمر، و اللعن على أعدائهم معادن الفتنة و الشّر.

و بعد، فهذه صحف تتلو ما سبقتها من صحائف نشرت- و للّه الحمد- منذ عهد قريب، و هي ترجع بسابق عهدها- كما أشرت إليه في مستهلّ الجزء الأوّل- إلى ما يقرب من أربعين عاما مضى، و كانت أمنيّتى التوسّع في بعض مباحثها، و خاصّة ما يرجع منها إلى «النقدين»، لكن سوء حظّي العاثر حيث أبعدني عن حواضر العلم، و ثقل المرجعيّة الّتي قام بها سيّدنا الاستاذ المعظّم- دام ظلّه- حالا دون تحقيق تلك الأمنيّة، فاكتفيت باجراء بعض التحويرات الجانبيّة عليها حذو ما جرى فى الجزع الأوّل، و أوكلت تحقيق الأمنيّة إلى مشيئة الباري عزّ و جلّ، الّذي لا رادّ لمشيئته تعالى و لا صادّ عنه، و عليه التوكل، و هو المستعان.

محمد صادق الجعفري

23 جمادى الأولى 1417 ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 9

[فصل في زكاة النقدين]

اشارة

[فصل]

في زكاة النقدين و هما الذهب و الفضّة،

[يشترط في وجوب الزكاة فيهما مضافا إلى ما مرّ من الشرائط العامة- أمور]

اشارة

و يشترط في وجوب الزكاة فيهما- مضافا إلى ما مرّ من الشرائط العامة- أمور:

[الأوّل: النصاب]

الأوّل: النصاب، ففي الذهب نصابان:

الأوّل: عشرون دينارا (156)، و فيه نصف دينار، و الدينار مثقال شرعيّ، و هو ثلاثة أرباع الصيرفيّ، فعلى هذا النصاب الأوّل بالمثقال الصيرفيّ، خمسة عشر مثقالا، و زكاته ربع مثقال و ثمنه.

______________________________

(156) المراد بالدينار و الدرهم- هنا- هو الذهب و الفضّة بالوزن المعيّن، مع اشتراط المسكوكيّة فيه، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 10

..........

______________________________

ثمّ إنّه لا خلاف- ظاهرا- في أنّ النصاب الأوّل للذهب هو عشرون مثقالا، قال في «الجواهر»: «بلا خلاف أجده فيه، نصّا و فتوى، بل الإجماع- بقسميه- عليه، و النصوص متواترة فيه ... «1»» و يدلّ على ذلك جملة من النصوص، كما ستأتي إن شاء اللّه تعالى. و خالف في ذلك جماعة، ففى «المعتبر «2»»: نسبة الخلاف في النصاب الأوّل إلى ابني بابويه «3» و جماعة من أصحاب الحديث منّا، فذهبوا إلى أنّه عبارة عن أربعين دينارا. و عن «الخلاف «4»» نسبته إلى قوم من أصحابنا. و الأوّل أشهر نصّا و فتوى «5»، أو هو مذهب الأكثر؛ بل قيل بكونه المشهور «6»،

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 168، ط النجف الأشرف.

(2)- الحلّي، المحقّق، جعفر بن الحسين: المعتبر، ج 2: ص 523، نشر مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم- إيران.

(3)- الموجود في «المقنع» و «الهداية»، و «الفقيه» هو موافقة المشهور. المقنع، ص 50؛ الهداية، ص 43، ط مؤسّسة مطبوعات دار العلم، قم- إيران؛ من لا يحضره الفقيه، ج 2:

ص 14، ط مكتبة الصدوق، طهران- إيران.

نعم، قال رحمه اللّه في «المقنع»- بعد ما وافق

القول المشهور- ما لفظه: «و قد روي: أنّه ليس على الذهب شي ء حتى يبلغ أربعين مثقالا، فإذا بلغ ففيه مثقال»؛ و لم يعقّبه بشي ء. (المصدر، ص 50).

(4)- الطوسي، الشيخ، محمد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 84، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم- إيران.

(5)- الحلّي، المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 524، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم- إيران؛ شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمد علي البقّال، ج 1: ص 150، الطبعة الأولى، النجف الأشرف- العراق؛ النافع في مختصر الشرائع (بشرح «المهذّب البارع»)، ج 1: ص 514، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم- إيران؛ العاملي، السيّد محمّد جواد:

مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 86.

(6)- الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي: البيان/ تحقيق: الشيخ محمد الحسّون، ص 301، الطبعة الأولى، قم- إيران؛ الفيض الكاشاني، محمد محسن: مفاتيح الشرائع/ تحقيق: السيد-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 11

..........

______________________________

كما عن غير واحد «1»، بل عن غير واحد «2» دعوى الإجماع عليه. و يدلّ عليه الروايات المستفيضة، بل لعلّها المتواترة اجمالا، و هي تامّة دلالة و جهة، ففي صحيح الحسين بن يسار قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام في كم وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ فقال: «في كلّ مائتى درهم خمسة دراهم، و إن نقصت فلا زكاة فيها، و فى الذهب، في كلّ عشرين دينارا نصف دينار، فإن نقص فلا زكاة فيه «3»»، و موثق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و من الذهب، من كلّ عشرين دينارا نصف دينار، و إن نقص فليس عليك شي ء «4»»؛ و ما رواه الكلينى قدّس سرّه في الموثق، عن ابن فضّال، عن علي

بن عقبة، و عدّة من أصحابنا، عن أبي جعفر، و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، قالا: «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال ... «5»»، و رواية يحيى بن أبي العلاء،

______________________________

- مهدي الرجائي، ج 1: ص 197، الطبعة الأولى، قم- إيران؛ جمال الدين، مقداد بن عبد اللّه (المعروف ب «الفاضل المقداد»): التنقيح الرّائع/ تحقيق: السيّد عبد اللطيف الحسيني، ج 1:

ص 308، نشر مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم- إيران.

(1)- ابن فهد الحلّي، أحمد بن محمّد: المهذّب البارع، ج 1: ص 514، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم- إيران؛ العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 86؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 85، ط النجف الأشرف- العراق؛ النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 169، ط النجف الاشرف- العراق.

(2)- الطوسي، الشيخ، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 84، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم- إيران؛ الحلّي، ابن إدريس، محمد بن منصور: السّرائر، ج 1: ص 446، نشر مؤسّسة النشر الاسلامي، قم- إيران؛ ابن زهرة، حمزة بن عليّ: غنية النزوع/ ضمن مجموعة «الجوامع الفقهيّة»، ص 567/ الطبعة الحجريّة، إيران.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 12

..........

______________________________

أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «في عشرين دينارا نصف دينار «1»»، و رواية زرارة عن أحدهما عليهما السّلام في حديث، قال: «ليس في الذهب زكاة حتّى يبلغ عشرين مثقالا، و إذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال ... «2»»، و رواية

زرارة و بكير ابني أعين، أنّهما سمعا أبا جعفر عليه السّلام يقول في الزكاة: «أمّا في الذهب فليس في أقلّ من عشرين دينارا شي ء، فإذا بلغت عشرين دينار ففيه نصف دينار ... «3»»، و غير ذلك ما يلاحظها المراجع في «وسائل الشيعة» (الباب الأوّل، من أبواب زكاة الذهب و الفضّة).

و استدلّ للقول الآخر بصحيحة الفضلاء- أو حسنتهم، بابراهيم بن هاشم، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، قالا: «في الذهب، في كلّ أربعين مثقالا مثقال ...- إلى أن قال:- و ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شي ء «4»» و بصحيح زرارة- على رواية الشيخ رحمه اللّه في «التهذيب»- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل عنده مائة درهم و تسعة و تسعون درهما، و تسعة و ثلاثون دينارا، أ يزكيهما؟ فقال:

لا، ليس عليه شي ء من الزكاة، في الدّراهم، و لا في الدنانير، حتّى يتمّ أربعون دينارا، و الدراهم مائتي درهم ... «5»».

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 8.

(2)- المصدر، ح 10.

(3)- المصدر، ح 11.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 13؛ الطوسي، الشيخ، محمد بن الحسن: تهذيب الأحكام/ باب زكاة الذهب، ج 4: ص 50/ ح 17، ط النجف الأشرف.

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 14؛ الطوسي، الشيخ، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام/ باب الزيادة في الزكاة، ج 4:

ص 92/ ح 1، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 13

..........

______________________________

أمّا الرواية الثانية، فقد يضعّف الاستدلال بها اختلاف متنها، فإنّها- على رواية

الصدوق قدّس سرّه في «الفقيه «1»»- هكذا، قال زرارة: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

«رجل عنده مائة و تسعة و تسعون درهما، و تسعة عشر دينارا، أ يزكّيهما؟ ...»،

و لعلّ الصحيح هو ما في «الفقيه»، و حمل ما في «التهذيب»: «تسعة و ثلاثون درهما» على السهو من النسّاخ، كما لعلّه يشهد بذلك عدم تعرّض الشيخ قدّس سرّه للجواب عنها و لتوجيهها، و إنّما تعرّض لتوجيه الرواية الأولى فقط، حيث يظهر منه عدم اشتمال الرواية الثانية على ما يحتاج إلى التوجيه، و على كلّ، فمع الاختلاف في المتن تكون الرواية ساقطة عن الاعتبار، من جهة الإجمال و التشويش؛ كما نبّه على ذلك الفقيه الهمداني قدّس سرّه «2».

و أمّا الأولى، فصدرها و إن كان غير مناف للمذهب المشهور، حيث إنّه لا يدلّ إلّا على أنّ في أربعين مثقالا مثقالا، و هو يجتمع مع كون النصاب الأوّل هو عشرين مثقالا، إذ عليه يكون فى الأربعين مثقالا مثقال أيضا، كما لا يخفى. إلّا أنّه ينافي ذلك ما في ذيلها، من قوله عليه السّلام: «و ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شي ء». و عن المحقّق الهمداني قدّس سرّه ما لفظه: «أقول: لو لا مخالفة الإجماع، و إعراض المشهور عن هذه الرواية لكان الجمع بينها و بين غيرها من الروايات، بحمل الزكاة فيما دون الأربعين على الاستحباب، أولى من ارتكاب هذا النحو من التكلّفات، و إن كان هذا- أيضا- لا يخلو من إشكال، فإنّ الأخبار بظاهرها متعارضة، و المقام مقام الترجيح لا الجمع، و من الواضح: قصور هذه الرواية عن معارضة

______________________________

(1)- الصدوق، محمّد بن علي، فقيه من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 12/ ح 1603، نشر مكتبة الصدوق، طهران-

إيران.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 51، الطبعة الحجريّة، إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 14

..........

______________________________

الروايات المشهورة بين الأصحاب- فتوى و رواية- من جميع الوجوه، فالأولى ردّ علمها إلى أهلها ... «1»».

أقول: ما أفاده قدّس سرّه من ترجيح الروايات المتقدّمة بالشهرة بين الأصحاب- قدّس اللّه أسرارهم- مبني على القول بأنّ الأشهريّة من المرجّحات في الروايتين المتعارضتين، كما هو محرّر في محلّه، و أمّا على القول بالعدم، فالصحيح في هذا المقام هو أن يقال: إنّ صحيحة الفضلاء رواها الشيخ رحمه اللّه باسناده إلى علي بن فضال، و بعضهم لا يعتمد السند المذكور، و مع الغضّ عنه نقول: إنّه لا ينبغى الإشكال في حصول القطع- و لا أقل من الاطمينان- بثبوت الحكم فى الشريعة المقدّسة على طبق مفاد الروايات المتقدّمة، و ذلك: لما أشرنا إليه آنفا من كونها مستفيضة، بل إنّه لا يبعد القول بتواترها إجمالا، و حينئذ فيحصل لنا القطع أو الاطمينان بخلل في هذه الرواية المعارضة لتلك الروايات المستفيضة، فتحمل حينئذ على التقيّة، لموافقتها لمذهب بعض العامة «2» و لعلّ مذهب هذا البعض كان هو الشائع في ذلك العصر، فهذا الحمل ليس بملاك العمل بالأخبار العلاجيّة، بل إنّما هو بملاك القطع أو الاطمينان بخلل فى الرواية، و حيث إنّه يمكن فرض الخلل

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 51، الطبعة الحجريّة، إيران.

(2)- قال ابن المنذر: «أجمع أهل العلم على أنّ الذهب إذا كان عشرين مثقالا، قيمتها مائتا درهم، أنّ الزكاة تجب فيها، إلّا ما حكي عن الحسن- و يعنى به الحسن البصري- أنّه قال:

لا زكاة فيها حتّى تبلغ أربعين»

(ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 599، افست دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان).

و قال ابن حزم: «حدّثنا حمام ... عن أشعث- هو ابن عبد الملك الحمراني- عن الحسن البصري، قال: ليس في أقل من أربعين دينارا شي ء» (ابن حزم، عليّ بن سعيد: المحلّى، ج 6: ص 73).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 15

و الثاني: أربعة دنانير (157)، و هي ثلاث مثا قيل صيرفيّة، و فيه ربع العشر، أي من أربعين واحد، فيكون فيه قيراطان، إذ كلّ دينار عشرون قيراطا، ثمّ إنّه إذا زاد أربعة فكذلك، و ليس قبل أن يبلغ عشرون دينارا شي ء، كما أنّه ليس بعد العشرين قبل أن يزيد أربعة شي ء، و كذا ليس بعد هذه الأربعة شي ء، إلّا إذا زاد أربعة أخرى، و هكذا ...

و الحاصل، أنّ فى العشرين دينارا ربع العشر، و هو نصف دينار، و كذا فى الزائد إلى أن يبلغ أربعة و عشرين، و فيها ربع عشره، و هو نصف دينار و قيراطان، و كذا فى الزائد إلى أن يبلغ ثمانية و عشرين، و فيها نصف دينار و أربع قيراطات، و هكذا ...

______________________________

فيها من ناحية جهة الصدور، فلا محالة تحمل على التقيّة، فلاحظ و تأمّل.

(157) يدلّ على النصاب الثاني في الذهب جملة من النصوص، منها: رواية على بن عقبة المتقدّمة «1» و فيها: «فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين، فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين، فعلى هذا الحساب كلّ ما زاد أربعة»، و رواية ابي عيينة، عن

______________________________

(1)- صفحة 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 16

و على هذا فإذا أخرج- بعد البلوغ إلى عشرين فما زاد- من كلّ أربعين واحدا فقد أدّى ما عليه (158)، و في بعض الأوقات زاد على ما عليه بقليل، فلا بأس باختيار هذا الوجه من جهة السهولة.

______________________________

أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا جازت الزكاة العشرين دينارا، ففي كلّ أربعة دنانير عشر دينار «1»». ثمّ إنّ الدينار عبارة عن عشرين قيراطا، قال المحقّق الهمداني قدّس سرّه ما لفظه: «في القاموس «2»: القيراط و القرّاط- بكسرهما- يختلف وزنه بحسب البلاد؛ فبمكّة ربع سدس دينار، و بالعراق نصف عشره»، فما فى المتن و غيره، بل الشائع في عرف الفقهاء، من التعبير عن نصف دينار بعشرة قراريط، و عن عشره بقيراطين منزل على ما بالعراق ... «3»».

(158) لا يخفى، أنّ نسبة الفريضة في زكاة الذهب إلى كلّ من النصاب الأوّل و الثّاني إنّما هو نسبة الواحد إلى الأربعين، فنصف دينار من عشرين دينار نسبته إلى النصاب نسبة الواحد إلى الأربعين، كما أنّ قيراطين من أربعة دنانير بعد العشرين أيضا نسبتهما إلى النصاب نفس تلك النسبة، لما عرفت آنفا من أنّ

______________________________

(1)- الحرّ العاملى، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 6.

(2)- الفيروزآبادي، محمّد بن يعقوب: القاموس المحيط، ج 2: ص 379، ط المصحّحة على النسخة الصلاحيّة الرسوليّة.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه: ج 3/ كتاب الزكاة: ص 50، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 17

و في الفضّة أيضا نصابان:

الأوّل: مائتا درهم، و فيها خمسة دراهم.

و الثاني: أربعون درهما، و فيها درهم (159)، و الدرهم نصف المثقال الصيرفيّ و ربع عشره، و على هذا، فالنّصاب الأوّل: مائة و

خمسة مثاقيل صيرفيّة، و الثاني أحد و عشرون مثقالا، و ليس فيما قبل النصاب الأوّل، و لا في ما بين النصابين شي ء، على ما مرّ.

______________________________

الدينار عبارة عن عشرين قيراطا. و على هذا، فلو أخرج زكاته- بعد التجاوز عن العشرين- بهذه النسبة من المجموع، كان قد أدّى زكاته، بل مع الزيادة عليه بقليل، كما في ما بين النصابين.

فإذا كان عنده ستّ و عشرون دينارا، فلو أخرج من المجموع بنسبة الواحد إلى الأربعين زاد ذلك لا محالة على ما لو أخرج نصف دينار للعشرين، و قيراطين للأربعة الزائدة عليه، و ذلك، لأنّه على الأوّل إذا كان عنده ستّ و عشرون دينارا، يخرج من الدينارين الزائدين على الأربع و العشرين- أيضا- مقدارا ما، بخلافه على الثّاني، كما لا يخفى.

(159) فى «الجواهر»: «بلا خلاف أجده فى شي ء من ذلك- نصّا و فتوى- بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص يمكن دعوى تواترها عليه ... «1»»، و تدلّ

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 172، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 18

..........

______________________________

على ذلك النصوص التالية:

صحيح حمّاد، عن الحلبي، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الذهب و الفضّة، ما أقلّ ما تكون فيه الزكاة؟ قال: «مائتا درهم، و عدلها من الذهب». قال: و سألته عن النيّف: الخمسة و العشرة؟ قال: «ليس عليه شي ء حتّى يبلغ أربعين، فيعطي من كلّ أربعين درهما درهم «1»»، و رواية رفاعة النخّاس، قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام، فقال: إنّي رجل صائغ، أعمل بيدي، و إنّه يجتمع عندي الخمسة و العشرة، ففيها زكاة؟ فقال: «إذا اجتمع مأتا درهم فحال عليها الحول فانّ عليها

الزكاة «2»»، و صحيح الحسين بن يسار (بشّار)، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام في كم وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الزكاة؟ فقال: «في كلّ مأتي درهم خمسة دراهم، و إن نقصت فلا زكاة فيها ... «3»»، و رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال: «فى الفضّة إذا بلغت مأتي درهم خمسة دراهم، و ليس فيما دون المائتين شي ء، فإذا زادت تسعة و ثلاثون على المائتين فليس فيها شي ء حتّى تبلغ الأربعين، و ليس في شي ء من الكسور شي ء حتّى تبلغ الأربعين، و كذلك الدنانير على هذا الحساب «4»»، و صحيح الفضلاء- أو حسنتهم- عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام- في حديث- قالا: «في الورق، في كلّ مأتين خمسة دراهم، و لا في أقل من مأتي درهم شي ء، و ليس فى النّيف شي ء حتّى يتمّ أربعون، فيكون فيه واحد «5»»، إلى غير ذلك من الروايات، ممّا يلاحظها المراجع في الباب الثاني من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 6.

(5)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 19

و الدرهم نصف المثقال الصيرفيّ و ربع عشره، و على هذا، فالنصاب الأوّل مائة و خمسة مثاقيل صيرفيّة، و الثّاني أحد و عشرون مثقالا، و ليس فيما قبل النصاب الأوّل و لا فيما بين النصابين شي ء على ما مرّ، و في الفضّة أيضا (160)- بعد بلوغ النصاب- إذا أخرج من كلّ أربعين واحدا فقد أدّى ما عليه، و قد يكون زاد خيرا قليلا.

______________________________

أبواب زكاة النقدين، من «وسائل

الشيعة».

ثمّ، إنّ المراد بالدينار- في هذا المقام و في كلّ المقامات- هو ما يكون فيه من الذهب ما يقدر بثمانية عشر حمّصة، سواء كانت تسمّى- عرفا- بالدينار، أم باسم آخر، و باية قيمة تعومل بها خارجا. كما أنّ المراد بالدرهم: نصف المثقال الصيرفي و ربع عشره من الفضّة، بأيّ اسم سمّى، و باية قيمة كان. و على الجملة:

الدينار يراد به المقدار المعيّن من الذهب بلا زيادة و لا نقيصة، و كذلك الدرهم.

فتدبّر.

(160) كما مرّ ذلك في زكاة الذهب، و قد تقدّم بيان الوجه فيه هناك، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 20

[الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة]

الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة (161)،

______________________________

(161) بلا خلاف فيه ظاهرا «1»، بل فى «المدارك «2»»: «هذا قول علمائنا أجمع»، و فى «الغنية «3»» و «الانتصار «4»» و «التذكرة «5»»: دعوى إجماع علماء الإماميّة عليه. و يدلّ عليه صحيح علي بن يقطين- أو حسنته بابراهيم بن هاشم- عن أبي إبراهيم عليه السّلام، قال: قلت له: إنّه يجتمع عندي الشي ء (الكثير قيمته «6»)، فيبقى نحوا من سنة، أ نزكّيه؟ فقال: «لا، كلّ ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة، و كلّ ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء، قال: قلت: و ما الرّكاز؟ قال:

الصامت المنقوش». ثمّ قال: «إذا أردت ذلك فاسبكه فإنّه ليس في سبائك الذّهب و نقار الفضّة شي ء من الزكاة «7»»، و موثّق جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه و أبى الحسن عليهما السّلام، انّه قال: «ليس فى التبر زكاة، إنّما هي على الدنانير و الدراهم «8»».

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه: ج 3/ كتاب الزكاة: ص 53، ط إيران الحجريّة.

(2)- الموسوي، السيّد

محمّد: مدارك الاحكام، ج 5: ص 115، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- ابن زهرة، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 567، ط الحجريّة- إيران.

(4)- الشريف المرتضى، على بن الحسين: الانتصار، ص 80، ط النجف الأشرف.

(5)- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 117، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

(6)- في «الكافي»: «يجتمع عندي الشي ء فيبقى» (ج 3: ص 518، ط دار الكتب الإسلامية- طهران- إيران)، و فى «التهذيب»: «الشي ء الكثير قيمته فيبقى» (ج 4: ص 8، ط النجف الأشرف)، و فى «الاستبصار»: «الشي ء الكثير نحوا» (ج 2: ص 6، ط النجف الاشرف).

(7)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الذهب و الفضّة، ح 2.

(8)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الذهب و الفضّة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 21

..........

______________________________

ثمّ إنّ ظاهر الرواية الأولى هو دخل عنوان «الرّكاز» في موضوع وجوب الزكاة، مع أنّه ليس كذلك قطعا، فإنّ المراد به: إمّا هو المعدن، كما هو أحد معانيه فى اللغة «1»، و هو بهذا المعنى موضوع للحكم في باب الخمس دون الزكاة. و إمّا القطع من الذهب و الفضّة الّتي تخرج من معدن واحد، كما فسّر به فى اللّغة أيضا «2»، و هو- أيضا- ليس بموضوع لوجوب الزكاة قطعا، و عليه، فلا بدّ من حمل الرّكاز على النقود، من الذهب و الفضّة، بنحو الاستعمال المجازي، أو ما يقرب من ذلك. كما أنّه لا بدّ و إن يراد بقوله عليه السّلام في تفسير الرّكاز: «الصامت «3» المنقوش» هو الإشارة إلى النقود الخارجيّة، و إلّا فلا موضوعيّة لهذا العنوان

في باب الزكاة، و إلّا لشمل ذلك غير النقود، من الذهب أو الفضّة المشتملة على نقش أيضا، كما يتّفق ذلك كثيرا. و على الإجمال، المعوّل في اعتبار السكّة فى الذهب و الفضّة إنّما هو على موثّق جميل. و تقريب الاستدلال به: أنّه دلّ على عدم ثبوت الزكاة فى الذهب و الفضّة إلّا ما كان منهما مصداقا للدرهم و الدينار؛ و من المعلوم أنّ الدرهم و الدينار لا يصدقان خارجا إلّا على الذهب و الفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة، فيكون مفاد الرواية- حينئذ- إنّما هو اعتبار المسكوكيّة فى الذهب و الفضّة، و بذلك يقيّد إطلاق النصوص المتقدّمة الواردة في

______________________________

(1)- الأزهري، محمّد بن أحمد: تهذيب اللغة، ج 10: ص 95، ط الدار المصريّة للتأليف و الترجمة؛ ابن منظور، محمّد بن مكرّم: لسان العرب، ج 5، ص 356، ط دار صادر- بيروت؛ الفيّومي، أحمد بن محمّد بن علي: المصباح المنير، ج 1: ص 281، ط 2، بولاق- مصر؛ الفيروزآبادي، محمّد بن يعقوب: القاموس، ج 2: ص 177، ط مصر.

(2)- الأزهري، محمّد بن أحمد: تهذيب اللغة، ج 10: ص 95، ط الدار المصرية للتأليف و الترجمة.

(3)- الصّامت: الذهب و الفضّة (الجوهري، إسماعيل بن حمّاد: الصحاح، ج 1: ص 357، ط 2، دار العلم للملايين، بيروت- لبنان).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 22

..........

______________________________

نصب الذهب و الفضّة، و ذلك لما أشرنا إليه إجمالا، من أنّ المراد بالدينار أو الدرهم في تلك النصوص إنّما هو الوزن الخاص، كما هو أصل الدينار فى اللّغة «1» و أمّا الدرهم فليس لها فى اللّغة العربيّة وضع، و إنّما هي كلمة معرّبة من اليونانيّة، و هي بمعنى: خمسين دانقا، و في عرف

المولّدين يطلق على النقود مطلقا، كما نصّ عليه في «أقرب الموارد «2»».

و ممّا يشهد بذلك: ما في بعض النصوص المتقدّمة «3»، من التعبير عن عشرين دينارا فى الذهب بعشرين مثقالا، ممّا يكشف عن كون الملحوظ فى النصوص المذكورة إنّما هو بلوغ الذهب الوزن المعيّن، كما لا يخفى على من لا حظها.

______________________________

(1)- الدينار: كلمة معرّبة باتفاق اللغويين ( «المغرب» للمطرزي و «لسان العرب» و «القاموس» و غيرها من كتب اللغة). و الدينار: وزن احدي و سبعين شعيرة، و نصف شعيرة تقريبا، بناء على أنّ الدانق ثماني حبّات و خمسا حبّة، و إن قيل: الدانق ثماني حبّات.

فالدينار: ثمان و ستّون و أربعة أسباع حبّة» (الفيّومي، أحمد بن محمّد بن علي: المصباح المنير، ج 1: ص 239، ط الثانية، بولاق- مصر).

(2)- الشرتوني، سعيد الخوري: أقرب الموارد، ج 1: ص 332.

اقول: ما ذكره لا يخلو عن خلط و اشتباه، فقد نصّ أئمّة اللغة- كما في «صحاح اللغة»، و «لسان العرب»، و «القاموس»، و غيرهما- على أنّه فارسي معرّب، لا يوناني. كما أنّ وزن الدرهم: ستّة دوانق، و هو نصف الدينار و خمسه، كما نصّ عليه فى «القاموس»، و «المصباح المنير»، و غيرهما. و قال الجوهري: «و الحبّة: سدس ثمن درهم، و هو جزء من ثمانية و أربعين جزءا من درهم» (الجوهري، اسماعيل بن حمّاد: الصحاح، ج 4: ص 1609، ط دار العلم للملايين، بيروت). و لعلّه اشتبه على الشرتوني الدانق بالحبّة. و اللّه العالم.

(3)- كما في موثق سماعة، و موثق عليّ بن عقبة، المتقدّمين في صفحة 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 23

سواء كان بسكّة الإسلام أو الكفر (162)، بكتابة أو غيرها، بقيت سكّتهما أو

صارا ممسوحين بالعارض (163)،

______________________________

(162) بلا خلاف فيه على الظاهر، لإطلاق الدليل، كما لا يخفى.

(163) الظاهر: أنّ موضوع الزكاة فى الذهب و الفضّة- كما يستفاد ذلك من الروايات- إنّما هو ما يكون مصداقا لما يسمّى فى اللغة المحدثة بال «عملة»، المرادفة في اللّغة الفارسيّة لكلمة «پول»، و من القريب جدّا: أن يكون قوام ذلك باحد أمرين، بنحو مانعة الخلوّ:

أحدهما: أن يكون الذهب و الفضّة مسكوكين بسكّة المعاملة.

و ثانيهما: أن يتعامل بهما خارجا، و إن لم يكونا مسكوكين؛ إمّا للمسح العارضي، أو لكونهما ممسوحين بالأصالة، و حيث أن المصنّف قدّس سرّه لم يمكنه الجزم بذلك، فلذلك احتاط في وجوب الزكاة في فرض كونهما ممسوحين بالأصالة، إلّا أنّ مقتضى ذلك هو الاحتياط في فرض الممسوحيّة بالعارض أيضا، مع أنّه قدّس سرّه أفتى فيه بوجوب الزكاة، و لعلّه مبني على جريان الاستصحاب، و هو موقوف على أمرين:

أحدهما: الالتزام بجريانه، في موارد الشبهات المفهوميّة، فى الحكم الشرعي، دون الموضوع الخارجي، كما هو المختار بنحو الموجبة الجزئيّة.

و الآخر: الالتزام بجريان الاستصحاب التعليقي في أمثال المورد، لا مطلقا،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 24

و أمّا إذا كانا ممسوحين بالأصالة فلا تجب فيهما، إلّا إذا تعومل بهما، فتجب على الأحوط، كما أنّ الأحوط ذلك- أيضا- إذا ضربت للمعاملة و لم يتعامل بهما، أو تعومل بهما لكنّه لم يصل رواجهما (164) إلى حدّ يكون دراهم أو دنانير. و لو اتّخذ الدرهم أو الدينار للزينة، فإن خرج عن رواج المعاملة لم تجب فيه الزكاة

______________________________

كما هو الحقّ أيضا، على ما قرّرناه في محلّه، فإنّه قبل الممسوحيّة كان ممّا يجب فيه الزكاة معلّقا على تقدير حولان الحول عليه مع سائر الشرائط، و بعد

الممسوحيّة نشك في بقاء الحكم المذكور فنستصحب ذلك، فإنّه على تقدير أحد الأمرين يتمّ القول بوجوب الزكاة في الممسوح بالعارض، دون الممسوح بالأصالة. و لعلّ المصنّف قدّس سرّه يلتزم بكلا الأمرين، و لذلك افتى بالوجوب فى الممسوح بالعارض و احتاط فى الممسوح بالأصالة. و اللّه العالم.

(164) لا بدّ من تصحيح قوله: «لم يصل رواجهما إلى حدّ يكون دراهم أو دنانير» بحمله على عدم البلوغ حدّا يقطع معه بصدق الدرهم أو الدينار عليه، و إلّا فلا ينبغى الإشكال في عدم الوجوب، و لا مجال- حينئذ- للاحتياط أصلا، إذا لم يكن الذهب أو الفضّة مصداقا للدينار أو الدرهم، كما هو ظاهر. ثمّ إنّ منشأ الاحتياط هو ما أشرنا إليه آنفا، من قرب دعوى قوام الموضوع بالسكّة المعدّة للتعامل، و إن لم يتعامل بذلك خارجا أصلا، فضلا عمّا إذا تعومل بهما في الجملة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 25

و إلّا وجبت (165).

______________________________

(165) ينبغى الإشكال في عدم وجوب الزكاة إذا خرج الذهب أو الفضّة عن كونه دينارا أو درهما بجعله حليّا، بحيث يكون جعله «قلادة» و نحو ذلك مستلزما لإضافة شي ء، ك «الحلقة» و نحوها عليه، فيكون موجبا لخروجه عن المصداقيّة للدينار أو الدرهم، من جهة عدم التعامل به خارجا، و إنّما الكلام فيما إذا لم يكن كذلك، بأن لا يكون اتّخاذه حليّا موجبا للخروج عن كونه دينارا أو درهما، لبقاء التّعامل معهما بحاله، كما كان هو الحال قبل اتّخاذهما حليّا.

قال صاحب الجواهر رحمه اللّه: «ففي «الروضة» و شرحها للأصبهاني: لم يتغيّر الحكم، زاده الاتّخاذ أو نقّصه في القيمة، ما دامت المعاملة به على وجهه ممكنة، لإطلاق الأدلّة، و الاستصحاب الّذي به يرجّح الإطلاق المزبور

على ما دلّ على نفيها من الحليّ، و إن كان التعارض بينهما من وجه. بل يحكّم عليه، لأنّ الخاصّ و إن كان استصحابا يحكّم على العامّ و إن كان كتابا ... «1»».

قلت: إنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة فى الدينار و الدّرهم- و قد مرّت الإشارة إلى بعضه- هو وجوب الزكاة فى مفروض الكلام، كما أنّ مقتضى إطلاق ما ستأتي الإشارة إليه قريبا- إن شاء اللّه تعالى- من النصوص النافية للزكاة عن الحليّ، هو عدم وجوب الزكاة فيه، و التعارض بينهما بالعموم من وجه.

فقد يقال- كما مرّ عن صاحب الجواهر رحمه اللّه- بتحكيم إطلاق الطائفة الأولى

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 182، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 26

..........

______________________________

الدالة على وجوب الزّكاة، مؤيّدا ذلك بالاستصحاب المقتضي للوجوب، بل تحكيما للاستصحاب على الإطلاق النّافي. و هو قابل للنقاش فيه- كما قيل «1»- إذ لا وجه لتحكيم إطلاق الدليل المثبت على اطلاق الدّليل النّافي، بعد فرض كون التعارض بينهما بالعموم من وجه. و الاستصحاب لا يكون مرجّحا لإطلاق الدليل المثبت، فضلا عن كونه محكّما على إطلاق الدليل النافي، فإنّه أصبح من الواضحات في علم أصول الفقه: أنّ الأصول العمليّة- و من جملتها الاستصحاب- إنّما تكون في طول الأدلّة الاجتهاديّة- و منها: الإطلاق- لا في عرضها، فمع وجود الإطلاقين المثبت و النّافي لا تصل النوبة إلى إجراء الأصل العمليّ. و هذا ظاهر.

و عن المحقّق الفقيه الهمداني رحمه اللّه «2» ترجيح الإطلاق النافي على المثبت، بما في بعض الأخبار النافية من التّعليل، كصحيحة يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحلّي، أ

يزكّى؟ فقال: «إذن لا يبقى منه شي ء «3»»، و خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه، قال: سألته عن الزكاة في الحلّي، قال: «إذن لا يبقى «4»».

بدعوى اطّراد التعليل المذكور في جميع أخبار الحلّي، المشعر باختصاص تشريع الزكاة بالمال الّذي من شأنه الصّرف في النفقة و الصّدقة و نحوها، لا مثل الحليّ الّذي وضع للبقاء. و حاصل هذا الوجه هو: أنّ المستفاد من التعليل المذكور هو اختصاص مشروعيّة الزكاة بالمال الّذي يمكن صرفه و إخراج الزّكاة من عينه، و أمّا الّذي لا يمكن إخراجه من عينه، و إلّا خرج عن كونه حليّا- و هو المراد

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 53، ط إيران الحجرية.

(2)- المصدر، ص 53.

(3)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة/ باب 9 زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 27

..........

______________________________

بنفي بقاء شي ء منه- فلم تشرع الزكاة فيه.

و هذا الوجه فيه مجال للتأمّل، فإنّ التحلّي بعشرين دينارا مثلا- و هو أوّل نصاب الذهب- باتّخاذ الدنانير قلادة مثلا ممّا لا ينتفى، بإخراج الزكاة من عينه، بل يكون التحلّى بها باق بعد، غايته: أنّ التّحلي يكون- بعد الإخراج- بأقلّ من عشرين دينارا، و المانع إنّما هو انتفاء عنوان الحلّي مطلقا، لا المشروط. و خلاصة القول: أنّ التعليل بعدم بقاء شي ء منه ممّا لا تحقّق له. نعم، لو كان التعليل بأنّه ينقص منه شي ء لكان ذلك في محلّه.

و أفاد المحقّق الفقيه الهمداني رحمه اللّه «1» وجها اخر لتحكيم اطلاق الدليل النافي للزكاة عن الحلّي، و هو: «إشعار جملة منها- أي اخبار الحلّي- بأنّ لعنوان كونه حليّا- من حيث

هو- مدخليّة في وضع الزكاة عنه، و أنّ زكاته إعارته ...».

و لعلّ المراد بذلك هو ما يلي: أنّه لا تعارض- حقيقة- بين ما دلّ على وجوب الزكاة في الدينار و الدرهم، و بين ما دلّ على عدم وجوبها إذا اتّخذا حليّا، و أنّ القاعدة تقتضي تقديم الثاني، رغم أنّ النسبة بين الطائفتين هو العموم من وجه. و ذلك، لأنّ تقديم الطائفة الثانية إنّما يستوجب تقييد دليل وجوب الزكاة في الدينار و الدّرهم بغير ما إذا اتّخذا زينة، و لا محذور في التقييد المذكور، فإنّ تقييد الإطلاق ليس بعزيز، و هذا بخلاف تقديم الطائفة الأولى، فإنّه يوجب إلغاء الطائفة الثانية رأسا، فإنّ نفي الزكاة من الحلي عن غير الدرهم و الدّينار لا يرتبط بعنوان كونه حليّا، بل لانتفاء الموضوع، و هو الذهب و الفضّة المسكوكان، و إنّما يكون لعنوان «الحليّ» دخلا في نفي الزّكاة عنه، ما إذا كان الحلّي من الدينار و الدّرهم، حيث كان مقتضيا لثبوت الزكاة فيه لو لا انطباق عنوان

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 53، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 28

..........

______________________________

«الحلّي» عليه، إذن، المحافظة على مدخليّة العنوان المذكور في نفي الزكاة- كما هو مفاد الطّائفة الثانية- إنّما تكون بالالتزام بنفي الزكاة عن الحلّي المتّخذ من الدينار و الدرهم، و تقييد ما دلّ على ثبوت الزكاة فيهما بغير هذا الفرض، و إلّا لزم إلغاء العنوان المذكور، و هو مساوق لإلغاء الدليل الدّال على نفي الزكاة عن الحلّي رأسا، و إلغاء الدليل رأسا بغير موجب علميّ ممّا لا مجال له، بخلاف تقييد اطلاق الدليل، فإنّه غير عزيز، كما عرفت.

و لذلك

نظائر عديدة في «الفقه»، من جملتها: قوله عليه السّلام- في مصحّح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام-: «كلّ طائر يطير بجناحيه فلا بأس ببوله و خرئه «1»»، فان النسبة بينه و بين ما دلّ على نجاسة بول الحيوان غير مأكول اللّحم، مثل قوله عليه السّلام- في مصحّح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام-:

«اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه «2»» عموم من وجه، لكن تقديم ما دلّ على النجاسة يوجب الغاء عنوان «الطائر» عن الموضوعيّة، و اختصاص الطهارة بماكول اللّحم، من دون خصوصيّة للطائر و غيره فى الحكم المذكور، و هذا بخلاف تقديم دليل الطهارة فإنّه لا يوجب الغاء دليل النّجاسة، حيث يحكم بنجاسة خرء و بول غير مأكول اللحم من غير الطائر، فلا يلغى عنوان «غير مأكول اللحم» عن الموضوعيّة للحكم، كما هو ظاهر. و هذا الوجه لا بأس به، و لذلك نحتاط في وجوب الإخراج، لذهاب المشهور إلى ذلك.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: النجاسات، ح 1.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: النجاسات، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 29

[الثالث: مضيّ الحول]

الثالث: مضيّ الحول (166)

______________________________

(166) تقدّم الكلام في ما يدلّ على اعتبار الحول في وجوب الزكاة في زكاة الأنعام، فراجع و لاحظ. و يدلّ عليه في خصوص النقدين مصحّح زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل كان عنده مأتا درهم، غير درهم واحد، أحد عشر شهرا، ثمّ أصاب درهما بعد ذلك فى الشهر الثاني عشر، و كملت عنده مأتا درهم، عليه زكاتها؟ قال: «لا، حتّى يحول عليها الحول، و هي مأتا درهم، فإن

كانت مائة و خمسين درهما فأصاب خمسين بعد أن مضى شهر، فلا زكاة عليه حتّى يحول على المائتين الحول ... «1»»، و خبر زرارة و بكير ابني أعين- في حديث- أنّهما سمعا أبا جعفر عليه السّلام يقول: «إنّما الزكاة على الذهب و الفضّة الموضوع، إذا حال عليه الحول، ففيه الزكاة، و ما لم يحل عليه الحول فليس فيه شي ء «2»»، و صحيح رفاعة النخاس، قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام، فقال: إنّي رجل صائغ اعمل بيدي، و إنّه يجتمع عندي الخمسة و العشرة، ففيها زكاة؟ فقال: «إذا اجتمع مأتا درهم فحال عليها الحول، فإن عليها الزكاة «3»»، و نحوها غيرها «4» كما أنّه مرّ الكلام- أيضا- في زكاة الأنعام في تحقّق الحول بالدخول فى الشهر الثاني عشر، و في فرض نقصان المال عن النصاب قبل الحول، و كذا فرض تبدّله بغيره، من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 15: زكاة الذهب و الفضّة، ح 5.

(3)- المصدر/ باب 2: زكاة الذهب و الفضّة، ح 2.

(4)- المصدر/ باب 15: زكاة الذهب و الفضّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 30

بالدخول في الشهر الثاني عشر، جامعا للشرائط، الّتي منها النصاب، فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب، و كذا لو تبدّل بغيره من جنسه أو غيره، و كذا لو غيّر بالسبك (167)، سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أو لا على الأقوى، و إن كان الأحوط الإخراج على الأوّل، و لو سبك

______________________________

جنسه او غيره. فلاحظ.

(167) لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الزكاة إذا غيّر بالسبك قبل تمام

الحول، فإنّ من شرائط ثبوت الزكاة فى الذهب و الفضّة- كما عرفت ذلك آنفا- إنّما هو صدق الدينار أو الدرهم عليه، أي كونه مسكوكا يتعامل به، فإذا خرج عن ذلك في اثناء الحول سقط عنه وجوب الزكاة، بناء على اعتبار وجوب الشرائط في تمام الحول، كما مرّ الكلام فيه سابقا، مضافا إلى ورود النص في خصوص الفرض، ففي صحيح ابن يقطين المتقدّم «1»: «إذا أردت ذلك فاسبكه؛ فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة شي ء من الزكاة».

ثمّ إنّه إذا كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة، فالمشهور بين المتأخّرين- كما نسب إليهم «2»، بل عن «الرياض «3»» نسبته إلى عامتهم- هو

______________________________

(1)- صفحة 20.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 185، ط النجف الأشرف.

(3)- الطباطبائي، السيّد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 93، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 31

..........

______________________________

سقوط الزكاة، و نسب إلى جماعة من المتقدّمين، كالصدوقين «4»، و المرتضى «5»، و الشيخ «6»، و ابن زهرة «7»، و ابن حمزة «8»، و الحلبي «9» في «إشارة السبق» القول بالوجوب. و اختار المصنّف قدّس سرّه القول الأوّل، و لذلك احتاط فى المسألة احتياطا استحبابيا. و الظاهر هو المذهب المشهور، و هو عدم وجوب الزكاة.

نعم، يكون ذلك مستحبّا. و الوجه فيه هو إنّ النصوص الواردة فى المقام إنّما تكون على طائفتين:

الأولى: النصوص الدالة على عدم الوجوب، و هى مستفيضة، كرواية عمر ابن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل فرّ بماله من الزكاة، فاشترى به أرضا أو دارا، أ عليه شي ء؟ فقال: «لا، و لو جعله حليا أو نقرا فلا

شي ء عليه، و ما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حق اللّه الّذي يكون فيه «10»»، و رواية عليّ بن يقطين المرويّة فى «العلل» عن أبي إبراهيم عليه السّلام، قال: «لا تجب الزكاة فيما سبك، قلت: فإن كان سبكه فرارا من الزكاة!، قال: ألا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت منه، فلذلك لا يجب عليه الزكاة «11»»، و رواية هارون بن خارجة، عن أبي

______________________________

(4)- الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين: المقنع، ص 51، ط مؤسسة مطبوعات دار العلم، قم.

(5)- الشريف المرتضى، علي بن الحسين: الانتصار، ص 83، ط النجف الأشرف؛ جمل العلم و العمل، ص 124، ط النجف الأشرف.

(6)- الطوسي، الشيخ، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 210، ط المكتبة المرتضويّة، طهران؛ الخلاف، ج 2: ص 77 مؤسسة النشر الإسلامى، قم.

(7)- ابن زهرة، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 567، ط الحجريّة- إيران.

(8)- ابن حمزة، محمّد بن علي: الوسيلة، ص 127، ط مكتبة آية اللّه النجفي المرعشي، قم.

(9)- الحلبي، عليّ بن الحسن: اشارة السبق، ص 109، ط مؤسسة النشر الإسلامى، قم.

(10)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

(11)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 32

..........

______________________________

عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: إنّ أخي يوسف ولي لهولاء القوم أعمالا، أصاب فيها أموالا كثيرة، و إنّه جعل ذلك المال حليّا، أراد أن يفرّ به من الزكاة، أ عليه زكاة؟

قال: «ليس على الحليّ زكاة، و ما أدخل على نفسه من النقصان- في وضعه و منعه نفسه فضله- أكثر ممّا يخاف من الزكاة «1»». و من ذلك أيضا ما في ذيل صحيح

ابن يقطين المتقدّم «2»: «إذا أردت ذلك فاسبكه، فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة شي ء من الزكاة»، حيث أنّه عليه السّلام بيّن له بذلك طريق الفرار من الزكاة.

الثانية: النصوص الدالّة على الوجوب، كصحيح محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحلّي فيه زكاة؟ قال: «لا، إلّا ما فرّ به من الزكاة «3»»، و خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: الرّجل يجعل لأهله الحلىّ ...

- إلى أن قال:- قلت له: فإنّه فرّ به من الزكاة، قال: «إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة، و إن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة «4»».

و عن الشيخ قدّس سرّه «5»: الجمع بينهما، بحمل الطائفة الثانية على ما بعد حلول الحول، مستشهدا له بما رواه في الموثق عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

إنّ أباك قال: من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها، فقال: «صدق أبي، إنّ عليه أن يؤدي ما وجب عليه، و ما لم يجب عليه فلا شي ء منه فيه». ثمّ قال لي: «أ رأيت

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الذهب و الفضّة، ح 4.

(2)- صفحة 20.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الذهب و الفضّة، ح 7.

(4)- المصدر، ح 6.

(5)- الطوسي، الشيخ، محمّد بن الحسن: تهذيب الأحكام، ج 4: ص 9، ط النجف الأشرف:

الاستبصار، ج 2: ص 8، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 33

..........

______________________________

لو أنّ رجلا اغمي عليه يوما ثمّ مات فذهبت صلاته، أ كان عليه- و قد مات- أن يؤدّيها؟»

قلت: لا، قال: «إلّا أن يكون أفاق من نومه ... «1»».

و لا يخفى أنّ بعض النصوص المتقدّمة، كخبر معاوية بن عمار ممّا يأبى الحمل المذكور، فإنّه كالصّريح فى التفصيل بين الجعل حليّا للفرار فيجب فيه الزكاة، و بين جعله كذلك للتجمّل فلا تجب، فلا بدّ و أن يكون مورده قبل تمام الحول، بحيث لم تجب الزكاة لو لا قصد الفرار.

و عن المحقّق الهمداني قدّس سرّه «2»، كما عن المحقّق في «الشرائع «3»»، و صاحب «المدارك «4»» و غيرهما، و عن الشيخ قدّس سرّه- أيضا- الجمع بينهما، بحمل الطائفة الأولى على الاستحباب. و لكنّك قد عرفت غير مرّة أنّ أمثال المقام ليس من موارد الجمع العرفي، بحمل الظاهر فيه على الأظهر أو النص، بل هو من موارد التعارض بالنظر العرفي، و عليه فالمرجع فيه إنّما يكون القواعد المقرّرة في باب التعارض، و حيث قد عرفت سابقا «5» أنّه لا مجال فى المقام للترجيح بموافقة الكتاب، و لا مخالفة العامّة، فلا محالة يدور الأمر فيه بين التخيير- بناء على القول به فى التعارض- أو التساقط- كما هو الصحيح- و الرجوع إلى الأصل، و مقتضاه: عدم الوجوب. نعم، لا بأس بالإخراج فى الفرض المذكور احتياطا استحبابيّا، و الوجه فيه ظاهر.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الذهب و الفضّة، ح 5.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 54، ط إيران الحجريّة.

(3)- المحقّق الحلي، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق عبد الحسين محمّد علي، ج 1:

ص 151.

(4)- الموسوي العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 120، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

(5)- ج 1: صص 339- 340.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 34

الدراهم أو الدنانير بعد حول الحول لم تسقط الزكاة و وجب الإخراج بملاحظة الدراهم و الدنانير (168) إذا فرض نقص القيمة بالسبك.

______________________________

(168) الظاهر أنّ مراده قدّس سرّه من ذلك هو ما إذا أراد الإخراج بالقيمة، فإنّه عليه تكون قيمة الفريضة من الذهب المسبوك أقل من قيمتها حال كونه درهما أو دينارا- كما هو المفروض- فلا بدّ له حينئذ من إعطاء قيمة الفريضة في ذلك الحال، فإنّ المفروض كون السبك بعد حول الحول، فإذا كان نصف المثقال من الدينار- و هو فريضة العشرين دينارا- ممّا يساوي خمسة دراهم مثلا، و كان نصف المثقال من الدينار المذكور بعد سبكه يساوي أربعة دراهم و نصف مثلا، كان عليه اعطاء خمسة دراهم، إذا فرضنا أنّه يريد الإخراج من القيمة.

و يشكل الأمر حينئذ، من جهة أنّه إذا أراد أن يدفع الزكاة من نفس الذهب المسبوك المفروض كونه دينارا فى السابق، فهل يجوز له ذلك، أو لا؟ ذهب المصنّف قدّس سرّه إلى الجواز، كما سيصرّح به فيما بعد «1»، حيث يقول: «و يجوز الإخراج من الردّي، و إن كان تمام النصاب من الجيّد ...»، فإنّ نقص القيمة بالسبك لا يوجب إلّا كون المسبوك رديّا بالنسبة إلى غيره، و عليه فإذا جاز له ذلك فقد جاز له- أيضا- إخراج قيمته لا بملاحظة الدراهم أو الدنانير، إذ لا وجه لذلك بعد فرض جواز الإخراج من الذهب الردي مع كون النصاب جيدا.

______________________________

(1)- المسألة الثانية الآتية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 35

[مسألة 1: لا تجب الزكاة في الحليّ]

[مسألة 1]: لا تجب الزكاة في الحليّ (169)،

______________________________

و لم أجد من تعرّض للإشكال المذكور، و لعلّ في الأمر نكتة خفيت

علينا، و اللّه العالم، و هو العاصم.

(169) فى «المدارك «1»»: «أمّا سقوط الزكاة فى المحلّل، فقال العلّامة فى «التذكرة «2»»: إنّه قول علمائنا أجمع، و أكثر أهل العلم. و أمّا المحرّم، فقال فى «التذكرة»- أيضا-: «إنّه لا زكاة فيه عند علمائنا، لعموم قوله عليه السّلام: «لا زكاة في الحلّي»، و أطبق الجمهور «3» كافة على ايجاب الزكاة فيه ...»، و فى «الجواهر»:

«بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا إذا لم يكن بقصد الفرار، بل الإجماع بقسميه عليه ... «4»». و يدلّ على ذلك جملة من النصوص، كصحيح محمد الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الحلي فيه زكاة؟ قال: «لا «5»،»، و مصحّح رفاعة، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و سأله بعضهم عن الحليّ فيه زكاة، فقال:

______________________________

(1)- الموسوي العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 118، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم. و جملة: «و أكثر أهل العلم» من كلام صاحب المدارك رحمه اللّه.

(2)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: صص 129، 132، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

(3)- لاحظ: ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: صص 605- 606؛ الجزيري، عبد الرحمن: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1: صص 601- 602، ط 3، افست دار احياء الكتاب العربي- بيروت. و فى المذاهب اختلاف فى الحكم، و تفصيل.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 183، ط النجف الأشرف.

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الذهب و الفضّة، ح 3، 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 36

و لا في أواني

الذهب و الفضّة و إن بلغت ما بلغت (170)، بل قد عرفت سقوط الوجوب عن الدرهم و الدينار اذا اتّخذا للزينة و خرجا عن رواج المعاملة بهما (171). نعم، في جملة من الأخبار أنّ زكاتها إعارتها (172).

______________________________

«لا، و لو بلغ مائة ألف «1»»، و خبر هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «ليس على الحلي زكاة «2»»، و غير ذلك «3».

(170) لما عرفت آنفا من اشتراط وجوب الزكاة فيهما بكونهما مسكوكين، فلا تثبت الزكاة في غير المسكوك منهما.

(171) و قد مرّ الكلام فيه، فلاحظ.

(172) كمرسل ابن ابي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «زكاة الحلي إعارته «4»»،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: زكاة الذهب و الفضّة، ح 4.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 37

[مسألة 2: لا فرق في الذهب و الفضّة بين الجيد منها و الردي.]

[مسألة 2]: لا فرق في الذهب و الفضّة بين الجيد منها و الردي. (173)، بل تجب إذا كان بعض النصاب جيدا و بعضه رديّا، و يجوز الإخراج من الردي و إن كان تمام النصاب من الجيّد (174)، لكن الأحوط خلافه، بل يخرج الجيد من الجيّد و يبعض

______________________________

و ما فى «الفقه الرضوي»: «ليس على الحلّي زكاة، و لكن تعيره مؤمنا إذا استعار منك فهو زكاة «1»».

(173) قال في «الجواهر»: «بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه بعضهم «2» إلى الأصحاب، مشعرا بالإجماع عليه ... «3»». و ذلك لإطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة في الذهب و الفضّة المسكوكين، مع بلوغهما النّصاب، فإن ذلك يشمل كل ما صدق عليه ذلك،

و إن لم يكن بجيّد، بعد فرض كون الجيّد و غيره من جنس واحد.

(174) كما صرّح بذلك في «المبسوط «4»»، و هو الصّحيح، لإطلاق الأدلّة، بناء على

______________________________

(1)- الفقه الرضوي، ص 198/ تحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، ط المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السّلام، مشهد المقدّسة- إيران.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 93، ط النجف الأشرف.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 191، ط النجف الأشرف.

(4)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 15: ص 209، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 38

بالنسبة مع التبعض (175)، و إن أخرج الجيّد عن الجميع فهو

______________________________

ما هو المختار، من تعلّق الزكاة بالعين بنحو الحق، فإنّه عليه لا بدّ له من إخراج الحقّ المذكور، إمّا من العين نفسه، أو من غيرها؛ و لكن من جنس العين- كما هو المفروض فى المقام، فإنّ الردّي المخرج منه الزكاة من جنس الجيّد المفروض تعلّق الزكاة به- أو من غير جنسها- أيضا- و هو الإخراج بالقيمة.

نعم، بناء على القول بالإشاعة، أو الكليّ فى المعيّن، لا بدّ من إخراج الجيّد، إذا كان تمام النصاب من الجيّد، لأنّ الفقير مثلا- حينئذ- شريك مع المالك في الجيّد، فلا بدّ من إعطائه حقّه. و إذا فرضنا أنّ النّصاب مركّب من الجيّد و الردّي كان اللازم هو التقسيط في الإخراج بالنسبة، كما صرّح به بعضهم «1».

(175) كما نسب ذلك إلى المشهور «2» و يقتضيه القول بالإشاعة او الكلي في المعيّن في تعلّق الزكاة بالعين، كما مرّ. و الاحتياط المذكور لا بأس به.

______________________________

(1)- الشهيد الأوّل، محمد بن مكّى: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 236، ط مؤسّسة

النشر الاسلامي، قم- إيران؛ البيان/ تحقيق الشيخ محمد الحسّون، ص 301؛ الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 1: ص 385، نشر مؤسّسة المعارف الاسلامية، قم- إيران.

حيث لم يعلّق على كلام المصنف قدّس سرّه في حكمه بذلك، ممّا يظهر منه موافقته إيّاه (المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 151، ط الأولى).

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 193، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 39

أحسن (176). نعم، لا يجوز دفع الجيّد عن الردي بالتقويم (177).

______________________________

(176) قال في «الشرائع»: «و فى الإخراج إن تطوّع بالأرغب، و إلّا كان له الإخراج من كل جنس بقسطه «1»».

(177) لأنّه إذا كان نصف الدّينار الجيّد يسوى دينارا رديّا، و كان الواجب عليه فريضة هو الدّينار، فإذا أراد الإخراج من عين النّصاب كان عليه إعطاء الدّينار الواحد الجيّد إذا كان تمام النصاب جيّدا، أو الردّي إذا كان رديّا كذلك، أو التبعيض بالنسبة إذا كان النصاب مركّبا، على ما يقتضيه القول بالإشاعة أو الكلّي في المعيّن. و إن لم يرد الإخراج من عين النّصاب و أجزنا إخراج الدّينار الردّي مع كون تمام النّصاب جيّدا، كان له إخراج ذلك. و في هذين الفرضين تعتبر المماثلة الكميّة- لا محالة- بين الفريضة و بين ما هو المخرج، بالفتح. و أمّا إذا لم يرد الإخراج من عين النّصاب، و لا من المعين المسانخ له، و أراد الإخراج بالقيمة، جاز له إخراج الدينار المفروض عليه- مثلا- بقيمته، من الدراهم، أو من غير النقدين، على القول بجواز ذلك، و في مثل ذلك لا موضوع لاعتبار المماثلة. و ليس له- حينئذ-

الإخراج من العين المسانخ له- و هو الدّينار مثلا- لكن بالتقويم، بأن يقوم الدّينار الّذي يريد أن يخرجه- و نفرضه دينارا رديّا-

______________________________

(1)- المحقّق، الحلّي، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق عبد الحسين محمّد علي، ج 1:

ص 151، ط الأولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 40

بأن يدفع نصف دينار جيد يسوي دينارا رديّا عن دينار، إلا إذا صالح (178) الفقير بقيمة في ذمّته، ثمّ احتسب تلك القيمة عمّا عليه من الزكاة، فإنّه لا مانع منه، كما لا مانع من دفع الدينار الردي عن نصف دينار جيّد إذا كان فرضه ذلك (179).

______________________________

بنصف دينار جيّد، و يخرج نصف دينار جيّد قيمة، و ذلك لعدم إطلاق أدلّة الإخراج بالقيمة لمثل ذلك، و هذا هو المشهور، على ما قاله بعضهم «1».

(178) بأن يصالح الفقير ما عليه من الفريضة بقيمة الفرد الأدنى، مثلا: إذا كان الدينار الجيّد يسوى عشرة دراهم، و الردّي خمسة دراهم، فصالح الفقير ما هو الواجب عليه- و هو الجيّد- بخمسة دراهم، و حينئذ جاز له أن يدفع نصف دينار جيّد، اداء لما صالح به الفقير عليه.

(179) أي: كان فرضه نصف دينار جيّد. و الوجه في ذلك يظهر مما مرّ، فإنّه إذا كان المخرج مسانخا لما هو الواجب عليه، اعتبر فيه- لا محالة- المماثلة الكميّة، أي المماثلة في المقدار، لكن بمعنى عدم كون المخرج أقلّ مقدارا من الواجب، لا مطلقا حتّى مع عدم الزيادة عليه، فإنّ الزيادة غير مانعة، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 94، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 41

[مسألة 3: تتعلّق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة]

[مسألة 3]: تتعلّق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة (180).

______________________________

(180) مفروض

المسألة: ما إذا كان الغشّ بحدّ يخرج به عن كونه ذهبا و فضّة عرفا، و أمّا إذا لم يكن الغش كذلك، بأن كان الخلط بالغير قليلا بحيث لا يخرجه عن مصداقيّة الذهب و الفضّة، فلا ينبغي الإشكال- حينئذ- في وجوب الزكاة. و المسألة ممّا لم يوجد الخلاف فيها، بل قيل: هي من الواضحات، بل نسبه غير واحد إلى الأصحاب، مشعرا بالإجماع عليه «1».

و قد يستشكل ذلك «2» بدعوى أنّ الدّينار من الذهب، و الدرهم من الفضّة المسكوكين تجب الزكاة فيهما، و المغشوش منهما الخارج عن صدق اسم الذهب أو الفضّة عليه عرفا يشكّ في كونه مصداقا لما تجب الزكاة فيه، للشك في صدق الدينار و الدّرهم عليه. و قد يتكلّف في دفعه «3» بدعوى أنّ المراد بالدّرهم و الدينار الفضّة و الذهب المسكوكين بسكّة المعاملة، و لو مع الغشّ.

و قد يتمسّك في ذلك برواية زيد الصّائغ، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها: «بخارى»، فرأيت فيها دراهم تعمل، ثلث فضّة، و ثلث مسّا، و ثلث رصاصا، و كانت تجوز عندهم، و كنت أعملها و أنفقها، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بذلك، إذا كان تجوز عندهم، فقلت:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 195، ط النجف الأشرف.

(2)- المقدّس الأردبيليّ، مولى أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 98، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 195، ط النجف الأشرف؛ الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 55، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص:

42

..........

______________________________

أ رأيت إن حال عليه الحول و هي عندي، و فيها ما يجب عليّ فيه الزكاة، أزكّيها؟

قال: نعم، إنّما هو مالك ... «1»». و ضعف سندها- بزيد الصائغ و غيره- ممّا يدعى «2» انجباره بعمل الأصحاب.

و تحقيق القول في ذلك: أنّ مقتضى جملة من النّصوص «3» هو وجوب الزكاة في الذهب و الفضّة مطلقا، من دون تقييد بالدينار و الدّرهم، و لكنّه في جملة أخرى من الروايات «4» قيّد الإطلاق المذكور بالدّينار و الدّرهم، و أنّه إنّما تجب الزكاة في الذهب و الفضّة إذا كانا دينارا و درهما، و حينئذ فحيث كان المخصّص المجمل مفهوما المردّد بين الأقل و الأكثر- و هو الدينار و الدّرهم- منفصلا، كان المرجع فيما يشك في اندراجه تحت المخصّص، هو العموم فيحكم- في محلّ الكلام- بوجوب الزكاة فى المغشوش الّذي يشك في صدق اسم «الدينار» و «الدرهم» عليه، نظير الأخذ بعموم «اكرم العلماء» فى العالم مرتكب الصغيرة، المخصّص ب «لا تكرم فسّاق العلماء» عند تردّد مفهوم «الفسق» بين خصوص مرتكب الكبيرة، أو الأعمّ منه و من مرتكب الصّغيرة.

هذا، و لا يخفى أنّ الاستدلال لاعتبار صدق الدينار و الدّرهم في وجوب الزكاة- تارة- يكون بقوله عليه السّلام: «ليس في التبر زكاة، إنّما هي على الدنانير و الدّراهم «5»»، و عليه فلا مجال للقول بوجوبها في المغشوش في محلّ الكلام،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 195، ط النجف الأشرف.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1، 2، 5، 7، 10.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن

الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الذهب و الفضّة، ح 3، 5.

(5)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 43

إذا بلغ خالصهما النصاب (181)، و لو شكّ في بلوغه، و لا طريق

______________________________

ممّا يشكّ فيه في صدق الدينار و الدّرهم، نظرا إلى كون العموم أو الإطلاق مخصّصا أو مقيّدا من الأوّل، و لا مجال للرّجوع إلى العام في المشكوك فيه إذا كان التخصيص بالمتّصل. و أمّا إذا كان الاستدلال بمفهوم الحصر المستفاد من الكلام المذكور، بأن يكون المفهوم المذكور مخصّصا لعموم ما دلّ على وجوب الزكاة فى الذهب و الفضّة، بأن كان التخصيص بالمنفصل، و جاز- حينئذ- الرجوع إلى العموم في مورد الشبهات المصداقيّة.

و ببيان آخر: تارة يكون المستند في تقييد العموم هو الحصر المستفاد من قوله عليه السّلام- في خبر جميل-: «ليس فى التبر زكاة، إنّما هي على الدنانير و الدّراهم»، و مقتضاه: عدم إمكان الرّجوع في الشبهة المصداقيّة إلى العموم، لكون العموم مخصّصا من الأوّل، حيث إنّه رتّب فيه وجوب الزكاة على الذهب أو الفضّة إذا كان دينارا أو درهما. و أمّا إذا كان المستند فيه هو المفهوم الملازم للحصر المذكور، و هو نفي الزكاة عن الذهب و الفضّة غير الدينار و الدّرهم، بأن قيّد عموم ما دلّ على وجوب الزكاة في الذهب و الفضّة بذلك، فلا محالة كان ذلك من التخصيص بالمنفصل، و حينئذ جاز فيه الرّجوع إلى العموم في مورد الشبهة المصداقيّة للمخصّص، و هو الصّحيح؛ لأنّه فى الأوّل لا يكون مخصّصا، لكون المنطوق مثبتا للحكم في مورد الدينار و الدرهم، فلا ينافى ثبوته في مطلق الذهب و الفضّة، بل الموجب للتخصيص إنّما هو المفهوم النافي للحكم

عن غير الدينار و الدرهم، كما هو ظاهر.

(181) لوجوب الزكاة في الذهب و الفضّة بمقتضى الأدلّة الحاصرة للزكاة فى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 44

للعلم بذلك- و لو للضرر- لم تجب (182). و في وجوب التصفية و نحوها للاختبار إشكال أحوطه ذلك، و إن كان عدمه لا يخلو عن قوّة (183).

______________________________

التسعة «1».

(182) إذا لم يمكن الاختبار، إمّا لعجز تكويني، كما إذا لم يكن ذلك في متناوله ليختبره، أو لعجز تشريعي، كما إذا كان اختباره موجبا لتضرّره بسبب النقص الوارد عليه من ذلك، لم يجب الاختبار. أمّا الأوّل فظاهر. و أما الثاني فلعموم دليل نفي الضرر «2».

(183) المشهور هو عدم وجوب الفحص فى الشبهة الموضوعيّة. قال فى «الجواهر «3»»: «أمّا لو شكّ فلا وجوب، للأصل و غيره، بل المعروف- أيضا-

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: ما تجب الزكاة و ما تستحب فيه.

(2)- عدم وجوب الاختبار على تقدير الضّرر في الاختبار- على مبنى سيّدنا الأستاذ دام ظلّه في حديث نفي الضرر- واضح، فإنّ المنفي إنّما هو الحكم الّذي ينشأ منه الضّرر، فينتفي به وجوب الزكاة المحتمل، الّذي ينشأ منه وجوب الاحتياط بالاختبار، باعتبار عدم المؤمّن عن التكليف المحتمل. و أمّا في مورد العجز التكويني فغير واضح، إلّا على تقدير كون وجوب الاختبار نفسيّا أو طريقا، و هو ممنوع منه.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 199، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 45

[مسألة 4: إذا كان عنده نصاب من الجيد]

[مسألة 4]: إذا كان عنده نصاب من الجيد لا يجوز أن يخرج

______________________________

عدم وجوب التصفية و نحوها للاختبار، بل عن «المسالك «1»»: لا قائل بالوجوب ...- إلى

ان قال قدّس سرّه، بعد الاستدلال لعدم الوجوب و المناقشة فيه:- و لعلّه لذلك مال بعض المحقّقين هنا إلى وجوب التعرّف بالتصفية أو غيرها. و هو قويّ جدّا، إن لم يكن إجماع على خلافه».

و العمدة ممّا استدلّ- أو يمكن الاستدلال- به لوجوب الاختبار هنا وجهان:

أحدهما: أن ما دلّ على وجوب الحجّ أو الزكاة أو الخمس بالملازمة العرفيّة يدلّ على وجوب الفحص عن الاستطاعة- مثلا- فى الحج، و النصاب فى الزكاة، و حصول الربح- مثلا- فى الخمس.

و المناقشة فيه: أنّه لو تمّ، فلا يكون ذلك في جميع الموارد، بداهة أنّه- تارة- يعلم بوجوب الزكاة عليه، لكنّه لا يعلم بالمقدار، لجهله بالنّصاب، و اخرى: لا يعلم اصلا بوجوب الزكاة عليه، لجهله أصلا ببلوغ المال النصاب و عدمه. فلو سلّمنا بالملازمة فإنّما يجب الاختبار فى الفرض الأوّل، دون الثاني الّذي لم يعلم بالوجوب أصلا، كما هو ظاهر.

و الآخر: أنّه يلزم من عدم الفحص في أمثال الموارد المذكورة عدم فعليّة الحكم الواقعي دائما، فلا محالة يحكم بوجوب الفحص فيها احترازا عن المحذور المذكور.

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 387، ط مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 46

عنه من المغشوش (184)، إلّا إذا علم اشتماله على ما يكون عليه

______________________________

و يناقش فيه: بأنّ العلم بذلك- في كثير من الموارد- حاصل بدون الفحص، كما إذا ربح، أو ورث ما لا كثيرا، دفعة واحدة، بحيث يعلم بتحقّق الاستطاعة، أو الزيادة على المئونة، فلا يتوقّف العلم بالحكم على الفحص دائما. على أنّ غاية ما يقتضيه عدم الفحص إنّما هو تأخير الحجّ- مثلا- عن أوّل عام الاستطاعة، أو تأخير حق السّادة أو الفقراء

عن العامّ الأوّل للربح، و لكن شمول دليل الوجوب للعامّ الأوّل بالإطلاق أو العموم، فعدم فعليّته بالنسبة إلى العام الأوّل، و فعليّته بالنسبة إلى الأعوام التالية ليس هو من عدم فعليّة الحكم الواقعيّ- المأخوذ فى الاستدلال- في شي ء، كما هو ظاهر.

و الإنصاف أنّه لا دليل على وجوب الفحص و الاختبار، و المحكّم هو إطلاق أدلّة البراءة. و لعلّ من احتاط فى المسألة فإنّما كان ينظر في ذلك إلى أحد الوجهين المتقدّمين. و اللّه العالم.

(184) قد تقدّم جواز إخراج الرديّ عن الجيّد، و أمّا إخراج المغشوش عن الخالص فلا يجوز، فإنّ الواجب هو إخراج نصف مثقال من الذهب- مثلا- زكاة، و إخراج نصف المثقال من المغشوش- لأجل خلط الذهب فيه بغيره- لا يكون إخراجا لما هو الواجب.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 47

من الخالص (185)، و إن كان المغشوش بحسب القيمة يساوي ما عليه (186)؛ إلّا إذا دفعه بعنوان القيمة إذا كان للخليط قيمة (187).

______________________________

(185) و هذا ظاهر، فإنّه إذا ادّى ذلك كان قد أدّى ما هو الواجب عليه، و إن كان مصحوبا بزائد من غير الذهب أو الفضّة مثلا، حيث أن الزيادة غير مضرّة.

(186) لعدم ملاحظة الماليّة في هذا المقام، فان إخراج نصف مثقال من الذهب- مثلا- واجب، لا أنّ الواجب هو إخراج ما يكون بهذا المقدار بحسب الماليّة. و بكلمة أخرى يكون المخرج- في هذا الفرض- هو أقلّ من نصف مثقال من الذهب مثلا، مع كون الواجب عليه- فرضا- هو نصف مثقال، و هو لا يجزي، و إن كان هذا الذهب الّذي يقلّ وزنه عن نصف المثقال مساويا للنصف فى القيمة؛ و الحاصل: أنّ الإخراج من جنس النصاب لا بدّ

و أن يكون بمقدار الواجب وزنا، و لا يكفى كونه بمقداره قيمة، مع كونه أقلّ منه وزنا، كما هو المفروض.

(187) لما ذكرنا سابقا، من جواز إخراج الزكاة من غير جنس النصاب بعنوان القيمة، فإذا كان للخليط قيمة، و كانت قيمة الذهب مع الخليط- مثلا- مساوية لقيمة ما هو الواجب عليه إخراجه، فدفع المالك المغشوش بعنوان القيمة، جاز له ذلك.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 48

[مسألة 5: و كذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش]

[مسألة 5]: و كذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش، إلّا مع العلم على النحو المذكور (188).

[مسألة 6: لو كان عنده دراهم أو دنانير بحدّ النصاب، و شكّ في أنّه خالص أو مغشوش]

[مسألة 6]: لو كان عنده دراهم أو دنانير بحدّ النصاب، و شكّ في أنّه خالص أو مغشوش، فالأقوى (189) عدم وجوب الزكاة، و إن كان أحوط.

[مسألة 7: لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب، أو الدنانير المغشوشة بالفضّة]

[مسألة 7]: لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب، أو الدنانير المغشوشة بالفضّة، لم يجب عليه شي ء إلّا إذا علم ببلوغ أحدهما أو كليهما حدّ النصاب، فيجب في البالغ منهما أو فيهما، فإن علم الحال فهو، و إلّا وجبت التصفية (190)، و لو

______________________________

(188) يعلم الحكم فى المسألة ممّا سبق بيانه فى المسألة الرّابعة، فإنّها من فروعات تلك المسألة.

(189) لما سبق فى المسألة الثالثة، من أنّ المرجع في مورد الشكّ في تعلّق الزكاة البراءة، فلاحظ.

(190) مفروض المسألة هو العلم ببلوغ النّصاب إجمالا، مع عدم العلم تفصيلا بأنّ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 49

علم أكثريّة أحدهما مردّدا، و لم يمكن العلم، وجب إخراج الأكثر من كلّ منهما (191)، فإذا كان عنده ألف، و تردّد بين أن يكون مقدار الفضّة فيها أربعمائة و الذهب ستمائة و بين العكس، أخرج عن ستمائة ذهبا و ستمائة فضّة، و يجوز أن يدفع بعنوان القيمة ستمائة عن الذهب و أربعمائة عن الفضّة، بقصد ما فى الواقع.

______________________________

البالغ منهما هو الذهب، أو الفضّة، أو كلاهما. و لا مجال هنا للبراءة، للعلم فيه باشتغال الذمّة بالزكاة يقينا، و لا بدّ من إحراز الفراغ اليقيني منه؛ و من جملة مصاديق ما يوجب إحراز الفراغ التصفية، من دون أن يكون الأمر منحصرا به، فله أن يعطى بمقدار يحصل به اليقين بالفراغ، كما هو ظاهر.

(191) مفروض المسألة- كما يعلم من المثال- هو ما إذا كان المقدار الزائد- و هو المائتان في مفروض المثال- بمقدار النصاب على

كل تقدير، سواء أ كان الزائد من الذهب أم كان من الفضّة. و قد حكم قدّس سرّه في ذلك بوجوب إخراج الزكاة من المائتين الزائدتين مرّتين: مرّة بعنوان الذهب، و اخرى بعنوان الفضّة، و ذلك للعلم الإجمالي فيهما بوجوب زكاة الذهب أو الفضّة، و الخروج عن عهدة العلم الإجمالي المذكور، المفروض تنجّزه، إنّما يكون باخراج الزكاة كذلك «1».

______________________________

(1)- و قد يستظهر جواز الاقتصار على الأقلّ قيمة- فى المائتين- و هو الفضّة، فإنّ الزكاة و إن-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 50

[مسألة 8: لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة، و علم أن الغش ثلثها- مثلا- على التساوي في أفرادها]

[مسألة 8]: لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة، و علم أن الغش ثلثها- مثلا- على التساوي في أفرادها، يجوز له أن يخرج خمسة دراهم من الخالص و أن يخرج سبعة و نصف من المغشوش (192)، و أما إذا كان الغش- بعد العلم بكونه ثلثا في

______________________________

(192) فإنّ المفروض هو أنّ ثلث الدراهم الثلاثمائة- على التساوي- غش، إذن فالثلث من المائتين- و هو أوّل نصاب الدرهم- المغشوش، يجبره الثلثان من المائة الزّائدة، فيكون عنده- في مفروض المثال- فضّة خالصة، بالغة حدّ النصاب الأوّل من نصابي الفضّة، و زكاتها خمسة دراهم خالصة، و نسبة خمسة دراهم

______________________________

- كانت حقّا متعلّقا بالعين الخارجيّة، إلّا أنّها على سبيل الشركة فى المالية، و للمالك ولاية التبديل و الإخراج من غير العين، بعنوان القيمة، فهو مخيّر بين الأمرين، أي: دفع العين و القيمة، فالحق و إن كان متعلّقا بالعين، إلّا أنّ الواجب هو الجامع بين الأمرين، و بما أن القيمة التي هي عدل الواجب التخييري مردّدة بين الأقل و الأكثر، لتردّدها بين قيمة الذهب التي هي أكثر، و الفضّة التي هي أقلّ، فلا علم باشتغال الذمة إلّا

بالمقدار المتيقّن، و هو الأقل، و أما الزائد عليه فتعلّق التكليف به مشكوك من أوّل الأمر، فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة ...» (البروجردي، الشيخ مرتضى: مستند العروة الوثقى، ج 1: صص 304- 305).

و هذا الكلام مخدوش فيه بما سبق فى الكلام عن جواز إخراج الزكاة بالقيمة، من أنّ المستفاد من النصوص الدالّة على جواز التبديل هو انّ دفع القيمة من باب البدليّة عن الفريضة، لا أنّ الفريضة هو الجامع بين نفس العين و بين القيمة، فالواجب- أوّلا- هو إخراج العين نفسها، و لكنّه يجوز للمالك تبديلها- متى ما أراد الإخراج- بما يساوى قيمتها حين الإخراج، فإذا كان الواجب مردّدا بين الذهب و الفضّة لم يكن المورد من موارد الدوران بين الأقل و الأكثر، كما هو ظاهر (المرتقى، ج 1: ص 310).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 51

المجموع- لا على التساوي فيها، فلا بدّ من تحصيل العلم بالبراءة، إمّا بإخراج الخالص، و إمّا بوجه آخر (193).

[مسألة 9: إذا ترك نفقة لأهله مما يتعلّق به الزكاة و غاب]

[مسألة 9]: إذا ترك نفقة لأهله مما يتعلّق به الزكاة و غاب، و

______________________________

خالصة إلى المائتين خالصة نسبة الواحد إلى الأربعين، و بنفس هذه النسبة تكون نسبة السبعة دراهم و نصف درهم المغشوشة إلى الثلاثمائة درهم المغشوشة. و هذا ظاهر.

(193) و لا يجزى- حينئذ- إخراج سبعة دراهم و نصف بعنوان الزكاة، و ذلك لعدم تساوى الغش فى الدراهم على الفرض، حيث يكون الغش في بعضها بالثلث، و بعضها بالربع ...، و حينئذ فلا يحرز كون سبعة دراهم و نصف من هذه الدراهم المغشوشة تعادل خمسة دراهم خالصة.

نعم، إذا فرضنا أنّ قيمة سبعة دراهم و نصف من هذا المغشوش تعادل قيمة خمسة دراهم خالصة جاز إعطاءها زكاة،

بعنوان إخراج الزكاة بالقيمة، المفروض فيه: هو التعادل بين الواجب و بين ما يعطيه المالك بحسب القيمة، دون التعادل بالكمّ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 52

بقي إلى آخر السنة بمقدار النصاب، لم تجب عليه (194)؛ إلّا إذا كان متمكّنا من التصرّف فيه طول الحول مع كونه غائبا.

______________________________

(194) تارة يفرض الكلام في مورد توكيل أحد- من العائلة أو غيرهم- على المال المذكور، بأن كان الوكيل مسلّطا على المال المذكور، متمكّنا من التصرّف فيه، فبما أن سلطنة الوكيل على التصرّف و تمكّنه منه بمثابة سلطنة الموكّل- بالكسر- على ذلك، فإذا حال على المال المذكور الحول، وجبت فيه الزكاة، لتحقّق ما هو شرط وجوبها.

و اخرى: لا يفرض مثل ذلك، بأن كان قد ترك المال عند العائلة بدون توكيل لأحد عليه، فكان المال قد خرج عن سلطنته عرفا، فبما أنّه يعتبر التمكّن من التصرّف تمام الحول في وجوب الزكاة- كما مرّ الكلام فيه- فلا محالة لا تجب عليه زكاة المال المذكور. هذا ما تقتضيه القواعد العامّة، و يعاضدها النصوص الخاصّة أيضا، فقد وردت فى المقام ثلاث روايات معتبرة سندا، و تامّة دلالة، و هي كالآتي:

1- موثّق اسحاق بن عمّار، عن أبى الحسن الماضى عليه السّلام، قال: قلت له: رجل خلّف عند أهله نفقة ألفين، لسنتين، عليها زكاة؟ قال: «إن كان شاهدا فعليه زكاة، و إن كان غائبا فليس عليه زكاة «1»».

2- مرسل ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في رجل وضع لعياله ألف

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 17: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 53

..........

______________________________

درهم نفقة، فحال عليها

الحول. قال: «إن كان مقيما زكّاه، و إن كان غائبا لم يزكّ «1»».

3- رواية ابي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: الرجل يخلّف لأهله ثلاثة آلاف درهم، نفقة سنتين، عليه زكاة؟ قال: «إن كان شاهدا فعليها زكاة، و إن كان غائبا فليس فيها شي ء «2»».

فإنّ الظاهر من النصوص المذكورة هو: أنّ جهة السؤال فيها إنّما هو عدم تمكّن المالك من التصرّف فى المال طول الحول، باعتبار الانقطاع الّذي كان يحدث للمسافر في مثل تلكم الأزمان، بالنظر إلى فقد وسائل الارتباطات فيها.

و حينئذ فيكون مفادها مطابقا لما تقتضيه القاعدة فى المسألة، كما أشرنا إليه. و في «الجواهر «3»»: إنّ الحكم المذكور هو «المشهور شهرة عظيمة». و المخالف في المسألة ابن ادريس رحمه اللّه «4»، حيث ذهب إلى عدم الفرق بين الغيبة و الحضور فى وجوب الزكاة.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 17: زكاة الذهب و الفضّة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 202، ط النجف الأشرف.

(4)- ابن ادريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 447، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

قلت: ملاحظة عبارة «السّرائر» يعطى خلاف ما هو ظاهر المنسوب إليه، و إليك ذلك:

«قال بعض أصحابنا: و اذا خلّف الرجل دراهم أو دنانير، نفقة لعياله، لسنة، أو سنتين، او أكثر من ذلك، و كان مقدار ما تجب فيه الزكاة، و كان الرجل غائبا، لم تجب فيها زكاة، فإن كان حاضرا وجبت عليه فيها الزكاة، ذكر ذلك شيخنا ابو جعفر الطوسي رحمه اللّه في «نهايته» و هذا غير واضح؛ بل حكمه حكم الغائب، إن قدر على أخذه متى أراده بحيث متى رامه

أخذه، فإنّه يجب عليه فيه الزكاة، سواء كان نفقة، أو مودعا، أو كنزا، فإنّه ليس- بكونه نفقة- خرج عن ملكه، و لا فرق بينه و بين المال الذي له في يد وكيله، و مودعه، و خزانته ...» و هذا الكلام- كما تراه- ظاهر فى الحكم على طبق القاعدة، كما هو مختار المشهور.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 54

[مسألة 10: إذا كان عنده أموال زكويّة من أجناس مختلفة، و كان كلّها أو بعضها أقلّ من النصّاب]

[مسألة 10]: إذا كان عنده أموال زكويّة من أجناس مختلفة، و كان كلّها أو بعضها أقلّ من النصّاب، فلا يجبر الناقص منها بالجنس الآخر (195). مثلا: إذا كان عنده تسعة عشر دينارا و مائة و تسعون درهما، لا يجبر نقص الدنانير بالدراهم، و لا العكس.

______________________________

(195) فى «الحدائق «1»»: «اتّفق الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- على أن لا يضمّ أحد النقدين إلى الآخر، على وجه يكون النصاب مركّبا منهما، بل يجب لكلّ منهما نصابه المتقدّم ...». و فى «المدارك «2»»: «هذا قول علمائنا أجمع، و وافقنا عليه اكثر العامّة ... «3»». و فى «الجواهر «4»»: «إجماعا بقسميه ...».

و يدلّ عليه: أنّ المستفاد من الأدلّة هو اعتبار النصاب في وجوب الزكاة في كلّ من التسع، التي تجب الزكاة فيه، مستقلا، فكما أنّه يعتبر في وجوب الزكاة فى الغنم- مثلا- بلوغه النّصاب، و لا يكفى فيه النصاب المركّب منه و من البقر مثلا، كذلك الذهب و الفضّة، يعتبر في وجوب الزكاة في كلّ منهما بلوغه النصاب باستقلاله. فالحكم فى المسألة على طبق القاعدة، مضافا إلى أنّه مقتضى النصوص

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 91، ط النجف الأشرف.

(2)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 127، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)-

ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 597- 598؛ ابن حزم، علي بن أحمد:

المحلى، ج 1: ص 81.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 304، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 55

[فصل في زكاة الغلّات الأربع]

اشارة

[فصل] في زكاة الغلّات الأربع و هي- كما عرفت- الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب؛ و في إلحاق السلت- الذي هو كالشعير في طبعه و برودته، و كالحنطة في ملاسته و عدم القشر له- إشكال (196) فلا يترك الاحتياط

______________________________

الخاصّة أيضا، كصحيحة زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل عنده مائة و تسعة و تسعون درهما، و تسعة عشر دينارا، أ يزكّيها؟ فقال: «لا، ليس عليه زكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتّى يتمّ «1»»، و نحوها غيرها «2».

(196) أمّا وجوبها فى الغلات الأربع فممّا لا ينبغى الإشكال فيه، كما و لم يظهر ذلك من أحد فيما نعلم. و يدلّ عليه الروايات المستفيضة، بل المتواترة، و قد مرّت

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الانعام، ح 2؛ باب 2: زكاة الغلات، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 56

..........

______________________________

الإشارة إليها في ذكر الأجناس الّتي تتعلّق بها الزكاة، فلاحظ «1». إنّما الكلام في الحاق السلت بالشعير، و العلس بالحنطة و عدمه، فالمشهور «2»، بل فى «الغنية «3»» دعوى الإجماع عليه، عدم الإلحاق، و لذلك التزموا فيهما باستحباب الزكاة دون وجوبها، و المحكي «4» عن الشيخ «5»، و الحلّي «6»، و العلّامة في بعض كتبه «7»،

و الشهيدين «8»، و المحقّق الثّاني «9»، و الميسى- قدّس اللّه أسرارهم- هو الوجوب، إلحاقا لهما بالشعير و الحنطة. و استدلّوا له بتنصيص أهل اللغة على أنّ السلت نوع من الشعير، و العلس نوع من الحنطة، و إليك بعض ما جاء من ذلك ففى «القاموس «10»»: «السلت- بالضمّ- الشعير او ضرب منه. و فيه

______________________________

(1)- الجزء الأوّل: ص 234 فما بعد.

(2)- الكاشاني، محمد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1: ص 191، ط مجمع الذخائر الإسلاميّة، قم.

(3)- ابن زهرة، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 566، ط الحجريّة- إيران.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 205، ط النجف الأشرف.

(5)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 217، ط المكتبة المرتضويّة، طهران.

(6)- ابن إدريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: صص 428- 429، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم- إيران.

(7)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 178، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ قواعد الأحكام، ج 1:، ص 342، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

و في «تحرير الأحكام» (ص 59، ط الحجرية- إيران): «استقرب عدم الوجوب فيهما». و قريب منه في «مختلف الشيعة» (ج 3: ص 187، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم). و فى «منتهى المطلب» (ص 474، ط الحجرية- إيران) استشكل ثبوت الزكاة فيهما.

(8)- الشهيد الأوّل، محمّد بن مكي: البيان/ تحقيق الشيخ محمّد الحسون، ص 283، قم؛ الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 390، ط مؤسسة المعارف الإسلامية، قم.

(9)- المحقّق الثاني، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: صص 22- 23، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(10)- الفيروزآبادي، محمّد بن يعقوب: القاموس المحيط، ج 1: ص

150، ط 2، المطبعة الحسينيّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 57

..........

______________________________

- أيضا «1»-: العلس- محرّكة- القراد، و ضرب من البر، يكون حبتان في قشر، و هو طعام صنعاء»، و فى «المجمع «2»»: «السلت- بالضم فالسكون- ضرب من الشعير لا قشر فيه، كأنّه الحنطة، تكون فى الحجاز»، و عن الأزهري «3»:

«السلت: شعير لا قشر له، أجرد، يكون بالغور»، و قال: «العلس: ضرب من القمح يكون فى الكمام منه و حبّتان ... «4»»، و عن «الصحاح «5»»: «العلس:

ضرب من الحنطة تكون حبّتان في قشر، و هو طعام أهل صنعاء. و قال- أيضا-:

«السلت- بالضمّ- ضرب من الشعير ليس له قشر، كأنّه حنطة «6»»، و عن ابن الأثير فى «النهاية «7»»: «السلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له. و قيل: هو نوع من الحنطة، و الأوّل أصحّ؛ لأنّ البيضاء الحنطة»، و عن «العين «8»»:

«السلت: شعير لا قشر له، أجرد، يكون بالغور، و أهل الحجاز يتبرّدون بسويقه فى الصيف». و عن «المغرب «9»»: «السلت- بالضمّ- شعير لا قشر له، يكون

______________________________

(1)- ج 2، ص 232.

(2)- الطريحي، فخر الدين: مجمع البحرين/ تحقيق السيّد أحمد الحسيني، ج 2: ص 205.

(3)- الأزهري، محمّد بن أحمد: تهذيب اللغة، ج 12: ص 384، ط الدار المصرية للتأليف و الترجمة.

(4)- ج 2، ص 96.

(5)- الجوهري، إسماعيل بن حمّاد: صحاح اللغة، ج 3: ص 952، ط دار العلم للملايين، بيروت.

(6)- ج 1، ص 253.

(7)- ابن الأثير، المبارك بن محمّد: النهاية/ تحقيق: محمود محمد الطناحى- طاهر أحمد الزاوي، ج 2: ص 388.

(8)- الفراهيدي، الخليل بن أحمد: العين/ تحقيق: الدكتور مهدى المخزومي- الدكتور إبراهيم السامرائي، ج 7: ص 237؛ ترتيب كتاب العين/ إعداد: الشيخ

محمّد حسن بكائي، ص 382، ط مؤسسة النشر الإسلامى، قم.

(9)- المطرّزي، ناصر بن عبد السيّد: المغرب في ترتيب المعرّب، ص 230، ط دار الكتاب-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 58

..........

______________________________

يكون بالغور و الحجاز»، و عن «المقاييس «1»»: «السلت: ضرب من الشعير لا يكاد يكون له قشر، و العرب تسميه العريان ...»، و نحوها في سائر معاجم اللغة.

و قد أجاب عن ذلك المحقّق الهمداني قدّس سرّه بما حاصله: أنّ الرجوع إلى قول اللغويين إنّما يصحّ فيما يخصّهم من اللغة، فإذا تجاوزوا عن ذلك إلى ما ليس من اختصاصاتهم- كما فى المقام- حيث أنّ الظاهر من كلامهم إنّهم ليسوا بصدد بيان المستعمل فيه للكلمة، بل بصدد بيان اتّحاد الماهيّتين، بعد وضوح المستعمل فيه لكل من السلت و العلس- لم يكن قولهم حجة في ذلك حينئذ، فلا يصحّ الرجوع إليهم، كما هو ظاهر «2».

و الّذي يقرب هذا القول امور:

الأوّل: ما في جملة من الروايات، من عدّ السلت في عداد العدس، و الذرّة، و الدخن، و السمسم و نحو ذلك، ممّا هو محمول عند المشهور على الاستحباب، بملاحظة النصوص الحاصرة للزكاة فى التسع، و هذا ممّا يؤيّد عدم كون السلت داخلا في مفهوم الشعير، بحيث يكون ذلك صادقا عليه عرفا، و قد مرّت الإشارة «3» إلى بعض تلك الروايات عند الكلام في انحصار الزكاة فى التسع، و سيجي ء الإشارة إليها- أيضا- قريبا، إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

- العربي- بيروت.

(1)- ابن فارس، أحمد: معجم مقاييس اللغة، ج 3: ص 93، ط 3، مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده- مصر.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 58، ط إيران الحجريّة.

(3)- الجزء الأوّل: صص

235- 236.- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 59

فيه، كالإشكال في العلس الذي هو كالحنطة، بل قيل: إنّه

______________________________

الثاني: اختلاف كلمات اللغويين فى المقام، فعن ابن دريد «1»: «السلت حبّ يشبه الشعير أو هو بعينه»، و قال «2»: «العلس- أيضا- حبّة سوداء، تختبز فى الجدب، أو تطبخ»، و عن «المحيط «3»»: «العلس: شجرة كالبر إلّا أنّه مقترن الحبّ، حبّتين حبّتين»، و عن «المغرب «4»»: «العلس- بفتحتين- عن الغوري و الجوهري: حبة سوداء، إذا أجدب الناس طحنوها و أكلوها. و قيل: هو مثل البرّ، إلّا أنّه عسر الاستنقاء، و هو طعام أهل صنعاء.

الثالث: ملاحظة نفس التعابير المتقدّمة- على الجملة- ممّا يدلّنا على أنّهم بصدد بيان اتّحاد الماهيّتين و الحقيقتين، لا بصدد بيان مفهوم الحنطة و الشعير، و مفهوم السلت و العلس.

و الحاصل: أنّ القطع أو الاطمينان بدخول السلت و العلس في مفهومي الشعير و الحنطة غير حاصل، و حينئذ فينتهى الأمر إلى الشك، و مقتضى الأصل العملي فيهما هو عدم الوجوب، للبراءة عن وجوب الزكاة، كما لا يخفى. نعم، لا بأس بالاحتياط الاستحبابي بالإخراج، و أمّا الاحتياط الوجوبي- كما فى المتن- فلا وجه له ظاهرا.

______________________________

(1)- ابن دريد، محمّد بن الحسن: جمهرة اللغة، ج 2: ص 17، ط 1، مطبعة حيدرآباد- الهند.

(2)- ج 3، ص 32.

(3)- الصاحب، إسماعيل بن عبّاد: المحيط فى اللغة/ تحقيق: الشيخ محمّد حسن آل ياسين، ج 1:

ص 366.

(4)- المطرزي، ناصر بن عبد السيّد: المغرب في ترتيب المعرّب، ص 325، ط دار الكتاب العربي- بيروت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 60

نوع

منها في كلّ قشر حبّتان، و هو طعام أهل صنعاء، فلا يترك الاحتياط فيه أيضا. و لا تجب الزكاة في غيرها، و إن كان يستحبّ إخراجها من كلّ ما تنبت الأرض، ممّا يكال أو يوزن (197) من الحبوب، كالماش، و الذّرة، و الأرز، و الدخن، و

______________________________

(197) المشهور هو استحباب الزكاة فى التسع، و قد تقدّم منّا الكلام في ذلك مفصلا، عند تعرّض المصنّف قدّس سرّه لانحصار وجوب الزكاة فى التسع، و ذكرنا هناك أنّ استفادة استحباب الأمور المذكورة إنّما هو من رواية علي بن مهزيار «1»، حيث دلّت على رجحان الزكاة في مطلق المكيل، بالبيان المتقدّم هناك، و إلّا فمع قطع النظر عنها لا مجال للجمع بين الطائفتين، إذ ليس المقام من موارد الجمع العرفي، بل هو بنظر العرف من موارد التعارض. و عليه، فتماميّة المذهب المشهور موقوفة على الأخذ برواية ابن مهزيار، إلّا أنّها ضعيفة السند، فلا يمكن الأخذ بها إلّا بضميمة ما دلّ على التسامح في أدلّة السنن، و هي القاعدة المعروفة بقاعدة التسامح، بناء على أنّ القاعدة تثبت الاستحباب، و هو خلاف التحقيق المحقّق، كما حرّر في محلّه من بحث الأصول.

و أمّا ما استند إليه المحقّق الهمداني قدّس سرّه «2» في تقريب الاستحباب، من أنّ رجحان الصدقة بالذات، و إمكان إرادة استحبابها بعنوان الزكاة من هذه

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: ما تجب فيه و ما تستحب فيه، ح 6.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 20، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 61

نحوها، إلّا الخضر و البقول (198)، و حكم ما يستحبّ فيه حكم ما

يجب فيه (199)، في قدر النصاب، و كميّة ما يخرج منه، و غير ذلك.

[و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات أمران:]

اشارة

و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات أمران:

______________________________

الأخبار، و لو على سبيل التورية، الّتي هي أنسب بحال الإمام عليه السّلام في موارد التقيّة، مع اعتضاده بفهم الأصحاب و فتواهم، كاف في اثبات استحبابها، بمعنى أنّ المراد بالزكاة فيها هو الصدقة، تورية، لمناسبة ذلك مع كون المورد من موارد التقيّة، فممّا لا نعرف له وجها صحيحا، كما لا يخفى.

(198) الظاهر عدم الخلاف فيه، و يدلّ عليه- مضافا إلى الأخبار الحاصرة للزكاة في تسعة أشياء- صحيح زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الصدقة في كلّ شي ء أنبتت الأرض، إلّا الخضر و البقول، و كلّ شي ء يفسد من يومه «1»»، و نحوه غيره «2».

(199) بلا إشكال في ذلك على الظاهر، فإنّ مقتضى الجمع بين النصوص- بنحو من الأنحاء المتقدّمة آنفا- إنّما هو حمل ما دلّ على ثبوت الزكاة في مطلق الحبوب الّتي

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 6.

(2)- المصدر، باب 11: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 62

[الأوّل: بلوغ النصاب]

الأوّل: بلوغ النصاب (200)، و هو بالمنّ الشاهي- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا صيرفيّا- مائة و أربعة و أربعون منّا، إلّا خمسة و أربعين مثقالا؛ و بالمنّ التبريزي- الّذي هو ألف مثقال- مائة و أربعة و ثمانون منّا، و ربع منّ، و خمسة و عشرون مثقالا؛ و بحقّة النجف في زماننا سنة 1326 ه. ق- و هي تسعمائة و ثلاثة و ثلاثون مثقالا صيرفيّا و ثلث مثقال- ثمان و زنات «1» و

خمس حقق و نصف، إلّا ثمانية و خمسين مثقالا و ثلث مثقال؛ و بعيار الإسلامبول- و هو مائتان و ثمانون مثقالا- سبع و عشرون وزنة و عشر حقق، و خمسة و ثلاثون مثقالا،

______________________________

تكال على الاستحباب، و حينئذ فما دلّ على قدر النصاب و كميّة ما يخرج منه يكون شاملا للموارد المستحبّة كشموله للأجناس الّتي تجب الزكاة فيها، بلا فرق بين الموردين أصلا، كما لا يخفى.

(200) لا ينبغى الإشكال في اعتبار الشرط المذكور، و النصوص البالغة حدّ التواتر دالّة عليه، كما سيمرّ عليك خلال البحث، إن شاء اللّه تعالى. بل هو ضروريّ المذهب، كما قيل «2». ثمّ إنّ النصاب المقدّر فى الروايات الكثيرة إنّما هو خمسة أوسق، و الوسق ستّون صاعا.

______________________________

(1)- الوزنة، بحقّة النجف الأشرف أربعة و عشرون حقّة.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 207، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 63

..........

______________________________

و يدلّ على الأمرين- مضافا إلى الاتّفاق فيهما «1» فتوى- جملة من النصوص، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «ما انبتت الأرض، من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستون صاعا؛ فذلك ثلاثمائة صاع، ففيه العشر ... «2»»، و صحيح سعد بن سعد الأشعري قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة، من البر، و الشعير، و التمر، و الزبيب؟ فقال: «خمسة أوساق بوسق النّبي صلّى اللّه عليه و آله، فقلت: كم الوسق؟ قال: ستّون صاعا «3»»، و صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس في ما دون خمسة أوساق شي ء، و الوسق: ستّون صاعا «4»»، إلي غير ذلك من

الروايات الدالّة على ذلك «5»، و فيها المعتبرة و غيرها. و هناك جملة اخرى من النصوص دالّة على خصوص الأمر الأوّل، كصحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التمر و الزبيب، ما أقلّ ما تجب فيه الزكاة؟ فقال: «خمسة أوسق ... «6»»، و صحيح البزنطي، عن الرضا عليه السّلام- في حديث- قال: «ليس فيما كان أقلّ من خمسة أوساق شي ء «7»»، ... و صحيحه الآخر، في حديث، قال: «و ليس في أقلّ من خمسة أوساق شي ء من الزكاة «8»».

______________________________

(1)- نصّا و فتوى (النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 207، ط النجف الأشرف- العراق).

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 5.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- المصدر، ح 6.

(5)- المصدر/ باب 1: زكاة الغلات.

(6)- المصدر، ح 3.

(7)- المصدر، ح 4.

(8)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 64

..........

______________________________

و أمّا ما ورد في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، من أنّ النصاب ستّون صاعا، قال: سألته في كم تجب الزكاة من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب؟

قال: «في ستّين صاعا «1»».

أو أنّ النصاب وسق، كما في مرسلة ابن سنان، قال: «سالت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة في كم تجب، فى الحنطة، و الشعير؟ فقال: «في وسق «2»»، أو أنّه وسقان؛ كخبر أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا تجب الصدقة إلّا في وسقين، و الوسق ستّون صاعا «3»»، و خبره الآخر عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يكون فى الحب، و لا فى النخل، و لا فى العنب زكاة، حتّى

تبلغ وسقين، و الوسق ستّون صاعا «4»»، أو أنّه لا تقدير فيه أصلا، كموثّق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السّلام- في حديث زكاة الحنطة و التمر- قال: قلت: إنّما أسألك عمّا خرج منه، قليلا كان أو كثيرا، أله حد يزكّى ما خرج منه؟ فقال: «زكّ ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا، من كل عشرة واحد، و من كلّ عشرة نصف واحد ... «5»»،

فهي- مضافا إلى ما في اسناد بعضها من الضعف- لا تنهض بمعارضة النصوص الكثيرة- الصحيحة و غيرها- المتقدّم ذكر جملة منها، و عليه، فهي إمّا أن تكون محمولة على الاستحباب، كما عن الشيخ قدّس سرّه «6» و جماعة «7». و إمّا أن يرد علمها

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 10.

(2)- المصدر/ باب 3: زكاة الغلات، ح 4.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- المصدر، ح 3.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- الطوسي، الشيخ، محمّد بن الحسن: تهذيب الأحكام، ج 4: ص 18، ط النجف الأشرف:

الاستبصار، ج 2: ص 18، ط النجف الأشرف.

(7)- المجلسي الاول، محمّد تقى: روضة المتقين: ج 3: ص 98، ط المطبعة العلميّة، قم؛ المحقّق.-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 65

..........

______________________________

إلى أهلها- بعد الغض عمّا في سند البعض منها- بناء على ما هو المختار من أنّ أمثال هذه الموارد لا تكون بنظر العرف من موارد حمل الظاهر على النصّ أو الأظهر، بل هي بنظر هم من موارد التعارض، كما لا يخفى. و اللّه العالم.

ثمّ إنّ الصاع عبارة عن تسعة أرطال بالعراقي و ستّة بالمدني، بلا خلاف معتدّ به «1»، كما يدلّ عليه مكاتبة جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمداني، قال: كتبت

إلى أبى الحسن عليه السّلام- على يدى أبي- جعلت فداك، إنّ أصحابنا اختلفوا فى الصاع، بعضهم يقول: الفطرة بصاع المدني، و بعضهم يقول: بصاع العراقي. قال:

فكتب إليّ: «الصاع ستّة أرطال بالمدني، و تسعة أرطال بالعراقي. قال: و أخبرني أنّه يكون بالوزن الفا و مائة و سبعين وزنة «2»»، و خبر عليّ بن بلال قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة، و كم تدفع؟ قال: فكتب عليه السّلام: «ستّة أرطال من تمر بالمدني، و ذلك تسعة أرطال بالبغدادي «3»».

و الوجه في دلالة الخبر الثاني على ذلك هو: أنّ الأرطال المذكورة إنّما هي لبيان مقدار الصاع، فإنّه الواجب فى الفطرة، كما سيأتي إن شاء اللّه. و يدلّ عليه- أيضا- رواية «تحف العقول» عن الرضا عليه السّلام في كتابه إلى المأمون، قال: «و العشر من الحنطة و الشعير ...- إلى أن قال:- و الوسق ستّون صاعا، و الصاع

______________________________

- جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 534، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم؛ المقدّس الأردبيلي، أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 130، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 100، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 208، ط النجف الأشرف.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الفطرة، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 66

..........

______________________________

تسعة أرطال، و هو أربعة أمداد، و المدّ رطلان و ربع بالعراقي «1»»، قال: و قال الصادق عليه السّلام: «هو تسعة أرطال بالعراقي، و ستّة بالمدني «2»».

و على هذا، فيكون الحاصل من ضرب التسعة أرطال- بناء

على تقدير الصاع بالأرطال العراقيّة- فى الستّين صاعا، و ضرب المجموع فى الخمسة أوسق، الفين و سبعمائة رطل. و بناء على التقدير بالأرطال المدنية: ألف و ثمانمائة رطل.

ثمّ إنّ الرطل العراقي عبارة عن مائة و ثلاثين درهما، كما هو المشهور «3»، بل لم ينقل الخلاف المعتدّ به فيه من أحد «4». و يدلّ عليه مكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: اختلفت الروايات فى الفطرة، فكتبت إلى أبى الحسن عليه السّلام صاحب العسكر أسأله عن ذلك، فكتب: «إنّ الفطرة صاع من قوت بلدك على أهل مكّة، و اليمن، و الطائف ... «5»- إلى أن قال:- تدفعه و زنا ستّة أرطال برطل المدينة، و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهما، يكون الفطرة ألفا و مائة و سبعين درهما «6»». و حيث قد عرفت آنفا أنّ الرطل العراقي عبارة عن تسع الصاع، فإذا كان الصاع بالرطل المدني هو ألف و مائة و سبعون درهما، كان تسعه عبارة عن مائة و ثلاثون درهما، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ كل عشرة دراهم تساوى سبعة مثاقيل شرعيّة، كما مرّ ذلك في زكاة النقدين، فيكون الرطل العراقي بالمثقال الشرعي أحد و تسعون مثقالا، و المثقال

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 9.

(2)- المصدر، ح 10.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 113، ط النجف الأشرف.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 210، ط النجف الأشرف.

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الغلات، ح 2.

(6)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الفطرة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 67

و لا تجب في الناقص عن النصاب و لو يسيرا (201)، كما أنّها تجب في الزائد عليه يسيرا كان أو كثيرا (202).

[الثاني: التملّك بالزراعة فيما يزرع]

الثاني: التملّك بالزراعة فيما يزرع (203)، أو انتقال الزرع إلى

______________________________

الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، و عليه فيكون الصاع بالمثقال الصيرفي ستمائة مثقال، و أربعة عشر مثقالا، و ربع مثقال. و حينئذ يبلغ النّصاب- و هو ثلاثمائة صاع- بالمثقال الصيرفي: مائة ألف مثقال، و أربعة و ثمانين ألف مثقال، و مائتين و خمسة و سبعين مثقالا، و هو ينطبق على ما ذكره المصنّف قدّس سرّه فى المتن، من التقدير بالمنّ الشاهي، و التبريزي، و حقّة النجف الأشرف، و حقّة الإسلامبول.

(201) كما هو مقتضى النصوص المتقدّمة، و مقتضى إطلاقها هو عدم الوجوب فى الناقص عنه و لو يسيرا.

(202) للإطلاق.

(203) ذهب جمع- بل ادّعى الاتّفاق عليه «1»- إلى اعتبار النموّ فى الملك، و لكن

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 538، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 68

ملكه قبل وقت تعلّق الزكاة، و كذا في الثمرة كون الشجر ملكا له إلى وقت التعلّق، أو انتقالها إلى- ملكه منفردة أو مع الشجر- قبل وقته.

______________________________

اختلفت تعابيرهم عن ذلك. قال المحقّق في «الشرائع»: «و لا تجب الزكاة فى الغلات إلّا إذا ملكت بالزراعة، لا بغيره من الأسباب، كالابتياع، و الهبة ... «1»».

و قد قيل «2» في بيان مراده: إنّ الوجه فى التخصيص بالزراعة هو مجرّد التمثيل، و إلّا فالمقصود عدم توقّف مملوكيّة النماء على غير المقدّمات المعدّة لتكوّنه، بمعنى أنّ الغلّة في تكوّنها تحتاج إلى مقدّمات لا محالة، فإذا لم تكن مملوكيّتها موقوفة على غير المقدّمات

المذكورة، كما إذا توقّفت على الابتياع أو الاتهاب، فقد وجبت الزكاة فيها، فيشمل ذلك ما إذا كان مالكا بالزراعة، و ما إذا كانت له حصّة مقرّرة من الغلّة بإزاء عمله في عامل المزارعة، و المساقات، و نحو ذلك. و قال قدّس سرّه فى «المعتبر»: «لا تجب الزكاة فى الغلات إلّا إذا نمت فى الملك، فلا تثبت فيما يبتاع، و لا ما يستوهب، و عليه اتّفاق العلماء ... «3»»، و فى «المنتهى»: «لا تجب الزكاة فى الغلات الأربع إلّا إذا نمت في ملكه؛ فلو ابتاع غلة أو استوهب، أو ورث بعد

______________________________

- العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 497، ط الحجريّة- إيران.

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 153.

(2)- الشهيد الثّاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 329، ط مؤسسة دار المعارف الإسلامية، قم- إيران. و التوضيح فى المتن الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 62، ط الحجريّة- إيران.

(3)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 538، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 69

..........

______________________________

بدوّ الصلاح، لم يجب عليه الزكاة، و هو قول العلماء كافة ... «1»». و كيف كان فالمحكيّ عن الأكثر هو التعبير عن الشرط المذكور بالنموّ فى الملك.

و ناقش في ذلك صاحب «المدارك» قدّس سرّه طردا، و عكسا: أمّا

الأوّل، ففيما إذا بنينا على ما ذهب إليه المحقّق قدّس سرّه و جماعة، من أنّ زمان تعلّق الوجوب بالغلّات الأربع إنّما هو من حين صدق الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، فإنّه- على هذا- لو تملّكها

الشخص قبل ذلك بقليل، بحيث كان صدق العناوين المذكورة في ملكه، كانت الزكاة واجبة عليه، مع عدم النموّ في ملكه أصلا، كما سيصرّح به المحقّق- أيضا- فيما بعد. و أمّا

الثّاني، فعلى المذهب المشهور من تعلّق الزكاة بها من حين بدوّ الصلاح، فإذا انتقلت عن ملكه بعد ذلك كان الواجب هو الزكاة على المنتقل عنه، مع أنّ النّمو في ملك المنتقل إليه.

و الحاصل، أنّه قد لا يكون نموّ فى الملك و مع ذلك تثبت الزكاة، فالتعريف غير منعكس، و قد يكون نموّ و لا زكاة، فهو غير مطّرد. ثمّ قال قدّس سرّه: «و كان الأوضح جعل الشرط كونها مملوكة قبل وقت بلوغها الحدّ الّذي يتعلّق به الزكاة، كما اقتضاه صريح كلام الفريقين ... «2»».

و قد اجيب عن ذلك- كما عن المحقّق الهمداني قدّس سرّه «3»- أمّا عن الأوّل، فبأنّه لا ينبغى الشك في اعتبار النموّ فى الملك في ثبوت الزكاة، و أنّه لا يكفى في ذلك مجرّد الملكيّة قبل وقت التعلّق، و لو بالابتياع أو الهبة و نحوهما، إذا لا يظنّ في حقّ

______________________________

(1)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 497، ط الحجريّة- إيران.

(2)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: صص 140- 141، مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 63، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 70

..........

______________________________

أحد الالتزام بثبوت الزكاة فيما لو اشترى عنبا أو رطبا من السوق و جفّفهما، و لو كان مجرد المملوكيّة قبل التعلّق ممّا يكفي في ثبوتها لكان اللازم هو ثبوتها فى الفرض المذكور، كما لا يخفى.

و أمّا عن

الثاني، بأنّ النموّ المعتبر فى المقام ليس هو مطلق النموّ، كي يلزم منه عدم كون التعريف منعكسا، بل النموّ قبل وقت التعلّق، بأن تكون الغلّة ممّا كان لها النموّ في ملكه قبل تعلّق الزكاة بها، و حينئذ فلا يلزم عدم الانعكاس فى المثال المتقدّم، كما هو ظاهر.

و عن بعض الأعلام- دام ظلّه «1»-: إنّ الأولى هو الغاء الشرط المذكور مطلقا، فإنّ الغرض منه إن كان هو اعتبار ذلك في أصل ثبوت الزكاة، كان اشتراط الملكيّة في الزكاة بنحو عام- لا في خصوص الغلّات- كما مرّ الكلام فيه، ممّا يغني عن ذلك، فلا حاجة إلى التكرار في خصوص المقام، و إن كان المراد اعتبار ذلك حين التعلّق، فهذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه، لما تقدّم من لزوم اجتماع الشرائط بأسرها حين التعلّق. هذا، و التحقيق أن يقال: إنّ الفروض المتصوّرة فى المقام ثلاث:

الأوّل: ما إذا كان النموّ فى الملك، كما إذا كان مالكا للغلّة بالزراعة مثلا، أو كان مالكا للنخل أو الكرم، بحيث كان انعقاد الثمر في ملكه إلى أن صار تمرا أو زبيبا، و كان واجدا لسائر الشرائط أيضا.

الثاني: ما إذا انتقل من ملكه إلى آخر قبل تعلّق الزكاة به، و لكن بحيث لم يكن النموّ في ملك المنتقل إليه، كما إذا اشترى الرطب أو العنب و جفّفه، بناء على كون الاعتبار فى التعلّق بالتمريّة و الزبيبية، بلا فرق في ذلك بين ما إذا كان المنتقل

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 138، ط 3، النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 71

..........

______________________________

عنه- على تقدير عدم الانتقال- واجدا للشرائط، من البلوغ، و العقل، و البلوغ حدّ النصاب،

و نحو ذلك، أم لم يكن كذلك.

الثالث: ما إذا كان الانتقال إلى ملكه مقارنا لزمان التعلّق. فهذه صور ثلاث، و يختلف الحال في حكمها باختلاف المباني فى المسألة، فبناء على المذهب المشهور، من اعتبار النموّ فى الملك- بالمعنى المتقدّم- لا تثبت الزكاة في غير الفرض الأوّل، و أمّا بناء على مذهب صاحب «المدارك» قدّس سرّه فلا بدّ من الحكم بثبوتها فى الفرض الثانى- أيضا- إذ المفروض فيه هو تحقّق الملكيّة قبل زمان التعلّق، و لو لم يكن هناك نموّ فى الملك. و أمّا بناء على القول الثالث، و هو الغاء الشرط المذكور، اكتفاء بما دلّ على اشتراط الملكيّة حين التعلّق في وجوب الزكاة، فاللازم إنّما هو الحكم بثبوتها فى الفرض الثالث أيضا، و عليه، فما افيد من أنّ الأولى إنّما هو الغاء الشرط المذكور، حيث لا يترتّب على اعتباره ثمرة أصلا، ممّا لا يخفى فساده، مضافا إلى أنّا لا نظنّ بهذا القائل الالتزام بثبوت الزكاة في جميع الفروض المتقدّمة، و اللّه العالم.

هذا كلّه فيما يرجع إلى تحقيق أصل الشرط المذكور. و أمّا الدليل عليه، فقد استدلّ له المحقّق الهمداني قدّس سرّه «1»- بعد الإجماع- بانصراف أدلّة الزكاة إلى مثل الفرض الأوّل، و أنّه لا عموم أو إطلاق لها بحيث يشمل الفرض الثاني أيضا، و أمّا الأخير فلا زكاة فيه قطعا، كما لا يخفى. بل ذهب قدّس سرّه إلى أنّه لو لا الإجماع فى المسألة لا شكل الحكم بثبوت الزكاة فيما لو كان النموّ فى الملك قليلا، كما إذا اشترى الثمر قبل زمان التعلّق بقليل، بناء على أنّ زمان التعلّق هو من حين بدوّ الصلاح، بحيث كان معظم النموّ في ملك المنتقل عنه، و ذلك لانصراف

الأدلّة عن مثل

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 63، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 72

[مسألة 1: في وقت تعلّق الزكاة بالغلّات خلاف]

[مسألة 1]: في وقت تعلّق الزكاة بالغلّات خلاف (204)،

______________________________

الفرض المذكور، كما لا يخفى.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 2، ص: 72

و يتوجّه عليه، أنّا لا نعقل وجها صحيحا لدعوى الانصراف فى الأدلّة، فضلا عن ظهورها في ذلك، و لم نعثر فيما أمكننا الوقوف عليه من الأقوال على ما يوضح لنا هذه الدعوى.

و الحاصل، أنّ الحكم فى المسألة و إن كان أمرا مشهورا فيما بينهم، بل ادّعى عليه الاتّفاق أيضا، إلّا أنّ التدليل عليه في غاية الإشكال، و اللّه العالم.

(204) الوجوه- أو الأقوال- فى المسألة أربع:

الأوّل: اعتبار بدوّ الصلاح في تعلّق الزكاة بالغلّات، و ذلك يكون باشتداد الحبّ فى الحنطة و الشعير، و بالاحمرار أو الاصفرار فى النخل، و صيرورة الثمر حصرما فى الزّبيب. و هذا هو المذهب المشهور «1»، بل فى «التنقيح «2»» ما يظهر منه دعوى التسالم بين الأصحاب عليه، و في محكي «المقتصر «3»»: «أنّ عليه الأصحاب».

______________________________

(1)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 43.

و قد حكي ذلك عن «المختلف» و «إيضاح النافع» و «جامع المقاصد» و «تعليق النافع» و «فوائد الشرائع» و «المصابيح» و غيرها.

(2)- السيوري، مقداد بن عبد اللّه: التنقيح الرائع، ج 1: ص 311، ط مكتبة آية اللّه المرعشي، قم- إيران.

(3)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/

كتاب الزكاة: ص 43.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 73

..........

______________________________

الثاني: اعتبار صدق أسماء المذكورات، من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب في تعلّق الزكاة بها، و هو مذهب المحقّق قدّس سرّه «1»، و عن العلّامة قدّس سرّه في جملة من كتبه «2» حكايته عن بعض الأصحاب. و فى «المنتهى «3»» نسبه إلى خيرة والده رحمه اللّه.

الثالث: التفصيل بين الحنطة و الشعير، و بين التمر و الزبيب، باعتبار الزكاة فى الأوّلين من حين اشتداد الحبّ، و باعتبارها فى الأخيرين من حين صدق اسم التمر و الزبيب، و هذا الوجه لم يستبعده المحقّق الهمداني قدّس سرّه «4».

الرابع: التفصيل بين الحنطة و الشعير، و بين التمر و الزبيب بالالتزام بتعلّق الزكاة فى الأوّلين باشتداد الحبّ، و فى الثالث من حين صدق الاسم، و بتعلّقها فى الأخير من حين صيرورته عنبا لا زبيبا، كما فى الثالث، و فى «البيان «5»»: نسبة هذا إلى ابن الجنيد و المحقّق، و فى «المدارك «6»»: الميل إليه أيضا.

و قد استدلّ للمذهب الأوّل- و هو المنسوب إلى المشهور- بعدّة وجوه:

الأوّل: صدق اسم الحنطة و الشعير، بمجرّد اشتداد الحبّ، فتثبت الزكاة فيهما حينئذ بمقتضى اطلاق ما دلّ على ثبوتها فى الحنطة و الشعير، و بالإجماع المركّب

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 534، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم- إيران؛ شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد على: ج 1، ص 153.

(2)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 147، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم؛ مختلف الشيعة، ج 3: ص 186، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى

المطلب، ج 1: ص 499، ط الحجريّة- إيران.

(4)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 60، ط إيران الحجريّة.

(5)- الشهيد، محمّد بن مكّي: البيان/ تحقيق الشيخ محمد الحسّون، ص 297، قم- إيران.

(6)- الموسوي العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 138، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 74

..........

______________________________

يثبت ذلك فى البسر، و الرطب، و الحصرم، و العنب أيضا.

و يتوجّه عليه أوّلا: إنّ صدق الحنطة و الشعير بمجرّد الاشتداد أمر ممنوع منه، و لا اقل من الشك فيه. و ثانيا: إنّه على فرض التسليم به، فالظاهر هو انصراف الأسماء المذكورة فى المحاورات المتعارفة عن هذا المعنى، فلا يفهم من الأمر باعطاء منّ من الحنطة وجوب اعطاء الحبّ أوّل اشتداده، كما لا يخفى. و ثالثا: إنّه على فرض التسليم به فى الحنطة و الشعير، فلا مجال للقول بذلك فى التمر و الزبيب بالإجماع المركّب، إذ لم يعلم تحقّق الإجماع المذكور، بل قد يستظهر من كلام المحقّق فى «الشرائع «1»»- حيث جعل محلّ الخلاف التمر و الزبيب دون الحنطة و الشعير- عدم تحقّق الإجماع على ذلك، كما لا يخفى.

الثاني: عمومات وجوب الزكاة، خرج منها ما خرج و بقي الباقى. و قد يقال في تقريبه- كما في «مصباح الفقيه «2»»-: إنّ مقتضى العمومات إنّما هو ثبوت الزكاة في ما سقته السماء، مطلقا، من جميع الأجناس، غايته أنّ ما دلّ على انحصار الأجناس الزكويّة في تسع يكون مخصصا لتلك العمومات لا محالة، و بما أنّ المخصّص مجمل مفهوما، و أمره دائر بين الأقلّ و الأكثر، حيث يشكّ في دخول مثل البسر و الرطب و

الحصرم و العنب في مفهوم المخصّص، أو تحت العام، فلا محالة يتمسّك فيما شكّ فيه بالعموم، و إنّما يخرج عنه بالمقدار المتيقّن بخروجه عن تحت العام.

______________________________

(1)- قال قدّس سرّه: «و الحدّ الّذي تتعلّق به الزكاة من الأجناس: أن يسمّى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا. و قيل: بل إذا احمرّ ثمر النخل، أو اصفرّ، أو انعقد الحصرم ...» (المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 153.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 61، ط الحجرية- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 75

..........

______________________________

و يتوجّه عليه: أنّ الاستدلال المذكور- بعد فرض وجود العمومات على النهج المذكور- تام جدّا، إلّا أنّ الكلام في أصل ثبوت العمومات، فإنّ المراد بها إن كان هو عموم قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً ... «1» فلا ينبغى الإشكال في عدم العموم لها، لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، و إنّما هي بصدد بيان تشريع أصل الزكاة، كما لا يخفى. و إن كان المراد بها ما هو بمضمون قوله عليه السّلام: «ما سقته السماء ففيه العشر، و ما سقي بالدوالي ففيه نصف العشر «2»»، فلا يخفى أنّه لم يقصد فيه من الموصول الإطلاق من هذه الجهة، و إنّما هي مسوقة لبيان المقدار من الزكاة فى الأجناس المفروض ثبوت الزكاة فيها.

و على الإجمال: ليس المسوق له هذه الروايات هو بيان ما تجب الزكاة فيه، بل بيان مقدار الزكاة فيما ثبت- بدليله- كونه من الأجناس الزكويّة، و حينئذ فلا مجال للأخذ بالإطلاق من هذه الجهة، كما لا يخفى.

الثالث: صحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه

عليه السّلام، قال: «ليس فى النخل صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتّى يكون خمسة أوساق زبيبا «3»».

و تقريب الاستدلال به: أنّ المفروض فى الرواية إنّما هو عنوان العنب، و ظاهره كون العنوان المذكور بنفسه موضوعا لثبوت الصدقة- و هي الزكاة- فإذا ثبت ذلك فى العنب ثبت في غيره،- من الحصرم، و البسر، و الرطب أيضا- بالإجماع المركّب، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- التوبة، 9: 103.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الغلّات.

(3)- المصدر/ باب 1: زكاة الغلات، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 76

..........

______________________________

و يتوجّه عليه: أنّ الرواية محتملة لمعنيين، لا مرجّح لأحدهما على الآخر، و نتيجة ذلك هي إجمالها، كما لا يخفى. أحدهما: أن يكون موضوع الحكم هو العنب، لكن فيما إذا بلغ خمسة أوساق على تقدير الزبيبيّة، بمعنى أنّ العنب الّذي يتحصّل منه خمسة أوساق من الزبيب هو الموضوع لوجوب الزكاة، و بهذا يثبت المذهب المشهور بالبيان المذكور فى الاستدلال. و الآخر: أن يكون الموضوع لوجوب الزكاة هو الزبيب، بحيث يكون الوجوب منوطا بما إذا كان خمسة أوساق من الزبيب بالفعل، فيكون موضوع الوجوب هو الزبيب، و حينئذ فلا يتمّ المذهب المشهور، و حيث أن كلّا من المعنيين مشتمل على مخالفة الظاهر من جهة، فإنّ المعنى الأوّل مخالف لظاهر جملة: «يكون خمسة أوساق زبيبا» الظاهر في فعليّة ذلك حين الوجوب، و حمله على إرادة الشأنيّة و بالقوّة، بمعنى أنّ العنب الّذي له شأنيّة تحصّل خمسة أوساق من الزبيب منه هو الموضوع لوجوب الزكاة مخالف لظاهر كلمة «يكون»، كما لا يخفى. كما أنّ المعنى الثاني، و إن كان مناسبا لظاهر الكلمة في الفعليّة،

إلّا أنّه لا يناسب أخذ العنب فى الرواية، الظاهر في موضوعيّته للحكم المذكور، فإنّ الزبيب إذا كان موضوعا للحكم لم يكن لذكر العنب مجال أصلا، و حينئذ فالجمع بين الأمرين- أي: بين كلمة «يكون»، و بين أخذ العنب موضوعا- لا يكون إلّا بحمل يكون على معنى «يصير»، و هو خلاف الظاهر أيضا، و المفروض أنّه لا مرجح لأحدهما على الآخر، فلا محالة يتساقط الاحتمالان بالتعارض، و معه لا يمكن الاستدلال بالرواية على أحد المذهبين، كما لا يخفى.

و ربما يقال «1»- في وجه دلالتها على المذهب المشهور-: بأنّ إسناد الصدقة

______________________________

(1)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 46.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 77

..........

______________________________

إلى النخل- في صدر الرواية- المراد به الثمرة مجازا، ممّا يدلّ على أنّ الزكاة ثابتة في ثمر النخل مطلقا، لا خصوص التمر، و هذا ممّا يكون مؤيدا لحمل الجملة- الّتي هي محلّ الكلام- على ما يوافق المذهب المشهور.

و الجواب عن ذلك: أنّه لو لم يكن هناك وجه اعتباري لإسناد الصدقة إلى النخل فى الصدر لكان لما ذكر مجال، غير أنّه يمكن القول بأن يكون الوجه في ذلك هو الإشارة إلى اعتبار كون النماء فى الملك في ثبوت الزكاة، كما مرّ الكلام فيه، و مع هذا الاحتمال لا يبقى مجال للجزم بأنّ الوجه فى الإسناد إنّما هو مجرّد الأخصريّة فى العبارة، من جهة أن أخصر تعبير عن ثبوت الزكاة في مطلق ثمر النخل إنّما هو باسناد الصدقة إلى نفس النخل، فإنّ هذا الاحتمال إنّما يبنى عليه إذا لم يكن هناك احتمال آخر في الرواية، و قد عرفت احتمالها لمعنى آخر.

كما أنّه على فرض التسليم بدلالة

الرواية على ثبوت الزكاة فى العنب إذا بلغ النصاب في حال صيرورته زبيبا، لا يمكن التعدّي من ذلك إلى غيره، من الحصرم، و البسر، و الرطب، بالإجماع المركّب، و ذلك لما أشرنا إليه آنفا: من أنّ التفكيك بين العنب و بين غيره ثابت، كما يظهر ذلك من كلام المحقّق قدّس سرّه، فكيف يمكن القول بثبوت الإجماع في هذا المقام.

الرابع: خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يكون فى الحبّ، و لا فى النخل، و لا فى العنب زكاة حتّى تبلغ و سقين، و الوسق ستّون صاعا «1»».

و يتوجّه عليه- مضافا إلى ضعف الرواية سندا و دلالة، من جهة اشتمالها على ما لا نقول به من كون الوسقين نصابا- أنّ ثبوت ذلك فى العنب لا يقتضي الثبوت فى الباقي، لعدم إمكان الاسراء إلى الباقي، بعد ما عرفت من الإشكال في

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 3: زكاة الغلات، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 78

..........

______________________________

تحقّق الإجماع المركّب فى المقام.

الخامس: صحيح سعد بن سعد الأشعري، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة، من البرّ، و الشعير، و التمر، و الزبيب؟ فقال: «خمسة أوساق بوسق النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقلت: كم الوسق؟ قال: ستّون صاعا، قلت: و هل على العنب زكاة، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال: نعم، إذا أخرصه أخرج زكاته «1»».

و لا بدّ من جعل قوله عليه السّلام: «نعم، ...» جوابا لقول السائل: «و هل على العنب زكاة ...» و إلّا فلو كان جوابا عن الجملة الثانية، و هى: «أو إنّما تجب ...»

لما

صحّ التصديق، بالوجوب عند الخرص، أو بعبارة أصحّ: لم يصحّ تعليق التصديق بالسؤال على صورة الخرص، مع أنّ زمان الخرص متقدّم قطعا على زمان الزبيبيّة. نعم، لا يمكن حمل الخرص على الخرص المتعارف في وقت بدوّ الصلاح كما هو المشهور، و إلّا كان مقتضى الجواب هو ثبوت الزكاة من حين بدوّ الصلاح، و هو مناف للتصديق بثبوتها فى العنب، فلا بدّ من حمله على مجرّد التخمين، دون الخرص المتعارف خارجا، و حينئذ فتدلّ الرواية على أنّ العنب إذا خمّن و كان بمقدار النصاب وجب فيه الزكاة، إلّا أنّ الالتزام به في خصوص العنب لا يستوجب الالتزام به في غيره، لعدم تماميّة الإجماع المركّب فى المقام، كما تقدّم.

السادس: صحيحه الاخر، عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة فى السنة فى ثلاثة أوقات، أ يؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد؟ فقال: «متى حلّت أخرجها. و عن الزكاة فى الحنطة، و الشعير، و التمر، و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 79

..........

______________________________

الزبيب، متى تجب على صاحبها؟ قال: إذا صرم و إذا خرص «1»».

و الجمع بين الصرام و الخرص ابتداء أمر مشكل، لتقدّم الخرص على زمان الصرام بكثير، فجعل كليهما شرطا للوجوب غير صحيح، إلّا أن يقال: إنّ الشرط للوجوب إنّما هو الجامع بين الأمرين، فإنّ كلا من الصرام و الخرص ممّا يشتركان في تبيين كميّة الثمرة، فكما أنّ الكميّة تكون معلومة عند الخرص، كذلك تكون معلومة بالصرام بسبب الكيل، فيكون شرط الوجوب إنّما هو معلوميّة كميّة الثمرة، و أنّها تبلغ حدّ النصاب، و حينئذ فتدلّ

الرواية على المذهب المشهور.

و المناقشة في ذلك «2»: باحتمال كونه «الحرص»، بالحاء المهملة، من «حرص المرعى»، إذا لم يترك فيه شيئا، فيتّحد مع الصرام فى المعنى، فاسدة جدّا، فإنّ الوارد فى الكتب المعتبرة- كما نبّه عليه المحقّق الهمداني قدّس سرّه «3» و غيره- إنّما هو الخرص- بالخاء المعجمة- فلا ينبغى الاعتناء بالاحتمال المتقدّم، كما لا يخفى.

و لكن يمكن المناقشة فيه: بأنّ المعنى المتقدّم غير متعيّن، لاحتمال أن يكون زمان الوجوب هو وقت الصرام، و يكون ذكر «الخرص» لبيان شرط اخر، و هو بلوغ النصاب، فكأنّه عليه السّلام هكذا قال: «إذا صرم تجب الزكاة، و لكن فيما إذا علم البلوغ بحدّ النصاب، من جهة الخرص»، و حينئذ فيكون المراد بالخرص هو مجرّد التخمين فى المقدار، دون المعنى المتعارف الّذي وقته حين بدوّ الصلاح، كما تقدّم.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 52: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 218، ط النجف الأشرف.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 61، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 80

فالمشهور على أنّه في الحنطة و الشعير عند انعقاد حبّهما، و في ثمر النخل حين اصفراره و احمراره، و في ثمرة الكرم عند انعقادها حصرما، و ذهب جماعة إلى أن المدار صدق أسماء المذكورات، من الحنطة و الشعير و التمر، و صدق اسم العنب في الزبيب، و هذا القول لا يخلو عن قوّة، و إن كان القول الأوّل أحوط (205)،

______________________________

السابع: إنّ الثابت من التدبّر فى الأخبار و الآثار، و كلمات الأصحاب- رضوان اللّه تعالى عليهم- هو أنّ رسول اللّه صلّى اللّه

عليه و آله كان يبعث من يخرص على أصحاب النخل ثمارها، ليتميّز بذلك مقدار الصدقة المفروضة فيها، و لو لا أنّ حق الفقير كان متعلقا بها من حين بدوّ الصلاح- الّذي هو وقت الخرص- لم يكن يترتّب على الخرص، قبل صيرورتها تمرا، فائدة يعتدّ بها، بل كان تعدّيا و تضييقا على المالك، لا عن استحقاق.

و ما يمكن أن يقال في توجيه ذلك: من أنّ فائدته الحفظ من الخيانة عند تعلّق الحقّ به، أي بعد صيرورته تمرا و زبيبا، فهو ممّا لا ينبغى الاصغاء إليه، فإنّه قبل تعلّق الحقّ بالمال للمالك أن يتصرّف فيه كيف شاء، و لو بصرف جميعه- كما لا يخفى- فلا فائدة في ضبط المقدار عليه من هذا الحين أصلا.

و الحاصل، أنّ التسالم بين الفريقين على جواز الخرص فى الجملة، هو العمدة فيما يستدلّ به فى المقام للمذهب المشهور، فالأقوى هو المذهب المشهور، خلافا للمصنّف قدّس سرّه. و بملاحظة ما ذكرناه- استدلالا و جوابا- يظهر المستند لباقى الوجوه أو الأقوال المتقدّمة في صدر المسألة، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 81

بل الأحوط مراعاة الاحتياط مطلقا، إذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط.

[مسألة 2: وقت تعلّق الزكاة و إن كان ما ذكر، على الخلاف السالف]

[مسألة 2]: وقت تعلّق الزكاة و إن كان ما ذكر، على الخلاف السالف، إلّا أنّ المناط في اعتبار النصاب هو اليابس من المذكورات (206)، فلو كان الرطب منها بقدر النصاب، لكن ينقص عنه بعد الجفاف و اليبس، فلا زكاة.

______________________________

(205) لا خفاء في أنّ المذهب المشهور أوفق بالاحتياط، و أمّا المذهب الاخر، فقد يكون هو الأوفق بالاحتياط، كما إذا لم يكن المالك حال بدوّ الصلاح بالغا، فبلغ حال صدق الاسم، فإنّ مقتضى الاحتياط فيه هو الزكاة، كما هو

مقتضى المذهب غير المشهور فلاحظ.

(206) قال العلّامة قدّس سرّه فى «المنتهى «1»»: «إنّما يعتبر الأوساق عند الجفاف، فلو بلغ الرطب النصاب، أو العنب لم يعتبر ذلك، و اعتبر النصاب عند جفافه، تمرا أو زبيبا، و هو اجماع». و قال فى «التذكرة «2»»: «و النصاب المعتبر- و هو خمسة أوسق- إنّما يعتبر وقت جفاف التمر و يبس العنب و الغلة، فلو كان الرطب خمسة

______________________________

(1)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 497، ط الحجريّة- إيران.

(2)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 148، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 82

[مسألة 3: في مثل البربن و شبهه من الدقل المدار فيه على تقديره يابسا]

[مسألة 3]: في مثل البربن و شبهه من الدقل- الّذي يؤكل رطبا، و إذا لم يؤكل إلى أن يجف يقلّ تمره، أو لا يصدق على اليابس منه التمر أيضا- المدار فيه على تقديره يابسا (207)، و تتعلّق به الزكاة إذا كان بقدر يبلغ النصاب بعد جفافه.

______________________________

أوسق- أو العنب أو الغلّة- و لو جفت تمرا، أو زبيبا، أو حنطة، أو شعيرا نقص، فلا زكاة إجماعا، و إن كان وقت تعلّق الوجوب نصابا ...». و كيف كان فالحكم المذكور- بناء على القول بأنّ وقت التعلّق إنّما هو زمان صدق اسماء المذكورات- واضح جدّا، و امّا بناء على المذهب المشهور، و هو كون زمان التعلّق وقت بدوّ الصلاح- كما هو المختار- فغير خال عن الإشكال، بداهة الفرق بين الوقتين، فإذا كان زمان الوجوب هو وقت بدوّ الصلاح، كان اللازم هو اعتبار النّصاب في ذلك الوقت، لا وقت اليبس، الّذي يوجب النقص لا محالة، و لا دليل- حينئذ- على اعتبار النصاب زمان

اليبس، سوى ما عرفت من دعوى الإجماع فى المسألة. نعم، يمكن الاستدلال له بصحيح سليمان بن خالد المتقدّم «1»، حيث إنّه دلّ على أنّ الاعتبار في بلوغ النصاب- فى العنب- بحال الزبيبيّة، إلّا أنّ التعدّي عن ذلك إلى غيره يكون بمعونة الإجماع، و هو لا يخلو عن الإشكال، كما لا يخفى وجهه.

(207) بناء على المذهب المشهور، و هو تعلّق الزكاة بالغلّة و التمر و الزبيب من حين

______________________________

(1)- صفحة 75.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 83

..........

______________________________

بدوّ الصلاح، و بناء على التسليم بأنّ المناط في اعتبار النصاب- حتّى على هذا المذهب- هو اليابس من المذكورات، فلا اشكال فيما افاده قدّس سرّه فى الفرضين الأوّلين، و هو اعتبار النصاب في حال التمريّة في ما يؤكل رطبا، و فيما يقلّ لو بقى و لم يؤكل. و امّا الفرض الثالث، و هو ما لا يصدق على اليابس منه عنوان التمر، فلا يخلو الحكم المذكور عن إشكال، فان المستفاد من صحيح سليمان بن خالد المتقدّم «1»، الدالّ على أنّ الاعتبار فى النصاب بحال الجفاف، إنّما هو كون موضوع الزكاة حصّة خاصة، و هي الّتي يصدق عليها عنوان «التمر» في فرض الجفاف، فإذا لم يكن الأمر كذلك، كان الالتزام بثبوت الزكاة فيه في غاية الإشكال. و عن «المدارك «2»»: «و لو لم يصدق على اليابس من ذلك النوع اسم «التمر» أو «الزبيب»، اتّجه سقوط الزكاة فيه مطلقا ...». و عن بعض الأعلام- دام ظلّه- «3»: إنّ ذلك لا يقتضي المنع من الأخذ بإطلاق دليل وجوب الزكاة في غير العنب- كالتمر- مثلا، و ذلك لأنّ سراية الحكم المذكور، المستفاد من الرواية، من العنب إلى غيره إنّما هو بالإجماع،

فإذا كان لدليل الزكاة اطلاق بالإضافة إلى «الرطب» مثلا، و إن لم يكن- على تقدير الجفاف- ممّا يصدق عليه التمر، كان المتيقّن- حينئذ- هو الأخذ بالإطلاق المذكور. على أنّ ذلك لا يمنع من الالتزام به حتّى فى «العنب» الّذي هو مورد الرواية، إذ صحيح سليمان لا يصلح لتقييد أدلّة الوجوب بما يكون زبيبا، غاية الأمر، أنّ التقدير فيه بحال الزبيب لا يشمل ما لا يكون زبيبا، فيبقى ذلك تحت إطلاقات أدلّة الوجوب.

______________________________

(1)- صفحة 75.

(2)- العاملي، السيّد محمد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 136، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 143، ط الثالثة، النجف الأشرف- العراق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 84

[مسألة 4: إذا أراد المالك التصرّف في المذكورات بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤمن]

[مسألة 4]: إذا أراد المالك التصرّف في المذكورات- بسرا، أو رطبا، أو حصرما، أو عنبا- بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤمن، وجب عليه ضمان حصّة الفقير (208)، كما أنّه لو أراد

______________________________

و يمكن توجيه كلام «المدارك» بأنّ المطلقات مقيّدة بعنوان «الزّبيب» و «التمر»، فمع عدم صدق العنوانين المذكورين لا موجب للقول بثبوت الزكاة.

(208) سيأتي الكلام فى المؤن إن شاء اللّه تعالى، و أنّها هل تكون مستثناة أو لا؟ و بناء على استثنائها، كما هو مختاره قدّس سرّه فيما سيجي ء قريبا، فلو أراد المالك التصرّف فى البسر، أو الحصرم و غيرهما من المذكورات فى المتن بالمقدار الزائد على ما تعارف عدّه من المؤن، فعلى المذهب المشهور، و هو تعلّق الزكاة بها حين بدوّ الصلاح، لا ينبغى الإشكال في كون التصرّف واقعا بعد تعلّق حقّ الفقير بالمال، فإذا بنينا في تلك المسألة على الملكيّة بنحو الإشاعة، كان المالك ضامنا لمقدار حصّة

الفقير فيما صرفه زائدا على ما يعدّ من المؤمن بحسب المتعارف. و أمّا بناء على القول بالملك بنحو الكلي فى المعين- كما هو المختار عنده، كما سيجي ء إن شاء اللّه- فلا وجه للقول بالضمان حينئذ، و ذلك لتعيّن حقّ الفقير حينئذ فى المقدار الباقى- إذا كان ممّا يفى بحقّه- كما هو مقتضى المبنى المذكور، كما لا يخفى.

و أمّا بناء على القول بتعلّق حقّ الفقير بالعين بنحو حقّ الجناية المتعلّق برقبة العبد، فإن كان الحقّ متعلّقا بالمجموع كان الحال فيه هو الحال فى الملك بنحو الكليّ فى المعين، حيث لا مجال فيه للضمان بعد بقاء ما يفي بحق الفقير من العين. و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 85

الاقتطاف كذلك بتمامها، وجب عليه أداء الزكاة حينئذ بعد فرض بلوغ يابسها النصاب (209).

______________________________

إن كان متعلّقا بالجميع كان الحال فيه هو الحال فى الملكيّة بنحو الإشاعة، و ذلك لما استفدناه من النصوص، الدالّة على الضمان في فرض التلف عن تفريط، أن التصرّف في متعلّق الحقّ فى المقام يوجب الضمان أيضا، و لا يشترط في ثبوت ضمان «اليد» فى المقام وقوع التصرف في ملك الغير، كما هو ظاهر. و أمّا بناء على سائر الأقوال فى كيفية تعلق الزكاة بالمال، من القول باشتغال الذمّة و نحوه، فعدم الضمان في مفروض المسألة في غاية الظهور.

ثمّ إنّ التعبير الوارد فى المتن: «وجب عليه ضمان حصّة الفقير ...» يوهم أنّ المقصود كون الواجب- حينئذ- هو إيقاع عقد الضمان، و ليس كذلك، بل المراد به هو ثبوت الضمان فى الفرض المذكور، فلا يخفى ما فى التعبير المذكور من القصور.

و أمّا قوله: «فيما يحسب من المؤن ...» فهو قيد لقوله: «المتعارف

...»، و المعنى أنّ المصرف إذا كان زائدا على ما تعاف عدّه من المؤن، كما أشرنا الى ذلك آنفا في تفسير العبارة، و على هذا فلا قصور فيها، كما قيل «1».

(209) بناء على كون وقت التعلّق هو من حين بدوّ الصّلاح؛ فلو اقتطف الثمر بتمامه لزمه اداء الزكاة حينئذ، إذا فرضنا أنّه في حال اليبس بحدّ النصاب، و ذلك لأنّ

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 143، ط الثالثة، النجف الأشرف- العراق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 86

[مسألة 5: لو كانت الثمرة مخروصة على المالك، فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة منه قبل اليبس]

[مسألة 5]: لو كانت الثمرة مخروصة على المالك، فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة منه قبل اليبس، لم يجب عليه القبول (210)، بخلاف ما لو بذل المالك الزكاة بسرا أو حصرما- مثلا- فإنّه يجب على الساعي القبول (211).

______________________________

القول بوجوب الإخراج عند اليبس- مع سبق زمان التعلّق- إنّما هو في فرض عدم الاقتطاف و بقاء الثمرة، و أمّا مع اقتطافها بتمامها فلا وجه لتأخير الإخراج، لا سيّما مع احتمال ضياع حقّ الفقير رأسا.

(210) بناء على جواز الخرص- كما مرّ، و سيجي ء ذلك أيضا إن شاء اللّه تعالى- فإذا كانت الثمرة مخروصة على المالك، و طلب الساعي من المالك الزكاة، لم يجب عليه القبول، لأنّ زمان وجوب الإخراج هو وقت الحصاد و الصّرم، كما سيأتي ذلك- إن شاء اللّه تعالى- فى المسألة التالية، الّتي تعرّض فيها قدّس سرّه لوقت وجوب الإخراج. و العين حال الخرص و إن كانت متعلّقة لحق الفقير مثلا، إلّا أنّه لم يحن- على الفرض- وقت وجوب اداءه، فلا موجب للقبول.

(211) لا إشكال في جواز تصدّي المالك لإخراج الزكاة بسرا او حصرما، بناء على المذهب المشهور في

وقت تعلّق الزكاة، و هذا الجواز إنّما هو ثابت بمقتضى القاعدة، و لا حاجة في إثباته إلى الدليل، و ذلك لأنّ الحقّ إذا كان متعلّقا بالمال

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 87

[مسألة 6: وقت الإخراج- الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه]

[مسألة 6]: وقت الإخراج- الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه و إذا أخّرها عنه ضمن- عند تصفية الغلة، و اجتذاذ التمر، و اقتطاف الزبيب (212)، فوقت وجوب الأداء غير وقت التعلّق.

______________________________

من ذلك الحين، كان للمالك التخلّص منه أيّ وقت شاء، كما أنّه إذا جاز للمالك الإخراج وجب على الساعي القبول، إذ ليس هناك ما يرخّصه فى الامتناع عنه و يجوّز له التأخير في ذلك.

نعم، قد يقال: إنّ في قبوله إضرارا بحقّ الفقير، نظرا إلى أنّ الزبيب أو التمر أنفع بحاله، فلا يجوز للساعي ذلك حينئذ، و لعلّ هذا هو منشأ الإشكال الّذي علّقه بعض المحشّين قدّس سرّه «1» على المتن؛ إلّا أنّه يتوجّه عليه أنّ تحقّق الإضرار بالنسبة إلى الفقير أنّما هو فرع ثبوت الحقّ له في بقاء البسر أو الحصرم إلى أن يصير تمرا أو رطبا، أو يصير عنبا أو زبيبا، و إذا كان ثبوت مثل هذا الحقّ له أوّل الكلام- كما هو كذلك- فإنّ غاية ما ثبت بالدليل إنّما هو تعلّق حقّه بالثمر من حين بدوّ الصلاح، و أمّا الزائد على ذلك فلم يثبت، و حينئذ فصدق الإضرار بحقّه، بقبول الساعي فى الفرض المذكور، يكون في محلّ المنع، كما لا يخفى.

(212) فسّر وقت وجوب الأداء- أو وجوب الإخراج- بتفاسير ثلاث:

______________________________

(1)- المحقّق النائيني قدّس سرّه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 88

..........

______________________________

الأوّل: الوقت الّذي يجب على المالك الأداء فيه، و لا يجوز له التأخير

عنه.

الثّاني: الوقت الّذي يجوز للساعي المطالبة فيه.

الثّالث: الوقت الّذي لو أخّر المالك الزكاة عنه مع التمكّن لضمن.

أمّا الأوّل، فالظاهر أنّه وقت التصفية فى الغلّة، و فى التمر و الزبيب بعد حصول اليبس و الجفاف، و يدلّ على ذلك ما تقدّم من قضيّة خرص الثمر على أصحابها، كما جرت عليه سيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله، على ما مرّت الإشارة إليه؛ فإنّ ذلك دليل واضح على جواز تأخير المالك الأداء إلى ما بعد اليبس و الجفاف، كما هو الثابت من سيرته صلّى اللّه عليه و آله في أخذ الصدقات، و لو لا جواز التأخير عن وقت ثبوت الزكاة- و هو من حين بدوّ الصلاح- كما استفدناه من قضيّة الخرص كما تقدّم، لم يكن للخرّاصين مجرّد الخرص فقط، من دون أخذهم مقدار الحقّ المفروض، كما لا يخفى. و يترتّب على هذا أنّ الوقت الّذي يجوز للساعي المطالبة فيه إنّما هو الوقت الّذي يجب فيه على المالك الأداء، إذ ليست وظيفة الساعي سوى التصدّي من قبل وليّ الأمر لأخذ حقّ الفقراء، فإذا كان الوقت الّذي يجب فيه على المالك اعطاء حقّ الفقراء هو زمان التصفية مثلا، فكيف يجوز للساعي حينئذ التصدّي للأخذ، بمطالبته المالك بحقّهم قبل ذلك! كما هو ظاهر.

و على الإجمال، فزمان جواز مطالبة الساعي يتبع زمان وجوب الأداء على المالك، فإذا استفدنا من قضيّة الخرص أنّ وجوب الأداء متأخّر عن زمان تعلّق الزكاة بالمال، فلا محالة يكون زمان جواز المطالبة متأخّرا- أيضا- عن زمان التعلّق.

و أمّا المعنى الثالث، و هو الوقت الّذي لو أخّر المالك عنه مع التمكّن يكون ضامنا، فهو عبارة عن الوقت الّذي تيسّر له دفع الزكاة إلى من يستحقّه- بعد

المرتقى إلى

الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 89

[مسألة 7: يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي]

[مسألة 7]: يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي (213)، مع التراضي بينهما قبل الجذاذ.

[مسألة 8]: يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر قبل الجذاذ، منه]

[مسألة 8]: يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر قبل الجذاذ، منه (214)،

______________________________

فرض تعلّق الوجوب بماله- فلم يدفعها إليه اختيارا، كما يستفاد ذلك من حسن محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث زكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو له ضامن حتّى يدفعها إليه، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه، فبعث بها إلى أهلها، فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده «1»».

(213) تقدّم أن الجابي إنّما يكون له حق المطالبة فى الغلة بعد التصفية، و فى التمر و الزبيب بعد اليبس و الجفاف، و حيث أنّ أمر إعطاء الزكاة بيد المالك كما دلّت عليه النصوص، فلا محالة يجوز له الأداء قبل الجذاذ، بلا حاجة إلى المقاسمة.

(214) تقدّم الكلام على ذلك فى المسألة الخامسة. و لعلّ تعرضه قدّس سرّه له ثانيا لأجل الفرع التالي.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 90

أو من قيمته (215).

______________________________

(215) أمّا إخراجها بقيمته من النقدين، فالظاهر كونه ممّا لا خلاف فيه «1»، بل ادّعى الإجماع عليه في كلام غير واحد «2»، بل قيل «3»: بنفي الخلاف فيه من غير الإسكافي. و يدلّ على ذلك صحيح البرقي، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام:

هل يجوز- جعلت فداك- أن يخرج [خ ل اخرج] عمّا يجب فى الحرث، من الحنطة، و الشعير، و ما يجب على الذهب، دراهم، قيمة ما يسوى، أم لا يجوز إلّا

أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه؟ فأجابه عليه السّلام: «أيّما تيسّر يخرج «4»».

و أمّا من غير النقدين، فينبغي التفصيل في ذلك بين الأجناس الّتي يمكن صرفها بأنفسها في إحدى الجهات المقرّرة لمصرف الزكاة فيها، كالجصّ و الآجر لبناء المساجد، و القناطر و نحوهما، فيجوز التبديل بها، و ذلك للقطع بعدم مدخليّة المعاملة في جواز التبديل بها، بحيث يجوز للمالك التبديل بها بالمعاوضة بينها و بين ما يخرجه زكاة، أو ببيع ما يخرجه زكاة و شراء الجصّ و الآجر بثمن ذلك، و لا يجوز تبديلها بها ابتداء، بحيث يخرج الزكاة من الجصّ او الآجر مثلا.

و أمّا الأجناس الّتي لا تصرف بأنفسها في تلك الجهات، فجواز التبديل بها، بإخراج الزكاة منها ابتداء محلّ إشكال. و قد تقدّم الكلام في ذلك سابقا، عند

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 126، ط النجف الأشرف.

(2)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 82. و لاحظ:

المرتقى، ج 1: ص 303.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 38، ط إيران الحجريّة.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 91

[مسألة 9: يجوز دفع القيمة حتى من غير النقدين من أيّ جنس كان]

[مسألة 9]: يجوز دفع القيمة حتى من غير النقدين (216) من أيّ جنس كان، بل يجوز أن تكون من المنافع، كسكنى الدار مثلا، و تسليمها بتسليم العين إلى الفقير.

[مسألة 10: لا تتكرّر زكاة الغلات بتكرّر السنين إذ بقيت أحوالا]

[مسألة 10]: لا تتكرّر زكاة الغلات (217) بتكرّر السنين إذ بقيت أحوالا، فإذا زكّى الحنطة ثم احتكرها سنين لم يجب عليه شي ء، و كذا التمر و غيره.

______________________________

تعرّضه قدّس سرّه لجواز التبديل بالقيمة في زكاة الأنعام، فراجع «1»، و لاحظ.

(216) هذا مبني على القول بجواز الإخراج بالقيمة السوقيّة مطلقا، سواء أ كان بدفع القيمة من النقدين أم من غيرهما، و قد عرفت الحال فيه آنفا، و فيما سبق أيضا، فلاحظ.

(217) و عليه دعوى الإجماع فتوى و نصّا، كما عن «الجواهر «2»». و يدلّ عليه مصحّح زرارة و عبيد بن زرارة جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه فيه شي ء، و إن حال عليه الحول عنده، إلّا أن يحوّل مالا، فإن فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكّيه، و إلّا فلا

______________________________

(1)- الجزء الأوّل: صص 306- 309.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 223، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 92

[مسألة 11: مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلات هو العشر]

[مسألة 11]: مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلات هو العشر (218)، فيما سقي بالماء الجاري، أو بماء السماء، أو بمصّ عروقه من الأرض، كالنخل و الشجر، بل الزرع- أيضا- في بعض الأمكنة، و نصف العشر فيما سقي بالدلو، و الرّشاء، و النواضح، و

______________________________

شي ء عليه، و إن ثبت ذلك ألف عام، إذا كان بعينه، فإنّما عليه صدقة العشر، فإذا أدّاها مرّة واحدة فلا شي ء عليه حتى يحوّل مالا، و يحول عليه الحول و هو عنده «1»».

(218) بلا خلاف فيه «2»، بل عليه «3»- عن غير واحد- دعوى الإجماع. و يدلّ عليه جملة من النصوص، الّتي

قيل بحقّها إنّها أخبار مستفيضة «4» إن لم تكن متواترة «5»، كصحيح زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «فى الزكاة، ما كان يعالج بالرّشاء، و الدلاء، و النضح «6»، ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى من غير

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: زكاة الغلات، ح 1.

(2)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 150، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

(3)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 95.

(4)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 122، ط النجف الأشرف.

(5)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 69، ط إيران الحجريّة.

(6)- الرشاء: الحبل، و قيل حبل الدّلو، و الجمع أرشية. و النضح: الماء ينضح به الزرع، أي يسقى بالناضح. و الناضح: البعير يستقى عليه (اقرب الموارد).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 93

..........

______________________________

علاج، بنهر، أو عين، او بعل «1»، او سماء، ففيه العشر كاملا «2»»، و صحيح الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «فى الصدقة، فيما سقت السماء و الأنهار، إذا كانت سيحا «3» أو كان بعلا العشر، و ما سقت السواقي و الدوالي، أو سقي بالغرب «4» فنصف العشر «5»»، و صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «ما أنبتت الأرض، من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، ما بلغ خمسة أوساق- و الوسق ستّون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع- ففيه العشر، و ما كان منه يسقى بالرّشاء و الدّوالي و النواضح «6» ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء، أو السيح، أو كان بعلا، فيه

العشر تاما ... «7»»، و غير ذلك «8».

ثمّ إنّ عبائر الأصحاب- قدس اللّه أسرارهم- في هذا المقام مختلفة، فربما يقال «9»: إنّ المناط في ذلك إنّما هو احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة- من دولاب و نحوه- و عدمه، فلا عبرة بغير ذلك من الأعمال، كحفر الأنهار و السواقي و إن كثرت مئونتها. و جعل بعضهم المعيار في ذلك احتياج إيصال الماء

______________________________

(1)- البعل: ما شرب بعروقه. (اقرب الموارد)

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الغلات، ح 5.

(3)- ساح الماء يسيح، سيحا و سيحانا: جرى على وجه الأرض، فهو ماء سائح و مسيح. (اقرب الموارد).

(4)- الغرب: الدلو العظيمة. (اقرب الموارد)

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الغلات، ح 2.

(6)- الناضح: البعير يستقى عليه، و الناضحة: الناقة يستقى عليها، و الجمع: نواضح.

(أقرب الموارد)

(7)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 5.

(8)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الغلّات.

(9)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 237، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 94

..........

______________________________

إلى الزّرع إلى العلاج و استغنائه عنه»، و فى «المنتهى «1»»- بعد جعل المعيار افتقار السقي إلى المئونة و عدمه- دعوى إجماع فقهاء الإسلام عليه». و كيف كان، فالظاهر: أنّ وصول الماء إلى الزرع إذا كان بمعونة دلو و نحو ذلك، فالواجب في مثل ذلك نصف العشر، و أمّا إذا لم يكن كذلك، بأن كان سقيه من السماء، أو بماء النهر و العين، و إن كان ذلك متوقّفا على حفر ساقية و رفع الموانع عن وصول الماء، أو

كان بعلا، بأن كان الزرع ممّا يمصّ بعروقه الماء من الأرض، فالواجب فيه هو العشر. و على الإجمال، المناط في هذا المقام، إنّما هو كون وصول الماء إلى الزرع بآلة، كالرشاء، و الدلو و نحوهما، و حينئذ ففيه نصف العشر، و إن لم يكن كذلك، و إن كان متوقّفا على بعض الأعمال، من حفر، و رفع للموانع المكانية و غيرها، كان فيه العشر.

ثمّ إن موارد الشك في اندراجه تحت أيّ النوعين ليست بقليلة، و المرجع في تلك الموارد إنّما هو أصالة البراءة عمّا زاد على نصف العشر.

ثمّ إنّ قوله قدّس سرّه: «و نصف العشر فيما سقي بالدلو، و الرّشاء، و النواضح ...» لا يدلّ على أنّ كلّ واحد من المذكورات قدّس سرّه، و هي الدلو، و الرشاء، و النواضح، ممّا يكون قسيما للآخر، بل المقصود بذلك بيان كون النضح- و هو رشّ الماء على الأرض- موقوفا على الآلة و الرشا- و هو الحبل- و النواضح، و هي جمع الناضحة، المراد بها الحيوان الّذي يستقى به، فقد يكون النضح موقوفا على جميع هذه الأمور، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 498، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 95

الدوالي، و نحوها من العلاجات، و لو سقي بالأمرين، فمع صدق الاشتراك في نصفه العشر، و في نصفه الاخر نصف العشر (219)،

______________________________

(219) لا خلاف «1» في (بل عن بعضهم «2» دعوى الإجماع عليه أيضا) أنّ الانفراد بالعشر أو بنصفه يتبع الأكثريّة، فإن كان سقيه سيحا، أو بعلا، أو عذيا أكثر، ففيه العشر، و إلّا ففيه نصف العشر، و إذا تساوى الأمران، يؤخذ من نصفه العشر، و

من نصفه الآخر نصف العشر، بلا خلاف «3»، و عن غير واحد الإجماع عليه «4»، و استدلوا له- مضافا إلى الإجماع- بحسنة معاوية بن شريح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «فيما سقت السماء و الأنهار، أو كان بعلا، فالعشر، فأمّا ما سقت السواقي و الدوالي فنصف العشر. فقلت له: فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي، ثم يزيد الماء و تسقى سيحا؟ فقال: إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلت: نعم، قال: النصف و النصف، نصف بنصف العشر و نصف بالعشر. فقلت: الأرض تسقى بالدوالي، ثمّ يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحا، قال: و كم تسقي السقية و السقيتين سيحا؟ قلت: في ثلاثين ليلة، أربعين ليلة، و قد مكث قبل ذلك فى الأرض ستّة

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 238، ط النجف الأشرف.

(2)- ابن زهرة، حمزة بن عليّ: غنية النزوع، ص 567 (ضمن «المجموعة الفقهيّة»)، ط إيران الحجريّة؛ العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 151، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 238، ط النجف الأشرف.

(4)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 539، ط مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 498، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 96

..........

______________________________

أشهر، سبعة أشهر، قال: نصف العشر «1»».

و حيث إنّهم اعتبروا الحكم بالعشر أو بنصفه تابعا للأكثريّة، و التزموا بالتنصيف على الوجه المتقدّم في فرض التساوي، فلذلك التجئوا إلى البحث عن الميزان و المقياس فى الأكثريّة، و ذكروا لذلك وجوها «2»:

الأوّل: أنّ المراد

بها مطلق الأكثريّة الحقيقيّة، الحاصلة بزيادة واحد، بناء على كون الاعتبار بالعدد، فإذا فرضنا أنّ السقي بأحدهما كان ثلاثين، و بالآخر واحد و ثلاثين، كان الحكم تابعا للثاني، لكونه أكثر.

الثاني «3»: الأكثرية العرفيّة، بأن يكون التفاوت بينهما مقدارا يعتدّ به بنظر العرف، بحيث لو سئل عن سقي الزرع بالدوالي أو سيحا لقيل: بهما، و لكن السيح- مثلا- أغلب.

الثالث «4»: الغلبة الّتي تكون ما يقابلها نادرا ملحقا بالعدم، و قد ذكروا لكلّ من ذلك وجها.

و الصحيح أن يقال: إنّ اللازم في هذا الباب إنّما هو أخذ الرواية المتقدّمة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: زكاة الغلات، ح 1.

(2)- العاملى، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 148، ط مؤسّسة آل البيت عليه السّلام، قم؛ ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 448، ط مؤسّسة النشر الإسلامى، قم؛ المقدّس الأردبيلي، المولى أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 118، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم؛ الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 110، ط مؤسّسة النشر الإسلامى، قم.

و قال قدّس سرّه: إنّه المتبادر من كلّ من عبّر عنه بالأغلبيّة. و قال بعضهم: إنّه ظاهرا الأكثر (مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 96).

(3)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 152، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 239، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 97

و مع غلبة الصدق لأحد الأمرين فالحكم تابع لما غلب (220)، و لو شكّ في صدق الاشتراك أو غلبة صدق أحدهما فيكفي

______________________________

بنظر الاعتبار، و بملاحظتها نرى إنّه

لم يعتبر فيها التساوي و الأكثريّة أصلا، بل المستفاد منها: أنّه إذا صدق على الزرع أنّه ممّا سقي بالأمرين، سواء أ كان ذلك بنحو التساوي أم كان بأحدهما أكثر عرفا، و لكن كان السقي بكل منهما صادقا عليه، فالحكم فيه هو إخراج العشر من نصفه، و نصف العشر من النصف الآخر، و أمّا إذا لم يكن الأمر كذلك، بأن كان لا يصدق عليه إلّا السقي بأحد الأمرين، إمّا لأجل عدم السقي بالآخر، أو لكونه نادرا بمرتبة لا يوجب صدق السقي به على الزرع، فالحكم يتبع ما يصدق عليه منهما حينئذ. و هذا هو مختار صاحب «الجواهر» قدّس سرّه، بل أنّه قدّس سرّه وجّه كلمات الأصحاب- قدّس اللّه أسرارهم- بما لا ينافيه أيضا. و كيف كان، فالصحيح هو هذا، و ما أفاده المصنّف قدّس سرّه- أيضا- منزّل على ذلك، حيث إنّه اعتبر فى التنصيف على النحو المتقدّم صدق السقي بكليهما على نحو الاشتراك، من دون اعتبار خصوص التساوي. و أمّا مع غلبة أحدهما، بحيث لم يكن السقي بالآخر صادقا عليه، فالحكم تابع لما يصدق، كما هو ظاهر.

(220) كما تبيّن لك الوجه في ذلك.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 98

الأقلّ (221)، و الأحوط الأكثر.

[مسألة 12: لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي]

[مسألة 12]: لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي، و مع ذلك سقي بها، من غير أن يؤثر في زيادة الثمر، فالظاهر وجوب العشر (222)، و كذا لو كان سقيه بالدوالي و سقي بالنهر و نحوه، من غير أن يؤثر فيه، فالواجب نصف العشر.

[مسألة 13: الأمطار العادية في أيام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه]

[مسألة 13]: الأمطار العادية في أيام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه (223)، إلّا إذا كانت بحيث لا حاجة معها إلى

______________________________

(221) لأصالة البراءة عن الزائد، عند الدوران بين الأقل و الأكثر، و إن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي هو الأكثر.

(222) و الوجه فيه ظاهر، فإنّ المدار على التأثير، فإذا كان المؤثّر هو السّيح و نحوه ترتّب عليه حكمه. هذا، و لكن فرض المسألة مشكل جدّا، بداهة أنّ الماء إمّا أن يؤثّر أو يضرّ، و لا يوجد شقّ ثالث، و هو ما لا ينفع و لا يضرّ، ففرض الصغرى مشكل، و إن كان الحكم كبرويّا ممّا لا إشكال فيه.

(223) و السرّ فيه يظهر بملاحظة ما تقدّم، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 99

الدوالي أصلا، أو كانت بحيث توجب صدق الشركة، فحينئذ يتبعهما الحكم.

[مسألة 14: لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة مثلا- عبثا أو لغرض- فزرعه آخر]

[مسألة 14]: لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة مثلا- عبثا أو لغرض- فزرعه آخر، و كان الزرع يشرب بعروقه، فالأقوى العشر (224)، و كذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرض

______________________________

(224) و ذلك لما عرفت، من أنّ المناط في وجوب نصف العشر، إنّما هو كون وصول الماء إلى الزرع بآلة، و بتعبير آخر: كون رشّ الأرض بالماء- بالدلو و نحوه- لأجل الزرع، فإذا لم يكن بهذا القصد، فلا موجب- حينئذ لإخراج نصف العشر منه، كما هو ظاهر. و حاصل الكلام: أنّ المستفاد من النصوص إنّما هو وجوب نصف العشر عند كون السقي بالدوالي و ما شاكلها اختيار بالغرض الزرع، فإذا انتفى ذلك، لم يكن موجب لإخراج نصف العشر. و منه يظهر الوجه في حكمه قدّس سرّه بالعشر فى الفرع التالي.

هذا و يمكن القول: بأنّ هذا الكلام متّجه لو

لا أنّه جعل فى النصوص في مقابل السقي بالدوالي ...» السقي بماء السماء، أو السقي سيحا، ممّا ليس للزارع فيه خيار، حيث أنّه يعلم منه- بمقتضى المقابلة- أنّ المناط ليس هو كون السقي بالدوالي بغرض الزرع، بل على صدق السقي بالدوالي و إن لم يكن ذلك اختياريا، لعدم كون إخراج الماء بغرض سقي الزرع و نحوه، فتأمّل. و الأظهر في جميع الفروع الأربع التي أشار إليها المصنّف قدّس سرّه هو وجوب نصف العشر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 100

آخر غير الزرع، ثمّ بدا له أن يزرع زرعا يشرب بعروقه (225)، بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع الكذائي، و من ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه لزرع فزاد و جرى على أرض أخرى.

[مسألة 15: إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة]

[مسألة 15]: إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة، بل ما يأخذه باسم الخراج أيضا (226)،

______________________________

(225) حاصل الكلام، أنّ استخراج الماء بالدوالي إذا كان لغرض الزرع و لو كان ممّا يشرب بعروقه، ففي مثله يجب نصف العشر، و أمّا إذا لم يكن بهذا الغرض فلا.

نعم، إذا أخرجه لزرع، و لكن زاد بحيث جرى على أرض أخرى، فسقي به زرعا آخر، وجب حينئذ نصف العشر، كما هو ظاهر.

(226) المقاسمة- في عرف الفقهاء «1»- عبارة عمّا يضعه السلطان بحصّة من حاصلها، على الأراضى الخراجيّة، أي الأراضي الّتي تكون ملكا للسلطان، المعبّر عنها اليوم بالأراضي الأميريّة؛ و أما الخراج فهو ما يأخذه من الأراضي الخراجيّة بعنوان أجرة الأرض و نحو ذلك. و لا إشكال و لا خلاف «2» في

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 123، ط النجف الأشرف.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12:

ص 123، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمد حسن؛ جواهر الكلام، ج 15: ص 223، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 101

..........

______________________________

وجوب الزكاة بعد إخراج المقاسمة، بل ادّعي «1» عليه الإجماع. و يدلّ على ذلك مصحّح أبي بصير و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، أنّهما قالا له: هذه الأرض الّتي يزارع أهلها، ما ترى فيها؟ فقال: «كلّ أرض دفعها إليك السلطان، فما حرثته فيها، فعليك ممّا أخرج اللّه منها الّذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر، إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك، بعد مقاسمته لك «2»»، و خبر صفوان بن يحيى و أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج، و ما سار فيها أهل بيته، فقال: «من أسلم طوعا تركت أرضه في يده ...- إلى أن قال:- و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالّذي يرى، كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر، و على المتقبّلين- سوى قبالة الأرض- العشر، و نصف العشر، في حصصهم ... «3»».

و أمّا الخراج، و هو ما يأخذه السلطان بعنوان الأجرة، بحيث تكون المحاصيل كلّها راجعة إلى مالك الزرع، فاستثناؤه- أيضا- و إن كان بحكم المقاسمة في كلماتهم، فإنّ الفقهاء- قدّس اللّه أسرارهم- عبّروا عن ذلك بحصّة السلطان، و هي تشمل كلا القسمين، كما لا يخفى؛ إلّا أنّ الاستدلال له مشكل جدّا، و ظاهر الخبرين المتقدّمين اختصاص الاستثناء بالمقاسمة فقط، و ذلك لقوله عليه السّلام فى الخبر الأوّل: «إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك، بعد مقاسمته لك»، و وقوع السؤال فيه

بلفظ «يزارع» الظاهر في أنّ للسلطان حصّة من حاصل الأرض، و قوله عليه السّلام

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 540، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 155، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: زكاة الغلات، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 102

..........

______________________________

فى الخبر الثاني «في حصصهم» الظاهر في أنّ المخرج إنّما كان من حاصل الأرض، و لأجل ذلك كان العشر أو نصف العشر في حصّة مالك الزرع، دون الحصّة الّتي تدفع إلى السلطان بعنوان قبالة الأرض، و على هذا فاستثناء ما عدا المقاسمة محل إشكال جدّا. نعم، بناء على استثناء المؤن- كما سيأتي- يكون الخراج من المؤن، فيستثنى بعنوان المئونة، لا بعنوانه، أو بعنوان حصّة السلطان.

ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال في وجوب الزكاة بعد إخراج المقاسمة، أو مطلق الخراج- على الخلاف- فيما إذا كان الباقي بمقدار النصاب، و لا خلاف في ذلك ظاهرا، بل عن جملة من الأصحاب- قدّس اللّه أسرارهم- كالمحقّق فى «المعتبر «1»»، و العلّامة فى «التذكرة «2»» دعوى الإجماع عليه، بل فى «الحدائق «3»»- بعد دعوى إجماع الأصحاب عليه-: «و هو المشهور بين الجمهور- أيضا-»، و يدلّ عليه الخبران المتقدّمان.

و بإزاء ذلك جملة من الروايات تدلّ على عدم وجوب الزكاة مطلقا بعد إخراج الخراج، كصحيح رفاعة بسند الشيخ قدّس سرّه. قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل له الضيعة، فيؤدّي خراجها، هل عليه فيها عشر؟ قال: «لا «4»»، و روايته الأخرى بسند الكليني قدّس سرّه عنه عليه

السّلام أيضا، قال: سألته عن الرجل يرث الأرض- أو يشتريها- فيؤدّي خراجها إلى السلطان، هل عليه عشر؟ قال: «لا «5»»، و

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 540، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(2) العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 155، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 127، ط النجف الأشرف.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10 زكاة الغلات، ح 2.

(5)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 103

..........

______________________________

رواية سهل بن اليسع، إنّه حيث أنشأ «سهل آباد»، سأل أبا الحسن عليه السّلام عمّا يخرج منها، ما عليه؟ فقال: «إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي ء، و إن لم يأخذ السلطان منك شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها «1»».

و هذه الروايات- بظاهرها- تدلّ على عدم ثبوت الزكاة في حاصل الأراضي الّتي يأخذ خراجها السلطان، فتكون منافية للروايتين المتقدّمتين، بل منافية لما لعلّ المذهب قد استقرّ عليه، و يظهر من كلمات بعضهم أنّها موافقة لمذهب أبي حنيفة- على ما نسب إليه- فقط، دون بقيّة المذاهب من العامّة «2»، و كيف كان فبالإمكان توجيه الطائفتين بما يرتفع به المنافاة عن البين، بأحد وجهين:

الأوّل: أنّها إنّما تدلّ على عدم ثبوت الزكاة فيما أخذ السلطان الخراج منه، مطلقا، و الروايتان المتقدّمتان إنّما تدلّان على ثبوتها في الباقي بعد دفع الخراج و المقاسمة، فتكون نسبتهما إلى الروايات النافية للزكاة مطلقا نسبة الخاصّ إلى العام، فلا محالة يقيّد العام بالخاص، عملا بقانون الإطلاق و التقييد، فتكون النتيجة- إذن- هي وجوب الزكاة بعد الخراج أو المقاسمة. و

لكن للمناقشة في هذا الوجه مجال واسع، فإنّ الظاهر من بعض الروايات النافية أنّ ما يأخذ عليه السلطان الخراج ليس بداخل في موضوع وجوب الزكاة رأسا، فكأنّه من الأموال الّتي لا زكاة عليها، و حينئذ فتكون معارضة للروايتين المتقدّمتين، كما لا يخفى ذلك على المتأمّل.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: زكاة الغلات، ح 1.

(2)- ابن قدامة، عبد اللّه بن احمد: المغني، ج 2: ص 590، افست دار الكتاب العربي، بيروت؛ الجزيرى، عبد الرحمن: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1: ص 616، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 104

بل ما يأخذه العمّال زائدا على ما قرّره السلطان ظلما (227) إذا لم يتمكّن من الامتناع جهرا و سرّا، فلا يضمن حينئذ حصّة الفقراء

______________________________

الثاني: إنّه لا شاهد على أنّ مورد الروايات النافية هي الأراضى الخراجيّة، بل لعلّ في بعضها ما يشهد بخلاف ذلك، كصيغة السؤال الوارد في رواية رفاعة:

«سألته عن الرجل يرث الأرض، أو يشتريها ...»، فإن التعبير بالإرث أو بالاشتراء، مع كون الأرض خراجيّة، ممّا لا يجتمعان، و حمله على إرث حق الانتفاع، أو شراء ذلك، بعيد عن ظاهر اللفظ عرفا، كما لا يخفى. و على هذا، فيكون الّذي يأخذه السلطان- مع عدم كون الأرض خراجيّة- إنّما هو بعنوان الزكاة، و قد ورد في جملة من الروايات «1» ما يدلّ على جواز احتساب ما يأخذه الجائر زكاة. و على هذا، فعدم وجوب الزكاة في مورد الروايات النافية لا ينافي وجوبها فى الروايتين المتقدّمتين الواردتين فى الأراضى الخراجيّة، كما لا يخفى، و اللّه العالم.

(227) قال فى «المسالك «2»»: «فلا يستثنى الزائد، إلّا أن يأخذه قهرا، بحيث لا يتمكّن من

منعه سرّا أو جهرا، فلا يضمن حصّة الفقراء من الزائد ...». و الظاهر أنّ ذلك هو المعروف عنهم فيما إذا أخذ الزائد منه قهرا، مع عدم تمكّنه من

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 20: المستحقّين للزكاة.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: صص 393- 394، ط مؤسسة المعارف الإسلامية، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 105

من الزائد. و لا فرق في ذلك بين المأخوذ من نفس الغلة أو من غيرها إذا كان الظلم عاما؛ و أمّا إذا كان شخصيّا فالأحوط الضمان فيما أخذ من غيرها، بل الأحوط الضمان فيه مطلقا و إن كان الظلم عاما، و أمّا إذا أخذ من نفس الغلّة قهرا فلا ضمان، إذ الظلم حينئذ وارد على الفقراء أيضا.

[مسألة 16: الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعا، من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلق و اللاحقة]

[مسألة 16]: الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعا، من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلق و اللاحقة (228)،

______________________________

المنع، كما يظهر ذلك من كلام المحقّق الهمداني قدّس سرّه «1»، حيث نفى الإشكال فيه، إلّا أنّ استثناء ذلك مبني على القول باستثناء المؤن- و سيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه- فإنّ الزائد على هذا يكون من جملة مئونة الزرع عرفا، و أمّا على تقدير استشكال استثنائها لا يبقى مجال لعدم ضمان حصّة الفقير فى الفروض المذكورة. و نعني بالضمان وجوب إخراج الفريضة من المجموع، الشامل للزائد المأخوذ ظلما.

(228) استثناء المؤن يتصوّر بوجهين:

الأوّل: أن يخرج ما يقابل المئونة، و يعتبر النصاب فى المقدار الباقي، بحيث لا يجب إخراج الزكاة من المقدار الّذي يقابل المئونة أصلا.

الثاني: أن يعتبر في وجوب الزكاة بلوغ المجموع النصاب، بلا استثناء لما قابل

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه،

ج 3/ كتاب للزكاة: ص 64، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 106

..........

______________________________

المئونة، إلّا أنّه يقسّط المئونة- بالنسبة- على حقّ الفقراء، مثلا: إذا كان مجموع ماله ستّة أوسق، و كانت المئونة بمقدار وسق مثلا، فلا محالة تكون نسبة ما قابل المئونة إلى مجموع المال نسبة الواحد إلى الست، أي سدس المجموع، و حينئذ فإذا فرضنا أنّ الواجب فيه هو العشر، نقص من حق الفقير عشر السدس، فيعطى عشر ستّة أوسق، ناقصا منه عشر السدس، و يردّ ذلك مع تسعة أعشار السدس الباقية إلى المالك. و لا يخفى أنّ مقتضى الأصل العملي فى المسألة ممّا يختلف باختلاف الصورتين، ففي الصورة الأولى يكون مقتضى الأصل العملي فى المسألة- بعد اليأس عن الدليل- هو استثناء المئونة، لأنّ الأصل البراءة عن الزكاة فيما قابل المئونة، و فى الثانية ينعكس الأمر و يكون مقتضى الأصل هو عدم الاستثناء، فإنّ الأصل براءة الفقير عن وجوب أداء ما يقسّط عليه من المئونة. و بكلمة أخرى يكون مقتضى الأصل فى المثال المتقدّم إنّما هو اعطاء عشر ستّة أوسق إلى الفقير كاملا، بدون نقص عشر السدس منه أصلا. إذا عرفت ذلك، فنقول:

المشهور- كما ادّعاه غير واحد «1»- إنّما هو الاستثناء، و فى «مفتاح الكرامة «2»»- بعد نقل القول به عن كثير من كتب القدماء و المتأخّرين- قال:

«بل لو ادّعي مدّع الإجماع لكان في محلّه، كما هو ظاهر «الغنية «3»»، أو صريحها

______________________________

(1)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 191، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 142، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ الشهيد الثاني، زين الدين:

الروضة البهيّة، ج 1: ص 168، ط إيران الحجريّة.

(2)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 99.

(3) ابن زهرة، حمزة بن عليّ: غنية النزوع، ص 567، (ضمن «المجموعة الفقهيّة»)، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 107

..........

______________________________

...». و خالف فيه الشيخ قدّس سرّه، قال فى «الخلاف «1»»: كلّ مئونة تلحق الغلات إلى وقت إخراج الزكاة على رب المال، و به قال جميع الفقهاء، إلّا عطاء، فإنّه قال:

المئونة على ربّ المال و المساكين بالحصّة ...»، و قال في موضع من «المبسوط «2»»: «كلّ مئونة تلحق الغلات إلى وقت إخراج الزكاة على ربّ المال، دون المساكين ...»، و مثلهما المحكي عن أبي سعيد في «جامعه «3»». و لكن في «نهاية «4»» الشيخ، و موضع اخر من «المبسوط «5»»: القول بموافقة المذهب المشهور.

و كيف كان ففى المسألة قولان: استثناء المؤن كلّها، و هو المشهور، و قول بعدم استثنائها، و هو المحكي عمّن عرفته آنفا، و وافقهم في ذلك جماعة من المتأخّرين، كالشهيد الثاني في «فوائد القواعد «6»»، و سبطه فى «المدارك «7»»، و نجله في «شرح الاستبصار «8»»، و صاحب «الذخيرة «9»»، و قوّاه- أيضا-

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 67، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 217، ط المكتبة المرتضويّة، طهران.

(3)- ابن سعيد، يحيى: الجامع للشرائع، ص 134، ط مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(4)- الطوسي، محمّد بن الحسن: النهاية، ص 178، ط دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان.

(5)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط: ج 1: ص 214، ط المكتبة المرتضويّة، طهران.

(6)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5:

ص 142، ط مؤسسة آل البيت عليه السّلام، قم.

قال السيّد الأمين قدّس سرّه: له «حاشية على قواعد العلامة، حقّق فيها المهم من المباحث، و مشى فيها مشى الحاشية المشهورة بالبخاريّة للشهيد الأوّل، غالب المباحث فيها بينه و بينه، برز منها مجلّد إلى آخر كتاب التجارة» (الأمين، السيد محسن: أعيان الشيعة، ج 7:

ص 155، ط دار التعارف للمطبوعات، بيروت- لبنان).

(7)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 142، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(8)- مبلغ علمي أنّه لم يطبع هذا الكتاب بعد، و اللّه العالم.

(9)- السبزواري، محمّد باقر: ذخيرة المعاد، صص 242- 243، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 108

..........

______________________________

شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه «1» في صدر كلامه، و إن كان ربّما مال إلى المذهب المشهور في ذيله «2». و استدلّ للقول بعدم الاستثناء بوجوه:

الأوّل: الأخبار الواردة في بيان الفريضة فى الغلّات، من العشر أو نصف العشر، الظاهر شمولها لما قابل المئونة أيضا، و أظهرها: مصحّح محمّد بن مسلم و أبي بصير المتقدّم «3» الوارد في استثناء المقاسمة، حيث إنّه صريح في عدم استثناء ما عدا المقاسمة. و قريب منه فى الظهور صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «ما أنبتت الأرض، من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب ما بلغ خمسة أوسق- و الوسق ستّون صاعا- فذلك ثلاثمائة صاع، ففيه العشر، و ما كان يسقى منه بالرّشا و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء، أو السيح، أو كان بعلا، ففيه العشر تاما، و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي ء إلّا في هذه الأربعة أشياء «4»»، فإنّ مقتضى عدم استثناء الروايتين للمؤن، مع

كونهما في مقام البيان من هذه الجهة، كما يشهد بذلك استثناء المقاسمة فى الأولى، و اشتراط بلوغ النصاب فى الثانية، هو عدم ثبوت الاستثناء فى الشريعة، كما لا يخفى.

نعم، الاستدلال بسائر المطلقات المتضمّنة للعشر أو نصف العشر للمقام ممّا لا يخلو عن مناقشة ظاهرة، نظرا لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، بل الظاهر سوقها مقام بيان المقدار الواجب الّذي هو متعلّق حقّ الفقير، من دون بيان لمحلّ هذا الحقّ، و أنّه الغلّة بعد استثناء المؤن منها أو قبله، كما يشهد بذلك

______________________________

(1)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: كتاب الزكاة، ص 228، ط لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم- إيران.

(2)- كتاب الزكاة، ص 233.

(3)- صفحه 101.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 109

..........

______________________________

عدم التعرّض فيها لاستثناء المقاسمة، أو لاعتبار بلوغ النصاب، كما لا يخفى.

الثاني: خبر محمّد بن علي بن شجاع النيشابوري، أنّه سأل أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكّى، فأخذ منه العشر، عشرة أكرار، و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا، و بقي في يده ستّون كرّا، ما الّذي يجب لك من ذلك، و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟

فوقع عليه السّلام: «لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته «1»»، حيث أنّه صريح في أخذ العشر من جميع المال، من دون استثناء ما صرفه في عمارة الضيعة من ذلك، و قد أقرّه الإمام عليه السّلام- أيضا- على ذلك.

و يتوجّه عليه: أنّ الظاهر من متن الرواية كون السؤال فيها مسوقا للاستفهام عن إجزاء ما يأخذه عامل السلطان بعنوان الزكاة،

كما يشهد به قوله:

«و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟» و كذلك الاستفهام عن ثبوت الخمس فى المال المفروض، و الإمام عليه السّلام بالنسبة إلى الشقّ الأوّل من السؤال أجابه بالإجزاء، و من الظاهر أنّ سيرة عمّال السلاطين و إن كانت جارية على عدم استثناء المئونة في مقام أخذ الزكوات- كما هو مذهب المخالفين- إلّا أنّ جواب الإمام عليه السّلام لا يكون تقريرا لعملهم، و هو أخذ الزائد على الواجب، حتّى تدلّ الرواية على عدم الاستثناء. نعم، إذا كان المأخوذ أقلّ من الواجب كان تقريرا لعملهم لا محالة، كما هو ظاهر.

الثالث: أنّ السرّ في جعل الشارع العشر في ما سقي سيحا، أو بعلا، أو عذيا «2»، و نصفه فيما سقي بالدوالي و الرّشا و النواضح، هو اشتمال الثاني على

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: زكاة الغلات، ح 2.

(2)- العذي- بالكسر-: الزرع لا يسقيه إلّا المطر. (أقرب الموارد).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 110

..........

______________________________

مئونة زائدة دون الأوّل، فيكشف عن أنّ الشارع إنّما لاحظ المئونة في مقام التشريع، فلذلك أسقط نصف العشر فيما سقي بالدوالي ...، و حينئذ فلا يبقى مجال- بعد- للقول باستثناء المؤن بعد فرض مراعاة الشارع هذه الجهة في أصل التشريع.

و يتوجّه عليه: أنّ عقولنا لا تنهض بإدراك أسرار الشريعة، و ما تنطوى عليه أحكامها المقرّرة من حكم و مصالح، و مع هذا العجز و القصور كيف يمكننا الجزم بأن السّر في إسقاط الشارع نصف العشر فيما سقي بالدوالي و نحوه إنّما هو ملاحظة المئونة، بمعنى أنّه أسقط هذا المقدار في مقام تشريع الزكاة بإزاء المئونة الّتي يبذلها المالك في سبيل زرعه، لئلّا يبقى

بعد ذلك مجال لاستثناء المؤن، إذ من الممكن أن يكون السرّ فيه شيئا اخر غير هذا. و على الإجمال، الأحكام الشرعيّة لا تناط بمثل هذه الاستحسانات و الاعتبارات الظنيّة، بل الوهميّة، فلاحظ.

و استدلّ للمذهب المشهور- أيضا- بوجوه:

الأوّل: الأصل، بدعوى أنّه مع الشك في استثناء المؤن و عدمه يكون مقتضى أصالة البراءة عن الزكاة فيما قابل المئونة هو الاستثناء.

و يتوجّه عليه أوّلا: ما عرفت من اختلاف مقتضى الأصل العملي فى المقام بتبع الاختلاف في كيفيّة استثناء المئونة، فعلى أحد الوجهين يكون مقتضاه هو الاستثناء، و على الآخر منهما يكون هو عدم الاستثناء. و ثانيا: أنّ الاستدلال بالأصل العملي لاستثناء المئونة في مقابل الأدلّة المتقدّمة القائمة على عدم الاستثناء في غير محلّه، كما لا يخفى.

الثاني: قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِينَ-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 111

..........

______________________________

الآية «1»، بتقريب: أنّ عفو المال- كما يظهر من بعض أهل اللغة «2»- هو ما يفضل عن النفقة، و قيل «3» ما فضل عن قوت السنة، و كيف كان فلا يطلق العفو على ما يقابل المئونة، و حينئذ فتدلّ الآية الكريمة على استثناء المئونة في مقام أخذ الزكاة.

و يتوجّه عليه أوّلا: أنّ الآية- على تقدير التسليم بما تقدّم- تكون أجنبيّة عن المقام، فإنّها تقتضى استثناء مئونة المالك، مع أنّ الكلام في استثناء مئونة الزرع و دعوى «4»: أنّ مئونة الزرع من جملة مئونة مالك الزرع، أو أنّه يستفاد حكمها من ذلك بالأولويّة، فإنّ استثناء مئونة المالك يقتضي استثناء مئونة الزرع بالفحوى، ممنوعة، و ذلك: لأنّ الإجماع و الاتّفاق قائمان على عدم استثناء مئونة المالك في إخراج الزكاة، بل إنّه لم ينقل الخلاف

في ذلك من أحد، فالآية الكريمة، على فرض التسليم بظهورها في استثناء مئونة المالك، لا بدّ من صرفها إلى غير ذلك بمقتضى القرينة القطعيّة، كما لا يخفى.

و ثانيا: إنّها تدلّ على لزوم كون المأخوذ عفوا، لأكون المأخوذ منه عفوا، و حينئذ فلا تدلّ على استثناء المئونة، إذ لو كان ما يؤخذ منه- من العشر أو نصفه- زائدا على المئونة- كان ذلك مصداقا للعفو لا محالة و إن لم تحسب المئونة. و على الإجمال: لا تلازم بين اعتبار كون المخرج عفوا غير واقع بإزاء المئونة و النفقة، و

______________________________

(1)- الأعراف، 7: 199.

(2)- الجوهري، إسماعيل بن حمّاد: الصحاح، ج 6: ص 2432، ط دار العلم للملايين، بيروت؛ ابن منظور، محمّد بن مكرّم: لسان العرب، ج 15: ص 75، ط دار صادر، بيروت.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 66، ط إيران الحجريّة.

(4)- الطريحي، فخر الدين: مجمع البحرين، ج 1: ص 299/ تحقيق: السيد احمد الحسيني.

ناسبا ذلك إلى رواية عن الإمام الباقر عليه السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 112

..........

______________________________

بين استثناء المئونة، كما هو ظاهر.

الثالث: إنّ النصاب مشترك فيه بين المالك و الفقير، فلا يختصّ أحدهما بالخسارة، بل تكون مشتركة بينهما، كما في سائر الأموال المشتركة.

و يتوجّه عليه: أنّ الالتزام بالشركة الحقيقية مشكل جدّا، كما أشرنا إليه فيما تقدّم، و سيجي ء ذلك- أيضا- إن شاء اللّه تعالى، مضافا إلى أنّه لا يقتضي إلّا استثناء المؤن المتاخّرة عن زمان تعلّق حقّ الفقراء، لا جميع المؤن، فيكون الدليل أخصّ من الدعوى، و لا مجال لتتميمه بالإجماع المركّب، لوجود القول بالتفصيل.

الرابع: إنّ الزكاة فى الغلات إنّما تجب فى النماء، و هو غير

صادق إلّا بعد استثناء المؤن، فإنّ ما يقابل المئونة لا يصدق عليه النماء.

و يتوجّه عليه: إنّ هذا عين الدعوى، فإنّه إذا ثبت استثناء المؤن كان لازم ذلك هو وجوب الزكاة في ما يصدق عليه عنوان النماء، و إلّا فلا.

الخامس: مصحّح الفضلاء عن أبي جعفر عليه السّلام- فى حديث- قال: «لا يترك للحارس أجرا معلوما، و يترك من النخل معى فارة «1»، و أمّ جعرور «2»، و يترك للحارس يكون فى الحائط العذق، و العذقان، و الثلاثة، لحفظه إيّاه «3»»، بتقريب:

أنّ استثناء ما يعطى للحارس- بضميمة عموم التعليل بالحفظ- يقتضي استثناء المؤن، كما هو ظاهر.

و يتوجّه عليه: أخصيّة الدليل من المدعى، لاختصاصه بالمؤن اللاحقة على

______________________________

(1)- تمر ردي ء بالحجاز (الزبيدي، محمّد مرتضى: تاج العروس، ج 10: ص 345، ط بولاق، مصر).

(2)- تمر ردي ء، قال الأصمعي: هو ضرب من الدقل، يحمل شيئا صغارا لا خير فيه» (الزبيدي، محمّد مرتضى: تاج العروس، ج 3: ص 103، ط بولاق، مصر).

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: زكاة الغلات، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 113

..........

______________________________

زمان تعلّق الوجوب بالمال، و تتميمه في غيرها بالإجماع المركّب غير صحيح، لوجود القول بالتفصيل فى المسألة.

السادس: ما عن المحقّق الفقيه الهمداني قدّس سرّه «1»، و حاصله: أنّ المسألة من المسائل العامّة البلوى، الّتي لا يمكن أن يغفلها الرواة و أصحاب الائمّة عليهم السّلام، و هذا ممّا لا ينبغي الشك فيه، كما أنّه لا شكّ في اشتهار القول بالاستثناء فى الأزمنة المتأخّرة، مع وهن جميع ما استدلّوا به لذلك، كما عرفته آنفا؛ كما أنّه لا شكّ- أيضا- في عدم استثنائها عند المخالفين، و حينئذ، فلا يخلو الحال بالنسبة

إلى العصور السابقة كعصر أصحاب الائمّة عليهم السّلام، و العصور التابعة له من أحد أمرين:

فإمّا أن يكون المشتهر فيما بينهم هو الاستثناء، أو يكون المشهور بينهم هو عدم الاستثناء، و هم مستندون في ذلك أيّا كان الأمر إلى ما كان قد بلغهم بهذا الشأن عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، لا إلى ما ذهب إليه المخالفون من القول بعدم الاستثناء، و لا إلى الوجوه الاعتباريّة الّتي يمكن تلفيقها للاستدلال على الاستثناء. و حيث إنّه من المستبعد جدّا أن يشتهر القول بعدم الاستثناء في تلك العصور ثمّ يتبدّل الأمر بعد ذلك فتكون الشهرة على الاستثناء، فلا محالة يطمئنّ النفس بكون الشهرة في تلكم العصور- أيضا- على الاستثناء، و قد عرفت أنّه لا يمكن أن يكون المنشأ للشهرة في ذلك العصر إلّا ما وصلهم عن الأئمّة عليه السّلام، ممّا يدلّ على ذلك، إذن نستكشف من ذلك كلّه أنّ رأي المعصوم عليه السّلام كان على الاستثناء.

و هذا الوجه و إن لم يمكن دعمه بالبرهان و الدليل، و إنّما هو أشبه شي ء بما اصطلح عليه القوم من تسميته بالوجه الفقهي، غير أنّه يمكن الركون إليه، بضميمة سائر المؤيّدات، من قيام الشهرة على الاستثناء مع عدم وجود الدليل

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 67، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 114

كما أنّ الأقوى اعتبار النصاب- أيضا- بعد خروجها (229)،

______________________________

الصحيح عليه، و من استثناء مئونة القرية في عبارة «الفقيه «1»» و «المقنع «2»»، و هي- بحسب ما يغلب على الظن- تعبير عن متون الأخبار، بل قيل: إنّها كانت مرجعا للفقهاء، عند اعوازهم النصوص، فهذا كلّه ممّا يمكن أن

يستكشف منه رأي المعصوم عليه السّلام بطريق الحدس، بل عن الفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه «3»: «أنّه لو جاز استكشاف رأي المعصوم عليه السّلام من فتوى الأصحاب في شي ء من الموارد فهذا من أظهر مصاديقه ...» و ما ذكره قدّس سرّه وجه حسن، و لكنّه لا يفيد العلم بالحكم، و مع الغضّ عنه ينبغي القول باستثناء المئونة اللّاحقة، لصراحة مصحّح محمّد بن مسلم المتقدّم «4» في ذلك، و أمّا ما عداه فلم يقم عليه دليل لفظي، كما عرفت.

(229) بعد البناء على استثناء المؤن فى الجملة، يقع الكلام في كيفيّة ذلك، و أنّ النصاب هل يعتبر بعد استثناء المؤن، أو أنّه يعتبر فيه بلوغ المجموع النصاب، بحيث لو كان مجموع الغلة بمقدار النصاب وجبت الزكاة حينئذ فيما زاد على ما يقابل المئونة؟ وجهان، بل قولان، و هناك قول آخر بالتفصيل بين المئونة السابقة على زمان التعلّق- كالحرث و السقي- فيعتبر النصاب بعد وضعها، و اللاحقة له-

______________________________

(1)- الصدوق، محمّد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 35، ط مكتبة الصدوق، طهران.

(2) الصدوق، محمّد بن علي: المقنع، ص 13 (ضمن «المجموعة الفقهيّة»)، ط إيران الحجريّة.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 67، ط إيران الحجريّة.

(4)- صفحة 101.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 115

..........

______________________________

كالجذاد و الحصاد ...- فيعتبر ذلك قبل وضعها.

و الأشهر، بل المشهور- كما عن «الجواهر «1»»- هو الأوّل، و عليه، فلو كانت الغلّة بالغة حدّ النصاب، إلّا أنّها تنقص عن ذلك بعد وضع المئونة لم تجب الزكاة فيها حينئذ. و استدلّ له بوجوه:

الأوّل: الأصل، بتقريب أنّ مقتضى أصالة البراءة فيما نقص عن مقدار النصاب- بعد وضع

ما يقابل المئونة- إنّما هو عدم وجوب الزكاة، حيث إنّا نشكّ في وجوب ذلك، فينفى بالأصل لا محالة، كما هو ظاهر.

و قد يقال «2»: إنّه لا مجال للأصل بعد وجود الدليل الاجتهاديّ، و مقتضاه هو وجوب الزكاة ببلوغ الغلّة النّصاب قبل استثناء المئونة. بيانه إنّ مقتضى العمومات الدالّة على وجوب العشر أو نصف العشر- كمصحّح الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «فى الصدقة، فيما سقت السماء و الأنهار، إذا كانت سيحا أو كان بعلا العشر، و ما سقت السّواقي و الدّوالي، أو سقي بالغرب، فنصف العشر «3»»، و صحيح زرارة و بكير جميعا عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «في الزكاة، ما كان يعالج بالرّشا و الدوالي و النضح، ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى من غير علاج، بنهر، أو عين، أو بعل، أو سماء، ففيه العشر كاملا «4»»- هو وجوب الزكاة في الغلّة قليلا كانت أو كثيرا، و لكنّها تخصّصت بما دلّ على اعتبار النّصاب، إلا أنّه لم يعلم المراد من أدلّة اعتبار النصاب، و هل انّ المعتبر هو النصاب بعد إخراج المئونة أو ما كان كذلك قبل إخراج المئونة، فهو من قبيل المخصّص المردّد بين الأقل و

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 233، ط النجف الأشرف.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 67، ط إيران الحجريّة.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الغلّات، ح 2.

(4)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 116

..........

______________________________

الأكثر، و اللازم فيه هو الاقتصار على القدر المتيقّن به، و هو الأقلّ، و يرجع فيما عداه إلى العموم،

و حينئذ ففى المقام يقتصر في تخصيص العمومات على اعتبار النّصاب قبل إخراج المئونة، و فيما لم يكن بمقدار النّصاب بعد إخراج المؤن، يؤخذ بالعمومات القاضية بوجوب الزكاة.

و الجواب عنه: أنّ المسألة ليست من صغريات ما ذكر، فإن ما ذكر إنّما هو في المخصّص المنفصل المردّد بين الأقلّ و الأكثر، و مسألتنا هذه إنّما هي من دوران المخصّص المتّصل المردّد بين الأقلّ و الأكثر، و في مثله لا مجال للأخذ بالعام في مورد الشك، لإجماله. بيان ذلك: أنّ جملة من العمومات الدالّة على وجوب الزكاة فى الغلّة مقيّدة باعتبار النصاب فيها بنحو التقييد بالمتّصل، كصحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «ما أنبتت الأرض، من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، ما بلغ خمسة أوساق ... «1»»، و نحوه غيره «2». فالمسألة نظير ما إذا دلّ الدليل على وجوب إكرام العلماء العدول، فإذا شكّ فى العدالة و تردّد أمرها بين أن تكون هي اجتناب مطلق المعاصي، و أن تكون خصوص الاجتناب عن الكبائر، لم يكن مجال للأخذ بعموم الدليل المذكور في مرتكب الصغيرة، كما هو ظاهر، و محرّر في محلّه. و كذلك الحال فى المقام، فالمرجع- إذن- في مورد الشك هو الأصل، دون العمومات.

الثاني: أنّ الظاهر من قوله عليه السّلام- في صحيح زرارة-: «ما أنبتت الأرض، من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع، ففيه العشر. و ما كان يسقى بالرشا و الدوالي و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلّات، ح 5.

(2) المصدر، ح 1، 3، 8، 10، 12.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2،

ص: 117

..........

______________________________

النواضح، ففيه العشر ... «1»» و نحوه غيره «2» إنّ العشر أو نصف العشر إنّما يجب في مجموع الثلاثمائة صاع، و هذا إنّما يستقيم مع إخراج المئونة أوّلا و اعتبار بلوغ النصاب بعد ذلك، إذ لو كان الاعتبار بالنصاب قبل المئونة لم يخرج العشر أو نصفه من مجموع الثلاثمائة، كما هو ظاهر.

و يتوجّه عليه: أنّ هذا الاحتمال فى الرواية مبنيّ على أن يكون الموضوع فى الرواية مقيّدا بخروج المئونة منه، بأن تكون الغلّة خمسة أوسق- و هي الّتي يجب فيها العشر أو نصفه- بعد إخراج المئونة منه، و هو ليس بأولى من احتمال اخر معاكس له، بأن يقيّد إطلاق قوله عليه السّلام: «ففيه العشر» أو «ففيه نصف العشر» بإخراج المئونة أوّلا، ثمّ إخراج العشر أو نصفه، مع إبقاء قوله عليه السّلام: «ما بلغ خمسة أوساق ...» على اطلاقه، و عدم تقييده باخراج المئونة، فيكون الاعتبار بالنصاب قبل إخراج المئونة. و الحاصل، أنّ الأمر دائر بين تقييد أحد الإطلاقين، و ليس أحدهما بأولى من الآخر، كما لا يخفى. فالعمدة فى المقام- إذن- هو الأصل العمليّ.

و استدلّ للقول الثاني، و هو مختار «التذكرة «3»» و «المدارك «4»»، و «الذخيرة «5»» بظهور الأدلّة في سببيّة بلوغ ما أنبتت الأرض خمسة أوسق، في وجوب العشر بالنسبة إلى كلّ جزء من أجزاء النصاب، و قد علم بما دلّ على

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 4: زكاة الغلّات، ح 2.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 154، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- العاملي، السيّد محمّد، مدارك الأحكام: ج 5، ص 145، ط مؤسّسة آل البيت عليهم

السّلام، قم.

(5)- السبزواري، محمّد باقر: ذخيرة الأحكام، ص 443، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 118

..........

______________________________

استثناء المئونة، عدم وجوبه في جميع أجزاء النصاب، فيرفع اليد عن هذا الظاهر بالنسبة إلى ما يقابل المئونة، و يعمل في ما بقي على حسب ما يقتضيه سببيّة النصاب الوجوب «1».

و يتوجّه عليه: ما عرفت، من معارضة هذا الظاهر بظهور آخر، و هو ظهور قوله عليه السّلام: «ففيه العشر»، و قوله: «ففيه نصف العشر» في إرادة عشر- أو نصف عشر- مجموع خمسة أوسق، لا خصوص ما يبقى منه بعد المئونة، و مع تعارض الظهورين، و عدم الترجيح لأحدهما على الآخر، تصبح الرواية مجملة.

و استدلّ للقول بالتفصيل بين المئونة السابقة على تعلّق الوجوب فيعتبر النصاب بعده، و بين المؤن اللاحقة له فيعتبر النصاب قبله- و اختاره في «جامع المقاصد «2»» و «المسالك «3»»، و «الروضة «4»»:- بإطلاق الحكم بوجوب العشر- أو نصف العشر- في ما بلغ خمسة أوسق، فإنّ ظاهر قوله عليه السّلام: «ففيه العشر»، و كذا قوله: «ففيه نصف العشر» إرادة عشر- أو نصف عشر- جميع الخمسة أوسق، فإنّ مقتضاه الحكم بسببيّة بلوغ النصاب لوجوب إخراج العشر أو نصفه مطلقا، و حيث علم أنّه لا تجب الزكاة فيما قابل المئونة، فلا محالة اقتضى ابقاء ذلك الحكم على ظاهره تقييد بلوغ النصاب بكونه بعد إخراج مثل البذر، و أجرة الحرث، و

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه/ كتاب الزكاة، ج 3: ص 68، ط إيران الحجريّة.

و لعلّ أصل الاستدلال من المرحوم صاحب الجواهر قدّس سرّه و إنّما اوضحه المحقّق الهمداني قدّس سرّه (جواهر الكلام، ج 15: ص 233، ط النجف الأشرف).

(2)- المحقّق الثاني، علي

بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 21، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

(3)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 393، ط مؤسسة المعارف الإسلامية، قم- إيران.

(4)- الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهيّة، ج 1: ص 168، ط الحجريّة- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 119

و إن كان الأحوط اعتباره، بل الأحوط عدم إخراج المؤن خصوصا اللاحقة (230)،

______________________________

غيرهما من المؤن السابقة على الوجوب، و أمّا المؤن اللّاحقة- كالحصاد و نحوه- فليس إخراجها من الوسط منافيا لاعتبار النصاب قبله، بل هو من مقتضيات الشركة الّتي اقتضاها إطلاق قوله عليه السّلام: «ما بلغ خمسة أوسق ففيه العشر».

و أنت خبير بأنّ الاستدلال المذكور مبنيّ على القول بالإشاعة و الشركة الحقيقية في كيفيّة تعلّق الزكاة بالعين، و قد عرفت بما لا مزيد عليه «1» ضعف القول المذكور، و عدم التزام فقيه بما يترتّب على القول المذكور من اللّوازم.

إذن، فالصّحيح هو المذهب المشهور، من اعتبار النصاب بعد المؤن مطلقا، بلا فرق بين المؤن السابقة على زمان الوجوب و اللّاحقة له. فتأمّل جيّدا.

(230) فقد عرفت فيما سبق: أنّ القول باستثناء المؤن اللّاحقة أولى من القول باستثناء المؤن السابقة، نظرا إلى وجود الدليل اللفظيّ الدالّ على استثناء اللّاحقة، و هو مصحّح محمّد بن مسلم المتقدّم «2»، و هذا بخلاف المؤن السابقة حيث لم يقم على استثنائها دليل لفظيّ، بل كان اعتبار ذلك بوجه غير برهانيّ، كما سبق. و عليه، فالأولويّة فى الاحتياط في عدم إخراج المؤن السابقة دون اللّاحقة، كما ذكره المصنّف قدّس سرّه.

______________________________

(1)- فى الجزء الأوّل من هذا الكتاب، فراجع، و لاحظ.

(2)- صفحة 101.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص:

120

و المراد بالمئونة كلّ ما يحتاج إليه الزرع و الشجر، من أجرة الفلّاح و الحارث، و الساقي، و أجرة الأرض إن كانت مستأجرة، و أجرة مثلها إن كانت مغصوبة، و أجرة الحفظ، و الحصاد، و الجذاذ، و تجفيف الثمرة، و إصلاح موضع التشميس و حفر النهر، و غير ذلك (231)، كتفاوت نقص الآلات و العوامل، حتّى ثياب المالك و نحوها، و لو كان سبب النقص مشتركا بينها و بين غيرها وزّع عليهما بالنسبة.

______________________________

(231) ما يصرف لأجل الزراعة و تحصيل الغلّة على أقسام، منها: ما يصرف لتصير الأرض مستعدّة للزرع و المحاصيل، من دون أن يتكرّر ذلك في كلّ سنة، و ذلك كحفر النهر و القناة، و منه قيمة الأرض المشتراة للزراعة. و منها ما يتكرّر ذلك في كلّ سنة، و لكن لا يوجب خسرانا ماليّا على المالك، بل يكون ذلك من قبيل عدم الانتفاع في مقابله. و بعبارة اخرى، يكون فوت المنفعة لا الخسران، و ذلك كالعمل الصادر من المالك، و الآلات، و العوامل المصروفة، بما لا يوجب نقصا في تلك الآلات و العوامل.

و منها: ما يتكرّر في كلّ سنة، مع إيجابه الخسران بحقّ المالك، و لا شبهة في أنّ المئونة المستثناة- على فرض القول باستثنائها- لا تشمل القسمين الأوّلين، لأنّ المئونة- عرفا، أو انصرافا- عبارة عمّا يتكرّر صرفه في كلّ سنة، مع إيجابه الخسران على المالك. و عليه فتختصّ المئونة المستثناة بالقسم الثالث فقط.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 121

[مسألة 17: قيمة البذر إذا كان من ماله المزكّى، أو المال الّذي لا زكاة فيه من المؤن]

[مسألة 17]: قيمة البذر إذا كان من ماله المزكّى، أو المال الّذي لا زكاة فيه من المؤن (232)، و المناط قيمة يوم تلفه، و هو وقت الزرع.

______________________________

(232) البحث فى

المسألة من جهتين:

إحداهما: في أنّه هل يحسب عين البذر من المئونة أو تحسب قيمته.

و الاخرى: إنّه- على تقدير القيمة- فهل العبرة بقيمة يوم التلف- و هو يوم الزرع- أو قيمة يوم الشراء، لو كان قد اشتراه.

أمّا الجهة الأولى، فقد اختلفت فيه كلماتهم، ففى «المسالك»: «و عين البذر إن كان من ماله المزكّى، و لو اشتراه تخيّر بين استثناء ثمنه و عينه «1»»، و فى «البيان»:

«لو اشترى بذرا، فالأقرب أنّ المخرج أكثر الأمرين، من الثمن و القدر. و يحتمل إخراج القدر خاصّة، لأنّه مثليّ، أمّا لو ارتفعت قيمة ما بذره أو انخفضت، و لم يكن قد عاوض عليه، فإنّ المثلي معتبر قطعا «2»». و في «الجواهر «3»»: «و ممّا يمكن أن يكون محلا للنظر- أيضا- ما سمعته من التخيير في إخراج ثمن البذر أو قدره إذا كان قد اشتراه، خصوصا إذا لم يكن قد اشتراه للبذر، بل اشتراه للقوت ثمّ بدا له

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 1: ص 393، ط مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم- إيران.

(2)- الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي: البيان، ص 295، ط المؤسسة الثقافية للإمام المهدي- عجّل اللّه تعالى فرجه- قم- إيران.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 236، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 122

..........

______________________________

فبذره، إذ الّذي يعدّ أنّه من مئونة الزرع، و صار هو سببا لإتلافه، عين البذر لا ثمنه، و لو منع ذلك و جعل نفس الثمن لم يؤخذ القدر. و بالجملة: التخيير المزبور لا يخلو من نظر، أو منع».

و الّذي ينبغي أن يقال: إنّ البذر- بعنوانه- لم يرد ما يدلّ على استثنائه، كي يقع البحث فيه عن

استثنائه بعينه أو بقيمته، و إنّما ذلك بعنوان كلّي المئونة، و بما أنّ المؤن- عامّة- تلاحظ بعنوان ما لها من الماليّة و القيمة، و ذلك لعدم إمكان استثناء أعيانها غالبا، إذ لا يكون- بحسب الغالب- الحاصل عين البذر، حتّى في مثل الحنطة و الشعير، فضلا عن التمر و الزّبيب، حيث يكون فى الأوّل من الأخيرين بغرس «التالّ» غالبا، و فى الثاني- و هو شجر الكرم- لا يكون غرسه بالبذر دائما، و هذا فضلا عن سائر المؤن فى المقام، كأجرة الحارس، و الحارث، و السّاقي ...، و في سائر الأجناس الزكويّة. و عليه، فالبذر لكونه من المئونة لا يختصّ بحكم خاصّ، بل يلاحظ كسائر المؤن من حيث القيمة، و يحسب بماله من الماليّة.

ثمّ إنّه إذا اشترى البذر بأزيد من قيمة المثل، فإن كان مضطرّا إلى ذلك، كان الزائد على قيمة المثل- أيضا- من جملة المؤن الّتي يتوقّف عليها الزرع، و إلّا لم يكن وجه لاحتساب الزّائد من المئونة.

و أمّا الجهة الثانية، فالّذي تقتضيه القواعد هو استثناء قيمته يوم التلف، و هو يوم الزّرع، و قد عرفت أنّ استثناء البذر بعنوان المئونة، فلا يلاحظ إلّا بماله من القيمة و الماليّة، و ليس المقام مثل باب الدين و الضّمان، حتّى يجري فيه البحث عن أنّ مقتضى القاعدة فيه هو المثل بالمثل، أو التخيير بين المثل و القيمة.

فلاحظ و تدبّر.

ثمّ إنّ مراد المصنّف قدّس سرّه من قوله: «من المؤن» إن كان هو عدم وجوب الزكاة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 123

[مسألة 18]: أجرة العامل من المؤن، و لا يحسب للمالك أجرة إذا كان هو العامل]

[مسألة 18]: أجرة العامل من المؤن (233)، و لا يحسب للمالك أجرة إذا كان هو العامل، و كذا إذا عمل ولده أو زوجته

بلا أجرة، و كذا إذا تبرّع به أجنبيّ، و كذا لا يحسب أجرة الأرض الّتي يكون مالكا لها (234)، و لا أجرة العوامل إذا كانت مملوكة له.

______________________________

في ذلك، أي كان المقصود استثناء ذلك ممّا يجب فيه الزّكاة، كان لما ذكره قدّس سرّه من القيدين، و هما: «إذا كان من ماله المزكّى، أو المال الّذي لا زكاة فيه» وجه. و أمّا إذا كان المقصود منه عدم دخله في اعتبار النّصاب اللّازم في وجوب الزّكاة، بأن كان اللّازم هو اعتبار النّصاب فيما عدا البذر، بحيث لا يكون للبذر دخلا فيه، لم يكن- حينئذ- لذكر القيدين وجه صحيح، حيث إنّ عدم دخل البذر فى النصاب المعتبر لا يتوقّف على كونه من المال المزكّى، أو كونه ممّا لا تجب الزكاة فيه، بأن كان قد اشتراه مثلا. فلاحظ و تأمّل.

(233) أمّا كون أجرة العامل من المئونة فظاهر، لما ذكرناه من أنّ المئونة- عرفا أو انصرافا- عبارة عمّا يتكرّر كلّ سنة، و يكون موجبا للخسران بحقّ المالك. و منه يظهر الوجه في عدم احتساب عمل المالك و غيره- ممّا ذكره المصنّف قدّس سرّه- من المئونة، لعدم كون ذلك موجبا للخسران بحقّ المالك، بل هو من قبيل فوت المنفعة.

(234) أمّا عدم احتساب أجرة الأرض فى الفرض المذكور، فلما ذكرناه من كون

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 124

[مسألة 19: لو اشترى الزرع فثمنه من المئونة]

[مسألة 19]: لو اشترى الزرع فثمنه من المئونة (235)، و كذا لو ضمن النخل و الشجر، بخلاف ما إذا اشترى نفس الأرض و النخل و الشجر (236)، كما أنّه لا يكون ثمن العوامل إذا اشتراها منها.

______________________________

المراد بالمئونة- عرفا أو انصرافا- هو ما يتكرّر كلّ سنة، و ثمن الأرض المشتراة- مثلا-

للزراعة ليس ممّا يتكرّر كذلك، و أمّا العوامل المملوكة فهي لا توجب خسرانا بحقّ المالك، و قد عرفت دخله في صدق المئونة عرفا أو انصرافا. نعم، بشرط أن لا يوجب العمل فيها نقصا، و إلّا كان النقص المذكور من المئونة، لكونه خسارة بحق المالك، كما هو ظاهر.

(235) بما أنّه لم يقم دليل لفظي على استثناء المئونة ليؤخذ بإطلاقها، فالمتيقّن به منه هو ما يخسره المالك للزراعة الشخصيّة، أو الثمر المعيّن، كثمن الزّرع، أو الشجر، أو النخل، فإنّه مما يخسره المالك للزّرع أو الثمر المعيّن المعلوم. و منه يظهر الحال في ضمان النخل و الشجر.

(236) فإنّ ذلك و إن كان خسارة على المالك، إلّا أنّه لم يخسره لتحصيل الزرع الخاصّ، أو الثمرة المعنيّة. و بعبارة أخرى: المئونة عبارة عن الخسارة المتكرّرة كلّ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 125

[مسألة 20: لو كان مع الزكويّ غيره فالمئونة موزّعة عليهما إذا كانا مقصودين]

[مسألة 20]: لو كان مع الزكويّ غيره فالمئونة موزّعة عليهما إذا كانا مقصودين (237)، و إذا كان المقصود بالذات غير الزكويّ، ثم عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل، لم يحسب من المؤن، و إذا كان بالعكس حسب منها.

______________________________

سنة، و معنى ذلك: أن يكون الخسران لأجل الزرع الخاصّ أو الثمر الخاصّ في كلّ سنة، و لا يكون منه ثمن الأرض و النخل و الشجر كما هو ظاهر. و أمّا ثمن العوامل، فلكونه- فى الحقيقة- بإزاء استيفاء المنافع منها، فلا يعدّ خسارة بحقّ المالك.

(237) المئونة المصروفة لتحصيل الزرع، إن قصد بصرفها تحصيل الزرع الزكويّ المخصوص، عدّت مئونة له، فإنّها خسران متوجّه إلى المالك في سبيل تحصيله، لما عرفت من أنّ المئونة المستثناة هو خصوص المصروف في سبيل تحصيل الزرع، أو الثمر الخاصّ. و إذا حصل

له أحيانا زرع آخر لم يكن مقصودا به في صرف المئونة، كان ذلك من قبيل الفوائد المترتّبة عليه، و لم يوجب ذلك صيرورة المصروف مئونة بالنسبة إليه.

و إن كانت المئونة المصروفة ممّا قصد بها تحصيل زرع غير زكويّ، و حصل له- اتفاقا- زرع زكويّ، من دون أن يكون هذا الأخير مقصودا في صرف المئونة، لم يحسب المصروف مئونة بالنسبة إلى الزكويّ، لعدم كون تحصيله هو المقصود بصرف المئونة، كما هو المفروض. و حاصل الكلام: أنّ المصروف إنّما يعدّ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 126

[مسألة 21: الخراج الذي يأخذه السلطان أيضا يوزع على الزكويّ و غيره]

[مسألة 21]: الخراج الذي يأخذه السلطان أيضا يوزع على الزكويّ و غيره (238).

______________________________

مئونة للزّرع، إذا كان ذلك الزرع متوقّفا عليه، و كانت الخسارة لأجله، و أمّا إذا انتفع به- اتفاقا- منفعة غير مقصودة، عدّ ذلك انتفاعا بالمال المصروف، من دون أن تكون الخسارة بالمال المصروف لأجل تلك المنفعة، كي يعدّ مئونة بالنسبة إليه. و لذلك لو فرضنا أنّ قصده حين صرف المال إنّما كان هو الزرع غير الزكويّ، ثمّ بعد الفراغ منه بدا له و طرأ بالنسبة إليه قصد الزرع الزكويّ، فبما أنّه لم يتحمّل الخسارة لأجل الزرع الزكويّ لم تحسب الخسارة المذكورة، و لم تستثن من الزرع الزكويّ.

و أمّا إذا كانا- أي الزكويّ و غيره- كلاهما مقصودين حين صرف المال، عدّ ذلك- لا محالة- مئونة بالنسبة إليهما معا، و لازمه هو توزيع المئونة عليهما، كما أفاده المصنّف قدّس سرّه.

(238) هذا مبنيّ على عدّ الخراج من المئونة، و القول باستثنائها مطلقا، و إلّا فعلى تقدير عدم كونه من المئونة، أو عدم القول باستثنائها بقول مطلق، يشكل الأمر في ذلك، كما تقدّم، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى -

كتاب الزكاة، ج 2، ص: 127

[مسألة 22: إذا كان للعمل مدخليّة في ثمر سنين عديدة، لا يبعد احتسابه على ما في السنة الاولى]

[مسألة 22]: إذا كان للعمل مدخليّة في ثمر سنين عديدة، لا يبعد احتسابه على ما في السنة الاولى (239)، و إن كان الأحوط التوزيع على السنين.

[مسألة 23: إذا شكّ في كون شي ء من المؤن أولا لم يحسب منها]

[مسألة 23]: إذا شكّ في كون شي ء من المؤن أولا لم يحسب منها (240).

______________________________

(239) تقدّم أنّ ماله الدخل فى الزرع أو الثمر سنين عديدة كحفر النهر- مثلا- بما أنّه يرجع إلى عمارة الأرض، لا الخسارة لأجل الزرع، أو الثمر المعيّن الخاص، لم يكن ذلك من المئونة المستثناة، إلّا أنّه لا بدّ من تقييد ذلك بما إذا لم يكن المصروف ممّا يتوقّف عليه الزّرع أو الثمر في السنة الأولى، و إن فرضنا تأثيره و دخله فى السنين التالية- أيضا- كاستعمال الأدوية الكيماويّة لدفع الآفات الزراعيّة، من الجراد و نحوه، ممّا يكون مفيدا لأكثر من سنة، حيث أنّ مثل هذا يعدّ خسارة بالنسبة إلى الزرع أو الثمر فى السنة الأولى، فتكون مستثناة لا محالة. و لا وجه للاحتياط- كما عن المصنّف قدّس سرّه- بتوزيعه على السنين، كما هو ظاهر.

و بما ذكرناه يظهر الإشكال فيما تقدم منّا، من القول بعدم استثناء مئونة حفر النهر و القناة. فلاحظ.

(240) امّا الشبهة المفهوميّة، فالمرجع فيها- نظرا لإجمال المخصّص المنفصل- هو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 128

[مسألة 24: حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد]

[مسألة 24]: حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد (241)، فيضمّ الثمار بعضها إلى بعض و إن تفاوتت في الإدراك، بعد إن كانت الثمرتان لعام واحد، و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر. و على هذا، فإذا بلغ ما أدرك منها نصابا أخذ منه، ثمّ يؤخذ من الباقي قلّ أو أكثر، و إن كان الّذي أدرك أوّلا أقلّ من النصاب ينتظر به حتى يدرك الآخر و يتعلّق به الوجوب، فيكمل منه النصاب و يؤخذ من المجموع، و كذا إذا

______________________________

عمومات وجوب الزكاة، كقوله عليه السّلام:

«ما أنبتت الأرض ... ففيه العشر «1»». و أمّا الشبهة الموضوعيّة فسيأتي الكلام فيها، إن شاء اللّه تعالى.

(241) الحكم المذكور ممّا نفى عنه معرفة الخلاف «2»، أو وجدان الخلاف فيه «3»، بل ادّعي عليه إجماع المسلمين «4». و يقتضيه إطلاق الأدلّة.

و ربّما يتوهّم اعتبار وحدة زمان الإدراك، استنادا إلى انصراف الأدلّة إلى

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 5، و نحوه غيره من روايات الباب.

(2)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 499، ط إيران الحجريّة.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 243، ط النجف الأشرف.

(4)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 161، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 129

كان نخل يطلع في عام مرتين يضمّ الثاني إلى الأوّل، لأنّهما ثمرة سنة واحدة (242)، لكن لا يخلو عن إشكال، لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين، كما قيل.

______________________________

مثل ذلك.

و لكنّه مدفوع بأنّه لا وجه لدعوى الانصراف فى الأدلّة، بل مقتضى إطلاقها هو عدم لزوم الاتّحاد بمعنى: اجتماع الزرع أو الثمرة في صبرة واحدة مثلا، و لا بمعنى اجتماع النخيل أو الزرع في مكان واحد، كبستان و نحوه، و لا بمعنى اتّحاد زمان الإدراك. و يؤيّد الإطلاق المذكور إجماع الكلّ على عدم اعتبار شي ء من ذلك، بعد أن كان الجميع مملوكا لشخص واحد.

(242) قال المحقّق قدّس سرّه: «إذا كان له نخل تطلع مرّة، و أخرى تطلع مرّتين، قيل:

لا يضمّ الثاني إلى الأوّل، لأنّه في حكم ثمرة سنتين، و قيل: يضمّ، و هو الأشبه «1»».

و نسب ذلك إلى المشهور، بل

الأشهر «2»، و نسبه بعضهم «3» إلى أكثر الأصحاب. و خالف في ذلك الشيخ قدّس سرّه، قال: «و النّخل إذا حمل في سنة واحدة دفعتين، كان لكلّ حمل حكم نفسه لا يضمّ بعضه إلى بعض، لأنّها في حكم

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق عبد الحسين محمّد علي، ج 1:

صص 154- 155.

(2)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 105.

(3)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 152، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 130

[مسألة 25: إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة]

[مسألة 25]: إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة، لا يجوز أن يدفع عنه الرطب على أنّه فرضه (243)، و إن كان بمقدار لو جفّ

______________________________

سنتين «1»»، و وافقه فى الخلاف ابن حمزة «2».

و التحقيق أن يقال: إنّ قوله عليه السّلام: «ما أنبتت الأرض، من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، ما بلغ خمسة أوساق ...، ففيه العشر «3»»، إن قلنا: بأنّ المراد منه هو ما دخل فى الملك بالإنبات من الأرض مطلقا، شمل ذلك الثمرة فى السنة الواحدة- مرّة كانت أم مرّتين- و فى السنتين أيضا، غاية الأمر يحكم- بمقتضى الإجماع القطعي- بخروج الثمرة فى السنة الثانية، بمعنى أنّها لا تضمّ إلى ما في السنة الأولى، بل إنّها تجعل موضوعا مستقلا. و إن قلنا: أنّ المراد به ما أنبت من الأرض نبتة واحدة، كانت النبتة الثانية فى السنة الواحدة- لا محالة- موضوعا مستقلّا لوجوب الزكاة، و لم تضمّ إلى الاولى، لكونه إنباتا جديدا غير الإنبات الأوّل.

هذا، و لا يبعد دعوى ظهور النصوص فى المعنى الثاني، و معه يكون الحكم بعدم الضّم- كما

عن الشيخ و ابن حمزة رحمهما اللّه- هو الأوجه. و مع الشك في ذلك مقتضى الأصل البراءة.

(243) أمّا عدم جواز الدفع بعنوان الفريضة فى الصّور المذكورة فواضح،

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 215، ط المكتبة المرتضويّة، طهران.

(2)- ابن حمزة، محمّد بن علي: الوسيلة، ص 127، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم- إيران.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الغلات، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 131

كان بقدر ما عليه من التمر، و ذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به.

نعم، يجوز دفعه على وجه القيمة، و كذا إذا كان عنده زبيب لا يجزئ عنه دفع العنب إلّا على وجه القيمة، و كذا العكس فيهما. نعم، لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع عنه (244)، الرطب فريضة، و كذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة، و هل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر و الزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة أو لا؟ لا يبعد الجواز (245)، لكن الأحوط دفعه

______________________________

فإنّ المدفوع- على الفرض- خارج عن النّصاب، فلا يكون بمتعلّق الزكاة أصلا.

و أمّا جواز ذلك بعنوان القيمة، فهو مبنيّ على جواز إخراج الزكاة- قيمة لا عينا- من غير النقدين، و قد سبق الإشكال في ذلك، بل إنّا لم نستبعد عدم جوازه.

(244) ما أفاده قدّس سرّه مبنيّ على أنّ وقت تعلّق الوجوب هو حين بدوّ الصلاح فى الغلّات الأربع، و هو خلاف ما قوّاه سابقا، من أنّ وقته حين صدق اسم التمر عليه. فلاحظ.

(245) لا ريب في جواز ذلك، إنّما الكلام في كون المدفوع- حينئذ- هو بعينه

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 132

من باب القيمة أيضا، لأنّ الوجوب تعلّق بما عنده، و كذا الحال في الحنطة و الشعير إذا أراد أن يعطي من حنطة أخرى أو شعير آخر.

[مسألة 26: إذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة]

[مسألة 26]: إذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة، لا يكون من الربا، بل هو من باب الوفاء (246).

______________________________

مصداق الفريضة أولا؟ بناء على كونها من قبيل حق الجناية- كما هو المختار- يكون المدفوع هو مصداق الفريضة نفسها، كما دلّت على ذلك معتبرة عبد الرحمن البصريّ «1» و قد مرّ الكلام عليها فى الجزء الأوّل من الكتاب «2»، و أمّا على القول بالإشاعة، أو الكليّ فى المعيّن، فلا مجال لفرض المدفوع مصداقا للفريضة، بل لا بدّ و أن يكون ذلك من باب القيمة.

و من هنا من يستشكل الإخراج بالقيمة من غير النقدين، لا محالة يستشكل ما أفاده المصنّف قدّس سرّه فى المقام.

(246) إذا أدّى المالك زكاة ماله من عين ما تعلّقت الزكاة به، من الحنطة و الشعير و ... فلا ينبغى الإشكال في جواز دفع الزيادة عن المقدار الواجب، فإذا فرضنا- مثلا- أنّ الواجب عليه كان خمسة أمنان من الحنطة، كان له أن يدفع ستّة أمنان

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الأنعام، ح 1.

(2)- صفحة 93- 94.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 133

..........

______________________________

من عين الحنطة الّتي تعلّقت الزكاة بها، على أن يكون الزائد على قدر الواجب هبة. و كذلك الحال فيما لو ادّى من غيرها و لكن من جنسها، بأن أدّاها من حنطة أخرى، بناء على اختصاص حرمة الرّبا بالبيع و القرض، و عدم عمومها لمطلق المعاوضات، فإنّ دفع الزائد

إن كان بعنوان الهبة، بأن كان تطبيق الواجب على ما هو بمقداره من المدفوع معاوضة، و كان دفع الزائد عليه هبة، فالأمر فيه- حينئذ- واضح، و إن لم يكن كذلك، بل كان من قبيل المعاوضة للواجب الّذي هو خمسة أمنان من الحنطة في مورد الفرض، بستّة أمنان من حنطة أخرى، لم يكن فيه إشكال أيضا، نظرا إلى اختصاص حرمة الربا بالبيع و القرض، و تبديل الواجب- في محلّ الكلام- بغيره بزيادة و إن كان هو- فى الحقيقة- نوع معاوضة، لكنّه غير داخل تحت عنواني البيع و القرض، كي تحرم الزيادة فيه.

و إنّما الإشكال في ذلك إذا بنينا على عموم الرّبا المحرّم لمطلق المعاوضات، و كلام المصنّف قدّس سرّه فى المسألة مبنيّ على هذا الفرض، فهل يجوز التبديل بزيادة أو لا يجوز؟

ربما يقال «1» بعدم الإشكال فيه، لأنّ تطبيق الواجب على المدفوع إلى الفقير مثلا، و إن كان هو- فى الحقيقة- نوع من المعاوضة- كما أشرنا إليه- إلّا أنّ عموم أخبار حرمة الرّبا فى المعاوضات منصرف عن مثل هذه المعاوضة، و لذلك لا مانع من إعطاء الزيادة بعنوان الوفاء.

و خالف في ذلك جماعة، منهم صاحب الجواهر قدّس سرّه، فلم يستصوبوا الانصراف المذكور، و من هنا لم يرتض صاحب الجواهر قدّس سرّه فى المسألة

______________________________

(1)- اليزدي، السيد محمّد كاظم: ملحقات العروة الوثقى، ج 2: ص 10، ط مطبعة الحيدري، طهران- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 134

..........

______________________________

الجواز «1».

و ينبغي القول: إنّ هناك روايتين قد يستشعر منهما جواز الزيادة في مقام الوفاء، و هما: مصحّح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عددا، ثمّ يعطي (يقضي) سودا

(و زنا)، و قد عرف أنّها أثقل ممّا أخذ، و تطيب به نفسه أن يجعل له فضلها، فقال: «لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط. و لو وهبها له كلّها صلح «2»»، و خبر خالد بن الحجّاج، قال:

سألته عن الرجل كانت لى عليه مائة درهم عددا، قضانيها مائة وزنا، قال:

«لا بأس ما لم يشترط». قال: و قال: «جاء الربا من قبل الشروط، إنّما يفسده الشروط «3»».

و بإزائهما روايتان صريحتان في عدم الجواز، و هما: مصحّح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: و سئل عن الرجل يشترى الحنطة فلا يجد صاحبها إلّا شعيرا، أ يصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال: «إنّما أصلهما واحد، و كان عليّ عليه السّلام

______________________________

(1)- قال في الجواهر: «و ان كانت- أي الزيادة- عينيّة، كما لو دفع اثنى عشر من عليه عشرة، ففي كون المجموع وفاء كالحكمي، بناء على أنّه معاوضة عمّا فى الذمة. غايته، كونه متفاضلا، و هو جائز بالشرط، و هو عدم الشرط، أو يكون الزائد بمنزلة الهبة، فيلزم حكمها، من جواز الرجوع فيه على بعض الوجوه الآتية، التفاتا إلى أنّ الثابت فى الذمة إنّما هو مقدار الحقّ، فالزائد تبرّع خالص، و إحسان محض، و عطيّة منفردة، احتمالان، قد اعترف فى «المسالك» بأنّه لم يقف فيه على شي ء، لكن قال: لعلّ الثّاني أوجه، خصوصا مع حصول الشك في انتقال الملك. ثمّ قال قدّس سرّه: قلت: لكن يشكل مع عدم تعيين الوفاء منها، كما أنّه يشكل جعله من المعاوضة عمّا فى الذّمة، بناء على عموم الرّبا. فلا ريب في أنّ الأحوط في الربوي تعيين الوفاء، ثمّ هبة الزائد ...» (النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 25:

صص 13- 14، ط النجف الأشرف).

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: الصرف، ح 2.

(3)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 135

[مسألة 27: لو مات الزارع- مثلا- بعد زمان تعلّق الوجوب]

[مسألة 27]: لو مات الزارع- مثلا- بعد زمان تعلّق الوجوب، وجبت الزكاة (247) مع بلوغ النصاب، أمّا لو مات

______________________________

يعدّ الشعير بالحنطة «1»»، و صحيح هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سئل عن الرجل يبيع الطعام الأكرار، فلا يكون عنده ما يتمّ له ما باعه، فيقول له: خذ منّي مكان كل قفيز حنطة قفيزين من شعير حتّى تستوفى ما نقص من الكيل. قال:

«لا يصلح، لأنّ أصل الشعير من الحنطة، و لكن يردّ عليه الدراهم بحساب ما ينقص من الكيل «2»».

و هاتان الروايتان صريحتان- كما قلنا- في جريان الربا فى الزيادة في باب الوفاء، و لأجل ذلك نقول بعدم الجواز بعنوان الوفاء، و العجب من المصنّف قدّس سرّه، مع تعرّضه- في ملحقات العروة «3»- للروايتين، و الالتزام بمفادهما، كيف أفتى قدّس سرّه فى الكتاب بعدم كون الزيادة من الرّبا إذا كان دفع الزائد بعنوان الوفاء.

(247) الحكم- كما أفاده قدّس سرّه- واضح، فإنّه إذا كان الموت بعد زمان تعلّق الوجوب

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: الربا، ح 4.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- قال قدّس سرّه: «و الأقوى عدم كونه ربا، إذا لم يكن بعنوان المعاوضة، من صلح أو غيره، بل كان بعنوان الوفاء بالمجموع، و إن كان راجعا إلى التعاوض، لانصراف الأخبار عنه ...- إلى أن قال:- لكن مع ذلك مشكل، لأنّ الظاهر من بعض الأخبار كونه ربا، ففي صحيح الحلبي ...» (اليزدي، السيّد محمّد كاظم: العروة الوثقى، ج

2: صص 10- 11، ط مطبعة الحيدري، طهران- إيران).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 136

قبله و انتقل إلى الوارث، فإن بلغ نصيب كلّ منهم النصاب وجب على كلّ زكاة نصيبه، و إن بلغ نصيب البعض دون البعض وجب على من بلغ نصيبه، و إن لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم.

[مسألة 28: لو مات الزراع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين]

[مسألة 28]: لو مات الزراع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين، فإمّا أن يكون الدين مستغرقا أو لا. ثمّ إمّا أن يكون الموت بعد تعلّق الوجوب أو قبله، بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضا (248)، فإن كان الموت بعد تعلق الوجوب وجب إخراجها، سواء كان الدين مستغرقا أم لا، فلا يجب التحاص مع

______________________________

مع فرض بلوغ المال النّصاب، فقد تعلّق به وجوب الزكاة قبل انتقاله إلى الورثة، فيجب إخراج الزكاة منه، قبل تقسيمه بين الورثة. و إذا كان الموت قبل زمان التعلّق، فيكون المال قد انتقل منه إلى الورثة قبل تعلّق الوجوب به، فلم يكن المالك حال حياته قد وجبت الزكاة عليه، لعدم حلول زمان التعلّق على الفرض، و بعد انتقاله إلى الورثة، يكون تعلّق الوجوب به منوطا ببلوغ نصيب كلّ منهم النّصاب، فان بلغ وجبت، و إلّا فلا.

(248) صور المسألة- كما فى المتن- ثلاث:

الأولى: ما إذا كان الموت بعد زمان التعلّق، سواء كان ذلك ببدوّ الصلاح

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 137

..........

______________________________

- كما هو المذهب المشهور- أم بصدق الاسم، كما هو مختار جماعة، مع فرض عدم وفاء التركة بالزكاة و الدين معا. و قد اختار المصنف قدّس سرّه في هذه الصورة وجوب إخراج الزكاة كاملة حتّى مع

استغراق الدين، من دون تحاص مع الغرماء. و ينبغي أن يعلم أنّه ليس فى المسألة نصّ خاص أو عام، بل البحث فيها يكون حسب القواعد العامّة، و تفصيل الكلام فى المقام:

إنّه بناء على القول بالشركة الحقيقية، أو تعلّق حق الفقراء بالمال بنحو الكلّي فى المعيّن- كما هو مختار المصنّف قدّس سرّه في ما سيجي ء إن شاء اللّه- فالحكم هو كما أفاده قدّس سرّه، فإن ما يكون بمقدار الفريضة مملوك للفقراء من حين حياة المالك، فإنّ المفروض تحقّق الموت بعد زمان التعلّق، فهذا المقدار يكون خارجا عن ملكه في حال حياته، و حينئذ فلا مجال لتعلّق حق الغرماء به بعد الموت، كما هو ظاهر.

و أمّا إذا لم نلتزم بالملك في باب الزكاة، لا بنحو الإشاعة، و لا بنحو الكلّي فى المعين، بل قلنا: بأنّ المتعلّق بالمال إنّما هو نوع حق، إمّا بنحو حقّ الرهانة، أو بنحو حقّ الجناية، فعلى الأوّل و هو كون الحق من قبيل حق الرهانة يقع التزاحم لا محالة بين حقّ الفقراء و حقّ الغرماء، فقد يقال حينئذ: بتقديم الزكاة، نظرا إلى أنّ من جملة المرجّحات في مورد التزاحم إنّما هو السبق الزماني، و بما أنّ الحق الناشئ من ناحية وجوب الزكاة متعلّق بالعين حال حياة المالك، بخلاف حقّ الغرماء فإنّه متعلّق بها بعد الموت، فلا محالة يتقدّم الزكاة على الدين، فبعد إخراج الزكاة كاملة يقع التحاص بين الغرماء، لعدم وفاء التركة بجميع الدين، كما هو المفروض.

و يتوجّه عليه: أنّ المحرّر في محلّه عدم كون السبق الزماني مرجّحا لأحد المتزاحمين على الآخر، كما حقّق ذلك في بحث الأصول، فلا يمكن الالتزام بتقديم

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 138

..........

______________________________

الزكاة

على الدين، استنادا إلى الوجه المذكور. و ربما يقال: بأنّ تعلّق حقّ الفقراء بالعين يوجب قصر سلطنة الوارث لا محالة بالإضافة إلى المقدار الّذي تعلّق به الحق المذكور، و حينئذ فلا مجال لتعلّق حقّ آخر- كحقّ الغرماء مثلا- به بعد موت المالك، فإن قصر السلطنة قد تحقّق من الأوّل، و تعلّق حقّ آخر لا يحدث فيه شيئا جديدا، فلا محالة لا يكون حقّ الغرماء مزاحما لحقّ الفقراء.

و هذا الوجه غريب جدّا، فإن قصر السلطنة المتحقّق من ناحية تعلّق حقّ الفقراء بالعين مرجعه إلى لزوم صرف المال إلى جهة من له الحق، و كون منافعه عائدة إليه، و هذا لا يمنع من قصر السلطنة بالإضافة إلى جهة اخرى، بحيث يلزم صرف المال في تلك الجهة و عود منافعه إليها. و الحاصل، أنّ تعلّق حقّ آخر بالمال يكون محدثا لشي ء جديد، لا أنّه لا يزيد على ما أحدثه الحقّ الأوّل، كما قيل.

و على هذا، فالتزاحم بين الحكمين واقع لا محالة، و المرجع في باب التزاحم- حسب القاعدة العقليّة المقرّرة عند عدم الترجيح- و إن كان هو التخيير، إلّا أنّ من المقطوع به في باب الأموال خلافه، فإنّا نقطع بعدم التخيير في هذه الموارد، و حينئذ فبمقتضى القاعدة المصطلح عليها عند بعضهم ب «قاعدة العدل و الإنصاف» لا محالة نحكم بالتحاص مع الغرماء، فيرد النقص على الجميع بالنسبة، كما هو شأن التحاص عند عدم وفاء المال بالدين مثلا. هذا كلّه بناء على كون الحقّ من قبيل حق الرهانة.

و أمّا بناء على كون الحقّ من قبيل حق الجناية، فقد يقال «1»: إنّ وجوب

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 169، ط الثالثة، النجف الأشرف- العراق.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 139

الغرماء، لأنّ الزكاة متعلّقة بالعين. نعم، لو تلفت في حياته بالتفريط و صارت في الذمة، وجب التحاص (249) بين أرباب

______________________________

الزكاة على هذا لا يكون مانعا عن اعطاء المال إلى الغرماء، فإنّ المفروض تعلّق الحقّ الناشئ من قبل وجوب الزكاة برقبة المال، فعلى من له الحق- كالفقير- أن يتبع العين، كما هو الحال في حقّ الجناية المتعلّق برقبة العبد، الغير المانع من بيعه.

هذا، و لكن الظاهر بحسب المرتكز العرفي أنّ وجوب دفع المال إلى الغرماء مع وجوب دفعه إلى الفقير ممّا لا يجتمعان، فالعرف يرى تزاحما- لا محالة- بين الحكمين، و عليه، فيكون الحال فيه هو الحال بناء على كونه من قبيل حق الرهانة، فلا فرق- إذن- فى الحكم بين الوجهين، كما عن المحقّق الهمداني قدّس سرّه «1».

و لا يقاس المقام بباب البيع، فإنّ الحق و إن كان يتبع العبد الجاني هناك، إلّا أنّ المشتري يثبت له الخيار إذا لم يكن عالما بالحال، و مع علمه بذلك لا خيار له، لكونه قد أقدم على الضّرر. فلاحظ.

هذا كلّه في فرض عدم وفاء التركة بالزكاة و الدّين معا، و لو كان ذلك لأجل استغراق الدين لجميع التركة، و أمّا مع عدمه، بحيث يبقى من التركة بمقدار الزكاة فالأمر فيه ظاهر، حيث إنّه لا تزاحم حينئذ فى البين أصلا، كما لا يخفى.

(249) و الوجه فيه ظاهر، فإنّ المناط في تقديم الزكاة لو كانت هي جهة أسبقيّة حقّ الفقراء زمانا، نظرا إلى أنّ تعلّقه بالعين إنّما كان حال الحياة، فهو منتف في هذا الفرض، فإن تلف المال الزكوي يوجب اشتغال ذمة المالك بمقدار الفريضة،

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج

3/ كتاب الزكاة: ص 73، ط إيران الحجرية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 140

الزكاة و بين الغرماء، كسائر الديون و إن كان الموت قبل التعلّق و بعد الظهور (250)، فإن كان الورثة قد أدّوا الدين قبل تعلّق الوجوب من مال آخر، فبعد التعلّق يلاحظ بلوغ حصّتهم النصاب و عدمه، و إن لم يؤدّوا إلى وقت التعلّق، ففي الوجوب و عدمه إشكال، و الأحوط الإخراج، مع الغرامة للديّان أو استرضائهم.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 2، ص: 140

______________________________

فيكون حال الزكاة الدين في عدم تعلّقها بالعين إلا بعد الموت، و حينئذ فلا أسبقيّة تقتضي ترجيح الزكاة على الدين، كما لا يخفى. هذا، و لكنّك قد عرفت آنفا أنّ الصحيح هو الحكم بالتحاصّ مع الغرماء مطلقا، فلاحظ.

(250) هذه هي الصورة الثانية من الصور الثلاث فى المسألة، و لا ينبغى الإشكال- فيما لو أدّى الورثة الدين من مال اخر، قبل زمان التعلّق- في تعلّق الزكاة بحصّة كلّ واحد منهم على تقدير بلوغها النصاب، و هذا ظاهر لا سترة عليه، و إنّما البحث فيما لو لم يؤدّ الورثة ذلك، فالكلام- تارة- يقع فى الدين المستوعب، أي فيما إذا لم تكن التركة وافية بأداء الدين و الزكاة معا، و لو كانت وافية بأداء الدين فقط، إذ لا فرق بين الفرضين- أعني بهما: ما إذا كانت التركة وافية بالدين فقط، و ما إذا لم تكن التركة وافية بالدّين أيضا- في هذا البحث، و حينئذ فإن بنينا على أنّ التركة تنتقل

بالموت إلى ملك الوارث، غاية الأمر أنّه يتعلّق بها- بالموت-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 141

..........

______________________________

حقّ من الديّان يمنع الورثة من التصرّف فى المال، فلا محالة لا يبقى حينئذ مجال لتعلّق الزكاة أصلا، فإنّه يشترط فيه- كما تقدّم- أن يكون الملك طلقا، و هو مفقود فى المقام، كما هو ظاهر. و أمّا إذا بنينا على عدم الانتقال إلى ملك الورثة فيما لو كان على الميّت دين، بل إنّ المال يبقى على ملك المورّث إلى أن يعطى دينه، و لو كان الدين بمقدار درهم و التركة بمقدار ألف وسق مثلا، فضلا عمّا إذا كان الدين مستوعبا، فحينئذ يكون عدم وجوب الزكاة أوضح، أمّا وجوبها على الميّت فغير ممكن لأجل الموت، و لا يعقل حدوث تكليف جديد بالإضافة إلى الميّت، و أمّا بالإضافة إلى الورثة، فلعدم الملك المفروض كونه شرطا في تعلّق الزكاة بلا إشكال، كما مرّ تفصيله، و على كلّ حال فلا مجال للقول بتعلّق الزكاة على هذا التقدير.

نعم، يمكن توجيه القول بتعلّق الزكاة على تقدير الاستيعاب، بأن يقال: إنّه بناء على انتقال التركة بالموت إلى الوارث- كما هو الصحيح- غايته تعلّق حقّ الديّان بها، لا مانع من وجوب الزكاة سوى عدم كون الملك طلقا، من جهة حقّ الديّان، و بما أنّ الورثة قادرون على أداء الدين من غير التركة، فهذه القدرة الشأنيّة على التصرّف فى المال المذكور بأداء الدين من مال آخر تكفي في تعلّق الزكاة بها، كما فيما لو أمكن تخليص المغصوب أو المسروق بسهولة، على ما مرّ الكلام فيه، إذ لا يعتبر في ذلك القدرة الفعليّة على التصرّف. و لعلّ منشأ الإشكال المذكور فى المتن في هذا الفرض إنّما

هو الإشكال في كفاية القدرة بالواسطة، أو بتعبير اخر: الشك في كفاية القدرة الشأنيّة في تعلّق الزكاة.

و أمّا ما قيل: من أنّ المنشأ فيه لعلّه هو التوقّف في انتقال التركة بالموت إلى الورثة، أو التوقّف في أنّ حقّ الديّان- بناء على انتقال التركة- يكون مانعا من

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 142

..........

______________________________

تعلّق الزكاة، فهو بعيد جدّا، فإنّ الظاهر منه قدّس سرّه هو البناء على الانتقال و مانعيّة الحقّ المذكور عن تعلّق الزكاة، كما لا يخفى على المتأمّل في كلامه فى الفرض الثالث. و عليه، فالظاهر: أنّ منشأ الإشكال هو ما ذكرناه، فلاحظ. هذا كلّه على تقدير استيعاب الدين.

و أمّا إذا لم يكن كذلك، بأن كانت التركة وافية بأداء كلّ من الدين و الزكاة، فالظاهر أنّه لا مانع من تعلّق الزكاة بغير ما يقابل الدين من التركة، إذ هو ملك طلق للوارث. نعم، بناء على عدم الانتقال و لو مع الدين اليسير، كما هو ظاهر إطلاق كلام جملة من الأعلام قدّس سرّهم كما قيل، لا مجال للزكاة، لكن المبنى ضعيف جدّا، كما هو محرّر في محلّه.

نعم، يمكن الإشكال في تعلّق الزكاة على هذا الفرض بوجه اخر، و حاصله:

أنّه يشترط في تعلّق الزكاة أن يكون المال الزكويّ بشخصه مملوكا ملكا طلقا، و هذا مفقود فى المقام، فإنّ المملوك للوارث بالملك الطلق ليس هو إلّا الزائد على ما يقابل الدين، و حيث إنّه لم يتعيّن فى الخارج ما يكون في مقابل الدين، فلا محالة لم يتعيّن المال الزكوي ليكون بشخصه مملوكا للوارث، حتّى يجب الزكاة عليه. و الجواب عنه، كما افيد: هو أنّ المال الزكويّ بشخصه ملك للوارث، و إنّما الغير المشخّص هو

ما يستحقّه الديّان من التركة، فإنّه بالموت ينتقل جميع التركة إلى الوارث، غايته أنّ ملكه فيما يقابل الدين غير طلق، و هذا لا يستوجب صدق ممنوعيّة المالك عن التصرّف فى المال الزكويّ، الموجب لعدم كونه ملكا طلقا له، نظير ما إذا جعل المالك لزيد شيئا في أمواله- بنذر أو عهد و نحو ذلك- فهل يوجب هذا- عرفا- ممنوعيّته عن التصرّف في أمواله، بحيث يقال: إنّها ليست ملكا طلقا له؟، الظاهر أنّه- بملاحظة أحوال العرف- يتبيّن لنا خلافه، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 143

و أمّا إن كان قبل الظهور (251) وجب على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة، بناء على انتقال التركة إلى الوارث و عدم تعلّق الدّين بنمائها الحاصل قبل أدائه، و أنّه للوارث من غير تعلّق حقّ الغرماء به.

[مسألة 29]: إذا اشترى نخلا أو كرما أو زرعا،- مع الأرض

______________________________

و الحاصل، أنّ الإبهام و الترديد إنّما هو في متعلّق حقّ الديّان، و لكونه من قبيل الكليّ فى المعيّن، فهو لا يوجب عدم طلقيّة الملك إلّا فى المصداق المنحصر، كما إذا لم يبق من المال إلّا بمقدار حقّ الديّان، كما هو ظاهر.

(251) هذه هي الصورة الثالثة من صور المسألة، و الوجه فيما افاده المصنّف قدّس سرّه فيها ظاهر، فإنّ متعلّق حقّ الديّان- على فرض الاستيعاب- إنّما هو خصوص أصل التركة، دون النماء المتجدّد بعد انتقال التركة إلى الوارث، كما هو المفروض، فإنّ هذا النماء لا يكون بمتعلّق حقّ الديّان أصلا، و عليه فلا مانع من تعلّق الزكاة به على تقدير بلوغ نصيب كلّ من الورثة النصاب. هذا في فرض استيعاب الدين، و أمّا في غيره فالأمر فيه أوضح، كما

لا يخفى.

و أمّا ما عن الفقيه الهمداني «1»، من تعلّق الحقّ بالتركة و النماء المتجدّد معا، حتّى على فرض عدم استيعاب الدّين، فهو ممّا لا نرى له وجها محصّلا، و اللّه العالم.

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 73، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 144

أو بدونها- قبل تعلّق الزكاة، فالزكاة عليه بعد التعلّق، مع اجتماع الشرائط (252)، و كذا إذا انتقل إليه بغير الشراء، و إذا كان ذلك بعد وقت التعلّق فالزكاة على البائع (253)، فإن علم بأدائه، أو شكّ في ذلك، ليس عليه شي ء (254)، و إن علم بعدم أدائه فالبيع

______________________________

(252) لا إشكال فيما أفاده قدّس سرّه، لأنّه مال انتقل إليه قبل تعلّق الوجوب به، و كان في زمان التعلّق ملكا للمشتري كما هو ظاهر، سوى ما قد يمكن أن يورد عليه من الإشكال، من جهة اشتراط الزكاة بالنموّ فى الملك، كما ذهب إليه جماعة، منهم الفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه، على ما مرّ، و قد عرفت- فيما مضى- ضعفه، فلاحظ.

(253) و الوجه فيه ظاهر.

(254) ما أفاده في فرض العلم بالأداء ظاهر، و أمّا في فرض الشك فيه، فقد يقال:

إنّ الوجه في صحّة البيع حينئذ و عدم توقّفها على اجازة الحاكم إنّما هو من جهة قاعدة اليد، فإنّ مقتضاها الحكم بكون المبيع مملوكا للبائع بملك طلق، فالمعاملة الواقعة على المال المذكور محكوم عليها بالصحّة ظاهرا، من جهة استنادها إلى اليد، الّتي هي من الأمارات الشرعيّة على الملكيّة. هذا، و يمكن المناقشة فيه بأنّ اليد- المفروض كونها أمارة شرعيّة على الملكيّة- ليست مثل هذه اليد المعلومة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة،

ج 2، ص: 145

بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي (255)، فإن أجازه الحاكم

______________________________

الحال سابقا، حيث إنّا نعلم- وجدانا- بأنّ يد البائع على المال المذكور قبل زمان إخراج الزكاة إنّما كانت يد أمانة، نظرا إلى أنّ مقدارا منه كان مملوكا للفقراء، بنحو الشركة الحقيقيّة، أو الكليّ فى المعيّن، أو أنّه كان متعلّقا لحقّ الفقير، و مثل هذه اليد المعلومة الحال لا تكون أمارة شرعيّة على الملكيّة، فيكون الشكّ- حينئذ- في ردّ المالك الأمانة إلى أهلها و عدمه، و مقتضى الاستصحاب هو العدم. و نظيره: ما إذا علمنا بأنّ اليد على مال معيّن كانت يد عدوانية سابقا، و لكن شككنا- بعد ذلك في ملكيّته للمال المذكور، لاحتمال تملّكه له بالوجه المشروع، فإنّه لا يمكن- حينئذ- أن يعامل معه معاملة الملكيّة، استنادا إلى اليد، كما هو ظاهر.

هذا و قد فصّلنا الكلام في أصل المسألة، مع الإشكالات الواردة عليه في محلّه. و قد بنينا هناك على جريان قاعدة اليد في أمثال المقام، و مع الغضّ عنه، يمكن توجيه صحّة المعاملة: بأصالة الصحّة في فعل البائع، حيث يشكّ في أنّه هل كان له الولاية على البيع ليكون بيعه صحيحا بالنسبة إلى الجميع أو لا، و مقتضى حمل فعل المسلم على الصحّة هو الحكم بصحّة البيع المذكور، كما لا يخفى.

(255) هذا مبنيّ على القول بالإشاعة أو الكليّ فى المعيّن، كما هو مختاره قدّس سرّه فيما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى، و أمّا بناء على القول بثبوت الحقّ بنحو حقّ الرهانة، فالبيع بتمامه يكون فضوليّا، فإنّ المفروض كون تعلّق الحقّ المذكور مانعا عن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 146

الشرعي (256) طالبه بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة، و إن

دفعه إلى البائع رجع بعد الدفع إلى الحاكم عليه، و إن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع، و لو أدّى البائع الزكاة بعد

______________________________

وقوع المعاملة عليه، و بناء على كون الحقّ من قبيل حقّ الجناية- كما هو المختار- فالظاهر إنّما هو صحّة المعاملة بالإضافة إلى الجميع، غايته: أنّ الساعي يتبع العين، كما أشرنا إلى ذلك في أوائل البحث. هذا ما تقتضيه القواعد. و أمّا بالنظر إلى النصوص، فالمستفاد من صحيحة عبد الرحمن البصري هو صحّة البيع بالنسبة إلى الجميع، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم يزكّ إبله- أو شاته- عامين، فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم، تؤخذ منه زكاتها، و يتبع بها البائع، أو يؤدّي زكاتها البائع «1»»، و عليه فمن يقول بالشركة الحقيقيّة، أو الكليّ فى المعيّن، أو بكونها بنحو حقّ الرهانة، لا بدّ له من ارتكاب التأويل فى الرّواية. و منه يظهر الحال فى الفرع الآتي.

(256) الحاكم الشرعي وليّ الفقير، فله أن يجيز البيع بالنسبة إلى حصّته، و يطالب المشتري بالثمن، و بعد أداء المشتري ذلك إلى الحاكم، يرجع به على البائع إذا كان قد دفعه إليه، و له أن لا يجيز البيع، و يأخذ من المبيع مقدار الزكاة، كما دلّ عن ذلك الصحيح المتقدّم ذكره، فيرجع المشتري بثمنه على البائع إذا كان قد أدّى إليه

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الأنعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 147

البيع، ففي استقرار ملك المشتري، و عدم الحاجة إلى الإجازة من الحاكم، إشكال (257).

[مسألة 30: إذا تعدّد أنواع التمر- مثلا- و كان بعضها جيّدا أو أجود و بعضها الآخر ردي أو أردأ]

[مسألة 30]: إذا تعدّد أنواع التمر- مثلا- و كان بعضها جيّدا

أو أجود و بعضها الآخر ردي أو أردأ، فالأحوط الأخذ من كلّ

______________________________

الثمن كاملا، و ما أفاده قدّس سرّه على تقدير عدم الإجازة، مبني على أنّ المالك و إن كان له حقّ تبديل العين- في مقام دفع الزكاة- بشي ء آخر، إلّا أنّ المشتري ليس له ذلك، فللحاكم الولاية حينئذ، و له أخذ الزكاة من نفس المبيع و أن لا يرضى بالأخذ من غيره.

(257) هذه المسألة من فروع المسألة المعروفة في باب الفضولي بمسألة: «من باع شيئا ثمّ ملك»، فقد وقع النزاع فيه هناك فى الحاجة إلى الإجازة بعد فرض صيرورة نفس الفضول مالكا و عدمها، ففى المقام، حيث أنّ البائع لم يكن مالكا لمقدار حصّة الفقير كان البيع بالنسبة إليه فضوليّا لا محالة، فإذا أدّى الزكاة بعد البيع من مال آخر، بناء على ما هو المقرّر فى الشريعة من جواز أداء الزكاة من غير العين، صار مالكا للمقدار المذكور، فمن يقول في تلك المسألة بلزوم الإجازة لا بدّ له- في صحّة البيع بالنسبة إلى المقدار المذكور- من إجازة البائع. و عليه، فمنشأ الإشكال فى المقام إنّما هو توقّفه قدّس سرّه في تلك المسألة. و منه يظهر: أنّ الصحيح فى العبارة أن يقال: «من البائع»، بدل: «من الحاكم»

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 148

نوع بحصّته (258)، و لكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيّد، و إن كان مشتملا على الأجود، و لا يجوز دفع الردي عن الجيّد و الأجود على الأحوط.

______________________________

(258) قال العلّامة قدّس سرّه فى «التذكرة»: «الثمرة إن كانت- كلّها- جنسا واحدا أخذ منه، سواء كان جيّدا كالبرديّ «1»، و هو أجود نخل الحجاز، او رديئا، كالجعرور «2»، و مصران الفأرة «3»، و

عذق ابن حبيق «4» و لا يطالب بغيره. و لو تعدّدت الأنواع أخذ من كلّ نوع بحصّته، لينتفى الضرر عن المالك بأخذ الجيّد، و عن الفقراء بأخذ الردىّ، و هو قول عامّة أهل العلم «5». و قال مالك و الشافعي «6»: «إذا تعدّدت الأنواع أخذ من الوسط. و الأولى: أخذ عشر كلّ

______________________________

(1)- ضرب من أجود التمر (أقرب الموارد).

(2)- أمّ جعرور: تمر ردي. قال الأصمعي: «هو ضرب من الدقل، يحمل شيئا صغارا لا خير فيه» (الزبيدي، محمّد مرتضى: تاج العروس، ج 3: ص 103، ط بولاق- مصر).

(3)- ضرب من ردي التمر (أقرب الموارد). و هو الّذي يقال له: «معى فارة»- أيضا.

(4)- قال الفيّومي: «و يطلق العذق على أنواع من التمر، و منه: عذق ابن الحبيق، و عذق ابن طاب، و عذق ابن زيد. قاله ابو حاتم» (الفيّومي، أحمد بن محمّد: المصباح المنير، ج 1:

ص 474، ط الثانية، بولاق- مصر).

(5)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 573؛ المقدسي، عبد الرحمن بن أبي عمر:

الشرح الكبير، ج 2: ص 573، ط افست دار الكتاب العربي، بيروت؛ ابن رشد، محمّد بن أحمد: بداية المجتهد، ج 1: ص 274، ط مكتبة الكليّات الأزهريّة، مصر.

(6)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 573؛ المقدسي، عبد الرحمن بن أبي عمر:

الشرح الكبير، ج 2: 573، افست دار الكتاب العربي، بيروت؛ الشيخ خليل: جواهر الإكليل في مذهب الإمام مالك، ج 1: ص 126، ط افست دار المعرفة، بيروت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 149

..........

______________________________

واحد، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء «1»».

و ينبغي أن يقال: إنّ الكلام فى المسألة- تارة- يكون بالنظر إلى القواعد العامّة، و أخرى

بالنّظر إلى الأدلّة الخاصّة.

أمّا بحسب القواعد، فالحال فيه يختلف باختلاف المباني في كيفيّة تعلّق الزكاة بالعين، فعلى القول بالشركة الحقيقيّة فى العين، لا بدّ من التأدية من كلّ نوع بحصّته كما ذكره العلّامة قدّس سرّه، و لا يجوز أن يؤدّي الجيّد فقط، مع اشتمال العين على الجيّد أو الأجود. و السرّ في ذلك ظاهر، فإنّ الفقير شريك مع المالك- بنسبة العشر أو نصف العشر- في كلّ نوع من الأنواع، كما أشار إليه العلّامة قدّس سرّه بكلامه المتقدّم ذكره.

و على القول بالكليّ فى المعيّن، كما اختاره المصنّف قدّس سرّه، على ما سيجي ء منه ذلك إن شاء اللّه تعالى، فقد يقال بإمكان تأدية الردي عن الجيّد أو الأجود، فضلا عن الجيّد بدل الأجود. و ذلك لأنّ الفقير شريك مع المالك بنحو الكلي فى المعيّن، فيما يصدق عليه عنوان التمر، أو الحنطة، أو الشعير ...، و أمّا الخصوصيّات المنوّعة أو المصنّفة، الموجبة للجودة، و الرداءة و نحو ذلك، فلا شركة له مع المالك فيها. و لأجل ذلك ربما يستشكل ما احتاطه المصنّف قدّس سرّه، من عدم جواز دفع الردي عن الجيّد و الأجود، بناء على مختاره في كيفيّة تعلّق الزكاة بالعين.

و يمكن توجيه الاحتياط المذكور- على حسب القواعد- بأن يقال: إنّ مقتضى الانصراف هو أن يكون المؤدّى مسانخا فى الخصوصيّة لما تعلّق به الزكاة، فإذا كان ما تعلّق به الزكاة جيّدا- مثلا- لم يجز دفع الردي ء و إخراجه بدلا عنه.

______________________________

(1)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 161، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 150

..........

______________________________

و مثله على القول بتعلّق الزكاة بالعين من قبيل حق

الرّهانة، فإنّه حقّ تعلّق بالمال، و لا بدّ من الخروج عن عهدة الحقّ المذكور بما يكون مصداقا لطبيعي التمر، لا أكثر من ذلك. اللّهمّ إلّا أن يدّعى الانصراف فيه إلى ما يسانخ متعلّق الحقّ فى الخصوصيّات أيضا. و كذلك الحال على القول بكونها متعلّقة بالعين على نحو حقّ الجناية- كما هو المختار- وجها و انصرافا.

و أمّا بحسب الأدلّة الخاصّة، فقد استدلّ العلّامة قدّس سرّه «1» لعدم جواز إخراج الردي، بقوله تعالى: وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ- الآية «2»

و هذه الآية الكريمة- في حدّ نفسها- لا ارتباط لها بما هو المدّعى، فإنّ المنهيّ عنه فيها إنّما هو الإنفاق من الخبيث، و الردي- لغة- ليس بمصداق للخبيث؛ إلّا أنّه فسّر الخبيث فى الرّوايات بما يوجب انطباق الخبيث على الردي، ففي خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جل: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ- الآية قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إذا أمر بالنخل أن يزكّى، يجي ء قوم بألوان من التمر، و هو من أردى التمر يؤدّونه من زكاتهم تمرا، يقال له: «الجعرور» و «المعافارة» قليلة اللّحاء «3»، عظيمة النوى، و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيّد، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لا تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منهما بشي ء، و في ذلك نزل: وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا

______________________________

(1)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 162، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

(2)- البقرة،

2: 267.

(3)- لحاء التمرة: ما كسا النواة (المعجم الوسيط).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 151

[مسألة 31: الأقوى أنّ الزكاة متعلّقة بالعين]

[مسألة 31]: الأقوى أنّ الزكاة متعلّقة بالعين (259)، لكن لا

______________________________

فِيهِ ...، و الإغماض أن يأخذ هاتين التمرتين «1»»، و نحوه: خبر عبد اللّه بن سنان «2»، و رفاعة «3»، و اسحاق بن عمّار «4».

هذا، و لكن لا يخفى عليك: أنّ الاستدلال بالرواية- و لو بضميمة الروايات المفسّرة للخبيث- إنّما يختصّ بدفع الأردإ عن الجيّد أو الأجود، فلا يجوز ذلك، بالنظر إلى الآية الكريمة. و أمّا عدم دفع الجيّد عن الأجود منه، فلا يستفاد من الآية الكريمة، كما هو ظاهر.

و أمّا عدم جواز دفع الرديّ- لا الأردإ- عن الجيّد أو الأجود، فلم يعلم ذلك من الآية الكريمة و لو بضميمة النصوص المفسّرة لها، فإنّ المنهيّ عنه فى الرّوايات إنّما هو «الجعرور» و «المعى فارة» و هما من أردإ أنواع التمر، و لم يرد نصّ في الردي، و المفروض أنّ الآية الكريمة- في حدّ نفسها- غير قابلة للاستدلال بها. و لذلك كان مقتضى الاحتياط هو عدم جواز دفع الردي عن الجيّد.

(259) قد مرّ الكلام في ذلك مفصّلا و مستدلّا فى الجزء الأوّل من الكتاب، و بيّنا هناك ما هو المختار فى المسألة، فلا طائل فى الإعادة، فلاحظ.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 19: زكاة الغلّات، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 152

على وجه الإشاعة، بل على وجه الكليّ في المعيّن، و حينئذ لو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب صحّ (260)، إذا كان مقدار الزكاة باقيا عنده، بخلاف ما إذا باع

الكلّ فإنّه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضوليّا محتاجا إلى الإجارة من الحاكم- على ما مرّ- و لا يكفى غرمه على الأداء من غيره (261) في استقرار البيع، على الأحوط.

[مسألة 32: يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم]

[مسألة 32]: يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم (262)،

______________________________

(260) قد مرّ الكلام- أيضا- فى الفروع المترتّبة على المباني و الأقوال فى المسألة.

فراجع و لاحظ.

(261) مقتضى القاعدة و إن كان هو عدم كفاية العزم، على فرض كون المعاملة فضولا، و لكن الوجه فى الاحتياط دون الفتوى هو ما ربما يمكن أن يقال: إنّ ما دلّ على جواز الإفراز- كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى فى المسألة الرابع و الثلاثين- يدلّ على كفاية العزم على الأداء أيضا.

(262) قال فى «الجواهر «1»»: بلا خلاف أجده بيننا، بل فى «الخلاف «2»» و

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 254، ط النجف الأشرف.

(2)- الطوسى، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 61، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 153

..........

______________________________

«المعتبر «1»» و غيرهما «2»: الإجماع عليه، بل فى الأوّل: أنّ الشافعيّ، و عطاء، و الزهري، و مالك، و أبا ثور «3» ذكروا أنّه إجماع الصّحابة».

قلت: المراد بالجواز هو الحجيّة، و نفوذ الخرص، بحيث يترتّب عليه آثاره، لا الجواز التكليفي في مقابل المنع، إذ لا يحتمل الحرمة تكليفا فى المقام، كما هو ظاهر. و جواز الخرص- بالمعنى المذكور- فى الجملة ممّا لا ينبغى الشكّ فيه، لكونه موجبا للاطمينان، الّذي هو علم عاديّ عند العرف و حجّة عند العقلاء، بعد ملاحظة حال الخارصين في زمان المشرّع الأعظم صلى اللّه عليه و آله، و فى الأزمان الّتي

وليته، حيث كان بناء الخارصين على الأخذ بالاحتمال المتيقّن به، لا أعلى الاحتمالات. و عليه فالخرص- فى الجملة- الموجب للاطمينان لا شكّ في حجيّته، و لا مجال للبحث عنه.

إنّما البحث و الكلام في جهات ثلاث:

الأولى: هل إنّ الخرص أمارة شرعا، بحيث يترتّب عليه من الآثار ما يترتّب على سائر الأمارات الشرعيّة، من دون أن يناط حجيّته و نفوذه بحصول الاطمينان منه؟

الثانية: إنّ الخرص هل يكون معاملة و مصالحة، و يترتّب على ذلك أنّه يكون له موضوعيّة، فلا يتصوّر له كشف خلاف أبدا، أو أنّه ليس معاملة، بل يكون طريقا إلى إحراز المقدار و الكميّة، فإذا انكشف الخلاف- بعد ذلك-

______________________________

(1)- ليس فى «المعتبر» ما يدلّ على ذلك صريحا. و لعلّ من نسب ذلك إليه- ك «الجواهر» و «مفتاح الكرامة»- اعتمد على ظاهر كلامه قدّس سرّه.

(2)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة: ج 3/ كتاب الزكاة: ص 107.

(3)- ابن قدامة، عبد اللّه بن احمد: المغني، ج 2: ص 568؛ المقدسي، عبد الرحمن ابن أبي عمر:

الشرح الكبير، ج 2: ص 568.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 154

..........

______________________________

فرضا، بأن تبيّن كون حقّ الفقراء- مثلا- أكثر من المقدار المخروص، كان على المالك إخراجه؟

الثالثة: إنّه- على تقدير كونه معاملة- فمن هما طرفا هذه المعاملة و المصالحة؟

أمّا الجهة الأولى، فقد استدلّ لحجيّة الخرص بوجوه:

الأوّل «1»: دليل نفي الضّرر، و نفي العسر و الحرج، بتقريب: أنّه يلزم من عدم حجيّة قول الخارص الضّرر على المالك، أو وقوعه فى العسر و الحرج، و هما منفيّان فى الشريعة. بيان الملازمة: أنّه لو لا حجيّة قول الخارص لزم منه عدم جواز تصرّف المالك فى الثّمر من حين بدوّ صلاحه- و هو زمان

الخرص كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى- إلى زمان الجفاف، و هو صيرورته تمرا أو زبيبا- و هو زمان إخراج الزكاة- لأنّ ذلك يستلزم التصرّف في حقّ الفقراء، فلا يجوز للمالك أكله، أو تقديمه إلى ضيوفه، أو إهدائه إلى أصدقائه، و هو ضرر بحقّ المالك، و حرج عليه، و هما منفيّان فى الشريعة، كما قلنا.

و يتوجّه عليه أوّلا: أنّ عدم جواز التصرّف كذلك- بناء على عدم حجّية الخرص- إنّما يكون على بعض المباني و الأقوال في كيفيّة تعلّق الزكاة بالمال، لا مطلقا، فالدليل يكون أخصّ من المدّعي لا محالة.

بيانه: إنّه على القول بالشركة الحقيقية في باب الزكاة يتّجه الدليل المذكور، كما هو ظاهر. و أمّا على سائر المباني و الأقوال، كالقول بالكليّ فى المعيّن، أو كونه بنحو حقّ الجناية، و نحو ذلك فلا مانع من التصرّف إذا كان يبقى من المال بمقدار

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 74، ط إيران الحجريّة.

و نسبه قدّس سرّه إلى محكي «المعتبر»، و لم أجده فى كتاب «المعتبر». و اللّه العالم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 155

..........

______________________________

ما هو متعلّق لحقّ الفقراء. و قد عرفت فيما سبق أنّ مبنى الشركة الحقيقيّة ضعيف.

و ثانيا: أنّ الملازمة ممنوع منها حتّى على القول بالشركة الحقيقيّة، فإنّها إنّما تبتني على عدم جواز إخراج الزكاة بعد بدوّ الصّلاح و قبل الجفاف، أي قبل صيرورة الرطب تمرا، و العنب زبيبا، و أمّا إذا قلنا بجواز ذلك- كما هو المختار، و قد سبق بيانه- فلا موجب لمنع المالك عن التصرّف حينئذ، إذ له أن يخرج حقّ الفقراء، ثمّ يتصرّف فى المال كيف شاء.

الثانى: بجملة من الروايات «1»

جلّها ضعاف السند، عدا روايتين منها، و هما صحيحا سعد بن سعد الأشعرى، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام- في حديث- قال:

سألته عن الزكاة فى الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، متى تجب على صاحبها؟

قال: «إذا صرم، و إذا خرص «2»»، و قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام، عن العنب، هل عليه زكاة، أو إنّما تجب إذا صيّره زبيبا؟ قال: «نعم، إذا خرصه أخرج زكاته «3»».

و الروايتان و إن لم تكونا واردتين لبيان أماريّة الخرص، بل لبيان وقت الوجوب، لكنّهما تدلّان على ذلك، و أنّه- أي الخرص- كان أمرا متعارفا عند النّاس، و قد أمضاه الشارع، و يترتّب على ذلك- لا محالة- آثار الأمارة الشرعيّة.

إلا أنّهما لا تدلّان على كون الخرص معاملة و معاوضة خاصّة، و لا على كونه ممّا يترتّب عليه المعاملة الخاصّة، بل غاية ما يستفاد من الروايتين إنّما هو كون الخرص أمارة عند العرف و العقلاء، و قد أمضاها الشارع أيضا، و إذن فلا

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 19: زكاة الغلات.

(2)- المصدر/ باب 12: زكاة الغلات، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 156

بل و الزرع (263) على المالك، و فائدته جواز

______________________________

مجال للبحث عن الجهة الثالثة من الجهات الثلاث، الّتي تقدّمت الإشارة إليها، إذ هي متفرّعة على كون الخرص معاملة خاصّة، أو ممّا يترتّب عليه المعاملة.

(263) كما هو المشهور، على ما في «تخليص التخليص «1»»، و اختاره الشيخ قدّس سرّه في «الخلاف «2»»، مدّعيا الإجماع عليه، و المحقّق الثاني قدّس سرّه في «جامع المقاصد «3»»، و صاحب «كشف الغطاء «4»». و اقتصر فيه بعضهم- كما فى «المعتبر «5»»، و

«المنتهى «6»»، و «التحرير «7»»، و غيرها «8»- على النخل و الكرم، اقتصارا في ما خالف القواعد على مورد النّص، و لبعض الوجوه الاستحسانيّة الأخر «9».

______________________________

(1)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 107.

(2)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: صص 60- 61، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- المحقّق، عليّ بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 23، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

(4)- كاشف الغطاء، الشيخ جعفر: كشف الغطاء، ص 348، ط الحجريّة- إيران.

(5)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 535، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(6)- العلامة الحلّى، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 501، ط الحجريّة- إيران.

(7)- العلامة الحلّى، الحسن بن يوسف: تحرير الأحكام، ج 1: ص 63، ط الحجريّة- إيران.

(8)- العلامة الحلّى، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 1: ص 342، ط مؤسسة النشر الإسلامى، قم- إيران؛ الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: صص 215- 216، ط المكتبة المرتضويّة، طهران- إيران.

(9)- مثل «إنّ الزرع قد يخفى خرصه لاستتار بعضه، و تبدّده، و عدم اجتماعه، و قلّة التطلع على مقدار كل سنبلة منه، بخلاف النخل، فان ثمرته ظاهرة مجتمعة تمكّن الخارص من إدراك كلّ عذق منها، و كذا الكرم»، و مثل: «إنّ الحاجة بالنخل و الكرم ماسّة إلى-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 157

التصرّف (264) للمالك، بشرط قبوله (265)، كيف شاء، و وقته بعد

______________________________

و الحقّ- كما اختاره المصنّف قدّس سرّه أيضا- هو التعميم للزرع أيضا، لصحيح سعد بن سعد الأشعري الأوّل، المتقدّم «1».

(264) هذا، بناء على كون الخرص معاملة خاصّة ظاهر، و لكنّه غير ثابت كما عرفت، و

عليه فيكون الحكم بجواز التصرّف و عدمه على طبق القواعد العامّة، فعلى القول بالشركة الحقيقية في باب الزكاة، لا يجوز التصرّف من المالك بعد الخرص، كما كان لم يجز له ذلك قبله أيضا. و مثله بناء على القول فيها بأنّها من قبيل تعلّق حقّ الرهانة بالمال، حيث لا يجوز للمالك التصرّف، لا قبل الخرص و لا بعده. و أمّا على القول فيها بالكليّ فى المعيّن، يجوز للمالك التصرّف بما يبقى معه مقدار حقّ الفقراء، بلا فرق في ذلك بين ما قبل الخرص و ما بعده. و أمّا بناء على كونها من قبيل حقّ الجناية- كما هو المختار- فيجوز للمالك التصرّف في جميعه مطلقا، قبل الخرص و بعده.

(265) إذا كان جواز التصرّف مبنيّا على كون الخرص معاملة خاصّة كان الشرط

______________________________

- الخرص، لاحتياج أربابها إلى تناولها رطبة غالبا قبل الجذاذ و الاقتطاف، بخلاف الزرع، فإنّ الحاجة إلى تناول الفريك قليلة جدّا» (العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: صص 501- 502، ط الحجريّة- إيران).

(1)- صفحة 155.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 158

بدوّ الصلاح و تعلّق الوجوب (266)، بل الأقوى جوازه من المالك، بنفسه (267) إذا كان من أهل الخبرة، أو بغيره من عدل

______________________________

المذكور في محلّه. و حيث قد عرفت أنّه لا دليل على كونه كذلك، و إنّما يكون مبنى جواز التصرّف- إثباتا و نفيا، مطلقا أو بالتفصيل- هي القواعد العامّة، لم يكن للشرط المذكور محلّ أصلا.

(266) كما نصّ عليه جماعة «1»، بل عن المحقّق البهبهاني قدّس سرّه في شرح «المفاتيح» دعوى ظهور الإجماع عليه «2».

و ينبغي أن يقال: إنّا إذا قلنا بكون الخرص مجرّد أمارة شرعيّة على تعيين مقدار الزكاة-

كما هو الصّحيح، على ما عرفت- فلا موجب لتوقيت ذلك بوقت خاصّ، بل يجوز الخرص- على هذا- قبل بدوّ الصلاح و بعده. و الحاصل، أنّه كلّما كان الخرص متعارفا- بحسب الوقت- خارجا، جاز ذلك، سواء كان قبل تعلّق الوجوب أم بعده. نعم، إذا قلنا بكونه معاملة، فلا بدّ من توقيته بزمان الوجوب، و هو بدوّ الصّلاح، كما عرفت ذلك سابقا، إذ قبل بدوّ الصلاح لا وجوب للزكاة، لتقع المعاملة على حقّ الفقراء.

______________________________

(1)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 107.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 74، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 159

أو عدلين (268)،

______________________________

(267) قال فى «الجواهر «1»»: «بل قد يقوى جوازه من المالك إذا كان عارفا، و خصوصا مع تعذّر الرجوع إلى الوليّ العام، كما عن الفاضلين «2»، و الشهيد، و المقداد، و الصيمري: النصّ عليه».

و ينبغى القول بأنّه: إذا كان الخرص مجرّد أمارة شرعيّة على تعيين مقدار الزكاة- كما هو الصّحيح- لم يكن هناك فرق بين الخارص، و أن يكون هو المالك أو غيره شريطة أن يكون من أهل الخبرة. و أمّا على القول بكونه معاملة خاصّة، فلا بدّ من الأخذ بما هو القدر المتيقّن به من النّصوص، و هو أن يكون الخارص هو غير المالك.

(268) لا دليل على اعتبار العدالة فى الخارص، لا بناء على كونه أمارة شرعية على تعيين مقدار الزكاة، و لا على تقدير كونه معاملة خاصّة، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 257، ط النجف الأشرف.

(2)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب: ج 1: ص

501، ط إيران الحجريّة؛ تحرير الأحكام، ص 64، ط إيران الحجريّة؛ تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 168، ط مؤسسة آل البيت عليه السّلام، قم؛ المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 538، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

قال في «مفتاح الكرامة»: «و فيه- أي فى «المعتبر»- أيضا- و «التذكرة»، و «التحرير»، و «البيان»، و «الموجز الحاوي»، و «كشف الالتباس»: لو لم يكن ساع جاز للمالك أن يخرج عدلا يخرصه، و لو خرص بنفسه جاز إذا كان عارفا» (مفتاح الكرامة، ج 3: ص 108).

أقول: لم أجد النصّ المذكور في ما عدا الكتابين الأخيرين، كما لم يحضرني عاجلا الكتابين الآخرين حتّى ألاحظهما. و اللّه العالم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 160

و إن كان الأحوط الرجوع إلى الحاكم (269)، أو وكيله مع التمكّن.

و لا يشترط فيه الصيغة (270) فإنّه معاملة خاصّة، و إن كان لو جي ء بصيغة الصلح كان أولى، ثمّ إن زاد ما في يد المالك كان له، و إن نقص كان عليه (271). و يجوز لكلّ من المالك و الخارص الفسخ مع الغبن الفاحش (272)، و لو توافق المالك و الخارص

______________________________

(269) يأتى الكلام- إن شاء اللّه تعالى- في ولاية الحاكم على ذلك.

(270) قد عرفت أنّه لا دليل على كون الخرص معاملة خاصّة، بل غاية ما يستفاد من الدليل هو كونه مجرّد أمارة شرعيّة على تعيين مقدار الزكاة.

(271) هذا إنّما يكون على تقدير أن يكون الخرص معاملة خاصّة، و قد عرفت عدم الدّليل عليه.

(272) بناء على كون الخرص معاملة، لا محالة يجري فيه خيار الغبن، لعدم اختصاص أدلّته بالبيع، كما حقّق ذلك في محلّه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2،

ص: 161

على القسمة رطبا جاز (273)، و يجوز للحاكم (274)، أو وكيله، بيع نصيب الفقراء، من المالك أو غيره.

[مسألة 33: إذا اتّجر بالمال الّذي فيه الزكاة قبل أدائها]

[مسألة 33]: إذا اتّجر بالمال الّذي فيه الزكاة قبل أدائها، يكون الربح للفقراء بالنسبة (275)، و إن خسر يكون خسرانها عليه.

______________________________

(273) قد عرفت سابقا أنّ وقت وجوب الزكاة إنّما هو حين بدوّ الصلاح، و أنّه يجوز له إخراج الزكاة في ذلك الوقت، و أمّا تأخيره إلى حين صيرورة الرطب تمرا، و العنب زبيبا و نحو ذلك، إنّما هو إرفاق بحقّ المالك، و عليه، فإذا كان الخرص أمارة شرعيّة على تعيين مقدار الزكاة، كان للمالك إخراج الزكاة رطبا، بلا حاجة له إلى التوافق مع الخارص.

(274) يأتي الكلام- إن شاء اللّه تعالى- البحث عن ولاية الحاكم على ذلك.

(275) تارة يقع الكلام فى المسألة بالنظر إلى القواعد، و أخرى بالنظر إلى النصوص الخاصّة. أمّا الأوّل، فتفصيل القول فيه أنّ تعلّق الزكاة إن كان بنحو الشركة الحقيقيّة، فلا محالة يكون البيع فضوليّا بالنسبة إلى مقدار حقّ الفقراء، و حينئذ فإن أجازه الحاكم- و هو الوليّ العام- أو وكيلهم الخاصّ، صحّت المعاملة، و كان

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 162

..........

______________________________

الربح و الخسران عليهما، غير أنّه يمكن الإشكال في إجازة الحاكم على تقدير كون المعاملة موجبة للخسارة، و ذلك: لأنّه مأمور بملاحظة حقوق الفقراء و عدم تفريطه بها، و الإجازة مع الخسران تفريط- لا محالة- بحقّ الفقراء.

و كذلك الحال إذا قلنا بأنّ الزكاة من قبيل تعلّق حقّ الرهانة بالمال، فإنّ البيع بالنسبة إلى الجميع يكون فضوليّا، فإنّ أجازه من له الإذن صحّ و إلّا فلا، و لكن لا يقسّط الرّبح أو الخسران عليهما، لأنّ متعلّق حقّ

الفقراء- على هذا المبنى- إنّما هو الكلّي فى الذّمة. و أمّا بناء على كونها من قبيل الكلي فى المعيّن، فالبيع بالنسبة إلى مقدار حقّ الفقراء يكون فضوليّا، يحتاج إلى إجازة من له ذلك، و على تقدير الإجازة يكون الربح بالنسبة إلى مقدار حقّ الفقراء لهم، و الخسران عليهم، كما هو ظاهر.

نعم، بناء على كون تعلّقها بالمال من قبيل حقّ الجناية- كما هو المختار- تكون المعاملة بالنسبة إلى الجميع صحيحة، بلا حاجة إلى الإجازة من أحد. هذا ما تقضيه القواعد فى المسألة.

و أمّا الثاني، و هو ما تقتضيه الأدلّة الخاصّة، فقد دلّت صحيحة عبد الرحمن البصري، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم يزكّ إبله، أو شاته، عامين، فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم، تؤخذ منه زكاتها، و يتبع بها البائع، أو يؤدّي زكاتها البائع «1»» على صحّة المعاملة بالنسبة إلى الجميع.

و أمّا ما أفاده المصنّف قدّس سرّه من كون الربح للفقراء و المالك بالنسبة، و الخسران على المالك، فلم يدلّ عليه دليل، إلّا رواية عليّ بن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن الزكاة يجب عليّ في مواضع لا يمكنني أن أؤدّيها؟

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: زكاة الانعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 163

[مسألة 34: يجوز للمالك عزل الزكاة و إفرازها]

[مسألة 34]: يجوز للمالك عزل الزكاة و إفرازها (276)،

______________________________

قال: «اعزلها ...- إلى أن قال عليه السّلام:- و إن فإن لم تعزلها، فاتجرت و اتجرت بها في جملة مالك، فلها تقسيطها من الربح، و لا وضيعة عليها «1»، غير أنّ الرواية ضعيفة سندا، و الشهرة غير قائمة على طبق مفادها لتكون جابرة

لضعفها، بعد التسليم بكبرى انجبار الضعف بذلك، بل الشهرة على خلافها، ممّا يدلّ ذلك على إعراض المشهور عنها. فالصّحيح- إذن- هو صحّة المعاملة عندنا بالنظر إلى كلّ من القواعد العامّة و الأدلّة الخاصّة.

(276) موضوع البحث في كلام الفقهاء هو تبديل متعلّق حقّ الفقراء، و تعيينه في مال معيّن، سواء كان من عين المال الزكويّ، أو مال اخر. و المراد بالجواز في عنوان المسألة هو الأعمّ من الجواز التكليفي و الوضعي.

و يدلّ عليه جملة من النصوص، كصحيح أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا أخرج الزكاة من ماله، ثمّ سمّاها لقوم فضاعت، أو أرسل بها إليهم فضاعت، فلا شي ء عليه «2»، و موثق يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: زكاتي تحلّ عليّ في شهر، أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا، مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة، فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك، لا تخلطها بشي ء، ثمّ أعطها كيف شئت. قال: قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي؟ قال: نعم،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 52: المستحقّين للزكاة، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 39: المستحقّين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 164

..........

______________________________

لا يضرّك «1»». و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنّه قال: فى الرجل يخرج زكاته، فيقسّم بعضها و يبقى بعض، يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوّله و آخره ثلاثة أشهر؟ قال: «لا بأس «2»»، و مصحّح عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، إنّه قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد، فقد برئ منها «3»». هذا ما

تقتضيه النصوص، و قد أشرنا إلى ما هو العمدة منها. و مع قطع النظر عنها فمقتضى القاعدة هو عدم الجواز، تكليفا و وضعا، بناء على القول بالإشاعة، فإنّ مقتضاه عدم جواز تصرّف بعض الشركاء فى المال المشترك بدون الإذن من سائر الشركاء، كما أنّ مقتضاه: هو عدم تحقّق الإفراز إلّا عن رضا الطرفين المشتركين، كما هو ظاهر، كما هو الحال بناء على القول بتعلّق الحقّ بنحو حقّ الرهانة، فإنّ التصرّف بدون إذن صاحب الحقّ غير جائز، كما أنّ حصر متعلّق الحقّ بمقدار معيّن من المال- بعد فرض كون الجميع متعلّقا له- لا يكون إلّا عن رضا صاحب الحقّ. و أمّا بناء على القول بالكلّي فى المعيّن- كما هو مختاره قدّس سرّه- فيجوز التصرّف في ما عدا مقدار الزكاة تكليفا، كما مرّ ذلك. و أمّا وضعا فلا، إذ لا دليل على تعيّن مقدار الزّكاة بتعيين المالك. و كذلك الحال على تقدير كون الحق بنحو حقّ الجناية- كما هو المختار- فإنّ مقتضى القاعدة إنّما هو الجواز تكليفا، و ذلك لأنّه- بناء على هذا- يجوز للمالك التصرّف في جميع المال تكليفا، إلّا أنّ الجواز الوضعي، و هو تعيّن متعلّق الحقّ في مقدار معيّن فلا دليل عليه. هذا ما تقتضيه القواعد.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 52: المستحقين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 53: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 39: المستحقّين للزكاة، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 165

من العين أو من مال آخر (277)، مع عدم المستحقّ، بل مع وجوده (278) أيضا، على الأقوى، و فائدته (279) صيرورة المعزول ملكا

______________________________

(277) ربما يقال: بلزوم كون العزل من العين، لا من

مال آخر، بدعوى أنّ الظاهر من قوله عليه السّلام في صحيح أبي بصير المتقدّم: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ...»

هو ذلك. و على تقدير التنزّل عنه، و البناء على إجمال الرواية من هذه الناحية، فلا شكّ في أنّ القدر المتيقّن به من جواز العزل هو ذلك، و لا دليل على جواز العزل مطلقا.

و يندفع ذلك بأنّه- بعد العلم بجواز إخراج الزكاة من غير المال الزكوي، بل تعين ذلك في بعض الموارد، كما في نصب الإبل الخمس الأوّل- لا يبقى ظهور للرواية فيما ذكر، بل يكون معناه هو إخراج الواجب الماليّ، أعمّ من أن يكون ذلك من نفس المال الزكويّ، أو من غيره. و كذلك الحال في سائر نصوص المسألة. فالصحيح هو ما اختاره المصنّف قدّس سرّه.

(278) القدر المتيقّن به من جواز العزل هو مع عدم المستحق، و أمّا مع الوجود، فيدلّ على جواز العزل حينئذ صريح موثّق يونس بن يعقوب المتقدّم.

(279) بناء على القول بالشركة الحقيقيّة، و القول بالكليّ فى المعيّن، تكون فائدة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 166

للمستحقّين قهرا، حتّى لا يشاركهم المالك عند التلف، و يكون أمانة في يده (280)، و حينئذ لا يضمنه إلّا مع التفريط، أو التأخير مع وجود المستحقّ (281)،

______________________________

العزل هو تعيّن الزكاة فى المعزول، و أمّا بناء على القول بكونه من قبيل حقّ الجناية، فلا يوجب العزل صيرورة المال المعزول ملكا للمستحقّين. و كذلك الحال على القول بكونه من قبيل حقّ الرهانة، كما هو ظاهر.

(280) بناء على الإشاعة و الشركة الحقيقية، و كذلك على القول بالكلي فى المعيّن، يكون المال المعزول أمانة شرعيّة تحت يد المالك، فيضمنه- لا محالة- مع التفريط، لا

بدونه، لأنّ الأمين غير ضامن إلّا مع التعدّي و التفريط، و أمّا على المختار، من كون تعلّق الزكاة بالعين بنحو حقّ الجناية، فلا يوجب العزل صيرورة المعزول ملكا للمستحقّين، بل غايته أن يكون متعلّق حقّه هو المعزول، لا غير، و عليه، فلا يضمنه و لو مع التفريط، و إن أثم، لأنّ إتلاف المال يوجب الضمان، لا الأعمّ منه و من إتلاف الحقّ، كما حقّق ذلك في محلّه. و مثله القول بكونه من قبيل حقّ الرهانة.

نعم، مقتضى الروايتين- الآتيتين في الفرع التالي- إنّما هو الضمان، حتّى على القول بكون الحقّ من قبيل حقّ الجناية أو الرهانة أيضا، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 167

و هل يجوز (282) للمالك إبدالها بعد عزلها؟ إشكال، و إن كان

______________________________

(281) و يدلّ عليه مصحّح محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم، فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال عليه السّلام: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه، فبعث بها إلى أهلها، فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده ... «1»»، و صحيح زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال عليه السّلام: «ليس على الرسول، و لا على المؤدّي ضمان. قلت:

فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال عليه السّلام: لا، و لكن إن (اذا) عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها «2»»، و بهما يخرج عن إطلاق صحيح أبي بصير المتقدّم «3» الدالّ على عدم

الضّمان.

(282) الأقوى هو عدم جواز الإبدال، سواء قلنا- في باب الزكاة- بالملك، بنحو الإشاعة أو الكلي فى المعيّن، أم قلنا بالحقّ، بنحو حقّ الجناية- كما هو المختار- أو غيره. و ذلك لأنّ إذن الشارع فى العزل إنّما أوجب تعيّن الملك- أو الحقّ- فى المعزول، و أمّا جواز، التصرّف في ذلك بالإبدال فلم يثبت من الشارع، و مقتضى الأصل و القاعدة هو عدم جوازه، و عليه، فلا وجه لما افاده قدّس سرّه من الإشكال، بل الأقوى هو عدم جواز الإبدال، لما عرفت.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- صفحة 163.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 168

الأظهر عدم الجواز، ثمّ بعد العزل يكون نماؤها للمستحقّين (283)، متّصلا كان أو منفصلا.

______________________________

(283) هذا على مذهبه قدّس سرّه من القول بالكليّ فى المعيّن، و كذلك على القول بالإشاعة و الشركة الحقيقيّة. و أما بناء على المختار، فلم يكن المستحقّون مالكين للمال، حتّى يكون نمائه راجعا إليهم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 169

[فصل في ما يستحبّ فيه الزكاة]

اشارة

[فصل] في ما يستحبّ فيه الزكاة و هو- على ما أشير إليه سابقا- أمور:

[الأوّل: مال التجارة]

اشارة

الأوّل: مال التجارة (284)،

______________________________

(284) تقدّم «1» أنّ الظاهر إنّما هو وجوب الزكاة في مال التجارة، خلافا للمذهب المشهور، و قد مرّ تفصيل الكلام فيه هناك، فلاحظ. و يقع الكلام فعلا في تحقيق الموضوع للحكم، الأعمّ من الوجوب أو الاستحباب، فعن جماعة «2»،

______________________________

(1)- لاحظ الجزء الأوّل من كتابنا هذا.

(2)- الشهيد الأوّل، محمّد بن مكي: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 238، ط مؤسسة النشر الإسلامى، قم؛ المحقّق الحلي، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 549، نشر مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 1، ص 400، ط مؤسّسة المعارف الإسلامية، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 170

..........

______________________________

منهم المصنّف قدّس سرّه: إنّ الموضوع إنّما هو عنوان «مال التجارة»، و لا شكّ في صدق العنوان المذكور بمجرّد إعداد المال التجارة، و إن لم يتجر به بالفعل، و على هذا فلا يفرق الحال فيه بين أن يكون انتقال المال إليه بعقد معاوضة، أو بغيره من موجبات الانتقال، القهري و الاختياري، كالهبة، و الإرث و نحوهما، و لا بين أن يكون الإعداد للتجارة مقارنا لزمان الانتقال أو متأخّرا عنه. و ذهب جماعة «1»، بل ربما نسب إلى المشهور «2»، بل إلى علمائنا «3»، و اختاره المحقّق الهمدانى قدّس سرّه أيضا، الى أنّ الموضوع إنّما هو المال الّذي وقعت التجارة عليه بالفعل، فلا يكفي في وجوب الزكاة أو استحبابها مجرّد الإعداد للتجارة، بل لا بدّ في ذلك من تحقّق الاتّجار الفعليّ به.

و استدلّ لهذا القول- مضافا إلى دعوى انصراف «مال التجارة» إلى ما وقع الاتّجار به بالفعل-

بأنّ مقتضى نصوص المسألة هو ذلك، كالمستفيضة الواردة فيمن كسد عليه متاعة؛ كمصحّح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه ... «4»، و خبر أبى الربيع الشامي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه ... الخبر «5»، فإنّ الموضوع فيهما إنّما هو المال الّذي وقعت التجارة عليه بالفعل. و كخبر خالدين الحجّاج الكوفي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة، فقال: «ما كان من تجارة

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 259، ط النجف الأشرف.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 70، ط إيران الحجريّة.

(3)- الموسوى العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 165، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما يستحبّ فيه، ح 3.

(5)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 171

..........

______________________________

في يدك فيها فضل، ليس يمنعك من بيعها ... «1»»، و مقطوعة محمّد بن مسلم، قال:

«كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة، إذا حال عليه الحول «2»»، فإنّ المستفاد من الخبرين الأخيرين الاتّجار الفعلي، كما هو ظاهر.

و يدلّ على ذلك- أيضا- الروايات المستفيضة الواردة في مال اليتيم، كمصحّح محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل على مال اليتيم زكاة؟

قال: «لا، إلّا أن يتجر به، أو تعمل به «3»، و خبر سعيد السّمان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ليس في مال اليتيم زكاة، إلّا أن يتجر به، فإن اتّجر

به فالربح لليتيم ... «4»»، و خبر أبى العطارد الخيّاط، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به، فقال: «إذا حركته فعليك زكاته ... «5»»، و غير ذلك ممّا يلاحظه المراجع في «وسائل الشيعة» (باب 2: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه).

و موجز القول: أنّ النصوص المذكورة إنّما وقع السؤال فيها عن الأمر الواقع خارجا، و هو تحقّق الاتّجار بالمال، أو أنّ الحكم رتّب فيها على ما وقع عليه البيع و الشراء، و تعلّق به الاتّجار، و لا مجال للتعدّي عنه إلى ما أعدّ للتّجارة، كما لا يخفى.

و استدلّ للقول الآخر، و هو كفاية الإعداد للتجارة، في وجوب الزكاة أو

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما يستحبّ فيه، ح 5.

(2)- المصدر، ح 8.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 2: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

(5)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 172

..........

______________________________

استحبابه، بوجوه:

أحدها: إنّه يصدق- بذلك- عليه عرفا «مال التجارة «1»».

و يتوجّه عليه: أنّ موضوع الحكم فى النصوص لو كان هو عنوان «مال التجارة» لكان لمثل هذا الكلام وجه، لكنّك قد عرفت: أنّ النصوص المستدلّ بها هي النصوص الواردة في مورد التجارة بمال اليتيم بالخصوص، أو التجارة بقول مطلق، و ليس في شي ء منها عنوان «مال التجارة»، كي يتكلّم في صدقه عرفا بالإعداد للتجارة و عدمه، كما لا يخفى.

و ثانيها: موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس على الرقيق زكاة، إلّا رقيق يبتغي به التجارة، فإنّه من المال

الّذي يزكّى «2»، بتقريب أنّها تدلّ على وجوب الزكاة فى الرقيق الّذي يقصد به التجارة، مطلقا، سواء وقع عليه التجارة بالفعل أيضا، أم لا. و الحاصل، دلالة الرواية على كفاية قصد التجارة- و هو المعنيّ بابتغاء التجارة- في وجوب الزكاة.

و ناقش فى الاستدلال به المحقّق الهمداني قدّس سرّه بوجهين:

أحدهما: إنّ الرّواية لا إطلاق لها بالنسبة إلى العقد الإثباتي، و هو المستثنى، لعدم كونها واردة في مقام البيان من هذه الجهة، و إنّما إطلاقها في العقد السلبي، لكونها مسوقة للبيان من هذه الجهة فقط، فالاستدلال بالرواية للمدّعى ساقط.

و الآخر: إنّ الرواية ظاهرة في بيان ما جرى و يجرى عليه عمل النّخاسين، من تملكهم الرقيق للاتجار به، لا للاستفادة منهم فى الخدمات، فقوله عليه السّلام: «رقيق

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 290، ط النجف الأشرف.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 17: ما تجب فيه الزكاة و ما تستجب فيه، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 173

..........

______________________________

يبتغي به التجارة» يدلّ على أنّ تملكه بالشراء إنّما كان لأجل أن يبيعه، لا لأجل أن يستخدمه في شئونه «1»، فلا دلالة لها على كفاية الإعداد للتجارة.

و يندفع الوجه الأوّل بأنّه إنكار- فى الحقيقية- لمفهوم الاستثناء، و هو ممّا لا مجال لإنكاره، كما حقّق ذلك في محلّه من بحث الأصول.

و أمّا الوجه الثاني، فلا بأس به.

ثالثها: رواية شعيب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «كلّ شي ء جرّ عليك المال فزكّه، و كلّ شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به «2»، بدعوى ظهور الرّواية في وجوب الزكاة- أو استحبابه- في كلّ شي ء يصلح لأنّ يجرّ المال، و معناه كفاية

الإعداد، فإنّ ما ينوي به التجارة- و هو المقصود بالإعداد- ممّا يصلح لأنّ يجرّ المال.

و يتوجّه عليه أوّلا: أنّ التعبير بلفظ الماضي، و هو «جرّ» يدلّ على وقوع التجارة على المال، و حصول الرّبح فيها أيضا، فهي على خلاف المدّعى أدلّ.

هذا، بناء على أن يكون «المال» فى الرواية مفعولا به لكلمة «جرّ».

و ثانيا: إنّ كلمة «المال» فى الرواية إن كانت مفعولا به للفعل، و هو «جرّ» كانت الرّواية دالّة على خلاف المدّعى، كما عرفت. و إن كانت فاعلا، و كان المفعول محذوفا و مقدّرا في الكلام، كانت الرواية أجنبيّة عن المقام رأسا، نظرا إلى أنّها- حينئذ- ترتبط بما سيأتي- إن شاء اللّه تعالى- من القول بالزكاة في أرباح التجارات، بلا اعتبار للحول فيها، زائدا على الحول المعتبر في أصل المال.

و ثالثا: إنّه لو سلّمنا بأنّ الكلمة مفعول به، لم يكن العموم مرادا قطعا، فإنّه

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 76، ط إيران الحجريّة.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 16: زكاة الذهب و الفضّة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 174

..........

______________________________

غرس الإنسان شجرا- مثلا- يتوخى منه الاستفادة، يصدق على ذلك أنّه ممّا جرّ عليه المال، فهل يمكن لأحد القول بوجوب الزكاة أو استحبابها في ذلك؟!

و عليه، فلا بدّ من تقييد عموم «كلّ شي ء»، فإمّا أن يقيّد ذلك بما وقعت التجارة عليه بالفعل، أو يقيّد بما نوى به التجارة و أعدّه لذلك، و لا مرجّح للثاني على الأوّل، فتصير الرواية- إذن- مجملة.

بل يمكن دعوى ملائمة التعبير فى الرواية مع التقييد بوقوع التجارة عليه، دون التقييد بما إذا أعدّ لذلك. بيانه: أنّ المتداول

في باب المحاورة هو أنّهم إذا كانوا في مقام بيان حكم موضوع خاصّ بخصوصيّة خارجيّة، بيّنوا ذلك بصورة التوصيف، فقالوا- مثلا-: «المال الّذي يكون كذا و كذا، حكمه كذا و كذا». و أمّا إذا كانت الخصوصيّة من قبيل القصد و الإرادة و نحوهما من الأمور القلبيّة، بيّنوا ذلك بصورة الاشتراط، فقالوا- مثلا-: «المال إذا قصد به، أو أريد به كذا ...،

حكمه كذا ...»، و حيث إنّ التعبير فى الرّواية إنّما هو بصورة التوصيف، فان جملة:

«جرّ عليك ...» صفة لشي ء، فلا محالة يناسب ذلك- بمقتضى ما ذكرنا- التقييد بوقوع التجارة و المعاملة عليه.

رابعها: رواية سمرة بن جندب، قال: أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن نخرج الصّدقة ممّا يعدّ للبيع «1»، و بالنيّة يصير معدّا للبيع «2».

و الرّواية ساقطة جدّا، فإنّ حال سمرة بن جندب معلوم، لا يحتاج إلى بيان.

هذه هي الوجوه الّتي استدلّ بها لكفاية الإعداد للتجارة في ثبوت الزكاة،

______________________________

(1)- سنن أبي داود، ج 2: ص 95/ ح 1562؛ سنن البيهقي، ج 4: صص 46- 147.

(2)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 206، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم- إيران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 175

و هو المال الّذي تملّكه الشخص و أعدّه للتجارة و الاكتساب به، سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة، أو بمثل الهبة، أو الصلح المجاني، أو الإرث على الأقوى، و اعتبر بعضهم: كون الانتقال إليه بعنوان المعاوضة. و سواء كان قصد الاكتساب به من حين الانتقال إليه أو بعده، و إن اعتبر بعضهم الأوّل (285)، فالأقوى أنّه مطلق المال الذي أعدّ للتجارة، فمن حين قصد الإعداد يدخل في هذا العنوان،

و لو كان قصده حين التملّك- بالمعاوضة أو بغيرها- الاقتناء و الأخذ للقنية. و لا فرق فيه (286)، بين أن يكون ممّا

______________________________

وجوبا أو استحبابا، و قد عرفت أنّها غير ناهضة بذلك، و أنّ الصّحيح هو ما دلّت عليه النصوص المتقدّمة، من كون الموضوع هو المال الّذي وقع عليه التجارة بالفعل، إذن، فما اعتبره البعض- كما جاء ذلك فى المتن- من كون الانتقال إليه بعنوان المعاوضة، هو الصّحيح.

(285) فان الاشتراء بقصد الاقتناء و الانتفاع بالمال- دون قصد الاسترباح بالمال- لا يكون مصداقا للاتجار بالمال عرفا، كما هو ظاهر.

(286) لإطلاق الدّليل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 176

يتعلّق به الزكاة الماليّة- وجوبا، أو استحبابا- و بين غيره، كالتجارة بالخضراوات مثلا، و لا بين أن يكون من الأعيان أو المنافع (287)، كما لو استأجر دارا بنيّة التجارة.

______________________________

(287) كما عن الشهيدين رحمهما اللّه الأوّل «1» و الثاني «2».

و قد يستدلّ له بخبر محمّد بن مسلم، أنّه قال: «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة، إذا حال عليه الحول «3»»، بدعوى أنّ المال- بإطلاقه- يشمل المنافع الّتي تقع موردا للمعاملة و المعاوضة، كما إذا استأجر دارا بنيّة التجارة و الاسترباح.

و يتوجّه عليه: أنّ ظاهر الرواية هو أعيان الأموال، و لا تشمل المنافع، فإنّ الظاهر من المال- عرفا- إنّما هو ذلك، مضافا إلى أن تقييده بالعمل به يوجب اختصاصه بالأعيان، فإنّ المعاملة- حتّى في مورد الإجارة الّتي قيل بحقّها: إنّها تمليك المنفعة- إنّما تقع على الأعيان، دون المنافع، ففي مورد الإجارة- مثلا- يكون مورد المعاملة هو العين، فإنّ العين تستأجر، و يكون المستأجر مالكا لمنافعها، لا أنّ المنافع تكون هي المستأجرة. و خلاصة القول: إنّ المعاملة دائما تقع

على الأعيان، و لكن نتيجة المعاملة- تارة- تكون هي تملك المنفعة.

______________________________

(1)- الشهيد الأوّل، محمّد بن مكيّ: البيان/ تحقيق الشيخ محمد الحسّون، ص 309، ط قم.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 1: ص 399، ط مؤسّسة المعارف الإسلامية، قم.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما تستجب فيه، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 177

[يشترط فيه أمور]

اشارة

و يشترط فيه أمور:

[الأوّل: بلوغه حدّ نصاب أحد النقدين]

الأوّل: بلوغه حدّ نصاب أحد النقدين (288)،

______________________________

هذا، مضافا إلى أنّ قوله فى الرواية: «إذا حال عليه الحول» ممّا يوجب الاختصاص بالأعيان، فإنّ المنافع تدريجيّة، لا يتصوّر في حقّها البقاء حولا.

اللّهم إلّا أن يراد به الانتفاع بها، و هو كما ترى.

هذا كلّه، مع الغضّ عن أنّ الرواية مقطوعة، و لم يثبت أنّها مرويّة عن المعصوم عليه السّلام، أو أنّها اجتهاد من محمّد بن مسلم في كلام المعصوم عليه السّلام.

فالصّحيح هو خروج المنافع عن موضوع النصوص الواردة فى التجارة، كما عن صاحب «الجواهر قدّس سرّه «1»»، حيث أنّه ناقش في استفادة ذلك من الأدلّة، بقوله: «ضرورة ظهورها فى الأمتعة و نحوها، كما نصّ على ذلك بعض مشايخنا، بل هو الظاهر من «المقنعة «2»» و غيرها».

(288) فى «الحدائق «3»»: «و هو مجمع عليه من الخاصّة و العامّة «4»». و فى «الجواهر «5»»: «بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر «التذكرة «6»» و غيرها

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 263، ط النجف الأشرف.

(2)- المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان: المقنعة، ص 247، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 146، ط النجف الأشرف.

(4)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 597.

(5)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 265، ط النجف الأشرف.

(6)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 220، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 178

..........

______________________________

الإجماع عليه، بل عن صريح «نهاية الأحكام «1»» ذلك، بل فى «المعتبر «2»»، و محكي «المنتهى «3»»، و «كشف الالتباس»

و غيرها: إنّه قول علماء الإسلام».

و استدلّ له بوجوه:

منها: الإجماع المقطوع به و المعلوم.

و منها: المطلقات الدالّة على مشروعيّة زكاة مال التجارة، وجوبا أو استحبابا، فإنّ ماليّة المال في مورد التّجارة محفوظة- مع تبدّل عينه- غالبا في ضمن النقدين، بمعنى أنّها- أي الماليّة- تكون محفوظة في ضمن الأبدال، الّتي هي- غالبا- من جنس النقدين، فإنّ الاتّجار بمبادلة المال بالمال من غير النقدين نادر جدّا، و عليه فالمطلقات الدالّة على ثبوت الزكاة في مال التجارة، مع فرض كونها في مقام البيان، إذا لم يبيّن فيها النّصاب، فلا محالة ينسبق إلى الذهن منها:

أنّ الزكاة الثابتة إنّما هي الثابتة فى النّقدين المستعملين فى التجارة، و أنّ المعتبر في زكاة مال التجارة إنّما هو نصاب زكاة النقدين.

و عن بعض الأعلام قدّس سرّه «4»: «نعم، قد يتمسّك بإطلاق ما دلّ على أنّه لا زكاة فى الذهب إذا لم يبلغ عشرين دينارا، و لا فى الفضّة إذا لم تبلغ مائتي درهم، الشامل للزكاة الواجبة و المستحبّة، و يتمّ الحكم في غيره بعدم القول بالفصل.

لكن فى ثبوت الإطلاق إشكالا ...».

و الإشكال المذكور في غير محلّه، لما عرفت من أنّ المراد بالمطلقات هي

______________________________

(1)- الحلّي، الحسن بن يوسف: نهاية الأحكام، ج 2: ص 364، ط مؤسّسة إسماعيليان، قم.

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 546، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(3)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 507، ط الحجريّة- إيران.

(4)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 201، ط الثالثة، النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 179

فلا زكاة في ما لا يبلغه، و الظاهر أنّه كالنقدين في النصاب

الثاني (289) أيضا.

______________________________

مطلقات زكاة مال التجارة، لا مطلقات زكاة الذهب و الفضّة، و التمسّك بالإطلاق- بالبيان المتقدّم ذكره- ممّا لا مجال لإنكاره. فلاحظ.

و منها: خبر اسحاق بن عمّار، عن أبي ابراهيم عليه السّلام، قال: قلت له: تسعون و مائة درهم و تسعة عشر دينارا، أ عليها فى الزكاة شي ء؟ فقال: «إذا اجتمع الذهب و الفضّة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة، لأنّ عين المال الدّراهم، و كلّ ما خلا الدراهم، من ذهب أو متاع، فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم، فى الزكاة و الدّيات «1»»، و عدم العمل بصدر الرواية لا يوجب سقوط الاعتبار بذيلها، الدالّ على حكم المقام. هذا، و لعلّ منشأ الإجماع و التسالم فى المسألة هو ما في ذيل الخبر المذكور. و اللّه العالم.

(289) فإنّ مقتضى ما تقدّم، من اعتبار نصاب النقدين في زكاة مال التجارة، هو عدم الفرق بين النصاب الأوّل و الثّاني. قال فى «الجواهر «2»»: «بل الظاهر من النّص و الفتوى و معقد الإجماع أنّها على حسب النقدين فى النصاب الثاني أيضا، فلا زكاة فيما لا يبلغه بعد النصاب الأوّل، كما صرّح به جماعة. فما عن «فوائد القواعد»: من أنه لم يقف على دليل يدلّ على اعتبار النصاب الثاني، و أنّ

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: زكاة الذهب و الفضّة، ح 7.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 266، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 180

[الثّاني: مضيّ الحول عليه]

الثّاني: مضيّ الحول عليه (290)

______________________________

العامّة صرّحوا باعتبار الأوّل، في غير محلّه. و لقد أجاد فى «المدارك «1»» في ردّه:

بأنّ الدليل على اعتبار الأوّل هو بعينه الدّليل على اعتبار الثاني.

و الجمهور إنّما لم يعتبروا النصاب الثاني هنا لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين، كما ذكره فى «التذكرة «2»».

(290) بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع- بقسميه- عليه، كما فى «الجواهر «3»». و فى «المعتبر «4»» و «المنتهى «5»» حكايته عن علماء الإسلام. و يدلّ عليه: مصحّح محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى متاعا ...- إلى أن قال- و سألته عن الرّجل توضع عنده الأموال يعمل بها، فقال: «إذا حال عليه الحول فليزكّها «6»»، و خبره الآخر: «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة، إذا حال عليه الحول «7»».

______________________________

(1)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 168، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 220، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 270، ط النجف الأشرف.

(4)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 544، ط مؤسّسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(5)- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 507، ط الحجريّة- إيران.

(6)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 3.

(7)- المصدر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 181

من حين قصد التكسب (291).

[الثالث: بقاء قصد الاكتساب طول الحول]

الثالث: بقاء قصد الاكتساب طول الحول (292)، فلو عدل عنه و نوى به القنية في الأثناء لم يلحقه الحكم، و إن عاد إلى قصد الاكتساب اعتبر ابتداء الحول من حينه.

[الرّابع: بقاء رأس المال بعينه طول الحول]

الرّابع: بقاء رأس المال بعينه طول الحول (293).

______________________________

(291) هذا على قول من يرى: أن موضوع الحكم هو ما قصد به التجارة و أعدّ له، كما هو مختار المصنّف قدّس سرّه، كما تقدّم. و أمّا على اعتبار موضوع الحكم هو ما وقع الاتّجار به فعلا- كما هو الصّحيح- اعتبر مضيّ الحول عليه من ذلك الحين لا محالة.

(292) هذا مبنيّ على القول بأنّ موضوع الحكم هو ما قصد به الاكتساب، كما هو مختاره قدّس سرّه، و أمّا بناء على اعتبار موضوع الحكم هو ما وقع الاتّجار به بالفعل، كان اللّازم هو تبديل صيغة الشرط الثالث كما يلي بقاء الاتّجار الواقع على المال طول الحول، فلو زال ذلك بفسخ، أو إقالة و نحوهما، لم تجب- أو لم تستحب- الزكاة فيه. ثمّ إنّ اعتبار بقاء ذلك طول الحول، كاعتبار سائر الشرائط كذلك- أيضا- ممّا سيأتي الكلام عليه قريبا، إن شاء اللّه تعالى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 182

[الخامس: أن يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول]

الخامس: أن يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول (294)،

______________________________

(293) موضوع الحكم- كما عرفت فيما سبق- إنّما هو «ما اتّجر به» أو «مال عمل به»، و هذا مناف لاعتبار بقاءه- بعينه- طول الحول، فإنّ الاتّجار بالمال يستلزم تبدّله لا محالة. نعم، لا بدّ من بقاءه بقيمته، فإنّ الزكاة إنّما تتعلّق بالرّبح، فلو نقصت القيمة لم يكن موضوع لوجوب الزكاة. و ما دلّ من النصوص على اعتبار بقاء رأس المال إنّما يراد به ذلك، كما سيأتي في الشرط الرّابع.

و إذا اعتبرنا فى الموضوع كفاية الإعداد للتجارة، أو قصد الاكتساب- أيضا- لم يتّجه الشرط المذكور، فإنّ ما يقصد به الاتجار و الاكتساب لا يجتمع مع اشتراط بقاءه- بعينه- حولا

كاملا، كما هو ظاهر.

إذن، فهذا الشرط بالنحو الذي ذكره المصنّف قدّس سرّه، ممّا لا أساس له.

(294) بإجماع من فقهاء الإماميّة «1»، و عند علمائنا أجمع «2» و ما يقرب من ذلك. و المراد منه- كما قيل «3»-: هو أن لا ينقص قيمته السوقيّة عن رأس ماله، و إلّا فقد لا يوجد راغب- في يوم، أو يومين، أو أيّام- لهذا المال، و إن زيدت قيمته السوقيّة.

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 550، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(2)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 508، ط الحجريّة- إيران؛ تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 209، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 77، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 183

..........

______________________________

و اشتراطه على طبق القاعدة، فإنّ موضوع الحكم هو المال الّذي اتّجر به و عمل به، و اعتبار الحول إنّما هو فى الموضوع المذكور، فلا بدّ من بقاء ماليّة المال المذكور- لا عينه كما عرفت- طول الحول، و إلّا ارتفع الموضوع، فلم يكن مجالا للشرط، و هو مضيّ الحول. و عليه فاعتبار بقاء الموضوع طول الحول يقتضي عدم ورود النقص فى الماليّة عليه، و إلّا كان ذلك موجبا لارتفاع الموضوع، كما هو ظاهر.

و يدلّ عليه- مضافا إلى ذلك- جملة من النصوص المعتبرة، كصحيحة اسماعيل بن عبد الخالق، قال: سأله سعيد الأعرج و أنا أسمع، فقال: إنّا نكبس الزيت و السّمن نطلب به التجارة، فربّما مكث عندنا السّنة و السّنتين، هل عليه زكاة؟ فقال: «إن كنت تربح فيه شيئا، أو تجد رأس مالك، فعليك

زكاته، و إن كنت إنّما تربّص به لأنّك لا تجد إلّا وضيعة، فليس عليك زكاة حتّى يصير ذهبا أو فضّة، فإذا صار ذهبا أو فضّة، فزكّه للسنة الّتي اتّجرت فيها «1»»، و مصحّح محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه، و قد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع، متى يزكّيه؟ فقال: إن كان أمسك متاعه يبتغى به رأس ماله فليس عليه زكاة، و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة، بعد ما أمسكه بعد رأس المال «2»»، و مثلهما غيرهما «3».

ثمّ إنّ المستفاد من النّصوص هو وجوب الزكاة فيما إذا طلب- طول الحول- برأس المال أو زيادة، خرج منه ما إذا طلب بأقلّ من رأس المال، فإنّه- حينئذ-

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 184

..........

______________________________

لا تجب عليه الزكاة.

نعم، مقتضى المفهوم من خبر أبى الرّبيع الشامي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه، و قد كان زكّى ماله قبل أن يشتري به، هل عليه زكاة، أو حتّى يبيعه؟ فقال: «إن كان أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة «1»» هو عدم وجوب الزكاة فيما إذا طلب برأس المال لا بزيادة، و هو مناف لما دلّت عليه النّصوص المتقدّمة، إلّا أنّ مفهوم الخبر- بإطلاقه- يدلّ على ذلك، و بالنّصوص المتقدّمة، الدالّة على وجوب الزكاة في ما إذا طلب برأس المال، يخرج عن هذا الإطلاق في ما إذا طلب برأس المال، فينحصر

المفهوم بمورد الطلب بأقلّ من رأس المال.

ثمّ إنّ المراد بالطلب برأس المال أو بزيادة- كما أشرنا إليه- ليس هو الطلب الفعلي، بمعنى وجود الراغب في شراء المال برأس المال أو بزيادة، فإنّ وجود الراغب فى الشراء بالفعل خلاف الغالب، بل المراد به كون المال ممّا يسوى بذلك، بحيث لو وجد هناك راغب في شراءه لاشتراه برأس المال أو بزيادة.

ثمّ إنّه هل يعتبر تحقّق الشرط المذكور طوال الحول، بحيث لو كان قد طلب بأقل من رأس المال في بعض الحول، و لو كان الزمان قليلا جدّا، انتفى وجوب الزكاة، أو إنّه يعتبر تحقّقه حال حولان الحول؟ مقتضى ظاهر اشتراط وجوب الزكاة،- أو استحبابها- بذلك هو الثاني، فيكفى تحقّق الشرط المذكور عند حلول الحول، و هو زمان وجوب الزكاة، أو استحبابها، فإنّ الظاهر من دليل الاشتراط إنّما هو الاشتراط بنحو الشرط المقارن، و أمّا الشرط المتقدّم، أو المتأخّر فهو على

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 185

..........

______________________________

خلاف الظاهر، لا يصار إلى واحد منهما إلّا بدليل. و فتوى العلماء- قدّس اللّه أسرارهم- بلا خلاف يعتدّ به «1» على الأوّل. و هذا الكلام جار- أيضا- في ما سبق من الشروط.

و الّذي ينبغي أن يقال: إنّ منشأ الوجهين: هو أنّ الموضوع للحكم إذا كان هو" مال التجارة"، و الشروط الأربعة أو الخمسة- و منها حولان الحول- تكون شرطا له في عرض واحد، بأن يكون مفاد الأدلّة هو وجوب- أو استحباب- زكاة المال، إذا حال عليه الحول، و كان بمقدار النصاب، و طلب برأس المال أو بزيادة ...،

كانت النتيجة هي كفاية تحقّق الشروط عند حولان الحول، و لم يعتبر استدامتها طول الحول في ثبوت الحكم.

و أمّا إذا كان الموضوع هو مال التجارة، المقيّد بكونه مطلوبا برأس المال أو بزيادة، و ...، إذا حال عليه الحول، بأن يكون حولان الحول شرطا في طول سائر الشروط، فلا بدّ من اجتماع الشروط طوال الحول، بحيث يكون انتفاء واحد منها في بعض الحول- و لو كان ذلك يسيرا جدّا- موجبا لانتفاء الحكم.

هذا، و الظاهر من الأدلّة هو الأوّل، فإنّ جميع تلكم الشروط- و منها حولان الحول- إنّما جعل شرطا للحكم في عرض واحد، فيكفي تحقّق الشروط المذكورة حال ثبوت الحكم، و هو عند حولان الحول، كما هو مقتضى الحال في جميع الشروط المقارنة، وفاقا للمحقّق الهمداني قدّس سرّه «2»، و عدم تعرّضهم- قدس اللّه أسرارهم- لتحقيق المطلب لا يدلّ على مخالفتهم في ذلك، و إنّما هو من جهة ذهابهم إلى استحباب زكاة مال التجارة، فكان الأمر في ذلك عندهم هيّنا،

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 77، ط إيران الحجريّة.

(2)- المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 186

فلو كان رأس مال مائة دينار مثلا، فصار يطلب بنقيصة في أثناء السنة- و لو حبّة من قيراط- يوما منها، سقطت الزكاة. و المراد برأس المال (295) الثمن المقابل للمتاع، و قدر الزكاة فيه (296) ربع العشر، كما في النقدين، و الأقوى تعلّقها بالعين (297)

______________________________

فافتوا بانتفاء الاستحباب باختلال بعض الشروط في بعض الحول.

(295) تقدّم أنّ مقتضى كون المال مال التجارة هو تبدّله، فيكون متعلّق الزكاة فيه- لا محالة- هي الأبدال، المعبّر عنها بالماليّة و القيمة، و هو المراد ب «رأس المال».

و

أمّا التفسير المذكور في كلام المصنّف قدّس سرّه له، فلم نعرف له وجها صحيحا، بداهة: أنّ الثمن المقابل للمتاع ما لم يصل إلى يد المالك فهو ملك للمشتري، و بعد وصوله إليه و صيرورته بدلا عن المتاع ليس هو بثمن؛ بل هو عبارة أخرى عن ماليّة ما باعه، انتقل إليه من المشتري. فالأظهر هو تفسير رأس المال بالماليّة و القيمة. فلاحظ.

(296) كما مرّ الكلام في ذلك.

(297) بناء على القول بوجوب زكاة مال التجارة يمكن الالتزام بذلك، و أمّا القائل

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 187

كما في الزكاة الواجبة، و إذا كان المتاع عروضا (298) فيكفي في الزكاة بلوغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر.

______________________________

باستحبابها- كما هو المشهور، و عليه المصنّف قدّس سرّه أيضا- فلا مجال له في ذلك، فإنّه لا يتصوّر الجمع بين تعلّق الزكاة بالعين بنحو الشركة الحقيقيّة، أو الكلّى فى المعيّن- و الثاني هو مختار المصنّف قدّس سرّه- و بين القول باستحبابها، فإنّ لازم تعلّق الزكاة بالعين بأحد النحوين هو وجوب التخلّص منه، بتسليم حقّ الفقير إليه، لا أنّه يستحب ذلك. نعم، بناء على كونه من قبيل حقّ الجناية- كما هو المختار- لا ينافى ذلك استحباب الزكاة، لأنّ الحق يكون على نحوين: أحدهما: ما يجب أداءه و الخروج منه، و الآخر: ما يستحبّ ذلك، و لتكن زكاة مال التجارة من قبيل الثاني، بناء على القول باستحبابها.

(298) قد عرفت فيما سبق أنّ النّصاب المعتبر في زكاة مال التجارة إنّما هو باعتبار ماليّته، فيكون النصاب- لا محالة- بلحاظ تقويم مال التجارة بأحد النقدين:

الدينار أو الدّرهم؛ لأنّهما هما الأصل الممحّض فى الماليّة، فإن كان التقويم بكلّ من الدينار أو الدّرهم، مع فرض

التساوي بين نصابيهما في مقدار الماليّة، فلا إشكال فى المسألة، و أمّا مع الاختلاف، كما إذا كان التقويم بالدرهم موجبا لبلوغه حدّ نصاب الفضّة- مثلا- و أمّا تقويمه بالدينار لم يكن بالغا حدّ نصاب الذهب، فهل يكفي في ثبوت الزكاة- استحبابا، أو وجوبا- بلوغه حدّ النصاب الأدنى، أو أنّه يعتبر بلوغه الأعلى أيضا به.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 188

..........

______________________________

الّذي ينبغي أن يقال: إنّه حيث لم يكن هناك اطلاق للأدلّة، لعدم الدليل اللّفظي على اعتبار نصاب النقدين فى المقام- كما عرفت- و إنّما استفيد ذلك من التسالم بين الفقهاء- قدّس اللّه أسرارهم-، و من السكوت في ما دلّ على ثبوت الزكاة في مال التجارة عن تحديد النصاب فيه، مع كون الأدلّة في مقام البيان من هذه الجهة، كما مرّ الكلام فيه. و عليه، فحيث لا إطلاق فى المسألة، لا بدّ من الاقتصار فيها على ما هو المتيقّن به، و هو ما إذا بلغ حدّ النصاب الأعلى، و مع عدم بلوغه ذلك يشك- لا محالة- في ثبوت الزكاة، و مقتضى الأصل البراءة «1».

و قد يفصّل بين ما إذا كان رأس ماله- أي مال التجارة- نقدا، كالدرهم أو الدينار، فيعتبر النّصاب المفروض فيه و إن كان أدنى، و بين ما لم يكن كذلك، فيعتبر فيه الأعلى.

و الوجه في ذلك: أنّه إذا كان رأس ماله الدرهم مثلا، و بلغ نصاب الدّراهم، و إن كان لم يبلغ نصاب الدّينار، فحيث كان المستفاد من الأدلّة هو أنّ زكاة مال التجارة هي زكاة النقدين، فلا محالة يقطع العرف- حينئذ- بأنّه لا يردّ الدرهم إلى الدّينار ليعتبر فيه نصاب الدينار، بل يؤخذ فيه بنصاب الدّرهم نفسه، و هذا

بخلاف ما إذا كان رأس ماله متاعا، فإنّه بعد ردّه إلى النّقدين، إذا كان قد بلغ نصاب كلا النقدين، بأن كانت قيمته عشرين دينارا و مائتى درهم مثلا، ثبت فيه الزكاة، و أمّا اذا بلغ أحدهما- و هو الدرهم دون الدينار مثلا- كان مقتضى الأصل هو عدم ثبوت الزكاة ما دام لم يبلغ النصاب الأعلى. و هذا التفصيل ممّا لا بأس به.

______________________________

(1)- بناء على المذهب المشهور، و هو استحباب زكاة مال التجارة، لا مجال للبراءة فى المسألة، كما هو ظاهر. نعم، استصحاب العدم- بناء على جريانه فى الأحكام الكليّة- في محلّه.

فتأمّل.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 189

[مسألة 1: إذا كان مال التجارة من النصب الّتي تجب فيها الزكاة]

[مسألة 1]: إذا كان مال التجارة من النصب الّتي تجب فيها الزكاة، مثل أربعين شاة، أو ثلاثين بقرة، أو عشرين دينارا، أو نحو ذلك؛ فإنّ اجتمعت شرائط كلتيهما وجب (299) إخراج الواجبة و سقطت زكاة التجارة، و إن اجتمعت شرائط إحداهما فقط، ثبتت ما اجتمعت شرائطها دون الأخرى.

______________________________

(299) بناء على وجوب زكاة مال التجارة- كما استقربناه- فمع اجتماع شرائط كلتيهما، كما إذا بقيت العين الّتي هي رأس ماله سنة كاملة، و كانت بمقدار النّصاب أيضا، فبما أنّه مال التجارة و قد مضى عليه الحول تجب الزكاة فيه، و لكونه ذهبا مسكوكا، أو غنما بقي عنده سنة كاملة، مع كونه بمقدار النصاب، تجب فيه زكاة النقدين، أو الأنعام، فهل تجب عليه زكاتين، أو زكاة واحدة، تعيينا أو تخييرا؟

الكلام في ذلك- تارة- بالنظر إلى ما تقتضيه القواعد العامّة، و أخرى:

بالنظر إلى الدّليل الخاص.

أمّا بالنظر إلى القواعد العامة، فقد يقال: باندراج المورد تحت كبرى التعارض، فإنّه- بعد العلم بعدم وجوب الزكاتين فى المال الواحد، و عدم تشريع

وجوبهما معا- لا محالة يقع التعارض بين دليل وجوب زكاة مال التجارة و بين دليل زكاة الأنعام، أو النقدين، و مقتضى القاعدة- حينئذ- هو تساقط كلا الدّليلين، كما هو محرّر و مقرّر في محلّه من بحث أصول الفقه. إلّا أنّه حيث إنّا نعلم قطعا بجعل أحدهما لا محالة، إذ لا نحتمل- في مورد التعارض- عدم جعل كلا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 190

..........

______________________________

الحكمين المتعارضين، يدور الأمر- إذن- بين أن يكون المجعول هو أحد الوجوبين تعيينا، أو تخييرا، و حينئذ يكون المورد من صغريات دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و مقتضى الأصل هو عدم التعيين، فتكون النتيجة هو التخيير.

و ربّما يقال: باندراج المورد تحت كبرى التزاحم، و مقتضى القاعدة فيه هو الأخذ بالمرجّحات، و مع فقدها يثبت التخيير لا محالة.

و قد يقال: إنّ المورد داخل تحت كبرى «مسألة تداخل الأسباب» فمن يبنى فيها على التّداخل يلتزم في المقام بوجوب زكاة واحدة، و من لا يرى ذلك، فعليه أن يلتزم فى المقام بوجوب زكاتين.

هذا، و الظّاهر هو عدم تماميّة شي ء ممّا ذكر، أمّا التّعارض، فلأنّه لا منافاة بين دليل وجوب زكاة مال التجارة و ما دلّ على وجوب الزكاة بحلول الحول على الأجناس الزكويّة، لو لا النصّ الخاصّ الدالّ على عدم وجوب زكاتين في عام واحد، و سيأتي الكلام عليه إن شاء اللّه تعالى، و البحث- فعلا- بحسب القواعد العامّة، فإذا لم يكن هناك تناف بين الدّليلين، لم يكن موجب لفرض المعارضة بينهما، كما هو ظاهر.

و أمّا التزاحم، فلأنّ تقريب التزاحم فى المقام إنّما يكون بأحد وجهين:

الأوّل: أن يقال بعدم انحصار التزاحم بمورد العجز عن امتثال كلا التكليفين، كما هو المعروف،

من تعريفهم التزاحم- في مقابل التعارض- بما كان التنافي فيه بين الحكمين في مقام الامتثال، دون الجعل كما فى التعارض، و أنّ منشأ التنافي في مقام الامتثال هو عجز المكلّف عن امتثال كلا التكليفين، و القدرة على الامتثال شرط في فعليّة التكليف لا محالة، فلذلك يحصل التنافي بين الحكمين في مقام الفعليّة، فإنّه على القول بانحصار التزاحم بذلك يخرج المورد- لا محالة- عن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 191

..........

______________________________

كبرى التزاحم، لفرض قدرة المكلّف على امتثال كلا الحكمين، كما هو ظاهر. إلّا أنّه لا موجب لحصره في مورد العجز عن الامتثال، حيث لم يرد هناك دليل تعبديّ يوجب الحصر المذكور، بل نقول: إنّ الوجه في عدّ مورد العجز عن الامتثال من التزاحم هو أنّ القدرة على المأمور به- فيما لم تؤخذ في لسان الدليل شرعا- دخيلة فى فعليّة الحكم عقلا، و حيث إنّ القدرة على كلّ واحد من الأمرين في حدّ نفسه موجودة، فيكون التكليف به- في حدّ نفسه- فعليّا، و التكليف الفعليّ بشي ء يقتضي صرف القدرة من المكلّف في متعلّق التكليف المذكور، فلا محالة يقتضي كلّ من التكليفين صرف القدرة في متعلّقه، فيكون رافعا لموضوع الآخر، لايجابه انتفاء القدرة على متعلّق الآخر، و القدرة دخيلة فى الموضوع، كما هو معلوم، و التكليف الآخر- أيضا- كذلك فيتحقّق التزاحم بينهما، فالملاك- إذن- فى التزاحم إنّما هو رافعيّة كلّ من التكليفين لموضوع الآخر، و عليه فكلّ مورد كان أحد التكليفين- بحسب مقام الفعليّة- رافعا لموضوع الآخر، تحقّق التزاحم بينهما لا محالة.

فإذا كان تقريب التزاحم كذلك، فمن المعلوم أنّه لا ينطبق على المقام، لعدم ايجاب شي ء من الدليلين ارتفاع موضوع الآخر، فإنّ إخراج زكاة

مال التجارة باعتبار ماليّته لا يوجب عدم القدرة على إخراج زكاة الغنم- مثلا- بعنوان كونه عينا زكويّة لا باعتبار ماليّته، و كذلك الحال في إخراج الزكاة باعتبار ماليّة الذهب أو الفضّة، فإنّه لا يوجب عدم القدرة على إخراج زكاة أعينهما بعنوان زكاة النقدين، و هكذا ...، فالتقريب المذكور للتزاحم و إن كان يوجب تعميمه لأوسع من موارد العجز عن الامتثال، بحيث يشمل مطلق موارد رفع أحد التكليفين موضوع الآخر؛ إلّا أنّه- مع ذلك- لا يوجب اندراج المسألة تحت

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 192

..........

______________________________

كبرى التزاحم، كما عرفت.

الثّاني: أن يقال: إنّ ملاك التزاحم إنّما هو تحقّق المقتضى لكلا الحكمين، مع عدم إمكان الجمع بينهما ذاتا أو عرضا، بمعنى أنّه مع استيفاء أحدهما لا يمكن استيفاء الأخر، في قبال التعارض الّذي ملاكه هو تحقّق المقتضى لأحدهما، لا لكليهما، من جهة العلم بكذب أحدهما.

و هذا المبنى في باب التزاحم، و إن كنّا لا نتضايق من الالتزام به، كما حقّقناه في محلّه من بحث أصول الفقه، و إن كان لا يترتّب عليه أحكام التزاحم المصطلح، من الترتب و التخيير، كما بيّناه في محلّه؛ إلّا أنّه غير منطبق- أيضا- على المقام، فإن انطباقه متوقّف على عدم إمكان استيفاء كلا المقتضيين ذاتا أو عرضا، و كلاهما منتف، و ذلك لعدم وجود ما يدلّ على عدم امكان استيفائهما ذاتا، بمعنى أنّهما- بحسب ذاتيهما- يمنعان من استيفاء كلا المقتضيين، بل لا بدّ للمكلّف من استيفاء أحدهما. و أمّا امتناع اجتماعهما عرضا فهو متوقّف على المنع الخارجي من اجتماع الحكمين، و هو ما يدّعى دلالته على عدم وجوب تزكية المال الواحد من وجهين في عام واحد، و سيجي ء الكلام

عليه، إن شاء اللّه تعالى، عند البحث عن المسألة من وجهة النّص الخاصّ.

و أمّا عدم اندراج المورد تحت كبرى مسألة تداخل الأسباب، فلأنّ تلك المسألة- موضوعا- تختصّ بما إذا تعدّد السّبب مع وحدة المسبّب، و هو منتف فى المقام، بل المسبّب فيه- كالسّبب- متعدّد، فإنّ الواجب في زكاة مال التجارة إنّما هو الإخراج من ماليّة المال، و الواجب في غيره من الأعيان الزكويّة إنّما هو الإخراج من عينها، فلم يكن المسبّب واحدا كي يبحث فيه عن تداخل الأسباب و عدمه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 193

..........

______________________________

و المتحصّل من جميع ذلك أنّه- بحسب القواعد- لا مانع من الالتزام بوجوب الزكاتين، و عدم سقوط إحداهما، لا تعيينا و لا تخييرا.

و أمّا بالنظر إلى الدليل الخاصّ، فقد يقال: إنّ مقتضى ما دلّ على عدم مشروعيّة زكاتين في عام واحد، و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا ثنى فى الصدقة «1»»، و قوله عليه السّلام- في صحيح زرارة-: «لا يزكّى المال الواحد، في عام واحد، من وجهين «2»» هو عدم وجوب الزكاتين فى المقام، فيقع التعارض أو التزاحم، و مقتضى القاعدة هو التخيير، كما ذكرناه فيما مرّ «3».

هذا، و لكن الكلام المذكور ساقط من أساسه، فإنّ الحديث الأوّل عامّي، مع أنّه لم يرو في شي ء من مجاميع العامّة الحديثيّة، فلا يمكن الاستناد إليه. و أمّا صحيح زرارة فقد ذكرنا «4» أنّه أجنبي عن الكلام المذكور رأسا، بمعنى أنّه لا دلالة له على ما ذكروه، من عدم تزكية المال الواحد، في عام واحد، بعنوانين و من جهتين، بل المستفاد من الرّواية- بقرينة موردها-: أنّها تنفى وجوب زكاتين في مال واحد على مالكين- أو ما

يكون بحكمه، ككون المال في مكانين مثلا- في عام واحد، بنحو السّالبة بانتفاء الموضوع، بمعنى أنّه حيث لا يمكن أن يكون مال واحد في عام واحد لمالكين كلّ منهما مالك له استقلالا لا بنحو الاشتراك، فلذلك لا تجب زكاتان كذلك في عام واحد، فهي أجنبيّة- بالكليّة- عن الاستدلال بها لما ذكروه، فهي لا توجب- لا تعارضا و لا تزاحما- بين أدلّة الزكاة فى المقام.

______________________________

(1)- مرّت الإشارة إلى مصدر الحديث فى الجزء الأوّل من كتابنا (ص 356)، فلاحظ.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 7: من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه، ح 1.

(3)- <> صفحة 190.

(4)- <> ج 1: صص 370- 371.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 194

..........

______________________________

فراجع و لاحظ.

هذا على تقدير القول بوجوب زكاة مال التجارة واضح. و أمّا على تقدير القول بالاستحباب- كما هو المشهور، و اختاره المصنّف قدّس سرّه أيضا- ففى «الخلاف «1»» نفي الخلاف في سقوط زكاة التجارة، بل عن جماعة «2» دعوى الإجماع عليه. و علّلوه- كما فى «الجواهر «3»»- بأنّ الواجب مقدّم على النّدب. ثمّ ناقشهم قدّس سرّه في ذلك بقوله: «و فيه: إنّ ذلك عند التزاحم في الأداء، بعد معلوميّة وجوب الواجب و ندبيّة المندوب، لا فيما نحن فيه، الّذي مرجعه إلى معلوميّة عدم مشروعيّة أحدهما ...».

و ما أفاده قدّس سرّه هو الصّحيح، بناء على ما هو المشهور المستفاد من قوله عليه السّلام:

«لا يزكّى المال في عام واحد من وجهين» حيث أنّه- على هذا- يقع التعارض أو التزاحم- بالمعنى الّذي قرّبناه، و هو عدم إمكان استيفاء كلتا المصلحتين بين دليلي الحكمين، و إن كان أحدهما استحبابيّا و الآخر وجوبيّا.

______________________________

(1)- الطوسي،

محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 2: ص 104، ط مؤسّسة النشر الإسلامى، قم.

(2)- الشهيد، محمّد بن مكّي: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 239، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 223، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ منتهى المطلب، ج 1: ص 509، ط إيران الحجريّة؛ المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 549، ط مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 279، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 195

[مسألة 2: إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنما سائمة]

[مسألة 2]: إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنما سائمة، سقط كلتا الزكاتين (300)، بمعنى أنّه قطع حول كلتيهما، لاشتراط بقاء عين النصاب طول الحول، فلا بدّ أن يبتدئ الحول من حين تملّك الثانية.

______________________________

(300) بناء على اشتراط بقاء شخص المال طول الحول في زكاة مال التجارة الأمر واضح، فإنّه لا تجب زكاة مال التجارة بالنسبة إلى الأربعين سائمة الأولى، لعدم بقاء عين السلعة طول الحول، كما لا تجب الزكاة الماليّ فيها- أيضا-، لعدم بقاءها في ملكه حولا كاملا.

و أمّا بناء على عدم اشتراط ذلك في وجوب زكاة مال التّجارة، و اشتراط بقاء ماليّة المال الّذي وقعت التجارة عليه حولا كاملا، كما استقربناه و اخترناه، فلا محالة يقع الكلام في وجه سقوط زكاة مال التجارة حينئذ.

و تحقيق الكلام فى المسألة: أنّه بناء على المشهور فى معنى قوله عليه السّلام: «لا يزكّى المال الواحد في عام واحد من وجهين»، و هو نفي وجوب تزكية المال الواحد بعنوانين، كما هو مفاد قوله صلّى اللّه عليه و آله- على

تقدير صدق الخبر-: «لا ثنى في الصّدقة»- تارة- يبنى على موضوعيّة «العام الواحد» فى الحكم، بمعنى أنّه مع اشتراك العنوانين و الوجهين في تمام الحول، يمتنع حينئذ ثبوت الزكاتين، و أمّا مع الاشتراك في بعض الحول فلا، و عليه فإذا فرضنا: أنّ المعاوضة وقعت على رأس ستّة أشهر- مثلا- و بقيت الأربعين السائمة الثانية إلى الشهر الثاني عشر، فبما أنّ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 196

..........

______________________________

حول مال التجارة قد تحقّق، و المفروض في وجوب زكاته إنّما هو بقاء الماليّة لا عين المال، و هو متحقّق فى الفرض، فلا محالة يحكم بوجوب زكاة مال التّجارة فى الشهر الثاني عشر، و بعد مضي ستّة أشهر أخرى يحكم بوجوب زكاة الأربعين غنما الثانية بعنوان زكاة المال، لأنّه مالك للنّصاب- و هو أربعين غنما- حولا كاملا. و الاشتراك بين الزكاتين في بعض الحول- و هو الستّة أشهر الأولى- و إن كان واقعا، إلّا أنّا فرضناه غير ضارّ بثبوت الزكاتين، و إنّما يمنع من ثبوت الزكاتين الاشتراك في تمام الحول.

و أمّا إذا بنينا على أنّه لا موضوعيّة للعام الواحد فى الحكم المذكور، بل كان المستفاد من الرواية هو عدم صلاحيّة الزمان الواحد لثبوت زكاتين، و لو كان شهرا واحدا، و حينئذ يشكل الأمر فى المسألة، لاشتراك زكاة مال التجارة مع الزكاة المالي في بعض الحول، و هو بمقدار ستّة أشهر في فرضنا المتقدّم ذكره.

هذا، و الظاهر من الرواية هو المعنى الأوّل، فلا إشكال كما عرفت. و على تقدير أن يكون المراد منها هو المعنى الثاني، فهل يكون المقام من مصاديق باب التعارض بين دليل زكاة مال التجارة، و بين دليل وجوب الزكاة الماليّ، أو يكون

المقام من موارد التزاحم بين الحكمين.

إذا قلنا: إنّ مفاد قوله عليه السّلام: «لا يزكّى المال في عام واحد من وجهين» هو عدم جعل الشارع الحكمين، فلا محالة يكون المقام من موارد التعارض، للعلم الإجمالي بعدم جعل أحد الحكمين، و كذب أحد الدليلين، و مقتضى القاعدة- حينئذ- هو التساقط، إلّا أنّه حيث يعلم فيه بجعل أحد الحكمين قطعا، و لكنّه غير متعيّن، فلا محالة يثبت التخيير.

و أمّا إذا قلنا: إنّ مفاد القول المذكور هو أنّ استيفاء كلتا المصلحتين

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 197

[مسألة 3: إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال- مع بلوغه النصاب- على ربّ المال]

[مسألة 3]: إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال- مع بلوغه النصاب- على ربّ المال (301)،

______________________________

المستفادتين من اطلاق كلّ من الدليلين غير ممكن، بل إنّه مع استيفاء المكلّف إحداهما لا يبقى مجال لاستيفائه الأخرى، فلا محالة يندرج المورد تحت كبرى التزاحم. و الترجيح حينئذ لدليل زكاة مال التجارة، للأسبقيّة الزمانيّة، الّتي هي من المرجّحات في باب التزاحم.

و الإشكال المذكور في مرجحيّة الأسبقيّة زمانا، و هو: أنّ الأمر بحفظ القدرة للتكليف اللّاحق بملاك وجوب المقدّمة المفوّتة للملاك الملزم في ظرفه، أمر فعليّ، فيزاحم الأمر الفعليّ الآخر، غير وارد فى المقام، لاختصاصه بما إذا كان زمان امتثال أحد التكليفين متأخّرا عن زمان امتثال الآخر، مع التقارن بين موضوعيهما، بأن كانت الشرائط الدخيلة في موضوع كلّ من التكليفين متحقّقة بنحو التقارن، و إنّما كان التأخّر الزماني بينهما بالنسبة إلى الامتثال، و ليس الأمر فى المقام كذلك، إذا المفروض هو أنّ من جملة شرائط وجوب الزكاة المالي هو حولان الحول، و هو غير متحقّق فعلا، عند حلول حول مال التجارة، كما هو ظاهر.

و عليه فلا مزاحم للتكليف بزكاة

مال التجارة، فيقدّم لا محالة، بلا فرق بين كونه وجوبيّا كما هو المختار، أو ندبا كما هو المشهور. فتحصل من جميع ما ذكرناه:

أنّه لا وجه لسقوط زكاة مال التجارة.

(301) وقع الكلام بينهم في أنّ الربح الحاصل بالتجارة، هل هو ممّا يتعلّق به الزكاة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 198

..........

______________________________

مستقلا، أو أنّه يكون تابعا في ذلك لرأس المال، أو أنّه لا يتعلّق به الزكاة، لا استقلالا و لا مع رأس المال؟ فقد يقال بالأوّل، لكونه مالا حاصلا بالتجارة، فيشمله ما دلّ على ثبوت الزكاة في مال التجارة.

و قد يقال بالثاني، لأنّ نظر العرف- و نظره متّبع- إلى أنّه تابع لرأس المال، فلا ينظر إلى الربح نظرة استقلال.

و قد يقال بالثالث، لأنّ موضوع الحكم المذكور- كما مرّت الإشارة إليه- هو المال الذي اتّجر به و عمل به، و هو غير صادق على الربح، فإنّه ليس ممّا اتّجر به، و إن كان حاصلا بالتجارة، كما هو ظاهر.

و الّذي ينبغي أن يقال: إنّ المدار في هذا المقام إنّما هو على نظر العرف، و لأجله ينبغى التفصيل بين أقسام الرّبح الحاصل، فما كان منه من قبيل زيادة القيمة السوقيّة للمال، من دون أن يكون هناك زيادة عينيّة، فالعرف يراه تابعا لأصل رأس المال، و لا يراه شيئا آخر في مقابل رأس المال. و أمّا ما كان منه من قبيل الزيادة العينيّة، و الثمرة الخارجيّة المنفصلة عن رأس المال، كما إذا كان رأس ماله غنما فولدت غنما، فإنّ العرف- حينئذ- يرى الربح مالا مستقلا و موضوعا آخر غير رأس المال، فيعتبر- في تعلّق الزكاة به- تحقّق الشرائط فيه مستقلا.

ثمّ إنّ التفصيل بين القسمين إنّما هو فيما

إذا لم يقع الربح مورد المعاملة و الاتّجار به، و إلّا ثبت فيه الزكاة حتّى ما كان منه من قبيل القسم الأوّل، كما إذا فرضنا أنّه بدّل رأس ماله- الّذي زادت قيمته السوقيّة- بنقد، ثمّ اتّجر به، أي بالنقد المذكور، فإنّه لا ينبغى الإشكال في ثبوت الزكاة فى الربح أيضا، مع تحقّق شرائطه، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 199

و يضمّ إليه حصّته من الربح، و يستحبّ زكاته (302)- أيضا- إذا بلغ النصاب و تمّ حوله، بل لا يبعد كفاية (303) مضيّ حول الأصل. و ليس في حصّة العامل من الربح زكاة (304)، إلّا إذا بلغ النصاب، مع اجتماع الشرائط، لكن ليس له التأدية من العين، إلّا بإذن المالك، أو بعد القسمة.

______________________________

(302) مقتضى هذا الكلام هو ملاحظة الربح استقلالا، و هو مناف لما سبق منه قدّس سرّه من قوله: «و يضمّ إليه حصّته من الربح».

(303) بناء على ملاحظة الربح موضوعا مستقلا، يعتبر في ثبوت الزكاة فيه تحقّق شرائطه- و منها الحول- بالنسبة إلى الربح مستقلا، و عليه فلا وجه لكفاية مضيّ حول الأصل.

(304) ثبوت الزكاة في حصّة العامل متوقّف على تحقّق أمرين:

أحدهما: أن تكون الحصّة مملوكة له لا على سبيل الأجرة.

و الآخر: أن لا يكون ممنوعا من التصرّف فى العين قبل القسمة. و كلاهما منتف. أمّا الأوّل، فلأنّه إنّما يملك الحصّة بعنوان أجرة العمل، و الأجرة إنّما تكون

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 200

[مسألة 4: الزكاة الواجبة مقدّمة على الدين]

[مسألة 4]: الزكاة الواجبة مقدّمة على الدين (305)،

______________________________

مملوكة للعامل بعد أخذها، و قبل الأخذ لا ملك، و لا زكاة إلّا في ملك. و أمّا الثاني، فلكونه ممنوعا من التصرّف فى

المال قبل القسمة، و يعتبر في وجوب الزكاة التمكّن من التصرّف فيه.

إذن، فالأظهر هو عدم ثبوت الزكاة في حصّة العامل.

(305) قال فى «الجواهر «1»»: «بلا خلاف أجده فيه، بل عن «التذكرة «2»» و ظاهر «الخلاف «3»» الإجماع عليه».

و يستدلّ له: بأنّ الزكاة متعلّقة بالعين، و لو كان ذلك باعتبار ماليّتها و الدين متعلّق بالذّمة، فلا تنافى بين الأمرين، فلا يكون الدين مانعا عن ثبوت الزكاة.

و ربّما يستدلّ له «4»: بالنصوص الدالّة على كون زكاة القرض على المقترض «5»، بدعوى: أنّ مقتضى إطلاقها هو وجوب الزكاة على المقترض، و إن لم يكن عنده سوى ما اقترضه، إذا كان بمقدار النّصاب.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 289، ط النجف الأشرف.

(2)- الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 226، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف: ج 2، ص 108، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

و كان من حق العبارة أن يقول: بل عن ظاهر التذكرة، و صريح الخلاف الإجماع عليه، كما لا يخفى على من لاحظ الكتابين.

(4)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 83، ط إيران الحجريّة.

(5)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10: من تجب الزكاة عليه و من لا تجب عليه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 201

..........

______________________________

و أيضا- بالنسبة إلى زكاة المال- يستدلّ له بمصحّح زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام، و ضريس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، إنّهما قالا: «أيّما رجل كان له مال موضوع حتّى يحول عليه الحول، فإنّه يزكّيه، و إن كان عليه من الدّين أو أكثر منه، فليزكّ ما

في يده «1»»

هذا، و الظاهر هو مانعيّة الدين من وجوب الزكاة، خلافا لما هو المشهور، أو المتّفق عليه. و أمّا الوجوه الّتي استدلّ بها لعدم المانعيّة فهي عليلة:

أمّا دعوى كون الزكاة متعلّقة بالعين، و الدين متعلّق بالذمّة. فيردّها أنّ الدين و إن كان كذلك، إلّا أنّه حيث كان وجوب أداء الدين مستلزما للتصرّف فى العين، و متوقّفا على ذلك، كان الواجب عقلا- إذا لم نقل بوجوب المقدّمة شرعا- هو وفاء الدين من عين المال المذكور، و بناء على القول بوجوبها شرعا، نلتزم بوجوب الوفاء من عين المال شرعا، فيقع التّعارض بين دليل وجوب أداء الدين- بناء على القول بوجوب المقدّمة شرعا- و دليل وجوب الزكاة. و بناء على عدم وجوب المقدّمة شرعا، يقع التزاحم بين الدليلين لا محالة. و الثاني هو الأشبه، و عليه فمع عدم الترجيح لأحد المتزاحمين على الآخر، يحكم بالتخيير في مقام الامتثال، فدعوى عدم المنافاة بين الحكمين، غير مسموعة.

و أمّا النصوص الدالّة على أنّ زكاة القرض على المقترض، فلا إطلاق لها لما إذا لم يكن عند المقترض سوى ما اقترضه من المال، كما هو المفروض، و ذلك لعدم كونها مسوقة لبيان هذه الجهة، و إنّما هي مسوقة لدفع ما ربما يتوهّم من أنّ المدين لا تجب عليه الزكاة، لأنّه كيف يجتمع الدين مع وجوب الزكاة!

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 10 من تجب الزكاة عليه و من لا تجب عليه، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 202

سواء كان مطالبا به أو لا، ما دامت عينها موجودة، بل لا يصحّ (306) وفاؤه بها بدفع تمام النصاب. نعم، مع تلفها و صيرورتها في الذمة

حالها حال سائر الديون، و أما زكاة التجارة (307)

______________________________

فالنصوص دفعت هذا التوهّم: بأنّه لا منافاة بين الأمرين في حدّ نفسه، و لا إطلاق لها لمورد المنافاة، كما فى الفرض. و كذلك يقال في صحيح زرارة و ضريس. و يشهد به قوله عليه السّلام فيه: «و إن كان أكثر ...»، إذ لو كانت الرواية ناظرة إلى مورد المزاحمة لم يكن موجب لافتراض زيادة الدين، بل كان ثبوت الدين بمقدار ما في يده كافيا في تحقّق المزاحمة، كما هو ظاهر.

فتحصل من ذلك: أنّ المسألة من موارد التزاحم، و لا بدّ من تحكيم قواعد التزاحم فيها.

هذا كلّه في فرض مطالبة الدائن، و أمّا مع عدم المطالبة فعدم التنافي و التزاحم بين الحكمين في غاية الوضوح.

(306) لأنّ تعلّق الزكاة بالعين يمنعه من التصرّف في متعلّق حقّ الفقراء، إلّا بأدائه إليهم.

(307) إذا قلنا بوجوب زكاة مال التجارة، مع المطالبة، بالدين، وقع التزاحم- لا محالة- بين الحكمين، و مقتضى القاعدة فيه- مع عدم الترجيح- هو التخيير. و أمّا

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 203

فالدين المطالب به مقدّم عليها، حيث إنّها مستحبّة، سواء قلنا بتعلّقها بالعين أو بالقيمة، و أمّا مع عدم المطالبة فيجوز تقديمها على القولين أيضا، بل مع المطالبة (308)- أيضا- إذا أدّاها صحّت و أجزأت، و إن كان آثما من حيث ترك الواجب.

[مسألة 5: إذا كان مال التجارة أحد النصب الماليّة و اختلف مبدأ حولهما]

[مسألة 5]: إذا كان مال التجارة أحد النصب الماليّة و اختلف مبدأ حولهما، فإن تقدم حول المالية سقطت (309) الزكاة للتجارة،

______________________________

إذا قلنا باستحبابها، كان الدين مقدّما عليها، كما هو واضح. و أمّا مع عدم المطالبة، فيجوز تقديم زكاة مال التجارة لأنّ حكمها فعليّ، بخلاف وجوب أداء الدين، فإنّه ليس بفعليّ.

(308) هذا

مبنيّ على امكان الترتب، فإنّه بعصيان الأمر بأداء الدين يبقى الأمر بالزكاة على فعليّته. و لكنّه مبنيّ على جريان الترتب بين الواجبين، المشروط أحدهما بالقدرة شرعا، كوجوب الزكاة في محلّ الكلام، و هو محلّ إشكال و منع، كما حقّق ذلك في محلّه من بحث أصول الفقه.

(309) بناء على عدم تعلّق زكاتين بمال واحد، في عام واحد، بمعنى عدم صلاحيّة الزّمان الواحد- و لو كان بمقدار شهر مثلا- لزكاتين، و نتيجة ذلك هو عدم

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 204

و إن انعكس، فإن أعطى زكاة التجارة قبل حلول حول المالية سقطت (310)، و إلّا كان كما لو حال الحولان معا في سقوط (311) مال التجارة.

[مسألة 6: لو كان رأس المال أقل من النصاب ثمّ بلغه في أثناء الحول]

[مسألة 6]: لو كان رأس المال أقل من النصاب ثمّ بلغه في أثناء الحول، استأنف (312) الحول عند بلوغه.

______________________________

إمكان تعلّق زكاتين بمال واحد، مع اشتراكهما و لو في بعض الحول، فإنّه حينئذ تجب زكاة المال، لكونها أسبق زمانا من زكاة التجارة، و الأسبقيّة من المرجّحات كما تقدّم، و حينئذ فيسقط زكاة مال التجارة.

(310) لعدم بقاء الموضوع للماليّة، من جهة نقص النصاب في أثناء الحول.

(311) فإن قلنا بوجوب زكاة مال التجارة وقع التزاحم بين دليلي الزكاتين، و مقتضى القاعدة فيه- عند عدم المرجّح- هو التخيير، و إلّا قدّمت الماليّة، لعدم مزاحمة الاستحباب مع الوجوب. لكن قد عرفت عدم الفرق فى التزاحم بين الوجوب و الاستحباب، بناء على ما هو المفروض، من أنّه لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد، حيث لا فرق- حينئذ- بين كون التزكية بأحد الوجهين استحبابيّا و عدمه. فتدبّر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 205

[مسألة 7: إذا كان له تجارتان، و لكلّ منهما رأس مال]

[مسألة 7]: إذا كان له تجارتان، و لكلّ منهما رأس مال (313) فلكلّ منهما شروطه و حكمه، فإن حصلت في إحداهما دون الأخرى استحبت فيها فقط، و لا يجبر خسران إحداهما بربح الأخرى.

[الثّاني: ممّا يستحبّ فيه الزكاة: كلّ ما يكال أو يوزن ممّا أنبتته]

الثّاني: ممّا يستحبّ فيه الزكاة: كلّ ما يكال أو يوزن ممّا أنبتته الأرض

______________________________

(312) لاعتبار النصاب في تمام الحول، فلا يكفي بلوغه حدّ النصاب في بعض الحول، كما تقدّم.

(313) كما إذا كان له تجارة الصوف- مثلا- و تجارة السّمن، بأن كان لكلّ من التجارتين رأس مال على حدة، فإن حصلت الشروط لكلتا التجارتين، وجبت الزكاتان أو استحبّتا- على الخلاف- و أمّا إذا حصلت الشروط لإحداهما فقط، ثبت حكمه فقط، وجوبا أو استحبابا. و لأجل تعدّد الموضوع لا مجال لجبران خسارة إحدى التجارتين بالأخرى.

و أمّا إذا كان له تجارة واحدة، بأن كان رأس المال للتجارة واحدا، و إن اتّجر به في أشياء عديدة، بأن اشترى برأس ماله أجناسا مختلفة، كما هو المتعارف في بائعي الجملة و المفرد من العطّارين، و البقّالين ...، فحينئذ يعتبر حصول الشروط للتجارة الواحدة، و تكون الخسارة- حينئذ- في بعض الأجناس، منجبرا- لا محالة- بالربح في البعض الآخر، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 206

الأرض، عدا الغلّات الأربع فإنّها واجبة فيها، و عدا الخضر، كالبقل، و الفواكه، و الباذنجان، و الخيار، و البطّيخ، و نحوها، ففي صحيحة زرارة: «عفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن الخضر، قلت: و ما الخضر؟ قال عليه السّلام: كلّ شي ء لا يكون له بقاء: البقل، و البطّيخ، و الفواكه و شبه ذلك ممّا يكون سريع الفساد ... «1»» و حكم ما يخرج من الأرض ممّا يستحب فيه

الزكاة، حكم الغلّات الأربع، في قدر النصاب، و قدر ما يخرج منها، و في السقي، و الزرع، و نحو ذلك.

[الثالث: الخيل الإناث]

الثالث: الخيل الإناث، بشرط أن تكون سائمة، و يحول عليها الحول، و لا بأس بكونها عوامل، ففي العتاق منها- و هي الّتي تولّدت من عربيّين- كلّ سنة ديناران، هما مثقال و نصف صيرفيّ، و في البراذين كلّ سنة دينار، ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، و الظاهر ثبوتها حتّى مع الاشتراك، فلو ملك اثنان فرسا تثبت الزكاة بينهما.

[الرابع: حاصل العقار المتّخذ للنماء]

الرابع: حاصل العقار المتّخذ للنماء، من البساتين، و الدكاكين،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحبّ فيه، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 207

و المساكن، و الحمّامات، و الخانات، و نحوها. و الظاهر اشتراط النصاب و الحول، و القدر المخرج ربع العشر مثل النقدين.

[الخامس: الحلّي]

الخامس: الحلّي، و زكاته إعارته لمؤمن.

[السادس: المال الغائب، أو المدفون الّذي لا يتمكّن من التصرّف فيه]

السادس: المال الغائب، أو المدفون الّذي لا يتمكّن من التصرّف فيه، إذا حال عليه حولان أو أحوال، فيستحبّ زكاته لسنة واحدة بعد التمكّن.

[السابع: إذا تصرّف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة]

السابع: إذا تصرّف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة، فإنّه يستحبّ إخراج زكاته بعد الحول (314).

______________________________

(314) تقدّم الكلام فى الموارد المذكورة على سبيل الإجمال. فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 209

[ [فصل في أصناف المستحقّين للزكاة]

اشارة

[فصل] في أصناف المستحقّين للزكاة و مصارفها ثمانية (315):

______________________________

(315) بنصّ القرآن الكريم «1»، و إجماع المسلمين، كما عن بعضهم «2»، و فى «الشرائع «3»»: عدّها سبعة، بجعل الفقير و المسكين صنفا واحدا، و هو مخالف لما عرفت، مضافا إلى مخالفته لبعض النصوص الروائيّة «4»، الدالّة على أن الاصناف ثمانية.

______________________________

(1)- و هو قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة، 9: 60).

(2)- النراقي، ملا أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 44، ط إيران الحجريّة. و لاحظ: العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 130.

(3)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام/ تحقيق عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 159.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقّين للزّكاة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 210

[الأوّل و الثاني: الفقير و المسكين]

اشارة

الأوّل و الثاني: الفقير و المسكين (316).

______________________________

(316) وقع الخلاف بينهم في اتّحادهما معنى و تغايرهما، و الظاهر هو عدم ترتّب ثمرة على البحث عنه في خصوص المقام، إلا على تقدير وجوب البسط على الأصناف، و هو خلاف التحقيق، كما ستأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه تعالى. نعم، البحث عن ذلك قد يثمر في مثل باب الكفّارات، و النذر، و الوقف، و نحو ذلك.

و تحقيق القول فيه أنّ المعنى اللغوي لهاتين الكلمتين و إن كان من المتلازمين، حيث أنّ الفقر- لغة «1»- بمعنى الحاجة، و هي تلازم الذلّة، كما أنّ المسكين من المسكنة، بمعنى الذلّة، إلّا أنّ المستفاد من بعض النصوص إنّما هو كون المسكين أخصّ من الفقير،

فالمسكين إنّما هو الفقير الّذي بلغ به الفقر إلى حدّ السؤال، فهو صنف خاصّ من الفقير، و هذا هو المشهور نصّا و فتوى «2». و يدلّ عليه صحيح أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ- الآية، قال عليه السّلام: «الفقير الّذي لا يسأل الناس، و المسكين أجهد منه، و البائس أجهدهم ... «3»، و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: أنّه سأله عن الفقير و المسكين، فقال: «الفقير الّذي لا يسأل، و

______________________________

(1)- الفراهيدي، الخليل بن أحمد: العين، ج 5: ص 150، ط الثانية، مؤسسة دار الهجرة، قم؛ الأزهري، محمّد بن أحمد: تهذيب اللغة، ج 9: ص 113، ط الدار المصرية للتأليف و الترجمة؛ ابن منظور، محمد بن مكرّم: لسان العرب، ج 5: ص 60، ط دار صادر، بيروت؛ الزبيدي، محمّد مرتضى: تاج العروس، ج 3: 473، ط بولاق، مصر.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 85، ط إيران الحجريّة.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 211

..........

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 2، ص: 211

______________________________

المسكين الذي هو أجهد منه، الذي يسأل «1»».

ثمّ إنّ الشهيد الثاني قدّس سرّه قال في «المسالك» ما لفظه: «اعلم إنّ الفقراء و المساكين متى ذكر أحدهما خاصّة دخل الآخر فيه، بغير خلاف. نصّ على ذلك جماعة، منهم الشيخ «2»

و العلّامة «3» كما في آية الكفّارة المخصوصة بالمسكين، فيدخل فيه الفقير، و إنّما الخلاف فيما لو جمعا، كما في آية الزكاة لا غير. و الأصحّ أنّهما حينئذ متغايران، لنصّ أهل اللغة «4» و صحيح أبي بصير ... «5»».

و استشكل ذلك «6» غير واحد «7» بأنّ هذا بعد ثبوت التغاير بين اللفظين مشكل، لأنّ إطلاق لفظ أحدهما و إرادة ما يعمّ الآخر مجاز، لا يصار إليه إلّا مع القرينة، و مع انتفائها يجب حمل اللفظ على حقيقته.

و أجاب المحقّق الهمداني قدّس سرّه عن الإشكال المذكور، بما حاصله «8»: أنّ الافتراق في مورد الاجتماع إنّما هو من جهة انصراف لفظ المسكين عرفا إلى ما هو أخصّ من الفقير، و هو الّذي ألجأته الحاجة إلى السؤال، و هذا لا ينافى اجتماعهما في مورد الافتراق، بأن يراد من خصوص المسكين- حينما ينفرد

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط: ج 1، ص 246، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران.

(3)- الحلّي، الحسن بن يوسف: نهاية الاحكام، ج 2: ص 379 ط مؤسسة إسماعيليان، قم.

(4)- الجوهري، اسماعيل بن حماد: صحاح اللغة، ج 2: ص 782، ط دار الملايين- بيروت.

(5)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 1: ص 409، ط مؤسسة المعارف الإسلامية، قم- إيران.

(6)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 85، ط إيران الحجريّة.

(7)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 192، ط مؤسسۀ آل البيت عليهم السّلام، قم؛ البحراني الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 155، ط النجف الأشرف.

(8)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص 85،

ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 212

و الثاني أسوأ حالا (317) من الأوّل. و الفقير الشرعيّ من لا يملك مئونة السنة له و لعياله (318) و الغنيّ الشرعيّ بخلافه.

______________________________

بالذكر، كما في آية الكفّارات «1» مثلا- مطلق الفقير، لأجل مناسبة الحكم و الموضوع و نحوها، من القرائن المانعة عن الانصراف إلى ما كان ينصرف إليه عرفا في فرض الاجتماع، ففي مثل آية الكفّارة مناسبة الحكم و الموضوع- نظرا إلى أنّ التصدّق إنّما يناسب كون المتصدّق عليه محتاجا و لا دخل للسؤال فيه أصلا- قاضية بإرادة مطلق الفقير من المساكين، كما هو ظاهر.

(317) كما هو المشهور نصّا و فتوى «2»، و دلّ عليه الخبران المتقدّمان أيضا، و ما عن بعضهم «3»، من القول: بأنّ الفقير أسوأ حالا من المسكين، فهو خلاف المشهور، و الخبران حجّة عليه. فلاحظ.

(318) الأقوال فى المسألة ثلاثة:

______________________________

(1)- و هي قوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً- الآية (المجادلة، 58: 4).

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 85، ط إيران الحجريّة.

(3)- ابن ادريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 456، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ ابن حمزة، محمّد بن علي: الوسيلة، ص 128، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي؛ الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 246، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران؛ الجمل و العقود، ص 103، ط جامعة مشهد؛ ابن البرّاج، عبد العزيز: المهذّب، ج 1: ص 169، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم ايران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 213

..........

______________________________

الأوّل: ما فى المتن، و هو المنسوب

إلى الشهرة بين المتأخّرين «1»، بل مطلقا، كما ادّعي «2»، بل عن بعضهم «3»: نسبته إلى عامّة أصحابنا، و نسب ذلك- أيضا- إلى الشافعي «4»، و مالك «5» من العامّة، و هو مختار الشيخ قدّس سرّه، في أحد قوليه.

و استدلّ له بصحيح أبي بصير، أو حسنته بابن هاشم، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره. قلت: فإنّ صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟! قال: زكاته صدقة على عياله، و لا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقلّ من ستّة، فهذا يأخذها، و لا تحلّ الزكاة لمن كان محترفا، و عنده ما تجب فيه الزكاة، أن يأخذ الزكاة «6»»، و رواية على بن اسماعيل الدغشي، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن السائل- و عنده قوت يوم- أ يحلّ له أن يسأل، و إن أعطي شيئا من قبل أن يسأل يحلّ له أن يقبله؟

قال: «يأخذ- و عنده قوت شهر- ما يكفيه لسنته من الزكاة، لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة «7»»، و مرسل المفيد قدّس سرّه فى المقنعة عن يونس بن عمار، قال: سمعت

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 304، ط النجف الأشرف.

(2)- العاملي، السيّد محمّد جواد: مفتاح الكرامة، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 131.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 304، ط النجف الأشرف.

(4)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 7: ص 315، افست دار الكتاب العربى، لبنان؛ ابن قدامة المقدسى، محمّد بن أحمد: الشرح الكبير، ج 2: ص 693، افست دار الكتاب العربي، لبنان.

(5)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني،

ج 2: ص 523، افست دار الكتاب العربي، لبنان؛ ابن قدامة المقدسي، محمّد بن أحمد: الشرح الكبير، ج 2: ص 693، افست دار الكتاب العربي، لبنان؛ الجزيري، عبد الرحمن: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1: ص 622، افست دار احياء التراث العربي، لبنان.

(6)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(7)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 214

..........

______________________________

أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، و يجب الفطرة على من عنده قوت السنة ... «1»»

الثاني: ما عن الشيخ قدّس سرّه- أيضا- «2»، من «أنّ الضابط من يملك نصابا من الأثمان- أي النقدين- أو قيمة، فاضلا عن مسكنه و خادمه ...»، و نسب ذلك

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8 المستحقين للزكاة، ح 10.

(2)- هذه عبارة العلامة قدّس سرّه فى «التذكرة»، حيث قال: «و القول الثاني للشيخ أنّ الضابط ...» (ج 5: ص 240، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم).

و قال فى «المنتهى»: «فقال الشيخ فى «الخلاف»: الغنىّ من ملك نصابا يجب فيه الزكاة أو قيمته، و جعله فى «المبسوط» قولا لبعض أصحابنا ...» (ج 2: ص 517، ط إيران الحجريّة). و تابعه فى ذلك جملة ممّن تأخّر عنه قدّس سرّه «مدارك الأحكام» للسيّد العاملي (ج 5: ص 193، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم)؛ «مجمع الفائدة و البرهان» للمقدّس الأردبيلي (ج 4، ص 150، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم)؛ «مصباح الفقيه» للفقيه الهمداني (ج 3/ كتاب الزكاة: ص 86، ط إيران الحجريّة)؛ و غير ذلك.

هذا، و لكن الأمر ليس كذلك في كلّ

من كتابي الشيخ قدّس سرّه «المبسوط» و «الخلاف»، و إليك كلامه قدّس سرّه في كتاب «المبسوط»، قال: «و الغنى الّذي يحرم معه أخذ الصدقة، أن يكون قادرا على كفايته و كفاية من يلزم كفايته على الدّوام ...- إلى أن قال:- و في أصحابنا من قال: إن ملك نصابا تجب عليه فيه الزكاة كان غنيّا و تحرم عليه الصدقة، و ذلك قول أبي حنيفة ...» (ج 1: ص 257). و قال في كتاب «الخلاف»: «حدّ الغنى الّذي يحرم معه الزكاة عليه أن يكون له كسب يعود عليه بقدر كفايته لنفقته، و نفقة من تلزمه النفقة عليه، أو له عقار يعود عليه ذلك القدر، أو مال يكتسب به ذلك القدر ...- إلى أن قال:- و ذهب أبو حنيفة إلى أن حدّ الغنى الّذي يحرم به الصدقة أن يملك نصابا تجب فيه الصدقة، إمّا مائتي درهم، أو عشرين دينارا ...- إلى أن قال:- و ذهب قوم من أصحابنا إلى أن من ملك النصاب حرمت عليه الزكاة ...» (ج 4: ص 238، ط مؤسسة النشر الاسلامى، قم).

و العجب من العلامة قدّس سرّه حيث قال في كتابه «مختلف الشيعة» ما لفظه: «مسألة: الغنيّ الّذي يحرم عليه أخذ الصدقة باعتبار الفقر، هو أن يكون قادرا على كفايته و كفاية من تلزمه كفايته على الدوام ...- إلى أن قال:- هكذا قاله الشيخ فى «المبسوط» ...». ثمّ قال:

«قال- أي الشيخ-: و في أصحابنا من قال: إنّ من ملك نصابا يجب عليه فيه الزكاة كان غنيّا تحرم عليه الصدقة» (ج 3: ص 214، ط مؤسسة النشر الإسلامي- قم).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 215

..........

______________________________

الى أبي حنيفة «1» أيضا.

و استدلّ له

بالنبويّ العاميّ، المرويّ مضمونه في نصوصنا- أيضا-، كما في عن «الجواهر «2»» أنّه صلى اللّه عليه و آله قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: إنّك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله رسول اللّه، فإن هم أطاعوا لذلك فاعلمهم أنّ اللّه قد فرض عليهم خمس صلوات فى اليوم و الليلة، فإن هم اطاعوا لذلك فاعلمهم: أنّ اللّه فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم «3»، بتقريب: أنّ الغني- بمقتضى هذه الرواية- هو من وجب عليه الزكاة، فإذا كان مالكا للنصاب من الأثمان أو القيمة، وجبت عليه الزكاة، فهو غني، فلا يجوز له أن يعطي من الزكاة.

و يرد على الاستدلال به أوّلا: أنّ الخبر ضعيف السند لكونه عاميّا، مرسلا.

و ثانيا: أنّه لا اختصاص للرواية بما إذا كان الشخص مالكا لإحدى النصب الزكويّة من الأثمان- أي النقدين- كما هو المدّعى، بل هي- على تقدير التسليم باعتبارها- عامّة لكلّ من يملك نصبا من الأموال الزكويّة، بلا فرق في ذلك بين كون النصاب المذكور من الأثمان أو من غيرها.

______________________________

(1)- ابن قدامة، عبد اللّه بن أحمد: المغني، ج 2: ص 524، افست دار الكتاب العربي، لبنان؛ المغني، ج 7: ص 315؛ القرطبي، محمّد بن أحمد: بداية المجتهد، ج 1: ص 285، ط مكتبة الكلّيات الأزهريّة، مصر.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 306، ط النجف الأشرف.

(3)- البخاري: الصحيح، ج 2: ص 147، ط اليونينيّة؛ مسلم: الصحيح، ج 1/ كتاب الإيمان:

باب الدعاء إلى الشهادتين، ص 50/ ح 19؛ أبوا داود: السنن، ج 2/ كتاب الزكاة: باب زكاة السائمة، ح 1584؛ الترمذي: السنن،

ج 3/ كتاب الزكاة: الباب 6، ح 625؛ النسائي:

السنن، ج 5: ص 2، ط المكتبة التجاريّة، مصر؛ البيهقي: السنن، ج 4: ص 101، ط حيدرآباد- الهند.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 216

..........

______________________________

و الحاصل، أنّ مفاد الرواية هو وجوب الزكاة على من يملك نصبا من الأموال الزكويّة، و تدلّ على جواز اعطاء الزكاة له بالتقريب المتقدّم، و هو أجنبيّ عن المدّعى، و هو عدم جواز إعطاء الزكاة لمن يملك نصابا من خصوص الأثمان، أو ما يساويه بحسب القيمة.

و ثالثا: إنّه- بناء على ما تحقّق في محلّه- من أنّ الدين لا يمنع عن تعلّق الزكاة بالعين، فقد يكون مالك النصاب مشغول الذمّة بثمنه أو أضعاف أضعافه، مع كونه محتاجا بالفعل إلى نفقة أكثر من قيمة النصاب، فإنّ مثل هذا لا يمكن أن يكون من الأغنياء، لا عرفا و لا شرعا، بل لا ينبغي الإشكال في فقره، و عليه، فلا بدّ من حمل الخبر- بعد فرض الغمض عن السند- على المورد الغالب.

فلاحظ.

و استدلّ له أيضا «1»: بالتنافي بين وجوب دفع الزكاة عليه و جواز أخذها له. و يرد عليه: عدم المنافاة بين الأمرين أصلا، كما لا يخفى.

الثالث: ما عن «المفاتيح «2»»، حاكيا له عن الشيخ فى «المبسوط «3»»، من أنّ الفقير من لم يقدر على كفايته و كفاية من يلزمه من عياله عادة، على الدوام. و هذا القول ممّا لم يظهر لنا دليله، مع كونه خلاف المذهب المشهور، و هو مردود- أيضا- بالأخبار المتظافرة المتقدّمة. فالصحيح هو المذهب المشهور، و هو أنّ الفقير من لا يملك ما يقوم بكفايته و كفاية عياله حولا، كما اختاره المصنّف قدّس سرّه.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام،

ج 15: ص 306، ط النجف الأشرف.

(2)- الكاشاني، محمّد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1: ص 204، ط مجمع الذخائر الإسلاميّة، قم.

(3)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 256، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 217

فمن كان عنده ضيعة، أو عقار، أو مواش، أو نحو ذلك، تقوم بكفايته و كفاية عياله في طول السنة، لا يجوز له أخذ الزكاة، و كذا إذا كان له رأس مال يقوم ربحه بمئونته (319)، أو كان له من النقد أو الجنس ما يكفيه و عياله، و إن كان لسنة واحدة (320)؛ و أمّا إذا كان اقلّ من مقدار كفاية سنته يجوز له أخذها، و على هذا فلو كان عنده بمقدار الكفاية، و نقص عنه- بعد صرف بعضه في أثناء السنة- يجوز له الأخذ، و لا يلزم أن يصبر إلى آخر السنة حتّى يتمّ ما عنده، ففي كلّ وقت ليس عنده مقدار الكفاية

______________________________

(319) بلا إشكال، كما تقتضيه النصوص المتقدّمة «1»، لكونه غنيّا بالقوّة.

(320) لا بدّ و أن يكون المفروض حينئذ هو عدم كون النقد أو الجنس رأس المال، و إلّا كان الاعتبار بكفاية ربحه بمئونة سنته، لا كفاية نفسه كذلك، كما أفاده قدّس سرّه فى الفرع السّابق، و الوجه فيه ظاهر، فإنّ الفقير- كما دلّت عليه النصوص- إنّما هو من لا يملك قوّة سنته، و هذا غنيّ بالفعل، لكونه- حسب الفرض- مالكا له.

______________________________

(1)- صفحة 213- 214.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 218

المذكورة يجوز له الأخذ (321)، و كذا لا يجوز لمن كان ذا صنعة أو كسب يحصّل منهما مقدار مئونته، و الأحوط عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا

لم يفعل تكاسلا (322).

______________________________

(321) و الوجه فيه ظاهر، فإنّ المعتبر إنّما هو الفقر حال الدفع و الإعطاء، فإذا كان الفقير الشرعي- على ما دلّت عليه النصوص السابقة- عبارة عمّن لا يملك مئونة سنة واحدة، فلا محالة يحسب مبدأ السنة من حين الإعطاء، فلو فرضناه مالكا لذلك، ثمّ صرف منه بمقدار ينقص به ما عنده عن مئونة السنة، جاز له- حينئذ- أخذ الزكاة، لصدق عنوان الفقير عليه بالفعل.

(322) صور المسألة ثلاث:

الأولى: ما إذا كان ذو الصنعة أو الكسب مشغولا بذلك بالفعل، و هذا لا يجوز له الأخذ من الزكاة، بلا خلاف فيه على الظاهر، بل لعلّه من المجمع عليه، كما استقر به بعضهم «1». و يدلّ عليه صحيح زرارة- أو حسنته بابن هاشم- عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف، و لا لذى مرّة سويّ قويّ، فتنزّهوا عنها «2»»، و صحيحه الآخر المرويّ عنه في «معانى الأخبار»، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ، و

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 312، ط النجف الأشرف.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: المستحقّين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 219

..........

______________________________

لا لذى مرّة سويّ، و لا لمحترف، و لا لقويّ. قلنا: ما معنى هذا؟ قال: لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها «1»».

الثانية: ما إذا لم تساعده الظروف، أو بعض العوامل الخارجيّة الأخر في بعض السنة- كاختلاف فصول السنة مثلا- على الاشتغال بصنعته أو كسبه، مع اشتغاله فى البعض الآخر من السنة،

فقد يقال فيه بجواز أخذه الزكاة، فقد استشكل فى «الجواهر «2»»: كون القدرة على الكسب اللائق بحاله الوافي بمئونته، ما لم يكن بالفعل مشغولا بحرفته و كسبه، مانعا عن جواز تناول الزكاة، بل قوّى عدمه، نظرا إلى عدم خروجه- بذلك- عن حدّ الفقير الّذي وضع له الزكاة. و لكنّه لا يخلو عن اشكال، فإنّ الرّوايات المتقدّمة تكون مفسّرة لا محالة للنصوص الدالّة على اعتبار الفقر في أخذ الزكاة، فتكون النتيجة- بعد ضمّها إليها- هي أنّ المحترف، و من كان ذو مرّة سوّي، فهو ليس من الفقير، فلا يجوز له أخذ الزكاة. و بالأخير: إنّه- بمقتضى النصوص المتقدّمة- تكون هذا الصورة خارجة عن موارد جواز اخذ الزكاة، كما لا يخفى.

و عن شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه ما لفظه: «و لو ترك المحترف الحرفة فاحتاج في زمان لا يقدر عليها، كما لو ترك العمل نهارا فاحتاج ليلا، و كما لو ترك البنّاء عمل البناء فى الصيف فاحتاج فى الشتاء، مع عدم حصول ذلك العمل له، فيه إشكال، من صدق الفقر عليه، و أنّه لا يقدر فى الحال على ما يكفّ به نفسه عن الزكاة، فيعمّه أدلّة جواز الأخذ. و من صدق المحترف و ذي المرّة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: المستحقّين للزكاة، ح 8.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: صص 312- 314، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 220

..........

______________________________

السّوي عليه، فيشمله أدلّة المنع، و هو الأقوى، لعدم معلوميّة صدق الفقير عليه، و إلّا لصدق على المحبوس الغنيّ، و لم يجعل ابن السبيل قسيما للفقير فى الكتاب و السنة». ثمّ قال: «لكن الإنصاف: إنّه

لو لم ينعقد الإجماع على الخلاف قوى القول بجواز الدفع إلى كل محتاج في آن حاجته، و إن عرض له في زمان يسير و لو بسوء اختياره ... «1»».

و فيه ما لا يخفى من وجوه النظر، أمّا:

أوّلا: فلأنّه يصدق عليه أنّه ذو مرّة سويّ، كما اعترف به قدّس سرّه، و هو ممّن لا يجوز له- بمقتضى النصوص- أخذ الزّكاة و لا ينافيه صدق عنوان «الفقير» عليه عرفا، فإنّ من يجوز له أخذ الزكاة- بملاحظة النصوص- ليس هو الفقير فقط، بل الفقير الّذي لا يكون ذو مرّة سويّ.

و ثانيا: إن جعل «ابن السبيل»- فى الآية الكريمة- قسيما للفقير إنّما هو لأجل بعض الخصوصيّات المعتبرة فيه دون الفقير، كما ستأتى الإشارة إليه إن شاء اللّه تعالى، و إلّا فإنّه من المعلوم أنّ المعتبر في «ابن السّبيل» هو الغنى، و كونه مالكا لمئونة سنته فما زاد، كما لا يخفى.

و ثالثا: إنّ حصول الإجماع على الخلاف غير متحقّق، كما لا يخفى ذلك على الناظر المتتبّع. و عليه فالصّحيح: الاستناد- فى المنع عن أخذ الزكاة،- إلى ما ذكرناه. فلاحظ.

هذا، و يمكن المناقشة في شمول النصوص المانعة لمثل المقام، بأنّ «المحترف»، و «ذو المرّة السويّ» ممّا فسّرا في بعض النّصوص، بما يمنع تلكم النصوص عن

______________________________

(1)- الأنصاري، الشيخ مرتضى: كتاب الزكاة، صص 270- 271، ط لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 221

[مسألة 1: لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمئونته لكن عينه تكفيه]

[مسألة 1]: لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمئونته لكن عينه تكفيه، لا يجب عليه صرفها في مئونته، بل يجوز له ابقاؤه للاتّجار به و أخذ البقيّة من الزكاة (323)،

______________________________

شمول المقام، و هو صحيح زرارة، المرويّ فى «معانى

الأخبار» عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ، و لا لذي مرّة سويّ، و لا لمحترف، و لا لقويّ. قلنا: ما معنى هذا؟ قال: لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها «1»».

إذ من المعلوم: هو عدم قدرة الشخص- في مفروض الكلام- على كفّ نفسه عن أخذ الزّكاة.

الثالثة: ما إذا كان قادرا على الصنعة أو الكسب اللائق بحاله، الوافى بمئونته، و كان الاشتغال الفعلي بذلك ميسورا له- أيضا- إلّا أنّه ترك الاشتغال تكاسلا و من جهة البطالة، و الظاهر أنّ جواز أخذ الزكاة فى الصورة المذكورة أشدّ إشكالا منه فى الصورة السابقة.

(323) الضابط فى الخروج عن حدّ الفقر فى الكاسب إنّما هو قيام الربح بمئونته، لا قيام أصل رأس المال بذلك، لا مستقلا، و لا منضما إلى الربح، و يدلّ عليه جملة من النصوص، كموثق سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة هل تصلح

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 8: المستحقّين للزكاة، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 222

..........

______________________________

لصاحب الدار و الخادم؟ فقال: «نعم، إلّا أن تكون داره دار غلّة، فخرج له من غلّته دارهم ما يكفيه لنفسه و عياله، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا «1»»؛ و خبر إسماعيل عبد العزيز، عن أبيه، قال: دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال له أبو بصير: إنّ لنا صديقا- إلى أن قال:- و

له دار تسوى بأربعة آلاف درهم، و له جارية، و له غلام يستقى على الجمل كلّ يوم ما بين الدرهمين إلى أربعة سوى علف الجمل، و له عيال، أله أن يأخذ من الزكاة؟ قال: «نعم، قال: و له هذا العروض؟! فقال: يا أبا محمّد، فتأمرني أن آمره ببيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه، أو ببيع خادمه الّذي يقيه الحرّ و البرد، و يصون وجهه و وجه عياله، أو آمره أن يبيع غلامه و جمله و هو معيشته و قوّته، بل يأخذ الزكاة، فهي له حلال، و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله «2»»، و صحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم، و له عيال، و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها، أ يكب فيأكلها و لا يأخذ الزكاة، أو يأخذ الزكاة؟ قال: «لا، بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله، و يأخذ البقيّة من الزكاة، و يتصرّف بهذه لا ينفقها «3»»، و خبر هارون بن حمزة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يروى عن النّبي صلى اللّه عليه و آله، أنّه قال: لا تحلّ الصدقة لغنيّ و لا لذى مرّة سوىّ، فقال: «لا تصلح لغنيّ، قال: فقلت له: الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة و له عيال، فإن

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 12: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 223

..........

______________________________

أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها؟

قال: فلينظر ما يفضل منها فليأكله هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله «1»»، و خبر أبي بصير قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفاف، و له عيال كثير، أله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال: «يا أبا محمّد، أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟ قال: نعم، قال: كم يفضل؟ قال: لا أدري، قال: إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقلّ من نصف القوت أخذ الزكاة. قال: قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: بلى، قال: قلت: كيف يصنع؟ قال: يوسع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم، و يبقي منها شيئا يناوله غيرهم، و ما أخذ من الزكاة فضّه على عياله حتى يلحقهم بالنّاس «2»».

و المستفاد من النصوص- كما يلاحظها المتأمّل- إنّما هو عدم الاعتداد بكفاية رأس المال له و لعياله فى الخروج عن حدّ الفقر، ما دام لم يكفه الربح، كما هو ظاهر. نعم، مقتضى خبر أبي بصير عدم جواز الأخذ من الزكاة فيما إذا كان الفاضل من الربح بمقدار نصف القوت و جوازه في ما إذا كان بأقلّ منه، و هذا مخالف لمقتضى النصوص المتقدّمة، بل هو على خلاف الإجماع- كما عن بعضهم «3»- حيث إنّ مقتضى النصوص المتقدّمة، و فتوى الأصحاب، هو عدم جواز الأخذ في فرض كفاية الربح و إن لم يفضل منه أصلا، فلا بدّ من حمله على أنّ المراد من الفاضل بمقدار نصف القوت، ما يكون داخلا فى المئونة، غايته أن المئونة قد تكون قوتا، و قد تكون غيره، كبعض المصارف الاتّفاقيّة غير المعلومة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: المستحقّين للزكاة، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 8: المستحقّين للزكاة، ح 4.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 312، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 224

..........

______________________________

الطارئة أثناء الحول، و عليه فاعتبار زيادة نصف القوت إنّما هو بلحاظ ما ذكر، لا لأجل اعتبار الفضل- بالمقدار المذكور- في عدم جواز الأخذ من الزكاة، كي يكون ذلك على خلاف النصوص و الفتاوى. كما أنّ ما في ذيله من السؤال عن كيفيّة تصرفه فى الزكاة المفروضة عليه، و جواب الإمام عليه السّلام إيّاه بصرف مقدار منها فى التوسعة على عياله و إيصال البقيّة إلى غيرهم ممّا لا محذور فيه أصلا، فإنّ المراد بالزكاة فى الرواية هي الزكاة المستحبّة في مال التجارة و لا محذور فيما ذكر في مثلها أصلا. فتأمّل «1».

نعم، ربما يقال بالتنافي بين الرّوايات المذكورة و بين موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قد تحلّ الزكاة لصاحب السبعمائة و تحرم على صاحب الخمسين درهما، فقلت له: و كيف يكون هذا؟ قال: إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها بينهم لم تكفه، فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله، و أمّا صاحب الخمسين فانّه يحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها، و هو يصيب منها ما يكفيه إن شاء اللّه «2»»، و نحوه مصحّح أبي بصير «3»، فإنّ مفهوم الصدر إنّما هو عدم جواز الأخذ من الزكاة إذا كان رأس المال ممّا فيه الكفاية له و لعياله. هذا، و لكنّه لا بدّ من حمل الخبرين- بقرينة المقابلة مع المحترف- على أنّ السبعمائة لم

تكن رأس المال، فلا منافاة حينئذ بين الطائفتين، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- أقول: هذا الحمل مناف لظاهر السؤال: «فعليه في ماله زكاة تلزمه ...» الظاهر فى الوجوب، لقوله: «تلزمه»، مضافا إلى أنّه لا يوجّه به الخبر على مذهب من يقول بوجوب الزكاة في مال التجارة ....

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 8: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 225

و كذا لو كان صاحب صنعة (324) تقوم آلاتها، أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمئونته، و لكن لا يكفيه الحاصل منهما، لا يجب عليه بيعها و صرف العوض فى المئونة، بل يبقيها و يأخذ من الزكاة بقيّة المئونة.

[مسألة 2: يجوز أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة]

[مسألة 2]: يجوز أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة (325)، فلا يلزم الاقتصار على مقدار مئونة سنة واحدة، و كذا فى الكاسب الّذي لا يفي كسبه بمئونة سنته، أو صاحب الضيعة الّتي لا تفي حاصلها، أو التاجر الّذي لا يفي ربح تجارته بمئونة سنته، و لا يلزم الاقتصار على اعطاء التتمّة، بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين، بل يجوز جعله غنيّا عرفيّا.

______________________________

(324) لا فرق بين الفرعين فى الحكم، كما يستفاد ذلك من النصوص المتقدّمة، و يدلّ على الحكم في خصوص صاحب الضيعة موثق سماعة الأوّل، المتقدّم «1»، فلاحظ.

(325) المشهور «2» هو جواز إعطاء الفقير أزيد من مقدار مئونة السنة، دفعة

______________________________

(1)- صص 221- 222.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 160، ط النجف الأشرف؛ النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 315، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 226

..........

______________________________

واحدة، و

كذا إعطاء الكاسب الّذي لا يفي ربح تجارته بمئونته أزيد من المتمّم لمئونة سنته، دفعة واحدة، و استدلّ له بإطلاق النصوص المرخّصة فى الإعطاء بحدّ الإغناء، كصحيح سعيد بن غزوان- أو حسنته بابن هاشم- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «تعطيه من الزكاة حتّى تغنيه «1»»، و مثله: روايته الأخرى- الّتي رواها الشيخ قدّس سرّه فى «التهذيب»- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته: كم يعطى الرّجل الواحد من الزكاة؟ قال: «أعطه من الزكاة حتّى تغنيه «2»»، و موثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: أنّه سئل كم يعطى الرجل من الزكاة؟ قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «إذا أعطيت فاغنه «3»»، و موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبى الحسن موسى عليه السّلام، قال: قلت له: أعطى الرجل من الزكاة ثمانين درهما؟ قال: «نعم، و زده، قلت: أعطه مائة؟ قال: نعم، و اغنه إن قدرت على أن تغنيه «4»»، و قريب منه موثّقته الأخرى «5»، و رواية عاصم بن حميد، عن أبي بصير، قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ شيخا من أصحابنا يقال له: عمر، سأل عيسى بن أعين- و هو محتاج- فقال عيسى بن أعين: أما إنّ عندي من الزكاة و لكن لا أعطيك منها، فقال له: و لم؟! فقال له: لأنّي رأيتك اشتريت لحما و تمرا، فقال: إنّما ربحت درهما فاشتريت بدانقين لحما، و بدانقين تمرا، ثمّ رجعت بدانقين لحاجة، قال:

فوضع أبو عبد اللّه عليه السّلام يده على جبهته ساعة ثمّ رفع رأسه، ثمّ قال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى نظر في أموال الأغنياء، ثمّ نظر فى الفقراء، فجعل في أموال

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/

باب 24: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 3.

(5)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 227

..........

______________________________

الأغنياء ما يكتفون به، و لو لم يكفهم لزادهم، بلى، فليعطه ما يأكل، و يشرب، و يتزوّج، و يتصدّق، و يحجّ «1»».

و استدلّ للقول الآخر بوجهين:

الأوّل: إنّ الزكاة إنّما شرّعت لسدّ حاجة الفقراء و رفع الفاقة عنهم، و لا يقتضي هذا استحقاق الفقير أكثر من مقدار مئونته، بل يقتضي عدمه، فإنّ مقتضى الملاك المذكور إنّما هو إعطاء الفقير من الزكاة بمقدار يخرج به عن حدّ الفقر، و هو إنّما يكون باعطائه بمقدار مئونة سنته، و أمّا الزائد على ذلك فلا. و الحاصل، أنّ مصرف الزكاة إذا كانوا هم الفقراء- مثلا- و فرضنا أنّ الملاك في تشريعها إنّما هو رفع حاجتهم و سدّ فاقتهم، فلا محالة يكون مقتضى ذلك إنّما هو جواز الإعطاء إلى حدّ يرتفع به الفقر و الحاجة و الفاقة، و هو إنّما يكون بالإعطاء بمقدار مئونة سنة واحدة. و يؤيّد ذلك: ما دلّ من الروايات على أنّ «اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو علم أنّ الّذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم «2»».

الثاني: الروايات المتقدّمة «3» الواردة فى ذى الكسب القاصر، الدّالة على أنّه يجوز له أخذ التتمّة من الزكاة، ففي صحيح معاوية بن وهب: «و يأخذ البقيّة من الزكاة»، و في خبر هارون بن حمزة، قال عليه السّلام: «فلينظر ما يفضل منها فليأكله هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله»، و في موثّق سماعة: «إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها

بينهم لم تكفه، فليعف عنها نفسه و

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 40: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 1: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه.

(3)- صص 221- 222.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 228

..........

______________________________

ليأخذها لعياله»، و غير ذلك ممّا يستفاد منه عدم جواز أخذ أكثر من التتمّة دفعة واحدة.

و ممّا يؤيّد ذلك: رواية علي بن إسماعيل الدغشي المتقدّمة «1»، الدالّة على أنّ الفقير الّذي عنده قوت شهر أو شهرين له أن يأخذ من الزكاة، معلّلا ذلك:

بأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة، حيث يفهم من التعليل عدم استحقاقه لما زاد عن مئونة سنته، كما لا يخفى.

و تحقيق الكلام في مقامين:

الأوّل: ما تقتضيه القاعدة بالنظر إلى الأدلّة العامّة.

لا ينبغى الإشكال في أنّ القاعدة، بالنظر إلى الأدلّة العامة الدالّة على جواز اعطاء الفقير الزكاة، تقتضي ما ذهب إليه المشهور، فإنّها إنّما دلّت على أنّ الفقير من جملة مصارف الزكاة، من دون تقييد فيها للمقدار المعطى بحدّ معين؛ و بكلمة واضحة، لا يستفاد منها أكثر من تحديد المعطى له بالفقر، دون تحديد المعطى- بالفتح- بعدم زيادته على مئونة السنة، كما هو ظاهر.

الثاني: ما هو مقتضى الأدلّة الخاصّة.

قد تقدّم الاستدلال بجملة من الروايات لكلّ من القولين، إلّا أنّ دقيق النظر يقضى بأن يقال: إن ما استدلّ به للقول بعدم جواز الإعطاء بأزيد من مئونة السنة من النصوص ممّا يقبل المناقشة في دلالتها، نظرا إلى أنّ النصوص الواردة في ذى الكسب القاصر، الدالّة على جواز أخذه التتمّة من الزكاة، كقوله عليه السّلام: «و يأخذ البقيّة ...»، و نحو ذلك غير ناظرة؛ إلّا إلى جهة معيّنة و هي جواز أخذ

التتمّة من الزكاة، و ليست هي في مقام بيان ما هو الجائز من جميع الجهات، ليكون مفاد

______________________________

(1)- ص 213.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 229

..........

______________________________

النصوص- بحسب سوقها مساق التحديد- عدم جواز أخذ الزائد على ذلك، كما لا يخفى. و على الإجمال، الروايات المذكورة لا دلالة لها على المدّعى، بل غاية ما فى الباب هو الإشعار بذلك، كما صرّح بذلك الفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه أيضا «1».

فالصحيح فى الاستدلال لهذا القول هو الاستدلال الوجه الأوّل من الوجهين.

و أمّا ما استدلّ به للمذهب المشهور، فما قيل «2» في مقام الجمع بينه و بين الطائفة المعارضة له وجهان:

أحدهما: إنّ المراد بالغني فى النصوص الدالّة على جواز الإعطاء إلى حدّ الإغناء إنّما هو المعنى المصطلح عليه لهذه الكلمة في نظر الشارع، و هو المقابل للفقر الشرعي المسوّغ لأخذ الزكاة، أعني به: غير القادر على مئونة سنته فعلا و قوّة؛ و ذلك، بملاحظة النصوص «3» الدالّة على تفسير الفقر المأخوذ في جملة مصارف الزكاة، و عليه، فالروايات الدالّة على عدم جواز الزائد على مقدار المئونة تكون مؤيّدة و موافقة المضمون مع الدالّة على عدم جواز الزائد على مقدار المئونة تكون مؤيّدة و موافقة المضمون مع الدالّة على جواز الإعطاء بحدّ الإغناء، لأنّ إعطاء المتمّم لمئونة السنة يوجب الغنى شرعا، لا أنّها تكون منافية لها، كما هو ظاهر.

و يتوجّه عليه: أنّه لا دليل على التصرّف فى النصوص المذكورة، بحمل «الغنى» فيها على المعنى الشرعي و صرفه عن المعنى اللغوي و العرفي، بمجرّد تفسير الفقر في طائفة اخرى من النصوص، و ذلك: فإنّ من الممكن أن يكون الفقر المسوّغ لأخذ الزكاة هو عدم القدرة على مئونة السنة،

و مع ذلك يجوز

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه: ج 3/ كتاب الزكاة: ص 90، ط إيران الحجريّة.

(2)- المصدر.

(3)- تقدّمت في صفحة 210.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 230

..........

______________________________

إعطاءه من الزكاة بحدّ يحصل له الغنى العرفيّ، الّذي يكون ذلك باعطائه أكثر من مئونة السنة جزما، كما هو ظاهر، فمجرّد كون الفقر المأخوذ فى المقام عبارة عن عدم التمكّن من مئونة السنة لا يكون دليلا على أنّ الغنى المأخوذ فى النصوص المتقدّمة إنّما هو ما يقابل هذا الفقر، دون الغنى العرفيّ.

و ثانيهما: إنّ ما دلّ على عدم جواز الأخذ زائدا على مقدار المئونة لا يقاوم- بحسب الدلالة- النصوص الدالّة على جواز الإعطاء بحدّ الإغناء، فإنّ المقابلة بينهما إمّا أن يكون من تقابل الإشعار و الدلالة، أو من تقابل الظهور و النصّ، و ذلك: لأنّ ما دلّ على الإعطاء بحدّ الإغناء نصّ- أو قريب منه- فى الدلالة على جواز الأخذ زائدا على مقدار المئونة، مؤيّدا بما في خبر أبي بصير «1» من جواز الإعطاء للحجّ و التصدّق، ممّا هو خارج عن المئونة، كما لا يخفى. و حينئذ فلا بدّ من حمل ما دلّ على عدم الجواز على الكراهة، و نحو ذلك من المحامل، تحكيما للدلالة و النص على الإشعار و الظهور.

و التحقيق أن يقال: أمّا فيما دلّ على جواز الإعطاء بحدّ الإغناء، فبأنّ المراد بالغنى فيه إنّما هو الغنى بالمعنى الشرعيّ دون العرفيّ، و لكن لا بتقريب يرد عليه ما تقدّم، بل بتقريب اخر، و حاصله: أنّ المفروض في نفس هذه الروايات إنّما هو عنوان الفقر، باعتبار أنّ موردها إنّما هو إعطاء الفقير من الزكاة، و حيث أنّ الفقير هو من

لا يقدر على مئونة سنته، فلا محالة يكون المراد باعطاءه إلى حدّ الإغناء الإعطاء إلى الحدّ المخرج له عن الفقر بالمعنى المذكور، فيكون المراد الغنى بالمعنى المقابل للفقر باصطلاح الشارع لا محالة، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- تقدّم في صفحة 224- 225.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 231

و إن كان الأحوط الاقتصار (326).

______________________________

و أمّا خبر أبي بصير، فمن البعيد- بعد الوقوف على الملاك الموجب لتشريع الزكاة و هو سدّ عوز الفقراء و دفع حاجتهم- حمله على ظاهره، فلا بدّ و أن يصرف عن ذلك، بأن يراد- بالصدقة المذكورة فيه- التصدّق الّذي يكون تركه منافيا لشأن الشخص و مقامه، فإنّ مثل هذا ممّا يعد من المئونة عرفا، كما لا يخفى.

و يراد بالحجّ خصوص ما إذا استقرّ الحجّ عليه، و لم يتمكّن من ذلك بالفعل لزوال الاستطاعة عنه، و عدم القدرة على الحجّ متسكعا، فإنّ ذلك- حينئذ- لعلّه من المئونة بنظر العرف أيضا. و على الإجمال، المحامل المذكورة و إن كانت على خلاف الظاهر الأوّلي بلا اشكال، إلّا أنّه لا بدّ لنا من المصير إليها بعد العلم بأنّ إعطاء الزكاة بمقدار يفي بالصدقة و الحجّ الاستحبابيّين ممّا يتنافى و ملاك وجوب الزكاة فى الشريعة المقدّسة، كما لا يخفى.

و المتحصّل من ذلك كلّه هو عدم جواز الإعطاء بأزيد من مقدار مئونة لسنة، للوجه الأوّل من الوجهين اللّذين استدلّ بهما لهذا القول، كما تقدّم. و أمّا الوجه الثاني، فقد عرفت المناقشة فيه آنفا، فلاحظ.

(326) قد عرفت أنّه الظاهر من الأدلّة العامّة، بملاحظة ملاك تشريع الحكم المستفاد منها.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 232

نعم، لو أعطاه دفعات لا يجوز- بعد أن حصل (327) عنده

مئونة السنة- أن يعطى شيئا و لو قليلا، ما دام كذلك.

[مسألة 3: دار السكنى، و الخادم، و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله]

[مسألة 3]: دار السكنى، و الخادم، و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله- و لو لعزّه و شرفه- لا يمنع من إعطاء الزكاة و أخذها (328)، بل و لو كانت متعدّدة مع الحاجة إليها، و كذا الثياب و الألبسة الصيفيّة و الشتوية، السفريّة و الحضريّة.

______________________________

(327) لصيرورته غنيّا بذلك، مع أنّ المعتبر فى المعطى إليه هو الفقر حال الإعطاء، كما لا يخفى.

(328) فى «الجواهر «1»»: «بلا خلاف فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه»، و يدلّ عليه جملة من النصوص، كموثّق سماعة المتقدّم «2»، الدالّ على جواز أخذ صاحب الدار و الخادم من الزكاة، و مصحّح ابن أذينة، عن غير واحد، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: أنّهما سئلا عن الرّجل يكون له دار و خادم أو عبد، أ يقبل الزكاة؟ قالا: «نعم، إنّ الدار و الخادم ليسا بمال «3»»، و خبر عبد العزيز بن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام: ج 15: ص 318، ط النجف الأشرف.

(2)- صفحة 221- 222.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة، باب 9: المستحقّين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 233

و لو كانت للتجمّل (329)، و أثاث البيت، من الفروش و الظروف و سائر ما يحتاج إليه، فلا يجب بيعها فى المئونة، بل لو كان فاقدا لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها (330)، و كذا يجوز أخذها لشراء الدار، و الخادم، و فرس الركوب، و الكتب العلميّة و نحوها، مع الحاجة إليها؛ نعم، لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته بحسب حاله وجب صرفه

في

______________________________

المهتدى المتقدّم «1»، فإنّ المستفاد من مجموع النصوص المذكورة هو: إنّ ما كانت الحاجة ماسّة إليه من لوازم المعيشة، و لو كان ذلك باعتبار دخله فى الحفاظ على عزّه و شرفه اللذين يلزمه أن يصونهما، لم يكن مانعا من أخذ الزكاة.

(329) إن أريد من التجمّل ما يحتاج إليه حفظا لشرفه فهو، و قد عرفت الوجه فيه، و إلّا فلا وجه له، كما لا يخفى.

(330) لصيرورة ذلك من جمله النفقة حينئذ.

______________________________

(1)- صفحة 222.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 234

المئونة (331)، بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته، و أمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته، وجب بيعه (332).

______________________________

(331) علّق بعض المحشّين «1» على قوله: «وجب صرفه ...» ما نصّه: «لا يجب عليه ذلك؛ نعم، إن كان الزائد يفى بمئونة سنته حرم عليه الزكاة، و كذا الكلام فى الدار».

هذا و لا يخفى أنّ المراد بالوجوب في كلام المصنّف قدّس سرّه ليس هو الوجوب التكليفي الشرعيّ، كي يرد عليه أنّه حينئذ يحرم عليه أخذ الزكاة، لا أنّه يجب عليه الصرف فى المئونة، لأنّ مصرف الزكاة هو الفقير، و هو من لا يجد مئونة سنته فعلا و لا قوّة، و هذا ليس كذلك.

بل المراد به الوجوب المقدميّ العقليّ لحفظ النفس من الهلكة، بعد فرض عدم وجود طريق آخر- من الزكاة و نحوها- إلى ذلك.

(332) و لعلّ الوجه في ذلك، ما في رواية عبد العزيز المتقدّمة «2»: «... فتأمرني أن آمره أن يبيع داره و هي عزّه، و مسقط رأسه ...»، الظاهر في كون الملاك في استثناء الدار إنّما هو كون عزّا للمرء و شرفا، و على هذا، فالمستثنى إنّما يكون بالمقدار الّذي يكون بيعه

موجبا لزوال العزّ، فإذا فرضنا أنّ بيع الزائد من مقدار الحاجة في دار واحدة- كما إذا كان الزائد منفصلا- لا ينافى عزّ المرء و شرفه،

______________________________

(1)- الفقيه المرحوم السيّد عبد الهادي الشيرازي قدّس سرّه.

(2)- تقدّمت في صفحة 222.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 235

بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقلّ منها قيمة، فالأحوط (333) بيعها و شراء الأدون، و كذا فى العبد، و الجارية، و الفرس.

[مسألة 4: إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه]

[مسألة 4]: إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه، كما لو كان قادرا على الاحتطاب و الاحتشاش غير اللائقين بحاله،

______________________________

لم يكن حينئذ دليلا على استثنائه، كما لا يخفى.

و للمناقشة فيه مجال واسع، فإنّ الظاهر من مصحّح ابن اذينة المتقدّم «1» إنّما هو استثناء الدار و الخادم على وجه الإطلاق، و لا وجه لرفع اليد عنه، كما هو ظاهر و حينئذ فإذا كان خبر عبد العزيز حجّة و لو بانجباره بعمل المشهور كان مقيّدا- لا محالة- بالصحيحة، و إلّا فالعمل بالصحيحة. هذا و لعلّه الوجه في ذهاب بعض المحشّين قدّس سرّه إلى عدم الوجوب، و اللّه العالم.

(333) الحكم في هذا الفرع هو الحكم فى الفرع السابق عليه- إشكالا و جوابا- و التفريق بين الفرعين إنّما هو من «المدارك»، حيث استظهر عدم جواز الأخذ من الزكاة فى الفرع السابق، و لكنّه استظهر في هذا الفرع الجواز «2»، و لا وجه له، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- ص 232.

(2)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 201، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم المقدّسة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 236

يجوز له أخذ الزكاة (334). و كذا إذا كان عسرا و مشقّة-

من جهة كبر، أو مرض، أو ضعف- فلا يجب (335) عليه التكسّب حينئذ.

______________________________

(334) الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه «1»، و الوجه فيه هو أنّ المستفاد من نصوص استثناء العبد، و الخادم المتقدّمة «2» أنّ المراد بالتمكّن هو التمكّن العرفي، فمن لم يقدر على الكسب اللائق بحاله، عدّ عاجزا و غير متمكّن من الإعاشة بغير الزكاة و أمثالها عرفا، و إن لم يكن كذلك عقلا. هذا مضافا إلى التسالم القطعيّ بين الفقهاء قدّس سرّه على ذلك، و لا مجال للاستدلال «3» له بدليل نفي الحرج، لأنّه لا وجوب للاكتساب شرعا كي يرفع ذلك بدليل نفي الحرج، و إنّما وجوبه عقلي مقدّمة لوجوب الإنفاق على العيال أو حفظ نفسه.

على أنّ نفي وجوب الاكتساب بدليل نفي الحرج لا يثبت الفقر الّذي هو موضوع استحقاق الزكاة، فإنّ غاية ما يترتّب على دليل نفي الحرج هو عدم وجوب الاكتساب، لا عدم التمكّن منه، ليثبت الفقر الّذي هو عدم التمكّن من المئونة فعلا و قوّة، كما هو ظاهر.

(335) لصدق الفقير عليه، بعد ما عرفت من أنّ المراد به هو غير المتمكّن من مئونة

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 312، ط النجف الأشرف.

(2)- صص 233- 233.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 88، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 237

[مسألة 5: إذا كان صاحب حرفة و صنعة، و لكن لا يمكنه الاشتغال بها]

[مسألة 5]: إذا كان صاحب حرفة و صنعة، و لكن لا يمكنه الاشتغال بها، من جهة فقد الآلات أو عدم الطالب جاز (336) له أخذ الزكاة.

[مسألة 6: إذا لم يكن له حرفة، و لكن يمكنه تعلّمها من غير مشقة]

[مسألة 6]: إذا لم يكن له حرفة، و لكن يمكنه تعلّمها من غير مشقة، ففي وجوب التعلّم (337) و حرمة أخذ الزكاة بتركه إشكال، و الأحوط التعلّم، و ترك الأخذ بعده؛ نعم، ما دام مشتغلا بالتعلّم لا مانع من أخذها.

______________________________

السنة عرفا، لا عقلا؛ و إلّا فقلّ ما يوجد فقير فى العالم لا يقدر على الكسب مطلقا.

(336) لصدق عنوان الفقير عليه قطعا، و ما دلّ على حرمة الزكاة على «المحترف»، و «ذو مرّة سوىّ»- كما تقدّمت الإشارة إليه- غير شامل للفرض، و ذلك لما في ذيل بعضها، من تحديد موضوع جواز الأخذ بمن لا يقدر على كفّ نفسه عن الزكاة، فيعلم من ذلك أنّ مجرد صدق عنوان «المحترف» ما لم يكن قادرا على كفّ نفسه عن الزكاة- كما فى المقام- غير مانع عن أخذ الزكاة، كما هو ظاهر.

(337) بناء على أنّ المانع من أخذ الزكاة هو الأعمّ من القدرة الفعليّة و بالقوّة على المعيشة- كما هو المستفاد من نصوص المحترف المتقدّمة- لا إشكال في حرمة أخذ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 238

[مسألة 7: من لا يتمكّن من التكسّب طول السنة إلّا في يوم أو أسبوع مثلا]

[مسألة 7]: من لا يتمكّن من التكسّب طول السنة إلّا في يوم أو أسبوع مثلا، و لكن يحصل له في ذلك اليوم أو الأسبوع مقدار مئونة السنة، فتركه و بقي طول السنة لا يقدر على الاكتساب، لا يبعد (338) جواز أخذه، و إن قلنا إنّه عاص بالترك في ذلك اليوم أو الأسبوع، لصدق الفقير عليه حينئذ.

______________________________

الزكاة عليه، بعد مضيّ زمان يمكن التعلّم فيه، و ذلك لصدق كونه قادرا على كفّ نفسه عن الزكاة فى الزمان المذكور، فيحرم عليه الزكاة لا محالة، فإذا حرم ذلك وجب عليه التعلّم بالفعل مقدّمة

لحفظ نفسه من الهلكة، و كذلك حفظ نفس من تجب عليه نفقتهم، فيكون وجوب التعلّم حينئذ وجوبا مقدميّا. نعم، لا مانع من أخذ الزكاة في زمان التعلّم إذا لم يجد طريقا آخر، لعدم كونه قادرا على الكفّ فيه لا فعلا و لا قوّة، و هذا بخلاف ما بعد زمان التعلّم، فإنّه في هذا الحال يكون قادرا بالقوّة على ذلك، كما لا يخفى.

(338) المأخوذ فى النصوص و إن كان هو عنوان «المحترف» و نحوه، و لكنّه- كما عرفت- إنّما لا يجوز له اخذ الزكاة بملاك كونه قادرا على كفّ نفسه عنها، و عليه فبما أنّه- على تقدير ترك الاكتساب- لا يكون قادرا على الكفّ، فلا محالة يصدق عليه «الفقير»، فيجوز له أخذ الزكاة، و هذا ظاهر؛ إلّا أنّ ما أفاده قدّس سرّه من العصيان بترك الاكتساب، غير ظاهر الوجه، فإنّ وجوب الاكتساب عقليّ،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 239

[مسألة 8: لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه]

[مسألة 8]: لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه، يجوز (339) له أخذ الزكاة، إذا كان ممّا يجب تعلّمه عينا أو كفاية.

______________________________

بملاك حفظ النفس- كما عرفت- لا شرعيّ. و لذلك يجوز للشخص أن يجعل نفسه فقيرا يأخذ الزكاة كما يجوز له أن يدرج نفسه في موضوع «الغنى» فلا يحلّ له أخذ الزكاة.

(339) إذا اشتغل القادر على التكسّب بما يجب عليه تعلّمه عينا، أو كفاية لكن مع عدم قيام من به الكفاية بذلك، فالظاهر هو جواز الأخذ من الزكاة حينئذ، و ذلك لما عرفت من أنّ المانع عن جواز الأخذ إنّما هو القدرة على كفّ النفس عن الزكاة، و هي أعمّ من القدرة العقليّة و الشرعيّة، فإذا وجب التعلّم عينا كان ذلك

موجبا لزوال قدرته على الكفّ شرعا، فيكون بذلك موضوعا لجواز الأخذ من الزكاة.

و قد يقال: بأنّ وجوب التعلّم مزاحم فى المقام بوجوب التكسّب مقدّمة لحفظ النفس، فمع عدم الترجيح يسقط كلاهما عن الفعليّة لا محالة، و يتحقّق به موضوع حرمة الأخذ، و هو عنوان القادر على الكفّ، فإنّ المانع عنه إنّما كان وجوب التعلّم، فإذا سقط وجوب التعلّم بالمزاحمة مع وجوب التكسّب صار الحكم المذكور فعليّا لا محالة.

و يتوجّه عليه، أنّ وجوب حفظ النفس أو حرمة الهلاك لا يقتضي وجوب

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 240

و كذا إذا كان ممّا يستحب تعلّمه، كالتفقّه فى الدين اجتهادا و تقليدا (340). و إن كان ممّا لا يجب و لا يستحب، كالفلسفة، و النجوم، و الرياضيات و العروض، و العلوم الأدبيّه لمن لا يريد التفقّه فى الدين، فلا يجوز أخذه.

______________________________

التكسّب، مقدّمة، و ذلك لعدم توقّف الحفظ على خصوص التكسّب غالبا، لإمكان ذلك بسدّ الرمق بأقلّ قوت ممكن، و لو بالالتقاط من حشيش الأرض أو غير ذلك من طرق تحصيل ما يسدّ به الرمق، و عليه فلا توقّف له على خصوص التكسّب ليكون وجوبه مزاحما لوجوب التعلّم، كما لا يخفى. مضافا إلى أن فعليّة وجوب التعلّم توجب انتفاء القدرة على التعيّش، فيجوز له أخذ الزكاة، فيحصل بذلك حفظ النفس، بلا حاجة إلى التكسب أصلا.

و على الإجمال، إذا كان وجوب التعلّم موجبا لحفظ النفس- بالبيان آنف الذكر- لم يكن مثله مزاحما بوجوب التكسّب باعتبار توقّف حفظ النفس عليه، بل معدما لموضوعه، و ما كان كذلك لا يكون مزاحما بالآخر، كما هو ظاهر.

(340) أو كان واجبا كفاية. و الظاهر هو الجواز في هذا الفرع و الفرع

التالي، كالفرع السابق عليهما، وفاقا لبعض المحشّين قدّس سرّه «1»، و الوجه فيه: ما أشار إليه الفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه «2»، و حاصله أنّ ما دلّ على مانعيّة القدرة على التكسّب

______________________________

(1)- الفقيه السيّد عبد الهادي الشيرازي رحمه اللّه.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 85، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 241

..........

______________________________

عن أخذ الزكاة غير شامل للمقام، فإنّ العمدة في ذلك إنّما هي الرواية الواردة فى المحترف، و الّتي حدّد في ذيلها موضوع جواز الأخذ بغير القادر على كفّ نفسه عن أخذ الزكاة، و من الواضح أنّ المراد بغير القادر إنّما هو من يكون كذلك بنظر العرف دون غير القادر عليه بالدّقة العقليّة، و معلوم أنّ من اشتغل بطلب العلم بحيث لم يمكنه تحصيل قوته عن طريق التكسّب يكون من مصاديق غير القادر عرفا، و إن كان الاشتغال المذكور مباحا، فضلا عمّا إذا كان ذلك مستحبا.

و ممّا يؤيّد ذلك الاتّفاق- نصّا و فتوى «1»- على جواز أخذ من يقصر كسبه عن مئونته من الزكاة، حتّى مع فرض قدرته على كسب آخر لائق بحاله، و يكون ربحه وافيا بمئونته، فإنّ هذا ممّا يكشف عن أنّ المناط في صدق القدرة و عدمها إنّما هو نظر أهل العرف دون التعمّق العقليّ، و التدقيق الفلسفيّ.

و على الإجمال، النصوص الدالّة على حرمة الأخذ بالنسبة إلى الغنيّ إنّما تقتضي ذلك في حقّ من يكون كذلك بالفعل أو بالقوّة القريبة منه، لا مطلق من يكون غنيّا بالقوة و لو كان بنظر أهل العرف من مصاديق الفقير، كما هو ظاهر.

ثمّ إنّ محل الكلام في جواز الأخذ من الزكاة فى المسائل

الثلاث، نفيا و إثباتا، إنّما هو في خصوص الأخذ من سهم الفقراء، و إلّا فالأخذ من غير ذلك، كسهم سبيل اللّه- مثلا- فلا ينبغي الإشكال في جوازه، إذا كان ممّا ينطبق عليه عنوان «في سبيل اللّه»- مثلا- فتدبّر.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 315، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 242

[مسألة 9: لو شكّ في أنّ ما بيده كاف لمئونة سنته أم لا]

[مسألة 9]: لو شكّ في أنّ ما بيده كاف لمئونة سنته أم لا، فمع سبق وجود ما به الكفاية لا يجوز الأخذ، و مع سبق العدم و حدوث ما يشكّ في كفايته يجوز، عملا بالأصل فى الصورتين (341).

[مسألة 10: المدّعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به]

[مسألة 10]: المدّعي للفقر (342) إن عرف صدقه أو كذبه عومل به، و إن جهل الأمران، فمع سبق فقره يعطى من غير يمين، و مع سبق الغنى، أو الجهل بالحالة السابقة، فالأحوط عدم الإعطاء؛ إلّا مع الظنّ بالصدق، خصوصا فى الصورة الأولى.

______________________________

(341) و الوجه فيه ظاهر، لاستصحاب الفقر، أو الغنى، إذا كان أحد الأمرين متيقّنا به سابقا. و علّق على هذا بعض المحشّين «1» بقوله: «و فيه إشكال» و لم نعرف وجها صحيحا للاستشكال أصلا، و اللّه العالم.

(342) في «مصباح الفقيه «2»» و غيره «3»: «على المشهور»، بل فى «الجواهر»: بلا خلاف معتدّ به أجده «4»، بل فى «المدارك»: هو المعروف من مذهب

______________________________

(1)- السيّد العلّامة البروجردي طاب ثراه.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه: ج 3/ كتاب الزكاة: ص 91، ط إيران الحجريّة.

(3)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 163، ط النجف الأشرف.

(4)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 320، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 243

..........

______________________________

الأصحاب «1»، بل عن ظاهر المصنّف فى «المعتبر «2»»، و العلّامة في كتبه الثلاثة «3»: أنّه موضع وفاق ...»، و استدلّ له بوجوه:

الأوّل: إنّه مقتضى الأصل، و هو أصالة عدم المال. و يتوجّه عليه أنّ موضوع الجواز إنّما هو الفقر، و هو عنوان بسيط منتزع من عدم المال في ظرف الحاجة، فمجرّد استصحاب عدم المال لا يحقّق موضوع الجواز،

إلّا على القول بحجّية الأصل المثبت.

الثاني: ما عن المحقّق فى «المعتبر» من أنّه مسلم، ادّعى أمرا ممكنا، و لم يظهر ما ينافي دعواه «4»، فكان قوله مقبولا، و مرجعه إلى قبول قول المدّعي و حجّيته إذا كان بلا معارض. و يتوجّه عليه: أنّ قبول الدعوى بلا معارض ليس مدلولا لنصّ خاصّ، أو ممّا قام عليه الإجماع، ليؤخذ بإطلاقه و لو كان ذلك بلحاظ المورد، و إنّما هو مستفاد من النصوص الخاصّة بباب المرافعات و المخاصمات، و ثبوت الإطلاق لدليله بحيث يشمل المقام- مثلا- أوّل الكلام. و ممّا يشهد به عدم قبول قول مدعي الاجتهاد إذا كان بلا معارض قطعا، كما لا يخفى.

الثالث: أصالة العدالة، بناء على أنّ العدالة عبارة عن الإسلام مع عدم ظهور ما يوجب الفسق، فيكون الأصل الأوليّ في كلّ مسلم العدالة، بعد دفع فسقه المشكوك فيه بالأصل، و العادل مسموع الكلمة بمقتضى أدلّة حجّيته. و يتوجّه عليه ما ثبت في محلّه، من بطلان المبنى المذكور، و أنّ العدالة إمّا هي الملكة، أو أنّها

______________________________

(1)- العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 201، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 568، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(3)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 244، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ تحرير الأحكام، ص 69، ط إيران الحجريّة؛ منتهى المطلب، ج 1: ص 256، ط إيران الحجريّة.

(4)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 568، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 244

..........

______________________________

عبارة عن الاستقامة العلميّة في جادّة الشرع، و

هي- بهذا المعنى- لا تكاد تثبت بالأصل.

الرابع: النّصوص الّتي يمكن استفادة ذلك منها؛ مثل ما ورد في من جعل جاريته هديا للكعبة، كخبر عليّ بن جعفر، عن أخيه أبى الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة، فقال: «إنّ أبي أتاه رجل قد جعل جاريته هديا للكعبة، فقال: قوّم الجارية أو بعها، ثمّ مر مناديا ينادى على الحجر فينادى:

ألا من قصرت به نفقته، أو قطع به طريقه، أو نفذ به طعامه، فليأت فلان ابن فلان، و مره أن يعطي أوّلا فأوّلا حتّى ينفد ثمن الجارية «1»»، و قريب منه غيره «2»، و خبر العزرمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: جاء رجل إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام- و هما جالسان على الصفا- فسألهما، فقالا: «إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع، ففيك شي ء من هذا؟ قال: نعم، فأعطياه «3»»، و خبر عامر بن جذاعة قال: جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: يا أبا عبد اللّه، قرض الى ميسرة، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: «إلى غلة تدرك؟

قال: لا، قال: إلى تجارة تؤب؟ قال: لا، و اللّه، قال: فإلى عقدة تباع؟ قال: لا، و اللّه، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: فأنت ممّن جعل اللّه له في أموالنا حقّا، ثمّ دعى بكيس فيه دراهم، فأدخل يده فيه، فناوله منه قبضة، ثمّ قال: اتقّ اللّه، و لا تسرف ... «4»».

و للمناقشة في ذلك مجال واسع، فإنّ الظاهر من النصوص المذكورة هو أنّ

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 22: مقدّمات الطواف، ح 7.

(2)- المصدر.

(3)- المصدر/ باب 1: المستحقّين للزكاة،

ح 6.

(4)- المصدر/ باب 7: ما تجب فيه الزكاة و ما تستحبّ فيه، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 245

[مسألة 11: لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة]

[مسألة 11]: لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة، سواء كان حيّا أو ميّتا (343)،

______________________________

قبول قول مدّعي الفقر لا لخصوصيّة فى الدعوى المذكورة، بل لأجل أنّه من مصاديق الأمور الّتي لا يعلم بها إلّا من قبل الشخص نفسه، فلو أنّه طولب مدّعى الفقر مثلا بالبيّنة و نحوها لزم منه تعطيل الأحكام المترتّبة على موضوع الفقر، كما لا يخفى.

و على هذا فالصحيح: الاستدلال له بالسيرة القائمة بين المتشرّعة على قبول الدعوى المذكورة عند عدم ظهور كذب مدّعيها، و لا مجال لإنكار مثل هذه السيرة، إذ لو لزم تحقيق فقر المدعى من الطرق الشرعيّة المقرّرة لقلّت موارد صرف الزكوات المشروعة للترفيه عن الفقراء و دفع حاجاتهم، إذ قلّ من يمكن إثبات فقره بالبيّنة، و الروايات المتقدّمة شاهدة بذلك أيضا، كما لا يخفى.

ثمّ أنّه على تقدير القول بعدم قبول قول مدّعي الفقر، فهل يقبل ذلك منه إذا كان عدلا؟ بناء على حجيّة العدل الواحد فى الموضوعات؛ الظاهر العدم، فانّ المتيقّن به من حجيّة قول العدل الواحد فى الموضوعات هو ما إذا كم يكن قوله موجبا لجلب نفع إليه، و لا إطلاق- أو عموم- لدليله يشمل المقام، كما لا يخفى.

(343) أمّا الحّي الفقير، فلا ينبغي الإشكال في جواز احتساب دينه زكاة، بلا خلاف، كما فى «الجواهر «1»»، و يقتضيه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 363، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 246

لكن يشترط (344) فى الميّت

أن لا يكون له تركة تفى بدينه، و إلّا لا يجوز.

______________________________

سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام، عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم، لا يقدرون على قضائه، و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: «نعم «1»،» و خبر عقبة بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: إنّ عثمان بن عمران قال له: إنّي رجل موسر، و يجيئني الرجل و يسألني الشي ء و ليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: «القرض عندنا بثمانية عشر، و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت- كما تقول- موسرا أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة، يا عثمان، لا تردّه، فإنّ ردّه عند اللّه عظيم «2»»، و غيرهما «3»

(344) كما عن جماعة «4»، و يقتضيه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 46: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 49: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(3)- المصدر، ح 16.

(4)- الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 252، ط المكتبة المرتضويّة، طهران؛ ابن حمزة، محمّد بن علي: الوسيلة/ تحقيق الشيخ محمّد الحسّون، ص 130، نشر مكتبة آية اللّه المرعشي، قم؛ الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 241، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم؛ البيان/ تحقيق الشيخ فارس الحسّون، ص 314، نشر بنياد فرهنگى الإمام المهدي، قم؛ العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5:

ص 282، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ تحرير الأحكام، ص 68، ط إيران الحجريّة؛-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 247

..........

______________________________

أبا الحسن

عليه السّلام، عن رجل عارف فاضل توفّى، و ترك عليه دينا قد ابتلي به، لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة، هل يقضي عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال: «نعم «1»،» و ظاهره أنّ الميّت لم يخلف شيئا من المال. و رواية يونس بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد اللّه يقول: «قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر، إن أيسر قضاك، و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة «2»»، حيث إنّه عليه السّلام جعل الاحتساب من الزكاة في فرض موته قبل اليسار؛ و مصحّح زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل حلّت عليه الزكاة، و مات أبوه و عليه دين، أ يؤدّي زكاته في دين أبيه، و للابن مال كثير؟ فقال: «إن كان أبوه أورثه مالا ثمّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه، قضاه من جميع الميراث، و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالا، لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه، فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه «3»»، و هذه الرواية صريحة فى المدّعى.

و بملاحظة النصوص المتقدّمة لا مجال للقول بجواز الاحتساب مطلقا، حتّى و لو ترك الميّت ما يفى بقرضه، كما عن جماعة آخرين «4»، عملا بعموم ما دلّ على

______________________________

- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 228، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ ابن الجنيد، محمّد بن أحمد ( «المختلف»، ج 3: ص 212، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم).

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 46: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 49: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3)- المصدر/ باب

18: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(4)- العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 212، ط مؤسسة النشر الإسلامى.

قم؛ الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 188، ط دار الكتاب العربي، بيروت؛ المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 576، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم؛ شرائع الإسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 161.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 248

نعم، لو كان له تركة، لكن لا يمكن الاستيفاء منها- لامتناع الورثة، أو غيرهم- فالظاهر الجواز (345).

______________________________

جواز احتساب الدين على الميّت من الزكاة «1»، لو قلنا بالعموم، كما هو ظاهر.

(345) كما ذهب إليه بعضهم «2»، اقتصارا في تقييد المطلق على محلّ اليقين، كما فى «الجواهر «3»»؛ و لكنّ الوجه المذكور غير تامّ، فإنّ النصوص المعتبرة- كما تقدّم- خاصّة بصورة فقدان التركة، فلا إطلاق لها لصورة وجودها، كي يقال بلزوم الاقتصار في تقييده على محلّ اليقين، مضافا إلى أنّ هذا الكلام غير جار فى المقيّد أو المخصّص اللفظي، كما هو المعلوم.

نعم، وجّه المحقّق الهمداني قدّس سرّه «4» الجواز فى الفرض المذكور، بما حاصله: أنّ منصرف الآية الكريمة في نفسها- أو ظاهرها- في اعتبار الغارمين مصرفا للزكاة، هو الاختصاص بالأحياء، كما هو الحال فى الفقراء و المساكين، و إنّما جوّزنا احتساب الدين على الفقير الميّت من الزكاة بالرّوايات الخاصّة، و هي غير شاملة لصورة وجود التركة للميّت، إلّا أنّه يمكن القول بأنّ المستفاد من الآية

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة، باب 49/ المستحقين للزكاة، ح 8؛ باب 46/ المستحقين للزكاة، ح 4.

(2)- كاشف الغطاء، الشيخ جعفر: كشف الغطاء، ص 355، ط إيران الحجريّة؛ الشهيد الثاني، زين

الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 418، ط مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 366، ط النجف الأشرف.

(4)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 101، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 249

[مسألة 12: لا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة،]

[مسألة 12]: لا يجب إعلام الفقير (346) أنّ المدفوع إليه زكاة، بل لو كان ممّن يترفع و يدخله الحياء منها و هو مستحقّ، يستحبّ دفعها إليه على وجه الصلة ظاهرا، و الزكاة واقعا.

______________________________

الكريمة بملاحظة مجموع الأخبار الواردة، هو أنّ الملاك في إعطاء الزكاة للغارمين إنّما هو الحاجة إلى الزكاة في أداء الدين، بلا فرق بين الأحياء منهم و الأموات، و حينئذ فمع عدم إمكان الاستيفاء من التركة يتحقّق الحاجة إلى الزكاة، فيجوز الاحتساب عليه من الزكاة، و هذا الوجه ممّا لا بأس به.

(346) إذا كان الفقير لا يأبى عن أخذ الزكاة و لا يترفع عنه، غير أنّه يحسن بحاله عدم إظهار أنّ المدفوع إليه زكاة، بأن كان عدم الإعلام بكونه زكاة أوفق بحاله و أحسن في نظره، فلا ينبغى الشك في جواز الدفع إليه- حينئذ- بدون الإعلام بكونه زكاة. و مضافا إلى أنّ ذلك على طبق الأصل و مقتضى القاعدة، يدلّ عليه مصحح أبي بصير، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: الرجل من أصحابنا يستحيى أن يأخذ من الزكاة، فأعطيه من الزكاة و لا أسمّي له أنّها من الزكاة، فقال: «أعطه و لا تسمّ له، و لا تذلّ المؤمن «1»».

و أمّا إذا كان ممّن يأبى عن الزكاة و يترفع عن أخذها، بحيث إنه لو علم بالحال لم ينو التملّك، يمكن القول: بأنّ مقتضى القاعدة حينئذ

هو عدم جواز

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة، باب 58/ المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 250

..........

______________________________

الإعطاء على وجه الصلة ظاهرا، بمعنى عدم كفاية ذلك في إسقاط ما هو الواجب على المكلّف، فإنّ الأداء إنّما يكون بتملّك الفقير- مثلا- المال المدفوع إليه، و التملّك- كالتمليك- أمر قصديّ، فإذا عرفنا من حاله أنّه بحال لو علم أنّ المدفوع إليه زكاة لما تملّكه و أبى عن ذلك، لم يتحقّق بذلك صرف الزكاة في موردها و هو الفقير- مثلا- كما لا يخفى.

و الفرق بين هذه الصورة و السابقة عليها هو أنّ الفقير فى الأولى يتملّك المدفوع إليه بالوجه الّذي نواه الدافع، فإذا كان الدفع إليه بقصد الزكاة فقد تملّكه الفقير بذلك القصد لا محالة، و هذا بخلاف الصورة الثانية، فإنّ الفقير فيها إنّما يتملّك المال المدفوع بغير نيّة الزكاة، كما هو المفروض.

و فى «الجواهر»: جواز ذلك، بل قال قدّس سرّه «1»: «بل الظاهر استحبابه، بل عن «التذكرة «2»» أنّه لا يعرف فيه خلاف». و استشهد قدّس سرّه له برواية أبي بصير المتقدّمة، ثمّ قال: «لكن قال محمّد بن مسلم فى الحسن كالصحيح: قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: الرجل يكون محتاجا فيبعث إليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة، يأخذه من ذلك ذمام و استحياء و انقباض، فتعطيها إيّاه على غير ذلك الوجه، و هي منّا صدقة؟ فقال: «لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، و إن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إيّاه ... «3»».

و علّق صاحب الجواهر قدّس سرّه على الرواية، بقوله «4»: «إلّا أنّه لم نجد عاملا به

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر

الكلام، ج 15: ص 324، ط النجف الأشرف.

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 287، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 58: المستحقين للزكاة، ح 2.

(4)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 325، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 251

بل لو اقتضت المصلحة التصريح كذبا بعدم كونها زكاة جاز (347) إذا لم يقصد القابض عنوانا آخر غير الزكاة (348)،

______________________________

على ظاهره، و إن كان قد يظهر من «الدروس «1»» نوع توقّف فى الحكم من جهته، لأنّه اقتصر- بعد ذكر مثل ما هنا- على ذكر الخبر المزبور من غير تعرّض للتأويل، و حمله فى «المدارك «2»» على الكراهة».

قلت: إذا حملنا الرواية على الصورة الثانية، و هي إباء الفقير من قبول الزكاة، بحيث لو كان قد انكشف له الحال و تبيّن له أنّ المدفوع إليه زكاة لما تملّكه، لم يكن هناك أيّ مانع من العمل بالرواية، و لم يعلم الإجماع على خلاف ظاهرها. نعم، فى الصورة الأولى- كما ذكرنا- لا موجب للإعلام، نصّا و إجماعا.

(347) لم يظهر الوجه المسوّغ للكذب مع إمكان التورية، اللّهمّ إلّا أن يكون هناك مصلحة واجبة أهمّ من مفسدة حرمة الكذب.

(348) كما هو الحال فى الصورة الثانية المتقدّم ذكرها.

______________________________

(1)- الشهيد، محمّد بن مكّى: الدروس الشرعيّة، ج 1: صص 240- 241، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم. و نصّ العبارة كما يلي: «و لو تعفّف المستحقّ، ففي رواية هو كمن يمتنع من أداء ما يجب عليه (!)، و يحمل على الكراهيّة»، و هو- كما ترى- مخالف لما جاء فى «الجواهر»، و اللّه العالم.

(2)- العاملي، السيّد

محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 204، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 252

بل قصد مجرّد التملّك (349).

[مسألة 13: لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيّا]

[مسألة 13]: لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيّا، فان كانت العين باقية ارتجعها (350)، و كذا مع تلفها، إذا كان

______________________________

(349) القابض إنّما يتملّك بالوجوه الّتي ينويها الدافع حيث يراها منطبقة عليه، و ليس هناك تملّك مطلق، حتّى فى الصّدقات المجّانية، حيث إنّ الفقير إنّما يتملّكها- إذا كانت معلومة عنده- بوجه الصّدقة، و مع عدم علمه بالوجه المقصود للدّافع، يتملّكها- لا محالة- بالوجه المقصود، لعلمه بأنّ الدافع يراه منطبقا عليه، من جهة إقدامه على الدفع إليه.

(350) إذا كانت الزكاة متعيّنة بالعزل- كما هو الحال في موارد الدفع إلى الفقير و نحوه، حيث إنّه يكون مسبوقا لا محالة بالعزل، ثمّ يكون الدفع- و كانت العين باقية، وجب على المالك استرجاعها، و دفعها إلى مستحقّها، فإنّه يجب على المالك أداء زكاة ماله، المفروض تعيّنها فى العين الباقية؛ و قد سبق أنّه مع تعيّن الزكاة بالعزل لا يجوز التبديل، فلا مناص للمالك في أداء الزكاة من استرجاعه العين الباقية، لفرض بقائها- بعد- على ملك الدّافع.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 253

القابض عالما بكونها زكاة (351)، و إن كان جاهلا بحرمتها للغني (352) بخلاف ما إذا كان جاهلا بكونها زكاة، فإنّه لا ضمان عليه (353)،

______________________________

(351) القابض ضامن فى الفرض المذكور بمقتضى عموم قاعدة: «على اليد ...» و قاعدة: «من أتلف مال الغير فهو له ضامن»، فيكون حكم هذا الفرض هو حكم صورة بقاء العين.

(352) فإنّ الجهل بذلك يجعل القابض معذورا- تكليفا- فى القبض، إذا كان

جهله عن قصور، و لكنّه لا يمنع من شمول قاعدة «على اليد ...» بعمومها للمورد، كما هو ظاهر.

(353) مقتضى عموم قاعدة «على اليد ...» و قاعدة الإتلاف هو الضّمان؛ غاية الأمر، أنّه إذا أدّاها كان له الرّجوع على المالك، لكونه مغرورا من ناحيته، لأنّ المالك سلّطه على المال بدون إعلامه ايّاه بكونه زكاة، فتخيّل القابض كونه هديّة مثلا. و المغرور يرجع إلى من غرّه. فقول المصنف قدّس سرّه: «لا ضمان عليه» يعنى به عدم استقرار الضمان عليه، لا نفيه مطلقا. و أمّا إذا أدّاها المالك فليس له الرجوع إلى القابض.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 254

و لو تعذّر الارتجاع، أو تلفت بلا ضمان أو معه، و لم يتمكّن الدافع من أخذ العوض، كان ضامنا، فعليه الزكاة مرّة أخرى (354).

______________________________

و إذا فرضنا أنّ القابض لم يكن مغرورا، بل كان تصرّفه فى المال بظاهر، من الأصل و نحوه، فإن قلنا بتقديم الظاهر على اليد، لم يكن القابض ضامنا، و إلّا كان ضامنا بقاعدة اليد، و الإتلاف، من دون أن يكون له حق الرجوع على المالك في ما لو أدّاها.

هذا كلّه فى الجهل البسيط، و أمّا إذا كان القابض جاهلا بالزكاة بالجهل المركّب، بأن اعتقد- ببعض القرائن و الشواهد- أنّ المدفوع إليه ليس بزكاة، فهو ضامن لا محالة بمقتضى قاعدة «على اليد ...»، و قاعدة الإتلاف.

(354) بناء على تعيّن الزكاة، بالعزل ينبغي التفصيل فى المسألة بين ما إذا كان الدفع من المالك، اعتمادا على حجّة شرعيّة كالبيّنة و نحوها، فإنّه- حينئذ- لا ضمان عليه، و لا تجب عليه الزكاة مرّة أخرى، و فاقا لجمع من الفقهاء «1»- قدّس اللّه أسرارهم- و إلّا كان ضامنا.

و هذا بناء على القول بالشركة، أو الكليّ فى المعيّن ظاهر، فإنّ المال حينئذ يكون أمانة شرعيّة بيد المالك، و الأمين غير ضامن إلّا مع التفريط، و مع اعتماده فى الدفع على حجّة شرعيّة لا تفريط، و هذا بخلاف ما إذا كان دفعه بلا اعتماد منه على حجّة شرعيّة، فإنّه يكون ضامنا بمقتضى عموم

______________________________

(1)- منهم: العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 527، ط إيران الحجريّة؛ المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 569، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 255

نعم، لو كان الدافع هو المجتهد أو المأذون منه، لا ضمان عليه (355)، و لا على المالك الدافع إليه.

______________________________

قاعدة «على اليد ...»؛ و أمّا بناء على المختار، من تعلّق الزكاة بالعين بنحو حقّ الجناية، فمع عدم الاعتماد فى الدفع على حجّة شرعيّة، لا مجال للاستناد فى القول بضمان المالك إلى عموم قاعدة «على اليد ...»؛ لأنّ القاعدة أنّما تقتضى ضمان الأموال خاصّة، لا الأعمّ منها و ممّا هو متعلّق الحقّ. إلّا أنّ المستفاد من النصوص الخاصّة هو الضمان مع التفريط، و يدلّ على ذلك مصحّح محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ... «1»»، و نحوه مصحّح زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال: «ليس على الرّسول، و

لا على المؤدّي ضمان»، قلت: فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال: «لا، و لكن إن [إذا] عرف لها أهلا فعطبت، أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها «2»».

(355) بما أنّ المجتهد وليّ الفقير، فلا محالة يكون الدفع إليه- أو إلى المأذون منه-

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 39: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 256

[مسألة 14: لو دفع الزكاة إلى غنيّ، جاهلا بحرمتها عليه أو متعمّدا]

[مسألة 14]: لو دفع الزكاة إلى غنيّ، جاهلا بحرمتها عليه أو متعمّدا، استرجعها (356) مع البقاء، أو عوضها مع التلف و علم القابض، و مع عدم الإمكان يكون عليه مرّة أخرى، و لا فرق في

______________________________

موجبا لسقوط الزكاة عن المالك، و أمّا عدم ضمان المجتهد أو المأذون منه، فلأنّ الفعل- حينئذ بمقتضى الولاية- يكون بحجّة شرعيّة، و قد تقدّم أنّ الاعتماد على الحجّة الشرعيّة مانع من صدق عنوان «التفريط» المستتبع ذلك للحكم بالضّمان.

(356) تارة يقع الكلام فى المسألة على ضوء اختيار أنّ تعلّق الزكاة بالعين من قبيل الكلّي فى المعيّن- كما هو مختار المصنّف قدّس سرّه-، و أخرى على ضوء كونه من قبيل حقّ الجناية، كما هو المختار.

أمّا على الأوّل، فبما أن تعيين الكلّي و تطبيقه على مصداقه بيد المالك، فإذا دفع الزكاة إلى من ليس أهل لها- كالغنيّ مثلا- فلم تقع الزكاة في موقعها، فمع بقاء العين يسترجعها ليصرفها في مورده، و هو الفقير مثلا. و مع تلف العين، و علم القابض بكونه زكاة، يكون ضامنا لها، بقاعدة «على اليد ...» و الإتلاف. و مع جهله بذلك، فإن كان جهله مستندا إلى تغرير المالك، كان له الرجوع عليه- فيما لو أدّاها- عملا

بقاعدة «المغرور يرجع إلى من غرّه»، و إن كان جهله بذلك جهلا مركّبا، بأن كان قد اعتقد- لقرائن كانت هناك- أنّ المدفوع إليه ليس بزكاة، فهو لها ضامن، بقاعدة «على اليد ...» و الإتلاف. و إن كان جهله بسيطا، و كان تصرّفه فى المال اعتمادا على أصل و نحوه، فإن قدّمنا ذلك على اليد لم يكن ضامنا،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 257

ذلك بين الزكاة المعزولة و غيرها، و كذا فى المسألة السّابقة (357)، و كذا الحال لو بان أنّ المدفوع إليه كافر أو فاسق- إن قلنا باشتراط العدالة- أو ممّن تجب نفقته عليه، أو هاشميّ، إذا كان الدافع من غير قبيله.

______________________________

و إلّا كان ضامنا بقاعدة «على اليد ...».

و أمّا على الثّاني، فحيث أنّ المال المذكور لم يتعيّن للزكاة بالعزل مثلا، و المفروض أنّه قد دفعه إلى غير أهله، فلم يقع المال بيد أهله، فمع بقاء العين يسترجعها، و مع تلفها لا يكون القابض ضامنا، لفرض كونه مسلّطا على المال بإذن المالك، فلم تكن يده عليه يد ضمان. و أمّا الدافع فيجب عليه- حينئذ- أداء المال مرّة أخرى، لأنّ ما أدّاه بقصد الزكاة لم يقع و ما وقع لم يقصد. و هذا بناء على أنّ الزكاة عنوان لمقدار من المال الّذي يصرف في محلّه، كالفقير مثلا. و بكلمة أخرى، إنّ العزل الموجب للتعيين إنّما هو عزل مقدار من المال- بمقدار فريضة الزكاة- المفروض وصوله إلى من هو مصرفه، كالفقير مثلا؛ و أمّا عزل المقدار الّذي لا يصل إلى الفقير، بل إلى الغنيّ- كما في مفروض المسألة- فلا يوجب التعيين أصلا. و أمّا بناء على أنّ الزكاة عبارة عن حصّة من المال

تفرز بقصد أن تكون زكاة، فالمدفوع منه إلى غير أهله، و إن كان مصداقا للزكاة إلّا أنّه حيث كان لم يقع في محلّه كان عليه الأداء مرّة أخرى.

(357) بناء على أنّ الزكاة لا تتعيّن بتعيين المالك، و إذا كان هناك فرق بين المعزولة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 258

[مسألة 15]: إذا دفع الزكاة باعتقاد أنّه عادل فبان فقيرا فاسقا]

[مسألة 15]: إذا دفع الزكاة باعتقاد أنّه عادل فبان فقيرا فاسقا، أو باعتقاد أنّه عالم فبان جاهلا، أو زيد فبان عمروا، أو نحو ذلك، صحّ و أجزأ إذا لم يكن على وجه التقييد، بل كان من باب الاشتباه فى التطبيق (358). و لا يجوز استرجاعه حينئذ، و إن

______________________________

و غيرها فإنّما هو فى الحكم بالضمان على تقدير التفريط و التلف، و سيأتى الكلام عليه إن شاء اللّه تعالى.

(358) إذا كانت الأمور المذكورة ملحوظة بنحو الضميمة، بأن كان المقصود هو إعطاء الزكاة للشخص المعيّن، لكنّه انضمّ إليه اعتقاده بانطباق عنوان «العادل»، أو «العالم» و نحو ذلك عليه، صحّ و أجزأ، و لم يجز استرجاع ما دفعه إليه، و ذلك لحصول المأمور به، و هو صرف الزكاة في مورد الفقير مثلا؛ غايته، حصول التّخلف في أمر منضم إليه، و هو اعتقاد انطباق العناوين المذكورة عليه. و أمّا إذا كانت ملحوظة بنحو التقييد، بأن كان قصد الدافع هو تمليك المدفوع إليه بقيد كونه مصداقا للعناوين المذكورة، فمع التخلّف، و عدم انطباقها عليه يكون، ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد، فلم يصحّ، و لم يجزى، و وجب عليه استرجاع العين إذا كانت باقية.

هذا، و قد ذهب بعضهم «1» إلى الصّحة في كلا الفرضين المتقدّمين، بدعوى أنّ

______________________________

(1)- منهم المحقّق، السيّد ابو القاسم الخوئي

رحمة اللّه، في تعليقته على الكتاب.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 259

كانت العين باقية. و أمّا إذا كان على وجه التقييد فيجوز، كما يجوز نيّتها مجدّدا، مع بقاء العين، أو تلفها إذا كان ضامنا، بأن كان عالما باشتباه الدافع و تقييده (359).

______________________________

التقييد ممّا لا أثر له في أمثال المقام، و ذلك من جهة أنّ الواجب على المكلّف إنّما كان هو صرف الزكاة في محلّه، و من جملته الفقير، و قد تحقّق ذلك قطعا، فإنّه من الأمور التكوينيّة دون الأمور القصديّة، فصرف الزكاة في مورد الفقير- و هو من جملة ما هو الواجب عليه- متحقّق في كلا الفرضين قطعا، و المفروض حصول ذلك باختياره أيضا، و التخلّف حقيقة إنّما هو فى الدّاعي، حيث إنّه إنّما أعطى المال بداعى كونه مصداقا للعناوين المذكورة فبان عدمه، و هذا لا يضرّ بالصحّة و الإجزاء، بعد انطباق المأمور به على المأتيّ به حقيقة.

و ذهب بعض آخر إلى الصّحة و الإجزاء فى المثالين: الأوّل و الثاني، دون الثالث. أمّا الصّحة و الإجزاء فى الأوّلين، فلمّا ذكر، من أنّ اعتقاد انطباق العناوين المذكورة إنّما أمر انضماميّ، حصل التخلّف فيه، فلا يضرّ بالصّحة. و أمّا عدم الصّحة فى الأخير، فلأنّ قصد الدافع لم يكن- فى الحقيقة- مركّبا، كما فى الأولين، بل هو قصد واحد مقيّد، فمع التخلّف يكون ما وقع لم يقصد، فلم يتحقّق التمليك في مورده.

(359) الظاهر أنّ مراده قدّس سرّه بعلم القابض بالتقييد، هو اعترافه بأنّ المفهوم من ظاهر حال الدافع إليه هو التقييد، بأنّ أعطاه مقيّدا بكونه زيدا مثلا، و إلّا لم يكن لعلم

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 260

[الثالث: العاملون عليها]

الثالث:

العاملون عليها، و هم المنصوبون من قبل الإمام عليه السّلام (360) أو نائبه الخاصّ أو العام، لأخذ الزكوات، و ضبطها، و حسابها، و إيصالها إليه أو إلى الفقراء، على حسب إذنه.

______________________________

القابض و جهله دخلا فى الحكم بالضّمان.

(360) بلا إشكال، و يقتضيه قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا- الآية «1»، و الرّوايات «2»، إنّما الكلام في أنّ العامل حين ما يكون عاملا، هل يكون ذلك من قبيل المناصب المجعولة له، كمنصب القضاوة و نحو ذلك، و حينئذ فيكون من جملة مصارف الزكاة، فيستحقّها، من دون أن يكون ذلك من باب الأجرة على عمله، بل عمله مجّاني، كعمل القاضى المنصوب و نحوه، و إنّما يكون مستحقّا للزكاة على حدّ سائر المصارف الثمانية. أو أنّ العامل أجير، و أنّ ماله من الزكاة بعنوان الأجرة على عمله؟ فعلى الأوّل يكون العامل داخلا في جملة مستحقّي الزكاة، و على الثّاني يعطى له من الزكاة بعنوان الأجرة على عمله «3»، و إذا لم يقدّر له أجرة يستحق- لا محالة- أجرة المثل على عمله.

______________________________

(1)- التوبة، 9: 60.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقّين للزكاة.

(3)- و فى «التذكرة»: «قال أبو حنيفة: يعطى عوضا و أجرة، لا زكاة، لأنّه لا يعطى إلّا مع العمل، و لو فرّقها الإمام أو المالك لم يكن له شي ء، و الزكاة تدفع استحقاقا لا عوضا. و لأنّه يأخذها مع الغنى و الصدقة لا تحلّ لغنيّ» (العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 261

..........

______________________________

و ربّما يستدلّ «1» للأوّل بوجوه:

الأوّل: أنّ اعتبار شروط خاصّة فيه- كما سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى- ممّا يكشف عن

كون العمالة فى المقام يراد بها الولاية الخاصّة، و إلّا فلا شبهة في جواز استيجار كلّ من يؤمّن الغرض و إن كان فاقدا لتلكم الشروط، كما فى استيجار من يرعى غنم الفقراء- مثلا- حيث لا يعتبر فيه مثل تلكم الشروط.

الثاني: أنّ الولاية فى المقام على حدّها في سائر الموارد يراد بها النّظارة على العمل، لا نفس العمل، و العامل- هنا- له النظارة على العمل لا محالة، و ليست النظارة ممّا يبذل بإزائها المال، و إنّما يبذل بإزاء العمل، فلا تكون العمالة ممّا يبذل بإزائها الأجرة.

الثالث: إنّ ظاهر الآية الكريمة هو: أنّ إعطاء الزكاة للعاملين إنّما هو على حدّ إعطائها لغيرهم، و هو تمليكهم ايّاها بعنوان الصّدقة، و الصّدقة عبارة عن التمليك المجّاني، و هذا ينافي أن يكون إعطاء الزكاة لهم بعنوان الأجرة.

و التحقيق أن يقال: إنّه ينبغي البحث في أنّ عمل العامل هل هو من باب الوكالة و النيابة عن الإمام عليه السّلام، أو المنصوبون من قبله عليه السّلام، عموما أو خصوصا، أو من قبيل ما يستحقّ بإزاءه الأجرة، كما في غير العامل من سائر الأجراء، و حيث إنّه ليس فى النّصوص ما يمكن استظهار أحد الأمرين منه، فلا بدّ من الاتّجاه نحو نظائر المقام من الأمور العرفيّة، و لا شكّ في أنّ من يعيّن من قبل الملّاك بعنوان المباشر لأملاكهم- و يسمّى فى العرف الدارج العراقي

______________________________

- الفقهاء، ج 5: ص 246، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم). و لاحظ: «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» لعلاء الدين ابو بكر بن مسعود بن أحمد الكاشاني (ج 2: ص 44).

(1)- الحكيم، السيد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: صص 242- 243، ط الثالثة، النجف الأشرف.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 262

فإنّ العامل يستحقّ منها (361) سهما في مقابل عمله، و إن كان

______________________________

ب «سرگال»، و لعلّه معرّب «سركار»- يعتبر ذلك له منصب لا بأس بأن يعبّر عنه بالوكالة و النيابة، و ليس مجرّد أجير يتقاضى الأجرة بإزاء عمله.

نعم، له النظارة و الأمر و النهي، إلّا أنّ ذلك من قبيل الغايات المترتّبة على المنصب المذكور؛ و بالنتيجة، يكون ذلك من قبيل الدّواعي لجعل ذلك المنصب له، لا أنّ حقيقة الولاية هي النّظارة. و على هذا، فالمقام من هذا النّوع، بمعنى كون العاملين وكلاء و نوّابا في عملهم من قبل الإمام عليه السّلام، أو المنصوبين من قبله عليه السّلام.

(361) لا شبهة- سواء كان عمل العاملين من باب الوكالة و النيابة، أم كان ممّا يأخذ العامل بإزائه الأجرة- في أن المأخوذ فيه هو خصوصيّة المجّانية، كما هو الحال فى القاضي، و المؤذّن، و نحوهما، و حينئذ فمع الشروع فى العمل يدخل في جملة مستحقي الزكاة، و لذلك عبّر بعضهم «1» عمّا يأخذه «العاملون» من الزكاة ب «نوع من الأجر» و ذلك لظاهر الآية الكريمة حيث جعل العاملين فيها في رديف «الفقراء» و غيرهم ممّن يملّكون الزّكاة مجّانا و بعنوان الصّدقة. و على هذا، فإن كان ما يعطى العامل من الزكاة بعنوان الأجرة على عمله- كما يراه البعض- فليس معناه أنّه من باب الإجارة المصطلحة الّتي هي من جملة المعاوضات، كما هو ظاهر عبارة المصنف قدّس سرّه، لكونه خلاف ظاهر الآية الكريمة، كما عرفت.

______________________________

(1)- العلّامة، الحسن بن يوسف: المختلف، ج 3: ص 224، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 263

غنيّا (362). و لا

يلزم استئجاره من الأوّل، أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة (363)، بل يجوز أيضا أن لا يعيّن و يعطيه بعد ذلك ما يراه. و يشترط فيهم: التكليف (364)، بالبلوغ، و العقل، و الإيمان،

______________________________

(362) قال الشيخ قدّس سرّه فى «الخلاف «1»»: «خمسة أصناف من أهل الصدقات، لا يعطون إلّا مع الفقر، بلا خلاف، و هم: الفقراء، و المساكين، و الرقاب، و الغارم في مصلحة نفسه، و ابن السبيل المنشئ لسفره. و أمّا العامل يعطى مع الفقر و الغنى بلا خلاف». و هو الظّاهر من الآية الكريمة، لجعل «العاملين» فيها في عداد مصارف الزكاة، في مقابل الفقراء و المساكين. و سيأتى الكلام- إن شاء اللّه تعالى- في اعتبار الفقر فيما ذكره الشيخ قدّس سرّه.

(363) لا وجه لذلك، بعد ما عرفت من أنّ المأخوذ فى العمل فى المقام هو خصوصيّة المجّانية، لظاهر الآية الكريمة، و عليه فعلى تقدير كون المأخوذ أجرة فليس هو من قبيل الإجارة أو الجعالة التى هي من المعاملات.

(364) بلا خلاف أجده فيه و لا إشكال، كما فى «الجواهر «2»»، معلّلا ذلك: «بأنّها

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن، الخلاف: ج 4، ص 237، نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 334، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 264

بل العدالة (365)،

______________________________

نيابة عن الإمام عليه السّلام فى الولاية على قبض مال الفقراء، و هما- أي الصبيّ و المجنون- قاصران عن ذلك».

قلت: لو لا الإجماع فى المسألة لكان لدعوى عدم اعتبار البلوغ فى المقام مجال واسع، بعد فرض حصول الغرض بفعل غير البالغ، فإنّه إذا كان ممّن يتأتى منه العمالة في أخذ الزكوات، و

ضبطها، و حسابها، و ايصالها ...، كغيره من البالغين، بل و قد يكون أحسن منهم، لم يكن وجه لاعتبار البلوغ فى العاملين.

(365) المستفاد من قول أمير المؤمنين عليه السّلام- في وصيّته لمن كان يستعمله على الصّدقات-: «و لا تأمنن عليها إلّا من تثق بدينه، رافقا بمال المسلمين حتّى يوصله إلى وليّه فيقسّمه بينهم، و لا توكل بها إلّا ناصحا شفيقا، و أمينا حفيظا، غير معنف و لا مجحف ... «1»»، هو اعتبار الأمانة و الوثاقة فى العامل، فإن كان المراد باعتبار الإيمان و العدالة هو ذلك فهو، و إلّا فلا دليل على اعتبارهما.

هذا و يمكن القول بأنّ قوله عليه السّلام: «و لا تأمنن عليها إلّا من تثق بدينه» ظاهر في اعتبار الإيمان بالمعنى الخاصّ، بأن يكون المراد بذلك من ترضى دينه، و حينئذ فيكون المستفاد من مجموع الجملتين هو اعتبار الإيمان- بالمعنى الخاصّ- و الأمانة فى العامل، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الأنعام، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 265

و الحريّة (366) أيضا، على الأحوط.

______________________________

(366) قال فى «الجواهر»: «و في اعتبار الحرّية خلاف و تردّد؛ من أنّ العامل يملك نصيبا من الزكاة و العبد لا يملك، و مولاه لم يعمل، و هو خيرة الشيخ «1» على ما قيل. و من حصول الغرض بعمله، و كون العمالة نوعا من الإجارة و العبد صالح لذلك مع إذن سيّده، و قوّاه فى «المختلف «2»» و مال إليه المصنّف فى «المعتبر «3»»، و نفى عنه البأس فى «المدارك «4»» ... «5»».

قلت: إن كان الوجه في اعتبار الحرّية هو عدم صلاحيّة العبد للتملّك، مع أنّ العامل يتملّك

سهمه من الزكاة، فيتوجّه عليه: أنّ إعطاء العاملين نصيبهم من الزكاة ليس من باب التمليك، مع أنّ عمل العبد إذا كان بإذن مولاه- فى الحقيقة- هو عمل مولاه، فلا مانع من أن يكون نصيبه من الزكاة لمولاه.

و إن كان الوجه فيه هو إطلاق ما دلّ على عدم جواز إعطاء الزكاة للمملوك، كقوله عليه السّلام في رواية اسحاق بن عمّار: «و لا يعطى العبد من الزكاة شيئا «6»»، و في خبر عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال: سألته

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 248، ط نشر المكتبة المرتضويّة، طهران.

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: المختلف، ج 3: ص 224، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 571، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(4)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 213، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(5)- النجفي، محمّد بن الحسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 336، ط النجف الأشرف.

(6)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 44: المستحقّين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 266

نعم، لا بأس بالمكاتب (367). و يشترط أيضا معرفة المسائل (368) المتعلّقة بعملهم، اجتهادا أو تقليدا، و أن لا يكونوا من بني هاشم (369).

______________________________

عن المملوك يعطى من الزكاة شيئا؟ فقال: «لا، «1»»، و نحوهما غيرهما «2».

فيتوجّه عليه أنّه يمكن دعوى- كما ادّعي أيضا «3»- ظهور هذه الروايات في إعطاء العبد من سهم الفقراء من الزكاة، فلا إطلاق لها يشمل العاملين أيضا.

(367) بلا ريب- كما فى «الجواهر «4»»-، لكونه متلبّسا بالحريّة، فلا مانع من صيرورته عاملا.

(368) و هذا

بديهيّ، فإنّه مع الجهل بها غير صالح للعمالة، لعدم إمكانه من القيام بها على الوجه الصّحيح. نعم، لا يعتبر كونه مجتهدا فقيها، كما هو ظاهر.

(369) بلا خلاف أجده فيه، كما فى «الجواهر «5»»، و يدلّ عليه صحيح العيص بن

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 44: المستحقّين للزكاة، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 13: المستحقّين للزكاة، ح 1 و 4.

(3)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه ج 3/ كتاب الزكاة: ص 95، ط إيران الحجريّة.

(4)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 336، ط النجف الأشرف.

(5)- المصدر، ص 335.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 267

نعم، يجوز استئجارهم (370) من بيت المال أو غيره، كما يجوز عملهم تبرّعا (371). و الأقوى عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة (372) مع بسط يد نائب الإمام عليه السّلام في بعض الأقطار. نعم،

______________________________

القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، و قالوا: لنا هذا السهم الّذي جعل اللّه عزّ و جل للعاملين عليها، فنحن أولى به، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يا بني عبد المطلب (هاشم) إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم ... «1»».

(370) لا ينبغى الإشكال في ذلك، لعموم ولاية الإمام عليه السّلام أو المنصوب من قبله عليه السّلام عموما أو خصوصا، و عموم دليل نفوذ عقد الإجارة. و أمّا الاستئجار من بيت المال، فلكونه معدّا لمصالح المسلمين، و جباية الزكاة من جملة ذلك.

(371) لا ينبغى الريب فيه أيضا، كما لا يخفى.

(372) لعموم الأدلّة، و اشتمال

بعض نصوص الباب «2» على كلمة «الإمام» لا يوجب التقييد، لكونه من باب أنّ الولاية بالأصالة له عليه السّلام، كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 29: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 1: المستحقّين للزكاة، ح 1، 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 268

يسقط (373) بالنسبة إلى من تصدّى بنفسه لإخراج زكاته و إيصالها إلى نائب الإمام عليه السّلام، أو إلى الفقراء بنفسه.

[الرابع: المؤلّفة قلوبهم من الكفّار]

الرابع: المؤلّفة قلوبهم من الكفّار (374)، الّذين يراد من إعطائهم ألفتهم و ميلهم إلى الإسلام، أو إلى معاونة المسلمين، فى الجهاد مع الكفّار أو الدفاع.

______________________________

(373) لعدم صدق العنوان المذكور على المالك الّذي يخرج زكاته بنفسه، و يوصلها إلى نائب الإمام عليه السّلام، أو الفقراء، كما هو ظاهر.

(374) الأقوال فى المسألة ثلاث:

الأوّل: اختصاص المؤلّفة بالكفّار، و هو اختيار «المبسوط» و «الخلاف «1»»، بل ربما نسب «2» إلى المشهور. قال فى «المبسوط»: «و المؤلّفة قلوبهم عندنا: الكفّار الّذين يستمالون بشي ء من مال الصدقات إلى الإسلام، و يتألّفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك، و لا يعرف أصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام ... «3»»، و قريب منه ما عن المحقّق قدّس سرّه فى «الشرائع «4»».

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 4: ص 233، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 175، ط النجف الأشرف.

(3)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 249، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران.

(4)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 161.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 269

..........

______________________________

الثاني: الاختصاص بالمسلمين ضعاف الإيمان، و اختاره صاحب «الحدائق

«1»»، و يلحق به ما استظهر من كلام ابن الجنيد من اختصاصه بالمنافقين، حيث قال في محكيّ كلامه: «المؤلّفة قلوبهم من أظهر الدين بلسانه، و أعان المسلمين و إمامهم بيده، و كان معهم، إلّا قلبه ... «2»».

و قد استدلّ لهذا القول بجملة من النصوص، كمصحّح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ- الآية، قال:

«هم قوم وحّدوا اللّه عزّ و جلّ، و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه، و شهدوا أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمّدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و هم في ذلك شكّاك في بعض ما جاء به محمّد صلى اللّه عليه و آله، فأمر اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلى اللّه عليه و آله أن يتألّفهم بالمال و العطاء، لكي يحسن إسلامهم، و يثبتوا على دينهم الّذي دخلوا فيه، و أقرّوا به، و إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يوم حنين تألّف رؤساء العرب من قريش و سائر مضر، منهم ابو سفيان بن حرب، و عينية بن حصين الفزاري و اشباههم من الناس ... «3»»، و خبره الآخر عن أبي جعفر عليه السّلام أيضا، قال: «المؤلّفة قلوبهم، قوم وحّدوا اللّه، و خلعوا عبادة [من يعبد] من دون اللّه، و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول اللّه، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يتألّفهم و يعرّفهم لكي ما يعرفوا، و يعلّمهم «4»»، و مرسل موسى بن بكر، عن رجل، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «ما كانت المؤلّفة قلوبهم- قطّ- أكثر منهم اليوم، و هم قوم وحّدوا اللّه، و خرجوا من الشرك

و لم تدخل

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 177، ط النجف الأشرف.

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: المختلف، ج 3: ص 200، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- الكلينيّ الرازي، محمّد بن يعقوب: الاصول من الكافي، ج 2: ص 411، ط المكتبة الإسلاميّة، طهران.

(4)- المصدر، صص 410- 411.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 270

..........

______________________________

معرفة «محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله» قلوبهم، و ما جاء به، فتألّفهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و تألّفهم المؤمنون بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لكي ما يعرفوا «1»»، و مرسل عليّ بن إبراهيم القميّ في تفسيره: «... و المؤلّفة قلوبهم، قال: هم وحّدوا اللّه، و خلعوا عبادة من دون اللّه، و لم يدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتألّفهم، و يعلّمهم و يعرّفهم كي ما يعرفوا، فجعل لهم نصيبا فى الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا ... «2»».

الثالث: ما عن المصنّف قدّس سرّه، و هو المنقول عن المفيد رحمه اللّه، و جماعة؛ قال المفيد رحمه اللّه: «المؤلّفة قلوبهم ضربان: مسلمون و مشركون «3»»، و اختاره العلّامة رحمه اللّه في جملة في كتبه «4»، و عن «السرائر «5»»، و «النافع «6»»: تقسيم المؤلّفة قلوبهم إلى مؤلّفة الكفر و مؤلّفة الإسلام.

و الظاهر، أنّه لا يترتّب على البحث المذكور أيّة ثمرة عمليّة، و إنّما هو مجرّد بحث علميّ، و ذلك فإنّ ما يمكن فرضه ثمرة للبحث المذكور إنّما هو سقوط سهم المؤلّفة قلوبهم في عصر الغيبة على التفسير الأوّل المنسوب إلى المشهور دون التفسيرين الآخرين، نظرا

إلى أنّ الجهاد غير مشروع في مثل هذا العصر،

______________________________

(1)- الكليني الرازي، محمّد بن يعقوب: الاصول من الكافي، ج 2: ص 412، ط المكتبة الإسلامية، طهران.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقّين للزكاة، ح 7.

(3)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 573، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

(4)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: تحرير الأحكام، ص 68، ط إيران الحجريّة؛ منتهى المطلب، ج 2: ص 520، ط إيران الحجريّة؛ تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 251، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(5)- ابن إدريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 457، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(6)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 339، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 271

و من المؤلّفة قلوبهم: الضعفاء العقول (375) من المسلمين، لتقوية اعتقادهم، أو لإمالتهم الى المعاونة فى الجهاد أو الدفاع.

______________________________

فلا موضوع لاستمالة الكفّار إلى الجهاد أصلا، غير أنّه من الواضح أنّ هذه الثمرة إنّما تتمّ بناء على القول بوجوب البسط في باب الزكاة، و أمّا بناء على أنّ المذكورات في آية الصدقة إنّما هي من مصارف الزكاة- كما هو التحقيق، بل لعلّه عليه الاتّفاق كما سيجي ء ذلك إن شاء اللّه- فلا مجال لها أصلا، كما لا يخفي. كما أن جعل الثمرة له هو جواز إعطاء الزكاة للكافر على التفسير الأوّل و الأخير و عدمه على الثاني، أيضا في غير محلّه، و ذلك لأنّه بناء على اختصاص المؤلّفة قلوبهم بالمسلمين ضعاف الإيمان، يجوز إعطاء الكافر من الزكاة من سهم سبيل اللّه، كما أنّه بناء على الاختصاص بالكفّار يجوز إعطاء ضعفاء الإيمان من

المسلمين من السهم المذكور، فلا يوجب الاختلاف في تفسير المؤلّفة قلوبهم تضييقا فى المسألة.

هذا، و التحقيق هو ما ذهب إليه، المصنّف قدّس سرّه، و ذلك: فإنّ ما استدل به للقول الثاني من النصوص المتقدّمة غير دالّ على حصر المؤلّفة قلوبهم بأولئك، و إنّما تدلّ على أنّهم من جملة المؤلّفة قلوبهم. نعم، إشعارها بذلك ممّا لا يخفى، إلّا أنّ الإشعار غير مفيد، كما هو ظاهر.

(375) علّق عليه بعض أجلّة المحشّين رحمه اللّه «1» بقوله: «بل ضعفاء الاعتقاد الّذين

______________________________

(1)- المرحوم السيّد البروجردي طاب ثراه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 272

[الخامس: الرّقاب]

اشارة

الخامس: الرّقاب، و هم ثلاثة أصناف (376).

______________________________

دخلوا فى الإسلام و لم يثبت في قلوبهم»، العقول و هو في محلّه و لعلّ مراد المصنّف قدّس سرّه من «ضعفاء العقول»، هم الضعفاء فى الاعتقاد، بنحو من المسامحة و العناية.

(376) مقتضى إطلاق الآية الكريمة: وَ فِي الرِّقٰابِ ...، و كذا جملة من النصوص «1»، لا سيّما موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أخرج زكاة ماله، ألف درهم، فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده، فاشتراه بتلك الدراهم الّتي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز ذلك؟ قال: «نعم، لا بأس بذلك ... «2»». إنّما هو جواز صرف الزكاة في مطلق فكّ الرقاب، بلا اختصاص له بالأصناف الثلاثة؛ إلّا أنّه بإزاء المطلقات المذكورة، رواية عمرو، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة، يشتري بها نسمة و يعتقها، قال: «إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم. ثمّ مكث مليّا، ثمّ قال: إلّا أن يكون عبدا

______________________________

(1)- كموثق سماعة (وسائل الشيعة/ باب 12: المستحقين للزكاة، ح 3)، و خبر ايّوب بن الحر (وسائل الشيعة/ باب 43: المستحقين للزكاة، ح 3)، و خبر أبي محمّد الوابشى (وسائل الشيعة/ باب 19: المستحقين للزكاة، ح 1).

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 43: المستحقين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 273

..........

______________________________

مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه «1»»، و هي تدلّ على عدم جواز فكّ الرقبة من الزكاة مطلقا. و ما يمكن أن يوجّه به الرواية مع المطلقات المتقدّم ذكرها أمران:

الأوّل: تقييد المطلقات بالرواية المقيّدة، حسبما يقتضيه قانون الإطلاق و التقييد المتبع في غير المقام.

الثاني: حمل النهي فى الرواية المتقدمة على الكراهة، بأن يكون الاقتصار على صرف الزكاة في شراء العبد مع عدم كونه مسلما أو فى الشدة- أمرا مكروها، و يكون البسط مستحبّا، كما يناسبه التعبير فيها بقوله عليه السّلام: إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم ...»، فلا تدلّ الرواية على عدم جواز صرف الزكاة في فكّ مطلق الرقبة، مع توزيع الباقي على سائر مصارفها. و الحاصل، أنّ المستفاد من الرواية- بمقتضى التعبير المذكور- هو كراهة الاقتصار في صرف جميع الزكاة على فكّ الرقبة، ما لم يكن هناك مزيّة مقتضية له، ككون العبد فى الشدة و نحو ذلك، لا أنّه لا يجوز صرف الزكاة في فكّ مطلق الرقبة، فإنّ مثل هذا التعبير لا يجتمع، و عدم كون مطلق فكّ الرقاب من مصارف الزكاة، كما لا يخفى.

و كيف كان، فالظاهر هو عدم التقييد، وفاقا للمفيد «2» قدّس سرّه و العلّامة «3» قدّس سرّه و ولده «4»، و غير واحد من المتأخّرين «5» رحمه اللّه، كما عن الفقيه المحقّق

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 43: المستحقين للزكاة، ح 1.

(2)- المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان: المقنعة، ص 241، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 1: ص 349، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(4)- فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن: إيضاح الفوائد، ج 1: ص 196، ط المطبعة العلميّة، قم.

(5)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 217، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 274

..........

______________________________

الهمداني قدّس سرّه «1» و ابن إدريس «2»، لاطلاق الآية الكريمة، و غير واحد من النصوص، و ضعف السند الرواية المقيّدة، و مع أنّ لسان الرواية المقيّدة الكراهة، كما عرفت، فلاحظ.

تنبيه: قال فى «المدرك»- بعد ذكر الرواية المقيدة المتقدّمة- ما لفظه: «و هذه الرواية أوردها الشيخ فى الصحيح عن عمرو بن أبي نصر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «3»، و علّق عليه المحقّق الهمداني قدّس سرّه بقوله «4»: «أقول: الظاهر أنّ روايتها عن عمرو بن أبي نصر اشتباه نشأ من تحريف النساخ، كما نبّه عليه فى «الحدائق «5»»، حيث ذكر: أنّ هذه الرواية رواها الشيخ فى «التهذيب «6»»، عن «الكافي «7»» عن عمرو بن أبي نصر، مع أنّ الموجود فى «الكافي»: عن عمرو، عن أبي بصير. و قد اغترّ صاحب «المدارك» بنقل صاحب «التهذيب «8»» لها بهذه الكيفيّة فنظمها فى الصحيح ...».

______________________________

- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: ص 414، ط مؤسسة المعارف الإسلاميّة، قم؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 183، ط النجف الأشرف.

(1)- الفقيه همداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة، ص

96، ط إيران الحجريّة.

(2)- ابن إدريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 457، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- الموسوي، السيد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 217، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- الفقيه الهمدانى، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 96، ط إيران الحجريّة.

(5)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 182، ط النجف الأشرف.

(6)- الطوسى، الشيخ محمّد بن الحسن، التهذيب: ج 4: ص 100/ ح 16، ط النجف الأشرف.

(7)- الكلينى الرازي، محمّد بن يعقوب: الفروع من الكافي، ج 3: ص 557/ ح 2، ط المكتبة الإسلاميّة، طهران.

(8)- الموجود فى «التهذيب» المطبوع فى النجف الأشرف، هو كما في نسخة الكافي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 275

[الأوّل: المكاتب العاجز]

الأوّل: المكاتب العاجز، عن أداء مال الكتابة (377)، مطلقا كان أو مشروطا، و الأحوط أن يكون بعد حلول النجم، ففي جواز اعطائه قبل حلوله إشكال (378).

______________________________

(377) بلا خلاف فيه ظاهرا «1»، بل ربما ادّعي استفاضة نقل الإجماع عليه، كما عن المحقّق الهمداني قدّس سرّه «2». و يدلّ عليه- مضافا إلى الإطلاقات- مرسل أبي إسحاق، عن بعض أصحابنا، قال: سئل الصادق عليه السّلام عن مكاتب عجز عن مكاتبته، و قد أدّى بعضها، قال: «يؤدّى عنه من مال الصدقة، إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه: وَ فِي الرِّقٰابِ- الآية «3»، و مقتضى الإطلاق هو عدم الفرق بين المكاتب المشروط و المطلق.

ثمّ إنّه لا دليل على اعتبار العجز فى المكاتب عن أداء مال الكتابة، سوى ما استفادة القوم من نصوص مشروعيّة الزكاة من أنّها إنّما شرعت لسدّ الحاجة و رفع الشدّة، و مع عدم العجز لا حاجة حتّى تسدّ بالزكاة، و

الرواية قاصرة- لضعفها بالإرسال- عن إثبات ذلك.

(378) ذهب بعضهم إلى عدم جواز الإعطاء قبل حلول النجم، بدعوى عدم صدق

______________________________

(1)- فى «الجواهر»: «بلا خلاف أجده فى الأوّل- و يعنى به: المكاتب- بيننا و بين العامّة» (جواهر الكلام، ج 15: ص 344، ط النجف الأشرف).

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه/ ج 3: كتاب الزكاة، ص 96، ط إيران الحجريّة.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 44، المستحقين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 276

و يتخيّر بين الدفع إلى كلّ من المولى و العبد (379)، لكن إن دفع إلى المولى، و اتّفق عجز العبد عن باقي مال الكتابة فى المشروط فردّ إلى الرّقّ، يسترجع منه (380)، كما إنّه لو دفعها إلى العبد و لم يصرفها في فكّ رقبته، لاستغنائه- بإبراء، أو تبرّع أجنبيّ- يسترجع منه. نعم، يجوز الاحتساب- حينئذ- من باب سهم

______________________________

عنوان «العجز»، المأخوذ فى النصّ قبل حلول النجم «1»، و الاحتياط من المصنّف قدّس سرّه مبنيّ على ذلك، و لكن الظاهر صدق ذلك بمجرّد الاطمينان- فعلا- من عدم التمكّن من أداء ذلك في وقته، كما لا يخفى.

(379) لإطلاق الآية الكريمة، فإنّ ظاهرها إنّما هو صرف الزكاة في فكّ الرقاب، سواء كان ذلك بالدفع إلى المولى، أم إلى العبد، و الغرض إنّما هو صرف الزكاة في هذا السبيل.

(380) لما عرفت من لزوم الصرف في فكّ الرقبة، فإذا لم يقع الصرف في هذا السبيل، وجب الاسترجاع لا محالة، كما هو ظاهر، و منه يظهر الحال فى الفرع التالي له.

______________________________

(1)- الموسوي العاملي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: صص 219- 220، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 277

الفقراء، إذا كان فقيرا (381). و لو ادّعى العبد أنّه مكاتب، أو أنّه عاجز، فإن علم صدقه، أو أقام بيّنة قبل قوله، و إلّا ففي قبول قوله إشكال، و الأحوط عدم القبول (382)، سواء صدّقه المولى أو كذّبه، كما أنّ في قبول قول المولى، مع عدم العلم و البيّنة، أيضا كذلك، سواء صدّقه العبد، أو كذّبه (383). و يجوز إعطاء المكاتب

______________________________

(381) فشمله إطلاق الآية الكريمة: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ- الآية.

(382) و علّق عليه المحقّق النائيني قدّس سرّه في تعليقته بقوله: «الأقوى قبول قول كلّ منهما مع تصديق الآخر له»، و هو مبني على قاعدة «من ملك شيئا ملك الإقرار به» المقرّرة في محلّها، فإذا أقرّ المالك بوقوع الإجارة- مثلا- على ماله الخاص، و صدّقه المستأجر، أو العكس، كان ذلك مسموعا منه، و ترتّب عليه آثار وقوع الإجارة الصحيحة، و أمثال هذه الموارد خارجة عن كبرى «عدم قبول الإقرار منه إذا كان له لا عليه»، و تمام الكلام في محلّه.

(383) و الوجه فيه ظاهر ممّا سبق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 278

من سهم الفقراء إذا كان عاجزا عن التكسّب للأداء (384)، و لا يشترط إذن المولى فى الدفع إلى المكاتب، سواء كان من باب «الرقاب»، أو من باب الفقر (385).

[الثّاني: العبد تحت الشدّة]

الثّاني: العبد تحت الشدّة (386)، و المرجع في صدق الشدّة العرف (387) فيشتري و يعتق، خصوصا إذا كان مؤمنا في يد

______________________________

(384) لاطلاق الأدلّة.

(385) لاطلاق الأدلّة.

(386) بلا خلاف فيه ظاهرا، بل إنّه ممّا ادّعي عليه الإجماع في كلام غير واحد «1»، و يدلّ عليه- مضافا إلى الإطلاقات- خبر أبي بصير المتقدّم «2»: «... إلّا أن يكون عبدا

مسلما في ضرورة، فيشتريه و يعتقه»، فإنّ المراد بالضرورة هي الشدّة.

(387) كما هو القانون المتبع فى تحديد المفاهيم المأخوذة فى نصوص الكتاب و السنة.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد بن حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 344، ط النجف الأشرف.

(2)- ص 273.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 279

غير مؤمن (388).

[الثالث: مطلق عتق العبد]

الثالث: مطلق عتق العبد، مع عدم وجود المستحق للزكاة (389)، و نيّة الزكاة- في هذا و السابق- عند دفع الثمن إلى البائع، و الأحوط الاستمرار بها إلى حين الإعتاق (390).

______________________________

(388) فإنّه إذا جاز الشراء من الزكاة في فرض الشدّة مطلقا، فلا ريب في أنّ الشّدة مع فرض العبد مؤمنا و المولى غير مؤمن تكون أعظم و آكد، كما لا يخفى.

(389) عن «المعتبر «1»»: «عليه فقهاء الأصحاب ...»، و يدلّ عليه موثّق عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أخرج زكاة ما له ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده، فاشتراه بتلك الألف الدراهم الّتي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز ذلك؟ فقال عليه السّلام: «نعم، لا بأس بذلك «2»».

(390) مقتضى الأدلّة في هذا و السابق- بل هو مقتضى القاعدة الأولّية أيضا- عدم تحقّق العتق بمجرّد الشراء، بل لا بدّ من ذلك بعد الشراء، و على هذا، فحيث كان

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 575، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 43: المستحقّين للزكاة، ح 2.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول،

1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 2، ص: 280

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 280

[السادس: الغارمون]

اشارة

السادس: الغارمون، و هم الّذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها (391)،

______________________________

المصرف هو فكّ الرقاب، فلا بدّ من نيّة الزكاة حين العتق- أيضا- و لا يكفي مجرّد النيّة حين البيع.

(391) أمّا جواز صرف الزكاة فى الغارمين فى الجملة، فممّا لا خلاف فيه، بنصّ الكتاب الكريم: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ... وَ الْغٰارِمِينَ- الآية، كما أنّه لا ينبغى الخلاف ظاهرا في اعتبار عجزه عن أداء الدين، لما هو المستفاد من أدلّة تشريع الزكاة؛ من عدم تشريعها إلا لسدّ خلّة المحتاجين و رفع حاجتهم، فتكون الآية الكريمة منصرفة إلى مورد العجز عن الأداء؛ أو للإجماع و التسالم على اعتبار العجز من الأداء «1».

نعم، وقع الخلاف فيما بين الأصحاب قدّس سرّه في أنّ النسبة بين عنوان الفقر- كما اعتبره بعضهم «2» في كلامه- و عنوان العجز عن الأداء، كما اعتبره آخرون «3»،

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 356، ط النجف الأشرف.

(2)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 4: ص 235، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 258، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الشهيد، محمّد بن مكّي: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 241، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 251، ط المكتبة المرتضويّة، طهران؛ الأردبيلي، المولى أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 163، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 189، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الزكاة، ج 2، ص: 281

..........

______________________________

هل هو العموم من وجه، بمعنى أنّ الفقر في مصطلحهم- كما مرّت الإشارة إليه- عبارة عن عدم القدرة على مئونة السنة فعلا أو قوّة، فقد يجتمع ذلك مع العجز عن أداء الدين، و قد يفترقان، بأن يكون قادرا على مئونة سنته و عاجزا عن أداء الذين، كما إذا كان عليه دين كثير، من أروش الجنايات و الغرامات و الديات و نحوها، أو أنّه لا يكون عاجزا عن أداء الدين، و لكن ليس له القدرة على مئونة سنته، كما هو واضح. أو أنّه يصدق عنوان «الفقير» على العاجز عن أداء الدين و لو كان واجدا لمئونة سنته، فعلا أو قوّة.

و هذا البحث لا ثمرة له في محلّ الكلام، و إنّما هو مجرد بحث علمي، فإنّه لا إشكال فى أنّ المعتبر في صرف الزكاة فى الغارمين إنّما هو العجز دون عدم القدرة على مؤنة السنة، و ذلك لعدم الدليل على أكثر من ذلك، فإنّ غاية ما فى الباب إنّما هو انصراف الدليل- بمقتضى ما هو المستفاد من أدلّة تشريع الزكاة- إلى فرض العجز عن الأداء، أو للإجماع و التسالم على ذلك، كما لا يخفى. نعم، قد تظهر الثمرة العمليّة في بعض الفروع، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

هذا، و لكن الظاهر هو صدق عنوان «الفقير» عرفا بمجرّد العجز عن الأداء و لو كان مالكا لقوت سنته، كما هو الملاحظ في استعمالات أهل العرف خارجا. و قد يقال: إنّه على هذا لا معنى لذكر الغارمين بعد الفقير فى الآية الكريمة، و لكنّه مدفوع بأن إفراده بالذكر إنّما هو لما فيهم من الخصوصيّة، منها: كون صرف الزكاة فى «الفقير» من هذه الجهة ممّا

لا يتوقّف على وجود الفقير، بل يجوز ذلك مع فقده أيضا، كما في فرض موت المديون العاجز عن الأداء، و هذا بخلاف سهم الفقراء فإنّه لا يجوز دفعه إلّا إلى الفقير الحيّ دون الميّت، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 282

و إن كانوا مالكين لقوت سنتهم (392). و يشترط أن لا يكون الدين مصروفا فى المعصية، و إلّا لم يقض من هذا السهم (393)،

______________________________

(392) لعدم الدليل على اعتبار «الفقر» بالمعنى المذكور، بل مقتضى إطلاق الآية الكريمة هو عدمه، كما أشرنا إليه، فلاحظ.

(393) بلا خلاف فيه ظاهرا «1»، بل فى «التذكرة «2»» و «المنتهى «3»» دعوى الإجماع عليه، و قد استدلّ له بوجوه:

الأوّل: انصراف الدليل إلى غير مورد الصرف فى المعصية، و منشئوه ما علم من أنّ الزكاة إنّما شرّعت إرفاقا بالفقراء، فلا تناسب مورد الصرف فى المعصية.

الثاني: إنّ في وفاء الدين المذكور من الزكاة إغراء بالقبيح، و هو قبيح.

الثالث: خبر محمّد بن سليمان، المروي فى «الكافي» في باب الديون، عن رجل من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمّد، قال: سأل الرضا عليه السّلام رجل و أنا أسمع، فقال له: جعلت فداك، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ- الآية «4»، أخبرني عن هذه النظرة الّتي ذكرها اللّه عزّ و جلّ في كتابه،

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 357، ط النجف الأشرف.

(2)- العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 256، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 521، ط إيران الحجريّة.

(4)- البقرة، 2: 280.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الزكاة، ج 2، ص: 283

..........

______________________________

لها حدّ يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بدّ له من أن ينظر، و قد أخذ مال هذا الرجل و أنفقه على عياله، و ليس له غلّة ينتظر إدراكها، و لا دين ينتظر محلّه، و لا مال غائب ينتظر قدومه، قال: «نعم، ينتظر بقدر ما ينتهى خبره إلى الإمام عليه السّلام فيقضي عنه ما عليه من الدين، من سهم الغارمين، إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ، فإن كان قد أنفقه في معصية اللّه فلا شي ء له على الإمام عليه السّلام، قلت: فما لهذا الرجل الّذي ائتمنه، و هو لا يعلم فيما أنفقه، في طاعة اللّه عزّ و جلّ، أم في معصيته؟ فقال: يسعى له في ماله فيردّه عليه و هو صاغر «1»».

أمّا الوجه الأوّل فلا بأس به، إلّا أنّ مقتضاه التفصيل بين صورة توبة المديون و عدمها، فإنّه إذا تاب جاز صرف الزكاة في دينه، فإنّ الإرفاق بمثل هذا الشخص ليس أمرا منكرا كما لا يخفى، بخلاف ما إذا لم يتب، فإنّ صرف الزكاة- مع كونها مشرعة للإرفاق بحال الفقراء- في مثل هذا الدين غير مناسب، كما عرفت.

و أمّا الثاني، فإن كان راجعا إلى دعوى الانصراف- كما فى الوجه الأوّل- كان مقتضاه هو التفصيل المتقدّم، و إلّا فلا مجال للاعتماد على مثل هذه الوجوه الاستحسانيّة. و أمّا الرواية، فهي و إن كانت مطلقة من حيث التوبة و عدمها، إلّا أنّها ضعيفة السند، و العمل بها إنّما يكون لأحد أمرين:

الأوّل: اعتماد جميع ما فى «الكافي» من الروايات، كما عليه بعضهم.

الثّاني: انجبار ضعفه بعمل الأصحاب.

أمّا الأوّل، فهو محل المناقشة كبرويّا، كما أنّ الثّاني- مضافا إلى هذه المناقشة فيه- يمكن

المناقشة الصغرويّة فيه أيضا، فإنّه بعد الاستدلال للمسألة بالوجهين

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 9: الدين، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 284

و إن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء (394)، سواء تاب عن المعصية أو لم يتب، بناء على عدم اشتراط العدالة فى الفقير (395)، و كونه

______________________________

الأولين أيضا، لم يمكن الجزم باستناد المشهور إلى الرواية، كما هو ظاهر. و كأنّ المصنّف قدّس سرّه اعتمد الرواية، و لذلك لم يفصّل في كلامه بين فرض تحقّق التوبة و عدمها، فلاحظ.

(394) هذا من جملة الموارد الّتي تظهر فيه الثمرة العمليّة للخلاف المتقدّم، فإنّه بناء على صدق الفقر بمجرّد العجز عن الأداء- كما هو المختار- يجوز الدفع من سهم الفقراء دائما، لكن مع التوبة، فإنّه مع عدمها لا يجوز دفع الزكاة إلى فقير كان فقره لأجل المعصية، للانصراف، أو الوجه العقلي الآخر، بخلاف ما إذا كانت النسبة هي العموم من وجه، فإنّه لا يجوز ذلك إلّا مع تحقّق عنوان الفقر فيه، كما لا يخفى.

(395) إنّ المصنّف قدّس سرّه- كما يظهر منه، على ما أشرنا إليه أيضا- و إن كان قد اعتمد الرواية فى الفرع السابق، و لذلك لم يفصّل بين مورد التوبة و عدمها، إلّا أنّه لا مجال لاعتمادها في هذا الفرع، لاختصاص الرواية بمورد سهم الغارمين، فالمعتمد فى المقام إنّما هو أحد الوجهين الآخرين، و مقتضى كلّ منهما هو التفصيل غير أنّه- كما قلنا- لا اعتبار بالثاني منهما إذا لم يكن راجعا إلى الأوّل. و قد يبدو عجيبا من السيّد العلّامة البروجردي قدّس سرّه حيث إنّه استشكل في تعليقته الصرف

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص:

285

مالكا لقوت سنته لا ينافي فقره لأجل وفاء الدين الّذي لا يفي كسبه، أو ما عنده، به (396)، و كذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل اللّه (397). و لو شكّ في أنّه صرف في المعصية أم لا، فالأقوى جواز إعطائه من هذا السهم، و إن كان الأحوط خلافه (398).

______________________________

مع عدم التوبة هنا، و لم يستشكله فى الفرع المتقدّم. و لكنّه يمكن توجيه ذلك بما أشرنا إليه، من أنّ عدم التفصيل هناك إنّما كان لأجل الاعتماد على الرواية، بخلاف المقام، كما هو ظاهر.

(396) هذا مبنيّ على صدق الفقير على العاجز عن أداء الذين، و لو كان مالكا لقوت سنته.

(397) بناء على انطباقه عليه، لكن ينبغى التفصيل فيه بين موارد التوبة و عدمها، كما تقدّم.

(398) المحكيّ «1» عن الشيخ في «النهاية» المنع عند الشك فى الصرف، و ربما نسب «2» الميل إليه إلى المشهور، و نسب القول بالجواز إلى الأكثر، بل إلى

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 360، ط النجف الأشرف.

و لكنّي لم أعثر عليه فى كتاب «النهاية» المطبوعة بدار الكتاب العربي (بيروت- لبنان).

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 99، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 286

..........

______________________________

المشهور. و لا ينبغى الشك في أنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة إنّما هو عدم الجواز، نظرا إلى أنّ الشبهة مصداقيّة، لا يجوز التمسّك بالعموم في مثلها، و حيث لم يثبت أنّ المعصية فى المقام عنوان وجوديّ، و الطاعة عدميّ، و هو غير المعصية. أو أنّ الطاعة بمعنى المشروعيّة، و المعصية عدمها، فلا مجال للرجوع حينئذ إلى استصحاب العدم الأزليّ لتنقيح موضوع العام، كما لا

يخفى.

إلّا أنّ مقتضى أصالة الصحّة إنّما هو حمل فعل المسلم على كونه مشروعا، و هو بنفسه موضوع لجواز الصرف من دون أن يكون الأصل مثبتا، فإنّ الطاعة المذكورة فى الرواية إنّما يراد بها المشروعيّة، فإذا أثبتناها بالأصل المذكور ترتّب عليه جواز الصرف من الزكاة فى الموارد المذكورة، كما لا يخفى.

و قد يستدلّ للمنع بما في ذيل خبر محمّد بن سليمان المتقدّم «1»: «قلت: فما لهذا الرجل الّذي ائتمنه ...»، و لكنّه فاسد، أمّا أوّلا: فلضعف السند، كما تقدّم. و ثانيا:

عدم دلالتها على ذلك، فإنّها ناظرة إلى بيان حال صاحب الدين، و أنّه حيث لم يكن يعلم بأنّ المديون قد صرف المال فى المعصية أو فى الطاعة، فلا تقصير له فى الدين، إذا كان المديون قد صرف المال خارجا فى المعصية، فالسؤال بهذا التعبير إنّما هو لدفع ما قد يبدو في بادئ النظر من تقصير الدائن، و أنّه لا بدّ له أن يجوز عن حقّه، و لذلك حكم الإمام عليه السّلام على المديون بالسعي في ردّ المال إليه، فالرواية ناظرة إلى الدائن، و ليست ناظرة إلى بيان حال الدافع للزكاة من حيث أنّه لم يكن يعلم بالصرف فى المعصية، كما لا يخفى.

و المتحصّل من ذلك كلّه، إنّما هو جواز الصرف في فرض الشك، عملا باصالة الصحة، و عليه فالاحتياط الوارد فى المتن استحبابيّ.

______________________________

(1)- ص 282.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 287

نعم، لا يجوز له الأخذ إذا كان قد صرفه فى المعصية (399)، و لو كان معذورا فى الصرف فى المعصية- لجهل، أو اضطرار، أو نسيان، أو نحو ذلك- لا بأس باعطائه (400)؛ و كذا لو صرفه فيها في حال عدم التكليف، لصغر،

أو جنون. و لا فرق فى الجاهل بين بين كونه جاهلا بالموضوع أو الحكم (401).

[مسألة 16: لا فرق بين أقسام الدين]

[مسألة 16]: لا فرق بين أقسام الدين، من قرض، أو ثمن مبيع، أو ضمان مال، أو عوض صلح، أو نحو ذلك، كما لو كان من

______________________________

(399) لعلمه بعدم كونه مستحقّا للمال المذكور، فإنّ الدين فى المعصية ليس أداءه من مصارف الزكاة على الفرض.

(400) لعدم تحقّق المعصية فى الفروض المذكورة، فلم يكن الدين مصروفا فى المعصية.

(401) أمّا الجاهل بالموضوع فمعذور، و أمّا الجاهل بالحكم فلا بدّ من تقييده بالقاصر، و إلّا فالمقصّر عاص لا يجوز أداء دينه من الزكاة، كما سينبّه عليه المصنّف قدّس سرّه فيما يأتي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 288

باب غرامة اتلاف (402)، فلو كان الإتلاف جهلا أو نسيانا، و لم يتمكّن من أداء العوض، جاز إعطاؤه من هذا السهم، بخلاف ما لو كان على وجه العمد و العدوان (403).

[مسألة 17: اذا كان دينه مؤجّلا]

[مسألة 17]: اذا كان دينه مؤجّلا، فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله، و إن كان الأقوى الجواز (404).

______________________________

(402) فإنّ المذكور فى الآية إنّما هو عنوان «الغارمين» لا خصوص عنوان «الدين»، و هذا بإطلاقه يشمل جميع الموارد المذكورة. نعم، لو كان المأخوذ فى الآية الكريمة هو عنوان «الدين» لأمكن الاستشكال فى التعميم المذكور فى المتن.

(403) وجه التقييد بغير فرض العمد و العدوان ظاهر، فإنّه مع فرض العمد و العدوان يكون الدين فى المعصية، و قدم تقدّم عدم جواز صرف الزكاة فيه.

(404) القول بجواز الإعطاء قبل حلول الأجل مبنيّ على صدق عنوان العجز عن الأداء، فإذا لم يتمكّن من أداء الدين قبل حلول وقت الأداء لم يصدق العجز عن الأداء، و ذلك لأنّ المقسم للعجز عن الأداء و التمكّن منه إنّما هو حال الأداء، ففي وقت الأداء إمّا أن

يكون متمكّنا أو عاجزا، و عليه فقبل حلول الأجل لا يصدق عليه أنّه عاجز، فلا يجوز إعطاؤه من السهم المذكور. نعم، لو كان عالما

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 289

[مسألة 18: لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج]

[مسألة 18]: لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج، فإن كان الديّان مطالبا فالظاهر جواز إعطائه من هذا السهم، و إن لم يكن مطالبا فالأحوط عدم إعطائه (405).

[مسألة 19: إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه]

[مسألة 19]: إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه (406)؛ إلّا إذا كان فقيرا، فإنّه يجوز احتسابه

______________________________

- أو بأصل معتبر- بعجزه عن الأداء بعد حلول الأجل صدق عليه أنّه عاجز، فيجوز إعطاؤه من سهم الغارمين، و لذلك قوىّ المصنّف قدّس سرّه الجواز.

(405) قد عرفت أنّ جواز الإعطاء من السهم المذكور موقوف على كونه عاجزا عن أداء الدين، فلا محالة يختصّ الجواز فى المقام بفرض المطالبة، إذ مع عدمها لا يصدق في حقّه العجز عن الأداء عرفا، إذ ليس هو بملزم به بالفعل كي يكون عاجزا عنه، بل له أن يؤدّيه فى المستقبل، و المفروض هو تمكّنه من الأداء آنذاك، و لا أقلّ من انصراف الدليل عنه.

(406) لعدم تملّكه لها بالقبض، بعد العلم بأنّ الدفع إليه إنّما كان بعنوان الزكاة من سهم الغارمين، مع فرض عدم كونه مصرفا لها، لكون الدين الثابت عليه دينا في معصية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 290

عليه من سهم الفقراء (407)، و كذا إذا تبيّن أنّه غير مديون، و كذا إذا أبرأه الدائن بعد الأخذ لوفاء الدين (408).

[مسألة 20: لو ادّعى أنّه مديون]

[مسألة 20]: لو ادّعى أنّه مديون، فإن أقام بيّنة قبل قوله، و إلّا فالأحوط عدم تصديقه (409)، و إن صدّقه الغريم، فضلا عمّا لو كذّبه، أو لم يصدّقه.

______________________________

(407) تقدّم أنّه لا يجوز احتسابه عليه من سهم الفقراء إلّا مع التوبة، و بدونها لا يجوز، فراجع و لاحظ.

(408) و الوجه فيه ظاهر ممّا تقدّم.

(409) ذهب المحقّق قدّس سرّه فى «الشرائع «1»» إلى تصديق الغريم فيما لو تجرّدت دعواه من تصديق الدائن و إنكاره أيضا، فضلا عمّا إذا صدّقه، و ذهب صاحب «المدارك» قدّس سرّه

«2»، و واقفه على ذلك غيره، إلى عدم القبول، إلّا بالبيّنة. و كيف كان فالظاهر ابتناء القبول و عدمه- في فرض تصديق الغريم إيّاه- على أن

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 162.

(2)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 230، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 291

[مسألة 21: إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثمّ صرفه في غيره]

[مسألة 21]: إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثمّ صرفه في غيره، ارتجع منه (410).

______________________________

يكون الغالب- بحسب الخارج- إنّما هو الدّين الّذي لا سبيل إليه إلّا قول المديون مع تصديق الغريم إيّاه، فلو لم يقبل منه لزم من ذلك محرومية جلّ الغارمين من الزكاة، و هو مناف لتشريع الزكاة للصرف فى الجهة المذكورة، و عليه، فإن أمكننا إثبات الغالبيّة الخارجيّة على الوجه المذكور فهو، و إلّا فلا دليل على التصديق من دون إشهاد عليه.

و أمّا ما يستدلّ به للمسألة بجميع فروضها، من أنّ الأصل فى المسلم هو العدالة، فيقبل قول الغارم، فمندفع أوّلا: بأنّ العدالة، إمّا هي عبارة عن الملكة، أو الاستقامة العمليّة في جادة الشرع، و على كلا التقديرين فهي ليست من مقتضيات الإسلام، لتكون هي الأصل الأوّلي فى المسلم. و ثانيا: إنّ قبول قول العدل الواحد فى الموضوعات إنّما هو محلّ الكلام، كما هو محرّر في محلّه. نعم، هذا كلّه في غير الديون المهمّة، الّتي تكون في مجالات التجارة، فإنّها- عادة- لا تخلو عن سند إثبات، فلا يكون عدم تصديق المديون فيها موجبا لتعطيل السهم المذكور، كما هو ظاهر.

(410) لأنّ للمالك الولاية على صرفها فى الأصناف، بل له الولاية على الخصوصيّات الخارجيّة،

كأن يعطى الزكاة لأحد و يمنعها عن غيره، من دون خصوصيّة شرعية في هذا الاختيار أصلا، و عليه فإذا كان إعطاؤها له بعنوان

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 292

[مسألة 22: المناط هو الصرف فى المعصية أو الطاعة، لا القصد من حين الاستدانة]

[مسألة 22]: المناط هو الصرف فى المعصية أو الطاعة، لا القصد من حين الاستدانة، فلو استدان للطاعة فصرف فى المعصية لم يعط من هذا السهم، و فى العكس بالعكس (411).

[مسألة 23: إذا لم يكن الغارم متمكّنا من الأداء حالا و تمكّن بعد حين]

[مسألة 23]: إذا لم يكن الغارم متمكّنا من الأداء حالا و تمكّن بعد حين، كأن يكون له غلّة لم يبلغ أوانها، أو دين مؤجّل يحلّ أجله بعد مدّة، ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال (412)،

______________________________

سهم الغارمين لم يكن قد ملّكه ذلك ملكا طلقا، فلا محالة كان تصرّفه فى المال المذكور في غير الجهة المذكورة غصبا و محرّما، فيكون ضامنا له، كما هو ظاهر.

(411) لأنّ المنصرف عنه أدلّة الزكاة إنّما هو الدين المصروف فى المعصية، لا الدين المنويّ به- حين الاستدانة- الصرف فى المعصية. و كذلك الحال فى الوجه العقلي الآخر المتقدّم ذكره لاختصاص الحكم بالدين المصروف في غير المعصية، بناء على الاعتماد عليه.

(412) قد عرفت آنفا انصراف الأدلّة إلى مورد عجز الغريم عن أداء الدين، و عدم شمولها لمورد تمكّنه من ذلك، و لا إشكال في عدم صدق العجز عند عدم المطالبة، أو إمكان الاستقراض من محلّ آخر، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 293

و إن كان الأقوى عدم الجواز مع عدم المطالبة من الدائن، أو إمكان الاستقراض و الوفاء من محلّ اخر، ثمّ قضائه بعد التمكّن.

[مسألة 24: لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة]

[مسألة 24]: لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة (413).

______________________________

(413) بلا خلاف فيه، كما فى «الحدائق «1»»، و غيره «2»، و الوجه فيه: أنّ للمالك تطبيق مقدار الزكاة على أيّ مال شاء، و لا يحب عليه إعطاء خصوص مال معيّن، كما مرّ ذلك، و عليه، فله أن يطبّق ذلك على ما له في ذمّة الغارم من الدّين، بعد فرض كونه مصرفا لها. و يدلّ عليه- مضافا إلى ذلك- جملة من النصوص؛ كصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج،

قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم، لا يقدرون على قضائه، و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه و احتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: «نعم «3»،» و خبر عقبة بن خالد، قال: دخلت أنا، و المعلّى، و عثمان بن عمران على أبي عبد اللّه عليه السّلام فلما رآنا قال: «مرحبا بكم وجوه تحبنا و نحبّها، جعلكم اللّه معنا فى الدنيا و الآخرة، فقال له عثمان: جعلت فداك، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: نعم، فمه؟ قال: إنّي رجل موسر، فقال له: بارك اللّه لك في يسارك، قال: و يجي ء الرجل فيسألني الشي ء، و ليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: «القرض عندنا بثمانية

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 195، ط النجف الأشرف.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 363، ط النجف الأشرف.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 46: المستحقين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 294

بل يجوز أن يحتسب (414) ما عنده من الزكاة وفاء للدين و يأخذها مقاصّة، و إن لم يقبضها المديون و لم يوكل في قبضها.

______________________________

عشر و الصدقة بعشر، و ما ذا عليك- إذا كنت كما تقول موسرا- أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزّكاة، يا عثمان، لا تردّه، فان ردّه عند اللّه عظيم «1»»، و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة، فقال: «إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه

من دين، من عرض، من دار، أو متاع البيت، أو يعالج عملا يتقلب فيها بوجهه، فهو يرجو أن يأخذ منه ما له عنده من دينه، فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة، أو يحتسب بها، فإن لم يكن عند الفقير وفاء، و لا يرجو أن يأخذ منه شيئا، فليعطه من زكاته، و لا يقاصّه بشي ء من الزّكاة «2».

(414) الاحتساب من الزكاة إنّما يتصوّر بنحوين:

الأوّل: تطبيق الفريضة على ما في ذمّة الغارم، و هو الّذي مرّ الكلام فيه آنفا.

الثّاني: تمليك الغارم المال ابتداء، ثمّ أخذه منه مقاصّة بعنوان الوفاء بالدّين، و هذا و إن كان على خلاف القاعدة، فإنّه ما دام لم يقبض الفقير الزكاة لم تكون ملكا له، فكيف يجوز جعله وفاء لدين الغارم!، إلّا أنّ النّص- و هو موثق سماعة

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 49: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 46: المستحقين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 295

و لا يجب (415) عليه إعلام المديون بالاحتساب عليه، أو بجعلها وفاء و أخذها مقاصة.

______________________________

المتقدّم «1»- قد دلّ على جواز ذلك، و به يخرج عما هو مقتضى القاعدة.

ثمّ إنّ المصنّف قدّس سرّه ذكر في هذا المقام أنّ المالك إنّما يحتسب ما عنده من الزّكاة وفاء للدين و يأخذها مقاصّة، و من المعلوم أنّه إذا احتسبها وفاء للدين صارت ملكه لا محالة، و بعده لا يعقل الأخذ مقاصّه، كما نبّه عليه العلّامة البروجردي قدّس سرّه في تعليقته أيضا؛ و على الإجمال: إذا احتسبها وفاء للدين صارت الزكاة بذلك ملكا له و حينئذ فلا يعقل التقاص، فإنّه إنّما يتحقّق بأخذ مال الغير لا

مال نفسه، كما هو ظاهر.

و يمكن توجيه ذلك، بأنّ يراد به تمليك الغارم ابتداء، و لكن بداعي أخذه منه مقاصّة، المنطبق عليه عنوان «وفاء الدّين»، فقوله: «وفاء للدين» بيان لما هو الدّاعي إلى الاحتساب على النهج المذكور.

(415) لورود النصّ المعتبر بذلك، و معه لا موجب لاستبعاده، نظرا إلى مخالفته للقواعد الأوليّة، كما عن بعضهم «2»، فلاحظ.

______________________________

(1)- ص 294.

(2)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 225، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 296

[مسألة 25: لو كان الدين لغير من عليه الزكاة]

[مسألة 25]: لو كان الدين لغير من عليه الزكاة، يجوز (416) له وفاؤه عنه بما عنده منها، و لو بدون اطلاع الغارم.

[مسألة 26: لو كان الغارم ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة]

[مسألة 26]: لو كان الغارم ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له (417) إعطاؤه لوفاء دينه، أو الوفاء عنه،

______________________________

(416) كما دلّ على ذلك خبر محمّد بن سليمان، المتقدّم «1»، و نحوه مرسل القميّ رحمه اللّه، في تفسيره، عن العالم عليه السّلام: «و الغارمين قد وقعت عليهم ديون، أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات «2»». و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين اطّلاع الغارم و عدمه.

(417) بلا خلاف فيه ظاهرا «3»، و يدلّ عليه حسنة زرارة، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل حلّت عليه الزّكاة، و مات أبوه و عليه دين، أ يؤدي زكاته في دين أبيه، و للابن مال كثير؟ فقال: «إن كان أورثه مالا ثمّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه، قضاه عنه من جميع الميراث، و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالا، لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه، فإذا أدّاها في دين أبيه

______________________________

(1)- صص 282- 283.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 366، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 297

و إن لم يجز (418) اعطاؤه لنفقته.

[مسألة 27: إذا كان ديّان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة]

[مسألة 27]: إذا كان ديّان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة، جاز (419) له إحالته على الغارم، ثمّ يحسب عليه.

______________________________

على هذا الحال أجزأت عنه «1»»، و موثّق اسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل على أبيه دين، و لابنه مئونة، أ يعطي أباه من زكاته يقضي

دينه؟ قال: نعم، و من أحق من أبيه! «2»».

(418) كما سيأتي ذلك- إن شاء اللّه تعالى- عند ذكره قدّس سرّه لأوصاف المستحقّين، فانتظر.

(419) إذا فرضنا أنّ عمروا- المفروض كونه مستحقّا للزكاة- مدين لزيد بعشرة دنانير- مثلا- و كان زيد مدينا لمن عليه الزكاة بذلك المقدار أيضا، جاز لزيد حينئذ إحالة من عليه الزكاة على عمرو المستحق، فيكون صاحب الزكاة مالكا لعشرة دنانير في ذمّة الفقير المستحق للزكاة، و حينئذ فيجوز احتسابه عليه زكاة، فتبرأ ذمّته لا محالة، كما تبرأ ذمّة زيد أيضا. و الوجه فيه- بعد ما ثبت من مشروعيّة الحوالة- إنّما هو ما مرّت الاشارة إليه فى المسألة الرّابعة و العشرين فلاحظ.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 18: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 298

بل يجوز (420) له أن يحسب ما على الديّان وفاء عمّا في ذمّة الغارم، و إن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد إلا حالة.

[مسألة 28: لو كان الدين للضمان عن الغير تبرّعا]

[مسألة 28]: لو كان الدين للضمان عن الغير تبرّعا، لمصلحة مقتضية لذلك، مع عدم تمكّنه من الأداء، و إن كان قادرا على قوت سنته، يجوز (421) الإعطاء من هذا السهم، و إن كان

______________________________

(420) فيكون المستحق للزكاة مالكا في ذمّة الديّان بمقدار ما كان يملكه في ذمّته، فيحصل التهاتر، و تبرأ كلتا الذّمتين، إلّا أنّه لا بدّ من تقييده بما إذا كانا من جنس واحد، كما نبّه عليه العلّامة البروجردي قدّس سرّه في تعليقته، إذ على تقدير الاختلاف، كما إذا كان المستحق مدينا بعشرة دنانير، و ملك في ذمّة الدائن من قبل من عليه الزّكاة عشرة أمنان من الحنطة، و هي تساوى بحسب القيمة

ذلك، فإنّه لا مجال لبراءة ذمّتيهما بالتهاتر، كما هو ظاهر.

ثمّ أنّ الوجه فى الاحتياط المذكور في كلامه قدّس سرّه، هو مجرّد احتمال عدم كون الاحتساب- في مثل الفرض- بمثابة الإعطاء و الأداء، و إلّا فكما يجوز الأداء إلى الدّائن يجوز احتساب ما في ذمّته لمن عليه الزّكاة منها أيضا، فتأمّل.

(421) قد عرفت فيما سبق أنّه لا فرق في جواز الإعطاء من السهم المذكور بين أقسام الدين، من كونه ثمن مبيع، أو قرض، أو ضمان مال و نحو ذلك. نعم، لا بدّ و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 299

المضمون عنه غنيّا (422).

[مسألة 29: لو استدان لإصلاح ذات البين]

[مسألة 29]: لو استدان لإصلاح ذات البين، كما لو وجد قتيل لا يدرى قاتله، و كاد أن تقع بسببه الفتنة، فاستدان للفصل، فإن لم يتمكّن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم، و كذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك من المصالح العامة، و أمّا تمكّن من الأداء فمشكل (423).

______________________________

أن يكون الضمان لأجل مصلحة عقلائيّة، و إلّا كان الإعطاء من السهم المذكور غير جائز، بعد فرض عدم كون الضمان مبنيّا على وجه عقلائي صحيح، فإنّه حينئذ يكون ك: لا ضمان.

(422) لإطلاق ما دلّ على جواز صرف الزكاة فى الغارمين، كما لا يخفى.

(423) الوجه في إفراد المسألة بالذكر مع وضوح حكمها إنّما هو لأجل حكم صورة تمكّن الغارم من الأداء، فقد ذهب بعضهم «1» إلى جواز الإعطاء من السهم

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 251، ط المكتبة المرتضوية، طهران. و فى «الحدائق»: «و بذلك صرّح كثير من الأصحاب ممّن تأخر عنه، منهم العلّامة في أكثر كتبه، و ابن حمزة ...» (البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة،

ج 12: ص 194، ط النجف الأشرف).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 300

نعم، لا يبعد جواز الإعطاء من سهم سبيل اللّه، و إن كان لا يخلو عن إشكال (424) أيضا؛

______________________________

المذكور مطلقا، حتّى مع التمكّن، فيما إذا كان الدين لا لأجل مصلحة نفسه، بل للمصلحة العامّة. و استدلّ له بعموم الآية الكريمة، و بما روي عن النّبي صلى اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلّا لخمسة: لغاز في سبيل اللّه، أو لعامل عليها، أو لغارم ... «1»».

أمّا عموم الآية الكريمة، فلا مجال له، بعد ما عرفت آنفا، من انصرافها إلى مورد العجز عن الأداء، بلا فرق في ذلك بين كون الدين لمصلحة نفسه أو للمصلحة العامة. و أما الخبر فهو عاميّ ضعيف السند، لا ينبغى الاعتماد عليه، و الموجود في أصولنا مجرّد عن الاستثناء «2» و عليه، فالحقّ هو عدم الجواز مع التمكّن.

(424) وجه الإشكال هو أن ما يكون مصداقا لسبيل اللّه ليس هو الاستدانة، و إنّما هو صرف المال الّذي استحصله بالدين فى الأمور المذكورة، فلا ينطبق عنوان «سبيل اللّه» على نفس الدين، ليكون وفاءه من الزكاة من سهم سبيل اللّه.

______________________________

(1)- أبو داود، سليمان: السنن، ج 2: ص 119/ ح 1635؛ البيهقي: السنن، ج 7: ص 15، ط حيدرآباد- الهند.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 362، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 301

إلّا إذا كان من قصده (425) حين الاستدانة ذلك.

[السابع: سبيل اللّه]

السابع: سبيل اللّه، و هو جميع سبل الخير (426)، كبناء القناطر، و المدارس، و الخانات، و المساجد و تعميرها، و تخليص المؤمنين من يد الظالمين، و

نحو ذلك من المصالح، كإصلاح ذات البين، و رفع وقوع الشرور و الفتن بين المسلمين؛ و كذا إعانة الحجّاج و الزائرين، و إكرام العلماء و المشتغلين، مع عدم تمكّنهم من الحجّ و الزيارة، و الاشتغال و نحوها من أموالهم. بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كلّ قربة، مع عدم تمكّن المدفوع إليه من فعلها بغير الزكاة، بل مع تمكّنه أيضا، لكن مع عدم إقدامه إلّا بهذا الوجه.

______________________________

(425) فإنّه يصدق على نفس الاستدانة العنوان المذكور، فيصحّ وفائه من السهم المذكور.

(426) لا إشكال و لا خلاف في صرف الزّكاة فى الجهة المذكورة فى الجملة، كما يدلّ عليه صريح الآية الكريمة: ... وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ- الآية «1»، إنّما الكلام فيه من جهات:

______________________________

(1)- التوبة، 9: 60.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 302

..........

______________________________

الأولى: أنّه نسب إلى «المقنعة «1»»، و «النهاية «2»»، و «المراسم «3»»، و غيرها «4» اختصاص ذلك بالجهاد فقط، فالمراد بسبيل اللّه إنّما يكون هو الجهاد خاصّة. و نسب «5» إلى الأكثر، بل المشهور، بل إلى عامّة المتأخّرين، و عن غير واحد «6»: دعوى الإجماع عليه، أنّه يعمّ سبل الخير كلّها، فيدخل فيه المذكورات فى المتن أيضا.

و الظّاهر هو المذهب المشهور، و يدلّ عليه- مضافا إلى إطلاق الآية الكريمة، مع عدم ظهور مقيّد له بالجهاد خاصّة، و عدم كون سبيل اللّه ظاهرا فيه بنحو الحقيقة، الشرعيّة أو عند المتشرّعة- خبر علي بن إبراهيم، في تفسيره، عن العالم عليه السّلام قال: «و في سبيل اللّه، قوم يخرجون فى الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به، أو في جميع سبل الخير، فعلى الإمام عليه السّلام

أن يعطيهم من مال الصدقات حتّى يقووا على الحجّ و الجهاد ... «7»»، و رواية عليّ بن يقطين، أنّه قال لابن الحسن الأوّل عليه السّلام: يكون عندي المال من الزكاة، فأحجّ به مواليّ و أرقابي؟ قال: «نعم، لا بأس «8»»، و

______________________________

(1)- المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان: المقنعة، ص 241، ط مؤسسة النشر الإسلامى، قم.

(2)- الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: النهاية، ص 184، ط دار الكتاب العربي، بيروت.

(3)- سلّار، حمزة بن عبد العزيز الديلمي: المراسم/ تحقيق محمود البستاني، ص 133.

(4)- الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين: الفقيه، ج 2: ص 6، ط مكتبة الصدوق، طهران؛ الحلبي، عليّ بن الحسن: إشارة السبق، ص 112، ط مؤسّسة النشر الاسلامي، قم.

(5)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 4، ص 268، ط النجف الأشرف.

(6)- الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 4: ص 236، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم؛ ابن زهرة، حمزة بن عليّ: غنية النزوع: ص 568، ط إيران الحجريّة (ضمن المجموعة «الجوامع الفقهيّة»).

(7)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقّين للزكاة، ح 7.

(8)- المصدر/ باب 42: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 303

..........

______________________________

خبر الحسين بن عمر، قال: قلت للصادق عليه السّلام: إنّ رجلا أوصى إلى شي ء في سبيل اللّه، فقال لي: «اصرفه فى الحجّ، فإني لا أعلم شيئا في سبيل اللّه تعالى أفضل من الحجّ «1»»، و نحوها غيرها «2».

و استدلّ للقول الآخر: بالانصراف (أي انصراف إطلاق الآية الكريمة)، و خبر يونس بن يعقوب، قال: إنّ رجلا كان بهمدان، ذكر أنّ أباه مات، و كان لا يعرف هذا الأمر، فأوصى بوصيّة عند الموت، و أوصى

أن يعطى شي ء في سبيل اللّه، فسئل عنه أبو عبد اللّه عليه السّلام كيف يفعل به، فأخبرناه أنّه كان لا يعرف هذا الأمر، فقال: «لو أنّ رجلا أوصى إليّ بوصيّة أن أضع في يهوديّ، أو نصرانيّ لوضعته فيهما، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ- الآية «3»، فأنظر إلى من يخرج إلى هذا الوجه- يعني بعض الثغور- فابعثوا به إليه «4»».

أمّا الانصراف، فلا سبيل إلى إثبات كونه من غير البدويّ، و أمّا الخبر، فقد أجيب عنه بأنّ المتّبع في باب الوصية إنّما هو عرف الموصى، فإذا كان ممّن لا يعرف هذا الأمر، كما هو المفروض، فقد كان «سبيل اللّه» عنده هو الجهاد خاصّة، كما هو المنسوب إلى العامّة، و لأجل ذلك حكم عليه السّلام- أيضا- بصرفه فى الجهاد.

مضافا إلى احتمال أن يكون التخصيص بالجهاد- فى الخبر- من جهة كونه أفضل الأفراد، كما لا يخفى.

الثانية: إنّه- بناء على عدم الاختصاص بالجهاد- لا يعمّ جميع الأمور

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 33: الوصايا، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 42: المستحقّين للزكاة [و] باب 33: الوصايا.

(3)- البقرة، 2: 181.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 33: الوصايا، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 304

..........

______________________________

الخيريّة القربيّة حتّى ما كان الخير فيه شخصيّا، كصلاة اللّيل، و صلاة جعفر، و نحوهما من أفعال الخير الشخصيّة، بل الظاهر اختصاصه بالأمور القربية المشتملة على المصالح العامّة الدينية- كما نبّه عليه العلامة السيّد البروجردي قدّس سرّه فى تعليقته- و الوجه فيه: أنّ المستفاد من ملاحظة أدلّة تشريع الزّكاة، مع ما فيها من مزيد الاهتمام و

الحثّ على دفع الزكاة و عدم التملّص و التخلّص منها، أنّ تشريعها إنّما كان بلحاظ تأمين المنافع و المصالح العامّة للمسلمين، و هذا يناسب اختصاص صرف السهم المذكور فى الأمور القربيّة المشتملة على المصالح الدينيّة العامّة، كتعمير المساجد، و القناطر، و المدارس، و تأسيسها، و الحجّ ...، لا مطلقا، كما لا يخفى.

الثالثة: إنّهم اختلفوا في اعتبار الحاجة و الفقر في جواز الإعطاء من السّهم المذكور، فذهب بعضهم إلى ذلك، مستدلّا له: بأنّ الزكاة إنّما شرّعت لرفع حاجة المحتاجين و سدّ خلّتهم، فلا يجوز صرفها في غير مورد الحاجة و الفقر. و بعموم قوله صلى اللّه عليه و آله: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ».

و لا يخفى وجه الإشكال فيهما، فإنّ تشريع الزّكاة لرفع حاجة المحتاجين لا يقتضي اعتبار الحاجة و الفقر في جميع المصارف المذكورة فى الآية الكريمة، فإنّ في بعضها لا يكون الفقر معتبرا قطعا، كما مرّت الإشارة إليه. و عليه، فالوجه فى التعابير المتقدّمة الواردة في أدلّة الزكاة إنّما هو ملاحظة الغالب خارجا، حيث أنّ الغلبة في مصرفها إنّما تكون لرفع حاجة الفقراء و المعوزين، فالإطلاق إنّما هو بهذا اللحاظ.

و أمّا قوله صلى اللّه عليه و آله: «لا تحلّ ...» فالمظاهر منه نفي كون الغنيّ مالكا لها، فيدلّ على اعتبار الفقر في مورد يقصد به تملّك المدفوع إليه الزكاة، و أمّا فى المقام،

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 305

..........

______________________________

فالظاهر منه أنّ المدفوع إليه لا يكون مالكا للسهم المذكور، بل المالك لها إنّما هي الجهة الخاصّة. و على الإجمال: الخبر إنّما ينفي تملّك الغنيّ للزكاة، و فى المقام لا يقصد من إعطاء الزكاة التملّك، فإنّ الظاهر من الآية الكريمة إنّما هو جواز

إعطاء السهم المذكور على وجه لا يكون المدفوع إليه مالكا. فلاحظ.

و للفقيه المحقّق الهمداني قدّس سرّه فى المقام كلام لا بأس بإيراده، قال قدّس سرّه: «و لكن لا يخفى عليك، أنّ صرف الزكاة في معونة الزوّار و الحجيج و الغزاة يتصوّر على أنحاء:

أحدها: أن يكون ما يصرفه إليهم بمنزلة الأجرة على عملهم، كما لو لم يكن لمن يباشر العمل بنفسه داع إلى فعل الحجّ، أو الجهاد، أو نحوه، و لكن رأى المتولي للصرف و المصلحة في إيجاد هذه الأفعال، من باب تشييد الدين، أو تعظيم الشعائر، أو غير ذلك من المصالح، فبعثهم على الفعل، بجعل الأجرة لهم، أو بذل النفقة عليهم من الصدقات، على أن يعملوا هذا العمل.

الثاني: أن يصرفه فيمن يريد بنفسه الحجّ و الجهاد، فيعينه ببذل الزاد و الراحلة و السلاح و نحوها.

الثالث: ما يصرفه فى التسبيلات العامّة، من مثل المضايف و السّقايات الواقعة فى الطرق، الّتي يأكل و يشرب منها عامّة المستطرقين. أمّا القسم الأوّل و الثالث، فلا ينبغى الاستشكال في عدم اشتراط الفقر و الحاجة فيمن يتناوله، فإنّ مصرف الزكاة في هذين القسمين- فى الحقيقة- هي نفس تلك المصالح الّتي صرفت الزكاة فيها، لا خصوص الأشخاص الذين وصل إليهم شي ء منها. و أمّا القسم الثاني، الّذي هو فى الحقيقة صرف إلى من يعمل الخيرات لا في نفس عمل الخير، و إن كان هذا الصرف- أيضا- باعتبار كونه إعانة على البرّ و التقوى يعدّ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 306

[الثامن: ابن السبيل]

اشارة

الثامن: ابن السبيل، و هو المسافر (427) الّذي نفذت نفقته، أو

______________________________

من السبيل، فهذا هو الّذي وقع فيه الإشكال على تقدير عدم كون المصروف إليه محتاجا إلى تناوله،

و الاحتياط فيه ممّا لا ينبغي تركه ... «1»».

هذا و قد عرفت آنفا عدم الدليل على اعتبار الفقر و الحاجة فى القسم الثاني الّذي هو محلّ الخلاف، فالاحتياط المذكور في كلامه قدّس سرّه ممّا لا بأس بتركه، و اللّه العالم.

(427) لا مجال لاستشكال كون ابن السّبيل مصرفا للزكاة فى الجملة، لصراحة الآية الكريمة: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ... وَ ابْنِ السَّبِيلِ- الآية «2» في ذلك، مضافا إلى ذلك ما رواه الشيخ قدّس سرّه باسناده عن علي بن إبراهيم في تفسيره- و الظاهر أنّه صحيح- عن العالم عليه السّلام- في حديث-: «و ابن السبيل، أبناء الطريق الّذين يكونون فى الأسفار، في طاعة اللّه، فيقطع عليهم و يذهب ما لهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات «3»».

ثمّ إنّ المتفاهم من هذه الكلمة عرفا، إنّما هو المنقطع عن أهله فى الطّريق، المعبّر عنه بالفارسية ب «سر راهى»، و ليس هو عبارة عن خصوص المسافر، أي من يصدق عليه العنوان المذكور شرعا، على الوجه المقرّر في صدق السفر

______________________________

(1)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 102، ط إيران الحجريّة.

(2)- التوبة، 9: 60.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 1: المستحقين للزكاة، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 307

تلفت راحلته، بحيث لا يقدر معه على الذهاب و إن كان غنيّا في وطنه، بشرط عدم تمكّنه من الاستدانة، أو بيع ما يملكه، أو نحو ذلك (428). و بشرط أن لا يكون سفره في معصية (429)،

______________________________

الشرعي. نعم، عنوان «نفاذ النفقة» أو «تلف الراحلة»، و نحو ذلك مأخوذ في مفهومه، حيث إنّ الانقطاع لا يكون إلّا بذلك، كما هو

ظاهر.

(428) فإنّه مع التمكّن من ذلك لا يصدق عليه الانقطاع فى الطريق، المفروض كونه، مأخوذا في مفهوم ابن السبيل، كما أشرنا إليه آنفا. نعم، لا بدّ من تقييد التمكّن بما لا يستلزم المشقّة و الحرج، بحيث لا يتحمّل ذلك إلّا مع الإلجاء و الاضطرار، فإنّه في فرض استلزامه لذلك لا يكون مانعا عن صدق الانقطاع، كما لا يخفى.

(429) فى «المدارك»: «لا خلاف بين العلماء في عدم جواز الدفع إلى المسافر من سهم ابن السبيل إذا كان سفره معصية ... «1»»، و يدلّ عليه- مضافا إلى الخبر المتقدّم- ما تقدّم في جواز إعطاء الزكاة للغارم، في اشتراط عدم كون الدين فى المعصية؛ من انصراف الأدلّة عن مورد المعصية. أو الوجه العقليّ الّذي أشرنا إليه هناك.

______________________________

(1)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 236، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 308

فيدفع إليه قدر الكفاية (430) اللائقة بحاله، من الملبوس و المأكول و المركوب، أو ثمنها، أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلده، بعد قضاء وطره من سفره، أو يصل إلى محلّ يمكنه تحصيلها بالاستدانة و البيع أو نحوهما. و لو فضل ممّا أعطى شي ء، و لو بالتضييق على نفسه، أعاده (431)، على الأقوى.

______________________________

ثمّ إنّ المأخوذ في موضوع الجواز فى الخبر المتقدّم، و إن كان هو عنوان «الطاعة»، إلّا أنّ المراد به هو المشروعيّة و كون السفر مباحا، في قبال سفر المعصية، لا أن يكون ذلك ممّا ينطبق عليه عنوان قربيّ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه لا بدّ من تقييد الحكم بعدم التوبة و الارتداع، فلو ارتدع عن المعصية، و كان الباقي بمقدار يصدق عليه السفر استقلالا، جاز

إعطاءه من الزكاة، كما هو ظاهر.

(430) المستظهر من الآية الكريمة إنّما هو كون جهة ابن السبيل مصرفا للزكاة، نظير الغارمين، و الرقاب، و سبيل اللّه، فالّذي يجوز دفعه من الزكاة الى «ابن السبيل» إنّما هو بالقدر الّذي يخرجه عن الانقطاع، بأن يوصله إلى محلّه، أو إلى مكان يمكنه الاستدانة أو البيع و نحوهما، مع ملاحظة حاله، ضعة و رفعة.

(431) كما عليه الأكثر، بل المشهور، كما في «الجواهر «1»». و نسب إلى الشيخ قدّس سرّه فى

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 376، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 309

..........

______________________________

«الخلاف «1»»: عدم الإعادة. و كيف كان، فالمسألة عندهم مبتنية على اشتراك ابن السبيل مع الفقير و عدمه، فعلى القول بالاشتراك، فكما لا يجب على الفقير إعادة ما فضل عن مئونة سنته و لو كان ذلك بالتقتير، كذلك لا تجب الإعادة على ابن السّبيل.

و الظاهر هو الفرق بين الأمرين، فإنّ الفقير إنّما يملك ما يدفع إليه من سهم الفقراء، و المفروض أنّ جهة فقره إنّما تكون داعية للمالك إلى تمليكه المقدار المذكور، فإذا وفّره على نفسه بالتقتير، لم يكن هناك موجب لإعادة الزائد إلى المالك. و هذا بخلاف المقام، فإنّ التمليك له إنّما هو بعنوان كونه ابن السّبيل، فأيّ مقدار من المال كان دخيلا في رفع العنوان المذكور فقد ملّكه صاحب الزكاة، و أمّا الزائد على ذلك فلا سبب لدخوله في ملكه. و الحاصل، أنّ الفقر هناك إنّما يكون داعيا إلى تمليك مقدار من المال للشخص، بخلاف المقام، فإنّه مقيّد بكون المتملّك ابن السّبيل، فملكيّته لما يدفع إليه يكون مراعى بالصرف في حاجته، فإذا فضل منه شي ء،

لم يكن الشخص- حينئذ- مصداقا لابن السبيل، فلم يكن سبب لتملّكه المقدار الفاضل، كما لا يخفى.

و من هنا يظهر الخلل فيما استدل «2» به لعدم الإعادة، من أنّه يملكه بالقبض، فما يفضل منه بعد الوصول إلى بلده ليس إلّا كما يفضل في يد الفقير من مال الصدقة بعد صيرورته غنيّا.

______________________________

(1)- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، ج 4: ص 235، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- الفقيه الهمداني، آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 3/ كتاب الزكاة: ص 104، ط إيران الحجريّة.

و قد ذكره قدّس سرّه توضيحا لاستدلال الشيخ قدّس سرّه فى «الخلاف».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 310

من غير فرق بين النقد، و الدّابة، و الثياب، و نحوها (432)، فيدفعه إلى الحاكم (433)، و يعلمه بأنّه من الزّكاة؛ و أمّا لو كان في وطنه، و أراد إنشاء السفر المحتاج إليه و لا قدرة له عليه فليس من

______________________________

(432) قال فى «المسالك»: «لا فرق في ذلك- أي في وجوب الرد- بين النقدين و الدابة و المتاع ... «1»». و علّق عليه فى «الجواهر»: «و كأنّه أشار إلى ما عن «نهاية «2»» الفاضل، من أنّه لا يسترد منه الدابة، لأنّه ملكها بالاعطاء، بل عن بعض الحواشي إلحاق الثياب. و الآلات بها ... «3»». و لكن الفرق ضعيف، لما تقدّم من كون الملكيّة مراعى بالصرف في جهة حاجته، فإذا فضل منه شي ء، أو سلم نفس المدفوع إليه- كما فى الدابّة و الثياب و نحوهما- عاد إلى ما كان عليه من الصدقة، كما هو ظاهر.

(433) و ذلك فإنّ الحاكم هو ولي الفقراء في أخذ الزكوات من أصحابها، فإذا كان ما يفضل في يده فى الصدقة- و مصرفها الفقراء-

لزمه الدفع إلى وليّ الفقراء، ليصرفه فى الموارد المقرّرة له.

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الأفهام، ج 1: صص 420- 421، ط مؤسسة المعارف الإسلاميّة، قم.

(2)- العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف: نهاية الأحكام، ج 2: ص 419، ط مؤسسة إسماعيليان، قم.

(3)- النجفي، الشيخ محمد بن الحسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 377، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 311

ابن السبيل (434). نعم، لو تلبّس بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز اعطاؤه من هذا السهم، و إن لم يتجدّد نفاذ نفقته (435)، بل كان أصل ماله قاصرا، فلا يعطى من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم ابن السبيل. نعم، لو كان فقيرا يعطى من سهم الفقراء (436).

[مسألة 30: إذا علم استحقاق شخص للزكاة، و لكن لم يعلم من أيّ الأصناف]

[مسألة 30]: إذا علم استحقاق شخص للزكاة، و لكن لم يعلم من أيّ الأصناف، يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة، من غير

______________________________

(434) لعدم صدق عنوان ابن السّبيل عليه- عرفا- مع عدم تلبّسه بالسفر.

(435) الظاهر هو عدم اعتبار تجدّد النفاذ في صدق العنوان المذكور، فلو كانت النفقة قاصرة من الأوّل، و تلبّس بالسفر، صدق عليه ذلك، و جاز إعطاءه من السهم المذكور.

(436) و وجهه ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 312

تعيين للصّنف (437)، بل إذا علم استحقاقه من جهتين يجوز إعطاؤه من غير تعيين الجهة.

[مسألة 31: إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معيّنا- لجهة راجحة، أو مطلقا]

[مسألة 31]: إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معيّنا- لجهة راجحة، أو مطلقا (438)- ينعقد نذره، فإن سها فأعطى فقيرا آخر أجزأ (439)، و لا يجوز استرداده و إن كانت العين باقية، بل لو كان

______________________________

(437) بناء على عدم وجوب البسط لا دليل على اعتبار التعيين، و الأصل البراءة، فيكفى الإتيان بداعي العنوان الواقعي المنطبق عليه. و الزكاة و إن كان قربيّا، لكنّه لا دليل على وجوب قصد الوجه، أو التمييز فى العبادة، كما حقّق ذلك في محلّه.

(438) بناء على اعتبار الرجحان في متعلّق النذر، الظاهر عدم انعقاده في فرض عدم الجهة الراجحة، فما أفاده قدّس سرّه من الانعقاد مطلقا ممّا لم يظهر الوجه فيه.

(439) فان الامتثال بإعطاء الزكاة إلى الفقير قد تحقّق على الفرض، فلا موضوع للزّكاة، و إعدام الموضوع و إن كان غير جائز لأجل النّذر؛ إلّا أنّه حيث كان ذلك سهوا، فلا معصية، و حيث إنّ الفقير قد ملك الزكاة، فلا مجال لاسترداده، و إن كانت العين باقية، لأنّها أصبحت كسائر أمواله.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 313

ملتفتا إلى نذره و أعطى غيره

متعمّدا أجزأ أيضا (440)، و إن كان آثما في مخالفة النّذر، و تجب عليه الكفّارة، و لا يجوز استرداده أيضا، لأنّه قد ملك بالقبض.

[مسألة 32: إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا]

[مسألة 32]: إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا،

______________________________

(440) فإنّ مرجع النّذر ليس هو حصر المصرف فى الفقير المعيّن، لكون ذلك خلاف الكتاب و السّنة، حيث اعتبر فيهما الفقير- بما هو فقير من دون اختصاص له بشخص معيّن- من جملة مصارف الزكاة، فلا ينعقد مثل هذا النذر، بل النّذر إنّما يوجب عليه إعطاء الزكاة إلى الفقير المنذور له، فإذا خالف النذر المذكور اختيارا عمدا أثم، و وجبت عليه كفّارة حنث النّذر، لأنّه لا موضوع للزكاة بعد ذلك، إلّا أنّه لا يضرّ بالامتثال لوجوب الزكاة بعد وقوعها في محلّها.

فهو من قبيل الواجب فى الواجب، فإنّه- قبل النذر- كان مخيّرا في تطبيق المأمور به- أو كان راجحا ذلك، فيما إذا فرضنا جهة راجحة في اعطاءها الفقير الخاص- على الفقير المعيّن، فصار ذلك واجبا بالنذر، كما في نذر الإتيان بالفريضة في أوّل وقتها، فإن مخالفة مثل ذلك اختيارا و إن كان حراما، و موجبا الكفّارة، لكنّه لا يوجب بطلان الفريضة فى غير الوقت المذكور، كما هو ظاهر.

و منه يظهر الوجه في عدم جواز الاسترداد، فإنّ الفقير المدفوع إليه- حيث إنّه لم يخرج بالنذر عن كونه مصرفا للزكاة- كان قد ملك الزكاة- لا محالة- بالقبض، فلا مجال- إذن- لاستردادها منه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 314

ثمّ تبيّن له عدم وجوبها عليه، جاز له الاسترجاع إذا كانت العين باقية (441)، و أمّا إذا شكّ في وجوبها عليه و عدمه، فأعطى احتياطا، ثم تبيّن له عدمه، فالظاهر عدم جواز الاسترجاع (442)، و إن

كانت العين باقية.

______________________________

(441) إذا كان الفقير عالما بالحال، أي عالما بأنّه لا تجب الزكاة على الدافع، و أنّه اعتقد ذلك خطأ، جاز للمالك- حينئذ- استرجاع العين مع بقائها، و استرجاع بدلها- مثلا أو قيمة- مع تلفها، لعلمه بأنّه غير مالك للمال المذكور، فكان يده على المال يد ضمان لا محالة.

و أمّا إذا كان جاهلا بالحال، فمع بقاء العين يجوز للمالك الاسترداد، فإنّه إنّما أعطى المال بعنوان الزّكاة، لا بعنوان آخر، كالهبة، و الصّدقة و نحو ذلك، و المفروض هو عدم وجوب ذلك عليه واقعا، فالتمليك إنّما كان بعنوان لم يتحقّق، فلم يدخل المال في ملك المدفوع إليه، فللمالك استرجاعه مع بقاء العين. نعم، مع التلف لا مجال للاسترجاع، فإنّه مغرور من قبل المالك، حيث سلّطه على المال، فلا مجال للضّمان حينئذ.

(442) لأنّ معنى الاحتياط هو أن يقصد بذلك الصدقة الواجبة رجاء باحتمال وجوبها عليه، فعلى كلّ تقدير المقصود يكون هو الصّدقة، و المفروض أنّ

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 315

..........

______________________________

المدفوع إليه هو مورد الصدقة لكونه فقيرا، و إن لم تكن واجبة عليه، فإذن يكون المال ملكا للمدفوع إليه، إن كانت الصدقة واجبة واقعا و إن لم تكن كذلك، و حينئذ فلا موجب لتجويز استرجاع العين مع بقائها، فضلا عن مورد التلف، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 317

[فصل في أوصاف المستحقّين]

اشارة

[فصل] في أوصاف المستحقّين) و هي أمور:

[الأوّل: الإيمان]

اشارة

الأوّل: الإيمان (443)، فلا يعطى الكافر (444) بجميع أقسامه.

______________________________

(443) المراد به الإيمان بالمعنى الأخصّ، و هو الولاية، كما ستأتي الإشارة إليه قريبا.

(444) الظاهر كونه ممّا لا خلاف فيه، بل فى «الجواهر»: «يمكن دعوى كونه من ضروريّات المذهب أو الدّين «1»»، و هو و إن لم يكن موردا للنصوص المانعة، بالخصوص، لاختصاصها- كما سنشير إليها إن شاء اللّه تعالى- بالمخالف، فتدلّ على اعتبار الإيمان بالمعنى الأخصّ، إلّا أنّه يستفاد منها عدم جواز الإعطاء للكافر بالطريق الأولى، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 378، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 318

و لا لمن يعتقد خلاف الحق (445) من فرق المسلمين، حتّى

______________________________

(445) لا خلاف فيه ظاهرا بين الأصحاب رحمهم اللّه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكيّ منه متواتر كالنصوص، كما فى «الجواهر «1»»، و يشهد به جملة من النّصوص، كمصحّح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّهما قالا: في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء: الحروريّة، و المرجئة، و العثمانيّة، و القدريّة، ثمّ يتوب و يعرف هذا الأمر، و يحسن رأيه، أ يعيد كلّ صلاة صلّاها، أو صوم، أو زكاة، أو حج، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك، غير الزكاة، و لا بدّ أن يؤدّيها، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية «2»»، و صحيح بريد العجلى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثمّ منّ اللّه عليه و عرّفه الولاية

فإنّه يؤجر عليه، إلّا الزكاة، لأنّه يضعها في غير مواضعها؛ لأنّها لأهل الولاية ... «3»»، و صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري، عن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن الزكاة هل توضع في من لا يعرف؟ قال: «لا، و لا زكاة الفطرة «4»»، و نحوها غيرها «5».

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 378، ط النجف الأشرف.

(2)- الحر العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 3: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- المصدر/ باب 5: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(5)- المصدر/ باب 3 [و] باب 5: المستحقّين للزكاة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 319

المستضعفين (446) منهم؛ إلّا من سهم المؤلّفة قلوبهم (447)، و سهم سبيل اللّه فى الجملة (448)، و مع عدم وجود المؤمن و المؤلّفة، و سبيل اللّه، يحفظ إلى حال التمكّن (449).

______________________________

(446) لإطلاق النصوص المتقدّمة بالنسبة إليهم، لعدم إحراز إيمانهم.

(447) لما مرّ، من أنّ المراد بهم ألا عمّ من الكفّار الّذين يستمالون بالزكاة إلى الإسلام أو معاونة المسلمين، و من المسلمين ضعاف العقيدة، فراجع.

(448) كما إذا أعطى- فى الحقيقة- بعنوان الأجرة على العمل، من حيث قيامه ببعض مصالح المسلمين العامّة؛ كالغزو، و حفظ الطرق، و سدّ الثغور، و نحو ذلك.

و أمّا إذا كان الصّرف فى المصالح العامّة الخيريّة الدينيّة، و انطبق على المخالف، كما إذا عمّر مسجدا- مثلا- فصلّى فيه المخالف، فلا شبهة في ذلك.

(449) المشهور- كما نسب إليهم «1»- هو ذلك، بل فى «الجواهر»: «بلا خلاف أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ... «2»». و قد يستدلّ لذلك بخبر إبراهيم

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 206، ط النجف الأشرف.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد

حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 381، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 320

[مسألة 1: تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين]

[مسألة 1]: تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين (450)،

______________________________

الأوسي، عن الرضا عليه السّلام، قال: «سمعت أبي يقول: كنت عند أبي يوما، فأتاه رجل، فقال: إنّي رجل من أهل الرّي، ولي زكاة، فإلى من أدفعها؟ فقال: إلينا، فقال: أ ليس الصدقة محرّمة عليكم؟! فقال: بلى، إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا، فقال: إنّي لا أعرف لها أحدا؟ فقال: فانتظر بها سنة، قال: فإن لم أصب لها أحدا، قال: فانتظر بها سنتين، حتّى بلغ أربعين سنة، ثمّ قال له: إن لم تصب له أحدا، فصرّها صرارا، و أطرحها فى البحر، فإنّ اللّه تعالى حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا «1»».

و لكن الخبر ضعيف السّند، مضافا إلى ما في دلالته من الإشكال، فإنّ إلقاء المال فى البحر أمر مستهجن في نفسه، عقلا و عرفا. فلا بدّ من توجيه الرواية بأنّ المراد هو بيان أنّ إعدام المال أولى من صرفه إلى الناصب.

و مقتضى القواعد إنّما هو سقوط الفريضة في مثل هذا الفرض، إذ لا يعقل اعتبار الملكيّة أو الحق- على الخلاف فى المجعول في باب الزكاة، كما تقدّم- لمال، مع عدم وجود من له الملك أو الحقّ، كما هو ظاهر.

(450) بلا خلاف فيه «2»، بل عن غير واحد «3» دعوى الإجماع عليه، و يشهد به

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 5: المستحقّين للزكاة، ح 8.

(2)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 207، ط النجف الأشرف.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 383، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 321

..........

______________________________

الأخبار المستفيضة؛ كمصحّح أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يموت و يترك العيال، أ يعطون من الزكاة؟ قال: «نعم، حتّى ينشئوا، أو يبلغوا و يسألوا، من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم، فقلت: إنّهم لا يعرفون، قال:

يحفظ فيهم ميّتهم و يحبّب إليهم دين أبيهم، فلا يلبثوا أن يهتمّوا بدين أبيهم، و إذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم «4»»، و خبر أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ذريّة الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطي أبوهم، حتّى يبلغوا، فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف أعطوا، و إن نصبوا لم يعطو «5»»، و خبر عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: قلت لأبى الحسن عليه السّلام: رجل مسلم مملوك، و مولاه رجل مسلم، و له مال يزكّيه، و للمملوك ولد حرّ صغير، أ يجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ قال:

«لا بأس به «6»».

بل يمكن القول بجواز الإعطاء- بمقتضى الأدلّة العامّة- فيما إذا كان الطفل بمرتبة من التّمييز بحيث يصدق عليه عنوان «المؤمن»، أو «أهل الولاية» و نحو ذلك، كما لا يخفى.

______________________________

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 6: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- المصدر/ باب 45: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 322

و مجانينهم (451)،

______________________________

(451) قد يفرض الكلام فى المجنون الّذي لم يمسّ جنونه باعتقاديّاته أصلا، و هذا لا إشكال في جواز إعطاءه من الزّكاة، إذا أقرّ بالولاية، لصدق العناوين المأخوذة في موضوع الجواز عليه، كما هو ظاهر. و قد يفرض ذلك

في غيره، و القول بجواز إعطاء هذا القسم من مجانين المؤمنين، كما عن المصنّف قدّس سرّه و غيره «1»- بعد اشتراط الجواز بالإيمان- غير واضح.

و قد يقال: إنّ اشتراط الإيمان إنّما هو فى الموضوع القابل لأن يتصف به و بمقابله، و أمّا المجنون الّذي يكون هو و الجدار سواء، فلا مجال للاشتراط بالإيمان في مثله، فالنصوص الدالّة على اعتباره منصرفة عنه. و لكن يتوجّه عليه أنّ الانصراف بدويّ، فلا يضربا لاطلاق، و إلّا كان لازم ذلك هو جواز اعطاء المجانين مطلقا، من دون تقييد لهم بمجانين المؤمنين.

و ربما يقال: بأنّه إذا كان الإيمان شرطا في جواز دفع الزكاة إليه، كان القول بعدم الجواز فى المجنون في محلّه، و هذا بخلاف ما إذا قلنا بأنّ الكفر و النصب فى الشخص مانع، فإنّه حيث لم يحرز المانع فى المجنون، جاز إعطاء الزكاة له.

و يتوجّه عليه: أنّ ظاهر النصوص الدالّة على اعتبار الإيمان هو الاشتراط.

فلاحظ.

و الإنصاف- كما فى «المستند «2»»-: أنّه إن تمّ الإجماع على جواز الإعطاء

______________________________

(1)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 242، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- النراقي، أحمد بن محمّد مهدي: مستند الشيعة، ج 2: ص 50، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 323

من غير فرق بين الذكر و الأنثى و الخنثى، و لا بين المميّز و غيره (452)؛ إمّا بالتمليك بالدفع إلى وليّهم (453)، و إمّا بالصرف عليهم، مباشرة أو بتوسّط أمين، إن لم يكن لهم وليّ شرعى من الأب و الجدّ و القيّم.

______________________________

للمجانين فهو، و إلّا كان للنظر فى الحكم مجال واسع.

(452) لإطلاق الأدلّة، حتّى و لو كان الدّليل على الحكم فى

البعض- كما فى المجانين- هو الإجماع، كما عرفت، لإطلاق معقد الإجماع. فتأمّل.

(453) أمّا جواز الأمرين: التمليك، و الصرف في باب الزكاة، فهو ممّا لا ينبغى الإشكال فيه، إذ لا دليل على لزوم التمليك، فإنّ المستفاد من الأدلّة هو أن الغرض من تشريع الزكاة هو صرفها في موارده المقرّرة له، من دون خصوصيّة للتمليك في ذلك، كما لا يخفى.

و أمّا اشتراط إذن الوليّ فى الصرف عليهم، فهو ممّا لا دليل عليه، فإنّ المقدار الثابت بالأدلّة إنّما هو عدم ثبوت السلطنة للأطفال على التصرّفات الاعتباريّة، من التمليك و نحوه، فيلزم أن يكون ذلك بإذن الوليّ؛ و أمّا التصرّفات غير الاعتباريّة فلا دليل على اعتبار إذن الوليّ في وقوعها و

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 324

[مسألة 2: يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا]

[مسألة 2]: يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا (454)، و إن كان يحجر عليه بعد ذلك.

______________________________

صدورها، و عليه فالظاهر، أنّه لا ينبغى الإشكال في جواز الصرف عليهم بلا توسّط إذن الوليّ، حيث لا يحتمل الخلاف ظاهرا في جواز إشباع الطفل الجائع- مثلا- من دون حاجة إلى إذن وليّه، كما لا يخفى.

بل يمكن القول بأنّ اشتراط التمليك فى المقام بالدفع إلى خصوص الوليّ ممّا لا دليل عليه، فإنّ حديث «رفع القلم» متكفّل برفع المؤاخذة، المفروض تعميمها إلى المؤاخذة الدنيويّة و الأخرويّة بمقتضى القرائن المذكورة في محلّه، فلا محالة يختصّ المرفوع بالحديث المذكور بما كان من قبيل الالتزامات و التعهدات، و لا يشمل مثل التملك المجّاني، كالهبة أو الزكاة و نحو ذلك، إذ لا تعهّد و لا التزام فى البين و بالنتيجة لا مؤاخذة، لتكون مرفوعة عن الصبيّ بحديث الرّفع.

و على الإجمال، المرفوع بالحديث المذكور إنّما هو التزامات الصبيّ

و تعهداته- أي معاملاته- بمعنى عدم ترتّب الأثر المترقّب عليها، فلا يدلّ حينئذ على عدم صحّة تملّك الطفل بدون إذن الوليّ، كما هو ظاهر.

(454) لقدرته و سلطنته على ذلك، فإنّه محجور بالإضافة إلى تصرّفاته- الاعتباريّة المعامليّة و غير الاعتباريّة- في ما يملكه، و أمّا تملّكه لشي ء، الّذي هو غير داخل في جملة التصرّفات الاعتباريّة- كما عرفت آنفا- فهو غير محجور عليه فيه، و بعد الدخول في ملكه يكون كسائر أمواله، لا محالة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 325

كما أنّه يجوز الصرف عليه من سهم سبيل اللّه (455)، بل من سهم الفقراء- أيضا- على الأظهر من كونه كسائر السّهام، أعم من التمليك و الصّرف.

[مسألة 3: الصبيّ المتولّد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن]

[مسألة 3]: الصبيّ المتولّد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن (456)، خصوصا إذا كان هو الأب.

______________________________

(455) إذا كان ممّن ينطبق عليه العنوان المذكور، بأن كان الصرف عليه داخلا فى جملة المصالح العامة الدينيّة.

(456) بعد اشتراط الإيمان فى المدفوع إليه، فقد يشكل الأمر فى الإلحاق، نظرا إلى عدم الدّليل عليه. و ما قد يقال: من الإلحاق بأشرف الأبوين، إلحاقا للإيمان بالإسلام، فهو من القياس الباطل. و قد يقال: بأنّ اعتبار الإيمان إنّما هو فى الموضوع القابل لأن يتّصف به، و الصبيّ خارج عن ذلك، فلا دليل على اعتبار الإيمان فيه، فيؤخذ بإطلاق ما دلّ على أنّها للفقير. و لكنّه باطل، فإنّ الإطلاق المذكور مقيّد بما دلّ على اعتبار الإيمان، و انصرافه إلى المورد القابل انصراف بدوي لا يعبأ به. و لو لا النص الخاصّ لقلنا بعدم جواز إعطاء الزكاة للصبيّ المتولّد من مؤمنين، لعدم اتّصافه بالإيمان. و التبعيّة فى المقام غير ثابتة، و إنّما هي في باب الإسلام. على

أنّه لو تمّ ذلك لزمّ جواز الإعطاء إلى الصبيّ و لو لم يكن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 326

نعم، لو كان الجدّ مؤمنا و الأب غير مؤمن ففيه إشكال (457)، و الأحوط عدم الإعطاء.

______________________________

أبواه مؤمنين أيضا، كما لا يخفى.

و دعوى أنّ في بعض نصوص جواز إعطاء الزكاة للصبيان، مأخوذ عنوان «المسلم»، كما في خبر أبي خديجة المتقدّم: «ذريّة الرّجل المسلم ...»، مدفوعة بأنّ المراد بالإسلام في هذا المقام إنّما هو الإيمان، و يشهد بذلك قوله عليه السّلام فى الرّاوي:

«يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم ...»، و معلوم أنّ الأب إنّما كان يعطى إذا كان مؤمنا بلا خلاف. هذا مع أنّه لو سلمت الدعوى لزم جواز اعطاء المتولّد من مخالفين أيضا، لصدق عنوان «ذريّة المسلم» حينئذ، مع أنّ أحدا لم يلتزم بذلك.

و الّذي يمكن أن يقال: إنّه فيما أنّه إذا كان الأب مؤمنا، يصدق عليه «ابن المؤمن»، فيشمله النصوص المتقدّمة فى الصبيّ، نظرا إلى أنّ المفروض في موردها إنّما هو إيمان الأب، فجواز إعطاء الصبيّ المتولّد من أب مؤمن إنّما هو بملاحظة النصوص الخاصّة الواردة فى الصبيّ.

و أمّا إذا كانت الأمّ مؤمنة، أو كان الأبوان- معا- غير مؤمنين، فلا دليل على جواز إعطاء الزكاة للمتولّد منهما.

(457) لصدق كونه «ابن المسلم» و «ابن المؤمن» بالاعتبارين، إلّا أنّ الأوّل أظهر.

و لذلك استشكل المصنف قدّس سرّه جواز الإعطاء.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 327

[مسألة 4: لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين- فضلا عن غيرهم- من هذا السهم]

[مسألة 4]: لا يعطى ابن الزنا (458) من المؤمنين- فضلا عن غيرهم- من هذا السهم.

[مسألة 5: لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته]

[مسألة 5]: لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته أعادها (459)،

______________________________

(458) و الوجه فيه هو انصراف النصوص إلى الأولاد الشرعيّين، فإنّ المنصرف إليه ل «ذريّة الرجل المسلم»- كما في خبر أبي خديجة- أو قوله: «و للمملوك ولد حرّ ...»، و قوله: «أن يعطى ابن عبده»- كما في خبر عبد الرحمن بن الحجّاج- هو المنسوب إلى المؤمن على الوجه الشرعي الصّحيح، و لو لا ذلك لما كان هناك وجه للمنع، بعد فرض تكوّنه من المؤمن حقيقة.

و منه يظهر الحال في ابن الزنا من غير المؤمنين، فإنّه لا يجوز إعطاء الزكاة للابن الشرعي من المخالفين و الكافرين، فضلا عن ابن الزّنا، الّذي هو محلّ الإشكال فى المؤمن، كما عرفت.

(459) قال في «المدارك»: «هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا «1»»، بل لعلّه إجماعيّ «2». و يدلّ عليه مصحّح الفضلاء، و صحيح بريد العجلى، المتقدّمان «3».

______________________________

(1)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 242، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 386، ط النجف الأشرف.

(3)- ص 318.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 328

بخلاف الصّلاة و الصوم (460)؛ إذا جاء بهما على و فتى مذهبه (461)، بل و كذا الحجّ، و إن كان قد ترك منه ركنا عندنا (462)، على الأصحّ. نعم، لو كان قد دفع الزكاة إلى المؤمن، ثمّ استبصر أجزأ (463)، و إن كان الأحوط الإعادة أيضا.

______________________________

(460) لما في النصوص المتقدّمة من التصريح بذلك.

(461) لأنّه منصرف النصوص.

(462) لإطلاق النصوص المتقدّمة في عدم وجوب إعادة الحجّ، حتّى و لو

ترك ركنا على مذهبنا.

(463) و ذلك للتعليل فى النصوص المتقدّمة بقوله عليه السّلام: «لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، لأنّها لأهل الولاية»، كما في مصحّح الفضلاء، و قريب منه ما في صحيح بريد، فإنّ ظاهر التعليل اختصاص الحكم المذكور- و هو وجوب إعادة الزكاة- بما إذا دفعها إلى أهل نحلته لا إلى المؤمن، فإنّه على الثاني لم يضعها في غير موضعها على الفرض، و قديما قيل: إنّ العلة معمّمة للحكم تارة، و مخصّصة له

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 329

[مسألة 6: النيّة في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الوليّ]

[مسألة 6]: النيّة في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الوليّ (464)، إذا كان على وجه التمليك، و عند الصرف عليهما إذا كان على وجه الصرف.

[مسألة 7: استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين]

[مسألة 7]: استشكل بعض العلماء (465) في جواز إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين، الّذين لا يعرفون اللّه إلا بهذا اللّفظ، أو النبيّ، أو الأئمّة، كلّا أو بعضا، أو شيئا من المعارف الخمس، و استقرب عدم الإجزاء.

______________________________

أخرى. و عليه فالاحتياط فى المسألة استحبابيّ.

و لعلّ الوجه فيه هو احتمال أن يكون ذلك لبيان الحكمة، لا العلّة، و اللّه العالم.

(464) إذا كانت الزكاة من الأمور العباديّة- كما هو الصّحيح كما يأتي إن شاء اللّه تعالى- اعتبرت القربة في إيتاء الزكاة، و الإيتاء- تارة- يكون بالدفع إذا كان على وجه التمليك، فيعتبر القربة- لا محالة- عند الدفع إلى الوليّ، و أخرى بالصّرف، فيعتبر القربة عنده.

(465) قال فى «الحدائق»: «نعم، يبقى الإشكال في جملة من عوام الشيعة الضعفة العقول، ممّن لا يعرفون اللّه سبحانه إلّا بهذه الترجمة، حتّى لو سئل عنه، من هو؟

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 330

بل ذكر بعض آخر (466): أنّه لا يكفي معرفة الأئمة عليهم السّلام بأسمائهم، بل لا بدّ في كلّ واحد، أن يعرف أنّه من هو؟، و ابن من؟، فيشترط تعيينه و تمييزه عن غيره، و أن يعرف الترتيب في خلافتهم، و لو لم يعلم أنّه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا، يعتبر الفحص عن حاله، و لا يكفى الإقرار الإجماليّ بأنّى مسلم، مؤمن، اثنا عشريّ.

______________________________

لربما قال: محمّد أو عليّ، و لا يعرف الأئمّة عليهم السّلام كمّلا، و لا يعرف شيئا من المعارف الخمس أصلا، فضلا عن التصديق بها. و الظاهر أنّ

مثل هؤلاء لا يحكم بإيمانهم و إن حكم بإسلامهم، و إجراء أحكام الإسلام عليهم فى الدنيا، و أمّا فى الآخرة فهم من المرجئين لأمر اللّه، إمّا يعذّبهم و إمّا يتوب عليهم. و في إعطاء هؤلاء من الزكاة إشكال، لاشتراط ذلك بالإيمان، و هو غير ثابت، و ليس ذلك كالنكاح و الميراث و نحوهما، فإنّ الشرط فيها الإسلام، و هو حاصل. و بالجملة فالأقرب عندي عدم جواز إعطائهم «1»».

(466) قال فى «المستند»- بعد نقل ما اختاره صاحب «الحدائق» رحمه اللّه، المتقدّم ذكره- ما لفظه: «أقول: و هو كذلك، إذ موضع الزكاة من يعرف صاحب هذا الأمر، و من كان من أهل الولاية، و من لم يعرف الأئمّة عليهم السّلام، أو واحدا منهم، أو

______________________________

(1)- البحراني، الشيخ يوسف: الحدائق الناظرة، ج 12: ص 206، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 331

و ما ذكروه مشكل جدّا، بل الأقوى كفاية الإقرار الإجماليّ (467)، و إن لم يعرف أسمائهم- أيضا- فضلا عن أسماء آبائهم، و الترتيب في خلافتهم، لكنّ هذا مع العلم بصدقه في دعواه أنّه من المؤمنين الاثنى عشريّين؛ و أمّا إذا كان بمجرّد الدّعوى، و لم يعلم

______________________________

النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، لا يصدق عليه أنّه يعرف صاحب هذا الأمر، و لا يعلم أنّه من أهل الولاية، و أنّه العارف. بل و كذلك لو عرف الكلّ بأسمائهم فقط، يعني مجرّد اللفظ، و لم يعرف أنّه من هو؟ و ابن من؟، إذ لا يصدق عليه أنّه يعرفه، و لا يتميّز عن غيره. و الحاصل، أنّه يشترط معرفته، بحيث يعيّنه في شخصه، و يميّزه عن غيره، و كذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم.

و لو لم يعلم أنّه هل يعرف ما يلزم معرفته، أم لا؟ فهل يشترط فى الإعطاء الفحص عنه؟ الظاهر: نعم، إذا احتمل في حقّه عدم المعرفة، و لا يكفي الإقرار الإجماليّ بأنّي مسلم، مؤمن، اثنا عشريّ ... «1»».

(467) للسيرة القطعيّة، و لذلك لم يستشكل أحد من القدماء و المتأخرين- عدا من عرفت- في إعطاء الزكاة لضعاف العقول من عامّة المؤمنين، مع أنّ كثيرا منهم لا يعرفون إلّا القليل من أسمائهم و أوصافهم، و ليس ذلك إلّا لأجل صدق العناوين المأخوذة فى النصوص، مثل عنوان «العارف» أو «من أهل الولاية» و نحو ذلك عليهم.

______________________________

(1)- النراقي، أحمد بن محمّد مهدي: مستند الشيعة، ج 2: ص 50، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 332

صدقه و كذبه، فيجب الفحص عنه (468).

______________________________

(468) و في «كشف الغطاء»: «و يكفي في ثبوت وصف الإيمان ادّعاءه، و كونه مندرجا في سلك أهله ... «1»».

و ربّما يستدلّ له بأنّ ذلك ممّا لا يعلم إلّا من قبله، فيجب قبول الدّعوى. و يتوجّه عليه، أنّ الكبرى، و هي حجّية كل دعوى لا يمكن العلم بها إلّا من قبل مدّعيها، غير ثابتة، مضافا إلى منع الصغرى، و أنّ المعرفة بالإيمان أمر ميسّر، إذن فدعوى الإيمان- كغيرها من الدعاوي- لا تقبل إلّا ببيّنة و برهان، فالمتّجه هو وجوب الفحص.

نعم، لا تعتبر العلم بمطابقة الظاهر للباطن، أو بتعبير آخر: إحراز أنّ ما يقرّبه الشخص لسانا هو ما يعتقده و يؤمن به قلبا. قال فى «المستند»: «و لو علمنا أنّه يعرف النبيّ و الأئمّة بأسمائهم الشريفة، و أنسابهم المنيفة، و ترتيبهم، و أقرّ بما يجب الإقرار به في حقّهم، فهل يجب الفحص عن حاله،

أنّه هل هو مجرّد إقرار، أو مذعن بما يعترف به و معتقد له؟ لا يجب، لأنّه خلاف سيرة العلماء ... «2»».

و هو الحقّ، لأنّ الثابت من سيرتهم عليهم السّلام هو المعاملة مع المقطوع بنفاقه، معاملة المؤمن و المسلم، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الشيخ جعفر: كشف الغطاء، ص 355، ط إيران الحجريّة.

(2)- النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 50، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 333

[مسألة 8: لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزّكاة ثمّ تبيّن خلافه]

[مسألة 8]: لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزّكاة ثمّ تبيّن خلافه، فالأقوى عدم الإجزاء (469).

[الثاني: أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم]

اشارة

الثاني: أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم (470) و إغراء بالقبيح (471)، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها فى

______________________________

(469) تقدّم الكلام في نظير المسألة، و هو ما لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كونه غنيّا، ما ينفع فى المقام، فراجع المسألة الثالثة عشرة من الفصل السابق.

(470) و هو يتوقّف على حرمة الإعانة على الإثم كبرويّا، و صدقها على المقام صغرويّا. و الأوّل و إن كان مسلّما به، إلّا أن الثّاني ممنوع منه، فإنّ صدق الإعانة إنّما يكون بأحد أمرين: إمّا الإتيان بآخر مقدّمة للحرام بحيث يترتّب عليها الحرام، و إمّا بالإتيان بالمقدّمة بقصد التّوصل بها إلى الحرام، و مع انتفاء الأمرين لا تصدق الإعانة بالإثم، كما حقّقنا ذلك في البحث عن المكاسب المحرّمة، في مسألة بيع العنب ممّن يعمله خمرا. و عليه ففى المقام، حيث لا يكون إعطاء الزكاة المقدّمة الأخيرة للحرام، كما أنّه ليس بقصد الصرف فى الحرام، فلا موجب للمنع من إعطاء الزكاة في مفروض المسألة، كما لا يخفى.

(471) لا يجوز إعطاء الزكاة إذا كان إغراء بالقبيح قطعا؛ فإذا كان إعطاء الزكاة للغارم- و هو من جملة مصارف الزكاة- ممنوعا منه شرعا إذا كان الدين فى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 334

المعاصي، خصوصا إذا كان تركه ردعا له عنها (472)، و الأقوى عدم اشتراط العدالة (473)،

______________________________

المعصية- كما تقدّم- فكيف يحتمل رضاه بإعطائها لمن يكون ذلك موجبا لإغرائه بالمعصية!، فلا كلام- إذن- في كبرى المسألة، فإن كان هناك كلام ففى الصغرى، و هي صدق الإغراء بالقبيح بمجرّد إعطاء الزكاة له. فتأمل.

(472)

إذا كان ترك إعطاء الزكاة له مصداقا للنهي عن المنكر، وجب عدم الإعطاء، إذ لا فرق في وجوب النهي عن المنكر بين الرفع و الدّفع، فإنّ المستفاد من أدلّته إنّما هو لزوم الحيلولة بين الفعل و فاعله، من دون فرق في ذلك بين الحدوث و البقاء.

(473) كما اعتبرها كثيرون من القدماء «1»، و ظاهر المرتضى «2»، و عن أبى الصّلاح «3»، و ابن إدريس «4»، و ابن البرّاج «5»، و ابن حمزة «6»، و الشيخ «7»،

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 388، ط النجف الأشرف.

(2)- المرتضى، عليّ بن الحسين: جمل العلم و العمل (في ضمن «رسائل الشريف المرتضى»/ المجموعة الثالثة): ص 79، ط قم.

(3)- ابو الصلاح، تقي الدين: الكافي، ص 172، ط مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، أصفهان.

(4)- ابن إدريس، محمّد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 459، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(5)- ابن البرّاج، عبد العزيز: المهذّب، ج 1: ص 169، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(6)- ابن حمزة، محمّد بن علي: الوسيلة، ص 129، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه اللّه، قم.

(7)- الطوسي، الشيخ محمّد حسن: المبسوط، ج 1: ص 247، منشورات المكتبة المرتضويّة،-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 335

..........

______________________________

و ظاهر المفيد «1»، اعتبارها و عن ابن زهرة دعوى الإجماع على ذلك «2»، و هو ظاهر كلام المرتضى رحمه اللّه «3» أيضا.

و فى «الجواهر»: «أكثر المتأخّرين على عدم اعتبارها «4»»، و حكاه فى «الخلاف» عن بعض الأصحاب «5».

و استدلّ للقول الأوّل «6» بالإجماع، و بالاحتياط، و أنّ اليقين ببراءة الذّمة لا تحصل إلّا بذلك، و بما تضمّن النهي- فى الكتاب و السنّة- عن معونة الفسّاق

و العصاة و تقويتهم.

و يتوجّه عليه أمّا الإجماع، فلا يعدو كونه إجماعا منقولا، لا يعتمد عليه.

و أمّا الاحتياط، فلا مجال له، بعد وجود المطلقات- من الآيات و الأخبار- الدالّة على جواز إعطاء الفقراء، المقتصر على تقييدهم بالإيمان فقط ...

و أمّا النهي عن معونة الفسّاق و العصاة، فإنّما هو عمّا يكون إعانة على الإثم و الفسق، و إعطاء الزكاة للفاسق ليسدّ به خلّته إنّما هو إعانة له على نفسه، لا على فسقة و معصيته.

و على الجملة، إطلاق النصوص هو المرجع فى المسألة، هذا، مع أنّ اعتبار ذلك فى الفقير ممّا يوجب سدّ باب إعطاء الزكاة له، إذ لا يوجد- أو قلّ ما

______________________________

- طهران؛ الجمل و العقود، ص 103، ط جامعة مشهد؛ الخلاف، ج 4: ص 224، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ الاقتصاد، ص 282، ط مكتبة جامع چهلستون، طهران.

(1)- المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان: المقنعة: ص 242، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- ابن زهرة، حمزة بن على: غنية النزوع، ص 568، (ضمن «المجموعة الفقهيّة»)، ط إيران الحجريّة.

(3)- المرتضى، عليّ بن الحسين: الانتصار: ص 82، ط النجف الأشرف.

(4)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 389، ط النجف الأشرف.

(5)- الطوسي، الشيخ محمّد حسن: الخلاف، ج 4: ص 224، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(6)- المرتضى، عليّ بن الحسين: الانتصار، ص 82، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 336

و لا عدم ارتكاب الكبائر (474)، و لا عدم كونه شارب الخمر، فيجوز دفعها إلى الفسّاق، و مرتكبي الكبائر، و شاربي الخمر، بعد كونهم فقراء من أهل الإيمان،

______________________________

يوجد- فقير عادل، و هو مناف لتشريع الزكاة لرفع حاجة الفقراء و سدّ خلّتهم.

(474)

قال فى «الجواهر»: «و إن كنّا لم نعرف من حكي عنه هذا القول، إلّا ابن الجنيد، و المرتضى في ظاهره، أو محتمله ... «1»»، قال ابن الجنيد: «لا يجوز إعطاء شارب خمر، أو مقيم على كبيرة، منها شيئا «2»».

و استدلّ له بمضمرة داود الصرمي، قال: سألته عن شارب الخمر، يعطى من الزكاة شيئا، قال: «لا، «3»» بدعوى عدم القول بالفصل بينه و بين سائر الكبائر.

و الرواية ضعيفة سندا، بالإضافة إلى إضمارها، حيث لم يصرّح فيها بالمسئول عنه. على أنّه يمكن القول بأنّ المراد ب «شارب الخمر» الّذي هو مورد السؤال فى الرّواية هو المدمن له، دون من يشربه أحيانا، فإنّ هذا العنوان لا يصدق- عرفا- عليه.

كما أنّ دعوى عدم إعطاءها للمتجاهر بفسقه، بعد ما عرفت من الإطلاقات، غير مسموعة، و إن كان الاحتياط الاستحبابي في محلّه.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 392، ط النجف الأشرف.

(2)- الحلّي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 207، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 17: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 337

و إن كان الأحوط اشتراطها، بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها لشارب الخمر. نعم، يشترط العدالة فى العاملين (475) على الأحوط، و لا يشترط فى المؤلّفة قلوبهم (476)، بل و لا في سهم سبيل اللّه (477)، بل و لا فى الرقاب، و إن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء.

______________________________

(475) اعتبار العدالة فى العاملين هو الأقوى، و قد ادّعى غير واحد «1» الإجماع على ذلك. فإن تسليط الفاسق على مال الفقير- مثلا- غير جائز قطعا. مضافا إلى ما في صحيح بريد

بن معاوية: «فإذا قبضته، فلا توكل به إلا ناصحا، شفيقا، أمينا، حفيظا ... «2»».

(476) فإنّ المؤلّفة قلوبهم- بما تقدّم من المراد بهم- ممّا ينافى اعتبار كلّ من الايمان و العدالة فيهم، فلاحظ.

(477) للإطلاق، الّذي لم يثبت تقييده إلّا في بعض الأصناف.

______________________________

(1)- الشهيد، محمد بن مكي: الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 242، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم- ايران؛ الفيض الكاشاني، محمد محسن: مفاتيح الشرائع، ج 1، ص 208، ط مجمع الذخائر الاسلامية، قم- ايران، ابن فهد، احمد بن محمد: المهذّب البارع، ج 1، ص 535، ط مؤسسة النشر الاسلامي، قم- ايران.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: زكاة الأنعام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 338

[مسألة 9: الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل]

[مسألة 9]: الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل، و الأفضل فالأفضل، و الأحوج فالأحوج (478)، و مع تعارض الجهات يلاحظ الأهم فالأهم، المختلف ذلك بحسب المقامات.

[الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي]

اشارة

الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي، كالأبوين و إن علوا، و الأولاد و إن سفلوا، من الذكور و الإناث، و الزوجة الدائمة الّتي لهم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب

______________________________

(478) فإنّ المستفاد من بعض النصوص هو رجحان ملاحظة الترجيح في إعطاء الزكاة، كخبر عبد اللّه بن عجلان السكوني: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّي ربما قسّمت الشي ء بين أصحابي، أصلهم به، فكيف أعطيهم؟ فقال عليه السّلام: «أعطهم على الهجرة فى الدين، و الفقه، و العقل «1»»، و صحيح ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الزكاة يفضّل بعض من يعطى، ممّن لا يسأل، على غيره؟ فقال عليه السّلام: «نعم، ففضّل الّذي لا يسأل على الّذي يسأل «2»».

و على الإجمال، حيث كان الخيار في إعطاء الزكاة و صرفها إلى المالك، و فهمنا من هذه النصوص رجحان ملاحظة الترجيح فى الجملة، تمّ- حينئذ- ما أفاده قدّس سرّه، و إن لم يكن الترجيح بخصوص الأمور المذكورة مصرّحا به في النصوص.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 25: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 339

الشّرعية، و المملوك، سواء كان آبقا أو مطيعا، فلا يجوز إعطاء زكاته إيّاهم للإنفاق (479).

______________________________

(479) عن غير واحد «1» دعوى الإجماع عليه، و يدلّ عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام؛ قال: خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب، و الأم، و الولد، و المملوك

و المرأة، و ذلك لأنّهم عياله لازمون له «2»»، و خبر إسحاق ابن عمّار، عن أبى الحسن موسى عليه السّلام- في حديث- قال: «قلت: فمن ذا الّذي يلزمني من ذوي قرابتي حتّى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ فقال: أبوك، و أمّك. قلت: أبي و أمّي! قال: الوالدان و الولد «3»».

ثمّ إنّ مقتضى التعليل فى الصحيح: «لأنّهم عياله لازمون له» هو التعدّي من الأب و ألام إلى الأجداد و الجدّات من الطرفين، لعموم العلّة، و كذلك الحال في أولاد الاولاد، إن شككنا في صدق الولد عليهم، لا سيّما في أولاد البنت، و إن كان التشكيك فيه في غير محلّه عندنا، كما لا يخفى. و أمّا المملوك، فلعدم كونه قابلا للتملّك، سواء كان آبقا أم كان مطيعا، فلا محالة يدخل في ملك سيّده، و هو غنيّ.

مضافا إلى النصّ الخاص. ثمّ إنّ هناك ما يعارض الروايتين المتقدّمتين، و

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 394، ط النجف الأشرف؛ العلّامة، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 265، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ تحرير الأحكام، ص 69، ط إيران الحجريّة؛ الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 245، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: المستحقّين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 340

بل و لا للتوسعة (480)، على الأحوط، و إن كان لا يبعد جوازه (481)، إذا لم يكن عنده ما يوسّع به عليهم.

______________________________

سنتعرّض له، مع وجه الجمع بينها، فى الفرع التالي، إن شاء

اللّه تعالى.

ثمّ إنّه قد يتوهّم أنّ هذا الاشتراط على طبق القاعدة، من دون حاجة إلى الاستدلال له بالنصوص الخاصّة، بل إنّه يكفينا في ذلك الأدلّة العامّة الّتي اعتبرت الزكاة للفقراء و المسلمين ... نظرا إلى أنّ وجوب نفقته على المزكّي يكون مخرجا له عن الفقر، فيكون غنيّا «1»، و حينئذ فلا يجوز إعطاء الزكاة إيّاه.

و يندفع ذلك بأنّ مجرّد الحكم التكليفي بوجوب الإنفاق لا يخرج واجب النفقة عن حدّ الفقر إلى الغنى، و عليه فمجرّد وجوب النفقة على المزكّي لا يوجب خروج واجبي النفقة عن حدّ الفقر، كما هو ظاهر.

(480) المراد بالتوسعة الّتي هي من مراتب الإنفاق الواجب، لا التوسعة، بمعنى الزيادة على المقدار المتعارف من الإنفاق، فإنّ إعطاء الزكاة للتوسعة- بهذا المعنى- من سهم الفقراء غير جائز قطعا.

(481) عن الشهيد الثاني رحمه اللّه: جواز اعطاء الزكاة للتوسعة إلى من تجب نفقته على

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 581، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 341

..........

______________________________

المزكّى «1»، و نسب ذلك بعضهم «2» إلى القيل، و حاصل ذلك هو أنّ المزكي إذا لم يكن عنده ما يوسّع به عليهم، كما إذا لم يتمكّن من أزيد من أقلّ الواجب فى الإنفاق، كسدّ الرمق من الطعام بلا إدام، و من الكسوة بمقدار ستر العورة، و نحو ذلك جاز له أن يعطيهم من الزكاة، بمقدار يلحقهم بالمتعارف فى المعيشة.

و الوجه في ذلك هو أنّ الموجود فى المقام طوائف ثلاث من الرّوايات:

الأولى: الروايات المانعة عن اعطاء الزكاة لواجب النفقة، و قد مرّت الإشارة إليها آنفا.

الثانية: مكاتبة عمران بن اسماعيل ابن عمران القمّي، قال: كتبت إلى أبى

الحسن الثالث عليه السّلام: إنّ لي ولدا رجالا و نساء، أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟ فكتب عليه السّلام: إنّ ذلك جائز لك «3»»، و مرسل محمّد بن جزك، قال: سألت الصّادق عليه السّلام: أدفع عشر مالي إلى ولد ابنتي، قال: «نعم، لا بأس «4»».

الثالثة: مصحّح اسحاق بن عمّار: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل له ثمانمائة درهم، و لابن له مأتا درهم، و له عشر من العيال، و هو يقوتهم فيها قوتا شديدا، و ليست له حرفة بيده إنّما يستبضعها، فتغيب عنه الأشهر، ثمّ يأكل من فضلها، أ ترى له- إذا حضرت الزكاة- أن يخرجها من ماله، فيعود بها على عياله يتّسع عليهم بها النفقة؟ قال: «نعم، و لكن يخرج منها الشي ء الدرهم «5»»، و

______________________________

(1)- قال قدّس سرّه: «نعم، يجوز دفعها إليه في توسعته الزائدة على قدر الواجب، بحيث لا يخرج إلى حدّ يتجاوز- عادة- نفقه أمثاله» (مسالك الأفهام، ج 1: ص 423، ط مؤسسة المعارف الإسلاميّة، قم).

(2)- الطباطبائي، السيّد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 178، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: المستحقّين للزكاة، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- المصدر، ج 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 342

..........

______________________________

موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرّجل يكون له ألف درهم يعمل بها، و قد وجب عليه فيها الزكاة، و يكون فضله الّذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم، و لا يسعه لأدمهم، و إنّما هو ما يقوتهم فى الطعام و الكسوة، قال: «فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا، قلّ أو كثر،

فيعطيه بعض من تحلّ له الزكاة، و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله، فليشتر بذلك إدامهم و ما يصلحهم من طعامهم في غير اسراف، و لا يأكل هو منه، فإنّه ربّ فقير أسرف من غنيّ ... «1»»، و نحوهما خبر أبي خديجة «2».

و الظاهر، أنّه لا تعارض بين الطائفتين الأوليين، فإن ما دلّ على عدم جواز الإعطاء إلى واجبي النفقة إنّما هو في فرض فعليّة وجوب النفقة، و هو فرض كون المزكّى قادرا على الإنفاق، و ذلك بقرينة التعليل بقوله عليه السّلام: «لأنّهم عياله لازمون له». و أمّا ما دلّ على الجواز فهو مختصّ- ظاهرا- بفرض عدم قدرته على الإنفاق، و لا أقلّ من إطلاقه، فيتقيد- لا محالة- بالطائفة الأولى، كما هو ظاهر.

و نتيجة ذلك: أنّه- مع عدم التمكّن من الإنفاق بالمقدار المتعارف، بحيث لا يقدر إلّا على الطعام بلا إدام و نحو ذلك- يجوز للمزكّي إعطاء الزكاة إلى من تجب نفقته عليه للتوسعة عليهم.

و أظهر من ذلك، ما إذا كانت التوسعة غير واجبة على المزكّي حتّى مع التمكّن، كما إذا كانت فى الحاجيّات الكمالية دون الضروريّة، فإنّ ذلك غير واجب على المزكّي لعدم دخوله فى النفقة، فلا مانع من إعطاء الزكاة لأجل ذلك،

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: المستحقّين للزكاة، ح 2.

(2)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 343

..........

______________________________

بمقتضى الإطلاقات الأوليّة، و عدم وجود المقيّد له، بعد ما عرفت من اختصاص دليل المنع بموارد وجوب النفقة و لزومها.

و يؤيّد ما ذكرناه، من جواز الإعطاء للتوسعة، الطائفة الثالثة الواردة في زكاة مال التجارة، لا أنّه يستدلّ بها، إذ لا حاجة إلى ذلك بعد الاستدلال

له بما قدّمناه، و عليه فلا مجال للمناقشة فيها «1»: بأن دلالتها على جواز الإعطاء- بل رجحانه- في مورد زكاة مال التجارة، المفروض استحبابها، لا تستلزم الجواز في مورد الزكاة الواجبة، إذ من الممكن أن يكون الوجه في ذلك هو رجحان التوسعة على العيال باعطاء الزكاة لهم استحبابا، و معلوم أنّ هذا غير متمش فى الزكاة الواجبة. و ذلك لعدم الاستدلال بهذه الروايات أصلا، و إنّما نعتمد عليها كمؤيد و مقرّب لما استدللنا به، مضافا إلى ما عرفت سابقا من أنّ الظاهر إنّما هو وجوب زكاة مال التجارة، فلا مجال حينئذ للمناقشة المذكورة أصلا.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من وجه الجمع بين الطائفتين الأوليين أولى ممّا ذكره بعضهم، من حمل رواية عمران بن اسماعيل بن عمران على كون السؤال عن إيصال زكاة الغير إلى من تجب نفقتهم عليه، لا عن إعطاء زكاة مال نفسه إليهم، و حمل مرسل محمّد بن جزك على الاستشارة منه عليه السّلام فى الوصيّة لهم بعشر ماله، لا على السؤال عن إعطاء الزكاة لهم. و ذلك لأنّ كلا الحملين خلاف الظاهر، و لا سيّما الثاني منهما، فإنّه لا مجال لذلك بملاحظة ما هو شأن الإمام الّذي هو بيان الأحكام من الحلال و الحرام، و بملاحظة مضمون الرواية أيضا، كما لا يخفى على المتأمّل.

هذا، و قد يقال بلزوم طرح الروايتين الدالّتين على الجواز، لإعراض المشهور عنهما. و لكنّه لم يثبت إعراضهم عنه، و لذلك تصدّوا للتوجيه بحملهما

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 400، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 344

نعم، يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم (482)، لا

عليه، كالزوجة للوالد، أو الولد، أو المملوك لهما مثلا.

______________________________

على بعض الوجوه غير المنافية للروايات المانعة؛ على أنّ إعراض المشهور- في حدّ نفسه- لا يوجب الوهن فى الرّواية، كما حقّق ذلك في محلّه.

كما أنّه قد يقال بعدم صراحة الروايتين في كون الزكاة من سهم الفقراء، فلعلّها كانت من سائر السهام الّتي لا تنافي مع وجوب النفقة، كسهم سبيل اللّه مثلا. و يتوجّه عليه أنّ ظاهرهما هو كونها من سهم الفقراء، و لا أقل من إطلاقهما بالإضافة إلى سهم الفقراء، كما لا يخفى.

و المتحصّل من ذلك كلّه أنّ الأقوى إنّما هو جواز الإعطاء لواجبي النفقة للتوسعة، إذا لم يكن عنده ما يوسّع به عليهم.

(482) كما صرّح به فى «المدارك «1»»، و اختاره صاحب «الجواهر» قدّس سرّه «2» لإطلاق الأدلّة، و اختصاص دليل المنع بغير ذلك. نعم، قد يتوهّم إطلاقه- أي إطلاق دليل المنع- بالإضافة إلى المقام، بدعوى أنّ ظاهر صحيح ابن الحجاج المتقدّم «3» (خمسة لا يعطون ...) إنّما هو عدم جواز الإعطاء لمن كان أبا أو أمّا، و لو بالنسبة

______________________________

(1)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 246، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

و لكنّه قدّس سرّه فصّل في ذلك بين الزوجة و بين غيرها، قال: «الأصحّ عدم الجواز فى الزوجة، لأنّ نفقتها كالعوض، و الجواز في غيرها ...».

(2)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: صص 398- 399، ط النجف الأشرف.

(3)- ص 339.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 345

[مسألة 10: الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء، و لأجل الفقر]

[مسألة 10]: الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء، و لأجل الفقر، و أمّا من غيره من السهام، كسهم العاملين إذا كان منهم، أو الغارمين، أو المؤلّفة

قلوبهم، أو سبيل اللّه، أو ابن السبيل، أو الرقاب، إذا كان من أحد المذكورات، فلا مانع منه (483).

______________________________

إلى غير المزكّي، فلا يجوز الاعطاء- مثلا- لمن كانت زوجة و لو لغير المزكّي، و هكذا ....

إلّا أنّه توهّم باطل للغاية، فإنّ الظاهر إنّما هو المنع فيما إذا كان المدفوع إليه أب المزكّي، أو أمّه و نحو ذلك، كما يشهد به التعليل فى الذّيل، و إلّا لما جاز إعطاء الزكاة لأحد إلّا نادرا، إذ قلّ من يوجد فى العالم و لا يكون أبا أو أمّا، و نحو ذلك.

(483) بلا إشكال فيه «1» و لا خلاف ظاهرا، بل عن بعضهم «2»: إنّه مقطوع به بين الأصحاب. و الوجه فيه إنّما هو إطلاق الأدلّة، و عدم شمول دليل المنع لذلك، فإنّ مقتضى التعليل- في صحيح ابن الحجّاج، المتقدّم «3»- إنّما هو اختصاص المنع بصورة الإعطاء من سهم الفقراء، و بعنوان الإنفاق، و لا يشمل الإعطاء من

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 405، ط النجف الأشرف.

(2) السبزواري، محمّد باقر: ذخيرة المعاد، ص 459، ط إيران الحجريّة.

(3)- صفحة 339.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 346

[مسألة 11: يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزّكاة من غير من تجب عليه]

[مسألة 11]: يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزّكاة من غير من تجب عليه، إذا لم يكن قادرا (484) على إنفاقه، أو كان قادرا، و لكن لم يكن باذلا (485)؛ و أمّا إذا كان باذلا فيشكل الدفع

______________________________

سائر السّهام أصلا، إذا فرض انطباق عناوينها المأخوذة فى الآية الكريمة على الشخص. مضافا إلى ورود النصّ الخاص في قضاء دين الأب من سهم الغارمين، كحسن زرارة، و موثّق إسحاق بن عمّار المتقدّمين «1»، و كذلك في اشترائه من سهم

الرقاب، كما رواية الوابشي «2». مضافا إلى أنّ إعطاء الزكاة في بعض هذه الموارد- كما فى الرقاب، و الغارمين- إنّما هو من باب الصّرف، دون التمليك، ليتنافى ذلك وجوب النفقة.

(484) كما صرّح به غير واحد من الأصحاب «3»، و يقتضيه إطلاق الأدلّة بلا مقيّد له، فإنّ دليل المنع مقيّد بصورة فعليّة وجوب الإنفاق، و هو فرض القدرة على الإنفاق، كما تقدّم.

(485) الحكم في هذا الفرع يظهر ممّا سنذكره- إن شاء اللّه تعالى- فى الفرع التالي، و هو جواز الإعطاء من الزكاة، مع قدرة المنفق، و بذله.

______________________________

(1)- صفحة 339.

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 19: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(3)- العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 519، ط إيران الحجريّة؛ الشهيد، محمّد بن مكّي: الدروس الشرعيّة، ج 1: ص 242، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 347

إليه، و إن كان فقيرا، كأبناء الأغنياء إذا لم يكن عندهم شي ء (486).

______________________________

(486) المحكيّ من جماعة «1» المنع، لحصول الكفاية، الموجب لصدق الغني. و لإطلاق بعض نصوص المنع من إعطاء واجب النفقة الشامل للمقام، كصحيح ابن الحجاج المتقدّم «2»، و رواية زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال فى الزكاة:

«يعطى منها الأخ، و الأخت، و العمّ، و الخال، و الخالة، و لا يعطى الجدّ و الجدّة «3»».

و التحقيق: أنّ وجوب الإنفاق في غير الزوجة و المملوك لا يزيد على كونه تكليفا في حقّ المنفق، و مجرّد التكليف بذلك مع بذله خارجا لا يكون مخرجا لواجبي النفقة عن الفقر إلى الغنى، كما يشهد به ما لو تبرّع أحد بنفقة شخص، فإنّ ذلك لا يخرجه عن كونه

فقيرا، كما هو ظاهر. و على هذا، فلا مجال لاستشكال جواز دفع الزّكاة إليه، بعد كونه فقيرا عرفا. و قياس هذا بالمالك لقوت سنة بالقوة، كالمحترف و ذي الصنعة، في غير محلّه، فإنّ المراد به هو من يكون مالكا لشي ء يدرّ عليه بمئونة سنته بالتّدريج، و ليس المقام من ذلك.

و على الإجمال، الخارج عن موضوع جواز أخذ الزكاة إنّما هو الغنيّ، الّذي هو عبارة عن المالك لقوت سنته بالفعل، أو بالقوة القريبة؛ كالمحترف و ذى الصنعة، و واجب النفقة- مع فرض قدرة المنفق و بذله- خارج عن ذلك عرفا، بلا اشكال.

______________________________

(1)- الأردبيلي، أحمد: مجمع الفائدة و البرهان، ج 4: ص 178، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- ص 339.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 13: المستحقّين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 348

بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل (487)، بل لا يبعد عدم جوازه مع إمكان إجبار الزوج على

______________________________

نعم، يمكن أن يقال: إنّ مقتضى صحيح ابن الحجاج عن أبى الحسن الأوّل عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته، أ يأخذ من الزكاة، فيوسع به، إن كانوا لا يوسّعون عليه فى كلّ ما يحتاج إليه؟

فقال: «لا بأس «1»،» هو عدم الجواز، بتقريب أنّ المركوز في ذهن السّائل إنّما كان هو عدم الجواز إذا كانوا يقومون بالتوسعة، فلذلك قيّد السؤال بصورة عدم قيامهم بذلك، و الإمام عليه السّلام قد قرّره على ذلك، فتدلّ على أنّه مع قدرة المنفق و بذله يخرج واجبو النفقة عن الفقر عرفا، فلم يجز لهم أخذ الزكاة حينئذ.

و منه يظهر الحال فى

الفرع السّابق، فإنّه إذا كان البذل مخرجا له عن الفقر، فمع امتناع المنفق عنه يجب عليه إجباره على ذلك، مع الإمكان بلا مشقة، فإنّه- على الفرض- متمكّن بقوة قريبة من تحصيل مئونة سنته، فيكون كالمحترف و ذى الصنعة في عدم جواز أخذ الزكاة لهما. نعم، مع عدم إمكان الإجبار، أو مع المشقّة، أو استلزامه لبعض الأمور الّتي تعافه النفوس الكريمة، يجوز له أخذ الزّكاة، و لو قلنا بأنّ البذل يخرجه عن عنوان الفقير، كما هو ظاهر.

(487) فإنّ نفقة الزوجة على الزوج إنّما تكون من قبيل الحقّ المالي، و ليست هي

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: المستحقّين للزكاة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 349

البذل إذا كان ممتنعا منه (488)، بل الأحوط (489) عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم، مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة

______________________________

مجرّد تكليف الزوج شرعا بالإنفاق عليها، كما هو الحال فى الأبوين و الأولاد ...،

فلا محالة تكون الزوجة- بذلك- خارجة عن مصداق الفقير و تكون مصداقا للغنيّ بالقوّة لا محالة، كما لو كان شخص مالكا لمقدار من المال يفى بمئونته في ذمّة أحد و كان باذلا له، فإنّه لا يحتمل فيه القول بجواز أخذه من الزكاة أصلا.

(488) فإنّ الامتناع- مع إمكان الإجبار- لا يوجب انتفاء الغنى بالقوّة، كامتناع المديون مع إمكان إجباره على الأداء. نعم، إذا كان فى الإجبار صعوبة لا يقدم عليها عرفا، كان الامتناع- حينئذ- موجبا لانتفاء الغنى، كما هو ظاهر.

(489) قد يقال: إنّه إذا كان البذل موجبا لصدق الغنى لم يجز دفع الزكاة إليهم للتوسعة كما لم يجز ذلك للإنفاق، و إذا لم يكن موجبا لذلك جاز الدفع

للأمرين معا. و الظّاهر أنّ المراد بالتوسعة فى المقام، إنّما هي في ما لا تجب على المنفق، و عليه فلا مانع من أخذ واجبي النفقة الزكاة لها من غير المنفق، كما تقدّم ذلك في أوّل المسألة. و أمّا التوسعة فيما يجب ذلك على المنفق، أي التوسعة الّتي تكون من مراتب الإنفاق الواجب، فقد مرّ الكلام فيها في فرض عدم قدرة المنفق، أو عدم بذله، فى الأمر الثالث، فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 350

[مسألة 12: يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها]

[مسألة 12]: يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها (490)، سواء كان المعطي هو الزوج أو غيره، و سواء كان للإنفاق أو للتوسعة. و كذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه. نعم، لو وجبت نفقة المتمتّع بها على الزوج- من جهة الشرط، أو نحوه- لا يجوز الدفع إليها، مع يسار الزوج (491).

______________________________

و عليه، فالبذل للتوسعة فيما هو من مراتب الإنفاق الواجب مانع عن جواز إعطاء الزكاة، و أمّا البذل للتوسعة فيما لا يجب على المنفق، فلا مانع من ذلك، فالاعتراض مندفع.

(490) لعدم وجوب نفقة الزوجة غير الدائمة على الزوج، و منه يظهر الحال فى الفرع التالي، و هو جواز الإعطاء إلى الزوجة الدائمة إذا سقط وجوب نفقتها بالشرط و نحوه، لصدق «الفقير» عليها حينئذ.

(491) لكن مجرّد اليسار غير كاف، فيما لو امتنع، و تعذر إجباره عليه، بل لا بدّ من اليسار و البذل، كما لا يخفى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 351

[مسألة 13: يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز]

[مسألة 13]: يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز، لتمكّنها من تحصيلها بتركه (492).

[مسألة 14: يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج]

[مسألة 14]: يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج، و إن أنفقها عليه (493)، و كذا غيرها ممّن تجب نفقته عليه بسبب من

______________________________

(492) الوجه فيه ظاهر، لعدم صدق «الفقير» عليها مع تمكّنها من تحصيل النفقة بترك النشوز فإنّ نفقة الزوجة تكون بمنزلة الحقّ، فهي- إذن- بمثابة المحترف القادر على الكسب، فهى غنيّة بالقوّة، متمكّنة من تركها النشوز اختيارا، و أخذ حقّها بالطاعة فلا يصدق عليها- حينئذ- عنوان «الفقير». قال المحقّق قدّس سرّه فى «المعتبر»: «لا تعطى الزوجة من سهم الفقراء و المسكنة- مطيعة كانت أم عاصية- لتمكّنها من النفقة ... «1»».

(493) لإطلاق الأدلّة، مع عدم المقيّد له، لعدم وجوب نفقة الزوج على زوجته، فلا يكون الزوج عيالا لازما لزوجته كما هو الحال فى العكس، على ما دلّ على ذلك صحيح ابن الحجاج المتقدّم. ثمّ إنّه بعد فرض تملك الزوج الزكاة المدفوعة إليه من قبل زوجته، يكون حال المدفوع إليه حال سائر أملاكه، حيث يجوز له التصرّف فيه كيف شاء، حتّى و لو كان ذلك في نفقة زوجته، أو ولده. و عن ابن بابويه قدّس سرّه

______________________________

(1)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 582، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة؛ ج 2، ص: 352

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 352

الأسباب الخارجيّة (494).

[مسألة 15: إذا عال بأحد تبرّعا جاز له دفع زكاته]

[مسألة 15]: إذا عال بأحد تبرّعا جاز له دفع زكاته (495) له،

______________________________

المنع من ذلك مطلقا «1»، كما عن الإسكافي المنع من جواز الإنفاق عليها و على

ولدها، دون أصل الدفع «2»، و كلاهما غير ظاهر الوجه.

(494) لإطلاق ما دلّ على وجوب اعطاء الزكاة للفقير، مع عدم المقيّد له، لما عرفت.

(495) عليه الإجماع، كما عن «المدارك «3»». و يقتضيه إطلاق الأدلّة. و أمّا رواية أبي خديجة: «لا يعطى الزكاة أحدا ممّن يعول ... «4»»، فمع الغضّ عن ضعف السند، محمولة على واجب النفقة، أو على الاستحباب، لما يستفاد من التعليل في صحيح ابن الحجّاج المتقدّم «5»؛ من كون المانع من دفع الزكاة إنّما هو وجوب النفقة و لزومها عليه، المفروض انتفاء ذلك فى المقام، حيث إنّ العيلولة تبرعيّة.

______________________________

(1)- الصدوق، محمّد بن علي: المقنع، ص 52، ط مؤسسة دار العلم، قم؛ الهداية، ص 43، الطبعة المشار إليها.

(2)- الحلّي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 212، ط مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 248، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 14: المستحقّين للزكاة، ح 6.

(5)- ص 339.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 353

فضلا عن غيره للإنفاق أو للتوسعة، من غير فرق بين القريب الّذي لا تجب نفقته عليه- كالأخ و أولاده، و العمّ و الخال و أولادهم- و بين الأجنبي (496)، و من غير فرق بين كونه وارثا له- لعدم الولد مثلا- و عدمه (497).

[مسألة 16: يستحبّ إعطاء الزكاة للأقارب]

[مسألة 16]: يستحبّ إعطاء الزكاة للأقارب (498)، مع

______________________________

(496) لا خلاف فيه ظاهرا، بل فى «الجواهر «1»» الإجماع عليه بقسميه للإطلاق.

(497) أشار قدّس سرّه بذلك إلى ما عن بعض العامّة «2» من المنع عنه، في فرض كون القريب وارثا، بناء على أنّه على الوارث نفقة المورّث، و هو باطل

قطعا، إذ لم تثبت هذه الكليّة عندنا أصلا، كما هو ظاهر.

(498) في موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبى الحسن موسى عليه السّلام: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضّل بعضهم على بعض، فيأتيني إبّان الزكاة، أ فأعطيهم منها؟ قال: «مستحقّون لها؟» قلت: نعم، قال: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم ... «3»».

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 403، ط النجف الأشرف.

(2)- ابن قدامة، محمّد بن عبد اللّه: المغني، ج 2: ص 512، ط دار الكتاب العربي، بيروت.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 15: المستحقّين للزكاة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 354

حاجتهم و فقرهم، و عدم كونهم ممن تجب نفقتهم عليه، ففى الخبر: أيّ الصّدقة أفضل؟ قال عليه السّلام: على ذى الرحم الكاشح (499).

و في آخر: لا صدقة و ذو رحم محتاج (500).

______________________________

(499) كما في ما رواه السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، أيّ الصدقة أفضل؟ قال: على ذي الرّحم الكاشح «1»» «2».

(500) كما في مرسل الفقيه: قال عليه السّلام: «لا صدقة و ذو رحم محتاج «3»». و يؤيّده رواية «الاحتجاج»، عن الحميرى، عن صاحب الزّمان- عجل اللّه تعالى فرجه- و فيها: «فإن ذهب إلى قول العالم عليه السّلام: لا يقبل اللّه الصدقة و ذو رحم محتاج، فليقسّم ... «4»».

______________________________

(1)- في مجمع البحرين: «الكاشح، هو الّذي يضمر لك العداوة و يطوى عليها كشحه، أي:

باطنه، من قولهم: كشح له بالعداوة، إذا أضمرها له. و إن شئت قلت: هو العدوّ الذي أعرض عنك و ولّاك كشحه» (الطريحي: مجمع البحرين، ج 2: ص 407، ط

المكتبة المرتضويّة، طهران).

(2)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 20: الصدقة، ح 1.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 355

[مسألة 17: يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج]

[مسألة 17]: يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج (501)، و كذا العكس.

[مسألة 18: يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده، للإنفاق على زوجته أو خادمه]

[مسألة 18]: يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده، للإنفاق على زوجته أو خادمه، من سهم الفقراء (502)، كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلميّة، من سهم سبيل اللّه (503).

[مسألة 19: لا فرق- في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه- بين أن يكون قادرا على إنفاقه، أو عاجزا]

[مسألة 19]: لا فرق- في عدم جواز دفع الزكاة إلى من

______________________________

(501) لعدم كون ذلك من النفقة الواجبة، فيكون الإعطاء لهذا الأمر جائزا بمقتضى الإطلاق.

(502) لعدم دخولهم فى واجبي النفقة، فيجوز الإعطاء لهم من الزكاة، بمقتضى الإطلاق.

(503) و الوجه فيه ظاهر، بناء على ما تقدّم، من أنّ المانع في واجبي النفقة إنّما هو في إعطائهم من خصوص سهم الفقراء، لا من سائر السّهام، فيجوز له الدفع إليه من سهم سبيل اللّه لشراء الكتب العلميّة، بناء على كونها من مصاديق سبيل اللّه، كما مرّت الإشارة إليه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 356

تجب نفقته عليه- بين أن يكون قادرا على إنفاقه، أو عاجزا (504)؛ كما لا فرق بين أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السّهام (505)، فلا يجوز الإنفاق عليهم من سهم سبيل اللّه أيضا، و

______________________________

(504) لا وجه للمنع في فرض العجز عن الإنفاق، فإنّ المانع منه- كما يستفاد من التعليل في صحيح ابن الحجّاج المتقدّم «1»- إنّما هو وجوب النفقة و لزومها عليه، و من المعلوم أنّ ذلك مشروط بالقدرة، فمع العجز عنه يسقط الوجوب لا محالة، فلا يصدق التعليل المذكور في حقّه، و حينئذ فلا موجب للمنع من إعطاء الزكاة إلى من كان تجب نفقته عليه على فرض القدرة. و قد عرفت فيما تقدّم أنّ ما دلّ على جواز الإعطاء إلى واجبي النفقة إمّا هو مختص بصورة عجز المنفق، أو محمول عليها، بمقتضى حمل المطلق على المقيّد، فلاحظ.

(505) مع

انطباق عناوين سائر السّهام عليهم، لا موجب للمنع عن إعطائهم من سائر السّهام، للإطلاق، و فرض اختصاص المقيّد- و هي النصوص المانعة عن إعطاء الزكاة لواجبي النفقة- بالإعطاء من سهم الفقراء، لكن ذلك لا يوجب سقوط وجوب النفقة عنه، و هذا هو المراد من قوله قدّس سرّه: «فلا يجوز الإنفاق عليهم ...».

______________________________

(1)- ص 337.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 357

إن كان يجوز لغير الإنفاق. و كذا لا فرق- على الظّاهر الأحوط- بين إتمام ما يجب عليه، و بين إعطاء تمامه (506)، و إن حكي عن جماعة أنّه لو عجز عن إنفاق تمام ما يجب عليه جاز له إعطاء البقيّة، كما لو عجز عن إكسائهم، أو عن إدامهم، لإطلاق بعض الأخبار الواردة فى التوسعة، بدعوى شمولها للتتمّة، لأنّها- أيضا- نوع من التوسعة، لكنّه مشكل، فلا يترك الاحتياط بترك الإعطاء.

______________________________

نعم، في من تجب نفقته على المزكّي بملاك الفقر، فإنّه بإعطائهم الزكاة من سائر السهام المنطبقة عليهم يرتفع فقرهم لا محالة، فيسقط عن المزكّي- حينئذ- وجوب النفقة، لا في مثل الزوجة، حيث لا يعتبر في وجوب نفقتها على زوجها فقرها، فإذا أعطاها من سائر السهام المنطبقة عليها، لم يغن ذلك عن الإنفاق الواجب عليه، بل تجب نفقتها على زوجها بعد ذلك أيضا، كما هو ظاهر.

(506) حاصل كلام المصنّف قدّس سرّه، هو: أنّه لا فرق- في عدم جواز إعطاء الزكاة إلى واجب النفقة- بين إعطاء تمام النفقة من الزكاة، و بين إتمامها بالزكاة. نعم، حكي عن جماعة «1»: أنّ المنفق إذا عجز عن تمام النفقة الواجبة جاز له إعطاء البقيّة من الزكاة، تمسّكا بإطلاق ما دلّ على جواز إعطاء المنفق للتوسعة، فإنّ إتمام الباقي

______________________________

(1)-

النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 51، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 358

..........

______________________________

- أيضا- نوع توسعة. ثمّ استشكل قدّس سرّه الوجه المذكور، نظرا إلى أنّ التوسعة إنّما تكون فى المقدار الزائد على المئونة، فلا يصدق على التتمّة التوسعة عرفا، فإذا جاز الإعطاء للتوسعة لم يكن معنى ذلك جواز إعطاء التتمّة أيضا. ثمّ احتاط أخيرا فى المسألة بترك الإعطاء.

و في كلامه قدّس سرّه مواضع للنظر، أمّا:

أوّلا: فلما عرفت سابقا، من جواز إعطاء التتمّة من الزكاة مع فرض عجز المنفق، و قد عرفت الوجه فيه هناك أيضا.

و ثانيا: إنّ ما استدل به الجماعة لما ذهبوا إليه، من جواز إعطاء التتمّة من الزكاة عند عجز المنفق، ليس هو الاطلاق، و إنّما هو النصوص «1» الصريحة في عجز المنفق، كما يلاحظه المتأمل في مصحّح إسحاق بن عمار، و موثق سماعة المتقدّمين «2».

نعم، صحيح ابن الحجّاج، عن أبى الحسن الأوّل عليه السّلام، قال: سألته عن الرّجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته، أ يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه؟ فقال: «لا بأس «3»،» وارد بعنوان التوسعة، كما لا يخفى.

و ثالثا: إنّ المنع عن صدق التوسعة على التتمّة في غير محلّه، لإطلاق ذلك عليها في مصحّح إسحاق بن عمار المتقدّم «4»، فلاحظ.

______________________________

(1)- النراقي، أحمد: مستند الشيعة، ج 2: ص 51، ط إيران الحجريّة.

(2)- صفحة 221- 226.

(3)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 11: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(4)- ص 226.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 359

[مسألة 20: يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير]

[مسألة 20]: يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير (507)، إذا لم

يكن ذلك الغير باذلا لنفقته، إمّا لفقره أو لغيره، سواء كان العبد آبقا (508) أو مطيعا.

[الرابع: أن لا يكون هاشميّا]

اشارة

الرابع: أن لا يكون هاشميّا، إذا كانت الزكاة من غيره، مع عدم الاضطرار (509).

______________________________

(507) أمّا مع الفقر، فلعدم وجوب النفقة عليه حينئذ، فيجوز الصرف من الزكاة على المملوك لأجل نفقته؛ و أمّا إذا لم يكن عدم البذل لجهة الفقر، فلعدم خروجه عن الفقر بمجرّد وجوب نفقته على مولاه، إذ ليس ذلك حقّ مالي على مولاه، كالزوجة بالنسبة إلى زوجها، بل حكمه حكم الحيوانات المملوكة، كما لا يخفى.

(508) إذا كان عدم البذل لأجل إباقه، فبما أنّ العبد قادر- بتركه الإباق- على مقدّمة قريبة لحصول النفقة، فلا محالة يكون حكمه حكم المحترف القادر على تحصيل نفقته، و حينئذ يشكل دفع الزكاة إليه للإنفاق.

(509) في «جواهر الكلام «1»»: «بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين، بل و بين

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 407، ط النجف الأشرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 360

..........

______________________________

المسلمين «1» بل الإجماع عليه بقسميه عليه، بل المحكيّ منهما متواتر «2»، كالنّصوص الّتي اعترف غير واحد «3» بكونها كذلك، و ممّا يدلّ على ذلك صحيح عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فسألوه أن يستعملهم على الصدقات المواشي، و قالوا: يكون لنا هذا السهم الّذي جعل اللّه تعالى للعاملين عليها، فنحن أولى به، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

يا بني عبد المطلب (هاشم)، إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم، و لكنّي وعدت الشفاعة ...- إلى أن قال:- أ تروني مؤثرا عليكم

غيركم «4»»، و مصحّح الفضلاء، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام، قالا: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إنّ الصدقة أوساخ أيدي النّاس، و إنّ اللّه قد حرّم عليّ منها و من غيرها ما قد حرّمه، و إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب «5»»، و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،

______________________________

(1)- ابن قدامة، محمّد بن عبد اللّه: المغني، ج 2: ص 655، ط دار الكتاب العربي، بيروت؛ ابن حزم، عليّ بن أحمد: المحلّى، ج 6: ص 146؛ الشوكاني، محمّد: نيل الأوطار، ج 4: ص 240؛ الكاساني، أبو بكر: بدائع الصنائع، ج 2: ص 49.

(2)- المرتضى، علي بن الحسين: الانتصار: ص 84، ط النجف الأشرف؛ المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 583، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام، قم؛ ابن فهد، أحمد بن محمّد: المهذب البارع، ج 1: ص 536، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 5: ص 268، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ منتهى المطلب، ج 1: ص 524، ط إيران الحجريّة؛ الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الاحكام، ج 5:

ص 250، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ الطباطبائي، السيّد علي: رياض المسائل، ج 5، ص 181، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(3)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 250، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ الطباطبائي، السيّد علي: رياض المسائل، ج 5: ص 181، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ البحراني: الشيخ يوسف: الحدائق الناضرة، ج 12: ص 215، ط النجف الأشرف.

(4)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 29: المستحقّين للزكاة،

ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 361

و لا فرق بين سهم الفقراء و غيره من سائر السّهام، حتّى سهم العاملين و سبيل اللّه (510).

______________________________

قال: «لا تحلّ الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم «1»»، و خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصدقة الّتي حرّمت على بني هاشم، ما هي؟ فقال: «هي الزكاة،» قلت: أ فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال: «نعم، «2»».

(510) المعروف هو ذلك، و يدلّ عليه صحيح عيص بن القاسم المتقدّم. نعم، في خصوص سهم سبيل اللّه ينبغى التفصيل بين ما إذا كان المصرف- فى الحقيقة- هي الجهة و كان الشخص بمنزلة الأجير، فالظاهر عدم الإشكال في جواز إعطائه من زكاة غير الهاشمي، كالبنّاء الهاشمي الّذي يستأجر لبناء المسجد، إذا كان ما يصرف على البناء من سهم سبيل اللّه، إذ لا يظنّ بأحد استشكال ذلك، و بين ما لا يكون كذلك، كما إذا دفع من سهم سبيل اللّه إلى الهاشمي ليقوم بارشاد العوام- مثلا- إلى وظائفهم و أحكامهم الشرعيّة، مع عدم قيامه بذلك لو لا إعطائه منه، فإنّ هذا- فى الحقيقة- هو الّذي صار مصرفا للزكاة، فيصدق عليه أنّ زكاة غير الهاشمي صار حلالا للهاشمي، فيشمله دليل المنع (إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم) و عليه فإطلاق المنع من سهم سبيل اللّه- كما عن المنصّف قدّس سرّه- لا وجه له.

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 29: المستحقّين للزكاة، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 32: المستحقّين للزكاة، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 362

نعم، لا بأس (511) بتصرّفه

في الخانات و المدارس و سائر الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل اللّه. أمّا زكاة الهاشمي فلا بأس بأخذها له (512)، من غير فرق بين السّهام أيضا، حتّى سهم العاملين، فيجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم.

______________________________

(511) و الوجه في ذلك إنّما هو قيام السّيرة على تصرّفهم في ذلك كتصرّف غيرهم، من دون فحص عن أنّ الصّارف على ذلك من سهم سبيل اللّه، هل كان هاشميّا أو لا.

(512) المسألة ممّا أدّعي عليها الإجماع، و النّصوص الواردة فيها مستفيضة «1»؛ منها: خبر اسماعيل بن الفضل الهاشمي المتقدّم «2»، و حينئذ فلا ينظر إلى سندها بعد استفاضتها، على أنّ فيها ما لا بأس بسنده، كصحيح إسماعيل بن الفضل الهاشمي المتقدّم، لكن بطريق الكليني رحمه اللّه، فقد رواه عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن الهاشمي، و كلّهم ثقات، فإنّ من البعيد جدّا أن لا يكون واحد ممن عبّر عنهم ب «غير واحد» الّذي يطلق على اثنين فما فوق، غير موثق. نعم، في طريق الشيخ، القاسم بن محمّد، و هو مشترك بين الموثق و غيره.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 407، ط النجف الأشرف.

(2)- صفحة 254.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 363

و كذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشمي له، مع الاضطرار إليها (513)، و عدم كفاية الخمس، و سائر الوجوه؛

______________________________

و مثل ما رواه الشيخ قدّس سرّه- أيضا- بإسناده إلى ابن فضّال، عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: صدقات بني هاشم بعضهم على بعضهم تحلّ لهم، فقال: «نعم، إنّ صدقة الرسول صلى اللّه عليه و

آله تحلّ لجميع الناس، من بني هاشم و غيرهم، و صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم، و لا تحلّ لهم صدقات إنسان غريب «1»»، بناء على تصحيح طريق الشيخ إلى ابن فضّال، كما هو المعروف. و مقتضى اطلاق هذه النصوص هو عدم الفرق بين السّهام.

(513) لا إشكال و لا خلاف في جواز أخذ الهاشمى زكاة غيره- فى الجملة- عند الاضطرار، بل ادّعي الإجماع عليه، صريحا «2» و ظاهرا «3»، و يشهد له موثق زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطّلبي إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم»، ثمّ قال: «إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة، و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم، إلّا

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 32: المستحقّين للزكاة، ح 6.

(2)- الطوسي، محمّد حسن: الخلاف، ج 4: ص 232، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ المرتضى، عليّ بن الحسين: الانتصار: ص 85، ط النجف الأشرف؛ ابن زهرة، حمزة بن عليّ: غنية النزوع (ضمن «الجوامع الفقهيّة»): ص 506، ط إيران الحجريّة.

(3)- العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 526؛ تذكرة الفقهاء، ج 5:

ص 269، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ ابن ادريس؛ محمّد بن منصور: السرائر، ج 1:

ص 461، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 364

..........

______________________________

أن لا يجد شيئا و يكون ممّن يحلّ له الميتة «1»».

إنّما الكلام في الاضطرار المسوّغ لأخذ الزّكاة، فالمصرّح به في كلام جماعة، بل هو المشهور- كما يظهر ذلك لمن لاحظ كلماتهم- إنّه عبارة عن عدم

التمكّن من الخمس. و استدلّ بعضهم لذلك ببعض الوجوه الاستحسانيّة، مضافا إلى الإجماع.

قال السيّد قدّس سرّه فى «الانتصار»: «و ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ الصدقة إنّما تحرم على بني هاشم إذا تمكّنوا من الخمس الّذي جعل لهم عوضا عن الصدقة، فإذا حرموه حلّت الصدقة لهم، و باقى الفقهاء يخالفون في ذلك، دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردّد، و يقوّى هذا المذهب بظاهر الأخبار بأنّ اللّه تعالى حرّم الصدقة على بني هاشم و عوّضهم بالخمس عنها، فإذا سقط ما عوّضوا به لم تحرم عليهم الصدقة ... «2»»، و قال فى «المعتبر» بعد كلام له: «لنا: إنّ المنع إنّما هو لاستغنائهم بأوفر المالين، فمع تعذره يحلّ لهم الآخر ... «3»». و مقتضى كلام هؤلاء إنّما هو جواز الأخذ بمجرّد عدم التمكّن من خصوص الخمس، أو عدم الاكتفاء به، دون سائر الوجوه- كالزكاة مثلا- إلّا أنّه لا ينبغى الشك في ضعف ما استدلّوا به لذلك.

فإنّ الإجماع- مع استدلال غير واحد فى المسألة ببعض الوجوه الاستحسانيّة- ممّا لا يطمئن بكونه إجماعا تعبديّا؛ كما أن الشهرة- بنفسها- لا تكون دليلا على الحكم، و أمّا الوجوه الاستحسانيّة- ممّا مرّت الإشارة إلى بعضها- فهي قاصرة عن إثبات الحكم بنفسها كليّة، كما لا يخفى، و على هذا

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 32: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(2) المرتضى، عليّ بن الحسين: الانتصار، ص 85، ط النجف الأشرف.

(3)- المحقّق، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 586، ط مؤسسة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 365

..........

______________________________

فالمتّبع إنّما هو الموثّق المتقدّم.

و حينئذ فقد يقال: إنّ مورد الاستدلال فيه إنّما هو

الصدر إلى قوله عليه السّلام: «ما كان فيه سعتهم ...»، و أنّ الكلام بعد ذلك كان كلاما منفصلا عن الأوّل، صدر لأمر ما، و ليس المقصود منه تقييد الصدر بصورة الضرورة، و معلوم أنّ الصدر لا يدلّ إلّا على جواز أخذ الزكاة مع عدم التمكّن من الخمس.

و لكن لا يخفى ما فيه، فإنّا لا نعرف وجها للاستدلال بالصّدر، فإنّ الظاهر أنّ صدر الرواية بصدد بيان كفاية الخمس لحاجات الهاشميين، لو أنّ الناس اتّبعوا طريق العدل، و امتثلوا هذا الواجب، فهو ناظر إلى أنّه- في مقام تشريع الخمس- قد أخذ حاجات الهاشميين بعين الاعتبار، فشرع لهم فى الأموال ما يكفيهم و يكون فيه سعتهم، بحيث لا يحتاجون بعد ذلك الى شي ء، و هذا لا ربط له بجواز الأخذ من الزكاة عند عدم التمكّن من الخمس.

نعم، الّذي يمكن الاستدلال به للمقام إنّما هو ذيل الرّواية، و هو يدلّ على أنّ الزكاة لا تحلّ لهم إلّا إذا بلغت الحاجة بهم إلى حلّ أكل الميتة لهم، فحليّة أخذ الزّكاة إنّما تكون عند الاضطرار بحدّ يجوز أكل الميتة فيه، لا مجرّد عدم التمكّن من الخمس، بل و من سائر الوجوه أيضا، بحيث لا يتمكّن من سدّ الرمق بالخمس و لا بغيره من الوجوه، كما اختاره المصنّف قدّس سرّه أيضا.

و ما يقال: من أنّ هذا في غنى عن البيان، فإنّ حلّية الشي ء عند الاضطرار من الواضحات، لقوله عليه السّلام: «ما من شي ء حرّمه اللّه إلّا و أحلّه في حال الضرورة «1»»، فلا يجوز حمل الرواية عليه، مدفوع بالفرق بين الحلّية فى خصوص المقام، و الحلّية بملاك الاضطرار في سائر الموارد:

______________________________

(1)- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 12: الإيمان، ح

18.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 366

و لكن الأحوط- حينئذ- الاقتصار على قدر الضرورة يوما فيوما، مع الإمكان (514)

______________________________

و بكلمة أخرى: بحسب مقام الثبوت، يتصوّر الحلّية عند الاضطرار على نحوين:

الأوّل: الحلّية مع الضّمان فيما إذا كان الشي ء المتصرّف فيه اضطرارا مال الغير.

الثانى: مع عدم الضّمان، و ما لا يحتاج إلى البيان إنّما هو خصوص الأوّل دون الثانى. و الظاهر دلالة الخبر على الحلّية بالمعنى الثاني، بحيث لا يكون الهاشمي ضامنا للزكاة عند ارتفاع الضرورة.

و عليه فلا قصور في دلالة الخبر؛ إلّا أنّه بملاحظة الشهرة، بل دعوى الإجماع على الخلاف، منضما إلى الوجوه الاستحسانيّة المتقدّم ذكرها، يكون الفتوى بمفاد الخبر مشكلا، فالأحوط- وجوبا- هو ما دلّ عليه الخبر، و اللّه العالم.

(514) نسب ذلك إلى ابن فهد «1» و غيره «2»، و عن بعضهم «3» تقييد ذلك بما إذا

______________________________

(1)- ابن فهد، أحمد بن محمّد: المهذّب البارع، ج 1: ص 536، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

و لكنّه قدّس سرّه اعتبره أحوط.

(2)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 163؛ السيوري، مقداد بن عبد اللّه: التنقيح الرّائع، ج 1: صص 325- 326، ط مكتبة آية اللّه المرعشي طاب ثراه، قم؛ العلّامة، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 1: ص 526، ط إيران الحجريّة.

(3)- النجفي، الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام، ج 15: ص 411، ط النجف الأشرف. ناسبا-

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 367

..........

______________________________

لم يتوقّع ضرر الحاجة إن لم يدفع إليه ما يكمل قوت السنة، و عن ثالث «1» إنّه يأخذ كفاية السنة، إلّا أن يرجى حصول الخمس فى الأثناء، و هناك أقوال أخر.

إلّا

ان الّذي يمكن استفادته من الخبر المتقدّم، إنّما هو جواز إعطائه بالمقدار الّذي يجوز لغير الهاشمي من كونه بمقدار مئونة سنته، أو بحدّ الإغناء، على الخلاف. و ذلك فإنّ قوله عليه السّلام: «... و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن يجد شيئا و يكون ممّن يحلّ له الميتة» إنّما يدلّ- بمقتضى المفهوم- على أنّه- على تقدير عدم وجدانه شيئا- تحلّ له الصّدقة، بالنحو الّذي دلّت عليه الآية الكريمة: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ- الآية.

و بكلمة أخرى: ظاهر هذه الجملة إنّما هو ارتفاع المانع عن ثبوت الحلّية المستفادة من الآية الكريمة للهاشمي بالاضطرار، فإذا أثبتنا- و لو بضميمة النصوص الخاصّة- على أنّ المقدار الّذي يحلّ للفقراء إنّما هو مقدار خاص، كمئونة السنة أو أكثر- على الخلاف المتقدّم- ثبت ذلك للهاشمي أيضا.

نعم، لو أنّه عليه السّلام كان كرّر الحكم ثانيا، فقال كما يلي: «و يكون ممّن يحلّ له الميتة، فتحلّ له الصدقة» لكان ظاهرا في أنّ الحلّية الثابتة للزكاة إنّما هي من سنخ الحلّية الثابتة للميتة المقدّرة بمقدار الضرورة، لا تلك الحلّية المستفادة من آية الصدقة، إلّا أنّ عدم تكرار الحكم فى الخبر، و الاكتفاء في مقام البيان بمفهوم قوله:

«و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد ...» ظاهر في خلاف ذلك، كما تقدّم.

و عليه، فالظاهر هو جواز إعطائه بمقدار مئونة سنته، بناء على المختار من عدم جواز إعطاء الفقير أكثر من ذلك، كما مرّ.

______________________________

- إيّاه إلى المحقّق الثاني رحمه اللّه في حاشيته على كتاب «شرائع الاسلام» و «الإرشاد».

(1)- المحقّق الثاني، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: صص 33- 34، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص:

368

[مسألة 21: المحرّم من صدقات غير الهاشمى عليه انما هو زكاة المال الواجبة]

[مسألة 21]: المحرّم من صدقات غير الهاشمى عليه انما هو زكاة المال الواجبة (515).

______________________________

(515) كما هو مذهب جماعة، منهم العلّامة فى «القواعد «1»»، و المحقّق الثاني فى «جامع المقاصد «2»» و الشهيد الثاني فى «الروضة» و «المسالك «3»»، و صاحب المدارك «4». و نسب إلى آخرين، منهم السيّد «5»، و الشيخ «6»، و المحقّق «7»، و العلّامة في جملة من كتبه «8»: القول بعموم الحكم لمطلق الصدقة الواجبة.

و الّذي ينبغى أن يقال: إنّ النصوص الواردة في هذا المقام على طوائف ثلاث:

الأولى: ما دلّت على حرمة الصدقة على بني هاشم بقول مطلق؛ كقوله عليه السّلام

______________________________

(1)- العلّامة، الحسن بن يوسف: قواعد الأحكام، ج 1: ص 351، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

(2)- المحقّق الثاني، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 33، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم.

(3)- الشهيد الثاني، زين الدين: الروضة البهيّة، ج 1: ص 174، ط إيران الحجريّة، سنة 1322 ق؛ مسالك الأفهام، ج 1: ص 424، ط مؤسسة المعارف الإسلاميّة، قم.

(4)- الموسوي، السيّد محمّد: مدارك الأحكام، ج 5: ص 255، ط مؤسسة آل بيت عليهم السّلام، قم.

(5)- المرتضى، عليّ بن الحسين: الانتصار، ص 85، ط النجف الأشرف.

(6)- الطوسي، محمّد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 259، ط المكتبة المرتضويّة، طهران.

(7)- المحقّق، جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام/ تحقيق: عبد الحسين محمّد علي، ج 1: ص 164.

(8)- العلّامة، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 3: ص 218، ط مؤسسة النشر الإسلامي، قم؛ تذكرة الفقهاء: ج 5، ص 268، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، قم؛ منتهى المطلب: ج 1، ص 524، ط إيران الحجريّة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2،

ص: 369

..........

______________________________

في صحيح عيص المتقدّم «1»، و في مصحّح الفضلاء المتقدّم «2» أيضا، و في صحيح ابن سنان المتقدّم «3»، و غير ذلك كما يلاحظه المراجع في «وسائل الشيعة» (باب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة).

الثانية: ما دلّت على الجواز بقول مطلق، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنّه قال: «لو حرمت علينا الصدقة لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكّة، لأنّ كلّ ماء بين مكّة و المدينة فهو صدقة «4»».

الثالثة: الروايات المفصّلة، كخبر زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

سألته عن الصدقة الّتي حرّمت عليهم؟ فقال: «هي الزكاة المفروضة، و لم يحرّم علينا صدقة بعضنا على بعض «5»»، و خبر اسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصدقة الّتي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال:

«هي الزكاة ... «6»»، و مصحّح جعفر بن ابراهيم الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟ فقال: «إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا، فأمّا غير ذلك فليس به بأس، و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكّة؛ هذه المياه عامّتها صدقة «7»».

و لا شكّ في أنّه لو كانت روايتا زيد الشحام و إسماعيل بن الفضل الهاشمي معتبرتين سندا لصارتا شاهد جمع بين الطائفتين المطلقتين، غير أنّ ضعف سنديهما

______________________________

(1)- ص 360.

(2)- ص 360.

(3)- ص 361.

(4)- الحرّ العاملى، محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة/ باب 31: المستحقّين للزكاة، ح 1.

(5)- المصدر/ باب 32: المستحقّين للزكاة، ح 4.

(6)- المصدر، ح 5.

(7)- المصدر/ باب 31: المستحقّين للزكاة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 370

..........

______________________________

مانع

عن ذلك، و أمّا مصحّح جعفر بن إبراهيم الهاشمي، فقد يقال «1» في وجه اختصاصه بالزّكاة: إنّ قوله عليه السّلام: «إنّما تلك الصدقة الواجبة على النّاس ...»

ظاهر فى الاختصاص بالزكاة، فإنّها الواجبة بقول مطلق، فكأنّها واجبة على جميع النّاس، بخلاف مثل الكفّارات، فإنّ وجوبها عند أسبابها الخاصّة ممّا يجعلها من الواجبة على نوع خاص من الناس لا جميعهم.

و لكن يمكن الخروج عنه بأنّ الجهة المسوق لها الكلام في الرواية إنّما هي التفصيل بين الواجب و غيره، و أمّا إضافة الواجب إلى النّاس فالظاهر عدم العناية بها أصلا، و إنّما جي ء بها فى الذكر استطرادا، لأجل عدم دخل ذلك في مورد الكلام، و عليه فلا يمكن استظهار الاختصاص بالزكاة من ملاحظة إضافة الوجوب- فى الخبر- إلى جميع النّاس، بعد فرض عدم كون هذه الإضافة منظورا إليها أصلا، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه قد يقال «2»: إنّه على فرض التسليم بعموم الرواية للصدقة الواجبة فالظاهر خروج المنذورة، و الموصى بها، و الصدقة بمجهول المالك، و نحوها، ممّا لم يتعلّق الوجوب فيه بالصدقة، و إنّما تعلّق بعنوان اخر، و كانت الصدقة بعنوانها موضوعا للأمر الندبي لا غير، فانّ الوجوب فى الصدقة المنذورة تعلّق بالوفاء بالنذر، و فى الموصى بها بالعمل على الوصيّة، و في مجهول المالك بالنيابة عن المالك، و عنوان الصدقة- في هذه الموارد- ليس إلّا موضوعا للأمر الندبيّ، و لذلك يقصد في مقام التقرب الأمر النّدبي المتعلّق بعنوان الصدقة، حتّى في مجهول

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 308، ط الثالثة، النجف الأشرف.

(2)- المصدر، ص 309.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 371

و زكاة الفطرة (516). و أمّا الزكاة

المندوبة- و لو زكاة مال التجارة- و سائر الصدقات المندوبة فليست محرمه عليه، بل لا تحرم الصدقات الواجبة- ما عدا الزكاتين- عليه أيضا؛ كالصدقات المنذورة، و الموصى بها للفقراء، و الكفّارات، و نحوها كالمظالم إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميين، و أمّا إذا كان المالك المجهول الّذي يدفع عنه الصدقة هاشميّا فلا إشكال أصلا، و لكن الأحوط

______________________________

المالك، و لأجل ذلك كان هذا نحوا من الإيصال إليه.

و لكن لا يخفى أنّ مرجع هذه الدّعوى إلى الانصراف، و دعوى الانصراف من الدعاوي الّتي لا مئونة فيها إثباتا و نفيا في كثير من الموارد.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ مصحّح الهاشمي، بملاحظة ما قيل فيه ممّا تقدّم، بضميمة خبري زيد الشحام و اسماعيل، و ملاحظه فتوى جماعة من الأعلام- قدّس اللّه أسرارهم- على طبق ذلك، ممّا يوجب قوة الظن باختصاص الصدقة الممنوع منها بالزكاة. و لا سيّما و أنّ خبر اسماعيل قد روي بطريق الكليني رحمه اللّه، و يمكن القول بصحّة الطريق المذكور، و لذلك يكون الفتوى بعموم المنع للصدقات الواجبة مشكلا، و إنّما هو أوفق بالاحتياط، كما لا يخفى ذلك على المتأمّل.

(516) الظاهر أنّه اتفاقيّ بين الأصحاب- قدس اللّه أسرارهم- و يدلّ عليه عموم ما دلّ على المنع من الزّكاة، الشامل لها.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 372

- فى الواجبة- (517) عدم الدفع إليه، و أحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة و لو مندوبة (518)، خصوصا مثل زكاة مال التجارة (519).

[مسألة 22: يثبت كونه هاشميّا بالبينّة، و الشياع]

[مسألة 22]: يثبت كونه هاشميّا بالبينّة، و الشياع (520)

______________________________

(517) و قد عرفت الوجه فيه آنفا، فلاحظ.

(518) الاحتياط بعدم دفع مطلق الصدقة استحبابي، و منشؤه: ما ربما احتمل- بل قيل به- من

المنع عن مطلق الصّدقة، نظرا إلى إطلاق تحريم الصدقات على بني هاشم، و قد عرفت الحال في ذلك آنفا، فلاحظ.

(519) كأن وجه الخصوصيّة فيه إنّما هو وجود القول بوجوبها، فتكون من الزكاة المفروضة، المحرّمة على بني هاشم و قد عرفت فيما تقدّم أنّ الظاهر- عندنا- هو وجوبها، فلاحظ.

(520) أمّا ثبوته بالبيّنة فظاهر، لعموم دليل حجيّتها بالنسبة إلى الموضوعات، و أمّا الشياع، فالمنسوب إلى المشهور هو ذلك، و لكن لا يقيّد ذلك بما إذا حصل منه العلم، فإنّ المفيد منه للقطع- بل الاطمينان- حجّة، بملاك حجّية القطع أو

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 373

و لا يكفي مجرّد دعواه (521)، و إن حرم دفع الزكاة إليه، مؤاخذة

______________________________

الاطمينان، بل يكتفى بالظني منه أيضا، و ذلك لما أفاده شيخنا العلّامة الأنصاري قدّس سرّه في نظير ذلك فى «الفوائد»، ما حاصله: أنّ اعتبار اليقين بالخصوص فى الموضوعات، الّتي يلزم فيها من الاقتصار في ترتّب الحكم عليها على خصوص مورد اليقين، رفع اليد عن الحكم المذكور فى الغالب غير ثابت قطعا، بل يكتفي في مثل ذلك بمجرّد الظنّ، بل الاحتمال أيضا، و إلّا لزم منه رفع اليد عن الحكم في غالب الموارد، و ذلك كما فى الضّرر، فإنّه لو اقتصر فيه على اليقين به- مع عدم حصوله غالبا إلّا بعد الوقوع فيه- مستلزم لرفع اليد عن دليل نفي الضّرر فى الغالب، و حينئذ فيكتفى فيه بالخوف و احتماله أيضا، كما هو ظاهر.

و المقام من هذا القبيل، فإنّ الاقتصار في ثبوت الهاشميّة على مورد العلم- أي خصوص ما إذا كان الشياع علميّا- يوجب الوقوع فى المخالفة الكثيرة لدليل حرمة الصدقة على الهاشميّ، إذ قلّ ما يقوم الشياع

العلميّ في حقّ أحد على كونه هاشميّا، و عليه فلا بدّ فيه من الاكتفاء بالشياع الظنيّ- أيضا- كما لا يخفى.

(521) لعدم كونه من الأمور الّتي لا يعلم إلّا من قبل المدّعي، و لا مثل الفقر الّذي قامت السيرة على حجيّة دعواه فيه، إذ لو توقّف ذلك على الثبوت العلمي، أو البيّنة، لزم منه عدم جواز إعطاء الزكاة إلّا للقليل النادر من الفقراء، إذ قلّ من يمكن في حقّه الثبوت بأحد الأمرين، و هذا بخلاف كونه هاشميّا، حيث أنّه لا يلزم من ردّ دعواه المجرّدة شيئا من ذلك، كما هو ظاهر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 374

له بإقراره (522)، و لو ادّعى أنّه ليس بهاشميّ يعطى من الزكاة، لا لقبول قوله، بل لأصالة العدم (523) عند الشك في كونه منهم أم لا، و لذا يجوز إعطاؤها لمجهول النسب كاللقيط.

______________________________

(522) و فيه تأمّل، إذ الإقرار إنّما يمنع من العمل بالحجّة بالإضافة إلى الأحكام الّتي تكون للمقرّ، لا بالإضافة إلى المالك و إفراغ ذمّته بذلك؛ بل الظاهر، أنّ الوجه فيه إنّما هو كون الدفع إليه حينئذ مصداقا للإعانة على الإثم و اغراء بالقبيح، في ما إذا كان المدفوع إليه يصرفه فيه في حوائجه، و ذلك لأنّه مع إقراره بكونه هاشميّا يقرّ لا محالة بحرمة تصرّفه فى الزّكاة، فمع إقراره بحرمة ذلك عليه يكون دفعها إليه إغراء بالقبيح و إعانة له على الإثم. و أمّا إذا لم يكن ممّن يصرفها في حوائجه، كان حينئذ دفع الزكاة إليه إتلافا و تضييعا لها.

و على الإجمال، لا يجوز دفع الزكاة إليه مطلقا، سواء أ كان ممّن يصرفها في حوائجه، أم لم يكن كذلك، كما لا يخفى.

(523) لا يخفى

أنّ حجّية الأصل المذكور مبتنية على حجّية الاستصحاب الجاري فى الأعدام الأزليّة، كما هو المقرّر في محلّه. و أمّا ما قيل «1»: من أنّ الوجه في حجّيته إنّما هو اتّفاق العلماء على العمل به في جميع أبواب الفقه، من النكاح، و الإرث، و الوصيّة، و البيع، و غير ذلك، فلا عبرة به، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الحكيم، السيّد محسن: مستمسك العروة الوثقى، ج 9: ص 312، ط الثالثة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 375

[مسألة 23: يشكل اعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولّد من الهاشميّ بالزنا]

[مسألة 23]: يشكل اعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولّد من الهاشميّ بالزنا، فالأحوط عدم إعطائه (524)، و كذا الخمس، فيقتصر فيه على زكاة الهاشميّ.

______________________________

(524) الظاهر أنّ الوجه في دعوى الجواز هو الانصراف إلى الولد الشرعيّ. و لكنّه غير ظاهر، فما دلّ على المنع من زكاة غير الهاشميّ له- بعد فرض صدق الولد عليه حقيقة، لغة، و عرفا، و شرعا- محكّم. و عدم ترتّب بعض أحكام الولد بدليل لا يقتضي نفي الأحكام مطلقا، لعدم الدليل عليه.

هذا ما وفّقنا اللّه- سبحانه و تعالى- لتحريره حامدين له عزّ شأنه أن منّ علينا بذلك، و شاكرين لفواضل نعمائه، و سوابغ آلائه. و يتلوه الجزء الثالث، إن شاء اللّه تعالى، و يبدأ من قوله قدّس سرّه:

«فصل في بقيّة أحكام الزكاة»، و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 377

فهرس الموضوعات

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 379

* كلمة المؤلّف 7

فصل في زكاة النقدين (9- 54) نصاب الذهب 9

نصاب الفضّة 17

اشتراط كون النقدين مسكوكين 20

اتّخاذ النقدين زينة 24

اشتراط مضيّ الحول 29

عدم وجوب الزكاة في المسبوك 30

عدم وجوب الزكاة في الحلّي 35

عدم الفرق بين الجيّد و الردي 37

حكم الدراهم و الدنانير المغشوشة 41

وجوب الاختبار في المغشوش مع الشكّ في البلوغ 44

عدم إجزاء المغشوش عن الجيّد 46

غشّ أحد النقدين بالآخر 48

كيفيّته زكاة الدراهم المغشوشة 50

ما تركه المسافر نفقة لأهله 51

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 380

فصل في زكات الغلّات الأربع (55- 168) زكاة

الغلّات الأربع 55

حكم السلت و العلس 56

حكم ما تستحبّ فيه الزكاة و حكم ما تجب فيه واحد 60

اعتبار النصاب في زكاة الغلّات 62

يشترط في زكاة الغلّات التملّك بالزراعة 67

وقت تعلّق الزكاة بالغلّات 72

اعتبار بلوغ النصاب فى الرطب حال الجفاف 81

تصرّف المالك فى العين بعد التعلّق 84

عدم وجوب الإخراج بعد الخرص بطلب الساعي 86

وقت الأداء في الغلّات 87

جواز المقاسمة و الدفع قبل الجذاذ 89

إخراج الزكاة بالقيمة 91

جواز الدفع من غير النقدين و حكم تكرار الزكاة 91

مقدار الزكاة في الغلّات 92

حكم ما إذا سقي الزرع بالأمرين 95

السقي بالدوالي مع الحاجة إليه 98

استثناء ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة أو الخراج 100

عدم وجوب الزكاة فى الأراضي الخراجيّة 101

استثناء ما يأخذه العمّال ظلما 104

استثناء المؤن من الزكاة 105

اعتبار النصاب بعد استثناء المؤن 114

المراد بالمئونة 120

استثناء قيمة البذر 121

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 381

فروع في استثناء المؤن 123

حكم الشكّ في كون الشي ء من المئونة 127

حكم النخيل و الزروع فى الأمكنة المتباعدة 128

حكم دفع الرطب أو العنب بعنوان زكاة التمر أو الزبيب 130

إذا ادّى الزكاة من جنس ما عليه بزيادة من باب القيمة 132

إذا مات الزارع بعد تعلّق الوجوب 135

إذا مات المالك و عليه دين 136

شراء النخل أو الزرع قبل تعلّق الزكاة أو بعده 143

اختلاف أنواع الثمر في الجودة و الرداءة 147

كيفيّة تعلّق الزكاة بالعين 151

جواز الخرص للساعي من قبل الحاكم 152

فائدة الخرص 157

اعتبار العدالة في الخارص 159

الاتّجار بالمال الّذي فيه

الزكاة قبل أدائها 161

جواز عزل الزكاة 163

جواز عزل مع وجود المستحق و عدمه و فائدته 165

حكم التبديل بعد العزل 167

فصل في ما يستحبّ فيه الزكاة (169- 207) تحديد مال التجارة 169

شرائط تعلّق الزكاة بمال التجارة 177

إذا كان مال التجارة من النصب الزكويّة 189

معاوضة أحد النصب الزكويّة بمثله أثناء الحول 195

الزكاة في مال المضاربة 197

الزكاة الواجبة مقدّمة على الدين 200

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 382

بعض أحكام مال التجارة 203

جملة ممّا يستحبّ فيه الزكاة 205

فصل في أصناف المستحقّين للزكاة (209- 315) في أصناف المستحقّين للزكاة 209

الفقير و المسكين 210

المراد بالفقير 212

حكم القادر على الاكتساب 218

حكم من لا يقوم ربحه بمئونته و تكفيه عين رأس ماله 221

إعطاء الفقير أزيد من مقدار المئونة دفعة 225

إعطاء الفقير أزيد من مئونة السنة دفعة 231

بعض ما يدخل فى المئونة 232

القدرة على التكسّب غير اللائق بحاله 235

صاحب الحرفة أو الصنعة الّتي لا يمكنه الاشتغال بها 237

طالب العلم مع القدرة على الاكتساب 239

تصديق مدّعى الفقر 242

احتساب الدين الّذي على الفقير من الزكاة 245

عدم وجوب إعلام الفقير بأنّ المدفوع إليه زكاة 249

الكذب في مقام المصلحة 251

انكشاف غنى القابض للزكاة 252

في دفع الزكاة إلى الغنيّ جاهلا أو متعمّدا 256

دفع الزكاة إلى الفقير باعتقاد علمه أو عدالته 258

العاملون عليها 260

شرائط الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا 263

الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ 268

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 383

وَ فِي الرِّقٰابِ 272

إعطاء الزكاة للمكاتب 275

ادعاء العبد كونه مكاتبا أو عاجزا 277

الغارمون و تحديدهم 280

ما يشترط في إعطاء الزكاة للغارم 282

جواز إعطاء الغارم من سهم سبيل اللّه 284

صور العذر فى الصرف فى المعصية 287

الدين المؤجّل، و الكسوب القادر على الأداء تدريجا 288

فروع في صرف الزكاة فى الغارمين 291

إذا كان الغارم مدينا لمن عليه الزكاة 293

إذا كان ديّان الغارم مدينا لمن عليه الزكاة 297

إذا كان دين الغارم لمصلحة 299

المراد من سبيل اللّه 301

المراد من ابن السبيل 306

مقدار ما يعطى لابن السبيل من الزكاة 308

غير القادر على الإنشاء السفر مع لزومه ليس من ابن السبيل 311

إذا دفع الزكاة ثمّ انكشف عدم وجوبها عليه 313

فصل في أوصاف المستحقّين (317- 375) في أوصاف المستحقّين 317

اعتبار الإيمان في مستحقّ الزكاة 317

إعطاء الزكاة لأطفال المؤمنين و مجانينهم 320

حكم الصبيّ المتولّد بين المؤمن و غيره 324

إعطاء ابن الزنا من المؤمنين، و إعطاء غير المؤمن أهل نحلته 327

وقت النيّة في دفع الزكاة للأطفال و المجانين 329

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، ج 2، ص: 384

إعطاء الزكاة لعوام الشيعة الجاهلين 329

دفع الزكاة لفسّاق المؤمنين 333

عدم اشتراط العدالة فى الفقير 334

اشتراط العدالة فى العاملين 337

عدم جواز دفع الزكاة لواجبي النفقة على المزكّي للتوسعة 338

فروع في دفع الزكاة إلى واجبي النفقة 345

جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته على غير المزكّي 346

عدم جواز دفع الزكاة إلى زوجة الموسر الباذل و الممتنع منه 348

جواز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها 350

حكم دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة مع سقوط نفقتها بالنشوز 351

جواز دفع الزكاة إلى من يعوله المزكّي

تبرّعا 352

جواز دفع الوالد الزكاة إلى ولده للتزويج أو للصرف 355

عدم جواز إعطاء الزكاة لواجب النفقة للإنفاق من جميع السهام 355

إعطاء الزكاة لمملوك الغير 359

عدم جواز دفع زكاة غير الهاشميّ للهاشميّ 359

جواز دفع زكاة الهاشميّ للهاشميّ 362

جواز أخذ الهاشميّ زكاة غيره عند الاضطرار 363

بيان ما هو المحرّم من صدقات غير الهاشميّ على الهاشميّ 368

طريق ثبوت كون المدفوع إليه هاشميّا 372

قبول ادّعاء نفي الهاشميّة 374

حكم إعطاء زكاة غير الهاشميّ لمن تولّد من الهاشميّ بالزنا 375

* فهرس الموضوعات 377

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الزكاة، 3 جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، تهران - ايران، اول، 1418 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.